عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - أبرم شبيرا

صفحات: [1]
1
العمل القومي الآشوري
نظرة مقارنة بين الوطن والمهجر
===================
أبرم شبيرا

 
ضمن إحتفالات الأول من نيسان عيد رأس السنة الآشورية (6774)، سيقوم المركز الثقافي الآشوري في نوهدرا (دهوك) بتوزيع الكتاب المعنون (العمل القومي الآشوري – نظرة مقارنة بين الوطن والمهجر)  لمؤلفه أبرم شبيرا مجاناً. ونظرا لورود في الكتاب وقائع موضوعية معاصرة وأفكار وطروحات مثيرة  للجدل والمناقشة، لذا سينظم المركز أثناء الإحتفالات جلسة حوار مفتوحة لمناقشة مؤلف الكتاب عن المواضيع والإفكار التي طرحت في الكتاب، وسيحدد تاريخ جلسة الحوار لاحقا.
As part of the celebrations of the First of April, The Assyrian New Year Day (6774), the Assyrian Cultural Center in Nohadra (Dohuk) will distribute free of charges the book entitled (Assyrian National Performance – A Comparative View Between the Homeland and the Diaspora) authored by Aprim Shapera. Due to the contemporary objective facts, controversial & proposed ideas which referred in the book, the Center will organize during the celebrations an open dialogue session to discuss the author on the topics and ideas raised in the book. The date of the dialogue session will be determined later.

 
Assyrian Cultural Center Publication - 32, Nohadra (Duhok), Iraq, 2024


The book is distributed free of charge.
All copyrights, Reproduction and Quotation are available to all Assyrians.
 Aprim Shapera

ASSYRIAN NATIONAL PERFORMANCE
A Comparative View Between
the Homeland - Alqoosh

and the Diaspora - Chicago

2
العمل القومي الآشوري
نظرة مقارنة بين الوطن والمهجر
===================
أبرم شبيرا

 
ضمن إحتفالات الأول من نيسان عيد رأس السنة الآشورية (6774)، سيقوم المركز الثقافي الآشوري في نوهدرا (دهوك) بتوزيع الكتاب المعنون (العمل القومي الآشوري – نظرة مقارنة بين الوطن والمهجر)  لمؤلفه أبرم شبيرا مجاناً. ونظرا لورود في الكتاب وقائع موضوعية معاصرة وأفكار وطروحات مثيرة  للجدل والمناقشة، لذا سينظم المركز أثناء الإحتفالات جلسة حوار مفتوحة لمناقشة مؤلف الكتاب عن المواضيع والإفكار التي طرحت في الكتاب، وسيحدد تاريخ جلسة الحوار لاحقا.
As part of the celebrations of the First of April, The Assyrian New Year Day (6774), the Assyrian Cultural Center in Nohadra (Dohuk) will distribute free of charges the book entitled (Assyrian National Performance – A Comparative View Between the Homeland and the Diaspora) authored by Aprim Shapera. Due to the contemporary objective facts, controversial & proposed ideas which referred in the book, the Center will organize during the celebrations an open dialogue session to discuss the author on the topics and ideas raised in the book. The date of the dialogue session will be determined later.

 
Assyrian Cultural Center Publication - 32, Nohadra (Duhok), Iraq, 2024


The book is distributed free of charge.
All copyrights, Reproduction and Quotation are available to all Assyrians.
 Aprim Shapera

ASSYRIAN NATIONAL PERFORMANCE
A Comparative View Between
the Homeland - Alqoosh

and the Diaspora - Chicago

3
على ضوء الإندماج بين الحركة الديموقراطية الآشورية وحزب أبناء النهرين:
-------------------------------------------

آذار 2017 – آذار 2024 – بعد سبع سنوات الحلم يتحقق
----------------------------------
أبرم شبيرا
في شهر آذار من عام 2017 ونتيجة للظروف المأساوية التي كانت تمر بها أمتنا الآشورية وإستجابة لمطلب الكثير من أبناء شعبنا وتحديداً المهتمين بالشأن القومي في ترتيب لقاء بين قيادتي الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) وكيان أبناء النهرين (كيان)، ثم حزب فيما بعد، وبعد إجراء الإتصالات بين الطرفين أثمرت عن  تشكيل لجنة ثلاثية للتنسيق بينهما مكونة من السيد شيبا مندو رئيس المجلس القومي الآشوري في ولاية ألينوي الأمريكية والحاكم ميخائيل من نوهدرا وأبرم شبيرا من لندن بمسعى حل الخلافات بين زوعا والكيان، كما تم الإتفاق على تعيين كل طرف ثلاثة من الأعضاء القياديين لتكتمل لجنة التباحث بتسعة أعضاء.

ثلاثة من قيادة زوعا وثلاثة من قيادة أبناء النهرين مع ثلاثة من لجنة التنسيق متكاتفين واثيقين من أستمرار نضال الحركة الديموقراطية الآشورية على طريق الوحدة والتضامن.
=========================================================
وبعد إتصالات مثمرة عقد الاجتماع الأول في يوم الجمعة بتاريخ 17 شباط 2017 في مقر الحركة الديموقراطية الأشورية في أربيل فكان فعلا إجتماعا ساد فيه جو من التفاهم والصراحة والإصرار على الوصول إلى نتيجة مثمرة. فتم الإتفاق على وضع ثوابت مبدئية لأزالة الخلافات والتي من المقرر مناقشتها وإقرارها في الإجتماع  القادم وكان هناك ثقة بأن قياديي الطرفين هم على مستوى عالي من المسؤولية للوصول إلى نتائج مرضية لأبناء شعبنا لتتعزز ثقة شعبنا في مسيرة حركتنا القومية.... فكانت هناك مفاجأة سارة جداً عندما أثمرت اللقاءات بنجاح التوحيد بين الطرفين فدخدخت عقولنا وأهتز ضميرنا فرحاً، فما كان مني إلا أن أكتب بهذه المناسبة السارة هذا الموضوع وينشر في موقع عنكاوه بتاريخ 20/آذار/2017:
مفاجأة سارة جدا:
نجاح محاولات التوحيد بين الحركة الديموقراطية الآشورية وكيان أبناء النهرين ؟؟!!
================================================
أبرم شبيرا

أنها فعلا مفاجأة سارة ... بل سارة جداً، لأنه لأول مرة في تاريخنا القومي القديم والوسيط والحديث نستقبل مثل هذه المفاجأت السارة والمفرحة للقلوب والعقول. ولا أعتقد بأن أحد من أبناء امتنا الغيارى لا تبهجه مثل هذه المفاجأت ولكن بالمقابل نقول بأنها مفاجأة مفجعة ومأساوية بالنسبة للإبليس وأخوانه ويهوذا الإسخريوطي وأحفاده. بمجرة نظرة بسيطة إلى الصفحات المطولة لتاريخنا نجد بأن القاسم المشترك بينهم هو الإنشقاق وتمزق جسم امتنا والتمرد عليها والتشرد في زوايا العالم الأربعة. ولكن في هذه الأيام العصيبة وبين هذه الإرهاصات المدمرة لأمتنا ظهر رجال شجعان من الحركة الديموقراطية الآشورية وكيان أبناء النهرين ليقولوا وبصوت صارخ متحدين قرون طويلة من تاريخنا المأساوي: كفى ... ثم كفى إنشقاقات في كيان أمتنا العظيمة، فاتحين صدورهم أمام كل التحديات وعواصف الرياح الصفراء واقفين بصلادة وإصرار على الشروع لوقف نزيف الإنشقاقات التي تفعل فعلها المدمر في أمتنا رافعين رايات أبطالنا التاريخيين شعاراً لهم في الوحدة والقوة كسبيل لإستمرار مسيرة حركتنا القومية نحو تحقيق أهدافها المشروعة وليزرعوا فرحة في قلوب أبناء أمتنا تتمازج مع أفراح عيد الأول من نيسان القادم. أفلا تستحق أبناء هذه الأمة العظيمة فرحة واحدة في هذا الزمن القاسي؟؟؟ بلى والله بلى.

هذه الوقفة التاريخية البطولية لم تكن وليدة صدفة بل هي نتاج لمواقف وأفكار أبطال زوعا والكيان، مواقف تاريخية لم نشاهد مثيلاً لها في الحياة السياسية، لا في أمتنا ولا في الأمم الأخرى. فعندما غادر بعض من أبناء زوعا وشكلوا كيان خاصة بهم لم تكن هذه المغادرة لا فكرية ولا منهجية ولا سياسية بل مجرد تحول من موقع تنظيمي إلى موقع تنظيمي آخر، إنتقال من غرفة إلى غرفة ضمن حدود نفس البيت الأبوي الذي شيد قبل ما يزيد عن أربعة عقود، البيت الذي شيد بسواعد أبناء أمتنا الغيارى وجبلت جدرانه بدماء شهداءنا الأبرار. أي لم تكن مغادرة فكرية ومنهجية وسياسية بل مجرد شكل من أشكال الإختلاف الإداري والتنظيمي. وهذا ما أكده كيان أبناء النهرين في أحدى بياناته عندما يقول: (لقد اخترنا وبقناعة تامة وبثقة.. ان نتواصل فيما اعلناه منذ انطلاقتنا، ولكننا نؤكد مرة اخرى بأن فكر ونهج زوعا سيبقى الحاضنة الفكرية لنا.. وملجأنا ومرجعيتنا مهما كانت الظروف، وليس بمقدور كائنا من كان ان يسلخ عنا هذه القناعة، وسنبذل وكما عاهدنا شهدائنا الخالدين ووعدنا رفاقنا وجماهير شعبنا كل جهدنا من أجل الامة والدفاع عن كامل حقوقها المشروع)      
وبالمقابل لم يكن قادة الحركة الديموقراطية الآشورية أقل كرماً ووعياً في إدراك مأساوية الظروف التي تحيط بأبناء أمتنا في هذه الأيام العصيبة فأصدر مكتبها السياسي بياناً جاء فيه: (...انطلاقا من حساسية المرحلة والظرف الدقيق والمنعطف الخطير الذي يمر به شعبنا، ومن اجل المزيد من التلاحم وتقوية الصف الداخلي لحركتنا المقبلة على مؤتمرها قريبا، فان اللجنة المركزية في اجتماعها الاخير اكدت على اتاحة الفرصة امام أعضاء الحركة السابقين ممن اضطرتهم الظروف الذاتية والموضوعية للابتعاد والعزوف عن العمل التنظيمي او الذين اتخذت بحقهم إجراءات تنظيمية، للعودة والتواصل في صفوف التنظيم لتعضيد المسيرة النضالية من اجل اهدافنا المشتركة). نعم... أقولها وبكل ثقة ودقة بأنني لم أقرأ ولم أسمع طيلة حياتي مثل هذا الكرم الحزبي والتسامح السياسي لا في أحزابنا القومية ولا في الأحزاب العراقية ولا حتى في أحزاب الكثير من دول العالم. فالإستثنائية الفريدة لهذا البيان تمثلت في سعة إنفتاح الأبواب أمام المغادرين للعودة إلى البيت الأبوي من دون قيد وشرط. أي بهذا المعنى، فحتى الذين كانوا ليل نهار يشتمون ويلعون زوعا وقيادتها فأن لهم الحق أن يعودوا ويحضروا المؤتمر القادم... فبهذا فعلاً أثبتوا بأنهم أبناء هذه الأمة العظيمة. وهنا ويجب أن لا ننسى بأننا على أعتاب الإحتفالات الأول من نيسان عيد البهجة والسرور ليضيف مزيدا من البهجة والسرور على نجاح محاولات تحقيق الإندماج بين الطرفين.

إذن اين المشكلة طالما الفكر والنهج والسياسة والجذور والمرجعية والشهداء والقناعات كلها واحدة بين الطرفين فبهذه السهولة وبعمق التفكير ووضع المصلحة العامة القومية فوق جميع الإعتبارات تحققت الوحدة بين الطرفين ورجعت المياه الصافية إلى مجاريها والكل مبتهجين فرحين وهم ذاهبون إلى المؤتمر القادم لزوعا متهيئين بالتمام والكمال لإحتفالات عيد الأول من النيسان، عيد التلاحم والوحدة والمصالحة والتسامح... بارك الله فيكم جميعاً على هذه البشرى السارة التي قدمتموها هدية رائعة لأبناء أمتنا المناضلة محفوفة بحزمات من الفرح والسرور والبهجة... أنها فعلاً مفاجأة تاريخية يصعب تصديقها... ... أنها عاصفة هوجاء في ساحتنا السياسية القومية يصعب تحملها من شدة بريقها المضئ لمسيرة حركتنا القومية... أنها بركان الفرح والبهجة لكل المخلصين من أبناء أمتنا... لا بل  أنها زلزال قوي هز صفحات تاريخنا القومي الطويل ونفض منها تراب الإنشقاقات والحقد والكراهية ... فعلاً أنها زلزال هزت الأرض وبمن عليها ... يا إلهي.. زلزال حقيقي حتى أنه هز كل كياني وأفكاري وأيضا هز جسدي هزات قوية متواصلة ومن الكتف إلى الكتف الآخر مقرونة بصدى صوت مرتبك ومتقطع... وإذ بحفيدي الصغير جوزيف يهز جسمي ويصرخ: جدو.. جدو... أنهض أستقيظ من النوم لقد تأخرت عن العمل.. فلم أهتم بتحذيراته المتكررة وأنا مستمتع بحلمي الجميل والمفرح فأستنجد بأخته الأكبر منه لتساعده في التشديد من قوة هز جسمي وإجباري على النهوض من فراش النوم فأستسلمت لهم ونهضت وكأنني راجع من حفلة عرس كبيرة ملئية بالإفراح والإتراح ثم فكرت مع نفسي وقلت يجب أن لا أكون أنانياً فواجبي "القومي" وتحقيقاً للمصحلة العامة والمنفعة الشاملة يجب عليً أن أعرض هذا الحلم الجميل على القراء حتى هم أيضا يستمتعون به وأن كانوا يستحقوق أكثر من هذا الحلم... يستحقوق أن يتحقق مثل هذا الحلم الجميل في واقع جميل ... ولكن، كما قلنا سابقا، من يستطيع تحقيق الأحلام الجميلة لأمة ما غير أبطالها ... ونحن نعرف في كل أمم العالم لهم أبطال قوميين أفهل لنا أبطال يستطعيون تحقيق مثل هذه الأحلام القومية الجميلة؟؟

هكذا، عندما يعجز الإنسان عن تحقيق طموحاته ورغباته، ينقاد بوعي أو بدونه إلى الخيال لكي يحقق ما لم يستطيع تحقيقه في الواقع، فيكون مستيقظاً ولكن عقله يتخيل ويستحضر حالات من الواقع، وهو ما يعرف بالأحلام اليقضة. هذه الحالة الخيالية قد تنتقل من منطقة الوعي إلى منطقة اللا وعي حينئذ يكون للإنسان أحلام ليلية يتصور من خلالها ومن دن وعي بأن طموحاته ورغباته قد تحققت. ولكن، الأن نحن في شهر آذار من عام 2024 فالحلم بدأ يتحقق بعد سبع سنوات عجاف وتتناثر ورود فرحة التوحيد بين زوعا والكيان ولنا كل الأمل أن تستمر هذه الفرحة من خلال المسيرة النضالية المكللة بتحقيق حقوقنا القومية التي أرتكنت على الرفوف العالية منذ زمن طويل لتخلق فرحة ولو بسيطة في قلوب أبناء شعبنا العطاشى للحرية والعدالة. فنقول ألف مبروك لأبناء شعبنا الخيارى قبل أن نقولها لرواد التوحيد بين زوعا والكيان، وليكن معلوماً للجميع وحذرين بأن الأيام القادمة ستكون أصعب من الأيام الماضية.

4
المرحوم زكريا عوديشو زكريا

 
بين
الولادة في 14/01/ 1932 و الوفاة في 14/01/2024

================================
أبرم شبيرا
عندما يأتي الإنسان إلى هذا العالم ويغادرها إلى العالم الآخر في نفس اليوم والشهر، أي بعبارة أخرى، عندما يولد في يوم معين وشهر معين ثم بعد عقود طويله من الزمن يتوفى في نفس اليوم والشهر أمر يقارب الخيال ويدخل عالم الميتافيزيقا ويثير التساؤل والإستغراب والعجب والحيرة عن هذه الصدفة التاريخية الغريبة. ولكن مع هذا كله، فإن ولادة المرحوم زكريا عوديشو زكريا في الرابع عشر من شهر كانون الثاني عام 1932 وبعد عمر جاوز تسعة عقود ويتوفى في نفس اليوم والشهر في عام 2024 يمحي غرابة الصدفة التاريخية و تصبح حقيقة واقعية نادرا جداً أن لم تكن مستحيلة في حياة الإنسان، وعلى الأقل في عصرنا الحالي.
ولد المرحوم زكريا عوديشو زكريا البيلاتي في الرابع عشر من شهر كانون الثاني من عام 1932 في قرية إقري في منطقة بروار في شمال بلاد آشور، وهي قرية ضمن مجموعة قرى سكنتها قبيلة البيلاتي، أكبر قبائل عشيرة تياري السفلى المستقلة والمعروفة ببسالتها وصلابة مواقفها المبدئية والتي ضحت بمئات من رجالاتها من أجل الدفاع عن القيم التي آمنت بها وحافظت على تراثها وتقاليدها وعلى طيبة علاقتها مع بقية العشائر الآشورية، وبالأخص مع العائلة البطريركية لكنيسة المشرق الآشورية.
أنتقل المرحوم، وعمره لم يكن يتجاوز اربعة أعوام، مع عائلته المتكونة من والدته وشقيقتين إلى الحبانية مع والده الذي أنضم إلى القوات الآشورية المعروفة بـ "الليفي". 
والحبانية في تلك الفترة، والتي كانت تشكل أكبر تجمع جغرافي متجانس للآشوريين والأرمن، هناك ترعرع وعاش أيام شبابه بعد أنضمامه إلى مدرسىة رابي ياقو المشهورة في تلك الفترة في الحبانية والتي جمعت بين الآشوريين والأرمن وتخرج منها الكثير من الشباب الآشوري المبدعين في مختلف مجالات الحياة الفكرية والثقافية والفنية والقومية والسياسية ومن بينهم المرحوم زكريا الذي تعلم  فيها اللغة الآشورية والإنكليزية والعربية. وبهذه المناسبة يجب أن لا ننسى أوسطه موشي يوخنا مؤسس أـول تنظيم قومي آشوري الذي عرف بـ "خيت خيت ألب" في الحبانية. وهناك وفي مقتبل حياته الشبابية  قام المرحوم زكريا بدراسة أصول الفن الموسيقي واللغة الموسيقية (Music Notes) وممارسة العزف على عدة ألات موسيقية منها الكمان والكلارانيت والساكسفون وبرع بالأخص في آلتي الساكسفون والكلارانيت، فأنضم إلى الفرقة الموسيقية للجيش البريطاني في الحبانية. وبسبب براعته في العزف على الساكسفون أشتهر في تلك الفترة بـ (زاك عازف الساكسفون الذهبية) فكان العازف الآشوري الوحيد بين العازفين البريطانيين ضمن فرقة موسيقية عرفت بـ "ميلو باند". وخلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي قام مع أصدقائه الآشوريين بتأسيس أول فرقة موسيقية آشورية سميت بفرقة (بابيلون – أي بابل) والتي كانت تعتبر الفرقة الموسقية الآشورية الوحيدة التي قامت بإحياء الكثير من المناسبا في بغداد و البصرة وكركوك والرمادي وحتي عزفت هذه الفرقة في أحدى المناسبات الآشورية في إيران، كذلك قامت بأحياء حفلة في السفارة الأمريكية في بغداد في الرابع من تموز بمناسبة عيد الاستقلال الأمريكي.
ثم، مع بداية تقلص نفوذ البريطانيين في الحبانية بدأ الآشوريين بالإنتقال إلى بغداد ومنهم المرحوم زكريا وعائلته، وهناك أيضا أسس مع أصدقائه فرقة موسيقية عرفة بـ (اربائيلو) والتي بدأت أعمالها الموسيقية بإحياء العديد من الحفالات والمناسبات، فكانت أول فرقة موسيقية آشورية تعزف في محطة تلفزيون بغداد بعد ثورة تموز عام 1958. وخلال كل تلك الفترات، تبوئ المرحوم العديد من المناصب والوظائف المختلفة في مجال العمل المهني  وكذلك في الأعمال الحرة، سواء في الحبانية أو في بغداد.
وبعد أحداث ثورة تموز عام 1958، هاجر الكثير من الآشوريين إلى بريطانيا وأكثرهم كانوا من الحبانية وأستقر معظمهم في منطقة إيلينك في المنطقة الغربية من لندن ومنهم المرحوم زكريا. وبعد عام 1968 وإستيلاء حزب البعث العربي الإشتراكي للسلطة في العراق، أزدادت وتيرة هجرة الآشوريين لوطنهم إلى الخارج. وفي لندن لم يتوانى المرحوم زكريا في الإستمرار بنشاطه الفني والإجتماعي والقومي، حيث ألتقى هناك ببعض أصدقائه القدامى فأستمر في ممارسة نشاطه الفني بالعزف على آلة الساكسفون.
ثم بإزدياد عدد الآشوريين في لندن تطلبت الحاجة إلى تأسيس نادي آشوري هناك فكان المرحوم من بين المؤسسين له. وهذا النادي لحد هذا اليوم لا زال قائماً والذي يعرف بـ "Assyrian House". وأستمر المرحوم بنشاطه الفني والإجتماعي وفي الأعمال التجارية في لندن حتى عام 1980 حيث هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية متنقلا بين كاليفورنيا وشيكاغو. وهناك لم يستكين الأمر به إلا وأن يستمر في أبداعاته الموسيقية كعازف على الساكسفون، فشارك في إحياء العديد من المناسبات القومية ومنها على شاشة التلفزيون الآشوري بيت نهرين، لا بل وشارك أيضا بمعزوفاته الشجية والجميلة مع عدة فرق سمفونية وأوكسترات وعزف أيضا في بعض المناسبات في الجامعات الأمريكية في كاليفورنيا، لحين بدأت السنين تتراكم عليه وتزيد من شيخوخته فتدهورت صحته تدريجيا مما أضطر لمغادرة كالفورنيا إلى شيكاغو بعد وفاة رفيقة حياته  السيدة هيلين عام 2008، حيث أستقر هناك بالقرب من شقيقه بنيامين وشققاته وأقاربه حتى ضاقت به الشيخوخة وبالتالي سلم روحه الطاهرة إلى خالقها في يوم الأحد المصادف في 14/01/2024، وهو نفس يوم ميلاده الثاني والتسعون.... يا لها من صدفة غريبة قلما نجد مثلها في التاريخ. وبمناسبة الأربعينية سيقام قداس إلهي على روحه الطاهرة يوم الأحد المصادف 25/شباط/2024 في كنيسة القديسين مار سركيس ومار باكوس في مدينة سكوكي في ولاية ألينوي الأمريكية.
شخصياً عرفت المرحوم زكريا كإنسان ممتلئ بالنشاط والحيوية حتى في آخر أيامه، فكان في غاية الطيبة وهادئ الطبع ودمث الأخلاق وجميل المعشرة مع الجميع بحيث كان من بين أكثر الناس الذين عرفتهم له أصدقاء كثر بعيدا عن الإنانية والتكبر ملئه التواضع والبساطة في حياته الطويلة.. وأخيرا، وبهذه المناسبة، إذا كان بعد المسافة قد حال دون حضوري لمراسيم دفنه و القداس الأربعيني على روحه الطاهرة، فأرجو أن تكون هذه السطور فرصة لأعبر عن خالص تعازي الشخصية لشقيقه الصديق بنيامين عوديشو أسخريا وزوجته السيدة شميران مالك كوركيس وشقيقاته ميمي وخاتون وأسمر وجيني ولأولاده وبناته أدمون وأدلين وفابيان ولندا ولجميع أحفاده و أقربائه وأن ينعمهم ربنا يسوع المسيح بالصبر والقوة والسلوان وأن تبقى ذاكرة المرحوم مكللة بالفخر والإعتزاز بين الجميع  ومحمية برحمات ربنا يسوع المسيح وأن تنعم روحه الطاهرة بالراحة الأبدية في جنات الخلد.



5
تركيا تقول خونة بيننا... والآشوريون يقولون: أبطال بيننا
 
أبطال من أبناء أمتي: القس يوسف أقبولت وعضو البرلمان "التركي" جورج أريو

=====================================

أبرم شبيرا
البطل هو الشخص الذي يواجه التحديات بشجاعة ومن دون تردد أو تمشدق أو رياء، سواء حقق من تحدياته نتائج ملموس أم كانت لشجاعته مضامين  تعبر عن رسالة تعكس الحقيقة الواقعية التي يؤمن به، هو أو الجماعة أو القومية التي ينتمي إليها. فالمذابج الشنيعة التي أرتكبها العثمانيون بحق أبناء أمتنا أثناء الحرب الكونية الأولى وما بعدها، هي حقيقة واقعية نطق بها الأب الشجاع يوسف أقبولت  قبل أكثر من عقدين من الزمن ولا يمكن نكرانها. ونحن أبناء سومر وأكد وبابل وأشور ولنا لغتنا القومية المختلفة عن لغات القوميات الأخرى هي حقيقة موضوعية أيضا نطقها العضو الآشوري السرياني الشجاع في البرلمان التركي جورج أريو بعد أكثر من عقدين من الزمن ولا يمكن نكرانها. فالحقيقة الموضوعية تبقى ولا تتآكل مع تقادم الزمن.  وضمن الحقيقة الأولى، كانت اللجنة الفرعية للكونغرس الأمريكي في عام 2000 قد أقرت وأعترفت بمذابح الأرمن التي أرتكبها الأتراك قبل الحرب الكونية الأولى وما بعدها بعد أن طالبت فرنسا والمجتمع الآوروبي تركيا بالإعتراف بهذه المذابح، فقامت قيامة تركيا في تلك الفترة، فشنت حملة واسعة لتبرئة نفسها من هذه المذابح وصرفت الملايين من الدولارات لإنكارها وأصبح التطرق إليها وإستذكارها كمذبحة بحق المسيحيين خيانة يعاقب عليها القانون. وضمن هذه الحملة أجرت جريدة "حريات" التركية الواسعة الإنتشار  مقابلة مع الأب الشجاع يوسف أقبولت راعي كنيسة القديسة مريم للسريان الأرثوذكس في دياربكر. ففي رده على سؤال الجريدة حول مذابح الأرمن ذكر الأب الشجاع يوسف بأنه خلال تلك السنوات ليس الأرمن وحدهم قتلوا في هذه الإبادة من قبل الأتراك وبمساعدة الأكراد بل السريان الآشوريين أيضا. ففي الرابع من شهر تشرين الأول لعام 2000، نشرت الجريدة هذا اللقاء وتحت عنوان (خائن بيننا) مع صورة الأب يوسف فتم أعتقاله من قبل الشرطة السرية التركية وأتهم بتهمة "تحريض الجماهير ونشر البغض والحقد العنصري" وتم إحالته لمحكمة أمن الدولة، وهي تهمة يعاقب عليها القانون التركي بالسجن لمدة لا تقل عن سنة. وإذا كان النطق بهذه الحقيقة تهمة وخيانة عند الأتراك، لكن عندنا نحن الآشوريين تحدي وشجاعة من الأب يوسف أقبولت لأنها حقيقة تاريخية لا تلغيها إستبدادية الأنظمة المتحكمة في رقاب شعبنا بل يجب الإفصاح عنها لأن الساكت عن الحق هو  شيطان أخرس. ومن المؤسف أن نرى اليوم في شعبنا أكثر من هذا النوع من الشيطان الأخرس الذي يستميت لإنكار الحقيقة التاريخية لأمتنا وإخفاءها بالغربال متجاهلين بأن مثل هذا الغربال مهما كانت صلابته وقوته لا يمكن أطلاقا حجب شمس حقيقة شعبنا المناضل.

الأب الشجاع يوسف أقبولت واقفاً في قفص الأتهام (بالأحرى قفص الشجاعة والتحدي) أمام محكمة الدولة التركية
================================================================
وضمن الحقيقة الثانية وفي أيامنا هذه، وتحديداً في نهاية هذا العام 2023 وقف عضو البرلمان التركي الشجاع جورج أريو، ليكون فعلاً أريو (أسد) وينطق بحقيقة واقعية وبلغته القومية قائلا " أهنئ كل المسيحيين الأرمن والسريان الاشوريين والخمسة بطاركة في كنائسنا وكل المطارنة وأحزاب شعبنا ومؤسساته ومواطنينا في هذا البلد بمناسبة اعياد الميلاد وأتمنى أن تكون السنة القادمة سنة الأمن والسلام لبلدنا وفي كل أنحاء العالم ، و لشعبنا العودة إلى موطنه". ثم تعالى نعيق بعض المتطرفين الترك في البرلمان التركي إحتجاجاً على نطقه للحقيقة بلغته القومية غير التركية. فرد عليهم أريو قائلا "نحن لم نأتي من كوكب آخر نحن جذورنا تمتد إلى 12 الف عام في هذه الأرض والبلد... نحن أبناء سومر وأكد وبابل وأشور وعليكم القبول بهذا" هكذا نطق الأسد الآشوري السرياني بالحقيقة الموضوعية لشعبنا وأصالته التاريخية، وهي الحقيقة التي ترعب المتطرفين ورجال الأنظمة الإستبدادية لأنها السلاح الذي لا تسطيع مقاومتها لا بأنظمتهم الإستبدادية ولا بجيوشهم الغدارة. وحتى يعلموا هذه الحقيقة عليهم أن يسألوا أسلافهم المستبدين من السلطان عبد الحميد وأتاتورك ومدحت باشا وناظم باشا ويتعلموا بأن أسلافهم هؤلاء رغم أنهم أستطاعوا ذبح الملايين من أبناء شعبنا ولكن سيوفهم لم تستطيع حجب شمس حقيقة شعبنا التاريخية. أفليس من واجبنا أن نرفع قبعاتنا أمام الشجاع جورج أريو؟
https://www.facebook.com/search/posts/?q=%D8%AC%D9%88%D8%B1%D8%AC%20%D8%A3%D8%B1%D9%8A%D9%88&sde=AbqdZmtVmvj1dhdvJSPQa0fYnT_9n1PbZvmNY6hXx--47SOu_2V2i_F5VzthCz2fPr8XoNVMjq6APnn22j83guI1AFiFl4WEnRLxEXyNSH0L4qN8HoA_3pEfV3Jd86Ft50bcqLlRSgPLEPToD9Ku7Q1_
ألف شكر لكل الذين دخلوا على مواقع التواصل الإجتماعي ومنها الفيس بوك أعلاه، وأستمعوا إلى كلمة الأسد الآشوري في البرلمان التركي وترجموا كلمته وكتبوا تعليقاتهم عليها تثميناً وتقديرا لشجاعته.
وأخيرأ، لنتعلم من شجاعة جورج أريو ونأخذه كعبرة في عملنا السياسي القومي، خاصة بالنسبة لشعبنا في بلدان المهجر. فالشجاع جورج أريو لم يكن منتمي إلى حزب سرياني أو آشوري أو كلداني ولا لأية مؤسسة من مؤسسات شعبنا أوصلته إلى قبة البرلمان التركي، بل كان ممثلاً لشعبنا عن حزب اليسار الخضر ومن خلاله تمكن قول الحقيقة عن شعبنا وعن لغته وأصالته التاريخية عبر هذا المنبر الرسمي. هكذا يجب أن يكون الحال مع القوميين الآشوريين في بلدان المهجر. فمن المؤكد أن أحزابهم السياسية القومية لا يمكن أن توصلهم إلى مواقع مهمة وحساسة يمكن من خلالها قول الحقيقة التاريخية عن شعبنا. والسنوات الماضية من تاريخ شعبنا في المهجر تثبت ذلك. لذلك عليهم العمل المضني للإنضمام للأحزاب الديموقراطية والتقدمية لبلد المهجر الذين يعيشون فيه ومحاولة الوصول إلى مراكز صنع القرار السياسي لتكون منبراً لإسماع صوت أمتنا للجهات المعنية ولمراكز صنع القرار السياسي، وهو الموضوع الذي سنتناوله في كتابنا المعنون (العمل القومي الآشوري – نظرة مقارنة بين الوطن والمهجر) والذي من المؤمل أن ينشر ويوزع أثناء أحتفالات عيد رأس السنة الآشورية في الأول من نيسان في وطننا العزيز آشور.

 لك يا أب الشجاع يوسف أقبولت ولك يا شجاع جورج آريو ولكل الآشوريين الذين لا يخافون ولا يترددون من قول الحقيقة التاريخية لشعبنا نرفع لهم قبعاتنا أحتراماً وإجلالا لهم. أما للذين يخافون من التصريح بالحقيقة التاريخية لشعبنا فلهم كل الذل والمهانة.
فليكن عام 2024 عام الأشوري السرياني جورج أريو، عام التحدي والشجاعة لجميع أبناء امتنا.
حقا صدق وليم شكسبير عندما قال:
يموت الجبناء مرات عديدة قبل أن يأتي أجلهم، أما الشجعان فيذوقون الموت مرة واحدة




6
الكونفنشن الآشوري الـ (90) للإتحاد القومي الآشوري الأمريكي
 كان الأول من نوعه في تاريخ الآشوريين المعاصر


==========================================
August 1933 - آب 2023

الأباء المؤسسون للإتحاد القومي الآشوري الأمريكي – من اليسار إلى اليمين:
رولاند أزي، يونان ديفيد جاكوب، جوزيف دورنه ثم المفكر القومي الكبير المحامي ديفيد بيرلي.
====================================================
بعد تسعة عقود
August 2023 – آب 2023


السيد آشور شمعون رئيس الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي وأعضاء الهيئة التنفيذية
======================================================
يعتبر الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي (،(Assyrian American Nation Federation وإختصارا يعرف بـ (AANF) من أقدم المنظمات القومية الآشورية في العالم والذي تأسس عقب مذبحة سميل عام 1933 من قبل كبار المثقفين والقوميين الآشوريين في منطقة يونكرز في نيويورك – الولايات المتحدة الأمريكية. وأقدمية هذا الإتحاد تتمثل في الميزة الفريدة  للإتحاد وهو إستمراره وديمومته لفترة 90 عاما. للمزيد من التفاصيل عن هذا الإتحاد يمكن الولوج في موقعه الألكتروني  www.aanf.org:
 وتتثمل هذه الإستمرارية منذ عام 1933 في التجمع الجمماهيري العام الذي يعقده الإتحاد سنوياً ويعرف بـ "الكونفنشن" – Convention، حيث يستمر لمدة أربعة أيام التي تسبق يوم الأثنين الأول من شهر أيلول من كل عام والذي يصادف عطلة عيد العمال في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتضمن العديد من النشاطات القومية المختلفة ويحضره  الألاف من الآشوريين من مختلف الأعمار والأجناس في الولايات الأمريكية كما يحضرها أيضا بعض الآشوريين من بلدان ماوراء البحار. ومن المتابع لتاريخ الكونفنشين خلال العقود القليل الماضية يرى بأنه كانت تثار فيه بعض الصعوبات والمشاكل وذلك بسبب الحضور الكبير له بحيث كان يصعب السيطرة التامة عليهم، خاصة من الشباب والمراهقين. غير أنه خلال السنوات القليلة الماضية تم إتباع نظام التسجيل المسبق عبر موقع الإتحاد الألكتروني فأصبح عدد الحضور ونوعيته واضحاً ومعلوما فأدى ذلك إلى إستقرار أوضاع الكونفنشن والسيطرة التامة لجميع نشاطاته المختلفة ومن دون تعقيدات ومشاكل وبالتالي نجاح نشطاته المختلفة وإستمتاع الحاضرين بها مما يعكس هذا عن تنامي الوعي القومي والإجتماعي للأشوريين في مثل هذه المناسبات خاصة الشباب منهم.
شخصياً إنني من المعجبين بالكونفنشن وأحضره تقريباً كل سنة.... لماذا؟:
أولا: أنها فرصة رائعة وفريدة تجعلني أن ألتقي ببعض الأصدقاء القدماء ويتحلى هذا اللقاء بذكريات أيام الشباب والسنوات الخوالي التي أبعدتنا عن البعض، خاصة ونحن القادمون من بلدان ما وراء البحار، بل هي فرصة أخرى للتعرف على أصدقاء جدد تجمعنا معاً إهتمامات قومية مشتركة. وللحقيقة أقول كثرة الأصدقاء الطيبين والمشاركين معك في نفس الإهتمامات أمر يجل الإنسان سعيدا في حياته وهو الأمر الذي يسعدنا جداً حضور الكونفنشن كل عام.
ثانيا: أن أي أمة من الأمم، ومنها أمتنا الآشورية، مهما بلغ حجمها الديموغرافي وكثر فيها المثقفين والمفكرين والأدباء فأنها تصبح أمة بدون هوية قومية محددة مالم تمارس نشاطاتها الفكرية والثقافية والأدبية والفنية وتنعكس هذه النشاطات في مؤسسات قومية خاصة بها، كالأحزاب السياسية والتنظيمات القومية والمؤسسات الإجتماعية. ويعتبر الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي نموذجا رائعاً في هذا السياق. والأكثر من هذا هو ديمومة المؤسسة القومية وإستمرارها لسنوات طويلة لتنعكس فيها ديمومة الهوية القومية وإستمرارها لتصبح صورة ناطقة لإستمرار هذه الهوية وإطاراً لنشاطاتها المختلفة التي تمارس في محيطها وتجعل من ممارسة هذه النشاطات القومية أسس قويمة في ترسيخ وتفعليل الهوية القومية الآشورية وإستمرارها لآجال أبعد.
لعل يعتبر الكونفنشن ألتسعون (1933- 2023) نموذجا رائعاً في نجاح مثل هذا التجمع الجماهيري الواسع الذي أنعقد للفترة من 30 آب 2023 ولغاية 4 أيلول 2023 في مدينة أينهام الجميلة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، والذي يعتبر وبحق ألأول من نوعه في تاريخ الإتحاد، ليس فقط بسبب روعة جمال مدينة أينهام والفندق الذي أقيم فيه الكونفنشن ولا بسبب العدد الكبير للمشاركين فيه الذي زاد عن الألفين ومن مختلف الأعمار والأجناس، خاصة الذين حضروا من المدن القريبة بسياراتهم الخاصة ومن الولايات الأخرى، وإنما بسبب النشاطات الكبيرة والعديدة المثيرة لأعجاب الحاضرين والتي تنوعت على مختلف الأصعدة القومية من سياسية وفنية وتراثية وحتى إقتصادية وإجتماعية وقانونية ومالية، وهو الأمر الذي أغلق أفواه بعض الآشوريين "المطرطمين" الذين ينتقدون الكونفنشن ويتهجمون عليه على أساس كونه مجرد تجمع للرقص والغناء و"العربدة" ولبعض الممارسات الشاذة للشباب الطائش والمراهقين. ولكن الأروع الذي يضاف على روعة النشاطات المختلفة  في هذا الكونفشن هو حضور العدد الكبير من الشباب المثقفين والمفكرين وأطباء وأساتذة جامعات وقيامهم بنشطاء على مخلف الأصعد القومية وليس كما يتصوره "المطرطمين". والأهم من الكل، هو ظهور حالة  من التناغم والتفاعل وتبادل الأفكار والأراء وبناء أـسس من التفاهم والتواصل بين الأجيال التي حضرت الكونفنشين من البالغين من العمر عقودا (وباللغة لآشورية نقول "خور دقنا") المدججين بسلاح الخبرة والتواصل في العمل القومي مع العديد الكبير من الشباب الآشوري الواعي والمفعم بالحيوية والنشاط والعلم والمعرفة. ظاهرة قلما نجدها في مجتمعنا الآشوري وفي تجمعاتنا القومية وشكلت سابقة تاريخية في مثل هذا التفاعل بين الجيلين. وتمثل جزء من هذا التفاعل بين الجيلين في مداخلة صديقنا رابي يوسف نمرود كانون أثناء إجتماع منظمة كشرو بقوله "أنا بلغت من العمر أكثر من ثمانين عاما وخلال تلك السنين الطويلة عملنا واجبنا القومي بكل إخلاص وحملنا الراية الآشورية عاليا فنحن هو الجيل الفاني، واليوم نسلمها إليكم _ مشيرا إلى شباب وشابات منظمة كشرو _  أنتم الجيل الحاضر فأستمروا في رفع الراية الآشورية ومن دون كلل وممل. للتفصيل أستمع إلى مداخلة الصديق رابي يوسف ومداخلتي أيضا أثناء إجتماع كشرو على الموقع التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=y6VmFHXB40Q
وقد يكون من باب الإطناب والتكرار ذكر تفاصيل النشاطات المختلفة التي أقيمت في هذا الكونفنشن بسبب كثرتها وغزارتها وتنوع مضامينها، حيث نشرت في منصة الإتحاد الألكتروني وكذلك في مواقع ألكترونية أخرى مثل (Facebook) وأيضا (YouTube) وأيضاً إستمرار القناة الفضائية (Assyrian Global Network -AGD) – (الشبكة الآشورية العالمية) على عرضها والتي قامت مشكورة بتغطية جميع نشاطات الكونفنشن يوماً بيوم ونشاطاً بنشاط، ومن هذه النشاطات نذكر منها:
وأخير نقول... كل عام وكونفنشن بخير ونجاح مبهر.
, the National Emergency Committee called a General Mass Meeting at West Ne



 Ameer of Yonkers was elected as the first president of the
in 1933, the Assyrian American National Federation (AANF) is the oldest active nizations.





7
مابين أغا بطرس وفريدون أتورايا
نظرة مقارنة   
 

=====================================================
أبرم شبيرا
كلما أنظر إلى صورة بطرس إيليا المعروف في تاريخنا القومي بـ (الجنرال أغا بطرس إيليا البازي) وإلى صورة فريدون بيت  أوراهم والمعروف أيضا في تاريخنا القومي بـ (الشهيد فريدون أتورايا) والى جلوسهم بنفس الشكل أمام الكاميرا، وهي نفس الجلسة الكلاسيكية التي كان الكثير من مشاهير المفكريين والسياسيين من الأمم الأخرى يجلسونها أمام الكاميرا. جلسة يترجمها علماء النفس بأن لها دلالات عميقة لأفكار وتأملات ومشاريع بداخلهم، وهي الجلسة التي يمكن أن نستمد منها أفكار ومسائل وحوادث ومشاريع قومية يمكن مقارنتها من حيث الإشتراك والتشابه بينهما من جهة، والإختلاف لا بل التناقض بينهما من جهة أخرى. ولد الجنرال إغا بطرس في الأول من نيسان عام 1880 في قرية جنوب منطقة باز في جبال حيكاري من ولاية وان العثمانية. في حين ولد الشهيد فريدون أتورايا عام 1891 في قرية قرهباش في منطقة أورمي شمال شرقي بلاد فارس (إيران)، أي كان إغا بطرس يكبر الشهيد فريدون أتورايا بـأحدى عشر سنة وهو الفرق البسيط الذي لم يحول دون أن يعيشا ويتفاعلا مع الأحداث والمأساة والفواجع التي عانت أمتهم الآشورية قبيل الحرب الكونية الأولى وأثنائها وما بعدها والتي شكلت مصدر إلهام لأفكارهما ومشاريعهما القومية. على الرغم من أن الفيلم (رجل سابق زمانه) الذي هو جزء عن قصة حياة الشهيد فريدون أتورايا يظهر فيه هو وأغا بطرس مجتمعون مع الضابط المخابراتي البريطاني كابتن كريسي، إلا أنه لا توجد أية وثيقة تؤكد لقاء الشهيد بالجنرال ومع الجاسوس البريطاني الكابتن كريسي.
درس أغا بطرس في أحدى مدارس المبشرين الكاثوليك في منطقة باز التي  تكثلك فيها بعض العوائل البازية ومنها عائلته. وبالنظر لكون منطقة أورمي في تلك الفترة منبعاً للفكر القومي الآشوري والتي أشتهرت بمدارسها الحديثة،  أنتقل الجنرال أغا بطرس إليها للدراسة ثم عين سكرتيرا لقنصل الدولة العثمانية في أورمي فتزوج من السيدة زرييفة أبنة القنصل داود رسام. وفي عام 1909 أصبح قنصلا للدول التركية. وعلى العكس من هذا بالنسبة للشهيد فريدون أتورايا، درس أيضا في أحدى مدارس المبشرين المنتشرة في منطقة أورمي والتي الكثير من عوائلها الآشورية صبئوا إلى الطوائف الأخرى الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية الروسية ومنها عائلة الشهيد فريدون أتورايا التي أعتنقت المذهب الأرثوذكسي الروسي. وإنطلاقاً من هذه الحقيقة يتأكد لنا بالحتم والمطلق بأنه ليس الجنرال ولا الشهيد فحسب بل الكثير من رواد الفكر القومي الآشوري كانوا من غير المنتمين إلى كنيسة المشرق الآشورية، ولكن كانوا في إتصال دائم مع بطريرك الكنيسة، خاصة مع الشهيد مار بنيامين شمعون، وكانوا يعتبرونه قائدا للأمة الآشورية قبل إستشهاده، لا بل كانوا أيضا يرسلون مساعدات مالية للكنيسة في حيكاري. ومثل هذه الحالة نجدها أيضا في عهد البطريرك مار شمعون إيشاي حيث كان معظم المفكرين المساندين له في مطالبه القومية المرسلة للمنظمات الدولية من غير أتباع كنيسة المشرق الآشورية. 
بعد فقدان الأمن والإستقرار في منطقة أورمي أنتقلت عائله الشهيد فريدون أتورايا إلى مدينة تيفلس عاصمة جورجيا ودرس في مدارسها ومن ثم دخل الكلية الطبية وتخرج منها كطبيب ليخدم في الجيش الروسي ثم السوفياتي. ونفس الشيء بالنسبة للجنرال أغا بطرس حيث بعد مأساة الحرب أنتقل مع غيره من الآشوريين المهجرين من أوطانهم في حيكارى وأورمي إلى وسط بلاد ما بين النهرين الذي سميً فيما بعد بـ "العراق". كان أغا بطرس عسكريا وقائدا بكل معنى الكلمة وأستحق لقب جنرال ونال العديد من أنواط الشجاعة من دول كبرى كروسيا وفرنسا. وخلال تلك الفترات المأساوية شكل قوات عسكرية آشورية وقادها في معارك شرسة وأنتصر في معضمها. في حين كان الشهيد فريدون أتورايا طبيبا عسكريا ومبدعاً في المجالات الفكرية والأدبية والثقافية والصحفية وعرف عنه كأكبر وأعظم شاعر آشوري في زمانه وبعض من نتاجاته الفكرية وصلت للإجيال اللاحقة وأشهرها "يا نشرا د خوما" أي نسر الحدود.
كان الجنرال أغا بطرس دبلوماسياً ليبرالياً في الفكر والتوجه متأثراً بأفكار الثورة الفرنسية التي أمتدت للفترة من 1789 لغاية 1799 وبمبادئ حقوق الإنسان وفصل الكنيسة عن الدولة وتجلت هذه الأفكار في حملاته العسكرية وفي مشروعه لإنشاء وطن قومي مستقل للآشويين في مناطقه التاريخية. في حين على الجانب الآخر كان الشهيد فريدون أتورايا يسارياً ماركسياً متأثرا بالثورة الروسية الأولى عام 1905 والتي في البداية أيدها معظم الآشوريون في الأمبراطورية الروسية. وعلى أثر ذلك وجد مع زملاءه بنيامين أرسانس و شليمون دسلامس بأنه لا وسيلة لتحقيق حقوق الآشوريين إلا بتأسيس حزب سياسي. ففي عام 1917 أسسوا حزب الوحدة الآشورية ويقال بأنه حضره أكثر من 200 آشوري من مختلف مناطق الإمبراطورية الروسية. ثم في أكتوبر عام 1917, وبعد إستلاء البلاشفة (الحزب الإشتراكي الديموقراطي الروسي) والذي سميً فيما إلى بـ "الحزب الشيوعي السوفياتي" السلطة في  أكتوبر من عام 1917 وبقيادة لينين، وتكيفياً مع الأوضاع الجديد تغير أسم الحزب إلى "الحزب الآشتراكي الآشوري"، كمحاولة  لأبعاد الصفة "الشوفينية" التي كانت السلطات الستالينية تتهم بها القوميات. كما حاول إبعاد الصفة الإلحادية من ماركسيته لتكون أكثر قبولا من قبل المجتمع الآشوري المحافظ في تلك الفترة.
كان جلً إهتمام الجنرال أغا بطرس في تشكيل قوات آشورية وفي حملاته العسكرية هو تأسيس دولة آشورية مستقلة في مناطقة التاريخية ودعى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى فصل الكنيسة عن السياسة. وكان يجد في الإنكليز ثم الفرنسيين دعما لمشروعه القومي. والحال نفسه كان مع الشهيد فريدون أتورايا حيث كان في معظم أفكاره وأدبياته دعوة لتأسيس دولة آشورية مستقلة وبينً ذلك بشكل واضح عندما أصدر مع رفاقه بنيامين أرسانس وشليمون دسلامس البيان المعروف باسم (منافستو أورمي) أي إعلان أورمي مقلدا بذلك وبشكل غير مباشر (البيان الشيوعي) المعروف بـالمنافستو الذي كتبه كارل ماركس وزميله فريدريك أنجلز ونشر في عام 1848، ودعوا في منافستو أورمي إلى فصل الكنيسة عن الدولة وتأسيس دولة آشورية حرة مستقلة ترتبط في البداية إقتصاديا وإداريا بالإتحاد السوفياتي.
أدرك الجنرال أغا بطرس بأن مشروع تأسيس دولة آشورية مستقلة ليس بالأمر السهل مالم يتم حشد أكبر عدد ممكن من أبناء شعبه في حملته هذه، خاصة من مؤمني الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية،  فتبنى التسمية المركبة "كلدو آشوري" سبيلا لذلك وهي التسمية التي نالت بشكل أو بآخر رضى الكنيسة الكاثوليكية وعلى رأسها بابا الفاتيكان ودولة فرنسا. هذا التبني لهذه التسمية المركبة لم يكن بسبب "كاثوليكية" أغا بطرس، بل بسبب إدراكه للعامل الموضوعي المتمثل في الأكثرية الكلدانية وضرورة حشدهم في حملته لبناء دولة لجميع طوائف شعبنا. في حين على العكس من هذا تبنى الشهيد فريدون أتورايا التسمية الآشورية المفردة لشعبه من دون أي إشارة أو تضمين لطوائف شعبنا. وإذا كانت هذه التسمية نابعة من فكره القومي القائم على إعتبار كل طوائف شعبنا جزء من الأمة الآشورية، فأنها تأتي من جانب آخر من العامل الموضوعي السياسي الذي كان سائداً في تلك الفترة في بناء الدولة الحديثة على أساس قومي من جهة و إبعاد التسميات الطائفية والدينية من المسائل السياسية من جهة أخرى، خاصة في فترة قيام الإتحاد السوفياتي. 
كان من الطبيعي جدا أن تثير مشاريع إغا بطرس "الكاثوليكي" ومحاولته في تأسيس دولة آشورية مستقلة مدعومة من قبل فرنسا ومتبنياً التسمية المركبة "كلدو آشوري" غضب وهيجان بعض أعضاء العائلة البطريركية لكنيسة المشرق الآشورية ومن ورائهم الإنكليز. والموقف نفسه بالنسبة لدعوة الشهيد فريدون أتورايا "الأرثوذكسي" المتبني للفكر اليساري التقدمي الماركسي في مشروعه لتأسيس دولة آشورية مدعومة من قبل روسيا ثم الإتحاد السوفياتي. ومن المعروف بأن علاقة الجنرال أغا بطرس مع البطريرك الشهيد مار بنيامين قبل إستشهاده كانت حميمة وصميمة قائمة على التعاون والتنسيق خاصة في المسائل العسكرية حيث كان البطريرك الشهيد يعتبره اليد القوية الضاربة لأعداء الكنيسة والأمة الآشورية ويعتمد عليه كثيرا في المسائل العسكرية بغنى فيما إذا كان كاثوليكياً أو من غير طبقة "ماليك". كما كان موقف البطريرك الشهيد غير عدائيا مع الشهيد فريدون آتورايا ولم يثبت معارضته لمشروعه في تأسيس دولة آشورية مستقلة، خاصة وأن البطريرك الشهيد كانت له نظرة إستراتيجية بعيدة المدى في إعتبار روسيا ثم الإتحاد السوفياتي الحليف الممكن للآشوريين أكثر مما أن تكون بريطانيا أو فرنسا حليفا لهم. وحتى الرسالة التي يقال بأنه بعثها البطريرك الشهيد لوالي جولامارك العثماني يعبر فيه عن إحتجاجه على منافستو أورمي وطالباً منه إعطاء أسماء الذين كانوا من وراء نشر هذا المانفستو، غير مؤكدة. وهناك شكوك فيها بأنها مدبرة من قبل أعداء الشهيد فريدون أتورايا ومن دون علم البطريرك الشهيد، وهذا ما أكده بعض ممن عاصروا الشهيد فريدون أتورايا.
غير أن الأمر تغير بعد إستشهاد البطريرك مار بنيامين على يد المجرم سمكو الشيكاكي عام 1918 وتولي زمام قيادة الأمة والكنيسة بعض من أفراد عائلته وتحديدا أخت البطريرك سورما خانم وأخوه السيد داود ومن خلفهم الإنكليز. يقول الأديب الكبير المرحوم الشماس كوركيس بيت بنيامين د أشيتا عن إستشهاد البطريرك  " لو لم يكن مار بنيامين قد ضاع من جراء هذا الجرم لربما كان لتاريخ أمتنـا شكلاً آخراً، ومن دون شك شكل أفضل مما هو عليه اليوم … فمار بنيامين كان مقتدراً بحيث لم يكن ليسمح لللاعبين أن يلعبوا لعبتهم في هذه الأمة مثلما يفعلون اليوم" (كتاب رؤوساء الآشوريين في القرن العشرين، باللغة الآشورية، مطبعة نينوى، شيكاغو، 1987، ص 24 – 25). بدأت القيادة الآشورية المتمثلة في العائلة البطريركية ومن خلفها الإنكليز بمحاربة أغا بطرس ضمنا وجهارا والتشهير به وإلصاق التهم به مثل كونه أبن أرملة وليس من طبقة الماليك ولا من أتباع كنيسة المشرق ويسعى بمشاريعه العسكرية والسياسية إلى سلب قيادة الأمة من العائلة البطريركية وتدمير كنيسة المشرق الآشورية وذلك ليس إلا لتحقيق مصالحه الخاصة، فأصبح أغا بطرس شوكة في خاصرة الإنكليز وعثرة أمام تحقيق مصالحهم الخاصة في العراق كما أصبح أمر التخلص منه من أولياتهم السياسية. لذلك دبروا له حملة لقيادة القوات الآشورية بالتعاون مع ماليك خوشابا من تياري السلفى وساندوه بالمال والسلاح للزحف نحو شمال بيت نهرين وإسترجاع المناطق الآشورية في منطقة أورمي وحيكاري، وهي الحملة التي كانت بأبسط المفاهيم العسكرية والإستراتيجية والجيوبولتيكية مستحيلة وذلك لكون معظم أفراد القوات الآشورية منهمكين بسبب التشرد وعدم الإستقرار من جهة، وعبورهم بمناطق جبلية وعرة وبمناخ شتائي قارص والدخول في معارك لإنتزاع جزء من أراضي أقوى دولتين في تلك الفترة، الفارسية والتركية، المعروفتان بشراسة عدائهما للآشوريين خاصة بعد وصول كمال أتاتورك للسلطة في الدولة التركية، من جهة أخرى. ثم جاءت العشائرية المقيتة لتدق المسمار الأخير في نعش هذه الحملة وتفشل فشلا ذريعاً  لتكون حجة قوية للإنكليز لإلقاء لوم الفشل على أغا بطرس ومن ثم نفيه من العراق إلى فرنسا في شهر آب من عام 1921.
أما بالنسبة للشهيد فريدون أتورايا الذي كان مواطناً جورجياً ضمن الإتحاد السوفياتي، لم يكن للإنكليز اليد الطولى المباشرة للقضاء عليه وعلى أفكاره في تأسيس دولة آشورية ضمن نطاق الإتحاد السوفياتي. فكان الإنكليز يرون في هذا "الأرثوذكسي الروسي" و "الشيوعي الغوغائي" وفي دعواته لفصل الكنيسة عن الدولة وتضمين مشروعه القومي لجزء من شمال بيت نهرين مسائل تتداخل وتؤثر على مصالحهم في العراق وتقلل من هيبة ومكانة حلفائهم من بعض أفراد العائلة البطريركية في قيادة الأمة والكنيسة. لذلك دبر المناؤون للشهيد خطة مبنية على العقلية الإستخباراتية البريطانية في تلفيق كتاب يتضمن طلب الشهيد فريدون أتورايا من بريطانيا مساعدته لتحقيق مشروعه في أقامة دولة آشورية. فقام بعض الآشوريين المتعاونين مع الإستخبارات البريطانية ورجال الكنيسة بأرسالها إلى الشهيد فريدون أتورايا لتقع في أيدي الإستخبارات السوفياتية ومن ثم أتهامه بكونه جاسوس بريطاني فزج به في السجن عام 1926 ومن ثم إعدامه وهو في الخامسة والثلاثين من العمر. هناك وثائق في الأرشيف الروسي تثبت هذه الحقيقة وقام بعض الآشوريين المثقفين في روسيا الإتحادية بدراستها والتحقيق فيها ومن ثم نشرها. وكانت هناك إشاعة حول النهاية المأساوية للشهيد تقول بأنه أنتحر وهو في السجن ولكن المنطق يثبت بأنه أعدم من قبل السلطات الستالينية في الوقت الذي أعدم أيضاً المئات من الآشوريين في تلك الفترة وما بعدها بتهم ملفقة كقوميين شوفينيين مناؤون للإتحاد السوفياتي. والدليل على ذلك هو عدم العثور على جثة الشهيد ولا على مكان دفنه، وهو الأسلوب الذي تتبعه الأنظمة الإستبدادية في القضاء على المعارض لها لكي لا يكون قبره رمزا نضاليا ومزارا لأبناء شعبه.
أما بالنسبة لأغا بطرس فقد كانت فرنسا بمثابة سجن كبير له يعيق نضاله القومي ويبعده عن ساحة المعركة الذي كان بطلها الحقيقي، لهذا لم يهدأ للسكينة والراحة خاصة بعد انكشاف نوايا الإنكليز في منح العراق الاستقلال السياسي عام 1932 وتهيئته لاكتساب عضوية عصبة الأمم من دون إيجاد حل منصف للمسألة الآشورية أو تقييد الحكومة العراقية بقيود وقوانين أو إلزامها بحماية الأقليات. لذلك حاول جنرال الأمة جلً جهده العودة إلى بيت نهرين والالتحاق برفاق النضال القومي للحركة القومية الآشورية التي كان قد بدأت بوادرها بالتبلور وتصاعد عنفوانها من جهة، وزيادة سعير حقد النخبة العراقية الحاكمة للانتقام من الآشوريين وسحق مطالبهم بالطرق العسكرية الفاشية من جهة أخرى. أدرك الإنكليز والنخبة العراقية الحاكمة جدية وخطورة وجود أغا بطرس على أرض العراق وبين الآشوريين المطالبين بحقوقهم  في تلك الفترة الحرجة وما سيكون له من تأثير في تنظيم أو توجيه وقيادة الحركة بالشكل الذي قد يؤثر على مشاريع بريطانيا في العراق. وقد تجلى خوف وخشية بريطانيا من أغا بطرس في رفض القنصلية البريطانية في مدينة بوردو الفرنسية السماح له بالعودة إلى العراق. وعندما أحس الإنكليز والحكومة العراقية إصرار أغا بطرس وبكل السبل والطرق للعودة إلى بيت نهرين والالتحاق بالحركة القومية الآشورية المتصاعدة، حاولوا اللجوء إلى أبخس الوسائل وأرذلها لمنعه من ذلك. فبعد فترة وجيزة وهو خارجاً من القنصلية البريطانية أنهار جنرال الأمة في شارع عام بوسط مدينة تولوز الفرنسية في الثاني من شباط من عام 1932 ومات وبشكل مفاجئ وهو لم يتجاوز أكثر من أثنان وخمسين عاما ومن دون وجود أية أعراض مرضية مسبقة، وضمن ظروف غامضة ومثيرة للتساؤل عن سبب وفاته في هذه الفترة الحرجة والحساسة. عند ذاك توجهت أصابع الاتهام إلى الحكومة العراقية والإنكليز وبعض أعوانهم من الآشوريين لتقول بأنه تم تدبير أمر تسميمه وقتله بهدف إسكات صوته ومحو صورته من التاريخ القومي الآشوري والتخلص منه في مرحلة وصلت ذروة المؤامرة في سحق الوجود الآشوري في العراق إلى مراحلها النهائية، وهذا ما تم تنفيذه فعلاً في عام 1933 في مذبحة  سميل وما أعقبها من مأساة سياسية واجتماعية واقتصادية أثرت بشكل عميق على مسار تطور الحركة القومية الآشورية وأفرزت نتائج سلبية على المجتمع برمته تواصلت لفترات لاحقة.... أفلا يستحق جنرال الأمة أكليل الشهادة ... نعم وألف نعم لأنه ناضل ومات في سبيل أمته.
وأخيرا، إذا كان الإنكليز وأعوانهم سواء من الحكومة العراقية أو من بعض الآشوريين المتخاذلين في تلك الفترة قد وفقوا مرحلياً في مهمتهم هذه للقضاء على الرموز الآشورية في البطولة والنضال،  فإنهم اغفلوا بأن البذور التي زرعها جنرال الأمة الشهيد أغا بطرس  والشهيد فريدون أتورايا وغيرهما من أبطال التاريخ الآشوري كانت قد بدأت تتجذر في الأرض وأخذت في الفترات اللاحقة تنمو وتورق وتزهر في ربيع جبال آشور وتثمر أبطالاً وأبطالاً يتبعون خطى جنرالهم الكبير وشهيدهم الخالد من أجل إعلاء بناء كرمة الأمة العامرة بتلك القيم والمبادئ التي من أجلها أريقت دماء الكثيرين من أبناء هذه الأمة. وهنا من الضروري أن  نقول بأن كنيسة المشرق الآشورية التي رفعت راية الأمة الآشورية عالياً وعبر مراحل تاريخية طويلة تخللتها بعض المواقف السلبية لبعض أعضاء العائلة البطريريكية تجاه الشهيدين أغا بطرس وفريدون أتورايا، فأنه من المؤسف أن نرى إستمرار هذه المواقف لفترات لاحقة وأقلها تجاهل نضال هاذين الشهيدين من أجل الأمة الآشورية، وهو الأمر الذي لا يستقيم مع أصالة وصمود كنيسة المشرق الآشورية  في حملها لراية الأمة الآشورية عبر مراحل تاريخية مأساوية وماحقة. كان شهيد الكنيسة والأمة البطريرك مار بنيامين شمعون يعتبر حتى المخالفين لأفكاره ومعتقده أبناء أمته وكنيسته سواء أكانوا من أتباعه أم لا، فليكن أسمه نبراساً ينير طريق الجميع في مثل هذه المسألة تجاه كل أبناء الأمة سواء أختلفوا مع البعض أم أتفقوا فهذا هو سُنة التطور والحياة.


 



8
في الذكرى التسعون لمذبحة الآشوريين في سميل آب 1933- آب 2023:
--------------------------------------------

لا تخافوا الذين يقتلون الجسد، ولكنهم يعجزون عن قتل النفس (متى: 10-28)
=======================================================


يوم الشهيد الآشوري
أبرم شبيرا
•   عندما قتل الأمبراطور الفارسي شاهبور الثاني (309 – 379) ألاف من أبناء شعبنا والمئات من رجال الدين لمؤمني كنيستنا المشرقية وفي مقدمتهم البطريرك الشهيد مار شمعون برصباي (أستشهد عام 344 م)، لم يكن يعرف بأنه لا يستطيع أطلاقاً أن يقتل روحهم وإيمانهم الذي أستمر لقرون طويلة، ولم يكن يدرك بأن روح البطريرك الشيهد مار شمعون برصباي لا يستطيع أن يقلتها إطلاقاً.
•   وعندما حوَل الأمبراطور المغولي يتمور لينك (1336 – 1405) مياه نهر دجلة إلى اللون الأحمر بدماء أبناء شعبنا ومؤمني كنيستنا المشرقية وقضى على وجود كنيسة المشرق في المناطق الأقصى من العالم وأفنى وجود شعبنا من سهول بلاد ما بين النهرين، لم يكن يعرف بأنه لا يمكن أن يكتم أنفاس شعبنا الذي بدأ يستنشق الهواء النقي في جبال آشور وتحمي وجودها ولقرون طويلة. ولم يكن يعرف بأن إستشهاد ماليك شليطا الآشوري حاكم أحدى الدوليات الآشورية في شمال بيت نهرين يوم الإحتفال بعيد الصعود (كالو سولاقا) وأن أبنته الرائعة الجمال التي فضلت الإنتحار برمي نفسها في الوادي وإستشهادها وهي ترتدي زي العرائس بدلا من أن تصبح أسيرة للمغول وجارية للوحوش. لم يكن يدرك السفاح بأن نفس ماليك شليطا الشهيد وأبنته الشهيدة لا يمكن أن يقتلها بل تكللت بعنصر الخلود فأنتقلت إلى أحفادهم ليمارسوا هذا العيد المقدس في كل سنة أكثر مما يمارسه غيرهم من الشعوب المسحية لأنه أمتزج بدم شهداء شعبنا.
•   وعندما هاجم المجرم  مير بدرخان الكوردي (1803 – 1869)  القبائل الآشورية في منطقة حيكاري وذبح ما يقارب 10،000 آشوري من أبناء هذه القبائل المستقلة ودمر قراهم وشردهم من مناطقهم التاريخية لمدة تزيد عن أـربع سنوات فلم يكن يعرف، كما لم يكن يعرف أسلافه السفاحيين، بأن الروح الآشورية المسيحية لا يمكن أن يفنيها، وحتى بعد أن قتل ماليك إسماعيل زعيم قبيلة تياري العليا في تلك الفترة وبأسلوب همجي بعد أن رفض الخضوع له وفضل الأستشهاد،  فظلت نفس ماليك أسماعيل مركونة في أحفاده الآشوريين وأستمرت وتواصلت في أبنائه الذين وضعوا الأسس الأولية للحركة القومية الآشورية. وإذا لم يكن يعرف هذا المجرم بأن النفس الآشورية لا يمكن قتلها فإن أحفاده المشهورين في هذه الأيام في مجال الفن والصحافة والأدب عرفوا إستحالة جدهم المجرم في قتل النفس الآشورية لذلك إجتمعوا في بيروت في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي مع ماليك ياقو إسماعيل والمفكر الكبير يوسف ماليك والخوري المناضل زيا ديباتو للإعتذار عن الجرائم التي أرتكبها جدهم بحق الآشوريين.
•   المجرم العتيد سمكو الشيكاكي زعيم القبائل الكوردية لم يتعلم من أسياده المجرمين بأنه لا يستطيع أن يقتل النفس الآشورية بإغتياله بغدر وخسة شهيد الكنيسة والأمة  البطريرك مار شمعون بنيامين عام 1918. فبعد قرار الآشوريين عام 1915 بإنضمامهم للحفاء في الحرب العالمية الأولى سعياً للخلاص من مظالم العثمانيين تحالف المجرم سمكو مع القوات العثمانية لا لغرض إلا الإنتقام من الآشوريين وزعيمهم الذي كان له مكانة مقدسة ومبجلة ليس عند جميع الآشوريين فحسب، بل كانت له منزلة إجتماعية مرموقة ومحترمة عند العديد من القبائل الكوردية مما كان هذا سبب آخر لحقد سمكو على البطريرك الشهيد مار شمعون بنيامين وهيجانه ولجوءه بكل السبيل للخلاص منه. ففي الوقت الذي كان الآشوريون يتعرضون للهجمات والمذابح من قبل القوات العثمانية وبعض العشائر الكوردية المتحالفة معها، ومنها قبيل الشيكاك، لم يفلح سمكو المجرم وأبنه البكر في تحقيق مآربهما للقضاء على الزعيم الروحي والقومي للآشوريين حينما دخلوا مع القوات التركية أراضي العشائر الآشورية وأحرقوا قراهم وحقولهم ومنها قرية فوجانس مقر البطريرك. حيث يروي أحد المؤرخين عن هذا الحدث الإجرامي بأن أبن سمكو عندما دخل قرية قوجانس المهجورة أنتزع سيفه وأخذ بجنون وهيجان يطعن به جدران وسقوف منزل البطريرك مستأسداً بصراخه المدوي ومتحصرا ألماً بسبب فشله في تحقيق رغبات أبيه المجرم سمكو بتوجيه تلك الطعنات في صدر مار بنيامين بدلا من الجدران الصماء.
ثم جاء الفرصة للمجرم سمكو عندما تحالف مع الشياطين الكبار ضمن خطة شياطية للقضاء على البطريرك فدبروا وبغباثة عقد إجتماع بحجة صلح بين الآشوريين وقبيلة الشيكاك فإغتيل البطريرك بطريقة  شكلت وصمة عار في جبين الكورد في تلك الفترة ولا يمكن أن تزول هذه الوصمة مالم يعتذر الكورد عن هذه الجريمة الشنيعة مثلما اعتذر أحفاد مير بدرخان عن قتله ألاف الآشوريين ومنهم ماليك إسماعيل. نعم إغتال المجرم سمكو قداسة البطريرك ولكن إطلاقا لم يستطيع إغتيال النفس التي تركها لأبنائه الذين بروحه ونفسه تمكنوا من مواصلة مسيرة تاريخهم الغابر رغم كل الفواج والمأساة التي حلت بهم عقب إنتهاء الحرب الكونية الأولى فظلوا حتى يومنا هذا يقدسونه ويضعونة في قمة سجل شهدائهم وأبطالهم.
  مات واستشهد البطريرك  مار بنياميــن ولكن بقـى وســيبقى مدى الدهــر حياً خالداً في ضمائــر كل الآشـوريين الشرفاء... فالجبناء يموتون كل يوم. …. والشهداء الأبطال يبقون خالدون مع خلود الأمة.


•   قبل أحداث مذبحة سميل عام 1933 أدركت الحكومة العراقي الفاشية بأنه لا يمكن التخلص من الآشوريين ومطالبهم إلا بالقضاء على رأسهم المتمثل في البطريرك مار شمعون إيشاي والذي كان حسب تقرير المفتش البريطاني السيئ الصيت الميجر طومسون الذي عينته الحكومة العراقية لمشروع أسكان الآشوريين بأنه، أي مار شمعون، هو الرأس المدبر لـ "القلائل والمشاكل" التي كان الآشوريون يثيرونها في شمال وطن. لهذا فكرت الحكومة العراقية بخطة للتخلص منه وبطريقة هادئة لا تثير المشاكل والقلاقل السياسية على المستوى الدولي، خاصة وأن العراق كان يتهيأ للإستقلال الذي منحته بريطانيا ويتأهب للحصول على عضوية عصبة الأمم. وتمثلت هذه الخطة في إغتيال البطريرك مار شمعون والتخلص منه عن طريق إفتعال حادث إصطدام سيارته بسيارة أخرى وهو ككل يوم الأحد في طريقه من منطقة هينيدي (معسر الرشيد فيما بعد) جنوب بغداد إلى منطقة كمب الكيلاني في مركز العاصمة بغداد لحضور صلاة القداس وإظهار الحادث كأنه قضاء وقدر. غير أن أسرار هذه الخطة الجهنمية تسربت إلى أحدى الجهات الدبلوماسية ومن ثم إلى بطريرك الكلدان الكاثوليك الذي بدوره قام بإبلاغ البطريرك مار شمعون بالأمر فتخلى البطريرك مار شمعون عن ذهابه إلى كمب الكيلاني في ذلك اليوم فحال ذلك دون نجاح الخطة. ثم أضطرت الحكومة العراقية، بتوصية من الإنكليز إلى إصدار قانون عام له مقاصد سياسية خاصة لغرض تطبيقه على ما شمعون وتجريده من جنسيته العراقية ونفيه خارج العراق.
وبعد فشل خطة إغتيال مار شمعون، وجدت النخبة الفاشية في الحكومة العراقية في المجرم الكبير والعتيد بكر صدقي أداة للقضاء على الآشوريين برمتهم ليرتكب مذبحة بحق الآشوريين في بلدة سميل في الأسبوع الأول من عام 1933 وتقتل قواته أكثر من ثلاثة ألاف آشوري في سميل والقرى المجاورة لها وتشريد العشرات من القرى الآشورية. وتجلت وحشية هذا المجرم إلى درجة قتل حتى الموالين له ولحكومته الفاشية، وعلى رأسهم كوريال البازي وأبنه البكر وليم، حيث كان يحتمي في بيته في نوهدرا  والعلم العراقي يرفرف على سطحه كتعبير لولاءه للحكومة، أكثر من ثمانين آشورياً وبينهم خوري من كنيسة المشرق فتم إبادتهم جميعاً ومن دون أي تميز أو وازع أخلاقي. ولكن مع كل هذا لم يستطيع أن يقضي على النفس الآشورية.
تطلعنا أبجديات علم الإجتماع السياسي وتخبرنا تجارب الحركات القومية بأن الأساليب القسرية التي أتبعت لمعالجتها وإحتوائها أو القضاء عليها لم تستطيع القضاء عليها نهائياً، فهي لا تؤدي إلا إلى إختفائها مؤقتاً عن السطح السياسي وتحولها إلى قوى كامنة تنتظر الظروف المناسبة للتفاعل معها لتدفعها مرة أخرى على السطح السياسي. وعلى هذا الأساس فإن همجية الجيش العراقي في سحقه للحركة الآشورية ومأساوية المذبحة التي أعقبتها لم تستطيعا القضاء على النفس الآشورية وتطلعاتهم المشروعة، بل أرتكنت في نفس الجيل الذي أعقب أستشهاد أبائهم في سميل لعقدين أو ثلاثة لتبرز مرة أخرى على السطح السياسي عندما تفاعلت مع جملة أرهاصات سياسية وأحداث عسكرية أجتاحت العراق بين تموزين، تموز 1958 وتموز1968 فتجسد هذا النفس في منظمات قومية وأحزاب سياسية.
يقول الشاعر المبدع دنخا إيشا (رحمه الله) في قصيدته الملحمية عن سميل والتي أنشدها الفنان المبدع شليمون بيت شموئيل مايلي:
ܐܲܠܦܵܐ ܐܲܝܟ݂ ܣܸܡܹܝܠܹܐ ܚܲܕܟ̰ܵܐ ܝܠܹܗ ܕܸܒ݂ܚܵܐ
ܩܵܐ ܕܗܵܘ̇ ܕܒܵܥܹܐ ܕܚܵܙܹܐ ܝܵܘܡܵܐ ܒܪܝܼܟ݂ܵܐ.
ܐ݇ܡܘܿܪ ܐܵܬܘܿܪ ܚܲܝܬܵܐ ܝܠܵܗ̇ ܘܗܲܪ ܒܸܕ ܚܵܝܵܐ
ܫܒ݂ܘܿܩ ܟܠܵܗ̇ ܒܪܝܼܬܵܐ݂ ܐܵܗܵܐ ܩܵܠܵܐ ܫܵܡܥܵܐ.

وترجمتها: ألف سميل التضحية قليلة ... لكل من يريد أن يرى يوما مباركاً
قل أن آتور خالدة وستبقى خالدة... ودع كل الخليقة تسمع هذا الصوت.
للإستماع إلى أغنية  سميل للفنان المبدع شليمون بيت شموئيل، أنقر على الرابط أدناه:
https://www.youtube.com/watch?v=cPqdO0iWzxA
•   عندما أستولى حزب البعث العراقي على السلطة في العراق في شباط من عام 1963 ثم خسرها بعد بضعة أشهر غير أنه عاد مرة أخرى للسلطة بإنقلابه في عام 1968 مكتسباً بذلك خبر سياسية ونفسية في كيفية التعامل مع الشعب العراقي وبكل السبل التكتيكية والإستراتيجية. وشملت سياسته التكتيكية هذه الحركة الكوردية والحزب الشيوعي العراقي وغيرهم من الأحزاب العراقية الوطنية والقومية. وكان للآشوريين وحركتهم القومية مكانة في هذه السياسة التكتيكية حيث ادرك البعث من السوابق التاريخية بأن القضاء عليهم لا يمكن بالقوة والقسوة بل بأسلوب تكتيكي يقوم على قتل النفس الاشورية من خلال أحتواء الشخصيات القيادية والرموز القومية للآشوريين سواء عن طريق أصدار بعض القوانين والقرارات الجوفاء بحقوق الآشوريين أو بإستدعاء الرموز القومية البارزة  لهم أمثال البطريرك مار شمعون إيشاي وماليك ياقو إسماعيل للعراق للتباحث معهم بعد إعادة الجنسية العراقية لهم. غير أنه بعد فشل هذا الأسلوب مع هؤلاء الرموز الآشورية وإدراكه بأنه يصعب أو يستحيل كسر وتحطيم النفس الآشورية المرتكنة في نفوس هؤلاء الأبطال لجأ إلى العنف والقوة والقسوة خاصة بعد إنهيار الحركة الكردية عام 1974 وتورطه في الحرب مع إيران عام 1980. وكرد لهذه السياسة الشوفية تجاه الآشوريين تأسست الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) في العراق عام 1979. والحال نفسه، أدرك البعث بأن مؤسسي وأعضاء ومؤيدي هذه الحركة هم أبناء وأحفاد البطريرك مار شمعون برصباي وماليك شليطا وماليك أسماعيل والبطريرك الشهيد مار شمعون بنيامين والبطريرك مار شمعون إيشاي وماليك ياقو لذلك يستحيل قتل تلك النفس التي تغلغلت في نفس وجسد زوعا وأبناءها. لذلك لم يكن أمامه حيلة إلا المحاولة والقضاء عليها بالقسوة والعنف فقام بحملة شنيعة ضدها وتعقب وطارد مناضليها حتى وصل الأمر في عام 1984 إلى أعتقال عدد كبير منهم ومن ثم أستشهاد بعض قادتها منهم يوسف توما هرمز ويوبرت بنيامين شليمون ويوخنا إيشو ججو في شباط من عام 1985 الذين أعتلوا منصات مشانق النظام من دون أن يدرك الحزب ويتعلم من تجارب السفاحين القدماء من أن مثل هذه القسوة لا يمكن أن تقتل النفس الآشورية بل أستمرت في العطاء والنضال وأمتزجت بنفس رفاقهم في الشهادة منهم فرنسيس يوسف شابو وجميل متي وشيبا هامي وروفائيل ننو وأيشو بوداغ وغيرهم من الشهداء لتزيد من صلابة الروح الآشورية وتبقى نفس هؤلاء الشهداء منقورة في قلوب كل الآشوريين الشرفاء السائرين على نفس النضال القومي وعلى مسيرة الخلود لهذه الأمة لأكثر من سبعة ألاف سنة وبهذه النفس الخالدة ستستمر وبالتأكيد لقرون طويلة أخرى.
هذه كوكبة من بعض شهداء أمتنا الآشورية ورموز قومية في التضحية والفداء لمئات الألاف من الشهداء الذين على أشلاء أجسادهم سار الحركة القومية الآشورية وبدمائهم أرتوت ينابيع الفكر القومي الآشوري وبالنفس الخالدة التي لا تموت أعتلت كلمة الاشوري قمم جبال آشور لتطلق صرخة مدوية: ها أنا الآشوري باقٍ وخالد بخلود أرض آشور.



حقا كان القديس مار متي الإنجيلي صادقا كل الصدق عنما قال:
"لا تخافوا الذين يقتلون الجسد، ولكنهم يعجزون عن قتل النفس" (متى: 10-28)
ونحن أيضاً نقول مع المثل القائل:
الجبناء يموتون كل يوم أما الإبطال الشهداء فيعيشون مدى الدهر.
واليوم في السابع من شهر آب يحتفل الآشوريون في كل أنحاء العالم، سواء في أرض الوطن أم في بلدان المهجر كيوم للشهيد الآشوري ورمزاً شامخاً للإصرار على مواصلة النضال القومي نحو آفاق أبعد حتى يستقيم العدل والإنصاف بحق هذه الأمة الخالدة... ففي هذا اليوم يتذرع الآشوريون في دعواتهم إلى اليوم الذي تتحول عجلة تطور تاريخ العراق السياسي من السياق القائم على القهر السياسي والقمع الفكري للتطلعات القومية المشروعة للآشوريين إلى السياق الذي يتراصون من دون تمييز أو خوف أو هضم للحقوق مع بقية أبناء الشعب العراقي وبكل قومياته وأديانه وتحت ظل نظام ديموقراطي تعددي لا طائفي محاصصي يقر بحقوقهم وبحقوق الجميع ليكون كأساس لضمان وإستمرار العيش بسلام وأمن، وهو الحلم الذي تنشده كل الشعوب المحبة للحرية والسلام ومنهم الآشوريون.

9
نظرة من فتحة مفتاح الباب على:
-------------------

المؤتمر العاشر للحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) 25 – 26 أيار 2023
 ألقوش  - سهل نينوى
===============================================================
أبرم شبيرا

توضيح:
-----
قبل الدخول في صلب الموضوع، أود أن اعيد توضيح القصد من "نظرة من فتحة مفتاح الباب" بأنه ليس بمفهوم التصنت وإستقراء النظر وحب الفضول، بل هو مشاهدة ما توفره لنا هذه الفتحة من فسحة ضيقة للإستدلال ببعض المعلومات عن المؤتمر العاشر لزوعا التي توفرت لنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي والبيان الرسمي الصادر من قبل زوعا بخصوص هذا المؤتمر وكذلك من خلال الإتصال ببعض الأصدقاء المعنيين بهذا الموضوع. أي بما معناه بأنها لم تكن معلومات مباشرة من مصدرها الأولي بل جاءت عبر وسائل أخرى والتي يمكن إعتبارها موثوقة بالقدر الذي تصلح للبحث والدراسة  والتحليل عن أهم وأكبر حزب سياسي في تاريخنا القومي المعاصر ومقارنتها بالمؤتمر التاسع الذي سبقه في عام 2022 في نوهدرا والوصول إلى بعض الإستنتاجات التي قد تكون إيجابية أو سلبية، وهذا أمر طبيعي جدا عندما يكون الباحث متسلحاً بالموضوعية وبعيدا عن المواربة والمجاملة والتربيت على الأكتاف، وهي الإستنتاجات التي بإيجابيتها وبسلبيتها أمر يهمني كثيرا ليس بسبب شغفي وخلفيتي الإكاديمية في المسائل السياسية بل في إهتمامي وإيماني الرصين والعميق بأن الأمة التي لا توجد فيها أحزاب سياسية نشطة وفاعلة بكل معنى الكلمة فإنه لا محال فإرادة هذه الأمة ستكون مرهونة بإرادة الأمم الأخرى.

لماذا المؤتمر العاشر؟:
------------

المؤتمر العام السابق لزوعا، أي التاسع أنعقد للفترة من 8 – 11 نيسان 2022 في نوهدرا وحضرته كضيف في اليوم الأول للمؤتمر وقد سبق وأن كتبنا عن مشاهداتنا عنه ونشر في موقع عنكاوه بتاريخ 15.04.2022. ومن الطبيعي أن يليه تسلسلياً المؤتمر العاشر. ولكن لو أمعنا النظر في البرنامج السياسي والنظام الداخلي لزوعا وتحديدا الصادر من قبل المؤتمر التاسع نقرأ في المادة (22) منه الخاصة بالمؤتمر العام بأن إنعقاده هو كل ثلاث سنوات ولكن أنعقد المؤتمر العاشر بعد سنة و شهرين تقريبا من تاريخ إنعقاد المؤتمر التاسع. وكان في السابق، ومنذ المؤتمر الثاني (14-19 أيار1997 – دهوك) ينعقد كل أربع سنوات (الفقرة 1 من المادة 21) من النظام الداخلي السابق. ولكن هناك إجراء في معظم الأحزاب السياسية بأنه في حالة نشوء حالة طارئة أو تجدد وضعية خاصة مهمة ومصيرية للحزب ويستوجب البحث والمناقشة فيها وعدم الإنتظار لإنقضاء المدة المقرر بين المؤتمرين، ينعقد الحزب مؤتمر إستثنائي لغرض إتخاذ قرارات بشأن هذه الأمور المستعجلة. ولكن في بعض الحالات التي يصعب إنعقاد مؤتمر عام إستثنائي بسبب صعوبة حظور العدد المطلوب للمندوبين للمؤتمر الإستثنائي وبناءأ على دعوة المكتب السياسي للحزب ينعقد إجتماع موسع سنوياً يتكون من أعضاء اللجنة المركزية الأصليين والإحتياط ومرشحي اللجنة المركزية ومندوبين منتخبين من هيئات الفروع والمكاتب، كما جاء في الفقرة (أ) من المادة (20) -الإجتماع الموسع - من النظام الداخلي للمؤتمر التاسع. ومن مهمات هذا الإجتماع الموسع هو تأجيل إنعقاد المؤتمر العام في الظروف الإستثنائية وكذلك الدعوة لإنعقاد مؤتمر إستثنائي عندما لا يكون المؤتمر العام مستحقا للإنعقاد بعد 3 سنوات من المؤتمر السابق (الفقرة ب: 1 و 2 من  نفس المادة للنظام الداخلي). كما وحسب المادة (21) من نفس النظام الداخلي، في حالة حدوث تطورات هامة في الوضع السياسي يحق لثلثي أعضاء اللجنة المركزية لزوعا أو ثلثي الكادر المتقدم دعوة لإنعقاد مؤتمر مصغر في منتصف الدورة بين مؤتمرين عاميين وذلك عندما يتعذر عقد المؤتمر العام.
ولكن من الملاحظ بأن زوعا قد تجاوز كل هذه الإجراءات التنظيمية وعقد مؤتمره العام العاشر رغم عدم إستحقاقه في موعده المقرر حسب النظام الداخلي. فقد جاء في البيان الذي نشر في موقع (zowwa.org) ما يلي: تحت شعار (الوحدة الفكرية ورصانة التنظيم لمواجهة التحديات وتحقيق المطالب الوطنية والقومية) عقدت الحركة الديموقراطية الآشورية – زوعا – مؤتمرها العاشر في ألقوش – سهل نينوى، للفترة من 25 – 26 أيار 2023، بمشاركة أكثر من 250 مندوبة ومندوب من جميع فروع الحركة في الوطن والقواطع في المهجر...). ويظهر بأن عدد الحضور أرتفع قبل أجراء البدء بأجراءات إنتخاب السكرتير. وهذا تأكيد مطلق بأنه بهذا الحضور الكبير هو مؤتمر عام العاشر في سلسلة مؤتمرات زوعا وليس إجتماع موسع ولا مؤتمر مصغر. إذن من  هنا وخلال تحليلنا لهذا التجاوز واللجوء إلى المؤتمر العام وبهذا الحضور الكبير للمندوبين لا يعني إلا كون في أجندته مسائل هامة وخطيرة كان يستوجبها المناقشة والوصول إلى قرارات وإعطاءها قوة فاعلة ومؤثرة من قبل الحضور الكبير للمندوبين ومن دون الإنتظار للفترة المقررة نظامياً ( 3 سنوات) لإنعقاد المؤتمر العام والذي كما هو معروف بأنه يمثل، أي المؤتمر العام، أعلى هيئة في الحزب. وهذا ما تجلى وبكل وضوح في قرارات المؤتمر ومنها إنتخاب السكرتير العام للحركة. من هذا المنطلق كان يجب أن يسمى المؤتمر بـ "المؤتمر الإستثنائي" وليس العاشر وأن لا يحسب ضمن تسلسل المؤتمرات العامة لزوعا، أو بالأحرى كان يمكن أن يسمى بـ "المؤتمر العاشر الإستثنائي". ولكن مع هذا، طالما المؤتمر نجح في تحقيق أجندته فأن تسلسل المؤتمر في كونه العاشر ليس بأمر مهم في سياق تحقيق هذه الأجندة رغم تجاوزه للنظام الداخلي. ومن هنا لا ندري متى سينعقد المؤتمر القادم، أفهل سينعقد بعد سنة ونصف السنة أم بعد ثلاثة سنوات؟.

السكرتير العام بين إنتخابه وإختياره:
---------------------

قد لاتسمح لنا فتحة مفتاح الباب أن نؤكد ما لا نعرفه عن أجندة المؤتمر إلا أنه يمكن الإستنتاج من خلال الإستعجال لإنعقاد المؤتمر قبل إستحقاقه ومن هذا الحضور الكبير للمؤتمر، ومنهم مندوبين من بلدان المهجر، وإنعقاده خلال يومين فقط، وهي أيام قليلة في مقارنة مع المؤتمرات السابقة، بأن موضوع إنتخاب السكرتير العام كان أهم المهمات في الأجندة إن لم يكن الوحيد وما أعقبه من إنتخاب أعضاء اللجنة المركزية وغيرها من الهيئات. والأمر الذي أشعل هذه الأهمية هو التصريح الذي كان قد أعلنه السيد يونادم كنًا بعد أن أعيد إختياره لمنصب السكرتير العام في المؤتمر التاسع 2022، مؤكداً بأن بقائه في هذا المنصب سيكون مؤقتا وستشكل مرحلة إنتقالية على مستوى رأس الحركة. وعلى أساس هذه الأهمية، كانت هناك تباشير تتطاير في الأجواء السياسية عند المعنيين بالأمر وظهر بأنه كان الشغل الشاغل للمندوبين ينصب حول إحتمالية ترشح أكثر من عضو واحد للمنصب ومن ثم إنتخاب سكرتير عام جديد.  ففي بيان زوعا السالف الذكر عن المؤتمر جاء فيه بأنه "في فقرة أجراء الإنتخابات لإخيتار السكرتير العام .... رشح الرفاق يونادم كنًا ويعقوب كوركيس لمنصب السكرتير العام، وفاز الرفيق يعقوب كوركيس بفارق بسيط بعد إنسحاب الرفيق يونادم كنًا من خوض الجولة الثانية من الإنتخابات، ليتولى الرفيق يعقوب كوركيس مهام السكرتارية العامة لقيادة الحركة الديموقراطية الآشورية خلال الفترة القادمة ...." وكانت هناك أسماء أخرى قد طرحت للترشيح غير أن الأمر في نهاية المطاف كان قد أقتصر على السيدين يونادم كنُا و يعقوب كوركيس. لنا ملاحظتنا بهذا الصدد، منها:
أولا: على الرغم من أن السيد يونادم كنًا كان قد أعلن في المؤتمر التاسع بأن بقائه كسكرتير عام لزوعا سيكون مؤقتا وستشكل مرحلة إنتقالية، وهو الأمر الذي أكده لي شخصياً مراراً وتكرارا ومنذ سنوات وحتى في المؤتمر التاسع عن رغبته في ترك منصب السكرتير العام عندما يحين الوقت بذلك وتتهيء الأجواء والأمكانيات للغير لكي يتولى المهمة، وبصراحة كنًا شخصياً نؤيده بذلك. إلا أنه رشح نفسه للمنصب في المؤتمر العاشر ومن المؤكد بأنه كان له مبرراته لترشيح نفسه ربما معتقدا بأن الأجواء غير مهيئة للتغير. مبررات لا تسمح لنا  فتحة مفتاح الباب الضيقة معرفتها بحذافيرها ولكن بقلتها القليلة يمكن أن تكون هذه المبررات إختلافه في السياسة العامة لزوعا مع غيره من المرشحين وليس في أمكانياتهم وقدراتهم. مع هذا، فإن الإعتبارات الحزبية الداخلية والشخصية والأخلاقية تمنعنا من التطرق إليها ونشرها حتى بقلتها لكونها تدخل ضمن نطاق حزبي وشخصي وغير مؤكدة لنشرها. 
ثانيا: جاء في الفقرة (6) من مهام وصلاحيات المؤتمر من المادة (22) الخاصة بالمؤتمر العام من البرنامج  السياسي والنظام الداخلي المقر من قبل المؤتمر العام التاسع، بأن من صلاحية المؤتمر العام هو إنتخاب السكرتير العام لزوعا ولكن غاب عن هذه الفقرة نسبة الأصوات المقترعة المطلوبة ليفوز المرشح بمنصب السكرتير العام ولا هناك إشارة إلى إعادة الإقتراع في جولة ثانية لتقرير الفائز بالمنصب.  فالمعلومات الشحيحة التي وفرتها لنا فتحة مفتاح الباب تبين لنا بأن المندوبين كانوا قد أدركوا هذه الثغرة في إجراءات التصويت والنسبة المطلوبة للفوز بالمنصب وأصبحت من الضروري معالجتها وإضفاء عليها وزناً ديموقراطيا أكثر خاصة وأن الأجواء كانت توحي بأن المنافسة ستشتد بين المرشحين للمنصب. شكرا لفتحة مفتاح الباب التي أتاحت لنا أن نعرف بأنه تم تعديل الفقرة الخاصة بالسكرتير العام تحت المادة (18) ليكون إنتخاب السكرتير العام بالأغلبية المطلقة أي 50 + 1 من المقترعين وفي حالة عدم حصول أي من المرشحين لهذه الأغلبية سيتم اللجوء إلى الجولة الثانية من الإنتخاب لتقرير الفائز بأكثرية الأصوات مهما كانت نسبتها. كما أنعمت علينا فتحة مفتاح الباب لتبين لنا بأن السيد يعقوب كوركيس قد حصل على 123 صوت في حين حصل السيد يونادم كنًا على 120 من أصوات المقترعين والبالغ عددهم 253، وكانت هناك أوراق باطلة بسبب عدم إلتزامها بالإجراءات والأصول المتبعة في ورقة الإقتراع. أي بهذ المعنى لم يحصل أي واحد منهم على الأغلبية المطلقة 50 +1 وهي 127 صوت حيث كان السيد يعقوب كوركيس بحاجة إلى 4 أصوات ليحصل الأغلبية والسيد يونادم كنًا إلى 7 أصواب مما تتطلب الأمر إلى أجراء جولة ثانية لحسم الأمر. غير أن السيد يونادم كنًا أعلن إنسحابه وعدم خوض الجولة الثانية وبالتالي يكون السيد يعقوب قد حصل على المنصب بالتزكية.
ثالثاً: في معظم الإنتخابات سواء أكانت حكومية أم برلمانية أم حزبية أو إنتخابات أية جمعية أو منظمة أو مؤسسة فإن قوتها والإهتمام بهذه الإنتخابات تنعكس من خلال نسبة المقترعين المؤهلين للتصويت. ففي بعض الإنتخابات نسمع بأن نسبة  المصوتين كانت 35% (مثلا) من مجموع المؤهلين للتصويت أو تكون النسبة أكثر من 50% . وهكذا، كلما تصاعدـت نسبة المقترعين فهذا يعني تصاعد إهتمامهم بالإنتخابات وبمواضيعها. والعكس صحيح أيضا، فكلما قلت نسبة المقترعين فهذا دليل على قلت إهتمام المقترعين بالإنتخابات وبمواضيها. وطبقا لهذه المعادلة نرى بأن نسبة المقترعين في إنتخاب السكرتير العام لزوعا في المؤتمر العاشر شارفت على 100%  مما يدل على الأهمية القصوى لهذا الموضوع لدى مندوبي المؤتمر، وتأكد هذا من مجريات إنتخاب السكرتير العام.
رابعاً: هناك بعض المصطلحات المستخدمة في الإنتخابات سواء الحزبية أو الحكومية أو البرلمانية، واهمها التي تعنينا في هذا السياق هو " الفوز" ، كأن نقول فاز فلان بمنصب السكرتير العام. و"التزكية"، كأن نقول حصل فلان بمنصب السكرتير العام بالتزكية.  الفوز بمنصب معين لا يتم إلا بالمنافسة بين المرشحين وبالإنتخاب والتصويت وبالتالي فوز أحدهم بالأكثرية المطلوبة. أما التزكية فهو الحصول على المنصب من دون وجود أكثر من مرشح واحد، أي بدون منافسة وإنتخاب. ولكن في كلا الحاليتين لهما دلالات ديموقراطية، إلا أن ضمن ظروف خاصة ومعينة يمكن أعتبار الفوز بالإنتخاب شكليا وإجرائياً أكثر ديموقراطية من التزكية غير أنه مع هذا من حيث الجوهر والمضمون فإن كلاهما شكلا من أشكال الممارسة الديموقراطية طالما تعبر عن إرادة الأغلبية. أي بهذا المعنى نقول بأن السيد يعقوب كوركيس فاز في الجولة الأولى بانتخابه بأكثرية الأصوات وإن لم تؤهله للمنصب، وأنه حصل على المنصب بالتزكية في الجولة الثانية وإن لم يتم الإقتراع عليه ولكن في كلا الحالتين هو إجراء ديموقراطي صحيح. هنا أقتضى الأمر فقط للتوضيح وإستخدام المصطلحات الصحيحة في هذا السياق.
خامساً: بإختصار شديد، نستشف من إنتخاب السكرتير العام لزوعا في المؤتمر العاشر، مايلي:
1)   المستوى العالي للوعي السياسي والديموقراطي للمندوبين وقبول ترشيح أكثر من واحد لمنصب السكرتير العام ومتابعة الإجراءات الأصولية بهذا الشأن في إنتخاب أحدهم وبالتالي ظهور رغبة المندوبين في تغيير قمة الهرم التنظيمي لزوعا.
2)   حصول المتنافسين الأستاذين يونادم كنًا ويعقوب كوركيس على أصوات متقاربة جداً دليل على أنه لا يزال السيد يونادم كنُا يتمتع بشعبية مقبولة وبالمقابل نرى بأن حصول السيد يعقوب كوركيس على أصوات بنسبة قليلة جدا عن السيد يونادم، يؤكد على رغبة زوعا في التغيير والتجديد  وأن هناك من هو مقبولا من قبل المندبون ليحل محل السيد يونادم كنًا بعد عهد طويل. ولكن في هذا التقارب في الأصوات لدرجة الوصول إلى النصف تقريباً لكل مرشح تكمن خطورة الإنقسام في الحركة فيما إذا لم يتوفر الوعي الراقي لأعضاء زوعا لفهم هذه الحالة فهماً ديموقراطياً  فأنه لا محال من ترتب على ذلك نتائج سلبية أقلها خروج أو ترك بعض الأعضاء الموالين للسيد يونادم من التنظيم أو أرتكانهم إلى زاوية مهملة وغير نشطة.
3)   إنسحاب السيد يونادم كنًا وعدم خوض الجولة الثانية وترك الأمر للسيد يعقوب كوركيس ليكون السكرتير العام لزوعا بدلا عنه، حالة فريدة ونادرة جداً وتعبير عن شجاعته لتحويل مساره النضالي والزعاوي الطويل كسكرتير عام لزوعا نحو رفيقه في النضال. حالة فريدة ونادرة جداً ليس لدى أحزابنا السياسية فحسب بل لدى الأحزاب العراقية قاطبة عربية أكانت أم كردية أم تركمانية، لا بل حالة فريدة ونادرة جداً حتى لدى الأحزاب العربية والحكومات. لماذا؟ التاريخ السياسي لمنطقة الشرق الأوسط وتحديداً الدول العربية وبعضها إسلامية ومنها العراق، يبين لنا وبكل وضوح بأنه عندما يرشح رئيس حزب سياسي لمنصب رئاسة الحزب مهما كان عدد المرشحون وأمكانياتهم فأنه لا محال يجب أن يفوز بالمنصب بأية طريقة كانت. والحالة أكثر وضوحاً عند ترشيح رئيس وزراء أو رئيس جمهورية لدولة عربية أو شرق أوسطية فلا بد أن يفوز ضد منافسيه مهما كان عددهم وإمكانياتهم وإخلاصهم لدولتهم. هذه القاعدة العامة قد تكون لها إستثناءات بسبب تدخل عوامل مؤثرة داخلية وخارجية، ولكن كقاعدة عامة هي شكل من أشكال الديكتاتورية المتسترة بإنتخابات شكلية ولكن في جوهرها هي بعيد كل البعد عن المفاهيم الديموقراطية الصحيحة في الإنتخابات النزيهة. إنطلاقاً من هذه القاعدة نعيد تأكيدنا بأن عدم خوض السيد يونادم كنُا الجولة الثانية فريدة من نوعها في المنطقة. 

سدساً: بين السكرتير العام العتيد والسكرتير العام الجديد:
----------------------------------

السكرتير العام العتيد: عرفت السكرتير العام العتيد السيد يونادم كنًا منذ نصف قرن تقريباً. وخلال الثلثين الأخيرين من هذا الزمن عرفته أثناء وخلال فترة تأسيس زوعا سواء كأحد مؤسسيه أو كادره المتقدم أو سكرتيره العام، عرفته بهذه الصفات وليس بصفته الشخصية، لهذا أقول بأن هذه السطور عنه هي بصفته "الزوعاوية" وليست بصفته الشخصية. عرفته بكل إيجابياته وسلبياته وبكل أنجازاته وإخفاقاته وبكل نجاحاته وفشله وبكل ديموقراطيته وتسلطه وبكل إجتماعيته وفرديته وبكل آشوريته وعراقية. عرفته من خلال كل هذه الصفات "الزوعاويه" حتى يمكن القول بأنه سياسي مخضرم ومحنك من الدرجة الأولى ليس على المستوى القومي بل على المستوى العراقي أيضا. ومشاهدة بعض اللقاءات التي أجريت معه وسائل الإعلام العراقية والعربية تثبت ذلك ومن خلال تحليلاته للوضع السياسي العام وشجاعته في نقد النظام الفاسد في العراق. وحتى أكون شاهدا على ما أقوله، كان قبل، أقل أو أكثر، من عقد من الزمن انعقد إجتماع في القنصلية العراقية في دبي لممثلي القوى السياسية والقومية العراقية القادمون من العراق، من شيعية وسنية وعربية وكردية وتركمانية وإيزيدية ومندائية وآشورية/مسيحية والتي مثلها السيد يونادم كنًا. تركز موضوع الإجتماع حول ضرورة المصالحة بين كل هذه القوى. ألقى كل واحد من ممثلي هذه القوى كلمته والتي لم تثير إهتمام العدد الكبير من الحاضرين، لا بل أشمئز الكثير منهم من معظم الكلمات وتعالت صحياتهم الإحتجاجية لأنها كانت خطب طائفية وتحزبية وعنصرية بعيدة عن أي ملامح وطنية عراقية هادفة للمصالحة، لا البعض منها ومن دون خجل كان قد أعلن جهاراً ونهارا تبعيتهما لدول أخرى. وعندما جاء دور السيد يونادم، وكان آخرهم،  للإلقاء كلمته لم يستطيع التواصل والإستمرار بها بسبب تعال الهتافات وصيحات الإعجاب والتأييد والتصفيق المستمر من جميع الحاضرين. وكان حاضرا معي ثلاثة من الأصدقاء الآشوريين، والبقية تجاوزوا المئتين من مختلف القوميات والجهات السياسية. وخلال كلمته وهتافات الإعجاب تتعالى سمعنا من أحد الحاضرين الجالس أمامنا يقول من شدة إعجابه وتأثره بكلام السيد يونادم: "هذا هو الكلام الوطني العراقي الشريف وليس الطُرهات والخزعبلات التي قالها الآخرون"
 
معاً عام 1995 في أربإئيلو وقبل أن يغزو الشيب رأسنا
--------------------------------------

هنا وحتى نفهم زوعا فكرياً وسياسيا وواقعيا وبالمفهوم السياسي للحزب، نؤكد القول بأنه ليس معبد نتعبد فيه. فزوعا حزب سياسي قد ينجح ويخفق في مسيرته خاصة عندما تطول هذه المسيرة ضمن تحديات خطيرة، وإلا لا يمكن إعتباره حزباً سياسيا لأن الحزب كما معروف هو فكر وممارسة وهذه الأخيرة طبيعياً تقوم على النجاحات والإخفاقات. وكذلك السيد يونادم كنًا كسياسي وسكرتير عام فهو ليس قديس لكي نركع أمامه ونُقبل يده، فحاله كحال أي سكرتير عام لحزب سياسي ترافقه نجاحات وإخفاقات وأخطاء لأنه بطبيعته إنسان معرض للأخطاء وإلا سيتجرد من إنسانيته ويصبح صنما لا روح فيه ولا نفس، ولكن الذي نعرفه وغيرنا يعرفه أكثر بأنه إنسان مفعم بالروح والنفس الطويل طيلة مسيرته الزوعاوية سواء أتفقنا معه أما لا، جعلته أن يكون سياسياً من الدرجة الأولى على المستوى القومي الآشوري والوطني العراقي. وهنا تنذكر المثل القائل (من لا يخطئ لا يفعل شيئاً).  فعلى هذا الأساس دأبت أن أكتب عن زوعا بكل نجاحاتها ليس مدحاً وتمشدقا بها بل قولا للحقيقة، وبكل إخفاقاتها ليس تهجماً وإهانة بل نقدا موضوعيا بناءا. والحالة نفسه كانت مع السيد يونادم كسكرتير عام لزوعا. كتبنا عن كل إنجازاته وإمكانياته وذلك قولا للحقيقة وكذلك عن كل فشله وإخفاقه وذلك نقداً بناءا. وهو الأمر الذي فهمه وتقبله  أكثرية قادة زوعا وليس معظمهم، نعم ليس معظمهم فهناك في قيادة زوعا، وهذا أمر طبيعي في كل الأحزاب، لهم عقول كرستالية تتكسر بسرعة من أي نقد بناء. وفي سياق هذا اقول: تذكرت عندما حضرت المؤتمر التاسع كضيف "ثقيل" على فكر بعض أعضاء قيادة زوعا حيث كانت الأخبار من إجتماع اللجنة المركزية قبل يوم أو أكثر من المؤتمر قد تسربت من خلال أحد الأعضاء الموثيقين بهم وقال لي بأن النقاش كان محتدما حول دعوتك كضيف للمؤتمر لأن بعض أعضاء اللجنة المركزية، ذو "العقول الكرستالية"  كانوا يرفضون رفضاً قاطعاً حضوري كضيف للمؤتمر. لماذا؟ لأنني أنتقد زوعا كثيرا!!! وعلى العكس من العقول الكرستالية، فالحالة مع السيد  يونادم كنًا وهو كسكرتير عام لزوعا قائمة على تفهمه وتقبله للنقد وفي أحيان أخرى عدم إتفاقه ورفضه لما أكتبه عنه، هي الحالة التي على أساسها قام الأحترام الصلد والثقة المتبادلة بيننا طيلة حياة زوعا المديدة لثلاثة عقود وأكثر.
السكرتير العام الجديد:
في معظم الأحيان نتعرف على أعضاء أو قادة حزب معين من خلال الحزب نفسه، تأسيسه وفكره ونظامه وأهدافه. وهكذا الحال مع زوعا. وحتى نتعرف على رجالاته كالسيد يونادم كنًا والسيد يعقوب كوركيس بإعتباره السكرتير العام الجديد لزوعا، علينا أن نتعرف عليهم من خلال زوعا نفسه. في مناسبة ما ذكرت بأنه يخطأ من يظن بأن الحركة الديمقراطية الآشورية ولدت بقرار من بعض الآشوريين الذين جلسوا على مائدة مستديرة وقرروا تأسيس الحركة. ويخطاً أكثر من يتصور بأنها ظهرت للوجود بإرادة فردية آشورية، ويبتعد أكثر فأكثر عن الحقيقة من يتوهم بأنها هي نتيجة عامل واحد معين أو ظرف محدد بحد ذاته فرض على روادها الأوائل وأجبرهم على تأسيس هذه  الحركة. فحتى نعرف كل الحقيقة من وراء ولادة هذا المولود  لابد من معرفة الأحوال التي غرزت بذرتها الأولى في تربة آشور والدماء التي روتها والتضحيات التي حرصتها حتى باتت يافعة ناشطة فارضة نفسها على الساحة السياسية باعتبارها المولود الشرعي للأمة الآشورية الذي ولد من خلايا وتنظيمات عديدة ألتصقت جميعها في جسم الحركة الديموقراطية الآشورية. صحيح أن الحركة الديمقراطية الآشورية قد أعلن ولادتها رسمياً في نيسان الربيع عام 1979، إلا أن هذه الولادة كانت نتيجة طبيعيــة جدا لمراحل تاريخية نضالية حبلت بها أمتنا الآشورية فتكون جنين زوعا في رحم الأمة  وألتصق بجدارها يتغذى من معاناتها وألامها فترات طويلة حتى نمت واكتملت فجاء نيسان الربيع والخلق والميلاد بشمسه الدافئة وعشبه الأخضر ليُحتضن المولود الجديد للأمة الآشورية في قماط بنفسجي، لون ميلاد الحياة وقوة الأيمان والتضحية، ويهرع به إلى معبد آشور لينال المعمودية القومية ويعلـن للملء في الثاني عشر من نيسان الربيع ولادة الابن الشرعي للأمة الآشورية في ظروف لم يعد فيها مخرج وخلاص لمعاناة هذه الأمة إلا من يمثلها عبر تنظيم سياسي ثوري يعتمد الخبرة السياسية والعلمية في عمله الواقعي القومي ونضاله الوطني. ضمن هذه الظروف في ولادة زوعا، نضجت وحبلت بأبناء برره ناضلوا وأستشهدوا من أجل القضية التي حملوها على أكتافهم. ضمن هذه الظروف يجب أن نفهم السكرتير الجديد لزوعا. أي بما معناه بأنه لم يأتي إلى هذا المنصب بقرار سياسي أو بعلاقته الشخصية أو عشائرية بهذا المتنفذ أو ذاك، بل جاءت ولادته كسكرتير عام لزوعا من خلال ولادة زوعا بمغاض الأمة ومعاناتها عبر سنين طويلة لم يكن من السهل إجتيازها إلا بإمكانيات نادرة وقابلة على مواجهة التحديات التي واجهة الأمة عبر تاريخها الطويل.
في عام 1991 تحولت زوعا من مرحلة النضال السلبي (Underground Straggle) إلى النضال الإيجابي، فظهرت مسيرة قطار زوعا على السطح محملة بحمولة من المسؤوليات الجديدة وببعض الإمتيازات المغرية التي وفرها تواجدها في الهياكل الرسمية كالبرلمان والوزارة. فكانت فرصة للبعض من أبناء شعبنا للقفز في القطار لعل قد تحصل على بعض من هذه الإمتيازات. غير أنه وعبر رحلة قطار زوعا تبين لهم بأن رحلتها طويلة وشاقة ملئها المصاعب والمشاكل والمعاناة لذلك ففي أول محطة لقطار زوعا أو ثانيها قفزوا منها ولم يعد يتحملوا مشق البقاء في القطار أطول مما يمكنه، خاصة بعد أن حصلوا على بعض من الإمتيازات التي وفرتها لهم ركوب قطار زوعا أو لم يحصلوا عليها إطلاقاً، فبقوا على قارعة الطريق يلومون ويلعنون قطار زوعا وركابها الصامدين فيها.
 
لقاء مع الشاب يعقوب كوركيس مسؤول إتحاد الطلبة والشبية الآشوري ومدير إذاعة آشور في دهوك -1995
---------------------------------------------------------

في عام 1991 كان الشاب يعقوب كوركيس من أحد ركاب قطار زوعا منذ محطتها الأولى وخلال رحلتها الشاقة التي تحملها أرتقى من مكان إلى أخر ومن دون أن يترك القطار رغم عبورها عبر محطات شاقة ومهلكة. ففي عام 1991 كان من مؤسسي إتحاد الطللبة والشبيبة الآشورية وفي عام 1992 عمل في مؤسسات زوعا الإعلامية كإذاعة آشور في نوهدرا للفترة من 1995 لغاية 1997 ثم في تلفزيون آشور في نوهدرا لغاية عام 1999، فمدير تحرير لسان حال زوعا (بهرا) لغاية 2004 ومدير البرامج السياسية ومديرا تنفيذيا و مدير عام لفضائية آشور حتى عام 2006. وكان إلتحاقه بصفوف زوعا عام 1991 حتى أنتخابه عضوا في اللجنة المركزية لزوعا عام 2006 وعضو المكتب السياسي منذ عام 2010 فرئيس قائمة الرافدين (الزوعاوية) في برلمان الإقليم للفترة من 2013 لغاية 2018، ونائب السكرتير العام منذ 2014 والذي أعيد إنتخابه كنائب للسكرتير العام السيد يونادم كنًا في المؤتمر التاسع 2022. حقاً قيل (من ثمارهم سوف تعرفهم).  ومنذ تلك الفترة لاحت في الأفق بوادر تؤكد بأنه سيكون السكرتير العام القادم، وبالفعل أصبح الآن يقود مسيرة قطار زوعا بعد تسلمه منصب السكرتير العام لزوعا. ونأمل أن يستفيد من خبرة وحنكة القائد السابق للقطار السيد يونادم كنًا وأن يكون السيد يونادم بمثابة إستاذ في هذا الشأن لتكتمل مسيرة القطار التي قادها لفترة طويلة... وهنا ومن باب الترفيه عن النفس من تعقيدات السياسة أتذكر المثل العراقي الشعبي القائل "الخلفة يصير أوسطه". 
 
سابعا: زوعا بين النظرية والتطبيق:
-------------------

 ضمن إحتفالات الأول من نيسان في نوهدرا لهذا العام 2023، شاركت في إلقاء محاضرة في المركز الثقافي الآشوري في نوهدرا في يوم الثاني من نيسان وتحت عنوان "الأحزاب السياسية الآشورية بين النظرية والتطبيق". وفيها ذكرت بأنه نظرياً العناصر التي يتشكل منها الحزب السياسي، هي (1) عدد معين من الناس و (2) الفكر أو الأيديولوجيا و (3) التنظيم و (4) السعي او المحاولة للوصول إلى السلطة، سواء أكانت رسمية قانونية أو شعبية، لغرض تحقيق فكره وأهدافه. وتقرباً من واقع أحزابنا السياسية ركزت على الأثنين من هذه العناصر وهما الأول (عدد معين من الناس) والثاني (التنظيم).  بالنسبة للأول، رغم أن النظرية لم تحدد هذا العدد ولكن من المؤكد بأن شخص واحد لا يمكن أن يؤسس حزب لوحده. لهذا يستوجب وجود عدد معين من الناس وأن يكون عددهم يكفي لإشغال الوحدات أو الهياكل التنظيمة (خلية، منظمة، فرع، لجنة مركزية، مكتب سياسي وهكذا)  لنظامه الداخلي. أما بالنسبة للثاني، أي التنظيم، أكدنا بأنه لا يكفي أن تكون الهياكل التنظيمية على الورق فقط، أي ذكرها في النظام الداخلي، بل أن تكون فعلا موجودة في الحقيقة وعلى أرض الواقع متجسدة في أعضاء الحزب. وبعد شرح مفصل ومداخلات من الحاضرين تبين لنا من خلال هذه الأسس النظرية بأن زوعا ومطكستا يمكن إعتبارهما حزباً سياسيا بكل معنى الكلمة.
وهنا يأتي كلا المؤتمرين لزوعا التاسع والعاشر تأكيدا على ما ذكرناه في المحاضرة وبالتحديد فيما يخص العدد المطلوب والضروري لوجود الحزب بالمعنى الكامل له. حيث كان الحضور أكثر من 250 عضو منتدب في كلا المؤتمرين تأكيداً مطلقاً لوجود هذا العنصر في زوعا، وإذا تمكنا من تخمين بان كل مندوب كان يمثل 5 أعضاء في زوعا إذن على أقل هناك إحتمال أن يكون عدد أعضاء زوعا أكثر من 1000 عضو. أما بالنسبة للعنصر الثاني، أي التنظيم في تكوين الحزب، فمن خلال متابعتي وملاحظاتي عن سلسلة المؤتمرات العام التي عقدتها زوعا منذ التأسيس وحتى العاشر منها يتأكد لنا بأن هذا العنصر متوفر في زوعا خاصة عندما نعلم بأن المؤتمر العام لأي حزب سياسي هو أعلى هيئة في الحزب لا بل من خلاله يظهر مدى قوته، وبهذه الحالة يمكن قياس قوة زوعا مقارنة مع بقية الأحزاب.
هنا أطلب، لا بل أسأل وأتوسل من القارئ اللبيب أن يبلغني فيما إذا يعرف أي حزب من أحزابنا السياسية تتوفر فيه هذه الأسس الأربعة، وتحديدا الأساس الأول (العدد المطلوب من الناس) وكذلك الأساس الثاني (التنظيم) عن إنعقاد مؤتمره العام، فعلى الفور سأذهب وأطرق باب هذا الحزب راجياً منه أن يزودنا ببعض من هذه الأسس حتى نبحث فيها وندرسها لتكون فائدة له ولجميع أبناء شعبنا في معرفة أحزابه السياسية الحقيقية ويعرف الوسائل التي من خلالها يمكن تحقيق الأهداف القومية لأمتنا.
وأخيرا أقول:
ليس أحد أشد صمماً من أولئك الذين لا يريدون أن يسمعوا...
و ليس أحد أشد عمى من أولئك الذين لا يريدون أن يبصروا

10
هجرة "المسيحيين” لوطنهم التاريخي:
-----------------------

كيف نتعامل مع تداعياتها؟ ... رجل الأعمال إلياس حنا... مثالاً!!
====================================
أبرم شبيرا
تساؤل مقبول:
--------
أتسائل أنا قبل أن يتسائل غيري عن مغزى أستخدام تسمية "المسيحيين" في هذا الموضوع ومعظمنا يعرف جيداً بأن معظلتنا الأساسية والتاريخية في وطننا هي قومية في مضمونها لكنها مرتبطة عضوياً بمعظلتنا الدينية خاصة في هذا الموضوع عن الهجرة والتي تخصنا نحن جميعاً; الآشوريون والكلدان والسريان سواء كأبناء أمة واحدة أو كمؤمني كنيسة المشرق المعروفة بأفرعها: الكلدانية والسريانية الأرثوذكسية-الكاثوليكية والمشرقية الآشورية-القديمة. ومن المؤكد سأجد الجواب لهذا التساؤل بالبحث في حيثيات تاريخنا الغابر لأقول بأنه منذ أكثر من ألفيتين كان تهجير شعبنا المسيحي دينياً، ولكن في التحليل الأخير كان لها تداعيات قومية وذلك بسبب خضوعه لأنظمة ودول في سياقها الزمني كانت بالدرجة الأولى مختلفة عنه دينياً وفي مضمونها إختلاف قومي وثقافي وتاريخي وحضاري وحتى نفسي. ونحن أبناء هذا العصر نشهد تواصل سلسلة تهجير شعبنا إلى يومنا هذا في وطننا التاريخي سواء في العراق أم سوريا أم إيران أم تركيا ولنفس الأسباب والإختلافات المذكورة. فبتراكم هذه الإختلافات وتواصلها عبر قرون طويل أرتقت عبر الزمن إلى تناقضات صلدة  لم يكن بالإمكان حلها في ضوء الإمكانيات الشحيحة أو المعدومة لشعبنا مضافاً إليها غياب مفهوم قبول المختلف والتسامح للأنظمة التي خضعوا لها. لذلك لم يكن أمام شعبنا سبيلا له ولا مفر منها إلا بالهجرة والنزوح للتخلص منها. فعلى أساس هذا الإرتباط العضوي لما هو ديني وقومي في أمتنا نقول بأن كل آشوري او كلداني أو سرياني يُهجر من وطنه ويهاجر فهو في التحليل الأخير تهجير وهجرة مسيحي، والعكس صحيح أيضا. فهذا المصير المشتركة لجميعنا وبتسمياتنا المتعددة هو أحد الأسس القومية والدينية، مضافا إليه الأسس الأخرى، لوجودنا القومي والديني في الوطن. هذا هو مغزى ورود كلمة "المسيحيين" في عنوان هذا الموضوع والتي في مضمونها مسائل قومية وتاريخية وحضارية.
مابين الهجرة والتهجير:
-------------
على الرغم من التداعيات المشتركة للهجرة والتهجير على شعبنا في موطنه التاريخي، والتي سنبحث عنها في السطور القادمة، إلا أنه مع هذا فهناك إختلاف بينهما من حيث الدوافع والأسباب وحيثيات ترك الوطن ونتائجها.   
فالهجرة:
------
ببساطة يؤكد معظم العلماء بأنها تعني انتقال شخص أو مجموعة من الأشخاص أو عدد من العوائل من موطنهم إلى دولة  آخرى سعياً للرزق أو من أجل حياة أفضل مع نية البقاء فى هذه الدولة الجديدة لفترة طويلة أو لمدى الحياة وليس بنية السفر أو الزيارة المؤقتة. أي بعبارة أخرى هو إنتقال طوعي فرضته الظروف الخاصة للشخص المهاجر أو العائلة وليست لأسباب سياسية او دينية أو لظروف عدم الإستقرار في الوطن الأصلي للمهاجر. فالهجرة هنا هي طوعية تنشأ عن خيارات فردية وعائلية لغرض تحسين الوضع الإجتماعي والإقتصادي. فعلى الرغم من بعض الدول، وتحديدا الإستبدادية منها، التي تضع قيود على سفر مواطنيها، فإن مثل هذا الإنتقال هو حق مشروع لجميع البشر وتكفله القوانين الدولية. وإذا كانت الهجرة بهذه الصفة الشخصية والعائلية وبسبب ظروف خاصة تخص المهاجر وليس لها صفة عامة لكن بإستمرارها وبأعداد كبيرة فأنها لا محال منها، فهذا التراكم الكمي لا بد أن يؤدي بالحتم والنتيجة إلى تغيير نوعي، وطبقا للقانون الفلسفي: التراكم الكمي يؤدي إلى تغيير نوعي. أي تتحول الهجرة إلى ظاهرة إجتماعية تلتقي تداعياتها السلبية مع تداعيات التهجير وتؤدي نفس النتائج التي تنتجها التهجير الناشئة عن عوامل وظروف سياسية وإقتصادية ودينية عامة تشمل عدد كبير من المُهجرين وتعاني تداعيات سلبية مؤثرة على وجودهم القومي والديني في بلد الإغتراب خاصة في العصر الراهن، عصر العولمة، حيث تعاظمت وسائل النقل والتواصل وتلاشت أو ضعفت العوائق الحدودية بين الدول بحيث أصبحت المسافات الجغرافية تفقد أهميتها أمام الشخص المهاجر، كما سيكون لمثل هذه الهجرة تداعيات خطيرة على المستوى الديموغرافي والسياسي في وطنهم الأصلي.
أما التهجير:
--------
هو الإخراج القسري أو الإكراهي للإنسان وطرده  بالقوة  إلى أماكن بعيدة عن وطنه الأصلي. وقد يكون هذا الإخراج الإكراهي أما بقرارات سياسية إستبدادية تجاه الإنسان، كما كان الحال مع نفي مار شمعون إيشاي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية وعائلته وعدد كبير من الآشوريين المنتمين لكنيسته والمتهمين بالمشاركة في الحركة الآشورية لعام 1933. أو هو هروب للتخلص من الاضطهاد أو النٍزاعات المسلحة والمذابح، كما كان الحال في سنوات سيفو (1915-1918) بحق المسيحيين في الدولة العثمانية. وقد تكون مثل هذه القرارات أما بشكل مباشر ورسمي تعبر عن الطبيعة الإستبدادية للنظام السياسي، كما كان الحال مع فرمانات الدولة العثمانية، أو تكون غير مباشرة ومبطنة ومنمقة بقوانين معسولة ولكن في جوهر تطبيقها إستبداد وإكراه لطرد الإنسان خارج موطنه، كما هو الحال في العراق الحالي في تهميش المسيحيين وهظم حقوقهم المشروعة. فبهذا المعنى، فالتهجير لايستند إلى خلفية إقتصادية وطوعية طالما هو تشرد وطرد خاصة ما يتعلق بالأقليات الدينية والقومية نتيجة قرارات سياسية أو إلى أعمال قمع عنيفة من قبل السلطات أو الحركات المتطرفة في موطنهم، وجرائم القاعدة وداعش بحق المسيحيين نموذج صارخ في هذا السياق. والتاريخ المعاصر يثبت لنا بأن الحروب تشكل مصدراً رئيسياً لتهجير الإنسان، وفي هذا السياق يمكن إعتبار الحرب الكونية الأولى وما أعقبها من مذابح وتطهير عرقي وتشريد بحق المسيحيين من قبل الدولية العثمانية ومن ثم ترسيم حدود دولية جديدة وتكوين دول قومية متطرفة دينياً وقوميا شكلت مصدراً أساسياً وعاملا حاسماً في تهجير المسيحيين من موطنهم. وتهجير الآشوريين الحيكاريين والسريان الأرثوذكس من موطنهم التاريخي يشكل تراجيديا تاريخية في هذا السياق. كما أن عدم الإستقرار السياسي يشكل باعثاً أساسيا في تهجير الإنسان كما كان الحال في الستينيات من القرن الماضي عند قيام الحركة الكوردية المسلحة في شمال العراق ووصول حزب البعث للسلطة عام 1968 في العراق ومن ثم تصاعد حدة الهجرة  عام 1970 وما بعدها. وأخيرا حتى لا نضيع في متاهات الإختلافات بين الهجرة والتهجير أود التوضيح بالمفاهيم اللغوية وأقول بأن الهجرة هي ظاهرة مصدرها فعل ماضي هَجَرَ، أي ترك الإنسان وطنه والإنتقال إلى خارجه. أما التهجير فهي تفعيل، من نفس الفعل (هَجَرَ)، أي هي حركة أو سلوك مرتبط بعوامل عديدة من سياسية وإقتصادية وإجتماعية ودينية مفروضة على الإنسان سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، كما سبق ذكره، وبالنتيجة تؤدي إلى هجرة الإنسان لوطنه وما يترتب من تداعيات عليه وعلى المجتمع أو القومية أو الكنيسة التي ينتمي إليها سواء في بلد المهجر أو في وطنه. إذن في المقام الأخير تنتج التهجير ظاهرة الهجرة وعلى هذه الأخير تترتب تداعيات خطيرة على الفرد والمجتمع المهاجر من الناحية القومية والكنسية ومن نواحي أخرى ليست ضمن سياق موضوعنا هذا. من هنا نقول وبشكل عام أن شعبنا لم يهاجر وطنه بل هُجر منه بسبب الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي فرضت عليه طيلة زمن طويل.
تداعيات الهجرة على القومية والكنيسة
---------------------
هناك إهتمام كبير من قبل المفكرين والمختصين في العلوم الديموغرافية حول هجرة وتهجير الشعوب وتحليل دوافعهما المختلفة والمتشابكة ولا يستثنى منهم الإهتمام المقلق للكثير من المسيحيين من رجال الفكر والسياسة والكنيسة في وطنهم الشرق أوسطي بهذا الموضوع المهدد لوجودهم وإقتلاعهم من موطنهم التاريخي. فأمر كل البحوث والنظريات العديدة التي بحثت في ظاهرة هجرة الشعوب أو تهجيرها لا يهمنا إلا بالقدر التي تساعدنا في البحث عن تهجير شعبنا ضمن ظروفه الخاصة. من هذا المنطلق سنتجنب التطرق إلى هذه البحوث والنظريات والإكتفاء بما يساعدنا على الولوج في المشكلة التي تقرر مصير وجودنا وتواصلنا كقومية أو ككنيسة إينما كنًا سواء في أرض الوطن أم في دول المهجر.
على الرغم من أن للهجرة والتهجير نتائج واحدة تقوم على ترك  أبناء شعبنا لوطنه التاريخي وما لهذا من تداعيات خطيرة تتمثل بالدرجة الأولى في فقدان أهم مقوم من مقومات وجوده القومي وهو الأرض أو الوطن الذي من خلاله تتمثل هويته القومية بما فيها مقومات اللغة والتاريخ والتقاليد والذكريات. ولكن أيضا من جانب آخر تتمثل هذه التداعيات في فقدان كنيستهم لموطنها التاريخي الذي نشأت فيه بوادرها الأولى وترسخ إيمانها ومنه أنطلق أصحاب الأرض حاملين بشائر الإنجيل إلى شعوب العالم الشرقي. وبشكل أوضح أقول إذا كان للقومية بالدرجة الأولى وللكنيسة بدرجة أقل موطنا تاريخياً فأنه ليس للدين المسيحي موطناً محدداً غير دول العالم لأن المسيحية بطبيعتها وجوهرها وإيمانها كاثوليكية أو جاثيليقية بمعناها العالمية. في حين للكنيسة موطناً، كأن نقول أرمينيا موطناً للكنيسة الأرمنية وروسيا موطناً للكنيسة الروسية وأثيوبيا موطناً للكنيسة الأثيوبية وهكذا أيضا نقول بأن آشور هو موطناً للكنيسة الآشورية. لهذا السبب وضعنا أهمية الوطن للقومية قبل أهميته للكنيسة لأن القومية تسبق الكنيسة، فالآشوريون كقومية هم قبل مسيحيتهم وكنيستهم والحال نفسه مع بقية القوميات. فالكنيسة تستمد حضارتها وتسميتها ولغتها وعاداتها، أي مقوماتها غير اللاهوتية، من المقومات القومية لمؤمنيها الذين يسكنون هذا الوطن. من هذا المنطلق نقول بأن المسيحي المهاجر إلى بلد آخر لا يفقد مسيحيته ولكن إحتمال أن يفقد قوميته وكنيسته في المهجر وارد من جراء هجرته لموطن قوميته وكنيسته. والحال نفسه سيكون أيضاً في وطنه، فبسبب الهجرة سوف تؤدي إلى ضعف مقومات قوميته وكنيسته في وطنه التاريخي وليس من المستبعد بالمنظور البعيد أن يختفيا ويتلاشيا من الوجود ويصبحا جزءا من التاريخ، كما أصبح الحال في حيكاري وغيرها من المناطق في تركيا وإيران.
الأخطر في تداعيات الهجرة على القومية وبالتالي على الكنيسة هو عدم إنعكاس أو تجسيد هذه القومية في كيان سياسي، أي في دولة مستقلة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما يذوب عشرات الألاف أو حتى الملايين من الأرمن أو من الروس أو من الأثيوبيين في مجتمعات المهجر فهذا لا يشكل خطراً جسيماً على هذه القوميات ولا على ضياع لغتهم و كنيستهم طالما لديهم كيان سياسي وقانوني معترف به دولياً مرتبط عضويا بقوميتهم وكنيستهم وحامي لكلا الكيانين. في حين أن ذوبان بضعة مئات من أبناء قومية لا دولتية  كالآشوريين، على سبيل المثال، في مجتمعات المهجر يشكل ذلك خطراً جسيماً على قوميتهم ولغتهم وبالتالي على كنيستهم لأن موطنهم آشور ليس له كيان سياسي وقانوني معترف به دوليا ليكون حامياً لقوميتهم وكنيستهم. لا بل والأنكى من هذا هو كون قوميتهم وكنيستهم في وطنهم الأم معرضتان إلى شتى أنواع الظلم والإستبداد والمضاقيات وحمايتهما أمر لا يعني ولا يهم رجال الحكم والسياسة المهيمنين على الدولة. هذه الخطورة المتمثلة في فقدان الوطن هي التي يجب أن تشكل جلً إهتمامنا في البحث عن تداعيات الهجرة على قوميتنا وكنيستنا وكيفية التعامل معهما.

كيف نتعامل مع تداعيات الهجرة ...
-------------------
الخطورة الكبرى لتداعيات الهجرة على شعبنا تتركز في المقام الأول على ترك الوطن وبالتالي فقدانه أو بالأحرى تعرضه لفقدان أهم عنصر من عناصر وجوده القومي والكنيسي في الوطن وذلك بسبب هجرته إلى الخارج، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف، إذا كنا أكثر تشائما، إنتهاء وجوده التاريخي في وطنه. فإنتهاء مثل هذا الوجود التاريخي في أرضه لا محال منه سنعكس على وجودنا في بلدان المهجر وبالتالي إضعاف أو إنتهاء وجود شعبنا قومياً وكنسياً في هذه البلدان لأن وجود شعبنا فيها قومياً وكنسياً مرتبطة بالأساس بوجود شعبنا في أرضه التاريخية. فزوال الوجود الأول لا يعني إلا زوال الوجود الثاني قومياً وكنسياً إن لم يكن في المنظور القريب فأنه لا محال سيكون زواله في المنظور البعيد ما لم يتم التعامل مع هذه المعظلة بأساليب موضوعية وواقعية تساعد على تثبيت وترسيخ وجودنا في أرض الأباء والأجداد لينعكس ذلك وبشكل مباشر إلى وجود شعبنا في بلدان المهجر. فالوضع القومي والكنسي بين الوطن والمهجر تحكمه معادلة طردية، أي كلما زاد رسوخ شعبنا في الوطن أزداد رسوخ شعبنا في المهجر، والعكس صحيح أيضاً، فكلما ضعف أو أضمحل وجودنا شعبنا قومياً وكنسياً في الوطن سيكون الحال نفسه لشعبنا في المهجر، لأن جذور وجود شعبنا في بلدان المهجر ممتدة ومتجذرة في أرض الوطن. فعندما تضعف أو تموت هذه الجذور فلا محال سيموت الوجود القومي والكنسي في المهجر. فوفق هذه المعادلة القائمة بين الوطن والمهجر وطبقا للإمكانيات الهائلة المتاحة لشعبنا، لنقل للبعض منه، في بلدان المهجر من النواحي الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التي توفرها هذه البلدان في مقارنتها مع الإمكانيات الشحيحة لشعبنا في وطنه، وضماناً لأستمرار وجوده القومي والكنسي في بلدان المهجر وعن طريق ضمان وجود شعبنا قومياً وكنسياً في أرضه التاريخية، عليهم التحرك، خاصة القوميين منهم والمهتمين بأرض أبائهم وأجدادهم للتعامل مع هذه التداعيات الخطيرة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فلعل سيكون هذا التحرك، أو العمل القومي الصميمي منفعة وسند لوجود شعبنا في أرض الوطن وترسيخه وحصانته من الضياع او التخفيف من تداعيات الهجرة على قوميتهم وكنيستهم ومن المؤكد سينعكس ذلك، طبقا للمعادلة التي ذكرناها، على ترسيخ وحصانة وجودهم القومي والكنسي في بلدان المهجر والتخفيف من عوامل الإنصهار في مجتمعات المهجر. من هذا المنطق في تحرك أبناء شعبنا في بلدان المهجر وتحديداً الميسوريين القوميين منهم وجدت رجل الأعمال إلياس حنا مثالا رائعاً في هذا السياق.   

 
إلياس حنا... مثالا:
-----------
من هو إلياس حنا؟؟؟ ... لا أستغرب من هذا السؤال لو سأله أحد أبناء شعبنا، خاصة عندما يكون من العراق مثلا. لماذا؟ لأنه لا يعرف إلياس حنا لكون أصله من سوريا وتحديدا من مدينة القامشلي المناضلة إن لم أضيف أيضا كونه من مؤمني الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، لأن الإقليمية البغيضة مضافا إليها الطائفية في التعامل السياسي تعلمناها من العرب كما تعلمنا غيرها من العيوب والأمراض الفكرية منهم. لماذا قامشلي مناضلة؟؟ لأنها توارثت عن كبار رواد الفكر القومي الآشوري الوحدودي أمثال الشهيد آشور يوسف بيت هربوت و نعوم فائق وفريد نزهه وشكري جرموقلي و سنحاريب بالي وديفيد بيرلي و شكري جرموقلي وأنجبت خيرة المثقفين القوميين الآشوريين فرادا أو جمعيات أو مدارس أو حتى أحزاب سياسية، وأكثرها شعبية هي المنظمة الآثورية الديموقراطية (مطكستا). لهذا السبب كثيرا ما أشبه مدينة قامشلي بمدينة أورمي في إيران ليس بسبب موقعهما الجغرافي الحدودي مع الدول الاخرى المختلفة والمعادية لتطلعات شعبنا ولا بسبب إحتكاكهما المباشر والحساس مع الشعوب المختلفة المحيطة بهما، بل لكون كلاهما منبع الفكر القومي الآشوري المعاصر والذي منهما أنطلقت المبادئ الاساسية للحركة القومية الآشورية المعاصرة. ورجل الأعمال إلياس حنا هو أبن هذه البلدة المناضلة ولد فيها وترعرع ودرس في مدارسها وتعايش مع حياتها المرة والحلوة وشارك في أفراحها وأتراحها، ولم تنقطع هذه الصلة مع أبنا امته في موطنه بل تواصلت حتى بعد هجرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية لا بل أزدادت وتقوت هذه الصلة خاصة عندما توفرت لديه عوامل سياسية وإقتصادية وأصبح تكريسها مصدراً أساسيا لتقوية صلته وتفاعله مع أبناء أمته في موطنه الأصلي. 
 إلياس حنا لم أكن أعرفه غير معرفة بسيطة بأنه إنسان مثقف وقومي آشوري من خلال لقائي به أكثر من مرة في مؤتمرات كونفنشن للإتحاد القومي الآشوري الأمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركته معنا في الحلقات الفكرية السياسية والقومية التي كانت تنعقد في الكونفنشن. بعد فترة من الزمن، وجد إلياس حنا بأن يكون مثقفاً قومياً فحسب ليس بالأمر الكافي الذي يعزز ويرسخ وجود شعبنا في وطنه التاريخي وكيفية التعامل مع تداعيات التي سببتها الهجرة. غير أنه بعد بضعة سنوات من لقائي به،  أطل علينا ذات مرة من خلال بوابة (Facebook) وأندهشت إيما إندهاش من تكريسه كل إمكانياته الفكرية والعلمية والثقافية والمالية لا بل وحتى شركاته التي بلغت ثلاثة عشر شركة أسسها في أميركا، كرسها لصالح أبناء هذه الأمة ولترسيخ وجودها في وطنها الأم ومن خلال الأعمال العظيمة التي تقوم بها مؤسسة إلياس حنا التراثية والخيرية التي أسسها عام 2018 وأدار مجلس إدارتها وبمساعدة ولديه آشور وسركون، بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم أمتدت إلى بلدان أوربا وبعدها إلى سوريا التي جلً إهتمامه تركز عليها وبشكل مكثف. ففي تقرير لمؤسسة إلياس حنا التراثية والخيرية يرجع سبب أهتمامه بسوريا إلى (1) – سوء الوضع االقتصادي (2) - عشقه إلى مسقط رأسه القامشلي (3) - حاجة سوريا للعمل الخيري والتدريبي والإنساني والمهني. حيث بدأت أعماله في القامشلي كما يلي: (1) - السلات الغذائية (2)  .دفع أقساط كل طلاب المدارس السريانية (3) - تأمين دخل شهري للأرامل والعوانس (4) - مساعدة 100 طالب جامعي من طالب القامشلي والجزيرة وفي حلب وحمص ودمشق سنويا (5) - مساعدة الشباب لتكوين أسر جديدة من خلال مساعدتهم في مصاريف الزواج والتكفل في مصاريف أطفالهم لمدة 3 سنوات (6) - فتح معاهد لتعليم اللغة السريانية لكافة الأعمار و خاصة الأطفال (7)- تأسيس المعهد الفلكلوري لتعليم الرقصات التراثية السريانية. (8) - تأسيس المعهد الموسيقي الذي سمي باسم الملفونو نوري إسكندر تقديرا من المؤسسة له (9) - تأسيس المعهد الرياضي (10) - فتح المعهد التعليمي من الصف الأول الإبتدائي حتى الشهادة الثانوية (11) - فتح دار عجزة لضم المسنين الفقراء الذين ليس لهم من معيل. بعدها امتد نشاط المؤسسة إلى كافة المناطق السورية التي يتواجد فيها شعبنا والتي  كانت بحاجة للمساعدة منها االحسكة والقحطانية ومعلولا وحلب وحمص ودمشق وطرطوس وصدد فكل هذه الأعمال الجبارة التي تقوم بها المؤسسة هي مجاناً وللجميع وبدون مقابل.
ولو امعنا النظر في هذه الأعمال العظيمة التي تقوم بها مؤسسة إلياس حنا التراثية والخيرية نجدها في شكلها ومضمونها أعمال خيرية وإنسانية بعيد عن الأعمال أو المسائل السياسية. ولكن لو أمعنا النظر وبشكل أعمق ووفق التداعيات الخطيرة التي تتعرض لها أمتنا في وطنها التاريخي من جراء هجرته،  منها تعرضها لإحتمال فقدان أهم عنصر من عناصر وجودها القومي والتاريخي وهو الأرض  كما سبق وذكرناها في أعلاه،  نرى بأنها أعمال قومية عظيمة في سياق الظروف الحالية التي تحيط بأمتنا في الوطن فتعمل على مساعدة شعبنا لترسيخ وجوده القومي هناك، أعمال عملية ومنطقية وواقعية بعيدة عن المزايدات السياسية والوعض الخيالية والعنتريات في "تحرير آشور". فكل هذه الأعمال القومية لمؤسسة إلياس حنا ألهمتني أن أكتب عنها وعن مضامينها القومية ومغزاها العملي والواقعي التي تصب ترسانتها في تعزيز وجود شعبنا في الوطن وتخفف من معاناته وقد تكون كعامل  فعال في تخفيف الشهوة نحو هجرة الوطن. ولكن عندما طرقت باب كوكيل (( Google للبحث عن معلومات أكثر عن رجل الأعمال إلياس حنا ومؤسسته الخيرية والتراثية فوجدت خلف الباب معلومات هائلة عنه وعن مؤسسته فترددت وفكرت مطولا عن مغزى إعادة الكتاب عن ما هو موجود ومنشور أصلا. غير أنه مع هذا وجدت في بعضها أهمية قصوى لعرضها لمعرفة المزيد عن هذا الرجل القومي الآشوري والإنساني الذي أتخذته مثالا في التعامل مع تداعيات هجرة شعبنا من وطنه التاريخي. وكان ما كتبه الكاتب والأديب المبدع آدم دانيال هومه في موقع الحوار المتمدن في محور مواضيع وأبحاث سياسية، عدد 6551 وتاريخ 01/05/2020 وتحت عنوان "رجل الأعمال الآشوري إلياس حنا" أكثر من رائع وأعمق صميمياً في التعبير عن "مثالية" هذا الإنسان القومي النبيل إلياس حنا.
يقول المبدع آدم دانيال هومه عن رجل الأعمال الآشوري إلياس حنا:

(هو ككل الآشوريين، في كل زمان ومكان، ينام ويستفيق على الحلم الذي يجمع الآشوريين، بكل مذاهبهم، أينما كانوا ليتكاتفوا ويكونوا يداً واحدة، وصفاً واحداً، ورأياً واحداً ليستطيعوا إقامة دعائم متينة وراسخة لبناء مستقبل زاهر لأبنائهم وأحفادهم على أرض آبائهم وأجدادهم التاريخية ألا وهي بلاد آشور المقدسة، أرض النهرين الخالدين دخلة والفرات. وهو، كذلك واحد من قلائل جداً يمكن أن نقف عنده كتجربة فردية لها من السمات ما يجعلها ذات خصوصية متميزة في التفكير والنظم والإدارة. فحين يتغلب المرء على أنانيته، وينكر ذاته، ويقهر فرديته، ويضحي بكل غالٍ ونفيس في سبيل عقيدة يؤمن بها، فذاك هو (الياس حنا) الذي لا ينتمي إلى الآشورية وحدها فحسب، وإنما هو تجسيد حيّ لما يضطرب في نفوس البشرية المعذّبة في نزوع إلى التحرّر والكرامة والسلام والوئام. وعلى الرغم من أن اعتزازه بهويته الآشورية لايضاهيه أي اعتزاز، والتزامه المطلق بقضايا الواقع الآشوري المؤلم، ولكن هذا لا يعني إطلاقاً الانغلاق على الذات، أو موقفاً عنصرياً عدائياً من الآخر المخالف، أو تمسكاً أعمى بالتراث. فهو يعلم علم اليقين بأن جميع العظماء في التاريخ البشري رجال تشهد لهم أعمالهم لأنهم القدوة الحسنة، والأمثولة الرائدة، والشعلة الوهّاجة التي تنير الدروب للأجيال القادمة حيث تركوا وراءهم انجازات مذهلة تتناقلها الأجيال على مر العصور.
يكرّس الياس حنا عطاءاته لأزهار الحياة النضيرة المتمثلة بالأطفال الذين ينتعلون أعشاب الربيع بينما تسطع في عيونهم آلاف الأنجم والأقمار لتنير دروب الستقبل، مناجياً إياهم بكل اقتدار وعنفوان: بأن يفتخروا ويعتزوا، كل الافتخار وكل الاعتزاز، بأن لهم تأريخ عريق وأصيل وأثيل يمتد لأكثر من سبعة آلاف عام. فإذا وضعوا أيديهم بأيدي بعضهم بعضا سيصنعون الخوارق والمعجزات. وهو بذلك قد اختزل في شخصه، بكل جدارة واستحقاق، جميع المؤسسات الاجتماعية، والتنظيمات والأحزاب السياسية. ولن نبالغ إذا قلنا، بدون مواربة أو مجاملة، الأمة بأكملها"))
أقتبست هذه السطور من موضوع الأستاذ آدم الذي فيه الكثير من المعلومات عن إلياس حنا، ولا يسعني هنا إلا أن أشكره لأنه أغناني عن الكتاب عنه وتكرار ما سبق وكتب عنه، كما وأن في هذه السطور القليلة الكثير عن هذا الرجل الذي كرس حياته وكل أمكانياته التي بدأت من الصفر حتى وصلت إلى ما يمكن وصفها بأنها شكلك قوة مؤثرة في مساعدة أبناء أمته في الوطن. فللمزيد يمكن للقارئ النبيل أن يدخل على الموقع ويقرأ الموضوع وسيرى ما نقوله عن عظمة أعمال رجل الأعمال إلياس حنا قليلة بحقه في مقارنة ما يقوم به في خدمة أبناء شعبه في الوطن.

لماذا رجل الأعمال إلياس حنا مثالا ؟:
--------------------
رغم أنه آشوري قومي نشط وفعال وواقعي في عمله لأبناء أمته فأنه فعلاً يشكل مثالا رائعاً لمعظم أبناء شعبنا في المهجر، خاصة الميسورين منهم لمساعدة أخوتهم في الوطن ويكون قدوة لهم في العمل القومي الصميمي والواقعي. صحيح قد تكون المساعدات الخيرية لشعبنا في الوطن لها طابع مؤقت في إراحة الناس وسد حاجاتهم الآنية، إلا أن الأهم من هذه هو مساعدتهم في ترسيخ وجودهم في الوطن والتخفيف من تيارات هجرته، كما يعمل رجل الأعمال القومي إلياس حنا من خلال مؤسسته التي أنشأت الكثير من العوامل والأسس في ترسيخ وجود شعبنا في الوطن. وإذا كان هو رجل أعمال من سورياً وتحديداً من القامشلي  قد وفق في مسعاه ليكون عامل أساسي في التخفيف من تداعات الهجرة في موطنه الأصلي، فهناك العشرات او المئات من رجال الأعمال الميسورين ربما أكثر من إلياس حنا في العراق وإيران وتركيا سواء من أتباع الكنيسة الكلدانية أو السريانية أو الآشورية، ومن المؤكد لهم جذور قومية وكنسية تمتد إلى تلك القرى والقصبات والمدن التي ولدوا ونشوا فيها ودرسون في مدارسها والتي تشكل موطنهم الأصلي، ذلك الموطن الذي هو أساس هويتهم الآشورية والكلدانية والسريانية، لذلك فإن كلدانيهم وسريانيتهم وآشوريتهم مرتبطة بشكل مباشر وصميمي بتلك القرى والقصبات ومنهم يستمدون أسمهم وكنيتهم وجذورهم. لذا فأي ضعف أو تلاشي الوجود القومي والكنيسي في هذه القرى والقصبات فلا محال من ضعف وتلاشي قوميتهم وكنيستهم في بلدان المهجر. فأعمال إلياس حنا هي بالعمل القومي الصميمي والتي يمكن أن تثمر بنتائج مفيدة لشعبنا في الوطن وليست بالخطب الرنانية والآمال الفارغة والأحلام الوردية التي من المؤكد بأن نهايتها ستكون على أدراج الرياح.  حينئذ كل إدعاء آشوري أو كلداني أو سرياني سيكون أما كمزايدة قومية وكنيسة أو يكون مضحكة للغير لأن مثل هذا الإدعاء سيكون بدون أساس ولا بمنظور يستطيع الغير معرفته. فأين أنتم يا رجال الأعمال من الآشوريين والكلدان والسريان من عظمة رجل الأعمال إلياس حنا في عمله القومي المصيري؟؟

 

========================================================================

11
هجمة إجرامية شرسة ضد البطريرك وكنيسته الكلدانية الكاثوليكية ...
--------------------------------------

نقول.... أين..؟ وأين؟... وأين..؟
===================
أبرم شبيرا
قبل الإجابة لعلامات الإستفهام الواردة في عنوان الموضوع، أود، وبإختصار شديد، أن أوضح الفرق والعلاقة المتبادلة بين المركز، ولنكن أكثر دقة ونقول السلطة، والشخص المتولي لهذه السلطة، ولنكن أكثر دقة أيضا ونقول القائد أو الزعيم. السلطة هي هيئة عامة ضمن مؤسسة لها صفة الوضوح والثبات والإستمرارية تستند على خلفية تاريخية وثقافية وفكرية ومنها أيضا تستمد هويتها الخاصة المعروفة والتي تتصف بالديمومة والإستمرارية ومن خلالها يعرفها العالم. في حين القائد له صفة شخصية خاصة تستند على مؤهلاته وأفكاره وقدرته في تولى وإدارة هذه السلطة وليس له صفة الثبوت والإستمرارية. أي بهذا المعنى، إذا كان للسلطة صفة الثبات فأن للقائد صفة التغيير، أي أنه بمرور الزمن، سواء أكان قصيرا أم طويلا، يتغير القائد في حين السلطة كجزء مهم من المؤسسة لا تتغير، وإن تغيرت، وحسب الظروف الداخلية والخارجية، فإن مثل هذا التتغير يكون بطيئاً ويتطلبه وقتا طويلا. فعمر كل من القائد والسلطة لا يمكن مقارنتهما من حيث الزمن. على أن كل هذا الفرق بين السطة وقائدها لا ينفي العلاقة العضوية المتبادلة بينهما. فالقائد هو من يمثل المؤسسة التي ينتمي إليها ويكون صورة واضحة ومعبرة، بشكل أو بآخر، عن المؤسسة التي ينتمي إليها ويمثلها من خلال السلطة التي يتولاها. لذلك نقول ونؤكد بأن أي عامل مؤثر سلبا أو إيجابا على القائد سيكون مؤثرا على المؤسسة التي ينتمي إليها وهكذا بالنسبة لكل أعمال وممارسات وسلوكيات وأفكار وتصريحات القائد سوف تترتب على المؤسسة التي ينتمي إليها.
هذه البديهية النطرية في العلاقة بين القائد والمؤسسة تنطبق وبمعظم جوانبها على جميع مؤسساتنا القومية والكنسية وتحديدا على موضوعنا عن الهجمة الشرسة التي تتعرض لها كنيستنا الكلدانية من التشهير عبر بطريركها الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو من قبل بعض أبناء وأحفاد داعش الجدد الذين أنبثقوا  فجأةً من ثقف – زرف – الحائط  كذئاب مستنجعين بلباس المسيحية والكلدانية محاولين نهش جسد المؤسسة الكنسية من خلال التعرض لمقام غبطته  لتغطية جرائمهم في سرقة ممتكلات المسيحيين العقارية (عشرات البيوت والأراضي) والقانونية السياسية (كراسي كوتا البرلمانية)، وهي الكنيسة التي  نشأوا وتربوا وتعمدوا فيها هم وأباؤهم وأجدادهم واليوم يقلدون يهودا الإسخريوطي في تسليم الكنيسة للهمج وأحفاد المغول والطورانيين الترك لتدميرها من خلال محاولتهم التشهير بمقام غبطة البطريرك، وهي في الحقيقة تعرض وتهجم على الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية برمتها بما فيها إكليريتها ومؤمنيها وأتباعها، لا بل هو تعرض غير إخلاقي وتهجم وجريمة بحق كل المسيحيين وكنائسهم في العراق، وأيضا هو تهجم و جريمة بحق المسيحية وكنائسها في المنطقة وفي العالم أيضا.
وهنا لنبدأ الدخول في موضوعنا لنجد ما وراء كلمة التساؤل (أين؟؟؟)، لنقول:
•   أين مجمع الكنائس الشرقية بالفاتيكان؟:
الكنيسة الكلدانية، هي كنيسة شرقية كاثوليكية مشمولة بهذا المجمع وتخضغ له من نواحي عديدة. فأين هذا المجمع من الهجمة الشرسة الإجرامية التي يتعرض لها بطريركها وبالتالي تتعرض أحدى كنائسه الشرقية في العراق لهذه الهجمة الهمجية؟ أفهل أسس هذا المجمع لفرض سطوته على الكنائس الشرقية الكاثوليكية فحسب؟ أم أسس لحماية ورعاية هذه الكنائس. أليس من المفروض بل الواجب الصميمي لهذا المجمع أن يبادر في الوقوف إلى جانب البطريرك وهو أحد كاردينالته ضد هذه الجرائم بحق الكنيسة الكلدانية التي ضحى أكليريتها بالغالي والنفيس ليحافظوا على كاثوليكيتها ويصدر بيانا إستنكاريا بهذا الشأن. لا بل وأكثر من هذا أن يرفع دعوة قضائية لدى الحكومة العراقية سواء المجمع نفسه أم دولة الفاتيكان بوزارتها الخارجية ضد الذئاب المستنجعة لكون الكلدانية أحدى أهم وأكبر كنائسها الكاثوليكة في العراق والمنطقة تتعرض لمثل هذه الجرائم ضد الإنسانية وإنتهاكاً للقانون والدستور العراقي. لأن مثل هذه الجرائم واضحة كل الوضوح في أهانة وتحقير الدستور العراقي الحاضر الغائب وهي أيضا جرائم منتهكة لحقوق الإنسان والأقليات القومية والدينية المشرعة بمواثيق وإتفاقيات دولية، ودولة والعراق طرفاً فيها.
•   أين مجلس كنائس الشرق الأوسط ؟:
هذا المجلس يتألف من أربعة عوائل كنسية في منطقة الشرق الأوسط منها العائلة الكاثوليكية المكونة من (1) السريانية الكاثوليكية و (2) الكلدانية في بغداد (هكذا ورد في الموقع الرسمي للمجلس ولم يذكر لا العراق ولا العالم) و(3) الروم الملكييين الكاثوليك و(4) الإنطاكية السريانية المارونية و(5) كنيسة اللاتين في القدس و(6) الأرمن الكاثوليك و(7) القبطية الكاثوليكية. فلو أمعنا النظر جيداً في مفهوم العائلة الواردة هنا، كما هو قائم في المجلس، لتأكد لنا بأنه كأية عائلة تكون هناك روابط قوية وشيجة بين أعضاء العائلة متضامنين ومتعاونين فيما بينهم في السراء والضراء، خاصة عندما تكون هذه العائلة منضوية تحت مضلة أكبر تجمعها مع العوائل الأخرى كما هو الحال بالنسبة للعوائل الأربعة للمجلس. اليوم تتعرض شقيقتهم الكنيسة الكلدانية من خلال بطريركها إلى هجمة شرسة من قبل أعداء المسيحية وكنائسها أجمع. فأين الأخوة المسيحية بين أعضاء هذا المجلس؟. أفليس من واجبهم الأخوي والإيماني أن يقفوا وراء أخوهم البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو في معركته ضد هؤلاء المجرمين وضد الفساد والظلم الذي تتعرض لها شقيقتهم الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية؟ أم المجلس هو "شاطر" فقط في إستمرار تحريم كنيسة المشرق الآشورية وإستمرار إتهامه بالهرطقة ومنعها من القبول، بسبب الفيتو القبطي، كعضو في المجمع لتكون بجانب شقيقتها الكلدانية. فالواجب الأخوي والمقدس لأعضاء المجلس هو الوقوف خلف البطريرك والتحرك، وبأقل الإيمان إصدار بيان إستنكار للجرائم والتشهير بحق شقيقتهم الكلدانية وبحق شقيقهم البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو.
•   أين بطاركة الكنائس ذات التراث السرياني؟
في السادس عشر من كانون الأول لعام 2022، أجتمع في مقر البطريركي للسريان الأرثوذكس في العطشانه بلبنان بطاركة خمسة كنائس شقيقة تجمعهم التراث السرياني لكنيستهم وهم الكنيسة المارونية ممثلة ببطريكها الكردينال مار بشارة بطرس الراعي والسريانية الأرثذوكسية ممثلة بقداسة البطريرك مار أغناطيوس أفرام الثاني والسريانية الكاثوليكية ممثلة بغبطة مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان والمشرق الآشورية ممثلة بقداسة البطريرك مار أوا الثالث روئيل والكلدانية ممثلة بغبطة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو، وأناب عنه غبطة المطران مار ميخائيل نجيب رئيس أساقة الكلدان في الموصل وعقره، غياب أثير بعض التساؤلات!!. كان جميلا جداً هذا الحدث العظيم أن يجمع الأخوة  ولأول مرة في التاريخ وكانت كلمات بطاركة الكنائس والبيان الصادر عنهم حزمة كبير لبناء الثقة بينهم وتعظيم مصداقيتهم لدى مؤمنيهم. أفليس من باب هذه الأخوة التاريخية والحاضرة أن يجتمعوا ويعلنوا علناً، فرادا أو مجتمعين وقوفهم إلى جانب أخوهم البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو في معركته هذه ضد جرائم الفاسدين وسراق أموال وممتلكات المسيحيين في العراق ؟ ولا ننسى بعض الذكريات من تاريخ المسيحية في المنطقة وكنائسها بأنه إذا كان غبطه الكاردينال اليوم يتعرض لمثل هذه الجرائم البشعة وإهانة لكنيسته، فأنه ليس من المستبعد أن تطال مثل هذه الجرائم الكنائس الأخرى في المنطقة لأن الذئاب المفترسة لا تشبع غريزتها الإجرامية في نهم وتدمير الإنسانية التي تتمثل في المسيحية وكنائسها. هذه الحالة تذكرني بالحدث التاريخي، الذي سبق وذكرناه مرارا، أثناء مذابح سيفو عام 1915 عندما كان الأتراك يذبحون المسيحيين في الدولة العثمانية. ففي تلك الفترة قال أحد المبشرين الغربيين للقائد التركي الذي كان يتولى جرائمه ضد المسيحيين: قال: فرمان الباب العالي هو ضد الأرمن فلماذا تذبح الآشوريين أيضا؟ فقال القائد التركي: أنا لا أفرق بين الروث (Dung) الطري والروث الجاف فكلاهما رائحتهما كريهة جداً. ليس مستبعدا في ظل الظروف المأساوية الحالية أن يكرر التاريخ نفسه طالما سيف هذا القائد التركي المجرم لا يزال يحمله غيره من تلاميذه المجرمين في هذا العصر ويسلطونه على رقاب المسيحيين جمعاء دون أي تمييز أو تفرقة بين هذه الكنيسة أو تلك؟؟؟.

أين؟؟؟:
هنا أضيف (أين ؟؟؟) أخرى ليست كنسية بل علمانية قومية سياسية. فمن منطلق إيماننا بأن هناك علاقة عضوية بين الكنيسة والقومية، أتساءل وأقول أين أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية وتنظيمات المجتمع المدني من الهجمة الشرسة والتشهير الذي يتعرض له غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو؟ من المؤكد بأن البعض من أبناء شعبنا خاصة القوميين منهم يتفاجئون من هذا التساؤل (أين؟؟؟) ويقولون: ما لنا ونحن القوميون السياسيون من هذا الموضوع الكنسي وقد سبق وقطعنا عهداً على أنفسنا بأن لا نتدخل في شؤون الكنيسة. وقد يقول آخرون الذين يعارضون مواقف البطريرك الكاردينال بأنه لا شأن لهم ويتحمل البطريرك المسؤولية وحده لكون غبطته يحشر نفسه في كل صغيرة وكبيرة خاصة في المسائل القومية والسياسية. ولكن من المؤسف أن أقول بأن مثل هؤلاء من أبناء شعبنا ومن كلا الجانبين يعيشون خارج التاريخ وبالتالي لا يفهمون واقعنا الحالي وما يلزمه من مواقف شجاعة وجريئة  تجاه المشاكل والمصائب التي تصيب أي جزء منه سواء أكان من قوميتنا أو كنيستنا. أليس نحن الآشوريون القوميون وبعض من أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية نقول علنا وجهارا بأن الكنيسة الكلدانية والسريانية والمشرقية الآشورية والقديمة أفرع لكنيستنا وهي كنيسة المشرق التاريخية؟. وأكثر من هذا، نقول أليس مؤمني الكنيسة الكلدانية والسريانية أبناء أمة واحدة وهم جزء من الأمة الآشورية؟.. فإذا كان الأمر هكذا أفليس من الشهامة والرجولة أن تقف  أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية خلف البطريرك الكاردينال وكنيسته في حربه الضروص ضد الذئاب المفترسة التي تحاول نهش جسم الكنيسة الكلدانية التي يرأسها، وهي كنيستهم ومؤمنيها هم جزء من أبناء الأمة الآشورية، كما يقول هؤلاء. أفليس هذه الذئاب المفترسة هي التي سرقت حقكم من "الكوتا المسيحية" وأصبحتم بدون كرسي، وهو الأمر الذي يستوجب زيادة قوتكم للوقوف خلف البطريرك الكاردينال. وإذا كان الأمر عكس ذلك ونترك البطريرك الكاردينال وحده في ساحة المعركة حينئذ يفقد القوميون السياسيون مصداقيتهم وتصبح كل إدعاءهم في وجوب وحدة القومية والكنيسة (فاشوش) لا معنى لها ولا مصداقية يصدقها أحد من أبناء شعبنا مهما كانت كنيسته.
وأخيراً أقول لأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية، خاصة الآشورية منها، وأيضا لللذين يعارضون بعض تصرفات وتصريحات البطريرك الكاردينال وتدخله في مسائل لا تعينه كبطريرك أو ليست بمقامه،  وقد أكون أنا واحد منهم، فهذا أمر طبيعي في إختلافهم أو خلافهم أو معارضتهم له ولهم كل الحق  في بيان رأيهم عن أي شخص مهما كان موقعه وإن كان بطريرك أو زعيم حزب، ولكن عليهم أن  يفهموا التاريخ لكي يعيشوا في الحاضر ويفهموا واقعنا الحالي من خلال تاريخنا. فلو شاء أن فهموا هذا الأمر سوف يدركون بأنه عندما تتعرض الأمة أو أي جزء منها، سواء أكان كنسياً أو قومياً، سوف تختفي، لا بل يجب، أن تختفي كل الخلافات والإختلافات وحتى المنازعات وتتكاتف كل الجهود والإمكانيات من أجل المصلحة العام للأمة أو الكنيسة، وهذه هي صفات الأمم المتحضرة والمتقدمة. فأين نحن من هذا التحضر والتقدم؟؟؟. أضيف لهذه السطور الأخيرة سطور أخرى أكثر إيضاحاً وذلك تجنباً لسوء فهم بعض المتقوقعين في صدفيتهم العاجية، لأقول أنا الآشوري الذي أدعي بكوني قومي سياسي وأجد نفسي منتمياً إلى كنيسة المشرق الآشورية ولكن في هذه الحالة التي تتعرض كنيستنا الأخرى الكلدانية ومدبرها البطريرك الكاردينال إلى هجمة شرسة أجد نفسي أيضا منتمياً إلى الكنيسة الكلدانية من خلال ضم صرختي الإحتجاجية إلى صرخة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو في وجه الذئاب المفترسة، وهنا لا يهم فيما أذا أتفقنا مع غبطته أم لا، فالأمر في هذه المعركة ضد الذئاب المفترسة هو فوق هذا الإتفاق أو الإختلاف. أفليس من هذا المنطلق لكل آشوري ولكل كلداني وسرياني أن يضم صرخته أيضا إلى صرخة البطريرك الكاردينال لتقوى وتقاوم الذئاب المفترسة في مسعاها الجهنمي. أثبت آشوريتك وكلدانيتك وسريانيتك ومبادئك وإيمانك، مهما كانت كنيستك، من خلال هذه الصرخة والوقوف خلف البطريرك الكاردينال وجزاءك سيكون مضمون من قبل الأمة التي تنتمي إليها ومن قبل الكنيسة التي تؤمن بها ولا منية من أحد.

وهنا ونحن في الختام أقول بأن واقع الحال أجبرني أن  أزيد من حشر أنفي في مسائل كنسية وأقول: أليس من المفروض أن يعقد أحبار الكنيسة الكلدانية مجمع عام أو سنهادوسي غير إعتيادي لتناول هذا الموضوع وإصدار بيان إستنكار عن الهجمة التي تتعرض لها كنستهم من خلال بطريركهم والوقوف خلفه قبل أن يكون هذا واجب الكنائس الأخرى؟؟؟.

قال ذات مرة مارتن لوثر كنج: يأت الوقت يكون في الصمت خيانة


12
هل حذف الصفة الآشورية من أسم كنيسة المشرق سيحقق وحدة الكنائس المشرقية؟
==============================================
أبرم شبيرا
مقصد الكنائس المشرقية:
---------------
المقصود بالكنائس المشرقية هي حصراً بالكنيستين الكلدانية الكاثوليكية والشرقية القديمة لأن هما المعنيين أكثر بكثير بهذه الوحدة من غيرهما من الكنائس، خاصة فيما يتعلق بحذف الصفة الآشورية من أسم كنيسة المشرق كشرط، إضافة إلى شروط أخرى، من شروط التباحث حول تحقيق الوحدة بينهم, والسبب واضح لأنهما يرجعان بالأصل إلى نفس الكنيسة. كما هناك بعض الأحزاب والمثقفين معنيين بهذا الموضوع أيضا ويطالبون بحذف هذه التسمية من كنيسة المشرق ولأسباب علمانية. ففي السطور القادمة سنناقش أسباب طلب هؤلاء حذف التسمية الآشورية من أسم كنيسة المشرق.
أسباب طلب حذف الآشورية من أسم كنيسة المشرق:
------------------------------
يطالب الكنيستان المذكورتان شرط حذف التسمية الآشورية من كنيسة المشرق إلى جانب مطالب وشروط أخرى كأساس للتفاوض نحو تحقيق الوحدة بينهما. ويرجعوا سبب هذا المطلب على أساسين. أولهما: أن الآشورية تسمية قومية فلا يجوز الخلط بينها وبين الكنيسة لأن هناك فرق بين القومية والكنيسة وبالتالي فهذا الربط بينهما سيورط الكنيسة في مسائل سياسية هي  في غنى عنها. فالسوابق التاريخية تؤكد بأن كل المشاكل والبلاوي والمأساة جاءت على هذه الكنيسة من جراء هذا الخلط بين الكنيسة والسياسة. وثانيهما: أن كنيسة المشرق، هي جاثيليقية، أي عالمية، وكان مؤمنيها في السابق من مختلف القوميات والشعوب مثل العرب والفرس والقبارصة والهنود والمغول والصينيون وغيرهم. لذلك لا يجب أن تحصر الكنيسة فقط في قومية واحدة لأن بذلك يوقعها في تناقض صارخ بين القومية والعالمية وهذا جلي في أسمها الرسمي "كنيسة المشرق الآشورية الرسولية الجاثيليقية المقدسة" الذي يجمع بين الآشورية والجاثيليقية (العالمية).
وهنا يأتي التساؤل المطروح: هل فعلا حذف الصفة الآشورية من أسم كنيسة المشرق سيحقق الوحدة بينها وبين الكنيستين المذكورتين أو سيساهم في تسهيل أمر هذه الوحدة؟ فالجواب المباشر والموضوعي هو: كلا... لماذ؟... الجواب يختلف من كنيسة كلدانية عن الكنيسة الشرقية القديمة بسسب إختلاف ظروف نشأتهما التاريخية. فبالنسبة للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، فالمعروف عنها بأنها نشأت في منتصف القرن السادس عشر الميلادي عندما رفض بعض أساقفة الكنيسة نظام ناطر كرسي الوراثي لسدة البطريركية الذي كان قائماً في تلك الفترة ومن ثم دخولها في شركة مع الفاتيكان. ومنذ تلك الفترة وعبر قرون عديدة تراكمت مسلمات عقائدية ومرتكزات لاهوتية وتأثيرات لاتينية وإجراءات كنسية، من أهمها الشركة الصميمة الإدارية والعقائدية مع الفاتيكان، فأصبحت هذه المسلمات والمرتكزات والإجراءات أسس الأساس لكيان وهوية الكنيسة الكلدانية حتى يومنا هذا، ولا يمكن التنازل عنها إطلاقاً خاصة شركتها مع الفاتيكان، وإلا بهذا التنازل ستزول هويتها الكاثوليكية، وهو الأمر الذي لا يرغب فيه إطلاقاً ولا يفكر فيه أبداً إكليرية الكنيسة لأنها تشكل أساس وجودها الكنسي الكاثوليكي، خاصة بعد زوال نظام ناطر كرسي في منتصف السبعينيات من القرن الأسبق والذي لم يعد له آثر في خلافها مع كنيسة المشرق الآشورية. من هذا المنطق، نقول بأن التسمية الآشورية ليست عائقاً رئيسياً وعقائديا أمام وحدة الكنيستين وبالتالي فإن حذفها لا يساهم في عملية التفاوض من أجل وحدة الكنيستين او التقارب بينهما، طالما المسلمات والمرتكزات والإجراءات المكونة لهوية الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية لا زالت قائمة ولا يمكن التنازل عنها إطلاقاً والتي تشكل أس الأساس في خلافها مع كنيسة المشرق الآشورية وليس في تسميتها. فكنيسة المشرق في الهند، رغم عدم تسميتها بالآشورية إلا أنها جزء من كنيسة المشرق الآشورية تشكل أحسن مثال على ذلك ويمكن الإهتداء بها.
أما بالنسبة للكنيسة الشرقية القديمة فالأمر يختلف بعض الشيء من حيث ظروف نشأتها. فمن المعروف بأن هذه الكنيسة نشأت رسمياً وفعليا في منتصف الستينيات من القرن الأسبق عقب تبني كنيسة المشرق للتقويم الغريغوري الغربي الحديث. ولكن لو دققنا النظر في الخلفية التاريخية لنشوء هذه الكنيسة لوجدنا بأن هذا الحدث لم يكن إلا "القشة التي قضمت ظهر البعير" كم يقول المثل. فجذور نشأتها تمتد من الظروف والإرهاصات والمأساة التي حلت بالآشوريين عقب نهاية الحرب الكونية الأولى، والتي أنفجرت قبيل وأثناء وعقب مذبحة الآشوريين في سميل عام 1933 وما أعقبها من تداعيات خطيرة على الآشوريين في العراق خاصة على المستوى الداخلي القومي، حيث أنفلق المجتمع الآشوري إلى جبهتين، الأولى: الجبهة المؤيدة لمار شمعون إيشاي بطريرك الكنيسة في تلك الفترة  الذي أرتبطت الحركة القومية بأسمه وبأتباعه من أفراد عائلته وبعض زعماء العشائر المقربين له. والثانية: الجبهة المؤيدة لماليك خوشابا، أحد زعماء عشيرة تياري السفلى، وحلفائه من بعض رؤساء العشائر والقرى المعروفة في تياري السفلى ومن بعض الشخصيات الكنسية المعارضة أو المختلفة مع البطريرك لإسباب شخصية غير دينية والذين وقفوا إلى جانب الحكومة العراقية ضد البطريرك والحركة الآشورية.
ومنذ تلك الفترة تراكمت سلبيات عشائرية ومصلحية وأنانية وشخصية وسياسية وأستمرت لبضعة عقود من الزمن والتي تعاظمت مع تدخل النظام السياسي لصالح هذه الجبهة أو تلك حتى أنفجرت في منتصف القرن  الأسبق لتستقر كمرتكزات أساسية في تأسيس الكنيسة الشرقية القديمة على أسس ليست إطلاقا دينية أو عقائدية أو كنسية، خاصة عندما نعرف بأن زعيم الجبهة المعارضة للبطريرك في تلك الفترة ماليك خوشابا كان بروتستانتيا ثم تحول إلى الكاثوليكية. والحال نفسه بالنسبة لأبنه ماليك يوسف الذي تزعم حملة تأسيس الكنيسة، كان إنكليكانيا ولم يكن أي منهما من أتباع كنيسة المشرق. ومن الجدير بالذكر بأنه كان زعماء هذه الكنيسة وأكليريتها يتجنبون إستخدام تسميات كالآشورية أو الآشوريين ويفضلون أستخدام الآثورية أو الآثوريين وذلك تماشيا مع سياسة الحكومة في أعتبار الآثورية طائفة وليست قومية وأنعكس ذلك بكل وضوح في التسمية الرسمية الحكومية للكنيسة، كالكنيسة الشرقية الآثورية القديمة (النسطورية). وليست لدينا معلومات واضحة فيما إذا كانت هذه التسمية مستمرة لحد هذا اليوم أم تغيرت ولكن مع هذا فالآثورية رسمياً معتبرة كأحدى الطوائف المسيحية في العراق حتى يومنا هذا.
مما تقدم تأكد لدينا بأن التسمية الآشورية لا تشكل عائقاً أمام توحد هذه الكنيسة مع كنيسة المشرق، بل المرتكزات الأساسية السالفة الذكر هي التي تشكل عائقاً أمام أي وحدة بينهما، ولكن رئاسة الكنيسة تطالب كنيسة المشرق بحذف التسمية الآشورية منها كشرط إلى جانب شروط أخرى للدخول في مفاوضات الوحدة معها. وتلتقي مبررات هذا المطلب في حذف الآشورية من أسم كنيسة المشرق مع نفس مبررات مطلب الكنيسة الكلدانية بإعتبار بأن التسمية الآشورية لها دلالات سياسية تؤدي إلى توريط الكنيسة في السياسة و التي لا تحمد عقباها. كما أن لهذه التسمية دلالات قومية في حين الكنيسة هي جاثيليقية (عالمية) تشمل شعوب وقوميات أخرى، كما سبق الحديث عنها في أعلاه عن هذه المبررات في حذف الآشورية من أسم كنيسة المشرق.
وهنا تجدر المقارنة بين الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والكنيسة الشرقية القديمة فيما يخص مطلب حذف الآشورية من أسم كنيسة المشرق ومدى أمكانية الوحدة مع كنيسة المشرق. فبالنسبة للكنيسة الكلدانية، سواء حذفت التسمية الآشورية من كنيسة المشرق أم لا، فإن أمر الوحدة معها صعب جداً أن لم يكن مستحيلا في المرحلة الراهنة طالما هناك عوائق أكثر من هذه التسمية، والتي سبق وأن ذكرناها، فهي التي تحول دون تحقيق الوحدة بين الكنيستين. ولكن مع هذا، فأن التفاهم والتعاون والتنسيق لتحقيق الصالح العام ممكن جداً فيما إذا توفرت نيات حسنة في هذا السياق ووضعوا مصلحة مؤمنيهم في أولى الإعتبارات خاصة في الظروف الماحقة التي يمر بها جميع المسيحيين في بلدان الشرق الأوسط. أما بالنسبة للكنيسة الشرقية القديمة فأنه أيضا، سواء حذفت التسمية الآشورية من كنيسة المشرق أم لا، فإن المرتكزات الأساسية للكنيسة التي ذكرناها في أعلاه هي التي ستحول دون تحقيق الوحدة مع كنيسة المشرق في المرحلة الراهنة ولكن قوة وتأثير هذه المرتكزات ليست عقائدية وكنسية، بل في معظمها علمانية عشائرية ومواقفية لا تصمد طويلا أمام تقادم الزمن الذي هو الكفيل بإزالها عاجلا أم آجلا خاصة بعد تلاشي نفوذ "المحاربين القدماء" للكنيسة عقب تنامي الوعي القومي بين مؤمني الكنيستين على أسس قومية لا طائفية أو عشائرية. وهذا ما نلاحظه في أيامنا هذه من تلاشي الأحقاد والخصومات والفروقات بينهما والذي يتسجد في إنتمائهم إلى المؤسسات والأندية والجمعيات والأحزاب والأنشطة القومية من دون أي تمييز بينهما. ولعل من الأهمية أن نذكر بأن تسنم زعامة الكنيستين من قبل أكليرية شابه ومتعلمة ومثقفة ومنفتحة وواعية قوميا سيسهل الأمر كثيراً نحو وحدة الكنيستين، ونقولها مرة أخرى بأن الوحدة بين الكنيستين قادمة لا محال سواء أكان ذلك عاجلا أم آجلا، وهي الوحدة التي ستضيف حزمة من التفاؤل والأمل على المستوى القومي وبين أبناء شعبنا الآشوري.   
أما بالنسبة لبعض الأحزاب السياسية الآشورية وبعض المثقفين والكتاب فأن مطلبهم في حذف التسمية الآشورية قائم على المفهوم الليبرالي الغربي في الفصل بين الكنيسة والدولة بإعتبار أن التسمية الآشورية لها دلالات قومية سياسية وبالتالي يستوجب عدم تدخل الكنيسة في المسائل السياسية القومية وإقتصار شؤونها على المسائل الدينية فقط، وهذا الفصل بين الكنيسة والدولة هو أساس التطور الذي حصل في أوروبا في القرون الماضية. وهم يعتقدون أيضاً بأن الفصل بين الكنيسة والدولة (الأصح فصل الكنيسة عن  السياسة وليس الدولة لأنه ليس للآشوريين دولة خاصة بهم) ومن خلال حذف التسمية الآشورية من أسم الكنيسة سيؤدي ذلك إلى فك الإعتقاد التاريخي السائد بين القومية الآشورية و"النسطورية" ويزيل الترادف أو الإندماج بينهما مما يسهل أمر التفاوض مع الكنيستين المذكورتين كما سيساعد ذلك على إنتماء بعض الكلدان الكاثوليك إلى الأحزاب والمؤسسات القومية الآشورية مع الإحتفاظ بإنتمائهم الكنسي الكلداني الكاثوليكي.

التسميات المتعددة لكنيسة المشرق... وكيف نفهمها؟
-------------------------------- 
حتى نفهم التسمية الاشورية لكنيسة المشرق وبشكلها الصحيح، يجب أن نغوص في تاريخ هذه الكنيسة وما يتعلق بتسميتها. فالكنيسة موضوع البحث، منذ نشوئها وعبر تاريخها الطويل أطلق عليها تسميات متعددة منها المشرق أو النسطورية أو الشرقية السريانية أو الفارسية أو الشرقية القديمة أو الشرقية النسطورية وفي مراحل أخرى سميت أيضا بالمشرق الآشورية، وكل حسب  الظروف التاريخية والسياسية لكل مرحلة. والسبب الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، في هذه التسميات المرحلية هو إفتقار مؤمني هذه الكنيسة إلى كيان سياسي خاص بهم، وأقصد الدولة القومية، لتكون حامية قوية للحفاظ على ثبات تسمية كنيستهم بشكل رسمي. فبسبب هذا الإفتقار خضعت الكنيسة إلى كيانات سياسية مختلفة ومتناقضة بل ومتصارعة للدول التي تعاقبت على إحتلال موطنهم الأصلي "آشور"، وبالتالي خضعت لتأثيراتهم السياسية والثقافية والفكرية واللغوية المتعددة والمختلفة زمنياً ومكانيا، مما نتج عن ذلك إختلاف و تعدد في تسمية الكنيسة من مرحلة تاريخية إلى أخرى، وطبقاً لسياسة وثقافة وفكر الدولة المحتلة لموطن الكنيسة. ومن الملاحظ بأن معظم الكنائس في العالم، سواء أكانت كاثوليكية أو أرثوذكسية، أرتبطت تسميتهم أما بوطن مؤمنيهم أو بقوميتهم أو بلغتهم أو بمنطلقات تاريخية وأثنية ولغوية، كالكنيسة الروسية والكنيسة اليونانية (الإغريقية) والكنيسة الرومانية والكنيسة الأرمنية والكنيسة اللاتينية والكنيسة السريانية الإنطاكية والكنيسة الحبشية والكنيسة القبطية، بإعتبار كلمة "قبط" أصلها يوناني وتعني أرض وشعب مصر، وحتى الكنيسة الكلدانية، على أساس وطن الكلدان في وسط وجنوب العراق،
ولو نظرنا وبشكل أعمق إلى هذه التسميات المتعددة لكنيسة المشرق لوجدنها بأنها تسميات أجنبية غريبة عن مؤمني الكنيسة وأكليريتها لأنها فرضت على الكنيسة، وان شعوب وحكام هذه الدول أطلقوا هذه التسميات عليها والتي ليست من صميمها ولا من منطلقات تراثية وتاريخية خاصة بالكنيسة وبمؤمنيها. فعقائديا: سميت بالنسطورية نكاية بهم من قبل الكنائس المختلفة عنها عقائديا كالمونوفستية، أي ذات الطبيعة الواحدة للمسيح. وسياسياً: سميت بالفارسية من قبل الكنيسة الرومانية لكونها تقع ضمن سيطرت الفرس العدو اللدود للرومان، وكنائسيا: سميت بالشرقية السريانية تميزاً عن السريانية الغربية، أي السريانية الأرثذوكسية. وجغرافياً: سميت الشرقية أو المشرق لكون موطن نشوءها في بلاد المشرق الكائن شرق نهر الفرات الذي كان يفصلها عن الكنائس الواقعة غرب الفرات. من هذا المنطق يقول بعض المؤرخين بأنه من النادر كان مؤمنوا الكنيسة وأكليريتها يستخدمون هذه التسميات الغريبة عنهم، لا بل يرفضون التسمية التي كانت الأكثر إساءة إليهم وهي التسمية النسطورية. وبهذا الخصوص، يقول البرفسور الدكتور إبرهام يوحنان في كتابه "موت أمة" المطبوع من قبل جي. بي. بوتنام صون، نيويورك ولندن، 1916، ص 4 – 5) "بأن التسمية النسطورية كانت غير مرغوبة عندهم، أي عند مؤمني الكنيسة، ويتنصلون عنها لأنها كانت مفروضة عليهم..." وفي لقاء أسقف أورمي مار يوخنا مع المبشر جاستن بيركنس، يقول الأسقف له "سوف نكون في حرب إذا لم تتوقف عن تسميتنا بـالنسطوريين". وعلى العموم، يتابع البرفسور أبراهام بقوله "بأنه عرف أبناء الكنيسة أنفسهم كسريان، أي سورايه، وهي التسمية التي يدعى بأنها مختصرة للمسيحيين ولكلمة الآشوريين، ومن المؤكد بأنها لاعلاقة لهذه التسمية، أي السريانية، ببلد سوريا بل بأسيريا (ِAssyria)، أي بلاد آشور" (نفس المرجع، ص 4). وعلى نفس المنوال يقول جي. أف. كوكلي الإستاذ المحاضر في جامعة لانكستر في بريطانيا في كتابه المشهور (كنيسة المشرق وكنيسة إنكلترا - تاريخ الإرسالية الآشورية لأسقفية كنتيربيري، مطبعة كلاريندون، أوكسفود، 1992)، "بأن الأجيال السابقة لم يكونوا حساسين تجاه هذه التسمية (ربما بسبب الجهل أو الخضوع للسلطات المحتلة لوطنهم – أبرم) ولكن اليوم النسطورية كتسمية لكنيستهم مرفوضة وبغضب شديد وبشكل خاص هي محرمة في مناقشاتهم من قبل غالبية أعضاء الكنيسة" (ص4). إذن من أي جاءت الكلمة الآشورية وسميت كنيسة المشرق بها؟ وهذا سنبحثه في السطور التالية.
الآشورية تسمية حضارية وليست قومية عرقية:
--------------------------
الآشورية ليست بمعنى قومية عرقية، فطيلة تاريخهم الغابر لم يكن الآشوريون شعباً عرقياً ولم تكن الفوارق العرقية ذات أهمية لديهم، وهذا ما يؤكده معظم علماء الآشوريات وفي مقدمتهم البرفيسور هنري ساغس في كتابه المشهور (جبروت آشور الذي كان، ترجمة د. آحو يوسف، دار الينابيع للطباعة وللنشر والتوزيع، دمشق، 1995). يقول البروفيسور "لقد أفضت سياسة السبي التي أعتمدها الملوك الآشوريون إلى خلق شكل جديد وفريد من المجمع: مزيج من الجماعات القومية لم تكن الفوارق العرقية فيه ذات أهمية. كان الناس من مختلف أصقاع الشرق الأدنى يُجلبون إلى بلاد آشور ويُدفعون إلى العمل بصفة زُراع أو حرفيين أو تجار أو جنود وفي سياق الأمور يندمجون بتلك الخلطة الكبير التي تمثلها بلاد آشور" ص 182. هكذا كان شعب بلاد آشور مزيجاً من مختلف الأعراق والجماعات وليس من عرق واحد وبالتالي فأن شعب بلاد آشور الذي سمي بالآشوريين لم يكن عرقياً ولا عنصرياً لأن العلم أثبت فيما بعد بأن النظريات البايولوجية في تحديد أصل الشعوب قد أصابها الكثير من السخف والبطلان. وقولنا بأن الآشورية تسمية حضارية هو قائم على أساس المنطق التاريخي الذي يقول بأنه لا يمكن لأي حضارة أن تنشأ وتتطور وتدوم لقرون طويلة وتلعب دوراً فاعلاً ومؤثرا في تقدم الإنسانية ما لم ترتكز على أرض معينة أي موطن الحضارة، ولهذا السبب فالبدو الرحل لا حضارة لهم إطلاقا. فبلاد سومر وأكد كانا موطن الحضارة السومرية، وبلاد اليونان (الإغريق) كان موطنا للحضارة الإغريقية وهكذا مع بلاد الروم للحضارة الرومانية وبلاد فارس للإمبراطورية الفارسية، ومن دون الإطالة نؤكد مرة أخرى بأن الحضارة الآشورية التي موطنها آشور هي تسمية حضارية وليست عرقية أو عنصرية ولهذه الحضارة مرتكزات عظيمة خلدها التاريخ وأكدها الكثير من العلماء والباحثين ولا حاجة للإطناب فيها فهي معروفة للداني والقاصي من التاريخ الآشوري القديم.
إذن، فالآشورية هنا لا تعني التعصب والعنصرية ولا تعني العرق، بل الحضارة الآشورية العظيمة التي كان أبناؤها من أوائل من أعتنقوا المسيحية وضحوا بحياتهم من أجل نشر رسالة الرب نحو شعوب العالم.  كما يجب أن يفهم بأن كلمة "المشرق" يعني المكان الموجود في الشرق، أي الأرض أو الموطن ولم يكن موطن الكنيسة إلا بلاد آشور، وحتى في الوثائق الرومانية (الفاتيكانية) هناك إشارة إلى آثور أو آشور، عندما تم تثبيت الراهب سولاقا يوخنا كبطريرك للكنيسة الكلدانية بعبارة "بطريرك الموصل في أثور" (نيافة المطران د. سرهد جمو، كنيسة المشرق بين شطريها، مجلة بين النهرين، عدد 95/96، (24)، دار نجم الشرق، بغداد، العراق، ص 195، سنة 1996). أي بهذه العبارة يعني الموصل كمدينة في أثور كوطن أو بلاد.
صحيح هو القول بأن الكنيسة كانت كانت تضم شعوب أخرى غير الآشوريين وكانت جاثيليقية ومن بين مؤمنيها الكثير من الشعوب الأخرى المختلفة ولكن كانت البشائر الأولى للكنيسة قد أنطلقت من أرض آشور وحمل رايتها في معظم الأحيان آشوريون، ومعظم شهدائها آشوريين وطبعا ليس الكل، ولكن بسبب الظروف المأساوية التي حلت بالكنيسة  في القرون الماضية وفقدانها للمناطق والبلدان التي أنتشر إيمانها فيها تركت شعوب هذه البلدان الكنيسة وصبئوا إلى أديان غير مسيحية أو إلى الكنائس الأخرى، بإستثناء قليل في جنوب الهند حيث هناك بضعة ألاف من الهنود وبحدود 25 ألف كرقم غير مؤكد، تابعين لكنيسة المشرق الآشورية ولكن تحت تسمية الكنيسة السريانية الكلدانية، فتراجعت الكنيسة وأستقرت في بيتها القديم في موطنها الأصلي آشور وأصبح تقريباً معظم مؤمنيها من شعب هذا الوطن "آشور"، أي من الآشوريين نسبة إلى أسم موطنهم "آشور" مهند الحضارة الآشورية والعالمية أيضا. ويقول غبطة المطران سرهد جمو بهذا الصدد بأن" الكنيسة، ويقصد الكنيسة النسطورية التي يطلق عليها كنيسة أبائنا وأجدادنا، بأن الكنيسة أخذت تنحسر إنحسارا سريعاً منذ العقد الأخير من القرن الثالث عشر، لا سيما على عهد الإلخان المغولي محمود غازان وخليفته خدابنده، حتى تقوقعت على ذاتها في شمال ما بين النهرين وفي الجبال المتاخمة له في إيران وتركيا، وهكذا أستقرت من جديد في الشعب الذي أنطلقت منه منذ البدء وهم أحفاد كلدو وآشور. (نفس المرجع، ص 188).
وفي عهد مثلث الرحمات مار دنخا الرابع البطريرك الأسبق للكنيسة عندما رسم أسقفا في إيران عام 1968 تم تسجيل الكنيسة بأسم كنيسة المشرق الآشورية ثم بعد تسنمه كرسي البطريركية عام 1976 تبنت الكنيسة عالميا هذا الأسم. ويعلل قداسته هذه التسمية بالقول "بأن هذه الكنيسة نشأت في بلاد آشور وأنتشرت في الكثير من بلدان العالم الشرقي ثم أنحسرت بعد الغزو المغولي وبقت محصورة في نفس البلاد الذي نشأت فيه، أي بلاد آشور، كما أن لهذه الكنيسة خصائص آشورية من لغوية وثقافية وحضارية وتراثية كلها عوامل تبرر تسمية الكنيسة بالآشورية. (مقابلة شخصية مع قداسته في لندن عام 1996). وعلى الجانب السياسي القومي ينسب غبطة مار ميلس زيا مطرابوليت كنيسة المشرق الآشورية في أستراليا ونيوزلندا ولبنان الصفة الآشورية  لكنيسة المشرق إلى عوامل سياسية فيقول غبطته "بأنه في منتصف السبعينيات من القرن العشرين كانت هناك محاولات سياسية وفكرية من قبل السلطة العراقية وتحديداً من قبل حزب البعث  للقضاء على هذه التسمية سواء بإمحائها أو عن طريق دمجها بالعربية أو حتى بالكردية، فالتسميات مثل المسيحيون العرب أو الكرد المسيحيون، ما هما إلا من نتاج هذه السياسة، لهذا السبب وجدت الكنيسة بأن تسميتها بالآشورية سيجعل منها درعاً يحمي هذه التسمية العريقة (مقابلة شخصية مع غبطته في دبي عام 2012).
فعلى الرغم من التسمية الرسمية الحديثة لكنيسة المشرق الآشورية فأنه من الملاحظ بأن هذه التسمية كانت سائدة بين معظم أتباع الكنيسة سواء بصيغتها العربية "سريانية شرقية" أو بصيغتها العامية "سورايه" بإعتبار السريانية أو سورايه تعني الآشورية والتي تطبعت بمفهوم ديني كنسي وحسب الظروف الدينية التي كانت سائدة في حينها. كما هناك الكثير من الكتاب والمؤرخين الذين كتبوا عن الكنيسة وعنونوا بحوثهم وكتبهم ورسائلهم بهذه التسمية الآشورية "الكنيسة الآشورية" ومنها كتاب المؤرخ يول وردا "توهج نور آسيا – بالإنكليزية – طبع في عام 1924".  وكان المؤرخ الإنكليزي الشهير ويليام وكرام رائدا في إستخدام تسمية "الكنيسة الآشورية" في جميع مؤلفاته التي طبعت في الربع الأول من القرن الأسبق. وهناك العشرات من المؤرخين كانوا يطلقون على الكنيسة بالآشورية في مؤلفاتهم ومنذ زمن بعيد.
وأخيراً، نقول بأنه لعل طلب الكنيستين حذف الآشورية من أسم كنيسة المشرق مرده هو الخطأ في الفهم بين "الآشورية" كصفة لتسمية حضارية وبين "الآشوريين" كأسم لشعب. وقد يكون أساس هذا الخطأ في الفهم بين الأثنين هو في التسمية الطويلة للكنيسة فباللغة العربية هي "كنيسة المشرق الآشورية الرسولية الجاثليقية المقدسة". وباللغة الإنكليزية هي:
Holy Apostolic Catholic Assyrian Church of the East"". وباللغة الآشورية هي "عيتا قدشتا و شليغيته قاتوليقي د مدنخا د أتورايه"،  (ܥܕܬܐ ܩܕܝܫܬܐ ܘܫܠܝܚܝܬܐ ܩܬܘܠܝܩܝ ܕܡܕܢܚܐ ܕܐܬܘܪ̈ܝܐ)، وكما هو مبين في الموقع الإخباري للكنيسة.



فلو دققنا ولو بشكل سطحي غير عميق سنرى ومنذ البداية في هذا الأسم الطويل خطأ وارد فيه هو الإختلاف الظاهر في أسم الكنيسة بالعربية والإنكليزية من جهة مع أسم الكنيسة في اللغة الآشورية. ففي العربية والأنكليزية هو "الآشورية" و "Assyrian" وفي اللغة الآشورية هو "د أتورايه" – " ܕ ܐܬܘܪ̈ܝܐ"، أي "الآشوريين" أو للأشوريين. إذن فالترجمة الكاملة بالعربية ستكون "كنيسة المشرق المقدسة الرسولية الجاثليقية للآشوريين" أو إختصارا كنيسة المشرق للآشوريين، ونحن نعلم جميعاً بأن كنيسة المشرق كانت تضم شعوب أخرى غير الآشوريين. وهنا، لا في اللغة هو صحيح بين اللغات الثلاثة ولا يتوافق مع المنطق. فالآشورية هي صفة لحضارة ووطن ولغة وتاريخ وتقاليد. في حين الآشوريون هو أسم لشعب معين ومعروف في التاريخ والحاضر، فهناك فرق في اللغات بين الأسم والصفة، كأن نقول الإنكليز(أسم) والإنكليزية (صفة) أو العرب (أسم)  والعربية (صفة) وهكذا، ولكن يظهر بأن رجال الكنيسة لم يدركوا هذا الفرق بين الأسم والصفة وهو الأمر الذي يستوجب تصحيحه لغرض أزالة الغموض في فهم أسم الكنيسة بشكله الصحيح وفي جميع اللغات. ونختم هذه السطور بلتأكيد بأن التسمية المناسبة للكنيسة في هذا العصر هي (كنيسة المشرق الآشورية) ومن ثم ترجمتها إلى اللغتين الإنكليزية والآشورية بشكل صحيح قائم على التفرقة بين الصفة (الآشورية) والأسم (آشوريون)، ولنا أمل أن تكون لهذه السطور الفائدة المرجوة منها لإلغاء طلب محو الآشورية من أسم الكنيسة كمدخل أولي لخلق أجواء تساعد على الجلوس والتفاوض بين كنائسنا الثلاث للوصول إلى الحد الأدنى من التعاون بينهما.
وهنا أوصي القارئ اللبيب بأن يقرأ هذا الموضوع بالتنسيق والترابط مع موضوع آخر سبق وأن كتبته تحت عنوان (الصفة الآشورية لكنيسة المشرق... لماذا) والذي نشر في موقع عنكاوه بتاريخ 19.05.2022.



13
المعضلة القومية الآشورية
المفكر القومي الكبير ديفيد برصوم بيرلي
=====================
   
1901 - 1979
=========================================
أبرم شبيرا
هذا الموضوع وهو بالأصل كلمة ألقاءها المفكر الكبير والمحامي ديفيد برصوم بيرلي في المؤتمر السادس للإتحاد الآشوري العالمي المنعقد في يونكر بالولايات المتحدة الأمريكية في نيسان من عام 1973 بمناسبة منحه ميدالية "نجم آشور" وكان هذا الموضوع قد نشر في مجلة بيت نهريين، عدد نيسان 1975، ص 12 -15 ثم نشر في كتاب :
DAVID B. PERLEY
A Collection of Writings on Assyrian, Edited by: Tomas Beth-Avdalla, Foreword by Sargon George Donabed, Ph.D., Nineveh Press, 2016, P. 522 – P. 525.
يقول المفكر الكبير ديفيد بيرلي في هذا الموضوع، أنا آشوري، لذلك أنا مهتم بالمصير القومي الآشوري وكذلك بمعضلتهم القومية. ما يربطني بالآشوريين هو الإحساس بالواجب والتجبيل. أنا مرتبط بهم بنفس الطريقة التي أرتبط بها بأبي وأمي ووطني وروحي. إن الأمة الآشورية لديها طموح تصرخ من أجل تحقيقه، لإيجاد اعتراف كامل بها كمجموعة بشر وبكرامة إنسانية. إذن ما هو آشوري؟ وماهو مطلبه ؟. يجب أن أعترف بأنني أنتمي إلى شعب تعيس، شهيد، محروم ، ومشتت. ولكن يجب أن أعترف  أيضا وبفخر  بأنني أنتمي إلى شعب لم ينجح العالم في تدميره، على الرغم من الكعب الحديدي للترك المستبد وقوة الأمبراطورية البريطانية الفذة  وغيرهما، لأن الروح الآشورية لا يمكن تدميرها. 
سوف أركز خطابي على نقطة واحدة وهي أننا لسنا مجموعة دينية، بل أمة متميزة. المسألة الآشورية ليست مسألة اجتماعية ولا دينية، إنها مسألة أمة. أي آشوري في المنفى (وبشكل عام ) ينكر جنسيته، لا يمكن أبدا أن يحظى باحترام الأمم التي يسكن بينها. علاوة على ذلك، فإن أي آشوري ينكر أثنية قوميته فهو ليس فقط مارق ومرتدا قوميا، لكنه أيضا خائن لشعبه وخالقه.
الدرس الذي يجب استخلاصه من البطلين القوميين يوسف ماليك ويوئيل وردا، والعديد من الآخرين الذين لم يتم تسميتهم، هو ان الإنسان بدون تربة (وطن) حاله كحالة الطفيلي، مثل النباتات التي تعيش على حياة نبات آخر. لذلك فإن معضلتنا هي أننا سنبقى أجانب بين دول العالم، إذا بقينا بدون وطن قومي. قد تتحرك بعض هذه الدول في بعض الأحيان بشعور من الرحمة والإنسانية والعدالة لمساعدتنا ماليا أثناء تعرضنا للمذابح، لكنهم لن يحترموننا أبدا إذا كنا نفتقر إلى الطموح القومي. معضلتنا الأخرى هي أنه لا يمكن أن يكون هناك مستقبل للغة الأم في الشتات. يمكن أن تزدهر فقط في الوطن القومي. قناعتي العميقة هي أنه اذا لم نساعد أنفسنا في هذا الاتجاه، فلن يفعل ذلك أي شخص آخر. فالله قد يعمل معنا ولكن لا يعمل لنا. فالتشرد (أي شعب بدون وطن قومي – Homeless)  ليس سوى صدى إشارة للنفس الأخير للغات المحتضرة وبالتالي لأمة محتضرة. استنتاجي هو الدعوة إلى الحرية والتفكير الإنساني. فالدولة هي الشكل الطبيعي لوجود الشعب. نجاحنا يكمن في مثل هذه الحركة. هذه هي وصيتي اليوم، يجب أن نركز أفكارنا من أجل وطن قومي، مهما كان الطريق صعبا. فالوطن القومي ليس حركة عدوانية ولا نسعى إلى الإحتلال بل إلى السكن في الوطن وبمراسيم دولية..... فالعدالة والحق يجب أن ينطبقان بالتساوي على الآشوريين مثلما هو الحال مع بقية الشعوب.
منطلقا من روح مارتن لوثر كنج (جي آر) أقول:  قد تضطر للذهاب إلى السجن، وإذا كان الأمر كذلك ، فيجب عليك تحويل هذا السجن من زنزانة من العار إلى جنة الحرية والكرامة الإنسانية. ...قد أعني الموت نفسه، لكن الموت الجسدي هو الثمن الذي يجب أن يدفعه البعض لتحرير الأطفال الآشوريين من الموت الدائم للروح، ثم لا شيء يمكن أن يكون أكثر من ذلك؟
بعض "الوطنيين" المعتوهين يقولون بأن الذوبان في مجتمعات المهجر هو العلاج لجميع مصائبنا حيث هنا يمكن أن نجد سر سعادتنا الجماعية... في رأيي ، هذا الحل غير عملي وغير حكيم وشرير في تأثيره. الاستيعاب أو الذوبان هو أسوأ عدو لنا. ببساطة لأننا مشتتون جدا في جميع أنحاء العالم. فهذا ليس الوقت المناسب ولا المكان المناسب للذهاب نحو تشعبها.... فالمثل الأعلى للدولة القومية هو كونها الضرورة التاريخية للآشوريين ومع ذلك  أعتقد مع جوزيف مازيني، النبي العظيم للقومية الإيطالية، أن الإنسان بدون وطن سوف يظل لقيطا للإنسانية.
اليوم حتى عيون المكفوفين قد فتحت. فكلهم في نضالهم القومي، يضحون بحياتهم وثرواتهم من أجل أرض آبائهم.... اسمحوا لي أن أطرح عليكم هذه الأسئلة:
•   ماذا يجب أن يفعل الآشوريون؟
•   كيف يمكن للآشوريين استعادة احترامهم لذاتهم في نظر غير الآشوريين؟
لم يكن لدى فارس سيرفانتس الضال ( وهو الكاتب الإسباني الذي ألف كتاب دون كيشوت عام 1605) سوى الحلم  ومتابعة سعيه مهما كان حلمه مستحيلا، لمتابعة هذا النجم، بغض النظر عن مدى اليأس، بغض النظر عن مدى صعوبة الوصول إليه. فالقتال من أجل الحق ومن أجل قضية مقدسة يكون الإنسان مستعدا للسير إلى الجحيم من أجل هذه القضية المقدسة.
فما هو أكثر "قدسية" في حالة الآشوريين؟ ..... أنا المسألة الآشورية.
---------------------------
ملاحظة:
1.   يجب أن يقرأ ويفهم الموضوع في كونه خطاباً لمفكر قومي كبير لهذا له أسلوب خطابي أكثر مما هو موضوع متناسق ومتكامل ولكن مع هذا عندما ترجمته وضعته بقدر المستطاع بأسلوب موضوعي ومن دون تغيير المعنى نهائياً.
2.   كما يجب أن يقرأ ويفهم الموضوع في سياقه الزمني والمكاني والتاريخي أيضا. فالمفكر الكبير ديفيد بيرلي ألقى هذا الخطاب الحماسي وهو في سنوات عمره الأخيرة بعد معاناته التاريخية مثل ما عانه بقية الآشوريين منذ أيام سيفو حيث عايش أحدث أعدام والده برصوم مع رفيقه الشهيد آشور يوسف هربوت، شهيد الصحافة الآشورية، أثناء مذابح سيفو. ثم نضاله الفكري والسياسي في الولايات المتحدة الأمريكية وقيامه مع غيره من رفاقه بتأسيس المؤسسات والجمعيات الآشورية القومية ومنها الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي (Federation) عام 1933 عشية مذبحة سميل. كل هذه السلسلة التاريخية لحياته شكلت أساس أفكاره ونشاطه ومشاريعه القومية والتي تتجلى جانب منها في خطابه هذا.
3.   وهنا لا يفوتني إلا أن أعبر عن جزيل شكرنا وإمتنانا للإستاذين الكبيرين توماس بيت عبد الله، صاحب مطبعة نينوى و الدكتور سركون جورج دونابيد على جهودهم العظيمة في جمع وتحقيق كل ما كتبه المفكر الكبير ديفيد بيرلي وطبعها في كتاب رائع من حيث المضمون والشكل، حيث وفروا لنا فرصة الإطلاع على  أعمال هذا المفكر الكبير من دون عناء البحث والتقصي هنا وهناك والذي يتطلبه وقتاً كبيرا وذلك نظرا لتنوع وتعدد أعمال المفكر الكبير ونشرها في العديد من المجلات والجرائد التي يصعب العثور عليها. كما أنه يعتبر هذا العمل أسلوبا عظيماً في الحفاظ على التراث الفكري لكبار مفكري أمتنا الآشورية.... أبرم شبيرا 



14
الآشوريون ... بين الأمس واليوم:
--------------------------------



صوم نينوى بين الاسطورة التوراتية والحقائق التاريخية
==============================

أبرم شبيرا

يربط آشوريو اليوم أصولهم التاريخية بالشعب الآشوري الذي حكم شمال ما بين النهرين في الألف الثاني وحتى منتصف الألف الأول قبل الميلاد بجملة روابط حضارية تاريخية ومعطيات ثقافية تراثية ظلت لصيقة بهم على رغم الفواجع والنكبات التي حلت بهم طيلة تاريخهم المديد. ومن هذه الروابط ممارسات تراثية تستمد جذورها من أعماق التاريخ القديم وتمتد إلى البديات الأولى لمرحلة نشوء ومن ثم تدوين أحداث العهد القديم من التوراة وحتى يومنا هذا. ولعل الأكثر إثارة وبروزاً من هذه الممارسات التراثية هو "صوم نينوى" او كما يطلق عليه "باعوثا دنينوايه" والبعض يرتعب من أسم نينوى فيكتفي بتسمية هذا الصوم بـ "باعوثا" أو "صوم يونان"، كمن يحاول حجب الشمس بالغربال. ومن الثابت بأن هذا الصوم يقع في نهاية شهر كانون الثاني وقبل ثلاثة أسابيع من الصوم الكبير ويستمر لمدة ثلاثة أيام.  ومن الضروري أن نشير بخصوص صوم أهل نينوى بأن شعوب شرقية أخرى، كالأرمن والأقباط والأحباش، كان يلتزمون بهذا الصوم باعتباره صوماً ربانياً ومظهراً دينياً مذكور في العهد القديم من الكتاب المقدس. غير أن أمرهم كان يختلف عن الآشوريين من حيث: أولاً: لم يكن الصوم التزاماً عاماً للجميع كما كان الحال بالنسبة للآشوريين، بل كان يلتزم به رجال أتقياء ومتدينين فقط. وثانياً: لم تستمر هذه الشعوب في الالتزام بهذا الصوم حيث أصبح بمرور الزمن بحكم المنسي ولم يعد صوماً ملزماً لهم في هذه الأيام. بعكس الحال مع الآشوريين الذين لا يزال يلتزمون به حتى يومنا هذا وأدرج في تقويم كنيسة المشرق بإعتباره صوماً ربانياً يقام له قداس خاص في آخر أيام الصوم. وثالثاً: اكتفاء هذه الشعوب بالجانب الديني لهذا الصوم وما يتعلق بالنبي يونان في حين أرتبط هذا الصوم عند الآشوريين بممارسات تراثية وتاريخية واجتماعية اعتبرت ولا تزال تعتبر أهم جوانبه أثناء فترة الصوم والانتهاء منه. وهنا يجب أن لا ننسى إن أحداث هذا الصوم وقعت في قلب أراضي الإمبراطورية الآشورية وتحديداً في عاصمتهم نينوى مما كان له آثراً على جوانب تاريخية وقومية في نفوس الآشوريين للإستمرار بهذا الصوم والإحتفال به والتي شكلت هذه الترابطات والتداخلات عوامل مهمة في إحكام الربط العضوي للجوانب الدينية والقومية لحقيقة وجودهم القومي والديني.

 قبل الإكتشافات الآثارية التي أزاحت الكثير من الغموض والأسرار عن التاريخ القديم لشعوب الهلال الخصيب، كانت التوراة المرجع الأساسي والمهم، إن لم يكن الوحيد،  لأخبار شعوب هذه المنطقة، خصوصاً الآشوريين والمصريين واليهود، وظلت ولا يزال تأثيرها كبيراً ومحسوما في إتجاهات الكثير من الكتاب والمؤرخين الذين عالجوا تواريخ هذه الشعوب. فمن جملة ما ورد في التوراة عن الشعب الآشوري "صوم نينوى" الذي من المحتمل وقعت أحداثه في القرن الثامن قبل الميلاد وفي مدينة نينوى ودونت قصته في سفر يونان التوراتي والمعروف عند العرب بأسم "النبي يونس". ففي مدينة الموصل (نينوى القديمة) كنيسة قديمة مشيد عليها جامع يعرف بهذا الأسم ويعتقد بأنه كان معبداً آشورياً قديماً ثم شيد عليه دير تابع  لكنيسة المشرق، وهذا ما أكدته الأثار المكتشفة تحت الجامع بعد أن دمره داعش. وهناك إحتمال كبير بأن الدير ليس له صلة بيونان التوراتي بل براهب من رهبان كنيسة المشرق وأسمه يونان فكان يعتكف في هذا المعبد الذي حوله إلى دير.
 جاء في سفر يونان من التوراة والذي يعتبر أقصر سفر في التوراة ويتكون من أربعة أسفار فقط، جاء فيه أن الرب طلب من النبي يونان حمل رسالته إلى مملكة آشور، وهي المملكة التي قامت بتدمير مملكة إسرائيل، ليحذرها من الدمار والهلاك. وعندما تسلم يونان الرسالة أبت عليه عواطفه اليهودية أن يحذر مملكة هاجمت إسرائيل ونهبت كنوز معبدها وإستهانت بإلاهها "يهوا" من قضاء الله في تدمير نينوى. وبعد سلسلة أحداث وتجارب مريرة مر بها يونان بما فيها الأسطورة القائلة بأن الحوت أبتلعه وبقى في جوفه لمدة ثلاثة أيام!!! ثم بعد طرحه الحوت على الشاطئ أذعن يونان إلى أمر الرب فأنطلق إلى نينوى ليبلغ أهلها وملكها بقضاء الله وعندما دخلها بدأ ينادي قائلا "بعد أربعين يوما تتدمر المدينة"(3 – 4) فآمن الشعب بالرب وأعلنوا الصيام وأرتدوا المسوح من كبيرهم إلى صغيرهم ثم بلغ إنذار النبي ملك نينوى فقام عن عرشه وخلع عنه حلته وأرتدى المسح وجلس على الرماد ثم دعا جميع رعاياه إلى الإمتناع عن الأكل والشرب، وكذلك البهائم والغنم والبقر لا ترعى ولا تشرب ماء، وطلب من جميع الناس أن يرتدوا المسوح متضرعين إلى الله تائبين عن طريقهم الشرير وعما أرتكبوه من ظلم لعل الرب يرجع فيعفى عن إقتدام سخطه فلا نهلك (3: 7 – 9). فلما رأى الله أعمالهم وتوبتهم عن طرقهم الآثمة عدل عن العقاب الذي كان مزمعاً أن يوقعه بهم وعفا عنهم (3-10) وهذا الأمر سبب غيظ يونان وغضبه الشديدين بسبب كون الله رحيماً رؤوفاً مع الشعب الآشوري وملكه وبطيء الغضب، كثير الإحسان يرجع عن العقاب، لذلك فضل يونان الموت على الحياة (3:4) لأن الرب لم ينتقم من الآشوريين وملكهم وأن الله لم يشأ للآشوريين سوى كل الخير والخلاص، وهذا ما يؤكد حقد اليهود على الآشوريين في تلك الأزمنة. أن الذي يهمنا من هذا السفر هو تأكيد مطلق على أن عبادة الله الأحد ومخافته والتضرع إليه طلباً للغفران والتوبة لم تكن حكراً على اليهود وحدهم في تلك المرحلة، بل شملت الشعوب الأخرى أيضا وتحديداً الشعب الآشوري.
عندما تمت الإكتشافات الآثارية في المدن الآشورية المطمورة في القرون الماضية وإماطة اللثام عن بعض الغموض الذي يكتنف الشعب الآشوري وكشفت جانباً من أسرار وإلتباسات بعض الوقائع التاريخية، فإنها أكدت بعض الأحداث التي دونت في التوراة ونفت أحداثاً أخرى، بل تناقضت مع بعضها الآخر. وبقدر ما يتعلق الأمر بقصة مجيء يونان إلى نينوى وتبليغ رسالة الرب إلى الآشوريين وتحذيرهم من دمار المدينة العظيمة، كما توصف في التوراة، فإن الآثار والرقم الطينية والإسطوانات الكتابية المكتشفة في خرائب نينوى وغيرها من المدن الآشورية والتي تعد أكثر تفصيلا وتدويناً للأحداث التاريخية ووقائعها من أي آثار أخرى مكتشفة في بلاد النهرين، خصوصاً حول علاقة الآشوريين وملوكهم باليهود وأنبيائهم وملوكهم، ففي كل هذه المصادر التي لا تقبل الشك والتأويل، لا تحمل أي إشارة إلى يونان وقدومه إلى نينوى لتبليغ قضاء الرب في تدميرها، وهو حدث كبير وحاسم لا يمكن للآشوريين وملوكهم أن يتجاهلوه ولا يدونه في مدوناتهم الملكية. بل على النقيض من ذلك، نرى في المدونات تفاصيل دقيقة عن الحروب التي شنها الملك الآشوري ضد اليهود وغيرهم من الأقوام وقيامه بإنجازات كبيرة وأعمال ضخمة في البناء والتعمير، خصوصاً في مجال الري وتنظيم السقي والسيطرة على المياة وخزنها وتوزيعها في ظروف بيئية وموسمية مختلفة، وأكبر دليل واقعي في هذه الأيام هو مشروع الخازر و موقع خنز الأثاري. فكانت الأنهر والجداول تفيض في الشتاء وبداية الربيع وتشح ويجف بعضها في منتصف الصيف وبداية الخريف، مما يوحي بأن الفيضانات كانت عاملا حاسما في تهديد إستقرار الأوضاع الإقتصادية والسياسية والإجتماعية في بلاد آشور وما الدليل الحالي إلا الأمطار الرعدية التي سببت وتسبب الفيضانات في هذا الشهر من عام 2023 في مختلف مناطق بلاد النهرين. وتؤيد التواريخ الإغريقية بأن سقوط نينوى عام 612 ق.م. بيد الغزاة لم يكن ممكناً لولا فيضان هائج دمر أسوارها العظيمة، فهناك إشارة في التوراة  بالقول "بأن طوفان طام يخفي معالم نينوى" (ناحوم: 1 – 8)، ولكن بقاء معالم نينوى لحد هذا اليوم يبين عدم صدق ناحوم في تنبأته.
تخبرنا المنحوتات الجدارية والإسطوانات الكتابية المكتشفة في قصر الملك سنحاريب في نينوى، الذي كان مهندساٌ رائعاً في تنظيم الري، بأنه قام بأعمال بناء ضخمة لضمان قصره والمدينة من الفيضانات التي كان يسببها نهر الخوصر أو "خو أصر" ويعني باللغة الآشورية القديمة والحديثة "عشرة أضعاف". مما يدل على أن هذا الرافد الذي كان يجتاز جوانب أسوار نينوى ويصب في نهر دجلة كان يفيض في مواسم الفيضانات أكثر من حجمه الطبيعي بعشرة أضعاف ويسبب تهديدا لأسوار نينوى وأضراراً جسيمة للبلاد ويتلف المحاصيل الزراعية، كما يسبب المجاعات وإنتشار الأوبئة وبالتالي يهدد الأمن السياسي والإستقرار الإجتماعي نتيجة هذه الأضرار والقواجع. شخصياً، في عام 1981 كنت في مدينة الموصل في موسم الربيع، أعتقد كان في نهاية شهر آذار، وشاهدتُ، كشاهد عيان، الفضيان الهائج في هذا النهر الذي كان يمر بجانب أسوار نينوى الآثارية جارفاً في تياره القوي أطيان وأشجار مقلوعة وقطع خشبية ضخمة وأنقاض هائلة لدرجة كانت المياه الجارفة تمر من فوق الجسر المشيد على النهر قاطعا طريق عبور المشاة والسيارات. فعلى هذا الأساس قد تكون قصة يونان ومجيئه إلى نينوى لتبليغ شعبها قضاء الرب في دميرها، إذا آمنا بها، مقتبسة من فيضان وإعصار عصف بنينوى والجهود العظيمة التي بذلها الملك في السيطرة عليه ومعالجة نتائجه المدمرة، وبعد ذلك تم تدوينها في سفر يونان بما يتوافق مع المنهج التوراتي في تدوين الأحداث مع التقليد اليهودي في تفسير الظواهر التاريخية. لقد كان صادقاً الأديب الكبير الشماس منصور روئيل – رحمه الله – عندما كان يطلق على يونان بـ "يونان الكذاب".
بغض النظر عن طبيعة الحدث الذي فرض قوته على الشعب الآشوري إلزام نفسه بالصوم خشوعاً للرب، فأنه يؤكد بما لا يقبل الشك حقيقية تاريخية شكلت في سياقها الزمني وإمتدادتها التاريخية ممارسة طقسية تراثية وقومية دينية أرتبطت بالآشوريين فترة  طويلة جدا سواء أكانت قبل المسيحية أو بعدها.. وبسبب إرتباط تاريخ الآشوريين وكنيستهم بالمآسي والفواجع والتشرد من أوطانهم وخضوعهم لشتى أنواع الإضطهادات، أرتبط هذا الطقس بهم طيلة تاريخهم الطويل وتتابعوا على ممارسته حتى إنتظامه سنوياً في العصور الحديثة وإدراجه في التقويم الكنسي لكنيسة المشرق بأعتباره صوماً ربانياً وحيداً في العهد القديم إلى جانب الصوم الكبير بإعتباره صوماً ربانياً وحيداً في العهد الجديد. فكان الآشوريون عبر تاريخهم الطويل ينتظرون هذا الصوم ليتذرعوا إلى الرب للخلاص من مأساتهم المستديمة والكوارث التي كانت تحل بهم، ونتذكر كيف كان الآشوريون يصمون عدة أيام أثناء الحرب العراقية -–الإيرانية ثم حرب الخليج ويتذرعون للرب لوقف هذه الحروب وإنقاذهم من دمارها، وهي حالة طبيعة للشعوب المؤمنة بقدرة الخالق في خلاصهم من المأساة والأوبئة والحروب.
 كان من الطبيعي أن يرتبط هذا الطقس الديني والقومي عبر مراحل تطوره التاريخي بجملة ممارسات وعادات بعضها أكتسب طابعاً غيبياً أسطوريا يتعلق بالتمنيات والرغبات التي لم يتمكن الآشوريون ضمن ظروفهم المأساوية تحقيقها في الواقع المادي، ولا يخلو قسم من هذه التقاليد من الطرافة والفكاهة وبراءة الإيمان بكل وسيلة ينسج حولها قوة إمكانية تحقيق الرغبات المستعصية، ومن هذه التقاليد ما يعرف باللغة ألآشورية الحديثة بـ "بوخن"، وهي بالأصل مادة غذائية تتكون من تحميص سبعة أنواع من الحبوب الشائعة الإستعمال، والتي كانت تستهلك أيضا من قبل الآشوريون القدماء، تطحن معا ثم تملح وفي الليلة الأخيرة من الصوم تؤخذ كمية منها ويتم عن طريق وضع إبهام اليد في "بوخن" وتحميل ظهر الإبهام (الظفر) ثلاث مرات بها ثم دفعها تحت اللسان والركون إلى النوم بأمل الحلم بأحلام تحقق آمانيهم المستعصية. وجانب الطرافة في هذا الطقس هو كون مادة "البوخن" مالحة وتسبب العطش وجفاف الفم وهما مصدر إحلام الشبان والشابات العازبين الذين يعتقدون بأنهم سيحلمون بشخص يروي عطشهم وسيكون فارس المستقبل أو عروس الغد لهم. وكان لا يزال بعض الآشوريين يصرون على أن ما قسمه الله لهم من نصيب في الحياة الزوجية كان مرسوماً في حلم من أحلام "صوم نينوى".
واليوم، رغم ظروف القهر والإستبداد التي فرضت على الآشوريين وتهجير القسم الأكبر منهم من وطنهم التاريخي وتشتتهم بين بين بلدان العالم، فأن الآشوريين يحاولون رغم هذه الظروف القاسية والمميتة، يحاولون التمسك بقيمهم وعاداتهم وتراثهم ولغتهم ويسعون من ممارستها الحفاظ على كيانهم القومي والديني ويأملون أن يمارسوها جميعاً في يوم ما وبأمان وحرية في وطنهم التاريخي الذي أنبثقت منه أقدم حضارة عريقة أعطى شعبها للإنسانية كثير الكثير ولم يأخذ حتى قليل القليل....
ترى هل ستحقق أحلام "صوم نينوى" آماني الشعب الآشوري، تلك الأماني التي حملها في صدره طيلة قرون طويلة من الزمن القاسي؟؟؟.

15
الآشوريون في العراق على تقاطع طريق بغداد – أربيل
==============================
أبرم شبيرا
أربع ملاحظات توضيحية مستوجبة:
--------------------
أولا: الآشوريون... لماذا؟:
----------------
ذكرنا "الآشوريون" في بداية عنوان الموضوع، فهذا لا يعني بأن غيرهم من الكلدان والسريان غير مشمولين بأمر هذا الموضوع، فكون الجميع سواء أكانوا أمة واحدة أو كمسيحيين تشملهم بدرجة أو أخرى التحديات المميتة التي تهدد وجودهم التاريخي القومي والديني في بلادهم ما بين النهرين. ذكرنا "الآشوريون" لكونهم أكثر إنخراطاً في المسائل القومية والسياسية ولكون أحزابهم  السياسية ومنظماتهم المدنية والقومية أكثر تفاعلا و"ضجيجاً" أن صح التعبير، وهم على تقاطع هذا الطريق.
ثانيا: هذا الموضوع... لماذا؟
-----------------
الموضوع حساس جدا على الساحة السياسية القومية للآشوريين لأنه يبحث في الطريق الذي يجب أن يسكله الآشوريون في تحالفاتهم مع القوى المهيمنة سواء في بغداد أم في أربيل. فعلى الرغم من كثرة الحديث عنه على الساحة السياسية إلا أنه من النادر أن نرى كتابات حوله، ربما خشية من الإنتقادات والهجمات على كاتبه. فإن أختار بغداد أتهم بشتى التهم منها التشيع واللهوث وراء المال والكرسي. وإذا أختار أربيل أتهم بالاستكراد والتحالف مع "المحتل لبلاد آشور". وهكذا الغوص في هذا الموضوع هو نوع من المغامرة الفكرية عند التطرق إلى التحديات التي تواجه الآشوريين في العراق وسبل تحالفهم مع القوى السياسية للقوميات العراقية الأخرى لأن الحقيقة "المطلقة" هي أنه لا يمكن للآشوريين، كأقلية قومية وبإمكانيات شحيحة أن يحققوا مصالحهم الخاصة إلا بالتحالف مع القوى السياسية التي تقر بوجود الآخر و التي هي الأقرب إلى تفهم مطامحهم المشروعة. 
ثالثا: بغداد – أربيل... لماذا:
-----------------
كلنا نعرف بأن بغداد هي عاصمة جمهورية العراق الفيدرالية وأن أربيل هي عاصمة إقليم شمال العراق ضمن هذه الفدرالية، والمعروف حاليا ورسمياً بـ "كردستان" وكانت أربيل تاريخياً وحضارياً معروفة بـ "أربائيلو" العاصمة المقدسة للأمبراطورية الآشورية والإقليم كان تاريخياً وحضاريا معروفاً بـ "بلاد آشور. وللعاصمة أهمية سياسية قصوى تنعكس أهميتها على أهمية الدولة. فبإزدهارها وتطورها وإستقرارها يعني بشكل ما إزدهار الدولة وتطورها وإستقرارها. ولسقوط العاصمة أو إحتلالها من قبل المحتل يعني سقوط الدولة أو نظامها السياسي. وفي كثير من الأحيان، وبسبب أهميتها في الدولة، يذكر أسم العاصمة كبديل لأسم الدولة خاصة في الأخبار والتقارير السياسية، لذلك عند الإشارة إلى بغداد أو أربيل في هذا الموضوع فهذا يعني العراق المركز وكوردستان الإقليم.
رابعا: تقاطع طريق بغداد – أربيل... لماذا:
------------------------
ليس هذا فحسب، فللعاصمة مضامين ديموغرافية وسياسية وفكرية وثقافية وإجتماعية وإقتصادية تعكس هويتها الخاصة أو بالأحرى هوية الدولة. وهي الحالة التي تنطبق على بغداد وأربيل. وعلى هذا الأساس نقول بأن بغداد، وبشكل عام هي عربية شيعية، وأن أربيل، وبشكل عام، هي كردية سنية. إذن، فتقاطع طريق بغداد – أربيل هو تقاطع بين مضمونين ولكل منهما محتويات ديموغرافية وسياسية وفكرية وثقافية وإجتماعية وإقتصادية تختلف وتتناقض في بعض من جوانبها وتتسق وتتوافق في جوانب أخرى، وهو الأمر الذي يضع الآشوريين على محك إختيار طريق من التقاطع يسلكونه سواء نحو بغداد أم أربيل. وعلى ضوء الإختيار الصحيح والمناسب فمن المفترض أن يتحقق بعض من مصالحهم القومية والسياسية، اما إختيارهم لطريق غير مناسب وغير صحيح فإنهم سوف يعجزون عن تحقيق حتى الحد الأدنى من مصالحهم القومية المشروعة.
حقائق تاريخية ومعاصرة على تقاطع طريق بغداد - أربيل:
---------------------------------
لا يمكن لأي إنسان أن يختار الطريق الصحيح للوصول إلى مبتغاه إلا أن يكون هذا الإختيار مبنى على حقائق تاريخية ومعاصرة. فالعجز في إدراك وفهم هذه الحقائق لا مفر منه إلا فشل الإنسان في الوصول إلى مبتغاه وبالتالي مواجهة معاناة فشله وتأثيره على سير حياته. والعكس صحيح، فالإنسان المدرك والمستوعب للحقائق التاريخية والمعاصرة والقادر على التعامل معها بشكل إيجابي وفاعل تتاح له فرصة الإختيار الصحيح للطريق الذي يقوده نحو تحقيق مبتغاه وبالتالي إنعكاس هذا الإختيار الصحيح على تعزيز موقعه وكيانه ودوره في الحياة العامة. وهذه الحالة تنطبق على الآشوريين، وتحديدا على أحزابهم السياسية وتنظيماتهم القومية لإدراك هذه الحقائق التاريخية والمعاصرة والتفاعل معها لإختيار الطريق الصحيح من تقاطع طريق بغداد – أربيل الذي سيقودهم إلى تحقيق أهدافهم القومية والسياسية؟   
لا يختلف إثنان، إلا الحاقد والجاهل، في كون الآشوريون الشعب الأصيل للعراق من جنوبه إلى شماله ووجودهم في بلاد ما بين النهرين يسبق وجود كل القاطنين فيه من عرب وكورد وتركمان وغيرهم. ولكن مع هذا فأن الحقيقة الديموغرافية التاريخية والمعاصرة تؤكد بأن وجود الآشوريين في المناطق الشمالية، وتحديدا في منطقة الحكم الذاتي للإقليم، أي أربيل بذكر المعنى أعلاه، أكثر كثافة من المناطق الجنوبية، أي بغداد بذكر المعنى أعلاه. وهذه حقيقة منطقية لأن موطنهم التاريخي الأصلي كان ولا يزال شاملا لمعظم المناطق الشمالية، لا بل وأن أسمهم القومي (الآشوريون) مستمد ليس من إلههم القومي والديني (آشور) فحسب بل أيضا من أسم بلادهم (آشور).
زد على هذا فإن الحقيقة الجغرافية المعاصرة تؤكد أيضاً بأن هناك عدد كبير من القرى والقصبات والمزارع والحقول وحتى الأثار تشكل حقيقة ناطقة لموطن الآشوريين في الإقليم أي في أربائيلو والتي لا يمكن مقارنتها بعدم وجود مثل هذه الحقيقة الجغرافية والتاريخية في المناطق الجنوبية، أي بغداد. وهنا أورد مثال بسيط ولكن كبير في مضمونه يعكس هذه الحقيقية. هناك العشرات من المطربين والشعراء الآشوريين الذين يتغنون وينشدون أشعارهم بأشور وأربائيلو ونينوى وحتى بأرادن وبروراي بلا وألقوش وغيرهم من القرى والقصبات التاريخية، ولكن بالمقابل لا نجد إطلاقاً أغنية أو قصيدة عن بغداد والناصرية والديوانية والبصرة. والأكثر من هذا هناك في أربائيلو العديد من الأحزاب السياسية الآشورية ومؤسسات قومية وأندية إجتماعية ومراكز ثقافية ولها نشاطات مختلفة جديرة بالإهتمام والإشادة أكثر بكثير مما هو موجود في بغداد، إن لم نقل لا وجود لها إطلاقا. صحيح  كان هناك وجود آشوري معاصر في بعض المناطق الجنوبية، خاصة في بغداد وحتى في الموصل وكركوك إلا أنه وجود لا أساس قومي تاريخي له بل هو وجود إضطراري معاصر فرضته ظروف قاسية أودت بهم إلى النزوح من الشمال إلى الجنوب خاصة بعد تأسيس الكيان السياسي للعراق في بداية العشرينيات من القرن الماضي وقيام الحركة الكردية في بداية الستينيات من نفس القرن ونزوج الكثير من الآشوريين نحو الجنوب والسكن في المدن الكبرى كبغداد والموصل وكركوك. وخلال فترات الإرهاب والتفجيرات بعد سقوط نظام البعث عام 2003 وسيطرة داعش الإجرامي على الموصل وبعض قرى سهل نينوى جرى نزوح معاكس من الجنوب إلى الشمال فأزداد الوجود الآشوري والمسيحي في مناطقهم التاريخية.
أيضا ما يميز الشمال عن الجنوب هو وجود إمتداد ديموغرافي للآشوريين نحو إيران وتركيا وسوريا وحتى أرمينيا وجورجيا وأوكرانيا ولا وجود لمثل هذه الحقيقة الديموغرافية التاريخية والمعاصرة في الجنوب. ولهذا الإمتداد الديموغرافي أهمية جيوبوليتكية في بعض الظروف، خاصة ظروف الحرب والنزاع المسلح بين الدول التي للآشوريين أمتداد ديموغرافي فيها حيث تسقط أو تضعف الموانع الحدودية وبالتالي تتسع الرقعة الجغرافية والديموغرافية للآشوريين وتصبح الساحة الخلفية، أو المجال الحيوي، بمفهوم الجيوبوليتكس، للآشوريين في العراق، وهذا ما شاهدناه أثناء الحرب العراقية – الإيرانية و هجمات نظام بغداد على المنطقة الشمالية.
الآشوريون بين الصراع الديني والنزاع القومي:
---------------------------
هنا يستوجب علينا أن نتحدث عن مسألة واقعية ومهمة في حياة الآشوريين من الجانبين القومي والديني وعقد المقارنة بينهما ومدى علاقة الآشوريين بهما ومن ثم وعلى ضوء هذه المقارنة وظهور نتائجها يمكن تجاوز تقاطع الطريق سواء نحو بغداد أم أربيل. وهنا الضرورة تستوجب أيضا أن نفرق بين الصراع الديني والنزاع القومي. فالصراع الديني يكون عادة محتدم ولا تنطفي نيرانه لأنه مرتبط بمسألة عقائدية إيمانية يستحيل أي طرف من طرفي الصراع أن يتنازل عنها أو جزء منها، وأن هدأ في مراحل معينة فأن نيرانه ستبقى تحت الرماد ومن دون أن تنطفي فتظهر مرة أخرى على السطح وتفعل فعلها الإيماني بمجرد زوال الظروف التي نقلته من السطح إلى الباطن، خاصة عندما يتسيس الصراع ويسعى في التحليل الأخير تحقيق أهداف دينية وبوسائل سياسية وعسكرية كالأحزاب والسلطات الحكومية والميليشيات. أما النزاع القومي، ولا نقول صراع قومي، فأنه أخف بكثير من الصراع الديني وإيضا استمراريته ودمويته أقل من إستمرارية الصراع الديني ودمويته، لهذا نقول بأن معظم المذابح والإبادات الجماعية كانت في التحليل الأخير مصدرها صراع ديني بين ديانتين أو طائفتين أكثر مما كان مصدرها قومي. وهذا ينطبق على الآشوريين فيما يخص مذابح سيفو عام 1915 وما بعدها وسميل عام 1933 وجرائم داعش كانت في مضمونها دينية قائمة على مفهوم الجهاد الإسلامي ضد الكفرة أكثر مما كانت من نتاج صراع قومي. فالأتراك والكورد والفرس والعرب والشيشانيون كلهم كمسلمين متوحدين بدين واحد لا كقوميات متحالفة، شاركوا في هذه المذابح ضد الآشوريين لا كقومية مختلفة عنهم بل كمسيحيين يختلفون عنهم في الدين. وهنا نقول بأن إحتمالية الوصول لحلول ممكنة أكثر في النزاع القومي من الصراع الديني. فبنظرة بسيطة على دول العالم  نرى بأن معظم النزاعات القومية قد حلت وأستقرت تقريباً، في حين نرى بأن معظم الصراعات الدينية والطائفية أستمرت ولم تفضي إلى النهاية والوصول إلى حلول للإستقرار، والعالم الإسلامي يشكل نسبة كبيرة من هذه الصراعات الدينية. 
إذن وفق هذه البديهية في التمييز بين الصراع الديني والنزاع القومي، نقول بأنه طالما الأحزاب الدينية والطائفية "الشيعية" العراقية هي المسيطرة على بغداد وهي الفاعل المؤثر في السياسة العامة وفي صنع القرار السياسي إذن بالنتيجة والمنطق فإن الآشوريين كمسيحيين مختلفين دينياً عن هذه الأحزاب التي إيمانياً لا تقر ولا تعترف بوجود الآخر المختلف دينيا، سوف يبتلون بنيران الصراع الديني ويحترق وجودهم الديني المرتبط عضوياً بوجودهم القومي. فهناك العشرات من الكنائس التي دمرت والعديد من رجال الدين المسيحي الذين تم أختطافهم أو قتلهم والكثير من الممارسات الرسمية والقانونية والسياسية تجاه الآشوريين كلها ذات مضامين دينية لإنهاء الوجود المسيحي في العراق. وعلى العكس من بغداد ففي أربائيلو، بالمعنى الوارد أعلاه، نرى بأنه بشكل عام تسيطر الأحزاب السياسية الكردية القومية وهذه السيطرة لا تنفي وجود بعض الأحزاب الدينية ولكن التوجه السياسي العام هو قومي علماني وتحديدا بالنسبة للأحزاب الكبيرة كالحزب الديموقراطي الكوردستاني (البارتي) وحزب الإتحاد الوطني الكردستاني (يكتي) وحركة التغيير الكردية (كوران). من هنا نقول وطبقاً لكل الإعتبارات الواردة أعلاه بأن إختيار الآشوريين من تقاطع الطريق أعلاه سيكون نحو أربائيلو حتى يتجنبون إحتراقهم بالصراع الديني في بغداد. وحتى نفهم وبمنطقية واقعية هذا الإختيار نحو أربائيلو علينا أن نحلله وفقاً لمفهوم السياسة لكي يتعزز ويُفهم هذا الإختيار.
الآشوريون واختيار تقاطع طريق بغداد - أربيل في ضوء مفهوم السياسة:
--------------------------------------------
سبق في مكان ما وزمان مضى قد حددنا مفهومين للسياسة وهما، الأول: السياسة فن الممكن وصاحبه هو لينين (1898 - 1924 مؤسس الحزب الشيوعي الروسي. والثاني: السياسة: هي ديموغرافيا على جيوغرافيا وصاحبه بسمارك (1815 – 1898) الأب القومي والروحي للألمان ووحدتهم القومية. وبإختصار لو أبتدئنا بالمفهوم الثاني نقول بأن الديموغرافيا هو علم السكان الذي يدرس جميع النواحي المختلفة لسكان منطقة معينة وما يهمنا منها هو حجم السكان وكثافته أو تركزه في منطقة معينة. تؤكد دراسات علم السياسة بأنه عندما يتوفر للسكان حجماً معقولا وكثافة في منطقة معينة يكون إحتمال نشؤء حركة قومية وارد جداً. أما إفتقار أي مجموعة أو قومية لهاذين العاملين، الحجم والكثافة، يصعب أو يستحيل نشؤ حركة قومية خاصة بهذا السكان. فما فائدة أن يكون حجم السكان بالملايين ولكن مبعثر في أنحاء العالم ولا كثافة له في بقعة أرض معينة؟. هذه الحالة قد تنطبق على الآشوريين المبعثرين بين دول العالم ولا كثافة لهم مؤثرة وفاعلة. في فترة ما أحتدم النقاش مع بعض أصدقائنا المهتمين بالشأن القومي الآشوري حول سهل نينوى وفيما إذا حصل على نوع من الإدارة الذاتية أو حكم ذاتي أو تشكل كمحافظة مستقلة فبأي جهة يرتبط إدارياً؟: بغداد أم أربيل، أي المركز أم الإقليم؟ فعندما وضعنا المصلحة القومية بأعلى اعتبار من دون أي أعتبارات أخرى، مثل من يسيطر أو يحكم في بغداد وأربيل وموقفهما من حقوق الآشوريين المشروعة، وجدنا بأن الإرتباط بأربيل خير للمصلحة القومية الآشورية. لماذ؟: لأنه ستتوسع المساحة الجغرافية للموطن التاريخي للآشوريين بإضافته إلى مناطقهم الأخرى في الإقليم فتصبح حينذاك بلدة تلكيف مرتبطة ببلدة زاخو من جهة، وسيزداد حجم السكان وكثافته من جهة أخرى، وبالتالي تتوفر فرصة نشوء حركة قومية آشورية أكثر فاعلية. ولكن مما يؤسف له بأنه لم يعد يشكل سهل نينوى إي أعتبار لعامل حجم السكان وكثافته في موازين القوى السياسية الآشورية بعد سيطرة الذئاب الكبيرة ووكلائها عليه.
 أما المفهوم الأول، أي السياسة فن الممكن، هو العمل السياسي الممكن والذي تتيسر له ظروف تجعل تحقيق الأهداف السياسية ممكنا. وهذا المفهوم مرتبط عضويا وبقوة بالمفهوم الثاني (السياسة: ديموغرافيا على جيوغرافيا) وتشكل كلمة (على) عامل الربط العضوي والتي تعني هنا الممارسة السياسية لديموغرافيا – الشعب على جيوغرافيا – الأرض أو الوطن. وقد سبق وأن عالجنا هذا الموضوع عندما بحثنا عن العمل السياسي القومي الآشوري بين الوطن والمهجر – دراسة مقارنة, ونشر في موقع عنكاوه كما حاضرنا عنه قبل بضعة سنوات في النادي الثقافي الآشوري في عنكاوه. من هذا المنطلق وذاك وطبقاً للمصلحة القومية الآشورية سيكون إختيار الآشوريين لتقاطع طريق أربائيلو أكثر منطقياً وربما أقرب لتحقيق مصلحتهم ولو بالحد الأدنى، خاصة وأن الأحزاب الكوردية العلمانية هي التي تسيطرة على الإقليم وإمكانية الدخول في نزاع قومي سياسي معهم لربما سيكون تحقيق مصالح الآشوريين وارد فيما إذا أعتمدوا سياسة (العمل مع) وليس(العمل له). كما وهناك مواضيع مهمة تجعل (العمل مع) ممكاناً خاصة وأن للحركة القومية الآشورية تجارب مع الكورد، بحلاوتها ومرارتها. فليس من المنطق والشهامة أن ينكر الكورد التضحيات الكبيرة التي قدمها الآشوريون للحركة الكوردية وأن يضاعفوا أحزابها وحكومة الإقليم من مرارة تجارب الآشوريين مع الكورد عندما يعتبرون سمكو الشيكاكي بطلا لهم في الوقت الذي هو مجرماً من الدرجة الأولى لدى الآشوريين بإغتياله شهيد الأمة والكنيسة البطريرك الخالد مار بينامين الذي قدمت عائلته حماية لزعيم العائلة البارزانية الشيخ عبد السلام عندما كان مطاردا من قبل القوات العثمانية. كل هذه الأمور وحتى بمرارها يمكن الجلوس مع البعض ومناقشتها والعمل معا فيما إذا: أولاً: أستوعب الكورد أكثر فأكثر مطامح الآشوريين المشروعة وإيقاف التجاوزات على أراضيهم والسيطرة على الذئاب المنفلتة الجشعة والطامعة بأراض الآشوريين والكف عن سرقة تاريخهم ورموز حظارتهم. وثانيا: فيما إذا وحد الآشوريون كلمتهم وخطابهم السياسي القومي عند (العمل مع) الأحزاب الكوردية العلمانية وإلا سيعود السيد مسعود البارزاني مرة أخرى ويقول لهم "روحوا وحدوا كلمتكم حتى نعرف ماذا تريدون ثم تعالوا" حقاً هذه كبد الحقيقة سواء أكان هذا القول بمصداقية أم مجرد تبرير لتجنب البحث في مطالب الآشوريين المشروعة. من هنا نقول بأنه مهما تكون الظروف الموضوعية والعوامل الجغرافية والديموغرافية متوفرة للآشورين فإنها ستصبح بلا قيمة تذكر فيما أذا بقى كل حزب من الأحزاب الآشورية يغني على ليلاه، أي بمفهوم أخر، نقول بأن العوامل الموضوعية متوفرة للآشوريين ولكن يفتقرون إلى عوامل ذاتية قادرة على التفاعل مع العوامل الموضوعية وتحقيق بعض النتائج.
نماذج من السائرين على تقاطع طريق بغداد - أربيل:
------------------------------
هنا نأخذ نموذجين، سياسي وكنسي في هذا السياق. النموذج السياسي يتمثل في الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا). والنموذج الكنسي يتمثل في كنيسة المشرق الآشورية (كنيسة)
النموذج الأول: الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا):
------------------------------
لا نختلف مع الحقيقة الواقعية في القول بأن زوعا هي من أكبر الحركات القومية الآشورية في تاريخنا المعاصر وحققت بعض الإنجازات المهمة لأمتنا عندما أدركت كل الإعتبارات الموضوعية والذاتية المتوفرة في أربائيلو، التي ذكرناها في أعلاه، ووضعتها بعين الإعتبار وأستوعبتها وتفاعلت معها كعامل ذاتي نشط. والأكثر من هذا فقد نجحت في عملها السياسي عندما عملت (مع) القوى السياسية العلمانية والديموقراطية الفاعلة في أربائيلوا. وتمثل هذا العمل بمشاركتها في "الجبهة الكوردستانية" والوصول إلى برلمان الإقليم بأربعة كراسي من خمسة، وبالتالي تحقيق بعض النتائج لصالح أمتنا. وإذا نظرنا وبشكل أعمق إلى إمكانية تحقيق هذه النتائج، وبالأخص إقرار التعليم السرياني على مراحله المختلفة والعطل الرسمية لأعياد الآشوريين الدينية والقومية من قبل برلمان الإقليم نجد بأن بعض الشخصيات الآشورية، كالمرحوم الشهيد فرنسو الحريري والسيد سركيس أغاجان قد لعبوا دورا مهما من مواقعهم القيادية في "البارتي" وفي برلمان الإقليم في التأييد والمساندة لأقرار هذه القوانين. وهنا  يجب أن لا ننسى البطل المغوار توما توماس (أبو جوزيف) رحمه الله من قياديي الحزب الشيوعي العراقي ودوره في أسناد زوعا في أحلك ظروف مقاومة النظام البعثي في العراق. فمثل هذه الشخصيات لا نجدها إطلاقا في بغداد وإن كان هناك في البرلمان نفر ممن يدعون تمثيلهم للـ "المكون المسيحي" فأنهم ليسوا أكثر من ذيل للأحزاب الطائفية المسيطرة.
ولكن... نعم ولكن... بعد عام 2003 وسقوط النظام البعثي في بغداد أمتلئت الساحة السياسية بغنائم سياسية وإقتصادية ومالية فهرعت الأحزاب والكتل السياسية ومعضمها شيعية للإستلاء على هذه الغنائم وبأكبر قدر ممكن. ومن المؤسف ووفق حسابات خاطئة شاركت زوعا، وهي حركة قومية مسيحية هذه الأحزاب والكتل السياسية التي هي في الجوهر لا تقر ولا تعترف بما هو قومي أو مسيحي لأنه لا يتوافق مع معتقداتها الدينية والطائفية. ومن المؤكد بأن جانب من الحسابات الخاطئة لزوعا ومشاركتها مع هذه الأحزاب الدينية الطائفية قبل سقوط النظام البعثي ضمن ما كان يعرف بالمعارضة و ما بعد السقوط يكمن في عجز إدراك قيادتها بأن هناك حقيقة سياسية مؤكدة تقول بأنه عندما تستولي احزاب المعارضة على السلطة، خاصة في منطقتنا الشرق أوسطية وتحديدا في العراق، وتنتقل من المعارضة إلى الحكم فتتحول 180 درجة عن مواقفها السياسة السابقة فتنتقل من معارضة إلى حكم سلطوي ضاربة عرض الحائط كل ما كان قبل السلطة. بالنسبة لزوعا، في البداية أختير زعيمها كممثل للمسيحيين في مجلس الحكم وحصلت على بعض الكراسي البرلمانية ولكن بعد تعزيز الأحزاب الشيعية مكانتها ضمن الصراع الطائفي بدأت تتوحش أكثر فأكثر في هضم حقوق المسيحيين فأبتلعت "الكوتا المسيحية" وأستولت على مناطق واسعة من سهل نينوى وقراه فطارت كراسي زوعا البرلمانية ووصل الحد إلى إنتزاع مقرها في منطقة زيونه ببغداد وأصبحت تقريباً "Homeless" ونتيجة لذلك فقدت زوعا بعض من شعبيتها المعهود بها عند نزول بعض من قيادتها من أربيل إلى بغداد، وإستمرار تعاملها مع الأحزاب الطائفية الشيعية وبالتالي خروجها من "المولد بدون حمص" كما يقول المثل، ليشكل ذلك  خطأ إستراتيجياً الذي أثر كثيرا على شعبيتها وبالتالي إنهيال التهم والإنتقادات الشخصية الجارحة عليها وعلى قادتها سواء أكانت بمبرر معقول أو بدونه.
نعود ونقول ولكن أيضا... طالما لا زالت العوامل الموضوعية في الإقليم قائمة بدرجة أو أخرى وإن لزوعا أمكانيات في توفير العوامل الذاتية والدخول في نزاع قومي مع القوى السياسية العلمانية والبحث في المسائل العالقة وفي مقدمتها التجاوزات على ممتلكات الآشوريين، خاصة وأن هناك تفهم واضح من قبل بعض قياديي البارتي على دور زوعا في العملية السياسية والعمل (مع) وليس (له). كما هناك خلفية لعلاقات خاصة ونضالية، لبعض قيادي زوعا وتحديدا سكرتيرها العام السيد يونادم كنا مع بعض قيادي البارتي، زد على هذا وجود شخصيات آشورية في قيادة البارتي لها مواقف إيجابية تجاه زوعا وتثمن دورها وإمكانيتها في العمل السياسي. فكل هذه هي عوامل مساعدة لكي يتحول مسار زوعا عند التقاطع من طريق بغداد إلى طريق أربائيلو.
النموذج الثاني: كنيسة المشرق الآشورية (كنيسة):
-------------------------------
صحيح القول بأنه يظهر حشر الكنيسة في هذا الموضوع السياسي أمر لا يتسق مع مضمونه. ولكن بغنى عن كون كنيسة المشرق الآشورية مؤسسة دينية فان هناك عوامل موضوعية من جغرافية وديموغرافية السالفة الذكر مع بعض من العوامل الذاتية مرتبطة بشكل وبآخر بهذا الموضوع الذي سيضع الكنيسة على تقاطع طريق بغداد – أربيل. منذ قرون طويل وبسبب المذابح والاضطهادات والتهجير كانت الكنيسة وعلى الدوام (On Move) تنتقل من مكان إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى وهكذا حتى أستقر كرسي بطريركها إضطراريا في الولايات المتحدة الأمريكية بعد مذبحة سميل لعام 1933 بعيدا عن موطنها الأصلي ومركز نشوءها وإنتشارها نحو الإصقاع الشرقية من الكرة الأرضية.
كان إعتلاء مثلث الرحمات قداسة مار دنحا الرابع (1935 – 2015) عام 1976 سدة البطريركية للكنيسة نقلة نوعية إستثنائية في تاريخ الكنيسة، ليس بالإنجازات الكبير التي حققها قداسته فحسب، بل الأهم من كل هذا هو قراره وبإجماع أحبار المجمع السنهادوسي للكنيسة بنقل، أو بالأحرى، إرجاع كرسي البطريركية إلى موطنه الأصلي ما بين النهرين. ثم بعد زيارة قداسته لأرض الوطن ولقاءه بالمسؤولين في منطقة الحكم الذاتي تقرر في حينها أن تكون أربائيلو مقرا لكرسي البطريركية، فكان هذا القرار حكيماً ومنطلقا من إعتبارات تفوق الإعتبارات الكنسية والتاريخية والتي تمثلت في الكثافة السكانية لمؤمني الكنيسة وفي أحزابهم ومنظماتهم القومية والمدنية في المنطقة من جهة، وجغرافياً كون المنطقة الشمالية الموطن الأصلي التاريخي للأشوريين من جهة أخرى، وكون أربيل عاصمة الإقليم، والتي كانت في يوم ما مقرا لكرسي البطريركية، وتماشيا مع الضرورة التاريخية لوجود الكرسي في العاصمة ليكون بطريركها قريباً من المسؤوليين الحكوميين من جهة ثالثة، زد على هذا توفر هامش ديموقراطي في المنطقة في مقارنته مع المركز. وهنا يجب أن لا ننسى العلاقة التاريخية بين عائلة قداسته مع العائلة البارزانية في هذا السياق وفي كون مسقط رأس قداسته قرية دربيونكه في منطقة حرير من محافظة أربيل.

جاء إنتخاب قداسة مار كوركيس الثالث صليوا الكلي الطوبى كبطريرك للكنيسة ورسامته في أربائيلو تجسيدا لقرار إرجاع الكرسي البطريركي إلى موطنه الأصلي. واليوم نجد قداسة البطريرك مار آوا الثالث روئيل الكلي الطوبى يعزز هذا التجسيد والوجود على أرض الأباء والأجداد من خلال تركه "موطنه" في الولايات المتحدة الأمريكية والعودة إلى أرض أباءه وأجداده وكذك تواصل زياراته المتعددة للقرى والقصبات الآشورية واللقاء بمؤمني الكنسية وبغيرهم من مؤمني الكنائس الشقيقة، كلها ظواهر تؤكد قدرة قداسته، كعامل ذاتي متمثل في وعيه القومي والكنسي، على التفاعل مع العوامل الموضوعية المتمثلة في الجغرافيا والديموغرافية التي أشرنا إليها في أعلاه، وبالتالي الإختيار الصائب من تقاطع الطريق نحو أربيل. ومن المؤكد بأن مثل هذا التجسيد للوجود الآشوري في موطنه الأصلي سيزداد ويتعاظم فيما إذا أختارت زوعا، كأكبر حركة سياسية للآشوريين، نفس  التقاطع نحو أربيل فيتفاعل العامل القومي مع العامل الكنسي ليكون سبيلا نحو تحقيق بعض من المصالح لأبناء شعبنا في موطنه الأصلي. وهنا الأمر لا يتقصر على زوعا فحسب بل يشمل أيضا الأحزاب الآشورية الأخرى التي أيضا لها إعتبار وتثمين لدورها من قبل قداسة البطريرك.
وأخيرا نقول، بأن هناك دلائل نلمسها بأن "الإنتكاسات" التي تعرضت لها زوعا في بغداد، سواء من تطاير كراسيها البرلمانية وتجريدها من مقرها في منطقة الزيونة وإحتواء الحشد الشعبي لوحدة حماية سهل نينوى قد تكون مؤثرة عليها لتتحول عند تقاطع الطريق نحو أربيل أكثر فأكثر ولتعمل، كعامل ذاتي ضمن العوامل الموضوعية المتاحة، (مع) القوى والأحزاب العلمانية المتسيدة في المنطقة، لأن أربائيلو هي ساحة العمل السياسي القومي الآشوري وليس بغداد، طالما هناك مسائل قومية شائكة، وفي مقدمتها التجاوزات على أراض شعبنا وسرقة رموز حضارتنا والتلاعب بـما يسمى "الكوتا المسيحية" والتهميش. مسائل مهمة ومصيرية يستوجب على زوعا الجلوس مع الأحزاب الآشورية الأخرى والوصول إلى خطاب سياسي موحد فلربما يكون ذلك سبيلا لإيجاد بعض الحلول لهذه المسائل الشائكة.


 






16
الأديب والشاعر واللغوي والمعلم أوراهم يلدا في ذمة الخلود


أبرم شبيرا

بعظيم الحزب والأسى سمعنا، كما سمع غيري من أصدقائه ومحبه وزملائه وتلاميذه خبر إنتقال الأديب واللغوي والشاعر والكاتب والمؤلف والمعلم رابي أوراهم يلدا أوراهم إلى الأخدار السماوية تاركاً وراءه أرثاً أدبيا وثقافيا ولغوياً زاخراً بجواهر مضيئة على طريق الفكر والثقافة واللغة، لا بل ترك الكثير من الذكريات التي كان منبعها النادي الثقافي الآشوري في بغداد والذي زامله غيره من شعرائنا وأدبائنا ومثقفينا طيلة أكثر من عقد من الزمن...  ذلك الزمن المفعم بالتحديات والإنجازات والتي دونتُ البعض اليسير منها في كتابي المعنون (النادي الثقفاي الآشوري – مسيرة تحديات وإنجازات – 1970 – 1980) والذي طبع عام 1993 في شيكاغو – الولايات المتحدة الأمريكية.. تلك المسيرة التي كان المرحوم رابي أوراهم وغيره من زملائه الأفذاذ فرسانها الذين قادوا الحركة الفكرية والثقافية الآشورية في أحلك وأصعب الظروف ومن دون خوف أو تردد من إستبدادية النظام السياسي في تلك الفترة... تلك المسيرة التي سلم المرحوم رابي أوراهم وغيره من زملائه الراية الآشورية إلى الجيل الذي أعقبهم وحملوها بكل إخلاص وتفاني نحو آماد أبعد... فعلا كان المرحوم فارساً من فرسان أمتنا في الأدب واللغة والثقافة، وهذا الذي ذكرته في كتابي أعلاه باعتباره من بين أكبر أدباء أمتنا الآشوية في تلك المرحلة... ففي الفصل الخامس  المعنون (أدباء النادي الثقافي الآشوري) ذكرت عنه مايلي: 
•   ولد المرحوم عام 1943 في الحبانية في العراق وتعلم أصول ومبادئ اللغة الآشورية على يد والده المرحوم الشماس يلدا اوراهم ثم أعتمد على نفسه في تطوير قابلياته اللغوية والأدبية حتى غدا من الرموز البارزة في مجالات اللغة والشعر والتراث.
•   عمل في حقل التدريس زمنا طويلا بعد إكمال دراسته الجامعية وحصوله على بكلوريوس في آداب اللغة الإنكليزية.
•   كان إنتماءه للنادي الثقافي الآشوري في بغداد منذ تأسيسه إنطلاقة جديدة لنشاطاته الأدبية، فكان من أوائل الأعضاء المؤسسين للجنة أصدقاء الأدب الآشوري في النادي، كما عمل بكل جد في جميع نشاطاتها الشعرية والثقافية وساهم في تحرير نشراتها الأدبية والفكرية.
•   شارك في معظم المهرجانات الشعرية في النادي الثقافي الآشوري وساهم في الحلقات الدراسية والمناضرات الثقافية وحرر الكثير من البحوث والمقالات وألف العديد من القصائد الشعرية نشرت معظمها في مجلة المثقف الآشوري وفي المجلات والجرائد الأخرى، كما أعد وألف بعض المسرحيات التي عرضت في النادي.
•   كان من أوائل أعضاء هيئة تحرير مجلة المثقف الآشوري، فعمل بتفاني وإخلاص في تحرير وإدارة المجلة فساهم في إنطلاق عجلة المجلة نحو خطوات متقدمة.
•   أهلته قدراته اللغوية وإلمامه الكبير بأداب اللغة الإنكليزية والعربية والآشورية، بطوريها الحديث والكلاسيكي، في خوض غمار الترجمة، فترجم العديد من القصائد اللإنكليزية والعربية والآشورية ونشرت معظمها في العديد من الصحف والمجلات الثقافية التي كانت تصدر في العراق.
•   خارج إطار النادي، عمل في إتحاد الأدباء والكتاب "الناطقين بالسريانية" منذ تأسيسه، وساهم بشكل كبير في تحرير مجلته (خويادا – الإتحاد)، فكان نائباً لرئيس الإتحاد لفترة جاوزت السنتين، كما عمل إعدادا وتقديما في بعض البرامج الأدبية والثقافية في إذاعة بغداد – "القسم السرياني".
•   واصل نشاطه الأدبي واللغوي في بلاد المهجر وأستمر في عطاءه الزاخر دون إنقطاع ساعياً تحقيق رسالة الأدب الآشوري في خدمة الوعي الثقافي والفكري الأشوري.
هكذا بقى رابي أوراهم رغم رحيله إلى العالم السرمدي ليلحق بكوكبة الراحلين الكبار من أدبائنا الذين زاملوه في فترة التحديات والإنجازات، منهم أيشو القس عوديشو – قس فيما بعد، الشماس منصور روئيل زكريا، زيا نمرود كانون، أختير بنيامين موشي، أبرم بيت بنيامين، سعدي المالح، دنخا إيشو رشو، حوريا آدم وأبرم عما.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن النادي الثقافي الآشوري كان يضم بين ظهرانيه أكثر من (1000) عضو وأنجب وأحتضن المئات من المبدعين في الأدب والتراث والفن واللغة وغيرها من الحقول الثقافية والفكرية. فمن الأمس وحتى اليوم وإلى الغد يسير رتلا من أرتال أدبائنا على نفس الطريق الذي رسمت خطوطه العريضة في النادي الثقافي الآشوري، وتسعفنا الذاكرة هنا أن نذكر منهم رابي يوسف نمرود كانون، عوديشو ملكو كيوركيس، ميخائيل مروكل ممو، كوريل شمعون زيانو، نينوس أندريوس يوسف (نيراري)، جورج أويا أرخيوام، شليمون إيشو - قس حاليا، يوآرش هيدو، شليمون بولص، شموئيل جبرائيل – قس حاليا، عمانوئيل روهان، عمانوئيل شوشو، جوليت زكريا، كوركيس خوشابا، بولص شليطا، روبين بيت شموئيل، وليم دنخا، ويوخنا دانيال، وغيرهم كثر وكلهم أدباء وأسماء لامعة في سماء الأدب الآشوري المعاصر، يحملوا تلك الراية التي حملها المرحوم رابي أوراهم وغيره من زملائه الراحلين... فليرحم ربنا يسوع المسيح جميعهم ولأهاليهم الصبر والسلوان ونقول لهم وللجميع صحيح لقد رحلوا عن هذا العالم الزائل ولكن أسمائهم ستبقى خالدة بخلود هذه الأمة.
=================================================
صورة لأصدقاء الأدب الآشوري وبينهم المرحوم أوراهم يلدا رحمه الله ورحم زملائه الظاهرين في الصورة والذين كانوا جميعاً أعمدة الثقافة والفكر الآشوري في تلك الفترة وطيب الله ذكرى الباقين في هذا العالم الزائل.
 

18
كيف نواجه معضلة التجاوزات على أراضي شعبنا؟... المُزارع عوديشو ملكو نموذجاً
==================================================
أبرم شبيرا
معضلة التجاوزات على أراضي شعبنا:
---------------------
مشلكة التجاوزات التعسفية على أراضي شعبنا في الوطن، وتحديدا في سهل نينوى والإقليم تجاوزت حدودها لتتحول إلى معضلة (Dilemma) والتي تعني مشكلة مستعصية لا حل لها أو يصعب إيجاد حل لها. والمعضلة هي خلاصة عدم تساوي علاقة  القوة والنفوذ بين طرفي المعضلة. هكذا هو حال إستيلاء جيراننا من الكورد بمختلف عشائرهم والعرب بمختلف طوائفهم كطرف قوي من جهة وضياع أراضي شعبنا كطرف ضعيف من جهة أخرى. وفي جميع الأحوال يكون الطرف القوي هو المنتفع من عدم إيجاد حل للمعضلة أو المماطلة في حلها فيما إذا طرحت حلول أو كانت هناك حلول، ويصبح الطرف الضعيف هو المتضرر وضحية هذه العلاقة غير الإنسانية. ولو حاولنا وبشكل سريع ومباشر ومختصر البحث عن أسباب ظهور هذه المعضلة وتعاظمها، نرى بان هناك العديد من الأسباب التاريخية والديموغرافية والجغرافية والسياسية  وحتى شخصية داخلية ولكن إختصاراً نلتقط منها مايلي:
أولا: فقدان الأمن والأستقرار وسيادة حالة الفلتان الأمني وضعف سيادة القانون والتغافل عن تطبيق الإجراءات القانونية والعادلة لإحقاق الحق للمظلومين والمسلوبة أراضيهم.
ثانيا: شراسة بعض زعماء وشيوخ العشائر والطوائف المتنفذين عند السلطات المختصة وجشعهم في الإستيلاء على أراضي المسيحيين بشكل عام والآشوريين بشكل خاص، منطلقين من عقلية قبلية ودينية متطرفة في حق المسلم في إستلاء أراضي غير المسلم كغنيمة مشرعنة دينياً خاصة في وقت الفلتان الأمني وغياب القانون من التطبيق الفعلي.
ثالثا: تنامي ضعف المسيحيين على الجوانب الديموغرافية والجغرافية والسياسية والفكرية وحتى الشخصية بشكل عام تجاه التحديات الخطيرة التي تواجهم في هذه المعضلة. وإذا تركنا الجانبين الديموغرافي والجغرافي كعوامل موضوعية يصعب تغيير طبيعتها أو أتجاهها  في الأمد القصير والمتوسط، خاصة وأن التهجير القسري أو الطوعي (الهجرة) يزيد من الطين بلة، فإن العوامل السياسية والفكرية والشخصية كعوامل ذاتية يمكن التعامل معها لتفعيلها ومن ثم جعلها عامل مؤثر في موازين القوى الفاعلة في هذه المعضلة لصالح شعبنا أو التخفيف من تداعياتها المهددة لوجودنا التاريخي في أرض أبنائنا وأجدادنا. وهنا نؤكد بأنه لا يمكن التعامل مع هذه العوامل الذاتية لتغيير موازين القوى في المعضلة، حتى ولو كان هذا التغيير طفيفا، إلا بإمتلاك مصادر قوة مؤثرة قادرة على التفاعل والتغيير. لقد سبق وأكدنا مراراً وتكراراً ونحن بصدد هذه المعضلة في التجاوزات على أراضي شعبنا بأن التعامل معها، هي، مع الأسف الشديد، معركة خاسرة، والحقائق التاريخية والمعاصرة تؤيد إستمرار خسارتنا لهذه المعركة وبالتالي تعاظم معضلتها. لماذا معركة خاسرة؟ لأن شعبنا بأحزابه السياسية وتنظيماته القومية وحتى الدينية يدخلون المعركة بدون أسلحة فعالة قادرة على مواجهة تداعيات هذه المعضلة. ولعل يأتي  فقدان سلاح الخطاب الموحد والعمل التضامني المشترك بين الأحزاب والممكن توفيره ليصبح كمؤشر أولي في هذه المعركة قد يغير من موازين القوى في المعظلة. هنا نتسائل: ألم يكن ممكناً لقادة أحزابنا السياسية وأعضائهم، رغم إختلافهم وخلاقاتهم، التوجه إلى منطقة نهلة التي جرت فيها تجاوزات على أراضي شعبنا في الآونة الأخيرة  والقيام هناك بمظاهرات وخطابات ونصب خيم للمبيت ورفع الأعلام وإنشاد الأناشيد كإحتجاج على هذه التجاوزات والتي من المؤكد قد تكون أكثر فعالية في إيصال صوتهم إلى المعنيين سواء في الوطن أم في بقية بلدان العالم من تسطير سطور إحتجاجية ورقية على مواقع التواصل الإجتماعي؟.   
وهنا من الضروري أن أشير إلى  ساذجة وعجز بعض المسؤولين في كنائسنا وتملق غيرهم من زعماء أحزابنا السياسية في التصريح هنا وهناك بأن الوضع العام لعموم العراق غير المستقر وفقدان الأمن وضعف السلطات المعنية هو سبب في التجاوزات بشكل عام على أراضي الغير وإستيلاء أملاكهم، أي أن المشلكة عامة وليست حصراً بالمسيحيين. فهناك عربي يستولى على ممتلكات عربي آخر كذلك هناك كوردي يغتصب أراضي كوردي آخر، أي بعبارة أخرى يقولون بأن هذه المعضلة لا تشمل المسيحيين فحسب، خاصة الآشوريين الذين أكثر صراخاً وإنفعالا في هذه المعضلة، بل تشمل الجميع من القوميات والأديان الأخرى... يا لها من سذاجة في الفكر وفقدان الوعي بهذه المسألة المصيرية لشعبنا في الوطن !!! فالعربي الذي يستولي على أرض عربي آخر أو كوردي يغتصب أرض كوردي آخر مسألة شخصية لا علاقة لها إطلاقاً بالتغيير الديموغرافي وتهديد وجودهم في العراق. في حين على العكس من هذا تماما، فإحتلال العربي لأرض مسيحي أو إغتصاب كوردي لأرض آشوري هو تغيير ديموغرافي خطير وتهديد مباشر للوجود المسيحي والقومي التاريخي في أرض الأباء والأجداد وضياع أهم مقوم من مقومات قوميتنا ووجودنا التاريخي.
على العموم، حتى أدخل في صلب الهدف المراد بيانه في هذه السطور، اُكًد ما أكدناه سابقاً بأن خسارة المسيحيين من هذه المعضلة يكمن جانب منها في عجز أحزابنا السياسية أو منظماتنا القومية والكنسية في التعامل مع هذه المعضلة بشكل فعال مؤثر وإكتفائهم بإصدار تصريحات وإستنكارات التي لا تقع إلا على آذان صماء لا أحد يعيرها إهتماماً جدياً، خاصة من قبل المسؤولين المعنيين بهذه المعضلة. فبسبب هذا الضعف يبقى التحرك الشخصي لأصحاب الأرض الخيار المتاح والذي من الممكن أن يكون فاعلاً ليس في إيقاف جشع لصوص الأرض وإنما في التمسك بأرضه عن طريق تفعيلها وترسيخها للحيلولة دون أن تكون طعماً مشجعاً للصوص الأرض. وهنا ومن هذا الجانب وجدت في السيد عوديشو ملكو نموذجاً في هذه المسألة.
عوديشو ملكو مُزارعاً:
------------
عوديشو ملكو أشيتا، لا... لا ليس هنا دكتور أو مهندس مدني أو مقاول إنشاءات أو أديب أو لغوي أو مؤلف أو شاعر أو رئيس رابطة الكتاب والأدباء الآشوريين ... لا ... لا . أنه عوديشو ملكو المُزارع !!!... ففوق كل هذه الألقاب والإمكانيات الهائلة حاز على لقب آخر وهو مُزارع بكل معنى الكللمة،  يفلح الأرض ويزرعها ويسقيها ويحصدها ثم نحو مراحلها الأخيرة تكون سواء للإستهلاك أو التسويق. لهذا سنترك كل ألقابه أعلاه ونبصمه بلقب المُزارع. شخصياً عرفنا الصديق عوديشو منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي وأثناء الفترة الجامعية وهو طالب في كلية الهندسة بجامعة بغداد ونحن مع غيرنا من أصدقائنا الخيرين تربينا وعشنا وعملنا ضمن حلقة من الوعي القومي والنشاط  النابض بحيوية الشباب في مواجهة تحديات نظام البعث والأحزاب المهيمنة والمتحالفة معه في تلك الفترة والتي أثمرت بعضها في ترسيخ وبقاء النادي الثقافي الآشوري في بغداد كمؤسسة آشورية قومية فاعلة أدت دوراً كبيرا في بث الروح القومية بين أبناء شعبنا خاصة الشباب منهم، وكانت قصائد عوديشو القومية الرائعة ملهما لنا ولغيرنا في مسيرتنا الشبابية هذه. وربما كانت قصيدته الملحمية (أكارا – أي الفلاح) والتي برع في تلحينها وغنائها الفنان القدير شليمون بيت شموئيل، ملهمة لعوديشو ليصبح في نهاية المطاف فلاحاً أو مُزارعا. هكذا شخصياً عرفنا الصديق عوديشو ملكو ولا نستغرب أبداً أن يكون نموذجاً شخصياً وعملا فردياً في مواجهة معضلة التجاوزات على أراضي شعبنا في الوطن، كما واجه في الماضي غيرها من المعضلات والتحديات.     
 كان في الثاني من شهر نيسان من هذا العام 2022، ونحن، أنا والصديق المهندس بهرام أوديشو بهرامي، في نوهدرا، لبينا دعوة المُزارع عوديشو لزيارة مزرعته في قرية بتختمه أو (بثخثمه) القريبة من المدينة وأعتقدنا للوهلة الأولى بأنها مجرد مشتل لبعض الزهور واشجار الزينة وربما لبعض الخضروات والثمار للإستهلاك الشخصي، ولكن حال وصولنا إلى هناك أصبنا بصدمة كبيرة وحالة من الذهول من جراء مشاهدتنا لمزرعة حقيقية شاسعة وبكل معنى الكلمة بما فيها من أشجار متنوعة للفواكه وأشجار الفستق ونظام ري للأرض وفلاحين يعملون هنا وهناك. وبعد ساعات من التجوال في المزرعة والتلذلذ ببعض من خيراتها من فواكه المزرعة قادنا المُزارع عوديشو إلى موقع دير مار دانيال القديم في القرية والذي له تاريخ يمتعد من القرن الرابع الميلادي ثم أبهرنا بكنز معلوماته عن مار دانيال وتاريخ الدير والأكثر إهتماماً كان شرحه المفصل عن القرية التي ولد فيها مار نرسي الملفان والتي كان تسمى في تراثنا بـ (عين دلبه أو دلبا) القريبة من قرية بثختمه وحاليا تعرف بـ (دوليبه). كل هذا الثراث المذهل والغزير زاد من متعة زيارتنا للمزرعة أكثر فأكثر.
خلف كل هذه العملية الزراعية التي أنخرط فيها المُزارع عوديشو تكمن مسألة في غاية الأهمية تتعلق بموضوع تثبيت وترسيخ وجود أمتنا على أرضها وأرض أبائها وأجدادها لتستمر نحو الأجيال القادمة. هذا هو الهدف الأساسي للمُزارع عوديشو في مواجهة تحديات تجاوزات على أرضنا منطلقاً من إيمان قوي بأن التواجد على الأرض وإستثمارها هو السبيل الأمثل لمنع أو دون حيلولة لصوص الأرض من إغتصابها والإستلاء عليها. يقول بهذا الصدد، عندما يكون الكهف أو المغارة فارغة ستسرع الذئاب المفترسة لدخولها والإيواء فيها. هكذا الحال مع أراضي شعبنا، فعندما تكون متروكة وغير مشغولة أو مسكونة حينئذ المجال سيكون فسيحاً أمام لصوص الأرض للإستلاء عليها. وهذا ما أكده أيضا قداسة مار أوا الثالث رويل بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في كل جولاته لقرى شعبنا في شمال الوطن وفي بلدان المهجر عند الألتقاء بأبناء شعبنا طالبا منهم، خاصة اللذين يملكون طابو لأرضهم بأن لا يتركونها عرضة للإغتصاب من قبل الغير بل يجب عليهم إيجاد صلة ربط بينهم وبين ارضهم سواء بإستثمارها أو زيارتها بين حين وآخر وإثبات ملكيتهم لها. ولا ننسى أيضا بأن ترسيخ الكرسي البطريركي في موطنه التاريخي وتحديداً في أربائيلو (حاليا أربيل) وتسنم قداسته المسؤولية البطريركية وترك المهجر والإستقرار في الوطن يأتي في هذا السياق لتعزيز وجود شعبنا تاريخياً وكنسيا وقوميا في أرض الأباء والأجداد. وقريباً وتحديداً في الثالث عشر من شهر أيلول من هذا العام 2022 سيتم إفتتاح بناية المقر الجديد لكرسي البطريركية في عنكاوه ليشكل بذلك صرحاً واضحاً على الوجود التاريخي لشعبنا في أرضه التاريخية.
على العموم، مهماً حاولت في بيان إنطباعي عن زيارتي لمزرعة المُزارع عوديشو فأن العشرات من الصفحات سوف لا تكفي، لذلك أرشد القارئ العزيز فيما إذا يرغب الإستزادة وبشكل مباشر، فيمكن الولوج في المقابلة التي أجرته معه الفضائية السريانية العراقية وعلى الرابط أدناه.
https://www.facebook.com/watch/?ref=search&v=772654830558326&external_log_id=8dc3b6b7-8c03-4811-81c9-
هذه بعض الصور من المزرعة وطبعاً لا تعوض عن مشاهدة المقابلة المذكورة أعلاه.
===========================================

 
المُزارع عوديشو يجني محصول العنب من مزرعته وصورة أخرى لشتلات شجرة الفستق في البيت الزجاجي أثناء زيارتنا للمزرعة والتي أصبحت أشجار مثمرة كما تظهر في المقابلة التلفزيونية.


وللبط مكان في المزرعة لهم حوض للسباحة كما لهم دور في أزالة الحشائش الضارة

https://ankawa.com/forum/index.php?action=dlattach;topic=1036390.0;attach=1289210;image
 
محصول عنب المُزارع عوديشو من الحقل إلى مائدة الطعام


==========================================

الإقتداء بالمُزارع عوديشو:
---------------
مما تقدم، فقد أتخذت من المُزارع عوديشو ليكون نموذجاً في كيفية التعامل، ولو جزئياً، مع التحدي الكبير للتجاوزات على أراضي شعبنا ليقتدي به غيره من أبناء شعبنا الذين يمتلكون أراضي في الوطن ولا يشغلونها خاصة الذين لهم طابو يثبت ملكيتهم للأرض. وإذا كانت هناك ظروف خاصة أملت على عوديشو أن يكون مُزارعاً رغم إنشغاله بأمور كثيرة أخرى، فأنه يستوجب على كل واحد أن يتحرك وفقاً لظروفه الخاصة مع وضع خطورة مسألة التجاوزات على أراضينا بعين الإعتبار فيما إذا فعلا نعتز بقوميتنا ووجودنا التاريخي في بيث نهرين.  وقد لا يتطلب أن يخصص كل وقته وحياته للإنشغال وإشغال أرضه، بل على الأقل جزء من وقته وحياته، فالأرض التي ولد فيها وعاش فيها هو وأبائه وأجداده تستحق كل الإستحاق أن يضحي الفرد، مهما كانت تضحيته، من أجل الحفاظ عليها له وللأجيال القادمة. فإستثمارها سواء بالزراعة، وحتى وأن كانت قليلة وعلى مساحة صغيرة، أو ببناء بيت بسيط ليكون رمزا أو شهادة واقعية منه على ملكيتة للأرض. هذا بالنسبة لأبناء شعبنا الذين لا يزال صامدون على أرض الوطن، أما بالنسبة لأبناء شعبنا في بلدان المهجر، فيجب عليهم أيضا أن يكون لهم دوراً مؤثراً في هذه المعضلة للتخفيف من شدتها ونتائجها المؤلمة لشعبنا خاصة وهم يملكون بعض المقومات المؤثرة في هذه المسألة. فمما لا شك فيه بأن معظم أبناء شعبنا في المهجر لهم جذور تمتد إلى أرض الوطن سواء بشكل مباشرة حيث ولدوا فيها وهاجروا منها أو بشكل غير مباشر وعن طريق أبائهم وأجداهم، والبعض منهم لا يزال له أراضي وبيوت متروكة وغير مشغولة معرضة لسرقتها من قبل لصوص الأرض. وقد يكون منح وكالة على أحد معارفه في أرض الوطن للتعامل معها والحفاظ عليها طريقة، رغم بساطتها أمام شراسة لصوص الأرض، فأنها ستثبت، على الأقل مواصلة صاحب الأرض بأرضه رغم كون المواصلة غير مباشرة وعن طريق الكفيل. وأنا متأكد بأن بعض من أبناء شعبنا في المهجر، أكانوا كثيرون أم قليلون، لهم إمكانيات مادية هائلة يستطيعون تسخير بضعة ألاف من الدولارات لدعم تواصلهم مع الأرض سواء بشكل غير مباشر، كما أسلفنا وعن طريق الوكالة، أو بشكل مباشر وعن طريق بناء مسكن بسيط على أرضه في الوطن أو تعمير وتجديد مسكنه السابق فيما إذا كان له مسبقا ليسكن فيه معارفه وأقاربه أو يكون منتجعاً صيفياً له يزوره  لقضاء إجازته في الوطن بدلا من أن يقضيها في بلدان أخرى ويصرف فيها ألاف الدولارات. أنا شخصياً الذي نصب خيمته في المهجر، لا أملك، قانونيا ورسمياً، بيت أو أرض في الوطن ولكن تاريخياً وقومياً ووعياً أملك كل أراضي بيث نهرين و بيتي هو أرض آشور، ولا أرسخ وعي القومي وإنتمائي الصميمي إلى هذه الأرض وإمتلاكها بتكثيف ثقافتي السياسية والقومية والتواصل مع أبناء شعبي والمشاركة في فعالياته فحسب، وإنما أكثر من ذلك هو زيارة أرض الوطن أكثر من مرة في السنة لأكون ملتصقاً بهذه الأرض وأشعر بمعاناة وأفراح أبناء شعبي هناك. وللحق أقول بأن أيام زيارتي لأرض الوطن تعتبر من أسعد أيام حياتي والتي أجددها بكل زيارة وأنا لست من أصحاب الأعمال والمال بل مجرد موظف بسيط وبراتب محدود. ولكن قد يبدو الخيار الذي طرحناه أعلاه في الحفاظ على أرض الآشوري المغترب مثالياً، إن لم يكن عند البعض خياليا تجاه شراسة لصوص الأرض الذين يتربصون لأرضه لأغتصابها، ولكن وللحق أقول مهما كانت طبيعة هذا الخيار فأنه على الأقل هو خيار يمكن تطبيقه، لا بل هو أحسن بكثير من الخطابات الإحتجاجية التي يصدرها البعض ضد هذه التجاوزات التي لا تغني ولا تسمن ولا تضيف حتى ثقل ريشة في موازين القوى الفاعلة في المعضلة، لأن تأثير الأعمال، حتى وأن كانت بسيطة فصوتها أعلى بكثير من صوت الأقوال... فشعبنا يغرق في أرض الوطن لذك فهو مضطر أن يتعلق بأية قشة متوفر للنجاة بأرضه... وأخير أقول، كما يقول المثل: مهما شرقُت أو غُربت فلن تجد أحسن من الوطن  ...
East or West, Hose is Best
========================================================== 

لقد سبق وقلنا بأنه أطيب تفاح في العالم هو تفاح برواري بالا لأنه مزروع في أرض آشورية
========================================================
 


واليوم نقول أيضا بأن أطيب عنب في العالم وهو عنب بخثمه لأنه مزروع في أرض آشورية

https://ankawa.com/forum/index.php?action=dlattach;topic=1036390.0;attach=1289212;image

19
نظرة مقارنة من ثقب الباب على:
----------------------

المؤتمر التأسيسي لحزب المجلس القومي الكلداني
و
المؤتمر الثاني لحزب أبناء النهرين
==========================================
القصد من "نظرة من ثقب الباب:
----------------------

أود قبل كل شيء أن أوضح بأن القصد من "نظرة من ثقب الباب" ليس بمفهوم التصنت وإستقراء النظر وحب الفضول، بل هو عرض ما يوفره لنا ثقب الباب من فسحة ضيقة للإستدلال ببعض المعلومات عن الموضوع مستندا على ما تم نشره في التواصل الإجتماعي وتحديدا ما يخص موضوعنا هذا عن المؤتمرين اللذين عقدهما حزب المجلس القومي الكلداني في عنكاوه - أربيل وحزب أبناء النهرين في نوهدرا - دهوك خلال هذا الشهر (تموز) من هذا العام 2022. فمن المؤكد بإن النظر عبر ثقب الباب الضيق سوف لا يكون الموضوع شاملاً وضامناً لكل الحقائق والوقائع التي جرت في المؤتمرين، بل سيكون قائماً على التلميحات، وتعرف بالإنكليزية بـ (Hints)، والتي توفرها لنا سطور البيانين اللذين أصدرهما الحزبان عن مؤتمرهما. والأكثر من ذلك هو العدد الكبير من الصورة التي ألتقطت ونشرت مع البيانين وفي أحيان أخرى على معرفتنا بهذا الحزب أو ذاك وعلى الخلفية الموضوعية والعلمية في فهم الأحزاب السياسية وبالتحديد عن مؤتمراتها عامة ومقارنة ذلك بمؤتمرات أحزابنا السياسية. وسنحاول هنا تناول المؤتمرين أولا من حيث الشكل وثانيا من حيث الفعل أو المضمون وثالثا من حيث إنتخاب رئيس وقيادة الحزبين وفي الختام من حيث بعض المفاهيم والمبادئ التي نؤمن بها في فهم الأحزاب السياسية
أولاً: من حيث الشكل:
------------
بالنسبة للبيان الختامي للمؤتمر التأسيسي لحزب المجلس القومي الكلداني
الذي عقد في عنكاوه – أربيل بتاريخ 02/07/2022 والذي نشر في موقع عنكاوه أنظر الرابط:
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=1035543.0
نرى بأنه يفتقر إلى أبسط مقومات المنطق وصياغة البيانات الخاصة بالأحزاب السياسية. المنطق الذي لا يمكن فهمه هو كون هذا المؤتمر تأسيسي، أي أن غرض إنعقاده هو تأسيس كيان معين ولكن المجلس القومي الكلداني كيان قائم وموجود منذ زمن. وقد يفهم من هذا بأن الغرض من هذا المؤتمر التأسيسي هو تأسيس حزب للمجلس القومي الكلداني وهو الأمر الذي يزيد الطين بلة لأن بهذا المعنى يكون هناك كيانين حزب ومجلس وهو الأمر الذي يخلق تساولات منها هل الحزب هو الهيئة القيادية للمجلس أم هو جزء منه. ثم لماذا مؤتمر تأسيسي ونحن نعرف بأن هذا الحزب مؤسس منذ زمن باعتباره "تنظيم سياسي وطني ديمقراطي يدافع عن مصالح وطموحات شعبنا الكلداني الذي هو جزء اصيل من مكونات الشعب العراق" كما جاء في موقع أعلام حزب مجلس القومي الكلداني. أمور يصعب فهمها في السياق العام لوجود الأحزاب السياسية. فكيف ينعقد مؤتمر تأسيسي لحزب وهو سبق وأن تم تأسيسه ويمارس نشاطه على أرض الواقع؟ وقد يكون الغرض كله من هذا هو أضفاء نوع من الهيبة السياسية على المجلس وإعطاء له صفة الحزب ليكون أكثر آهلية لتحقيقق متطلبات وشروط الدخول في الإنتخابات العامة في المركز والإقليم، وهي الظاهرة التي وجدناها في حزب الإتحاد الديموقراطي الكلداني وحزب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، ليس إلا لنفس الغرض الإنتخابي رغم إفتقارهم إلى أبسط مقومات قيام الأحزاب السياسية. ولعل نفس الحال مع كيان أبناء النهرين الذي تحول إلى حزب أبناء النهرين، متجاهلين بأن لأي كيان سياسي تتوفر فيه الشروط المعينة في تعريف الحزب السياسي، فهو حزب سياسي بكل المعنى الكلمة حتى وأن كان أسمه غير ذلك.
لأول مرة، ووفقاً لمعلوماتي البسيطة عن الأحزاب السياسية، أرى بأن حزباً يصدر بيانا يبدأ أول ما يبدأ بسرد أسماء الضيوف والشخصيات والكيانات التي حضرت الجلسة الإقتتاحية. حيث ذكر حضور تسعة شخصيات رسمية ممثلة عن أحزاب وحكومة الإقليم ومن بعض الأحزاب السياسية لشعبنا. لا بل والأكثير من هذا هو إلقاء كلمات للضيوف الحاضرين وبرقيات التهنئة وقصائد شعرية وإلتقاط صور جماعية بهذه المناسبة ليظهر وكأنه ليس مؤتمراً حزبياً، بل مهرجانا خطابياً، لنصل إلى نتيجة فحواها بأن هذه الشكليات  قد أخذت وقتاً أكثر بكثير من وقت مناقشة أجندة المؤتمر. إضف إلى هذه الركاكة الواضحة في صياغة البيان وعدم إتساق الأهم قبل المهم، فتاريخ إنعقاد المؤتمر يكون في المتن وليس في العنوان والحال نفسه مع ذكر أسماء الضيوف. وفي ختام البيان أرفق 12 صورة أكثرها عن إستقبال الضيوف ولا فيها صورة تعكس حيوية ونشاط المؤتمر وديناميكية أفعال المؤتمرين. 
بالنسبة لبيان المؤتمر الثاني لحزب أبناء النهرين، والذي نشر في موقع عنكاوه، أنظر الرابط:
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=1035700.0
فقبل الدخول في الجانب الشكلي للبيان، هناك ثلاثة متغيرات مهمة لهذا الكياني السياسي، أولهما، كما ذكرنا هو تحول الأسم من كيان إلى حزب وللأسباب الإنتخابية التي ذكرناها. والثاني، الأهم، هو تخليه عن التسمية المركبة التي كان يتداولها منذ نشوءه وإكتفاءه مؤخرا بالتسمية الآشورية، ونحن وغيرنا يعرف بأن أحد أسباب خروج أعضاءه من الحركة الديموقراطية الآشورية هو خلافهم على التسمية. والثالث هو أسم الحزب الذي حيرني ومنذ فترة ولم أصل إلى إستنتاج معقول لكونه لا يتطابق مع الواقع والمنطق. ففي جميع قواميس اللغة العربية تُعرف كلمة أبناء وهي جمع لأبن ومعناها الولد الذكر، أي على الأقل من حيث الشكل والنطق والقراءة لا يشمل البنات أو الإناث، في حين في هذا الكيان ذكور وإناث أيضاً، لا بل وكانت منذ البداية سيدة تقود هذا الكيان وأنتخبت في المؤتمر كنائب لرئيس الحزب. فهذه التسمية تعطي إنطباعا عن ذكوريته فقط.  وأنا متأكد بأنه لم يكن مقصد مؤسسي هذا الكيان ذلك إلا الإستعجال وردة فعل غير مدروسة لخروجه من الحركة وتأسيس الكيان.
منذ الوهلة الأولى، أي من عنوان البيان، كونه المؤتمر العام الثاني،  ثم شعاره القائل "عراق ينعم بالأمن والديموقراطية وحماية حقوق الشعب الآشوري كشعب أصلي".  حتى خاتمته هناك دلالات واضحة على إتساق الكلمات والجمل في هذا البيان، من العنوان وتاريخ إنعقاده وحضور المندوبين والمسؤولين الرسمين المشرفين والسند القانوني الذي أنعقد المؤتمر في ضوءه و تقسيم الجلسات ومناقشة الأمور المهمة التي تهم تقريباً معظم الأحزاب السياسية من إنتخاب اللجنة القيادية ورئيس الحزب. كل هذا يدل على الخبرة السياسية والتنظيمية التي يمتلكها المؤتمرون أو المنظمون للمؤتمر، لا بل يمكن القول تطابق شكليات المؤتمر بشكل عام مع الشكليات التي تعتمدها الأحزاب السياسية في إنعقاد مؤتمراتها، وأكثر وضوحاً نجد بين سطور البيان ملامح زوعاوية وإجراءات تدل على الخبرة في هذا المجال. الأمر الشكلي المثير للإنتباه هو إلحاق ما يقارب 37 صورة عن مجريات المؤتمر وهو الأمر الذي نشاهده دائماً في نشاطات أحزابنا أو منظماتنا أو أي نشاط آخر من كثرة الصور عن الحدث لدرجة تكون طاغية على سطور موضوع الحدث. ولكن مع هذا قد تكون بعض من هذه الصور إنعكاساً لمضمون الحدث أو النشاط وهذا ما سنلاحظه في المؤتمر الثاني لأبناء النهرين.
ثانياً: من حيث الضمون:
--------------
بالنسبة للبيان الختامي للمؤتمر التأسيسي لحزب المجلس القومي الكلداني
، لقد بدا واضحاً في البيان بأنه كان للشكليات أولية على الموضوع وطغت عليه، فلا يفصح البيان غير أعلانه عن عرضه  لجدول اعمال المؤتمر لأعادة صياغة البرنامج المتضمن ( التقرير السياسي – النظام الداخلي – التنظيم – العلاقات – الاعلام – المالية ) وتقارير المقترحات الواردة لتعديلها بما ينسجم مع الواقع السياسي الحالي. ومن الملاحظ بأن البيان يذكر بأن المؤتمر قد أتخذ مجموعة من القرارات والتوصيات والتي وصلت إلى 22 قرار وتوصية، معتقدا بأن الأكثار منها سوف "تقوي العمل القومي الكلداني بما يحقق الطموحات المشروعة للكلدان" ، كما جاء في البيان. فمن تجارب البيانات والتصريحات والقرارات والتوصيات التي تتطاير بين حين وآخر من مؤتمرات وإجتماعات أحزابنا السياسية نجد مثل هذه الحالة في تعظيم الكلمات والتصريحات معتقدين بأنها المعاير التي تعظم من شأنها ولكن بالنتيجة تبقى حبيسة الأوراق غير قادرة للخروج إلى الواقع العملي التطبيقي لكونها بعيدة المنال والتطبيق وذلك بسبب شحة الأمكانيات المادية والسياسية. وما أثار أنتباهي لهذه القرارات هو القرار رقم (3) الداعي إلى  ""التأكيد على تقوية العلاقات مع كنيستنا الكلدانية وتنمية روح الأنتماء الكلداني وتعزيز الدور السياسي الكلداني في الحياة الأجتماعية"، وهي مسألة لا يزال الكثير من أحزابنا السياسية لا يدركون العلاقة بينهم كأحزاب سياسية علمانية لا طائفية مع الكنيسة. فتقوية العلاقة مع الكنيسة هي علاقة شخصية إيمانية ولا يجب أن تكون حزبية إلا إذا كان حزباً طائفياً. ولكن من المعلوم والمصرح به أن حزب المجلس القومي الكلداني هو حزب قومي أو كما يقول هو  "تنظيم سياسي وطني ديمقراطي يدافع عن مصالح وطموحات الشعب الكلداني" أما تقوية علاقة أعضاء الحزب بالكنيسة الكلدانية فهذا شأنهم الخاص وليس شأن حزبهم.
وفي الختام يذكر البيان الذي أصدره الإعلام المركزي للحزب بأنه "وسط اجواء من البهجة والحماس  أنهى المؤتمر أعماله معبرا على تحقيق شعاره (وحدتنا، قوتنا)"... ولا أدري كيف تم تحقيق شعار المؤتمر وهو لا يزال منعقداً وفي خاتمته ولم ينزل للعمل على أرض الواقع السياسي لكي يحقق الشعار. وهذا نموذج بسيط في ركاكة وعدم إتساق البيان لا في شكله ولا في مضامينه.

بالنسبة لمضمون بيان حزب أبناء النهرين، فقد جاء فيه ما نصه: "تضمنت جلسات اليوم الأول للمؤتمر قراءة التقرير السياسي الذي تضمن رؤية وتقييم الحزب للأحداث والتطورات التي برزت خلال الفترة الماضية على صعيد الشؤون الدولية والإقليمية والوطنية والقومية والداخلية للحزب، ومن ثم تمت مناقشة مضامين التقرير والإستنتاجات والرؤى وفق المعطيات والمستجدات الراهنة. وتلا ذلك قراءة البرنامج السياسي للحزب والذي تضمنت مواده ما يؤمن به الحزب ويناضل من أجله ويعمل عليه ويطالب بتحقيقه في الشؤون الوطنية والقومية والاقتصادية والثقافية والعلمية والاجتماعية وواقع شعبنا في المهجر، حيث جرت مناقشات معمقة شهدت تقديم مقترحات عديدة وبمشاركة واسعة من قبل الحضور وصولا إلى أن يحيط هذا البرنامج بكل ما يهم واقع ومطالب وحقوق شعبنا الآشوري في الوطن وفي بلدان الاغتراب، والشعب العراقي عموما، وليشهد اليوم الأول للمؤتمر اختتام جلساته"
وفي اليوم الثاني تم "قراءة ومناقشة النظام الداخلي للحزب وبحثه وفق المستجدات والتطورات حيث شهدت هذه المناقشة العديد من المداخلات والمقترحات والأراء عبر مشاركة واسعة ... أسفرت إجراء عدد من التعديلات على النظام..." كما جاء في مضمون البيان. ثم في الختام جرى عملية إنتخاب لجنة القيادة الجديدة للحزب وفيما بعد رئيس الحزب وأعضاء المكتب السياسي.
لا أستطيع أن أضيف أكثر مما ذكره البيان غير أن أستنبط من الصور الكثيرة التي أرفق بالبيان حقيقة ما ذكر في مضمون البيان، حيث يمكن ملاحظة ذلك في الحركة الفعلية والديناميكية للمؤتمرين ووضوح مشاركتهم في المناقشات والتصويت على المقترحات مؤكدة كلها بأنها فعلا صور معبرة عن مضمون بيان المؤتمر.
ثالياً: من حيث إنتخاب رئيس الحزب وأعضاء القيادة:
------------------------------
أولا: بالنسبة لحزب المجلس القومي الكلداني، يذكر بيانه بأنه " أنتخب المؤتمر رئيسا للحزب ولجنة مركزية" من دون ذكر كيفية أو أسلوب أنتخاب الرئيس واللجنة المركزية ولكن يمكن أن نستشف بأن المؤتمر، أي المؤتمرون هم الذين أنتخبوا الرئيس واللجنة المركزية ما لم يكن عكس ذلك ولم يذكره البيان، وهذا أمر صحيح وطريقة تتسق مع المعايير العامة في إنتخاب الرئيس وأعضاء اللجنة المركزية، وهو الأسلوب الذي يعطي للرئيس قوة وصلاحيات واسعة قائمة على تأييد أعضاء المؤتمر لرئاسته. وقد يكون إعادة إنتخاب نفس الرئيس السابق حالة تعكس قوة وتأثير الرئيس على المؤتمرين. ولكن ما ينقص البيان هو عدم ذكر الهيئة القيادة الدائمة الإنعقاد، أي المكتب السياسي.
بالنسبة لحزب أبناء النهرين، فطريقة أنتخابه لرئيس الحزب واللجنة القيادة أختلفت بعض الشيء. ففي بيانه يذكر "بأنه جرت عملية إنتخاب القيادة الجديدة للحزب بأشراف اللجنة المشرفة على المؤتمر... حيث أسفرت نتيجة العملية الإنتخابية عن فوز أحد عشر عضواً أصليا للجنة القيادة مع عضوين أحتياط". ثم عقدت لجنة القيادة الجديدة إجتماعاً فأنتخبت رئيساً لها ونائباً للرئيس مع ثلاثة أعضاء للمكتب السياسي إلى جانب الرئيس ونائبه ليكتمل خمسة أعضاء المكتب السياسي وحسب الأصول المتبعة، خاصة في أحزاب بلدان العالم الثالث. وبهذا نرى بأن أسلوب أنتخاب الرئيس في حزب أبناء النهرين يختلف عن أسلوب إنتخاب الرئيس في حزب المجلس، أي أن أنتخاب الرئيس لحزب أبناء النهرين من قبل أحد عشر عضوا من اللجنة القيادية ستكون قوته وصلاحته بالنتيجة والممارسة أقبل بكثير من الرئيس المنتخب من قبل مندوبي المؤتمر العام، كما كان الحال في حزب المجلس. وقد يكون إنتخاب رئيس جديد للحزب حالة من التناوب لرئاسة القيادة. بعبارة أخرى، نستطيع القول بأن ممارسة رئيس الحزب المنتخب من قبل اللجنة المركزية أو القيادية ستكون أكثر جماعية من الرئيس المنتخب من قبل مندوبي المؤتمر العام الذي تطغي على ممارساته نوع من الفردية والتسلط ذلك لأن قوته مستمدة من الذين أنتخبوه في المؤتمر العام.
وأخيرا ، ولغرض المقارنة بين الحزبين المذكورين، كان حتى يوم إرسال هذا الموضوع إلى موقع عنكاوه قد قرأ بيان حزب المجلس القومي الكلداني 583 زائر و كان لحزب أبناء النهريين 1081 زائر على موقع عنكاوة دوت كوم... أفهل يعني هذا إهتمام القراء بالحزب الآشوري أكثر من إهتمامهم بالحزب الكلداني؟.
رابعاً: نظرة مبدئية وفكرية حول الموضوع:
------------------------
حتى يكون عرض هذا الموضوع وفق المبادئ الفكرية التي نؤمن بمدى أهمية الأحزاب السياسية لكل قومية ومنها قوميتنا الآشورية أو الكلدانية أو السريانية، نؤكد ما أكدناه سابقاً بأنه (1) - لا يمكن لأي أمة أن تحقق مطامحها المشروعة من دون أن يكون لها أحزاب سياسية، فلا الجمعيات ولا النقابات ولا الكنائس ولا المجالس أن تحقق مطامح الأمة من غير أن يكون لها أداة سياسية فاعلة تتمثل في الأحزاب السياسية. فللأحزاب السياسية أهمية قصوى في حياة كل أمة، وهو موضوع طويل نتركه لفرصة أخرى. (2) – لا يوجد في أي مجتمع أو قومية في العالم، ومنها قوميتنا، من دون تناقضات وإختلافات بين أفرادها والتي تشكل بالمنظور الجدلي أساس التطور التاريخي لكل مجتمع. ففي معظم المجتمعات  تنعكس هذه التناقضات والإختلافات في تجمعات تشكل الأحزب السياسية أرقى أشكالها القادرة على التعبير عن هذه التناقضات والإختلافات والعمل وفقها لحلها أو تسويتها بهدف تحقيق الصالح العام. من هذا المنطلق كنُا قد أكدنا سابقاً ونؤكده مرارا وتكرارا بأنه لا يمكن لحزب واحد أن يتعامل مع هذه التناقضات والإختلافات وأن يحقق مطامح الأمة لوحده، بل يتطلب عدد معين من الأحزاب النشطة والفاعلة يتناسب عددها وحجمها مع حجم الأمة ومع أمكانياتها المادية والمعنوية.
 فنحن أمة بكل تسمياتها الآشورية والكلدانية والسريانية، أمة صغيرة الحجم في مقارنتها مع جيرانها ومقلة في إمكانياتها المادية والمعنوية في مقارنتها مع التحديات الخطيرة التي تواجهها، لهذا يتطلب أن يكون لأمتنا عدد معين من الأحزاب يتناسب حجمها مع عدد نفوس الأمة ومع إمكانياتها المادية والمعنوية الشحيحة. ولما كانت أمتنا أمة صغيرة وبإمكانيات مادية ومعنوية قليلة فأنه من دون شك تكون التناقضات والإختلافات فيها بسيطة وغير معقدة فلسفيا. وإذا أستثنينا المصالح الشخصية المتصارعة بين قادة الأحزاب السياسية، نرى بأن التناقض أو الإختلاف الأساسي بين أحزابنا السياسية لا يكمن في الفكر والإيديولوجيا ولا في أهداف الصالح العام لجميع أبناء شعبنا بمختلف تسمياته التاريخية، بل الإختلاف الأساسي يكمن في التسميات التي يتبناها شعبنا وأحزابنا السياسية وبمدلولاتها الإنتمائية والتي قد تكون طائفية في بعض الأحيان. لهذا نرى بأن ما ذكرناه بالنسبة للحزبين أعلاه هو أن حزب المجلس القومي الكلداني  يمثل أو يحاول تمثيل الكلدان في حين حزب أبناء النهرين يمثل أو يحاول تمثيل الآشوريين وهذا ما نستمده من تسميتهم وما تضمنته هذه التسمية. من هذا المنطلق نقول وبملئ الفم بأن الغرض من عرض هذا الموضوع وما تضمنه من إنتقادات ليس الغرض منه أهانة أو تصغير من هذا الحزب أو ذاك، وإنما هو رغبة او حلماً أو أمنية في أن نرى أحزابنا السياسية، سواء أكانت كلدانية أو سريانية أو آشورية  كاملة ومكملة ونشطة تستطيع التعبير عن أبناء التسمية التي يتبنونها...لماذا؟؟؟ لأن في التحليل الأخير نحن أمة واحدة وأهدافها واحدة، شئنا أم أبينا ولا يمكن التفكير في تحقيق الصالح العام لهذه الأمة إلا بوجود أحزاب نشطة وفاعلة من كل جهة تدخل في تنافس منطقي ومقبول عبر خطاب سياسي موحد كسبيل لتحقيق هذا الصالح العام، وإلا ستبقى أحزابنا السياسية منبطحة على الأوراق ومستعرضة على شاشات التواصل الإجتماعي. هنا مرة أخرى ندور في نفس فلك "الخطاب القومي السياسي الموحد". فكيف الخروج من دورانه والتوجه عبر طريق واضح نحو تحقيق الصالح العام؟؟؟ موضوع قد تتاح لنا الفرص لتناوله في المستقبل القريب.       



20
ماهو رأيك بمحاولات الوحدة بين الكنيستين المشرق الآشورية والشرقية القديمة؟
I DON’T CARE!!
=================================================
أبرم شبيرا
أثناء الأيام الأولى وقبل بدء المباحثات بين الكنيستين سألني أحد كبار رجال الدين من أحدى الكنيستين عن رأيي بهذه المبادرة في الوحدة، فقلت لنيافته:
 - أي لا يهمنيI DON’T CARE!!
فأستغرب إستغراباً شديد من أن يأتي جوابي على مثل هذا الحدث الكبير وأنا معروف عنده بإهتمامي الكبير بشؤون أمتنا .. متسائلا لماذا وما هو سبب عدم إهتمامكم؟. ولكن قبل أن أفتح الموضوع معه وبشكل صريح وواضح وبدون تملق أو تمشدق عن عدم إهتمامي بمسألة الوحدة بين الكنيستين وتوضيح ما أقصده بـ (لا يهمني)، أود تذكير القارئ اللبيب بأنه منذ فترة ليست بقصيرة كتبت أكثر من موضوع عن مسألة الوحدة بين الكنيستين وفيهم نوع من التفائل مشاركا بذلك تفائل الكثير من أبناء شعبنا بهذه الخطوة المباركة، بحيث  كثر الحديث والكتابات عن توفر فرصة، وصفها البعض بالذهبية، في إمكانية توحيد الكنيستين في كنيسة واحدة كما كانت في سابق عهدها. ومن الطبيعي أن تكون معظم هذه الأحاديث والكتابات متحمسة لمثل هذه الوحدة وتلبي رغبة غالبية مؤمني الكنيستين. كان أحد هذه المواضيع تحت عنوان (وحدة الكنيستين المشرق الآشورية والشرقية القديمة... هل لها تأثير على المستوى القومي؟) ونشر في حينها في موقع عنكاوه وله صلة وثيقة في بيان عن مدى إهتمامنا بوحدة الكنيستين والذي قادنا إلى القول "لا يهمني"... لماذا لا تهمنا هذه الوحدة؟ لأنه نحن كعلمانيين مؤمنين بجميع فروع كنيسة المشرق وملتزمين بمبادئنا القومية الأساسية والمتعلقة بموضوع عدم إهتمامنا بنتائج الوحدة بين الكنيستين، هو بيان عن مدى تأثير أو تداعيات هذه الوحدة على المستوى القومي، خاصة في مقارنة وحدة كنيسة المشرق الآشورية مع الكنيستين الكلدانية الكاثوليكية والسريانية الأرثوذكسية؟ والذي كان فحوى الموضوع الذي ذكرته في أعلاه. لذلك أرى من الضرورة والإفادة أعادة بعض ما كتبته لكونه مرتبط بنتائج غير الموفقة من الإجتماع بين الكنيستين وفيما إذا كان لها تأثير على المستوى القومي متخذين من المقارنة مع الكنيستين الكلدانية الكاثوليكية والسريانية الأرثذوكسية  سبيلا لذلك.
ووفق هذه المقارنة، نقول بان هناك خلافات عقائدية لاهوتية بين الكنائس الثلاث الكلدانية والسريانية والآشورية وتعثر الوصول إلى حل لها أو التخفيف منها هي مرتبطة بأسباب خارجة عن إرادة هذه الكنائس، لهذه نرى لهذه الخلافات العقائدية تداعيات خطيرة على المستوى القومي بحيث خلقت أو أصبحت هذه الكنائس مصادر، سواء أكانت طائفية أو قومية لإنتماءات بعض من أبناء شعبنا وتحديد هويتهم بها وإنعكاس ذلك في معظلة التسميات القومية الثلاث التي يعاني شعبنا منها. ولكن مع هذا فأنه لا يعني أبدا عدم الجلوس مع البعض والوصول إلى بعض التفاهمات من أجل تثبيت الوجود المسيحي في وطنهم. أما بالنسبة للخلافات بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة فلا أساس عقائدي أو إيماني أو لاهوتي لها إطلاقاً، بل كل ما في الأمر أن أساسها داخلي إداري مرتبط بالتقويم المعتمد من قبل الكنيسة وبهيكلية الكنيستين وبأهم أقسامها، كرسي البطريركية والدرجات الكهنوتية وبعضها مرتبط بشكل أو بآخر بالنزعة العشائرية التي توارثها بعض الشخصيات البارزة في هذه العشيرة أو تلك وفي جوانبها نزعة نحو السلطة والقيادة، كما ويجب أن لا ننسى فايروس الكرسي الذي أصاب به بعض زعماء الأمة والكنيسة والذين لا يرغبون إطلاقا البحث عن العلاج أو التطعيم ضد هذا الفايروس الخطير. كما نلاحظ عند البعض من أكليري الكنيستين نظرات غير متحضرة وبعضها إستعلائية تجاه بعضهم البعض،  فإنسحب كل ذلك على المستوى الكنسي فقسمت إنتماء شعبنا إلى كنيستين ولكن لم يكن لها تداعيات على المستوى القومي وعلى مصدر الإنتماء للأمة الآشورية، فالكل، سواء أكانوا من مؤمني كنيسة المشرق الآشورية أو الشرقية القديمة إنتماؤهم آشوري. ومن الملاحظ بأنه خلال السنوات الماضية خاصة بعد تأسيس أحزاب سياسية قومية وتطور المستوى التعليمي والثقافي لمؤمني الكنيستين، خاصة على مستوى الأساقفة والمطارنة والبطاركة، ومعاناتهم المشتركة تجاه التحديات والويلات التي عصفت بالكنيستين ومؤمنيهما بدأت مثل هذه النزعات العشائرية والإختلافات بالتآكل شيئاً فشيئا أمام تقدم العصر بحيث لم يعد هناك أي عائق كنسي أمام أي آشوري سواء أكان من هذه الكنيسة أم تلك الإنضمام إلى هذا الحزب أو المؤسسة أو النادي أو إلى أي تجمع آشوري آخر من دون أي أعتبار لأنتماءه الكنسي، وأصبح من الصعب جداً معرفة أو تمييز إنتماء الفرد الآشوري إلى أي من الكنيستين. من هذا المنطلق وبإعتقادي الشخصي، بأنه رغم عدم توحد الكنيستين، فإن العصر والتقادم الزمني كفيل بإزالة أي عائق أما توحيد الكنيستين. فمثل هذا الإنقسام القائم على أسس غير لاهوتية ولا مسيحانية سوف لا يصمد أما العصر الإنترنيتي وإنفتاح الفكر في الألفية الثالثة حيث يكون الإنتماء الآشوري قومياً وتاريخيا إلى هذه الأمة العريقة قائماً ومحددا رغم تعدد الكنائس والطوائف فيه. فما الضرر فيما إذا كان لهذه الأمة أكثر من كنيسة ولنا عيدين وليس عيد واحد طالما تاريخ ميلاد ربنا يسوع المسيح مرتبط بتقويم إغريقي تقديري قبل ولادته ولم تكن له علاقة بالمسيحية، وطالما مؤمني الكنيستين ينتمون إلى أمة واحدة من دون إعتبار لتعدد الكنائس. ودينياً نقول أيضاً طالما كل مؤمني كنائسنا يؤمنون بالرب الواحد يسوع المسيح ولهم على الجانب الكنسي نفس تقاليد الطقس النابع من كنيسة المشرق التاريخية بكل مقوماتها الكينونية المشتركة مع أمتنا. إذن لماذا نهتم فيما إذا توحدت الكنيستين أم لا؟ طالما الأساس واحد، خاص مايهمنا هنا هو الإنتماء الآشوري. فلا أحد من مؤمني كنائسنا وأكليريتها، خاصة الكنيستين موضوع البحث، المشرق الآشورية والشرقية القديمة، ينكرون آشوريتهم وإنتمائهم الصميمي لحضارة هذه الأمة، وهو الأمر الذي يعنينا بالتحديد في هذا الموضوع. من هذا المنطق يجب أن لا يكون لعدم توحد الكنيستين أثار سلبية اكثر على تفتيت وتقسيم أبناء مجتمعنا وهم حالياً ليسوا بحالة يحسد عليها من حيث تضامنهم ضمن مفهوم الأمة الواحدة، وبالتالي يجب أن لا يكون لهذه المحاولة سبباً لقنوط وإحباط لبعض أبناء امتنا ويزيدون من ملامتهم على رجال الكنيسة في عدم توحدهم فلا أشاطرهم في هذه الملامة، بل سأشاطرهم وأساندهم عندما ينكر رجال الكنيستين آشوريتهم، وهذا أمر مستبعد كما هو ظاهر في واقع الحال.   
بهذه المناسبة أتذكر موضوعاً قرأته في مجلة قومية كانت تصدر عام 1913 من قبل مجموعة من القوميين المتنورين في الولايات المتحدة الأمريكية وطرحت موضوعاً عن الكنيسة والوحدة القومية للنقاش والذي أعتبرته في تلك الفترة من المواضيع الملتهبة في الأمة الآشورية، ومن سخرية الأقدار أن يكون نفس الموضوع من المواضيع الملتهبة في هذا الزمن وبعد عقود طويلة  ولا يزال يفعل فعله الفعال في شعبنا.
تقول المجلة (الكاتب مجهول) ومن المرجح أن يكون المفكر القومي ديفيد بيرلي:
"من الممكن تشبيه ملكوت السماوات بقصر كبير، ولا يوجد سوى طريق واحد يمكن الوصول إليه - من خلال الابن، مسيحنا - ولكن للقصر العديد من الأبواب والمداخل – ويقصد الكنائس -  التي يمكن للمرء أن يدخله من خلالها. هل سيرفض الله الآب، أو المسيح ابنه، قبول أي من أبنائه الذين قد يسعون للدخول سواء من الأبواب الجانبية أو الخلفية؟ وعلى هذا الأساس؟ عفوًا! لا أستطيع أن أصدق ذلك! حتى لا أستطع أن أتصور أحد الوالدين الأرضيين يفعل أي شيء من هذا القبيل.... ... يا أب الجميع – ويقصد الرب يسوع -  من البر والبحر لك تغني الأمة، يا رب، نحن عدد لا يحصى، ولكن فيك نكون واحدا".
 منقول من مجلة:
THE NEW BETH-NAHREEN, Bi-Monthly Magazine. Founded in 1913. Published by The Assyrian New Beth-Nahreen Association Inc. March – April 1947, P.21. 
 --------------------
  من هذا المنطق نقول إذا كانت الكنيستين قد توحدت فهذا خير على خير وتشكل سابقة تاريخية قد تفيد للمستقبل لتجارب أخرى، وإذا لم تتوحد فالآشوري يبقى وسيبقى آشوري رغم الإخفاق في توحيد الكنيستين. ومن هذا المنطلق أيضا يأتي عدم إهتمامنا بهذه الوحدة طالما بقى مصدر الإنتماء القومي لأبناء أمتنا نفسه بدون تغيير سواء توحدا أم لا، فالأمر، أي وحدة الكنيستين، لا يقارن بالوحدة القومية لأمتنا التي ننشدها. وأمل أن لا يفهم من كلمة (لا يهمني) جانبها السلبي، بل هي جاءت من حيث عدم تأثيرها على الإنتماء القومي الآشوري لأبناء شعبنا. وأخيرا مهما كانت نتائج الإجتماع بين الكنيستين فعلينا، على الأقل شخصياً، أن نشكر إكليري الكنيستين على المحاولة مؤكدين بان المنطق والواقع يقول بأنه ليس بالضرورة أن يكتب النجاح لكل محاولة... المهم أن تحاول وأن لا تستكين للسكون والجمود طالما هناك موضوع يتسوجب المحاولة لحل مشكلته.
الفشل الفعلي هو أن تكف عن المحاولة مجددا
ألبرت هوبارد



21
الصفة الآشورية لكنيسة المشرق... لماذا؟
=========================
أبرم شبيرا
كلمة لا بد منها:
----------
قد يظهر بأنه مرة أخرى أحشر نفسي في شؤون دينية وأنا علماني إهتمامي الأول هو شؤون قومية سياسية ولكن للحقيقة أقول سبب ذلك هو أنه نعيش هذه الأيام بأمال كبيرة مفعمة بالتفائل بأن مباحثات الوحدة بين الكنيستين المشرق الآشورية والشرقية القديمة قد تبدو منذ بدايتها بأنها تدنو نحو نتائج مبهجة لأبناء شعبنا مما يجعلنا أن نعيش هذه الأيام وعقولنا وقلوبنا مشحونة بإهمام كبير بهذا الحدث التاريخي، هذا من جهة. من جهة أخرى هو الترابط العضوي بين كنائسنا وأمتنا، أي بين الجانبين الروحي/الديني والمادي/ القومي في مجتمعنا، الذي سبق وفصلنا فيه كثيرا، والذي يجعل أمر مصير كلا الجانبين مرتبط مع بعضهما إرتباطاً قوياً، أي بما معناه كل حسنة أو مضرة لأمتنا فبالنتيجة الحتمية هي حسنة ومضرة للكنيسة والعكس صحيح أيضا. هذا الترابط العضوي بين الجانبين سيبقى قائماً وفاعلاً طالما الكنيسة كانت وبقيت المؤسسة الرئيسية الفاعلة في مجتمعنا وستبقى كذلك لأمد غير محدود طالما نحن غير قادرين على خلق مؤسسة رئيسية علمانية فاعلة وبديلة تتمثل في كيان قومي سياسي قادر على القيام بدوره الرئيسي كمؤسسة رئيسية تمثل الأكثرية من أبناء شعبنا، وقمة هذا الكيان يتمثل في دولة أو منطقة حكم ذاتي أو إدارة محلية مستقلة، أؤكد هنا على كلمة مستقلة. هذه الأسباب هي التي تجعلنا أن نحشر نفسنا في شؤون دينية لأنه بالنتيجة الحتمية، شئنا أم أبينا، وفي التحليل الأخير هي شؤون قومية في عصرنا الحالي، كما أسلفنا أعلاه.
خلفية تاريخ للكنيسة:
------------
الكنيسة التي نحن بصددها هي كنيسة المشرق بكل تفرعاتها وتسمياتها المتعددة، ولكن بسبب الأجواء الحالية المبنية على التفائل القائمة على النتائج المرجوة من الإجتماع بين الكنيستين أعلاه، سنحصر حديثنا بشكل عام على الكنيستين المعروفتين حاليا  بـ المشرق الآشورية" و "الشرقية القديمة" لكونهما الوريث الأصلي والمستمر للكنيسة التي نشأت في بلاد النهرين، أو بالأحرى في بلاد آشور، منذ العقود الأولى للمسيحية. فلا أحد يستطيع أن ينكر بأن هذه الكنيسة تعتبر من أقدم الكنائس في العالم وأنها الكنيسة التي أستمرت عبر قرون طويلة وإجتازت صعاب شديدة وتحديات مميتة وأنها كانت من أفقر الكنائس في العالم، ليس من الناحية الإقتصادية والمالية فحسب بل أيضا من الناحية السياسية وتمثل هذا الفقر السياسي في عدم كونها كنيسة رسمية لدولة معينة ولا أسسوا مؤمنيها دولة خاصة بهم ولم يكن هناك ملكاً ذو شأن من أتباعهم لدولة محددة ومستقرة، لا بل ولم تكن في الماضي ملحقة أو في شركة مع كنائس أخرى ولا في الحاضر هي من ضمن العوائل الكنسية الأربعة الأعضاء في مجلس كنائس الشرق الأوسط. والأكثر من هذا وذاك هو كون مؤمنيها منذ القدم وحتى اليوم أقلية بين أكثريات مختلفة عنهم من نواحي عديدة دينية وفكرية وثقافية ولغوية وتراثية وحتى نفسية خضعوا لأنظمة سياسية ودول وأمبراطوريات متعدد ومختلفة. هذه الظروف والعوامل هي التي  جعلت منها أن لا تستقر وأن لا يستقر كرسي بطريركها في مكان واحد. لهذا نرى بأنه منذ تأسيسه في ساليق قطيسفون (المدائن حاليا) في السنوات الأولى قد أنتقل إلى بغداد في عهد البطريرك طيمثاوس الأول (780-823) ثم بسبب الغزو المغولي أنتقل الكرسي إلى المناطق الشمالية، إلى مراغا في إيران في عهد البطريرك يابالاها الثالث المغولي الأصل عام 1295 (أنظر هنا تأثير العهد المغولي على الكرسي البطريركي)، ثم إلى أربيل فكرمليس فموصل فالجزيرة فدير الربان هرمز القريب من ألقوش ثم إلى مناطق أكثر جبلية وعصية عندما أستقر في قرية قوجانس في منطقة حيكاري. وبعد الحرب الكونية الأولى وما ترتب على الكنيسة وأتباعها من مأساة وتهجير أضطرت الكنيسة وأتباعها وبطريركها الإرتحال إلى المناطقة التي أصبحت من ضمن الدولة العراقية التي تأسست عام 1920-1921. وعقب أحداث مذبحة سميل عام 1933 نفيً البطريرك المثلث الرحمات مار شمعون إيشاي خارج العراق فأستقر أول الأمر في قبرص ثم لندن وأخيرا في الولايات المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو وفيما بعد أنتقل إلى مدينة سان خوزيه حتى إغتياله عام 1975. وبعد إختيار المثلث الرحمات مار دنخا الرابع كبطريرك أنتقل الكرسي إلى مدينة شيكاغو وفي عهد قداسته أتخذ المجمع المقدس للكنيسة قرار بإرجاع الكرسي البطريركي إلى بلاد ما بين النهرين كسابق عهده التاريخي. وبعد إنتقاله إلى الأخدار السماوية أختير المطرابوليت مار كوركيس صليو ورسم عام 2015 كبطريرك للكنيسة في عنكاوه - أربيل حيث أستقر الكرسي البطريرك هناك حتى تنحيه عنه عام 2021 لأسباب صحية. ومنذ أيلول من عام 2021 وحتى اليوم يجلس حاليا وببركة الرب قداسة مار أوا الثالث روئيل على الكرسي البطريركي في عنكاوة – أربيل، وقداسته هو البطريرك الثاني والعشرون بعد المئة في سلسلة بطاركة كنيسة المشرق. فلو بحثنا في تواريخ الكنائس المسيحية قاطبة سوف لا نجد مثل هذا الإنتقال لمقر كرسي البطريرك إطلاقاً وهذا يجعلها كنيسة فريدة من نوعها وإستثنائية من بين الكنائس المسيحية في العالم.
العوامل المؤثرة في تسمية الكنيسة:
--------------------
أسردت بأختصار الخلفية التاريخ للكنيسة لاؤكد بأن كل الظروف والعوامل التاريخية من موضوعية وفكرية وثقافية وسياسية وإقتصادية وعدم إستقرار الكرسي البطريركي في مكان واحد أثرت بكشل كبير على الكنيسة من حيث بعض النتائج التي أفرزتها هذه المؤثرات وأهمها أذكر من الماضي تبني الكنيسة لنظام الوراثة "ناطر كرسي" في إختيار البطريرك ومن ثم نشؤ الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. ومن التاريخ المعاصر تبني الكنيسة للتقويم الغريغوري بدلا من التقويم اليوليالي وغيرهما من المسائل الإدارية والتنظيمية بما فيها من إنقساقات وتبرعم كنائس أخرى منها، ولكن مع كل هذه العوامل القاسية والظروف المميتة بقى إيمان الكنيسة، سواء في المعتقد أم في تعاليم الأباء الأوائل للكنيسة وفي تراثها الأولي، بقى قويماً في جوهره إلا في جوانب معينة وبسيطة تطلبتها عصرنة البعض منها خاصة فيما يتعلق بالتقاليد التي توارثتها الكنيسة ولكن من دون أي تأثير في جوهر الإيمان. ومن تأثيرات هذه العوامل على الجانب الشكل، والذي نحن بصدده هو تسمية الكنيسة.
تسمية الكنيسة عبر تاريخ مائة قرن وحتى اليوم:
----------------------------
من المعروف تاريخياً بأن الكنيسة التي نحن بصددها تأثر أسمها طبقاً لتأثيرات العوامل والظروف التي سبق الأشارة إليها، فمن كنيسة المشرق إلى الكنيسة الفارسية إلى الكنيسة النسطورية، أو الكلدانية في فترات معينة، إلى الكنيسة الشرقية النسطورية أو السريانية الشرقية وحتى يومنا هذا إلى كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة واللتان نحن بصددهما. فمن الملاحظ بأنه بسبب هذه التأثيرات لم تسلم الكنيستين من بعض الأخطاء والتخبطات في تسميتهما، لا بل هناك ردود فعل في جوانبهما. فلوا أخذنا كنيسة المشرق الآشورية نرى بأن تسميتها الرسمية "الكنسية" هي "كنيسة المشرق الآشورية الرسولية الجاثليقية المقدسة". وباللغة الإنكليزية هي:
"Holy Apostolic Catholic Assyrian Church of the East" وباللغة الآشورية هي "عيتا قدشتا و شليغيته قاتوليقي د مدنخا د أتورايه"،  (ܥܕܬܐ ܩܕܝܫܬܐ ܘܫܠܝܚܝܬܐ ܩܬܘܠܝܩܝ ܕܡܕܢܚܐ ܕܐܬܘܪ̈ܝܐ)، وكما هو مبين في الموقع الإخباري للكنيسة.

 
فلو دققنا ولو بشكل سطحي غير عميق سنرى ومنذ البداية في هذا الأسم الطويل للكنيسة ردود فعل لما واجهتها من تأثيرات ومصاعب وحتى إتهامات بالهرطقة أي بـ "النسطورية" وتجريدها من رسوليتها. فالإشارة إلى كونها مقدسة رسولية ما هي إلا كرد فعل للتهمة التي وجهتها لها الكنائس الأخرى بأنها كنيسة هرطوقية نسطورية  لتؤكد بأنها ليست كذلك بل هي كنيسة مقدسة رسولية. أما بالنسبة للتناقض الظاهر في هذه التسمية الطويلة، نراه في كلمة (الجاثليقية أو الكاثوليكية أو الجامعة) وتناقضها مع الآشورية أو الآشوريين. فكيف تستقيم الكاثوليكية العامة والمعني بها الشاملة لمعظم الشعوب والقوميات مع الآشورية الخاصة أو الآشوريين كقومية وحدهم؟. ومن الأخطاء الواردة في هذه التسمية الطويلة هو الإختلاف الظاهر في أسم الكنيسة بالعربية والإنكليزية من جهة مع أسم الكنيسة في اللغة الآشورية. ففي العربية والأنكليزية هو "الآشورية" و "Assyrian" وفي اللغة الآشورية هو "د أتورايه" – " ܕ ܐܬܘܪ̈ܝܐ"، أي "الآشوريين" أو للأشوريين. إذن فالترجمة الكاملة بالعربية ستكون "كنيسة المشرق المقدسة الرسولية الجاثليقية للآشوريين" أو إختصارا كنيسة المشرق للآشوريين، ونحن نعلم جميعاً بأن كنيسة المشرق كانت تضم شعوب أخرى غير الآشوريين. وهنا، لا في اللغة هو صحيح بين اللغات الثلاثة ولا يتوافق مع المنطق. فالآشورية هي صفة لحضارة ووطن ولغة وتاريخ وتقاليد. في حين الآشوريين هو أسم لشعب معين ومعروف في التاريخ والحاضر، فهناك فرق في اللغات بين الأسم والصفة، كأن نقول الإنكليز(أسم) والإنكليزية (صفة) أو العرب (أسم)  والعربية (صفة) وهكذا، ولكن يظهر بأن رجال الكنيسة لم يدركوا هذا الفرق بين الأسم والصفة في تسمية الكنيسة.
أما بالنسبة للشطر الثاني من الكنيسة، أي الكنيسة الشرقية القديمة "ܥܹܕܬܵܐ ܥܲܬܝܼܩܬܵܐ ܕܡܲܕܼܢܚܵܐ" فهي الأخرى تأثرت كثيرا بعوامل نشؤها وخلفياتها. فعلى الرغم من حذف كلمة "الآشورية أو الآثورية" من أسمها فإن لا أحد يستطيع أن ينكر آشورية مؤمنيها جميعاً أو كونهم جميعاً آشوريين، ولكن لهذا الحذف خلفية تاريخية مرتبطة بنتائج أحداث مذبحة سميل للآشوريين عام 1933 وبزعمائها الذين وقفوا مع الحكومة العراقية ضد زعماء الحركة القومية الآشورية والمطالبين بالحقوق القومية للآشوريين. كما وأن تأكيدها على كلمة القديمة ܥܲܬܝܼܩܬܵܐ" فهي دلالة واضحة على تمسكها بالتقويم القديم اليوليالي وبإصالة الكنيسة وتقاليدها القديمة.  بالإنكليزية أسم الكنيسة هو:  THE ANCIENT CHURCH OF THE EAST هنا نرى أيضا نفس الخطأ في عدم التفريق بين الأسم والصفة في اللغة الإنكليزية فـ  "EAST" هو أسم ويعني الشرق أو المشرق في حين كلمة "الشرقية" صفة  يجب ترجمتها إلى الإنكليزية بـ "EASTERN". ومن الملاحظ أيضا بأن اسم الكنيستين هو طويل بعض الشيء (كانت كلمة الجاثليقية مرتبطة أيضا بالكنيسة الشرقية القديمة في السابق)، مما لا يتماشي مع العصر الحالي، عصر الإنترنيت ووسائل التواصل الإجتماعي، عصر السرعة الخانقة للوقت والزمن، لهذا نرى هناك أختصار في إستعمال أسم الكنيسة إلى كنيسة المشرق الآشورية أو الكنيسة الشرقية القديمة. على العموم، أن الغرض من عرض تأثيرات العوامل والظروف المحيطة بالكنيسة على أسمها هو إيجاد وطرح أسم للكنيسة الموحدة يتناسب مع الظروف الحالية، وهو أسم كنيسة المشرق الآشورية... ولكن لماذا؟
لماذا كنيسة المشرق الآشورية - Assyrian Church of the East ؟:
-----------------------------------------
حتى تتسق تسمية كنيسة المشرق الآشورية و Assyrian Church of the East  مع اللغة الآشورية فيجب أن تكون:ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ ܐܬܘܪ̈ܝܬܐ، أي في اللغات الثلاث، الآشورية هي صفة. ولكن من الملاحظ بأن هناك بعض الإعتراضات على هذه التمسية من قبل بعض أبناء أمتنا خاصة القوميين منهم ومن بعض التنظيمات والأحزاب السياسية، ويقوم إعتراضهم على:
1)   أنه يجب عدم ربط أسم الكنيسة بأسم الأمة أو بشعب أو فئة معينة. وللرد عليهم نقول بأن هناك كنائس عديدة مرتبطة بأسم شعب أو أمة أو بحضارة أو ببلد أو دولة مثل الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية ومنها الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية ومنها الكاثوليكية والكنيسة القبطية المصرية ومنها الكاثوليكية وكنيسة الروم الأرثوذكسية ومنها الكاثوليكية، فلماذا لا ولا يصح لكنيسة المشرق الآشورية؟. فالآشورية هنا لا تعني التعصب والعنصرية ولا تعني العرق، بل الحضارة الآشورية العظيمة التي كان أبناؤها من أوائل من أعتنقوا المسيحية وضحوا بحياتهم من أجل نشر رسالة الرب نحو شعوب العالم.  كما يجب أن يفهم بأن كلمة "المشرق" يعني المكان الموجود في الشرق، أي الأرض أو الموطن ولم يكن موطن الكنيسة إلا بلاد آشور، وحتى في الوثائق الرومانية (الفاتيكانية) هناك إشارة إلى آثور أو آشور، عندما تم تثبيت الراهب سولاقا يوخنا كبطريرك للكنيسة الكلدانية بعبارة "بطريرك الموصل في أثور" (نيافة المطران د. سرهد جمو، كنيسة المشرق بين شطريها، مجلة بين النهرين، عدد 95/96، (24)، دار نجم الشرق، بغداد، العراق، ص 195، سنة 1996). أي بهذه العبارة يعني الموصل كمدينة في أثور كوطن أو بلاد.
2)   يقول المعترضون على تسمية كنيسة المشرق الآشورية بأنها كانت تضم شعوب أخرى غير الآشوريين، لذلك يجب عدم حصرها بالآشوريين. هذا صحيح، فالكنيسة كانت جاثليقية عالمية وكان من بين مؤمنيها الكثير من الشعوب الأخرى المختلفة من فرس وترك وصينيون ومغول وعرب وأغريق. وهنا نقول للمعترضين بأنه كانت البشائر الأولى للكنيسة قد أنطلقت من أرض آشور وحمل رايتها في معظم الأحيان آشوريون، ومعظم شهدائها آشوريين وطبعا ليس الكل. ثم بسبب الظروف المأساوية التي حلت بالكنيسة تراجعت وأستقرت في بيتها القديم في موطنها آشور وأصبح تقريباً معظم مؤمنيها من الآشوريين حيث ترك بقية الشعوب غير الآشورية الكنيسة وصبئوا إلى أديان غير مسيحية أو إلى الكنائس الأخرى، بإستثناء قليل في جنوب الهند حيث هناك بضعة ألاف من الهنود وبحدود 25 ألف كرقم غير مؤكد، تابعين لكنيسة المشرق الآشورية ولكن تحت تسمية الكنيسة السريانية الكلدانية، وهي نتيجة للجهود الإستثنائية التي بذلها غبطة مطرابوليت الكنيسة هناك مار أبرم بوكن في توحيد ثلاثة فروع للكنيسة: المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في كنيسة واحدة، غير أنه نرى بأنهم لا يرغبون أن تتصف كنيستهم بـالآشورية بل بالسريانية كتقليد كنسي وكلدانية كتراث ذلك لأن الآشورية ليست حضارتهم، ولكن لهم أحترام شديد وتبجيل كبير لبطريرك كنيسة المشرق الآشورية وأكليريتها وطقسها.
3)   يظهر بأن المعترضين أيضا لا يفرقون بين الأسم (آشوري أو آشوريين) و الصفة (الآشورية) كما لا يفقون بأمر الربط العضوي بين الكنيسة والقومية في مجتمعنا خاصة في هذه المرحلة التي سبق الإشارة إليه في أعلاه. ففي الفترات السابقة نرى بأن معظم الشعوب التي كانت من أتباع كنيسة المشرق (بدون آشورية)  وتركوها كان لهم أو أصبح لهم مؤسسة رئيسية أو كيان سياسي خاص بهم، مثل دولة أو إقليم مستقل، إلا نحن الآشوريين لذلك أصبحت الكنيسة المؤسسة الرئيسية التي عوضت عن فقداننا لمثل هذه المؤسسة الرئيسية في الماضي وفي الوقت الحالي وأنحصر مؤمنيها بشكل عام في الآشوريين. يقول نيافة المطران د. سرهد جمو بهذا الصدد بأن الكنيسة، ويقصد الكنيسة النسطورية التي يطلق عليها كنيسة أبائنا وأجدادنا، بأن الكنيسة أخذت تنحسر إنحسارا سريعاً منذ العقد الأخير من القرن الثالث عشر، لا سيما على عهد الإلخان المغولي محمود غازان وخليفته خدابنده، حتى تقوقعت على ذاتها في شمال ما بين النهرين وفي الجبال المتاخمة له في إيران وتركيا، وهكذا أستقرت من جديد في الشعب الذي أنطلقت منه منذ البدء وهم أحفاد كلدو وآشور. (نفس المرجع، ص 188)
4)   وحتى في عهد الدولة العراقية وخلال الأنظمة المتعاقبة على السلطة نرى إزدياد الترابط العضوي بين الكنيسة والأمة، وذلك بسبب فشل أو ضعف المنظمات والأحزاب الآشورية في إستيعاب الأمور السياسية التي أحيطت بالآشوريين وبالتالي ظهور مبررات قومية موضوعية على ضرورة إتصاف الكنيسة بالتسمية الآشورية. فعندما تبنت الكنيسة التسمية القومية الآشورية لها أصبحت في منتصف السبعينيات من القرن العشرين تعرف بكنيسة المشرق الآشورية. ويعلل المثلث الرحمات قداسة مار دنخا الرابع بطريرك الكنيسة الأسبق هذا التبني بالقول "بأن هذه الكنيسة نشأت في بلاد آشور وأنتشرت في الكثير من بلدان العالم الشرقي ثم أنحسرت بعد الغزو المغولي وبقت محصورة في نفس البلاد الذي نشأت فيه، أي بلاد آشور، كما أن لهذه الكنيسة خصائص آشورية من لغوية وثقافية وحضارية وتراثية كلها عوامل تبرر في تسمية الكنيسة بالآشورية، كما بين قداسته بأن هذه التسمية كانت قد أطلقت على الكنيسة في إيران في منتصف الستينيات من القرن الماضي عندما كان أسقفاً هناك (مقابلة شخصية مع قداسته في لندن عام 1996). وهنا يجب أن لا ننسى تأثير الفكر القومي الآشوري الذي كان منتشراً بشكل واسع بين الآشوريين في إيران منذ بداية القرن العشرين خاصة في فترة الستينيات عندما بادر الشباب الآشوري بفكرة تأسيس الإتحاد الآشوري العالمي وتأثر قداسته بهذه الأفكار القومية. في حين ينسب غبطة  مار ميلس زيا مطرابوليت كنيسة المشرق الآشورية في أستراليا ونيوزلندا ولبنان إتصاف كنيسة المشرق بالآشورية إلى عوامل سياسية لهذه إذ يقول غبطته "بأنه في منتصف السبعينيات من القرن العشرين كانت هناك محاولات سياسية وفكرية من قبل السلطة العراقية وتحديداً من قبل حزب البعث  للقضاء على هذه التسمية سواء بإمحائها أو عن طريق دمجها بالعربية أو حتى بالكردية، فالتسميات مثل المسيحيون العرب أو الكرد المسيحيون، ما هما إلا من نتاج هذه السياسة، لهذا السبب وجدت الكنيسة بأن تسميتها بالآشورية سيجعل منها درعاً يحمي هذه التسمية العريقة (مقابلة شخصية مع غبطته في دبي عام 2012).
5)   فعلى الرغم من الإضافة الحديثة للتسمية الآشورية للكنيسة منذ منتصف الستينيات من القرن العشرين في إيران ثم منذ منتصف السبعينيات منه من نفس القرن في العراق فأنه من الملاحظ بأن هذه التسمية كانت سائدة بين معظم أتباع الكنيسة سواء بصيغتها العربية "سريانية شرقية" أو بصيغتها العامية "سورايه" بإعتبار السريانية أو سورايه تعني الآشورية والتي تطبعت بمفهوم ديني كنسي وحسب الظروف الدينية التي كانت سائدة في حينها. كما هناك الكثير من الكتاب والمؤرخين الذين كتبوا عن الكنيسة وعنونوا بحوثهم وكتبهم ورسائلهم بهذه التسمية الآشورية "الكنيسة الآشورية" ومنها كتاب المؤرخ يول وردا "توهج نور آسيا – بالإنكليزية – طبع في عام 1924"، خاصة بعد نشوء الفكر القومي وإنتشاره بين المثقفين الآشوريين ورجال الدين وتزعم بطريرك الكنيسة للحركة القومية الآشورية منذ بداية القرن العشرين. وكان المؤرخ الإنكليزي وليام وكرام رئدا في إستخدام تسمية "الكنيسة الآشورية" في جميع مؤلفاته التي طبعت في الربع الأول من القرن العشرين. 
6)   غير أنه كل هذا لا ينفي وجود آشوريين يعتزون بآشوريتهم رغم إنتمائهم إلى كنائس أخرى كاثوليكية وأرثوذكسية وبروتستانتية، لا بل الكثير منهم كانوا من رواد الفكر القومي الآشوري وقادة الحركة القومية الآشورية، ومرد هذا الإعتزاز بقوميتهم الآشورية هو أنه أنتموا أو أنتمى أباءهم  وأجدادهم إلى هذه الكنائس في القرنين التاسع عشر وبداية القرن العشرين أي في زمن نشوء الفكر القومي ومبدأ القوميات وحق تقرير المصير وغيرها من المفاهيم والأفكار السياسية القومية التي آمنوا بها وعملوا من أجلها خارج الإطار الديني أو الكنسي، أي في مرحلة طغيان الجانب القومي للشعوب وسعيها لتأسيس دولها القومية الخاصة بهم، كما يجب أن لا ننسى تأثير قيادة بطريرك كنيسة المشرق الآشورية، خاصة في عهد المثلث الرحمات مار شمعون إيشاي للحركة القومية الأشورية على هؤلاء وإنخراطهم في مسائل قومية آشورية ليس في المشرق فحسب بل حتى في بلد الإغتراب خاصة في الولايات المتحدة الإمريكية.
وأخيرا، كل هذه السطور هو لتأكيد بأن التسمية المناسبة للكنيسة في هذا العصر هو (كنيسة المشرق الآشورية) ومن ثم ترجمتها إلى الإنكليزية والآشورية بشكل صحيح قائم على التفرقة بين الأسم والصفة، ولنا أمل أن تكون لهذه السطور الفائدة المرجوة منها عند توحيد شطري كنيسة المشرق.
==========================================
بعض فقرات هذا الموضوع مستلة من مسودات كتابي (الفصل بين الكنيسة والسياسية في المجتمع الآشوري) الذي هو قيد الإنجاز منذ فترة طويلة.





22
في ضوء إجتماع أساقفة الكنيستين الآشورية والقديمة بهدف توحيد كنيسة المشرق:
--------------------------------------------------------

كيف نفهم المفاوضات وسبل تحقيق النتائج المرجوة
=============================
أبرم شبيرا
الأجتماع بين النجاح المبهر والفشل المحبط:
-------------------------
بفارغ الصبر والإهتمام ينتظر أبناء شعبنا الآشوري ومؤمنو الكنيستين المشرق الآشورية والشرقية القديمة الإجتماع المزمع عقده في التاسع من شهر مايس 2022 في مدينة شيكاغو بين أساقفة الكنيستين الأجلاء للتباحث في مسألة تحقيق الوحدة بينهما, أو الأصح العودة إلى سابق عهدها قبل الفرقة التي نشأت بينهما بما يقارب ستة عقود من الزمن. الكثير من أبناء شعبنا ينتابهم أمل مفعم بشعور من التفائل بأن إمكانية تحقيق هذه الوحدة أصبحت قاب قوسين وأن هناك جملة عوامل ذاتية وموضوعية تسند وبقوة مثل هذا التفائل، خاصة بعد تأجيل أساقفة الكنيسة الشرقية القديمة إجتماعهم السنهادوسي الذي كان عقده مزمعاً في الأسبوع الأول من شهر مايس وذلك تمهيدا للإجتماع مع أساقفة كنيسة المشرق الآشورية والبحث عن أمكانية الوحدة بين الكنيستين. بادرة حكيمة تدل على حسن نية الأساقفة للذهاب إلى الإجتماع المنتظر.

العوامل الذاتية والموضوعية المشجعة للوحدة:
--------------------------
العوامل الذاتية: هي ظاهره وواضحة في شخصية أساقفة كلا الكنيستين في كونهم من الجيل الجديد المتعلم والمتسلح بالعلم والمعرفة والوعي وبشغف الحب والإهتمام بمصير ومستقبل الأمة والكنيسة. وفي مقدمتهم قداسة البطريرك مار أوا الثالث المبادر الأول وبقلب وعقل منفتحين نحو جميع الكنائس وتحديدا الأقرب إلى قداسته، الكنيسة الشرقية القديمة. والأكثر من هذا هو كونهم جميعاً من الجيل غير المرتبط أو متعلق بالخلفيات التي تورطت في إنشقاق الكنيسة. أي هم من خارج حلقة "المحاربين القدماء" الذين كانوا فرسانا لهذا الإنشقاق. وإنعكاساً لهذه العوامل الذاتية والفكرية المنفتحة لأساقفة الكنيستين نرى في السنوات القليلة الماضية بأن الحساسيات والأحقاد والمناكفات التي كانت قائمة بين بعض مؤمني الكنيستين قد خفت أو تلاشت لدرجة لم يعد لها أي تأثير يذكر خاصة على المستوى الإجتماعي والقومي والتنظيمات القومية والسياسية لتشكل هذه الحالة الإيجابية عاملا مهما يسهل مهمة أساقفة الكنيستين في تحقيق الوحدة. كما وتأتي زيارة قداسة مار أوا الثالث بطريرك كنيسة المشرق الآشورية لقرية هيزانه في منطقة نهلة بصحبة نيافة مار شمعون دانيل أسقف الكنيسة الشرقية القديمة في العراق ومعهم نيافة مار أبرس يوخنا أسقف ديانا وكركوك لكنيسة المشرق الآشورية في شهر نيسان الماضي وإقامة الصلاة في كنيسة مار كوركيس الشهيد ومن ثم إفتتاح قاعة الرعية الملحقة بالكنيسة والتي أطلق عليها "قاعة البطريرك مار توما أودو"، رحمه الله، أول بطريرك للكنيسة الشرقية القديمة، تأتي كبادرة تاريخية وفريدة في سياق محاولات الوحدة بين الكنيستين لما كان في كلمات قداسة البطريرك مار أوا الثالث من وضوح في الرغبة الجامحة في توحيد الكنيستين والتي أكد بأنه أمر غير مستحيل بل ممكنا ومبشراً المصلين بقرب سماعهم أخبار مفرحة للجميع. ونفس الشعور والرغبة وجدناه في كلمة نيافة الأسقف مار شمعون دانيل نحو تحقيق الوحدة بين الكنيستين.
العوامل الموضوعية: هي العوامل التي تدعم مثل هذا التفائل وتدفع أساقفة الكنيستين الأجلاء نحو الإجتماع لتحقيق الوحدة المرجوة والتي تتمثل في الوضع المأساوي لواقع الكنيسة والأمة. عوامل مهلكة تهدد مصير كلا الكيانين التاريخيين وأبنائهما، عوامل تقلعهم من جذورهم التاريخية في أرض الوطن وتذوبهم في بوتقة الإنصار في بلدان الغربة وتجعل من كلا الكيانين آثار لا تصلح إلا لمتاحف التاريخ... لا سامح الله... فوفق هذه العوامل المهددة لمصير الكنيسة والأمة، نقول وبصراحة بأنها تضع حملا ثقيلا على أكتاف أساقفة الكنيستين وتُحملهم مسؤولية تاريخية كبيرة وإي فشل أو تعثر في تحقيق أمال أبناء الكنيسة والأمة بشأن هذه الوحدة سوف يترتب على ذلك أحباط خطير لديهم يتعاظم مع الإحباطات والفشل في جميع اللقاءات السابقة بين الطرفين... الله يستر من نتائجها الوخيمة المؤثرة. وقد أتجرأ وأقول بأن مثل هذا الفشل، لا سامح الله، سيؤدي إلى فقدان الكنيسة ورجالها مصداقيتهم الإيمانية في يسوع المسيح لدى مؤمنيها، على الأقل بسطور الإنجيل التي تقول:
"ليكون الجميع واحداَ، أيها الأب، كما أنك أنت فيَ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضا واحدا فينا، لكي يُومن العالم أنك أنت أرسلتني. إني أعطيتهم المجد الذي أعطيتني، ليكونوا واحداً كما نحنُ واحدُ. أنا فيهم وأنت فيَ، ليكتملوا فيصيروا واحداً حتى يعرف العالم أنك أرسلتني وأنك أحببتهم كما أحببتني." (يوحنا 17-21/22/23)، وإلا... وإلا أي الفشل في تحقيق الوحدة، سيؤدي إلى أن يعم بين أبناء شعبنا ومؤمني الكنيستين تساؤلاً يقول: أين أنتم من صخرة بطرس؟ واللبيب يفهم ما أعنيه.
ولكن لنسمح لنفسنا أن نكون أكثر تفاؤلا ونقول بأن أي نجاح يحققه الآساقفة الأفاضل نحو تحقيق الوحدة بين شقي الكنيسة سوف تزهو آمال شعبنا أكثر نحو مستقبل أبهر وتزيده إشراقا وتتعاظم مصداقيتهم لدى مؤمني الكنيستين بهم. لا بل، أقولها وبملئ الفم بأنهم لو أستطاعوا تحقيق هذه الوحدة فأنهم سيدخلون التاريخ الكنيسي والقومي من أبوابه الواسعة وستكون سابقة تاريخية وحدوية لا مثيل لها طيلة مئات العقود من تاريخنا القومي والكنسي الغابر. والأكثر من هذا سوف يبرهنون فعلا بأنهم يؤمنون بأن الله محبة، كما قالها يوحنا الإنجيلي في رسالته الأولى: "الله محبة" ... "أيها الأحباء، لنحب بعضنا بعضاً: لأن المحبة تصدر من الله. إذن، كل من يُحب، يكونُ مولودا من الله ويعرفُ الله. أما من لا يُحب، فهو لم يتعرًف بالله قط لأن الله محبة... وماداما الله قد أحبنا هذه المحبة العظيمة،.... أيها الأحباءُ، فعلينا نحن أيضا أن نحب بعضنا بعضاً" (يوحنا1: 4– 7/8/11)
كيف نفهم المفاوضات وسبل نجاحها:
----------------------
للمفاوضات أصول وقواعد يتطلب فهمها والإلتزام بها لضمان الوصول إلى النتائج المرجوة، وبعكسه فإن عدم فهم أو تجاهل هذه القواعد والأصول فلا محال من فشلها وعدم تحقيق أية نتائج إيجابية. ولكن مع معرفة هذه القواعد والأصول يجب، لا بل ويجب، أن تسبقها نية حسنة ورغبة صادقة والحد الأدنى من الثقة والأحترام المتبادل بين الطرفين لتحقيق النتائج المرجوة. وفوق كل هذا يأتي مقام أعلى للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة. فمن خلال أستقراء الإجتماعات أو المفاوضات التي جرت في السنوات الخوالي بين أفرع كنيستنا والتنظيمات القومية التابعة لأمتنا نستنتج بأن فقر معرفة اًصول التفاوض والغياب المطلق للمصلحة العامة وتغليب المصلحة الخاصة عليها كانت كلها عوامل أساسية في فشل الإجتماعات ومن ثم "الخروج من المولد بدون حمص"، كما يقول المثل. وهناك عامل حسم يجب إدراكه في فشل المفاوضات وهو إعلان الشروط المسبقة قبل الإجتماع.  فعندما يجلس الطرفان للتفاوض لا يمكن ضمان النجاح له إذا كانت هناك شروط مسبقة ومعلنة من قبل طرف على آخر. فقاعدة المفاوضات الناجحة تقوم على أساس المساواة بين الطرفين فلا غالب ولا مغلوب بينهما، بل أساس كلا الطرفين يكونان في التحليل الأخير غالبين وغير مغلوبين. التفاوض الذي يقوم على أساس الشروط المسبقة يكون بين طرفين غير متساوين في القوة والإمكانيات والحكم فيقوم الطرف القوي بفرض شروطه على الطرف الآخر وبالتالي تكون نتيجته إخضاع وإذلال طرف على الطرف الآخر. وهذا ما يحدث في الحروب بعد إنتهائها وفي والمنازعات المستعصية حيث  يفرض الطرف المنتصر على الطرف الآخر في المفاوضات شروطه القاسية عليه. كما كان الحال مع فرض الدول المنتصرة في الحرب الكونية الأولى شروط قاسية على الدولة العثمانية المنهارة والحالة نفسه مع الشروط القاسية التي فرضت من قبل الحلفاء على ألمانيا واليابان بعد إنتهاء الحرب الكونية الثانية وفي نفس السياق مع الشروط المهينة التي فرضتها أميركا وحلفاءها على نظام حزب البعث العراقي بعد طرده من الكويت. فلو بحثنا في المحاولات أو الدعوات السابقة لعقد إجتماع بين الكنيستين المشرق الآشورية والشرقية القديمة، مستندين على بعض المعلومات الشحيحة التي توفرت، نرى بأنه  كان هناك شروط مسبقة لهذا الطرف أو ذاك مما لم تصل إلى نتيجة تذكر، لا بل حتى الإجتماع لم ينعقد. واليوم، وبفضل وعي وإدارك وإنفتاح أساقفة الكنستين نحو تحقيق الوحدة،  نرى أجواء صافية خالية من مثل هذه الشروط المسبقة أثناء التحضير والإعداد للإجتماع القادم مما قد يضمن إستمرار التفاوض ونجاحه نحو تحقيق الوحدة بين الكنيستين.
ملفات التفاوض:
----------
عندما يذهب المفاوض للإجتماع مع الطرف الآخر يحمل ثلاثة ملفات في حقيبته:
الملف الأول: يحتوي على مبادئ المفاوض الأساسية وعقيدتة الراسخة التي تمثل أساس وجود كيانه ويديموته والتي من خلالها يعرفه العالم الخارجي. يحمل المفاوض هذا الملف في حقيبته ليؤكد ويثبت للطرف الآخر بأن محتويات هذا الملف لا يمكن المساس بها ولا يمكن التفاوض عليها أو التنازل عنها إطلاقاً وإلا سيكون مساساً بعقيدته الراسخة وتنازلا خطيراً عن أساس وجود كيانه. بعبارة أبسط يمكن وصفه بـ "الملف الأحمر". فبمجرد أن يستهدف طرف الملف الأحمر للطرف الآخر ينهار الإجتماع من جلسته الأولى وتتعقد الأمور أكثر فأكثر بينهما.  فكلما فهم طرف الأهمية القصوى والخطيرة لملف الطرف الآخر، وكلما كانت محتويات هذا الملف الأحمر متقاربة أو متشابه أو متطابقة مع محتويات الملف الأحمر للطرف الآخر كلما كان أمر نجاح التفاوض وارداً أكثر فأكثر وهو الأمر الذي يتطلبه الإنتقال للتباحث في محتويات الملف الآخر، الثاني. وفي حالة الكنيستين المشرق الآشورية والشرقية القديمة، نرى أنه بسبب تطابق العقيدة الإيمانية والتقاليد الكنسية والإشتراك في التاريخ الكنسي والقومي وقيامهما على بنية تحتية ديموغرافية لمؤمنيهما يكون الملف الأحمر لكلا الطرفين متشابها إلى حد التطابق، مما يفتح المجال واسعاً للتباحث والوصول إلى بعض النتائج الإيجابية من خلال البحث في الملف الثاني. فالإشتراك في محتويات الملف الأول يجعل أمر الوحدة أو الإندماج بين الكنيستين أمرا وارداً جدا وطريق فسيح نحو حل الإختلافات التي قد ترد في الملف الثاني والثالث.
وبعكس ما ورد أعلاه، وبنظرة مقارنة نرى بأنه في حالات المفاوضات التي كانت تجري بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كان هناك إختلاف كبير في محتويات الملف الأول، فكل طرف كان يلتزم بمحتويات هذا الملف إلتزاما صارماً ولا يكم ممكنا التنازل عنها إطلاقاً. فالكنيسة الكلدانية أساس إيمانها وكينونتها الكاثوليكية مرتبط بالشركة مع الفاتيكان ولا يمكن التنازل عنها أو المساس بها وإلا فقدت صفتها الكاثوليكية وأساس نشأتها. في حين كينونة ووجود كنيسة المشرق الآشورية مرتبط إرتباطا وثيقاً بإستقلاليتها التاريخية وبأصالتها التراثية ولا يمكن الإفراط بها وإلا فقدت كيانها التاريخي المعروف.
على العموم، ومن هنا نقول بأن أمر التفاوض أو البحث في مسألة الوحدة بينهما، أي الآشورية والكلدانية  أمر محال ولايمكن أن يتحقق وذلك بسبب إختلاف أو تعارض أن لم يكن تناقض في محتويات الملف الأول للكنيستين. غير أن هذا الإختلاف في الملف الأول لا يعني إطلاقاً عدم فتح الملف الثاني والبحث في محتوياته وإيجاد بعض الحلول المقبولة والتي لا تتعارض مع محتويات الملف الأول وذلك  لضمان الوصول إلى بعض التفاهمات والإتفاقيات التي تخدم مؤمني الكنيستين خاصة في موضوع تثبيت الوجود المسيحي في أرضه التاريخية. أي أن يكون البحث والتفاهم قائم على مفهوم "الوحدة في التنوع"، والذي يعني التفاهم والإنسجام والتعاون بين مجموعتين أو أكثر غير متشابهين من أجل تحقيق الصالح العام المشترك. وهو الشعار الذي كان قداسة البابا يوحنا بولص الثاني – أسكنه الله فسيح جناته- قد رفعه أثناء زيارته للبنان في السنوات الماضية.
الملف الثاني: وهو الملف الذي يحتوي على أفكار وأراء ومواقف ومشاعر وممارسات تراكمت عبر سنوات خلت ليست بالبعيدة وترسخت في عقلية المفاوض بسبب التقادم الزمني عليها. أي بعبارة أخرى هي تقاليد وعادات ومسائل أكثرها إدارية لا علاقة لها بشكل مباشر بالعقيدة الإيمانية أو التقاليد الكنسية التراثية. هذه المرونة المنسرحة والمتحررة نسبياً من العقيدة الإيمانية والتقاليد الكنيسة، أي من الملف الأول، يجعل أمر التفاوض عليها مع الطرف الآخر وإمكانية التنازل عنها أو عن جزء منها ممكناً بشرط أن يكون كذلك، أي التفاوض والتنازل ممكنا من الطرف الآخر أو لجزء منها، أي تنازل مقابل تنازل. وقد يمكن وصف هذا الملف بـ "الملف الأصفر". ومن المؤكد ستكون محتويات هذا الملف الشغل الشاغل للأساقفة في مباحثات الوحدة بين الكنيستين المزمع عقده في التاسع من هذا الشهر. ومن الممكن أن نستنتج بأن مسائل مثل مكانة قداسة البطريرك مار توما درمو في سلسلة بطاركة كنيسة المشرق ستكون من المواضيع المهمة ولكن نرى بأنه بمجرد زيارة قداسة البطريرك مار أوا الثالث لقرية هيزانه وإقامة الصلاة في كنيسة القديس مار كوركيس الشهيد وإفتتاح القاعة بأسم البطريرك مار توما درمو هو إعتراف ضمني بقداسة مار توما درمو وبصفته البطريركية ومن الممكن إيجاد حل لمكانة مار توما درمو كبطريرك في سلسلة بطاركة كنيسة المشرق بالإستشهاد بتاريخ الكنيسة حيث في فترات تاريخية معينة وصعبة كان للكنيسة بطريركان لحين إستقرارالأوضاع وعودة الأمور إلى حالة بطريرك واحد. وهكذا يمكن وضع البطريركين قداسة مار توما درمو وقداسة مار أدي الثاني – رحمهما الله -  ضمن سلسلة بطاركة كنيسة المشرق. هذا التنازل الممكن والتبرير بالإستشهاد بتاريخ الكنيسة، ربما سيقابله تنازل من الكنيسة الشرقية القديمة بقبول مار أوا الثالث كبطريرك للكنيسة الموحدة. فالظاهر المسألة منطقية وممكنة جداً لا بل وستكون مرضية للجميع.
كما أنه من المحتمل أن تكون مسألة الأعياد موضوع آخر في هذا الملف. فإذا كنا مفرغين بأنه من السهولة الإتفاق على عيد ميلاد سيدنا المسيح حسب التقويم الغريكوري (الحديث) فأن الأمر سيكون أكثر صعوبة في تحديد تاريخ الإحتفال بعيد القيامة وذلك لأرتباطه بمناسبات دينية أخرى منها الفصح اليهودي. أسم الكنيسة من المحتمل سيكون أيضا من المسائل التي يدور حولها النقاش في الإجتماع. ففي الأجواء وعلى ألسنة الناس ومن خلال الإستنتاجات تدل على بعض التسميات للكنيسة ككنيسة المشرق أو ملحقة بكلمة الآشورية أو الكنيسة الشرقية... أمور لا يخصنا كثيرا إلا بقدر تحقيق هذه الوحدة، أي المضمون أهم من الشكل في هذا السياق. ولكن بمعرفتنا الشحيحة نعتقد بأن تسمية الكنيسة بـ "كنيسة المشرق" فحسب سيكون أسماً مبتوراً لا يدل على صفتها أو إيمانها أو تاريخها أو حضارتها أو حضارة مؤمنيها. ولكن المهم هنا هو "المشرق" والذي يعني المكان الموجود في الشرق، أي الأرض أو الوطن ونحن جميعاً نعرف بأن وطن أو أرض الكنيسة كان ولا يزال هو بيت نهرين والأدق هو "آشور"، وبالتالي فإن تسمية "كنيسة المشرق الآشورية" تصبح أكثر قبولا ومنطقية وفهما وإرتباطاً بالتاريخ والتراث والحضارة... أما تسمية الكنيسة الشرقية القديمة، فهذه الصفة، إي الشرقية، تتصف بها العديد من الكنائس الشرقية المختلفة الإتجاهات والعقائد وبالتالي لا تعطي خصوصية للكنيسة الموحدة. كما وأن صفة "القديمة" لا تتماشى مع عصر هذا الزمان والكنيسة لها بطريرك وأساقفة متسلحين بالعلم والمعرفة الحديثة وتدخل حالة من المعاصرة... لنا رجعة في هذا الموضوع في المستقبل القريب.     
الملف الثالث: وهو من أسهل الملفات في حقيبة المفاوض حيث تكون محتوياته بسيطة معظمها إدارية وتنظيمية تتعلق بالهيكلية التي ستقوم عليها النتائج التي يتوصل إليها المفاوضون وبالتالي فهي سهل التنازل عنها مالم تتدخل فيها عوامل مؤثرة تحولها إلى الملف الثاني ولربما إلى الملف الأول وبالتالي هذا الأمر السهل والبسيط يتطور إلى عقدة مستعصية في الوصول إلى نتائج مرجوة من الإجتماع.  وبقدر تعلق الأمر بإجتماع الكنيستين الآشورية والقديمة فإن أمر تعين الأساقفة على أبرشيات الكنيسة الموحدة قد يكون من الأمور الساخنة، أي سيكون هناك أساقفة أكثر من الأبرشيات مالم تؤسس أبرشيات جديدة أو تقسم الأبرشيات الكبيرة إلى أبرشيتين. وهنا يستوجب الحذر الشديد من العوامل المؤثرة على مثل هذا الأمر البسيط من رفعه إلى الملف الثاني أو الأول، ومثل هذه العوامل السلبية والمؤثرة نجدها في النزعة العشائرية التي لا زالت تختفي خلف إدعاءات قومية اوالحفاظ على الأصالة والتراث وفي التعالي من قبل البعض على الآخر، والأخطر من هذا وذاك هو فايروس الكرسي الذي قد يصاب به البعض ويتحول إلى وباء في الكنيسة والأمة... ولكن أنا وغيري كثر كأبناء هذه الأمة والكنيسة بكلا الفرعين، لنا إيمان قوي وقويم بأنه بفضل الأساقفة المتنورين وفي مقدمتهم قداسة البطريرك مار أوا الثالث مدركين كل الإدراك بمخاطر التحديات المميتة التي تواجهها كنيستنا وأمتنا ومن المؤكد بوحدتهم سيجتازون كل هذه الصعاب وسيسجلون سابقة تاريخية ويدخلوا تاريخ الكنيسة والأمة من أبوابه الواسعة، كما سبق وأن ذكرنا في أعلاه.
لنرفع جميعنا شعار:
في الإتحاد قوة



23
حضرت المؤتمر العام التاسع للحركة الديموقراطية الآشورية في نوهدرا كضيف شرف... وشاهدت: !
-------------------------------------------------------
أبرم شبيرا
نعم حضرت المؤتمر التاسع لزوعا مع الضيفين رابي شيبا مندو والمهندس بهرام (بوب) بهرامي بعد أن قبلنا دعوة الحضور بكل فخر وإعتزاز, والذي أنعقد في مدينة نوهدرا للفترة من 8 نيسان وأستمر لغاية 11 نيسان 2022 وشاهدت ما لم أشاهده في حياتي ولا في تاريخ أمتنا على الأقل فيما يتعلق بالأمور القومية والسياسية:
•   شاهدت:
حضور أكثر من 260 مندوبا منتخبا مع غياب 49 بعذر أو بدونه، من تنيظمات الحركة في الوطن وبلدان المهجر، ومن بعض أعضاء القيادات السابقة المؤهلين لحضور المؤتمر، وهو أول حضور تاريخي ومعاصر من حيث العدد لتنظيم سياسي في مؤتمره العام. هنا عندما أقول مؤتمر عام يعني مؤتمراً بالمعنى العلمي السياسي المعروف بمقايسه في العلوم السياسية وليس مهرجاناً خطابياً عاما كما هو الحال مع بعض أحزابنا السياسية. تذكر مجلة ميلثا الآشورية، عدد 1 لعام 1995 الصادرة من قبل النادي الثقافي القومي الآشوري في موسكو بأن المفكر القومي الشهيد فريدون أتورايا مع رابي بنيامين بيت أرسانس والدكتور بابا بيت فرهاد وغيرهم من رفاقهم القوميين قد عقدوا مؤتمرا في مدينة تبيلسي في جورجيا في عام 1917 لتأسيس الحزب الإشتراكي الآشوري (ص4). ويُقال بأنه حضره أكثر من 200 مندوب،  إلا أنه مع الأسف الشديد لم يثمر المؤتمر بنتائج على أرض الواقع بسبب أحداث ثورة أكتوبر الشيوعية. أي بهذه المقارنة نقول بأن المؤتمر التاسع لزوعا يعتبر الأول من نوعه في سياق المؤتمرات العامة لأحزابنا السياسية سواء أكانت مؤتمرات تأسيسية أو عامة.
•   شاهدت:
التنسيق العالي المستوى والتنظيم الرائع في إستقبال المندوبين والضيوف ومنهم أعضاء دائرة الأحزاب السياسية في المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات، وأعجبني كثيرا أسلوب توزيع منهاج المؤتمر والبطاقات الشخصية وطريقة جلوس المندوبين والضيوف في القاعة الفسيحة وتهيئة كل مستلزمات المشاركة في مناقشات المؤتمر. ولا أنسى تهيئة الغذاء ذاتياً لهذا العدد الكبير من الحاضرين.
•   شاهدت:
الأسلوب الديموقراطي المنقطع النظير في إنتخاب وتشكيل اللجان المطلوبة في تمشية أمور المؤتمر منها اللجنة المشرفة على المؤتمر، والتي تكونت من رابي طليا شمعون رئيسا و كل من السيدان آشور أبرم و مرقس إيرميا أعضاء وكذلك إنتخاب هيئة رئاسة المؤتمر التي تكونت من رابي كوركيس يعقوب (جوني) رئيساً والأستاذة أكنس مرزا القادمة من شيكاغو – الولايات المتحدة الأمريكية و الأستاذ آشور آدم.
•   شاهدت:
الأسلوب العلمي والموضوعي المتبع في الأحزاب السياسية ووفق المبادئ والأسس المعروفة في العلوم السياسية دعوة رئيس المؤتمر للسكرتير العام السيد يونادم كنا لحل الدرجات الحزبية، أي بهذا المعنى ففي مثل هذه المؤتمرات العامة يصبح الجميع متساوون من دون تمييز في الدرجات الحزبية بما فيهم السكرتير العام وأعضاء اللجنة المركزية، فلكل مندوب صوت واحد في التصويت والإقتراع والترشح في جميع مسائل المؤتمر.
•   شاهدت:
وسمعت قراءة التقرير السياسي من قبل السيد يونادم كنا (السكرتير العام "السابق") بالتفصيل وبنوع من الشفافية والوضوح موضحا السياسة العامة للحركة ثم بعد الإنتهاء من القراءة تم فتح باب المناقشة للمندوبين. ولا أجانب الحقيقة في القول بأنها أتسمت بنوع عالي من الديموقراطية والإنتقادات البناء للتقرير وردود السيد يونادم عليها بهدوء ووضوح وتقبل منقطع النظير. ومن شاهدها، وأنا واحد منهم ومن كان جالساً إلى جانبي، لأستنبط مؤشرات تدل على أن السيد يونادم شخص ديموقراطي أكثر مما يتصور البعض، خاصة القابعون على حافة فنجان قهوة ويقررون مصير الأمة من هناك، بأنه دكتاتوري ومتسلط ومستبد على كرسي الرئاسة وهذا ما تأكد عندما أعلن في كلمته بمناسبة إختياره، (هو إختيار طالما هو بالتزكية وليس بإنتخاب لأنه كان المرشح الوحيد)، من قبل إجماع مندوبي المؤتمر كسكرتير عام للفترة القادمة مؤكداً بأن بقاءه في هذا المركز سيكون مؤقتا وستشكل مرحلة إنتقالية وتحديدا على مستوى رأس الحركة... وهنا نقول لرابي يونادم المثل القائل: "أن غدا لناظره قريب". وإذا فعلا تحقق قوله فأنه سيكون، حسب علمي المتواضع، الأول من نوعه في التاريخ السياسي المعاصر للعراق وللآشوريين أيضا.
•   شاهدت:
حسن إدارة رابي كوركيس يعقوب (جوني) لرئاسة المؤتمر وقدرته العالية وبكفاءة على تنظيم سير مناقشات المؤتمر والسيطرة عليها بإنتظام وتنسيق وتحديدا فيما يتعلق بمناقشات التقرير السياسي ولاحظت سعة معارفه في الأمور السياسية والحزبية خاصة عندما أكد بأن طرح بعض المواضيع والتساؤلات والإنتقادات والمقترحات الغير قانونية لا يجوز التصويت عليها، وهو أمر منطقي ومقبول في المسائل السياسية والتنظيمات الحزبية المعروفة. والأكثر من كل هذا وذاك أعجبني نوعية الأسلوب الديموقراطي الذي أتبعه السيد كوركيس في أعطاء الأولوية للمندوبين الجالسين في الخلف للمناقشة وطرح تساؤلاتهم ومقترحاتهم قبل المندوبين الجالسين في المقدمة ومنهم أعضاء اللجنة المركزية "السابقون" وغيرهم من مسؤولي تنظيمات الحركة. لا بل فقد وجدته يقاطع السكرتير العام "السابق" من أجل أعطاء الفرص للمندوبين لطرح أسئلتهم ومقترحاتهم.
ومن يريد المزيد  من التفاصيل وأسماء أعضاء اللجان التي تم إنتخابهم في المؤتمر، يمكنه الإطلاع على خبر وصور عن إنعقاد المؤتمر التاسع لزوعا في موقعها الإلكتروني WWW.ZOWAA.ORG
•   وهنا أقول:
لقيادة زوعا المنتخبة والمتجددة ولجميع أعضاءها بأن ما ذكرته يجب، لا بل ويجب أيضا، أن لا يأخذوه بنوع من الإطراء والمديح و "طبطبة على الأكتاف"، بل هو حقائق حية واقعية منبعثة من مشاهدتي المباشرة لها. فليس من الأنصاف والعدل قول عكس ما شاهدته وإلا سأكون غير منصفاً لا بل وكذابا أيضا. وهنا أيضا أقول لغير أعضاء زوعا بأنه إذا كان لديكم عكس ما شاهدته وذكرته في أعلاه فإن صحفات مواقع التواصل الإجتماعي مفتوحة للجميع كما هو عقلي مفتوح وفكري واسع النطاق لسماع أرائكم ولكن بأسلوب موضوعي ومنطقي وليس بمنطق الخزعبلات والتخيلات.
•   وأخيرا:
أقول وبمنطق واقعي، بأن نجاح المؤتمر التاسع لزوعا ما هو إلا إمتداد وصورة واضحة لنجاح مسيرة الأول من نيسان التي نظمتها الحركة، تلك المسيرة التي يقول عنها الجميع، ومنهم أنا، بأنها كانت أكثر من رائعة ومبهرة من حيث مسافة المسيرة التي قدرت بحدون 4.5 كلم من نقطة الإنطلاق إلى ساحة التجمع بين جبال سد نوهدرا والعدد الهائل المشارك فيها من جميع الأعمار، شيوخاً ونساءا وأطفالا والذي قدر بحدود 25 ألف، حسب تقديرات المهندس بهرام (بوب) بهرامي الخبير في حساب الكميات – Quantity Surveyor –. والأكثر جمالا وروعة كان العدد الكبير لكراديس الكشافة والفرق الموسيقية والمجموعات القادمة من قرانا الجميلية بملابسهم التراثية. كما وأن أهتمام حكومة الإقليم والقيادات السياسية بالمسيرة من حيث الإجراءات الأمنية وقطع الطرق لإتاحتها أمام جماهير المسيرة كان أمرا منقطع النظير وتجلى بعض من هذا الإهتمام في البرقيات المرسلة إلى قيادة زوعا بخصوص التهنئة بعيد راس السنة الآشورية المعروف بـ "أـكيتو". ولكن مع كل هذا،  يجب أن نعرف ونؤكد ما أكدناه سابقاً، مرارا وتكرارا، بأنه لا يمكن إطلاقا لحزب أو تنظيم سياسي أن يحقق مطامح الأمة وحده، بل يجب أن يكون هناك عدد معقول من الأحزاب والتنظيمات السياسية يتناسب عددها وحجمها وقوتها مع حجم وقوة أمتنا الحقيقية لا الخيالية وتبنى على أسس علمية موضوعية حتى تستطيع أن تنافس تنافساً منطقياً وواقعياً ضمن أطار المصلحة القومية العامة مع زوعا ويستطيعون أقامة خطاب سياسي موحد يوضح ويحقق مطامح الأمة ولو بحدها الأدنى. ومن هنا أقول بأنني قبلت مقدما وبترحاب دعوة أي حزب سياسي من أحزابنا أمتنا لحضور مؤتمره العام والمشاركة فيه كضيف وللمشاهدة فقط.
كما نقول لقيادة زوعا المنتخبة والمتجددة بأن جماهيريتها وقدرتها العالية في إقامة كذا مؤتمر عام ومسيرة الأول من نيسان الضخمة يجب أن لا يكونا ذلك منطلقا للتعالي على الغير والتكبر، بل يجب أن يكون مثل هذه النجاحات الباهرة منطلقا قوياً نحو نجاحات أكبر وأكبر لتصل رسالة نجاح المؤتمر العام والمسيرة النيسانية إلى المعنيين في النظام السياسي والقوى الفاعلة على الساحة السياسية في العراق، ومن المؤكد أنها قد وصلت، لتؤكد لهم بأن النظام السياسي في العراق فاسد حتى النخاغ بما فيه نظام الإنتخابات العامة مشمولا بـما يسمى بـ "الكوتا المسيحية"، النظام المبني فساده على غلق الأبواب أمام تنظيمات شعبنا الحقيقية وفتحها واسعاً أما عصبة من سارقي اصوات أبناء شعبنا...
أفهل يبصر الأعمى ويسمع الأطرش ؟

24
أدور يوسف "بيبا" ملك الغناء الآشوري في كتاب
=======================================
أبرم شبيرا
أستغربت قبل أن يستغرب غيري من الأصدقاء الذين عرفوا بأنني بصدد تناول موضوعاً عن كتاب صدر حديثاً عن حياة المغني الآشوري المشهور المرحوم أدور يوسف المعروف بـ "بيبا"، ذلك لكون موضوع الكتاب بعيد عن خلفيتي الأكاديمية وعن إهتمامي القومي السياسي المعروف  للجميع، ولكن عندما أصبح الكتاب بحوزتي وعاينت محتوياته وما فيه من مضامين وأبعاد قومية وإجتماعية وتراثية ووثائقية تحول إستغرابي إلى إعجاب وتقدير كبيرين للكتاب ولمؤلفه ومن المؤمل أن يزول إستغراب أصحابي أيضا ويتحول إلى إعجاب وتقدير للكتاب ولمؤلفه خاصة إذا أستطاعوا إقتناء نسخة منه.


مؤلف الكتاب رابي يوسيفوس سركيس
======================
بدءاً بمؤلفه، أسمه الكامل يوسيفوس عمانوئيل سركيس من أستراليا، عرفته كما عرفه غيري أكثر في النادي الثقافي الآشوري في بغداد منذ بداية عام 1970، لا بل وقبله في الجمعية الآشورية للشباب والمعروفة بـ "جالش" (Assyrian Youth Chalish) التي كانت تابعة للكنيسة الإنجيلية الآشورية في بغداد حيث كان من أكثر أعضاءها نشاطاً وحيوياً في إقامة مختلفة النشاطات الثقافية والفنية والإجتماعية والترفيهية. فالأستاذ يوسيفوس إضافة إلى حصوله على شهادة بكالوريوس في المحاسبة من كلية الإدارة والإقتصاد بجامعة بغداد إلا أنه كان نشطاً على مختلف الأصعد، وتحديدا في النادي الثقافي الآشوري في بغداد حيث كان عضوا لهيئته الإدارية ورئيساً لللجنة الفنية وفي عهده أقيم أول مهرجان للفنون الآشورية الذي شارك فيه خيرة الفنانين والمغنيين الآشوريين وكان الإعجاب به منقطع النظير بين أبناء شعبنا الآشوري. إضافة إلى ذلك، كتب عدة مقالات في مجلة النادي "المثقف الآشوري" وقدم برامج في إذاعة وتلفزيون بغداد – القسم  الآشوري الذي تحول فيما بعد إلى القسم السرياني وقدم أيضا مجموعة من المسرحيات الناجحة في بغداد. وبعد هجرته إلى أستراليا، لم يتوانى هناك من القيام بالعديد من النشاطات المختلفة والمتنوعة منها تقديم برنامج في التلفزيون الآشوري قناة 31 – سدني لعدة سنوات، وحاليا يعمل في إذاعة نينوى – الصوت الآشوري من إذاعة (2GLF 89.3 FM) في سيدني. ومنذ عام 2001 أسس فرقة للمسرح الآشوري في سيدني فقدم مجموعة من المسرحيات الناجحة هناك، كما عرف عنه بتأليف العديد من القصائد وكلمات الأغاني لأشهر المطربين الآشوريين ومنهم ملك الغناء الآشوري بيبا.
بعبارة أخرى، يعتبر الأستاذ يوسيفوس بارع ومبدع في مختلف المجالات الفنية والأدبية والإجتماعية والثقافية والتي توسعت وبدون حدود سواء في جاليش أم في النادي الثقافي الآشوري، ومنها أو لنقل بعضها:
1.   تأليف وأخراج مسرحية الأبن الضال (برونا أصوطا) قدمة على مسرح قاعة مدرسة التقدم (قاشا خندو) التي كانت تابعة للكنيسة الإنجيلية الآشورية.
2.   شارك في مسرحية ميلاد المسيح تأليف رابي كورش شليمون وإخراج طارق الحمداني وسامي ياقو وعرضت بتاريخ 22/12/ 1974.
3.   ألف مسرحية عائلة عوديشو من إخراج الفنان سامي ياقو وعرضت على مسرح النادي الثقافي الآشوري في بغداد بتاريخ 05/03/ 1976.
4.   مثل في مسرحية مقوختا (الصرخة) من تأليف الأستاذ كوريل شمعون وإخراج المرحوم أوشانا جنو وعرضت على مسرح النادي الثقافي الآشوري بتاريخ 19/07 1977.
5.   ألف مسرحية الضيافة (أرخوتا) من إخراج الفنان أندريه نمرود وقدمت على مسرح النادي الثقافي الآشوري في بغداد وفي النادي الآشوري في البصرة عام 1978.
6.   كتب مسرحية الجوهرة (مركانيتا) من أخراج الفنان أيبي سركيس وقدمت على مسرح النادي الثقافي الآشوري بتاريخ 04/08/ 1978.
أكتفي بهذا القدر من نشاطات المؤلف والتي تعد بالعشرات سواء في بغداد أم في سيدني والتي أسردها المؤلف في الصفحة 163 من كتابه، منهياً هذه النشاطات بذكر مجموعة كبيرة من الجوائز التقديرية التي نالها المؤلف سواء في العراق، منها كتاب شكر وتقدير من المؤسسة العامة للسينما والمسرح العراقية، ومجموعة جوائز في سيدني لأعماله المسرحية والتدريسية والإذاعية.
هنا من الضروري وقبل الولوج في محتويات الكتاب، أرى من الضروري التذكير بأنه كان قبل بضعة سنوات عندما ألتقيت بالصديق يوسيفوس في سيدني وشرح لي فكرة مشروعه بتأليف كتاب عن المغني الآشوري المعروف أدور يوسف – بيبا. فبعد نقاش طويل نقدا وتحليلا قلت له يا صديقي العزيز لا تخوض هذه المغامرة لأنه لا يمكن أن تخرج منها بنتائج مرضية وذلك بسبب ضخامة العمل الذي يتطلبه الكثير من الجهود والمراجع والوثائق والصور وحتى الذكريات والتي يصعب الوصول إليها. غير أن رابي يوسيفوس أكد وبإصرار بأن محتويات الكتاب هي جهود مضنية لأكثر من ثلاثين سنة ولا يمكن أن أتركها تُهمل وتذهب أدراج الرياح بل سأعمل المستحيل لترى النور ويستمتع أبناء شعبنا بقراءتها. يقول المؤلف في مقدمة الكتاب "لم تكن قصة حياة الراحل المطرب أدور يوسف بيبا بسهلة بل هي ثمرة جهود أمتدت لأكثر من ثلاثين عاما أي منذ عام 1985 بذلتها في البحث وجمع المعلومات والصور والأغاني التي خلفها الفنان بيبا وراءه في بلاد مابين النهرين – العراق والدول الأخرى". وفعلا كان أصرار صديقي يوسيفوس في محله، إذ تمكن من تجسيد جهوده المضنية والضخمة في هذا الكتاب الذي لم يبخل على جهده ووقته في إنجازه وطبعه على حسابه الخاص تخليدا لذكرى هذا المغني الآشوري المعروف.
 



الغلاف الأول للكتاب            الغلاف الأخير للكتاب
==========================================
الكتاب طبع  بحلة جميله وتقنية عالية وبألوان زاهية ويقع في 166 صحفة من القطع الكبير ويمكن وصفه بالموسوعة أكثر مما هو كتاب وذلك بسبب محتوياته الضخمة والمعلومات الوافرة عن مختلف مناحي حياة الآشوريين في تلك الفترة التي عاصرها الفنان المرحوم أدور يوسف. فبدءأ بمحتويات الكتاب وتقديم السيدة ميرنا سركيس للكتاب، يتكون الكتاب من الفصول التالية:
•   الفصل الأول: أهداء إلى الراحل أدور يوسف بيبا – الشكر والتقدير، الإهداء فالمقدمة.
•   الفصل الثاني: دور الفن الغنائي والموسيقي في المجتمع وتطوره.
•   الفصل الثالث: أدور يوسف بيبا – حياته – ذكرياته – أصدقاءه القدامى – بداية مشواره الفني.
•   الفصل الرابع: الفلكلور – الغناء والرقص الآشوري – المطربين الآشوريين – بيبا والحداثة في الغناء.
•   الفصل الخامس: أدور يوسف بيبا والمسابقة التلفزيونية – صوته – ألحانه وكلماته – تسجيل أغانيه.
•   الفصل السادس: أدور يوسف بيبا وبداية غناءه مع الفرق الموسيقية الغربية والشرقية – إسطواناته.
•   الفصل السابع: أدور يوسف بيبا وموسيقيين وشعراء وكتاب الأغاني الآشورية.
•   الفصل الثامن: أدور يوسف بيبا يغني في الجمعيات والمراكز الإجتماعية والكليات في بغداد.
•   الفصل التاسع: الفنان أدور يوسف بيبا وعلاقته الفنية مع الفنانين.
•   الفصل العاشر: بيبا يغني في الأندية الآشورية في بغداد والمحافظات العراقية.
•   الفصل الحادي عشر: دعوة أدور يوسف للغناء في الولايات المتحدة الأمريكية .
•   الفصل الثاني عشر: عودة أدور يوسف بيبا للعراق لإكمال أوراق زواجه والرجوع إلى أميركا.
•   الفصل الثالث عشر: أدور يوسف بيبا يغني في مالبورن وسيدني وقُدم في تلفزيون قناة 31 أشوري – سيدني
•   الفصل الرابع عشر: جدول بأسماء الفرق الموسيقية الغربية الآشورية في العراق.
•   الفصل الخامس عشر: رحيل الفنان أدور يوسف بيبا ومراسيم الصلاة والتشييع من قبل أبناء شعبنا الآشوري.
•   الفصل السادس عشر: ماذا قال محبو الفنان أدور يوسف بيبا يوم رحيله – رثاء في رحيله.
•   الفصل السابع عشر: أغاني أدور يوسف بيبا باللغة الآشورية والعربية مع جداول أغانيه.
•   الفصل الثامن عشر: الخاتمة ومجموعة مقابلات بيبا في الجرائد والصحف والمجلات.
•   الفصل التاسع عشر: وداعاً أيها الملك وداعاً أدور يوسف بيبا.
•   الفصل العشرون: المصادر.
====================================================
                      



صور لملك الغناء الآشوري بيبا في عمر الشباب
========================================================
من خلال المرور بعناوين فصول الكتاب التسعة عشر، نرى بأن بعضها لا تتجاوز أكثر من سطر أو أـثنين أو أكثر بقليل محشوية بالصور والجداول والوثائق مما نتج عن ذلك إفتقار الكتاب بعض الشيء للأصول العلمية وإلى الأساليب المعروفة في تأليف الكتب وتصنيفها وفهرستها، ولكن مع كل هذا، فكما وصفناه بأن هو أكثر من كتاب عادي بل هو موسوعة ضخمة لمعلومات وصور وووثائق وأشعار وأغاني وذكريات بحيث وصل عدد الصور المنشورة في الكتاب أكثر من خمسمائة صورة،  صور شخصية وجماعية وفرق موسيقية وفنانون والشخصيات التي عاصرها المغني بيبا والنشاطات التي أقامها في بعض الأندية والجمعيات الآشورية بحيث يصعب جدا حصرها في بعض الصفحات. والأكثر من كل هذا، هو قدرة المؤلف على حصوله للعديد من الصور الشخصية لعدد كبير من المطربين والفنانين والمؤلفين والشعراء والبعض منهم ماتوا منذ زمن ليس بقريب. وما يثير أكثر أهتماماً بالجهد الكبير المبذول من قبل المؤلف هو قدرته على إدراج 44 أغنية لبيبا للفترة من سنة 1962 لغاية سنة 1993 ذاكراً كلمات الأغاني باللغة الآشورية والمترجمة إلى العربية مع  أسماء مؤلفيها وملحنيها والإسطوانات التي تم تسجيلها في أستوديو بشيرفون الذي كان يملكه الموسيقار المبدع جميل بشير الذي لعب دوراً رئيساً في إنتاج أسطوانات معظم المطربين الآشوريين في تلك الفترة وقبلها. ومن المعروف عن الموسيقار جميل بشير بأنه من عائلة موسيقية معروفة فشقيقه هو الموسيقار العالمي منير بشير وأبنه الموسيقار عمر بشير. وكان الموسيقار جميل بشير مقرب جدا للآشوريين ولأنديتهم وجمعياتهم حيث في حينها ألقى محاضرتين في النادي الثقافي الآشوري في بغداد عن علاقة الموسيقى العراقية، خاصة المقام العراقي، بالموسيقى الآشورية والذي أكد في محاضرته بأن غناء الفلامنكو الأسباني تعود جذوره إلى الغناءالآشوري المعروف بـ "راويه" حيث نقله الموسيقيون العرب عن طريق الأندلس إلى الإسبان.
على العموم أقول بأنه ليس بالأمر السهل تغطية هذا الكتاب شرحاً وتفصيلا وتحليلا ونقدا وتثمينا ذلك لأن القيام بمثل هذه المهمات صعب جدا إن لم يكن مستيحلاً وذلك بسب الصفة الموسوعية للكتاب وإحتواءه على معلومات وصور ووثائق لم تكن معروفة ولامتاحة في السابق، وإن كانت، فأن معظمها قد تكون تُلفت أو طيها النسيان أو في أحسن الأحوال كانت من الممتلكات الشخصية لأفراد والتي أرتكنت على الرفوف العالية يغطيها الأتربة والإهمال. ومهما ذكرنا عن أهمية هذا الكتاب في كل ما ذكرناه، إلا أن الصفة التوثيقية للكتاب ولمختلف مناحي حياة الآشوريين في تلك الفترة تأتي في مقدمة هذه الأهمية ذلك لأنه من المؤسف أن نقول بأن مجتمعنا الآشوري يفتقر كثيراً إلى مسألة التوثيق التي تشكل جزء مهم في تحديد وتعريف بهويتنا القومية والحفاظ على ميراثها الإجتماعي والفني والثقافي.
 والأكثر من كل هذا وذاك، هو توثيق للمؤسسات والجمعيات والأندية الآشورية والتي بعضها لعبت دوراً كبيرا في تنمية الوعي القومي الآشوري وشارك بيبا في بعض من نشاطاتها وغنى في أمسياتها وحفلاتها ومنها النادي الثقافي الآشوري في بغداد حيث أدرج رابي يوسيفوس بعض السطور والصور عن هذا النادي معتمدا على كتابي المعنون (النادي الثقافي الآشوري – مسيرة تحديات وإنجازات – 1970 -1980) والذي يعتبر عمل توثيقي مهم في مرحلة من مراحل تاريخ الآشوريين المعاصر في العراق. وإذا كان الكثير من الآشوريين خاصة المهتمين بالشأن القومي يعرفون عن هذا النادي، فأنه قلة قليلة جداً، خاصة الأجيال المعاصرة، تعرف عن مؤسسة آشورية أخرى لعبت دوراً مهما في حياة الآشوريين ومن مختلف مناحي الحياة، إلا وهي جمعية الرحمة الآشورية والتي كانت تابعة لكنيسة المشرق الآشورية. وحسناً فعلا رابي يوسيفوس عندما كرس صفحة واحدة عن هذه الجمعية معززة بصور وأسماء أعضاء الهيئة الإدارية، وتسهيلا للأمر ندرج في أدناه هذه الصفحة لتكون أكثر وضوحاً وفائدة للجميع. علماً بأنه بعد مجيء حزب البعث العراقي على السلطة في العراق أغلق هذه الجمعية لأنه كان يعتقد بأن نشاطها يعرض أمن وإستقرار البلد للخطر والبلبلة ولها تطلعات شوفينية لا بل كان يعتقد بأن نشاطها القومي لا يتوافق مع سياسته الإستبدادية تجاه الأقليات خاصة وأن أعضاء الهيئات الإدارية للجمعية كان لهم توجهات وأفكار قومية آشورية.
 

=============================================================
وأخيرا وقبل أن نختم هذه السطور، نود إعلام القراء الأعزاء بأنه نظراً لأهمية الكتاب ولكونه سجلا توثيقياً لمرحلة من مراحل تاريخ أمتنا المعاصر، سيقوم النادي الثقافي الآشوري في عنكاوه – أربيل بإعادة طبعه وتوزيعه على مؤسسات وأندية أبناء شعبنا في الوطن وإرسال بعض النسخ إلى بلدان المهجر، وفي الوقت نفسه سيزور رابي يوسيفوس سركيس شمال الوطن وسيقوم بألقاء محاضرة في النادي عن الكتاب مساء يوم الجمعة المصادف 08/نيسان/2022 في وقت توزيع الكتاب على الحضور.
===================================
هذه بعض الصور من بين أكثر من 500 صورة في الكتاب التي تعكس المضمون المهم والموسوعي للكتاب:

 
حسنا فعل مؤلف الكتاب رابي يوسيفوس عندما أدرج صفحة عن تاريخ المدرسة الآشورية في الموصول والتي كانت معروفة بـ "مدرسة قاشا يوسف قليتا" التي أخرجت خيرة مثقفي أمتنا في القرن العشرين
============================================================

 
صور لكمب الكيلاني في بغداد الذي كان أكبر تجمع سكني للآشوريين في بغداد ومنها برز أشهر الفنانيين الآشوريين، فبالإضافة إلى بيبا كان هناك الفنانون سامي ياقو، تيدي نيقاديموس، رمزية نيقاديموس، ولتر عزيز، شاول ملكو والأديب الكبير كوريل شمعون وغيرهم عشرات الفنانين والأدباء والقوميون الآشوريون.
============================================================


 

 

 
أشهر الفرق الموسيقية في زمن بيبا وأستطاع المؤلف أن يدرج أسماء 96 فرقة موسيقية عاصروا المغني بيبا.
============================================================
 

بعض من المؤسيقيين وكتاب الأغاني الذين عملوا مع المغني بيبا
========================================
 


بعض من المغنيين والموسيقيين الآشورين الذين غادروا هذا العالم
======================================================


 
الشاعر الكبير ومؤلف الأغاني المرحوم دنخا إيشا، الذي شارك مع المغني المعروف شليمون بيت شموئيل في تأليف الأغنية الأكثر شعبية وإنتشارا لبيبا عند الآشوريين (سابرجيون) ولحنها الفنان شليمون بيت شموئيل. ومن المعروف عن الشاعر المرحوم دنخا أيشا بأنه ألف العديد من الأغاني القومية للمغني شليمون منها (أورخت نينوي) و (سميل) وغيرهما.
================================================================

 
المرحوم الإعلامي المبدع الخالد الذكر ولسن يونان (على اليمين) كان أيضا عازفاً جيداً للكيتار وعزف مع المغني بيبا في حفلة رأس السنة التي أقيمت في مدينة ميلبرون – أسترااليا بتاريخ 31/12/1984 ضمن فرقة موسيقية آشورية  في إستراليا عرفت بـ (Assyrian Wilson Band) وفي العراق كان أيضا للمرحوم ولسن يونان فرقة موسيقية شاركت في العديد من الحفلات والمناسبات القومية كما عزف الكيتار مع بعض المغنيين العراقيين أمثال فاضل عواد وسيتا أكوبيان وغيرهما. 
====================================
وأخيرا نظرا لأهمية هذا الكتاب في توثيق تاريخ أمتنا من مختلف النواحي الفنية والأدبية والثقافية أقترح على جميع مؤسساتنا القومية، خاصة في بلدان المهجر، أن تحذوا حذو النادي الثقافي الآشوري في عنكاوة – أربيل في إعادة طبع هذا الكتاب الموسوعي المهم ليكون متاحاً لأبناء شعبنا في بلدان المهجر. علماً بأن مؤلف الكتاب لا يسعى إلى الربح المادي من إعادة طبع الكتاب غير إعلامه قبل القيام بذلك.


25
ونحن نحتفل بالأول من نيسان رأس السنة الآشورية:
------------------------------

يجب أن لا ننسى أبطالنا المنضالين... آشور وعدنان
-----------------------------
أبرم شبيرا
مهما أنتقدنا الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) وكشفنا وحللنا بعض من إخفاقاتها طيلة مسيرتها النضالية الطويلة، وهذا أمر طبيعي جداٍ، فأنه ليس من الشهامة والرجولة والإخلاص لهذه الأمة أن ننسى بعض من كوادرها الذين عملوا وضحوا من أجل، ليس لإستمرار زوعا وبقاءها فحسب ، بل أيضا وهو الأهم، عملوا وناضلوا في ترسيخ مفاهيم التضحية والنضال في سبيل أمتنا من دون تمييز بين هذه التسمية وتلك، فمثل هذه الإشكاليات لم تعيق مسيرتهم النضالية مهما فسرت هذه الإشكاليات بالتعقيدات والغوغائيات لأنها لم تشكل عامل مؤثر في مسيرة أبطالنا مثل المرحومان آشور أسخريا وعدنان أسطيفان ونحن نتذكرهم بمناسبة مرور سنة أو أكثر على غيابهم عن هذا العالم عبر هذه المناسبة التاريخية لأمتنا وهما جسدياً غائبان عنًا، ولكن للحق نقول بأنهما حاضران روحياً وفكرياً وفي كل خطوة نخطوها مع ألاف المشاركين في المسيرة النسانية. وللحق أقول أيضا فأن كل هتافات وشعارات ولافتات ترفع في هذه المسيرة هي أكراماً وإجلالا لآشور وعدنان وغيرهما من الأبطال والشهداء وإن كانوا تنظيمياً منتمين إلى زوعا إلا أنهم فكرياً ووجدانيا هم شهداء هذه الأمة يندرجون في قائمة أبطال وشهداء أمتنا أمثال شهيد الأمة والكنيسة مار بنيامين شمعون وفريدون أتورايا وتوما أودو وأغا بطرس والمئات غيرهم من شهدائنا المعاصرين، فهؤلاء الأبطال والشهداء لم يكونوا منتمين إلى هذا الحزب أو ذاك أو إلى تلك العشيرة أو كنيسة بل كان إنتمائهم الأساسي لهذه الأمة وعملوا وضحوا بحياتهم من أجلها، من هذا المنطلق يجب أن نتذكر وبإجلال نضال الشرفاء من أجل أمتنا حتى وأن غابوا عنًا.
عرفت المناضل آشور أسخريا، رحمه الله، ليس بإمكانياته الهائلة في خدمة أبناء أمته سواء من خلال ترأسه الجمعية الخيرية الآشورية أو من موقعه في المكتب السياسي لزوعا فحسب، بل بمكانته القريبة جداً من الكثير من أبناء شعبنا الذين عرفوه بدماثة خلقه ورفعة سلوك تعامله مع الغير ورصانة أفكاره بحيث كنًا نعتبره من أكثر أعضاء قيادة زوعا محبوباً ومحترماً من قبل الغير. وللحق أقول، رغم صداقتي معه إلا إنني لم أسمع من أي شخص ينتقده أو يهاجم عليه لكونه عضو قيادي في زوعا، والحال نفسه مع المقاتل المرحوم عدنان، فرغم معرفتي القصيرة به، إلا أنه كانت أخباره البطولية وحرسه الشديد على أمن وإستقرار شعبنا في مناطقه التاريخية تصلنا وبنوع من الفخر والإعتزاز بهكذا أبطال شعبنا، وهنا أكد مرة أخرى، سواء أكان مثل هؤلاء المناضلين أعضاء في زوعا أو في تنظيم آخر أو كانوا مناضلين مستقلين فهذا أمر لا يشكل أي إعتبار في خواتم موازين النضال القومي الآشوري.
لا أريد الإطالة إلا أن أذكر هاذان المناضلان ونحن نحتفل برأس السنة الآشورية من خلال بعض الصور التي جمعتنا معهم... لتحيا ذكراهما وغيرهما من شهداء أمتنا بهذه المناسبة العظيمة. صور جامعة مع المناضلين المرحومين آشور سركون أسخريا والمقاتل الشجاع عدنان أسبانيا... ألف وألف رحمة على روحهما... صور أخذت أثناء زيارتنا لشمال الوطن في جبال آشور ومنطقة برواري بالا في أيلول عام 2019 ويظهر فيها أيضا الأصدقاء أزاد يونادم وشليمون أسبانيا.   
 

26
الحركة الديموقراطية الآشورية تعاود نشاطها في الأول من نيسان
================================================
أبرم شبيرا
عادت الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) لتجدد نشاطها الجماهيري عبر إحتفالات الأول من نيسان من هذا العام، حيث أعلنت اللجنة العليا لإحتفالات نيسان للحركة في بيان لها "إلى أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" دعوتها العامة لكافة مؤسساتنا القومية والدينية والثقافية والمدنية وأبناء شعبنا الأعزاء من الوطن والمهجر للمشاركة في إحتفالات الأول من نيسان والتي تتوجها المسيرة البنفسجية في نوهدرا وتعقبها عدة إحتفالات وفي مدن مختلفة" ... وأكدت "بأن مشاركة أبناء شعبنا ومنظماته المختلفة في هذه الإحتفالات يأتي كدعم للقضية القومية في الوطن وتجديد لذواتها القومية في وطن الأباء والأجداد خاصة وأن أهمية هذه المشاركة تأتي بعد توقف هذه النشاطات لعامين متتالين بسبب جائحة كورونا".... هذا ما جاء في بيان اللجنة العليا لإحتفالات نيسان الصادر في نوهدرا في التاسع من هذا الشهر (إذار) 2022.
ويأتي تجدد نشاط زوعا الجماهيري، ليس بعد توقف هذه الإحتفالات  لعامين متتالين بسبب جائحة كورونا، بل بعد تباطئ نشاطها المعروف في سجلها السياسي القومي الناجم من سؤء إدارة الأزمات والمشاكل على المستوى التنظيمي الداخلي من جهة، وعلى مستوى الخارجي وتحديدا ما يخص الإنتخابات البرلمانية سواء في الإقليم أم المركز والتخبط في تحديد أولويات التعامل والتحالف مع القوى السياسية الفاعلة في الإقليم والمركز، من جهة أخرى. ووفق هذا السياق، فمن الضروري ألإشارة هنا والقول بأنه ليس من المعقول إطلاقاً قدرة زوعا على حشد عشرات الألاف في مسيرة الأول من نيسان وتعجز في نفس الوقت عن حصولها على الأصوات المطلوبة للفوز بكرسي برلماني أو أكثر، ونحن نعرف جيداً بأن العشرات المئات من المشاركين في المسيرة التي تنظمها زوعا ليسوا أعضاء فيها وربما ليسوا من مناصريها، بل يمكن إعتبارهم من مؤيدي زوعا في نهجها القومي.
من هنا نقول، إذا كان صحيحاً بأن زوعا قد تراجعت من الناحية السياسية الرسمية، أي تقلص كثيرا شرعيتها القانونية الرسمية عقب فقدانها للكراسي التي كانت من حصتها في البرلمان وذلك سبب جملة عوامل منبعثة من فساد النظام السياسي في العراق وإبتلاع الكوتا المخصصة لشعبنا من قبل الذئاب المفترسة أو عن طريق وكلائها، فإنها من جهة أخرى لازالت زوعا تمتلك نسبة لا بأس بها من الشرعية الثورية الجماهيرية المنبعثة من تاريخ نضالها القومي في ظل نظام مستبد وتقديمها لشهداء في مسيرتها هذه والمنجزات التي تحققت خلال السنوات الماضية. فمن خلال هذه الشرعية الجماهيرية أستطاعت زوعا حشد عشرات الألاف من أبناء شعبنا في المسيرة النيسانية ومن المؤكد سيكون الأمر نفسه في المسيرة القادمة في الأول من نيسان هذا العام، وهذه حالة حقيقية سواء أتفقنا مع زوعا أم لا فهذا الأمر لا يغير من هذه الحقيقة الواقعية بشيء.
 من هذا المنطلق يجب أن ينظر إلى تباطئ وتراجع زوعا في سجلها القومي من خلال الظروف الموضوعية التي أجتاحت ساحة العراق السياسية والقوى المهيمنة عليها والمعروفة بتناقضها أن لم نقل بعدائها لتطلعات شعبنا القومية في الوطن. فمن المؤمل أن تعالج زوعا هذه الأمور في مؤتمرها العام القادم وتبحث عن الخلل في تراجع سجلها القومي السياسي وإيجاد الحلول المناسبة له، خاصة الأمور الداخلية التي هي ضمن إرادتها وإختصاصها أكثر من الأمور الخارجية التي يصعب التعامل معها في ظل نظام فاسد طائفي محاصصي، لا ناقة لنا فيه ولا جمل، كما يقول المثل.
على العموم، تأتي الإحتفالات بعيد الأول من نيسان، رأس السنة الآشورية التي عرفت في أيام أجدادنا الآشوريين بـ "أكيتو" نافذة جيدة للتلويح من خلالها بأيادينا بالشكر والإمتنان لزوعا لقيامها بتنظيم هذه الإحتفالات التي تأتي أهميتها من أولا: في كونها ركن من أركان وجودنا القومي التاريخي في أرض الوطن إلى جانب مقومات أمتنا الأخرى من لغة وتاريخ وعادات وتقاليد وأرض. ومن المعروف بأن الإتحاد القومي الآشوري (خوياد) كان هو الذي قرر رسمياً أعتبار الأول من نيسان رأس السنة الآشورية وعيداً قومياً في بداية السبعينيات من القرن الماضي ويستوجب الإحتفال به كعيد قومي للآشوريين، إلا أنه من حيث الوقائع التاريخية كان أباؤنا وأجدادنا في قرى موطن بلاد مابين النهرين سواء بجزءه العراقي أم بجزءه التركي، كانوا منذ الصباح الباكر من الأول من نيسان يقطفون باقة من أنواع الورود المختلفة والأعشاب الطيبة ويلصقونها كحزمة على العتبة العليا لباب البيت ويقولون بأن هذا هو  "دقنه د نيسان – أي لحية نيسان. وبهذا الخصوص، أستفسرنا الباحث اللغوي والتراثي الدكتور عوديشو ملكو حيث أكد في حديث شخصي معه بأنه كان (دقنه أو اللحية) في تراث أبائنا وأجدادنا رمزاً للإحترام والتقدير والتقديس لكبار القوم من ملوك وكهنة وقادة وكانت الورود المختلفة الألوان والانواع  التي تنمو في جبال بلاد آشور تزين لحية الملك الآشوري أثناء الإحتفالات بعيد رأس السنة. لهذا السبب كان أبناؤنا وأجدادنا يعتزون بهذه المناسبة التاريخية ويحتفلون بها من خلال وضع "دقنة د نيسان" على العتبة العليا لمدخل البيت. أما الأهمية الثانية للإحتفال بالأول من نيسان هو كون المسيرة النيسانية ظاهرة جلية جماهيرية تؤكد لجيراننا من القوميات الأخرى في العراق بأننا شعب أصيل وأصحاب هذه الأرض المقدسة التي أرتوت بدماء شهداء أمتنا منذ زمن طويل ولسنا "جالية مسيحية" أو "مكون مسيحي"، لتهضم حقوقها القومية بحجج بعيدة كل البعد عن تطلعات شعبنا القومية.
كان جميل جدا أن نرى أبناء شعبنا سواء في الوطن أم في المهجر وبمؤسساتهم القومية والسياسية والإجتماعية  يحتلفون بهذه المناسبة العزيزة على الجميع دون إستثناء، غير أنه من المؤسف له بأن هذه الإحتفالات أقتصرت، في الآونة الأخيرة على بيان أو إعلان أو ربما ببعض التجمعات البسيطة، خاصة في بلدان المهجر. ولكن لكي يصبح هذا العيد قومياً ومبهجا للجميع يتطلب من الجميع المشاركة في إحتفالاته ونحن نعرف بأن معظم ابناء شعبنا وبمنظماتهم السياسية والقومية والإعلامية يستمدون مصدر أنتمائهم وفكرهم القومي من هذه الأرض الطيبة ومن المقومات القومية لأمتنا المنبعثة منها، ولكن للحق نقول بأن جانب من مصداقيتهم ستكون ناقصة ما لم يزور أبناء شعبنا في المهجر أرض الوطن والمشاركة في مثل هذه الإحتفالات القومية والتاريخية. والحال نفسه ينطبق على أبناء شعبنا في أرض الوطن وبمنظماتهم السياسية والقومية وأحزابهم حيث يتطلب منهم المشاركة في المسيرة النيسانية القادمة حتى تتحقق مصداقيتهم تجاه هذه المناسبة الغالية على الجميع. ولكن نحن نعرف بأن منظم هذه المسيرة في الأول من نيسان القادم هو الحركة الديموقراطية الآشورية، فكيف نتصور من غيرها من الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية في أرض الوطن المشاركة في مثل هذه المسيرة وهم يعيشون في أجواء خانقة من التحزبية والأنانية؟ الأمر المؤسف جدا هو أن عدم المشاركة في مثل هذه التظاهرة الجماهيرية، مهما يكن منظمها دليل قاطع على طغيان التحزبية على المسائل القومية المهمة. أفهل يعني مشاركة حزب من أحزاب أمتنا في هذه المسيرة بأنه خضوع أو إذعان لزوعا؟ كلا وألف كلا، فالمشاركة ستكون دليلا قاطعاً على قومية هذه الأحزاب ومصداقيتهم تجاه مقومات وجودهم القومي المتمثلة في إحتفالات الأول من نيسان خاصة إذا شكلوا من جانبهم كردوساً من أعضائهم ومناصريهم ورفعوا شعاراتهم وصرخوا بهتافاتهم القومية ليؤكدوا وجودهم على الساحة السياسية مع غيرهم من أخوتهم السائرين على نفس طريق النضال القومي، وفي حالة رفض أو إعاقة منظم المسيرة (زوعا) لهذا الحظور والمشاركة فعندئذ سيكون لكل حادث حديث.
====================================================================

أبناء وبنات أمتنا الآشورية من كشرو وهم على جسر زاخو في طريقهم إلى أحتفالات الأول من نيسان
==================================================================
أما لأبناء شعبنا في المهجر ولاحزابهم السياسية وتنظيماتهم القومية، لا نقول كثير إلا أن ينظروا إلى تجمع كشرو الشبابية الذين يتركون أعمالهم ودراستهم وعوائلهم ولا يبخلون على بضعة آلاف من الدولارات إلا ويزورون أرض الوطن في كل عام للمشاركة في الإحتفالات الأول من نيسان وزيارة قرانا وقصباتنا وأديرتنا والإلتقاء بأبناء شعبنا هناك، في الوقت الذي هناك المئات من أبناء شعبنا ظروفهم المالية والإجتماعية أحسن بكثير من هؤلاء الشباب والشابات أبناء كشرو إلا أنهم يرتعبون من زيارة أرض أبائهم وأجدادهم والقرى والقصبات التي ولدوا وترعروا فيها وبحجج مختلفة وباهتة، في الوقت الذي يقضون إجازاتهم السنوية في بلدان أخرى غريبة ويصرفون فيها آلاف من الدولارات. أين نخوتكم القومية؟  أفهل هي بالنميمة والتملق القومي في "تحرير آشور" وعرض العضلات على مواقع التواصل الإجتماعي أم بالفعل والتضحيات البسيطة، إن كانت فعلا تضحيات، والوفاء لأرض الأباء والأجداد. تصرخون وتحتجون ليل نهار على تجاوز الأكراد والشيعة على قراكم ومزارعكم ولكن يا أخوتي وأنتم بعيدين لا أحد يسمع صراخكم في أرض الوطن إلا أن تكون قريبين وأقدامكم ثابتة على أرض آشور. وأرجو أن لا يفهم من هذا بأنه يستوجب منهم ترك بيوتهم الجميلة والدافئة في المهجر وترك أعمالهم وأملاكهم ومدارس وجامعات أولادهم والعودة النهائية لأرض الوطن والإستقرار فيه وكلنا نعرف بأن هذا مستحيلاً في المنظور القريب والمتوسط ولكن زيارة واحدة للوطن، على الأقل في السنة وإستنشاق هواء الأرض التي ولدتهم أو ولدوا أبائكم فيها، لا بل وستجددون روحكم القومية وستعززون إنتسابكم لهذه الأرض ولإنتمائكم القومي أمر ممكن جدا فلا تبخلوا على بضعة مئات من الدولارت من أجل حرمان نفسهم من نعمة زيارة الوطن... (زورونا كل سنة مرة ... ليس حرام بل حلال) مع الإعتذار لإغنية فيروز.   
=============================================================

شلاما من أترا ومن المسير النسانية إلى أبناء أمتي... تعالوا وأستمتعوا بمتعة المشاركة مع الأصدقاء الأعزاء ومع أبناء شعبنا الصامدين على أرض آشور... نراكم في الأول من نيسان القادم .... أبرم شبيرا

27
أخطاء شائعة في التاريخ الآشوري – 3
-----------------------

القادمون من الشرق لسجود المخلص المولود في أورشليم... هل كانوا مجوسا أم آشوريين؟
===================================================
كلمة لا بد منها:
---------
يظهر للوهلة الأولى بأن العنوان الرئيسي لايستقيم مع العنوان الثانوي للموضوع. لأن الأول هو عن التاريخ الآشوري، وتحديدا  عن التاريخ القومي الآشوري بشكل عام. في حين الثاني هو عن موضوع ديني وارد في الإصحاح الثاني من أنجيل القديس متى، أي بمعنى آخر هو موضوع متعلق بالإيمان المسيحي في ولادة المخلص يسوع في اورشليم يخص كل الشعوب المسيحية في العالم وليس الآشوريين فحسب. ولكن لو قرأنا التاريخ الآشوري بجانبيه القومي والديني وبإمعان وموضوعية وبعيدا عن الخرافات والخزعبلات سوف نرى بأن هناك تناسق وترابط عضوي بين العنوانين، ذلك لأن الترابط العضوي لتاريخ الآشوريين بين ما هو قومي وديني يجعل أمر الفصل بينهما مستحيلاً سواء أكان ذلك في عهد الآشوريين القدماء الذي كان آشور إلهم القومي والديني أو بعد سقوط أمبراطوريتهم وأعتناقهم المسيحية وهي في بداية سنواتها الأولى وأصبح كيانهم القومي مرتبطاً أرتباطاً عضوياً بكنيسة المشرق، بسبب إفتقارهم إلى كيان سياسي قومي خاص بهم، وبالتالي أصبحت هويتهم تمر من خلال هذه الكنيسة كمؤسسة تاريخية تراثية عبرت عن هويتهم القومية وهي حاملة لنفس مقومات وجودهم القومي من لغة وشعب وعادات وتقاليد وموروثات تاريخية بعضها منسوخة من زمن الآشوريين القدماء ومن الديانة الآشورية وأدرجت في الكتاب المقدس. من هذا المنطلق نرى بأن هناك تناسق وترابط بين العنوان الرئيسي مع العنوان الثانوي، هذا من جهة. نلاحظ ، من جهة ثانية، من التساؤل الوارد في عنوان الموضوع (هل كانوا مجوسا أم آشوريين؟) فيه نوع من الاستنتاج المسبق لأن الموضوع مكتوب من قبل آشوري منتمي إلى كنيسة المشرق يعتز كثيرا بكلا الأنتمائين لهذا من المحتم سيكون الإستنتاج المسبق لصالح إنتماءاته القومية والكنسية، أي بهذه العبارة، سيكون هناك نوع من الإنحياز. ولكن لتبرير وشرعنة هذا الإنحياز يستوجبه إسناده بعوامل موضوعية وواقعية حتى يتفق أو يتوافق بشكل عام مع الفكر والمنطق، وهذا ما سنحاول البحث في ذلك.
في عصرنا الحالي، رغم إفتقار الآشوريين إلى كيان خاص بهم وعجزهم عن إمتلاك قوة مؤثرة على مجريات أمورهم القومية، إلا أنه نرى بأن الكثير من الآشوريين قد تسلحوا: أولا: بالعلم والمعرفة والثقافة، وثانيا: بالوعي القومي المناسب لهذه المرحلة وبالتالي قدرتهم على تسخير هذه المعرفة في دراسة تاريخهم بموضوعية ومنطقية بعيداً عن الخرافات والخزعبلات والتشنجات، خاصة بعد أن تمكنوا من تأسيس دولتهم الإنترنيتية المعلوماتية وربط بعضهم بالبعض رغم بعد المسافة الهائلة بينهم وبالتالي يمكن القول بأن وسائل التواصل الإجتماعي وتحديداً الإنترنيت تعتبر من أهم الوسائل الثورية المهمة للآشوريين فيما إذا أستخدمت بشكل عقلاني ومنطقي في خدمة أمتهم خاصة في موضوع محاولة إزالة الكثير من الأخطاء الشائعة التي ألصقت بهم، وهذا الموضوع ما هو إلا محاولة في هذا السياق. من هذا المنطلق سنسعى لبيان بأن القادمين لسجود الطفل يسوع المولود في أورشليم كانوا آشوريين وليس مجوسا ولكن قبل ذلك سنعرض بعض السطور الخاصة بالإصحاح الثاني للإنجيل والتي تخص موضوعنا هذا ثم الإجتهادات والتفسيرات التي وردت على هذا الاصحاح.
الإصحاح الثاني من إنجيل متى البشير:
----------------------
أدناه بعض  المقتطافات من سطور الإصحاح الثاني من الإنجيل والمتعلقة بالموضوع... يُذكر نصاً بأنه "(1) بعدما وُلد يسوع في بيت لحم الواقعة في المنطقة اليهودية على عهد الملك هيرودس، جاء إلى أورشليم بعض المجوس القادمين من الشرق (2)، يسألون أين هُو المولود ملك اليهود؟ فقد رأينا نجمُ طالعا في الشرق، فجئنا لنسجد لهُ.... (9)... فلما سمعوا ما قالهُ الملك، مضوا في سبيلهم. وإذا النجمُ، الذي سبق أن رأوهُ في الشرق، يتقدمهم حتى جاءَ وتوقفً فوق المكان الذي كان الصبُي فيه...... (10) فلما رأوًا النجم فرحوا فرحاً عظيماً جداًـ (11) ودخلوا البيت فوجدُوا الصبيً مع أمهٍ مريم. فجثُوا وسجدوا له، ثم فتحُوا كُنوزهم وقدمُوا لهُ هدايا، ذهباً وبخوراً ومرًا.... ". طبعا هناك أختلافات بسيطة في هذا الإصحاح من ترجمة إلى أخرى ونحن هنا أقتبسنا منه فقط السطور التي تخص موضوعنا هذا.
الإجتهادات حول الإصحاح الثاني:
-------------------
درس وبحث وأجتهد الكثير من الإكليريين من مختلف الكنائس وبعض علماء اللاهوت وطلاب الكتاب المقدس، وكل حسب معتقده الشخصي وإيمانه الديني أو الكنسي، وهنا نبوبها من حيث ورودها في الإصحاح الثاني والإجتهادات عنها:
•   المجوس: لا يختلف كل المجتهدين بأن الثلاثة القادمون من الشرق كانوا مجوسا، أي كانت ديانتهم مجوسية مثلما ورد نصاً في الإصحاح، إلا أنهم يختلفون بعض الشيء في تفسيرهم لمفهوم الديانة المجوسية والشعوب التي إعتنقتها وهو أمر لا يعنينا كثيرا غير تأكيد علماء الكتاب المقدس كون المجوسية ديانة هؤلاء، والذي سنناقشه فيما بعد.
•   أسماء المجوس: الإصحاح المذكور لا يبين أسماء المجوس ولكن أعتمدوا معظم الباحثين على الأسماء التي ذكرها التقليد، أو كما تقول دائرة معارف الكتاب المقدس أن الأساطير هي التي أعطتهم أسماء مثل غاسبار ومليور وبلثازار وأختلف لفظ هذه الأسماء حسب لغات الشعوب. ويرى آخرون بأن هذه الأسماء هي أسطورية وليس لها أساس حقيقي.
•   عدد المجوس: لم يذكر متى الإنجيلي في إصحاحه عدد المجوس غير أن معظم المجتهدين يؤكدون بأنهم كانوا ثلاثة حسب التقاليد الغربية مستندين على الهدايا الثلاثة التي قدموها للطفل يسوع أو تمشيا مع الثالوث الأقدس، أو كانوا يمثلون ثلاثة ملوك من الهند وفارس ومن بلاد العرب. في حين تذكر دائرة المعارف البريطانية بأن عدد المجوس كانوا (12) أثنى عشر حسب التقاليد الشرقية ربما تمشيا مع تلاميذ المسيح او الأسباط اليهودية الأثنى عشر، ويرى البعض الآخر بأنهم يمثلون القارات الثلاث المعروفة في تلك الفترة: آسيا وأوروبا وأفريقيا،
•   ملوكية المجوس: يؤكد معظم المجتهدين بأن القادمين الثلاثة لسجود المخلص يسوع المسيح كانوا ملوك من الشرق رغم أن متى الإنجيلي لا يذكر ذلك. فلربما كان تأكيدهم على الصفة الملكية لهم هو إجتهادهم القائم على أنه حتى الملوك ومن مختلف البلدان سوف يسجدون للمخلص يسوع. غير أن دائرة المعارف البريطانية تذكر بأن هذا الوصف أضيف بعد قرون إلى التقليد لتجميل الحكاية.
•   الشرق: يذكر القديس متى بأن القادمين كانوا من الشرق، ولكن لم يذكر تحديدا أي شرق وما المقصود وأي جزء أو بلد من الشرق. حول هذا الموضوع أجتهد المجتهدون كثيراً فمن من قال بأنهم كانوا من شرق فلسطين وأخرون ذكروا بأنهم كانوا من مصر أو من شرق نهر الأردن. أما المجتهدون العرب والمسلمين فقالوا بانهم كانوا من الجزيرة العربية. غير أن أكثرية المجتهدين يؤمنون بأن المجوس جاءوا من بلاد فارس في زمن الدولة الفرثية الفارسية التي كانت قائمة في زمن يسوع المسيح التي كانت تشمل أراضي إيران والعراق مستندين على الديانة المجوسية للقادمون من الشرق والتي كانت الديانة الرسمية لبلاد فارس.
هكذا أجتهد المجتهدون حول هذا الإصحاح، فلنا الحق أيضا أن نجتهد في هذا المجال بما هو موجود في دلونا وندلي به في عالم هذا الإجتهاد ساعياً لضمان الحقيقة لأمتنا وكنيستنا المشرقية بقدر المستطاع.
مجوس (Magi) أم حكماء ((Wisemen؟
------------------------
ببساطة ووضوح، مضمون معنى المجوس كما ورد في الإصحاح،  يعني المعتنقين للديانة المجوسية، كما أسلفنا في أعلاه، وهذا هو الذي ورد نصاً في الترجمة العربية للإصحاح الثاني من إنجيل القديس متى. أما في تراجم اللغة الإنكليزية للإصحاح فقد وصف هولاء الثلاثة بـ (Wisemen) والذي يعني الحكماء ورجال المعرفة غير الإعتياديين الضالعين في علم الفلك وقراءة النجوم والكواكب، وأشتهر الشرق القديم بمثل هؤلاء الرجال منهم البابليين والآشوريين والكلدانيين والفرس. وكان هؤلاء الحكماء من أقرب الطبقات الإجتماعية للملوك والحكام، إن لم يكن هم أنفسهم حكام. فإذا كان وصف المعتنقين للديانة المجوسية بالمجوس ويعرفون قراءة النجوم والكواكب وضالعين في علم الفلك فهذا لا يعني بشكل مطلق بأن الحكماء (Wisemen) الضالعين بهذه الأمور أيضاً كانت ديانهم مجوسية. فمن المعلوم بأن الفرس أسسوا أمبراطورية واسعة شملت كل بلاد مابين النهرين وجنوب شرقي تركيا (حاليا) وشرق سوريا ووصلت إلى تخوم  نفوذ الإغريق والرومان بحيث تضمنت الإمبراطورية الفارسية الفرثية شعوب مختلفة منهم الآشوريين موضوع بحثنا هذا، الذين لم تكن المجوسية ديانتهم بل كانت لهم ديانة خاصة بهم. وهذا ما تؤكده الحقائق التاريخية بأن الآشوريين مارسوا معتقداتهم الدينية الآشورية بعد سقوط أمبراطوريتهم لغاية إعتناقهم المسيحية وتسربت بعض من هذه المعتقدات القديمة إلى إيمانهم وأصبحت من تقاليد كنيستهم. هناك أعتقاد ساد لفترة طويلة، وهو (الشعوب على دين حكامهم). فعلى هذه القاعدة، أعتقد المجتهدون بأن كل الشعوب التي كانت خاضعة للإمبراطورية الفارسية هم مجوس لأن ديانة ملوك هذه الأمبراطورية كانت مجوسية، ومنهم الذين جاءوا للبحث عن الطفل يسوع المولود في أوشليم، وهذا غير صحيح لأن الإمبراطورية الفارسية كان فيها شعوب أخرى تدين بديانات غير مجوسية منهم الآشوريين واليهود وعرب الجاهلية. 
ماهي ديانة القادمين لسجود الطفل يسوع ؟:
------------------------
يؤكد الاصحاح بأنهم كانوا مجوسا، أي ديانتهم مجوسية والتي سميت في الفترات اللاحقة بالزرادشتية وهي التي كانت الديانة الرسمية لبلاد فارس ولملوكهم والطبقات العليا الدينية والسياسية الذين عرف عنهم بالتشدد والتعصب لديانتهم خاصة عندما كانت تتعرض للتبشير من قبل الديانات الأخرى حيث كان مصير من يترك المجوسية ويعتنق ديانة أخرى، خاصة أبناء الملوك والطبقات العليا، حرقهم بالنار او قطع رؤوسهم. فقبل مجيء الرُسل إلى بلاد ما بين النهرين في أوائل القرن الأول الميلادي، كان يسكنها أيضا شعوب من غير الآشوريين: فرثيين وميديين وعيلاميين وغيرهم، فانطلق الرُسل من مدينة أورشليم  نحو بلاد ما بين النهرين للتبشير برسالة يسوع المسيح. غير انه من الملاحظ بأن هذه الشعوب الآرية التي كانت تعتنق الديانة المجوسية لم تلتف إلى هذا الدين الجديد ولم يثير اهتمامها، لا بل ولم تفهم مغزاه  لذلك لم تنتشر المسيحية بينهم ولم تحقق نجاحاً كبيرا فيهم فبقوا بشكل عام كشعوب وأمم وحكام ودول أو إمبراطوريات محافظين على عقائدهم الدينية، خاصة الفرس مع ديانتهم المجوسية، لأن المسيحية  كانت بالنسبة لهم ديانة أو معتقد أو مفاهيم لا تتوافق إطلاقاً مع حضارتهم أو معتقداتهم أو طبيعة حياتهم الاجتماعية والفكرية والسياسية، لا بل وجدوا فيها، وفي أحيان كثيرة، خطورة تهدد معتقدهم وتعرض كيانهم أو دولتهم إلى الفتن والتحريض والمقاومة والانهيار. لهذا فأنه من غير المنطق أن يهجروا هؤلاء "الملوك" الثلاثة ديانتهم المجوسية الرسمية المعبرة عن كبريائهم وسيادتهم وتراثهم وقطع ألاف الأميال لإعلان الولاء للمسيح المولود في أورشليم وتقديم الهدايا والسجود له لأنه لم تكن لهم، أي للفرس المجوس، خلفية فكرية أو إستعداد نفسي وحضاري لقبول المسيحية وبالتالي نستبعد أن تكون ديانة القادمين الثلاثة لسجود الطفل المسيح مجوسية. والأكثر من هذا، أنه لا يمكن للملوك الثلاثة المجوس، كما أجتهد المجتهدون بأنهم جاءوا من بلا فارس، إجتياز الحدود القائمة بين الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية اللتان كانا في عداء مستحكم وحروب مستمرة من دون أن يتعرضوا للخطر أو للقتل من قبل جنود الرومان، خاصة وأن الرومان كانوا هم المسيطرين على المملكة اليهودية وتحديدا مدينة أورشليم وكان لهم علم، عن طريق الملك هيرودس، بإجتياز الملوك الثلاثة الأراضي الرومانية وسعيهم لدخول أورشليم للقاء الطفل يسوع المخلص الذي عرف عنه بـ "ملك اليهود" وهو الموضوع الذي أثار مخاوف الملك هيرودس من كون هذا كمحالة للتجسس والمؤامرة والإنقلاب عليه من قبل الفرس المجوس مما سعى إلى طلب إستدعائهم بعد زيارتهم للمخلص لقتلهم قبل الرجوع إلى بلدهم.   
القادمون لسجود الرب يسوع المسيح كانوا آشوريين:
------------------------------
إذن، الأحتمال الوارد جدا في كون "الحكماء" الثلاثة آشوريين والذين جاءوا من الشرق، وأكثر إحتمال من بلاد ما بين النهرين الذي هو أقرب إلى شرق أورشليم من بلاد فارس، قائما على:
1 -على العكس من الفرس المجوسيين، فإن الآشوريين كانوا مهيأين فكرياً ونفسيا وحضارية وبدرجة عالية لاستقبال المسيحية واعتناقها، خاصة وأنه كان لهم خلفية عقائدية في وحدانية الرب، كما سبق وأن ذكرنا ذلك في القسم الأول. ويؤكد بعض أساتذة الكتاب المقدس بأنه كان الآشوريون يفهمون وبوضوح ماضيهم في إستقبال وقبول المخلص يسوع المسيح، إضافة إلى ذلك، إختلاطهم بالسبأ اليهودي في الأسر بعد سقوط أمبراطوريته ومعرفتهم ببعض النبوءات الواردة في التوراة خاصة فيما يتعلق بقدوم المخلص لتخليصهم من الإضطهاد والعبودية والأسر. وهي ظاهرة عامة، تقريباً، بأن المضطهدين والأسرى أكثر ناساً تقبلا للفاهيم والمعتقدات التي ستخلصهم من الظلم والأسر. كما وأن قصة الملك أبجر الخامس ومراسلاته مع يسوع المسيح تؤكد بأنه الآشوريين سبق لهم بأنهم سمعوا وقرأوا عن مجئ المخلص ليخلصهم من سيطرة وظلم الغرباء عليهم فكانوا على بينة بنبوءة دانيال في مجئ المخلص قبل الإتصال به.
2 - من المعروف تاريخياً بأنه بعد سقوط نينوى وإستقرار الأوضاع، عاد الآشوريون إلى مناطقهم القديمة وأسسوا كيانات سياسية إجتماعية قائمة على تنظيم أساسه روابط عائلية - أسرية – عشائرية، وكانت جغرافياً تقع ضمن دوائر تقاطع الصراع الفارسي - الروماني بحيث تنواب كلا الإمبراطوريتين السيطرة عليها وبالتالي لم تكن تشكل هذه الكيانات ثقلا محسوبا ثابتا في موازين عملية الصراع بين الطرفين، فتركت لتتمتع بنوع من الإستقلال الذاتي أستفاد الطرفان من خبرتهم للمنطقة لإقتناء معلومات كل طرف عن الطرف الآخر وأصبحت كمركز إستشاري معلوماتي يديرها رئيس هذا الكيان عرف فيما بعد بـ "الإستشاري"  وباللغة الآشورية بـ "ماليك أو مالخ أو مالوخا". من هنا يمكن القول بأن عائلة المالح في عنكاوه المنحول من الكلمة الآشورية "مالخ أو مالوخا" كانوا مستشاريين لملوك وأمراء مدينة أربئيلو الآشورية، حالياً أربيل، ولا علاقة لها بمادة الملح إطلاقا. (كنتُ أناقش هذا الموضوع كثيرا مع الصديق الأديب المرحوم د. سعدي المالح وكنًا نصل إلى مثل هذا الإسنتناج). من هذا المنطلق، نؤكد بأن كلمة ماليك بالآشورية الذي كان زعيماً لعشيرة في جبال حيكاري لا علاقة لها بـ "ملك" أو "ماليك" كتصغير للملك في اللغة العربية. وهذا ما أكدته بعض الدراسات التي قامها بها الباحثون الروس في بداية القرن الماضي وقبل قيام الحرب الكونية الأولى، مؤكدين بأن العشائر الآشورية في جبال حيكاري تعود جذورها إلى تلك الكيانات التي تأسست بعد سقوط نينوى. من هنا نرى، على العكس من الفرس المجوس بأن ضعف القيود السياسية والدينية المباشرة على رؤساء الكيانات الآشورية "ماليك" وعدم خضوعهم بشكل مباشر للسطات السياسية والقانونية الفارسية والرومانية، والذي أستمر هذا الوضع السياسي مع العشائر الآشورية المستقلة في منطقة حيكاري في زمن الدولة العثمانية قبل قيام الحرب الكونية الأولى. شكلت كل هذه الظروف سهولة لهؤلاء الثلاثة لقطع الحدود بين الإمبراطوريتين وإجتياز الأراضي الخاضعة للفرس والرومان والوصول إلى أورشليم، خاصة وأنهم كان لهم سعة بمعارف الأجرام السماوية وعلم الفلك أعانتهم على الإستدلال عن طريق النجمة الساطعة التي أرشدتهم إلى مكان ولادة المسيح. وهنا أتذكر بهذا الخصوص بعض حكاياتي جدي رحمه الله حيث كان، رغم عدم دخوله المدارس والتعلم، حاله كحال معظم الآشوريين في حيكاري، كان يعرف أسماء بعض النجوم والكواكب المعروفة في زماننا هذا وحتى أثناء ترحالهم في جبال حيكاري كانوا يسترشدون بالنجوم والكواكب والشمس في معرفة الوقت وطرقهم الوعرة.  وكنت أستغرب كثيرا وأسأله عن مصدر معرفته بهذه الأسماء فكان يقول بأنه سمعه من والده وطبعاً والده من جده... وهكذا. وأتذكر منها مجرة (درب التبانة) وبالآشورية (أرخت د تونا) و مجرة (دكدن) لا أعرف أسمها بالعربية، وغيرها التي أعاد إكتشافها علماء هذا العصر وسميت بأسماء أخرى أو بأسمهائهم الشخصية. وهذا ما يؤكده الباحثون بقولهم أن  الذين عرفوا بـ الحكماء، أي (Wisemen) الذين جاءوا يبحثون عن الطفل يسوع كانوا آشوريين جاءوا من شمال الشرق، أي من شمال بيت نهرين، ومن المؤكد بأنه كان لهم تاريخ في البحث عن المسيح المخلص.
 
3   - كانت هناك أسباب سياسية وظروف سياسية تؤكد كون "الحكماء" الثلاثة آشوريين، حيث لم يكن لهم لا حكومة رسمية ولا سلطة إمبراطورية مركزية أو تنظيم مركزي قوي أو كيان مستقل ومحدد بمصالح خاصة أو حتى دين رسمي خاص لدولة خاصة بهم وبحكامهم يحول دون اعتناق المسيحية ديناً لهم. أي أن الفضاء السياسي والديني كان مفتوحاً أمامهم وأمام كياناتهم السياسية الهامشية الصغيرة لتأكيد ذاتهم من خلال الديانة الجديدة التي كانت تخالف ديانة حكامهم المتسلطين عليهم وتتوافق مع ديانتهم القديمة وعقليتهم الإيمانية. 
من هذا المنطلق نقول بأن الحكماء (Wisemen) الوارد ذكرهم في العهد الجديد الذين قدموا من الشرق ليسجدوا المسيح المخلص المولود في بيت لحم (أورشليم) كانوا من أمراء وحكام الدويلات الآشورية الذين كانوا قد سمعوا بمجئ المسيح المخلص، سواء من خلال إختلاطهم بيهود بلاد النهرين، المعروفين بالسبأ البابلي، أو من خلال قراءتهم لنبوءة دانيال.
وأخيراً، نود أن نؤكد مايلي:
1.   أن إجتهادنا أعلاه لا علاقة له بقدسية أنجيل متى حيث تبقى هذه القدسية قائمة على الإيمان العقائدي، سواء أكانت تتوافق مع العقل والمنطلق أو لا . فمثل هذا الإيمان العقائدي يصعب أخضاعه للعلم والمنطق، فيبقى دائراً في عالم الميتافيزيقيا الماوراء الطبيعة. لذلك نقول بأن إجتهادنا أعلاه قائم على البحث في الإجتهادات والتفسيرات التي قيلت بخصوص الإصحاح الثاني وقدوم رجال الشرق لسجود المخلص يسوع وليس غير ذلك.
2.   أرجو من القارئ قبل إعتذاري بعدم ذكر مراجع داعمة للإجتهاد الذي قمت به وذلك بسبب طبيعة كون الموضوع على شكل مقالة وليس بحث علمي أو أكاديمي. فالموضوع بالأصل مستل وبتصرف من مسودات كتابي المعنون (الفصل بين الكنيسة والسياسة في المجتمع الآشوري) وفيه الكثير من المراجع بهذا الخصوص. ولعل من المفيد أن أشير إلى أحدث الكتابات بهذا الخصوص والتي قام بها البرفسور الأمريكي رون سوسيك في كتابه المعنون (النبوءة الآشورية):
(Ron Susek, The Assyrian Prophecy, Golden Quill Publishing, USA, 2019)
3.   هكذا أجتهدت سواء وفقت أم لا، فكل ما قمت به هو أدلاء بما يجود فكري وإيماني بهذا الخصوص، فمن له أكثر فإضافته ستكون مشكورة وإغناءا للموضوع.

28
أخطاء شائعة في التاريخ الآشوري – 2
---------------------------------

هل تكلم الآشوريون لغة الآراميين أم لغتهم القومية ؟
===================================
أبرم شبيرا
أولا: من يكتب التاريخ؟:
---------------
عندما تسقط الأمة سياسياً ويضعف تأثيرها على مجريات الأمور يسقط قلمها أو يضعف تأثيره. لذلك قيل أن التاريخ لا يكتبه إلا القوي والمسيطر، وبالتالي ما هو  في مجمله إلا تاريخ الملوك والأمراء والجيوش والطبقات والشعوب المسيطرة وكل ما يتعلق بهم من معتقدات وأفكار وتصورات وممارسات ونشاطات وثقافات وإنجازات وحروب  وأنتصارات. أما الشعوب الخاضعة فتصبح بلا تاريخ، وفي أحسن الأحوال يكون تاريخها مشوهاً وذلك بسبب، إما قد كتب من قبل الشعوب المسيطرة خدمة لمصالحها الخاصة وعن طريق تنسيب المحاسن والمآثر إليها ولصق المثالب والعيوب بالآخرين، أو كُتب من قبل الشعوب الخاضعة وبنوع من الخنوع والتوافق مع رغبات الشعوب المسيطرة. لهذا السبب يسود تاريخ الشعوب الخاضعة حالة من الضبابية والخرافة والشعوذة والسحر والخيال لأنه نتيجة منطقية لسقوط القلم وضعف تأثير الفكر والمنطق في فهم التاريخ. وهنا من الضروري أن نفرق بين (التأريخ) بوضع الهمزة على الألف والذي يقابله بالإنكليزية (Chronicle) ويعني عرض للأحداث حسب تسلسلها، و(التاريخ) بدون وضع الهمزة على الألف ويقابله بالإنكليزية (History) والذي يعني علم التاريخ الذي يدرس الأحداث التاريخية ويحللها ويبين العوامل المؤثرة فيها والنتائج الحاصلة.
هكذا كان الحال بالنسبة للآشوريين في أوج إمبراطوريتهم حيث كتبوا التاريخ بأزاميل فولاذية وعلى صخور صلدة وملئوا الدنيا بأخبارهم وإنجازاتهم العظيمة التي وصلت إلى يومنا هذا. وعلى العكس من هذا عندما سقط كيانهم السياسي وأصبحوا شعباً خاضعاً سياسياً لإرادة الشعوب الأخرى، فبالتالي باتوا شعباً بدون تاريخ، وفي أحسن الأحوال تاريخ هامشي يعكس هامشية واقعهم وضعف كيانهم السياسي. فبسبب هذه العلة يسود التاريخ الآشوري بعد سقوط كيانهم السياسي الكثير من الغموض والخرافة والشعوذة والأخطاء بحيث سُلبوا من كل المحاسن والمآثر والإنجازات العظيمة وسرقت منهم أونسبت إلى الشعوب المسيطرة كالفرس والإغريق والرومان والفرس واليهود بما فيهم العرب والأكراد. لا بل فقد تطاولت عملية سرقة التاريخ الآشوري وبلغت إلى درجة قطعهم عن تاريخهم الغابر وسلبه منهم فأصبحوا في نظر هذه الشعوب المسيطرة إما بدون تاريخ أو بتاريخ يبدأ مع بداية المسيحية أو في بعض الأحيان مع بداية فكرة أو ظهور طائفة دينية أو معتقد معين، وما النعوت كالنصرانية والنسطورية واليعقوبية وغيرها من التسميات إلا نماذج في هذا السياق ألصقت بالآشوريين لتشويه أو إخفاء أو محو تاريخهم الغابر. واليوم يأتي مفهوم "المكون المسيحي" في العراق الحالي ضمن هذا السياق، كنتيجة منطقية لضعفهم السياسي وتشتتهم القومي. فالقوة أو السيطرة السياسية لاتعني إلا سيطرة إقتصادية وإجتماعية وثقافية  ودينية وحتى لغوية لأن السياسة أو الحكم أو الحكام هم الذين يشرعنون المجالات الثقافية والسياسية والإجتماعية وتهيمن أفكارهم وثقافتهم ودينهم ولغتهم على المجتمع، سواء بالقانون أو بحكم الهيمنة والسيطرة أو بالقوة وتحديداً في بلدان الشرق الأوسط، ومنها العراق.
على العموم، إن استمرار عجز الآشوريين في بناء كيان سياسي خاص بهم أو فقدانهم للمبادرات السياسية الفاعلة والمثمرة  يعني من جهة أخرى استمرار عجزهم عن كتابة تاريخهم بفاعلية مؤثرة قادرة على إزالة الخرافة والشعوذة منه وتحريره من الأوهام والخرافات التي  سيطرت على أفكارهم ومناهجهم في فهم تاريخهم. ومن المؤسف أن تستمر بعض من هذه الخرافات قائمة حتى إلى زمن قريب، ليس بين بسطاء الآشوريين فحسب، وإنما بين بعض من الكتاب وأنصاف المثقفين من علمانيين وأكليركيين. فالبعض من هؤلاء لا يزال يؤمن ويروج بأن ملك "أتور" غضب الله عليه وحوله إلى ثور لأنه حاول بناء برج يصل سقف السماء، ثم نزلت لعنته على أهل بابل فبلبل لسانهم إلى عدة ألسنة !! (التكوين: 9:11)،  في الوقت الذي هو معلوم بأن أصل كلمة بابل متأتي من اللغة الأكدية وتعني بوابة الألة.. وهناك العشرات من المعتقدات والمفاهيم التي تكتنفها الخرافات والتخريفات التي ألصقت ظلماً بالآشوريين وبمعتقداتهم وممارساتهم والبعض منها أدرجها اليهود في توراتهم والتي ظهرت بعد التطور العلمي والإكتشافات الآثارية بأنها في خلاف وتعارض مع الوقائع التاريخية وفي تناقض عميق مع أبسط مقومات الفكر والمنطق والبحث العلمي النزيه. فالبرغم من مرور ألاف السنيين عليها والتطور العلمي الهائل فلا يزال البعض يؤمن بها. وما يهمنا هنا هو موضوع اللغة العظيمة التي تكلم بها الآشوريون القدماء وحتى اليوم والتي من المحتمل، إن لم يكن من المؤكد، قد خضعت لهذه الخرافات والتحريفات.
ثانيا: ما هي اللغة التي تكلم بها الآشوريون؟:
--------------------------   
إستنادا إلى ما تقدم في فهم التاريخ يفرض علينا وبقوة سؤال عن اللغة التي تكلم بها أجدادنا الآشوريون. ومثل هذا التساؤل يأتي رغم وجود عشرات لا بل المئات من المراجع التي تقول بأن الآشوريين تركوا لغتهم القومية الأكدية بلهجتها الآشورية، وهي اللغة التي تكلموا وكتبوا وقرأوا بها لقرون طويلة ودونوا بها أعظم روائع الأدب الإنساني والملاحم والمعتقدات ومنجزات الحضارات التي سبقتهم وأسسوا أعظم مكتبة مفهرسة في التاريخ القديم، تركوا هذه اللغة العظيمة، وهم في قمة القوة والعظمة والتوسع الإمبراطوري، وتبنوا اللغة الآرامية التي تنسب إلى الآراميين وهم قبائل تغلب عليهم صفة البداوة والترحال وعدم الاستقرار والخضوع السياسي المستمر سواء للآشوريين أو لغيرهم بحيث طيلة تاريخهم المعروف لم يتمكنوا من تأسيس دولة موحدة لقبائلهم ولم يظهر فيهم ملك أو ملوك مشهورة أشاد بهم التاريخ البشري فأقتصر كيانهم السياسي على تأسيس بعض الإمارات أو دويلات مبعثرة هنا وهناك في الصحراء لم يطيل بهم الزمن إلا لفترة قصيرة. في حين على العكس منهم، فالوقائع التاريخية تؤكد حقيقة قوة وعظمة الآشوريين وملوكهم في مقارنتهم مع ضعف الأراميين وهزالة وجودهم السياسي وهشاشة كيانهم القومي. وأبسط دليل على ذلك هو الإكتفاء بزيارة واحدة للمتاحف العالمية مثل المتحف البريطاني في لندن ومتحف اللوفر في باريس ومتحف برلين في ألمانيا التي تزخر بنماذج في عظمة الآشوريين، في حين هي خالية من أي آثر للأراميين. ومن لا يستطيع زيارة هذه المتاحف عليه زيارة بلاد آشور القديمة ومعاينة عظمة الآشوريين في آثار نينوى ونمرود وخرسباد وآشور ومنطقة خازر وخنز. والمدفون من شواهد لعظمة الآشوريين تحت الأرض وغير المكتشف هو أكثر بكثير مما هو على سطحها.
-----------------------------
نموذج بسيط في المقارنة بين عظمة الآشوريين وضعف الأراميين، لا بل أنظر إلى روعة الفن الآشوري والحركة المفعمة بالحيوية  في مقارنة مع فقر الفن الأرامي ونحول وجه الفارس الأرامي.(النماذج منقولة من موقع كوكيل).


--------------------------------------------------------
من كل ما تقدم، ووفق تأثير الحكم والقوة والسياسة والهيمنة على مجمل مناحي الحياة، لا يمكن للعقل والمنطق أن يقبل هذه الخرافة في ترك الآشوريين، وهم أسياد المنطقة، لغتهم القومية العتيدة وتبنى لغة قوم رحل تغلب عليهم حياة البداوة والترحال وعدم الإستقرار. فالتاريخ يؤكد حقيقة غلبة لغة أصحاب القوة والنفوذ على لغة الضعفاء والغاضعين. فالاغريق عندما زحفت جيوشهم على المنطقة هيمنت لغتهم على لغة شعوب هذه المنطقة. والحال نفسه مع توسع الإمبراطورية الرومانية وهيمنة اللاتينية على الشعوب التي خضعت لها. واليوم اللغة الإنكليزية هي بمثابة لغة عالمية ولغة شعوب أخرى غير الأنكليز، ليس ذلك إلا بسبب قوة وتوسع الإمبراطورية البريطانية التي لم يكن يغيب الشمس عنها في السابق وكذلك قوة الولايات المتحدة الأمريكية في الحاضر. وهناك العشرات من البلدان في القارة الأفريقية وأميركا الجنوبية تتكلم شعوبها لغة مستعمريهم لأن القوة الإستعمارية فرضت عليهم التكلم بلغة المستعمر فلم تستطيع  اللغة المحلية التي كانوا يتكلمون بها أن تقاوم قوة لغة الإستعمار الفرنسي والبريطاني والإسباني، واليوم يطلق عليهم الشعوب الناطقة بالفرنسية أو الإنكليزية أو الإسبانية.
والأنكى من هذا، وبعيداً عن السياسة والقوة والهيمنة، يتجاوز ما يناقض المنطق والعقل هو القول بأن الآراميين أخترعوا الأبجدية وأن الآشوريين تركوا الخط المسماري وتبنوا أبجدية الآراميين!! عجبي كبيرا جداً بأن أمة عظيمة، كالأمة الآشورية التي سجل تاريخها إختراعات مهمة لحياة البشر وإكتشافات كثيرة نورت حياة الأجيال القادمة لا تستطيع إختراع أبجدية للغتهم وتلجأ إلى شعب آخر أضعف منها بكثير وتقتبس أبجديته.  فكثير من المراجع العلمية تذكر بأنه كانت آشور على أعلى مستوى من الإنجازات التكنولوجية والعلمية والثقافية. فقد طور الآشوريون نظام عدٍ قائم على مضاعفة الرقم 60، وقسموا الساعة إلى 60 دقيقة والدقيقة إلى 60 ثانية، والدائرة إلى 360 درجة، وكانت العمليات الحسابية مهمة في مشاريع البناء الخاصة بهم، لذلك كان لديهم معرفة واسعة في عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة والمعادلات التربيعية والتكعيبية والكسور. كما تتبع علمائهم حركة القمر والنجوم والكواكب، واعتمدوا في ذلك على المبادئ المتقدمة للرياضيات، وكانوا أيضًا يتنبؤون بحركة العديد من الكواكب الأخرى. وأهتم الآشوريون بالطب لأهميتهِ في خوض الحروب والمعارك، وطوروا أدوية للإصابات الخطيرة، وعالجوا الأمراض بالحبوب والمراهم والأعشاب وحتى بالثوم وكانوا يعتمدون في تشخيص الأمراض على المنطق والتاريخ الطبي المسجل. وعُرف الآشوريون بمهاراتهم العسكرية، وكانوا أول من أستخدموا الأسلحة الحديدية في حروبهم كما تميز الآشوريون باستراتيجيتهم العسكرية، خاصةً في الحروب وعن طريق الحصار ودك الحصون حيث كانوا مهرة في اختراق تحصينات الأعداء وأستخدام الضفادع البشرية في التسلسل لمواقع الأعداء، كما كان الآشوريون أول من أخترعوا العجلة، أساس تطور التكنولوجيا الصناعية واستخدموها في مركباته. (المعلومات منقولة من مواقع ألكترونية). هذا غيض من فيض من ابداعات وإختراعات الآشوريين التي هي أكثر بكثير من إختراع أبجدية للكتابة. أفهل يعقل العقل ويقبل المنطق كل هذا في القول بأن الآشوريين تبنوا أبجدية الأراميين؟
ثالثا: الآشوريون بين الأرامية والسريانية
------------------------
من الأخطاء الشائعة في التاريخ الآشوري هو أن الآشوريين الذين كانوا يتكلمون اللغة الآرامية قد أصبحت تدعى باللغة السريانية بعد إعتناق الآشوريون المسيحية، لماذا؟،  لأن التسمية الآرامية كانت مرتبطة بمرحلة وثنية والثانية مرتبطة بالمرحلة المسيحية!! ولو حاولنا التدقيق ومعرفة هذا التحول في تسمية لغة الآشوريين سنرى أنها مرتبطة، ليست بشكل مباشر ببداية المسيحية وأعتناق الآشوريون لهذه الديانة، بل بمرحلة قدوم الإغريق وسيطرتهم على المنطقة من جميع المناحي وفرض أفكارهم وثقافتهم ومعتقداتهم ولغتهم على شعوبها. وكان من المنطق أن ينطقوا أو يسموا أسماء المناطق والشعوب بلغتهم التي سادت المنطقة قبل المسيحية. يقول المؤرج الإغريقي الكبير هيرودوتس أو هيرودوت (حوالي 484 ق.م - 425 ق.م) الملقب بـ "أبي التاريخ"، الذي زار المنطقة في القرن الخامس قبل الميلاد وتحديدا بلاد آشور المحتل من قبل الفرس الميديين، فبعد أن وصف الآشوريين المجندين في جيش الفرس الميديين في كتابه المشهور "تاريخ هيرودوت" يقول "أن هذا الشعب الذي يطلق الاغريق عليه أسم "سريانس – Syrians – يطلق عليه البرابرة أسم أسريان – Assyrians-" )للعلم كان الأغريق يطلقون على غيرهم من الشعوب تسمية البرابرة(. ص 144.
The History of HERODOTUS, translated by George Rawlinson, Vol Two, First Edition 1010, Reprinted 1912, 1916, 1920, 1924. P.146
This People, the Greeks call Syrian, are called Assyrians by the Barbarians. P. 144.
البروفسور جورج رولينسون مترجم ومحقق الكتاب، هو الشقيق الأصغر لعالم الآشوريات المشهور هنري رولينسون الذي فك وحلل وترجم الكتابة الآشورية المسمارية وبذلك أعتبر مؤسس وأب علم الآشوريات والذي من خلال هذا العلم تم دراسة حضارات شعوب المنطقة.
------------------------------------------------------
من هنا يمكن القول جازماً بأن الأغريق وضعوا الأمور منذ البداية في نصابها الصحيح،  فعندما أكدوا بأن تسمية السريان ( ( Syriansتعني عند شعوب المنطقة أسريان - ِ Assyrians،  فأنه بالنتيجة المنطقية اللغة التي تكلم الآشوريون بها أطلقوا الأغريق عليها بـ "Syriac" والمنحولة إلى العربية بـ "السريانية"، نسبة إلى السريان، التسمية الإغريقية أو الآشوريين (Assyrians)، بتسمية شعوب المنطقة (البرابرة حسب مفهوم الإغريق)، والتي منها أتت كلمة "سورث" العامية عند الآشوريين بشكل خاص وعند المسيحيين المشرقيين بشكل عام، و"ليشانا أتورايا أو آشورايا" بالفصحى الآشورية. من هنا نقول بأنه ليس خطأ القول بأن الآشوريين يتكلمون اللغة السريانية (Syriac) بمنطوقها الإغريقي ولكن من الأفضل وضع أسم اللغة في نصابها الصحيح ونقول بأن الآشوريين يتكلمون اللغة الآشورية (Assyrian) بمنطوق شعوب المنطقة ومنهم الآشوريين. وهنا من الضروري الإشارة، رغم عدم إختصاصنا في اللغة، بأن البعض يذكر اللغة الآشورية الحديثة أو في أحيان أخرى اللغة الآشورية القديمة (ليشانا عتيقا) فهذا أمر يخالف ويناقض قانون تطور اللغة التي تمر بمراحل كثير تتأثر وتؤثر بغيرها من اللغات وبالتحولات السياسية والإجتماعية والفكرية، خاصة عندما يكون عمر مثل هذه اللغة ألاف السنين كاللغة البابلية – الآشورية التي تكلم بها الآشوريون.
 من هذا المنطلق فأنه من الطبيعي جداً أن لا تكون لغة الآشوريين في هذه الأيام نفس لغة أجدادهم قبل أكثر من سبعة ألاف سنة، وبالتالي فأن المفاهيم مثل اللغة القديمة أو الحديثة لا تتسق مع هذا المفهوم في التطور. فلو حاولنا إجراء مقارنة مع اللغة العربية نرى بأن لغة العرب اليوم هي ليس نفسها بالتمام والكمال اللغة التي تكلم بها أهالي قريش قبل أكثر ألفي سنة ولكن لا زالت تعرف بـ "اللغة العربية" التي يتكلم بها عرب اليوم. ومقارنة أخرى نراها في اللغة الإنكليزية التي يتكلم بها الإنكليز وغيرهم من الشعوب، فهي غير لغة وليم شكسبير الإنكليزية التي كتب بها روائع الأدب الإنكليزي قبل ستة قرون تقريباً حيث تختلف كثيرا أو قليلا عن الإنكليزية الحالية لدرجة يصعب أو يستحيل على الإنكليزي العادي أن يفهمها. وهنا أسترجع بعض الذكريات بهذا الخصوص حيث في منتصف التسعينيات من القرن الماضي كنتُ مع قداسة مار كوركيس الثالث صليوا، البطريرك السابق لكنيسة المشرق الآشورية (حينذاك مطربوليت الكنيسة في العراق) في زيارة للمتحف البريطاني في لندن وأطلع قداسته على بعض أعمال وليم شكسبير المعروضة فبالكاد أستطاع قراءتها وفهمها رغم كون قداسته مختصاً في اللغة الإنكليزية وكان أستاذا لهذه اللغة في العراق قبل توشحه برداء الكهنوتية وفي حينها أستنتج قداسته، بعد أن  أطلع في نفس الوقت على بعض مخطوطات كنيسة المشرق القديمة المعروفة في المتحف والتي كان تاريخ بعضها يقارب 700 سنة وبعضها الآخر بحدود 300 سنة والتي سرقت من العراق أثناء حوادث حرب الخليج الأولى وبيعت للمتحف البريطاني، أستنتج بأن الإختلاف الموجود بين لغة شكسبير الإنكليزية مع اللغة الحالية قد يكون أكثر بكثير من أختلاف لغة الآشوريين القديمة عن اللغة الحالية لهم.
إذا الآشوريون في هذه الأيام يفتخرون بأجدادهم القدماء وإن هذا الإفتخار ليس قائم على الشعور والعاطفة والوعي الإنتمائي فحسب وإنما بجملة مقومات تاريخية وممارسات تراثية توارثوها من جيل إلى آخر لتشكل ركائز أساسية لوجودهم القومي ويمارسونها حتى اليوم، مع التأكيد بأنها مرت بمراحل تاريخية طويلة وبتطورات التأثير والتأثر بحيث لم تعد كما كانت تمارس في السابق وذلك بحكم الزمان والمكان. واللغة كما نعرف هي من أهم مقومات وجود الأمة وهي أيضا تتأثر بهذه التطورات التاريخية والتي يجب أن نفهما وفقاً لظروف الزمان والمكان. فأشوريو اليوم ينسبون قوميتهم إلى الآشوريين القدماء وفقاً لهذه المقومات المفعمة بالتطور. أفهل هناك شعب أخر يدعي بهذا الإنتساب؟؟؟ كلا و أيضا كلا، إذن الآشوريون يستحقوق شرعاً هذا الإنتساب فعلاً وقولا ومن دون منازع وكأنهم قد فازوا به شرعاً  بـ "التزكية" طالما لا يوجد من ينافسهم في هذا الإنتساب ومنها اللغة التي تكلموا بها. 
هنا ننهي موضوعنا بالتساؤل... لماذا حلال على البعض وحرام على الآشوريين؟... قد يكون الجواب كامن في السطور المذكورة أعلاه، لأنه ليس هناك دولة خاصة بهم أو كيان سياسي للآشوريين ولا لهم قوة مؤثرة تستطيع أن تفرض الحقائق على أرض الواقع وتزيل الأخطاء التاريخية التي أرتكبت بحقهم. من هنا نقول، فبسبب الضعف السياسي الذي يكتنف الآشوريين في هذه الأيام فأنه قد يستحيل أزالة هذه الأخطاء التاريخية من العقول، ولكن مع هذا، فالتسلح بالعلم وبمنطق الوقائع التاريخية يتيح لنا مجال لمناقشتها والوصول إلى كشف حقيقة هذه الأخطاء وإزالتها أو التخفيف من شيوعيتها بين غالبية الناس، وما هذه السطور إلا محاولة في هذا السياق. 



29
أخطاء شائعة في التاريخ الآشوري -1
----------------------- 
الآشوريون لم يعبدوا عدة آله بل إله واحد
=======================

أبرم شبيرا

أولا: مقصد الموضوع:
------------

يسود في التاريخ الآشوري أخطاء شائعة كثيرة تجذرت في العقلية الآشورية لقرون طويلة وأصبحت من المسلمات الراسخة والمرتكزات الأساسية في إيمان البعض من العلمانيين والإكليريين، سواء أكان مثل هذا الإيمان بجهل أو بخطأ في قراءة التاريخ وذلك بفعل تأثيرات خارجية علمانية ودينية خاصة المذكور بعضها في التوراة ومن بعض الحاقدين على الحضارة الآشورية وعلى كنيستهم المشرقية. فإزاحة هذه الأخطاء أو تصحيحها ليس بالأمر السهل بل قد يكون مستحيلاً، ولكن مع هذا فأنه لا يضر أن نقوم بوضع هذه الأخطاء تحت المجهر لمقارنتها مع الحقائق التاريخية التي بدأ العلم يكشف أسرارها ومن ثم تبيان حقيقتها، خاصة ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين الذي يستوجب دراسة التاريخ بعلم ومنطق وبموضوعية بعيدا عن الخرافات والخزعبلات التي تغلغلت في أخاديد فكر بعض الآشوريين من علمانيين وأكليريين الذين يؤمنون بأن الآشوريين كان يعبدون  عدة آله كتماثيل من الحجر متجاهلين بأنها هذه التماثيل، خاصة التي تخص الإله آشور هي عناصر أو إحيائات رمزية أو أيقونات لأسم الإله آشور وليس الإله آشور نفسه كحجر كما يعتقد البعض. فمثل هذه الرموز أو الإحياءات والأيقونات نجدها في عصرنا المسيحي الحالي حيث في كنائس كثيرة نجد تماثيل أو لوحات لربنا يسوع المسيح ولأمه العذارء أو لبعض القديسين يركع المسيحيون أمامها للصلاة والتذرع للغفران والخلاص كما كان يفعل الآشوريون أمام تمثال الإلة آشور. وهنا من الضروري جداً الإنتباه وبحذر بأن الإله آشور ليس نفس الله التي نعبده في هذا الزمان ولا الديانة الآشورية هي نفسها الديانة المسيحية، بل المهم جداً هو تشابه وتماثل منهجية العبادة التوحيدية بين الديانة الآشورية والديانة المسيحية من جهة وإقتباس الكتاب المقدس بعض الأحداث المهمة التي حدثت في بلاد ما بين النهرين من جهة أخرى، وهي الحالة التي جعلت الآشوريون أن يندفعوا وبحماس لقبول المسيح والتفاني من أجله، لأنه كما كان آشور الإله الأوحد لهم في الزمن الغابر كذلك وجدوا الله المتجسد في المسيح هو أيضا إلههم الأوحد. فمن الأخطاء الفضيعة والشائعة عند البعض هو أعتبار الآشوريين القدماء وثنيين وكانوا يعبدون عدة آله، وهذا ما سنتطرق إليه في أدناه:

ثانيا: الآشوريون لم يعبدوا عدة آله بل إله واحد:
============================================

باتفاق جميع الكتاب والباحثين والاركيولوجيين يعتبر الإله آشـور المحور المركزي للحياة الدنيوية والدينية  للآشوريين منذ ظهورهم على مسرح التاريخ وحتى قدوم المسيحية ولفترة تعد أطول فترة عبادة لإله ديني وقومي في آن واحد في التاريخ القديم الإنساني قاطبة. فالآشوريون لم يتوقفوا عن عبادة آشور، الإله المقدس الأول والأعظم الذي يحكم الأرض والسماء، سواء في عظمة وسعة إمبراطوريتهم أو في ضعفهم وتدهور أحوالهم السياسية. حيث ظل وعلى الدوام الإله الحارس للشعب الآشوري ولملوكهم وأُمرائهم حتى بعد سقوط إمبراطوريتهم السياسية وانحسار نفوذهم في دويلات أو إمارات صغيرة في شمال بلاد ما بين النهرين. فعلى الرغم من أن هؤلاء الكتاب يذكرون بأن الآشوريين كانوا يعبدون عدة آله إلا أن إشارتهم هذه تضعف، لا بل وتتلاشى وتضمحل، أمام تأكيدهم المشدد على عظمة الإله آشور ورفعة مقامه المقدس. تقول الباحثة ( أم. ئي. هاركنز ) بهذا الخصوص "كانت الديانة الآشورية متعددة الإلهة يحكم آشور كإله أسمى منهم جميعاً فكان يطلق عليه الإله الذي خلق نفسه بنفسه في حين كانت بقية الآلهة معبودة باعتبارها قوى علوية مخلوقة أو أرواح محلية أو جنيات. لذلك كان لآشور ألقاب عديدة بهذا الشأن فهو عند الآشوريين ملك جميع الآلهة أو أب الآلهة الذي يحكم بسموه على جميع الآلهة، أو المولى العظيم وكان أثناء الدعاء والصلاة والتضرع يتم مخاطبته بـ "آشور مولاي العظيم … وكان آشور الإله الحارس لملوك الآشوريين فهو الذي يسنم الملوك على عروشهم ويمجد حكمهم ويطول من سنين سلطانهم ويحفظ قوتهم ويعظم من أسمائهم ويمنحهم النصر المبين على أعدائهم ويمنحهم نعمة خلافة حكمهم من قبل أبنائهم وأحفادهم ويضمن ذريتهم... فمنذ بداية الأمبراطورية الآشورية كان أسم آشور مماثل لإسم البلد وكانت الديانة تسمى بـــ (عبادة آشور)، أو الديانة الآشورية وحتى في نهاية الإمبراطورية بقى آشور الإله القومي والديني الأسمى لدى الآشوريين".(1)
وعلى نفس المنحى يذهب البروفيسوران ماتفييف و سازانوف في تأكيدهم على مركزية الإله آشور وعظمته في الحياة الدينية والدنيوية للشعب الآشوري. فيقولان "كان الرب آشور في الدولة الآشورية يحظى باحترام فهو الحق والإله الذي يجلب الشفاء وخالق الأرض فكان يشغل المرتبة الأولى في وحدة الوجود الآشوري … ونال لقب ملك جميع الآلهة كما هو رب المواجهة ضد هجمات أعداء الدولة الآشورية وعن يديه كان الملك يتقبل العرش والتاج والصولجان والإكليل وكانت أولى الكؤوس والهدايا في الانتصارات توضع على تماثيله وكان على الشعب الآشوري أن يبجلوه ويتذكروه وبصورة دائمة وعلى الملوك أن يمثلوه على ملابسهم وأختامهم وكان أسمه يرتل ثلاث مرات في بداية ونهاية النشيد القومي وأعتبر أباً للبلاد وأباً للشعب وبأسمه لقب الشعب الآشوري"(2). وهنا نقول مجازاً بأن ترتيل أسم الإله آشور ثلاثة مرات يمكن مقارنة ذلك  بأسم ربنا المتجسد في يسوع المسيح بثلاثة أقانيم (الأب والأبن وروح القدس).
 ويقول البروفيسور ساغس في كتابه المتميز ( جبروت آشور الذي كان ) بأن "الملك الحقيقي للبلاد كان الإله آشور بينما الإنسان الحاكم، من الناحية اللاهوتية، هو مجرد وكيل للملك السماوي.  لهذا السبب كانت سلطته أكثر من مجرد سلطة إنسان قياساً على ما كان يفعله لخدمة الإله. هذا الإدراك للذات بوصفها تمثل الإله، نجده واضحاً لدى الملك الآشوري شلمناصر فقد قاده التوسع في الجبال الشمالية والشمالية – الشرقية إلى اعتبار نفسه الراعي المحدد من قبل السماء، والذي رفعته الآلهة فوق الجنس البشري المتمدن. أنه من سمى نفسه "راعي معشر الحواضر البشرية" و "الراعي الصالح… (من الجدير بالذكر بأن هذا المصطلح – الراعي الصالح – مستخدم من قبل المسيحيين في وصف يسوع المسيح). وفي إحدى حملاته العسكرية يذكر الملك الآشوري سنحاريب "بأنه بأمر الإله آشور، الرب العظيم، قضيت على الأعداء مثل اقتراب الإعصار"(3).
صحيح هو القول بأن كل شعوب الشرق الأدنى القديم كانت تؤمن بتعدد الآلهة مع افتراض بأن إلهاً واحداً ( أو مجموعة آلهة ) كانت تحتل ضمن منطقة معينة، أو سياق اجتماعي معين، مكانة خاصة ، وهكذا يدعي البعض بأنه كان شأن الإله آشور أيضا. غير أن الأمر باعتقادنا، وبالاستناد على هذه الأهمية العظيمة التي كان يحتلها الإله آشور في حياة الآشوريين، يختلف من جوانب كثيرة فيما يخص بقية الشعوب والآلهة التي عبدوها، ويمكن إجمال هذا الاختلاف بجملة ظواهر فريدة تميز به الإله آشور عن غيره وهي:
1 ) – لم يكن آشور إلهاً يحتل مكانة خاصة في منطقة معينة فحسب، بل أن اسمه كان يتطابق مع مدينة آشور والذي كان من المحتمل منذ البدء إلهاً محلياً لهذه المدينة، إلا أنه مع هذا يؤكد علماء الآثار بأن ظاهرة  تسمية المدن باسم إله معين، أي ظاهرة شخصنة أو تألية المدن، هي نادرة جداً في بلاد ما بين النهرين(5). فمدينة آشور كانت لها قدسية خاصة وهيبة روحية، بل كانت العاصمة الدينية للآشوريين يحلفون باسمها وكأنها هي الإله نفسها، لا بل وأكثر من هذا، فقد كان آشور يتطابق مع أسم البلاد نفسها ومن ثم مع أسم الإمبراطورية بحيث كان آشور الملك الحقيقي لها وأب البلاد وحاميها. وهي ظاهرة، أي تسمية إمبراطورية عظيمة باسم إله، غير موجودة على الإطلاق في التاريخ المدون ودام حكمها قرون طويلة، يعد أطول حكم متواصل في التاريخ وشمل مساحات شاسعة من الأرض.   
2 ) – والظاهرة الأكثر تمييزا للإله آشور والذي لا يجاريه فيها أي إله  أخر في التاريخ، هي تسمية الشعب الذي عبده باسمه. فقد كان الآشوريون يطلقون على نفسهم باسم شعب آشور أو خدم آشور وكانوا يطلقون على أعدائهم باسم أعداء آشور. فلا يوجد في التاريخ، لا في بلاد ما بين النهرين ولا في بلدان أخرى، شعب تسمى اسمه الديني والقومي، أي الديانة والقومية، باسم الإله الذي عبده أي الديانة والقومية، عدا الآشوريون الذين عبدوا الإله آشور. ولا نستغرب أن يكون مثل هذا الترابط بين تسمية الشعب بأسم ديانته قد أنتقل مع الآشوريين إلى الفترة المسيحية وأصبحوا في فترات معينة يعرفون أنفسهم بالمسيحيين (مشيخايه) نسبة إلى المسيح فتداخلت هذه التسمية الجديدة (مشيخايه) مع تسميتهم القومية (سورايه – سريان أو  أسريان(Assyrian . وقد يقول البعض بأن تسمية الآشوري متأتية من مدينة آشور المقدسة التي كانت مركز عبادة الإله آشور أو من بلاد آشور نفسه، كما هو الحال بالنسبة لبعض المدن والمناطق التي كانت تتطابق أسماؤهم مع أسماء الشعوب التي سكنتها، ولكن مع هذا فإن منطق الواقع والتاريخ يؤكد بأن وجود الآلهة يسبق وجود المعابد والمدن والمناطق التي سميت بأسمائهم والتي أقيمت أصلاً من أجل عبادتهم، خاصة بالنسبة لآشور الذي هو إله له وجود  شمولي وأزلي غير مخلوق كبقية الآلهة وإنما كان، كما يسمونه، الإله الذي خلق نفسه بنفسه (6). وهذا هو الذي سبب حيرة بعض العلماء والآثاريين في القول بأن أصول هذا الإله وكيفية تطوره غير معروفة ويبقى غامضاً في مقارنته مع بقية الآلهة(7)، وهي بحد ذاتها صفة فريدة من صفات الإله  آشور التي تجعله مختلفاً كلياً عن بقية الآلهة المعروفة في بلاد ما بين النهرين.
3 ) – الصفة الأخرى للإله آشور التي تميزه عن غيره من الإلهة وتجعله في مقام سام وفريد هي الديانة التي سميت بأسمه والتي عرفت بـ "الديانة الآشورية" والتي كان لها طقوس وممارسات ومعتقدات ظل الشعب الآشوري يمارسها لفترات تاريخية طويلة. بعكس الآلهة الأخرى، وحتى المعروف والبارزة منها فأنها لم يترتب على عبادتها أو تقديسها ديانة خاصة بها أو انتشرت على نطاق واسع وعبر مرحلة زمنية طويلة. وهي السمة التي تفسح لنا المجال كثيراً لمقارنة "الآشورية" كديانة نسبة إلى الإله آشور، ببقية الديانات القديمة والمعاصرة كالبوذية نسبة إلى بوذا والزارادوشتية نسبة إلى زارادوشت، والمسيحية نسبة إلى المسيح. في حين على العكس من هذا تماماً، إذ يصعب أن نقارن أو نوازن الإله آشور، مرجع الديانة الآشورية، مع بقية الآله كمردوخ وأنليل وعشتار وغيرهم من  المعاصرين لتلك الفترة ونعتبرهم مراجع لديانات مفترضة مثل المردوخية والأنليلية والعشتارية … وهكذا. أي بعبارة أخرى، كان آشور إلهاً خالقاً لديانة معينة، في حين لم تكن لبقية الآلهة قدرة على تأسيس ديانة مستقلة بذاتها حتى وأن عبدت في فترات معينة.
4) - لم يكن سمو الإله آشور ورفعته على بقية الآلهة يعني إلغاء وجودها والتوقف عن عبادتها  عند الآشوريين، وإنما كان سموه  يأتي من خلال تناسقه وترابطه مع بقية الآلهة أو إحلاله محلهم واقتباس أيقونتهم ورموزهم باعتباره هو ملكهم جميعاً أو الأب الأكبر لهم. يقول البروفيسور ساغس بخصوص تعدد الآلهة عند الآشوريين "كانت مخطوطات الملوك الآشوريين تعدد قوائم طويلة بأسماء الآلهة، مثلاً آشور، السيد العظيم ووالد الآلهة: آنو وإنليل وسين وشمش وأداد ومردوخ ونابو ونرغال وعشتار … ولكن قوائم من هذا النوع كانت تشكل فقط جزءاً من مجمع الآلهة الكامل الذي كان معروفاً لدى اللاهوتيين القدماء. فلم تكن كل مدينة هناك تملك أساساً إلهها الخاص وحسب، بل علاوة على ذلك، كانت توجد رعاية إلهية للعديد من جوانب الحياة المادية والمجتمع البشري، حيث كانت توجد، على سبيل المثال، آلهة للخمر وآلهة للبناء، وهلم دواليك، فحين يتناول الباحثون المعاصرون النصوص الرافدية القديمة فيجدون أنهم يصادفون حقيقة آلاف الآلهة في المجمع الإلهي الرافدي. لكن هذه القائمة الضخمة لم تكن انعكاساً للمعتقدات الدينية العامة ولا حتى لمعتقدات أي فرد، بل كانت – على الأرجح – نتاجاً اصطناعياً لنشاط الباحثين القدامى الذين كانوا يجمعون سوية أسماء الآلهة من كافة المجامع المختلفة للآلهة المحلية ويحاولون تصنيفها على نحو ما. فلا أحد خارج أوساط هؤلاء الباحثين، لا في بابل ولا في آشور، كان يعتقد أن إدارة الكون تجري على يد هذا المجمع الآلهي الهائل والمنظم ذي الصفة الرسمية". وحتى بالنسبة للآشوري العادي الذي كان يرى نفسه محاطاً بتنوع هائل من قوى ما وراء الطبيعة فأنه، رغم إدراكه لوجود مجمع إلهي، كان مطلعاً على الأمر ليس بأفضل من اطلاع المسيحي العادي في يومنا هذا على تفاصيل مجمع القديسين، لذلك كان عدد الآلهة التي يعني الآشوري العادي بأمرها، بوصفها شيئاً مميزاً عن القوى السحرية، عددا قليل جداً، حيث يأتي في المقدمة الإله القومي آشور فكان من المستحيل نسيان الإله آشور، بحكم كونه على علاقة بكل ما يفعله الملك وحيث يتوجب تبجيله في كل المناسبات الرسمية (8).
وتؤكد العالمة الآثارية هاركنس المختصة في الدراسة المقارنة بين الأثار الآشورية المكتشفة وبما ورد من قصص وأحداث في التوراة بقولها بأن عبادة الألهة التي تأتي بعد الإله آشور شكلت ما تسمية بـ "الهيكل الآشوري المقدس" والذي تعتبره أكثر وضوحاً وعقلانية في فهم الديانة الآشورية. وترسم هذا الهيكل المقدس على شكل مجلس يسمو عليه الإله آشور ثم يليه بقية الآلة الأقل شأناً والمعروفة والتي عبدت من قبل البابليين والآشوريين(9). وهذا المجلس المقدس يتيح لنا فرصة لمقارنة علاقة الإله آشور ببقية الآلة الأقل شئناً مع ربنا يسوع المسيح وعلاقته ببقية تلاميذه والقديسين الذين يتذرع المسيحيون لهم أيضا، وهذه الميزة موجودة بشكل واضح حتي في يومنا هذا. فبإلاضافة إلى كون يسوع المسيح هو المخلص والفادي الذي يعبده الآشوريون في عصرنا الحالي فإن هذا لا يمنعهم من التضرع والصلوات للكثير من القديسين المعروفين عندهم كمار كوركيس ومار عوديشو وربان هرمز ومار زيا ومار بختشوع ومار قرداغ وغيرهم كثر طلباً للشفاء والخلاص. ومنهجية هذا المجلس المقدس عند الآشوريين القدماء يمكن مقارنته مع التحفظ، من حيث المنهج والأسلوب، مع المجمع السنهادوسي المقدس لكنيسة المشرق الآشورية الذي يرأسه البطريرك.
هذه الصفات والميزات الفريدة التي كان يتمتع بها الإله آشور عند الآشوريين جعلت منه أن يكون فعلاً مركزاً للتوحيد الديني والقومي عندهم والمصدر المركزي للذات الآشورية سواء أكان دينياً أم قومياً بحيث شكل آشور الحلقة العضوية للربط بين الجانب القومي والديني للآشوريين، ربطاً لا يمكن التصور بأي إمكانية للفصل بينهما في تلك المرحلة من تاريخ الآشوريين. ومما يعزز هذا الربط هو أسم الآشوريين نفسه الذي تتعدد مصادره الدينية والقومية بحيث يصعب الفصل بينهما والإقرار بأفضلية أو عمومية مصدر على أخر. فالآشوريون من جهة هم نسل آشور الأبن الثاني لسام أبن النبي نوح (الخروج 10:22)، من الكتاب المقدس، أعظم وأقوى مصدر تاريخي واسع الإنتشار. كما وأن هذا الاسم من جهة ثانية هو لمدينة آشور عاصمتهم المقدسة وأيضاً أسم بلادهم وأسم إلههم القومي وأسم إمبراطوريتهم .. وهكذا تتعدد وتتنوع المصادر الدينية والقومية لوجودهم ولكن أسمهم بقى نفسه متوحداً ثابتاً دون تغيير مما يؤكد، إلى جانب الصفات السابقة للإله آشور المار ذكرها،  بأن الآشوريين كانوا قد عرفوا التوحيد في ديانتهم ومارسوها بشكل أكثر وضوحاً في أوج تطور إمبراطوريتهم من النواحي الحضارية والعسكرية والفكرية. يقول البروفيسوران ماتفييف و سازانوف بهذا الشأن "أن الآشوريين والبابليين القدماء عبدوا العديد من الآلهة غير انه من الفترة 2500 قبل الميلاد كانت تتواجد ظاهرة عبادة الإله الواحد(10). وكان عالم الآشوريات فريد تميمـي قد كرس معظم بحوثه في إثبات كون للآشوريين القدماء ديانة توحيدية معتمداً بالأساس على نصوص آشورية تؤكد هذه الحقيقة. فيقول بهذا الشأن "أن اكتشاف الحجر الأساس في القصر الملكي في نمرود، إضافة إلى المئات من اللوحات التي تحوي آلاف النصوص الكتابية هو بمثابة دليل لا يقبل الشك في أن المذهب الآشوري، وهو دين الآشوريين القدماء، هو في الواقع سبق كل الديانات السماوية في التوحيد التي ظهرت فيما بعد مثل اليهودية والمسيحية والزرادشتية والهندوسية والبوذية وأن جنة عدن الأرض الواقعة في قلب آشور لهي المصدر الذي انتشر منه نور الإيمان بالله الواحد الى أركان الأرض"(11).
ويؤكد البروفيسور ساغس أيضاً هذه الحقيقة عندما يشير بأنه كان في المجتمع الآشوري القديم نوع من النزوع نحو المزيد من اختزال مجمع الآلهة. فكان المواطن يرى نفسه في مجتمع  حيث كل المراجع التي يخضع لها الإنسان كانت في نهاية المآل  تتجسد في ممثلين للملك الذي هو مصدر السلطة الوحيد، فأنه لمقارنة معقولة أن يكون جميع الآلهة في العالم السماوي يشكلون، في آخر المطاف، تجليات للإله الوحيد الذي يمسك بكل القوى الإلهية. ثم يتساءل: هل نعتبر النظر إلى الآلهة الأخرى على أنها أوجه لآله واحد بمثابة تجل لمبدأ التوحيد؟ إن الإجابة تتوقف إلى حد كبير على كيفية فهمنا للتوحيد. فالمسيحيون، مثلاً، يعتبرون أنفسهم موحدين، بينما هناك المسلمون الذين ينكرون على المسيحية صفة التوحيد انطلاقاً من أساس اعتراف الدين المسيحي بالأقانيم الثلاثة: الأب والابن والروح القدس، كما ينفون تمثيل هذه الأقانيم لثلاثة آلهة. فإذا كان المرء يعني بالتوحيد وجود اعتقاد بأن كل الكيانات الإلهية هي في آخر المطاف واحد، فإن الآشوريين كانوا موحدين بكل تأكيد. فعلى الرغم من أن مخطوطات الملوك الآشوريين تعدد قوائم طويلة بأسماء الألهة إلا أن أشارتها إلى "آشور، السيد العظيم، ووالد الألهة، لهو دليل على سموه ورفعته على بقية الآلهة مثل آنو وإنليل سين وشمس وأداد وغيرهم.(12).
أن مبدأ التوحيد عند الآشوريين يمكن اشتقاقه من الميزات والخصائص الإلهية التي كان يتمتع بها آشور ومن طبيعة علاقته بالمجموعة الأخرى من الآلهة. فمن جهة كان اعتقاد الآشوريين بأن جميع الآلهة المتمثلة في المجمع الخاص بهم هي في نهاية المطاف خاضعة أو متمثلة بدرجات أقل في إله آشور، وبهذا فأن الآشوريين كانوا قد عرفوا التوحيد. ومن جهة أخرى فأن هذا العدد الكبير من الآلهة التي عرفها الآشوريون كانت في حقيقة الأمر، كما سبق وأن بينا، هي تجليات لجوهر واحد يتمثل في آشور ولم يكن مثل هذا التجلي مناف لمبدأ التوحيد المتمثل في سمو ورفعة آشور إله خالق السموات والأرض وغير مخلوق من قبل أحد، وهو التجلي الذي لم يكن يتفق مع اليهودية وحتى مع المسيحية بشكلها الرسمي المعروف، خاصة في حقبة نشوء اللاهوت وتطوره على يد الإغريق والرومان البعيدين عن تراث وروحية حضارة بلاد ما بين النهرين، فبالتالي ساد الاعتقاد بأن الديانة الآشورية كانت منافية لمبدأ التوحيد. أن مبدأ نشوء التوحيد في الديانة الآشورية يمكن تفسيره وفق النطرية الفلسفية المعروفة بـ "الشرك والتوحيد" أي تعدد الآلهةPolytheism) ) و عبادة إله واحد (Monotheism )، والتي تقول بأن التطور الاجتماعي للشعوب، خاصة كالشعب الآشوري الذي عاش فترات طويلة وتفاعل مع حضارات عديدة، يؤدي في نهاية المطاف الى تطور ديانتها ومعتقداتها بحيث تتخذ مظهراً تعوض عن عبادة آلهة متعددة بآله واحد  يكون منشأ لظهور الديانة التوحيدية، والتي شكلت بالنسبة للآشوريين الخلفية الفكرية والروحية لاستقبال المرحلة الدينية المتطورة اللاحقة والتي تمثلت في المسيحية.
إلى اللقاء مع الخطأ الشائع في التاريخ الآشوري - 2

ملاحظة:
=====
هذا الموضوع مستل من الفصل الأول لمسودات كتابي المعنون (الفصل بين الكنيسة والسياسة القومية في المجتمع الآشوري).
الهوامش:
=====
1-   H.E. Harkness, Assyrian Life and History, The Religious Tract Society, London, P.67-86.
كتبت هذه الباحثة الأركيولوجية هذا الكتاب عام 1883 وطبع عدة مرات ويأتي هذا الكتاب بعد الإكتشافات التاريخية في المدة الآشورية كنينوى وآشور ونمرود ومن ثم قيام بعض العلماء بدراسة مقارنة بين الحوادث والقصص المذكورة في هذه الإكتشافات وما ورد في التوراة والذي تبين بأن بعض من هذه الحوادث والقصص التوراتية تتاطابق مع الإكتشافات الأثرية وبعضها الآخر مختلف عنها تماماً... وهنا من الأهمية أن نذكر بما ورد في مقدمة هذا الكتاب من قبل العالم الآثاري ريجنالد ستيورت بول بالقول "وبينما الأمم الأخرى والمدن من أيام التوراة قد بقت، ولكن أسريا (آشور) ونينوى قد أختفت وتلاشت ولكن أبناء سادة الشرق القدماء (يقصد الآشوريين) بقوا صامدين وبحالة من الفقر المدقع والظلم في شمال بلاد ما بين لنهرين – ص 10.

(2) – ك. ب. ماتفييف و أ. أ. سازانوف ، الألواح تتكلم، ترجمه من الروسية الى العربية بنيامين بنيامين، إستراليا (بدون تاريخ ومحل الطبع).

(3) – هنري ساغس، جبروت آشور الذي كان، ترجمة الدكتور آحو يوسف، دار الينابيع، دمشق ، 1995، ص 81 و ص 357.

(5) - Jeremy Black and Anthony Green, Gods, Demons and Symbols of Ancient Mesopotamia, British Museum Publications, London, 1992, P.37.

6 – H. E. Harkness, Op. Cit., P.67.

7 – Black and Green, Op. Cit., P.38.
(8) – ساغس، نفس المرجع، ص286-287

 - Harkness, Op. Cit., P. 72(9)

(10) - البروفسوران ك.ب. ماتفييف و أ.أ. سازانوف، نفس المرجع، ص 104.

(11) - فريد تميمي، صلاة الملك آتور ناطر أبري الثاني، ترجمة من الإنكليزية إلى العربية المهندس روبرت يوخنا، مجلة المثقف الآشوري، عدد 13 – 14، السنة الرابعة، تشرين الثاني، 1977. وهذه الصلاة الربانية للإله آشور منذكورة في صحفة 22 من المجلة.
ومن لا يعرف عن فريد تميمي، نقول بأنه آشوري من أصل عراقي فهو لغوي ومؤرخ ومؤلف ومحاضر عالم آشوريات كبير أختص بالكتابات التصويرية والهيروغليفية والبكتروغريفية والمسمارية وبالكتابات الآشورية القديمة حيث  أستطاع أن يحل الكثير من الرموز الآشورية ومنها قراءة أسماء الملوك. فمثلاً يرى البروفسور فريد  بأن أسم الملك آشور ناصر بال لا معنى له إطلاقاً فأسمه الحقيقي هو آشور ناطر أبري، أي آشور حارس وطني أو أرضي. ومن الجدير بالذكر بأن البروفسور فريد زار العراق في السبعينيات من القرن الماضي بدعوة من نظام حزب البعث في العراق وأثناء فترة فرض النظام البعثي سياسته في "إعادة كتابة التاريخ" والساعية إلى سرقة تاريخ الشعوب القدماء لبلاد ما بين النهرين كالآشوريين وتنسيبه إلى العرب، فأنتقد البروفسور فريد هذه السياسة وأستهزأ بها. غير أنه بعد أن غادر العراق توفي بعد بضعة أشهر بسبب عجز في الكليتين مما أثيرت الشكوك حول نظام البعث العراقي لقيامه بتسميمه بمركبات الزئبق البطيئة التسمم والتي كان يستخدمها النظام في القضاء على معارضيه في الخارج ومن دون إثارة الشكوك، مثلما حدث مع المناضل ماليك ياقو ماليك إسماعيل. وهو نفس الأسلوب التأمري الذي كان يحاول إستخدامه مع مثلث الرحمات البطريك مار شمعون إيشاي عندما رفض توريط الآشوريين في خطة لمحاربة الأكراد. فألف رحمة على هؤلاء الأبطال الثلاثة.




30
البطريرك مار أوا الثالث روئيل:




سنأخذ حقوق أبائنا في أرضنا... إذا؟ ... وكيف؟
====================================

أبرم شبيرا
منذ  أن تسنم قداسة البطريرك مار أوا الثالث سدة البطريركية لكنيسة المشرق الأشورية ورسخ الكرسي الرسولي للكنيسة في أرض الأباء والأجداد، أرض آشور التي أنطلقت منها رسالة الإنجيل المقدس إلى أصقاع العالم الشرقي، منذ تلك الفترة، بادر قداسته مبادرات وزيارات وتصريحات وأحاديث وإجتماعات قلمًا وجدناها في السابق يبادر بها رجل كنيسة يعتلي قمة المسؤولية، ليس في كنيسة المشرق الآشورية فحسب بل في بقية فروع كنيسة المشرق وخلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، خاصة ونحن نعرف بأن قداسته من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية، ترعرع ودرس وتخرج من جامعاتها وخدم الكنيسة هناك ضمن ظروف مختلف كلياً ومن جميع النواحي عن ظروف الوطن ولكن تربى هناك تربية دينية وقومية وتسلح بالعلم والمعرفة فسهلت أمر إلتصاقه بتربة الوطن والتفاعل الإيجابي مع أبناء كنيسته ومع الكنائس الشقيقة الأخرى في الوطن. فإذا كان معظم هذه المبادرات بجوانبها الدينية والكنسية تصب في التقارب المنشود مع بقية الكنائس خاصة الشقيقة منها وترسيخ ما هو قائم نحو التلاحم  كسبيل أمثل لمواجهة التحديات المميتة التي يواجهها المسيحيون في العراق وفي عموم المشرق فأمرها ليس موضوع هذه السطور رغم أهميتها القصوى في تثبيت الوجود المسيحي في المشرق، ولا يستوجبها الإشارة هنا إلا حالة معينة شدت إنتباهي إليها لكونها فريدة من نوعها وتتمثل في كلمة قداسته في إفتتاحية جلسة التشاور بين الأديان في لبنان عندما وجه كلمة شكر لمجلس كنائس الشرق الأوسط، أمينه العام الدكتور ميشيل عبس، على جهوده في عقد هذا اللقاء وإستضافته لقداسته لحضور الجلسة وإلقاء كلمته. الأمر المثير للإنتباه هنا هو أن كنيسة المشرق الآشورية ليست عضوا في هذا المجلس حيث رُفض الإنظمام إليه بسبب فيتو الكنيسة القبطية التي لا تزال تعتبرها ككنيسة هرطوقية تتبع تعاليم نسطورس، وقد يكون دعوة قداسته لهذا اللقاء وإلقاء كلمته بادرة جديدة لطرق باب العضوية في هذا المجلس الذي يضم كنائس شقيقة لكنيسة المشرق الآشورية.
في الماضي ولمرات عدة أكدنا على قوة الترابط العضوي بين كنيسة المشرق والأمة الآشورية لما لهما من عوامل مشتركة لايمكن الفصل بينهما. فوجود الكنيسة كمؤسسة عريقة تراثية وحضارية وقيامها على مقومات، عدا اللاهوتية، كاللغة والتاريخ والأرض والعادات والتقاليلد لايمكن أن تقوم لها قيامة ما لم تقوم على نفس مقومات الأمة الآشورية من لغة وتاريخ وأرض وعادات وتقاليد لتترابط عضوياً ويعطيها صفتها الآشورية كقاعدة عامة مع بعض الإستثناءات. ومثل هذا الترابط العضوي كنًا نجده في أفكار وممارسات مثلث الرحمات مار دنخا الرابع البطريرك الأسبق للكنيسة (رحمه الله) وقداسة مار كوركيس صليو الثالث البطريرك السابق للكنيسة، واليوم يمثلها قداسة البطريرك مار آوا الثالث. هذا الترابط العضوي بين ما هو كنسي وقومي هو الأمر الذي يصعب على البعض من فهمه وبالتالي يتهمون الكنيسة وبطريركها بالتدخل في السياسة. هذا الأمر، أي تدخل الكنيسة أو البطريرك في السياسة سبق وفصلنا فيه كثيراً وبمناسبات سابقة وأضحنا بأن ما يقوم به البطريرك أو يصرح به يجب أن ينظر إليه من خلال أساليب التدخل في السياسة والتي هي على شكل أسلوبين. الأول هو التدخل في السياسة بشكل مباشر سواء عن طريق تأسيس أحزاب سياسية أو الإنخراط مباشرة في العملية السياسية، كما كان الحال مع كنيسة المشرق في القرنين الماضين عندما كان البطريرك يقود الأمة من الناحية السياسية والقومية ويمثلها في المحافل الرسمية والدولية، وأيضا كما كان الحال مع بعض رجال الكنيسة اللاتينية الذين كانوا يقودون الثورات في بعض بلدان أميركا الجنوبية في العقود الماضية. أو يكون التدخل في السياسة بشكل غير مباشر القائم على الإرشاد وتوجيه رسائل ذات مضامين قومية خاصة للأحزاب السياسية والتنظيمات القومية. فللبطريرك كل الحق وكأحد أبناء هذه الأمة أن يعبر عن مشاعره القومية وأن تتضمن كلماته ووعضه ولقاءاته مضامين وأفكار نحو الوحدة والتفاهم بين الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية. وموضوع هذه الصفحات هو من صلب هذا التدخل غير المباشر في السياسة القومية وبرسالة واضحة لجميع المعنيين بالشأن القومي وحتى الكنسي.
ونحن في سياق التدخل في السياسة والمسائل القومية الصميمية، يجب أن لا يفوتني إلا وأن أذكر سابقة تاريخية سطرها قداسة البطريرك مار أوا الثالث في السجل القومي وحتى الكنسي عندما زار موقع مذبحة سميل وشارك في النشاطات التي أقيم على الموقع. والأكثر من هذا هو زيارة قداسته لضريح شهداء الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) في قرية بليجانه من أعمال محافظة نوهدرا (دهوك) والصلاة على أرواحهم. نعم زيارة شجاعة وجريئة وفريدة من نوعها لأن البعض من أبناء جلدتنا يخافون حتى من ذكر أسماء هؤلاء الشهداء الأبرار لا بل وينكرونهم.
في خطابه للآشوريين، وقداسته في زيارة للبنان في منتصف الشهر الماضي قال "سنأخذ حقوق أبائنا في أرضنا، إذا كانت مطالبنا بتلك الحقوق واعية وعقلانية ومن خلال إرتباطنا سوية بهدف واحد دون تشتت الجهود لكي يتسنى لنا إيجاد خلاص لأمتنا" هذه السطور القليلة وفي كل كلمة منها لها مضامين سياسية قومية عظيمة بحيث تلخص المشكلة الرئيسية لأمتنا في أرض الوطن من حيث حقوقها وسبل تحقيقها. يقول قداسته "سنأخذ" ليؤكد بأن الحقوق تؤخذ ولا تمنح أو تكون منية من أية سلطة. فعندما تكون الحقوق مسلوبة من قبل أية سلطة أو جهة فأنها لا تسترجعها إلا بعد إنتزاعها وأخذها من قبل أهلها، هذا الأمر معروف في السياسة بمفهوم النضال من أجل الحصول على الحقوق. وهنا يؤكد قداسته على قدسية أقدس الحقوق عندما يقول "حقوق أبائنا في أرضنا"والتي هي إشارة واضحة على أصالة شعبنا في بيت نهرين. فبدون أرض كهوية لشعبنا لا يمكن أن تؤسس أية حقوق أخرى حتى يقوم النضال من أجل تحقيقها ما لم تكن مرتكزة على قاعدة، أي الأرض لأنها هي أس الأساس لكل الحقوق القومية، فهوية الشخص الذي يغوض النضال القومي من أجل حقوقه القومية تنبع من الأرض التي هي المصدر الأساسي لشرعنة كل الحقوق التي يطالب بها. من هنا أستطيع أن أجزم بأن قداسة البطريرك مار أوا الثالث قد ترك المهجر وبكل رفاهيته ونعمته وإستقراره ليستقر في أرض الوطن ويرسخ كرسي البطريركية في أرض الأباء والأجداد لتكون منطلقا أساسياً للقيام بواجباته الكنسية والقومية معاً ولتكون أيضاً مصدراً لمصداقية أعماله وأقواله.
ومن الملاحظ في خطاب قداسته أعلاه يشترط المطالبة بحقوق الأباء في الأرض بوضع "إذا" كأداة شرط، أي تكون هذه الحقوق مشروطة بكونها واعية وعقلانية. أي بهذا المعنى يجب أن يكون العمل القومي في هذا السياق ضمن إطار ما هو ممكن وليس الهرولة وراء ما هو غير ممكن. فعندما قيل "السياسة هي فن الممكن" فهذا لا يعني إلا أن يكون هذا الممكن منطلقاً من أرض الواقع مدركاً وواضحاً في وعي الإنسان مستنيراً به لتحقيق الهدف المبتغاة. ولكن مع كل هذا يجب أن نعرف بأنه إذا كان هدف أو حق من الحقوق القومية  غير ممكن تحقيقه في الحاضر فأنه يجب أن لا يغيب عن وعينا وإدراكنا وإستراتيجيتنا في العمل القومي عن خلق أو إستثمار ظروف تساعد على تحقيق هذا الهدف خاصة إذا كان واعيا وعقلانياً وحق من الحقوق المشروعة. أو كما قيل "أعمل بالممكن ولا تنسى الطموح".
ولكن التساؤل الذي يأتي هنا، هو كيف السبيل إلى تحقيق هذه الحقوق الواعية والعقلانية؟ الجواب واضح ومبين في خطاب قداسته أعلاه عندما يقول "من خلال إرتباطنا سوية بهدف واحد دون تشتت الجهود... لماذا؟... حتى يتسنى لنا إيجاد خلاص لأمتنا"عبارة واضحة جداً تؤكد بأن أي عمل قومي أو حتى كنسي نحو تحقيق هدف معين من أهداف أمتنا لا يمكن أن يتحقق إلا بالعمل سوية وعلى أسس من التقارب والتفاهم حتى وأن كان بحده الأدنى لتحقيق الهدف المشترك، وهناك المئات من الأهداف المشتركة سواء بين أحزابنا السياسية أو بين أفرع كنيستنا المشرقية والتي يستوجب العمل لتحقيقها لأنها السبيل الوحيد لخلاص أمتنا وتثبيت وجودنا في الوطن. عبارة تذكرني بقول مثلث الرحمات مار روفائيل بيداويد البطريرك الأسبق للكنيسة الكلدانية (رحمه الله) عندما قال في حشد كبير من الكنيستين الآشورية والكلدانية في شيكاغو في التسعينيات من القرن الماضي:

ليتن خلاص إلا بخوياذا .... لا خلاص لنا إلا بالوحدة

31
حزب أبناء النهرين يعقد إجتماعا موسعا ويصدر بلاغا:
---------------------------------

توقف ... بحث ... ناقش ... ودعى
=====================
للحق أقول عندما بدأت بقراءة عنوان الموضوع أعلاه (حزب أبناء النهرين يعقد إجتماعا موسعا ويصدر بلاغا) في موقع عنكاوة الألكتروني (أنظر الرابط أدناه)، فللوهلة الأولى أستبشرت خيراً  لأنه كان إجتماع موسع وقد يكون بصدد إتخاذ قرارات مهمة تخص شعبنا طالما هو إجتماع موسع، يعني مهم ، فكانت قرائتي لعنوان الإجتماع الموسع وصدور بلاغ عنه ممزوجاً بنوع من الفرحة والتفائل نابعاً من التمنيات  والأحلام التي طال إنتظارها ولم تتحقق، ولكن مهما كانت الظروف الصعبة والمزرية التي تحيط بنا كأمة تترنح بين العواصف الهوجاءة، فالتمنيات ستبقى وتبقى لإستمرار الحياة بأمل أن تتحق يوما ما. ولكن عندما اكملتُ قراءة البلاغ أصابني نوع من اليأس والقنوط وإستمرار تناقص مصداقية أحزابنا السياسية تجاه المسائل القومية الحقيقة والمنطقية والممكن تحقيقها بحدها الأدنى والركض وراء غير الممكن المسطر في السطور التي لا تسمن ولا تغني. فلم أجد في هذا البلاغ إلا عباراة مثل توقف… وبحث…  وناقش... ودعى، من دون أي علامة ولو صغيرة عن عبارات مثل عمل أو نفذ أو أنجز أو حقق، وبالتالي لم يخرج من نطاق بيانات وبلاغات الأحزاب العراقية التقليدية والتي يمكن أن نطلق عليها "حجي جرايد" كما يصفها العراقيون الميؤوسون من هذه الأحزاب السياسية، وطبعاً أحزابنا السياسية غير مستثناة من هذه الحالة الميؤوسة. ولكن قد تكون هناك قرارات داخلية مهمة أتخذت ولم تسمح طبيعتها "السرية"، كما هو الحال مع معظم الأحزاب، من الإفصاح عنها وتضمينها في البلاغ، وأمل أن أكون صائبا في تمنياتي هذه.
مع كل هذا، عندما نظرت إلى فقرات البلاغ، خاصة في الشأن الوطني والداخلي فوجدت بأن مضامينها لا تخرج عن المسائل المعروفة والمملة التي أصمت أذان شعبنا منها، ومع هذا أستوقفني البلاغ في الفقرة الخاصة بالشأن القومي، والتي تقول:
"في الشأن القومي: بحث الاجتماع استمرار حالة التشظي التي تصاحب الأداء السياسي لفعاليات شعبنا القومية ومنذ سنوات، وبالتالي غياب العمل المشترك.. ما أوصل قضية شعبنا الآشوري إلى أضعف حالاتها على مدى عقود، داعيا هذه الفعاليات إلى الارتقاء لمستوى التحديات التي صارت تهدد قضيتنا القومية ووجود شعبنا، والعمل على تبني وتقديم مشروع قومي متكامل ورؤية واضحة له وسبل تطبيقه" – (أنتهى الاقتباس).
كلام جميل وواقعي ومعروف للجميع وأولهم أحزابنا السياسية وفي مقدمتهم صاحب البلاغ الذي يقر بهذا الوضع المأساوي والمزري لتشظي الإداء السياسي وفعاليات شعبنا القومية وبالتالي غياب العمل المشترك...أمر عجيب غريب... ليست المشكلة في من يجهل أمر ما ولا يتعامل معه، بل الطامة الكبرى هي من يعرف هذا الأمر ولا يعمل شيئاً تجاه ويضل يلعن الظلام من دون أن يشعل شمعة. هكذا الحال مع جميع أحزابنا السياسية مع وصف الوضع السياسي القومي المأساوي ومنهم طبعاً صاحب البلاغ الذي هو مضمون هذه السطور، فكلهم يكررون هذه المقولة التي أصبحت كإسطوانة مشخوطة ولا أحد منهم يتنازل قيد أنملة ويتحرك تجاه الآخر للتخفيف من هذه الحالة المزرية.
هنا، ونحن بصدد حزب أبناء النهرين، لا نقول بأن معظم المعنيين بالموضوع، خاصة القادة منهم، قد أنشقوا عن الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) بل نقول بأنهم تبرعموا منها ثم نمى هذا البرعم ليصبح شجرة بأغصان وفروع وأزهار عرف بحزب أبناء النهرين، أي بعبارة أخرى تشكل كيان مستقل مختلف عن كيان الأصل ولكن مع هذا بقى هذا الكيان جزء من الأصل ويحمل نفس الجينات والصفات ويثمر نفس الثمار ولا يختلف عن الأصل إلا بالشكل. وهذا الوصف يقر به معظم قادة الحزب لا بل ويفتخرون بأصلهم وخلفيتهم الزوعاوية... ولكن السؤال يبقى قائماً: إذا كانوا يحملون نفس الجينات والصفات وينتجون أو يسعون لإنتاج نفس الثمار ولا يختلفون عنه إلا بالشكل، إذن لماذا يظل هذا الشكل قائماً وفاعلا في بناء الحدود والسدود ونحن نعرف كما يعرف الجميع بأن كلاهما يعملون في نفس الحقل القومي؟ وهذا الأمر أن كان ينطبق بحذافيرها على أبناء النهرين فأنه بشكل أو بآخر ينطبق أيضا على معظم أحزابنا السياسية، وأقصد المستقلة أو شبه مستقلة، لأنه كما سبق وذكرنا في مناسبات سابقة بأنه لا توجد إختلافات جوهرية بينهم من فكرية وأيديولوجية بل كل ماهو في الأمر هو إختلاف في المواقف، تجاه مسائل معنية آنية وطارئة تواجه أمتنا، والأكثر من هذا هو إختلاف في الأسماء والشخصيات، ومن يقول عكس هذا فهو مخطئ لأنه نحن أمة صغيرة وبسيطة في تراكيبها الإجتماعية، الطبقية والبنيوية والثقافية، لتكون مصدر لتناقضات فكرية وأيديولوجية لذلك لا توجد في طيات مجتمعنا مثل هذه التناقضات إلا ما يستورد وينتقل إليها من التناقضات الطائفية المتطايرة من الإختلافات، أو بالأحرى، الخلافات الكنسية في أمتنا والتي في كثير من الأحيان يتم تلبيسها برداءات مزركشة بإدعاءات قومية وسياسية وفكرية.
إذا كان الأمر بهذه البساطة في الإختلافات، وحزب أبناء النهرين سيد العارفين، إذ، ما فائدة توقف… وبحث…  وناقش... ودعى... والإجتماع الموسع... إذا كانت غير مقرونة بالعمل والفعل الجادة لإزالة الحدود والسدود وبقرارات فعلية وواقعية ومثمرة نابعة من مثل هذا الإجتماع الموسع... أفهل كان هذا الإجتماع الموسع ضروري لكل هذه الكلمات الفاقدة للعمل الجاد والمثمر؟ فمن المفترض أن يكون مثل هذا الإجتماع الموسع للأحزاب السياسية منعقداً لإتخاذ قرارات مهمة وذات نوعية خاصة مؤثرة في السياق العام للحياة السياسية للأمة.
إذن نقول بأن الإشارة المشددة للفقرة الخاصة بالشأن القومي المذكورة أعلاه، ما هي إلا تأكيد على الداء الخطير وأعراضه الذي ينخر بجسم الأمة ولا يتطلبه إلا البحث وإيجاد الدواء المناسب له. وهنا نؤكد ونشدد في القول، بأنه إذا كانت هناك عوامل خارجية تفعل فعلها المؤثر في خلق الحالة المزرية لأمتنا فيجب وعلى نفس المنوال أن نؤكد ونشدد بأن هناك عوامل داخلية أيضا تلعب دورها الفاعل في هذه الحالة. فالفقرة الخاص بالشأن القومي المذكورة أعلاه وأعيدها هنا لأهميتها في الموضوع والذي تقول " ... "في الشأن القومي: بحث الاجتماع استمرار حالة التشظي التي تصاحب الأداء السياسي لفعاليات شعبنا القومية ومنذ سنوات، وبالتالي غياب العمل المشترك.. ما أوصل قضية شعبنا الآشوري إلى أضعف حالاتها على مدى عقود، داعيا هذه الفعاليات إلى الارتقاء لمستوى التحديات التي صارت تهدد قضيتنا القومية ووجود شعبنا، والعمل على تبني وتقديم مشروع قومي متكامل ورؤية واضحة له وسبل تطبيقه" هنا نسأل أحزابنا السياسية وفي مقدمتهم صاحب البلاغ: من هو المسؤول عن هذه الحالة المزرية لقوميتنا بغنى عن العوامل الخارجية؟ الجواب واضح وفوري هو أحزابنا السياسية ولا غيرها. في العلوم السياسية والعمل السياسي القومي أمر يؤكده الواقع القائل: "الأمة التي لا توجد فيها أحزاب فاعلة ونشطة ستكون إرادة الأمة خاضعة لإرادة الآخرين" وهي نفس القاعدة التي يمكن الإستعانة بها لنقول "أن الأمة التي لا توجد فيها أحزاب فاعلة ونشطة ستؤدي بالأمة إلى حالة من التشظي ويوصل قضيتها إلى أضعف حالاتها وإلى غياب العمل السياسي المشترك" وهذا ما تؤكده الفقرة أعلاه.
فهذه الحالة المرضية – من المرض – التي تعاني منها أمتنا، تشبه كحالة رجل مريض أو جريح وغيره يملك الدواء أو وسائل الإسعافات الأولية لمعالجته ولكن لا يعمل شيء غير التفرج عليه و"الطرطمة" والهروب من مسؤوليته في مساعدة هذا المريض أو الجريح. ونحن نعلم بأن كل القوانين الموضوعية والإنسانية وحتى الدينية تعاقب مثل هذا الشخص لأنه يتهرب من مسؤوليته في إنقاذ إنسان يعاني من مرض مميت، فيكون حاله بمثابة مجرم وقاتل للنفس البشرية. هكذا نقول بملئ الفم بأن أحزابنا السياسية، أقصد المستقلة وشبه مستقلة، يتحملون المسؤول الكاملة عن هذا الوضوع المزري لأمتنا لأنهم يعرفون الداء ويملكون الدواء اللازم ولكن لا يعملون شيئاً للخلاص من الداء... إذن ما الحل؟ وهذا نجده في نفس الفقرة للبلاغ والتي تقول "العمل على تبني وتقديم مشروع قومي متكامل ورؤية واضحه له وسبل تطبيقه". كلام... ... نعم كلام جميل جدا، ولكن كيف يمكن نقل هذا الكلام إلى فعل وإيجاد سبل لتطبيقه على الواقع الفعلي؟
لعشرات المرات قلنا ونقول بأنه لا يمكن لحزب واحد تحقيق مصالح أمتنا إلا بوجود عدد معقول ومحدود من الأحزاب السياسية الفاعلة يتناسب حجمها وإمكانياتها مع حجم الأمة وإمكانياتها وأن تؤمن وتعمل بالحد الأدني لتحقيق هذه المصالح، أي يتطلب نوع من التفاهم وتوحيد الخطاب السياسي والمطالب القومية. وإذا كان أبناء النهرين غيورين على العمل لتبني مشروع قومي متكامل ورؤية واضحة ويملكون مصداقية لبلاغهم في هذا الشأن فأقرب المقربين لهم هي زوعا لأنهم، كما سبق ذكره أنهم من نفس الشجرة ويعملون في نفس الحقل. وهذه الحالة تنطيق أيضا على معظم أحمابنا السياسية.
أن الوضع المميت لأمتنا الذي يهدد وجودها التاريخي والواقعي نحو أسوء مما هو عليه في هذه الأيام يفرض فرضاً قوياً على أحزابنا السياسية أن تعمل لإنقاذ أو التخفيف من هذا الوضع وأن تضعه فوق جميع المسائل الأخرى الحزبية والشخصية، وإلا فالتاريخ سيحاسبهم من دون إستثناء، وهنا يجب أن لا ننسى بأنه مثل هذه المحاسبة جارية في الواقع الحالي بين أبناء شعبنا وتتمثل في فقدان أو تناقص مصداقية أحزابنا السياسية. إذن، إذا كانت أحزابنا السياسية فعلا صادقة في كلامها وبلاغاتها وتحب أمتنا ووطنا فالتنازل، لا نقل التضحية، ببعض المسائل التحزبية والشخصية والمواقف الآنية مطلوب لإثبات ذلك ففي هذه الحالة من المؤكد سيكرمهم شعبنا بأوسمة شرف تاريخية من الدرجة الأولى،  وإلا ستبقى التهم قائمة عليهم بأنهم هم السبب الرئيسي – الداخلي -  في الوضع المزري والمميت الذي وصلت أمتنا إليه،
وأخيرا أقول:
•   إن إهتمامي المنقطع النظير في أحزابنا السياسية نابعاً من إيماني المطلق بأنهم الإداة السياسية الوحيدة للعمل في الحقل القومي وتحقيق الحد الأدنى من المصلحة القومية حتى وأن كانوا "يناضلون" على الورق أو على المواقع الألكترونية، لأن المسألة هي مسألة مبدأ راسخ وليس موقف آني.
•   أمل أن يكون خلف فقرات البلاغ أعلاه نوع من القرار غير المعلن فيما يخص العمل الجاد والسبل الممكنة نحو إيجاد الدواء اللازم لأمراض أمتنا.. وكم سنكون سعداء، لا بل سنطير من الفرح عندما نسمع بأن هناك خطوات على هذا الطريق ونحن، كالعادة، مستعدون للإسهام في هذا الأمر إذا أقتضت الحاجة.
•   أشكر أبناء النهرين على نشر بلاغهم مع عدد من الصور لأنه أسعدني أن أرى بعض الأصدقاء في الصور الذين أفتقدناهم منذ فترة طويلة وأفتقدنا الجلسات والحوارات معهم رغم زيارتنا السنوية لمقر الحزب في عنكاوة.

https://ankawa.com/forum/index.php?topic=1027472.0


32
كيف نفهم التاريخ القومي الآشوري المعاصر في كتابي الدكتور رياض السندي؟:

•   من تاريخ القضية الآشورية في عصبة الأمم – أغا بطرس في وثائق الأمم المتحدة و
•   الدور السياسي للبطريرك في العراق 1920 – 2020


أبرم شبيرا

==============================================
================================================


توطئة:
وبينما كنت أحضر الكونفنشن الآشوري الأخير الذي أنعقد في بداية شهر أيلول الماضي 2021 في مدينة تاسون بولاية أروزونا بالولايات المتحدة، جلب إنتباهي إعلان عن إقامة ندوة عن مذبحة سميل لعام 1933 ومشروع القرار الأمريكي بإعتبارها إبادة جماعية (genocide) بحق الآشوريين. وعند الحضور وجدت بأن الندوة قد ألغيت "لأسباب إدارية" وحل محلها عرض ومناقشة يقوم بها الدكتور رياض السندي للكتابين الذين أصدرهما بعنوان " من تاريخ القضية الآثورية في عصبة الأمم – آغا بطرس في وثائق الأمم المتحدة" والثاني "الدور السياسي للبطريرك في العراق 1920 – 2020". غير أنه ألغي هذا النشاط أيضا بسبب تعذر حضور الدكتور رياض السندي إلى الكونفنشن. غير أن اللجنة المنظمة قامت بإستدعاء عدد من المهتمين بالشأن القومي الحاضرين لتشكيل لجنة مناقشة بعض المسائل القومية ومنها الكتابين المذكورين، فما كان إلا أن وجدت نفسي في هذه اللجنة وأنا حاضر لأستمع لا لأُسمع غيري. فلما وجد منسق اللجنة وجود الكتابين في يدي طلب مني أن أعرضهما وأناقشهما. غير أنه بسبب محدودية وقت المناقشة أكتفيت بذكر بأن في الكتابين أخطاء كبيرة من عدة نواحي بعضها شكلية وبعضها الأخر معلوماتية تاريخية. وهنا وفي هذه السطور نعرض ونناقش هاتين الكتابين بشكل أكثر تفصيلا.
ولكن للحق اٌقول، ترددت بعض الشي في هذا الأمر، ليس لأن الدكتور رياض السندي كان زميل لي في كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد وقد يفهم غيره من هذه السطور بأنه تقليل من جهوده واستفادته من منصبه الوظيفي الدبلوماسي في البحث عن الوثائق التي تهم شعبنا، بل الكثير مما ورد في هاذين الكتابين من أخطاء وتحليلات وإستنتاجات غير موفقة فتوقعت أن يكتب المهتمين بالشأن القومي الآشوري بعض الملاحظات والإنتقادات على الكتابين. غير أن توقعي لم يكن صحيحاً على الأقل خلال الفترة من تاريخ صدور الكتابين في العام الماضي 2020 وحتى اليوم، وقد يكون سبب هذا الإغفال صدور الكتابين بنطاق محدود وصعوبة العثور عليهما. من هذا المنطلق وإيماناً بأن عدم عرض الأخطاء ومعالجتها ستصبح عاجلا أم آجلا من الوقائع المقبولة لدى الناس، وما كثرة الأخطاء في تاريخنا القديم والمعاصر التي أصبحت حقائق مقبولة يصعب أقناع الناس بخطئها، من هذا المنطلق قطعت ترددي وبدأت أكتب هذه السطور عن الكتابين خاصة وأنهما من الكتب التي تثير إهتمامي. وسنعالجهما، كما هو متبع في هذا الشأن، من حيث الشكل ثم من حيث المضمون:

من حيث الشكل:
----------
صحيح قيل بأن قيمة الكتاب ليست دائماً في شكله ولكن طالما الشكل مرتبط بالضمون وأنه يُعرف الكتاب من عنوانه فأنه يستوجب عرض، ولو قليلا للكتابين من حيث شكلهما. فالكتاب الأول عن أغا بطرس يتكون من 164 صفحة من القطع الصغير (A5) والكتاب الثاني عن الدور السياسي للبطريرك يتكون من 182 صفحة بنفس القطع (A5). والكتابان صدرا في كاليفورنيا عام 2020 ولكن يفتقران إلى أسم الناشر والمكان ورقم الطبعة، وهي من الأمور المتبعة في إصدار ونشر الكتب لكي يستطيع المهتم أن يقتني نسخة من الكتاب. وقد أستنتجت من هذا بأن الدكتور رياض هو الذي قام بهذه المهمات وربما على حسابه الخاس. أما بالنسبة لعنوان الكتابين فأعتقد بأن المؤلف لم يكون موفقا في الكتاب الأول (من تاريخ القضية الأثورية في عصبة الأمم – أغا بطرس في وثائق الأمم المتحدة) فالوثائق هي بالأصل تابعة لعصبة الأمم في حين العنوان هو عن وثائق الأمم المتحدة، فكان من الأجدر أن يكون العنوان (أغا بطرس في وثائق عصبة الأمم). صحيح هو أن عصبة الأمم ألغيت بعد الحرب الكونية الثانية وحلت محلها منظمة الأمم المتحدة وأصبح مقرها الأوربي في جنيف نفس مقر عصبة الأمم والذي يعرف بـ (قصر الأمم)، إلا أن مع هذا بقيت وثائق عصبة الأمم تحت أسم عصبة الأمم وليس الأمم المتحدة.
أما بالنسبة لعنوان الكتاب الثاني عن (الدور السياسي للبطريرك في العراق 1920 – 2020)، فكان من المفروض أن يكون أكثر دقة ووضوحاً. فمضمون الكتاب يتحدث عن عدد من البطاركة في العراق وليس بطريرك واحد، إي كان يجب أن يكون العنوان (الدور السياسي للبطاركة في العراق)، خاصة وأن صورة الغلاف هي لعدد من البطاركة التي تؤيد ذلك. هناك أمر غريب في صفحات كتاب أغا بطرس  يظهر بأن المؤلف لم يدركه لكي يتجنبه حيث هناك تكرار لعدد من الصفحات منها من الصفحة 102 إلى 103 يعود ويكررها بكاملها في الصفحتين من 127 إلى 128. على العموم هناك أكثر من هذا في معظم صفحات الكتابين. أكتفي بهذا القدر القليل من حيث الشكل لأنه ليس مهماً في مقارنته مع مضمون الكتابين.

من حيث المضمون:
-----------
صحيح هو أن توفر الوثائق عامل مهم في دراسة مسألة وتحليلها، ولكن الأهم منها هو أن يكون للمحلل والكاتب خلفية كافية ومعرفة ولو قليلا عن حقائق منطقية وواقعية عن الموضوع الذي تتناولته هذه الوثائق. فالأخطاء التي وقع فيها الدكتور رياض تدل على أنه يفتقر لخلفية كافية عن تاريخ الآشوريين المعاصر والحقائق الموضوعية وبالنتيجة قادته إلى أخطاء بعضها جسيمة، ولعل أهم المهمات سنتناولها كما يلي:

التسمية القومية:
----------
بشكل عام يتخبط المؤلف في موضوع التسمية القومية الصحيحة للآشوريين، فتارة هم طائفة ونساطرة وأخرى أثوريين وفي مكان آخر آشوريين ومصدر هذا التخبط، رغم كون التسميتين الآثورية والآشورية لنفس القومية، هو ترجمته لكلمة (Assyrians) التي وردت في وثائق عصبة الأمم إلى الآثوريين وبذلك يساير المؤلف الفكر العراقي المستبد، خاصة فكر البعث إلذي كان يمنع أستخدام التسمية الآشورية ويركز على الآثورية منطلقا من أن التسمية الثانية ليس لها علاقة بالتسمية الأولى وأن الآثوريين هم مجرد طائفة مسيحية. صحيح هو ورود صفة الطائفة أو الكنيسة لوصف الآشوريين في بعض الوثائق، إلا أن ما ورد فيها عن (Assyrians) لا يمكن ترجمتها إلا إلى الآشوريين وليس الآثوريين. والأنكى من هذا وذاك هو قوله وتأكيده ما ذكره غيره سابقاً حول تسمية أتباع كنيسة المشرق بالآشوريين، حيث يذكر ويقول "أبتداءً، يمكن القول إن مسيحيي الكنيسة النسطورية، والتي سمي أتباعها لا حقاً منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر بـ (الآشوريين،... ) ص 79 من كتاب أغا بطرس.... ويذكر في كتابه الثاني (الدور السياسي للبطريرك في العراق 1920-2020) ص 76-77، بالقول " فقد عُرف أتباع هذه الكنيسة بـ (الآشوريين) منذ القرن السابع عشر في كتابات المبشرين والرحالة الأجانب وأستقرت هذه التسمية رسمياً عام 1975. التناقض الكبير ظاهر في تخبط الدكتور في التسمية القومية للآشوريين، فتارة في القرن التاسع عشر ثم يعود ويذكر القرن السابع عشر، وهو القرن الذي لم يكن للمبشرين نشاطاً يذكر في منطقة الآشوريين في حيكاري لكي يطلق عليهم هذه التسمية. أما بالنسبة للتسمية رسمياً في عام 1975 فهو أمر مخالف للواقع ومغالطة كبيرة حيث كان أسم الكنيسة رسمياً وفي الوثائق العراقية (الكنيسة الشرقية الآثورية القديمة "النسطورية") وفي إيران سميت رسمياً هذه الكنيسة بالآشورية عام 1965 عندما كان مثلث الرحمات مار دنخا الرابع أسقفاً للكنيسة في إيران وعندما أعتلى قداسته سدة البطريركية أطلق على كنيسته أسم كنيسة المشرق الآشورية وليس مؤكداً فيما إذا أصبحت هذه التسمية رسمية وقانونية في العراق.
يا دكتورنا العزيز نقولها بكل تأكيد بأنه كان يطلق على أتباع هذه الكنيسة بـ (الآشوريين) وكل بلغات ولهجات الشعوب التي أحتكت بهم، وهناك العشرات من الكتب والتقارير كتبت منذ قرون طويلة وعرفت هذه الكنيسة بـ
(الكنيسة الآشورية – Assyrian Church )، ولكن يظهر بأنك تفتقر إلى المعلومات والمصادر الكثيرة في هذا الشأن مما اضطررت إن تلجأ إلى ذكر ما ذكره المارقون والمعادون للآشوريين ولكنيستهم العريقة، لا بل والأقدم من هذا، حتى الأمير الكردي شرف خان البدليسي يذكر في القرن السادس عشر الميلادي أسم الآشوريين في حيكاري في كتابه المعروف (شرفنامة) الذي يبحث عن تاريخ قبائل وأسر كردية مختلفة منذ الأزمنة القديمة لغاية سنة 1596ميلادية، وهو أقدم كتاب في تاريخ الأكراد حيث صدر في القرن السادس عشر ومن المؤكد البدليسي لم يكن له أية علاقة بالمبشرين ولا قد سمع عنهم. حيث يذكر ويصف المسيحيون في حيكاري بـ "الآشوريين" بكل وضوح في الصفحتين 216-217. (من ترجمة جميل الملا أحمد الروزبياني الصادرة من دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، طبعة ثالثة، لسنة 2007). ولا ندري فيما إذا كان الأمير الكردي شرف خان البدليسي مبشراً أجنبياً جاء إلى المنطقة للتبشير فأطلق على مسيحيي حيكاري تسمية الآشوريين.

قوات الليفي الآشورية:
-------------
سأخذ ما ورد في الصفحة 108 – 109 من الكتاب الأول عن أغا بطرس عن القوات الآشورية في عهد إنتداب بريطانيا على العراق والتي عرفت بـ (Assyrian Levies) حيث يذكر الدكتور بأن هذه التسكيلات العسكرية سميت نسبة إلى رمز توراتي بـ (جيش الليفي - Assyrian Levies) – إكتشاف جديد  - ثم يذهب الدكتور في هامش 77 ليذكر في نصف صفحة صلة تسمية هذه القوات بـ (لاوي بن يعقوب – ثالث من أبناء النبي يعقوب... وهكذا). أمر عجيب وغريب على أحد أبناء شعبنا يحمل شهادة الدكتوراه ولا يعرف معنى الليفي. فكان من المفترض أن يلجأ إلى أبسط قواميس اللغة الإنكليزية ليجد بأن كلمة اليفي (Levy) تعني مجند وجمعها (Levies) تعني المجندين، أي (Assyrian Levies) تعني المجندين الآشوريين، وليس لهذه التسمية إطلاقا أية علاقة بلاوي بن يعقوب. أما بالنسبة لقوله "بأن هذه القوات أستخدمت لقمع الكثير من الإنتقاضات الداخلية بما أكسبتهم سمعة سيئة لدى بقية قوميات الشعب العراق " فهذا نموذج للفكر العراقي الإستبدادي تجاه الآشوريين. ليكن في علمك يا دكتور أن هذه القوات لعبت دوراً كبيرا في إستقرار العراق وضمان سلامة حدوده في الوقت الذي كان الجيش العراقي الفتي غير قادر على القيام بمثل هذه المهمات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في عام 1924 بعد أن أستولى كمال أتاتورك على السلطة في تركيا، دخلت قواته شمال العراق وأحتلت مناطق واسعة بما فيها راوندوز فزجت بريطانيا ومن خلفها الحكومة العراقية بالقوات الآشورية في معارك مع الجيش التركي حتى تمكونوا من طرده خارج حدود العراق. هذا الأمر الذي لم تقيمه لا الحكومات العراقية ولا القوى المتحكمة في العراق ولإسباب في مضمونها طائفية مقيتة وفي النظرة الدونية للأشوريين المسيحيين لا بل حتى غيرة وحسد بعض ضباط الجيش العراقي من شجاعة القوات الآشورية، لذلك كانت تبحث عن فرصة للإنتقام من الآشوريين وهذا ما حدث في مذبحة سميل 1933. كنًا نأمل وأنت يا دكتور أحد أبناء شعبنا أن تكون منصفاً مع الآشوريين في تلك الفترات الحرجة.

الكنيسة والعائلة البطريركية:
----------------
هناك أخطاء شائعة في تاريخ كنيسة المشرق الآشورية والعائلة البطريركية ومن المؤسف أن يقع الدكتور رياض ضحية لها في فهمها وإدراجها في كتابيه. نبدئها بـ:
الكنيسة ونظام المليت العثماني: كان معظم الطوائف المسيحية في الدولة العثمانية تخضع لهذا النظام وجرياً على هذه القاعدة أدرج معظم الكتاب والباحثين في هذا الشأن كنيسة المشرق الآشورية ضمن هذا النظام وهذا خطأ شائعاً. فلو دققنا البحث في هذه المسألة سنرى من الناحية الرسمية بأن هذه الكنيسة لم تكن خاضعة إطلاقاً لهذا النظام. فالوثائق العثمانية المعروفة بـ "الدفاتر العثمانية" بخصوص المسيحيين، وهي المرجع الأساسي والرسمي التي تناولت شمول معظم الكنائس والطوائف بهذا النظام وطرق الإتصال بالباب العالي والإجتماع بالسلطان، عدا كنيسة المشرق الآشورية فليس فيها أي ذكر في هذه الدفاتر لأن السلطة العثمانية لم يكن يهمها أمر تنظيم أمور هذه الكنيسة معتقدة بأنه لا يمكن أخضاع مؤمنيها الشديدي المراس للقوانين والأنظمة. أما من الناحية الواقعية فإنعزال هذه الكنيسة في جبال عاصية وبعدها عن مراكز القرار والقوانين والأنظمة الرسمية حالت دون الإتصال بالحكومة المركزية أو الإجتماع بالسلطان العثماني وبالتالي جعلت من هذه الكنيسة أن يكون بطريركها ومجلسه من زعماء العشائر (ماليك) مصدرا لتنظيم أمورها الدينية والمدنية، فكان البطريرك يكتفي بالإتصال عند الضرورة بأقرب مسؤول عثماني وهو قائمقام مدينة جوليمارك. أما القول "وقد أعترف السلطان العثماني للمل المسيحية الدينية في القرن التاسع عشر، فاعترف بملة النساطرة (كنيسة المشرق القديمة) وبطريركها عام 1844..." فهو أمر مخالف للواقع ولا وجود لمثل هذا الإعتراف في الدفاتر العثمانية السالفة الذكر.

نظام ناطر كرسي:
----------
أستغل الكثير من الكتاب والباحين، خاصة المعادين لكنيسة المشرق الآشورية هذا النظام لإضفاء صفة التخلف عليها بأعتمادها هذا النظام الوراثي في توريث سدة البطريركية. ومن المؤسف أن يساير دكتورنا رياض هؤلاء في فهم هذا النظام بشكل خاطئ ومطلق. صحيح هو كان لهذا النظام  سلبيات أثرت في جوانب معينة على الكنيسة ولكن من جانب آخر كان له إيجابيات كبيرة ومؤثرة في مسيرتها، منها منع الآخرين من التدخل في شؤون الكنيسة بعد أعتماد هذا النظام كما حافظت بذلك على إستقلاليتها وعلى الموروثات والمقتنيات الكنسية والمراجع في بيت واحد وعائلة واحدة. ومن الأخطاء الشائعة أيضا والتي وقع فيها الدكتور رياض في شباكها هو أنقطاع هذا النظام بإغتيال المثلث الرحمات مار إيشاي شمعون البطريرك الأسبق للكنيسة، فهذا غير صحيح لأنه عندما تولى الشهيد مار بنيامين شمعون منصب البطريركية أدرك ضرورة إلغاء نظام الوراثة في الكنيسة والذي لم يعد مقبولا في ظل الظروف السياسية والفكرية الجديدة التي أجتاحت المنطقة قبل الحرب الكونية الأولى، لهذا أمتنع وبإصرار تعيين وريث له وأصر على أن يكون البطريرك القادم من غير عائلته ومن المتعلمين والمثقفين. لهذا عندما أغتيل على يد المجرم الكردي أسماعيل أغا (سمكو) لم يكن له ناطر كرسي. وعندما حلت بالآشوريين المأساة والفواجع المميتة وهجروا من موطنهم الأصلي، لم يكن أمام الآشوريين من العائلة البطريركية ومجموعة ماليك إنتخاب بطريرك جديد للكنيسة إلا خيار أختيار مار بولس شمعون شقيق البطريرك الشهيد كبطريرك جديد وكوسيلة لحماية وإستمرار الكنيسة. وعند وفاة البطريرك مار بولس لم يكن له ناطر كرسي أيضا. والحال نفسه وبظروف أسوء بالنسبة لإختيار مار إيشاي شمعون الذي أيضا طيلة خدمته الطويلة لم يكن له ناطر كرسي حتى وفاته. والباحث في ظروف تلك الفترة سيرى بأن العائلة البطريركية كانت ترفض رفضاً قاطعاً أختيار بطريرك من نفس العائلة غير أنه بسبب الظروف المأساوية غير المستقر في تلك الفترة الحرجة وتأثير العقلية العشائرية على قرار تعيين بطريرك جديد أضطروا إختيار مار إيشاي شمعون كبطريرك للكنيسة رغم صغر سنه.
أما ما ذكره في كتابه (الدور السياسي للبطريرك في العراق 1920 – 2020) ص 8  والهامش بأن "مار شمعون إيشاي كان في لندن ينتظر زوجة أخيه سرجون باشا لتضع مولودها البكر لكي يعمده ويضع عليه اليد ليكون البطريرك المقبل لهذه الكنيسة حسب الموروث" معتمدا على مقابلة أجريت معه من قبل الصحفي الإنكليزي كانون دوغلس نشرت في مجلة  (Church Time) في 17 آب 1955، لا بل والأكثر من هذا فالدكتور يذكر بأن من أحد أسباب خلاف البطريرك مع مار توما، أسقف الكنيسة في الهند، هو ترشيح البطريرك أبن أخيه سرجون المقيم في لندن في يوم ولادته لمنصب البطريركية خلفا له (نفس الصفحة). يا للهول من هذا القول والإفتراء وتناقضه مع الحقائق الموضوعية للكنيسة وتحديداً مع موقف البطريرك مار شمعون إيشاي من مسألة ناطر كرسي الذي كان حساساً وحاسما في هذه المسألة بحيث كان يوبخ بعض الأساقفة الذين كانوا يطرحون عليه مسألة تعيين ناطر كرسي لهم، لا بل، كما ذكرنا سابقاً، بأن العائلة البطريريكية نفسها كان ترفض رفضاً شديداً الإستمرار بهذا النظام في توريث كرسي البطريرك لأنها ضحت كثيرا بإفداء أبنائها لخدمة الكنيسة طيلة قرون طويلة. وأزيدك علماً يا دكتور بأن الشماس باول بيت مطران، وهو صديق عزيز لنا في لندن، كان منذورا كناطر كرسي لعمه القديس مار يوسف خنانيشو مطرابوليت الكنيسة في العراق، إلا أنه أعتذر وتنازل عن ذلك مؤكداً بأن مثل هذا النظام لم يعد مقبولا في العصر الحديث لذلك عندما أنتقل القديس مار يوسف إلى الإخدار السماوية أختار مثلث الرحمات مار دنخا الرابع مار كوركيس صليوا ليكون مطرانا للعراق عوضاً عن ذلك.

البطريرك الشهيد مار بنيامين والمجرم الكبير سمكو:
-----------------------------
يعتبر مار بنيامين شمعون بالنسبة للآشوريين قاطبة شهيدا خالدا من شهدائهم فهو الذي ضحى بحياته من أجل شعبه وتحمل معاناة لا يمكن لأي إنسان أن يتحمله في تلك الظروف المميتة التي عاش فيها. أما المجرم الكبير سمكو فهو من أعتى المجرمين وأقذرهم بالنسبة للآشوريين فأعماله الإجرامية شنيعة بحق الآشوريين وغيرهم. ولكن يا دكتور وأنت أحد أبناءء هذه الأمة، أليس كان من المفروض أن تحترم مشاعر الآشوريين وأن تكرس بعض الكلمات عن تضحية وفداء أمير الشهداء مار بنيامين وتلقبه بالشهيد، ولكن مع الأسف غاب عنك ذلك وتجاهلت مشاعر جميع الآشوريين نحو شهيدهم الخالد فأكتفيت بذكر أسمه فقط  كالبطريرك مار بنيامين.والطامة الكبرى هو تغافلك عن جرائم سمكو أكبر مجرم في تاريخ الآشوريين وعجزت أن تصفه بالمجرم فأكتفيت بذكره كإسماعيل أغا (سمكو). مع الأسف الشديد لم تستطيع يا دكتور إنصاف الآشوريين فيما يخص جريمة إغتيال الشهيد مار بنيامين من قبل المجرم العتيد سمكو القذر.

أغا بطرس وماليك قمبر:
-------------
لا أحد يستطيع أن ينكر البطولات التي قام بها أغا بطرس ولا الجهود التي بذلها ماليك قمبر في العمل من أجل شعبهما. فصحيح هو أن كلا القائدين كانوا يتطلعون إلى فرنسا لضمان حقوق شعبنا مقابل العائلة البطريركية، خاصة سورما خانم وأخيها داود، اللذان كانا يسعيان للتعامل مع بريطانيا من أجل تحقيق الحقوق المشروعة لأمتهم وكنيستهم. من هنا يمكن القول أن صراع البريطاني – الفرنسي في المنطقة أنعكس في الخلاف بين القائدين من جهة والعائلة البطريريكية من جهة أخرى. وقد نستطيع القول بأنه كان صراع بين منهجين في العمل القومي، منهج يسعى إلى سلطة مدنية (أغا بطرس و ماليك قمبر) أو فصل الكنيسة عن السياسة، وآخر يسعى للحفاظ على إستمرار الربط ودمج السلطتين الكنسية والمدنية  أي (سورما خانم وأخيها داود). وهنا، ومهما كان الخلاف الظاهر على السطح بين الجهتين، إلا أنه لا يمكن أن ننكر بأن مسائل كنسية وطائفية قد تكون خلف هذ الخلاف بين الطرفين حيث كان كلا القائدين من أتباع الكنيسة الكاثوليكية، لا بل من الملاحظ أيضا بأن معظم رواد الفكر والنضال القومي الآشوري كانوا من غير أتباع كنيسة المشرق الآشورية، لهذا السبب لا يمكن اغفال العوامل الطائفية من وراء الخلاف الذي نشأ بينهم وبين العائلة البطريركية ودور الإنكليز في هذا الشان.
وهنا من الملاحظ بأنني لم أتطرق إلى البطريرك سواء الشهيد مار بنيامين أو مار شمعون إيشاي، لأن الحقائق غير المتداولة على عامة الناس هو أن مار بنيامين كان في خلاف مع شقيقته سورما خانم وشقيقه داود حيث كان يسعى لتحالف إستراتيجي مع روسيا القيصرية ثم مع الإتحاد السوفياتي على عكس شقيقته وشقيقه اللذان كانا يسعيان للعمل مع بريطانيا. وحتى بالنسب للبطريرك مار شمعون إيشاي الذي كان يسعى للعمل بشكل مستقل وعدم الإنجرار خلف بريطانيا، خاصة وأكثر وضوحاً بعد مذبحة سميل عام 1933، لأنه كان يدرك بأنه بمجرد أن تحقق بريطانيا مصالحها سوف تترك الآشوريين غارقين في مأساتهم وهذا ما حدث في سميل عام 1933. ويقال أيضا بأن خلاف مار شمعون مع عمته سورما خانم ووالده داود أستمر بشكل أو بآخر لحين إغتياله. ولكن من الملاحظ بأن الدكتور رياض وفي كلا الكتابين وضع كل الأمور في سلة واحدة وتعامل معها من دون يدرك هذا الخلاف الداخلي بين زعماء الأمة والكنيسة، ولا عتب على ذلك لأنه لم يكن من السهل العثور على المراجع والوثائق الخاصة بهذا الموضوع في أروقة قصر الأمم في جنيف.
وأخير، هناك مغالطات كثيرة في الكتابين فيما يخص العراق والعراقيين ومواقفهم من الآشوريين وكنيستهم، إلا أننا تجاهلناها لأن في معظمها معروفة ومتداولة بين أبناء شعبنا، خاصة فيما ورد في الكتاب الثاني (الدور السياسي للبطريرك في العراق 1920 – 2020) حيث تقريباً معظم محتوياته متداولة ومعروفة لأبناء شعبنا خاصة موضوع تدخل البطريرك في المسائل السياسية. وعلى العموم لم يبقى إلا ذكر المثل العربي القائل:
جاي يكحل العينين فعماهم
 

33
القانون لا يحمي المغفلين.... فرسان "الكوتا المسيحية" نموذجاً
===================================
أبرم شبيرا
عذرا، قد تكون كلمة "المغفلين" قاسية وثقيلة بعض الشيء على سياسيي شعبنا وتحديداً على فرسان "الكوتا المسيحية" الذين شاركوا في الإنتخابات البرلمانية لهذا العام 2021. وقد تكون العبارة القانونية "الجهل بالقانون ليس عذراً" أخف على أخوتنا الباكين على نتائج الإنتخابات وخروجهم من "المولد بدون حمص" كما يقول المثل العراقي. ولكن لم أجد مندوحة إلا أن أستخدم مثل هذه المصطلحات "القاسية والثقيلة" لأنها فعلاً تتلائم وتتناسب مع قساوة وثقل نتائج الإنتخابات المخيبة ليس على فرسان "الكوتا" فحسب بل على معظم المسيحيين في العراق وربما أيضا على بعض من أبناء شعبنا في بلدان المهجر ليتعاظم الإحباط والقنوط وتتقلص مصداقية سياسيينا وتزيد من تراخي الوجود المسيحي في الوطن ويفتح الباب أكثر وسعاً نحو المهجر.
هنا أود أن أكد بأن إشارتي إلى مصطلح "القانون" ليس القصد منه القوانين العراقية ولا الدستور المزدحم بتناقضات صارخة  فحسب، بل إشارتي هي أيضاً إلى الممارسة الواقعية التي هي أقوى بكثير من أي قانون. فالقانون ليس تشريع وكلمات على ورق فحسب، بل الأهمية القصوى للقانون تكمن في ممارسته وتطبيقه على الواقع لتحقيق العدالة الإجتماعية للجميع. نظرة بسيطة في الدستور العراقي سوف يكشف لنا قمة التناقض وتجاهل تطبيق مواده ووقوعه ضحية الممارسات الخاطئة والإستبدادية بحق كل الشعب العراقي وتحديدا المسيحيون منهم. فالدستور يقر أن يكون رئيس الجمعورية عراقيا، ولكن الممارسة الواقعية تفرض بأن  يكون كردياً. وهكذا الحال مع رئيس مجلس الوزراء السني ورئيس البرلمان الشيعي، هذا ناهيك عن المناصب الوزراية وغيرها. أين العدالة الإجتماعية لبقية الطوائف والأديان في الدستور؟؟  صحيح هو أن القانون العراقي يقر بـ"الكوتا المسيحية" والدستور يؤكد ضمان حقوق الأقليات ومنهم المسيحيين، ولكن الواقع والتطبيق بعيد كل البعد عن الكلمات الطنانة الواردة في القوانين والدستور العراقي، ومنها نظام "الكوتا المسيحية". كان قداسة مار أوا الثالث رويل بطريرك كنيسة المشرق الآشورية الكلي الطوبى رائعاً عندما أشار في أحدى لقاءاته مع أبناء شعبنا في الوطن إلى مقولة مثلث الرحمات مار دنخا الرابع البطريرك الأسبق للكنيسة القائلة بأنه "على الآشوريين أن يحترمون ويتبعوا قوانين الدولة التي يعيشون فيها" عندما أضاف قداسته إلى هذه المقولة بأن هذا القول صحيح ولكن يجب أن تكون هذه القوانين إنسانية وعادلة ومحققة للمساواة بين الجميع. أي بعبارة أخرى يجب أن تكون ضامنة للعدالة الإجتماعية.
أعمل منذ سنوات في دولة الإمارات العربية المتحدة، هذه الدولة الفتية التي تثير إعجاب العالم بتقدمها وإستقرارها من جميع مناحي الحياة وجعلت من شعبنا أسعد شعب في العالم ويوجد فيها حوالي 200 جنسية مختلفة تقيم وتعمل بكل أمان وإستقرار. تصوروا لديها وزارة بأسم وزارة التسامح والسعادة... لماذا؟ لأن زعمائها يدركون أنه بالممارسة الواقعية المقرونة بالعدالة الإجتماعية يمكن خدمة الإنسان أكثر من أي قانون... "القانون الذي لا يخدم مصلحة الناس يجب أن يطرح جانباً ونلجأ إلى ما يخدم مصلحة الناس" هذا ما قاله أحد مسؤولي هذه الدولة. فالقانون بطيء جداً في متابعة مصالح الناس المختلفة والمتطورة، في حين الواقع يكون أكثر فاعلية وإستجابة لمصالح الناس ويحقق العدالة الإجتماعية. من هنا نقول بأنه خطأ كبير الإشارة إلى أية دولة والقول بأنها دولة قانون بل الصحيح يجب القول بأنها دولة العدالة الإجتماعية، لأن هناك قوانين تشرع من قبل سلطات الدولة ولكن تفتقر إلى العدالة الإجتماعية. في العراق منذ تأسيس كيانه السياسي وحتى يومنا هذا شرع قوانين ضامنة لحقوق الأقليات ولكن في الواقع والتطبيق العملي هي بعيدة كل البعد عن العدالة الإجتماعية لا بل تسحقهم سحقاً خاصة عند مطالبتهم بحقوقهم القومية المشروعة. عندما قُبل الكيان السياسي العراقي كعضو في عصبة الأمم عام 1932، كان هذا القبول مشروطاً بضمان العراق حقوق الأقليات القومية والدينية في العراق، ولكن ما حدث في الواقع هو ذبح الآشوريين في بلدة سميل وغيرها من البلدات والقرى عام 1933. ومثل هذه المذابح أستمرت حتى يومنا هذا بشكل أو بأخر، جسدي أو معنوي،  ومذابح داعش الإجرامي وتهميش، بل الأصح إلغاء القابعون على السلطة والحكم للوجود المسيحي في الوطن نماذج في هذا السياق.
بالعودة إلى الإنتخابات البرلمانية في العراق لهذه السنة ومهزلة "الكوتا المسيحية" التي شرعها النظام العراقي رسمياً وقانونيا، لكن في تطبيقها مسألة نظر وإختلاف. فمن الناحية الشكلية والقانونية لا خلاف عليها لأن الذين رشحوا أنفسهم ضمن هذه الكوتا وفازوا هم مسيحيون وليسوا من ديانة أخرى وهذا مطابق للنظام لأنه لا يشير أو يشترط أن يكون المرشحون المسيحيون من هذا الحزب أو ذاك سواء أكان حزب من الأحزاب المسيحية أم غيرها من الأحزاب، فالمهم أن تكون ديانهم مسيحية وليس إنتمائهم الحزبي. لكن الخلاف يكمن في تحقيق العدالة الإجتماعية من هذا النظام. فمن المعروف بأن المسيحيين الذين فازوا بأغلبية، أو بمعظم، كراسي الكوتا ينتمون أو موالون لأحزاب أو لقوى تتحكم في البلاد والعباد، وهي بالأصل وفي المعتقد والفكر وحتى السياسة لا تعترف بالغير المختلف وبالتالي وبالمنطلق لا تحقق العدالة الإجتماعية للمسيحيين في العراق، وإن تلجأ بين حين وآخر بتصريحات طنانة معسولة بأنها جاءت لخدمة جميع العراقيين دون تفرقة.
هذا جانب، لنقل أنه جانب خارجي، من معضلة "الكوتا المسيحية" والكامنة في إستحواذ "الذئاب الكبرى" عليها. لكن الجانب الآخر، لنقل أنه جانب داخلي، يتمثل في الأحزاب المسيحية التي تشارك في الإنتخابات. فمعظمهم بل جميعهم يدركون كامل الإدراك باستحواذ "الذئاب الكبرى" على الكوتا ولكن مع هذا يشاركون في الإنتخابات  وبالتالي يخرج ممثليهم صفر اليدين أو بكرسي يتيم (يلا أحسن من ماكو). أي بهذا المعنى نقول بأنهم لا يجهلون هذه الحقيقة بل يتجاهلونها ويطرحونها جانباً عند مشاركتهم في الإنتخابات وهم يعرفون مسبقاً نتائجها. وهنا من الضروري أن نفرق بين الجهل والتجاهل. فالجهل قد يكون بسبب قلة المعرفة بالشيء أو الظاهرة وقد يكون عفويا. في حين التجاهل، أو التغافل، هو معرفة الشيء أو الظاهرة ولكن يضل يقفز من فوقها لتجاهلها أي تكون مقصودة كما هو الحال مع الأحزاب المسيحية المشاركة في الإنتخابات، وهذا يشبه جريمة القتل مع سبق الإصرار. والأنكى من كل هذا وذاك هو، وأنا في زيارة لشمال الوطن صادف أثناء الإنتخابات الأخيرة، سمعت بأن بعض من أحزابنا المسيحية، لنقل المستقلة، كانت في قمة التفائل بأن مرشحيها سيفوزون بأكثر من كرسي في البرلمان، فأن دلت هذه المبالغة في ثقة الفوز بشيء فأنها تدل أما على إغفال قادة هؤلاء الأحزاب شراسة "الذئاب المفترسة" نحو الكراسي المسيحية في البرلمان، أو تجاهل واقع النظام السياسي الفاسد في العراق ومشاركتهم في هذا الفساد وتبريره من خلال مشاركة ممثليها في الإنتخابات.
 أن معظم الأحزاب المسيحية عارضت إستحواذ "الذئاب الكبرى" على الكوتا بشكل قانوني ورسمي والذي هو بعيد كل البعد عن العدالة الإجتماعية المحققة للمسيحيين في العراق، فطالبوا وأستمروا في المطالبة حتى اليوم بحصر التصويت على الكوتا بالمسيحيين فقط. ولكن جميع هذه الإعتراضات أصطدمت بالجدران الصلدة للقوانين العراقية وبنظام الكوتا فوقعت على آذان صماء. وحتى لو أفترضنا مجازاً بأن نظام الكوتا قد تغير وحصر التصويت بالمسيحيين فقط، فهناك إحتمال أن يكون سيناريو النتائج كما يلي:
أولا: فوز ممثلي الأحزاب المسيحية، لنقل المستقلة، بجميع الكراسي الخمسة للكوتا: فحتى في هذه الحالة لا يستطيعون أن يحققوا أي إنجاز لأبناء شعبنا لأن (1) - معظم أعضاء البرلمان، بإستثناء بعض التقدميين والديموقراطيين، لا يقرون أصلاً بالحقوق المشروعة للمسيحيين وبالتالي يبقى هؤلاء الممثلين ضحية "ديموقراطية الأغلبية المطلقة" قابعين على كراسيهم مستمتعين بالإمتيازات المالية والمعنوية لهم شخصياً أو لحزبهم ويضلون ينفخون بكلمات منمقة عن "النضال من أجل حقوق المسيحيين" في قربة مخرومة سئم شعبنا منها. و (2) – السنوات الماضية أثبت وبشكل قاطع بأن ممثلي الأحزاب المسيحية في البرلمان أفتقروا إفتقارا مدقعاً إلى خطاب سياسي موحد لا بل كانوا ينشرون خلافاتهم ونزاعاتهم على حبال البرلمان ويصبحون مضحكة لغيرهم وإشمئزاز للمسيحيين. وحتى أعتراضاتهم وإستنكاراتهم لنتائج الإنتخابات الأخيرة ومطالبتهم بتعديل نظام الكوتا وحصر التصويت بالمسيحيين فقط، رغم كون هدف صميمي مشترك للجميع إلا أنه نرى بأنه كل واحد منهم "غني على ليلاه" كما يقول المثل، فكان من المفترض أن تتوحد أعتراضاتهم لتكون قوة قد تستطيع اختراق اذان مخترع نظام الكوتا الطرشاء. فإذا كانت أحزابنا المسيحية لا تستيطع أن تتوحد بوسيلة بسيطة فكيف والحال مع تحقيق الأهداف الطموحة؟  وهذا تأكيد على أنهم يتجاهلون أو يتغافلون بأنه لا يمكن تحقيق الأهداف من دون وجود وسيلة ناجعة.
ثانيا: وحتى إذا حصر التصويت للكوتا بالمسيحيين فقط فأن هذا لا يمنع أن يرشح المرتمون في أحضان "الذئاب الكبرى" للحصول على العضوية في البرلمان وذلك لكونهم مسيحيون. ففي هذه الحالة ليس من المنطق والواقع أن يسكت هؤلاء بل سيستمرون بعوائهم في تخوفين المسيحيين المقترعين سواء بالمال أو التهديد أو بالإغراء المالي أو الوظيفي، لا بل وحتى بالسلاح لكي يضمنوا الحصول على كرسي أو أكثر إن لم نقل جميعها. فهذا ليس مستبعدا ونحن نتحدث عن نظام سياسي فاسد ومتخلف فرسانه خبراء في التلاعب بنتائج الإنتخابات وعن حالة التشتت وعدم التفاهم والإتفاق على خطاب موحد للمسيحيين.
إذن ما الحل؟ إذا كان "نضال" الأحزاب المسيحية من أجل العدالة الإجتماعية وحصر التصويت بالمسيحيين ضد الجانب الخارجي لا نتيجة منه، يبقى "النضال" على ساحة الجانب الداخلي مفتوحاً أمام الأحزاب المسيحية التي تشارك في الإنتخابات. نحن نعرف جيداً بأن معظم الأحزاب المسيحية، خاصة الذين يمتلكون قراراً مستقلا، إن لم يكن غالباً ليكن نسبياً، يفتقرون إلى وسائل القوة المادية والمعنوية والمال السياسي للتأثير على المقترعين، وهذا الإفقار ليس بيت القصيدة، بل الطامة الكبرى تمكن في الجهل المطبق الذي يتحكم في سلوكهم السياسي. لقد سبق وعرضنا وحللنا في السابق موضوع لرائد الصحافة الآشورية الشهيد آشور يوسف بيت هربوت الذي كبته في بداية القرن الماضي ونشرناه في هذا الموقع عن أسباب تخلف الآشوريين لنستخلص منه بأنه، إضافة إلى عدة أسباب في تخلف الآشوريين، يأتي الجهل الكامن في غياب المصلحة العامة عند قادة الأمة في أولويات أسباب التخلف. من المؤكد بأن معظم فرسان "الكوتا المسيحية" وقادة أحزابنا هم من حملة شهادات عالية وجامعية في مختلف مجالات العلم والثقافة، ولكن المصلحة القومية غائبة عنهم وهي التي تشكل مصدر جهلهم المطبق ولا يزول مثل هذا الجهل إلا بالتمسك بالمصلحة القومية من خلال مستوى، وإن كان في أدناه من توحيد الخطاب القومي السياسي ونحن نتحدث عن موضوع الإنتخابات.
 ولكن... نعم، ولكن كيف تصل الأحزاب المسيحية إلى هذا المستوى في الخطاب السياسي الموحد وأحزابنا تهرول يميناً ويساراً ومن دون أن تجد طريقاً ولو ضيقاً نحو هذا الخطاب، ونحن نعرف بأن لبعض هذه الأحزاب إرتباطات حزبية مع الغير مقرونة بمصالح شخصية وحزبية وإنتماءات لخارج البيت المسيحي؟ ولو دققنا النظر في هذه الأحزاب لوجدنا بأنه بالرغم من أن البعض منها لها إنتماءات أو إرتباطات أو مصالح مع أحزاب عراقية غير مسيحية لكن لبعض هذه الأحزاب العراقية جوانب في فكرها وسلوكها نوع من التقدمية والديموقراطية (الحديث هو عن الأحزاب التقدمية والديموقراطية) وتترك هامشا ضيقاً لتفهم أو تقبل الحقوق القومية المشروعة للمسيحيين. وكما سبق وذكرنا في أعلاه بأن هناك نسب متفاوتة في إرتباط بعض الأحزاب المسيحية مع الأحزاب العراقية الأخرى، أي بهذا المعنى ليس القصد من هذا الإرتباط النسبي "عمالة" لهذا الحزب أو ذاك، بل القصد هو وجود فسحة وإن كانت ضيقة مبنية على الإقرار والإعتراف وربما العمل نحو المصلحة العامة، وهي الظاهرة الإيجابية في هذه الأحزاب المسيحية، وأمر السير على طريق المصلحة العامة سوف يرتبط بمدى تقدمية وديموقراطية الأحزاب العراقية التي ترتبط بها بعض الأحزاب المسيحية. من هنا يمكن القول بأنه على الأحزاب المسيحية، خاصة الفاعلة والمؤثرة وذات الخلفية في الإنتخابات العامة، أن تبحث عن هذه النسبة الإيجابية كل حسب حجمها وتأثيرها ومن ثم ربطها مع البعض لتحقيق الحد الأدنى من الخطاب السياسي الموحدة نحو أية ظاهرة سياسية في العراق كالإنتخابات مثلاً أو مسألة التجاوزات على أرضي شعبنا.
هذه الظاهرة الإيجابية الضيقة، هي جزء من الظاهرة العامة في مجتمعنا. فبعيدا عن المطلق وإعتمادا على النسبية، نقول مجازاً إذا كنَا في قمة التشاؤم ونسبة الظواهر السلبية في مجتمعنا تصل إلى حدها الأقصى، لنقل 90% إذن لابد أن تكون هناك ظواهر، أو ظاهرة إيجابية تمثل 10%. هذه النسبة العالية في الظواهر السلبية هي نتيجة طبيعية للوضع المأساوي العام لمجتمعنا في هذا العصر. فإذا ترك أحزابنا السياسية الحال على وضعه فأنه لا مجال بأن هذه النسبة في الظواهر السلبية ستصل، إن لم تكن عاجلا سوف تكون آجلا، إلى 100% إي بمعنى آخر إنقراض شعبنا من أرض الوطن، وهذا لا يرغب به إلا الشيطان واعوانه. فإذا كانت الأحزاب المسيحية، خاصة فرسان "الكوتا المسيحية" فعلا صادقين في أقوالهم عن المصلحة العامة فعلهم أن يتمسكون بالنسبة الإيجابية لـ (10%) لتشكل خيطاً رفيعاً نحو الخطاب الموحد في المسائل العامة، كالإنتخابات والتجاوزات على أراضي شعبنا، وبالتالي تعمل وبإخلاص وتفاني لزيادة هذه النسبة ومن ثم إنعكاس ذلك في تقليص النسبة السلبية، أي بعبارة أوضح، العمل على الحد الأدنى الممكن وإلا هذا الحد سيضيع في متاهات الحياة المزرية لشعبنا في الوطن.
في السابق كتبنا موضوعاً عن وحدة الخطاب والمطالب وذكرنا بأنه في عام 1920 قال السكرتير العام لمؤتمر السلام في فيرساي بفرنسا للوفود الآشورية التي حاولت حضور المؤتمر: روحوا وحدوا كلامكم ثم تعالوا... وبعد قرن قال الزعيم الكردي السيد مسعود البارزاني لأحزابنا السياسية نفس الكلام: روحوا وحدوا مطالبكم ثم تعالوا.... هذا الكلام وإن كان فيه إحتمال تهرب المسؤولين من النظر في مطالب شعبنا، إلا انها من ناحية أخرى يصب في كبد الحقيقة... هكذا يقول شعبنا في هذه الأيام لـ "فرسان الكوتا المسيحية" خاصة بعد النتائج المأساوية للإنتخابات البرلمانية، روحوا وحدوا كلامكم ثم أدخلوا الإنتخابات بسلاح الخطاب الموحد، أما إغفال هذه الحقيقة فإن  القانون سوف لا يحميكم، بل ستضلون تبكون وتلطمون صدوركم على نعش كوتتكم.... روحوا يا أحزابنا السياسية وحدوا كلمتكم وخطابكم السياسي... وإلا... وإلا لا تحمد عواقبه من إغفاله في عملكم السياسي.
وأخيرا، أود أن أوضح بأن محتوى هذه السطور هو إنعكاس لما لمسته من الكثير من أبناء شعبنا خاصة المهتمين بالشأن السياسي والقومي في الوطن أثناء زيارتي لشماله والإلتقاء بالكثير منهم بعد ظهور نتائج الإنتخابات المزرية. هذا هو الواقع الذي تنطلق منه مصطلحات كالكوتا المسيحية والأحزاب المسيحية وأدرجت في هذه السطور والتي ليست بالضرورة متماثلة بما أؤمن به الذي أساسه قومي قائم على إعتبار جميع التسميات الآشورية والكلدانية والسريانية قومية واحدة وعلى هذا الأساس يجب يقوم العمل السياسي وإلا التشرذم سيزداد يميناً وشمالا حتى الضياع. وإذا كان النظام الحالي لا يعترف بهذه الأمة مهما كانت تسميتها مفردة أو مركبة، بواو أو بدون واو، لتذهب الكوتا إلى الجحيم وبئس المصير لأنها فعلا تفيد النظام أكثر مما تفيد شعبنا وأنها ليست إلا ديكور لتجميل عيوب النظام، لا بل هي كـ "برغي من براغي ماكنة فساد النظام العراقي، فإذن لماذا نشارك فيها وهي ضارة أكثر مما هي مفيدة؟

 

 

34
عيد إستقلال العراق وإنضمامه لعصبة الأمم في الثالث من تشرين الأول 1932
ثمنه ذبح الآشوريين في سميل
==========================================================
أبرم شبيرا
أولا: توطئة:
-------
أعلنت الحكومة العراقية ولأول مرة في تاريخها عطلة رسمية يوم الأحد المصادف الثالث من تشرين الثاني 2021 كعيد لإستقلال العراق وإنضمانه لعصبة الأمم في الثالث من تشرين الأول من عام 1932. ويأتي هذا الإعلان الحكومي متزامناً مع ما كان يؤكده بعض الكتاب العراقيين والنخب الحاكمة بأن هذا الإستقلال هو ثمرة من ثمرات نضال الشعب العراقي طيلة أحدى عشر عاما من عام  1921، تاريخ تأسيس  بريطانيا لدولة العراق حتى عام 1932 تاريخ تخلي بريطانيا عن إنتدابها على العراق ومنحه الإستقلال وإنضمانه لعصبة الأمم. ولكن التساؤل المثير هو هل حقاً بأن ما منحته بريطانيا هو إستقلال ناجع نتيجة نضال الشعب العراقي خلال أحدى عشر عاما أم هو نوع من تحوٌل في طبيعة سياسة بريطانيا من الحكم المباشر إلى غير المباشر وطبقاً لسياستها ومصالحها في تلك الفترة. ولضمان هذا الحكم المباشرة لبريطانيا، وقبل إلغاء نظام الإنتداب ومنح العراق الإستقلال الشكلي وطلب إنضمامه لعصة الأمم، عقدت بريطانيا مع الحكومة العراقية معاهدة والتي وقعت في الثلاثين من شهر حزيران عام 1930 تكون نافذة لمدة 25 عاما من تاريخ دخول العراق عصبة الأمم في الثالث من تشرين الأول.
ثانيا: معاهدة عام 1930 والتي عرفت بمعاهدة أنكلو - عراقية:
-----------------------------------
تذكر الجهات الرسمية العراقية وبعض الكتاب والمؤرخين بأن إستقلال العراق عام 1932 وإنضمامه لعصبة الأمم هو إنتصارا كبيرا لنضال شعب العراق، لهذا السبب أعتبرت الحكومة العراقية الحالية هذا التاريخ عطلة رسمية. غير أنه من الملاحظ بأن بعد ثورة العشرين وتأسيس كيان العراق السياسي من قبل بريطانيا وحتى إنضمامه لعصبة الأمم، كان الشعب العراقي مغيباً نهائيا ولم يكن له أي دور سياسي فعال في الأحداث العراقية بل كانت النخب السياسية هي التي تتحكم بالعباد والبلاد. فالكثير من الكتاب، والأحزاب والكتل السياسية الذين عارضوا الحكم البريطاني وحاولوا مقاومته، أكدوا بأن هذه المعاهدة تم إملائها على الحكومة العراقية وفيها نوع من الإذلال للشعب العراقي ويمثل هذا الإذلال في إعطاء بريطانيا لحقوق تجارية واسعة بحيث لم يكن أية مصلحة للشعب العراقي، كما مُنحت لبريطانيا تسهيلات عسكرية كبيرة منها نقل القوات البريطانيا إلى داخل العراق كما قيدت المعاهدة الحكومة العراقية من أي تحالف أو تعاون مع جهة ثالثة إلا بموافقة بريطانيا. هذا بشكل مختصر فهناك في المعاهدة شروط مقيدة ومذلة للعراق فرضت فرضا على الحكومة العراقية وعلى النخبة الحاكمة التي لم يكن يهمها غير السلطة والحكم.
ثالثا: طبيعة النخبة العراقية الحاكمة:
--------------------
كانت النخبة العراقية الحاكمة في تلك الفترة هي صاحبة المصلحة الأولى من المعاهدة والإستقلال الشكلي للعراق وإنضمانه للأمم المتحدة وليس الشعب العراقي. ومن المعروف عن هذه النخبة بأن غالبيتها من أصول وأنساب عثمانية – تركية أو تركمانية – كردية وعلى رأسهم المجرم رقم واحد بكر صدقي منفذ مذبحة الآشوريين في سميل عام 1933، فلا يمتون بصلة إلى الأعراق العربية الأصيلة المعروفة بالتسامح والأناة والكرم الإنساني تجاه الغير أو المختلف. وكان معظمهم قد نشأوا في صلب الحياة العثمانية – التركية وتربوا في بيئتها وتطبعوا بأسلوب حياتها وتخرجوا من مدارسها ومعاهدها العسكرية والمدنية وتسلموا مراكز قيادية في المؤسسة العسكرية العثمانية ومناصب رفيعة في أجهزة الدولة وفي حزب الاتحاد والترقي التركي (تركيا الفتاة) المعروف بتتريك الأقوام غير التركية.
أتصفت هذه النخبة بتعطشهم الشديد للسلطة والحكم من دون إعتبار أو وازع للقيم والمبادئ السياسية والفكرية، فكان سعيهم الحثيث والمستميت نحو ائتلافات شخصية وحزبية ومناورات سياسية وإنقلابات أو ضغوط عسكرية من أجل تشكيل وزارة أو تسلم منصب وزارة أو لإسقاط وزارة معينة وذلك لغرض تحقيق منافع شخصية وعائلية وعشائرية. هذا السلوك الإنتهازي كان قد تكوًن منذ فترة خدمتهم في الدولة العثمانية كضباط في الجيش التركي، حيث حاربوا القوات البريطانية أثناء الحرب الكونية الأولى سواء عند تقدمها نحو العراق وإحتلاله أو في الشام أو على الجبهة الأوروبية في الحروب البلقانية. وبعد قيام الثورة العربية (الكبرى) عام 1916 بقيادة الأمير فيصل أبن الشريف حسين وظهور بوادر إنهيار دولة "الرجل المريض" ألتحق بعضهم بقوات الأمير فيصل في سوريا، أما البعض الآخر، ومنهم الأسرى الذين وقعوا في أيدي القوات البريطانية، أقنعهم البريطانيون بالالتحاق بالملك فيصل بعد تأسيس كيان العراق عام 1920 للمساهمة في تشكيل هياكل الدولة العراقية الجديدة. وتجلت إنتهازية رجال الحكم خلال تلك الفترة من خلال إزدواجيتهم في العمل السياسي. ففي الوقت الذي كان لكل وزير أو دائرة مستشار بريطاني كانوا في عين الوقت يشنون بالكلام المنمق أو الخطابات الحماسية نضالاً وطنياً ضد الإحتلال البريطاني إلا أنهم لم يكن لهم من الشجاعة الكافية للدخول في نضال حقيقي وفاعل ضد بريطانيا بل وجدوا مثل هذا النضال في شن حروب ضد غيرهم لأظهار هذه الحروب كأنها نضال ضد السيطرة البريطانية وتحقيق النصر والإستقلال للعراق.

رابعاً: ذبح الآشوريين في سميل عام 1933 ثمن إستقلال العراق:
-----------------------------------
عشية إنهاء بريطانيا لنظام الإنتداب على العراق ومنحه الاستقلال الرسمي وتهيئة إجراءات دخوله عصبة الأمم، كان رموز النخبة الحاكمة في العراق، ضمن سياق تأثرها العميق بأفكار الفاشية والنازية وإعجابها الشديد بهتلر وكما أتاتورك، يبحثون عن هدف لتحقيق شعاراتهم المزيفة في مقاولة الإستعمار والإمبريالية ومكافة "أعوانه وجواسيسه" وحماية حدود الوطن وصيانة سيادته وإستقلاله لإضفاء نوع من الهالة البطولية على الإستقلال الممنوح وإظهاره كنتاج كفاح شعب وحكومة العراق وعمل من الأعمال "الخارقة" للجيش العراقي الذي لم يكن قد دخل أية معركة أو إختبار حقيقي، لأن العراق في مشاكله وعدم إستقراره كان الجيش البريطاني والقوات الآشورية المعروفة بـ "الليفي" تقوم بحماية حدود العراق وضمان إستقراره.
فبسبب الظروف المأساوية التي أفرزتها الحرب الكونية الأولى وتسويات الحدود والمعاهدات الدولية غير المنصفة التي فرضت على الآشوريين، وجدت النخبة الحاكمة فيهم "الحلقة الأضعف" في سلسلة الحلقات الساعية لضمان وحماية وجودهم القومي والديني المتميز والتي برزت بشكل أكثر وضوحاً بعد إعلان بريطانيا عن نواياها للتخلي عن نظام الإنتداب ومنح العراق الإستقلال، كما وجدت في عمق التناقضات القومية والدينية والتاريخية وفي خلفية علاقة الآشوريين بالبريطانيين الناجمة عن تحالفهم معهم أبان الحرب الكونية الأولى وما بعهدها في مقارعة أستبداد ومطامع الدولة التركية الأتاتوركية في شمال العراق، وجدت النخبة الحاكمة بأن هذه الظروف ملائمة جداً لإستغلالها وجعل الآشوريين الهدف الأمثل لتحقيق أهدافها في تأطير الإستقلال بهالة بطولية ووطنية تثير حماس واندفاع الشعب نحو حكومة الدولة الفتية.
من هذا المنطلق كان يستوجب على النخبة الحاكمة تصعيد الأحداث وإيصالها إلى حافات الهاوية وتصوير الآشوريين ومطالبهم المشروعة بخطر حقيقي داهم على أرض العراق وتهديد جدي لأمنه وحدوده وسلامته. فبدأت بحملة رسمية وشعبية منظمة ضد الآشوريين قبل مذبحة سميل عام 1933 فنشرت أكثر من 80 مقالة رئيسية في الصحافة العراقية تطالب جميعها بالقضاء على الآشوريين وإفنائهم. فخلال شهر آب أعلنت الحكومة العراقية والصحافة وبعض الأحزاب والمنظمات السياسية الحرب المقدسة (الجهاد) ضد الآشوريين "الكفرة" وأصدرت الأوامر للتطوع ووزعت السلاح على المتطوعين، كما وجهت الحكومة شكرها وإمتنانها للتجار وزعماء بعض العشائر البدوية والكردية للجهود التي بذلوها من أجل حماية وصيانة الوطن من الآشوريين "المرتزقة والجواسيس وعملاء الإستعمار والإمبريالية..." وأصدرت الحكومة العراقية أيضا عشية مذبحة سميل أوامرها بمكافأة كل شخصي بجنيه (دينار) عراقي عن كل آشوري يُجلب إلى السلطات العراقية حياً أو ميتاً، كما أعلنت الحكومة وبعض العلماء، البعيدين كل البعد عن سماحة الدين الإسلامي، قرارات وفتاوى حللت بموجبها سلب ونهب قرى وممتلكات الآشوريين وأعتبرت أعمال العنف والمذبحة المرتكبة قانونية وشرعية وأتهمت كل من لا يشارك فيها بالخيانة بحق الوطن والدين... وضمن نفس السياق، وخلال شهر آب من عام 1933 نشرت الصحافة العراقية الموالية للحكومة أكثر من 230 مقالة مهينة جميعها تدعو للتخليص البلاد من "الملحدين والمتمردين" الآشوريين والقضاء عليهم نهائيا وعلى "ذئاب آشور"، كما نعتهم الشاعر "الوطني" معروف الرصافي في قصائده وخطبه "الوطنية الحماسية".
ضمن هذا التصور دخلت مذبحة سميل، رغم بشاعتها قاموس العراق السياسي كحدث تاريخي وطني وعمل من أعمال البطولة والنضال ضد الإستعمار والإمبريالية وأعوانهم... فكانت عند النخبة الحاكمة و "بحق" الواجب الوطني الذي أنقذ البلاد وحمى إستقلاله وسيادسته، فأصبح الجيش العراقي المتمثل في النخبة العسكرية وعلى رأسها المجرم بكر صديق بهالة البطولة الدونكيشوتية وزينت صدورهم بأنواط الشجاعة والبطولة التي تراصت مع الأنواط السابقة الممنوحة لهم من قبل أسيادهم السابقين العثمانيين عن "بطولاتهم" العسكرية أبان حملات سحق حركات تحرر الشعوب غير التركية، ومنهم الآشوريون، عشية الحرب الكونية الأولى.

خامساً: بشاعة جريمة مذبحة سميل للآشوريين:
---------------------------
الأحداث الدراماتيكية لمذبحة سميل لا تكمن فقط في المنظور المادي وفي بشاعة المذبحة التي قدر ضحاياها بما يزيد عن ثلاثة آلاف قتيل آشوري وفي نهب 66 قرية وتدمير العديد منها ومحوها من الخارطة وتشريد عشرات الآلاف من سكانها.. ولا تكمن فقط في التقرير السنوي الذي أعده أحد المستشارين البريطانيين العاملين في خدمة الحكومة العراقية ولخصه بما يلي "لقد رأيت وسمعت الكثير من الأحداث المروعة التي حدثت خلال الحرب العالمية... ولكن الذي رأيته في سميل بعيد عن تصور الإنسان...". بل تكمن دراماتيكية الحدث في المنظور السياسي والتاريخي له وفي النتائج التي أعقبت المذبحة ضمن سياق تطور تاريخ العراق السياسي حيال مشاكله القومية والدينية. ففي جوابه على شرح المفتش الإداري البريطاني لدى الحكومة العراقية لخطورة الموقف الآشوري في المذبحة، يقول السياسي العراقي ناجي شوكت أحد أعضاء النخبة الحاكمة في تلك الفترة ورئيس وزراء سابق "أوه... هذا لا شيء... الخطورة الحقيقية تكمن في تمرد الشيعة... وفعلاً بعد الضربة القاصمة التي وجهت إلى "الحلقة الأضعف"، أي الآشوريون، وجهت ضربات قاصمة أخرى إلى "الحلقات الأقوى" فشنت حملات عسكرية ضد الشيعة وعشائر الفرات الأوسط وضد حركات التحرر الكردية وعولجت تطلعاتهم بأسلوب فاشيستي ظل المنهج الأساسي المهيمن على عقلية صانعي القرار السياسي في بغداد طيلة عقود طويلة في تعاملهم مع المطالب المشروعة للأقليات القومية والدينية في العراق.
كل هذه "البطولات" التي قام بها المجرم بكر صدقي أهلته للبروز على السطح السياسي كـ "بطل" قومي يسعى لتحقيق العهد الذي قطعه على نفسه نيابة عن الجيش العراقي عشية مذبحة سميل، بأنه سيستمر الجيش بمهماته "الوطنية" الأكثر أهمية. وفعلا، بعد الإنتهاء من مذبحة سميل، قام مع من لفه من بعض أعضاء النخبة الحاكمة الحالمين بأحلام بسمارك وهتلر وموسيليني وكمال أتاتورك بإنقلابه العسكري عام 1936، الأول من نوعه في معظم الدول العربية، ليكون فاتحة جديدة تفتح الأبواب مشرعة لسلسلة من الإنقلابات العسكرية والارهاصات السياسية التي أصبحت الأسلوب "الشرعي" للوصول إلى الحكم. فكانت البداية التي شرعت فيها الأفعى تأكل نفسها، كما يقول المثل، حيث قُتل جعفر العسكرية مؤسس جيش العراق بأمر من بكر صدقي، كما أغتيل الأخير في الذكرى الرابعة لمذبحة سميل في 11/08/1937 من قبل بعض أفراد المؤسسة العسكرية في مطار الموصل وهو في طريقه إلى تركيا لحضور مناورات الجيش التركي مع بطله الملهم أتاتورك في منطقة  تراقيا بتركيا. وهكذا أستمرت الأفعى تأكل نفسها وتنهش بغيرها، كما حدث في إنقلاب عام 1941 وفي جريمة إغتيال العائلة المالكة في تموز عام 1958 وإستمرار ذلك في إنقلابات البعث عام 1963 و 1969 و 1970 وما تخللها من محاولات إنقلابية فاشلة.
للمزيد راجع كتابنا: الآشوريون في السياسة والتاريخ المعاصر، منشورات إتحاد الأندية الآشورية في السويد، 2000. وكتابنا: الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة مسألة: في العقلية العراقية تجاه الأقليات، دار الساقي، بيروت – لندن، 2001.
سادساً: إستقلال العراق عام 1932 عيد أم مأتم؟
---------------------------
من المؤسف جداً أن تكون الحكومة العراقية بحالة غياب تام عن تاريخ العراق المعاصر للعقود الماضية المشحونة بالظلم والإضطهاد والتنكيل بمطالب فئات كثيرة من الشعب العراقي، كبيرة كانت كالشيعة وعشائر الفرات الأوسط والأكراد أم كان صغير كالآشوريين. كان على الحكومة العراقية، وقبل إقرار الثالث من تشرين الأول من كل عام كعيد للإستقلال وعطلة رسمية، أن تفكر ملياً وأن تضطلع جيدا بخلفيات وأوليات هذا الإستقلال الشكلي المزيف الذي منحه البريطانيون وخلقوا كياناً مصطنعاً في جزء من بلاد ما بين النهرين ومن الولايات العثمانية السابقة الثلاث "بغداد والموصل والبصرة" ومن دون إي إعتبار لمكونات الشعب العراقي القومية والدينية بل عملت بريطانيا على كبس كل تناقضات وإختلافات الشعب العراقي في بوتقة مصلحتها العليا وتبني هذا الكيان على بركان تنبعث حممه في وقت الأزمات والإرهاصات. وقد شبهنا في السابق إقامة كيان سياسي في العراق كبناء بناية ضخمة على أسس وقواعد مخشوشة غير مطابقة للشروط الهندسية المطلوبة في المباني السليمة والتي بمجرد الإنتهاء منها ستبدأ الشقوق في جدرانها إن لم نقل إنهيارها... هكذا هو حال كيان العراق فهو مبنى على أسس خاطئة وغير صحيحة وبعيدة عن تطلعات مكونات الشعب العراقي. ومن سخرية الأحداث، أن يكون العراق من أكثر البلدان التي لها أعياد بالإستقلال أو مشاريع إستقلال وإعتبارها عطل رسمية، فهكذا جاءت الحكومة العراقية بهذا اليوم ليكون إستقلال وعيد آخر مضافاً للأعياد السابقة سواء الملغية أم التي لازالت قائمة.
لو كانت الحكومة العراقية الحالية والقابعين على كراسيها فعلا قريبة من تطلعات الشعب العراقي بجميع مكوناته وصادقة في أقوالها وتصاريحها وقراراتها في ضمان حقوقهم، خاصة الآشوريين والمسيحيين منهم وإحترام تاريخهم وتراثهم وتضحياتهم لكان يجب عليها أن تصدر أعتذار رسمي للآشوريين عن المذبحة التي أرتكبت بحقهم في عام 1933 والتي كانت فعلاً ثمن إستقلال العراق عام 1932 وقبولها في عصبة الأمم بدلا من أعبتار ذلك عيد وطني وعطلة رسمية. صحيح هو أن المذبحة التي أرتكبت بحق الآشوريين في سميل عام 1933 من قبل بعض النخب العراقية السياسية والعسكرية إلا أن مسؤوليتها القانونية والإنسانية تقع بالكامل على عاتق الدولة العراقية ككيان قانوني معنوي ولا يمكن أطلاقا أن تزول هذه المسؤولية بالتقادم الزمني أو بتغيير النظام السياسي للدولة أو حكامها، فالمسؤولية تبقى قائمة على أكتاف الدولة، ولعل دفع حكومة ألمانيا الحالية تعويضات عن الجرائم التي أرتكبها النظام النازي أثناء الحرب العالمية الثانية ودفع الدولة العراقية الحالية تعويضات للكويت عن جرائم نظام البعث المرتكبة أثناء غزوها أمثل حيه في هذا السياق، أفلا تتعض الحكومة العراقية بهذه السوابق التاريخية وغيرها وتعوض الآشوريين ولو ببعض الكلمات الإنسانية اللائقة مقابل التضحيات التي قدمها الآشوريون ومنها كونهم مذبحتهم في سميل عام 1933 ثمن إستقلال العراق عام 1932. 
 


     


.



35
وحدة  الكنيستين المشرق الآشورية والشرقية القديمة ... هل لها تأثير على المستوى القومي؟
============================================================
أبرم شبيرا
أولا: كلمة لا بد منها:
------------
للحق أقول بأنه رغم مطالبة بعض الأصدقاء والقراء للكتابة عن هذا الموضوع الذي يخص محاولات الوحدة بين الكنيستين المشرق الآشورية والشرقية القديمة، إلا إنني ترددت كثيراً ليس لأنني لا أرغب في "حشر أنفي" في مسائل كنسية قد لا تكون مهمة لما أؤمن به من فكر قومي بعيد عن النزاعات والإختلافات الكنسية فحسب، بل لأن الولوج في الخلفية التاريخية لمثل هذه الإختلافات والنزاعات وعرض بعض أسبابها وذكر بعض الشخصيات سواء بمواقفها الإيجابية أو السلبية قد يفهمها البعض بأنها نوع من "التصيد في المياه العكرة" وتذكير بالماضي الأليم الذي ألم بشعبنا وقسمه إلى طوائف وملل التي نخرت بجسم أمتنا وأعاقت نشوء فكر قومي وحدوي متطور بعيد عن هذه الاختلافات والنزاعات. ولكن قبل كل شيء أرجو من القارئ اللبيب أن يستميحني عذرا فيما إذا فهم الموضوع بأنه إساءة إلى هذه الكنيسة أو تلك الشخصية، بل على العكس من هذا فإنني أؤكد تأكيد قاطعاً بأنه ليس هناك أية نية سيئة أو إساءة أو مدح وتمشتدق إلى هذا الطرف أو ذاك، فشخصيا أعتبر نفسي فوق جميع هذه الإعتبارات، فلا فكري ولا إخلاقي يسمحان بالإساءة لأي من أبناء أمتني سواء أتفق معه أم لا، فعلينا جميعاً أن نعرف بأن الإختلاف والخلاف والتناقض هو أساس تطور المجتمع فيما إذا فهمنا فلسفة تطور المجتمعات القائمة على التناقض ثم نقض التناقض، وهكذا سعياً للوصول للحقيقة التي تخدم المجتمع، وهذا هو الهدف من كتابة هذا الموضوع، فالإختلاف سُنة الحياة والتطور شئينا أم أبينا.
ثانياً: تنحي البطريركين:
--------------
منذ أن أعلن قداسة مار كوركيس صليوا الثالث البطريرك (السابق) لكنيسة المشرق الآشورية في شهر شباط من عام 2020 رغبته في الاستقالة من كرسي البطريركية ولأسباب صحية ومن ثم تلى ذلك إصدار قداسة مار أدي الثاني بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة مرسوماً بطريركيا بتعيين غبطة المطرابوليت مار يعقوب دانيال راعي أبرشيه أستراليا ونيوزيلندا للكنيسة وكيلاً بطريركاً عاما للكنيسة بسبب مرور قداسته بحالة من الضعف الجسدي أدى إلى عدم تمكنه من أداء واجباته البطريركية كما يتطلب، حسبما جاء ذلك في المرسوم البطريركي المؤرخ في 4 حزيران 2021 (نطلب من ربنا يسوع المسيح أن يعطي قاداستهما الصحة والعافية وطول العمر)، وهو الأمر الذي يحدث لأول مرة في تاريخ كنيسة المشرق، حيث  كثر الحديث والكتابات عن توفر فرصة، وصفها البعض بالذهبية، إمكانية توحيد الكنيستين في كنيسة واحدة كما كانت في سابق عهدها. ومن الطبيعي أن تكون معظم هذه الأحاديث والكتابات متحمسة لمثل هذه الوحدة وتلبي رغبة غالبية مؤمني الكنيستين. ولكن السؤال يبقى يختلج في صدرنا، كعلمانيين مؤمنين بجميع فروع كنيسة المشرق وملتزمين بمبادئنا القومية الأساسية عن مدى تأثير أو تداعيات هذه الوحدة على المستوى القومي، خاصة في مقارنة وحدة كنيسة المشرق الآشورية مع الكنيستين الكلدانية الكاثوليكية والسريانية الأرثوذكسية؟
ثالثاً: الكنائس الثلاث: الكلدانية والسريانية والآشورية:
--------------------------------   
الحديث عن وحدة كنائسنا المشرقية خاصة الكنائس التي تستمد أصول طقوسها من تقليد مار أدي ومار ماري والتقليد السرياني الإنطاكي والتي يشترك جميع مؤمنيها بمقومات وجودهم القومي التاريخي، طويل ومعقد تخللها العديد من المحاولات والمقترحات التي طرحت على طاولة البحث سواء بشكل مباشر عن طريق اللقاءات بين أباء وبطاركة الكنيستين، خاصة الآشورية والكلدانية، أو بشكل غير مباشر عن طريق اللجان أو التراسل أو عبر الفاتيكان فوصل بعض من هذه اللقاءات إلى مراحلها الأخيرة بحيث أصبح موضوع الوحدة بين الكنيستين قاب قوسين، خاصة في عهد البطريركين قداسة مار دنخا الرابع وغبطة مار روفائيل بيداويد، رحمهما الله في فسيح جناته، بعد أن شكلا قداستهما لجان خاصة بهذا الشأن ورسموا الخطوات العقلانية والمنطقية على طريق الوحدة بين الكنيستين، إلا أنها اصطدمت بالثوابت الإدارية وبموضوع شركة الكنيسة الكلدانية مع الفاتيكان وبإستقلالية كنيسة المشرق الآشورية، فوصلت إلى طريق مسدود. رغبة التفاهم بين الكنيستين المشرق الآشورية والسريانية الأرثوذكسية تنامت أيضا فشرع أباء الكنيستين باتخاذ خطوات ايجابية توصلوا إلى بعض التفاهمات والاتفاقيات وتمثل قمة هذه التفاهمات في اجتماعات شهر آذار لعام 1998 التي عقدت في دير مار مارون في عناية بلبنان وصدور قرارات مهمة نحو التفاهم والتقارب بهدف إزالة الخلافات القائمة بينهما. غير أن هذه الجهود الطيبة، وبعد أسبوع واحد فقط، اصطدمت بقرارات الاجتماع الذي عقدها بطاركة عائلة الكنائس الارثوذكسية الثلاث الأعضاء في مجلس كنائس الشرق الأوسط: القبطية والسريانية الأرثوذكسية والأرمنية الأرثوذكسية، في دير بيشوي في وادي نطرون بمصر مؤكدة تأكيدا مطلقا على رفض وإدانة كافة التعاليم "الهرطقية" لعدد من رجال الكنيسة ومفكريها ومنهم نسطورس، فوصفوا أتباعه ومؤمنيه بـ "الهرطوقيين" وهي إشارة واضحة ومقصودة بكنيسة المشرق الآشورية ومؤمنيها. لا بل والأكثر من هذا حيث حرموا على أي من الكنائس الثلاث للعائلة أن تقوم بمباحثات واتصالات مع الكنائس الأخرى إلا بعد الموافقة الجماعية لها، أي بهذا المعنى كان المقصود هو الكنيسة السريانية الأرثوذكسية التي كانت قد اجتمعت مع كنيسة المشرق الآشورية وتوصلت إلى بعض التفاهمات، إلا أنها خضعت لسطوة الكنيسة القبطية وبالتالي لم يكن مصيرها إلا الطيران على أدراج الرياح، وبالنتيجىة بقيت وأستمرت كنيسة المشرق الآشورية الوحيدة خارج مجلس كنائس الشرق الأوسط رغم كل الجهود التي بذلتها وبمساعدة شقيقتها الكلدانية للإنضمام إلى المجلس إلا أنها كانت دائماً تصتدم بالفيتو القبطي المسيطر بالكامل المطلق على المجلس والذي وصفه البعض بـ "النادي القبطي".
إذن من كل ما تقدم في أعلاه المبني على الحقائق التاريخية  يظهر بأنه رغم وجود بعض الاختلافات الإدارية  والعقائدية اللاهوتية بين الكنائس الثلاث، الآشورية والكلدانية والسريانية، إلا أن السبب الرئيسي لعدم إمكانية التوصل إلى تفاهم بينهما والتقارب هو العامل الخارجي المتمثل في إرتباط الكنيسة الكلدانية بالفاتيكان وفي سطوة الكنيسة القبطية على الكنيسة السريانية الأرثوذكسية. أما بالنسبة لموضوع التفاهم والوحدة بين الكنيستين، المشرق الآشورية والشرقية القديمة، فالسبب الرئيسي يختلف كليا، وهذا ما يتطلبه بعض التفصيل.
رابعاً: الكنيستان المشرق الآشورية والشرقية القديمة وما بينهما:
--------------------------------------
الخلاف الذي نشب بين الكنيستين في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي ليس سببه الرئيسي تبني قداسة مار شمعون إيشاي البطريرك الأسبق لكنيسة المشرق الآشورية التقويم الغريغوري بدلا من التقويم اليوليالي، بل كان هذا مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقول المثل العربي. فللخلاف بين الكنيستين جذور تاريخية عميقة في المجتمع الآشوري تمتد من بداية انهيار المجتمع الآشوري التقليدي عقب قيام الحرب الكونية الأولى وتحطم البنية التحتية الاجتماعية القائمة على "العشيرة – الكنيسة" التي كانت تخلق بنية فوقية تمثلت في قيادة البطريرك مع زعماء العشائر "ماليك" للمجتمع الآشوري من الناحيتين الدينية والقومية، ومن ثم بداية ظهور بوادر لقيادة علمانية من رُكام إنهيار النظام التقليدي السابق "كنيسة – عشائر"، تمثلت في  التحالف الثنائي بين أغا بطرس إيليا البازي وماليك خوشابا يوسيب من عشيرة تياري السفلى ودخولهما في خلافات مع العائلة البطريركية خاصة مع سرومه خانم عمة البطريرك مار شمعون إيشاي التي كان لها اليد الطولى في الامور الكنسية والقومية. وهنا رغم إختلاف الجبهتين على بعض المسائل القومية والسياسية إلا أن الإنتماء الكاثوليكي لكلا القائدين أغا بطرس وماليك خوشابا والتحالفات الخارجية التي عقدهما كل من أغا بطرس مع فرنسا وماليك خوشابا مع الحكومة العراقية مقابل تعاون العائلة البطريركية مع بريطانيا يجب أن توضع بنظر الإعتبار عند البحث عن هذه الخلافات.
عندما نفيً أغا بطرس إلى فرنسا عام 1921 من قبل بريطانيا وموته هناك عام 1932، خلت الساحة السياسية المعارضة للعائلة البطريركية لماليك خوشابا خاصة بعد المؤتمر الآشوري الذي عقد في سر عمادية في أقصى شمال العراق في شهر حزيران من عام 1932 وتحالفه مع الحكومة العراقية وحصوله على بعض الإمتيازات، أحتدم الخلاف بين الجانبين وتصاعد نحو الصراع حول قيادة الآشوريين، خاصة بعد نشؤ الحركة القومية الآشورية بقيادة البطريرك مار شمعون إيشاي ومن خلفه سورمه خانم وماليك ياقو ماليك إسماعيل، زعيم تياري العليا، وتداعياتها المأساوية التي تمثلت في مذبحة سميل عام 1933 ونفي البطريرك وعائلته والمقربين إليه خارج العراق، ومن ثم تطاير البرقيات والرسائل في الأثير من قبل أتباع ماليك خوشابا والمغررين بهم والمتخاذلين المتخوفين من سطوة السلطة العراقية ومن بينهم بعض زعماء العشائر ورؤساء القرى ورجال الكنيسة من كهنة وأساقفة، إستنكاراً بتحركات البطريرك في الخارج وإتهامه بالخيانة وتعريض سمعة وأمن دولة العراق الحديثة للخطر وتعاونه مع الإستعمار البريطاني... إلخ. وبعد وفاة ماليك خوشابا، الذي لقبه أتباعه بـ "أسد تياري"، أنتقلت القيادة عام 1954 لأبنه البكر ماليك يوسف، او ماليك يوسيب، وهو من مواليد عام 1914 في حيكاري وكان قد دخل الكلية العسكرية العراقية عام 1928 وتخرج عام 1934 ثم في عام 1960 أحيل على التقاعد بناء على طلبه وهو برتبة عقيد، لذلك عرف أيضا بالعقيد يوسف. تولى ماليك يوسيب قيادة الجبهة المعارضة للبطريرك ولجميع مطاليبه القومية وأظهر ولاءاً كبيرا للسلطة السياسية وتبين وكأنه مناهض لاية حركة قومية آشورية أو حزب سياسي آشوري، فأصبح الشخصية الآشورية الأكثر شهرة لدى النظام السياسي إلى درجة أصبح فعلياً ممثلاً للآشوريين لدى السطات العراقية. هكذا أصبح وضع الآشوريين في العراق بين العقدين الرابع والسابع من القرن الماضي كنار متقد تحت رماد من العشائرية والمسائل الشخصية لا صلة لها إطلاقا لا بالكنيسة ولا بالدين، خاصة ونحن نعرف بأن ماليك يوسيب لم يكن من أتباع كنيسة المشرق بل كان صابئاً إلى البروتستانتية وليس ذلك إلا لأسباب شخصية وهو الأمر الذي يجب أن يوضع بنظر الإعتبار أيضا في هذه المسألة.
جاء تبني كنيسة المشرق للتقويم الغريغوري في النصف الأول من العقد السابع من القرن الماضي كالفتيل الذي حول النار من تحت الرماد إلى بركان هائج ظهر على سطح المجتمع الآشوري بحيث وصل الأمر إلى إحتدام الصراع والضرب والتشابك بالإيدي والهراوات بين الطرفين كما حدث في منطقة كمب الكيلاني ببغداد بحيث أدى ذلك إلى تدخل الشرطة والإحتجاز والتقاضي. وخلال هذه الفترة ظهر وكأن المجتمع الآشوري منقسم عموديا إلى قسمين متخاصمين تجسد بعض ملاحمه في تأسيس مؤسسات وأندية كالنادي الوطني الآثوري في بغداد من قبل أتباع ماليك يوسيب مقابل النادي الرياضي الآثوري في بغداد الذي كان في غالبيته من أتباع كنيسة المشرق. وحتى النادي الثقافي الآثوري الذي تأسس في بغداد عام 1970 من قبل خيرة المثقفين الآشوريين الذين كانوا فوق الإعتبارات العشائرية والإنقسامات الكنسية إلا أنه لم يسلم من تهمة كون مؤسسيه وأعضاءه من أتباع كنيسة المشرق والبطريرك مار شمعون إيشاي.
وحتى يأخذ الإختلاف والنزاع طابعه الكنسي كان لا بد من أتباع ماليك يوسيب أن يؤسسوا رسمياً كنيسة مقابل كنيسة المشرق، ولكن لم يكن كافياً بضعة خوارنة وقساوسة وشمامسة لمثل هذا التأسيس مالم يكن هناك هيكلية إكليرية كنسية كاملة إبتداءا من بطريرك ومطارنة وأساقفة، فوجدوا ضالتهم المنشودة في مار توما درمو مطرابوليت الهند لكنيسة المشرق الذي كان في خلاف إداري ومالي مع البطريرك مار شمعون إيشاي، فتم إستدعائه إلى بغداد للقيام بالمهمة المطلوبة في تأسيس كنيسة وبناء هيكليتها الإكليركية. وفعلا وبموجب صلاحياته المطرابوليتية قام برسامة عدد من المطارنة والأساقفة والقساوسة والشمامسة ومن بينهم الشاب شليمون كوركيس ميخائيل وهو من عشيرة أشيتا أكبر العشائر التيارية الذي تم رسامته عبر المراتب الأكليرية المعروفة في الكنيسة من الشماس فالقس فاركذياقون فأسقف ومطربوليت وبأسم مار أدي الثاني كمطربوليت لبغداد. وبموجب صلاحته المطرابوليتية قام مار أدي الثاني في عام 1968 برسامة مار توما درمو بطريركاً على الكنيسة التي أطلق عليها رسميا بـ "الكنيسة الشرقية القديمة"، ولم تمضي سنة واحدة على تسنمه كرسي البطريركية حتى توفي مار توما درمو في عام 1969 وهو لم يتجاوز الخامسة والستين من العمر في مستشفى الراهبات في الكرادة ببغداد على أثر مرض كان يعاني منه بسبب الظروف القاسية التي عانها  في الهند. فضمن هذه الأجواء من جهة، ونشوب خلاف بين ماليك يوسيب وأتباعه ومار أدي وأتباعه من جهة أخرى، خاصة بعد مغادرة البطريرك مار شمعون إيشاي العراق بعد زيارته الثانية عام 1972 وعدم خضوعه للمطاليب "التأمرية" التي حاولت الحكومة العراقية فرضها عليه ورفضه رفضاً مطلقا التدخل في المسائل السياسية وتوريط الآشوريين في محاربة الأكراد، تم في عام 1972 رسامة مار أدي الثاني بطريركاً على الكنيسة الشرقية القديمة.
خامساً: بطريكان جديدان ومرحلة جديدة
----------------------
بعد وفاة البطريرك مار توما درمو عام 1969 تم إختيار مار أدي الثاني عام 1970 بطريركاً على الكنيسة الشرقية القديمة ومن ثم كرس رسميا في عام 1972 كبطريرك للكنيسة من قبل مار نرساي توما مطربوليت كركوك ومار توما إرميا مطرابوليت نينوى. ومن الملاحظ بأن بين العامين (1970 و 1972) فترة ليست بقصيرة في مثل هذه المسائل الكنسية ولعل قد يرجع سببها إلى الخلاف الذي بدأ يظهر بين ماليك يوسيب وأتباعه ومار أدي الثاني وأتباعه بحيث وصل الأمر إلى أن يصرح ماليك يوسيب بأنه هو الذي أوصل مار أدي إلى كرسي البطريركية، كما جاء في أحد رسائله الخاصة. في حين يرى البعض بأن سبب عدم تكريس مار أدي الثاني كبطريرك حتى عام 1972 هو نية مطارنة وأساقفة الكنيسة الشرقية القديمة التريث أملا بأجراء إتصال وحوار من الطرف الآخر، أي أتباع التقويم الجديد، والوصول إلى حل لمعظلة الكنيسة. غير أن مثل هذه النيات تلاشت عندما صرح البطريرك مار شمعون إيشاي في مؤتمر صحفي ببيروت وهو في طريقه للزيارة الثانية للعراق عام 1972 واصفاً أتباع الكنيسة الشرقية القديمة بـ "المارقين والهراطقة" وكان قداسته أيضاً قد أصدر قرارا بتحريم مار توما درمو وأساقفة الكنيسة وجميع المراسيم الكنسية التي قاموا بها.
ومار أدي الثاني هو من مواليد عام 1947 (يذكر موقع يوكيبيديا بأنه من مواليد عام 1950) في قرية الشرفية القريبة من بلدة ألقوش في شمال العراق،  وقداسته من عشيرة أشيتا أكبر عشائر تياري السلفى المعروفة بغزارة علمها وثقافتها في اللغة والتراث والتقليد الكنسي وكان البعض من أبنائها مقربين للبطريرك والعائلة البطريركية "الشمعونية" ومعلمين ومستشاريين لها. وفي عام 1976، وعلى الجانب الآخر، تم إختيار قداسة مار دنخا الرابع، وهو بعمر 41 سنة كبطريرك لكنيسة المشرق الآشورية بعد إغتيال  البطريرك مار شمعون إيشاي. ولتسنم كلا البطريركين كرسي بطريركية  الكنيستين أهمية كبيرة في السياق التاريخي للخلاف بين الكنيستين وتتمثل هذه الأهمية في عمر قداستهما الشبابي، خاصة بالنسبة للبطريرك مار أدي الثاني الذي لم يكن طرفاً رئيسياً في فترة نشوب الخلاف في منتصف الستينيات من القرن الماضي. وعلى الجانب الآخر، كان البطريرك مار دنخا الرابع من خارج بيئة الخلافات والصراعات التي أحتدمت في العراق بين الجهتين عندما كان أسقفا في إيران. وهنا يجب أن لا ننسى بأن إيران كانت مرجعاً مهما لنشؤ الوعي القومي الآشوري ومركزاً لتأسيس منظمات قومية وثقافية. والأكثر أهمية من هذا وذاك هو كون قداسته غير وارث لكرسي البطريركية ومن غير العائلة البطريركية الشمعونية التي كانت طرفاً رئيسياً في هذه الخلافات والصراعات.
ضمن هذه البيئة الجديدة لبطريركين جديدين في السياق التاريخي لكنيسة المشرق، وكلاهما من مواليد شمال العراق وفي ظل الدولة العراقية، في حين كان كل من سورمه خانم وشقيقها داود ومار شمعون إيشاي وماليك خوشابا وماليك يوسيب وماليك ياقو من مواليد تركيا وفي ظل العهد العثماني يشكل عامل جغرافي وزمني يجب أن يوضع بنظر الإعتبار. فضمن هذه البيئة، بدأ نوع من أجواء التفائل نحو توحيد الكنيستين فتم التراسل بين الجانبين ولقاءات بين البطريركين، وهو الأمر الذي أثار غضب وهيجان ماليك يوسيب الذي كان بصفة "رئيس المجلس المركزي ورئيس مجمع شيوخ الطائفة للكنيسة الشرقية القديمة" حيث كان يصف كنيسة المشرق الآشورية وأتباعها بـ "أعدائنا الشمعونيين" وداعياً إلى مقاطعتهم بل معاداتهم، كما جاء في رسالته الشخصية المؤخة في 02/06/1999. ويظهر من مضمون الرسائل ذات اللجهة القاسية المتبادلة بين ماليك يوسيب وأتباع البطريرك مار أدي الثاني، وتحديدا أعضاء اللجنة المركزية للكنيسة الشرقية القديمة كنزاع عشائري سلطوي بين أكبر عشيرتين من تياري السلفى، بعيدا عن أي خلاف فكري كنسي أو لاهوتي. هكذا أستمرت الحالة متوترة بين الطرفين حتى وفاة ماليك يوسيب.
وبالدخول في الألفية الثالثة بدأت تحركات البطريركين مار دنخا الرابع ومار أدي الثاني تثمر ببعض التفاؤلات نحو التقارب وتوحيد الكنيستين، فقام قداسة البطريرك مار دنخا الرابع ببعض الخطوات الإيجابية الكبيرة منها إلغاء قرارات البطريرك السابق مار شمعون إيشاي بخصوص تحريم مار توما درمو وغيره من أباء الكنيسة الشرقية القديمة وتمثلت قمة هذه الخطوات أيضاً في زيارته إلى منطقة نهلا في شمال الوطن والمعروفة عن أهلها بولائها الصميمي للكنيسة الشرقية القديمة ولماليك يوسيب حيث أستقبل إستقبالا كبيرا من أهل المنطقة وألتقى قداسته بغبطة المطربوليت مار توما كوركيس وبماليك بولس (بول) أبن ماليك يوسيب الذي كان برتبة نقيب في الجيش العراقي وبعد  سنوات من عودته من الأسر في إيران رقي إلى رتبة لواء، وهو معروف برسوخه بأرض وطنه وبقاءه في بلدته نهلا ومدافعاً عن الأراضي المتجاوز عليها من قبل الجيران رغم تيسر له طرق هجرة الوطن إلى المهجر وهو أمرُ، سواء أتفقنا مع فكره وأراءه القومية والسياسية أم لا، يستوجبه التثمين والتقدير في مقارنته مع هؤلاء الذين "يناضلون" ليل نهار في "تحرير آشور" وهم قابعين في بيوتهم الدافئة في المهجر ولا يتحركون قيد أنملة نحو أراضيهم وقراهم في الوطن المتروكة والمسلوبة.  كما قام قداسة البطريرك بزيارة ماليك كوركيس ماليك زيا البيلاتي زعيم عشائر تياري السلفى في منزله في بلدة قلعة دزه في شمال العراق حيث كان مديرا لبنك الرافدين هناك رغم كون الكثير من أبناء عشيرته من أتباع الكنيسة الشرقية القديمة، ولكن بشخصيته المرموقة وبمواقفه الحكيمة في الوقوف على مسافة واحدة بين الطرفين أكسبته سمعة طيبة وأحترام كبير من قبل الجميع، خاصة من قبل قداسة البطريرك مار دنخا الرابع. كل هذه الظروف التفائلية ساعدت على أن تتوسع مجالات اللقاء بين أباء الكنيستين سواء في الوطن أم في الدول المجاورة أم في المهجر وتفسح المجال لازال بعض الخلافات، فكان قرار قداسة مار أدي الثاني شجاعاً وجريئا عندما قام بإجراء إستفتاء حول تبني التقويم الغريغوري (الجديد) لكنيسته بدلا من التقويم اليوليالي (القديم) فيما يخص عيد ميلاد سيدنا المسيح، فأيدته غالبية مؤمني الكنيسة إلا أن البعض من خلفيات النزاعات العشائرية الماضية رفضوا الإستفتاء وتمسكوا بالتقويم القديم للاحتفال بعيد الميلاد، فكان كرم قداسة البطريرك كبيراً وسماحته واسعة لكي يسمح لهؤلاء بممارسة طقوس عيد الميلاد حسب التقويم القديم. وهذا أمر يوحي بأن أي خطوة نحو وحدة الكنيستين سيقابلها مثل هذه النزعات وتحول دون توحيد الكنيستين ولربما إنشقاق آخر وكنيسة أخرى.
سادسا: خاتمة وإستنتاج:
-------------- 
من كل ما تقدم، نقول بان الخلافات العقائدية اللاهوتية الكنسية بين الكنائس الثلاث الكلدانية والسريانية والآشورية وتعثر الوصول إلى حل لها أو التخفيف منها هي مرتبطة بأسباب خارجة عن إرادة هذه الكنائس، كما هو الحالة الخاص بالكلدانية مع الفاتيكان والسريانية مع القبطية والآشورية مع إصرارها بإستقلاليتها، فكان لهذه الخلافات تداعيات خطيرة على المستوى القومي بحيث خلقت أو أصبحت هذه الكنائس مصادر، سواء أكانت طائفية أو قومية لإنتماءات أبناء شعبنا وتحديد هويتهم بها وإنعكاس ذلك في معظلة التسميات القومية الثلاث التي يعاني شعبنا منها. ولكن مع كل هذا غير الممكن يجب أن لا يترك الممكن والمتمثل في ضرورة اللقاءات والإجتماعات المشتركة بين هذه الكنائس الثلاث من أجل الوصول إلى تفاهمات أو أتفاقيات وتوحيد الخطاب الكنسي وبصوت واحد وهدف واحد ومطلب واحد لعل قد يسمعه مؤمني هذه الكنائس وغيرهم ولربما يكون عامل في بناء ثقة أقوى بمؤسساتنا الدينية ويساعد ذلك على تثبيت الوجود المسيحي في أرض الأباء والأجداد.
 أما بالنسبة للخلافات بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة فلا أساس عقائدي أو إيماني أو لاهوتي لها إطلاقاً، بل كل ما في الأمر أن أساسها داخلي مرتبط بالنزعة العشائرية التي توارثها بعض الشخصيات البارزة في هذه العشيرة أو تلك وفي جوانبها نزعة نحو السلطة والقيادة. كما ويجب أن لا ننسى بأن في بعض أخاديد ومفاصل كنيسة المشرق الآشورية نظرات غير متحضرة وبعضها إستعلائية تجاه الكنيسة الشرقية القديمة وأبائها، فإنسحب كل ذلك على المستوى الكنسي فقسمت إنتماء شعبنا إلى كنيستين ولكن ليس لها تداعيات على المستوى القومي والإنتماء القومي، فالكل، سواء أكانوا من مؤمني كنيسة المشرق الآشورية أو الشرقية القديمة إنتماؤهم آشوري. ومن الملاحظ بأنه خلال السنوات الماضية خاصة بعد تأسيس أحزاب سياسية قومية وتطور المستوى التعليمي والثقافي لمؤمني الكنيستين والتشارك في مواجهة التحديات التي عصفت بالكنيستين بدأت مثل هذه النزعات العشائرية والإختلافات بالتآكل شيئاً فشيئا أمام تقدم العصر بحيث لم يعد هناك أي عائق كنسي أمام أي آشوري سواء أكان من هذه الكنيسة أم تلك الإنضمام إلى هذا الحزب أو المؤسسة أو النادي أو إلى ذاك. من هذا المنطلق وبإعتقادي الشخصي بأنه رغم عدم توحد الكنيستين، المشرق الآشورية والشرقية القديمة، فأن العصر والتقادم الزمني كفيل بذلك ان لم يكن عاجلاً فبالتأكيد سيكون آجلاً. ولا يصمد مثل هذا الإنقسام القائم على أسس غير لاهوتية عقائدية أمام تطور العصر والإنفتاح الفكري في الألفية الثالثة.       

     



 

36
تأسيس البرلمان الآشوري في المنفى ... حقيقة أم حلم وردي؟؟
===================================================
أبرم شبيرا
توطئة:
----
أود أن أشير بأن مثل هذه المواضيع تثير اهتماماتي، لذلك منذ بزوغ هذه الفكرة وأنا أتابع منشورات ونشاطات اللجنة المعنية بالدعوة لتأسيس هذا البرلمان، ولكن للحق أقول رغم اهتمامي الكبير بمثل هذه المسائل خاصة هذا الموضوع. إلا إنني ترددت في التعليق عليه أو بيان بعض الملاحظات وضمن خلفيتي في هذا المجال خشية من سوء ضن البعض بأنني ضد الفكرة أو هو انتقاد غير موضوعي أو هو إحباط لأصحاب الفكرة وهي في بدايتها، خاصة البعض منهم أصدقاء أعزاء لي حق المعرفة بنواياهم الحسنة تجاه المسائل القومية. ولكن أسفي وحسرتي ستكون عندما يستهلكون قوتهم وجهدهم ولا يصلون إلى مبتغاهم بسبب عدم إدراكهم لحيثيات ومتطلبات تأسيس مثل هذا البرلمان في المنفى الذي يتطلبه الكثير من المعرفة السياسية والقانونية والمالية، ولكن الشحة بهذه المعرفة اكتست باندفاعهم وحماسهم القومي ضمن إطار الفكر القومي الرومانسي البعيد عن الواقعية. من هذا المنطلق وإكراماً لمثالية الفكرة واحتراما لأصحابها أطرح بعض المقترحات والتوضيحات والانتقادات الموضوعية بخصوص هذا الموضوع لعل قد تفيد في تصحيح أو تقويم بعض الأخطاء أو وضعها في مسارها الصحيح كما أراه شخصياً وموضوعياً. حيث سأتناول الموضوع من الجوانب التالية:
أولا: البرلمان من حيث الشكل:
------------------
البرلمان أصل الكلمة من (Parlement) الفرنسية وتعني النقاش والحوار، وكانت بريطانيا أول من استخدمت مصطلح البرلمان في عام 1236. أما في اللغة العربية، فلا توجد كلمة واحدة للبرلمان أو لمعناه، بل دائما يأتي بكلمتين مثل الجمعية الوطنية أو مجلس النواب أو مجلس ممثلي الشعب. فالبرلمان من حيث الشكل، أو في بعض الأحيان يعرف بالجمعية الوطنية، أو مجلس النواب أو نواب الشعب أو مجلس الأمة، هو هيئة تشريعية من المفترض أن تكون منتخبة من قبل الشعب ويأتي، أي البرلمان، ضمن سياق المفهوم الديموقراطي الحقيقي في الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية (البرلمان) والتنفيذية (مجلس وزراء) والقضائية (وزارة العدل أو المحكمة العليا). ومهمة البرلمان معروفة وواضحة تنحصر في مجالين، الأول: تشريع القوانين والمسائل المتعلقة بالدستور. والثاني: مراقبة أداء الهيئة التنفيذية (مجلس الوزراء) ومن دون التدخل في شؤونها حسب مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث.
طبقاً لهذا المفهوم في البرلمان، نرى بأن البرلمان الآشوري المزمع تأسيسه في المنفى بعيد كل البعد عن المعنى الدارج للبرلمان وأبعد أكثر عن الواجبات والمهمات التشريعية والرقابية التي يقوم بها البرلمان، لأنه من المؤكد سوف لا تكون هذه المهمات ضمن أجندته أو نظامه الداخلي طالما ليس هناك هيئة تنفيذية، أي مجلس الوزراء، ولا مؤسسات حتى يراقبها أو هناك دستور يتطلب تعديله، فكان من الأجدر على أصحاب هذه الفكرة أن يسمى تنظيمهم بالاتحاد الآشوري في المنفى أو جبهة آشورية أو غير ذلك، ولكن وجدوا بأن مثل هذه التسميات موجودة أو كانت موجودة سابقاً في الساحة السياسية الآشورية وفلشت، لذا وجدوا في البرلمان نغمة جديدة وطنانة وقد تكون أكثر قبولا لدى الآشوريين والانجذاب نحوه. ومن جهة ثانية فمن المعروف بأن أعضاء البرلمان يكونون منتخبين من قبل الشعب، بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي بعض الأنظمة، خاصة في بلدان العالم الثالث، لرئيس الدولة، سواء أكان ملك أو رئيس جمهورية، الحق في اختبار عدد معين من أعضاء البرلمان فكيف سيتم انتخاب البرلمان الآشوري في المنفى من قبل شعبنا الآشوري وهو مشتت في ارجاء المعمورة.
ثانيا: البرلمان الآشوري بين المنفى والمهجر:
-------------------------
هناك نقطة مهمة من المؤكد لم يدركها أصحاب فكرة تأسيس البرلمان الآشوري، وهي معنى المنفى أو مضمونه الذي يختلف عن المهجر. فالمنفى هو مكان إقامة المطرود من بلده، بسبب قوة طاردة صادرة من سلطة حكومية ضد شخص أو أشخاص قاموا بنشاط سياسي مناهض لسياسة رجال الحكم والسلطة السياسية، طبعاً المقصود هو بلدان العالم الثالث خاصة الاستبدادية منها. وهناك في بلد المنفى يبدأ التحرك السياسي للمنفيين سواء بتأسيس أحزاب أو حركات مناهضة لنظام الحكم في بلدانهم أو مواصلة الاتصال بأحزابهم في الوطن واستمرار العمل السياسي من خلال دعم رفاقهم في الوطن أو ممارسة الضغط على السلطات المعنية في المنفى ساعين إلى اليوم الذي يسقط النظام أو يترنح ليعودوا إلى وطنهم لاستلام مقاليد الحكم أو المشاركة فيه. وقد تكون المعارضة العراقية في المنفى أثناء فترة حكم نظام البعث في العراق نموذجاً في هذا السياق. وفي تاريخنا القومي المعاصر يعتبر نفي البطريرك الأسبق مار شمعون إيشاي وعائلته وغيره من الموالين له إلى الخارج عشية مذابح سميل عام 1933 نموذج في هذا السياق، ومن هناك في البلد الذي أستقر فيه، أي الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ نشاطه السياسي في المطالبة بالحقوق القومية للآشوريين إلا أن جميع محاولاته ذهبت أدراج الرياح ولم يوفق في مسعاه. وقد يكون سبب ذلك، أما غياب التأييد الدولي والإقليمي لمطالبه، خاصة من الدول الكبرى ودول الجوار للعراق، أو افتقاره إلى التواصل مع أي حركة قومية آشورية في العراق والتي توارت بعد مذبحة سميل لأكثر من عقدين من الزمن وكذلك ظهور مجموعات آشورية مناهضة له بعد أن أرتمت في أحضان السلطة السياسية. فكان آخر نشاط قام به البطريرك مار شمعون إيشاي هو تقديم شكوى، أو التماسPetition)  ( إلى المؤتمر التأسيسي لمنظمة الأمم المتحدة عام 1945 بخصوص المطالب القومية الآشورية إلا أنها لم تقع إلا على آذان صماء. ومنذ تلك الفترة ترك العمل القومي السياسي فأرتكن إلى الهدوء والسكنية وأقتصر نشاطه على المسائل الكنسية وأستقر بشكل نهائي في الولايات المتحد الأمريكية كبلد المهجر وليس كمنفى وأصبح من مواطني هذه الدولة.
أما مفهوم المهجر، فهو المكان الذي يستقر ويعيش فيه الشخص بعد أن هجر موطنه، وليس، على الأغلب، بسبب قرار من السلطة السياسية المؤدي إلى هجرته للوطن، ولا بسبب نشاطه السياسي، بل بسبب غير مباشر ناجم من الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية وحتى الشخصية لتدخل كطرف في المعادلة كعوامل طرد مع عوامل الجذب المنبعثة من بلدان المهجر، فيترك وطنه بمحض إرادته القائمة على هذه المعادلة طرد/جذب، فيصبح المهجر وطناً له فيتحول وطنه الأصلي عنده من واقع موضوعي إلى عامل معنوي فكري وعاطفي ليكون على الأغلب بعيدا عن العالم السياسي القومي وعلى الأغلب غير مرتبط أو متواصل مع أي حزب أو حركة سياسية في وطنه الأصلي، ولا في نيته العودة يوما ما إليه خاصة بعد أن يستقر في المهجر بشكل دائم ويبدأ حياة جديدة قائمة على العوامل التي جذبته إليها.

أسردت هذه المقارنة بين المنفى والمهجر ليكون معياراً لمعرفة فيما إذا كان البرلمان الآشوري فعلا في المنفى، كما أطلق على نفسه هذه الصفة أم هو في المهجر؟ فالمعروف عن أصحاب الفكرة، بأن معظمهم أن لم يكن جميعهم، هاجروا وطنهم ليس بسبب قرار سياسي مباشر من السلطة ضدهم بسبب نشاطهم السياسي، بل بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية وبمحض إرادتهم. كما أنهم استقروا في المهجر وأسسوا حياتهم مع عائلاتهم ضمن ظروف جديد مختلفة كلياً عن ظروف وطنهم الأم بحيث يصبح أمر عودتهم أو حتى التفكير به مستحيلا فينتقل "آشور" من وطن واقعي إلى فكر يسبح في عالم الرومانسية السياسية غير قادر على النزول من هذا العالم إلى أرض الواقع في آشور. لهذا يمكن التأكيد بأن أصحاب فكرة البرلمان الآشوري هم في المهجر وليسوا في المنفى وبالتالي ليس من المنطق والواقع أن يكن هناك برلمان آشوري في المنفى فلربما كان من الأجدر أن يكون البرلمان الآشوري في المهجر.
ثالثا: البرلمان من حيث المضمون:
-------------------
المقصود بمضمون البرلمان هو البرلمان الآشوري في المنفى المزمع تأسيسه، ويمكن البحث في هذا المضمون من النواحي التالية:
1-   معظم أصحاب الفكرة، على الأقل المعروفين لي، هم أصحاب خبر سابقة في المجال السياسي القومي الآشوري، فإما كانوا أعضاء، ربما كوادر متقدمة في أحزاب آشورية معروفة أو كانوا من المقربين لهم أو المهتمين بالشؤون السياسية الآشورية والوطنية، تركوا أحزابهم السياسية وتركوا العراق نحو بلدان المهجر، أي بهذا المعنى كان يجب عليهم أن يكون لهم خبرة وخلفية سياسية فكرية في تأسيس مثل هذه التنظيمات الآشورية العالمية قبل أن يخطوا الخطوة الأولى في مجال الدعوة لتأسيس البرلمان الآشوري في المنفى.
2-   هناك أكثر من تنظيم آشوري عالمي في المنفى أو في المهجر بعضها فشلت واختفت والبعض الآخر لايزال قائماً منذ أكثر من نصف قرن، مثل الإتحاد الآشوري العالمي (خويادا) الذي لا نشاط له يذكر على المستوى الدولي غير فرع أستراليا والذي يظهر بأنه شيئاً فشيئاً تحول أو يتحول إلى حزب سياسي حاله كحال بقية الأحزاب الآشورية، او إلى جماعة ضغط. فكان من الأجدر على أصحاب فكرة تأسيس البرلمان الآشوري في المنفى أن يتعظوا من أسباب فشل هذه التنظيمات التي باعتقادنا بأن هذه الأسباب سوف تلاحق تأسيس هذا البرلمان ومصيره لا يكون أحسن من مصير التنظيمات الآشورية العالمية التي سبقته.
3-   التمويل هو عصب حياة كل تنظيم سياسي، فبدونه لا يمكن له الاستمرار أو قيام بنشاط جماهيري يذكر. فمن البداية يظهر بأنه يصعب جداً على أصحاب فكرة تأسيس البرلمان تأمين التمويل اللازم لحضور المندوبين لمؤتمر التأسيس أو للاجتماعات البرلمانية القادمة، وهذا ما أكده القائمون على تأسيس البرلمان عندما ذكروا للذين يرغبون حضور مؤتمر يريفان في أرمينيا للفترة من 12 – 13 أيلول 2019 ضرورة تحمل مصاريف السفر من قبلهم لأن اللجنة التحضيرية للمؤتمر ليس لها إمكانيات تمويل سفرهم. ولو حاولنا ألقاء نظرة سريعة على الأحزاب والتنظيمات الآشورية التي أخفقت في الاستمرار بنشاطها نرى بأن التمويل، خاصة من مصدر ثابت ودائم، كان من الأسباب الرئيسية في فشلها أو ترنحها أو جمودها على الورق، إي بقائها أسم بلا جسم. فكان على أصحاب فكرة تأسيس البرلمان الآشوري إدراك وفهم هذه الحقيقية قبل إشهار الفكرة والدعوة لعقد مؤتمر التأسيس.
4-   العامل الجغرافي، عامل موضوعي وأساسي ومهم في نجاح أي تنظيم، والحال ينطبق بكل حذافيره على فكرة تأسيس برلمان آشوري في المنفى. فتشتت أبناء شعبنا من أستراليا شرقاً مروراً بوطن الأم ثم أوروبا حتى ولايات المتحدة الأمريكية غرباً عامل جغرافي لا يساعد إطلاقاً على إقامة تنظيم آشوري عالمي، وأن تأسس مثل هذا التنظيم فأنه سيكون ضعيفاً ويتركز نشاطه في دولة من دول الشتات. فمن المؤكد بأن هذا العامل واضح على البرلمان الآشوري في صعوبة حضور مندبين مطلوبين لتأسيس البرلمان سواء لمؤتمر يريفان او لمؤتمر فيزبدان في ألمانيا في شهر شباط عام 2020. وبالتالي سينحصر نشاط هذا البرلمان وقادته الفعلية في ألمانيا وبأقصى حد أيضا في بعض دول الجوار لألمانيا، وحتى بين هؤلاء بدأت الخلافات تنخر بالفكرة ولربما ستقضي عليها قبل أن يرى البرلمان الآشوري نورا.
5-    العامل الديموغرافي، في نداء نشرته اللجنة الموحدة لتأسيس البرلمان الآشوري (UCAP – يوكاب) في المنفى جاء فيه دعوة موجهة إلى جميع "أبناء شعبنا" من "آثوريين، كلدان، سريان، آراميين، مارونيين، أيزيديين وغيرهم" لتسجيل التأييد لمشروع البرلمان الآشوري في المنفى، لتمهيد الطريق لإنشاء برلمان آشوري لذا نسترعي انتباه شعبنا الآشوري (بكل مكوناته وتسمياته من آثوريين، كلدان، سريان آراميين، مارونيين، أيزيديين) وغيرهم إلى هذا المشرع القومي الكبير على أمل دعم هذه الفكرة.... يظهر بأن أعضاء يوكاب غائبين كل الغيب عن صراع التسميات في أرض الوطن فأضافوا مزيداً من الحطب على النار ليزيد سعيره بإضافة تسميات أخرى. والأنكى من هذا يظهر من دعوتها بأنها تفرق بين التسميتين الآشوريون والأثوريون ويجعل من الأثوريين مكون من مكونات شعبنا الآشوري، إلا يعرف أعضاء اللجنة بأن الفرق بين التسميتين هو في اللفظ فقط وكلاهما لشعب واحد؟ هناك حقيقة واقعية تؤكد بأن أي حزب أو حركة قومية لا يمكن ان يكتب لها النجاح ما لم يؤيدها غالبية أبناء هذه القومية. فكيف نتصور من الكلدان والسريان والأراميين والمارونيين والأزيديين أن يؤيدوا فكرة تأسيس برلمان آشوري؟ فالواقع الحالي واضح كل الوضوح عن مواقف غالبية أبناء هذه التسميات التي كانت بعضها حجر عثرة في طريق كل حزب أو حركة حاول كبس أبناء هذه التسميات في تسمية واحدة آشورية. فهذا الفكر القومي الكلاسيكي ليس إلا حلم وردي لا يمكن تحقيقه على الواقع لأنه يبقى حلم يحلم به السابحون في فنجان قهوة.  ولكن مع كل هذا فاعتزازنا بكل هذه التسميات صميمي لا يؤثر إطلاقا على صميم انتمائنا الآشوري.
6-   التواصل مع الحركة القومية في أرض الوطن عامل مهم جدا في نجاح أي تنظيم دولي كالبرلمان الآشوري في المنفى الذي يطالب بالحقوق القومية للآشوريين في أرض آشور، لأن مثل هذه المطالبة يجب أن يكون لها خطاب قومي واضح نابع من أرض آشور عبر الأحزاب والتنظيمات الآشورية الناشطة على أرض آشور، أي يجب أن يكون الخطاب القومي للبرلمان الآشوري امتدادا وانعكاسا للخطاب القومي الآشوري في أرض الوطن. فطالما أحزاب شعبنا القومية في أرض الوطن تفتقر إلى خطاب سياسي موحد وواضح فهكذا سيكون حال البرلمان الآشوري في المنفى مفتقراً إلى خطاب سياسي قومي واضح وقابل للتطبيق. هذا الأمر في افتقار الترابط العضوي بين الوطن والمهجر هو السبب الذي جعل من التنظيمات القومية الآشورية في المهجر أن تتلاشي أو تبقى متجردة من الخطاب القومي السياسي الواضح لأن أحزابنا في أرض الوطن تفتقر إلى خطاب سياسي قومي واضح وموحد.
وأخير أوكد خشيتي من عدم وصول القائمين على تأسيس البرلمان الآشوري في المنفى إلى مبتغاهم لأن مثل هذا الإخفاق سيزيد من إحباط أبناء شعبنا ويتعاظم فقدان مصداقيتهم تجاه التنظيمات القومية لشعبنا الذي ليس بحاجة إلى مزيداً من هذه التنظيمات، فما هو موجود على أرض الواقع قد يكفي في الوقت الراهن إن لم نقل بأنها تنظيمات كثيرة في مقارنة مع حجم وإمكانيات شعبنا في الوطن. كما خشيتي أيضا هو ضياع جهود وإمكانيات القائمين على مشروع تأسيس برلمان آشوري في المنفى في الركض وراء غير الممكن تاركين الممكن الذي قد يتمثل في التخلي عن فكرة تأسيس برلمان آشوري في المنفى والانضمام إلى الإتحاد الآشوري العالمي (خويادا) الذي يحمل نفس الفكرة والأسلوب ولربما يكونون عوناً وسندا لخويادا ليبدأ بالتحرك أكثر فأكثر.



37
إحياء الذكرى السنوية لرحيل الإعلامي الكبير ولسن يونان
------------------------------------------------------


------------------------------------------------------
التزاما بواجبه القومي تجاه المبدعين من أبناء أمتنا الآشورية، وتذكيرا للعلاقة الفكرية والثقافية التي ارتبطت بالراحل الكبير الإعلامي المبدع ولسن يونان، احيا المجلس القومي الآشوري (متوا) ذكراه السنوية لرحيله وذلك في مساء يوم الأحد المصادف 22 آب 2021 وعلى قاعة متوا، حضرها نيافة الأسقف مار بولص بنيامين راعي أبرشية كنيسة المشرق الآشورية مع نيافة الأسقف مار كوركيس يونان راعي أبرشية الكنيسة الشرقية القديمة إضافة إلى السيد شيبا مندو رئيس المجلس والسيد عمانوئيل إيشو رئيس الجمعية القومية الآشورية وعدد من الأدباء والشعراء وجمعُ من أبناء شعبنا. أستهل الاحتفال نيافة الأسقف مار بولص بصلاة ربانية ثم تلاها بحديث تفصيلي عن أهمية الإعلام ودوره الحاسم في مجتمعنا، فكان المرحوم ولسن رائدها الكبير والمؤثر الذي لعب دوراً كبيرا في هذا الحقل تاركاً انطباعاً قوياً على مستمعيه ومشاهديه.
بعد ذلك اعتلى المنصة السيد شيبا مندو ليرحب بالحاضرين ويسترسل في تفاصيل معرفته بالمرحوم وعلاقته القومية الصميمة التي كانت تربطه به شخصياً من جهة وبالمجلس القومي من جهة أخرى لما كان له دور سواء من خلال زيارته للمجلس أو إقامة بعض النشاطات الثقافية والمقابلات التلفزيونية. وحسنا فعل المجلس عندما عرض شريط فيديو لبعض النشاطات والمقابلات التي أجراها المرحوم مع بعض الشخصيات الكنسية والسياسية والثقافية المعروفة أعده السيد نينوس كاكو المسؤول الحالي للقسم الآشوري في محطة SBS  الاسترالية. وشمل برنامج هذه الذكرى السنوية للمرحوم ولسن كلمة من الشاعر والأديب حنا شمعون الذي رغم عدم التقائه به إلا أنه أكد بأنه كان شرفاً كبيرا له أن يتصل به المرحوم من أستراليا للتباحث معه في الكثير من الأمور الثقافية والأدبية ومنها أجراء المقابلات الإذاعية للمحطة التي كان يعمل المرحوم فيها.
ثم تلا ذلك كلمة السيد عمانوئيل إيشو شارحاً علاقته الشخصية مع المرحوم ومع الجمعية القومية الآشورية الذي لم يكن يبخل المرحوم على وقته إلا ويزور الجمعية أثناء تواجده في شيكاغو وعقد هناك حلقات نقاش فكرية وقومية وسياسية يحضرها عدد من المهتمين بأفكار المرحوم وطروحاته في التحليل السياسي والقومي.
كان للكاتب القومي أبرم شبيرا حضوراً متميزا باعتباره المتحدث الرسمي للحدث من جهة وكونه من أقرب أصدقاء المرحوم من جهة أخرى. فأعتلى المنصة ليتحدث عن علاقته القوية مع المرحوم والتبادل الفكري الذي كان قائماً بينهما ثم ضرب مثالاً في كيفية بقاء وخلود أسم الشخص رغم رحيله عن عالمنا من خلال أعماله المبدعة وإنجازاته المتميزة لأبناء شعبه وسمعته الطيبة، فهكذا كان المرحوم ولسن يونان. فبالرغم من انتقاله إلى العالم الآخر وغيابه عن العالم الحالي فأن أسمه لا بل وجوده يبقى حياً خالدا وهذا ما أكده السيد شبيرا عندما ذكر بأنه يرى وجود ولسن يونان في وجوه الحاضرين وفي حيثيات احياء ذكراه السنوية. وفي الختام وجه السيد شبيرا شكر وامتنان للسيد شيبا مندو رئيس المجلس على تولي تنظيم هذه الذكرى وقيامه بواجبه القومي تجاه المبدعين من أبناء شعبنا، والمرحوم ولسن يونان كان واحدا منهم ان لم يكن أهمهم.
في الختام، أدى نيافة الأسقف مار كوركيس يونان صلاة على روح المرحوم طالباً من ربنا أن ينعمه في جنات الخلد وأن ينعم أهله وأقاربه وأصدقائه الصبر والسلوان.
شيبا مندو
رئيس المجلس القومي الآشوري في ألينوي - شيكاغو


الحاضرون من اليسار السيد شيبا مندو، السيد أبرم شبيرا ونيافة الأسقف مار بولص بنيامين ثم نيافة الأسقف مار كوركيس يونان فالأب شليمون خزقيال ثم الشماس ديدوي دانيال.      



38
بمناسبة مرور ذكرى ألـ (88) ليوم الشهيد الآشوري:
-----------------------------

يا أحزابنا السياسية ... لماذا لا تحترمون دماء شهدائنا الأبرار؟
========================================
أبرم شبيرا
لا أحد يختلف في أن شهداء أمتنا الآشورية قدموا بشكل مباشر أو غير مباشر تضحيات جسيمة ودماء زكية على طريق الشهادة من أجل قضيتنا القومية وديمومة استمرارها عبر مراحل تاريخية مأساوية مسجلين بدمائهم ملحمة في معاناة وصمود أمة صغيرة ولقرون طويلة من أجل البقاء والصمود. فإذا كان السابع من شهر آب قد أتخذ كتاريخ لشهداء مذبحة سميل عام 1933، فأنه ليس ذلك إلا تاريخاً رمزياً لمذابح كثيرة ارتكبت بحق شعبنا طيلة تاريخه المديد. وأيضا لا أحد يختلف في القول بأن الحياة هي أغلى وأعظم ما يمتلكه الإنسان والتضحية بها ليس بالأمر السهل إلا للذين آمنوا إيماناً قويماً وصلدا بقضية قومية لأمة استحقت هذه التضحية الغالية.
إذن مقابل هذه التضحية الجسيمة لشهدائنا الأبرار ما الذي قدمناه لهم، أو بالأحرى قدمه شعبنا لهم، وبشكل أدق ما الذي قدمه أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية مقابل هذه التضحيات، باعتبارهم ممثلي شعبنا كما يدعون، وهم أول "المحتفلين" بهذه المناسبة. طبعاً يجب ألا نتوقع بأن يقوم قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية بالتضحية بحياتهم أو إسالة دمائهم أو التخلي عن أهم مستلزمات حياتهم من أجل القضية القومية كعربون مقابل دماء شهدائنا. إذن فلنكن واقعيين ونترك غير الممكن ونلجأ إلى الممكن، الذي هو بسيط جداً جداً في مقارنة مع دماء شهدائنا أن صحت مثل هذه المقارنة أصلا. ولكن مما يؤسف له هو أنهم يبخلون على تقديم حتى هذا البسيط والنزير ويلجئون إلى اصدار بيانات منمقة بهذه المناسبة والتي ليست إلا كلمات على ورق لا تسمن ولا تغني ولا يمكن إطلاقاً أن نعتبرها حتى ذرة بسيطة في سياق التضحيات المقدمة في سبيل قضية أمتنا التي أستشهد من أجلها عشرات الألاف، بل يظهر بأنها ليست إلا مجرد إثبات وجود على الورق والتشدق بكلمات رنانة بهذه المناسبة المقدسة والتي ملً شعبنا منها وزهق من سماعها كل عام.
أن أبناء شعبنا ليس بحاجة إلى مثل هذه البيانات التي أصبحت "كليشة" في كل عام، لأنه يعرف جيداً بأنها لا تمت ولو بقدر قليل باحترام وتقدير لدماء شهدائنا، بل يعرف جيداً بأن هناك وسائل أخرى وإن كانت بسيطة لا تكلف قادة أحزابنا التضحية بالغالي والنفيس، لكن يمكن القيام بها لتشكل بادرة بسيطة في احترام فعلي لهذا اليوم المقدس في تاريخنا. أليس من باب الاحترام القليل لهذا اليوم الخالد في تاريخ أمتنا أن تجتمع أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية وأن تصدر بيان مشترك أو تقوم بنشاط سياسي مستمد تفاصيله من هذا الحدث الكبير؟ نعم ممكن جداً، ولكن أمام كبريائهم وغطرستهم يصبح غير ممكن.
فمن الملاحظ في السنوات العشرة أو العشرين الأخيرة نرى عزوف أبناء شعبنا عن الحضور للاحتفال بذكرى هذا اليوم المقدس، ليس بسبب فايروس كورنا ولا لأي سبب عام آخر، بل لأنه جرت العادة على قيام حزب واحد أو مؤسسة واحدة بهذا النشاط، وبالتالي يقتصر حضور الاحتفال على بعض أعضاء الحزب أو المقربين للمؤسسة فيصبح مثل هذا الحضور الصغير تصغير لمكانة هذه المناسبة المقدسة إن لم نقل تقليل وتجاهل لدماء شهدائنا. فبسبب هذا الحضور الفقير، نرى تقريباً معظم احزابنا وتنظيمات قد عزفت عن القيام بأي نشاط يذكر بهذه المناسبة وأكتفت ببيان ليس إلا كلمات على ورق. وعندما نسألهم وبنوع من اللوم عن عدم قيامهم بأي نشاط بهذه المناسبة العظيمة فالجواب يعرفون جيداً وهو: لماذا نعمل ونجهد نفسنا للقيام بمثل هذا النشاط طالما لا يحضرها غير نفر قليل. ولو افترضنا قيام مؤسسة محايدة تقف على مسافة واحدة ومتساوية مع الجميع بنشاط بهذه المناسبة وجعلت الدعوة عامة للجميع، فلا يحضرون... لماذا؟ لأنه لم توجه لهم دعوة خاصة، بل كان الدعوة عامة وهم ليسوا من عامة الناس، بل نخبة خاصة. وأنكى من هذا وذاك، فإذا حضروا، فهناك تكون المصيبة الكبرى، فالمنافسة تشتعل والصراع يحتدم لا على الإقدام لتقديم التضحية الممكنة البسيطة والتنازل المتقابل للوصول إلى الحد الأدنى من التفاهم حول المسائل القومية الأساسية، بل التنافس حول الأولية في إلقاء كلمتهم، وإذا رحب منظم الحفل أول الأمر بزعيم الحزب (أ) قامت قيامة الحزب (ب) فيقفز الشيطان على رأسه ليقود حاله نحو الخارج حاملا حقده على المؤسسة المنظمة للاحتفال لاعناً الساعة التي حضر هذا الاحتفال لأنه تعرض للإهانة. والأمر لا يختلف، إن لم يكن أسوء عندما يكون الاحتفال شاملا مراسيم وضع أكليل الزهور على ضريح الشهيد المقام في بعض بلدان المهجر، فالكل يريد أن يكون الأول. كيف نتوقع من أبناء شعبنا حضور مثل هذه الاحتفالات بهذه الأساليب الواطئة التي لا تقلل من عظمة هذه المناسبة المقدسة فحسب، بل أيضا تزيد من فقدان مصداقية أحزابنا لدى أبناء شعبنا من إمكانية تحقيق الممكن وهم يتخبطون محاولون الوصول إلى غير الممكن في الحكم الذاتي والإدارة المحلية وهم لا يستطيعون تحقيق حتى هذا الممكن البسيط.
يا أحزابنا السياسية ... نعيد لكم ونكرر القول بأن الأمة التي لا يكون فيها أحزاب سياسية ومنظمات قومية نشطة ستكون إرادة الأمة مرهونة بإرادة الأمم الأخيرين، فرغبتنا وطموحنا أن تكونوا نشطين فاعلين حتى في أبسط الأمور حتى لا تكون إرادة أمتنا مرهونة بإرادة الأمم الأخرى، ومن المؤكد بأن أبناء شعبنا الخيرين لا يريدون إطلاقاً أن تكون إرادتهم القومية مرهونة بإرادة الأخرين كما هو، مع الأسف الشديد، واقعنا الحالي. يا أحزابنا السياسية ... حققوا رغبة أبناء شعبنا، وأنا أولهم، أن نراكم تحتفلون العام القادم بهذه المناسبة المقدسة مجتمعين تحت سقف واحد وكلمة واحدة ونشاط واحد لأننا أمة واحدة، فلتنعكس هذه الوحدة في وحدة نشاطكم وهذا أمر سهل جدا لا يتطلبه التضحيات الجسيمة.

     


39
لماذا يخاف البعض وينفعل ويتشنج من وحدة قوميتنا "الكلدانية السريانية الآشورية"؟؟
============================================
أبرم شبيرا
الإيمان بوحدة أمتنا مطلق وراسخ:
-------------------
أعود وأُكد مرة أخرى "تأكيداً مطلقا لمن لا يعرف أو يتجاهل الأمر، بأن إيماني مطلق وراسخ لا تزحزه أية إعتبارات تسموية أو طائفية أو كنسية أو عشائرية أو قروية أو حزبية أو مصلحية أو عائلية، بأن نحن الكلدان والسريان والآشوريين (سواء أكانت الواو بين التسميات أو بدونها) قومية واحدة مهما أختلفت وتعددت مصادر الإنتماء التسموي، ولنا جميعاً نفس الحقوق والواجبات والمعانات. فالتاريخ والواقع هما مصدر ترسيخ مثل هذا الإيمان وليس الكلام وبعض السطور والرأي الشخصي" هذا ما قلناه في المقال السابق. وأضيف هنا وأقول بأن كل المناهج العلمية والبحوث الأكاديمية والمقالات والدراسات والقرارات والإستفتاءات سواء أتفقنا معها أم لا، لا يمكنها إطلاقا أن تغير من هذا التاريخ وهذا الواقع الذي يؤكد تأكيداً مطلقاً بأننا قومية واحدة شاء من شاء وأبى من أبى.
ما بالكم خائفين هكذا؟ كيف لا ايمان لكم؟ (مرقس : 40:4)
-----------------------------------
أستغرب إستغراباً شديداً من بعض الأخوة الكتاب والمثقفين من أبناء قوميتنا عن تخوفهم من الوحدة بين الكلدان والسريان والآشوريين، على الأقل على المستوى السياسي والقانوني، ويرتعبون من وحدتنا التي تضعنا وبقوة على الطريق الصحيح بأمل تحقيق ولو جزء يسير من حقوقنا القومية المهضومة في العراق. ليس المهم هنا وفي هذه الظروف المميتة أن نتقاتل حول التسمية وفيما إذا وضعنا حرف الواو بينهم أم لا، بل المهم وكل المهم هو أن نقر بأننا أمة واحدة مهما كانت تسمياتنا فالمستقبل كفيل بهذه التسميات. والأكثر من هذا، فأن الوحدة على المستوى القومي السياسي سوف تحصن أبناؤنا من الضياع في بلدان المهجر وتجعلنا نحن ككلدان وسريان وأشوريون متكاتفين تحت مظلة واحدة في مواجهة تحديات هذا العصر وسنكون أكثر قدرة على إسماع صوتنا لحكام بلدان المهجر. نقتبس ما قاله القديس مرقس الإنجيلي بأنكم خائفين من الوحدة لأن ليس لكم إيمان بهذه الوحدة مهما كانت تسميتها، فنحن نقول المهم هو اللب وليس القشرة، وهو الذي يغذي أبناء أمتنا، في حين القشرة لا تفيدهم. صحيح هو عندما لا يرغب البعض بهذا اللب ولا يعطيه أهمية فبالتالي سوف يضطهر إلى أن يلجأ إلى القشرة. فاللب عندما ينضج ستظهر القشرة، وبعبارة أوضح، عندما نعمل من أجل الصالح العام ونحن متوحدين حينذاك سنكون مهيأين لقبول أي تسمية أو تسميات. لكن مع الأسف، الأمر ليس متعلق بالإيمان فقط بل بما لمسناه بشكل مباشر هو التشنج والإنفعال  في الردود التي وردت على الموضوع السابق الذي كتبناه ويظهر فيها بأن أصحابها لم يقرأوا الموضوع بتمعن وإدراك موضوعي محقق لصالح هذه الأمة وبالدرجة الأولى مصالح القسم الأكبر من شعبنا أي الكلدان. بل بمجرد أن قرأوا عنوان الموضوع (ألا حان الوقت للتنظيمات الكلدانية لتتعظ بدروس الماضي) تفجرت عوامل التشنج والإنفعال عندهم خاصة وأنه كتبُ من قبل كاتب ليس وفق معيارهم كلدانياً، وبالتالي قادتهم إلى مغالطات وتفسيرات لا علاقة لها إطلاقاً بمغزى الموضوع. وما كتبه الإستاذ الفاضل سلام مرقس نموذج في هذا السياق من التشنج والإنفعال والمغالطات.
ما علاقة الموضوع بالحركة القومية الآشورية؟:
------------------------
ما علاقة الموضوع بالحركة القومية الآشورية وبالتحديد بالحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) والكراس الذي نشرته عن الكلدان والذي يشير إليه أستاذنا الفاضل سلام مرقس وكأنما أنا وكيل أو ممثل هذه الحركة؟ وما علاقة كنيسة المشرق الآشورية بالموضوع الذي هو بالأساس عن التنظيمات الكلدانية وتمنياتنا بأن تستفاد من دروس الماضي وترتكز على الطريق الصحيح نحو وحدة أمتنا في المجال السياسي والقانوني؟ فالأستاذ سلام يحاول أن يستخدم سلبيات الحركة القومية الآشورية للتهجم على ما كتبته والذي ليس له أية علاقة بالموضوع إطلاقاً.  لقد ظهر بأنه لا يقرأ كل ما يتعلق بالآشوريين، فلو كان قارئ جيد لعرف بأن ما كتبته عن سلبيات الحركة القومية الآشورية وأحزابها وتحديدا عن (زوعا) لوجد بأن هناك العشرات من المقالات التي كتبتها في هذا السياق وبعضها كانت في الصميم وصلت إلى حد "الزعل" والمقاطعة، لا بل هناك العديد منها يصب مضمونها الإنتقادي على السكرتير العام لزوعا السيد يونادم كنا وعن بعض الممارسات الخاطئة لزوعا، ولأن أستاذنا سلام لا يقراء ما هو غير كلداني ولا ما هو أقرب إلى الكلدان وكنيستهم، لهذا يذكر وهو مخطأ بأن البطريرك "الصغير" الذي تولى كرسي البطريرك هو من العائلة الباصيدية بل الصحيح هو من عائلة أبونا الألقوشية، إذا كان القصد مار إيشا شمعون الثالث والعشرون (1908 – 1975)، الذي كان عمره 12 عاماً ونصب بطريرك على الكنيسة، وهذا أبسط فرد من شعبنا يعرفها، وأن سورما خانم ليست أخت البطريرك بل عمته وليست هي التي أطلقت على الكنيسة التسمية الآشورية بل كان مثلث الرحمات البطريرك مار دنخا الرابع في منتصف الستينيات عندما كان مطرانا للكنيسة في إيران وليس في 17/10/1976، هذا نهاهيك عن العشرات من المستشرقين الذين أطلقوا على هذه الكنيسة بـ "الآشورية" منذ عدة قرون مضت. لا أريد الإطالة في هذا الموضوع لأنه ليس له علاقة إطلاقاً بموضوعنا.
ما علاقة الموضوع بالصرح البطريركي الكلداني والرابطة الكلدانية؟:
------------------------------------
يقول الأستاذ سلام "إذا مارجعنا الى المقال موضوع النقاش، نجده لمؤسسات معینة تقض مضجع الكاتب  وموجھا مكررا على ما یبدو، وھي الصرح البطریركي الكلداني والرابطة الكلدانیة". وهنا أيضا يا أخي تخطأ كثيرا لأنك كما ذكرتُ لا تقرأ، لا بل يظهر بأنه حتى لو كان الموضوع متعلق بالكلدان ومؤسساتهم تتجاهله لأن كاتبه هو "كاتب قومي آشوري غير موثوق به". أصحح خطأك بالقول بإنني كنت من أوائل من كتب وشجع تأسيس الرابطة الكلدانية وقدمت عدة مقترحات لتكون على المسار الصحيح، خاصة فيما يتعلق بنظامها الداخلي بأمل أن تنتظم الأمور القومية للكلدان وتسير جنباً إلى جنب مع أخوانهم السريان والآشوريين. أما بخصوص الصرح البطريركي الكلداني، فأقول مع الأسف لا تعرفني ولا تعرف موقفي من مؤسساتنا الكنسية جميعها حيث أكنُ إحتراماً شديد ومودة خالصة لهم جميعاً ليس بصفة من هو على رأس هذه الكنيسة أو تلك، بل أحترامي ومودتي قائمة على كونهم مؤسسات رئيسية فاعلة سواء أتفقنا معهم أم لا. أما بخصوص غبطة الكاردينال البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الذي يشير ألأخ سلام إليه، فلغبطته مكانة خاصة عندي أكنه أحتراماً كبيراً ومودة ملئها المحبة والتقدير لما يقوم به في هذا العصر المميت ويحاول أن يجد حلا لأبناء أمتنا للخروج من الوضع المزري الذي يفرض عليهم. على أن كل هذا لا يمنعنا من أن نقرأ بكل دقة وموضوعية ما يكتبه غبطته ونحاول أن ننتقده إنتقاءاً بناءاً ومن دون أن تمس شخصه أو مكانته. فهناك عدد من الموضوع التي كتبناها بهذا الخصوص والتي كانت فعلاً عوامل ترسيخ وتقوية علاقتي مع غبطته. ولعلمك يا أستاذنا كنت الأول كعلماني، ربما الوحيد، كتبت مؤيداً ترك غبطته ما يسمى بـ "مجلس الطوائف المسيحية في العراق" لأنه قائم على أسس خاطئة لا تستقيم مع كنائسنا المشرقية كمؤسسات لا دينية لاهوتية فحسب، بل أيضا تاريخية وتراثية وحضارية، فهناك فرق كبير جداً بين الطائفة والكنيسة.
 

لقاء مع المطران (بطريريك فيما بعد) الكاردينال البطريرك مار لويس روفائيل ساكو في مطرانية كركوك ومعنا المؤرخ الكنسي الكبير الأب ألبير أبونا.
=====================================================

زيارة لغبطة الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو، عنكاوه - أيلول 2015
=======================================================
موسم فاح عطره لمؤسسات وأحزاب كلدانية!!:
-------------------------
يقول الكاتب سلام مرقس في رده " ابرم شبیرا لم یأت بموضوع ٍ للمناقشة او برأي سدید، او مقنع او طرح تاریخي (حكواتي) غیر حیادي فهو سیل من الاتھامات والادعاءات والتناقضات المفضوحة والمغالطات المكشوفة وطرح مواضیع بطریقة نرجسیة وانتقائیة تمثل وجھة نظر طرف واحد، وان بطل ھذه المسرحیة كاتب المقال . التنظیر او لنقل الطرح المكرر الذي خرج بھ الكاتب للربیع الكلداني الذي طال ھذه المرة یبدو انه نتیجةُ، ومازاد من طول مقالته ھو الالتفاف و التقارب الكبیر بین الكلدان ُ موسمه فاح عطره كشعب ومؤسسات مدنیة واحزاب من جانب وكنیستھم الكلدانیة وبطریركھا الكاردینال مار لویس ساكو".  ياسيدي العزيز أستاذ سلام ما هكذا تناقش مواضيع حساسة ومصيرة وبتشنج وإنفعال ومبالغة بحيث جاء كله في جمل ركيكة وغير مترابطة. عن أي موسم فاح عطره تتحدث؟  صرخة غبطته لإيجاد مرجعية لشعبنا كنتُ أنا من كتب وبموضوعية عن هذه الصرخة وتحت عنوان (صرخة غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو ... سمعتُ فأستجبتُ) وفي عام 2018 أطلق غبطته نداءاً إلى كافة الأحزاب والمؤسسات الكلدانية ناصحاً الناشطين من الكلدان للسعي لتأسيس حزب سياسي واحد بأسم الإتحاد الكلداني (حويادا كلدايا) يضم الأحزاب الموجود على الساحة ويستقطب الحزب الجديد الكوادر والكفاءات في الداخل والخارج بعيدا عن الانتهازيين والمثرثرين... وأن يكون من أوليات الحزب السعي مع الأحزاب الآشورية والسريانية والأرمنية لتشكيل تحالف قوي يمثل المسيحيين..(أنتهى الإقتباس)... عندما تعرض غبطة الكاردينال إلى هجمة شرسة من قبل بعض القراصنة كتب أستاذنا الفاضل سلام موضوعاً عن المؤسسات والأحزاب الكلدانية التي وقفت مع الصرح البطريركي صفاً واحداً وأدرج أسم 51 من هذه المؤسسات والأحزاب الكلدانية. صحيح هو أن بعض من هذه المؤسسات هي مجرد أسم أو رقم صندوق بريد أو موقع ألكتروني ولكن بينهم أحزاب كلدانية معروفة على الساحة، أفهل إستجابوا لنداء البطريرك؟؟؟  فإذا تعرف ذلك فأرجو أن تنورنا حتى نؤمن بكلامك بأنه فعلاً ربيع كلداني. أم تعتقد بأن إجتماع التنظيمات الكلدانية الأربعة في عنكاوه هو ربيع كلداني أم ربيع إنتخابي؟؟
أما الحديث عن  محاولات الرابطة الكلدانية العالمية في لم الشمل،  فيقول الأستاذ سلام " واما على الصعيد القومي فالرابطة الكلدانية العالمية تبنت مشروعاً للجلوس على مائدة مستديرة لتشكيل وحدة سياسية تضم كل احزاب مكونات شعبنا وكان اخر نداء لها في 21/06/2020 تحت عنوان (هل سيهُبُّ المسيحيون لاجتماعٍ يناقشُ اوضاعَهم ؟). وذهبت كلها ادراج الرياح ، ومازالت تكرر ذلك دائما في بياناتها عن مشروع الوحدة القومية. هل تعلمون ان هذه المواقف هى للشجعان فقط" (أنتهى الإقتباس). شكراً يا أستاذنا على الأعتراف بذهاب دعواتكم إدارج الرياج. لماذا... لأنكم لم تتعظوا بدروس الماضي وتحديداً بمؤتمرات النهضة الكلدانية. أليس إقتراحنا تأسيس حركة ديموقراطية كلدانية يأتي في سياق نداء غبطته ورابطتكم؟؟؟ ألا أنها تختلف عنهما في ضرورة قيام مثل هذه الحركة على الفكر الوحدوي وليس على الفكر الإنفصالي، فالحركة التي تستند على عوامل القوة التي يملكها الكلدان ستكون رائدة في المجال السياسي القومي. هنا مرة أخرى أوكد لك يا سيدي  بأنك لم تقرأ الموضوع إلا من جانب واحد ومتعصب ولأن كاتبه غير كلداني حسب مفاهيمك الضيقة.
أين نحن من كلمة الكاردينال عن التعصب كغلو أعمى؟
-------------------------------- 
نشر غبطة البطريرك في الموقع الرسمي لبطريكية بابل للكلدان موضوعاً بعنوان (التعصب، غلوُ أعمى) وأهم ما جاء فيه  "التعصب رذيلة، ترتبط بمفاهيم التمييز العنصر: الديني والمذهبي، والقومي والطبقي ...، ولا تزال هذه الظاهرة مستمرة عند بعض الأشخاص والجماعات، وتشكل عقبة أمام العيش المشترك". عاشت إيديك سيدنا البطريرك على هذا الكلام المنطقي... ثم يتابع غبطته ويقول" .... الإنسان تكامل سليم، أما المتعصب فهو شخص ناقص، غير متكامل، لا يعتمد العقل والتحليل، بل يتمسك بغيرة وحساسية وبأحادية الرأي. أنه يرى الأمور بعين واحدة، ولون واحد، ولا يعترف بالألوان الأخرى، بل يلغيها، بالرغم من أن وجود الألوان أمرُ مطلوب وجميل كألوان قوس قزح".... ويتابع غبطته بالقول: "المتعصب يعتبر نفسه دوماً على الحق والآخرين على الباطل، حتى عندما توجد دلائل على الحقيقة. المتعصب لا يتحاور، ولا يشارك، بل يفرض رأيه بتعسف على الأخرين، المتعصب لا يقبل التعددية والتنوع ويعتبر الآخر المختلف عنه خصماً يجب إزالته..." ثم يضرب غبطته أمثلة على عدم إستجابة ممثلي "الكوتا المسيحية" والأحزاب خاصة الآشورية منها على دعوته للجلوس والتحاور لتحقيق المصلحة العامة. طبعاً سيدنا البطريرك يعرف جيداً إرتماء أكثرية ممثلي الكوتا المسيحية في أحضان الغير ومن المنطق أن يرفضوا دعوته، لأنهم عبيد أسيادهم.

على العموم الموضوع طويل وكنُا نتمنى أن نتطرق إلى الفكر الآشوري الكلاسيكي والأحزاب الآشورية المتعصبة التي تحاول تحرير "آشور المحتلة" وهم لا حركة لهم إلا السباحة في فنجان قهوة، فهذا الموضوع كتبنًا عنه كثيراً، ولكن ما أقتبسته من كلام غبطته ما يخص موضوعنا هذا عن التعصب والمقارنة بين ما ذكرته في المقال السابق عن ضرورة الوحدة على المستوى السياسي والقانوني من دون إلغاء لأحد من مكونات أمتنا خاصة الكلدان الذين يملكون مقومات القوة المتمثلة في العوامل الموضوعية من ديموغرافية وجغرافية وقوة إقتصادية وعلمية مؤمناً كل الإيمان بأن أي حركة قومية لا يمكن أن يكتب لها النجاح وتحقق الأهداف مالم يؤيدها أو يشاركها القسم الأكبر من الشعب. ثم نأتي على ما كتبه الأستاذ سلام مرقس ونقارنه بكلمات غبطته في التعصب والتعددية والتنوع نرى بأن ملئها التعصب والإنعزال ورفض الوحدة بين أبناء الشعب الواحد وتحقير الآخرين وإنفراد الأسم الكلداني ساطعاً... والحبل على الجرار... وهكذا.
في نهاية رده يذكر السيد سلام بما يلي "ملاحظة جدیرة بالذكر: المقدمة الوردیة ( العسلیة) التي ساقھا ابرم شبیرا في بدایة مقاله، مع الاسف لن تنطلي علینا بعد ان دسھا في السم" ويقصد بهذه المقدمة الوردية إيماني المطلق بوحدة أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين والتي ذكرتها أيضا في بداية هذا الموضوع... لا يا سيد سلام  ليس في كلمات الوحدة والمحبة والتضمان بين الجميع سم، كما تقول، بل فيها عطر فائح بالإيمان بوحدة أمتنا ومن المؤكد بأنها لا تنطلي عليك لأنك، مع الأسف الشديد أسمك سلام وأنت  بعيد جداً عن السلام وعن مثل هذه الفاهيم في الإيمان بوحدة أمتنا... أقول لك ولكل زملائك في التفكير الإنفصالي بأنه سيسعدنا جدا جداً عندما نرى المؤسسات الكلدانية وأحزابهم متوحدين أو متفاهمين لأن أي هدف يحققونه هو بالحقيقة والمنطق تحقيق لهدف الآشوريين والسريان لأنهم جميعاً أبناء أمة واحدة.
 فإذا كان لا التاريخ ولا الواقع يكفي لترسيخ إيماننا المطلق بوحدة شعبنا ولا يجده الأستاذ سلام إلا كلام وردي متسمم، فدعني أقول لك ولغيرك بأن البلدة العظيمة التي ولدت فيها ألقوش والدير العظيم ربان هرمز الذي تعمذت فيه أنا وأخوتي الثمانية وأولادي وأكليل مراسيم زواجي في كاتدرائية مار يوسف الكلدانية في خربندة الكرادة – بغداد على يد مثلث الرحمات البطريرك مار بولس شيخو الذي شاركه في المراسيم ثلاثة مطارنة مع ثلاثة من الأباء، أتذكر منهم الأب قرياقوس والأب لويس وعدد من الشمامسة كل هذا منظور إليه بفكر وضعه رواد الفكر القومي الوحدوي أمثال الشهيد يوسف بيت هربوط ونعوم فائق وفريد نزها وديفد بيرلي ومتفاعلاً مع آشوريتي ومع كنيستي المشرقية بكل تفرعاتها تفاعلا جدلياً لكي أنظر إلى جميع مكونات أمتنا كأمة واحدة وبمنظار واسع يشمل الجميع من الكلدان والسريان والآشوريين من دون تفرقة أو تفضيل هذا على ذاك... أعتقد يا أخي من الصعب عليك أدراك مثل هذا الأمر لأن منظورك ضيق لا يتسع لأخوتك... والله يكون في عونك.. مع تحياتي.


40
ألا حان الوقت لتتعظ التنظيمات الكلدانية بدروس الماضي؟
=======================================
أبرم شبيرا
إيماننا مطلق وراسخ  بوحدة أمتنا:
--------------------
أقول لمن لا يعرف، وأُكد تأكيداً مطلقا لمن يعرف، بأن إيماني مطلق وراسخ لا تزحزه أية إعتبارات تسموية أو طائفية أو كنسية أو عشائرية أو قروية أو حزبية أو مصلحية أو عائلية، بأن نحن الكلدان والسريان والآشوريين قومية واحدة مهما أختلفت وتعددت مصادر الإنتماء التسموي، ولنا جميعاً نفس الحقوق والواجبات والمعانات. فالتاريخ والواقع هما مصدر ترسيخ مثل هذا الإيمان وليس الكلام وبعض السطور والرأي الشخصي، وأنا شبه متأكد بأن معظم أبناء شعبنا الخيرين يؤمنون بهذا الطرح الوحدوي. لقد سبق وأن أكدنا مراراً وتكراراً مستندين على الحقائق التاريخية والواقعية بأنه لايمكن لأي قومية أن تسعى وتناضل لتحقيق حقوقها وضمانها إلا من خلال مؤسسات قومية وأحزاب سياسية فاعلة ومؤثرة. فالقومية التي لا توجد لها مثل هذه التنظيمات الفاعلة ستصبح إرادتها خاضعة لإرادة القوميات الأخرى. ونحن كقومية صغيرة وبإمكانيات قليلة، لا يتطلبها إلا عدد قليل من هذه التنظيمات الفاعلة يتناسب عددها مع هذه الإمكانيات الشحيحة وليس عدد كبير منها تملئ الساحة السياسية وتزدحم بمطاليبها الحزبية وتتلاطم مع المصلحة القومية العامة لشعبنا، وبالتالي تخرج من المولد بدون حمص، كما يقول المثل العراقي، ثم تبدأ المشاحنات والمناكفات بينهم وإلقاء لوم بعضهم على البعض في فشلهم للوصول إلى مبتغاهم في الحصول على كرسي برلماني مهلهل أو منصب حكومي كارتوني أو بإلقاء اللوم، وكل اللوم على خدعة "كوتا المسيحيين" المسروقة سلفا من قبل الذئاب المفترسة.
من هذا المنطلق المنطقي والواقعي، فنحن لا نحتاج إلا لعدد قليل من التنظيمات القومية، أحزاب أو تكتلات أو قوائم إنتخابية ... إلخ،  لتشكل مصدر قوي ومهم لفاعليتها على الساحة القومية، لا بل لتكتسب المصداقية لدى أبناء شعبنا ولدى الآخرين، خاصة لدى السلطات الحكومية والقوى الحزبية العراقية. ولما كان إيماننا مطلقاً في كون جميعنا، الكلدان والسريان والآشوريين، قومية واحدة، فمن المؤكد سيكون إيماننا مطلقاً أيضا في أن أي أنجاز يحققه حزب سياسي كلداني فاعل ومؤثر ستترتب نتائجه الإيجابية أو السلبية على السريان والآشوريين. وهكذا أيضا بالنسبة لحزب سياسي آشوري أو سرياني فاعل ومؤثر ستصب فائدة إنجازاته وخسائر اخفاقاته على الكلدان. ففي مناسبة سابقة بسطنا هذه الجدلية الثلاثية على شكل أواني مستطرقة ذات ثلاثية الأقنية، ومن المؤكد أن قرائنا الأعزاء مدركين لعمل هذا النظام الفيزيائي منذ أيام الدراسة.
البنية التحتية والبنية الفوقية للكلدان:
---------------------
هناك حقيقة واقعية أخرى لا تقبل التأويل والتجاهل بخصوص القسم الكلداني من شعبنا، وهي أن الكلدان في العراق يملكون بنية تحتية قوية في مقارنتها مع الأقسام الأخرى لشعبنا ترتكز على عاملين موضوعيين، الأول: ديموغرافي والذي يتمثل في العدد الكبير لسكان الكلدان في مقارنة مع بقية أقسام شعبنا. والثاني: جغرافي، أي تجمعهم و بكثافة في منطقة جغرافية معينة ومترابطة وأقصد بها سهل نينوى والتي كانت المنطقة الجغرافية الوحيدة لشعبنا في العراق متجانسة ومتواصلة ديموغرافياً تقابلها منطقة خابور في سوريا، وطبعاً هذا قبل جرائم داعش وتفتيت هذا التجانس للمنطقتين.
لقد درس علماء السياسة حالات نشؤء الحركات القومية وأستنتجوا بأن توفر مثل هذه البنية التحتية القائمة على ديموغرافيا وجغرافياً يكون نشؤ حركة قومية وارد جداً والتي تنعكس في بنية فكرية فوقية متمثلة في مؤسسات كأحزاب ومنظمات قومية والتي تعرف في علم السياسة بـ "أجهزة المجتمع المدني". هذه العلاقة الجدلية بين البنية التحتية والبنية الفوقية كان من المفترض أن تنتج أحزاب ومنظمات كلدانية قومية واعية لطبيعة وحدة التسميات القومية تقود نضال شعبنا من أجل حقوقه القومية بإعتبارها أكبر مجموعة من مجموعات أمتنا ولها مقومات موضوعية قوية مضافاً إليها العاملين الإقتصادي والثقافي. غير أن عامل خارجي مؤثر دخل في هذه العلاقة الجدلية وأخل بموازينها بحيث لم تنعكس البنية التحتية في البنية الفوقية لتظهر أجهزة المجتمع المدني كأحزاب ومنظمات كلدانية سياسية، بل أنعكس ذلك في  بنية فوقية أخرى تمثلت في الكنيسة الكلدانية فتطبع مؤمنيها بالطابع الديني والكنسي أكثر من طابع قومي سياسي، خاصة بعد إستمرار تدخل الكنيسة وبطريركها في المسائل السياسية سواء بشكل مباشر، كتأسيس الرابطة الكلدانية وشفيعها مار توما الرسول، أو بمطالبة غبطته مطالب سياسية قومية من الجهات الرسمية، أوغير مباشر وعن طريق دعم وإسناد منظمات وأحزاب كلدانية أثناء فترة الإنتخابات حتى وأن كانت تتكون من بضعة أفراد ولا تستيقظ من سباتها إلا في فترة إقتراب موعد الإنتخابات. هذه الحالة يمكن مقارنتها مع العرب الذين يملكون بنية تحتية قوية جداً متمثلة في العاملين الديموغرافي والجغرافي، أي كثافة سكانية عالية وسعة جغرافية مترابطة، غير أن تدخل العامل الديني القوي المتمثل في الإسلام حال دون ظهور بنية فوقية فاعلة من أحزاب وتنظيمات قادرة على لم شمل العرب في دولة عربية واحدة، فأصبحت تقريباً معظم الأحزاب العربية ودولها متطبعة بالطابع الديني. ويكفي أن نشير إلى "الإسلام دين الدولة" المثبت في دساتيرها كمبدأ أساسي لهذه الدول مثال على ذلك. وعلى العكس من هذا تماماً فمعظم البلدان الآوروبية تملك بنية تحتية قوية أنعكست بشكل واضح وفاعل في بنية فوقية فكرية وسياسية تمثلت في أحزاب سياسية ونظم سياسية ديموقراطية متحضرة.... لماذا؟... لأنها فصلت الدين عن السياسة والكنيسة عن الدولة، بعد أن كانت  الكنيسة تتدخل في كل الشؤون السياسية وفي الدولة والذي أدى إلى ظهور فترة العصور المظلمة. فبسبب هذه المعادلة أصبحت الدول العربية "الإسلامية" من بين أكثر الدول تأخراً في العالم في حين أصبحت الدول الأوروبية من بين أكثر الدول تقدما في العالم. علماً بأن للدول العربية مقومات قومية مشتركة في حين ليس كذلك بالنسبة للدول الأوروبية. هكذا الأمر بالنسبة للكنيسة الكلدانية التي تدخلت بشكل مباشر أو غير مباشر في السياسة وأفسدت العلاقة الجدلية بين البنية التحتية والبنية الفوقية، وهو الأمر الذي يجعل الأحزاب السياسية للكلدان وتنظيماتهم أما غائبة عن الساحة السياسية القومية أو هي عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من الطموحات، لذلك ظهرت الكنيسة الكلدانية وبرزت كفاعل قوي ومؤثر في الكلدان أكثر بكثير من أي حزب أو تجمع كلداني وظهور غبطته كقائد منقذ لكل الكلدان... حقاً صدق القول بأن تدخل الدين في السياسة يفسد كل الأمور.
الكنيسة الكلدانية مؤسسة رئيسية للكلدان:
-----------------------
هذا الإخلال في توازن العلاقة الجدلية بين البنية التحتية الموضوعية والبنية الفوقية الفكرية وتفكك العلاقة بينهما أفقر الكلدان إلى فكر قومي واضح ومنطقي ينعكس في أحزاب سياسية ومنظمات قومية فاعلة، من جانب، وإنعكاس البنية التحتية في البنية الفوقية التي تمثلت وبقوة في الكنيسة، جعل من الكنيسة الكلدانية أن تكون المؤسسة الرئيسية الفاعلة للكلدان وعلى رأسها بطريركها كزعيم وقائد لها من جانب آخر. هنا يجب أن نؤكد بأنه ليس من المنطق أن تكون أو أن تصبح الكنيسة الكلدانية مصدرا للإنتماء القومي، بل من الواضح هي مصدر إنتماء كمؤسسة رئيسية دينية فاعلة يتسمى مؤمنيها بالتسمية الكلدانية لأنهم ينتمون إليها في تحديد هويتهم. وهذا لا يهم فيما إذا كان هذا المصدر للإنتماء قومياً أو دينياً، فالمهم هو وجود هذا المصدر لمجموعة تعرف بـ "الكلدان" وقد تشكل ضمن حدود مصدر إنتمائها إختلافاً عن بقية التسميات الأخرى، وعلى الأغلب سيكون كنسياً أو بالأحرى طائفياً، ولكن في الحقيقة والجوهر لا توجد إختلافات في المقومات القومية لكل التسميات. ومما تجدر الإشارة إليه هو أن هناك عدد كبير من الآشوريين غير منتمين إلى كنيسة المشرق الآشورية ويفضلون أعلان إنتمائهم الكنسي إلى الكنيسة الكاثوليكية ويتجنبون الكلدانية كمصدر إنتماء كنسي أو قومي لهم.
 هذا الأمر هو الذي يجعل بعض المنظمات الكلدانية وفي مقدمتها المؤسسة الرئيسية "الكنيسة" أن ترفض التسمية الموحدة لشعبنا وتطالب بإدراج الكلدانية في الدستور والقوانين العراقية بشكل مستقل عن بقية التسميات الآشورية والسريانية لأنها تمثل الأكثرية الغالبة مدعومة بإدعاءات تاريخية قد لا تمت بصلة بكلدان اليوم كما يؤكد ذلك الكثير من الباحثين ومنهم بعض المفكرين الكلدان. وهذا ليس بمهم أكثر من وجود مصدر للإنتماء الكلداني مهما كانت طبيعته. وهنا من الضروري ألإشارة بأنه ليس دائماً الغلبة للكثرة خاصة عندما لا تكون الكثرة ممثلة بأحزاب ومؤسسات فاعلة، فهذا الأمر هو الذي جعل أحزاب الكلدان ومنظماتهم الهشة وحتى المدعومة من قبل الكنيسة أن لا تحصد غالبية كراسي الكوتا خاصة بعد أن أبتعدت عن الحقيقة الواقعية والتاريخية في كون التسميات الثلاث قومية واحدة مهما كانت التسمية وتلجأ إلى التسمية المفردة التي تفرق ولا تجمع.
التسمية القومية بين المفردة والجامعة:
---------------------
ليس الفقر السياسي القومي للكلدان وحده العامل الوحيد للتمسك بالتسمية المفردة "الكلدانية" والمطالبة بإدراجها بشكل مستقل في الدستور العراقي والإقليمي وغير مرتبطة بأي شكل من الأشكال ببقية التسميات السريانية والآشورية، بل هناك العامل القوي والفاعل لهذا التمسك والمطالبة هو الكنيسة. فمن الملاحظ بأنه منذ ظهور تباشير التسمية المركبة في عام 2003 عقب سقوط نظام البعث في العراق سواء أكانت التسمية  بشكلها الثنائي ثم الثلاثي فيما بعد، نرى في البداية تأييد الكنائس الكلدانية والآشورية والسريانية تأييداً خجولا للتسمية المركبة. غير انه بمجرد مرور فترة زمنية قصيرة أنقلبوا جميعهم على هذه التسمية ورفضوها وتمسك كل واحد منهم بتسميته الكنسية المعروفة الكلدانية والسريانية والآشورية لأنهم وجدوا في هذه التسمية المركبة نوع من التناقض مع مصالحهم الكنسية وأنها ليست إلا وسيلة لسحب البساط من تحت أقدام رجالاتها في قيادة مؤمنيها وإضعافاً لدورها في المجتمع كمؤسسة رئيسية فاعلة لصالح الأحزاب والمنظمات التي تبنت التسمية المركبة. من هنا يمكن الجزم والقول بأن إلتصاق التسميات الثلاث أو مصادر الإنتماء الثلاثة بالكنائس جعل عندهم أمر قبولهم بالتسمية المركبة الثلاثية مستحيلاً حيث وجدوا فيها تشويه للحقائق التاريخية كما يدعون. غير أنه كما لاحظنا في أعلاه، بأن الكنيسة الكلدانية أكثر إصراراً في رفض هذه التسمية المركبة والتمسك بالتسمية المفردة وتدخلها في المسائل السياسية أكثر بكثير من الكنيستين السريانية والآشورية، وهذا نابع، كما بينًا في أعلاه، من ضعف وهشاشة وغياب الأحزاب الكلدانية من جهة وأعتمادها على كون مؤمنيها كثر من جهة أخرى، وبالتالي لا ترغب أن يشاركها غيرها في هذه الميزة لتصبح هي بمثابة القائد وحريصة على دورها كمؤسسة رئيسية ليس للكلدان فحسب بل محاولتها لتكون ممثلة لكل المسيحيين في العراق.
الفهم الخاطئ للتسمية المركبة:
------------------
من المؤسف أن نقول بأن هذا التمسك بالتسمية المفردة والمطالبة بدرجها في الدستور بشكل منفصل ومستقل عن بقية التسميات قائم على أسس خاطئة في فهم المسائل السياسية، خاصة المصيرية منها، وعلى فقر الوعي القومي الصحيح والشامل الذي أحوج ما يحتاجه شعبنا إليه بكل تسمياته في هذه الظروف المميتة. فلا يزال يعتقد البعض ويصرح بأنه لا توجد قومية بهذه التسمية المركبة وأنها مشوهة للحقيقة التاريخية لشعبنا ولا تمت بصلة به. وهذا صحيح، لا أحد يقول بأن التسمية المركبة هي تسمية قومية جديدة، بل هي كما سبق وذكرنا في مناسبات سابقة أنها وسيلة لتعامل شعبنا وأحزابه مع الأمور السياسية وفي المطالبة بالحقوق القانونية والدستورية، لا بل يمكن أن تكون جبهة سياسية ضامنة بشكل أفضل لمواجهة التحديات المميتة وتحقيق، ولو بالحد الأدنى، الحقوق القومية للجميع مع إحتفاظ وإعتزاز الكل بكلدانيته أو بآشوريتة أو بسريانيته ولا أحد يطلب تغيير أسمه القومي من هذه التسمية إلى تلك. لقد بين التاريخ بأن ظهور وتبني التسمية المركبة أثناء وبعد الحرب الكونية الأولى لم يكن إلا لغرض حشد جماهيري أكبر ومن جميع مؤمني الكنائس لمواجهة التحديات المميتة في تلك الفترة. وما أحوجنا إلى هذا الحشد في هذه الأيام لمواجهة التحديات التي تهدد وجود أبناء التسميات الثلاثة في الوطن وبدون أي تفريق. يقول الكاردينال غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكلي الإحترام في رفضه للتسمية المركبة الجامعة بأنه "لايمكن أن أقول أنا كلداني – سرياني آشوري"، نعم هذا صحيح 100% فمن حق غبطته، أو أي كلداني آخر، أن يقول ويصرخ عالياً بأنه كلداني وهذا من حقه الطبيعي، كما هو من حقي الطبيعي أن أعلن وبصوت عالي بأنني آشوري وهكذا أيضا بالنسبة للسرياني، فهذا شأن شخصي مرتبط بشعور الإنتماء لمصدر تسميته الكلدانية أو الآشورية أو السريانية، ولكن على الجانب الآخر يجب وبكل قوة أن لا نخلط هذا الشعور الشخصي بالمسائل السياسية وبالطرح السياسي القائم على التسمية المركبة للكدان والسريان والآشوريين في مطاليبنا القومية. حتماً سنكون مضحكة وقلة الإحترام عند الآخرين لا بل سنكون لقمة سانحة للغير خاصة لرجال السلطة والحكومة، فيما إذا تقدم الكلداني بمطاليبه القومية للسلطات المعنية ونفس الشيء يفعله الآشوري والسرياني لأن في الجوهر ستكون نفس المطاليب وفي الظاهر مقدمة من ثلاث جهات وبتسميات مختلفة سوف تربك رجال السلطة والحكومة وبالتالي يخرج الجميع وفي جعبتهم خيبة أمل وإحباط، لا بل ستكون حجة لدى السلطات المعنية لهضم حقوقنا القومية. هناك شواهد في هذه المسألة منذ عام 1920 عندما قال رئيس مؤتمر فرساي لوفود شعبنا "روحوا وحدوا مطالبكم ثم تعالوا" ونفس الحالة تكررت بعد ما يقارب القرن من الزمن حين أجتمع السيد مسعود البرازاني بأحزاب وتنظيمات شعبنا قبل بضعة سنوات وقال نفس الكلام بما معناه "روحوا وحدوا مطالبكم ثم تعالوا". كتبنا عن هذا الموضوع بشكل مفصل في مناسبة سابقة ولا نريد الإطناب فيه.
مطلب إدراج أسم الكلدان بشكل مستقل في الدستور:
------------------------------
الفهم الخاطئ للتسمية المركبة لشعبنا قاد بعض التنظيمات المدنية والكنسية إلى التخبط والإرتباك في مطلبهم بخصوص إدارج أسم الكلدان بشكل مستقل في الدستور العراقي والإقليمي. فالتنظيمات الكلدانية الثلاث (حزب المجلس القومي الكلداني وحزب الإتحاد الديموقراطي الكلداني والرابطة الكلدانية) التي أجتمعت بتاريخ 18/06/2021 في عنكاوة، كمثال "طازج وفريش"، حيث جاء في إعلانهم "أكد المجتمعون على التمسك بالتسمية (الكلدانية) كتسمية قومية وهوية تاريخية لشعبنا بصورة مستقلة دون أي رتوش وإضافات أو تجميع ضمن مسميات مركبة مشوهة لا تمت للتاريخ بأي صلة، فالكلدان اليوم يمثلون الغالبية العظمى من الشعب المسيحي في العراق وكوردستان بنسبة تزيد عن 75% ويحق لهم أن يثبتوا تسميتهم وهويتهم القومية بصورة مستقلة على غرار شركائهم في الوطن وإقليم كوردستان وأن تتم إعادة صياغة المادة الخامسة من دستور إقليم كوردستان وكما يلي: يتكون شعب إقليم كوردستان من الكورد والتركمان والكلدان والآشوريين والسريان والعرب والأرمن وغيرهم ممن هم مواطني إقليم كوردستان" أنتهى الإقتباس. أما الكاردينال غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو، ففي رسالته الموجه إلى رئيسة برلمان إقليم كوردستان المؤرخة في 21 حزيران 2021 يشير إلى المادة 125 من  دستور العراق الإتحادي والتي تنص على "يضمن هذا الدستور الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية للقوميات المختلفة مثل التركمان والكلدان والآشوريين وجميع المكونات الأخرى وسيتم تنظيم ذلك بقانون". فغبطته يشيد بهذه المادة ويواصل بقوله "عليه نطالب برلمان إقليم كردستان بإدراج تسمية الكلدان والآشوريين والسريان كما جاء في الدستور (القصد هو الدستور الإتحادي الذي لم يذكر أسم السريان فيه) تطبيقا لمبدأ المساواة الدستورية، وليس التسمية المركبة الحديثة (كلدان سريان آشوريون ولا وضع قوس بين التسمية مثلا (الكلدان والسريان والآشوريون) الأفضل أن تكون كما يلي: الكورد والتركمان والكلدان والسريان والآشوريون والأرمن. أن القومية الكلدانية لها الحق في أن تتمتع بنفس حقوق بقية العراقيين، خاصة وأنهم من السكان الأصليين لوادي الرافدين والعراق موطنهم التاريخي، ويشكلون اليوم 70% من المسيحيين العراقيين، فلا نقبل أن يغير نواب الكوتا تسميتها".... ثم يتابع غبطته بالقول "نحن ككنيسة وبصفتي رئيس الطائفة المسيحية، لن ألو جهداً في تحقيق هذا المطلب وإذا أقتضى الأمر ففي المحافل الدولية"
بغنى عن الأسلوب الركيك والإرتباك لكلا الخطابين، نود أن نعلق عليهما بما يلي:
•   لا يوجد دستور لإقليم كردستان كما يشير إليه إجتماع التنظيمات الثلاث، بل هو مشروع أو مسودة دستور ولم يقر أو يشرع نهائياً من قبل البرلمان أو الإستفتاء العام.
•   في كل شاردة وواردة يذكر الكلدان كأكثرية أو الغالبية العظمى من الشعب المسيحي، ولا ندري فيما إذا يمثلون الكلدان في مطلبهم أم يمثلون المسيحيين جميعاً. فكان يجب أن يكون المطلب بعيدا عن الصفة المسيحية لكي لا يبدو كمطلب خاص بالمسيحيين وبالحقوق الدينية. والأنكى من هذا هو قول غبطته "نحن ككنيسة وبصفتي رئيس الطائفة المسيحية لن ألو جهداً في تحقيق هذا المطلب - أي إدراج أسم القومية الكلدانية في الدستور بشكل مستقل. فهذا ليس إلا تدخل صريح ومباشر من رجل ديني ورئيس طائفة في مسألة سياسية مهمة.
•   ومما يؤسف له بأن هناك نوع من إيحاء بالتهديد في رسالة غبطته إلى رئيسة برلمان الإقليم، عندما يفهم منها بأنه عندما لا يدرج أسم الكلدان بشكل مستقل في الدستور فأنه سيلجأ إلى المحافل الدولية إذا أقتضى الأمر. هذا نوع من الخروج عن المجاملة  والدبلوماسية المطلوبة من شخصية مرموقة ومعروفة كغبطة البطريرك وبعيد عن اللباقة السياسية  في مخاطبة الجهات الرسمية، خاصة عندما تكون مثل هذه المخاطبة مقرونة بمطلب مهم لتحقيق هدف معين.
•    والأن لنرى ماذ تقول المادة الخامسة من مسودة دستور إقليم كردستان. تذكر هذه المادة مايلي "يتكون شعب إقليم كردستان من الكرد، التركمان، العرب، الكلدان والسريان والآشوريين، الأرمن وغيرهم ممن هم من مواطني إقليم كردستان". وعندما نقارن هذه الصياغة مع مطلب الكلدان المذكور أعلاه نرى بأن مطلبهم الذي يتقاتلون عليه لكي يتمتع أسم الكلدان بالإستقلالية وبعيد عن أخوته السريان والآشوريين هو إلغاء الفارزتين فقط بين التسميات الثلاث. أمر مؤلم جداً أن نرى مثل هذا التفكير الإنفاصلي والضيق وغير المنطقي عند الأخوة وعدم رغبتهم في أن يكونوا جنباً إلى جنب ولو على الورق ليكون حالهم كحال بقية القوميات. ألف شكر على مشرع هذه المادة الذي فهم وحدة شعبنا ووضع التسميات الثلاث معاً بين فارزتين لكي يميزه عن غيرهم من القوميات المذكورة في هذه المادة في حين بعض أبناء جلدتنا ينكرون هذه الوحدة.
•   الأمر المحير والعجيب هو في تساؤلي التالي: لماذا يخشى الكلدان بمؤسساتهم المدنية والكنسية فكرة التسمية المركبة؟؟؟ ففي هذه التسمية الثلاثية يُدرج أسم الكلدان دائماً في المقدمة، ربما إحتراماً وتقديرا لعددهم الكبيرة. كما وأن الكلدان يملكون بنية تحتية قوية مضافاً إليها الثقل الإقتصادي والمالي الذي يملكونها وسعة مجالهم الثقافي والتعليمي، لا بل وشخصياً لمست لمسة اليد بأن الكثير، إن لم يكن أغلب مثقفي الكلدان يؤمنون بضرورة وحدة أمتنا مهما كانت التكلفة. كل هذه العوامل القوية والمؤثرة لا يحتاجها إلا أن تضع المؤسسات الكلدانية وأحزابها، تضع نفسها على طريق الوحدة القومية لتصل في نهاية المطاف إلى محطة المصلحة القومية الشامل للجميع دون أستثناء. 
ألا حان الوقت لتتعظ المنظمات الكلدانية بدروس الماضي؟
---------------------------------
نعود هنا إلى موضوعنا ونقول بأن للكلدان دروس من الماضي... نعم من الماضي القريب وغير البعيد في  محاولات لم شمل منظماتهم وأحزابهم لتشكيل هيكلية قوية وفاعلة في المجتمع الكلداني خاصة وفي المجتمع العراقي عامة مدركين بأن مثل هذه الهيكلية هي السبيل الوحيد للوصول إلى منصة تحقيق الكلدان لحقوقهم القومية والسياسية في العراق ولكن في معظمهم فشلوا الوصول إلى مبتغاهم. ولا نريد أن نشير إلى جميع هذه المحاولات في التجمعات والمؤتمرات التي عقدت هنا وهناك وبين فترة وأخرى، خاصة عند إقتراب موعد الإنتخابات، ولكن أود أن أشير إلى أكبر تجمع كلداني بهذا الشأن والذي أحدث ضجة وبلبلة وخلق أمال فارغة وهو مؤتمرات النهضة الكلدانية والذي كان نيافة المطران سرهد جمو عرابها. فالمؤتمر الأول أنعقد في ساندياكو للفترة من 31/آذار إلى 1نيسان 2011 والثاني في السويد في 15/10/2011 وهي الفترة الغريبة والعجيبة لإنعقاد مؤتمرين خلال سبعة أشهر، وليس لي علما بالمؤتمر الثالث الذي كان مزمعاً أن ينعقد في مشيكان برعاية نيافة المطران إبراهيم إبراهيم في عام 2013. ولكن من المؤكد، كما يقال بأن الخواتم تعرف بنتائجها، حيث تبين بعد فترة من إنقضاء هذه المؤتمرات بأن المؤتمرون خرجوا منها من دون نتيجة تذكر وأنها كانت مجرد مضيعة للوقت من جهة وتفاقم الخلافات بين التنظيمات المشاركة وأكثر تشتتاً من قبل من جهة أخرى.  صحيح هو بأن أسباب فشل هذه المؤتمرات في الظاهر هو تأثير القريوية على المؤتمرين وتفضيل المصلحة الحزبية والفردية على المصلحة الكلدانية العامة وقد يكون أيضاً سبب عدم مشاركة بعض التنظيمات الكلدانية المعروفة سواء بسبب إختلافهم عن فكرة النهضة الكلدانية  أو عن راعيها المطران أو لأسباب مادية وعدم إمكانية توفير مصاريف السفر إلى أماكن إنعاقد المؤتمرات في أميركا وأوروبا. وربما لا أكون مخطأً في القول بأن تبني نيافة المطران سرهد جمو فكرة النهضة الكلدانية جاءت كرد فعل لعلاقته المتوترة مع غبطة البطريرك في تلك الفترة والتي قابلتها بعد سنتين أو أكثر رد فعل آخر مقابل من قبل غبطته والتي تمثلت في تأسيس الرابطة الكلدانية عام 2015، بعد أن خف التوتر في العلاقة بين البطريرك والمطران، ربما بسبب تدخل الفاتيكان وتهيئة الأجواء لإستقالة المطران، وبالتالي أصبحت فكرة النهضة الكلدانية في خبر كان وعادت معظم التنظيمات الكلدانية المتحمسة لهذه النهضة إلى الإنزواء وبالمقابل بروز الكنيسة الكلدانية وعلى رأسها غبطته أكثر على الساحة السياسية الكلدانية. وهنا لا نريد الإطالة بالإشارة إلى الرابطة الكلدانية التي منذ تأسيسها لم تحقق حتى النزر اليسير من طموحات الكلدان.
فإذا لم يكن هذا الدرس التاريخي للتنظيمات الكلدانية في عجزهم عن التوحد والنزول إلى الساحة السياسية ككتلة سياسية كلدانية فاعلة ومؤثرة وذات شعبية مقبولة لدى معظم الكلدان، فإن درس الإنتخابات أقوى بكثير من ذلك حيث ثبت من هذه الإنتخابات البرلمانية في العراق فوز، تقريبا، الأحزاب والمنظمات والتكتلات التي تبنت التسمية المركبة بأغلبية الكراسي. في حين فشلت، تقريباً، الأحزاب والتنظيمات التي تبنت التسمية المفردة. هناك ملاحظة جديرة بالإشارة وهي أن الأحزاب والتنظيمات التي تبنت التسمية الآشورية وفشلت في الإنتخابات تعلمت من هذا الدرس فأخذت، إما عدم المشاركة في الإنتخابات القادمة، أو التحالف مع غيرها من الأحزاب والتنظيمات. والأهم من كل هذا وذاك هو الفكر الوحدوي القومي. فالأحزاب والتنظيمات التي تبنت أو أدعت بالفكر القومي الوحدوي الجامع لكل التسميات فازوا بأغلبية كراسي البرلمان منذ أول أنتخابات، ليس هذا فحسب بل أن لهذه الأحزاب والتنظيمات شعبية أكثر وتتلقى أحترام وتقدير شعبنا أكثر بكثير من غيرهم.
الحركة الديموقراطية الآشورية VS الحركة الديموقراطية الكلدانية:
-------------------------------------
VS مختصر للكلمة الإنكليزية (Versus) والتي تعني مقابل أو أزاء، وتستخدم عندما يتنافس طرفين تنافساً مشروعاً حول مسألة معينة. قبل عدة سنوات كان في ضيافتي في منزلي مطرانان أحدهما من الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والثاني من كنيسة المشرق الآشورية. فعلى الرغم من إختلافي معهم فكرياً في بعض المسائل التي تخص أمتنا لكن أكن لهم إحتراماً شديدا ومودة عالية عندما نناقش مثل هذه المسائل. ومن بين المسائل المهمة التي دارت بيننا كانت مسألة التسمية المركبة التي كانت على صفيح ساخن في تلك الوقت. طبعاً كانت التسمية المركبة  مرفوضة من قبلهم، وليس غريباً هذا وكل واحد منهم متمسك بتسميته كنيسته، كما سبق وبينا في أعلاه. ولما كانت الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) من رواد التمسك بالتسمية المركبة فأنصب إنتقادهم عليها مؤكدين بأنه لا يمكن للكلدان أن ينتموا إلى زوعا طالما تتصف بالتسمية الآشورية، فالكلدان حالهم كحال الآشوريين والسريان يعتزون بتسميتهم ولا يردون الإنتماء إلى حركة لا تعتمد على تسميتهم. فكان جوابي لنيافتهما بأن أي حزب سياسي هو وسيلة لتحقيق أهداف معينة وليس هدف بحد ذاتية، فهناك المئات من الأحزاب في العالم أهدافهم تفوق كثيرا تسميتهم، فحزب العمال البريطاني على سبيل المثال، رغم صفته العمالية إلا أنه يسعى لتحقيق أهداف تخص كل الشعب البريطاني وليس العمال وحدهم. فطالما زوعا كأداة ووسيلة تهدف إلى تحقيق أهداف وحدوية تخص الجميع من الكلدان والسريان والآشوريين فلا ضير في تسميتها الآشورية.
ليس زوعا فحسب بل هناك العديد من الأحزاب الآشورية، إن لم نقل كلها تحمل فكر قومي، أو كما تدعي، وتؤكد بأن جميع التسميات الكلدانية والسريانية والآشورية تعود لأمة واحدة، سواء أكانت أحزاب آشورية ذات الفكر الكلاسيكي الذي تعتبر الكلدان والسريان طوائف آشورية، او أحزاب معاصرة أكثر إنفتاحاً تؤمن بوحدة التسميات أو الأصح تعدد مصادر الإنتماءلأمة واحدة. من هنا نقول، إذا كان إنتماء الكلدان إلى حركة آشورية تؤمن بوحدة الأمة صعب أو محال، إذن عليهم، أي الكلدان، السعي إلى تأسيس حركة ديموقراطية كلدانية تؤمن بفكر وحدة الأمة رغم تسمياتها المختلفة وتسعى للعمل نحو تحقيق أهدافها لتدخل في منافسة مشروعة مع زوعا أو غيرها من التنظيمات والأحزاب لتحقيق الأهداف المشتركة وتحاول الإبتعاد بقدر ما عن تأثير الكنيسة لتكتسب بعض الفاعلية والتأثير، فأنه من المؤكد سيعود حالة التوازن الفعال بين البنية التحتية وجدليتها الصحيحة مع البنية الفوقية وسيكون ذلك عامل فعال قوي مساعد لنجاح الحركة الديموقراطية الكلدانية.
وأخيراً إذا كان هناك من يعتقد بأن مثل هذا الطرح هو إلغاء للإخر وتشويه للأسم التاريخي لقوميته، نقول له بأنك تسبح عكس التيار وبالتالي ستتعب وتزول. أما من يعتقد بأن هذا الطرح الوحدوي لأمتنا ويعمل من أجله هو السبيل الوحيد للولوج على طريق الخلاص وتخفيف الإنهيار الرهيب لوجودنا التاريخي في الوطن نقول له بأن التاريخ سيكتب أسمه في سجله الذهبي حتى وأن اخفق...
=========================
رابط إجتماع التنظيمات الكلدانية الثلاث:
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=1019478.0 
رابط رسالة الكاردينال غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو:
https://saint-adday.com/?p=44102

   


41
الدكتورة مريم شبيرا وكتابها الأول  - قصة للأطفال
================================
أبرم شبيرا
يتصور البعض بأن كتابة قصص الأطفال أسهل بكثير من كتابة قصص للبالغين، لا بل على العكس من ذلك فكتابة قصص الأطفال يتطلب من المؤلف أن يتقمص شخصية الطفل ويغور في كوامن أفكاره وأحلامه وطموحاته ليستنبط منها مشاعره وتطلعاته لتكون مصدراً لإلهام الكاتب ومن ثم  بعثها وبشكل مبسط وفي نفس الوقت مؤثر في نفسية الطفل في كتاب صغير وبسيط مزخرفاً بصور ورسومات تسهل مهمة الطفل أكثر في فهم فحوى الكتاب وإستيعاب مغزاه. ومن الملاحظ بأن معظم كتاب قصص الأطفال هم من النساء أو الأمهات  وهو الأمر الذي يسهل مهمتهم في تأليف الكتاب. فكتابة قصص الأطفال يتطلب من الكاتب خيال خصب ومعرفة ما يمكن أن يدور في ذهن  الطفل. وأهم عنصر في كتابة قصة للإطفال هو بطلها الذي يستوجب أن يمتلك عناصر متمزة فيه ليكون له موقعاً مؤثراً في نفوس القراء. إضافة إلى ذلك يجب تحديد الفئة العمرية التي يُكتب الكتاب لها. حيث حدد المختصون في هذا الشأن ثلاث فئات عمرية: من 2-4 و 4-7 و 8-10 سنة. ويظهر بأن الدكتورة مريم قد أستوفت هذه الشروط  في كتابها عندما أستلهمت شخصية أبنها الثاني جوزيف الذي تجاوز الرابعة من عمره ليكون رمزا وبطلا وملهماً لقصتها. لذا جاء فحوى الكتاب بلغة سهلة وبسيطة وبجمل قصيرة معززة بصور مكللة بألوان زاهية لتكون سهلة الإستيعاب والإستمتاع للطفل، وهذا يظهر أيضا وبكل وضوح في غلاف الكتاب وفي عنوانه البسيط:
Up Up You Go Jo!
=================
ومن المؤمل أن يصدر الكتاب، وهو باللغة الإنكليزية، في شهر تموز القادم وينشر من قبل (Tellwell Publishing) الكندية ويمكن الحصول عليه من المكاتب والموزعين المعروفين عالمياً (BARNES NOBLE) و (AMAZON (KINDLE و (a) و (Indigo) و (Book Depository). لا أدري ربما أكون محقاً في القول بأن الدكتورة مريم هي الأولى من بين شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" تدخل هذه التجرية في كتابة قصص للأطفال.





وبالنسبة للسيرة الذاتية للدكتورة مريم، وهي بنت لوالدين معروفين في الكتابة والتأليف، جاء فيها بقولها:
 
أنا مريم شبيرا، خريجة الكلية الجامعية الطبية لجامعة لندن في إنكلترا وحالياً أعمل كطبيبة عائلة (Family Doctor) وأعيش في مدينة سان دياكو في كاليفورنيا مع زوجي الدكتور ربيع يوسب بولس وثلاثة أطفال (البنت مارلا وطفلين جوزيف وماثيو). كان لي دائماً شغف في كتابة كُتب وشعر للأطفال ولكن يبدو بأنه لم يكن هناك وقفت كافي لتحقيق هذا الطموح. ولكن أثناء فترة وباء كورونا شعرت بأنني أقرب بكثير لأطفالي من أي وقت مضى خاصة بعد إغلاق المدارس ودور حضانة الأطفال وقيامي بتعليمهم في البيت، فتوفرت الفرصة لي أكثر لتحقيق حلمي في كتابة قصة للأطفال.
وهنا نقول للدكتورة مريم ألف مبروك ومزيدا من الكتب للأطفال.
=================================================================

جوزيف يعزف على الأوركن مصدر إلهام مريم لهذا الكتاب، وهو مولع بالموسقي سواء العزف على الأوركن أو تعلم العزف على الكمان من والده الدكتور ربيع الذي يبدع في العزف على الأوركن والكمان رغم إنشغاله الدائم بعمله كطبيب أختصاص  في الأمراض الباطنية. حقاً صدق المثل القائل "فرخ البط عوام".


42
بمناسبة تسلمها رئاسة الهيئة  المستقلة لحقوق الإنسان في إقليم "كوردستان" - العراق
------------------------------------------------------------------------------------
 الدكتورة منى ياقو... نظرة مقارنة بين الجامعة والهيئة
===========================================


أبرم شبيرا
أستبشر الكثير من أبناء شعبنا بتسنم الأستاذة الدكتورة منى ياقو لمنصب رئيس الهيئة العامة المستقلة لحقوق الإنسان في إقليم "كردستان" (الهيئة) بعد أن صوت أكثرية أعضاء برلمان الإقليم لصالحها، فأنهالت على مواقع التواصل الإجتماعي العديد من هذه البشائر والتهاني بهذه المناسبة لما للدكتورة مكانة مرموقة على الساحة العلمية والثقافية خاصة في مجالي السياسة والقانون وتكريس الكثير من معارفها الأكاديمية ومواقفها الفكرية في البحث والتقصي في مسائل مهمة تخص شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري". كنت أتمنى أن أشارك المهنئين للدكتورة لتوليها هذا المنصب الجديد، ولكن وجدت في تسنمها لهذا المنصب الوظيفي أمراً آخر لا يصب في خانة التهاني والتبريكات، لأن، بأعتقادنا أن موقع الدكتور منى الجديد لا يتماشى مع موقعها الأكاديمي المتكلل ببحوث ودراسات قيمة، سواء أتفقنا معها أم لم نتفق، ولا يتناسب مع قدرتها الأكاديمية في البحث والدراسة التي تنطلق من كونها من الكوادر التعليمية المعروفة  في جامعة صلاح الدين في أربيل. أي بعبارة أخرى، أقول بأن رحابة الجامعة، كمنبر للبحث والدراسة والتعلم، كان يتيح لها أجواءاً مناسبة وزخماً قوياً للمزيد من العطاء في الفكر والبحث والكتابة، فكان من نتائجها العديد من البحوث والدراسات والكتب القيمة، ولعل كتابها الموسوعي المعنون "حقوق الأقليات القومية في القانون الدولي – دراسة سياسية قانونية" – 2009" - هو بالأصل رسالة دكتوراه -  من أهمها عمقاً وسعة وتفصيلا في هذه المسألة، وهنا أجد فرصة أخرى لأعيد شكري وتقديري لإهدائها لي نسخة من هذا الكتاب القيم في عام 2009.
بعد كل هذا  النشاط الأكاديمي المثمر الناجم من جراء كونها أستاذة جامعية نشطة ومكثرة في إنتاجها السياسي والقانوني، الآن أصبحت الدكتورة منى رئيساً للهيئة العامة المستقلة لحقوق الإنسان ومن المؤكد سيكون هذا التعيين مؤشراً يبعدها، قليلاً أو كثيراً، عن الجامعة وأجوائها العلمية والبحثية ولربما يؤثر على نشاطها العلمي، لا بل وقد يتقيد بالسياسات والأجراءات التي تتحكم في هذه الهيئة التي ترتبط بالبرلمان وبمنهجية النظام السياسي في الإقليم بشكل عام وبكل أحزابه السياسية، خاصة المهيمنة منها كالحزب الديموقراطي الكردستاني. هذا الأمر، أي علاقة الهيئة بالبرلمان وحكومة الإقليم يثير الكثير من الشكوك عن مصداقية أعمال الهيئة فيما يخص حقوق الإنسان. فالمادة (2) - أولاً، من قانون الهيئة العامة المستقلة لحقوق الإنسان في إقليم كوردستان - العراق رقم (4) لسنة 2010 تنص على "تؤسس  هيئة بأسم (الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في إقليم كوردستان -–العراق) بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي والإداري، وتكون لها ميزانية خاصة ضمن الميزانية العامة للإقليم، وترتبط بالبرلمان". أما المادة (4) - ثانيا، فتنص على "يعين رئيس الهيئة بدرجة خاصة بناءاً على ترشيح من رئاسة البرلمان ورئاسة مجلس الوزراء ويصدر مرسوم إقليمي بالتعيين بعد مصادقة البرلمان على المرشح بأغلبية عدد الحاضرين وتكون رئاسته لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة". والأكثر من هذا، للبرلمان حق مراقبة ومتابعة أعمال الهيئة وفقاً لأحكام القانون ونظامه الداخلي (المادة 8 - أولاً) من قانون الهيئة. أما بخصوص حسابات الهيئة فإنها تخضع للتدقيق والرقابة من قبل ديوان الرقابة المالية في الإقليم (المادة 10) من قانون الهيئة.
من كل ما تقدم يمكن التأكيد بأن الهيئة ليست مستقلة رغم تسميتها بـ "المستقلة"، بل هي تابعة ومن جميع النواحي سواء من حيث التعيين أو المراقبة  لبرلمان الإقليم والحكومة وتمويلها يأتي من الميزانية العامة للإقليم، كما يمكن القول بأن الدكتورة منى لم تحصل على منصبها من خلال الإنتخابات، بمفهومها الصحيح القائم على التنافس بين مرشحين أثنين أو أكثر، بل حصلت عليه من خلال ترشيحها وتعيينها حسب الإجراءات المذكورة في المادة الرابعة أعلاه. فكل هذا لا يعني إلا القول بأن الهيئة هي قسم من أقسام البرلمان أو الحكومة أو النظام السياسي في الإقليم وأن الدكتورة موظفة فيه. فمن المعروف عالمياً بأن معظم، لا بل، جميع المنظمات والمؤسسات والهيئات المعنية بحقوق الإنسان خاصة في الدول المتحضرة والديموقراطية، هي جزء مهم ومكون أساسي من منظمات المجتمع المدني فلا ترتبط بأي مفصل من مفاصل الحكومة أو البرلمان وأن معظم العاملين فيها هم من المتوطعين ويعملون بدون مقابل، إلا فيما ندر لبعض الوظائف الخدمية، وأهم صفة من صفاتها هي تمويلها ذاتي من خلال التبرعات غير الحكومية ومن نشاطات مختلفة مرتبطة بمسائل متعلقة بحقوق الإنسان ومن موارد بيع المطبوعات وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي. حقاً صدق لينين عندما قال قبل أكثر من قرن من الزمن "قل لي من يمولك سأقول من أنت". فمن هذا المنطلق يتأكد بأن الهيئة تابعة للبرلمان أو لحكومة الإقليم، ليس تمويلياً فحسب بل قانونياً وإدارياً حسب ماهو واضح في قانون تأسيس الهيئة وبالتالي فالهيئة ليست مستقلة إلا في إسمها.
قبل بضعة سنوات، عندما كان الأستاذ ضياء بطرس رئيسا للمجلس القومي الكلداني ثم أختياره رئيساً للهيئة، قمنًا أنا وبمعية البرفسورة الدكتورة كبريلا يونان (ألمانية الجنسية) الأستاذة في التاريخ الاشوري المعاصر بزيارة الأستاذ ضياء في مقر المجلس القومي الكلداني في عنكاوه (في تلك لم يكن مقر مخصص للهيئة). فأثناء اللقاء وفي أول أمره سألت البروفيسورة الأستاذ ضياء بطرس عن مصدر تمويل الهيئة لكي تعرف طبيعة الهيئة ومدى إستقلاليتها، فذكر الأستاذ ضياء بأن تمويل الهيئة مخصص من الميزانية العامة لحكومة الإقليم وأعتقد ذكر في حينه 6 ملايين دينار (عذرا لست متأكد من الرقم). فما كان من البرفسورة إلا أن تدير وجهها نحوي وعلى ملامحها بوادر من الاستغراب عن جواب الإستاذ ضياء، فقالت "نحن نعرف بأن جميع منظمات حقوق الإنسان ترفض إستلام أي مبلغ من الحكومات وذلك للحفاظ على إستقلاليتها". وبعد المغادرة قالت لي: هل يجوز هذا؟ فقلت نعم لأن الهيئة ليست مستقلة بل تابعة لحكومة الإقليم وبالتالي لا يمكن أعتبارها من منظمات المجتمع المدني. ومن المعروف عالمياً بأن إنتهاك حقوق الإنسان يكون في الغالب من قبل حكومات الدول وفي بعض الأحيان من قبل الاحزاب المسيطرة، فمثل هذا الإنتهاك هو الأمر الذي يعني منظمات حقوق الإنسان وتقوم بمهمة حماية هذه الحقوق والدفاع عنها. نعم هناك أيضا إنتهاك، ربما إنتهاك صارخ لحقوق الإنسان من قبل الجماعات الإرهابية وهنا تتدخل الحكومات لمحاربتها ليس لغرض الدفاع عن حقوق الإنسان بل حفاظا على أستقرارها وأمنها وديمومتها.
كان لحكومة إقليم "كردستان" وزارة بأسم وزارة حقوق الإنسان ويظهر بأن المعنيين بالأمر أدركوا بأنه أمر شاذ وجود وزارة حكومية لحقوق الإنسان تابع للحكومة وجزء منها، فأدركت هذا التناقض فقامت بتشريع قانون لتأسيس الهيئة ونعتها بالمستقلة كغطاء لتبعيتها لحكومة الإقليم. فمثل هذه الهيئة وبتبعيتها لا يمكن أن تقوم بواجبها بأكمل وجه في حماية حقوق الإنسان طالما تدور في فلك السياسات العامة للنظام السياسي ككل، السياسات التي تكون مصدراً لإنتهاك حقوق الإنسان، وما التجاوزات على أراضي شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" والإستلاء عليها وحرمانه من الشراكة الفعلية في العملية السياسية وسرقة "الكوتا" المخصصة له كلها نماذج صارخة في أنتهاك حقوق الإنسان، لا بل هي في تصاعد مستمر منذ تأسيس الهيئة ومن دون أن تتحرك الهيئة للتصدي لها أو محاولة مواجهتها للتخفيف منها أو معالجتها. وقد تكون الهيئة قد قامت في فترات معينة بطرح هذه الحالة على طاولة التساؤلات ولكن كما يقال الأعمال بنتائجها، فلم تستطيع الهيئة أن تحقق أي نتيجة في هذا السياق، بل على العكس فالطين زاد بلة والتجاوزات على الأراضي وحرمان شعبنا من المشاركة الفعلية في العملية السياسية كلها في تصاعد مستمر ومن دون أي حماية أو نتيجة تذكر. فالهيئة في سياق هذه التجاوزات ما هي إلا ضحك على الذقون وذًر الرماد في العيون لإكساء هذه التجاوزات والأنتهاكات لحقوق الإنسان. وحتى تعيين شخص من أبناء شعبنا في هذه الوزارة أو تلك المحافظة فهي تأتي أيضا في سياق إكساء إنتهاكات حقوق شبعبنا في أرض أبائه وأجداده، أو هي ليس أكثر من "شعرة من جلد الخنزير" كما يقول المثل.
على العموم، كل ما نرغب القول فيه هو التأكيد بأننا نكن للأستاذ الدكتورة منى ياقو إحتراماً كبيرا ليس لشخصيتها النبيلة والودودة فحسب، بل لنشاطها المثمر وبحوثها العلمية والأكاديمية التي أهلتها لأن تكون فعلاً من أكبر نشطاء الأكاديمين المكرسين معارفهم لخدمة هذه الأمة التي هي بأمس الحاجة لأمثالها لتنير بالعلم والمعرفة طريقنا ونبصر الصالح العام لشعبنا في الوطن. فخشيتي ليست إلا  إنتقال الدكتورة من هذه الأجواء العلمية والنشاطات المثمرة إلى أجواء تسودها اساليب بيروقراطية محكومة بالسياسات الخاصة للنظام السياسي في الإقليم، وهنا أرى بأن التوفيق بين تلك الأجواء العلمية والأساليب البيروقراطية أمر صعب جداً، لأن البحث العلمي الرصين يستوجبه مساحة معقولة من الحرية في الفكر،  ولا يسعنا هنا إلا القول بأن يكون الله في عون الدكتورة منى ياقو ونتمنى لها كل التوفيق.   


43

بمناسبة الذكرى 42 لتأسيس الحركة الديموقراطية الآشورية
----------------------------------

أين موقف حزب أبناء النهرين من هذه الذكرى؟؟؟
============================
بسبب جائحة كورنا أقتصر أحتفال الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) بمناسبة الذكرة 42 لتأسيسها على إصدار بيان بهذا الخصوص من دون إحتفالات حزبية وجماهيرية كما كان معهودا. ولكن تساؤلنا يبقى قائما عن موقف حزب أبناء النهرين (الحزب) من هذه الذكرى، ومن حقنا أن نتسائل مثل هذه الأسئلة وذلك بسبب طبيعة الخلفية الحزبية والتنظيمية مع زوعا، إن لم يكن مع الحزب كحزب قائم بذاته فحسب وإنما على الأقل بسبب الخلفية التاريخية والنضالية لقياديي الحزب مع زوعا من جهة، وطبيعة علاقاتنا الشخصية الطيبة مع معظم قياديي الحزب وطموحنا الكبير في أن نرى أحزاب سياسية لأمتنا  بفاعلية مثمرة على الطريق الصحيح لتحقيق مصالح الأمة. ليس هذا فحسب، فإن أساس تساؤلنا يستمد شرعيته من:
أولا: هناك تأكيد مستمر من قياديي الحزب بأن بعضهم كانوا من مؤسسي زوعا أو من أوائل رواد مسيرتها النضالية الصعبة، فلابد مثل هذه المناسبة كان يجب أن تعنيهم ولهم ذكريات فيها يستوجب ذكرها ولو ببيان قصير ليتأكد مصداقية كون هؤلاء القياديين في الحزب من مؤسسي زوعا أو من أوائل روادها، وهو التأكيد الذي يعزز التأكيد الثاني:
ثانيا: في معظم المناسبات واللقاءات يؤكد قياديي الحزب، رغم تأسيس كيان تنظيمي مستقل عن زوعا، بأنهم، أو حزبهم فكراً وروحاً ونهجاً وإيمانا هم بالأساس زوعا، ولا يختلفون عنها إلا بأسلوب العمل وسقف المطالب وأولوياتها وسلوكيات بعض قياديي زوعا وتحديدأ سكرتيرها العام. إذن من هذا المنطلق كان يجب على قياديي الحزب أن تكون هذه المناسبة ذات أهمية لهم لأن بعمرها المديد (42 سنة)، بحلوها ومرها بإنجازاتها العظيمة وإخفاقاتها المؤلمة كانوا جزء منها، لا بل تشكل خلفية نضالية لهم يستوجب أضافتها إلى نضالهم وإستمرارهم حتى بعد تأسيس الحزب لتشكل سلسلة نضالية متواصلة يستمد الحزب منها مقومات وجوده على الساحة القومية ويثبت مصداقيته منذ 42 وحتى اليوم. ففي ضوء هذا التساؤل والأسس القائمة عليها فإن أي تبرير، سواء أكان شخصي أو سياسي، يجب أن لا يمحى 42 سنة من نضال أمتنا، بل يجب أن تذكر ثم تذكر حتى تترسخ في عقول أبناء شعبنا خاصة الأجيال المعاصرة والقادمة.

على العموم، لا أريد الأطالة، كما هي عادتي السيئة، إلا أن ما دفعني إلى أن أكتب هذه السطور التي هي منذ زمن طويل من بواطن أفكاري، هي المقابلة الأخيرة التي أجرتها شبكة (ANB) مع الأستاذ توما خوشابا القيادي في حزب أبناء النهرين والتي حفزني لكي أكشف جزء من بواطن أفكاري وأسطرها في هذه السطور، ولكن الذي حيرني في هذه المقابلة هو تأكيد الأستاذ توما خوشابا بأنه كممثل لأبناء النهرين فأن هذا الكيان ليس حزباً سياسياً رسميا. وطبعاً مثل هذا التأكيد يتناقض شكلياً مع كل الصفحات الإعلامية للحزب وشعاراته كما مبين في أدناه، كما يتناقض فعليا مع تسجيله ودخوله معركة الإنتخابات وفوز ممثله بالكرسي في برلمان الإقليم السابق. فمثل هذه الممارسة، أي السعي للوصول إلى مكامن السطلة هو أساس مهم يتعرف به أي حزب ويشكل مقوم أساسي لوجوده كحزب. فمقومات أي حزب هي، الفكر، الأعضاء، التنظيم ثم الأهم هو السعي للوصول إلى السلطة. فبغياب المقوم الآخير يتحول الحزب إلى جماعة ضغط. 
 

44
ذكرياتي الجامعية مع رحلة الفقيه الدستوري الدكتور منذر الشاوي "رحمه الله"
يقودها الدكتور عبد الحسين شعبان

==============================================================
أبرم شبيرا
نشر إستاذنا الفاضل وعالم القانون والسياسة الدكتور عبد الحسين شعبان موضوعاً مؤثراً عن رحيل عمود من أعمد القانون الدستوري في العراق المرحوم الدكتور منذر الشاوي في بعض وسائل الأعلام والتواصل الإجتماعي وكذلك على موقع عنكاوه دوت كوم، الرابط:
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=1012102.0
فعلى الرغم من طول الرحلة التي قادها إستاذنا الفاضل الدكتور عبد الحسين شعبان عبر محطات تاريخية على مسيرة العلم والثقافة خاصة في حقلي القانون والسياسة التي إجتازها الدكتور منذر الشاوي "رحمه الله" مع  أقرانه وزملائه وطلابه من فرسان هذه المسيرة، فأن طول هذه المسيرة بدت لي بصفحاتها العديدة قصيرة جداً خاصة عندما جاء ذكر بعض الأساتذة الأفاضل الذين كان لهم فضلا كبيرا على تحصيلي العلمي للبكلوريوس بدرجة جيد جدا ثم لدرجة ماجستير وبتقدير إمتياز في العلوم السياسية من جامعة بغداد، فهو الأمر الذي دفعني لأن أقرأ الموضوع أكثر من مرة وأستمتع أيما إستمتاع خاصة عندما شعرت بأنه فعلاً يرجعنا إلى مرحلة الشباب والجامعة والنضال العلمي الفعلي في ظروف صعبة كان يسودها الإستبداد الفكري،  خاصة بعد إنهيار الجبهة المشؤومة وقيام حزب البعث العراقي قبيل نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي بقمع الأفكار التقدمية والشخصيات العلمية البارزة التي رفضت الدوران في فلكه الإستبدادي. ظروف إستبدادية وضعت الأساتذة وطلاب الجامعات خاصة في كلية القانون والسياسة في مواقف صعبة لم يكن أمر الإنفلات منها سهلاً دون مخاطر وخسائر، وقد يكون أستاذنا الفاضل الدكتور عبد الحسين جزء من هذه الحالة. ففي تلك الفترة  شرع أزلام البعث بوضع أسلوب لتقييم التوجهات الفكرية والإنتماء السياسي لبعض الأساتذة والطلاب التقدميين والمستقلين في الكلية والتي كانت تقوم على قاعدة، "إذا أنت غير منتمي إلى حزب البعث... فإذن أنت شيوعي"، وأنعكس جانب من هذه الظروف الإستبدادية الفكرية في مواضيع الأطروحات الجامعية التي قدمت لنيل شهادة الماجستير أو الدكتوراه.
لا أستطيع أن اضيف شيئاً إلى مسيرة المرحوم سواء على مستوى العلمي كأستاذ بارع في القانون الدستوري أو على المستوى المهني كوزير للعدل ثم التعليم العالي والبحث العلمي، لأن الدكتور عبد الحسين شعبان قام بالواجب المطلوب تجاه صديقه وزميله. صحيح كما يقول الدكتور عبد الحسين عن المرحوم "بغض النظر عن الإختلاف في التوجه والرؤية وزاوية النظر والخلفيات الفكرية أزاء تلك النصوص الدستورية والقانونية وفلسفتها ومقاصدها والأهداف التي تقف خلفها والجهات التي تخدمه، فقد كان الشاوي جزءاً من مرحلة شديدة الحساسية والتعقيد والوحدانية والإطلاقية وكان هامش حرية التعبير محدوداً إن لم – يكن - معدوماً، وعلينا أن لا ننسى ذلك عند التوقف عنده أو عندها، وحاول أن يفلسف رؤية السلطة القانونية ضمن سياقات السلطة النافذة وتوجهاتها المعلنة وأيديولوجيتها السائدة في مراحلها المختلفة...." وتجلى ذلك في عمله كوزير للعدل ثم وزير للتعليم العالي والبحث العلمي ومستشار لرئاسة الجمهورية ولمكتب صدام حسين...." ويضيف الدكتور عبد الحسين "في جميع المواقع التي شغلها المرحوم وعمل فيها كان يتمتع بصدقية وإستقامة وحرص ومسؤولية وحاول أن يحتفظ لنفسه بهامش من الاجتهاد في حدود الممكن والمسموح به، وكان يدرك الأرضية التي يقف عليها ويقيس المسافة بدقة بينه وبين قمة الهرم من خلال ذكائه الحاد وحكمته وبُعد نظره وصبره...". لا بل والأكثر من هذا فالمرحوم يعتبر عراب الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 وقانون الحكم الذاتي ومشروع الدستور الدائم لعام 1990 الذي لم يرى النور بسبب غزو النظام العراقي للكويت. وقد أنعكست جوانب كثيرة لإستبدادية البعث في هذه التشريعات خاصة في الدستور المؤقت لعام 1970 بمادته الثانية والأربعين التي اعطيت لمجلس قيادة الثورة صلاحيات تشريعية وبالخص الفقرة (آ) منها التي جاء فيها "إصدار القوانيين والقرارات التي لها قوة القانون" أي بهذا المعنى كان مجلس قيادة الثورة سلطة تشريعية وتنفيذية.
لقد أشرت هنا إلى المادة الثانية والأربعين من الدستور لعام 1970 لأنها كانت "بلوة البلاوي" في إضفاء الشرعية القانونية والدستورية على جميع القرارات التي أصدرها نظام البعث في العراق.  فبلسان المرحوم نفسه، أكد بأن هذه الفقرة هي من بنات أفكاره. حيث كان المرحوم أستاذنا لمادة القانون الدستوري للسنة الثانية في الجامعة المستنصرية – كلية القانون والسياسة – قسم العلوم السياسية، وفي أحد محاضراته كان الموضوع عن الدستور الجامد والدستور المرن. فجاء الحديث عن هذه الفقرة من دستور عام 1970 كحل بين النوعين من الدستور وقال بأن النقاشات دارت كثيراً بين أعضاء لجنة صياغة هذا الدستور وبالاخص المادة الثانية والأربعين منه، ولجنة الصياغة كانت متكونة من عشرة خبراء في القانون الدستوري يرأسها صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة. وعندما طرحت للتصويت عليها تسعة أعضاء رفضوا هذه الفقرة ضد المرحوم الذي دافع عنها ثم وقف صدام حسين إلى جانبه فأقرت هذه الفقرة. ليس هذا فحسب فأنا شخصياً كطالب مبتدأ في القانون الدستوري كنت أدخل في نقاشات مع المرحوم وهو أستاذ بارع في هذا المجال. وذات مرة أتذكر كان موضوع المحاضرة عن أطروحته للدكتوراه التي حصل عليها من فرنسا ونال عنها شهادة دكتوراه دولة، وهي أعلى شهادة أكاديمية في فرنسا، حيث ذكر بما معنى بأن القوى السياسية والأحزاب المسيطرة في الغالب هي التي تضع الدستور، سواء بتأثير مباشر أو غير مباشر، وليس لجنة صياغة الدستور المنتخبة من قبل الشعب او من خلال لجانه. فأنتفضتُ من مكاني كطالب يطمح يوماً ما ليكون مثل أستاذه، وقلت "يا أستاذ هذا عادي وشيء طبيعي". فأثار كلامي هذا هيجانه وقال وبنوع من الإنفعال "يا أفندي... فهذا الذي تقول عنه بأنه عادي وشيء طبيعي كلفني سنوات عديدة من البحث والتقصي في العشرات من الدساتير إلى أن وصلت إلى هذه النتيجة!!. وقبل إكماله السنة الدراسية الثانية تم توزيره وتوقف عن إلقاء المحاضرات في الكلية فحل محله أستاذ آخر كبير في القانون الدستوري وهو الدكتور نوري لطيف، طيب الله ذكراه.
على العموم، أعود وأقول بأنني أكتب هذه السطور ليس لبيان عبقرية المرحوم في القانون الدستوري، فالدكتور عبد الحسين شعبان قام بأكثر من واجب تجاه المرحوم، بل أن ورود بعض أسماء الأساتذة الأفاضل التقدميين واليساريين وربما بعضهم شيوعيين البارعين في حقل إختصاصهم هو الذي طرق "صندوق دماغي" وفجر الذكريات الأليمة والجميلة أيضا سواء في فترة دراستي لمرحلة البكلوريوس في كلية القانون والسياسة بجامعة المستنصرية أو لمرحلة الدراسات العليا في كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد. فهؤلاء الأساتذة الفطاحل والتقدميين هم الذين اثروا كثيرا في مساري التعليمي والحصول على شهادة ماجستير في العلوم السياسية وبتقدير إمتياز. ومن هؤلاء الكبار، وأجيز لنفسي أن أطلق عليهم عباقرة، إبراهيم كبه أستاذي لفكر الإقتصاد السياسي الذي حرم من درجة "بروفيسور" لكونه لم يكن يحمل شهادة الدكتوراه. والأستاذ التقدمي الدكتور صادق جعفر الأسود إستاذي لعلم الإجتماع السياسي، والأستاذ الدكتور هشام الشاوي، شقيق المرحوم، الذي كان يدرسنا مبادئ علم السياسة، فعلى الرغم بأنه لم يكمل عامه الدراسي معنا إلا أن محاضراته "ملزمه" أصبحت هي المادة الأساسية لدراسة مبادئ علم السياسة. ومن المعروف عن الدكتور هشام الشاوي بأنه كان بعكس شقيقه المرحوم الدكتور منذر لا يساير النظام بل كان صامدا ومدافعاً عن أفكاره القومية التي لم تكن مرضية لنظام البعث في تلك الفترة فأحتسب على القوى المعارضة. والمعروف عن عائلة الشاوي بأنها عائلة علم وثقافة وأذكر منهم الدكتور سلطان الشاوي أبن عم المرحوم والدكتورة منار الشاوي بنت عم المرحوم وغيرهما. وهنا يجب أن لا أنسى الدكتور حكمت شبر أستاذي لأصول القانون في السنة الأولى والدكتور صالح جواد كاظم إستاذي لمادة "الحريات" في السنة الثالثة والدكتور علي الملاح إستاذي في السنة الرابعة لمادة "الجغرافيا السياسية". كان هناك نوع من الهمس ينقله الطلاب عن بعض الأساتذة الذين كان العلم والتعليم يجري في عروقهم وجزء من حياتهم، أمثال عالم الإقتصاد السياسي إبراهيم كبه والعالم الجغرافي الدكتور علي الملاح بأنهم يلقون محاضراتهم في الجامعة المستنصرية – القسم المسائي مجاناً وبدون مقابل أو أجور.
أما في مرحلة الدراسات العليا في كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد، قبل إنتقالها من منطقة الوزيرية إلى الجادرية وإنفصال قسم السياسة عن القانون وتأسيس كلية خاصة بالعلوم السياسية، فأن تأثير بعض الأساتذة على توجهاتي العلمية والفكرية كان أكثر بكثير وبشكل مباشرة خاصة في مرحلة إعداد أطروحتي لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية. وقبل هذا من الضروري أن أعرج قليلا على سياسة القبول في الدراسات العليا في الكلية في تلك المرحلة الصعبة من القمع الفكري والسياسي. فقبل نهاية العقد الثامن من القرن الماضي كانت الكراسي للدراسات العليا أو أغلبها محجوزة للوزراء وقادة حزب البعث والكوادر المتقدمة الذين بعضهم لم يكن يحملون حتى الشهادة الثانوية، غير أن أمر قبولي في الدراسات العليا كشخص مستقل غير منتمي لحزب البعث، كان بسبب تخرجي من مرحلة البكالوريوس بدرجة جيد جداً وكنت الأول في قسم العلوم السياسية في كلية القانون والسياسة بجامعة المستنصرية لعام 1975 – 1976. وبعد أنخراطي في الدراسات العليا وبناء الصداقة مع بعض زملائي، ومنهم من كانوا أعضاء في منظمة حزب البعث في الكلية، سألت ذات يوم أحدهم، وأتذكر كان أسمه "خلدون" طيب الله ذكراه، عن سبب قبولي للدراسات العليا وأنا غير منتمي لحزب البعث، فقال "بالإضافة إلى درجة تخرجك العالية، كنا نعرف بأنك مستقل وغير منتمي لأي حزب، خاصة الحزب الشيوعي، فأعتقدنا بأنه سيكون أمر كسبك للإنتماء للحزب أسهل بكثير ولكن ظهر بأنك كسبتنا أنت ولم نستطيع أن نكسبك!!!" . ومصدر كسبي لهم كان قائما على بناء صداقة نظيفة وصريحة معهم تخللتها سهرات وطلعات وسفرات بعد أنتهاء الدروس لا بل ومساعدتهم كثيرا في شرح وتفصيل بعض مواد الدروس لدرجة إنني طرحت على بعضهم مواضيع لتكون مادة لأطروحتهم الجامعية وإرشادهم للمصادر المطلوبة في الدراسة والبحث، فكان كل هذا موضوع تقدير وأحترام لي من قبلهم.
مرحلة الدراسات العليا وبالذات فترة إختيار الموضوع لكتابة الأطروحة والأستاذ المشرف، تعبر أكثر المراحل تأثيراً وأهمية في حياتي العلمية في تلك الفترة. فقد ذكر أستاذنا الدكتور عبد الحسين أسماء بعض الأساتذة الذين كانوا مصدراً لإلهامي في مواصلة الدراسة بهمة وإصرار رغم الظروف الصعبة، منهم الدكتور وميض جمال نظمي رئيس قسم العلوم السياسية في كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والدكتور صادق جعفر الأسود والدكتور طارق علي الهاشمي. ويظهر بأنني كنت موفقاً، لا بل محظوضاً عندما طلبت من أستاذي الفاضل الدكتور وميض جمال نظمي أن يكون مشرفاً على الأطروحة التي سأكتبها بعد أنتهاؤنا من السنة التحضيرية، فوافق على الفور لأنه كان يعرف حق المعرفة قدرتي العلمية وإصراري على مواصلة الدراسة والحصول على نتائج مبهرة. كان الدكتور وميض معروفاً بنزاهته وصدقيته وعدم مساومته على حساب فكره وتوجهاته السياسية المستقلة عن النظام وبقية الأحزاب السياسية، لا بل كان يعرف بعض الشيء عن الآشوريين وتاريخهم وحركتهم السياسية لعام 1933 والمذبحة التي أرتكبت بحقهم من قبل بعض قطعات الجيش وبعض العشائر الكردية خاصة وأن أطروحته للدكتوراه كانت عن التاريخ السياسي للعراق وتحديدا عن ثورة العشرين. هذا الأمر هو الذي دفعني أن أطرح عليه فكرة أن تكون (الحركة الآشورية لعام 1933 – الأسباب والنتائج) موضوع أطروحتي للماجستير، فما كان منه إلا أن يتوقف عن الحديث وبإندهاش قال وبنوع فيها مزحة "والله أنت بطران.... تريد نبتلي ويحطونا بالسجن". على العموم كنت أرغب أن أكتب موضوعاً خارجاً عن أطار المواضيع المألوفة للرسائل الجامعية في الكلية والتي كانت معظمها تدور في فلك فكر حزب البعث أو اللجوء إلى المواضيع التاريخية، مما أضطريت للسفر إلى لندن وقضاء أربعة أشهر هناك للبحث والتقضي في المراجع المتاحة في مدرسة لندن للإقتصاد والعلوم السياسية التابعة لجامعة لندن. فبعد العمل المضني والشاق، لأن الكومبيوتر لم يكن متاح في تلك الفترة بشكل واسع خاصة لفهارس المكتبات، توصلت إلى أن أكتب موضوع أقرب إلى علم الإجتماع السياسي وتحت عنوان "المثقفون ودورهم في التحولات الإجتماعية" وهو بحث مقارن بين الفكر الماركسي والفكر الرأسمالي عن المثقفين وعلاقتهم بالطبقات الإجتماعية والأحزاب السياسية والسلطة السياسية والثورة متخذا من مفهوم المفكر أنطونيو غرامشي، المؤسس الفعلي للحزب الشيوعي الإيطالي، عن المثقف العضوي كأساس لبحث علاقة المثقفين بهذه الظواهر وموقعهم ووظيفتهم السياسية والفكرية فيها.

عندما طرحت الموضوع على إستاذي الدكتور وميض وشرحت له خطة البحث، وقف صامتا ومندهشاً لا بل وحائراً وأتذكر عندما قال "يا أفرام أنك تُدخل نفسك في متاهاة قد لا تصل بها إلى نتيجة موفقة ولكن.... أشجعك أن  تخوض هذه المغامرة العلمية لعل قد تصل إلى نتيجة ما خاصة وأنه موضوع جديد غير مألوف في الرسائل الجامعية في الكلية". وفي حينها عرفت سبب موقف الدكتور وميض هذا لأن في تلك الفترة كانت معظم الكتب الماركسية واليسارية وحتى التقدمية كانت قد أختفت من المكتبات والأسواق بسبب سياسة البعث في مطاردة الأفكار التقدمية ومحاولة تطبيق منهجه في "إعادة كتابة التاريخ". ولكن الكتب والمختصرات التي جلبتها من لندن كانت خير عون لي في إكمال رسالتي بالشكل المطلوب واللائق والتي أستغرق إكمالها بحدود سنتين.


أدرك الدكتور وميض صعوبة الموضوع وخطورته العلمية لذلك إختار ثلاثة  أساتذة مستقلين وتقدمين غير منتمين إلى حزب البعث ومعروفين بقدرتهم العلمية العالية وخبرتهم في مثل هذا الموضوع ليكونوا أعضاء لجنة المناقشة طالباً من الدكتور عبد الرضا الطعان ليكون رئيساً والدكتور صادق الأسود والدكتور طارق الهاشمي أعضاء لجنة المناقشة، خاصة وأن كل من الدكتور عبد الرضا الطعان والدكتور صادق الأسود كانا أساتذتي في مرحلة البكلوريس ولهم معرفة بقدراتي العلمية ومثابرتي الحثيثة في الدراسة.
 
ومما أثار مشاعري تجاه اللجنة هو مشاركة الدكتور طارق الهاشمي في اللجنة رغم كونه معتل الصحة ويصعب عليه المشي مصراً على المشاركة في اللجنة وذلك لكون موضوع الرسالة جديد في نوعه وأهميته ومثير للإهتمام. ففي يوم المناقشة طلب من أحد الطلاب أن يحمل له النسخة الثقيلة من الأطروحة المتكونة من اكثر من 560 صفحة إلى قاعة المناقشة لأنه كان صعباً عليه حمله.
ثم بعد الإنتهاء من المناقشة التي أسستغرقت ما يقارب أربعة ساعات وإنسحاب اللجنة للمداولة وتقدير الرسالة، عادت اللجنة إلى القاعة بعد مداولة طويلة ليعلن رئيسها الدكتور عبد الرضا الطعان بأن الرسالة "مقبولة ومنحت درجة الماجستير في العلوم السياسية وبتقدير إمتياز مع توصية بطبعها على نفقة جامعة بغداد" فأعتلت القاعة بالهتافات والتصفيق التي كانت مكتظة بأساتذة وزملاء وأصدقاء وعدد كبير من أعضاء النادي الثقافي الآشوري في بغداد.


   
تقديم الشكر والعرفان لأعضاءلجنة المناقشة، من اليمين الدكتور صادق الأسود، ثم الدكتور وميض جمال نظمي (المشرف على الأطروحة)، ثم الدكتور عبد الرضا الطعان (رئيس اللجنة)، ثم الدكتور طارق الهاشمي، طيب الله ذكراهم ورحم روح الذين أنتقلوا إلى الأخدار السماوية.
=============================================================

بعد الإنتهاء من المناقشة ومنح درجة الماجستير للأطروحة وبتقدير إمتياز ... صورة يظهر فيها ثلاث أساتذة مصريين جاءوا لتهنئتي، في الوسط الدكتور محمد أنور عبد السلام أستاذي لعلم الإجتماع السياسي والإثنان الآخران أساتذة في كلية الآداب بجامعة بغداد أستدعاهم الدكتور محمد أنور لحضور مناقشة أطروحتي وكان من المعجبين بموضوع الأطروحة، وفي الخلف يظهر الصديق زيا دنخا، حاليا في كندا. أرجو المعذرة على رداءة الصورة فعمرها أكثر من اربعين عاماً.
=================================================================
قبل الإنتهاء من هذه  الرحلة الطويلة أود أبين بعض الحالات التي تبين إستبدادية نظام البعث للعلوم والفكر المستقل وما له علاقة بحياتي العلمية في الجامعة.
•   بعد إنتهاء المناقشة وصدور قرار اللجنة بتقدير إمتياز ذهب الدكتور محمد أنور عبد السلام إلى عميد الكلية متسائلا عن سبب عدم حضوره لهذه المناقشة الفريدة من نوعا والتي حصلت الأطروحة ولأول مرة على تقدير إمتياز. فرد العميد عليه قائلاً لا فائدة من هذه الأطروحة لأنها لم تتطرق إلى فكر حزب البعث ولا إلى ثورة السابع عشر من تموز.
•   كان قرار لجنة المناقشة إضافة إلى تقدير إمتياز، طبعها على حساب جامعة بغداد. وفعلا قامت الكلية بالإجراءات اللازمة لطبعها غير أنه ذات يوم أستدعاني الدكتور وميض وقال لقد رفضت الرقابة طبع الأطروحة، فقلت لماذا؟ فجاء بنسخة من الأطروحة ومكتوب على غلافها الثاني (لا تصلح للطباعة لكونها لم تناقش أو تساهم في فكر البعث) مع الختم والتوقيع. يظهر بأن هذا الرفض كان بتوصية من عميد الكلية.
•    قدمت عدة مرات لإكمال دراستي نحو الدكتوراه، الأمل الذي كنت أنشده في تلك الفترة، سواء عن طريق البعثات أو على حسابي الخاص. كنت إجتاز المقابلة أو الإمتحان الشفهي وبإمتياز وبتأكيد من أساتذة أعضاء لجنة المقابلة ومنه الدكتور صادق الأسود الذي بعد إنتهاء اللجنة من مهماتها قال: "تهانينا فأنت أول المقبولين". ولكن بعد بضعة أيام ظهر أسماء المقبولين لدراسة الدكتوراه ولم يكن أسمي من بينهم، ولما أستفسرت عن السبب قالوا بأنه لم تحصل موافقة الجهات العليا.
صحيح هو أن النظام المستبد في العراق في تلك الفترة حرمني من تحقيق حلمي في إكمال دراستي الجامعية نحو الدكتوراه، ولكن الذي حصلته وبتقدير إمتياز وفي ظروف إستبدادية قاسية  يعد شرفاً عظيماً وإعتزازا كبيرا في بناء شخصيتي العلمية والثقافية المستقلة لا بل هو بمثابة عنصر من عناصر الصمود والثبات والسعي نحو تحقيق الهدف من دون المساومة والتملق والخضوع للإستبداد.  فأنا راضي كل الرضى بما حصلت عليه متأملا أن أستطيع تسخيره لخدمة أبناء أمتي من الكلدان والسريان والآشوريين، وهذا الذي كنت أطمح إليه منذ اليوم الأول في الجامعة عندما أنتقلت من كلية الاداب إلى كلية القانون والسياسة – قسم العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية – القسم المسائي حيث كنت أعمل في النهار وأدرس في المساء مدركاً صعوبة الحصولة على درجة علمية عالية وبتفوق ما لم يتوفر لها الوقت والثبات وربما العناد في إستمرار التعلم. فأرجو من أخوة القراء أن يستوعبوا الظروف الصعبة التي من خلالها حصلت على تعليمي الجامعي وبتفوق وبأمل أن لا يتهمونني بالنرجسية بسبب عرض هذا الموضوع الشخصي، فالغرض منه هو أن يكتسب غيري، خاصة طلاب الدراسات العليا، تجربة تؤكد بأن الأماني والتفوق لا تتحق إلا بالمثابرة والجهد المتواصل.
وفي الأخير، لا يسعني إلا أن أشكر أستاذنا الدكتور عبد الحسين شعبان على فتح نافذة مطلة على مرحلة مهمة من مراحل التعليم في العراق وخاصة في كلية القانون والسياسة مسطراً أسماء أساتذة كبار لعبوا دوراً كبيراً في بناء المفاهيم الفكرية التقدمية في ظروف صعبة جداً ملئها الإستبداد الفكري. فألف تحية وتحية لكل أساتذة الكلية وخاصة الذين وقفوا معي سواء في مرحلة البكلوريوس أو في مرحلة الماجستير.

رغم كون تخرجي بتفوق وكنت الأول على الكلية لم ينشر الخبر في الجرائد العراقية، كما كانت العادة جارية، غير عمود في جريدة بغداد أوبزيربر باللغة الإنكليزية وذلك بفضل محررها الآشوري السيد إيشو (آسف لا أذكر أسمه الكامل) ولكن أتذكر كان والد الدكتور جالس أحد أعضاء النادي الثقافي الآشوري.
=====================================================================









45
نظرة وتعليق على محاضرة الأستاذة الدكتورة منى ياقو:
-------------------------------

أبرز المستجدات على الساحة القومية – قراءة من الجانب القانوني
========================================
أبرم شبيرا
أكراماً وإحتراماً للأستاذة الفاضلة الدكتورة منى ياقو على إستعدادها الدائم في تسخير إمكانياتها الأكاديمية القانونية في خدمة أمتنا بكل علمية وموضوعية ومن دون تحيز لهذا الطرف أو ذاك. وإجلالا وأكباراً لمركز يونان هوزايا للبحوث والدراسات المستقبلية (قنطرن) على إهتمامه المنقطع النظير في المسائل التي تخص جوهر مشاكل أمتنا سواء في الوطن أم في بلدان المهجر والذي نظم عبر تواصل زوم هذه المحاضرة  بتاريخ 16/01/2021 وبمشاركة نخبة من مثقفي وكتاب ومفكري شعبنا، وتلبية للوعد الذي قطعته لأخوتي وزملائي في القنطرن على كتابة بعض السطور عن هذه المحاضرة كتعويض عن إعتذاري عن المشاركة بمداخلات وتعليقات عبر زوم، أكتب هذه السطور ليس إلا من باب مضاعفة أحترامي وأكباري للجميع مبتدءأً بالإستاذة الفاضلة جاندارك هوزايا التي أدارت المحاضرة مروراً بالدكتورة منى ياقو ثم بجميع أساتذتنا ومثقفينا سواء الذين شاركوا في المداخلات أم لم يشاركوا.  يمكن مشاهدة المحاضرة على الرابط:
منذ البدء أود التأكيد بأنني لن أتطرق إلى الجوانب الإيجابية للمحاضرة لأن مثل هذا النشاط الثقافي والسياسي القومي بما فيها راعي المحاضرة وملقيها ومتلقيها ومشاريكيها تشكل ظاهرة إيجابية بحد ذاتها خاصة وأنها تناولت مواضيع هي من صلب مشاكل أمتنا في أرض الوطن. ومنذ البدء أيضا يجب أن أؤكد بأن مثل هذا النشاط المتعددة الجوانب والمحاور لابد أن تلتصق بجوانبها الإيجابية بعض الآمور والأفكار التي يستوجبها التعليق عليها ليس إلا من باب إكتمال الصورة بشكل أوسع للقارئ الكريم والمشاهد اللبيب. من هذا المنطلق سيكون تعليقي على المحاضرة من جانبين، من حيث الشكل ثم من حيث المضمون.
من حيث الشكل:
---------
 سأشير إليه بشكل مختصر لأن الأهمية الكبرى هي للمضمون وليس للشكل:
1.   مبتدءأً بعنوان المحاضرة. لا أعتقد عنوان المحاضرة كان موفقاً أو متوافقاً مع مضمونها. فالمواضيع المطروحة صحيح هي من أبرزها التي تهم أمتنا في الوطن ولكنها ليست من المستجدات بل معروفة ومتناولة سابقاً وباقية كما هي من دون جديد عليها، كما أنها لم تتضمن الجانب القانوني إلا اليسير منها، بل في معظمها كانت تدور في الحقل السياسي القومي.
2.   المحاضرة تناولت محاور عديدة وبارزة على الساحة القومية ليس من السهل أعطاء حقها في ساعة واحدة أو أكثر. فكان الأجدر التركيز والإكتفاء بمسألة التجوازات على أراضي شعبنا، وهي مسألة قانونية دستورية ومن المؤكد الدكتورة منى بارعة في هذا المجال لإعطاء حقها الشامل والواضح للمشاهد.
3.   إننا نعيش في عصر يظهر فيه بأن الزمن راكب على ظهر عفريت ويطير مسرعاً، ففي هذا الزمن يتطلب أن نجاري هذا الزمن المسرع المنفلق من عقاله، أي بعبارة أخرى أصبح الوقت أكثر ثمناً من الذهب، كما إننا نعيش في عالم أصبحت المعلومة والأخبار في متناول الجميع تقريباً بفعل وسائل التواصل الإجتماعي والمعرفي. من هذا المنطلق يمكن القول بأن أسلوب المحاضرات التقليدية التي يستحوذ المحاضر على معظم وقتها ولا يترك للحاضرين للمداخلة والتعليق إلا بضعة دقائق لم تعد تتماشى مع العصر الراهن. قبل بضعة أسابيع شاهدة محاضرة لأستاذ جامعي تكلم أكثر من ساعة ونصف الساعة ولم يفسح المجال للحاضرين للمداخلة إلا بضعة دقائق ولشخصين فقط في الوقت الذي كان هناك العشرات ممن يرغبون المداخلة والتعليق. ومحاضرة الإستاذة الفاضلة د. منى كانت تقريباً من هذا النوع فأستهلكت محاضرتها أكثر من ساعة وبضع دقائق والباقي كان تقريباً نصف ساعة أو أكثر بدقائق قليلة للمشاركين العشرة، فتفضل ثمانية منهم بمداخلاتهم وتعليقاتهم خلال دقائق معدودة، وأنا متأكد كل التأكيد بأن لجميعهم كمثقفين ومفكرين ونشطاء لهم مخزون ثقافي وسياسي وفكري كبير لا تكفيها هذه الدقائق القليلة للتعبير عنه بشكل أفضل وأشمل. فبسبب طول وقت المحاضرة وألمام بعض المشاركين بالمواضيع المطروحة ظهر على وجوه بعضهم نوع من الملل إن لم أقل النعاس خاصة وأن فرق الوقت بين الشرق والغرب لعب دوراً في هذه الحالة. فالمحاضرة في هذا العصر السريباني يجب أن لا تتجاوز أكثر من نصف ساعة وتشمل فقط نقاط رئيسية لموضوع محدد ويترك ضعف هذا الوقت، أي ساعة أو أكثر للتعليقات والمداخلات حتى يكون النشاط  قائم على قاعدة أخذ وعطاء والوصول إلى نتائج أو تفاهمات مفيدة للجميع.
4.   يظهر بأن القنطرن قد وجه دعوة للكثير من مثقفي ومفكري شعبنا للمشاركة في المحاضرة عبر نظام زوم فكانت المحصلة عشرة مشارك وهذا كثير جداً لتناول مواضيع مصيرية مهمة لأمتنا خلال ساعة أو أكثر. فكان الأجدر والأنفع أن لا يتجاوز عدد المشاركين أثنان أحدهما من الوطن والثاني من المهجر حتى تتاح الفرص للجميع لإشباع الموضوع بأفكار ومبادرات متنوعة ومختلفة ومفيدة.
من حيث المضمون:
------------
من بين العديد من المواضيع التي طرحت في المحاضرة، يمكن إستخلاص ثلاثة منها:
1.   أرجعت الدكتورة منى سبب تأخر أمتنا في المسائل القومية والسياسية إلى سببين، الأول: غياب التنظيم القومي الموحد وعدم وجود تنسيق بخصوص التسميات المتعدة. الثاني: غياب المرجعية لأمتنا. هذا الأمر ليس فيه من جديد لأنه علة العلل في أحزابنا السياسية، فالكل ينادي ويطالب بمثل هذا التنظيم القومي الشامل ولكن من غير جدوى، فالإشارة إليه والتفصيل فيه كثير ولكن من دون بيان الأسباب والحلول. أما بالنسبة لغياب المرجعية فهو نفسه غياب التنظيم القومي الموحد ولا يختلف في المضمون عنه فكان من المفضل عدم إستخدام هذا المصطلح لأن له مضامين بعيدة عن العلمانية والديموقراطية المطلوبة في العمل السياسي، حيث نستشف منه  مضامين دينية وطائفية خاصة وهو من "مخترعات" الطائفة الشيعية، كما نستشف منه معاني ثيوقراطية ودكتاتورية وعبادة الشخص حيث قام رجال الدين بنقل هذا المصطلح من العالم الديني إلى العالم السياسي ويجب تجنب أستخدامه في العمل السياسي القومي.
2.   الموضوع المهم والحاسم الذي تطرقت إليه الدكتورة منى هو الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي وكيفة إستغلالها لصالح خدمة أمتنا. قبل أكثر من قرنين من الزمن قال كارل ماركس من يملك وسائل الإنتاج يملك السلطة. لو كان ماركس حاضراً في هذا الزمن لقال من يملك وسائل التواصل الإجتماعي يملك السلطة. أي بعبارة أخرى لم تعد وسائل الإنتاج في هذا العصر منتجة للحاجات المادية، بل هي منتجة للحاجات الفكرية بما فيها من قوة التأثير في الإتجاهات الفكرية والسياسية والثقافية وبالتالي هي تملك السلطة الفكرية. فالعديد من حكومات الدول سقطت ورؤساء قتلوا ومضاهرات هزت أركان بعض الدول بفعل إستخدام سلطة وسائل التواصل الإجتماعي. قيل فيما مضى بأن الصحافة هي السلطة الرابعة ولكن اليوم نقول بأن وسائل التواصل الإجتماعي هي السلطة الأولى.
أكدت الدكتورة منى على الأهمية القصوى المطلوبة في إستخدام الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي لربط التواصل بين الوطن وبلدان المهجر وجاءت بأمثلة عن كيفية تأثير المهجر على الأوضاع في الوطن خاصة في مسألة التجاوزات على أراضي شعبنا لدرجة خلق هذا التأثير نوع من القلق والإمتعاض عند صانع القرار السياسي في الوطن. ولكن مع كل هذا فأن شعبنا لا يزال في غير المستوى المطلوب في هذا الشأن ويمكن إرجاع السبب إلى عدم فهم العلاقة بين الوطن والمهجر وتحديداً في المسائل القومية السياسية. فهناك بديهية تؤكد بأن نشاط أبناء شعبنا في المهجر مرتبط بصلة قوية بنشاط أبناء شعبنا في الوطن، فهو إنعكاس له. فطالما أوضاعنا السياسية والقومية في الوطن في وضع مزري يكتنفه الكثير من الخلافات والنزاعات التحزبية والطائفية فالأمر نفسه يكون في المهجر. يكفي نظرة بسيطة إلى واقعنا في المهجر ليتأكد ما نقوله. في حين على العكس من هذا ففي التسعينيات من القرن الماضي كانت نشاطات أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية على مستوى عالي في الوطن ونفس الشيء أنعكس في المهجر فكانت النشاطات القومية والسياسية على أشدها.
3.   أهم المهمات في المحاضرة كان موضوع التجاوز على أراضي شعبنا في الوطن الذي أعطيته الدكتورة منى وقتا أطول ونقاشاً أكثر خاصة وهي خبيرة في الشؤون القانونية والدستورية. صحيح هو أنه يمكن عرض هذه المشكلة بالتفصيل إلا أنه يبقى السبب من دون علاج. لقد سبق فيما مضى وقلنا بأن الدخول في هذا الموضوع هو بمثابة الدخول في "معركة خاسرة".. لماذا خاسرة؟ لأننا ندخلها بدون سلاح فعال  والذي يتمثل في جانبين: الأول العامل الديموغرافي والجغرافي المترتبط بالطبيعة الأقلوية لشعبنا المحاط بأكثريات متعطشة لإستيلاء أراضي الغير بهدف تحقيق أكثريتها على أرض الواقع وعلى حساب شعبنا، وهو العامل الموضوعي الذي يصعب جدا، إن لم يكن مستحيلا، تغيير إتجاهاته للتخفيف من آثاره خاصة وأن أبواب الهجرة مشرعة أمام شعبنا لتزيد من قوة تأثير هذا العامل الموضوعي في المعركة الخاسرة ويجعلها أكثر خسارة. أما العامل الثاني فهو ذاتي ويتمثل في تشرذم وتفتت سلاح وحدة الخطاب السياسي لأحزابنا السياسية في هذه المسألة المصيرية مما يجعل دخول هذه المعركة بهذا الوضعية البائسة أمر لا محال منه في خسارتنا لها. فكل حزب أو ممثل كتلة إنتخابية يغني على ليلاه ويزور القرى والقصبات المنهوبة ويصور صور جميلة ولكن كلها سلاح "فاشوش" لا يخدش المتجاوزين على أراضي شعبنا. من هذا المنطلق كان للدكتورة منى كل الحق أن تنتقد "ممثلي" شعبنا في البرلمانين، المركزي والإقليمي إنتقادا فيه نوع من الحدية والصراحة. ولكن مع كل هذا يجب أن نتسائل عن ما الذي يستطيع أن يعمل خمسة من "ممثلي" شعبنا بين 329 أو أكثر من البرلمانيين في بغداد وبين 111 من برلمانيين في الإقليم وفي أجواء يسودها الفساد ونظرات ذات البعد الواحد لا قيمة للمختلف عنهم غير كونهم طعم لسرقة كراسيهم المتكسرة.
ولكن من جهة أخرى، على الأقل من الناحية الرسمية والشكلية، نرى بأن تحركات "ممثلي" أمتنا في البرلمانين المركزي والإقليمي ملموس وظاهر للعيان خاصة في الآونة الأخيرة وبما قاموا من زيارات لمناطق شعبنا المعرضة للسلب وتشكيل اللجان الرسمية وتقديم الإحتجاجات لدرجة وصلت أصواتهم إلى أعلى سلطة في الإقليم ومن ثم تشكيل لجنة على مستوى عالي شملت وزراء وبعض المعنيين في صنع القرار السياسي ولكن ظهر بأن أعضاء هذه اللجنة كانوا منشغلين بأمور بالنسبة لهم ولرؤسائهم أهم بكثير من مسألة التجاوزات على أراضي شعبنا فوصل الأمر إلى حالة يمكن أعتبار كل هذه المحاولات مجرد رذ الرماد في العيون. نقطة مهمة أثارتها الدكتورة منى متعلقة بالقرار التمييزي الذي أصدرته محكمة التمييز في الإقليم والذي يعتبر نموذجاً صارخاً في الظلم والإستبداد وغياب العدالة تجاه شعبنا في المنطقة، حيث كانت محكمة عقرة قد أقرت أرجاع أراضي شعبنا المنهوبة في منطقة كشكاوا وزولي إلى أصحابها الشرعيين ولكن جاء قرار محكمة التمييز ناقضاً ومخالفا لقرار محكمة عقرة فشرعنت أعلى سلطة قضائية، أي محكمة التمييز، جرائم سلب ونهب أراضي شعبنا. ونقطة أخرى مهمة أثارتها الدكتورة منى بخصوص هذا القرار التمييزي الظالم بأن قرارات محكمة التمييز هي قطعية وغير قابلة للنقض وبالتالي كل محاولات أحزابنا السياسية و"ممثلي" أمتنا في البرلمان في مواجهة مثل هذا القرار التمييزي تذهب سدى وتصدم بجدران الظلم والإستبداد. أن مواجهة القرارات التمييزية لا تعالج بهذا الشكل الدونجواني بل هناك طريق قانوني يتمثل في طلب تصحيح القرار التمييزي مستندا على أدلة جديدة مدعومة بوثائق وشهادات ومن قبل لجنة قانونية مختصة بهذا الشأن وقد أشارت الدكتورة منى على ضرورة تشكيل مثل هذه اللجنة من الإختصاصيين في القانون والمحاميين ولكن يبقى أمر تمويل هذه اللجنة للإستمرار في عملها أمر يتطلبه الكثير من التضحيات والمساعدات المالية من قبل شعبنا وهو أمر يصعب تخيله في مجتمعنا البعيد عن مثل هذه المبادرات والتضحيات المادية. على العموم، أقول بأنه مهما حاول أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية في طرق باب العدالة في مسألة التجوازات على أراضي شعبنا فلن يكون هناك غير آذان طرشاء، فالحل الوحيد هو البحث عن مفتاح الباب والمتمثل في وحدة الخطاب القومي السياسي تجاه هذه المسألة المصيرية، أمر ملً وضجر شعبنا من سماع مثل هذه الحلول ولكن من دون نتيجة. لماذا؟ لأن الثقة والمصداقية مفقودة بين أحزابنا السياسية، وواقع الحال يثبت ما نقوله.

وأخيراً شكراً للدكتورة منى ياقو على جهودها المضنية في تنويرنا بالكثير من المسائل القانونية التي تخص شعبنا، وشكرا لقنطرن الذي يلبي شعبنا بما يخدم المصلحة العامة لأمتنا، وشكرا لجميع المشاركين من مثقفي ومفكري ونشطاء أمتنا الذين أسهوا في وضع النقاط على الحروف في المحاضرة وزادوها علماً وتوضيحاً، وشكراً للأستاذة الفاضلة جاندارك هوزايا على إدارتها للمحاضرة وللمداخلات بشكل سلس ومنتظم، ولنا طموح بمزيد من هذه النشاطات في المستقبل القريب. 


46
الآشوريون بين الأمس واليوم:
-----------------

صوم نينوى بين الاسطورة التوراتية والحقائق التاريخية
==============================
أبرم شبيرا
يربط آشوريو اليوم أصولهم التاريخية بالشعب الآشوري الذي حكم شمال ما بين النهرين في الألف الثاني وحتى منتصف الألف الأول قبل الميلاد بجملة روابط حضارية تاريخية ومعطيات ثقافية تراثية ظلت لصيقة بهم على رغم الفواجع والنكبات التي حلت بهم طيلة تاريخهم المديد. ومن هذه الروابط ممارسات تراثية تستمد جذورها من أعماق التاريخ القديم وتمتد إلى البديات الأولى لمرحلة نشوء ومن ثم تدوين أحداث العهد القديم من التوراة وحتى يومنا هذا. ولعل الأكثر إثارة وبروزاً من هذه الممارسات التراثية هو "صوم نينوى" او كما يطلق عليه "باعوثا دنينوايه" والبعض يرتعب من أسم نينوى فيكتفي بتسمية هذا الصوم بـ "باعوثا" أو "صوم يونان"، كمن يحاول حجب الشمس بالغربال. ومن الثابت بأن هذا الصوم يقع قبل ثلاثة أسابيع من الصوم الكبير ويستمر لمدة ثلاثة أيام. ففي هذه السنة (2021) يبدأ من 25 حتى 27 كانون الثاني حسب طقس كنيسة المشرق. . ومن الضروري أن نشير بخصوص صوم أهل نينوى بأن شعوب شرقية أخرى، كالأرمن والأقباط والأحباش، كان يلتزمون بهذا الصوم باعتباره صوماً ربانياً ومظهراً دينياً مذكور في العهد القديم من الكتاب المقدس. غير أن أمرهم كان يختلف عن الآشوريين من حيث: أولاً: لم يكن الصوم التزاماً عاماً للجميع كما كان الحال بالنسبة للآشوريين، بل كان يلتزم به رجال أتقياء ومتدينين فقط. وثانياً: لم تستمر هذه الشعوب في الالتزام بهذا الصوم حيث أصبح بمرور الزمن بحكم المنسي ولم يعد صوماً ملزماً لهم في هذه الأيام، بعكس الحال مع الآشوريين الذين لا يزالون يلتزمون به حتى يومنا هذا وأدرج في تقويم كنيسة المشرق بإعتباره صوماً ربانياً يقام له قداس خاص في آخر أيام الصوم. وثالثاً: اكتفاء هذه الشعوب بالجانب الديني لهذا الصوم وما يتعلق بالنبي يونان في حين أرتبط هذا الصوم عند الآشوريين بممارسات تراثية وتاريخية واجتماعية اعتبرت ولا تزال تعتبر أهم جوانبه أثناء فترة الصوم والانتهاء منه. وهنا يجب أن لا ننسى إن أحداث هذا الصوم وقعت في قلب أراضي الإمبراطورية الآشورية وتحديداً في عاصمتهم نينوى مما كان له آثراً على جوانب تاريخية وقومية في نفوس الآشوريين للإستمرار بهذا الصوم والإحتفال به والتي شكلت هذه الترابطات والتداخلات عوامل مهمة في إحكام الربط العضوي للجوانب الدينية والقومية لحقيقة وجودهم  القومي والديني.

 قبل الإكتشافات الآثارية التي أزاحت الكثير من الغموض والأسرار عن التاريخ القديم لشعوب الهلال الخصيب، كانت التوراة المرجع الأساسي والمهم – إن لم يكن الوحيد – لأخبار شعوب هذه المنطقة، خصوصاً الآشوريين والمصريين منهم، وظلت ولا يزال تأثيرها كبيراً ومحسوما في إتجاهات الكثير من الكتاب والمؤرخين الذين عالجوا تواريخ هذه الشعوب. فمن جملة ما ورد في التوراة عن الشعب الآشوري "صوم نينوى" الذي من المحتمل وقعت أحداثه في القرن الثامن قبل الميلاد وفي مدينة نينوى ودونت قصته في سفر يونان التوراتي والمعروف عند العرب بأسم "النبي يونس". ففي مدينة الموصل (نينوى القديمة) كنيسة قديمة مشيد عليها جامع يعرف بهذا الأسم ويعتقد بأنه كان معبداً آشورياً قديماً. وهناك إحتمال كبير بأن الدير ليس له صلة بيونان التوراتي بل براهب من رهبان كنيسة المشرق وأسمه يونان فكان يعتكف في هذا المعبد الذي حوله إلى دير.

 جاء في سفر يونان من التوراة والذي يعتبر أقصر سفر في التوراة ويتكون من أربعة أسفار فقط، جاء فيه أن الرب طلب من النبي يونان حمل رسالته إلى مملكة آشور، وهي المملكة التي قامت بتدمير مملكة إسرائيل، ليحذرها من الدمار والهلاك. وعندما تسلم يونان الرسالة أبت عليه عواطفه اليهودية أن يحذر مملكة هاجمت إسرائيل ونهبت كنوز معبدها وإستهانت بإلاهها "يهوا" من قضاء الله في تدمير نينوى. وبعد سلسلة أحداث وتجارب مريرة مر بها يونان بما فيها الأسطورة القائلة بأن الحوت أبتلعه وبقى في جوفه لمدة ثلاثة أيام ثم بعد طرحه الحوت على الشاطئ أذعن يونان إلى أمر الرب فأنطلق (ولا ندري فيما إذا أنطلق بالطائرة أو بالصاروخ!!!) إلى نينوى، وهي مسافة طويلة جداً، ليبلغ أهلها وملكها بقضاء الله وعندما دخلها بدأ ينادي قائلا "بعد أربعين يوما تتدمر المدينة"(3 – 4) فآمن الشعب بالرب وأعلنوا الصيام وأرتدوا المسوح من كبيرهم إلى صغيرهم ثم بلغ إنذار النبي ملك نينوى فقام عن عرشه وخلع عنه حلته وأرتدى المسح وجلس على الرماد ثم دعا جميع رعاياه إلى الإمتناع عن الأكل والشرب، وكذلك البهائم والغنم والبقر لا ترعى ولا تشب ماء، وطلب من جميع الناس أن يرتدوا المسوح متضرعين إلى الله تائبين عن طريقهم الشرير وعما أرتكبوه من ظلم لعل الرب يرجع فيعفى عن إقتدام سخطه فلا نهلك (3: 7 – 9). فلما رأى الله أعمالهم وتوبتهم عن طرقهم الآثمة عدل عن العقاب الذي كان مزمعاً أن يوقعه بهم وعفا عنهم (3-10) وهذا الأمر سبب غيظ يونان وغضبه الشديدين بسبب كون الله رحيماً رؤوفاً مع الشعب الآشوري وملكه وبطيء الغضب كثير الإحسان يرجع عن العقاب، لذلك فضل يونان الموت على الحياة (3:4) لأن الرب لم ينتقم من الآشوريين وملكهم وأن الله لم يشأ للآشوريين سوى كل خير وخلاص، وهذا ما يؤكد حقد اليهود على الآشوريين في تلك الأزمنة. أن الذي يهمنا من هذا السفر هو تأكيد مطلق على أن عبادة الله الأحد ومخافته والتضرع إليه طلباً للغفران والتوبة لم تكن حكراً على اليهود وحدهم في تلك المرحلة، بل شملت الشعوب الأخرى أيضا وتحديداً الشعب الآشوري.

عندما تمت الإكتشافات الآثارية في المدن الآشورية المطمورة في القرنين الماضيين وإماطة اللثام عن بعض الغموض الذي يكتنف الشعب الآشوري وكشفت جانباً من أسرار وإلتباسات بعض الوقائع التاريخية، فإنها أكدت بعض الأحداث التي دونت في التوراة ونفت أحداثاً أخرى، بل تناقضت مع بعضها الآخر. وبقدر ما يتعلق الأمر بقصة مجيء يونان إلى نينوى وتبليغ رسالة الرب إلى الآشوريين وتحذيرهم من دمار المدينة العظيمة، كما توصف في التوراة، فإن الآثار والرقم الطينية والإسطوانات الكتابية المكتشفة في خرائب نينوى وغيرها من المدن الآشورية والتي تعد أكثر تفصيلا وتدويناً للأحداث التاريخية ووقائعها من أي آثار أخرى مكتشفة في بلاد النهرين، خصوصاً حول علاقة الآشوريين وملوكهم باليهود وأنبيائهم وملوكهم، فإن في كل هذه المصادر التي لا تقبل الشك والتأويل، لا تحمل أي إشارة إلى يونان وقدومه إلى نينوى لتبليغ قضاء الرب في تدميرها، وهو حدث كبير وحاسم لا يمكن للآشوريين أن يتجاهلوه ولا يدونه في مدوناتهم الملكية. بل على النقيض من ذلك، نرى في المدونات تفاصيل دقيقة عن الحروب التي شنها الملك الآشوري ضد اليهود وغيرهم من الأقوام وقيامه بإنجازات كبيرة وأعمال ضخمة في البناء والتعمير، خصوصاً في مجال الري وتنظيم السقي والسيطرة على المياة وخزنها وتوزيعها في ظروف بيئية وموسمية مختلفة، وأكبر دليل واقعي في هذه الأيام هو مشروع الخازر و موقع خنز الأثاري. فكانت الأنهر والجداول تفيض في نهاية الشتاء وبداية الربيع وتشح ويجف بعضها في منتصف الصيف وبداية الخريف، مما يوحي بأن الفيضانات كانت عاملا حاسما في تهديد إستقرار الأوضاع الإقتصادية والسياسية والإجتماعية في بلاد آشور. وتؤيد التواريخ الإغريقية بأن سقوط نينوى عام 612 ق.م. بيد الغزاة لم يكن ممكناً لولا فيضان هائج دمر أسوارها العظيمة، فهناك إشارة في التوراة بأن طوفان طام يخفي معالم نينوى (ناحوم: 1 – 8).

تخبرنا المنحوتات الجدارية والإسطوانات الكتابية المكتشفة في قصر الملك سنحاريب في نينوى، الذي كان مهندساٌ رائعاً في تنظيم الري، بأنه قام بأعمال بناء ضخمة لضمان قصره والمدينة من الفيضانات التي كان يسببها نهر الخوصر أو "خو أصر" ويعني باللغة الآشورية القديمة والحديثة "عشرة أضعاف". مما يدل على أن هذا الرافد الذي كان يجتاز جوانب أسوار نينوى ويصب في نهر دجلة كان يفيض في مواسم الفيضانات أكثر من حجمه الطبيعي بعشرة أضعاف ويسبب تهديدا لأسوار نينوى وأضراراً جسيمة للبلاد ويتلف المحاصيل الزراعية، كما يسبب المجاعات وإنتشار الأوبئة وبالتالي يهدد الأمن السياسي والإستقرار الإجتماعي نتيجة هذه الأضرار والقواجع. شخصياً، في عام 1981 كنت في مدينة الموصل في موسم الربيع، أعتقد كان في نهاية شهر آذار، وشاهدتُ، كشاهد عيان، الفضيان الهائج في هذا النهر الذي كان يمر بجانب أسوار نينوى الأثارية جارفاً في تياره القوي أطيان وأشجار مقلوعة وقطع خشبية ضخمة وأنقاض هائلة لدرجة كانت المياه الجارفة تمر من فوق الجسر المشيد على النهر قاطعا طريق عبور المشاة والسيارات. فعلى هذا الأساس قد تكون قصة يونان ومجيئه إلى نينوى لتبليغ شعبها قضاء الرب في دميرها، إذا آمنا بها، مقتبسة من فيضان وإعصار عصف بنينوى والجهود العظيمة التي بذلها الملك في السيطرة عليه ومعالجة نتائجه المدمرة، وبعد ذلك تم تدوينها في التوراة في سفر يونان بما يتوافق مع المنهج التوراتي في تدوين الأحداث ومع التقليد اليهودي في تفسير الظواهر التاريخية. لقد كان صادقاً الأديب الكبير الشماس منصور روئيل – رحمه الله – عندما كان يطلق على يونان بـ "يونان الكذاب".

بغض النظر عن طبيعة الحدث الذي فرض قوته على الشعب الآشوري إلزام نفسه بالصوم خشوعاً للرب، فأنه يؤكد بما لا يقبل الشك حقيقية تاريخية شكلت في سياقها الزمني وإمتدادتها التاريخية ممارسة طقسية تراثية وقومية دينية أرتبطت بالآشوريين فترة  طويلة جدا سواء أكانت قبل المسيحية أو بعدها.. وبسبب إرتباط تاريخ الآشوريين وكنيستهم بالمآسي والفواجع والتشرد من أوطانهم وخضوعهم لشتى أنواع الإضطهادات، أرتبط هذا الطقس بهم طيلة تاريخهم الطويل وتتابعوا على ممارسته حتى إنتظامه سنوياً في العصور الحديثة وإدراجه في التقويم الكنسي لكنيسة المشرق بأعتباره صوماً ربانياً وحيداً في العهد القديم إلى جانب الصوم الكبير بإعتباره صوماً ربانياً وحيداً في العهد الجديد. فكان الآشوريون عبر تاريخهم الطويل ينتظرون هذا الصوم ليتذرعوا إلى الرب للخلاص من مأساتهم المستديمة والكوارث التي كانت تحل عليهم. فكان من الطبيعي أن يرتبط هذا الطقس الديني والقومي عبر مراحل تطوره التاريخي بجملة ممارسات وعادات بعضها أكتسب طابعاً غيبياً أسطوريا يتعلق بالتمنيات والرغبات التي لم يتمكن الآشوريون ضمن ظروفهم المأساوية من تحقيقها في الواقع المادي، ولا يخلو قسم من هذه التقاليد من الطرافة والفكاهة وبراءة الإيمان بكل وسيلة ينسج حولها قوة إمكانية تحقيق الرغبات المستعصية، ومن هذه التقاليد ما يعرف باللغة ألآشورية الحديثة بـ "بوخن"، وهي بالأصل مادة غذائية تتكون من تحميص سبعة أنواع من الحبوب الشائعة الإستعمال تطحن معاُ ثم تملح وفي الليلة الأخيرة من الصوم تؤخذ كمية منها ويتم عن طريق وضع إبهام اليد في "بوخن" وتحميل ظهر الإبهام (الظفر) ثلاث مرات بها ثم دفعها تحت اللسان والركون إلى اليوم بأمل الحلم بأحلام تحقق آمانيهم المستعصية. وجانب الطرافة في هذا الطقس هو كون مادة "البوخن" مالحة وتسبب العطش وجفاف الفم وهما مصدر إحلام الشبان والشابات العازبين الذين يعتقدون بأنهم سيحلمون بشخص يوري عطشهم وسيكون فارس المستقبل أو عروس الغد. وكان لا يزال بعض الآشوريين يصرون على أن ما قسمه الله لهم من نصيب في الحياة الزوجية كان مرسوماً في حلم من أحلام "صوم نينوى".

واليوم، رغم ظروف القهر والإستبداد التي فرضت على الآشوريين وتهجير القسم الأكبر منهم من وطنهم التاريخي وتشتتهم بين بين بلدان العالم، فأن الآشوريين  يحاولون رغم الظروف القاسية والمميتة التي فرضت عليهم، يحاولون التمسك بقيمهم وعاداتهم وتراثهم ولغتهم، يسعون من ممارستها الحفاظ على كيانهم القومي والديني ويأملون أن يمارسوها جميعاً في يوم ما وبأمان وحرية في وطنهم التاريخي الذي أنبثقت منه أقدم حضارة عريقة أعطى شعبها للإنسانية كثير الكثير ولم تأخذ حتى قليل القليل.... ترى هل ستحقق أحلام "صوم نينوى" آماني الشعب الآشوري، تلك الأماني التي حملها في صدره طيلة قرون طويلة من الزمن القاسي؟؟؟.



47
بعد قرن من التأسيس:
------------

العراق … تاريخ تناقضات وصراعات مستديمة…  فما الحل؟
===================================
أبرم شبيرا
قبل كل شيء أود القول:
---------------

بأنه سبق وأن نشر هذا الموضوع في جريدة الخليج الإماراتية اليومية قبل عدة سنوات، كما نشر على شكل أجزاء أكثر تفصيلا في موقعنا الغراء "عنكاوة دوت كوم" عن التناقضات والصراعات التي تتحكم في العراق منذ تأسيسه وإستمرارها لقرن كامل وحتى يومنا هذا. من هذا المنطلق في إستمرار هذه التناقضات والصراعات وجدت من المفيد أن نستمر في إعادة نشر الموضوع طالما لا زالت ماثلة أمام أعين العراقيين تفعل فعلها المميت في مصير البلاد والعباد طيلة قرن كامل من الزمن. هذا الموضوع ليس بالأساس مقالة بل كان بحثاً أكاديميا لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية إلا أنه لم يتحقق لأسباب خارجة عن إرادتنا، لذا أرجو المعذرة من القراء لطول الموضوع والذي ما هو إلا جزء من أصل البحث. 
مختصر في تشكيل كيان العراق السياسي:
------------------------
كان مطروحا على طاولة مؤتمر القاهرة عام 1920 برئاسة وزير المستعمرات ونستون تشرشل ثلاثة مشاريع لتقرير مصير بلاد مابين النهرين(Mesopotamia)  الذي أحتلته بريطانيا، منها تأسيس دولة من الولايات الثلاث العثمانية (موصل وبغداد والبصرة) أو من هذه الولايات الثلاث مضافاً إليهم منطقة دير الزور – سوريا حاليا، أو تأسيس ثلاث دول مستقلة من هذه الولايات الثلاث. غير أنه جاءت ثورة العشرين في العراق عام 1920 لتفرز نتائج مؤثرة ساهمت بشكل مباشر في إرساء الخطوط الرئيسية لتأسيس كيان العراق السياسي  كان من بينها إقرار المقترح الأول في تأسيس دولة العراق من الولايات الثلاث. كما لعبت ثورة العشرين دوراً في  إخلال موازين سياسات حكم بريطانيا لبلاد ما بين النهرين "ميسوبيتيميا" وإقرار سياستها النهائية واختيار شكل الحكم المناسب لمصالحها والذي تمثل في الأسلوب غير المباشر للحكم وعن طريق حكومة "وطنية" ترتبط معها بمعاهدة ضامنة لمصالحها السياسية والاقتصادية وتخفف من عبئ الخزينة البريطانية الناجمة من الاحتلال المباشر، وهو الأسلوب الذي أرتبط باسم "السير بيرسي كوكس" المعين كمندوب سامي لحكومة جلالة الملك البريطاني في العراق والذي كان بالضد من مدرسة سياسية بريطانية أخرى في الحكم، عرفت بالمدرسة الهندية او الإمبريالية ومثلها "ارنولد ولسن" نائب الحاكم البريطاني في العراق، والتي كانت قد دعت إلى الإدارة العسكرية المباشرة للعراق وربطها بالحكومة البريطانية في الهند. وفعلاً، ما أن وصل السير كوكس إلى بغداد في 11/10/1920 طلب من السيد عبد الرحمن النقيب، نقيب الأشراف القادرية، قبول رئاسة مجلس حكومة مؤقتة. واستجابة لهذا التكليف تم في 20/10/1920 تشكيل أول وزارة عراقية.

فيصل الأول ملكاً للعراق:
----------------
بعد إرساء الخطوة الأولى في إقامة الكيان العراقي، بدأت الحكومة البريطانية البحث عن الخطوة الثانية واختيار الشخص المناسب ليتولى عرش الدولة الفتية، فطرحت على الساحة العراقية عدة أسماء، منها الأمير برهان الدين نجل السلطان عبد الحميد الثاني وطالب النقيب وعبد الرحمن النقيب والشيخ خزعل أمير عربستان وعبد الهادي العمري وآغا خان ويوسف السويدي وأمين الجليلي وأحد أعضاء الأسرة الخديوية في مصر. كان كل واحد من هؤلاء يطمح في أن يكون ملكاً على العراق، غير أن الأمير فيصل بن الحسين شريف مكة كان من أبرز المرشحين، خاصة بعد اندحار قواته في معركة ميسلون في الشام أمام القوات الفرنسية وطرده من عرشها. ثم جاء قرار مؤتمر القاهرة لعام 1920 فاصلاً في تخصيص العرش للأمير فيصل. وتحقيقاً لهذا الغرض غادر الأمير فيصل مدينة جدة في 12/6/1921 على ظهر سفينة بريطانية متوجهاً إلى العراق وعن طريق البصرة. وبناء على طلب المندوب السامي البريطاني أنعقد مجلس الوزراء جلسة بتاريخ 11/7/1921 أقر فيه ترشيح الأمير فيصل ملكاً على العراق ثم تم تتوجيه رسميا في 23/8/1921. وبهذا تكون مقومات كيان العراق السياسي، ولو من الناحية الشكلية، قد اكتملت وظهرت على الخريطة السياسية كدولة جديدة.

مقومات تأسيس كيان العراق السياسي:
----------------------
من بديهيات العلوم السياسية، أن الكيان السياسي، أي الدولة، لا يكتمل إلا بوجود أربعة مقومات وهي الإقليم، الشعب، الحكومة ثم السيادة، تجتمع جميعاً لتخلق ما يعرف بـ "الدولة". والدولة العراقية لا تستثنى منها منذ تأسيسها وحتى اليوم، باعتبارها كياناً سياسياً قائماً بحد ذاته. هنا نتساءل: هل كان للعراق تلك المقومات التي يمكن أن يخلق منه كياناً وبالمعنى السياسي المعروف بالدولة عند تأسيسه في بداية القرن العشرين؟ الإجابة بسيطة وواضحة جداً ومعروفة سلفاً فيما يخص الحكومة والسيادة طالما كانت بريطانيا متحكمة في مقدرات البلاد وتخضع مثل هذه الحكومة والسيادة لبريطانيا وسيادتها، ضمن نظام دولي عرف بـ "الإنتداب" والذي تم إلغاءه في عام 1932 ومنح العراق الاستقلال وعضوية في عصبة الأمم. أما بخصوص الأرض أو الإقليم الذي تأسست دولة العراق عليه فبمراجعة بسيطة إلى صفحات تاريخ تأسيس دولة العراق نجد أن بريطانيا، سيدة الموقف في تلك الفترة، قد لعبت دوراً أساسياً إن لم يكن الوحيد في تحديد معالم هذا الإقليم سواء من خلال المفاوضات وتسويات الحدود مع دول الجوار أو مع فرنسا حسب إتفاقية سايكس بيكو المعروفة ونظام الإنتداب الذي تبنته عصبة الأمم بعد الحرب الكونية الأولى أو من خلال الإنتصارات التي حققها الجيش البريطاني في إنتزاع أو ضمان بعض المناطق الحدودية وضمها إلى العراق خاصة في المنطقة الشمالية، وضم ولاية الموصل إلى العراق بدلا من تركيا نموذج جيد في هذا السياق، فكان من الطبيعي أن يكون دور بريطانيا في رسم حدود إقليم العراق طبقاً لمصالحها خاصة الإقتصادية منها ولم تضع في الإعتبار العوامل الأخرى من قومية ودينية وديموغرافية وثقافية وتاريخية وإجتماعية في حساباتها، بل تجاهلتها وكبستها بكل تناقضاتها ضمن أقليم محدد بمصالحها الخاصة.

الشعب مقوم أساسي للدولة العراقية:
--------------------
الذي يهمنا في موضوعنا هذا هو الشعب، ليس باعتباره عدد من الناس أو قطيع من البشر فحسب وإنما الأهم في إضفاء صفة الشعب على هذا العدد أو القطيع هو وجود شبكة من علاقات اجتماعية متشابكة ومترابطة بينها وهادفة إلى خلق المصلحة العامة المعبرة عن الإرادة الجمعية والتي تتجسد سياسياً في شكل الدولة أو في سلطتها أو في حكومتها، لهذا السبب قيل بأن الشعب هو مصدر السلطات والسيادة، أي بعبارة أخرى، هو المقوم الأساس والجوهري بالنسبة لبقية المقومات، وبعبارة أخرى بدون شعب بالمفهوم الإجتماعي السياسي القادر على التعبير عن الإرادة الجمعية لايمكن قيام دولة ولا سلطة أو حكومة مستقرة قادرة على ضمان الأمن والسيادة على الأرض.  فهل كان هناك شعب، وبالمعنى السياسي والاجتماعي، ويمتلك مقومات مشتركة من قومية ودينية وتاريخية واقتصادية واجتماعية، أو عوامل فكرية أو نفسية متقاربة توفر أواصر كافية في خلق جمع من الناس لهم إرادة بشرية موحدة أو إرادات متقاربة مؤهلة للدخول في "عقد اجتماعي" بمفهوم الفكر السياسي في خلق الدولة أو قبول بمثل هذه الفكرة؟ .

 يقول الباحث حنا بطاطو في كتابه الموسوعي " الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية في العراق- 
The Old Social Classes and Revolutionary Movements in Iraq والمترجم من الإنكليزية إلى العربية من قبل عفيف الرزاز في ثلاثة أجزاء، والمنشور من قبل مؤسسة الأبحاث العربية في بيروت عام 1990، يقول "في مطلع القرن الحالي، (يقصد القرن العشرين) لم يكن العراقيون شعباً واحداً أو جماعة سياسية واحدة. وهذا لا يعني الإشارة فقط إلى وجود الكثير من الأقليات العرقية والدينية في العراق، كالأكراد والتركمان والفرس والآشوريين والأرمن والكلدانيين واليهود واليزيديين والصابئة وآخرون. فالعرب أنفسهم الذين يؤلفون أكثرية سكان العراق كانوا يتشكلون، إلى حد بعيد من جملة من المجتمعات المتمايزة والمختلفة في ما بينها والمنغلقة على الذات، بالرغم من تمتعهم بسمات مشتركة" (ص 31 من الكتاب الأول). لم يكن حنا بطاطو الأول ولا الوحيد الذي أشار إلى التطرف الشديد في التنوع القومي والاجتماعي والديني في العراق، بل هناك الكثير من الكتاب والباحثين الذين أكدوا هذه الحقيقة من دون مجاملة أو مبالغة، وكان العالم الاجتماعي الكبير الدكتور علي الوردي (رحمه الله) في دراساته وأبحاثه عن طبيعة المجتمع العراقي رائداً في هذا المضمار.

أما فيما يخص معاينة واقع أهل العراق والتحسس به من موقع مسؤول، فإن رأي الملك فيصل الأول في هذا السياق يشكل أهمية كبيرة في فهم هذا الواقع ويغنينا عن الإطناب والإسهاب في بقية الآراء. ولرأي الملك فيصل أهمية كبيرة جداً في فهم طبيعة التناقضات التي تحكمت بأهل العراق، وهذه الأهمية متأتية من، أولاً:  أنه كان قد عانى مرارة هذه الانقسامات وهو في موقع الراعي لها والمسؤول عن حكمها، والثاني: في كونه ينحدر من بيئة خارجة عن هذه الانقسامات سهلت له مهمة معاينتها والتحسس بها وبنوع من الموضوعية والواقعية ومن دون إنحيازية. لقد بينً الملك فيصل رأيه بكل وضوح في صفحات مطولة نقتبس منها ما يلي: "أن البلاد العراقية… ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية ذلك هو الوحدة الفكرية والملية والدينية، فهي والحالة هذه مبعثرة القوى مقسمة على بعضه يحتاج ساستها أن يكونوا حكماء مدبرين … ففي العراق أفكار ومنازعات متباينة جداً وتنقسم إلى أقسام  مثل الشباب المتجددون بما فيهم رجال الحكومة، المتعصبون، السنة،الشيعة، الأكراد، الأقليات غير المسلمة، العشائر، الشيوخ والسواد الأعظم الجاهل المستعد لقبول كل فكرة سيئة بدون مناقشة أو محاكمة. والعراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية مؤسسة على أنقاض الحكم العثماني وهذه الحكومة تحكم قسما كردياً أكثريته جاهلة… وأكثرية شيعية جاهلة. إلا أن الاضطهادات التي كانت تلاحقهم من جراء الحكم التركي الذي لم يمكنهم من الاشتراك في الحكم وعدم التمرن عليه والذي فتح خندقاً عميقاً بين الشعب العربي  المنقسم إلى هذين المذهبين. كل ذلك جعل مع الأسف هذه الأكثرية الذين لهم مطامع، خاصة الدينيون منهم وطلاب الوظائف، بدون استحقاق والذين لم يستفيدوا مادياً من الحكم الجديد يظهرون بأنه لم يزالوا مضطهدين لكونهم شيعة… أخذت بنظري هذه الكتل العظيمة من السكان بقطع النظر عن الأقليات المسيحية التي يجب أن لا نهملها نظراً للسياسة الدولية التي لم تزل تشجعها للمطالبات بحقوق غير هذه وتلك ..... أن الضرائب على الشيعي والموت على الشيعي والمناصب للسني. ما الذي هو للشيعي؟ حتى أيامه الدينية لا اعتبار لها … أقول هذا على سبيل المثال وذلك للاختلافات الكبرى بين الطوائف التي يثيرها المفسدون وهناك حساسيات مشتركة بين أفراد الطوائف الإسلامية… وهناك غير هذا "دسائس" آشورية وكلدانية ويزيدية والتعصب للتفرقة بين هؤلاء الجهلاء توهن قوى الحكومة تجاه البسطاء. كما أن العقول البدوية والنفوذ العشائري الذي للشيوخ وخوفهم من زواله بالنسبة لتوسع نفوذ الحكومة فكل هذه الاختلافات وكل هذه المطامع والاحتراسات تشتبك في هذا الصعيد وتصطدم وتعكر صفو البلاد وسكونها … وفي هذا الصدد أقول وقلبي ملآن أسى أنه في اعتقادي لا يوجد شعب عراقي بعد بل توجد كتلات بشرية خالية من فكرة وطنية مشبعة بتقاليد وأباطيل دينية لا تجمع بينهم جامعة… فنحن نريد والحالة هذه أن نشكل من هذه الكتل شعباً نهذبه وندربه ونعلمه. ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف يجب أن يعلم أيضاَ عظمة الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل. هذا هو الشعب الذي أخذت مهمة تكوينه على عاتقي وهذا نظري فيه". ثم يذكر الملك فيصل السلاح الناري الذي كان تملكها هذه الفئات في تلك الفترة ( عام 1933) كمعيار للصراعات التي تفعل فعلها فيه وهو العام الذي قام بها بعض من قطاعات الجيش العراقي بقيادة بكر صدقي وبمساندة بعض العشائر البدوية والكوردية بالمذبحة المعروفة ضد الآشوريين العزل في بلدة سميل القريبة من مدينة دهوك في شمال العراق في شهر آب من عام 1933، إذ ذكر بأنه "يوجد في المملكة ما يزيد على المائة ألف بندقية يقابلها 15 ألف حكومية. ولا يوجد في بلد من بلاد الله حالة حكومة وشعب كهذه. هذا النقص يجعلني أتبصر وأدقق وأدعو أنظار رجال الدولة ومديري دفة البلاد للتعقل وعدم المغامرة". ( نقلاً عن كتاب تاريخ الحركة الديمقراطية في العراق للمؤرخ العراقي عبد الغني الملاح، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، ص31-34 ). – ما أشبه اليوم بالبارحة -

لهذا السبب ليس غريباً أن معظم الذين عاصروا فترة موت الملك في أيلول عام 1933 كانوا قد أكدوا بأنه مات ألماً وحسرة من الواقع المرير لتناقضات وصراعات أهل العراق، خاصة بعد القمع الوحشي للآشوريين المسيحيين في بلدة سميل في شهر آب من نفس العام خلافاً لأوامره بضرورة التعامل السلمي والهادئ مع مطالبهم القومية والدينية، وهو الحادث الذي أثر كثيراً على نفسيته وأدى إلى تفاقم وتدهور صحته فدفع بالنتيجة حياته ثمناً لأصالته العربية والإسلامية في التسامح والتفاهم مع الآخر المختلف. ولكن مع ذلك، فأن هذا لا ينفي ذكر بعض الكتًاب والمؤرخين بأن الملك مات مسموماً بهدف التخلص من مواقفه الحيادية والسلمية تجاه القوى المتصارعة على السلطة في العراق وإفساح المجال لأبنه غازي المعروف بمواقفه المتطرفة لاعتلاء العرش. وإذا تأكدت هذه التوقعات فأن مخاوف الشريف حسين الهاشمي (شريف مكة) والد الملك فيصل الأول تكون قد وقعت وتحققت فعلاً، تلك المخاوف التي ذكرها في رده على طلب بعض الشخصيات العراقية منه أن يرسل أبنه فيصل إلى العراق عام 1921 لتنصيبه ملكا على البلاد، حيث يروي السيد علي آل بازركان (الوقائع الحقيقية في الثورة العراقية – ص 230) في عام 1921 الذي كان في ضيافة الملك حسين في مكة، ويقول: عندما وصلت إلى الملك برقية من بعض رؤساء العراق يطلبون منه أبنه فيصلاً لتنصيبه ملكا على العراق، وقد سأل الملك ضيفه "ولكني أخشى ياشيخ أن يعامل أهل العراق فيصلاً كما عاملوا جده الحسين من قبل" (يقصد الإمام حسين). (نقله الدكتور علي الوردي في كتابه: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي،إنتشارات المكتبة الحيدرية، ط2، 1998 ص 369)، وهي المخاوف التي تحققت فعلاً في الرابع عشر من تموز من عام 1958 عندما حدثت مجزرة قصر الرحاب الملكي وقتل الملك فيصل الثاني وجميع المتواجدين معه من أفراد العائلة المالكة وحاشيتها وسحل بعضهم في شوارع بغداد خلف السيارات وبأسلوب وحشي لا يمت بصلة لا بالسياسة ولا بالثورية. 

هذا الواقع المتناقض والمتصارع لأهل العراق، هو الذي جعل من عالم اجتماعي كبير كالدكتور علي الوردي الذي عايش معايشة حقيقية لهذا الواقع، كإنسان عراقي عادي وكباحث اجتماعي كبير، أن يؤكد مقولة الحجاج بن يوسف الثقفي (ت 95 هـ/714 م ) الذي خاطب أهل العراق بكلمته المشهورة " يا أهل الشقاق والنفاق" وأعتبرها صفة لاصقة بهم حتى يومنا هذا (نفس الكتاب ص 365)، وفي مكان آخر يشير العلامة على الوردي إلى مقولة الجاحظ (عمرو بن بحر الجاحظ في البيان والتبين – ج2 ص 94) في تعلقيه على قول الثقفي إذ يقول" أن العلة في عصيان أهل العراق على الأمراء هي أنهم أهل نظر وفطنة ثاقبة، ومع النظر والفطنة يكون التنقيب والبحث، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والتجريح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الأمراء... ومازال العراق موصوفاً بقلة الطاعة وبالشقاق على أولي الرئاسة" (نفس الكتاب ص 366).  وفي خاتمة الكتاب يستخلص العلامة علي الوردي بحثه بالقول "بأن الشعب العراقي منشق على نفسه وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي أكثر مما في أي شعب عربي آخر وليس هناك طريقة لعلاج هذا الإنشقاق أجدى من تطبيق النظام  الديمقراطي فيه، حيث يتاح لكل فئة منه أن تشارك في الحكم حسب نسبتها العددية...ينبغي لأهل العراق أن يعتبروا بتجاربهم الماضية، وهذا هو أوان الإعتبار... فهل من يسمع؟!" (نفس الكتاب ص 383).

مصلحة بريطانيا في تأسيس الدولة العراقية:
----------------------------   
مما تقدم يمكن القول بأنه عندما بدأت بريطانيا في تأسيس دولة في العراق لم يكن هناك أهم مقوم، وهو الشعب وبالمفهوم السياسي والاجتماعي، من مقومات قيام مثل هذه الدولة. لقد ورثت بريطانيا عن الدولة العثمانية تركة ثقيلة جداً من التناقضات كان يتطلبها إقامة نظام سياسي كآلية للتعامل مع الواقع بجميع تناقضاته وصراعاته ضمن نسق يتلاءم ويتناسب مع طبيعة أهل العراق ويحول دول تصاعد التناقضات نحو مرحلة الصراعات وتفاقمها إلى درجة يصعب أو يستحيل إيجاد حل لها أو التخفيف من حدتها المدمرة، ولكن لم ينظر إلى مثل هذا النظام المناسب إلا من خلال المصلحة العليا لبريطانيا من جهة، كما وأن ضمان تحقيق هذه المصلحة، من جهة أخرى، كان يستوجبه نوع من الاحتواء للتناقضات ضمن نظام سياسي "وطني". أي بعبارة أخرى، كانت مصلحة بريطانيا في تأسيس كيان سياسي في العراق تأتي في المقام الأول، وهي مسألة تبدو طبيعية في ضوء سياسة وضع الدول مصالحها فوق جميع الاعتبارات. لهذا السبب رفضت بريطانيا معظم الحلول لمسألة الحكم في العراق لكونها لا تتفق مع الشرطين السابقين، فرفضت فكرة إقامة نظام جمهوري كما رفضت مشروعات تأسيس كيانات سياسية مختلفة في كل ولاية من الولايات العثمانية السابقة، بصرة وبغداد والموصل. أي بعبارة أخرى، كما يقول السياسي العراقي مهدي كبه في مذكراته والذي عاصر تلك الفترة، “كان مشروع تأسيس الكيان السياسي في العراق يهدف إلى التوفيق بين المصالح المتضاربة بين بريطانيا والعراقيين وذلك عن طريق إيجاد نوع من الحكم الأهلي له بعض مظاهر الاستقلال ليطمئنوا به مشاعر العراقيين الوطنية مع تحقيق مصالحهم وضمان سيطرتهم ونفوذهم في ظل الحكم الوطني” ( أورده الباحث لطفي جعفر فرج في كتابه " عبد المحسن السعدون، دار الرشيد للنشر- بغداد، 1979، ص 52).

لقد جاءت فكرة تأسيس كيان سياسي في العراق على شكل نظام ملكي شامل لجميع أراض الولايات الثلاثة ومن ثم نصب الأمير فيصل بن الحسين شريف مكة ملكاً على عرشه محققا لمصلحة بريطانيا السياسية والتي تمثلت في:
1 –  كان الحكم المباشر للعراق يكلف الخزينة البريطانية مبالغ طائلة والتي كانت بالأساس منهكة وضعيفة بسبب الحرب لذا كان على بريطانيا أن تجد وسيلة أخرى في الحكم غير المباشرة وعن طريق تأسيس دولة في العراق وإقامة نظام سياسي مركزي واحد وربطه بمعاهدة حماية خاصة ولفترة مناسبة، نظام لا يقر بالفروع أو الهوامش أو يتكون من عدة أنظمة سياسية صغيرة، لهذا كان من مصلحة بريطانيا أن يكون في العراق نظام قادر على سحق ثورات الشيعة والكورد والآشوريين (مذبحة سميل 1933) وضمان الاستقرار المنشود بدلا من أن تقوم قواتها بهذه المهمة وتكلف الخزينة البريطانية مبالغ طائلة أخرى يعصب عليها تحملها في ظروف الكساد العالمي الذي ساد في الربع الأول من القرن العشرين.
2 – كان نصب الأمير فيصل ملكاً على رأس هذا النظام، والذي له خلفية سياسية في التعامل مع الإنكليز، يحقق هدفين لبريطانيا: الأول: إيفاء جزء من وعدها للعرب وللعائلة الهاشمية بتأسيس دولة عربية في المشرق العربي لقاء قيام الشريف حسين والد الملك فيصل الأول بقيادة الثورة الكبرى عام 1916 ضد الدولة العثمانية، والثاني: لكون الأمير فيصل من عائلة مسلمة معروفة بانتسابها الهاشمي لأصل النبي محمد ولكونه أيضا من خارج التناقضات التي كانت تفعل فعلها في الشعب العراق. لذلك كان تنصيبه ملكاً على هذا الشعب غير مخل بموازين الصراعات القائمة فيه، وبالتالي سيكون أكثر ضماناً لاستمرار الواقع القائم. فالعراق كان يختلف عن البلدان العربية الأخرى التي هيمن النظام العشائري والقبلي على البينة الاجتماعية والنظام السياسي، فلم يكن فيه عشيرة أو قبيلة تنفرد بالقوة والهيمنة والسيطرة وقادرة على التحول إلى نظام سياسي وإدارة شؤون الدولة،  بل كانت العشائر والقبائل في تقاتل وصراعات مستمرة لم تثمر بنتيجة حتمية تفضيلية لأي واحد منهم حتى تتمكن من الانتقال إلى مرحلة سياسية لاحقة تتجسد في نظام سياسي والمعروفة بمراحل إنتقال السلطة من البداوة إلى الحضارة (حسب مفهوم أبن خلدون)،  كما هو الحال في بلدان الخليج العربي. لهذا السبب لم يكن ممكنا أمام الإنكليز اختيار أي مرشح من هذه التكوينات العشائرية العراقية من دون أن يخل هذا الاختيار بموازين القوى القائمة بينها، فجاء اختيارهم من خارجها حفاظاً على التوازن العشائري في العراق.
3 – لم يكن من مصلحة بريطانيا تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي، والذي لم يكن بالأصل تغييره ممكناً، والموروث عن الدولة العثمانية وبكل قوالبه العشائرية والطائفية والطبقية الصلدة، ذلك الواقع الذي تمثل في هيمنة نخبة سنية المذهب وعثمانية الفكر والمنهج في السياسة والحكم وتعطشها الشديد للسلطة والجاه واستمتاعها باللعبة السياسية في تشكيل الوزارات وإسقاطها ضمن نظام عرف بالنظام الملكي الدستوري، والملائم من حيث الشكل، للمبادئ الديمقراطية والسياسية لنظام الحكم الذي كانت بريطانيا تدعي بتبنيه وتطبيقه في العراق كمحاولة لتحقيق التزاماتها طبقاً لبنود نظام الانتداب في مساعدة البلد المنتدب عليه عن طريق النصح والإرشاد وتطويره نحو مراحل سياسية متقدمة حتى يتمكن شعبه من تولي إدارة الدولة بنفسه.
4 - لم يكن امام بريطانيا من خيار غير إستمرار السياسة العثمانية السابقة في بلاد مابين النهرين القائمة على هيمنة الطائفة السنية على شؤون الحكم وإدارة ألأمور السياسية خاصة وأن معظم النخب السياسية التي كانت تخدم في المؤسسات العسكرية والمدنية العثمانية، ومنهم الأمير فيصل الذي كان عضواً في مجلس المبعوثين العثماني، قد أنتقلت إلى العراق بعد الحرب العالمية الأولى  وتولت مناصب وزارية في الحكومة أو في قيادة الجيش، لا بل البعض من هؤلاء عمل مع الأمير فيصل أثناء ثورة عام 1916 وكذلك أثناء حكمه القصير في سوريا. فقبل منح العراق الإستقلال عام 1932 وتقديم طلب الإنضمام إلى عصبة الأمم، أعد المعهد الملكي للشؤون الدولية في بريطانيا دراسة في عام 1932 لبيان مدى أهلية العراق للإستقلال، ذكر فيها بأن النخبة السياسية العراقية التي كان معظمها من طائفة السنة لم يكن يتجاوز عدد أعضاءها 300 شخص  ولم تكن كفوء ومتدربة للحكم كذلك لم تكن تمثل الشعب العراقي وبقاءها في السلطة كان مقروناً بالدعم البريطاني  لها وكان الملك فيصل الأول على قمة هذه النخبة السياسية السنية ولم يكن أمام بريطانيا إلا إختياره لعرش العراق.
(Memorandum on The Termination of The Mandatory Regime in Iraq, 1932, British Library Ac 2773D – P. 40).
5 – ثم جاء إكتشاف النفظ وبكميات تجارية في بداية عام 1920 في المنطقة الشمالية عاملاً مهماً في تأسيس دولة واحدة وبنظام سياسي مركزي يشمل هذه المنطقة والمناطق الأخرى التي كان إحتمال إكتشاف النفط فيها كبيراً ليكون العراق بذلك وبولاياته الثلاث بحراً نفطياً واحداً لبريطانيا. وهنا يجب أن لا ننسى رغبة بريطانيا الجامحة في إقامة كيان سياسي واحد في العراق ليكون معبراً أمناً للخليج ومن ثم جسراً مفتوحاً نحو الهند، تاج المستعمرات البريطانية.

تأسيس العراق على بركان هائج:
------------------
هكذا أسست بريطانيا النظام السياسي في العراق وبما يتوافق مع مصالحها العليا ويتناسب من حيث الشكل، كنظام ملكي دستوري، مع الواقع الحقيقي القائم والمستمر في العراق. أما من حيث المضمون والجوهر فأن الكيان السياسي كان قد أنشأ على بركان من تناقضات وصراعات يهيج ويلفظ حممه الحارقة ويزداد حدتها بمقدار زيادة حدة اغتراب النظام السياسي وابتعاده عن تناول هذه التناقضات ضمن الاختلاف المشروع والبعيد عن العداء السافر.
وتجنباً لسوء الفهم من قصد بيان تناقضات شعب العراق، فالإشارة تستوجب هنا للتأكيد بأن حالة العراق لم تكن فريدة من نوعها في مرحلة تأسيس الدولة، فهناك شعوب أخرى كان لها مثل تناقضات شعب العراق وعانت منها عبر سنين طويلة قبل وأثناء فترة تكوين كياناتها السياسية ولكن تمكنت وعلى الأغلب وعبر سنين طويلة، من خلق آلية مناسبة لحل تناقضاتها أو تهدئتها ومن ثم ضمان استمرار الدولة. أما العراق، فالاستثناء الغريب فيه هو استمرار هذه التناقضات واستفحالها نحو صراعات مدمرة ولعقود طويلة وعلى شكل اضطرابات وانقلابات ومؤامرات وحروب داخلية وخارجية وممارسات عنف قل مثيلها في تاريخ دول العالم. (راجع بهذا الخصوص كتاب باقر ياسين المعنون تاريخ العنف الدموي في العراق، دار الكنوز الأدبية، بيروت – 1999 وكتابه الآخر المعنون شخصية الفرد العراقي – ثلاث صفات سلبية خطيرة... التناقض. التسلط. الدموية، الطبعة الثانية، 2012، دار آراس للبطاعة والنشر، أربيل، إقليم كردستان العراق).
واليوم حيث يطغى العنف والإرهاب والفساد وعدم الإستقرار على الحياة السياسية برمتها يعزز هذا الإستثناء الغريب في طبيعة شعب العراق، وهي تناقضات وصراعات وإختلافات إنسانية وطبيعية ليست وليدة سقوط النظام البعثي في العراق فحسب بل هي مستديمة ضاربة في العمق التاريخي. ويكفي هنا أن نشير بأن انقلاب بكر صدقي عام 1936 كان أول انقلاب عسكري في الوطن العربي والذي أصبح فاتحاً لسلسلة انقلابات في العراق وفي الوطن العربي أيضا. كما وأن انقلاب تموز 1958 والمجازر الدموية التي رافقتها في قتل العائلة المالكة وحاشيتها وسحلهم في الشوارع وتعليقهم على أعمدة الكهرباء تضاهي المجازر التي أعقبت الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر وثورة أكتوبر الروسية عام 1917 في روسيا. وهناك رواية تناقلها بعض الكتاب والمؤرخين تقول بأن عقب إنقلاب 14 تموز عام 1958 سافر عبد السلام محمد عارف الذي كان نائباً لرئيس الوزراء عبد الكريم قاسم على رأس وفد إلى مصر للمشاركة في إحتفالات ثورة يوليو المصرية والتباحث في شؤون الوحدة العربية. وعند مقابلتة لجمال عبد الناصر قدم له "هدية تذكارية" متكون من علبة صغيره وعندما فتحها عبد الناصر وجد فيها أحدى أصابع البشر المقطوعة فقال عبد السلام له هذا أصبع نوري السعيد هدية لك، فأثار ذلك إشمئزاز عبد الناصر وغضبه وهيجانه الشديدين من هذا الأسلوب الوحشي في التعامل مع الخصوم السياسيين رغم أن نوري السعيد كان من أشد خصوم عبد الناصر.

بعد عام 1958 لم يعد هناك قوات بريطانية محتلة ولا نظام ملكي "فاسد ومتخلف وبائد"، كما يصفه الثوريون في العراق، أو برلمان وصل أعضاؤه إليه بانتخابات مزورة أو وزارات تتواتر على السقوط والتشكيل لاعتبارات شخصية وعائلية ومصلحية، والتي اعتبرت في حينه مصدرا للشرور والتناقضات والصراعات وعدم الاستقرار أو التقدم في العراق فكان من المفترض أن يكون الحكم بعد قيام النظام الجمهوري أكثر جماهيرية وتعبيراً عن التنوع القومي والديني والطبقي في العراق وبالتالي أكثر ضماناً للاستقرار والتقدم وأوفر قدرة على حل أو تهدئة التناقضات والصراعات، غير أن الأمر كان على العكس تماماً فالتناقضات أرتقت إلى أعلى مستوياتها من الصراعات والانقلابات الدموية وظهرت أساليب جديدة في الاضطهاد والتعسف وقمع الحريات خاصة بعد وصول حزب البعث للسلطة في شباط عام 1963 وما صاحب ذلك من أساليب وحشية في تصفية الخصوم السياسيين. فقتل الزعيم عبد الكريم قاسم والتمثيل بجثته وعرض ذلك على شاشة التلفزيون العام ويظهر فيه جندي عراقي يبصق في وجه عبد الكريم قاسم وهو جثة هامدة ومن ثم تقطيعها ورميها في نهر ديالى يعتبر نموذجاً بشعاً لمثل هذه الممارسات الوحشية.  ثم مرة أخرى جاء حزب البعث على السلطة عام 1968، وهو حزب صاحب تجربة قاسية ودموية أكتسبها من من خلال فقدانه للسلطة عام 1963 ثم عودته إليها عام  1968 فهو أول حزب من نوعه في المنطقة العربية، وربما في العالم الثالث، يستطيع أن يستحوذ على السلطة وأن يعود إليها مرة أخرى وخلال فترة خمس سنوات وبانقلابين عسكريين. وبسبب هذه الخبرة والتجربة تمكن من إستغلال تناقضات الشعب العراقي إستغلالاً بشعاً مكنته من الإستمرار في السلطة لأربعة عقود من الزمن فاخترع أساليب جديدة في شرعنة سلطته الاستبدادية وإضفاء عليها نوع من القبول الإجباري أو الاختياري من الشعب العراقي وصل إلى درجة أن يلجأ الأب إلى قتل ابنه بحجة كونه خائناً للحزب والثورة. في عام 2003 عندما أزيح النظام البعثي من السلطة توفرت للشعب العراقي فرصة ذهبية لا مثيل لها في تاريخ العراق للتحرر وإقامة نظام متمدن قابل لاستيعاب التناقضات المتعددة الوجوه وبناء العراق الجديد القابل للتعويض عن التاريخ الدموي الطويل الذي عايشه الشعب العراقي. غير أن ألواقع أظهر بأنه أصبح أكثر ضراوة في الإستبداد والتعسف والعنف، وهو الواقع المؤلم الذي يعيشه جميع العراقيين في هذه الأيام ولا يحتاجها التفاصيل لكونها لازالت قائمة ومعايشة ومعروفة.

 اليوم لا وجود لنظام بعثي دكتاتوري يستغل التناقضات الطائفية والعرقية خدمة لترسيخ سطلته. ، ولكن بمجرد نظرة بسيطة لتاريخ العراق السياسي منذ فترة قيام النظام الجمهوري وحتى اليوم سنكتشف وبسهولة بأن عمق هذه التناقضات والصراعات والعنف والحروب الداخلية والخارجية هي في تفاقم مستمر وانفجارات مستديمة بحيث وصلت إلى مدى لا يمكن التخمين بنهاية لها في ظل الظروف الراهنة. فالعداء السافر المتوارث عن المرحلة العثمانية، في التعامل مع "المختلف"، أحتل المقام الأول في أسلوب معالجة التناقضات والاختلافات القائمة بين أهل العراق وانعكس بشكل مباشر في الأنظمة الاستبدادية التي تعاقبت على السلطة وارتبطت بها بشكل عضوي بحيث جعلت من الصعوبة جداً رسم حدود فاصلة بين السبب والمسبب ومن ثم استحالة الإجابة على سؤال فيما إذا كانت الأنظمة الاستبدادية من خلق زمرة قليلة من متعطشي السلطة والجاه أم هي المحصلة النهائية لطبيعة شعب العراق الغارق في التناقضات والصراعات.  فلا يختلف اثنان في هذه الدنيا بأن الأنظمة الاستبدادية والفردية في العراق دمرت، من خلال سوء إدارة الصراع، الإمكانيات الحضارية والجغرافية والتاريخية والفكرية والإبداعية الهائلة للشعب العراقي.

الحل ... إعادة تأسيس دولة العراق:
--------------------
 لا يختلف اثنان أيضاً بأن الديمقراطية هي أنسب نظام للتعامل مع اختلافات وتناقضات الشعب العراق المستديمة، ليس بمفهومها الغربي الكلاسيكي، وإنما بمفهوم قبول الاختلاف المشروع وإتاحة الفرصة له للتعبير عن اختلافه وتطلعاته السياسية وخلق حد أدنى من إمكانيات انتقال وتداول السلطة بشكل سلمي وهادئ. أن قبول وإشاعة مفهوم "الاختلاف المشروع" في العقلية العراقية يجعل من الفسيفساء القومي والديني والفكري والحضاري والجغرافي في العراق نعمة وإغناء حضاري وفكري، في حين على العكس من هذا تماماً، أن "العداء السافر" تجاه هذا التنوع يجعله نقمة وإفقار حضاري. ولكن وحسرتاه…  فأن أحداث السنين الماضية والحالية  تدل بأن العداء السافر، هو الرحم الذي ولد فيه نظام سياسي فاسد ومتخلف وطائفي في العراق الذي لا يزال يفعل فعله في زيادة  نقمته وإفقاره لخيرات العراق البشرية والطبيعية وأنه في تصاعد مستمر بحيث أصبح هو المهيمن على عرش الساحة السياسية العراقية ومن دون منازع جدي ومؤثر.

 لقد دفع العراقيون طيلة ما يقارب قرن من الزمن ثمناً غالياً جداً ومتواصلاً من الدماء والتضحيات والحرمان من أبسط مقومات الحياة وفي وطن زاخر بخيراته الطبيعية والجغرافية والحضارية، في بلد يعتبر من أغنى بلدان العالم ولكن في عين الوقت يعتبر من أفقرها في الإدارة والتنظيم والحكم ليس ذلك إلا لأسباب عديدة لكن أهمها هو النظام السياسي القائم على المركزية الفاحشة في الحكم الذي أسسه البريطانيون في العراق بما يتوافق مع مصالحهم الخاصة وليس مع مصالح العراقيين. يمكن تشبيه تأسيس بريطانيا لدولة العراق ببناية أوعمارة متكونة من عدة طوابق بنيت على أسس وقواعد خاطئة وغير مطابقة للمواصفات الهندسية المطلوبة فمن الطبيعي أما أن تنهار هذه البناية أو ستظهر عاجلاً أم آجلاً العيوب والشقوق في جدرانها وبالتالي يعاني سكانها من خطر إنهيارها. هكذا أسس البريطانيون كيان دولة العراق على أسس خاطئة ومتناقضة ومتصارعة وأستمر هذا الكيان حتى يومنا هذا  ومن دون أن يكون قادراً على التخفيف من تناقضات العراقيين ومنعها من إستفحالها نحو صراعات دموية مستديمة أو تأطيرها ضمن أطر سياسية وتنظيمية قادرة على ترويض هذه التناقضات وعلى التتخفيف من معاناة العراقيين المستديمة. من هنا يستوجب أعادة النظر في النظام المركزي الفاحش للحكم في العراق وإعادة تأسيسه بما يتوافق مع مكونات العراقيين الدينية والطائفية واللغوية والجغرافية والديموغرافية وضمن أطر جديدة تحل محل المركزية الفاحشة وفي عين الوقت تبقي على الصلة الحضارية والتاريخية والجغرافية والسياسية التي تربط العراقيين ببعضهم، فالعراق وحدة واحد لا تقبل التقسيم القاطع ولكن من الممكن جداً أن يتم تحصيص هذه الوحدة الواحدة وإعادة تأسيسها طبقاً لمكونات العراقية المختلفة والمتناقضة.
الديموقراطية...  شعار ينادي بها أعتى الدكتاتوريون في العالم ويدرجونها في دساتيرهم ولكن شتان بين المناداة بهذه الشعارات وتسطيرها في الدساتير وبين تطبيقها على أرض الواقع. والعراق منذ تأسيس كيانه السياسي ولحد هذا اليوم لا تخلوا دساتيره من كلمة الديموقراطية وحتى دستور عام 2005 ينص في مادته الأولى على أن العراق جمهورية ودولة إتحادية واحد ولكن في الواقع عكس ذلك تماماً فمعاناة العراقيين المستديمة ما هي إلا صورة لإنعدام الديموقراطية في ممارسة الحكم والحياة العامة. فالعداء السافر  المتوارث عن المرحلة العثمانية في التعامل مع "المختلف"، أحتل المقام الأول في أسلوب معالجة التناقضات والاختلافات القائمة بين أهل العراق وانعكس ذلك بشكل مباشر في الأنظمة الاستبدادية التي تعاقبت على السلطة وارتبطت بها بشكل عضوي بحيث جعلت من الصعوبة جداً رسم حدود فاصلة بين السبب والمسبب ومن ثم استحالة الإجابة على سؤال فيما إذا كانت الأنظمة الاستبدادية من خلق زمرة قليلة من متعطشي السلطة والجاه أم هي المحصلة النهائية لطبيعة العراقيين الغارقين في التناقضات والصراعات.  فلا يختلف اثنان في هذه الدنيا بأن الأنظمة الاستبدادية والفردية في العراق دمرت، من خلال سوء إدارة  الصراع، الإمكانيات الحضارية والجغرافية والتاريخية والفكرية والإبداعية الهائلة للعراقيين، كما لا يختلف اثنان أيضاً بأن الديموقراطية هي أنسب نظام للتعامل مع اختلافات وتناقضات العراقيين المستديمة، ليس بمفهومها الغربي الكلاسيكي، وإنما بمفهوم قبول الاختلاف المشروع وإتاحة الفرصة له للتعبير عن اختلافه وتطلعاته السياسية ومثل هذا التعبير لا يمكن أن يتم إلا ضمن أطر سياسية وأنظمة متطابقة مع الظروف القومية أو الطائفية أو الجغرافية أو التاريخية لكل مجموعة من مجموعات العراقيين، أي بعبارة أخرى يأتي النظام الفدرالي القائم على الأقاليم ذات الحكم الذاتي  في المقام الأول أن لم يكن الوحيد لضمان الأسلوب الأمثل في الإستقرار والأمن لكل قومية أو طائفة أو أثنية في العراق.
لكن الفدرالية بدون ديموقراطية حقه وبناء عقلية قائمة على قبول الآخر لا يمكن أن تستمر، فحالها كحال من يحاول زرع شجرة على الصخور، فطبيعة العلاقات المتوترة بين بغداد وأربيل وإهتزاز الحكم الذاتي القائم، مرجعه الأساسي هو فقدان الثقة بين الطرفين بسبب فقدان الديموقراطية النزيهة في التعامل بين الطرفين. إن مثل هذه الديموقراطية يتطلب خلق حد أدنى من إمكانيات انتقال وتداول السلطة بشكل سلمي وهادئ وليس بالعنف أو التوريث أو بالإنتخابات المزيفة وبإبتلاع الكيانات الكبيرة للمجموعات الصغيرة. أن قبول وإشاعة مفهوم "الاختلاف المشروع" في العقلية العراقية يجعل من الفسيفساء القومي والديني والفكري والحضاري والجغرافي في العراق نعمة وإغناء حضاري وفكري، في حين على العكس من هذا تماماً، أن "العداء السافر" تجاه هذا التنوع يجعله نقمة وإفقار حضاري.



 





 

48
عظمة أمير الشهداء مار بنيامين، بطريرك كنيسة المشرق الآشورية وموضوع نقل رفاته إلى ألقوش
=====================================================

أبرم شبيرا


كتب الأخ سامي هاول موضوعاً مهماً عن أمير الشهداء مار بنيامين وعرض مشكوراً فكرة نقل رفاته إلى بلدة ألقوش ليكون إلى جانب أبائه وأجداده... فكرة رائعة، وأود أن أضيف إليها مايلي:

عظمة الشهيد مار بنيامين لا تتجلى في مواقفه البطولية القومية وإستشهاده في سبيل أمته، بل على المستوى الكنسي أيضا، فقد كان يؤكد ويصر على عائلته بأن نظام ناطر كرسي يجب أن يتوقف نهائياً وأن كرسي البطريركية يجب أن يعتليه الرجل المتمكن والمخلص والمؤمن  والمتعلم وأن لا يكون من عائلته. لذلك عندما أستشهد لم يكن له ناطر كرسي وحتى بوفاة شقيقه البطريرك مار بولس ثم أبن أخيه البطريرك مار شمعون إيشاي لم يكون لهما ناطر كرسي. فالظروف الممتية والصعبة هي التي جعلت أن يعتلي مار بولس ومار شمعون إيشاي كرسي البطريركية على التوالي ولم يكن الوضع المأساوي مهيئاً لإختيار البطريرك من أبناء الشعب، فالعقلية العشائرية التي كانت سائدة في المجتمع حينذاك هي التي جعلت أن يبعد مار طيماطيوس مطران الكنيسة في الهند من أن يتولى الكرسي البطريركية والذي كان أقدم مطارنة الكنيسة في تلك الفترة.

نقطة أخرى بالنسبة لقبر أمير الشهداء، فكما أعرف بأنه قبل سنوات عديدة سافر وفد من الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي (فيدريشن) إلى شمال إيران والمناطق الحدودية مع تركيا للبحث عن قبر الشهيد فزاروا العديد من القرى الآشورية والأرمنية هناك وأستفسروا من عشرات كبار السن هناك ولكن مع الأسف الشديد لم يعثروا على شي فكان هناك إحتمال كبير بأن أكراد إيران قد عبثوا بالقبر وأزاله من الوجود لكي لا يكون رمزا قومياً للإستشهاد عن الآشوريين... ولكن مع هذا يمكن أن تعاد محاولة البحث عن قبره وإن لم يعثروا عليه فأنه من الممكن أن يبنى له صرح كبير في منطقة ألقوش الحبيبة وبالتحديد في دير ربان هرمز إلى جانب أجداده البطاركة العظام.

المجرم سمكو  أستحق مصيره البائس .. حيث بعد قيامه بالعديد من المؤمرات ضدة السلطة الايرانية وتجنيد حملات للقضاء عليه لم يفلس الفرس من القضاء عليه وذلك بسبب مكر المعروف وهروبه من ساحات القتال كان يفلت من قبضة السلطة.  غير أنه بعد سنوات وتحديدا في عام 1930 أستدرجته السلطات الإيرانية إلى منطقة أشنوك شمال فارس بوعود وإغراءات سياسية ووهمية تمكنت من إيقاعه في الشرك الذي نصب له، فإنهال الرصاص عليه من البنادق الفارسية ليقضي عليه نهائيا.  هكذا عادة "العناية الإلهية" لتنتقم لدم الشهيد مار بنيامين وترسم سخرية القدر ضلالها لتقتل سمكو المجرم بالأسلوب نفسه الذي أغتيل مار بنامين ومن قبل نفس الجهة التي دبرت مؤامرة إغتياله.... إلى جهنم يا سمكو وبئس المصير. ليس من المنطق والحضارة أن تعتبر الحكومية الكردية هذا المجرم بطلاً للكرد ويدرس في المناهج التدريسية.

.



49
الترابط العضوي بين الحضارة الآشورية والمسيحية:
---------------------------------
أبرم شبيرا
سطور ونحن في الميلاد:

---------------
وجدت من المناسب ونحن في غمرة أعياد الميلاد، رغم إكتنافها بهجمات العدو الشرير "كورونا"، أن أكتب هذه السطور للقراء الأعزاء والتي من خلالها أبعث لهم تهانينا القلبية بهذه المناسبة متمنياً للكل أن يكون عام 2021 خيرا وسلاماً للجميع، فوجدت أن أكتب بعض السطور التي تتماشى مع هذه الأيام المجيدة وبعيداً عن السياسة و"دردشة" التسميات والأحزاب السياسية. مبتدءا بـ:
من يكتب التاريخ؟
------------
عندما تسقط الأمة سياسياً وينهار كيانها السياسي، أي الدولة، ويضعف تأثيرها على مجريات الأمور يسقط قلمها أو يضعف مفعوله. لذلك قيل أن التاريخ لا يكتبه إلا القوي والمسيطر، وبالتالي ما هو  في مجمله إلا تاريخ الملوك والأمراء والطبقات والشعوب المسيطرة وكل ما يتعلق بهم من معتقدات وأفكار وتصورات وممارسات ونشاطات وحروب وإنجازات. أما الشعوب الخاضعة فتصبح بلا تاريخ، وفي أحسن الأحوال يكون تاريخها مشوهاً وذلك بسبب، إما تاريخهم قد كتب من قبل الشعوب المسيطرة خدمة لمصالحها الخاصة وعن طريق تنسيب المحاسن والمآثر إليها ولصق المثالب والعيوب بالآخرين، أو كُتب من قبل الشعوب الخاضعة وبنوع من الخنوع والتوافق مع رغبات الشعوب المسيطرة. لهذا السبب يسود تاريخ الشعوب الخاضعة حالة من الضبابية أو الخرافة والشعوذة والسحر والخيال لأنه نتيجة منطقية لسقوط القلم وضعف تأثير الفكر والمنطق في فهم التاريخ  وغياب الإجتهاد الفكري.

هكذا كان الحال بالنسبة للآشوريين في أوج إمبراطوريتهم حيث كتبوا التاريخ بأزاميل فولاذية وعلى صخور صلدة وملئوا الدنيا بأخبارهم وإنجازاتهم العظيمة التي وصلت إلى يومنا هذا. وعلى العكس من هذا عندما سقط كيانهم السياسي وأصبحوا شعباً خاضعاً سياسياً لإرادة الشعوب الأخرى وبالتالي باتوا شعباً بدون تاريخ، وفي أحسن الأحوال تاريخ هامشي يعكس هامشية واقعهم وضعف كيانهم السياسي. فبسبب هذه العلة يسود التاريخ الآشوري بعد سقوط كيانهم السياسي الكثير من الغموض والخرافة والشعوذة  بحيث سلبوا من كل المحاسن والمآثر والإنجازات العظيمة ونسبت إلى الشعوب المسيطرة كالفرس والإغريق والرومان بما فيهم الأتراك والعرب والاكراد، لا بل فقد تطاولت عملية سرقة التاريخ الآشوري وبلغت إلى درجة قطعهم عن تاريخهم الغابر وسلبه منهم فأصبحوا في نظر هذه الشعوب إما بدون تاريخ أو بتاريخ يبدأ مع بداية المسيحية أو في بعض الأحيان مع بداية فكرة أو ظهور طائفة دينية أو معتقد معين، وما النعوت كالنسطورية واليعقوبية وحتى "المكون المسيحي" وغيرها من التسميات إلا نماذج في هذا السياق ألصقت بالآشوريين لتشويه أو إخفاء أو محو تاريخهم الغابر. ثم بعد إعتناق الآشوريون المسيحية وبناء دولتهم اللاهوتية التي تمثلت في كنيسة المشرق بدأوا بكتابة تاريخهم طبقاً للظروف الجديدة التي أفرزها واقعهم الجديد فكان تاريخهم في معظمه تاريخ كنسي ولاهوتي بعيد عن السياسة وسلطة الدولة لأن مملكة المسيح لم تكن من هذا العالم (يوحنا: 18:36)، فأنتشر إيمانهم إلى أقاصي بلدان الشرق، إلا أن مع هذا لم ينقطوا عن ماضيهم الغابر بل وجدوا فيه نوع من التواصل خاصة ما ذكر بخصوص هذا الماضي في الكتاب المقدس.
إن استمرار عجز الآشوريين في بناء كيان سياسي خاص بهم  في هذا العالم والسعي المضني في بناء مملكة المسيح أفقدهم المبادرات السياسية الفاعلة والمثمرة،  يعني من جهة أخرى استمرار عجزهم في كتابة تاريخهم بفاعلية مؤثرة قادرة على إزالة الخرافة والشعوذة منه وتحريره من الأوهام والسحر والتي  سيطرت على أفكارهم ومناهجهم في فهم تاريخهم القومي الغابر. ومن المؤسف أن تستمر بعض من هذه الخرافات قائمة حتى إلى زمن قريب، ليس بين بسطاء الآشوريين فحسب، وإنما بين بعض الكتاب التقليديين وبعض أنصاف المثقفين خاصة الأكليركيين منهم. فالبعض من هؤلاء كان لوقت قريب يؤمن ويروج بأن ملك "أتور" غضب الله عليه وحوله إلى ثور لأنه حاول بناء برج يصل سقف السماء ثم نزلت لعنته على أهل بابل فبلبل لسانهم إلى عدة ألسنة !!، أو أن الآشوريين تركوا لغتهم القومية الآشورية – البابلية والتي تكلموا وكتبوا وقرأوا بها لقرون طويلة ودونوا بها أعظم روائع الأدب الإنساني والملاحم والمعتقدات ومنجزات الحضارات التي سبقتهم، تركوا هذه اللغة، وهم في قمة القوة والعظمة والتوسع الإمبراطوري، وتبنوا اللغة الآرامية التي تنسب إلى الآراميين وهم قبائل تغلب عليهم صفة البداوة والترحال وعدم الاستقرار والخضوع السياسي المستمر سواء للآشوريين أو لغيرهم !!، ونحن نعرف بأن اللغة هي نتاج حضارة وليس منبعها البداوة والترحال. أو أن الآشوريين بعد اعتناقهم المسيحية حرقوا وتلفوا كل الكتب السابقة، ميراث آبائهم وأجداهم، لأنها كانت وثنية ومتناقضة مع معتقدهم المسيحي الجديد، وهذا ما فعله المبشرون الغربيون أيضا وزرعوا هذه الفكرة في عقول الآشوريين البسطاء. في الوقت الذي يعجز مثل هذا التفسير عجزاً كاملاً عن بيان سبب قيام الآشوريين المسيحيين أنفسهم بترجمة أمهات الكتب الفلسفية والطبية والأسطورية والتاريخية الإغريقية التي كانت هي أيضاً وثنية وغريبة عنهم فكتبوا عنها وترجموها وحافظوا عليها ونقلوها إلى الشعوب الأخرى والتي بدون عملهم هذا لما كانت قد وصلت إلى عالم اليوم!!. وهذا غيض من فيض من الخرافات والخزعبلات وغيرها كثيرة والتي بث اليهود البعض منها بعد أن حرفوها وشوهوها بما يخدم منهجهم وتقليدهم ودونوها في التوراة في الفترات اللاحقة. ثم جاءت المسيحية، خاصة بعد اعتناقها من قبل البيزنطينين والرومان في القرن الميلادي الرابع وما بعده، حيث شنوا حرباً سياسياً وفكرياً وحضارياً وثقافياً ضد كل الحضارات السابقة، كحضارة بيت نهرين البابلية الآشورية وشعوبها التي اعتنقت المسيحية منذ البداية، فاستطاع الرومان بفعل قوة إمبراطوريتهم وسطوتهم السياسية إخضاع  الدين الجديد إلى أهوائاتهم السياسية وإلى تفسيرات الفكر الهيليني والأساطير الرومانية والنقاشات البيزنطينية التي سببت انشقاق في كنيسة المسيح حتى أصبحت هذه التفسيرات جزء من اللاهوت والمعتقدات الدينية للمسيحيين ومنهم الآشوريين والتي أصبحت مقدسة ومحرمة من النقاش والمراجعة والنقد والتحليل أو المعارضة وإلا الحرم الكنسي أو الهرطقة هما أقل العقوبات بحق المخالف. فتحى الخامس والعشرين من شهر كانون الأول الذي أعتبر يوم ميلاد يسوع المسيح هو بالأساس عيد الشمس عند الرومان، فتم إعتماده على أساس تفسير قائم بأن المسيح هو النور الذي قورن بنور الشمس. ولقد كان  المفكر الكبير ديفيد بيرلي صادقاً كل الصدق عندما ذكر وقال أنه بسبب الفكر الهيليني والأساطير الرومانية نجد اليوم الدين المسيحي في الغرب في انفصام وانحراف تامين عن المسيحية الأصيلة التي بشر بها المسيح والرسل وأبناء الشرق.



العلاقة بين الديانة الآشورية القديمة والمسيحية:
---------------------------
مما تقدم، نرى بأن الكثير من المفاهيم التي تكتنفها الخرافات والتحريفات التي ألصقت ظلماً بالآشوريين وبمعتقداتهم وممارساتهم هي في خلاف وتعارض  مع الوقائع التاريخية التي يكشفها العلم في هذه الأيام، لا بل هي أيضاً في تناقض عميق مع أبسط مقومات الفكر والمنطق والبحث العلمي النزيه. وقد بدأ فعلاً بعض المفكرين والعلماء في دراسة هذه التقاليد الخرافية التي سادت عن تاريخ بلاد ما بين النهرين وحاولوا إحقاق الحق الآشوري الذي غبن كثيرا عبر مراحل تاريخية طويلة. وهي مسائل طويلة ومسبهة لا نريد التطرق إليها حرصاً على حدود موضوعنا هذا، إنما ما نرغب به في هذا السياق هو بيان العلاقة بين الآشورية، أو الحضارة الآشورية أو الديانة الآشورية، وبين المسيحية، وهي علاقة متنافية وغير موجودة أصلاً وفق هذه الخرافات باعتبارهما مرحلتين مختلفتين ومتناقضتين ولا علاقة بينهما غير التناقض، لأن الأولى وثنية إلحادية تقوم على تعدد الآلهة والثانية مسيحية توحيدية تؤمن إيماناً مطلقاً بالله الأوحد وبابنه يسوع المسيح، كما هو سائد عند الكثير من المسيحيين بما فيهم بعض الآشوريين منهم. على أن الفكر والمنطق وحتى الوقائع التاريخية تذهب عكس ذلك وتؤكد بأن الآشورية والمسيحية حلقتان متكاملتان، لا بل ومتكافئتان أيضا فيما يخص التوحيد، وهذا يستوجبه بعض الشرح.
يؤكد الكثير من العلماء والمؤرخين بأن الآشوريين كانوا من أوائل الأمم التي اعتنقت المسيحية وهي في بداية سنواتها الأولى. وقصة الملك أبجر أوكاما – أي الأسود أو الأسمر (4 ق.م – 50 ميلادية) الذي حكم للفترة من (سنة 3 لغاية سنة 50 ميلادية) كان حاكم دويلة أورهي المعروفة في الغرب بـ (Edessa)  في شمال بلاد ما بين النهرين ، وحالياً "أورفه" في جنوب شرقي تركيا، فمراسلاته مع يسوع المسيح ومن ثم اعتناقه المسيحية واعتبار أورهي أول مملكة مسيحية في التاريخ وما صاحب ذلك من انتشار المسيحية في بقية بلاد ما بين النهرين على أيدي الرسل مار توما ومار أدي ومار ماري ومار أجاي، كلها تواريخ معروفة ومتداولة بين الكثير. فمعظم الكتب التاريخية التي تناولت البدايات الأولى لإنتشار المسيحية بين شعوب بلاد ما بين النهرين تؤكد الوقائع التاريخية التي كانت متداولة ومعروفة منذ السنوات الأولى للمسيحية والتي دونها المؤرخ المعروف أوسابيوس، أو (يوسابيوس القيصري، الذي كان يهودياً ودخل المسيحية وأصبح أسقف القيصرية لذلك لقب بالقيصري)،  في القرن الميلادي الرابع وأكدها الكثير من المؤرخين، بأنه في بداية العقد الرابع الميلادي تمت مراسلات بين يسوع المسيح والملك  أبجر الخامس أوكاما، المعروف بـ "ملك الأديسيين" والذي كان حاكماً على إمارة أورهي  - أوديسيا -  والتي كانت تتمتع بنوع من الحكم الذاتي فرضته  ظروف جغرافيا السياسية لتشكل منها دولة، أو دويله أو إمارة، حاجزة في منطقة تقاطع الدوائر الحدودية للصراع المستديم بين الإمبراطوريتن الفارسية والإغريقية/الرومانية. فحسب هذه التواريخ، في عام 31 الميلادي عندما سمع الملك أبجر الخامس عن المسيح ومعجزاته في إحياء الموتى وإشفاء المرضى وإبصار العميان، وعندما علم بإضطهاد اليهود له ومحاربته وعدم قبول رسالته السماوية أرسل إليه وفداً طالباً منه القدوم إلى مملكته والإقامة فيها وإشفاءه من مرض النقرس والمعروف بـ (داء الملوك) الذي كان مصاباً به وتعميذه هو وأتباعه. كان من ضمن الوفد النساخ المعروف حنينيا أو حنا الذي دون مفردات طبيعة المسيح والمناقشات التي دارت بينهما، كما قام حنا برسم صورة المسيح على منديله، غير أن بعض المراجع تذكر بأن المسيح أخذ منديل حنينا ومسح به وجهه فطبعت عليه صورته وأرسلت إلى الملك أبجر في أورهي والتي أشتهرت فيما بعد عند الروم بـ "وجه أوديسيا المقدس".  لقد جاء في أحدى رسائل الملك أبجر إلى المسيح قوله " عندما سمعت عنك تأكد لي إما أنت هو الله نفسه النازل من السموات أو أنت أبن الله". حينذاك قال المسيح كلمته المشهورة "طوبى للذين آمنوا بي ولم يروا... ومكتوب لي بأن الذين رأوني لن يؤمنوا بي والذين لم يروا يؤمنون بي ونصيبهم الخلاص.". وجاء جزء من هذا القول في أنجيل يوحنا عندما قال للرسول توما "لأنك رأيتني آمنت؟ طوبى للذين يؤمنون دون أن يروا" (يوحنا: 20-29). ثم أجرى يسوع المسيح أمام تلاميذه آيات أخرى كثيرة لم تدون في الكتاب (يوحنا: 20 -30). وقد يكون عدم تدوين بقية قول يسوع المسيح أحدى هذه الآيات التي تؤكد خلاص الشعب وملكه الذين آمنوا بالمسيح ولم يروه.  ثم ذكر المسيح للوفد بأنه بعد إكمال رسالته، أي الموت على الصليب وقيامه في اليوم الثالث، سوف يرسل أحد تلاميذه إلى أورهي لإبراء الملك أبجر من المرض وتعميذه. وفعلا بعد القيامة جاء مار أدي، المعروف بـ "اتداوس" أحد تلاميذه إلى أورهي تلبية للوعد فأشفى الملك من المرض وتعمد بروح القدس هو وأتباعه ثم أنتشر الإيمان المسيحي من بلاد آشور على يد رسل الشرق وعلى مفاهيمهم ورسائلهم أقيم صرح إيمان كنيسة المشرق في بلاد مابين النهرين ومنها أنتشرت إلى بقية بلدان المشرق وشعوبها.
يورد الدكتور الأب الدكتور يوسف حبي – رحمه الله – في كتابه (كنيسة المشرق) النص الكامل لرسالة الملك أبجر أوكاما، حيث أصل الرسالة كان موجودا في الخزانة الرسمية لمملكة أورهي. ففي بداية القرن الرابع الميلادي، أوردها المؤرخ أوسابيوس القيصري في كتابه المعنون "تاريخ الكنيسة أو التاريخ الكنسي"، ترجمه القمص مرقس داود، القاهرة (مكتبة المحبة) 1979 الكتاب الأول، الفصل 13، ص 54 – 59،  من السجلات الرسمية لمدينة الرها، أو أورهي، ونقلت حرفيا من السريانية إلى العربية. وبمناسبة هذه الرسالة يذكر البرفسور إبراهيم يوهنان بأنه يبدو كانت رسالة يسوع المسيح قد ترجمت من السريانية إلى اللغة اليونانية في وقت مبكر وأدمجت من قبل أوسابيوس القيصري في كتابه "تاريخ الكنيسة" والتي كانت تشمل كسرات من الورق البردي الإغريقي وهي مملوكة لمكتبة بودلاين في جامعة أكسفورد ببريطانيا مؤرخة من القرن الرابع او الخامس الميلادي. حيث في عام 1901 كان قد عثر في مدينة أفسيس على نافذة فيها رسالة أبجر إلى المسيح ورسالة المسيح إلى أبجر دون فيها إشارات وميزات على الأغلب معاصرة لفترة أوسابيوس في القرن الرابع الميلادي. وفي نفس الكتاب يؤكد الدكتور الأب يوسف حبي أن أهم الأدلة التي تدعم إنتشار المسيحية في بلاد النهرين وفي الرها، أي أورهي، بشكل خاص، إشتراك أساقفة من بلاد النهرين في المجمع المنعقد بشأن تحديد يوم عيد الفصح سنة  190 ميلادية وإنتشار عمل طيطيانوس – الذي كان معروفاً بـ "طيطيانوس الآشوري"  الذي قام بتوحيد الأناجيل الأربعة في أنجيل واحد والمعروف بـ "الدياطسرون" منذ عام 172 الميلادي إضافة إلى وجود برديصان الفيلسوف المسيحي في بلاط مملكة الرها في أواخر القرن الثاني الميلادي... وغيرها من شواهد تفترض قيام المسيحية في هذه المنطقة منذ زمن طويل.
أن الذي يهمنا هنا هو البحث عن الأسباب التي دعت بالآشوريين إلى أن يندفعوا، ومنذ البداية، اندفاعاً قوياً وبإيمان عميق لكي يعتنقوا هذا الدين الجديد وجراء ذلك زهقت أرواحهم وسالت دمائهم من أجل نشر رسالة الإنجيل إلى أقاص بعيدة من الأرض في الوقت الذي كان معروفاً لهم ولغيرهم بأن المسيحية  غير قاصرة عليهم أو على أية أمة من الأمم بل هي ديانة سماوية عالمية وإنسانية تخص جميع الأمم دون استثناء. ويمكن درج بعض من هذه الأسباب وبإختصار كما يلي:
1-   تعتبر التوراة من بين أقدم المصادر المعروفة عن تاريخ الآشوريين قبل أن تكشف التنقيبات عن الحضارة الآشورية وتحل رموز الكتابة المسمارية. فالكثير من هذه المكتشفات أكدت بأن الآشوريين كانوا قد عرفوا بوحدانية الله الخالق للسموات والأرض. فهناك نص لصلاة مدون على رقم طيني مكتشف في القصر الملكي في نمرود قام البروفسور فرد تميمي، رئيس مركز بحوث الآشوريات في الولايات المتحدة الأمريكية (رحمه الله)، بحل رموزه وترجمته ليؤكد بأن دين الآشوريين المتمحور حول الآله آشور يشكل دليلاً وافياً على كونهم قد عرفوا التوحيد. لهذا السبب كان من السهل على الآشوريين فهم وحدانية الرب المتجسد في وحدة المسيح وكنيسته. وهنا الكثير من المراجع التي تؤكد إيمان الآشوريين بإله واحد هو "آشور". حيث باتفاق جميع الكتاب والباحثين والاركيولوجيين يعتبر الإله آشـور المحور المركزي للحياة الدنيوية والدينية  للآشوريين منذ ظهورهم على مسرح التاريخ وحتى قدوم المسيحية ولفترة تعد أطول فترة عبادة لإله ديني وقومي في آن واحد في التاريخ الإنساني قاطبة. فالآشوريون لم يتوقفوا عن عبادة آشور، الإله المقدس الأول والأعظم الذي يحكم الأرض والسماء، سواء في عظمة وسعة إمبراطوريتهم أو في ضعفهم وتدهور أحوالهم السياسية. حيث بقى وعلى الدوام الإله الحارس للشعب الآشوري ولملوكهم، فكان هنا دائماً تأكيد  مشدد على عظمة الإله آشور ورفعة مقامه المقدس. تقول الباحثة ( أم. ئي. هاركنز )  كان يطلق عليه الإله الذي خلق نفسه بنفسه ... لذلك كان لآشور ألقاب عديدة بهذا الشأن فهو عند الآشوريين ملك جميع الآلهة أو أب الآلهة الذي يحكم بسموه على جميع الآلهة، أو المولى العظيم وكان أثناء الدعاء والصلاة والتضرع يتم مخاطبته بـ "آشور مولاي العظيم … وكان آشور الإله الحارس للملوك الآشوريين فهو الذي يسنم الملوك على عروشهم ويمجد حكمهم ويطول من سنين سلطانهم ويحفظ قوتهم ويعظم من أسمائهم ويمنحهم النصر المبين على أعدائهم ويمنحهم نعمة خلافة حكمهم من قبل أبنائهم وأحفادهم ويضمن ذريتهم... ومنذ بداية الأمبراطورية الآشورية كان أسم آشور مماثل لإسم البلد وكانت الديانة تسمى بـ (عبادة آشور) وحتى في نهاية الإمبراطورية بقى آشور الإله القومي الأسمى لدى الآشوريين". وعلى نفس المنحى يذهب البروفيسوران ماتفييف و سازانوف في تأكيدهم على مركزية الإله آشور وعظمته في الحياة الدينية والدنيوية للشعب الآشوري. فيقولان "كان الرب آشور في الدولة الآشورية يحظى باحترام فهو الحق والإله الذي يجلب الشفاء وخالق الأرض فكان يشغل المرتبة الأولى في وحدة الوجود الآشوري … ونال لقب ملك جميع الآلهة كما هو رب المواجهة ضد هجمات أعداء الدولة الآشورية وعن يديه كان الملك يتقبل العرش والتاج والصولجان والإكليل وكانت أولى الكؤوس والهدايا في الانتصارات توضع على تماثيله وكان على الشعب الآشوري أن يبجلوه ويتذكروه وبصورة دائمة وعلى الملوك أن يمثلوه على ملابسهم وأختامهم وكان أسمه يرتل ثلاث مرات في بداية ونهاية النشيد القومي وأعتبر أباً للبلاد وأباً للشعب وبأسمه لقب الشعب الآشوري.
2-   إن منطق التوراة نفسه يقر بأن الإيمان بالله الخالق الأوحد ليس وقفاً على اليهود فقط، بل على الشعوب الأخرى أيضاً وتحديداً الآشوريين منهم. وهذا يتأكد في قصة رحلة النبي يونان إلى مدينة نينوى الوارد ذكرها في سفر يونان من التوراة والتي من المحتمل حدثت في عهد الملك الآشوري سنحاريب (705- 681) ق.م. إذ ليس من المنطق والعقل أن ملكاً عظيماً كالملك سنحاريب، الذي غزت جيوشه بلاد اليهود وحاصرت أورشليم وأستهزأت قواته بالإله يهوا، يسمع وعظ النبي يونان ويخضع لمشيئته والتي هي مشيئة الله، مالم يكن إيمانه بالله الخالق إيماناً قوياً. حيث وصف ذلك في التوراة كما يلي "أنه قام - أي الملك الآشوري - من عرشه وخلع حله رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد ونودي وقيل في نينوى عن أمر الملك ونبلائه قائلا لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئاً وليغط بمسوح الناس... ويصرخوا إلى الله بشدة ويرجع كل واحد على طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك... فلما رأى الله أعمالهم وأنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصعنه بهم فلم يصنعه (يونان:3 : 5-10)، وهذا العمل الرؤوف من الله سبب غماً شديداً للنبي يونان وفضل الموت على الحياة لأن الله أصبح رؤفاً ورحيما مع الشعب الآشوري وملكه ولم ينتقم منهم (يونان: 4 : 3 – 4). ومن المعروف بأن كنيسة المشرق الآشورية ما زالت تلتزم بهذا النذر حتى أيامنا هذه وأدرج في تقويمها الرسمي كصوم رباني ملزم والذي يعرف بـ "باعوثا د نينوايه" أي صوم أو نذر النينويين. وهنا يجب أن لا ننسى بل نتذكر قول يسوع المسيح في إشارته إلى أهل نينوى الذين سيقفون يوم الدينونة مع هذا الجيل ويدينونه لأنهم تابوا لما أنذرهم يونان، كما ورد في إنجيل متي (12:41). من هذا المنطلق، فإن الإيمان بالله الأحد كان يتمثل عندم بإله "أشور".
3-   ما يميز الآشوريين، بشكل أكثر وضوحاً وبروزاً، عن غيرهم من الأقوام القديمة هو الترابط العضوي بين المادة والروح وترابط الحياة الدنيوية مع الحياة الدينية إلى درجة لم يكن إطلاقاً الفصل بينهما ممكنا والذي تجسد في الإله آشور بإعتباره إلهاً قومياً ودينياً، كما سبق الحديث عنه سابقا (في الفصول السابقة). هذا الترابط العضوي بين الروح والمادة ترسخ في العقلية الآشورية وعلى تألية آشور وتجسيده على شكل مترابط نصفه إلاهي ونصفه الآخر بشري ذو أجنحة على كلا جانبي القرص وذو ذيل طيري يمسك بقوس مشدود مع سهام، وهو الشعار الديني والقومي الذي ساد في الحياة اليومية السياسية والعسكرية والدينية للآشوريين. ولا يزال الكثير من التنظيمات القومية الأشورية تستخدم هذا الرمز في أيامنا هذه شعارا لهم. من هذا المنطلق كان الترابط العضوي بين الجانبين المادي والروحي، أي القومي والديني، خصلة من خصال الشعب الآشوري وميزة من تشكيلاته المعرفية والقيمية والسلوكية بحيث أصبحت جزء من مكوناته الفكرية والمنهجية نحو الحياة والطبيعة. لهذا السبب عندما جاء يسوع المسيح كرمز لإتحاد الألوهية مع الناسوتية جاء متوافقاً كل التواقف مع التصور الأشوري للإله المتجسد والمترابط للجوانب المادية والروحية، فألهمت المسيحية الآشوريين فأعتنقوها بصدق وإخلاص وتفانوا في سبيل نشر رسالتها إلى الشعوب الأخرى متجاوزين الحدود القومية والجغرافية، كما فعل أسالفهم عندما نشروا رسالة الإله آشور إلى شعوب أقاصي العالم القديم.
4 -   على أن الذي يهمنا هنا هو القول بأنه لا يمكن لأي شعب من شعوب العالم أن يؤمن إيماناً قوياً وصادقاً بدين معين ويقدم تضحيات جسيمة في سبيله ما لم تكن السمات القومية والحضارية وعادات وتقاليد ومعتقدات وظروف معيشة هذا الشعب متوافقة ومنسجمة ومتكاملة مع هذا الدين. والعكس صحيح أيضا، عندما يتردد شعب من شعوب العالم اعتناق دين معين أو يرفضه أو يحاربه ويضطهد المعتنقين له ويرميهم في أتون النار أو يقطع رؤوسهم أو يرميهم للحيوانات المفترسة ، فهذا لا يعني إلا أن هذا الدين الجديد القادم هو في تعارض وتناقض مع معتقدات وتقاليد ومبادئ هذا الشعب، لا بل هو تهديدا خطير لدينهم أو لحضارتهم أو لسلطة حكامهم وبالتالي يستوجبه المنع والتحريم والمقاومة بشتى الوسائل. هذه البديهية المنطقية تنطبق في أجلً صورها على الآشوريين في مقارنتهم مع بقية الشعوب الأخرى فيما يخص علاقتهم بالمسيحية. فمن خلال استقراء تاريخ نشوء المسيحية ورسالتها ومقارنة ذلك مع تاريخ الآشوريين يتكشف لنا بأن هناك توافقاً وانسجاماً بين المبادئ والقيم التي جاءت بها المسيحية وبين الحضارة الآشورية التي ورثت حضارات سومر وأكد وبابل. كما وأن العوامل الروحية والمادية من سياسية واقتصادية للشعب الآشوري شكلت عواملا أساسية وفاعلة في اندفاع الآشوريين نحو المسيحية واعتناقها بكل صدق وإخلاص وتفاني في سبيل نشر رسالتها إلى الشعوب الأخرى. فالقصص والملاحم الواردة في الكتاب المقدس والمقتبسة من حضارة بلاد ما بين النهرين والإشارات الواردة فيه بخصوص الآشوريين والوعود الممنوحة لهم بإعادة انبعاث الكيان الآشوري إلى جانب الكيانين المصري واليهودي قبل حلول يوم الآخرة وقدوم المسيح مرة ثانية عوامل ألهمت الآشوريون نحو الديانة المسيحية كما ورد في الإصحاح (23 – 24:19) من سفر إشعيا من التوراة.  فهذا لا يمكن أن يكون إلا مصدراً للإلهام بالنسبة للآشوريين للاندفاع نحو المسيحية التي وجدوا فيها خلاصهم وانبعاث وجودهم مرة أخرى. وهذا ما تأكد فعلاً، إذ يقول الكاتب الشهير وكرام "بأن المسيحية منحت أحفاد آشور نوع من الاهتمام والتأثير فتوحد شعورهم القومي القديم وأظهرت فيهم نوع من الاندفاع نحو الوحدة والتكاتف. ويستمر وكرام ويقول "لقد رأينا بأن الغريزة القومية كانت قوية في الشعب وهذا طبيعياً ميال للتعبير عن نفسه في ماهو الأكثر إهمية  للأمة وهو الدين... لأن في تلك الأيام كان ثيولوجيا (علم الدين) الشكل الوحيد للمعرفة السياسية. فخلال خمسة عشر قرناً الأخيرة من تاريخهم كان الدين يقرر قوميتهم والكثير من الذين أعتنقوا هذا الإيمان أصبحوا أوتوماتيكياً أعضاء في الأمة. ويقول البروفسور سيمو باربولا بهذا الصدد "أن الاهتداء إلى المسيحية كان سهلاً على الآشوريين لأن الكثير من تعاليم الكنيسة في عهدها البدائي كانت مماثلة لمعتقدات ديانة الإمبراطورية الآشورية. في الحقيقية يمكن القول بأن العديد من مبادئ المسيحية في مهدها كانت مبنية على الممارسات والأفكار التي كانت سابقاً مركزية لأيديولوجية وديانة الإمبراطورية الآشورية … مثل الدور المركزي للتنسك في المسيحية السريانية وعبادة أم الله والعذراء المقدسة والإيمان بالإله الأب وأبنه والروح القدس التي تشكل عقيدة الثالوث المقدس" ويتابع ويؤكد بأن هذه العقيدة التي لم تدخل المسيحية إلا في القرن الثالث عن طريق اللاهوتيين الغربيين كان مصدرها الفيلسوف الآشوري ططيانوس (حوالي سنة 120 ميلادية) الذي كان ينتمي إلى التقليد الديني الذي كانت فيه أفكار الثالوث المقدس متداولة لعدة قرون.
5 -    إضافة إلى ذلك فإن الشعب الآشوري كان مهيئاً فكرياً ونفسيا وبدرجة عالية لاستقبال المسيحية واعتناقها فكان هناك أسباب سياسية أخرى ساهمت بشكل كبير أيضا في سرعة اعتناقها، إذ لم يكن للآشوريين لا حكومة ولا سلطة إمبراطورية مركزية أو تنظيم مركزي قوي أو كيان مستقل ومحدد بمصالح خاصة أو حتى دين رسمي لدولة أو لحكامهم يحول دون اعتناق المسيحية ديناً لهم. أي أن الفضاء السياسي كان مفتوحاً أمامهم وأمام كياناتهم السياسية الهامشية الصغيرة لتأكيد ذاتهم من خلال الديانة الجديدة التي كانت تخالف ديانة حكام غير الآشوريين المتسلطين عليهم. فعندما يذكر الملك أبجر أوكاما، السالف الذكر، في إحدى رسائله إلى يسوع المسيح ويقول فيها "عندما سمعت عنك تأكد لي إما أنت هو الله نفسه النازل من السموات أو أنت أبن الله " فهذا يدل على أن هذا الملك كان يعرف وجود الله الوحيد في السموات، مثلما كان يعرف الملك الآشوري العظيم سنحاريب عندما سمع كلمة الرب وصام مع شعبه  طلباً للخلاص وتجنباً للهلاك، حسبما جاء في سفر يونان والذي هو أصلاً مكرس للتأكيد بأن عبادة الله لم تكن قاصرة على اليهود فحسب وإنما على أمم أخرى ومنهم الآشوريين. إلا إن ما يختلف هذا الملك الكبير، وبحكم التاريخ والتطور، عن ملك "الصغير" أبجر، هو أن فكرة التوحيد كانت  قد وصلت إلى أوجها في عصر هذا الأخير ولم يكن يتطلبها إلا التجسيد على الواقع بصورة إنسان. لهذا من الممكن جداً أن نفهم من كلام الملك أبجر بأنه كان قد سمع أو قرأ عن مجيء المسيح المخلص من خلال إطلاعه على التوراة، أو كان معتقده الديني يوحي بتجسيد الله في صورة إنسان كما كان أجداده القدماء يجسدون إلههم آشور على شكل رمز يمثل رأس إنسان، للدلالة على العقل والحكمة وله أجنحة طير مسرحة لدلالة على الهواء أو الروح أو الملائكة وسرعة الحركة مما يترك مجالاً للمقارنة بين تجسيد الإله آشور وبين تجسيد كلمة الله في شخص يسوع المسيح. فهذا التوافق هو  شكل من أشكال تواصل الحلقتين الآشورية والمسيحية وإلا لما كان قد أبدى هذا الملك الصغير وأتباعه ودويلته هذه السرعة الفائقة في الإيمان بالمسيح وبإخلاص وتنافي من دون أن يراه ومن دون خشية من المخاطر التي قد يسببها له الرومان، الذين كانوا أسياد المنطقة في تلك الفترة، من جراء اعتناقه هذا الدين الجديد. كما وأنه ومن الضروري جداّ الانتباه إلى كلام الملك أبجر عندما يذكر في رسالته هذه بأن المسيح هو الله نفسه أو أبن الله، فأن مثل هذا الإدراك والإيمان من قبل هذا الملك الذي لم يرى المسيح ولم يلتقي به شكل فيما بعد الركن الأساسي في اللاهوت وفهم طبيعة المسيح الألوهية والناسوتية والذي لم يكن، أي الملك أبجر أوكاما، إلا بداية البداية لسلسلة تاريخية طويلة شكلت ملحمة من ملاحم قوة إيمان الشعب الآشوري بالمسيحية والتضحية في سبيلها بحيث  يصعب إيجاد مثيلاً لها في تاريخ شعوب الأخرى، وهي الحلقة المتواصلة عبر مراحل تاريخية سابقة ومختلفة وعديدة ولكن من دون انقطاع خاصة بين المرحلتين الآشورية الما قبل المسيحية والآشورية الما بعد المسيحية.
6 -    ولو حاولنا استخدام المنهج المقارن كمنهج علمي في فهم كون قوة إيمان الآشوريين بالمسيحية كنتيجة حتمية لتوافق حضارتهم وثقافتهم وعقليتهم وتكاملها مع المسيحية ومن خلال مقارنة ذلك  مع الشعوب الأخرى لتأكدت هذه النتيجة الحتمية أكثر فأكثر. فعندما أمر يسوع المسيح تلاميذه قائلاً "أذهبوا إذن، وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الرب والابن والروح القدس: (متى 28: 19) لم يخص أمة من الأمم أو شعب من شعوب المعمورة وإنما أشمل بذلك جميع الأمم بالبشارة. ومنذ فجر القرن الميلادي الأول، عندما جاء الرسل إلى بلاد ما بيت نهرين كان يسكنها أيضا غير الآشوريين من الفرثيين والميديين والعيلاميين وغيرهم، فانطلق الرسل من مدينة أورهي نحو المناطق الأخرى للتبشير برسالة الرب غير انه من الملاحظ بأن هذه الشعوب الآرية التي كانت تعتنق الديانة الزاردشتية والمجوسية لم تلتف إلى هذا الدين الجديد ولم يثير اهتمامها لا بل ولم تفهم مغزاه  لذلك لم تنتشر المسيحية بينهم إلا في عدد قليل جدا، ولم تحقق نجاحاً كبيرا فيهم فبقوا بشكل عام كشعوب وأمم وحكام ودول أو إمبراطوريات محافظين على عقائدهم الدينية. وهكذا كان الحال أيضا مع الأكراد قبل اعتناقهم الإسلام. حيث لم تكن المسيحية ورسالتها في التسامح والمحبة والسلم تتوافق مع طبيعتهم العشائرية القائمة على الحرب والسلب والنهب في حين وجدوا في الفتوحات الإسلامية منهجاً وفكراً وعقيدة تتوافق مع طبيعتهم الإجتماعية. وحتى مع الشعوب التركو – المغولية والتي حاولت بعض قبائلها تبني المسيحية ديناً لها ولأسباب فردية أو سياسية مصلحية إلا إنها سرعان ما تحولت إما إلى البوذية أو إلى الإسلام ذلك لأن المسيحية  كانت بالنسبة لهم ديانة أو معتقد أو مفاهيم لا تتوافق إطلاقاً مع حضارتهم أو معتقداتهم أو طبيعة حياتهم الاجتماعية والفكرية والسياسية، لا بل وجدوا فيها، وفي أحيان كثيرة، خطورة تهدد معتقدهم وتعرض كيانهم أو دولتهم إلى الفتن والتحريض والمقاومة والانهيار، خاصة عندما نعرف بأن المسيحية هي رسالة محبة وسلام في حين كانت رسالة الشعوب التركو – المغولية الحرب والقتل والسلب والدمار.
7   - الحال أكثر وضوحاً هو مع الرومان، فمنذ البداية حاربوا المسيح وتحالفوا مع أحبار اليهود للقضاء عليه وصلبه ثم استمروا في محاربة المسيحية محاربة شديدة  فألقوا بأتباعها للأسود المفترسة ومثلوا بهم تمثيلاً بحيث ملاؤا الدنيا بأخبار أفعالهم الشنيعة تجاه المسيحيين. ويكفي الإشارة إلى أنهم صلبوا هامة الرسل القديس بطرس مقلوباً على الصليب على الطريق المؤدي إلى روما لبيان مدى قسوتهم وشدتهم في محاربة المسيحية التي وجودوا فيها العدو رقم واحد في القرون الميلادية الأربعة الأولى والتي كان يعتقدون بأنها تهدد عظمة إمبراطوريتهم لأن المسيحية كانت منافية للفكر الهيليني والأساطير الرومانية والبيزنطينية ومتناقضة معها. هذا التناقض كشفه وصرح به جهاراً الفيلسوف ططيانوس الآشوري في بداية القرن الميلادي الثاني في مؤلفاته التي أحرقها الرومان وحرًموه فيما بعد واعتبروه زنديقاً خطيراً. وحتى بالنسبة للإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير الذي أعلن المسيحية ديناً رسمياً لإمبراطوريته في عام 313 فأن ذلك لم يكن إلا بتأثير والدته "هيلاني" والمعروفة بـ "القديسة هيلاني" والتي يقال بأنها كانت بنت قس سرياني من الرها، كما يذكر ذلك د. أحمد سوسه، وبعد وفاته قام أسلافه بحملات إضطهاد وقتل بحق المسيحيين. وقصة قيام الإمبراطور الروماني نيرون (المولود عام 37   ميلادي والذي حكم للفترة من 54 لغاية وفاته في 68 ميلادية)، بحرق مدينة روما ومن ثم إلقاء اللوم على المسيحيين نموذج من أبشع أنواع الظلم والإضطهاد الذي مارسه الرومان بحق المسيحيين، حيث أصدر أوامره بالقضاء على المسيحيين عن طريق سفك دمائهم وتقديمهم للوحوش الكاسرة أو إحراقهم أحياء أمام شعب روما وأستمر هذا الإضطهاد للمسيحيين لمدة أربعة أعوام ذاق خلالها المسيحيون في المدينة جميع صنوف العذاب وأشكال الموت البشعة. ثم بعد عقود من إضطهاد المسيحيين أعتنق الرومان المسيحية بعد أن تم توليفها وتفسيرها وفق أساطيرهم ومعتقداتهم الخاصة بهم والتي سببت فيما بعد ما سببته من صراعات فكرية وبالتالي إنشقاقات في كنيسة المسيح. وما الصراع الفكري الذي حدث بين نسطورس وقرلس في مجمع أفسس 431 ومن ثم إنشقاق كنيسة المسيح إلا نتيجة لهذه الصراعات البيزنطينية. ومن الملاحظ بأنه حتى بعد اعتناق الرومان للمسيحية والدفاع عنها في الفترات اللاحقة فأن ذلك كان في جوانب كثيرة لدوافع وأسباب سياسية ناجمة من صراعها المستديم مع الإمبراطورية الفارسية المجوسية الزارادشتية أولاً ثم مع الفتوحات الإسلامية ثانياً، ولم تدخل المسيحية قلوب الرومان وتصبح عقيدة دينية ثابتة لهم إلا بعد أن أصبحت بفعل اللاهوت وتفسيراتهم ديانة مستجيبة لتطلعاتهم وأفكارهم وفلسفتهم، خاصة بعد أن تكسرت شوكة إمبراطوريتهم وأنقسمت بين غربية وعاصمتها روما، وشرقية وعاصمتها القسطنطينية (أسطنبول فيما بعد )، فقضى البرابرة على الأولى عام 476 والفتح العثماني على الثانية عام 1453.   

من هم "المجوس" الذين قدموا من الشرق ليسجدوا للمسيح المخلص:
---------------------------------------
اجتهد علماء اللاهوت في أصل هولاء "المجوس" الوارد ذكرهم في العهد الجديد من أنجيل متى (2: 2-12) حول عددهم وموطنهم وأصلهم. فبالإستناد إلى الهدايا الثلاث (الذهب والبخور والمر) التي قدمت للمسيح المولود أعتبروا بأن عددهم كان ثلاثة. أما بالنسبة لموطنهم فالبعض يجتهد ويذكر بأنهم جاءوا من ميلشيور من بلاد فارس او جاسبا من الهند لا بل وصل الأمر عند البعض فأعتبروهم بأنهم قدموا من شبه الجزيرة العربية. فالقصة طويلة بالنسبة لمثل هذه الإجتهادات. من هذا المنطلق يحق لنا أيضا أن نجتهد ووفق الوقائع والأحداث التاريخية المعروفة في تاريخ الآشوريين، خاصة ما ورد أعلاه فيما يخص العلاقة بين الآشورية والمسيحية وكون الآشوريين من أوائل من آمن بربنا يسوع المسيح وقدومه كمخلص للشعوب المضطهدة. من هذا المنطق يمكن القول بأن هناك إحتمال كبير أن يكون الحكماء (Wisemans) الوارد ذكرهم في أنجيل متى أو كما جاء ذكرهم في الترجمة العربية بـ (الملوك المجوس) الذين قدموا من الشرق ليسجدوا المسيح المخلص المولود في بيت لحم (أورشليم) من أمراء وحكام الدويلات الآشورية الذين كانوا قد سمعوا بمجئ المسيح المخلص. ومن الملاحظ بأن هناك فرق كبير بين المجوس الوارد ذكرهم في الكتاب المقدس باللغة العربية وبين الحكماء الوارد في الكتاب المقدس باللغة الإنكيزية. وما يعزز إحتمال كون الحكماء من أمراء وحكام الدويلات الآشورية في بلاد النهرين، هو:
1.   أن بلاد ما بين النهرين أو بلاد آشور (Assyria) والتي منها جاءت تسمية سورايا وسوريا هي أقرب إلى شرق أورشليم من بلاد المجوس في فارس.
2.   سعة معارف الآشوريين بالأجرام السماوية وعلم الفلك الذي ورثوه من أجدادهم البابليين أعانتهم في الإستدلال عن طريق النجمة الساطعة التي أرشدتهم إلى مكان ولادة يسوع المسيح.
3.   كون المجوسية في تلك الفترة الديانة المهيمنة والرئيسية في الدولة الفارسية والتي كانت ديانة الملوك والأمراء المعروفين بالتزمت والعداء الشديد للديانات الأخرى خاصة المسيحية بعد إنتشارها في بعض مقاطعاتهم ومن ثم عدم منطقية هجر "المجوس الثلاثة" ديانتهم المجوسية الرسمية المعبرة عن كبريائهم وسيادتهم وتراثهم وقطع ألاف الأميال لإعلان الولاء للمسيح المولود في أورشليم وتقديم الهدايا والسجود له. على العكس من هذا فإن ضعف القيود السياسية والدينية المباشرة على الأمراء والحكام الآشوريين وعدم خضوعهم للسطات السياسية والقانونية المباشرة والمركزية بسبب وجودهم في المناطق الهامشية لتقاطع دوائر الصراع بين الإمبراطوريتن الفارسية والرومانية، شكلت كل هذه الظروف عاملاً في إندفاع الآشوريين والسعي نحو معرفة المسيح المخلص سيما وأنهم سبق لهم أن سمعوا وقرأوا عن مجئ المخلص ليخلصهم من سيطرة وظلم الغرباء عليهم. وهذا ما تأكد عند الملك أبجر الخامس أوكاما السالف الذكر والذي يظهر بأنه كان على بينة بنبوءة دانيال في مجئ المخلص قبل الإتصال به.
أخيرا أود أن أبين مايلي:
--------------
أولا: هذه الصفحات هي مستلة من كتابي العتيد المعنون "الفصل بين الكنيسة والسياسة في المجتمع الآشوري" الذي هو منذ فترة ليست بقصيرة قيد الإنجاز والنشر.
ثانيا: طبيعة هذه السطور في كونها كمقالة لم تسمح  بأن أذكر المراجع المعتمدة عليها ولكن كلها مذكورة في كتابي المنوه عنه أعلاه، فأرجو المعذرة من القراء الأعزاء.
ثالثا: هناك نقطة مهمة في فهم علاقة الدين والكنيسة بالقومية، وتحديداً بالنسبة للآشوريين.. فكثيراً ما يتعرض الدين المسيحي أو كنيسة المشرق من قبل البعض إلى هجوم كاسح في إعتبارها مصدراً للتفرق وإنشاق الأمة إلى شراذم طائفية، ونحن نرى  بأن هذا ليس صحيحاً فالدين المسيحي أو كنيسة المشرق بريئة من هذه التهم، بل أن مثل هذه التهم يجب أن توجه إلى رجال الكنيسة واكليريتها, وبالطبع ليس كلهم بل البعض منهم خاصة المصلحجية والمتنفذين. فمنذ القرن الرابع لم يكن الصراع بين نسطورس وقرلس في جوهره خلاف لاهوتي كنسي بل عداء محتدم بين الإثنين خاصة بعد ترقية كرسي القسطنطينة الذي كان يجلس عليه نسطورس ليكون أعلى من كرسي الإسكندرية الذي كان يجلس عليه قرلس. فمنذ تلك الفترة ومروراً بعقود طويلة حتى فترة إنشقاق كنيسة المشرق وقيام الكنيسة الكلدانية لم يكن في البداية بسبب المعتقد والإيمان بل بالأساس كان عدم الإتفاق على الإجراءات الإدارية لتوريث كرسي البطريرك الذي تبنته الكنيسة في تلك الفترة، والثابت في ذلك هو أقرار الأساقفة الثلاثة الذين بدأوا بالإنشقاق بإيمانهم "النسطوري" رغم إتصالهم بالحبر الأعظم في الفاتيكان. لا بل وحتى في منتصف الستينيات من القرن الماضي فإنقسام كنيسة المشرق الآشورية إلى شقين (التقويم اليولياي والتقوم الغريغوري)، لم يكن له إطلاقاً أية علاقة بالإيمان بل كان في جوهره صراع بين أشخاص وتصفية حسابات بين رؤساء العشائر والعائلة البطريركية منذ مذبحة سميل. وحتى إلى وقت قريب جداً فأن عجز توحيد شقي كنيسة المشرق الآشورية (التقويم اليولياي والتقوم الغريغوري)،  كله وبالأساس هو بسبب أكليريوس الكنيسة ولعوامل شخصية لا غيرها، فلا علاقة الإنشاق إطلاقا بالإيمان والمعتقد. هذه مسألة طويلة وحساسة ومعقدة فلنا العودة إليها في وقت آخر مناسب. ومرة أخرى عيد ميلاد سعيد ورأس سنة ميلادية مجيدة.

50
كتاب عن الآشوريين في معرض بغداد الدولي للكتاب:
==============================

الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر
دراسة مسألة في العقلية العراقية تجاه الأقليات
===========================
أبرم شبيرا
ضمن كتب معرض بغداد الدولي للكتاب، تٌعرض دار الساقي - لبنان كتابي المعنون (الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة مسألة في العقلية العراقية تجاه الأقليات) طبع عام 2001. فمن بين تسع كتب كتبتها عن الآشوريين فإن لهذا الكتاب أهمية متميزة وخاصة:
أهمية الكتاب المتميزة:
------------
لهذا الكتاب أهمية خاصة ومتميزة تنبع من:
1.   الكتاب مطبوع ومنشور من قبل دار الساقي في بيروت، وهي أكبر دار نشر في منطقة الشرق الأوسط تهتهم بشكل خاص بتاريخ وتراث وفنون وآداب شعوب هذه المنطقة ومنها الأقليات القومية والدينية.
2.   قد يكون هذا الكتاب الأول من نوعه فيما يخص نشره من قبل دار نشر أو مؤسسة عربية غير آشورية، على الأقل فيما يخص كُتبي المنشورة أو غيرها من الكتب الآشورية المنشورة حصراً من قبل مؤسسات آشورية أو أشخاص أو المؤلفين بعينهم.
3.   أنه لموضوع فخر وإعتزاز أن نرى هذا الكتاب عن الآشوريين معروضاً في معارض دولية للكتاب، مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب ومعرض الشارقة الدولي للكتاب ومعرض بيروت الدولي للكتاب وأخيراً معرض بغداد الدولي للكتاب وأقبال الناس عليه لإقتناءه خاصة العراقيين منهم، كما ذكر لي ذلك المشرف على جناج دار الساقي في معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي أقيم في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من هذا العام 2020.
4.   الكتاب كُتب بمنهجية علمية موضوعية بعيد عن الحماس والعاطفة القومية التي تختلج صدورنا وذلك بهدف تسهيل أمر فهم العرب أو غيرهم لتاريخ الآشوريين وطموحاتهم المشروعة ومعاناتهم في العراق ومحاولة إزالة الأخطاء وسوء الفهم الذي ترسب في العقلية العراقية تجاه الآشوريين، وهو المنهج الذي يختلف عن منهجية بقية الكتب التي كتبتها بنوع من الحماس والعواطف الجياشة الهادفة إلى إنماء وتطوير الوعي القومي الآشوري وبث الحماس فيهم. فالمنهجية المتبعة في كتاباتي يستوجبها أن نعرف من هو المخُاطَب، عربي أو غيره أم هو آشوري،  والرسالة المطلوبة توصيلها إلى كل واحد منهم ووفق المنهج المناسب في طرح الموضوع وإيصال المغزى من محتوياته.
5.   مسودة الكتاب كانت قد عرضت على خبير مختص في تاريخ الآشوريين فتم تأكيدها وإجازتها من دون أي تغيير أو إضافات.
6.   غلاف الكتاب من تصميم دار الساقي نفسها والذي هو رسم عن جدارية آشورية يظهر فيها الملك الآشوري ممتطياً عربته الحربية والذي لهذا الرسم على غلاف الكتاب مغزى مهم في التأكيد من جهة غير آشورية، خاصة جهة عربية ثقافية معروفة، على الربط والتواصل بين الآشوريين القدماء والمعاصرين، في الوقت الذي ينكره بعض العراقيين ومنهم أقرب المقربين للآشوريين وأبناء جلدتهم.
7.   وأخيرا أود أن أبين للقارئ اللبيب بأن محتوى الكتاب كتب قبل طبعه في عام 2001 بفترة طويلة. حيث كان على شكل  بحث موسع نشر في مجلة عشتار، العدد الأول، السنة الأولى، شباط 1999، ص54، والتي كان يصدرها من كندا صديقنا الدكتور سعدي المالح (رحمه الله). ومما لا شك فيه بأنه بعد بركان عام حدثت تطورات خطيرة وكبيرة سواء على المستوى العراقي والقوى السياسية المهيمنة على البلاد والعباد وأيضاً على المستوى القومي وظهور توجهات سياسية وأحزاب وتنظيمات كلدانية وسريانية، لذلك لم يتم التطرق إليها في هذا الكتاب. وهناك أمل بأن يعاد طبعه ليشمل هذه التطورات.
محتويات الكتاب:
----------
يقع الكتاب في 112 صفحة من القطع الكبيرة، ويحتوي على المقدمة ثم:
الفصل الأول: تحديد مفهوم الفكر العراقي
الفصل الثاني: نماذج في الفكر العراقي تجاه الآشوريين
الفصل الثالث: موقف الأحزاب العراقية من الآشوريين
1.   موقف الأحزاب بشكل عام
2.   موقف حزب البعث العربي الإشتراكي:
   - المبادئ العامة
   - الممارسات السياسية
   - قوانين وقرارات
الفصل الرابع: إستثناءات وقيود في الفكر العراقي:
1.   الموضوعية وقيود الإستبداد الفكري
2.   البحث العلمي وقيود السلطة السياسية
3.   الوطنية وقيود وحدة الهوية
4.   إستثناءات خاصة
الفصل الخامس: مصادر الفكر العراقي تجاه الآشوريين:
1.   المصادر الدينية – النفسية
2.   المصادر التاريخية – العثمانية
3.   المصادر الإقتصادية – السياسية
4.   المصادر الذاتية - الآشورية
الفصل السادس: تقييم وإستنتاج
ثم الخاتمة والهوامش والمراجع وبعض الصور لشخصيات قومية آشورية وشهداء الحركة القومية الآشورية.

الغلاف الأخير:
----------
جاء في الغلاف الأخير عرض مختصر للكتاب لدار الساقي، ونظراً لأهمية هذا العرض في كونه مدخلا لفهم مضمون الكتاب والهدف منه، نستله كما هو في أدناه:
لا تختلف مسألة الآشوريين عن غيرها من مسائل الأقليات في المنطقة إلا بحسب وجهة النظر التي تتناول هذه الأقلية وتحاول فهمها، وكيفية التعامل معها... أما الآشوريون، الأقلية الأقدم بين شعوب بلاد ما بين لنهرين، فكيف يُنظر إليهم، ولا سيما من قبل النخبة العراقية الحاكمة. وبمعنى آخر، كيف تنظر "العقلية العراقية" إلى مسألة الآشوريين، كيف تم التعامل معهم عبر قرن من الزمان أبتداءً من الحرب الكونية الأولى وحتى اليوم، مروراً بالنزاع البريطاني العراقي وتشكيل الكيان السياسي للعراق.
   يعرض هذا الكتاب كيفية فهم العقلية العراقية لمسألة الآشوريين، إنطلاقا من تحديد مفهوم الفكر العراقي، ومن خلال عرض لنماذج من هذا الفكر، ومواقف الأحزاب السياسية، وخاصة موقف حزب البعث الحاكم من مسأئل الآشوريين والأقليات بشكل عام.
   وتتم مناقشة هذه الأمور من ضمن مفهوم "الإختلاف المشروع" وقبول التعددية الفكرية، بعيداً عن الإطلاق والشمولية والعداء السافر، وذلك من وجهة نظر آشورية تحاول أن تساهم في بناء المجتمع الإنساني المعاصر، المجتمع الذي تنشده كل الشعوب المحبة للحرية والسلام.

دردشة مع الأصدقاء حول الكتاب:
--------------------
وبينما كُنت في دردشة تلفونية مع صديق العمر المهندس خوشابا سولاقا والأستاذة الفاضلة شيمران مروكل حول مسائل عدة شخصية وسياسية وقومية، تم التطرق إلى هذا الكتاب وفيما إذا هو معروض في معرض بغداد الدولي للكتاب فلم يبخل كلا العزيزين جهداً في تلبية طلبي فقامت الأستاذة الفاضلة شميران بزيارة المعرض وأقتناء الكتاب وأخذ بعض الصور للكتاب المعروض على رفوف دار الشاقي، فلهما مليون وميلون شكر.

 
 
 
 

 
 

 

51
هل نزلت لعنة برج بابل على أمتنا وبلبلت كياننا؟؟
======================================

أبرم شبيرا
رواية العهد القديم في إصحاح رقم 11 عن لعنة برج بابل تقول: "كان أهل الأرض جميعاً يتكلمون أولا بلسان واحد ولغة واحدة، أرتحلوا شرقاً ووجدوا سهلا في أرض شنعار (جنوب بلاد مابين النهرين – عراق حاليا) فأستوطنوا هناك، فقال بعضهم للبعض "..... هيا نشيد لأنفسنا مدينة وبرجاً يبلغ رأسه السماء، فتخلد لنا أسماً لئلا نتشتت على وجه الأرض كلها". فنزل الرب ليشهد المدينة والبرج اللذين شرع بنو البشر في بنائهما. فقال الرب "إن كانوا كشعب واحد ينطقون بلغة واحدة، قد عملوا هذا منذ أول الأمر، فلن يمتنع عليهم أي شيء عزموا على فعله، هيا ننزل إليهم ونبلبل لسانهم، حتى لا يفهم بعضهم كلام البعض" وهكذا شتتهم الرب من هناك على سطح الأرض كلها، فكفوا عن بناء المدينة، لذلك سميت المدينة "بابل" لأن الرب بلبل لسان أهل كل الأرض، وبالتالي شتتهم من هناك في أرجاء الأرض كلها. (التكوين 11: 1 – 9). علماً بان تسمية بابل أكدية وتعني باب الله.
على الرغم من ضحالة إيماني بالعهد القديم، خاصة الروايات التي تكون أقرب إلى الأساطير ونسيج الخيال مثل رواية لعنة برج بابل على بني آدم،  إلا أنها تصلح  منهجياً للنظر من خلالها إلى واقع أمتنا عبر تاريخها الطويل التي كانت أمة واحد ولسان واحد وإيمان واحد ولغة واحدة وكيان واحد. غير أن واقعها منذ أقدم الأزمنة وحتى يومنا هذا أصبح أسوء من واقع أبناء آدم في هذه الرواية. فهل نزلت لعنة بابل على أمتنا وتشتت أبناؤها على سطح الأرض كلها وتبلبلت إلى طوائف وملل وعشائر وأحزاب وتنظيمات لا يفهم بعضهم كلام البعض ولا من جامع يجمعهم أم هي مجرد خرافة أو أسطورة غير واقعية؟ فدواء تشتتنا الوحيد لهذا الداء المديد هو في الإتحاد، كما يقول معلم الفكر القومي الوحدوي نعوم فائق في مقالته "الدواء الوحيد لدائنا المديد"، فمن هذه المقالة أستوحيت فكرة هذه السطور.
 
قبل قرن تقريباً كتب المعلم الكبير نعوم فائق مقالة في مجلته حويودو، السنة الأولى عدد 23 و 26 تشرين الثاني عام 1921، وأعادة نشرها ملفونو عبود زيتون في كتابه المعنون "نعوم فائق والنهضة السريانية الآشورية". الذي سبق الإشارة إليه في مقال سابق. شخص المعلم الكبير العلة المزمنة لأمتنا في إنقسامنا وتشتتنا فوجد الدواءالوحيد لهذا الداء المديد في إتحادنا وإلا مصيرها الزوال والإنقراض... يا إلهي... كم كنت عظيماً أيها المعلم الكبير وأنت تستشف المستقبل من خلال الواقع المأساوي لأمتنا قبل قرن تقريباً. واليوم نحن نرى وكأن المعلم الكبير يتحدث عن واقعنا المعاصر المأساوي الذي تمزقه الإنقسامات الطائفية والتحزبية والعشائرية والقريوية. وفي أدناه نص مقالة المعلم الكبير:
"ظل العنصر الآثوري مئات من السنين هدفا للإنقسامات والتحزبات المذهبية المخربة التي أبدعها أصحاب الجهل والغايات ومحبو الرئاسات والمجد الباطل وشب على مبادئ التعصب والتنافر مع أخوانه وبني جنسه وتمادى في خطأه هذا الفاحش حتى نسى جنسيته ولسانه وأضاع كيانه وأفقد رشده وحاسته القومية وأنقسم إلى فرق وجماعات وأستعبد للأمم الجائرة المجاورة له وفضل بقاءه تحت نير العبودية على الإتحاد والتفاهم مع  بني جنسه ولم يفتكر يوما في حالته التعيسة فتغيرت مشاربه وتنوعت مآربه وكثرت أسماؤه وصار ينبذ أسم الجنسية المنتمي إليها وينتسب إلى هذا وذاك من دون ترو ولا تمييز.
فإذا تأملنا في ما آلت إليه هذه الأمة من سوء الحالة الإجتماعية والأدبية نرى أن لا دواء لهذا الداء سوى الإتحاد، فأنه الواسطة الوحيدة لنجاة هذه الأمة من الورطة التي كادت أن تقضي عليها بالموت الأدبي الأبدي.
فليعلم الآثوريون جميعاً المنتسبون إلى مذاهب وفرق شتى أنه لو لم يتداركوا الأمر ويقوموا لجمع شملهم ويبثوا روح الوئام والوفاق بين بعضهم دون أن يخلطوا المذهبيات في إتحادهم فإن آخرتهم للدمار والإنقراض.
وعليه يجب علينا نحن الآثوريين جميعاً المنتسبون إلى مذاهب وفرق شتى أن نسعى إلى توحيد كلمتنا ونحصر أفكارنا في أمر واحد فقط وهو محافظة كياننا وصيانة لساننا وتهذيب أفكارنا الناشئة حتى تعم فينا المبادئ الوطنية ونعمل كلنا على تشييد أركان أمجادنا الأولى وننتظم في عداد الأمم الراقية ونعيد إلى لساننا شهرته القديمة ونصبح من الأمم الحية والعاملة".
ص 287. – أنتهت المقالة.
 هنا من الضروري الإنتباه بأن المعلم الكبير وغيره من رفاقه من رواد الفكر القومي كانوا لا يترددون ولا يتوانون في أستخدام التسميات المتعددة من آثورية وسريانية وكلدانية وأرامية، غير أنهم كانوا في التحليل الأخير يجدون مرجع كل هذه التسميات مرادفة للآشورية أو "الآثورية" في تللك الفترة. كما يجب أن نعرف بأنهم أستخدموا مصطلحات مثل الجنسية أو العنصر أو الوطنية كدلالة للقومية لأن هذا المصطلح الأخير لم يكن في تلك الفترة شائع الإستخدام.
إذن، لو تركنا خرافة لعنة برج بابل جانباً وألتصقنا بالواقع المعاش لأمتنا، فمن السهولة أن نتعرف على أن الدواء الشافي لهذا الداء المزمن يكمن في إتحادنا، أتحاد طوائفنا وأحزابنا وتنظيماتنا، فلنكن أقل طموحاً ونقول بأن هذا الدواء يكمن أولا في وحدة الخطاب القومي لأحزابنا السياسية في المسائل المصيرية، ولعل تعبر مسألة التجاوزات على أراض شعبنا في مقدمة هذه المسائل. فعلى الرغم من أن أحزابنا السياسية الرئيسية والفاعلة تؤكد، بالبيانات والصورة والفيديو والزيارات والإجتماعات واللقاءات، الأهمية المصيرية لهذه المسألة إلا أنه كل واحد منهم يغني على ليلاه، كما يقول المثل، ولم تتمخض غير صورة جامعة لممثلي القوائم الإنتخابية لشعبنا في برلمان الإقليم، وحتى هذه الصورة الملونة الجميلة لم يستطيع البعض من فهم مغزاها. والحال لا يختلف عن وحدة الخطاب الديني لكنائسنا المشرقية، على الأقل في الإيمان الحقيقي لمسيحيتنا نحو المحبة والتآلف والتفاهم الذي من المؤكد سينعكس مثل هذا الخطاب على الجانب القومي ويزيده زخما نحو تحقيق الحد الأدنى من حقوقنا المشروعة في أرض الوطن. فأين صخرة القديس بطرس من هذه الخلافات والمناكفات بين فروع كنيستنا المشرقية؟
إذن، المشكلة ليست في معرفة الدواء لدائنا المديد بل في كيفية صنع هذا الدواء وطريقة إستعماله ليعطي النتائج المرجوة من العلاج. فعندما لا يبذل الإنسان جهداً ولا يضحي بالمستلزمات المطلوبة لصناعة هذا الدواء أو يعجز عن  إيجاده  وبالتالي يجهل صناعته،  فإن أقل ما يقال عنه بأنه إنسان جاهل في هذه المسألة. لقد سبق وقلنا مرارا وتكرارا بأن الإنسان الجاهل ليس من يفتقر إلى الشهادات العلمية والثقافة العامة أو يبرع في "التفلسف" في مسألة معنية، خاصة عندما تكون هذه المسألة مصيرية، بل هو من يضع مصلحته الخاصة، سواء أكان شخصاً أم حزباً أو كنيسة، فوق مصلحة الجميع. من هذا المنطلق نقول سبب عجزنا عن الإتحاد أو التفاهم بين أحزابنا السياسية وكنائسنا المشرقية هو الجهل في كيفية أو آلية الإتحاد أو التفاهم لا بل وحتى الجهل في كيفية الجلوس مع البعض والإفتقار إلى أسلوب التفاوض والتفاهم للوصول إلى الحد الأدنى المطلوب في الإتحاد. قبل أكثر من مائة عام وضع البرفسور الشهيد آشور يوسف بيت هربوت (1915 – 1858) أصبعه على الجرح في مقال كتبه في 20  أكتوبر عام 1914عن أسباب تخلف الآشوريين قائلا "إذا أعطينا جواب قصير على هذه المشكلة سوف نقول كلمة واحدة "الجهل" ولكن هذا الجهل هو نتاج عدد من المسائل المختلفة" (من كتاب:
DAVID B. PERLEY, A Collection of Writings on Assyrian, Edited by Tomas Beth-Avdalla and Forwarded by Dr. Sargon George Donabed, Nineveh Press, 2016, P
.208)
إذن ما هي أسباب هذا الجهل؟ فبعد أن يعدد البروفسور الشهيد أسبابه، يرجع في التحليل الأخير إلى غياب مصلحة الأمة العامة وتغليب المصلحة الخاصة أو الشخصية في المسائل المصيرية.., ولنا عودة في هذه المسألة.
من منًا لم يسمع المثل القائل في الاتحاد قوّة ... فعندما تجتمع العصي معاً لا يقوى أحد على كسرها ولكن عندما تكون منفردة فمن السهل أن تُكسر. وهكذا نحن البشر عندما نتحد لغرض ما نصبح أقوياء ونستطيع إنجازه بكل سهولة ويسر.
ألم يحن الوقت لنتعض بهذا المثل ونتحد،  وإلا لا يبقى لنا الخيار إلا أن نؤمن بلعنة برج بابل على أمتنا؟؟

 


52
رائد الفكر القومي الوحدوي نعوم فائق في كتاب لملفونو عبود زيتون
---------------------------------------



======================================
أبرم شبيرا

هناك حقيقة تاريخية أكدها ويؤكدها الواقع وبإستمرار ومنذ عقود طويلة وحتى يومنا هذا بأن رواد الفكر القومي الآشوري الوحدوي كانوا من أبناء الكنيسة السريانية الآرثوذكسية. فليس جديداً أن نشير إلى أسماء تتلئلئ على صفحات تاريخنا القومي مثل الشهيد يوسف بيت هربوت، نعوم فائق، فريد نزها، سنحاريب بالي، ديفيد بيرلي وجوزيف دورنه والعشرات غيرهم. والمثير للإنتباه لا بل الفخر والإعتزاز أن نرى ونلمس ميراث هؤلاء النجوم ينعكس في الأجيال المعاصرة فيواصلون المسيرة ويجسدونها في تنظيمات قومية سياسية ومؤسسات فكرية وثقافية وتعليمية وخيرية وأيضا في نشاطات فكرية وثقافية  وأدبية شكلت منابر قومية رائعة متجاوزة لكل الحواجز الطائفية والتسموية والمناطقية نحو وحدة أمتنا. وحتى أعزز كلامي هذا نرى بأن مذبحة سميل لعام 1933 التي أرتكبت بحق شعبنا من قبل النظام الفاشي في العراق كان معظم ضحاياها أن لم يكن جميعهم من أبناء كنيسة المشرق الآشورية إلا أن الذي نرى بأن أبناء أمتنا من الكنيسة السريانية الأرثذوكسية كانوا أول من تحرك في الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدة ضحايا هذه المذبحة من خلال تأسيس الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي عام 1933 والذي يعتبر من المؤسسات العتيدة والصامدة والمستمرة لحد هذا اليوم. ولو بحثنا في الخلفية التاريخية للكثير من التنظيمات القومية الآشورية نجد بأنه كان لأبناء الكنيسة السريانية الآرثذوكسية اليد الطولى في تأسيسها وإدارتها. وفي الولايات المتحدة الأمريكية عندما وصلها المثلث الرحمات مار شمعون إيشاي بطريرك كنيسة المشرق الذي كان بمثابة زعيم الحركة القومية الآشورية تضامنوا معه وعملوا سوية في تقديم الشكاوى ورافقوه إلى المنظمات الدولية وحكومات الدول الديموقراطية عن معاناة أمتنا والمطالبة بحقوقها القومية المشروعة في الوطن. ولعل تعتبر المنظمة الآثورية الديموقراطية التي تأسست في سوريا عام 1957 وتواصل  نضالها القومي حتى اليوم خير مثال على ما نقوله.
الموضوع يحتاج إلى مجلدات ضخمة لأعطاء لهؤلاء الرواد حقهم الطبيعي في الدور الكبير الذي لعبوه في إنماء الفكر القومي الوحدوي لأمتنا، وقد يكون مفيدا أن نأخذ نماذج حية في المجال الثقافي والفكري القومي لأحفاد هؤلاء الرواد العظماء والذي تمثل في إصدار كتابين مهمين خلال أقل من أربع سنوات عن النتاجات الفكرية لرائدين عظيمين في مجال الفكر القومي الآشوري الوحدوي، وهما المحامي ديفيد بيرلي وملفونو نعوم فائق. ففي عام 2016 قام الدكتور سركون جورج دونابيد بالتعاون مع الأستاذ توماس بيت عبدالله بجمع كل كتابات المحامي ديفيد بيرلي وما تعلق بها من خطب ورسائل ومقالات وضمها في كتاب ضخم شمل أكثر من 700 صفحة من القطع المتوسط ونشر عام 2016 وباللغة الإنكليزية وتحت أسم "ديفيد بيرلي – مجموعة كتابات عن الآشوريين" من قبل مطبعة نينوى في الولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن الحصول على نسخة من هذا الكتاب المهم عن طريق الموقع الألكتروني للمطبعة  (www.ninevehpress.com).
وفي بداية هذا العام 2020، قام ملفونو عبود زيتون بجهد كبير وعمل رائع في جمع معظم تراث المعلم الكبير في الفكر الوحدوي نعوم فائق من كتابات وخطب ورسائل التي نشرها في المجلات الثلاث "كوكب مادنحو، بيت نهرين، و حويدو" وضمها في كتاب أنيق ومرتب بشكل علمي وممنهج وتحت عنوان "نعوم فائق – والنهضة السريانية الآشورية – مقالات من كوكب مادنحو، بيت نهرين وحويدو" نشره في فيزبادن بألمانيا، وقام البرفسور ميخائيل عبدالله (دكتوراه دولة) بالتقديم للكتاب بكلمات رائعة معبرة عن الأهمية القصوى للكتاب ولعظمة الجهود الكبيرة التي قام بها ملفونو عبود زيتون، حيث يقول البروفسور ميخائيل "أن عمله هذا يكشف عبود زيتون عن صدق إنتمائه وإلتزامه ومثابرته وعزمة على إزالة الغبار عن حقبة زمنية مفصلية من تاريخنا الحديث... فهو يستحق على هذا العمل كل التقدير والشكر، وقد كنت شاهدا على ما يبذله من جهد من أجل الوصول إلى ما يمكن الوصول إليه دون كلل أو ملل، رغبة منه في إسعاف إرث ثقافي مرتبط بالموجه الحديثة لنهضتنا القومية المتمثلة بالمؤسسات والصحف التي أحدثها نعوم فايق في أرض الأجداد وفي بلد الإغتراب، ونقل أفكار وكتابات وإرشادات أحد أهم روادنا المتنورين وأكثرهم عطاءً للجيل الجديد" ص 8.
يقع الكتابً في 356 من القطع المتوسط وشمل فهرس منظم ومنسق بشكل تراتبي مع المواضيع التي نشرها ملفونو نعوم فائق في المجلات الثلاث المذكورة في أعلاه. أحتوى الكتاب، بالإضافة إلى "كلمة مرافقة" للبروفسور ميخائيل عبدالله ثم المقدمة، التي  يذكر المؤلف فيها بأن عمله هو محاولة أولى منذ عام 1936 للتعمق في كتابات نعوم فائق. غير أنه بعد وفاته في الخامس من شباط 1930 خلد معاصروه وطلابه أسمه في سفر الحياة، إلا أن أعماله من مجلات وكتب فقدت مع مرور الزمن، فكان أول محاولة توثيق تراثه تمت من قبل رفاقه مثل جون آشجي و بشار بويجي، في كتاب أصدره مراد جقي سنة 1936 تحت عنوان "ذكرى وتخليد". ويتابع ملفونو عبود في مقدمته بقوله عن كتاب مراد جقي "تجدر الإشارة هنا بأنه من خلال إستعراض ومراجعة الكثير من الكتابات والمقالات لنعوم فائق في مجلاته، يبدو جلياً أن مراد جقي أدخل العديد من التغييرات على النصوص الأصلية للفقيد، مما شوًه، بدرجة ما، تراثه الأدبي، لعل من أهمها كان إستبدال الأسم الأساسي الذي أعتمده نعوم فائق لشعبه. ففي كل مكان ورد أسم "سرياني – آثوري – آشوري – آثوركلداني (عند نعوم فائق كانت هذه التسميات مرادفه)، قام مراد جقي بتثبيت التسمية الأولى فقط، أي سرياني، من دون أن يشرح ويبرر سبب إقدامه على هذه الخطوة" ص 10.
ويرى ملفونو عبود زيتون بأنه حتى الآن بذلت ثلاث محاولات مهمة لفحص وتحليل تراث نعوم فائق: نستلها وندرجها كما هي في أدناه:

شمل الكتاب حياة نعوم فائق، مرض الفقيد وموته  ودفنه، أخلاقه ونفسيته، وآثاره. ثم عرض محتويات المجلات الثلاث المذكورة. ففي مجلة كوكب الشرق (كوكب مادنحو) جاء فيها أربعة مواضيع وأهمها "إذا كنا نريد التقدم فلنتحد". هذا الموضوع يعتبر من الروائع الفكرية للمعلم نعوم فائق أعيد نشره العديد من المرات من قبل الكتاب القوميين. أما في مجلة بيت نهرين فشملت 70 موضوعا ومنها مواضيع مهمة جداً في الشأن القومي مثل التهذيب القومي، والأحزاب الآثورية ووجوب إتحادها، والعنصر الآثوري لايموت وغيرها كثر. أما جريدة الإتحاد (حويودو) فقد شملت 35 موضوعاً وفيها من المقالات والكتابات ما يثير العجب في عظمة هذا المعلم الكبير وحماسه الفكري الشديد نحو وحدة الأمة الآثورية بكل طوائفها وكنائسها وهذا ما نلاحظه في مواضيع "كيف يتيسر لنا الإتحاد"، و "الدواء الوحيد لدائنا المديد"، و "التعصب الديني". كما شمل الكتاب كلمات في ذكرى نعوم فائق وأهمها ما كتبه تلميذه الصحفي الثائر الكبير فريد نزهه عن "صفحة دامية من حياة البطل الآشوري الكلداني" و "صفحات مطوية لفقيد الأدب والقومية". وأضاف ملفونو عبود إلى الكتاب أعمال أخرى باللغة العربية منها بعض أناشيد نعوم فائق وختم الكتاب بقائمة الرسوم التوضيحية ثم المراجع.
وأخير لا  يفوتني إلا أن أشكر الأستاذ يعقوب كربو الذي سبقني وقام قبل بضعة أشهر بعرض الكتاب والتعليق عليه ونشره في موقع عنكاوه على الرابط أدناه:
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,963258.msg7686899.html#msg7686899
فجنبني الإطالة في الكتاب وأتفق معه في القول بأنني لا أريد أكتب أكثر والإطالة لأنني على أمل أن يقتني القارئ الكريم نسخة من هذا الكتاب المهم ويطلع على محتوياته. فالكتاب بكل معنى الكلمة ليس للقراءة وإكتساب المعارف عن أمجاد رواد الفكر القومي لأمتنا فحسب بل يعتبر مرجعاً مهماً لمن يريد الكتابة عن هؤلاء الرواد وأفكارهم وتوجهاتهم القومية الوحدوية، فهو يغنينا عن التقصي المضني والبحث الطويل عن الميراث الفكري لهؤلاء الرواد والذي الكثير منه ضاع أو حرف أو أصبح صعب الحصول عليه، غير أنه  نجد هذا الميراث شاملا في هذا الكتاب لرائد من رواد الفكر القومي الوحدوي لأمتنا، لا بل الكتاب يعلمنا دروساً غنية في تجاوز العقبات التسموية والطائفية والمللية والمناطقية والعشائرية والقريوية وإزالتها من مسيرة وحدة أمتنا وضمان مستقبلها نحو أماد أبعد للأجيال القادمة. فألف تحية وتحية للملفونو عبود زيتون على هذا العمل الرائع الذي سيثرى مكتبتنا بكنز ثمين.


53
والله حلوين يا جماعة ... حلوين هوايا مع البعض... ولكن؟؟؟


========================================================================
أبرم شبيرا
والله حلوين يا جماعة... حلوين هوايا عندما تكونون مع البعض... فبنشر هذه الصورة النادرة جداً في أيامنا السوداء هذه، نشرتم معها نتفه من الفرح في قلوبنا في هذا الزمن الظالم رغم أحزاننا العميقة برحيل وفقداننا لعدد من الأصدقاء الأعزاء وفايروس كورونا يحاصرنا من جميع الجوانب ويقيد، ليس حركتنا فحسب بل أيضا يحصر تفكيرنا في نطاق محدود يجعلنا أن نكون أنانيين بعض الشيء وأن نولي إهتماما أكبر على حالتنا الصحية من أي شيء آخر. ولكن مع هذا قد تكون هذه اللمة صوتاً مدويا في أيامنا الصعبة هذه وبشرى خير للأيام القادمة وخطوة على مسيرة مليون خطوه نحو العمل المشترك حول القضايا المصيرية التي تقرر وجودنا القومي في الوطن، ومن أهمها مسألة التجوازات على أراضي وقرى أبناء شعبنا في شمال الوطن. فموضوع التجاوزات على أراضي وقرى أبناء شعبنا أهم المهمات لأن هوية شعبنا مرتبط بالأرض، ففقدانها يعني فقدان الهوية القومية. اقولها بكل صراحة وبدون "زعل" أنكم يا أخواتي وأخواني الأعزاء ورطتم أنفسكم بهذه اللمة في وروطة كبيرة لا مفر منها من أمام أبناء شعبنا إلا أن تخطوا خطوات أكثر فأكثر في هذا السياق. فبهذه اللمة فتحتم عيون أبناء أمتنا المتعطشين لقطرة من بشرى مفرحة تروي عطشهم الضماء لسماع خبر ولو صغير وبسيط حول لقاء "الأخوة الأعداء" – مع التحفظ لهذه العبارة -  حتى لو كان "شعرة من جلد الخنزير" حسب المثل العراقي.

بتاريخ 25/07/  2020عرض حزب أبناء النهرين وبتقديم السيد ميخائيل بنيامين القيادي في هذا الحزب على مواقع التواصل الإجتماعي فيديو عن ملف التجاوزات على أراضي شعبنا... قرية كشكاوا في وادي نهلة (نحلا) كنموذج للحق والعدالة المفقودة.. أنظر الرابط:
https://www.facebook.com/watch/?v=1304318909899120.
ثم أعقب ذلك وبتاريخ 28/07/2020 قيام وفد كتلة تحالف الوحدة القومية البرلمانية برئاسة رئيس الكتلة السيد روميو هكاري بجولة تفقدية لقرى شعبنا في منطقة نالا (نهلة). أنظر الرابط:
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=984920.0
 وبتاريخ 29/07/2020 لحق الركب تصريح للنائب فريد يعقوب ممثل كتلة الرافدين في برلمان الإقليم حول ملف التجاوزات على قرى وأراضي شعبنا في شمال الوطن. أنظر الرابط:
https://www.facebook.com/watch/?v=130431890989912

تابعت هذا التسابق بين هذه التنظيمات الثلاث حول أهم ملف من ملفات شعبنا في الوطن وبدا وكأنه نوع من المنافسة المقبولة في عالم السياسة فيما إذا كانت بعيدة عن التباهي والغطرسة وهم يتناولون مسألة مصيرية متعلقة بوجود أبناء أمتنا في الوطن، لا بل تكون أكثر قبولا وترحاباً فيما إذا أخرجت هذه المنافسة نتائج مقبولة في سياقها الزماني والمكاني. نعم تابعت هذا التسابق بنوع من الإهتمام الكبير بالمسألة التي تناولوها فتفاعلت معها بكتابة رسائل إلى الأحزاب الثالثة: حزب أبناء النهرين وحزب بيت نهرين الديموقراطي والحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) أصحاب التنظيمات والتصريحات أعلاه. وكغير العادة أستلمت مشكوراً رداً من السيد يونادم كنا عن زوعا ومن السيد ميخائيل بنيامين عن أبناء النهرين مؤكدين إستلامهم الرسائل وعلمهم بالمحتوى. أما عن حزب بيت نهرين الديموقراطي فعدم تأكدي من عنوانهم المدون لدي، أضطريت أن أتصل بصديق في شيكاغو عضو في هذا الحزب طالباً منه العنوان الصحيح للحزب لكي أرسل له الرسالة، غير أنه يظهر بأن صديقي هذا قد أبلغ السيد روميو هكاري بالأمر فبعد يوم أستلمت ولأول مرة مكالمة هاتفية دولية من السيد روميو هيكاري مؤكداً إستلام الرسالة ومثمناً محتوياتها ومقدراً إهتمامي بهذه المسألة المصيرية كما أكد الإستعداد الكامل لحزبه للدخول في المباحثات مع بقية الأحزاب حول هذه المسألة ومحاولة إيجاد حل مناسب بها، وهنا للحق والإنصاف أكبر شكري وتقديري له على هذه المكالمة والمبادرة التي ذكرها في حديثه التلفوني معي.

هنا أرى من الضروري أن أستل بعض السطور من رسالتي لهم لتكون على بينة للقراء من محتوياتها التي تضمنت أفكار موضوعية وحقيقية بعيدة عن العواطف والإنحياز. ذكرت في هذه الرسالة وقلت تألمت جداً عندما شاهدت وقرأت التصريحات والفيديو الخاص بالتجاوز على أراضي شعبنا في منطقة نهلا ... نعم تألمت جداً لأن وجعي بهذه التجاوزات عميق جداً ودار حوله الكثير من المناقشات منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي مع بعض قادة الحركة الديموقراطية الآشورية التي كانت اللاعب الرئيسي في الساحة القومية لشعبنا. في حينها ذكرت بأن التعامل مع هذه المسألة الحساسة والمصيرية هي كمعركة خاسرة  والمؤسف أكثر هو أن زوعا يدخل هذه المعركة الخاسرة لأنه لا يملك المستلزمات الضرورية للفوز بها أو تقليل الخسائر وظهر بأنه كان هذا الموقف نوع من التشائم وفقدان الأمل ونحن نرى بأنه منذ تلك الفترة التجاوزات قد تضاعفت  أكثر فأكثر ودخل أكثر من طرف أو حزب في المعركة ولكن من المؤسف له الخسائر تزداد يوماً بعد يوم ويظهر بأنه سنصل إلى مرحلة يبقى شعبنا هناك بدون أرض لتنفتح الأبواب نحو الهجرة أكثر فأكثر. السؤال يفرض نفسه لماذا معركة التجاوزات على أراضي شعبنا من قبل الأكراد هي معركة خاسرة بالنسبة لنا؟

إن الإقرار ووصف هذه المعركة بالخاسرة هو لأنها محكومة بجملة عوامل موضوعية وذاتية كلها أسلحة بيد الأكراد وشيوخهم المتنفذين ضدنا للإستلاء على أراضينا ونحن لا نملك مثل هذه الأسلحة لنستخدمها في المعركة وبالتالي الأكراد بشيوخهم وحكومتهم وبرلمانهم وأحزابهم يفوزون بالمعركة ونحن نخسرها. إن الكشف عن هذه العوامل يجب أن لا يدفعنا أكثر فأكثر نحو التشاؤم والقنوط وفقدان الأمل بل إن مثل هذه المواضيع المهمة والمصيرية يجب أن تعالج بموضوعية بعيدة عن العواطف والأحلام الوردية. العوامل الموضوعية:
===========
من العوامل الموضوعية نذكر العامل الجغرافي والعامل الديموغرافي:
أولا: العامل الجغرافي: أراضي الأكراد مقارنة بأرضنا شاسعة وأكثرها محيطة بقرانا ومتداخلة معها، لا بل هناك قرى آشورية وكلدانية  فيها بيوت كردية أو ساكنين بالقرب من هذه القرى. هذا هو واقع الحال منذ قرن أو أكثر الذي فرضه التوسع الكردي على حساب شعبنا. فحال الوضع هو كحال السمكة الكبيرة التي  تسعى دائما وراء السمكة الصغيرة لبلعها. فعندما تضعف إرادة الأنسان وتفتقر إلى أدوات القوة لفرضها وتأثيرها على الواقع الجغرافي يلعب هذا الواقع، أي الجغرافي، دوره الحاسم في الكثير من الأمور السياسية وهو التأثير الذي يعرف في العلوم السياسية بـ "جيوبولتكس".  فالجغرافيا أقوى بكثير من التاريخ، والسياسة تتعامل مع الجغرافيا وعلى أرض الواقع ولا تتعامل مع التاريخ والأماني البعيدة المنال التي لا قيمة لها في عالم السياسة إلا إذا كانت مسنودة بوقائع موضوعية على الأرض، إي مسنودة ومتوافقة مع الجغرافيا ولهذه الجغرافيا، أي الأرض، إرادة منتظمة وواضحة ومتسلحة بأسلحة سياسية، وفي بعض الأحيان، عسكرية لدخول المعركة على الأرض وتغيير نتائجها أو التقليل من خسائرها.
ثانيا: العامل الديموغرافي: أما العامل الديموغرافي فيمكن القول عنه بأن سكان الأكراد في المنطقة أكثر بكثير من سكان شعبنا هناك. وإذا إستثنينا ربما منطقة نهله وغيرها فإن بقية القرى الآشورية والكلدانية أما هي خالية من سكانها أو شبه خالية أو مجرد يعيش فيها بعض كبار السن وغير قادرين على إستثمار أراضيهم بالكامل مما يشجع الكردي الإستلاء عليها. وحتى إذا كان هناك قرية آشورية أو كلدانية بالكامل نرى بأن هناك العشرات من القرى الكردية محيطة بها. كل ما أريده قوله هنا هو أن أوكد بأن العامل الديموغرافي يعلب دوراً حاسماً في الكثير من المسائل السياسية. فالكردي يتزوج أكثر من واحد وينجب العشرات من الأبناء سواء من زوجة واحدة أو أكثر. فتكاثر الكردي تكاثر أميبي على شكل متوالية هندسية. أما نحن فالآشوري أو الكلداني أو السرياني يتزوج واحدة وينجب أبن أو بنت واحدة أو أثنين وأقصى حد ثلاثة خاصة الجيل الجديد، أي أقل بكثير من الكردي وحتى هؤلاء أما هاجروا إلى الخارج او تركوا قراهم ويعيشون في المدن الكبرى. فلو أخذنا مثلا: الآشوري له 2 أبناء وله 10 دونم أراضي ولا يستثمرها كلها بالشكل الأمثل. وجاره الكردي القريب في القرية الأخرى له 4 دونم (مثلا) وهو مستمر في الإنجاب لعدد كبير ( لنقل 8 او 10) من الأولاد وبالتالي لم تعد الدونمات الأربعة تكفي لزراعتها وإطعام اولاده الكثر. وقد يذهب هذا الكردي إلى شيخه أو الحكومة شاكياً عوزه إلى أراضي أكثر لإطعام أولاده فلن يجدوا الحل إلا  بالإستلاء على اراضي جاره الآشوري أو الكلداني وبتشجيع من الشيوخ والمتنفذين في الحكومة. أنا أعرف شخصياً ومن المؤكد الكثير من القراء الأعزاء يعرفون بأن هناك في المهجر آشوري أو كلداني له العشرات من الدونمات الصالحة للزراعة في المنطقة تركها وهاجر والآن يسكنها كردي ويستثمرها ومالكها الشرعي الآشوري أو الكلداني لا على باله ما يجري في أراضي أبائه وأجداده التي ورثها عنهم.
كل ما أريده هنا هو أن أوكد مرة أخرى بأن العامل الديموغرافي يعلب دوراً حاسماً في الكثير من المسائل السياسية وهكذا هو حالنا في مسألة التجاوزات على أراضي شعبنا ويجعلها معركة خاسرة.

العومل الذاتية:
---------
من المعروف في العلاقة الجدلية بين العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية هو أن الأولى صلدة وثابتة ويصعب تغييرها وقد يكون إحتمال تغييرها بشكل طفيف وذلك بفعل العوامل الذاتية ومدى إمتلاكها لعناصر القوة التي تمكنها من دخول العلاقة الجدلية والتقليل من قوة العوامل الموضوعية. بالنسبة للعوامل الذاتية، يمكن تقسيمها داخلياً وخارجياً:
داخلياً:
نتكلم كثيراً عن الأمة والقومية ولكن كلها ألفاظ معنوية فكرية لا قيمة لها ما لم يكون لها تمثيل سياسي قوي وفعال لإثبات وجودها. فقوة الأمة يتمثل في قوة أحزابها السياسية ومنظماتها القومية وقدرتها على التفاعل مع الأحداث وتسخيرها للصالح العام. قلنا سابقاً بأن الأمة التي لا توجد فيها أحزاب نشطة فأن إرادة الأمة ستكون مرهونة بإرادة الأمم التي لديها أحزاب نشطة. أفهل لنا أحزاب سياسية بهذا المستوى القوي لكي تتقاعل مع الأحداث وتميلها لصالح أمتنا؟  فتجاوز الأكراد على أراضي شعبنا نموذج حساس ومصيري لأمتنا في هذا الشأن ولكن مع الأسف الشديد أحزابنا السياسية ضعيفة ... لا بل ضعيفة جداً في هذه المسألة التي تصب في صالح الأكراد. وضعفها هذا ليس ناجماً من مكوناتها الآنية الداخلية وتكوينها الفكري والتنظيمي، بل من عجزها عن التعامل مع الوقائع بشكل صحيح. لقد سبق مراراً وتكراراً القول بأن لا يوجد حزب سياسي واحد مهما كان قوياً يستطيع تمثيل الأمة وحماية مصالحها، وإن كان هناك حزب من هذا القبيل فأنه سرعان ما ينتهي مصيره في المزبلة كما كان مصير معظم الأحزاب من هذا النوع . إذن الأمر لأمتنا يتطلب عدد معين من الأحزاب يتناسب عددهم مع حجم أمتنا وإمكانياتها. ولكن هذا ليس بالأمر المطلوب فحسب بل لكي تكون هذه الأحزاب فاعلة ومؤثرة خاصة في مسألة التجاوزات يجب أن تدخل المعركة بسلاح موحد ليكون فعال وقادر على التأثير على الأقل على الحكومة المعنية بالأمر. صدقوني بأن الأكراد وأحزابهم السياسية وحكومة الإقليم والبرلمان سيحترمون أحزابنا السياسية عندما يتوحد الخيرين منهم... وإذا كان مثل هذا الأمر صعب وحلمنا به كثيراً ، ونحن نعرف بأن السياسة لا تتعامل مع الأحلام، فعلى الأقل يمكن الدخول في جبهة بهذا الخصوص والتي سيكون أمرا مهماً وفاعلا في مسألة التجاوزات وسيكون عاملا مؤثرا على الحكومة والبرمان وإن كان إيماننا بالحكومة والبرلمان ضعيفاً أو متلاشي فيما إذا تستطيع تقليم أظافر الشيوخ والأغاوات المتنفذين وتمنعهم من التجاوز على أراضي شعبنا إلا أن مسألة الدخول في المعركة بجبهة موحدة ستثبت مصداقية أحزابنا السياسية سواء تمكنوا من تحقيق نتائج إيجابية أم عجزوا عن ذلك. 
صحيح بأن هناك مسائل قومية كثيرة عالقة وبعضها معقدة وعويصة لا يمكن حلها في الوقت الحاضر، فإن مسألة الدخول في معركة التجاوزات بسلاح موحد أمر ممكن جداً لو توفرت الإدارة الحرة بهذا الشأن قادرة على نقل الصورة الجماعية أعلاه إلى الواقع العملي وينظم إليها أخرون لتشكيل هذه الجبهة قبل دخول المعركة. يقول أساتذة العلوم السياسية بأنه عندما يواجه مجتمع ما مشكلة عويصة ومعقدة يستوجب على قادته تجزأة هذه المشكلة إلى أجزاء ثم التعامل مع كل جزء بشكل منفرد حتى يتم تخفيف صعوبتها وفك عقدتها وبالتالي يتم حلها بالكامل بحل إجزاءها بشكل منفرد. صحيح هناك إختلافات معروفة بين أحزابنا السياسية حول مسائل قومية عديدة ولكن حتى يكونوا واقعيين وصادقين في علمهم القومي يجب البدأ مع الجزء الممكن التعامل معه والوصول إلى نوع من الإتفاق. وهذا ما نلاحظه بأن هناك نوع من التوافق بينهم حول مسألة التجاوزات على أراضي شعبنا الذي لا يعوزه الآن إلا آلية لتحقيق هذا الإتفاق والمتمثل في تشكيل جبهة إنقاذ لأراضينا وقرانا في شمال الوطن. وقد تكون هذه الخطوة الأولى للإنطلاق نحو سهل نينوى ودخول المعركة هناك وأحزابنا قد أكتسبت خبرة من دخولها لمعركة التجاوزات في الشمال.
وطبعاً هناك عامل سياسي أيضاً يلعب دورا كبيرا في خسارتنا لهذه المعركة ويتمثل في موقف حكومة الإقليم والأحزاب الكردية المهيمنة والقوانين التي لا تملك القوة الكافية لفرضها على الواقع خاصة عندما يكون لشيوخ الأكراد والأغاوات دوراً فاعلاً في الإخلال بموازين القوى على أرض الواقع. أضف إلى ذلك عوامل دولية وإقليمية، فلا يهم الدول المتنفذة فيما إذا كانت أراضي كردية مسلمة أم آشورية كلدانية أو سريانية مسيحية، المهم لها أين تقع وتتحقق مصلحتها الوطنية فحسب.
خارجياً:
عندما يرى أبناء شعبنا في المهجر أو مؤسساته أو أحزابه مثل هذه الجبهة النازلة على ساحة معركة التجاوزات فمن المؤكد بأنها ستتحرك على الأقل للقيام ببعض النشاطات المعادية لهذه التجاوزات، مثل المظاهرات وتقديم الشكاوي للمنظمات الدولية. لا أريد الأطالة في هذا الموضوع المعروف لكم بشكل مفصل. ولكن في الأخير أقول وأرجو عدم "الزعل" وأنتم أعزاء علينا: لماذا أعاتب الأكراد على تجاوزهم لأراضي شعبنا بل علينا قبل كل شيء أن نعاتب أنفسنا.. نعاتب من يترك أراضيه لا بل نعاتب أحزابنا السياسية قبل كل معاتبة. أعملوا شيئاً في سياق تقوية هذه العوامل الذاتية وأدخلوا معركة التجاوزات على أراضينا بقوة لعل قد نخفف من خسائر هذه المعركة التي هي مجرد معركة واحدة من معارك كثير في حربنا الطويل من أجل البقاء والصمود في أرض الوطن حينذاك سيرفعونكم أبناء أمتنا على أكتافهم ونبدأ بالتفاخر بكم.
وأخيراً نقول ... نحن بأنتظار أن  نرى تطبيقاً على أرض الواقع للصورة أعلاه وفيها غيركم من الخيرين من أبناء أمتنا وفرحتنا ستكون أكبر بكثير عندما نسمع بأنكم شكلتم جبهة إنقاد لأراضينا المسلوبة.




54

بمناسبة إنتقال الناشط القومي إيشو دنخا يقيرا إلى العالم السرمدي:
=====================================
وداعاً يا معلم الشباب القومي الآشوري
---------------------

==============================
أبرم شبيرا
على الرغم من مرارة الخبر أقول شكرا للأخ العزيز أخيقر يوخنا ولغيره من الذين نشروا خبر إنتقال الناشط القومي إيشو دنخا يقيرا إلى العالم السرمدي عبر وسائل التواصل الإجتماعي والذي وصلنا ونحن على الجهة الثانية من البحر وعلى متابعتهم للخبر وإعلام أبناء أمتنا بفقدان هذا الإنسان النبيل الذي كان مثالا للآشوري القومي المخلص والصامد على مبادئه القومية... عرفت المرحوم كما عرفه غيري أثناء الفترة الذهبية لتصاعد الوعي القومي الآشوري في السبعينيات من القرن الماضي، فللمرحوم ديناً على أعناقنا  ولا أعتقد بأن هذه السطور تكفي للإيفاء بهذا الدين. ولكن مع هذا أجد من المناسب والوفاء أن أذكر وعدم نكران هذا الدين الذي كان له جانبين:
الأول: قومي: نعم تعلمنا منه الكثير ومن خبرته السابقة في المجال السياسي القومي فكان التعلم منه ديناً على أعناقنا. ففي غمرة تصاعد الوعي القومي في منتصف السبعينيات من القرن الماضي بين الشباب الآشوري القومي خاصة في النادي الثقافي الآشوري في بغداد تطلب الأمر لهؤلاء الشباب أن يستنجدوا بعناصر آشورية مخلصة ومتمرسة في العمل السياسي الآشوري ليكونوا خير معلم ومرشد لتأسيس تنظيم سياسي آشوري. فكان رابي يوسب كانون أقرب الشخصيات المتمرسة إليهم  وذو خبرة في هذا المجال بإعتباره كان في السابق ضمن أحدى التنظيمات القومية الآشورية وأعتقل وعذب من قبل النظام السياسي في تلك الفترة،  فألتجئنا أنا وصديق العمر خوشابا سولاقا وغيرنا من الشباب القومي إليه عارضاً عليه فكرة تأسيس تنظيم سياسي. غير أنه رغم تأييده المطلق للفكرة إلا أنه لأسباب سياسية لكونه معتقل سياسي قومي ومكشوف من قبل الجهات الأمنية خاصة وهو من العناصر الفعالة في المجال الثقافي والأدبي والفني في النادي الثقافي الآشوري فأرتئ أن لا ينخرط في التنظيم بشكل مباشر بل سيكون مستعداً لتقديم كل العون في مسألة تأسيس التنظيم وأنه سيرشح أحد رفاقه السابقين في التنظيم الذي هو بعيداً عن المتابعة الأمنية في تلك الفترة. فكان المرحوم إيشو دنخا يقيراً الشخص المطلوب لهذه المهمة والذي قدمه رابي يوسف لنا وبدأ أول اللقاء به وتم طرح الفكرة من قبل صديق العمر خوشابا سولاقا وأنا فقبلها برحابة صدر.
شرع العمل التنظيمي مع المرحوم والذي كان يتطلب وضع نظام داخلي وتحرير بعض المناشير، أي كان يتطلب وجود طابعة للقيام بهذه المهمة. ولما كنتُ أجيد الطباعة على الآلة الكاتبة، إخذني المرحوم ذات يوم إلى بيته في منطقة الدورة وفي أحدى الغرف فتح خزان الملابس ورفع اللوح الخشبي الذي كان بغطي أرضية الخزان وإذ حفرة كبيرة وفيها آلة الكاتبة (طابعة) باللغة العربية من نوع قديم مغطاة بكيس بلاستيكي، قال بأنها كانت عائدة لتنظيمهم السابق. وإمتلاك مثل هذه الطابعة في تلك الفترة ومن دون ترخيص أمني جريمة كبرى يعاقب عليها القانون. وهكذا أستمر العمل مع المرحوم حتى إنضمامه إلى النادي الثقافي الآشوري ومن ثم فوزه بمنصب رئيس النادي في دروته الإنتخابية للهيئة الإدارية السادسة (1975 – 1976) وترقيه قيده من سجلات النادي. تفاصيل تلك الفترة مذكورة في موضوع صديقنا خوشابا سولاقا عن النادي الثقافي الآشوري.
أما بخصوص ترقين قيده من سجلات النادي وإعفائه من رئاسة النادي، فأنه بعد فوزه في الإنتخابات ومضي فترة قصيرة تلقت الهيئة الإدارية كتاباً من محافظة بغداد عن طريق مركز شرطة البتاوين (الكتاب لا زال بحوزتي) يقضي بإعفائه من رئاسة النادي وترقين قيده من عضوية النادي ومن دون ذكر الأسباب. غير أنه تكشف الأمر فيما بعد بأن أيادي خبيثة لعبت دورها في هذه العملية لزعزة الهيئة الإدارية وبالتالي خلق مصاعب وظروف إستثنائية لتمكين العناصر الأمنية والحزبية للإستيلاء على الهيئة الإدارية. ثم عُلم بأن تهمة الشيوعية، وهي أخطر التهم في تلك الفترة، كانت قد وجهت إلى المرحوم كحجة قوية وخطيرة لتبرير إقصائه من رئاسة النادي في الوقت الذي كان معروفاً للسلطات الأمنية في العراق أكثر مما هو معروف لدى الآشوريين حيث كان من ضمن المعتقلين عام 1965 مع مجموعة من الشباب الآشوري، ومنهم رابي يوسف كانون، وعذب من قبل السلطات الأمنية بسبب مبادئه وأفكاره القومية وإنضمامه لتنظيم سري آشوري. تفاصيل تلك المرحلة مذكورة في كتابي المعنون (النادي الثقافي الآشوري، 1970 – 1980، مسيرة تحديات وإنجازات، طبع عام 1993 في شيكاغو)
هنا من المناسب أن أذكر هذا الكتاب وعلاقته بالمرحوم. فعندما هاجر إلى ألمانيا قدم طلباً لللجوء السياسي لكن طلبه رفض، فما كان من بعض الشباب أن قاموا بترجمة الصفحة الخاصة بترقين قيده من الكتاب أعلاه إلى اللغة الألمانية وتقديمه للجهات المعنية فأقتنعت هذه الجهات بوضعه السياسي فمنحته اللجوء السياسي في ألمانيا.
الثاني: شخصي: عندما تم قبولي في الدراسات العليا في كلية القانون والسياسة في جامعة بغداد عام 1976-1977 كان من ضمن الشروط المطلوبة وجود كفيل يكفلني وأن يكون موظف حكومي بدرجة مدير فما فوق وبراتب كبير يكفي لتغطية المخصصات الممنوحة لي طيلة فترة الدراسة، حيث كانت الجامعة تمنح مخصصات (40) دينار شهرياً في تلك الفترة لكل طالب دراسات علياً مستقيل من وظيفته ومتفرغ للدراسة مقابل تعهده للعمل في أحدى الدوائر الحكومية بعد تخرجه. ولما كان المرحوم موظف بدرجة مدير صيانة في البنك المركزي العراقي طلبت منه أن يكفلني فلم يتردد إطلاقاً فقام بالواجب المطلوب وضمن دراستي في جامعة بغداد. وعندما تخرجت بدرجة ماجستير في العلوم السياسية ولم يتم تعيني في الحكومة، أخذت الجهات المعنية بالإتصال بالبنك المركزي العراقي لتطالبه بالمصاريف التي صرفت لي أثناء الدراسة لأنها لم تستيطع الإستدلال بعنواني، فلم تستطيع العثور عليه لأنه كان قد ترك وظيفته وسافر خارج العراق. ولم تمضي بضعة أسابيع حتى أستلمت كتاب من مركز شرطة تل محمد (كراج أمانة) في بغداد يطالبني بمراجعة وزارة التعليم العالي لغرض دفع المبالغ التي صرفت لي أثناء الدراسة، وأتذكر كانت بحدود 4,500 دينار فما كان مني إلا أن أدفعها وأتخلص من شر المتابعة من قبل الجهات الرسمية.
وأخير... في هذا الزمن الغادر قيدنا كورونا الخبيث بقيود صارمة وحرمنا من أبسط واجباتنا تجاه أعزائنا وهم يغادرون هذا العالم إلى الأخدار السماوية ولا نستطيع حضور مراسيم الوداع. فبالأمس غادرنا الإعلامي البارز والصديق العزيز ولسن يونان ولم نستطيع أن نعمل شيء غير كتابة بعض السطور عنه. واليوم غادرنا الناشط القومي معلم الشباب الآشوري ولم نستطيع أن نعمل شيء غير كتابة هذه السطور، بأمل أن تكون هذه السطور شفيعاً لنا وبديلا عن عجزنا حضور يوم الوداع الأخير... نعم الوداع الأخير، ولكن أبداً .. أبداً .. لن يكون وداعاً لذكراهم ومأثرهم ومواقفهم فهي تبقى خالدة مدى الدهر.       


55
لا يا ولسن يونان ... لا
================

أبرم شبيرا

لا يا صديق العمر ورفيق الدرب... أقول لا ... وألف لا.. نقولها وبكل حسرة قلب وأفكار مشوشة وضياع في هذا العالم الصعب... لماذا غادرتنا في هذا الوقت العصيب فأبناء أمتنا كلهم كانوا بأمس الحاجة إلى إنسان مثقف جداٌ وإعلامي بارز في مجتمعنا الذي قل نظيره.... من أين سنسمع برامجك الشقية والمثيرة على قناة   SBS ... للحق أقول صدمتنا كبيرة بإنتقالك إلى الأخذار السماوية وقعت علينا كالزلزال المدمر وجعلت كتابة هذه السطور بنوع من الذهول والهذيان لأنك تركتنا وترك الساحة الإعلامية القومية من دون أعلامي مثقف بازر يستطيع أن يحل محلك...

لا بل شخصياً أقول لقد تركتني يتميا على الساحة القومية، فأين أجد رفيق أخر يشاركني نشاطاتنا القومية في المناسبات الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى وأنت كنت رفيق دربي على هذه الساحة التي ستضل تتذكرك حتى الأجيال قادمة... لقد تركتنا يا أخي العزيز ولسن من غير وداع ولا حتى السلام عليك والصلاة على روحك ونحن في الجهة الأخرى من البحر ولا نستطيع أن نحضر وداعك الأخير... أفهل شيء نستطيع أن نعمله في هذا الزمن الغادر غير أن نصلي إلى ربنا يسوع المسيح وأن ينعمك برحمته في جناته الفسيحة وينعم عائلتك الصبر والرحمة خاصة رفيقة حياتك السيدة أسمر االتي كانت معك في كل الأماكن والأزمان وحتى آخر يوم من حياتك. رحل جسمك عنا يا ولسن العزيز ولكن ذكرياتك ستبقى معنا إلى آخر يوم من حياتنا لأنها فعلا كانت وستضل جزء مهم من حياتنا. لا والله ... كيف سأجلس خلف الطاولة وأنا في نشاط قومي ثقافي ومن دونك، فمهما عملت  وأجتهدت فلا أستطيع أن أكمل المشاور وحدي وبدونك.. لا يا ولسن لا... لم يكن الوقت قد حان لكي تتركني يتيماً في هذه الساحة وأنت بعيد عني. 
 
نشاط مشترك في سدني تحت عنوان: بعد خمسة ألاف سنة... هل ستموت هذه الأمة
==============================================


أصدقائي وأحبائي الأعزاء ... عزاؤنا كبير ... كبير جداً بخسارتنا نجماً لامعنا في سماء أمتنا... نعم خسارتنا كبيرة جداً بإنطفاء هذه النجمة ولكن قوة سطوعها ستبقى تنير دروب كل أبناء أمتنا خاصة المعروفين له... فقدنا ولسن يونان ولكن هيهات أن نفقد ذكراه ومكانته كإعلامي بارع وإنسان منفتح على الجميع دون إستثناء... عزائي شخصياً أكبر مما نتصوره... لأنني فعلا بغيابه سأصبح يتيماً على الساحة الثقافية والفكرية... لم تكن تمر سنة إلا وكنًا نلتقي أكثر من مرة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ونقوم بنشاطات مختلفة ولقاءات مع العديد من المؤسسات القومية والأحزاب السياسية وكان حضورنا في كل عام في الكونفينشن بارزا ومحموماً باللقاءات والنشاطات... أكثر ما عرف عن المرحوم هو إتقانه لللغة الأم وإستخدامه لمفردات لغوية قلما سمعنا عنها. والأكثر من هذا كان بارعاً وعبقريا في ذكر تواريخ الأحداث والمناسبات وبدقة متناهية بالسنة والشهر واليوم وكنت في بعض الأحيان أمازحه وأقول إلا تتذكر كم كانت الساعة؟؟.  لعل لقاؤنا في إستراليا قبل عامين كان أكثر تشويقاً وإعجابا لأبناء أمتنا هناك حيث إستضافني في منزله لمدة أكثر من أسبوعين ورتب جميع اللقاءات والندوات التي أشتركنا مع البعض سواء في سدني أو في ملبورن. والأكثر من هذا وذات كانت المقابلة التي أجريتها أنا معه وعرضت على شاشة قناة SBS. كانت الفكرة أن يعقد المرحوم لقاء معي غير إنني طرحت فكرة معكوسة وهي أنا أعقد اللقاء معه ونتحدث عن موضوع مهم وهو الكرسي؟؟؟. وعرض اللقاء أيضا على موقع عنكاوه:
http://www.ankawa.org/vshare/view/10758/apremwilson/
 
صورة من اللقاء الذي أجريته مع المرحوم
===========================
إنني في وضع مأساوي أن أجد عالمي الفكري والثقافي بدون ولسن، ترى كيف سأكون بغيابه عن هذا العالم... لعل ذكرياتي معه ستكون شفيعاً لي خلال السنوات القادمة.... أفلا يستحق المرحوم أن يقام له تمثال أو نصب تذكاري في بعض الأندية والمؤسسات التي كان يحاضر فيها ويلتقي بأعضاءها خاصة في مدينته سدني وفي شيكاغو...... رحمة الله على روحك يا صديق العمر.
أخوك ورفيق دربك أبرم شبيرا


أخوك ورفيق دربك أبرم شبيرا


56
بكر صدقي... ولد لكي يصبح مجرماً

بمناسبة الذكرى أل (87) لمذبحة الآشوريين في سميل 1933:
===========================
أبرم شبيرا

ليس هذا موضوعاً عن تفاصيل الجريمة النكراء التي أرتكبتها الحكومة العراقية في شهر آب من عام 1933 ولا عن ذكرى الشهيد الآشوري الـ "السابعة والثمانون" لأن بعض الأصدقاء الأعزاء قاموا بالواجب المطلوب والوافي في إستذكار هذه المناسبة التي تعتبر نقطة تحول حاسمة في مسيرة الحركة القومية الآشورية جعلت من يوم الشهيد الآشوري رمزاً من رموز النضال القومي وركناً مهما من أركان الهوية القومية الآشورية. كما، وكالعادة، قام أحزابنا السياسية بإصدار بيانات بهذه المناسبة وهم ماشاالله "شاطرين جداً" – بدون حسد - في إصدار بيانات المناسبات والإستنكارات. حرام على الوقت والجهد الذي بذلوه في إصدار هذه البيانات... ألا كان من الأحسن والأنفع الجلوس مع البعض، رغم أنف كورونا والكمامات على وجوههم ليكونوا أقل كلاماً وأكثر أستماعا للبعض ومن ثم أستلهام الدروس من هذا الحدث وإستخلاص السبل الممكنة للوصول إلى الحد الأدنى من التفاهم والعمل على المسائل المصيرية التي تهدد مستقبل أمتنا في الوطن؟  أن أبرز السمات التي تميز بها الآشوريون في مسيرة حركتهم القومية هو إستذكارهم لبعض الفواجع والمأساة التي ألمت بهم والتي من الضروري جداً أن لا تكون  للنحيب والقنوط والإحباط، بل لإستلهام الهمم والدروس لتعزيز حركتهم القومية لعل  قد تكون ذات فائدة لشعبنا وبالأخص لأحزابنا السياسية في التضحية والفداء والعمل للصالح العام وليس اللهوث وراء الكراسي اللعينة.

ما بين شهر آب  عام 1933 و شهر آب  عام 1937 قصة لها بداية ونهاية مجرم:
------------------------------------------------
مذبحة الآشوريين الفعلية أمتدت جريمتها من اليوم الخامس من شهر آب 1933 إلى الحادي عشر منه، وهذا التاريخ الأخير يخصنا في هذه السطور لأنه الذكرى الثالثة والثمانون (11 آب 2020) لليوم الأخير الفعلي للمذبجة الجسدية للآشوريين والتي كانت ذروتها في مذبحة سميل في اليوم السابع منه والذي أتخذ كيوم للشهيد الآشوري. كثرت المواضيع التي كتبت عن هذه المأساة وعن يوم الشهيد الآشوري، فحاولت أن أجد مناسبة أخرى مرتبطة بهذه المأساة فوجدت من المناسب أن أربط الذكرى الثالثة والثمانون لإغتيال المجرم بكر صدقي في 11 من شهر آب عام 1937 بالمأساة الكبرى لمذبحة الآشوريين في شهر آب عام 1933. تقصيت وبحثت في الرفوف العالية لمكتبتي المتواضعة وفي بعض المصادر عن كل ما يتعلق بهذه الجريمة النكراء وتبعياتها وأبطالها المجرمين وعلى رأسهم بكر صدقي، من بداية قصتها المأساوية في سميل في شهر آب 1933 ونهايتها في شهر آب 1937 مناسبة مرتبطة بمصير المجرم بكر صدقي قائد القوات العسكرية للمنطقة الشمالية الذي كان على رأس أزلامه المجرمين الذين أرتكبوا هذه المذبحة بحق الآشوريين، أمثال حجي رمضان قائد الفرقة المنفذة للمذبحة والنقيب إسماعيل عباوي آمر سرية الرشاشات الآلية التي نصبت على نوافذ مركز شرطة بلدة سميل وأباد المحتجزين الآشوريين العزل فيها، وهو أيضاً، أي المجرم إسماعيل عباوي، الذي قتل وزير الدفاع جعفر العسكري مؤسسة الجيش العراقي عام 1936 وبأمر وتدبير من المجرم بكر صدقي.


خريطة تبين المناطق التي أرتكبت فيها مذابح 1933 ضد الآشوريين في شمال الوطن
===============================================

من هو المجرم بكر صدقي؟:
---------------
تقريباً معظم الكتاب والمؤرخين الذين تناولوا حياة المجرم، وأسمه الكامل بكر صدقي بن شوقي ويس العسكري، لم يتفقوا على الكثير من التفاصيل الدقيقة عن حياته وأصله وكل ذلك بسبب الغموض الذي أكتنف حياة هذا المجرم ومراوغته وحيله في التعامل مع الآخرين. فمثلاً تذكر السجلات العثمانية بأنه ولد عام  1890 في قرية عسكر القريبة من مدينة كركوك. في حين تذكر السجلات العراقية بأنه ولد في بغداد عام 1886، أي أكبر بأربع سنوات. ويقال بأنه لم يكن يفصح عن تاريخ ومكان ولادته الحقيقي لضرورات أمنية وسياسية. ولكن هناك أحتمالات واردة بأنه زور السجلات العراقية ليضمن العمر له رتبة عسكرية  أعلى وأنه من مواليد بغداد العاصمة وليس من قرية صغيرة وهامشية في المنطقة الشمالية. كل ذلك من أجل إضافة نوع من الهيبة على شخصيته. كما أختلف الكتاب عن أصله أيضا. فمن الوارد بأنه من أصل كردي ومن والدين كرديين. وأيضا ذكر بعض المؤرخون بأنه ولد لأب عربي وأم كردية وفي بعض الأحيان من والد كردي ولكن من نسب عربي.
كان معظم رجال النخبة العراقية قبل وبعد الحرب الكونية الأولى وحتى بعد تأسيس دولة العراق عام 1921 من أصول تركية أو كردية،  نشأوا في صلب الحياة العثمانية – التركية وتربوا في بيئتها وتطبعوا بأسلوب حياتها وتشبعوا بأفكارها العثمانية والطورانية وتخرجوا من مدارسها ومعاهدها العسكرية والمدنية وتسلموا مراكز قيادية في المؤسسة العسكرية العثمانية ثم التركية ومناصب رفيعة في أجهزة الدولة والحزب، حزب الإتحاد والترقي التركي (تركيا الفتاة) المعروف بتتريك الأقوام غير التركية. وكان المجرم بكر صدقي أحد من هؤلاء الذي درس في الكلية العسكرية العثمانية وتخرج منها برتبة ضابط في الجيش العثماني وشارك في الحرب الكونية الأولى في سنواتها الأخيرة. ثم بعد إنهيار الدولة العثمانية ونهاية الحرب، جندته الإستخبارات البريطانية كجاسوس في المنطقة الشمالية لكونه يجيد العديد من اللغات منها، إضافة إلى العربية والكردية والإنكليزية، كان يتكلم الألمانية والفرنسية أيضاً. ثم بعد تأسيس كيان العراق من قبل بريطانيا وبتوصية منها أنظم المجرم بكر صدقي إلى الجيش العراقي الذي تأسس في 6 كانون الثاني عام 1921 وعين برتبة ملازم أول (نجمتان على الكتف). ولما وجد بأن كرديته "لا توكل الخبز" ولا يمكن أن تكون سُلماً للإرتقاء نحو مناصب عليا التي كان يطمح بها منذ البداية، بدأ بركوب موجة الأفكار القومية العربية وأخذ يظهر ميوله الشديدة والمتعصبة نحوها، فتلقفه أنصار القومية العربية من النخبة العراقية الحاكمة ووجدوا فيه أداة طيعة وفعالة لتحقيق مآربهم السياسية وثباتهم على كراسي الحكم، خاصة عندما بدأ يعادي بريطانيا ويميل ميلاً شديداً إلى الأفكار الفاشية والأتاتوركية ويعتبرهما نماذج في بناء الدولة الحديثة.
كان الملك غازي الأول من المعجبين بأفكار المجرم بكر صديق وبأساليبه القاسية، ففي عهده وخلال فترة قصيرة تدرج نحو مناصب عسكرية عالية فوصل إلى رتبة عميد ركن وأصبح قائد القوات العسكرية في المنطقة الشمالية أثناء مذابح الآشوريين عام 1933. وبعد مذابح الآشوريين أصبح المجرم بكر صدقي بنظر العراقيين بطلهم الملهم ومنقذ العراق وضامن أمنه وأستقراره وحماية حدوده. ودخلت مذابح الآشوريين، رغم بشاعتها، في قاموس العراق السياسي كحدث تاريخي وطني وأصبح الجيش العراقي المتمثل في النخبة العسكرية وعلى رأسها المجرم بكر صدقي رمزا وطنياً للإخلاص والتفاني في سبيل الوطن، فأحيط هو وأزلامه بهالة البطولة الدونكيشوتية وزينت صدورهم بأنواط الشجاعة وكذلك تم ترقية المجرم بكر صدقي إلى رتبة لواء ركن بعد المذابح وأصبح قائد الفرقة الثانية ونائبا لرئيس أركان الجيش. كل هذه "البطولات" بنظر العراقيين التي قام بها المجرم بكر صدقي أهلته للبروز على السطح السياسي كبطل قومي يسعى لتحقيق العهد الذي قطعه على نفسه نيابة عن الجيش العراقي عشية مذابح الآشوريين بأنه سيستمر بمهماته الأكثر أهمية، وفعلاً فقد وفى بعهده، فبعد مذابح الآشوريين أدار جيوشه ومدافعه نحو الشيعية وعشائر فرات الأوسط فنكل بهم تنكيلاً. ثم بعد إنتهاء من مهمته الدموية لم يستقبل من قبل الشعب العراقي كبطل قومي ولا أهتمت الحكومة القائمة بحركاته العسكرية في الجنوب والفرات الأوسط كما كان الحال عشية إنتهاءه من جرائمه تجاه الآشوريين، فأدرك بأنه لم يحصل على التقدير المناسب لقاء فعالياته المتكررة كمنقذ للوطن مما حزى ذلك في نفسه ووجد ذلك نوع من الإهانة له ولصديقه المقرب المجرم حكمت سليمان وزير الداخلية أنذاك فلم يكن أمامه إلا أن ينتقم من الحكومة  القائمة ويقوم بإنقلابه المشؤوم عام 1936 ويقتل وزير الدفاع ومؤسس الجيش العراقي العميد جعفر العسكري، أبن عمه من الدرجة الرابعة وأبن قريته عسكر، ليسجل إنقلابه كأول إنقلاب عسكري في البلدان العربية ويكون فاتحة جديدة تفتح الأبواب مشرعة لسلسلة من الإنقلابات العسكرية الدموية التي أصبحت الأسلوب "الشرعي" للوصول إلى الحكم بغياب الديموقراطية والتقاليد السلمية لإنتقال السلطة. بعد نجاح أنقلابه فرض على الملك غازي تعيين حكمت سليمان رئيسا للوزراء وأصبح هو رئيسا للأركان العامة للجيش العراقي، لا بل الحاكم الأول المطلق للعراق، حيث سيطر سيطرة تامة على مقدرات البلاد. ففي الإنتخابات البرلمانية في 20 شباط 1937 قام بترتيب القوائم الإنتخابية فكان الفائزون غالبيتهم من مؤيديه وبذلك ضمن له سنداً قانونيا لأعماله الإستبدادية.


بكر صدقي ولد لكي يصبح مجرماً:
------------------
هكذا يصفه العقيد جرالد دي غوري، الملحق العسكري في السفارة البريطانية ببغداد في تلك الفترة في كتابه (ثلاثة ملوك في بغداد، ترجمة وتعليق طه التكريتي، مكتبة النهضة العربية، بغداد، ط 2، 1999) يقول العقيد جرالد ما نصه " كان السبب المباشر لهذا الإضطراب الأول في العراق المستقل، أي عام 1932، هو الضابط بكر صدقي. كانت المرة الاولى التي رأيته فيها، لاتزيد عن بضع دقائق. كنت أنتظر في أحدى الأمسيات في فندق مود الجديد الصغير الذي يقع عند الجسر في بغداد، أحد ضباط شعبة الإستخبارات التابعة للقوة الجوية البريطانية واذ أستدرت من الشرفة المطلة على النهر، وكانت الشمس ما تزال ساطعة إلى غرفة صغير باردة تحت الأرض, رأيت رجلا عراقيا متوسط العمر، وذا شكل غير جذاب، يجلس هناك لوحده وهو يحتسي الويسكي. كان فقاً راسه مسطحاً ورقبته غليظة وشفتاه تدللان على شدة الحساسية ووجه ومحياه صارمين بشكل فظيع. لقد كان وجه إنسان ولد لكي يصبح مجرماً. كان إنطباعي عنه شديد جدا، إلى درجة إنني افضيت بذلك إلى صديقي عندما أتى، ورحت أهمس مستفسرا عنه. لم يكن صديقي ليعرف عنه شيئاً ما، سوى أنه أحد الضباط الكبار في الجيش العراقي، وأن أسمه بكر صدقي، وقد قيل عنه أن الأمير غازي يحبه، ويلتقي به في أغلب الأحيان". (ص140).
وعن شخصية المجرم بكر صدقي الواطئة والخسيسة وأصحابه المقربين له، كتب عنهم العديد من الكتاب والمؤرخين حيث عرف عنه بعربدته وقساوته في التعامل مع الآخرين وسؤء أخلاقه  فكان يبذر هو واصحابه مبالغ طائلة  لتغطية نفقاتهم الخاصة في أماكن اللهو والملاهي والمحلات، وهناك تفاصيل كثيرة عن التصرفات الشنيعة لهذا المجرم ذكر بعضها السفير الألماني في العراق الدكتور فريتز غروبا في كتابه المعنون (رجال ومراكز قوى في بلاد الشرق، ترجمة فاروق الحريري، الجزء الأول، مطبعة عصام، بغداد، 1979) وقد عرف عن هذا السفير بعلاقته الوثيقة برجال الحكم في العراق طيلة فترة خدمته الطويلة وخاصة بالمجرم بكر صدقي الذي كان يسعى، وهو رئيس أركان الجيش العراقي، لشراء الأسلحة من ألمانيا وإيطاليا الفاشية.

مابين مذابح الآشوريين وحملات القمع ضد الشيعة وعشائر الفرات الأوسط:
----------------------------------------------
كما بينًا في أعلاه بأن  المجرم بكر صدقي بعد أن نفذ مذابحه بحق الآشوريين أستقبل في الموصل ثم في بغداد من قبل الجماهير العراقية الضخمة والمسؤولين الحكومين وحتى من قبل بعض الأحزاب التي كانت تعتبر في حينها تقدمية، إستقبال الأبطال الملهمين ونال أنواط "الشجاعة" وترقية عسكرية عالية عن جرائمه المرتكبة بحق الآشوريين والتي أعتبرت حماية وصيانة الوطن من الآشوريين "المرتزقة والجواسيس وعملاء الإستعمار والإمبريالية" ومن "ذئاب آشور" كما نعتهم الشاعر "الوطني" معروف الرصافي عضو البرلمان العراقي في تلك الفترة في قصائده وخطبه "الوطنية" الحماسية. لا بل وأعتبر عبد الرحمن البزاز، وهو أستاذ جامعي في القانون ورئيس وزراء أسبق للعراق في الستينيات من القرن الماضي، بأن "حركة الآثوريين (عام 1933) من أخطر الفتن الداخلية الجسيمة التي عرًضت العراق بعد الإستقلال (1932) إلى مخاطر جمة، وعرضت سمعة العراق الخارجية، وهو في فجر الإستقلال، إلى كثير من الغمز" (عبد الرحمن البزاز، العراق من الإحتلال إلى الإستقلال، ط 3، مطبعة العاني، بغداد، 1967، الفصل الثاني عشر: فتنة الآثوريين ص223- ص232).
ثم بعد إنتهاء هذا المجرم من القضاء على "الحلقة الأضعف" في العراق، بدأ بتنفيذ العهد الذي قطعه على نفسه بأنه سيستمر بمهماته نحوة الأكثر أهمية وخطورة، وكان يقصد حركات الشيعة وعشائر الفرات الأوسط، أي نحو "الحلقة الأقوى" في العراق والتي كانت تشكل، بسبب حجمها الدموغرافي والسعة الجغرافية أخطر بكثير من حركة الآشوريين. غير أنه بعد أن قمع هذه الحركات بوحشية دموية لم يستقبل إستقبال الأبطال ولا التقدير المناسب لا من قبل الحكومة القائمة ولا من الجماهير والأحزاب السياسية كما كان الحال عند إستقباله بعد مذبح الآشوريين، فشعر بنوع من الإهانة له ولصديقه المجرم حكمت سليمان وزير الداخلية، فلم يكن أمامه إلا وينتقم من الحكومة القائمة ويقود إنقلابه العسكري عام 1936، كما ذكرنا في أعلاه.
الغرض من هذا العرض بين مذابح الآشوريين وحملات التنكيل بحق الشعية وعشائر الفرات الأوسط، هو المقارنة بين المشاعر الفياضة والحماسية التي أظهرتها الجماهير والحكومة العراقية لمجرمي مذابح الآشوريين وبين البرود والإهمال وعدم إستقبال مجرمي حركات القمع ضد الشيعة وعشائر الفرات الأوسط كأبطال، رغم أن هذه المهمة الأخيرة كانت أكثر خطورة على العراق وللأسباب الذي ذكرناه في أعلاه. فالمقارنة في المشاعر والإستقبال للحالتين يجعلنا أن نستشف منها ظواهر واضحة في التفرقة العنصرية والدينية قائمة على أعتبار الآشوريين "كفار وغرباء عن العراق" في حين أعتبر الشيعة وعشائر الفرات الأوسط من "دين محمد" فالشرع لا يسمح بإستباحة دم المسلم. ومن المؤسف أن تستمر هذه المشاعر العنصرية والتفرقة الدينية حتى يومنا هذا ونجدها في أخاديد الدولة العراقية وفي صندوق دماغ الكثير من رجال الحكم والسياسة المهيمنين على العباد والبلاد ليتأكد بأن مثل هذه المشاعر العنصرية والأساليب الإستبدادية في الفكر والممارسة في أيامنا هذه ليست بنات اليوم بل جذورها تمتد حتى قبل تأسيس دولة العراق.

المجرم بكر صدقي وخطة تأسيس دولة كردية:
--------------------------
أشيع كثيرا بعد أن أصبح المجرم بكر صدقي الرجل الأول في السياسة العراقية بأنه كانت له خطة لتأسيس دولة كردية. يقول السفير الألماني فريتز غروبا في كتابه المنوه أعلاه "عندما أخبرني بكر صدقي برغبته في الدفاع عن كردستان تحدث معي بصورة سرية وقال لي بأنه كردي وأنه وضع هدفاً معيناً نصب عينه هو تأسيس دولة كردية يجمع بها شمل الأكراد في العراق وإيران وتركيا ويجب على الدولة الكردية أن تدافع عن إستقلالها أزاء جيرانها، لذا يكن في قلبه مسألة الدفاع عن كردستان التي يتطلع للإمكانات المحتملة لتنفيذها بنفسه... ولكن حدست بأنني لست الشخص الوحيد الذي أئتمنه بكر صدقي بشأن هذه الفكرة وهذا يوضح أسباب العداء التي حدث بالوطنيين العرب لتدبير قتله فيما بعد" (ص 273). ويروي هذا السفير الذي كانت علاقته وثيقة مع المجرم بكر صدقي بأنه كان يزوره  في كل يوم تقريباً ليس لطلب شراء الأسلحة من ألمانيا فقط بل أيضا لمساعدته في وضع خطة لإحتلال كردستان والدفاع عنها. وفي هذا السياق بدأ بنقل الضباط العرب إلى أماكن غير حساسية وتعيين ضباط أكراد بدلا عنهم كما فتح أبواب الكليات والمعاهد العسكرية واسعة أمام الطلاب الأكراد حتى قيل بأن عددهم كان يفوق عن 70% من طلاب هذه الكليات والمعاهد العسكرية.
على العموم، على الرغم من أنه كان بالإمكان على المجرم بكر صدقي وهو على رأس قوة عسكرية وحكومة داعمة له أن يقوم بهذه المهمة ولكن يظهر من سياق الأحداث بأنه لم يتحرك ولا قيد أنملة تجاه إحتلال كردستان أو تأسيس دولة كردية في شمال العراق بل أنه قام بقمع إنفاضة البارزانيين. كما أن المصادر الكردية لم توثق أحلام المجرم بكر صدقي في تأسيس الدولة الكردية ولم تأتي  ضمن سياق أفكار او الحركات الكردية. فلو أخذنا شخصية المجرم بكر صدقي الثعلبية والماكرة ومحاولة اللعب على عدة حبال لتأكد لنا بأن هذه الخطة في تأسيس الدولة الكردية لم تكن إلا مناورة خبيثة للتلاعب بمقدرات البلد وإرباك معارضيه وتخويفهم من سطوته وإمكانية إقتطاع جزء من العراق والتي كانت سبباً من أسباب تقرير مصيره النهائي.

سخرية الأقدار وإنتقام القدر من المجرم بكر صدقي
------------------------------
بكرصدقي رمز من رموز الجريمة السياسية في تاريخ العراق السياسي الحديث، والكلام عن جرائمه والمذبحة التي نظمها ونفذها بحق الآشوريين في سميل عام 1933 قصة مأساوية وذات شجون مؤلمة لدى معظم الآشوريين ومنعطف خطير في مسار تطور الحركة القومية الآشورية في العراق. وبقد تعلق الأمر بسخرية الأقدار في تاريخ الآشوريين في تلك الفترة، نؤكد بأن القيود السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي أفرزتها نتائج الحرب الكونية الأولى وتسويات الحدود المجحفة، كبلت الذات الآشورية وأضعفت قدرتها إلى درجة لم يكن بالمستطاع تجنب مذبحة سميل وما أعقبها من نتائج سلبية، مادية وفكرية، زادت من تصدع الآشوريين سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً. لذلك وبسبب ضعف قدرة الذات الآشورية على التفاعل مع أحداث تلك المرحلة وتحييد مسارها بالشكل الذي يخدم المسألة الآشورية، فرضت الأقدار هيمنتها على الأحداث وبالأخص في تحديد مصير المجرم بكر صدقي والقضاء عليه بعد أن جاءت "العناية الالهية" هذه المرة لصالح الآشوريين والتي غابت عنهم في صيف عام 1933 لتنتقم للدماء الآشورية التي أريقت في سميل.
وتمثلت سخرية الأقدار هذه من حيث الزمان في إغتيال بكر صدقي في الموصل، وهو في طريقه للسفر إلى تركيا لحضور مناورات الجيش التركي مع بطله المهم كمال أتاتورك، من قبل جندي كان برتبة نائب عريف (في مصادر أخرى تذكر رتبته كعريف) وأسمه عبدالله التلعفري، وهو تركماني من بلدة تلعفر ومن أصل عائلة أرمنية هاجرت إلى العراق بعد مذابح سيفو وأعتنقت الإسلام. كان بعض الضباط العراقيين القوميين المنافسين للمجرم بكر صدقي قد جندته لإغتياله في يوم الحادي عشر من شهر آب عام 1937  في مطعم مطار الموصل ومن سخرية الأقدار أن يكون إغتياله في الذكرى الرابعة لمذابح الآشوريين، التي أمتدت من الخامس من شهر آب حتى الحادي عشر منه، وهي أيام ضمن سلسلة مذابح أرتكبها بحق الآشوريين راح ضحيتها ما يقارب ثلاثة آلاف آشوري ... حقا أنها سخرية الأقدار.
للمزيد من التفاصيل عن هذه الموضوع  يمكن الرجوع إلى كتبي المبينة في أدناه:
•   أبرم شبيرا، الآشوريون في السياسة والتاريخ المعاصر – فصل التعامل مع الأقليات في مسار تطور تاريخ العراق السياسي، من منشورات إتحاد الأندية الآشورية في السويد، 1977.
•   أبرم شبيرا، الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر، دراسة مسألة في العقلية العراقية تجاه الأقليات، دار الساقي، بيروت – لندن، 2001.

وأخيرا... كلمة لابد منها عن يوم الشهيد الآشوري في السابع من آب 1933:
-------------------------------------------

أولا: التسمية الآشورية للحدث:
لقد سبق ووضحنا في مناسبات سابقة بأن التسمية الآشورية لهذه المناسبة هي الصحيحة ولا يمكن تغييرها أو تأويلها بالشكل الذي يتم فيه إدخال التسميتن، الكلدانية والسريانية لهذا الحدث والقول مثلاً يوم الشهيد الكلداني الآشوري السرياني وغيره،  فذلك يخالف الواقع والحقائق التاريخية التي كانت تقريباً كلها تخص الآشوريين فقط. أي بهذا المعنى لقد تعمد الأسم الآشوري لهذا الحدث بالدماء المقدسة التي أزهقت من أجله،  في حين لم يكن لأبناء التسميتين الكلدانية والسريانية تقريباً أي صلة بهذا الحدث. وقد لا أجني على الحقيقة والتاريخ عندما أقول بأنه على العكس كانوا، وبالأخص الكنائس، مستنكرين لهذا الحدث ، لا بل وأكثر من هذا كانت هناك مجموعات عشائرية من أتباع كنيسة المشرق "النسطورية" هي الأخرى أستنكرت هذا الحدث خوفاٌ من بطش السلطة السياسية وخسارة الإمتيازات التي كانت تحصل عليها من الحكومة حيث وقعوا، وهم لا يعرفون القراءة والكتابة وربما حتى التوقيع، على رسائل إستنكار لهذا الحدث والتي أملئت  وفرضت عليهم من قبل السلطة، كل هذا لم يمنع من أن يدخل السابع من آب في التاريخ القومي ورمزا للحركة القومية الآشورية. وحسنا فعلت كنيسة المشرق الآشورية في إدراج هذا الحدث في تقويمها الكنسي، إن لم يكن كحدث قومي سياسي، وهو من واجبات أحزابنا السياسية، وإنما النظر إليه كحدث ديني وكنسي لأن تقريباً معظم شهداء هذه الحركة كانوا من أتباع هذه الكنيسة، لا بل وزعيمها أيضا. وكمسيحيين أدركت الكنيسة واجبها في التذكير بهذا الحدث وإقامة القداديس على أروح الشهداء. كل هذا الإقرار بآشورية الحدث لا يزعزع إيماننا المطلق بأن الكلدان والسريان مع الآشوريين يشكلون أعمدة الأمة الواحدة وهي حقيقة واقعية لا يمكن نكرانها ولكن حتى نكون واقعيين في العمل القومي يجب أن لا نقفز من فوق الحقائق التاريخية وإلا أضعنا النابل بالحابل ودخلنا في متاهات لا نهاية لها.

ثانياً: السابع من شهر آب يوماً للشهيد الآشوري:
في الكراس الذي كتبته وبعنوان "السابع من آب يوم الشهيد الآشوري – رمز خلود الأمة"، دار عشتار للتصميم والصباعة، لندن، 1994 والذي أعيد طبعه من قبل الحركة الديموقراطية الآشورية قبل عدة سنوات كما قام النادي الثقافي الآشوري في عنكاوه بطبعه عام 2019 وبحلة منقحة وتصميم جديد، بينت فيه بشكل مفصل عن الأسباب التي أتخذ السابع من آب كيوم للشهيد الآشوري من قبل الإتحاد الآشوري العالم عام 1970 ودخل هذا التاريخ في السجل القومي وثبت كمنطلق للتضحية والفداء من أجل الحربة والكرامة وبالتالي لا يمكن تغيير هذا التاريخ وإحلال تاريخ آخر محله. فهو يجب أن يأخذ ليس كتاريخ مسجل على ورق فحسب وإنما هو رمز قومي معبر عن كل المذابح والتضحيات الخاصة بشعبنا. هذا صحيح بأن هناك مذابح أرتكبت بحق شعبنا خاصة مذابح المجرم مير بدر خان في منتصف القرن التاسع عشر وومذابح سيفو أثناء وبعد الحرب الكونية الأولى والسلسلة طويلة حتى نصل إلى جرائم القاعدة وداعش، فكل هذه المذابح مضمونة ومحتوية في الرمز المتمثل في السابع من آب كيوم للشهيد الآشوري. لا أريد الإطالة في هذا الموضوع فيمكن أخذ التفاصيل من كراسي المذكور أعلاه.

ثالثاً: المفكر الملهم فريد نزها والمنظور المستقبلي:
بوعي أو غير وعي، كلما أحاول الكتابة أو التذكير بيوم الشهيد الآشوري يقفز إلى رأسي المفكر الملهم ورائد الوحدة القومية الصحافي الثائر فريد نزها وهو يستمد بعد ست سنوات، أي في عام 1939، من مأساة مذبحة سميل تصوراً عن اليوم الذي سيأتي ويحتفل بالسابع من آب كيوم للشهيد الآشوري. وفعلاً هذا ما حدث في عام 1970، أي بعد واحد وثلاثين سنة عندما ثبت السابع من آب كيوم للشهيد الآشوري. في مجلته المعروفة بـ "الجامعة السريانية" العدد الثاني من السنة الخامسة لسنة 1939، كتب ردا على رسالة بعثها له من الموصل أحد الذين كانوا يتخوفون من التسمية الآشورية لأن أسم المجلة التي كان يصدرها من الأرجنتين يشير غلافها إلى تسمية (Assyria) وكان يطلب تغييرها لأن هذا مصطلح لا يروق حكومة العراق، وطبعاً بسبب مذابح سميل. لنرى ماذا يقول هذا المبدع في رده التهكمي على "المصلاوي". يقول " إذا لم ترُق التسمية الآشورية لجناب الحاكم هل تجيز لك آدابك وشرف قوميتك وقواعد دينك أن تبدلها بغيرها إرضاء لخاطر الأمير وإكرماً لسواد عينيه وماذا تصنع غداً متى خطر لحاكمك المطلق أن يقول لك أنزع هذا الصليب عن باب كنيستك ومحظور عليكم أنتم معشر النصارى قرع الأجراس؟... أنك تستبعد حصول هذه الفواجع، ولكن الليونة والخنوع اللذين أبديتهما تجاه الحاكم المستبد سوف يحملانه على التمادي في ظلمه وإستبداده... ما أحلاك لما رحت تقول لي بكل بلادة وجهل أن التسمية الآشورية تفيد المعنى المذهبي "النسطوري" وهو قول تبرأ منه الحقيقة ويستنكره الجميع من الخاصة والعامة". ثم يزيد المفكر الكبير روعة على روعة وإبداعاً على إبداع حينما يتطرق إلى الحركة القومية الآشورية لعام 1933 والمذبحة لتي رافقتها في سميل ويسحب المستقبل إلى حاضره ليرى وبمنظور مستقبلي كيف أن لأجيال اللاحقة سوف تحتفل باليوم الشهيد الآشوري تخليدا للذين أستشهدوا في سميل، فيقول بهذا الصدد  "إذا كانت الصفة الآشورية اليوم تشير إلى الغير راضين بالإندماج في العربية والخضوع للحكومات الغاشمة وقد نالهم بسبب ذلك القتل والإضطهاد والسلب وكل أنواع المظالم والفطائع (يقصد مذابح الآشوريين في سميل عام 1933) ، فذلك شرف عظيم أنفردوا به، وسترد الأجيال القادمة ذكرى ذلك الإستشهاد وآثار تلك الفواجع التي أنزلها بهم أعدء الله والإنسانية ما بقي آدمي على وجه هذه البسيطة" وهذا ما حدث فعلا في عام 1970 عند إقر السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري ويستذكر من  تلك الفترة وإلى يومنا هذا... ما أعظمك يا معلم فريد نزها.

 


57
صرخات غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو
 بين المسؤولية والواقعية
=========================================
أبرم شبيرا
دعوات أم صرخات ؟:
------------
أطلق غبطة الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العالم صرخته الأخيرة متسائلاً "هل سيهب المسيحيون العراقيون لإجتماع يُناقش أوضاعهم؟. وهي ليس الأولى بل سبقتها دعوات  أخرى إلى أبناء شعبنا وأحزابه السياسية والمثقفين، وكان غبطته أيضا قد تسائلا "ألم يحن الأوان لتشكيل تجمع سياسي واحد لمسيحيي العراق؟" والتي دوت هذه الصرخات في الساحة القومية والدينية لشعبنا في الوطن والمهجر تناولها بعض المهتمين بالموضوع تأيداً وتحفظاً ومعارضاً. ومن الملاحظ بأن الدعوات التي أعلنها غبطته تتصف بنوع من الصرخات أو هكذا أطلق عليها، لماذا:؟ لأنها: أولا: التشابه والتماثل في الهدف المتوخاة منها المتمثل في وحدة شعبنا المسيحي في العراق وتضامن أحزابه السياسية كسبيل لضمان حقوقه المشروعة في العراق. ثانياً: إستمرار هذه الدعوات المقرونة بحالة من اليأس نتيجة وقوعها على آذان صماء رغم أن للمعنيين بالدعوات لهم آذان قادرة على السماع ولكن لا يتحركون قيد أنملة. ثالثا: تنطلق من موقع مسؤول عن أكبر كنيسة في العراق يشعر بمعاناة مؤمني كنيسته وغيرهم من مؤمني الكنائس الأخرى ويتألم من هذه المعاناة خاصة وهي في تصاعد مستمر نحو المستقبل المجهول. رابعاً: بمراجعة بسيطة لتاريخ كنيستنا المشرقية في العراق وبكل تفرعاتها، يعتبر غبطة الكاردينال أول بطريرك في الماضي والحاضر يطلق هذا الكم من االدعوات لجميع أبناء الشعب المسيحي في العراق، خاصة أذا قارنا ذلك ببقية بطاركة كنيسة المشرق في هذا العصر. هذا التراكم الكمي والنوعي لهذه الدعوات هي التي جعلتها أن تكون بمثابة صرخات تعبر عن القلق والمعاناة التي تختلج صدر غبطته في فترة تعد من أسوء الفترات التي مرً ويمر بها المسيحيون في العراق والتي تهدد وجودهم التاريخي في أرضهم التاريخية. حقاً وصدقاً عندما قال رسول الأمم "من يشتهي الأسقفية" في هذا الزمن الصعب والظالم ومصير المسيحيين سائر نحو المجهول.

المسؤولية في صرخات البطريرك:
-------------------
لا أحد يستطيع أن ينكر بأن غبطة الكاردينال مار لويس هو على رأس أكبر كنيسة مسيحية في العراق، الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، ومسؤولا كنسياً عن أكبر عدد من المؤمنين المسيحيين سواء الصامدين في أرض الوطن أم المهجرين إلى بلدان المهجر. هناك حقيقة واقعية تؤكد بأن الكلدان يمتلكون بنية تحتية ثقافية وإقتصادية وأثنوغرافية وجغرافية قوية وراسخة في مقارنة مع بقية البنية التحتية لبقية مؤمني فروع كنيسة المشرق، ولكن، لأسباب خاصة وعامة، لم تستطيع هذه البنية القوية للكلدان أن ترتقي وتنعكس في بنية فوقية تتمثل في مؤسسات وأحزاب كلدانية تتماثل مع قوة البنية التحتية للكدان غير تنظيم أوتجمع هنا وهناك غير قادر على الإستمرار أو على مجاراة الأحداث والتعامل مع الأوضاع المأساوية التي حلت بأتباع الكنيسة وبغيرهم. وحتى الرابطة الكلدانية، رغم إستمرار وجودها  المترنح، إلا أنها لا زالت تتراوح في مكانها ومن دون أن تستطيع أن تعمل شيء لتزيح ولو قليلا من ثقل المأساة والفواجع التي حلت وتحل بالكلدان وأن تعزز ثقتهم بها كمؤسسة كلدانية مفيدة لهم قادرة على تحمل المسؤولية في هذه الأوضاع الصعبة. فإذا كان الأمر بهذه الصعوبة في وطننا بيت نهرين فأنه ليس كذلك في بلدان المهجر التي تنسبط الأرض لعمل وبنشاط ونجاح لمثل هذه المؤسسات ولكن أيضا لم تظهر مؤسسات كلدانية بمستوى المسؤولية في بلدان المهجر، وأن كانت هناك مساعي لتأسيس مؤسسة كلدانية شاملة إلا أنها أنطفئت قبل أن تخطو خطوة واحدة. ومؤتمرات النهضة الكلدانية خير دليل على ذلك. 

كان في جعبتي بحث مقارن بين المجلس القومي الأشوري في ولاية ألينوي – شيكاغو والرابطة الكلدانية العالمية ولكن أجَل لفترة أخرى. أوجه التشابه في المقارنة تتمثل في أن المجلس أسس بمبادرة المثلث الرحمات مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية السابق ولكن من دون تدخل الكنيسة وبشكل مباشر في شؤونها، وإن حاولت التدخل خاصة في فترة الإنتخابات لهيئته الإدارية فأنها لم تفلح بسبب قوة المجتمع المدني والوعي القومي والعلماني لدى الآشوريين. كذلك تأسست الرابطة الكلدانية بمبادرة من غبطة الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ولكن ترتبط بالكنيسة بشكل أو بآخر ويكفي أن يكون شفيعها القديس مار توما لتكشف عن طابعها الديني وهي تنظيم علماني مدني كما يقال عنها. ولكن المقارنة شتان بين نشاط ونجاح المجلس الذي يعتبر من أنجح المؤسسات الآشورية حتى بالنسبة للمؤسسات المسيحية العراقية في المهجر والذي أيضا تمتد يده لمساعدة ابناء شعبنا في الوطن، وبين الرابطة الكلدانية في الولايات المتحدة التي لا ذكر لها على ساحة العمل الملموس أوالمجيء بنتائج مثمرة للكدان بشكل خاص وللمسيحيين بشكل عام.

ولكن من جانب آخر وبكل تفاصيله نرى بأن هذه البنية التحتية القوية للكدان أنعكست في الكنيسة، كبنية فوقية، وجعلتها أكبر مؤسسة كلدانية وأقواها، لا بل المؤسسة الوحيدة التي من خلالها تمر الهوية الكلدانية إلى العالم الخارجي ويتعرف الآخرون على هوية أتباعها، بحيث وصل ألأمر للقول بأنه لا يوجد كلداني بكل ما يحمله من مقومات لهوتيه الكلدانية إلا وهو منتمي بشكل أو بآخر إلى الكنيسة الكلدانية. ومن جهة أخرى ليس كل منتمي إلى الكنيسة الكلدانية يحمل الهوية الكلدانية كمصدر للإنتماء، رغم إيماني الشخصي بأن الهوية الكلدانية بما تحمله من مقومات هي نفس المقومات التي تحملها الهوية الآشورية والسريانية وإن كان هناك إختلاف في مصدر الإنتماء فمرد ذلك هو الكنيسة فقط لا غيرها، فهناك الكثير من أتباع الكنيسة الكلدانية ولكن مصدر إنتماء هويتهم هو آشوري، لا بل فقد كان هناك العديد من رواد الفكر القومي الآشوري والحركة القومية الآشورية من أتباع الكنيسة الكلدانية.
 
 في رسالة بمناسبة عيد شفيع الكنيسة الكلدانية مار توما الرسول في الأول من تموز 2020 يقول غبطة الكاردينال "الكلدانية ليست مذهبا ولا يوجد في الدنيا مذهب أسمه كلداني... هذا هراء! مذهب الكنيسة الكلدانية كاثوليكي أما هوية شعبها فهي الكلدانية". ولكن ما هي الهوية الكلدانية ومن يصونها ويعممها ويعززها ويحميها من الضياع في متاهات هذا العصر؟. لا جواب على هذا التساؤل غير القول بأن هذه المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على المؤسسات والأحزاب الكلدانية، ولكن بسبب ضعفها وهشاشتها وعدم إستمراريتها وبفاعلية عجزت عن هذه المهمة، لذلك كان من الطبيعي ضمن هذه الظروف الشحيحة في حماية الهوية أن تنتقل هذه المسؤولية إلى أكبر مؤسسة وأكثر فاعلية وإستمرارية وهي الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وتسعى، وعلى رأسها الكاردينال مار لويس، إلى العمل وبكل الوسائل لحمايتها من الضياع في المتاهات السياسية الصعبة والمميتة في أرض الوطن وبلدان المهجر. فإذا كانت الكلدانية هوية الكلدان، شعب الكنيسة الكلدانية، والكنيسة كما نعرف تعني الجماعة أو الشعب، إذن لا معنى لها، أي الكنيسة، إلا بوجود هذه الجماعة التي تحمل الهوية الكلدانية. فمن هذا المنطلق تصبح أيضا الكلدانية هوية الكنيسة الكلدانية بغنى عن مذهبها أو إيمانها الكاثوليكي.
 
هذا الوضع في تحمل مسؤولية حماية، ليس الهوية الكلدانية فحسب، بل بإعتقادي هوية جميع المسيحيين الذين يشاركون من جهة أو بأخرى في مقومات هذه الهوية من لغة وعادات وتقاليد وتاريخ وأرض، جعل من البطريرك أن يعبر عن معاناة وحرمان كل المسيحيين في العراق. صحيح البطريرك مار لويس هو على رأس الكنيسة الكلدانية وقد يبدو بأنه ليس لغبطته الحق التحدث عن بقية المسيحيين المنتمين إلى الكنائس الأخرى في العراق الذين أيضا لهم بطاركة على رأس كنيستهم. فبطاركة كنيسة المشرق كلهم لاهوتياً وأكليركيا وكنسياً متساوون فلا كبير أو صغير بينهم وكل واحد منهم يتحمل مسؤولية تجاه مؤمني كنيسته. ولكن بسبب ظروف تاريخية وواقعية تجعل من بطريرك معين أن تكون له الأولية على أخوته البطاركة الآخرين ومن دون إي إخلال بالمساواة بينهم وإستقلاليتهم. هذا المفهوم في الأولية مستمد من المباحثات المسيحانية التي كانت تجري بين الكنائس الشرقية مع الفاتيكان. فإذا كان هناك إحتمال التوصل إلى الشراكة في الإيمان والأسرار السبعة لجميع الكنائس وارد وممكن، فأن الصعوبة الكبرى، أو الإستحالة في هذه المباحثات كانت ولاتزال مرتبطة بالسلطة الكنسية المتمركزة في البابا بإعتباره خليفة بطرس الجالس على الكرسي. غير أنه كحل وسط ظهر مفهوم أولوية أسقف روما على أخوته من بطاركة الكنائس الشرقية ومن دون أخلال بمكانتهم البطريركية المستقلة، وهو الأمر الذي لازال بين المد والجزر ولم يصل إلى نهايته المقنعة للجميع.

أتباع الكنيسة الكاثوليكية في العالم يقدر بـ 1.2 مليار وهم في إزدياد مستمر، أما عدد نفوس المسيحيين في العالم فيقدر بنحو 2.2 مليار. فمن المؤكد عندما ينقرض الكاثوليك أو تتراجع أو تتعثر الكنيسة الكاثوليكية فالإحتمال وارد جداً تراجع أتباع بقية الكنائس في العالم وتقلص نفوس المسيحيين خاصة والديانات الأخرى وتحديدا الدين الإسلامي في إزدياد مستمر ورهيب يهدف إلى طغيانه وسيطرته على الشعوب كدين وحيد إن لم يكن في العالم فعلى الأقل في وطننا العراق. من هذا المنطلق نقول لو تراجعت أو ضعفت أو أنقرضت الكنيسة الكلدانية من العراق بإعتبارها أكبر كنيسة مسيحية، فبالنتيجة والحتم ستسير بقية الكنائس في العراق نحو الضعف لا بل ونحو هاوية الإنقراض والزوال من العراق. كل هذه الأوضاع والحقائق والوقائع هي التي تدفع البطريرك مار لويس ليكون في موقع المسؤولية في دعواته لحماية المسيحيين في العراق وتجعل منها صرخات تنطلق من موقع المسؤولية ليظهر غبطته كمتحدث رسمي للمسيحيين في العراق. ولكن السؤال يبقى قائماً وفارضاً سطوته على الواقع: أفهل تستطيع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية حماية هوية مؤمنيها في غياب فاعلية المؤسسات المدنية الكلدانية؟ واقع الحال لا يشجع ليكون الجواب إيجابيا، لأن إهتمام الكنيسة الكلدانية بمذهبها الكاثوليكي أكثر بكثير من إهتمامها بالهوية الكلدانية لمؤمنيها خاصة عندما نعرف بأن هناك الكثير من الكلدان، وتحديداً في المهجر، يذهبون إلى الكنائس الأخرى غير الكلدانية طالما مذهبها كاثوليكي. هذا قد يكون سبباً رئيسياً في أهتمام غبطته بالمسيحيين وتوجيه دعواته إلى كل المسيحيين في العراق بما فيهم الأرمن وحثهم على الإتحاد لتشكيل تجمع سياسي واحد لمسيحيي العراق على أساس ديني وليس قومي. ولكن ماهي واقعية تشكيل تجمع مسيحي سياسي موحد في ظل نظام قائم على أسس دينية طائفية متخلفة لا يستصيغها هذا العصر؟
الواقعية في صرخات البطريرك:
-----------------
كما سبق وذكرنا بأن صرخات غبطة البطريرك دوت على الساحة السياسية لشعبنا المسيحي في العراق وفي بعض بلدان المهجر وأنعكس ذلك في بعض الردود والتعليقات على صرخات غبطته بين مؤيد ومجامل من جهة ومتحفظ ورافض من جهة اخرى، إلا أن في مجملها لم تبين أو تطرح آليه منطقية وواقعية لكيفية تحقيق هدف هذ الصرخات من جهة وإنها وقعت على آذان صماء للمعنيين بها من جهة أخرى ، لماذا؟ لا لشيء إلا لأنها أبتعدت عن الواقعية وعن الواقع المعايش لشعبنا ولأحزابه السياسية وتنظيماته القومية. فهناك محطات تبعد هذه الصرخات عن الواقع المسيحي في العراق. نبدأها بـ:
أولا: الجهات المعنية بالصرخات، أي الأحزاب والتنظيمات المسيحية آذانها صماء غير قادرة على سماع هذه الصرخات والعمل بموجبها لأنها مصابة بفايروس الكرسي الذي هو أقوى من فايروس كورونا. فصرخات غبطته ليست بالدواء أو اللقاح المناسب  للقضاء على فايروس الكرسي والشفاء منه.
ثانيا: هناك دعوات ومحاولات سابقة للإتحاد والوحدة والتعاون بين تنظيمات شعبنا، وتجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية خير مثال على ذلك. غير أنه لم يخطو خطوة أو بعض الخطوات إلا ووقع في بئر المصالح الحزبية وغرق فيه وأصبح في خبر كان. هكذا يرى المعنيون بهذه الصرخات بأنها لا تعدو أن تكون غير فكرة مثالية وطوباوية أو محاولة سيكون مصيرها كالسابقات، وبالتالي لم يكترثوا بها ووجدوا فيها مضيعة للوقت وزيادة في الإحباط.
ثالثا: مواقع التواصل الإجتماعي هي نعمة ونقمة. فللحكيم هي نعمة يمكن إستخدامها، خاصة بالنسبة لشعبنا الفقير من جمع النواحي ولا يملك أدوات التأثير على الغير لتحقيق الصالح العام. من هذا المنطلق فكثير من المعنيين بصرخات غطبته لا يكترثون بمواقع التواصل الإجتماعي ولا يدخلون عليها لقراءة ما هو مفيد لهم ولشعبنا أيضا، ولم نسمع أو نعلم بأن قادة حزب سياسي قرأوا موضوع يهمهم بالصميم وأخذوه بعين الإعتبار، فهم يعتقدون بأنه عيب على زعيم حزب سياسي أن يسمع كلام كاتب أو مثقف أو مختص كتب موضوعا عن الحزب، فزعيم الحزب أذكى بكثير من كل المثقفين وإهانة له أن يعترف بأنه إستفاد من الموضوع المنشور في موقع التواصل الإجتماعي. لهذا السبب كان على غبطته أن لا يطلق صرخاته عبر التواصل الإجتماعي، بل كان من الأجدر أن يفاتح المعنيين بالأمر مباشرة ويدعوهم برسائل خاصة لعقد الإجتماع والتباحث في الموضوع المطروح فلربما كان وقعها أكثر تأثيراً عليهم من مواقع التواصل الإجتماعي، خاصة وغبطته له مكانة متميزة ويترأس أكبر مجموعة مسيحية في العراق ومن المفترض أن تكون رسائله المباشرة أكثر تأثيرا ووقعاً على المعنيين بالأمر.
رابعاً: أنتقد بعض القراء الأعزاء، وهم على حق، بأنه في الوقت الذي هناك معارضة شديدة للتوجهات الدينية في السياسة العراقية ورفضاَ شديداً للإستحقاقات الطائفية في الحكم التي تبعد أبناء شعبنا عن التمثيل الحقيقي، نرى بأن صرخات غبطته "المسيحية" تنصب في نفس خانة التوجهات الدينية والمحاصصة الطائفية التي هي شر البلة على شعبنا. الأمر الذي جعل صرخات غبطته أن تبتعد عن الواقعية المفيدة لشعبنا في العراق. المثل يقول أعرف عدوك، فالطائفية والمحاصصة في الحكم والسياسة عدو شعبنا في العراق لأنها تحرمنا من أبسط الحقوق. فالشيء الذي نعرفه عنه هو أنه رغم كون معظم الأحزاب المتسلطة على العباد والبلاد هي أحزاب إسلامية طائفية صرفة في مضمونها وممارساتها ولكن في شكلها أو تسميتها أو في أسماء قوائمها الإنتخابية تأخذ أسماء وطنية وإنسانية وقومية براقة تخفي مضمونها الديني والطائفي. من هنا يمكن القول بأنه كان من الممكن أن تكون صرخات غبطته أكثر واقعية وعلمانية لو وجهت ودعت أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري إلى الإتحاد وتشكيل تنظيم موحد من دون الإشارة إلى شكلها المسيحي لأن حتماً في مضمون هذا الإتحاد، شئنا أم أبينا، سيكون مسيحياً لأن الكلدان والسريان والآشوريين كلهم مسيحيون.
خامساً: وجد غبطته في صرخاته التسمية المسيحية كأفضل تسمية موحدة لشعبنا وشمل الأرمن أيضا. لماذا؟؟ لأن في إعتقاد غبطته لا توجد تسمية موحدة تجمع جميع أبناء شعبنا فلا محال من التسمية المسيحية فهي الأفضل. شعبنا في العراق يعيش حالة إستثنائية وغريبة بعض الشيء بتسمياته الثلاث، "الكلدان والسريان والآشوريون" تدخل ضمن ما أطلقنا على أمتنا  في السابق بانها "أمة الإستثناءات". الكلدان والسريان والآشوريون ليسوا ثلاث قوميات أو أثنيات كما يعتقد البعض، بل هم قومية واحدة، لماذا؟ لأنهم ببساطة تجمعهم نفس المقومات القومية المشتركة. وأبسط مثقف يعرف ذلك وتجاهله بقصد أو بجهل فهو أمر يتنافي مع الحقيقة الواقعية والتاريخية. فمثلما أنا لي الحق، لا بل كل الحق أن أتمسك بأشوريتي كذلك بنفس الحق أن يتمسك الكلداني بكلدانية وأيضاً السرياني بسريانيته لأن كلنا نمتلك نفس مقومات أمتنا. إذن ما الحل لضمان حقوق هذه القومية التي تسمى بالتسميات الثلاث من دون الإخلال بأي تسمية؟ تعيش أمتنا في ظروف أستثنائية يستوجبها حلول إستثنائية، لهذا السبب جاءت التسمية المركبة الموحدة "الكلدان السريان الآشوريين" كحل إستثنائي لضمان حقوق شعبنا بكل تفرعاته وصيانة تسمياتنا التاريخية. نفس الظروف الإستثنائية هي التي فرضت في بداية القرن الماضي على زعماء الأمة أن يتبنوا التسمية المركبة "كلدو آشور" في نضالهم من أجل الحقوق القومية كسبيل لتحقيق أكبر حشد شامل لجميع أبناء الأمة، لأن في وقت الأزمات والكوارث يتطلب أكبر حشد جماهيري لمواجهتها. ونفس الظروف الإستثنائية هي التي فرضت قسوتها على رواد الفكر القومي الوحدوي أمثال نعوم فائق وفريد نزها وغيرهما على تبني التسمية المركبة. يخطأ جداً من يعتقد بأن هذه التسمية هي لقومية جديدة وبالتالي غير مقبولة نهائيا، بل هي طرح سياسي ودستوري لمواجهة التحديات المشتركة للجميع وبالتالي لضمان الحقوق المشتركة للكلدان والسريان والآشوريين. لنعتبرها جبهة أو إتحاد نطلق عليها "الجبهة القومية الكلدانية السريانية الآشورية" ونواجه الآخرين بسلاح موحد وفعال. هناك أحزاب سياسية مختلفة من نواحي عديدة وفئات وحتى قوميات مختلفة في العالم تدخل في جبهة موحدة  وكحشد جماهيري أكبر وكسلاح موحد وقوي من أجل مواجهة العدو المشترك لهم وتحقيق الصالح العام. فكيف بالنسبة لنا نحن الكلدان والسريان والآشوريين الذين تجمعهم مقومات مشتركة وتضعهم كلهم في ساحة واحدة لمواجهة العدو المشترك الذي يعمل ليل نهار من أجل القضاء على جميعنا من دون تفرقة بين هذه التسمية أو تلك؟ لقد دلت التجارب السياسية بأن هذه التسمية الموحدة ناجحة ومقبولة لأن غالبية  أبناء شعبنا صوت في الإنتخابات البرلمانية للأحزاب التي تبنت هذه التسمية وبالتالي الفائزون بكراسي البرلمان هم، قبلنا أم رفضنا، ممثلي شعبنا على الأقل من الناحية الرسمية والقانونية رغم علمنا جميعاً بسرقة هذه الكراسي من قبل الذئاب الكبيرة. فهذه الإنتخابات هي المعيار الوحيد المتوفر والمتاح في قياس نجاح هذه التسمية المركبة. فمن يعمل في المجال السياسي ويسعى في مطالبته للحقوق القومية لشعبنا لتحقيق هذه الحقوق عليه أن يأخذ هذا بنظر الإعتبار وإلا سيكون بعيدا عن الواقعية المطلوبة في كل عمل سياسي رزين ومثمر.


التحول من السياسة إلى القانون:
-------------------
لم تمض بضعة أسابيع على دعوة البطريرك للأحزاب السياسية المسيحية للإتحاد وتشكيل تنظيم موحد والذي هو في شكله وجوهره موضوع سياسي، نرى غبطته يتحول من السياسة إلى القانون، ربما أدرك غبطته بأن صرخته إلى الأحزاب السياسية المسيحية غير مجدية فتحولت صرخاته من الساحة السياسية إلى القانونية. ففي رسالته الأخيرة حول مراعاة حقوق المسيحيين في خصوصيتهم بموضوع الأحوال الشخصية المنشور على الموقع الرسمي للبطريركية
(http: //saint-adday.com/?p=38564) نستل في أدناه من مقدمته ما يقوله غبطته:
 
مثل هذه الأمور او المطالب الحساسة التي عرضها غبطته والمتعلقة بالدستور خاصة الدستور العراقي الذي يتبنى الإسلام مصدر أساسي للتشريع يكون تحقيقها صعب جداً لأنها تتعلق بالمعتقد الديني للحكام والمسيطرين على العباد والبلاد ولا يمكن أن يكون لها تأثيراً قوياً، ليس بسبب موقف الإسلام من غير المسلمين فحسب، بل لأنها:
أولا:  عندما تصدر من شخص أو بطريرك واحد كأنما يمثل نفسه أو كنيسته أو رعيته رغم أن المواضيع المطروحة والمطالب بها تخص جميع المسيحيين في العراق. لذلك كان من الأجدر أن تصدر من قبل عدد أكثر من بطاركة كنيسة المشرق أو من مجلس يمثلهم، ليكون مطلباً شاملا لجميع الكنائس في العراق. وقد يثير طرح مثل هذه المواضيع التي تخص جميع المسيحيين من قبل بطريرك واحد، يثير نوع من الحساسية وسوء الفهم بأن غبطته يتكلم ويتحرك نيابة عن بقية البطاركة الذين أيضا لهم إستقلالية تجاه مؤمنيهم. كنُا في السابق قد طرحنا فكرة تأسيس مجلس بطاركة كنيسة المشرق في العراق من الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والسريانية الأرثوذكسية والمشرق الآشورية والسريانية الكاثوليكية والشرقية القديمة لتكون مرجعاً دينياً وكنسياً لجميع مؤمني هذه الكنائس لأنه من الممكن مطلب من هذا المجلس قد يكون أكثر تأثيراً. هناك في العراق مجلس الطوائف المسيحية الذي أسس ليكون مرجعاً للمسيحيين في العراق، وقد يقول البعض بأنه كان من الأجدر بهذا المجلس أن يطالب بهذه المطاليب، من دون أن يدركوا بأن هذا المجلس مشلول وقد أسس على رمال متحركة لا يستطيع أن يتحرك نحو الأمام لتحقيق مطلب ولو بسيط. أعترض البعض وأنتقد غبطة الكاردينال مار ساكو على إنسحابه من هذا المجلس من دون فهم مبررا الإنسحاب. المجلس أسس على أسس ومفاهيم خاطئة لأن الكنائس المشرقية الخمسة المذكورة أعلاه ليست طوائف ومشايخ وأسسقفيات متكونة من بضعة عشرات من أتباعها، بل هي مؤسسات لاهوتية إيمانية تاريخية وتراثية تمثل في جوانبها الكثير من المقومات القومية لمؤمنيها.
ثانيا: مرة أخرى نعود إلى وسائل التواصل الإجتماعي حيث نرى غبطته يستخدم الموقع الرسمي للكنيسة للإعلان عن المطالب التي يسعى إلى تقديمها للسلطات المعنية لتعديل بعض مواد الدستور الخاصة بالأحوال الشخصية للمسيحيين في العراق. كان من الأجدر والأنفع إتصال غبطته ببقية بطاركة فروع كنيسة المشرق للتباحث المشترك في الموضوع، طالما يخص جميع مؤمني هذه الكنائس ومن ثم بعد التباحث والإتفاق على الأسس المبدئية تطرح سواء بشكل مباشر برسائل إلى بعض المختصين في المواضيع المطلوبة أو تطرح على العامة عن طريق المواقع الألكترونية، ثم بعد تخميرها وفبركتها قانونيا وصياغتها نهائياً تقدم للجهات المعنية، ومن المؤكد ستكون موضوع إهتمام أكثر من صدورها من قبل بطريرك واحد وعبر وسائل التواصل الإجتماعي.
ثالثاً: الموضوع المطروح والخاص بالأحوال الشخصية للمسيحيين الوارد في رسالة غبطته يتعلق بالقوانين والدستور وهي مسائل رغم في شكليتها قانونية إلا أنها مواضيع سياسية صرفة. هناك تداخل في المواضيع التي تُدرس في كليات العلوم السياسية مع المواضيع القانونية، خاصة بالنسبة للقانون الدولي العام والخاص والقانون الدستوري. فالكثير من أساتذة العلوم السياسية يدرجون هاتين المادتين ضمن مواد العلوم السياسية رغم صفتهما القانونية. الدستور العراقي الحالي فريد من نوعه في العالم فهو يجمع تناقضات لا مثيل لها إلا في القرون السابقة المظلمة. من جهة يشير إلى الديموقراطية وحقوق جميع أبناء الشعب العراقي ثم يرجع في مكان آخر يؤكد الفوارق الكبيرة بين المسملين وغير المسلمين ويرجعنا إلى نظام أهل الذمة. في موضوع سابق كتبناه ونشرناه في هذا الموقع قد شبهنا هذا السدتور بـ "الدب والقبقاب" وكان تحت عنوان "الدستور العراقي والدب والقبقاب". أي بصريح العبارة، أن مطاليب غبطته هي مطاليب سياسية تخص تغيير مواد الدستور الإيمانية والعقائدية وهي من المطاليب المستحيلة في ظل نظام سياسي قائم على أعتبار الإسلام دين الدولة ومصدر كل التشريعات.
فما الحل؟:
------
من الناحية الكنسية: طبعاً وحدة فروع كنيستنا المشرقية أمر يقترب من المستحيل وذلك لأسباب لاهوتية وتاريخية والأكثر إدارية متعلقة بسلطة الكنيسة. إذن يجب أن لا نركض وراء غير الممكن ونترك الممكن. فما هو الممكن في هذا السياق؟ كان في نهاية عام 1995 عندما إستضافني أعضاء قيادة المنظمة الآثورية الديموقراطية في القامشلي في سوريا للحديث عن السبيل لوحدة كنائسنا بعد البيان المسيحياني الذي وقع في سنة 1994 بين القديس البابا يوحنا بولس الثاني رحمة الله ومثلث الرحمات قداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية السابق. فجوابي كان بكلمتين "فنجان قهوة" فأستغرب المستمعون وتسائلون عن قصدي من هاتين الكلمتين اللتين لا علاقة لهما بالموضوع. فقلت نتمنى أن يجتمع بطاركة فروع كنيستنا المشرقية الخمسة، الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيسة السريانية الكاثوليكية وكنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة، على طاولة واحدة لا لمناقشة القضايا اللاهوتية التي ثبت بالتاريخ بأنها لا نتيجة مثمرة منها، بل للجلوس مع البعض وشرب "فنجان قهوة" ومن ثم نقل خبر هذا اللقاء الأخوي والودي إلى أبناء شعبنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي مع بعض الصور لللقاء، لأنه بالحتم والنتيجة سيترك هذا الخبر نوع من التفائل بين أبناء شعبنا وسيكون خطوة أولى للقاءات أخرى أكثر جدية وثمارا. وبالنظر لكون غبطة الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو على رأس أكبر كنيسة في العراق فعلى غبطته تقع مسؤولية دعوة بقية البطاركة لتناول "فنجان قهوة" في ضيافته الكريمة لتكون حجر الأساس للقاءات أخرى أكثر من ”فنجان قهوة" ويترك مثل هذا اللقاء إشارات إيجابية على المستوىين الكنسي والقومي.


من الناحية السياسية:
نادرا ما أتصفح صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، خاصة فيس بوك وغيره، إلا ما يطرحه بعض الكتاب الرزينين والأصدقاء الأعزاء. أعجبني جداً، وأنا أطالع ما كتبه صديق العمر المهندس خوشابا سولاقا في الفيس بوك عن الوحدة القومية لشعبنا بقوله "الحل لتحقيق وحدتنا القومية يجب أن يخرج من باب الكنيسة كما خرجت منه أسباب فرقتنا وتمزقنا...". مقولة صديقنا المخضرم  فيها حكمة ومنطق جدلي بين القومية والكنيسة وفيها إشارة واضحة كل الوضوح بأن الحل لتحقيق وحدتنا القومية يجب أن يخرج من باب الكنيسة لأنها كانت سبب فرقتنا وتمزقنا وهذا لا يعني إلا  تدخل الكنيسة في السياسة والمسألة القومية لأن التطرق إلى الوحدة القومية هي مسألة سياسية صرفة. تدخل الكنيسة في السياسة، لنكن أكثر وضوحاً، في المسألة القومية، أو كما يقال عنها فصل الكنيسة عن السياسة، أعترض بعض القراء على صرخات غبطة البطريرك على أساس أنها تدخل في السياسة داعين إلى ضرورة فصل الكنيسة عن السياسة. هذا الموضوع طويل وعميق سبق وأن كتبنا عنه كثيراً، ولكن الذي أرغب أن أقوله هنا هو انه من المؤسف نرى  بأنه ليس هناك شحة واضحة في الثقافة السياسية للكثير من أبناء شعبنا في هذا  الموضوع فحسب بل أيضا صعوبة وإرتباك في فهم بعض المؤسسات التاريخية لشعبنا وتحديداً الكنيسة. فالكنيسة، وتحديداً المشرقية بكل تفرعاتها، ليست بنيان أو هيكل لاهوتي إيماني فحسب بل الكنيسة لشعبنا هي مؤسسة تاريخية تراثية تحمل بين طياتها مقومات وجود شعبنا.
هذا الموضوع أثير حوله الكثير من الكتابات والأعتراضات وحتى التهجمات معظمها منطلقة من الفهم الخاطئ في الفصل بين الكنيسة والسياسة والأصح الفصل بين الكنيسة والدولة، والتي تعرف في علم السياسة بــ "التعلمانية". وكل ما نريد ذكره هنا هو أن هذا المفهوم في الفصل بين الكنيسة والدولة نشأ في أوروبا في عصر الثورة الصناعية الأولى وصعود الطبقة البرجوازية ونشؤ الدول القومية على أنقاض الأمبراطوريات والنظم الإقطاعية التي كانت تسيطر عليها الكنيسة من جميع الجوانب السياسية والإقتصادية والإجتماعية والفلسفية. أي بهذا المعنى أن هذا المفهوم في الفصل بين الكنيسة والسياسة والأصح بين الكنيسة والدولة نشأ ضمن ظروف تاريخية خاصة في أوروبا فأقيم عليه نظريات عديدة منها العلمانية والعقد الإجتماعي في الحكم وغيرهما. أما في بلدان العالم الثالث فأن ظروفها تختلف كلياً عن ظروف البلدان الأوروبية وبالتالي فأن العديد من النظريات والمفاهيم التي نشأت في أوروبا لا يمكن أن تنقل ميكانيكياً وتطبق في بلدان عالم الثالث وتحديدا في وطننا بيت نهرين. وهذا هو الخطأ الكبير الذي وقع فيه معظم الذين تناول موضوع الفصل بين الكنيسة والسياسة وحاولوا تطبيق هذه النظرية "الأوروبية" على بلد متخلف إقتصاديا وسياسيا وإجتماعيا يلعب الدين دوراً حاسماً في الكثير من الأمور في مقارنته مع البلدان الأوروبية.  كنت أتمنى أن يكون قراءنا الأعزاء قد قرأوا مفهوم الفيلسوف كارل ماركس عن الإستبداد الشرقي لكان الأمر سهلاً جداً عليهم لفهم هذه النظريات وخطأ تطبيقها على البلدان المشرقية ومنها بلدنا بيت نهرين. على العموم الخطأ في تطبيق هذه النظرية على أوطاننا وتحديدا على مجتمعنا "الكلداني السرياني الآشوري" يكمن في عدم إدراك الإختلاف الكبير للمفومين الكنيسة والسياسة بين الدول الأوروبية عن دول بلدان العالم الثالث، ولنقل عن مجتمعنا "الكلداني السرياني الآشوري" المعني بهذه السطور.

الكنيسة في الغرب مؤسسة دينية حدود واجباتها وصلاحياتها ومسؤولياتها محددة بشكل دقيق وبقانون أو أعراف تفصلها عن المسائل السياسية المتعلقة بالسلطة السياسية والحكم أي الدولة. على أن هذا لا يعني بأن الكنيسة بعيدة عن السياسة في المجتمعات الغربية بل هي تتدخل في الكثير من المسائل السياسية منها حماية حقوق الإنسان والأقليات ومحاربة العنصرية وحتى المسائل المتعلقة بالبيئة والإجهاض وتحديد النسل والتي باتت مسائل سياسية مهمة للدول. فالمقصود بعدم تدخلها في السياسة يعني عدم مشاركتها في السلطة السياسية أو الحكم أو السيطرة عليه على هذا الأساس نشأت العلمانية وعدم التدخل في السياسة أو في الحكم. أما في مجتمعنا، فالكنيسة هي مؤسسة تاريخية وتراثية وإجتماعية وحتى إقتصادية في بعض الأحوال، كما كانت قبل الحرب الكونية الأولى. وهي أيضا مؤسسة معيارية لخلق أو الحفاظ على القيم والتقاليد والعادات المرتبطة بهوية مؤمنيها وإعادة إنتاجها. وبعبارة أخرى هي حاملة لهوية مؤمنيها من جميع الجوانب القومية والتراثية والإجتماعية. وكانت الكنيسة في الماضي ولحد هذا اليوم تمر من خلالها جوانب مهمة من الرسالة القومية لمؤمنيها الى العالم الآخر. أمتنا هي أمة لا دولتيه، أي لا دولة لها تتطابق مع هويتها ومقوماتها، لذا فالكنيسة هي المؤسسة الرئيسية التي تقوم بالعديد من المهمات التي تقوم بها الدول. وكان الأمر أكثر وضوحاً قبل الحرب الكونية الأولى ثم أنتقل الكثير من هذه المهمات إلى العصر الحالي، ولعل حماية وتطوير مقوماتنا القومية من لغة وعادات وتقاليد هي بشكل أو بآخر من مهمات الكنيسة وهي مسائل سياسية صرفة خاصة في ظل الأنظمة السياسية الشمولية في بلادنا التي لا تعير أهمية لمقومات وجود الآخر المختلف دينياً وقومياً.
أما السياسة، فالفرق في مفهومها بين الغرب والشرق أكثر بكثير من الكنيسة. الدولة في البلدان الغربية هي دولة مؤسسات ثابتة وراسخة ومفهوم السياسة ينحصر تقريباً في الحكومة أو السلطة ومؤسساتها أو الأحزاب السياسية التي لها علاقة أو إهتمام بالسلطة. أي السياسة هنا هي  السلطة السياسية بحصر المعنى. أما السياسة في بلداننا فهي بعموم المعنى ليست حصراً بالسلطة السياسية فحسب بل بكل الأمور الحياتية للشعب من إقتصاد وإجتماع وحتى في بعض الأحيان بكل الأمور الفنية والرياضية والثقافية والفكرية والشخصية خاصة في الدول الشمولية التي تكون فيها مؤسسات المجتمع المدني ضعيفة جداً او غير موجودة. كنيستنا المشرقية لا تتدخل بالسياسة بحصر المعنى، أي الدولة والسلطة السياسية والأحزاب السياسية، بل بسبب طبيعتها المؤسساتي لكل مناحي حياة أمتنا فأن تتدخلها في السياسة يكون بالمعنى العام الشامل لكل مقومات أمتنا. فلا محال للكنيسة بالتدخل في السياسة بمعناها العام، خاصة في مرحلة غياب أو ضعف مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب سياسية ومنظمات قومية فاعلة. فبسبب ضعف أو هشاشة  أو عجز أحزابنا السياسية من تحقيق ولو جزء من مصالح أمتنا في هذا العصر الصعب هو الأمر الذي يدفع غبطة البطريرك مار لويس أن يتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في السياسة بمعناها العام وليس الخاص وأن تدوي صرخاته على الساحة السياسية ويُتهم من قبل البعض بتدخله في السياسة غير مدركين بأنه يحاول كرأس لأكبر كنيسة في العراق ولمجموعة مسيحية للقيام بواجبه في الدعوة لحماية حقوق المسيحيين في العراق. لكن مع جٌل إحترامنا لجهود غبطته ودعواته في حماية حقوق المسيحيين يبقى الأمر، على الأقل بالنسبة لنا العلمانيين، بأن حماية مقومات وجودنا القومي التاريخي في وطننا التاريخي هو الذي سيكون درعاً حامياً لكنيستنا المشرقية ولحماية حقوقنا كمسيحيين. فالكنيسة بلا جماعة، والجماعة في علم الإجتماع لها خصائص معينة تحدد كيانها المختلف عن الغير، لا وجود للكنيسة لأنه كما سبق وذكرنا الكنيسة، من "كنشيا"، تعني الجماعة، فبدون هذه الجماعة لا وجود للكنيسة. ولكن بالنسبة للكنيسة الكلدانية يفرض علينا أن نتسائل: هل تستطيع الكنيسة الكلدانية حماية هوية مؤمنيها، أي الكلدان، وهي منكب بكل جهدها في حماية إيمانها المسيحي الكاثوليكي، وهي الجهود الواضحة في صرخات غبطته إلى المسيحيين جمعاء وليس إلى الكلدان فحسب؟ ربما لو بحثنا جيداً في الواقع المعاش سنصل إلى جواب سلبي.
=========================
واخيرا أسمع من بعيد نعيق ينطلق من وكر مظلم يقول... مهلا ... مهلا... أنت أبرم شبيرا نسطوري وآشوري ماالذي جعلك تحشر أنفك في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والكلدان؟؟؟ وأنا أنور هذا الوكر المظلم بنور فكري الساطع وإيماني العميق بالقول بأن كل فروع كنيسة المشرق هي كنيستي، كنيسة المشرق، ولا يهم كيفما أرسم علامة الصليب من اليمين أم من اليسار فكلا الرسمتين هي لصليب واحد ولمسيح واحد ولكنيسة واحدة ... نعم ثم نعم أنا آشوري ولكن مع الكلداني والسرياني نشكل الثالوث القومي المقدس الذي هو بمثابة ثلاثة أعمدة صلدة وقوية تحمل صرح أمتنا العظيمة فإهتزاز أو أنهيار أي من الأعمدة الثالثة هو إهتزاز وأنهيار لصرح أمتنا.



58
الآشورية حضارة ولغة وهوية شعب
--------------------
أبرم شبيرا
قبل الدخول في موضوعنا المعنون في أعلاه، أود أن أقول بأنني كنت أرغب أن يكون هذا الموضوع ملحقاٌ بالموضوع السابق في "التعليم السرياني في شمال العراق ... حقاق وأرقام" الذي نشر في هذا الموقع الموقر على شكل حلقات ولكن بسبب طول هذا الموضوع وسعياً للإستزادة في التوضيح والشرح خاصة للذين لا يزالون يسبحون في فنجان قهوة عزمت أن أنشره بشكل مستقل. كان الهدف الأساسي من نشر موضوع التعليم السرياني في شمال العراق هو نثر ذرات من التفاؤل عن الزمن الجميل في النهوض القومي والإنجازات التي تحققت لأمتنا في تلك الفترة وعرضها في أجواء اليوم التي تسودها التشاؤم والضبابية المغلفة بفايروس كورونا وذلك بهدف إعادة الثقة لأبناء شعبنا في الأجواء القاتمة في هذه الأيام الصعبة. ولكن للأسف أخذه البعض، خاصة الذين يقفون على الجانب الآخر من البحر والمستمرين في السباحة في فنجان قهوة، مادة دسمة للثرثرة والتناطح بينهم وتفريغ كوامنهم الداخلية للطعن بهذا أو بذاك متخذين من كرم موقع عنكاوة ساحة لإقتتالهم بهدف ليس إلا التقليل من عظمة الإنجازات التي تحققت لأمتنا في أرض الوطن في التعليم بلغتنا القومية بحجج باهتة وعدوانية لزرع أو تعظيم المأساة والإنقسامات التي يعاني منها شعبنا في الوقت الذي يحتاج هو إلى بصيص من نور أمل للصمود والبقاء في أرض الوطن.
يقال في عالم السياسة بأن اليسار المتطرف يلتقي مع اليمين المتطرف بهدف مشترك وهو مهاجمة الأفكار الوسطية والتي نحن في هذا الزمن الغادر أحوج ما نحتاج إليها من التطرف المقرف نحو هذه التسمية أو تلك. فبمجرد أن أعتبرنا السريانية هي تسمية مناسبة للغتنا القومية في الواقع وفي العصر الراهن، وحتى أن قلنا بأن السريانية مرادفة للآشورية قامت قيامة البعض وأطلق علينا رصاصة الخيانة للأمة الآشورية. وبمجرد أن قلنا أن الكلدان والسريان هم جزء من شعبنا وأبناء أصلاء لهذه الأمة حتى قامت قيامة البعض وبدأ يطعن آشوريتنا بسموم متطرفة... أقولها صراحة أن آشوريتي أكبر بكثير وأوسع حضاريا وأعمق فكرياً لأنها تشكل الثالوث الأقدس مع السريانية والكلدانية في فكري وإيماني القومي. في حين أن "آشوريتكم" وحيدة ويتيمة لا تخرج عن نطاق فنجان قهوة. ليعلم من لا يعلم بأن أية حركة قومية لا تضم أكثرية أبناءها ولا تسطيع أقناعهم بها فأنه من المستحيل أن تحقق أهدافها. هكذا هو حال حركتنا القومية الآشورية فبعد أكثر من قرن لم تسطيع تحقيق أي هدف من أهدافها لأنها عجزت عن ضم أكثرية أبناء شعبنا من الكلدان والسريان إليها وذلك بسبب إعتمادها على فكرها الكلاسيكي في عصر الكلدان والسريان وكبسهم في البوتقة الآشورية من دون إي إعتبارات تاريخية ونفسية وإجتماعية. وعلى العكس من هذا نرى بأن الإنجاز العظيم التي تحقق لأمتنا في التعليم بلغتها القومية كان سبب نجاحه هو شمولية أبناء أمتنا لكل التسميات الحضارية الجميلة من دون تفضيل هذه التسمية على أخرى مع كل هذا لم يزحزح أيماننا بآشوريتنا، والأمر نفسه تماماً فالإيمان في كوننا أمة واحدة لن يزحزح أيمان الكلداني بكلدانية ولا السرياني بسريانته، بل هو تقوية وتعزيز للكلدان والسريان إلى جانب قوة وعزة الآشوريين.
أما الذين يشمأزون من التسمية الآشورية ومن الآشوريين ويغلفوها بأحقادهم المتطرفة نشيرهم إلى ما ذكره الأخ العزيز أدي الشماس بنيامين بت شليمون بخصوص المؤتمر الذي عقد في بيروت في الأول من أيار عام 1998 في قاعة المؤتمرات لمبنى مستشفى الحايك في سن الفيل في بيروت تحت عنوان "الآشورية حضارة ولغة وهوية شعب" هو تأكيد حي ومن قبل فطاحلة الفكر والثقافة والأدب والسياسة ومن مختلف الطوائف والملل على عظمة الحضارة الآشورية والمنتمين إليها ومن دون أية حساسية أو تطرف نحو هذه التسمية أو تلك. المؤتمر نظمته الجبهة السريانية الثقافية ولكن هي وغيرها من المشتركين في المؤتمر أكدوا في بحوثهم على وحدة شعبنا وهويته القومية وحتى الدينية والذي عقد برعاية أصحاب الغبطة وقداسة بطاركة فروع كنيسة المشرق الخمسة: المارونية، الآشورية، الكدانية، السريانية الأرثوذكسية والسريانية الكاثوليكة. وحتى لا أطيل الموضوع أكثر، أستل جدول أعمال المؤتمر، الذي من المؤكد هو حقيقة واقعية وليس فوتوشوب كما يزمجر البعض غضباً وهيجانا من كون الآشورية حضارة ولغة وهوية شعب ينطقها كبار المفكرين ورجال كنيستنا المشرقية.


جانب من الجلسة الأولى للمؤتمر التي أدارها سعادة النائب في البرلمان اللبناني الدكتور بيار دكاش ويظهر في الصورة من اليمين أبرم شبيرا والمطران الماروني أنطوان العنداري و النائب الدكتور بيار دكاش وغبطة مار نرسي دي باز (رحمة الله) مطرابوليت كنيسة المشرق الآشورية ثم الدكتور عماد شمعون رئيس الجبهة السريانية الثقافية.
==================================================================

منهاج المؤتمر (الآشورية حضارة ولغة وهية شعب)

59
الرف الأخير من أرشيف المدارس القومية الآشورية – 7
===============================

التعليم السرياني في شمال العراق: المستقبل وتقييم وتعليق
-----------------------------------
أبرم شبيرا
ما هو المسـتقبل:
----------
خلال مسيرة التعليم السرياني كان هناك بعض التساؤلات تدور في خلد بعض من أبناء امتنا بخصوص مستقبل خريجي المدارس السريانية، ويمكن حصر هذه  التساؤلات بما يلي :
القسم المتشائم منهم يقول: أنه جيد أن يتعلم أطفالنا لغة الأم، ولكن ما الفائدة، غداً سيأتي صدام حسين بقواته ويكتسح المنطقة ويقضي على كل المنجزات التي تحققت في المنطقة بما فيها التعليم السرياني، لهذا السبب يرى هؤلاء بأنه تضيع للوقت والجهود، ويرددون كثيرا ويقولون "حرمات على الشباب أن يضيعوا عمرهم في هذه المسائل". و البعض من هؤلاء كانوا مستمرون على نفس "الاسطوانة" منذ عام 1992 وأطفال آشور أيضاً مستمرون في التعليم السرياني وفي اجتياز المرحلة الابتدائية إلى المتوسطة وغدا سيجتازون المرحلة المتوسطة إلى الثانوية وبعد غد سيكونون على أبواب الجامعة الآشورية. وهؤلاء المتشائمون ظلوا في مكانهم في انتظار قدوم قوات صدام التي ولت ومن غير رجعة. هذه مسألة سياسية بحتة ولا نرغب مناقشتها حرصاً على طهارة لغتنا القومية ونبالة الهدف من التعليم بها في المدارس الرسمية في شمال وطننا الحبيب، سوى أن نقول لهم بأنه من الأفضل لهم أن يضيئوا شمعة بدلا من لعنة الظلام وأن الانتظار يولد السأم واليأس في حين يخلق العمل الهمة والتفاؤل بالمستقبل، خاصة مستقبل أطفال آشور المستهدفين من عملية تعليم لغة الأم .
أما القسم الأخر من المتسائلين فهو الذي يعمل وفق معياره الشخصي في الربح والخسارة مهما كانت الأمور ذات نفع عام للأمة ولمستقبلها.  فتقيمه لهذا النفع وتقديره لمصلحة الأمة لا يتم إلا بمقدار ما يتحقق من منفعة وخسارة لمصالحه الشخصية. فمثل هؤلاء كان يرون بأن التعليم السرياني "لا يوكل الخبر"(+) للطلاب الذين يدرسون جميع مناهج التدريس الرسمية بلغتهم القومية لأن مستقبلهم العلمي مجهول وغير مضمون إذ يصبح من الصعب عليهم دخول الجامعة بسبب جهلهم أو ضعف إتقانهم لللغات الأخرى، وبالتالي سوف يحرمون من مواصلة تعليمهم العالي ومن ثم لا يوفقون في الحياة العملية والمعيشية ويكون الفشل والإحباط مصيرهم. ولهؤلاء لا نقول شيء غير أن نرشدهم إلى الكتاب المقدس ليهتدوا به وليعلموا (إن الحياة أكثر من مجرد طعام، والجسد أكثر من مجرد كساء)  لوقا 12:23. لأنه مهما قيل فهؤلاء لا يقنعهم شيء ما لم يحقق مصلحتهم الشخصية.
وهناك قسم أخر من المتسائلين الذين يملكون أقل الإيمان ويفتقرون في عين الوقت إلى الشجاعة الكافية لمواجهة التحديات المصيرية لأمتنا لذلك يقول هذا النفر من المتشككين بقدرات الأمة بأنه من الأفضل الاكتفاء بتدريس السريانية لأطفالنا كلغة فقط وضمن مرحلة دراسية معينة، كالابتدائية مثلاً، دون شمولها مراحل أخرى متقدمة أو استخدامها كلغة علمية في تعليم مناهج التدريس المقررة في المدارس العامة لأن لغتنا القومية فقيرة وغير قادرة على مجارات المصطلحات والتطورت العلمية. ومثل هذا التساؤل يتداخل أيضا مع مجموعة أخرى من التساؤلات النابعة أصلاً من القلق والحرص على مستقبل طلاب المدارس السريانية، خاصة بالنسبة للمدارس التي جميع مناهج التدريس فيها باللغة السريانية، لا سيما بعد تخرجهم والاستعداد لمواصلة دراستهم الجامعية ؟؟.  الإجابة على مثل هذه التساؤلات،  التي قد تكتسب في  بعض جوانبها نوع من الشرعية في طرحها، تكمن فيالاحتمالات التالية :
أولا: الاحتمال القائم على الطموح العظيم في تأسيس جامعة آشورية أو أقسام للغة السريانية في الكليات الأخرى، وهو طموح قد يبدو في الوقت الحاضر  صعب التحقيق خاصة بالنسبة للجامعة الآشورية، ولأسباب مختلفة ومعروفة إلا أنه ليس بالمستحيل، فإمكانية تحقيقه واردة في المستقبل لو توفرت الإرادة القومية الصلدة مع توفر بقية المستلزمات السياسية والتقنية والمادية الضرورية لتأسيس مثل هذه الجامعة واستمرار الدراسة فيها. فإذا كانت ظروف اليوم تجعل فعلاً مثل هذا المطمح الكبير صعب التحقيق في ظل الإمكانيات والظروف المتاحة وتجعل أمر التفكير الجدي به سابق لأوانه، إلا أنه في  يوم غد عندما يبدأ قطار التعليم السرياني بالوصول إلى محطته الأخيرة من المرحلة الثانوية  وقبل أن يجتازها أبناء أمتنا سيكون يوم الحسم في تقرير مصير الجامعة الآشورية مطروحاً للنقاش ومن ثم التفكير للتحقيق والتنفيذ. فتجربة اجتياز التعليم السرياني للمرحلة الابتدائية إلى المتوسطة والصعوبات المختلفة التي أحيطت بها والتحديات المصرية التي اكتنفتها لازالت ماثلة أمام أبناء شعبنا وغنية بتجارب مفيدة ومثمرة ستسهم بما لا يقبل الشك في إغناء التحدي الكبير الذي سيواجه أبناء شعبنا عند وصول قطار التعليم السرياني إلى المحطة الجامعية واجتيازها وبنجاح. ولعل قد يفيد أن نقول بأن الجامعة الكاثوليكية الحالية في عنكاوة قد تفي بهذا بجزء من هذا الغرض في هذا الوقت. من هنا نقترح أن يكون هناك نوع من التنسيق والتعاون بين الجامعة الكاثوليكية ومديرية التعليم السرياني بهدف تعزيز لغتنا القومية والتي هي أيضا لغتنا الكنسية المشرقية بكل تفرعاتها.
ثانياً : احتمال مواصلة خريجي المرحلة الثانوية من التعليم السرياني نحو المرحلة الجامعية في الجامعات والكليات المتوفرة في المنطقة. فالدراسة في الجامعات هي باللغة الإنكليزية فيما يخص الأقسام العلمية وفي استخدام المصطلحات العلمية بشكل عام أما الدراسة في الأقسام الإنسانية فتستخدم العربية والكردية وحسب المواد والتخصصات. قد يظهر للوهلة الأولى بأن مشكلة اللغة ستكون عائقاً أمام الطلبة المتخرجين من المدارس السريانية ولكن في حقيقة الأمر غير ذلك، إذ إن جميع هؤلاء الطلاب يجدون هذه اللغات وتعلموها في المراحل السابقة. وقد تكون بعض الصعوبة في الاشهر الأولى من السنة الدراسية إلا أنها سرعان ما تزول بمرور الزمن، وهي الحالة التي عايشها معظم الطلاب في العراق عند دخولهم الجامعة وخاصة الأقسام العلمية التي كانت مناهجها باللغة الإنكليزية، لذلك لانعتقد أن تكون مشكلة عويصة لخريجي المدارس السريانية عند وصولهم إلى المرحلة الجامعية، خاصة وهم أطفال ومنذ الآن  يجدون اللغات العربية والكردية وقليلاً من الإنكليزية ويتفوقون على غيرهم في الامتحانات النهائية العامة في المنطقة. والجدير بالإشارة إلى الظاهرة التي يتميز بها أبناء شعبنا الآشوري بشكل عام والطلبة منهم بشكل خاص هي قدرتهم المتميزة على تعلم اللغات، وهي الظاهرة التي تميزوا بها ليست كصفة أو موهبة خاصة أو حصراً بهم فقط وإنما اكتسبوها بسبب انتماؤهم القومي الأقلوي (من الأقلية) وهي الصفة التي تجعل لأبناء الأقليات قدرة خاصة في تعلم لغة الأكثريات وبالتالي يتقنوا، بالاضافة إلى لغتهم القومية، لغات محلية أو دولية أخرى. وقد يتذكر الكثير من أبناء شعبنا كيف كان الطلبة النازحون من المنطقة الشمالية للعراق في بداية الستينات أو الذين كانوا ضمن تجمعات آشورية شبه مغلقة، كالحبانية وحي السكك في بغداد وأحياء أخرى في كركوك وأربيل، كيف كانوا ضعفاء في اللغة العربية أو لا يجدونها بطلاقة ولكن سرعان ما تعلموها عندما دخلوا المدارس الثانوية والجامعات وحقق البعض منهم نتائج متفوقة جداً والأخر أصبح أديبا أو شاعراً أو كاتباً يكتب بالعربية. وحتى في هذه الأيام ، خاصة في المناطق ذات التعدد القومي كدهوك وكركوك وأربيل، قلة ما نشاهد أبناء شعبنا، خاصة الشباب والشابات منهم، لا يعرفون أكثر من لغة محلية إلى جانب اللغتين العربية والإنكليزية.       
ثالثا: هناك بطبيعة الحال احتمالات أخرى مختلفة باختلاف الظروف الشخصية لكل طالب ونوعية اهتماماته العلمية وبمدى الوعي القومي لأولياء أمورهم، ولكن في جميع الاحتمالات الواردة لمستقبل الطالب المتخرج من المدارس السريانية تجعله مستقبلاً مبهراً ليس لمصالحه الفردية فحسب بل لمصلحة الأمة أيضاً، حيث سيظل حتماً محتفظاً بلغته القومية التي تعلمها في المراحل السابقة للدراسة الجامعية حتى في أسوء الاحتمالات المؤدية إلى مستقبله التعليمي، وربما سيكون ضليعاً بها تكفيه لخوض معترك الحياة الثقافية والفكرية وتضعه في مواقف مشرفة معتزاً بلغته التي سيتباهى بها كثيراً عندما يكتب بها رسائله ومقالاته وبحوثه وهو الهدف المتوخى من التعليم السرياني في شمال العراق، ويصبح وبحق وحقيقة مثقفاً آشورياً بكل معنى الكلمة، حينذاك سيصبح مستقبل هذه الأمة أكثر تفاؤلاً وإشراقاً للنهوض القومي والحضاري، ذلك لأنه لا نهوض لأمة من دون نهوض مثقفيها.
وأخيرا من المفيد أن أشير في هذا السياق مسألة شخصية، فخلال زياراتي المتكررة للولايات المتحدة الأمريكية وأثناء إنعقاد الكونفنشن للإتحاد الآشوري الأمريكي القومي للعام الماضي، ألتقيت بشابين من خريجي مدرسة نصيبين الثانوية المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية فعرفت من أحدهم بأنه مرشح لنيل وظيفة في مكتبة أحدى الجامعات الأمريكية قسم اللغات الشرقية للتعامل والبحث في الكتب القديمة لبلاد الرافدين من بابلية – آشورية وسريانية وأرامية. أما الثاني فكان ينتظر نتيجة قبوله في جامعة لإكمال دراسته في اللغات السامية، فبعد اللقاء تذكرت مناضلي أمتنا في الوطن الذين ثبتوا صرح لغتنا القومية وزرعوها في مثل هؤلاء الشباب. ألف شكر وإمتنان لهم.

تقييم واستنتاج:
----------
وأخيراً، وحتى لا نهرب من الحقيقة مهما كانت مره ومؤلمة، يفرض التزامنا القومي علينا أن نواجهها دون خوف أو ترد، وهي الحقيقة المتمثلة في ظاهرة الهجرة التي تنخر بمقومات وجودنا القومي في أرض الوطن، والتطرق في ضوء نتائجها المريرة إلى مستقبل التعليم السرياني وطلابه. فالهجرة ظاهرة لها أسباب تاريخية متجذرة في نفوس أبناء الأمة كما لها أسباب موضوعية معاصرة مؤثرة وبشكل عميق في عقليتهم وتوجهاتهم وسلوكهم بحيث يصبح موضوع إيقافها في ظل الظروف الراهنة والحيلولة دون هجرة أبناء شعبنا لأرض الوطن مسألة تقارب المستحيل. ولكن التخفيف من حدتها هي مسألة أخرى قد يمكن التعامل معها بإيجابية تتوافق مع عقلية ومصالح أبناء شعبنا في المنطقة، وهي مسألة لا نسعى التطرق إليها في موضوعنا هذا حرصاً على حدوده، ولكن الذي يهمنا منها هو التساؤل الذي قد يثار بخصوص مستقبل طلاب التعليم السرياني في ضوء الهجرة القائمة، إذ قد يرد تساؤل عن مدى فائدة دراسة الطلاب لغتهم القومية طالما الهجرة بانتظارهم لقلعهم من مقاعدهم الدراسية ورميهم في عالم الغربة.
هذه الحقيقة المره مهما تعاملنا معها أو حاولنا علاجها فإن نتائجها حتماً ستكون مره أيضاً، ولكن للتقليل من مرارتها القاتلة  نقول بأننا طالما نحن أبناء اليوم ونعيش ونتعامل مع واقعنا الحالي فأن إيماننا برسالة أمتنا حتى في الحدود الدنيا للمكاسب والحقوق التي تحققت لها يفترض علينا أن نتمسك بها دون اعتبار لحجم هذه الحقوق والمكاسب لإن الحق يقاس بمبدئيته وأهميته لأبناء الأمة وليس بحجمه. من هنا نقول بأن حق التعليم بلغة الأم والذي تحقق لشعبنا يجب أن لا نتنازل عنه إطلاقاً بل سنتمسك به تمسكاً مستميتاً حتى ولو كان طالباً واحداً يدرس في مدارس التعليم السرياني. هذا من ناحية، وهناك مسألة أخرى ربما تكون بسيطة لكن لها مضامين مستقبلية خطيرة فيما يخص مصير أبناء أمتنا في المهجر. فمن المعلوم والواضح بأن واقع أمتنا في المهجر يثبت بأنها عاجزة عن تعليم اللغة القومية إلى أبنائنا إن لم نقل بأنه عاجزة كليا عن تخريج شاعر أو أديب أو كاتب. فالواقع المهجري قادر كل المقدرة على ابتلاعهم وصهرهم في المجتمعات الغربية. فمن الملاحظ بأن معظم شعراء وكتاب وأدباء مجتمعنا في المهجر هم من الذين تعلموا لغتهم القومية في الوطن سواء في الكنيسة أو في المدارس الخاصة أو في بيوتهم، وتعليمهم لم يكن أكثر من دراستها كلغة، فكيف والحال إذا هاجر طفل أو شاب درس جميع المواد العلمية باللغة السريانية؟، فمما لا شك فيه أن انصهار وضياع هذا الطفل أو الشاب سيكون أصعب بكثير، إن لم يكن مستحيلاً، في مجتمعات المهجر في مقارنته مع غيره من أبناء مجتمعنا الذين لم يدرسوا لغتهم القومية، وهذه هي إحدى نتائج التعليم السرياني مأخوذاً بأسوء الاحتمالات المستقبلية، فكيف والحال إذا كنا أكثر تفاؤلاً بالمستقبل وتخرج الطالب من الدراسة الثانوية من مدرسة نصيبين، أي درس كل المواد المقررة في الثانوية العامة بلغته القومية ؟؟؟  فمما لا شك فيه فأنه سيكون، شاعراً أو أديباً أو كاتب لأمتنا في المستقبل أن لم يكن عالماً أو أخصائيا يستطيع كتابة بحوثه بلغات عالمية إلى جانب لغته القومية. أي يمكن القول بأن النتائج المستقبلية للتعليم السرياني، بمنظورها، حتى التشائمي، سوف تحصن الطفل أو الشاب الذي يهاجر مع أهله أرض الوطن من الضياع والذوبان في مجتمعات المهجر أكثر بكثير من أي طفل أو شاب لم يتعلم في المدارس السريانية. هذا فيما إذا افترضنا خضوع هذا الشاب أو عائلته لسطوة ظروف الهجرة ومن ثم ترك الوطن نحو المهجر. أما لو نظر إلى مستقبل التعليم السرياني بمنظوره القومي الاستراتيجي التفاؤلي لوجدنا بأن النتائج التي سيحققه التعليم السرياني لأطفالنا ستكون هي الضامن الأقوى لصيانة أمتنا من الضياع والذوبان والسند الأكبر لاستمرار تواصلها نحو آماد مستقبلية أبعد بكثير مما نتصورها ضمن الظروف الصعبة التي تحيط بأمتنا.
ولكن مهما فرضنا احتمالات تشائمية في مستقبل أمتنا فأن هذا لا يحد من عزيمة دفع قطار التعليم السرياني على مسيرته الخالدة وتزويده بوقود حياتنا من أجل استمرارها حتى تحقيق الأهداف التي يفرض علينا ضميرنا وواجبنا القومي تحقيقها مهما كلف ذلك حتى  نوصلها وبأمان إلى تلك المرحلة التي تستطيع الأجيال اللاحقة قيادتها نحو أهداف أبعد من التي حققناها لكي يستمر قطار الأمة المتواصل عبر آلاف السينين... المتواصل عبر مدرسة أربائيلوا الاتبدائية في عنكاوا ماراً بمدرسة نصيبين المتوسطة في دهوك ثم الثانوية حتى عبور الجامعة الآشورية ومن بعدها نحو آفاق أبعد فأبعد والتي ستكون الأساس المتين في خلود الأمة وضمان سرمدية وجودها. فإذا كان أي آشوري، أينما كان سواء في أرض الوطن أم في خارجه، يشعر بأنه جزء من هذا التاريخ، إذن فعليه واجب يفرض المساهمة في استمرار تواصل هذا التاريخ من خلال تواصل مسيرة قطار التعليم السرياني، وهي مسؤولية تاريخية ملقاة على عاتق كل واحد منا دون استثناء، لأن الاستغناء تلغي هوية الشخص الآشورية ويطرحها خارجاً لا بل ويزيلها من الوجود.
ملاحظات وتعليق على التعليقات:
-------------------
قبل أن نعلق على بعض التعليقات التي وردت على الموضوع ونحن في خاتمته وسعياً للتوضيح وإزالة سوء الفهم أو الإرتباك في قراءة وفهم هذا الموضوع، أود أن أؤكد مايلي:
ملاحظات:
------
أولا: كل المعلومات الواردة في هذا الموضوع هي بشكل عام من الكتيب الذي صدر قبل ما يقارب عقدين من الزمن عن التعليم السرياني في شمال العراق الذي سبق الإشارة إليه. وفي حينها صدر الكتاب بأسم "أصدقاء مدرسة نصيبين" إعتزازا بهذه المدرسة من جهة وأظهاره كمساهمة جماعية من قبل المعنيين بالتعليم السرياني من جهة أخرى. لهذا نرى في بعض الأحيان تأتي الجمل والمفردات مرة بصيغة الجمع ومرة أخرى بصيغة المفرد الشخصي.
ثانيا: كما ذكرنا، الكتيب صدر قبل ما يقارب عقدين من الزمن، وهي فترة زمنية طويلة ظهر فيها الكثير من التطورات والتغييرات والتحديات التي أثرت بشكل عام على جميع مناحي حياة شعبنا كما أثرت بشكل مباشر على التعليم السرياني، سواء بإزدياد عدد المدارس خاصة الثانوية منها، أو بسبب تأثير الهجرة على عدد الطلاب.
ثالثا: من دون أدنى شك فقد يلاحظ القارئ اللبيب بأن الإشارة إلى التسمية الآشورية أكثر بكثير من التسميات الأخرى، والغرض من ذلك ليس إطلاقاً التقليل من تسمياتنا الحضارية الأخرى، الكلدانية والسريانية، بل هو مسايرة للواقع المعايش في تلك الفترة حيث كان التسمية الآشورية هي الطاغية على كل النشاطات القومية، وبالمقابل كان هناك نوع من التردد أو التحفظ في إقحام الكلدانية أو السريانية في مسائل قومية غير مرغوبة لأبناء وزعماء هاتين التسميتين، خاصة في ظل نظام إستبدادي دكتاتوري.
رابعا: النجاح الذي حققه التعليم السرياني لم يكن ممكناً إطلاقاً لولا: أولا: وجود كيان قومي أو حزب سياسي جماهيري وفاعل ومعبر عن حقيقة الأمة وطموحاتها كالحركة الديموقراطية الآشورية وقدرتها على التفاعل والتعامل مع القوى السياسية الفاعلة في المنطقة لتحقيق طموحات الأمة التي تمثلت في التعليم بلغة الأم. وثانياً: توفر حد أدنى من هامش ديموقراطي وفرته القوى السياسية في المنطقة وأستطاعت تفهم طموحات أمتنا في تلك الفترة وبفعل الرسالة التي تمكنت زوعا من إيصالها للمسؤولين لإقرار حق أمتنا في التعلم والتعليم بلغتها القومية. ولو حاولنا مقارنة هذا بالحقوق الثقافية التي أقرها نظام البعث في العراق للـ "الناطقين بالسريانية من الآثوريين والكلدان والسريان" عام 1972 نرى بأن الإفتقار إلى هاتين العاملين، تنظيم سياسي قومي نشط وفاعل وغياب الأجواء الديموقراطية سببا فشل ممارسة هذه الحقوق بالشكل الذي يخدم أمتنا في تلك الفترة خاصة بعد أستغلالها من قبل نظام البعث لأغراضه السياسية.
التعليق:
------- 
من الضروري جداً أن نؤكد تأكيداً مشدداً بأن أي تعليق أو نقد لا يقوم على إحترام المقابل هو أمرُ مرفوض ولا قيمة له في حساباتنا الموضوعية لأن الإحترام هو أساس التعامل الصحيح بين الناس.  فالإحترام لا يدل على الحب والتقدير وعلى التحضر فحسب، بل على حسن التربية والسمو الخلقي، أي بهذا المعنى إحترام الناس ومنهم الكتاب والمساهمين في هذا الموقع الألكتروني واجب إخلاقي يفرض الإلتزام به حتى وأن لم تكن هناك بينهم محبة ووئاق. من هذا المنطلق يتحدد ردنا على التعليقات والإنتقادات على المواضيع التي نكتبها ومنها هذا الموضوع في التعليم بلغة الأم. فإحترامنا مضاعف لكل منتقد أو معلق أحترم نفسه قبل أن يحترمنا. فألف شكر لكل الذين أتبعوا أسلوب إحترام الآخر في التعامل مع الموضوع، فبأسلوبهم هذا أغنوا الموضوع كثيراً وعززوه بمعلومات مفيدة وصور جميلة وكتب قيمة رسخت من عظمة لغتنا القومية. أما الذين خرجوا عن هذا الأسلوب الحضاري وتجاوزوا الإحترام في تعاملهم مع الموضوع فإن أحترامنا لهم يبقى دائماً قائماً ونسعى بكل جهدنا للحفاظ عليه وعن طريق عدم الرد عليهم، فلعل يتعضون ويدركون بأننا لا نرغب إطلاقاً تجاوز  حدود دائرة الإحترام كما يفعلون هم.
هناك نقطتان مهمتان في سياق التعليم يستوجب ذكرها إليهما:
الأولى: الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) وذراعها الخيري (الجمعية الخيرية الآشورية)، حيث ورد أسمها كثيراً في الموضوع وتبين بشكل أو بآخر بأنها كانت البطل الحقيقي والفارس المغوار للتعليم السرياني في شمال الوطن. وعجبي كبيراً بعدم ورود أي تعليق أو نقد أو تهجم عليها، خاصة من الذين يقفون على الجانب الآخر من البحر، كما هي العادة. فإن دل هذا على شيء فإنما يدل هذا "السكوت" على نوع من الرضى والإعتراف بالإنجاز العظيم الذي حققته زوعا ومن وقف معها من أبناء شعبنا كما هو إقراراً بتحدياتها وبطولاتها في هذا السياق. والحق يقال فلولاها لما كان التعليم السرياني قد قام على أسس موضوعية ثابة وسار على خطى موثوقة حتى وصوله إلى هدفه المبتغاة. ولكن ... ولكن مع إلتزامنا الكامل بقول الحق والحقيقة نقول بأن زوعا الأمس غير زوعا اليوم، لا بل ونحن في هذه المقارنة بين الأمس واليوم، نقول أيضاً للحق والحقيقة بأن التحديات الداخلية والخارجية ليوم أمس هي غيرها في هذا اليوم وبالتالي وبنظرة موضوعية ستكون أنجازات اليوم مختلفة في مقارنتها مع بطولات وإنجازات الأمس. موضوع نتركه لمناسبة أخرى.
الثانية: لماذا لغة سريانية؟؟ أمتعض بعض القراء الأعزاء، الذين نكن لهم إحترامنا الكبير، أمتعض وتنرفز من تسمية لغتنا بـ "السريانية" منطلقين من أفق ضيق جداً في مقارنته مع عظمة تعليم لغتنا القومية والنتائج التي تحققت لجميع أبناء أمتنا بغنى عن هذه التسمية أو تلك. ولكن مع الأسف الشديد لم يستطيع هؤلاء إستيعاب الأهمية القصوى للتعلم بلغتنا القومية بسب ضيق أفقهم القومي. في هذا السياق يتبادر إلى ذهني القصة التالية:
يروى بأن هنري فورد (1863 – 1947) أبو صناعة السيارات الأمريكية ومخترع سيارة فورد المعروفة كان يشرح لفلاح كيفية عمل سيارته بالبترول وبالإحتراق الداخلي للمكابس والمحرك، وبعد جهد جهيد في الشرح والتفصيل، عاد الفلاح مستغرباً وسأل فورد وقال له: طيب شرحت كل شيء عن مركبتك ولكن لم تقل لي أين ستربط الحصان؟؟؟. هكذا هو حال بعض الأخوة عند قراءة بعض المواضيع ومنها موضوعنا عن التعليم السرياني في شمال الوطن. فعلى الرغم من الشرح المفصل عن أسباب تسمية لغتنا بالسريانية يعودون ويسألون لماذا سميت لغتنا القومية بالسريانية؟ وأنا أعيد وأكرر وأقول:
أولا: قانون وزارة التربية الخاص بتعليم أطفالتنا لغتهم القومية كان قد سماها اللغة السريانية وطبقاً لذلك تأسست المدارس السريانية والمناهج السريانية والتعليم السرياني وهكذا. هذه حقيقة واقعية ورسمية فلا يمكن إطلاقاً تناول الموضوع بصيغة أو تسمية أخرى كأن نقول اللغة الآشورية أو الكلدانية أو الأرامية فهذا مخالف لواقع الحال ولا يمكن إطلاقاً القفز من فوقه ونحن بصدد تناول المسألة موضوعياً وليس لإعتبارات شخصية ضيقة أو طائفية مقيتة متجاهلين أهمية التعلم بلغة الأم. السريانية حققت نجاحاً عظيما فتصور أين كنًا نجد مثل هذا النجاح لو كانت التسمية آشورية أو كلدانية، وهذا سبق وشرحناه في الأقسام السابقة، ولكن يظهر للبعض بأن نرجسيتهم أعظم بكثير من النتائج العظيمة التي حققها التعليم السرياني، وهو الأمر الذي يجعلهم مستمرين بالسباحة في فنجان قهوة.
ثانياً: إيماني المبدئي والمطلق القائم على الحقيقية الموضوعية والتاريخية والفونولوجية هو أن التسمية السريانية أو السريان هي لفظة أغريقية - إنكليزية  للأسريان (Assyrian) والذي سبق وأن فصلنا ذلك في الأقسام السابقة. قبل ما يقارب (25) قرنا من الزمن قال هيرودوت أو هيرودوتس (484 ق.م – 425 ق.م) المؤرخ الإغريقي الكبير، قال في كتابه المشهور (تاريخ هيرودوت) الذي زار بلاد ما بين النهرين وألتقى بالجيش الآشوري المنظم إلى الجيوش الفارسية، قال بخصوص الآشوريين "هذا الشعب الذي نحن الإغريق نطلق عليه سيريانس (Syrians) يطلق عليه البرابرة تسمية أسريانس (Assyrians). كان الأغريق يطلقون على الشعوب غير الإغريقية بالبرابرة. لا أريد الإطالة في هذا الموضوع الذي كتبُ عنه مجلدات ومجلدات ولكن الذي أريد أن أقوله بأن حدود فنجان قهوة الذي يسبحون البعض فيه لا تتسع إطلاقاً لهذه  المجلدات ولا يستطيعون الإدارك بأن التسمية السريانية تعني الآشورية سواء قبلنا ذلك أم رفضنا. فالتاريخ والواقع لا يمكن تغييره بأهواءات ونرجسيات البعض. فأنا وغيري بالآلاف من أبناء شعبي يدركون جيداً بأن تعلم أطفالنا بلغتنا القومية، التي هي لغة أباؤنا وأجدادنا، أهم بكثير من كل شيء. فلكل معترض على التسمية السريانية للغتنا القومية أقول: أليست اللغة التي تم تعليمها في المدارس السريانية هي لغتك ولغة أباؤك وأجدادك؟ لنقل كلنا وننحني إحتراما وتقديرياً لكل فرسان التعليم السرياني في وطننا الحبيب على هذا الإنجاز العظيم.
 .... ويبقى الإحترام سيداً لكل العلاقات الإنسانية.

-------------------------------------------
(+) – هذه العبارة (لا توكل الخبر) تذكرتني بأكبر كُتاب وأدباء شعبنا الشماس كوركيس بنيامين بيت شليمون، رحمه الله، عندما كان يلقي محاضرة عن تاريخ الأدب الآشوري في النادي الثقافي الآثوري في بغداد عام 1970. الشيء المثير والذي قد يكون فيه نوع من الفكاهة عندما ذكر المرحوم وقال بأن البعض يقول "تعلم اللغة الآشورية لا توكل الخبز" فنهض من كرسيه وضرب بكفه على الطاولة أمامه، وكان المرحوم معروف بعصبيته عندما يستفزه أحد بشأن اللغة أو الأدب، فصرخ أمام الحاضرين قائلاً (خيلا جيبت د بستي) أي بما معناه (لتأكل حصى د بستي) وبعد إنتهاء المحاضرة سألناه "ما معنى (بستي) فقال: جيبت د بستي هي تلك الحصى التي تتدحرج على جانب النهر وتكون صلبة جداً". وكان في العراق تستخدم للخرسانة الكونكريتية لشدة صلابتها.

60
من أرشيف المدارس القومية الآشورية - 6
=========================

مناهج التعليم الرسمية بلغتنا القومية !!!!!
 
=========================================== 
أبرم شبيرا
من الضروري التوضيح ونحن في البداية  بأنه إيماناً بأهمية وحدة السياسة التربوية والتعليمية في العراق فأن المناهج المقررة تدريسها في جميع المدارس في المنطقة الشمالية، هي نفس المناهج الرسمية المقررة لكل المدارس في العراق قاطبة ومنها مناهج التدريس في المدارس السريانية للمرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية من قراءة وحساب وعلوم وتاريخ وجغرافية وتربية وطنية وفيزياء وكيمياء وعلم الأحياء مترجمة إلى اللغة السريانية، باستثناء بعض المواضيع في التربية الوطنية والقومية التي كانت تمدح النظام العراقي وحزب البعث الحاكم حيث تم حذفها وحل محلها مواضيع تخص أبناء الشعب وتراثه وأعياده وتقاليده في المنطقة. ولكن مع هذا يزال هناك مواضيع تاريخية تُدرس في المدارس الكوردية تعتبر مهينة بحق أمتنا في الوطن، مواضيع تجعل من المجرمين وقطاع الطرق رموز قومية وأبطال للكورد في الوقت الذي هو معروف للواقع والتاريخ بأنهم حقاً وحقيقة هم مجرمون بحق شعبنا وعلى رأسهم المجرم أسماعيل أغا (سمكو)، الذي لم يكتفي بإغتيال البطريرك الشهيد مار نيامين عام 1918 بل نكل تنكيلاً بأبناء جلدته الكورد أيضا من أجل السلطة والجاه. وموضوع إلغاء أسماء هكذا مجرمين من المناهج التدريسية مطلب قومي آشوري يعمل الخيرين من أجل وضع الأمور في مقامها التاريخي الصحيح ولعل قادة الكورد سيدركون هذه الحقيقة ويعملون بها.

المهم هو أن هذه الوحدة في المناهج التربوية لها أهمية لمستقبل الطلاب في المراحل المتقدمة سواء أكان التدريس باللغة السريانية أم باللغات الأخرى وأن الذي يهمنها هو المناهج التعليمية في المراحل ما بعد الإبتدائية خاصة مواد الفيزياء والكمياء وعلوم الأحياء والرياضيات والجغرافيا والتي فعلا شكل ترجمتها إلى لغتنا القومية تحدي كبير وواجهت صعوبات جمة أستوجبها جهود إستثنائية لم يكن من السهولة توفيرها إلا بالتضحية بالمال والوقت والعمل ليل نهار من إجل أنجازها وبالتالي إنجاح التعليم السرياني في المراحل المتقدمة. ونشير إلى بعض من هذه الصعوبات، منها:



1)-  الصعوبات التقنية والعلمية:
وتتمثل في صعوبة عملية ترجمة المناهج المقررة رسمياً إلى اللغة السريانية، خاصة المواد العلمية وما يتعلق بمواضع العلوم من شروحات للكائنات الحية من إنسان وحيوانات ونباتات وما في أحشائها من أعضاء وعمليات فسلجية وتصنيفات علمية إضافة إلى المصطلحات والمفاهيم التي تكثر في العلوم الصرفة كالفيزياء والكيماء والأحياء والرياضيات والجغرافيا وغيرها من الأمور والمصطلحات التي تبقى ترجمتها صعبة أيضاً بالنسبة لبقية اللغات المحلية،  فكيف والحال مع لغتنا التي ليس لها هيئة أكاديمية لغوية تتولى مهمة وضع المصطلحات العلمية. غير انه بفضل الجهود الجبارة لبعض المتضطلعين بهذه اللغة والحريصين على مستقبلها وبكدحهم وسهرهم المتواصل تمكنوا من التسابق مع الزمن وتحقيق أصعب المهمات المطلوبة في بدء انطلاق مسيرة تدريس اللغة السريانية، وهي جهود عظيمة من عايش أعمال هؤلاء المناضلين  يدرك حقاً ما حققوه لأبناء أمتهم، فهم وبحق كجندي مجهول الذي يعمل لأمته بهدوء وتأني من دون ثرثرة وهيجان. ويروي لنا الإستاذ المرحوم يونان هوزايا صعوبة هذه المهمة ويقول ”بأنه في مرات عديدة يستوجب أن نقضي عدة أسابيع، لا بل وأشهر أيضا، من أجل إيجاد ترجمة لحشرة صغيرة، وهي المهمة التي يتطلبها أحياناً مراجعة قواميس عديدة ومطالعة كتب تاريخية وعلمية وتراثية عديدة ليست باللغة السريانية فحسب بل أيضا باللغات الأخرى القريبة إليها. أن صعوبة هذه المهمة تتمثل أيضا في كون التعليم السرياني في بدايته الأولى وعدم وجود كتب سابقة في هذا المجال، لهذا نأمل عندما يتم ترجمة وتأليف الكتب لجميع المراحل وحتى نهاية الثانوية، عند ذاك سوف تتقلص المشكلة بالنسبة للأجيال اللاحقة وتبقى مقتصرة على ما يظهر من جديد في العلم والمعرفة" (مقابلة شخصية مع المرحوم يونان هوزايا في عنكاوه 21/2/1999)، سبق الإشارة إليها.

شخصياً لاحظت جزء من هذه التحديات وعايشت ظروف القائمين عليها لفترة معينة وخاصة مسألة أستكمال ترجمة الكتب وإعدادها وشاهدت وأنا في دمشق في عام 1998 كيف كان أستاذنا وأديبنا الراحل يونان هوزايا يسهر الليالي حتى بزوغ الفجر وهو منكب على ترجمة الكتب التعليمية إلى السريانية، وفي حينها كنت أوبخه على عدم الإهتمام بصحته ولكن كان يقول: يجب عليً إكمال ترجمة هذه الكتب حتى تكون في متناول طلاب الصف الأول المتوسط قبل مباشرة الدوام الرسمي وإلا فأن التعليم السرياني سينهار برمته...(موضوع سبق الإشارة إليه). وفعلاً يمكن أن أكد بأن الأستاذ يونان هوزايا وغيره من اللذين ناضلوا نضالاً مستميتاً لإنجاح التعليم السرياني ومواصلة رحلته حتى النهاية هم أبطال حقيقيون في هذه المعركة ورواد الإنجازات التي تحققت لهذه الأمة في التعليم باللغة السريانية. وللحق والإنصاف أقول بأن شخص مثل المرحوم يونان هوزايا يستحق أن يخلد كبطل لا بل كشهيد للغتنا القومية والتعليم بها لأبناء أمتنا. ولا أنسى كلمات مؤثرة أخرى ذكرها المرحوم في صعوبة الإستمرار بتجهيز المواد العلمية وتوفير الأموال لها. ففي مراحل الحصار المزدوج الدولي والعراقي على المنطقة الشمالية كان قد أصبح أمر تمويلها صعباً للغاية مما أضطرت قيادة زوعا في حينها إلى إيقاف رواتب ومخصصات بعض كوادرها الحزبية وتخصيصها لدعم الحاجات المطلوبة للتعليم السرياني الخارجة عن الدعم الحكومي، وفي حينها أتذكر الكلمات التي ذكرها صديقنا الراحل وقال:"سأبيع هذا الجاكيت – قمصلة كان المرحوم يرتديها دائما – من أجل أن يستمر التعليم السرياني"

وأخيراً لم يبقى في هذا السياق إلى أن أذكر بعض الكلمات التي أعتبرها خالدة ورنينها لا يزال يرن في آذاتي وتتفاعل مع فكري والذي من خلالها كان يظهر مدى إهتمام وتضحية بعض من قادة زوعا ومنهم صديقنا الراحل بالتعليم السرياني. ففي أحدى لقاءاتي معهم في شمال الوطن سألتهم ما الذي سيحدث للتعليم السرياني لو أكتسحت قوات صدام حسين المنطقة فقالوا: "صحيح البعض من قادتنا يستسلم والآخر يلجاً إلى المناطق الأكثر أمناً ولكن نعتقد بأن قوات صدام حسين لا تستطيع أن تنتزع لغتنا القومية من ألسنة تلاميذنا الذين تعلموها في المدارس السريانية".

2 - الصعوبات السياسية والنفسية:
يدرك الجميع بأن منطقة فوق خط عرض 36 الآمنة غير خاضعة للحكومة العراقية المركزية كان يسودها نوعاً من التوتر السياسي والقلاقل المقرونة بخوف اجتياح قوات النظام العراقي للمنطقة وما يترتب على هذا الاجتياح من متابعة ومعاقبة الذين ساهموا في إنشاء المؤسسات الرسمية والشعبية أو المشاركة في نشاطاتها أو دعمها. والحالة هذه تنطبق على بعض أبناء شعبنا في المنطقة فهم يعتقدون، بأنه طالما أن التعليم السرياني ومؤسساته ومدارسه نشاطات وظواهر لا تتفق مع نهج الحزب الحاكم في بغداد وقد لا يرضى أو يوافق عليها، بل يمنعها أو يزيلها من الوجود ويعاقب كل من شارك فيها خاصة وهي مدعومة من أحزاب سياسية آشورية كالحركة الديمقراطية الآشورية محسوبة على المعارضة العراقية، لذلك فهم يعتقدون بأن مساهمتهم فيها أو دعمها أو حتى إرسال أطفالهم إلى مدارس التعليم السرياني فأن ذلك سوف يعرضهم للمسائلة والعقاب من قبل النظام العراقي عند قدوم قواته إلى المنطقة. هذه الحالة المقرونة بنوع من الخوف السياسي، المعروف بالفوبيا، خلق نوع من التردد والسلبية تجاه التعليم السرياني. ولكم من الملاحظ أن استمرار مسيرة التعليم السرياني رغم كل المخاطر والمخاوف المحيطة بالمنطقة أثر بشكل كبير على تناقص مثل هذه الحالات وبالتالي اقتصارها على نفر قليل جداً بحيث لم يعد لها أي وزن يذكر في التأثير على المسيرة المستمرة للتعليم السرياني نحو مراحل دراسية متقدمة، وهذا ما أنعكس على تزايد عدد طلاب المدارس السريانية وتعاظم ثقة الطلاب وأولياء أمورهم بها. إذ من الملاحظ بأن بعض العائلات تردت في أول الأمر إرسال أطفالهم الذين تخرجوا من المدارس السريانية الابتدائية إلى مدرسة نصيبين بل أرسلوهم إلى المدارس الكردية المتوسطة، ولكن بعد رسوخ التعليم السرياني في المرحلة المتوسطة واجتيازه السنة الأولى نحو السنة الثانية وتعاظم ثقة القائمين على شؤونه في الاستمرار حتى نهاية المرحلة ترك ذلك انطباعاً إيجابيا بناءاً في نفوس هذه العائلات تجاه التعليم السرياني وبدأت مخاوفهم بالتبدد والزوال فبدءوا بنقل أطفالهم الذين نجحوا من الصف الأول في المدارسة الكردية إلى الصف الثاني في مدرسة نصيبين، وهكذا أستمر التعليم بلغة الأم في المرحلة المتوسطة بكل نجاح وتقدم.

لا أريد الإطالة في الكلمات والتكثير من السطور، لعل البعض يمتعض من القراءة خاصة عندما تصب في جوهر الحقيقة القومية والإنجازات التي حققها أبطال التعليم السرياني لعل البعض يحسبها نوع من المدح المجاملة، لذا أرى بأن بعض الصور للكتب العلمية المترجمة إلى اللغة السريانية والتي تم إعتمادها كمنهج رسمي في المرحلة المتوسطة قد تعوض عن الإطالة في الكلمات والتكثير من السطور، وهي أهم الكتب العلمية المترجمة... أفهل عزيزي القارئ شاهدت سابقا مثل هذه الكتب العلمية والمترجمة إلى لغتنا القومية؟ إلا يسحتق من بذل الغالي والنفيس من إجل ترجمتها وضحى بكل ما يملكه من جهد ووقت لوضع التعليم السرياني على مساره الصحيح والمستمر لغاية يومنا هذا؟ أن هذه الكتب وبلغة الأم لم تأتي بالثرثرة والتهجم على هذا وذاك والسباحة في فنجان قهوة لكي يتحرر الوطن آشور، بل جاءت بفضل الجهود الجبارة لبعض المؤمنين بحق هذه الآمة في العيش برفاهية وهي تستمتع بحقوقها القومية المشروعة.




 

كتاب الحساب (الرياضيات) وصفحة من الكتاب



 

كتاب الجغرافيا مع صفحة من الكتاب
=======================
 


 

كتاب علم الأحياء و صفحة من الكتاب
========================
 



كتاب الكيمياء و صفحة من الكتاب
========================


 

كتاب الفيزياء و صفحة من الكتاب
======================== 
أليس هذا أعظم إنجاز قومي حقيقي لأمتنا طيلة تاريخها المديد؟؟

إلى اللقاء على الرف السابع والأخير من أرشيف المدارس القومية الآشورية المتضمن تقييم ومستقبل التعليم السرياني وخلاصة عامة.

61
      من أرشيف المدارس القومية الآشورية في العراق- 5
--------------------------------
الأقسام الداخلية لمدرسة نصيبين:  الأول من نوعها في تاريخنا القومي
============================================
                                                                                أبرم شبيرا
سابقة قومية تاريخية لأمتنا:
----------------
حق التعليم بلغة الأم لأبناء شعبنا في أرض الوطن حق مشروع لا غبار عليه ولكن نقله وتحويله من المبدأ إلى الواقع يستوجبه توفر مستلزمات لتحقيقه. فبلإضافة إلى ضرورة وحدة الإرادة القومية وأحزابها الحقيقية الممثلة لها، يستوجب أيضاً وجود عدد كافي أو مناسب من الطلاب والمدرسين والاختصاصيين والمشرفين التربويين لفتح المدارس واستمرار التدريس فيها إضافة إلى المصادر المالية الدائمة. وبقدر تعلق الأمر بعدد الطلاب الآشوريين الذين تخرجوا من الدراسة الابتدائية والمطلوب لفتح مدرسة متوسطة لهم لم يكن هذا العدد كافياً حتى في أكثر المناطق الآشورية كثافة كمدينة دهوك وذلك بسبب التقسيم الديموغرافي والجغرافي لشعبنا في المنطقة الشمالية، والتي سنأتي عليها في ما بعد، ولم يكن أمام القائمين على شؤون التعليم السرياني حل لهذه المشكلة عندما تقرر فتح مدرسة نصيبين الأهلية المتوسطة في دهوك إلا عن طريق اللجوء إلى الأسلوبين التاليين :
الأول: توفير وسائط نقل كبيرة كالباصات لنقل الطلاب يومياً من مناطق داخل مدينة دهوك وضواحيها والبعيدة عن مكان المدرسة وأيضا من القرى المحيطة بمدينة دهوك كمنصورية وسميل وبختمه وغيرهم ومن ثم إرجاعهم إلى بيوتهم بعد أنتهاء الدوام المدرسي. 
الثاني: فتح أقسام داخلية للطلاب الذين يعيشون في قرى وقصبات بعيدة عن مركز مدينة دهوك كسرسنك وعقرة وشقلاوة وديانا وصبنا وديرلوك وزاخو وعمادية وغيرها للمبيت فيها حتى يتسنى لهم الالتحاق والدوام في مدرسة نصيبين في دهوك ذلك لأنه يستحيل على طفل أو أي من كان السفر يومياً من وإلى المدرسة من مناطق بعضها تبعد أكثر من مائة كيلومتر ومحفوفة بعدم الإستقرار والمخاطرة.

والأقسام الداخلية لمدرسة نصيبين في دهوك ظاهرة فريدة من نوعها في المنطقة وفي تاريخ أمتنا ومن عدة أوجه منها:
أولاً: أنها لأول مرة في المنطقة وفي تاريخ الآشوريين يفتتح أقسام داخلية لطلاب يدرسون معظم موادهم العلمية بلغتهم القومية في المرحلة المتوسطة وأعمارهم لا تتجاوز الثانية عشر أو الثالثة عشر من العمر أو أكثر بقليل، فمثل هذه الأعمار يتطلبها رعاية خاصة وعناية فائقة ليست من الأمور السهلة ما لم يخصص لها جهود إستثنائية وأموال كافية لتعيين المشرفين والاداريين عليها وتوفير الأجواء النفسية لأفراد عائلة الطالب الذي سيعيش بعيداً عنهم إضافة إلى الإستقرار السياسي والحماية الأمنية.
ثانياً: أنها ظاهرة فريدة في المنطقة لأنه ليس هناك تجارب سابقة في فتح أقسام داخلية لمرحلة الدراسة المتوسطة لا للآشوريين ولا لغيرهم .
ثالثاً: أنها لا تعتمد على مصادر مالية ثابتة ومستمرة بل تعتمد كليا على مصادر ذاتية وآشورية توفرها اللجنة الخيرية الآشورية وبعض الخيرين من أفراد ومؤسسات آشورية في المهجر، فهي لا تستلم مساعدات لا من أية دولة أو حكومة معينة، والحكومة الاقليمية غير ملزمة بمساعدتها لأنها تعتبرها خارج العملية التربية كما وأن مدرسة نصيبين كانت مدرسة أهلية وليست حكومية في تلك الفترة.
رابعاً: أن الأقسام الداخلية تستوعب حالياً (في تلك الفترة) طلاب الصفين الأول والثاني المتوسط، أي بمعنى أنه في كل سنة  يتطلب أقسام داخلية أكثر وزيارة في تكاليفها والجهود المبذولة في إدارتها بازدياد عدد طلابها حتى السنة النهائية للمرحلة الثانوية.
أقسام داخلية للأولاد والبنات، رغم بساطتها، متكونة من دار عادي مستاجر متكون من 5 غرف أو أكثر، لكن كانت مزودة بكل المستلزمات الضرورية للإقامة مجاناً من سكن وثلاث وجبات أكل مع مرشد إجتماعي وصحي وزيارة طبيب بين يوم وآخر، لا بل وفي أحيان كانت تقدم لهم دروس إضافية مسائية للطلاب الذين كان مستواهم أقل من أقرانهم... شيء عظيم ومن زار هذه الأقسام لوجد عظمتها من دون أي مبالغة  في إعتبارها سابقة تاريخية في أمتنا، الفضل الأول والأخير كله يعود إلى الجميعة الخيرية الآشورية ومن وراءها الحركة الديموقراطية الآشورية ومساندة أكثرية أبناء شعبنا خاصة أولياء أمور الطلبة والطالبات. السؤال يبقى: لماذا أقسام داخلية في دهوك وهناك نسبة كبيرة من أبناء شعبنا وبيوتهم في هذه المدينة. الجواب هو: من متطلبات تأسيس مدرسة متوسطة أهلية هو وجود عدد معين من التلاميذ لتأسيس مثل هذه المدرسة. ففي دهوك لم يكن هذا العدد متواجد لذلك تطلب الأمر لأكمال العدد المطلوب بأنخراط الطلاب والطلابات في هذه المدرسة من المناطق الأخرى مثل سرسنك وديانا وعقرة ومنصورية وسميل الذين أكملوا المرحلة الإبتدائية في المدارس السريانية هناك والبقاء في الأقسام الداخلية طيلة أيام الأسبوع الدراسي وفي نهاية الآسبوع كانت الجمعية الخيرية الآشورية توفر وسائط النقل – باصات لنقلهم إلى عوائلهم في هذه المناطق ثم بعد العطلة تعود الباصات بهم للدراسة والبقاء في الأقسام الداخلية. الأمر الذي شخصياً أثار أعجابي ودهشتي هو الثقة الكبيرة التي كان يوليها أولياء أمور الطلاب والطالبات بالجمعية الخيرية الآشورية والقائمين على إدارتها وببعض نشطاء الحركة الديموقراطية الآشورية في أرسال أطفالهم إلى دهوك والبقاء هناك في الأقسام الداخلية لعدة أيام. أمر لم يكن بالإمكان تصور مثل هذه الثقة الكبيرة إلا عندما ألتقيت في حينها ببعض أولياء الأمور وشعرت بمدى عمق هذه الثقة بالجمعية وبزوعا... قصص مثيرة للأعجاب كنت أسمعها من التلاميذ... صدقوني تحتاج لمجلدات لكتابتها وتسجيلها في سجل تاريخي خالد لهذه الأمة وهي تحاول الحفاظ على لغتها في أصعب الظروف وأقساها. أنه من الطبيعي، خاصة لأمتنا الفقيرة من نواحي عديدة أن تواجه مثل هذا الإنجاز التاريخي عدد من التحديات والصعوبات لتحقيقه، ويمكن إيجاز بعضها بما يلي:
1 - الصعوبات الجغرافية والديموغرافية:
الواقع الديموغرافي لشعبنا الآشوري في شمال العراق يبين بأنه يفتقر إلى التركز الجغرافي باستثناء قليل في بعض المناطق، فالتشتت الجغرافي للقرى الآشورية وتباعد بعضها عن البعض وتداخلها مع القرى الكردية يخلق مشكلة صعوبة إيجاد مدارس ذات جدوى تعليمية مناسبة لكل قرية أو منطقة وتوفير كوادر تعليمية كافية لها. من هنا كانت البداية التركز على فتح المدارس في المناطق الأكثر كثافة ومن ثم إيجاد الحل لأبناء القرى النائية والبعيدة عن مراكز المدارس السريانية وعن طريق توفير وسائل النقل لهم لنقلهم إلى المدارس. ومثل هذه الصعوبة برزت بشكل كبير عند افتتاح مدرسة نصيبين المتوسطة في مركز مدينة دهوك باعتبارها أكبر مركز لتجمع الآشوريين، أو باعتبارها محوراً للقرى الآشورية المحيطة بها. وصعوبة العامل الجغرافي يتمثل في كون مدرسة نصيبين المتوسطة في دهوك هي الوحيدة من نوعها في المنطقة مما يستوجب على طلاب المدن الأخرى والقرى والقصبات البعيدة كعنكاوا وعقرة وسرسنك وديانا وبرسفي وصبنا وعمادية وديرلوك وغيرها والراغبين في الدراسة في هذه المدرسة القدوم من هذه المناطق والإقامة في مدينة دهوك خلال الفصل الدراسي، وهي مهمة ليست بالسهلة على الإطلاق سيما وأن جميع هؤلاء الطلاب والطالبات هم صبايا تبلغ أعمارهم بين 12 – 13 سنة. وقد تم حل هذه المعضلة بإنشاء أقسام داخلية مختلفة، اثنان للطلاب وواحد الطالبات، وفي العام الدراسي 1999 – 2000 أصبح للطالبات قسمان داخليان، بما تتطلبها هذه الأقسام من مستلزمات الإقامة من أثاث وأفرشة ومطابخ ووسائل تدفئة وتبريد وتوفير ثلاث وجبات من الأكل مجاناً وغيرها من الوسائل الضرورية للطلاب والطالبات إضافة إلى الرعاية الصحية والاجتماعية  ذلك لكون جميع هؤلاء الطلبة صبايا وقاصرين يستوجبهم عناية خاصة واهتمام كبير بسبب بعدهم عن ذويهم طيلة فترة الدراسة. كما هناك مشكلة أخرى في هذا العامل الجغرافي والتي تتمثل كون بعض الطلاب من مناطق تقع مساكنهم في ضواحي مدينة دهوك والقصبات التابعة لها كسميل ومنصورية وهي المشكلة التي تم حلها في المرحلة الأولى بتأجير باصات كبيرة تقوم بمهمة نقل الطلاب من وإلى المدرسة. فهذه المشاكل والعقبات والتي يتطلبها تخصيص مبالغ ضخمة ليست من الأمور الهينة والسهلة على أي فرد أو مجموعة أفراد ما لم تكون مدعومة بتضحيات تقوم بتوفيرها أبناء شعبنا ومؤسساته في المهجر.
2 - الصعوبات المالية:
  لإزالة العقبات الجغرافية والسكانية للطلبة الدارسين في مدرسة نصيبين كان يتطلبها مبالغ ضخمة ومصاريف كبيرة يستوجب تخصيصها وتدبيرها لغرض توفير وسائط النقل وسكن للطلبة الدارسين في هذه المدرسة والقادمين من المناطق البعيدة عن مدينة دهوك وهي المصاريف التي حتما ستزيد في المرحلة اللاحقة و ستتضاعف أكثر في السنوات القادمة عندما يبدأ التدريس في الصفوف الثالثة المتوسطة وصاعداً. أنه حقاً أمراً مثيراً للتفاخر والاعتزاز عندما يشاهد المرء بعينيه ويتحسس بعقله الاندفاع الكبير لإبناء شعبنا في المنطقة نحو إنجاح الدراسة السريانية في هذه المدرسة الفتية حيث وقفوا جميعاً وقفة شجاعة في مواجهة هذا التحدي الجديد فبذل كل واحد ومن موقعه الخاصة جهوداً كبيرة وتضحيات عظيمة ووقفت منظماتنا الرائدة كاللجنة الخيرية الآشورية والحركة الديمقراطية الآشورية وبعض المنظمات والشخصيات الآشورية في الداخل والخارج مواقف مشرفة في الاستجابة للحاجة المالية المطلوبة في إنجاح هذه التجربة والتي بدأت فعلاً مسيرتها في الموسم الدراسي للعام 1998/1999 بثقة بالغة وإصرار منقطع النظير شكل ذلك زخماً قوياً لاستمرار الحياة في هذه التجربة نحو آفاق أبعد والتي انعكست وبشكل واضح في نجاح هذا الموسم الدراسي وانتقال الطلبة إلى الصف الثاني المتوسط بنفس الهمة والنشاط. ومن الضروري  هنا أن أشير، لا بل أن أشيد بوقفة قومية مسؤولة في هذا السياق. ففي عام 2009 عندما كان الحصار المزدوج الدولي والنظام العراقي يفرض قسوته على المنطقة الشمالية وفي عين الوقت كانت متطلبات التعليم السرياني تزداد بإزدياد طلابه والهمة تتضاعف للخيرين من أبناء أمتنا لضمان إستمراره، أستنفر هذا الوضع الشخصية القومية عمانوئيل قليتا الذي كان مسؤولا عن الجمعية الخيرية الآشورية فرع بريطانيا وبُلغ بالحاجة الماسية لباصين لنقل الطلاب والطالبات فتحرك صوب ألإصدقاء الخيرين لسد حاجة التعليم السرياني إلى الباصات، فعلى الفور، وبحضوري الشخصي، بادر وتبرع كل من السيد بهرم أوديشو بهرامي والسيد وورد فرجو زيا بمبلغ 20 ألف دولار أمريكي لكل واحد منهما للجمعية الخيرية الآشورية لشراء الباصين المطلوبين لنقل الطلاب والطالبات. أنا شخصياً أعرف كلا الصديقين بهرم وورد بأنهما ليسا من أثرياء المال ولا ميسوري الحال، بل للحق اقول بأنهما أغنياء بسخائهم وعطائهم ومواقفهم القومية في مثل هذه الحالات والأمثل كثيرة في هذا السياق، منها تبرعاتهم المستمرة لمتطلبات المسيرة النيسانية في كل عام. أذكر هذا للذين يتغنون ليل نهار عن آشور ويذرفون دموع التماسيح خوفاً على ضياع لغتنا القومية في الوقت الذي لا يبادرون حتى بالتبرع بدولار واحد لحماية لغتهم القومية. 
3-  الصعوبات الاجتماعية والعائلية:
العائلة الآشورية في المنطقة، هي كغيرها من العائلات الشرقية، محافظة بطبيعتها، خاصة في المناطق الريفية والزراعية، فلها أواصر عائلية حميمة بين أفرادها يصعب عليهم الفراق أو الغياب لفترة طويلة، وهي حالة معروفة للكثير من الآشوريين ولا يستوجبها التفصيل، ولكن الذي يهمنا من هذه الإشارة هو كيف سيكون الحال مع طفل عمره بحدود 12 أو 13 سنة أن يفارق أهله لمدة تطول أشهر؟ وكيف تثق العائلة الآشورية بالجهة التي تأوي هذا الطفل وهو بعيد عن بيته ؟؟ وكيف تطمئن إليه وهو محروم من حنان الأم ورعاية الأب ؟؟ أسئلة وأسئلة كثيرة تثار حول طلاب مدرسة نصيبين الذين جاءوا من مناطق بعيدة ويقيمون في الأقسام الداخلية في دهوك. الجواب الوحيد والشافي لهذه الأسئلة، لا بل والحل الأمثل لهذه المشكلة يكمن في الجهود العظيمة والمثالية التي توفرها اللجنة الخيرية الآشورية في الأقسام الداخلية الأربعة التي تشرف عليها. فقبل كل شيء يجب الاعتراف بأن هذه اللجنة والمنظمات والأحزاب الآشورية الفاعلة في المنطقة والمساندة للتعليم السرياني استطاعت أن توف، من خلال إخلاصها لأبناء شعبنا وصدقها في عملها القومي، ظروف فكرية ونفسية واجتماعية كانت قادرة على خلق أجواء اتسمت بالثقة والمصداقية بين عوائل الطلاب والطالبات وصلت إلى حدودها المثالية عندما وضعت هذه العوائل كل الثقة بهذه المؤسسات وأتمنتهم بوضع أطفالهم بين أحضانهم وتربيتهم ورعايتهم ومن دون أن يشعروا التلاميذ بأية غربة أو انزعاج بسبب فراق أهلهم وبعدهم عنهم طيلة فترة الدراسة.
في مقابلة شخصية مع الطالب هرمز بنيامين البالغ من العمر 14 عاماً، الصف الثاني المتوسط، يقول بهذا الخصوص "أنها السنة الثانية وأنا أدرس في مدرسة نصيبين وقدمت من منطقة (ديانا) وأقيم في القسم الداخلي رقم (2) وأني ما أتلقاه من رعاية وإشراف في المدرسة وفي القسم الداخلي ممتاز جداً، فنحن نتلقى ثلاثة وجبات طعام صحية وبكميات تفي حاجتنا وبزيادة كما أن ملابسنا تغسل وعلى الدوام وغرفنا وافرشتنا نظيفة جداً مثلما هي في البيت وفي كل قسم داخلي عاملة تقوم بتنظيف كل شيء كما هناك مشرفة علينا ترعي شؤونا وتنظم أمورنا الشخصية والدراسية أيضاً، وهناك بعض المشرفين هم بالأصل وفي نفس الوقت مدرسين في مدرسة نصيبين وهذا ما يجعل الأمر أسهل إلينا في استمرار المطالعة والدرس في القسم الداخلي والتي قد تكون تجاوزناها في المدرسة بسبب إدراك الوقت لنا كما يساعدنا هذا كثيراً في إداء واجباتنا البيتية بشكل صحيح وتحت إشرافه". أما الطالبة مورين إبراهيم البالغة من العمر 14 عاما، الصف الأول المتوسط والقادمة من منطقــة (نهله) فتقول بخصوص بعدها عن أهلها "أن ما توفره لنا المدرسة والأقسام الداخلية من رعاية خاصة وعناية كبيرة تعوض الكثير عن هذا البعد كما وأن أهلي في كثير من الأحيان يأتون إلى دهوك لقضاء بعض الحاجيات فيزورنني في القسم الداخلي وأقضي معهم ساعات طويلة وفي أحيان أخرى أقضي معهم بعض الليالي عندما يبقون في دهوك عند بعض أقربائنا، كما أن المشرفة تسمح لنا في بعض أيام العطل، وخاصة في عطلة نهاية الأسبوع، أن نزور أقاربنا في دهوك بعد أن ترسل معي مرافق يوصلني إليهم ثم يرجعني إلى القسم. أما في أيام العطل الطويلة والأعياد فإننا نذهب إلى قريتنا وأبقى عند أهلي حتى نهاية العطلة وهذا كله مرتب من قبل اللجنة الخيرية الآشورية خاصة بالنسبة لتوفير النقل بالباصات المخصصة لنقل طلاب الأقسام الداخلية". للحق أقول شخصياً أستغربت إستغراباً شديداً عندما تحدثت إلى طلاب وطالبات الأقسام الداخلية من قوة شخصيتهم وعمق ثقتهم بنفسهم وبمدرستهم وبمدرسيهم وبالقائمين على التعليم السرياني وكأنني كنت أتحدث مع شخصيات بالغة ومليئة بالثقة وبنفسية عالية وبإصرار حماسي وحتى بوعيهم القومي وإداركم لواقع أمتنا في الوطن وبأهمية التعلم بلغة الأم.
صور ناطقة:
========
في نهاية عام 1999 قمت بأول زيارة للإقسام الداخلية للطلاب والطالبات والتي لحقتها زيارات سنوية أخرى، وقد وجدت في بعض الصور بأنها تغني عن صفحا طويلة من الشرح عن هذه الأقسام الداخلية، وهذه بعض الصور التي يظهر فيها الأستاذ نزار حنا مدير التعليم السرياني والأستاذ دواد هيدو المشرف التربوي للتعليم السرياني والأستاذ بهموند حنا مدير مدرسة نصيبين المتوسطة والسيد نابليون كوركيس رئيس الجمعية الخيرية الآشورية والسيد باسم يوخنا من أتحاد الطلبة والشباب الآشوري مع مدرس/مشرف إجتماعي ومدرسة/مشرفة إجتماعية وطلاب وطالبات مدرسة نصيبين المتوسطة في دهوك. من المؤكد اليوم وبعد عشرين عاما، هؤلاء براعم الأمة نموا على تربة الوطن ليصبحوا شبابا وشاباتاً يحملون لغة أبائهم وأجدادهم على أكتافهم فزرعوا أبطال التعليم السرياني فيهم روح الأمة وأهم مقوم من مقوماتها... اللغة. فهذا لم يكن ممكنا إطلاقا لولا تجاوز معظم الإختلافات التسموية والطائفية والقريوية والعشائية... أفهل يدرك القابعون في أبراجهم العاجية هذا الإنجاز العظيم والذين يقضون معظم أوقاتهم في الثرثرة مع أنفسهم عبر شاشات جهاز الكومبيوتر يتغنون ليل نهار بآشور كموطن مقدس للأباء والأجداء ولكن... نعم ولكن لايستطيعون أن يخطوا خطوة واحد نحوه... إذن كيف يتم "تحرير" آشور؟.
 





 

62
من أرشيف المدارس القومية الآشورية في العراق- 5
--------------------------------

مدرسة نصيبين المتوسطة: سابقة تاريخية في التعلم بلغتنا القومية
==========================================
أبرم شبيرا
توطئة:
يتضمن الرف الخامس من أرشيف المدارس القومية الآشورية في العراق مواضيع تشكل سابقة تاريخية في التعلم بلغتنا القومية في مدارس  علمانية منتظمة وعلمية. ويمكن تحديدها في تأسيس مدرسة تصيبين المتوسطة والمدارس الأخرى التي أعقبتها  وأقسامها الداخلية التي أوت الطلاب والطالبات ثم المناهج التعليمية العلمية. وبالنظر لكون هذه المواضيع تشكل سابقة تاريخية في أمتنا لذا فهي تتصف بعلو خاص ومتميز ليس بمقياس المسافة بل بالمقاييس الفكرية والعلمية والقومية والإدراكية التي يصعب على البعض من قصيري النظر أو المصابين بالأنيميا الفكرية والمختلين قومياً خاصة القابعين في خيامهم في المهجر والمتحجرين في مقالعهم البعيدة عن واقع الحال لأمتنا في أرض الوطن، فلهؤلاء صعوبة جداً من  الوصول إلى هذا الرف وفهم مواضيعه لأنها أعلى بكثير من مستوياتهم الفكري ويستحيل إستيعابه، فحالهم يشبه حال القط الذي لم يستطيع الوصول إلى اللبن، فقال لا يهم لأنه لبن حامض. هذه السوابق التاريخية ليست بفعل "فرسان" الإنترنيت ولا بفعل "المناضلين" الذين يسعون لتحرير آشور من خلال الكلام والورق وهم قابعون خلف شاشات الكومبيوتر ولا يجرأون أن يخطوا خطوة واحد نحو آشور لمعايشة أبناء آشور والإستماع إليهم. ولا هي هذه السوابق التاريخية من صنع الذين ينكرون أصالة أبائهم وأجداهم ولغتهم العظيمة، بل هي من نتاج كفاح أبطال حقيقيين يواجهون تحديات ماحقة يناضلون صامدين على أرض الوطن يفلحون حتى على الصخر لكي يزرعوا بذور نقية لإنبات شجرة لغة أمتنا وصيانتها من الضياع فكان لأعضاء القائمة الآشورية للحركة الديموقراطية الآشورية في برلمان الإقليم وقفة بطولية في إنتزاع قرار التعليم السرياني بقسميه الإبتدائي والثانوي والحقيقة تفرض علينا أن لا ننسى الدور الكبير الفاعل للمرحوم فرنسوا الحريري والسيد سركيس أغاجان عضوي البرلمان في الدفاع للحصول على هذا المكسب العظيم لأمتنا. من هنا أقول لمن يتوهم البعض بأن التعليم السرياني في شمال العراق كان كحق طبيعي على الدولة لمنحه لأبناء هذه اللغة، نعم هذا صحيح في الدول الديموقراطية التي تقر بحقوق الإنسان والأقليات وليس في دولة كدولة العراق بقسميه الشمالي والجنوبي، بل أقول لمن لا يعرف أو يحس بهذه الأدوار البطولية في الحصول على هذ المكسب العظيم بأنه هو نتاج كفاح أبناء أمتنا الخيرين وهذا ما سندركه من محتويات الرف الخامس من هذا الأرشيف الحاوي على السوابق التاريخية مبتدأ بـ:

مدرسة نصيبين المتوسطة ـ تواصل التعليم السرياني نحو مراحل متقدمة:
كانت البدايات الأولى تحديات مصيرية متعلقة بدخول طلاب الصف السادس الابتدائي للمدارس السريانية في  صيف عام 1998 الامتحانات النهائية "الوزارية" العامة وتخرجهم منها ومن ثم تحولهم إلى المرحلة المتوسطة، وهو التحدي الذي تمثل في بحث وإيجاد حل  لمشكلة تقوم على ركيزتين وهما:
الأولى : مشكلة عدم وجود بالأساس مدرسة سريانية في هذه المرحلة والمستلزمات العلمية من مناهج وكوادر وأبنية وتجهيزات مطلوبة لتأسيس مثل هذه المدرسة.
الثانية : المشكلة القانونية والتي تتمثل في عدم وجود تشريع خاص يقر بالتعليم السرياني للمرحلة المتوسطة ذلك لأن قانون وزارة التربية كان ينص على حق الآشوريين في التعليم بلغتهم القومية في المرحلة الابتدائية فقط.
على هذا الأساس كان يستوجب على القائمين بشؤون تعليم لغة الأم مواجهة هذه المشكلة عن طريق  توجيه اهتمامهم وجهودهم لخوض "المعركة" أن صح التعبير، على مستويين الأول: فكري وثقافي والثاني: سياسي وقانوني. فبخصوص المستوى الأول، يقول الأستاذ يونان هوزايا (رحمه الله) عضو لجنة الترجمة وتأليف المناهج في مقابلة خاصة، بأنه منذ إقرار البرلمان لحق أبناء أمتنا في التعلم في المدارس بلغتهم القومية بدأنا مع تشكيلات التعليم السرياني في المديرية العامة للتربية ثم مع مديرية التعليم السرياني والمركز الثقافي الآشوري وغيرهم من المؤسسات الثقافية والاجتماعية والمختصين في شؤون اللغة والمشرفين التربويين، بدأنا بمراقبة ومتابعة عملية التعليم السرياني مراقبة دقيقة ويومية وخطوة فخطوة من أجل معرفة مسيرتها الصحيحة وتذليل عقباتها وتوفير مستلزماتها بهدف إنضاج هذه التجربة وإنجاحها لتكون قاعدة لمرحلة متقدمة أخرى، وفعلاً بعد أن قطعت نصف الرحلة وأمضت ثلاث سنوات، أي في عام 1995، من مسيرتها تأكد نجاحها وبشكل ملفت للنظر، ليس للآشوريين وحدهم وإنما لغير الآشوريين أيضا بما فيهم المسؤولين في الدوائر والوزارات المعنية. لا بل وتأكد لنا جميعاً بأنه لا محال من استمرار مسيرة التعليم السرياني حتى وصول محطتها الأخيرة، أي الصف السادس الابتدائي واجتيازها بثقة عالية، ولكن كنا مترقبين وحريصين أشد الحرص على التحرك وعلى مختلف الجبهات وفي الوقت والظرف المناسبين وقبل وصول مسيرة التعليم السرياني محطته الأخيرة بفترة معقولة ومناسبة. لهذا  شرعنا في البدء مرحلة تهيأ الأجواء الفكرية والثقافية والفنية من خلال عقد مجموعة من الندوات والحلقات الدراسية واللقاءات من أجل الاستعداد لطرح موضوع مواصلة التعليم السرياني نحو المرحلة الثانوية على المسؤولين المعنيين ( مقابلة شخصية مع المرحوم يونان هوزايا في 21/2/1999 في عنكاوه) .
وفعلاً ومن خلال البحث والتقصي عن مرحلة هذا الاستعداد، نجد بأنه عدد من ندوات وحلقات دراسية عقدت بشأن التعليم السرياني، وهو في سنته الثالثة، أكدت على ضرورة مواصلته نحو المرحلة الثانوية شارك فيها عدد كبير من المختصين باللغة السريانية والمشرفين التربويين والمعلمين وعدد كبيرمن الكوادر المختصة والمدرسين والمشرفون التربويون وشخصيات علمية ودينية وثقافية وأعضاء برلمان ومسؤولون كبار في وزارة التربية توصلوا إلى قرارات وتوصيات أكد على أمكانية وضرورة مواصلة التعليم السرياني نحو المرحلة المتوسطة ثم الثانوية.
 هكذا مع تواصل استمرار نجاح مسيرة التعليم السرياني واجتيازها السنة الخامسة ووصولها إلى سنة ما قبل الأخيرة من الدراسة الابتدائية، تواصلت أيضاً اللقاءات والاجتماعات الهادفة إلى إنضاج الظروف الفكرية والعلمية والفنية للمرحلة المقبلة من التعليم السرياني فعقدت العديد من الندوات والحلقات الدراسية توصلت في نهاية المطاف إلى ضرورة استمرار التعليم نحو المرحلة الثانوية وما يتطلب ذلك من فتح مدارس وتجميع الطلبة والحاجة إلى أقسام داخلية لهم وغيرها من المستلزمات الفنية والإدارية، لا بل وأكد المشاركون في الحلقات الدراسية على أهمية وجود أقسام لدراسة اللغة السريانية وآدابها في جامعات الإقليم وفي معاهد أعداد المعلمين، فعلى الرغم من أهمية هذه التوصيات والقرارات إلا أن  الذي يهمنا بهذا الخصوص هو قرار رفع توصية إلى وزارة التربية في الإقليم بضرورة إقرار تواصل التعليم السرياني نحو المرحلة الثانوية، وهو القرار الشجاع الذي يعكس تجاوز مرحلة التحضيرات الفكرية والثقافية ونقلها إلى المرحلة السياسية والقانونية فيما يخص تحول مسيرة التعليم السرياني نحو مراحل اكثر تقدماً .
فبعد انتهاء هذه الحلقة الدراسية انتقلت الحملة الداعية إلى مواصلة التعليم السرياني نحو المرحلة الثانوية من مرحلة الدراسات والمداولات ألى مرحلة اتخاذ القرار الرسمي بشأنها، أي تجاوز المهمة من المستوى القومي إلى المستوى الرسمي وانتقالها إلى أروقة الوزارات ورئاسة مجلس الوزراء والبرلمان،  حيث قامت وزارة التربية بتحويل التوصية التي أقرتها الحلقة الدراسية إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار اللازم بشأنها. غير أنه لأسباب سياسية تفاعلت مع التطورات التي سادت في المنطقة في تلك الفترة لم يتخذ أي قرار بهذا الشأن مما أدى ذلك إلى قيام الكتلة الآشورية مع عشرين عضواً من أعضاء البرلمان المؤيدين لهذا المطمح الآشوري في مواصلة التعليم السرياني نحو المرحلة الثانوية بالتوقيع على التوصية ورفعها إلى رئيس البرلمان والذي بدوره رفعها إلى رئاسة مجلس الوزراء لإبداء الرأي واتخاذ القرار بخصوصها. غير أن المسألة تأخرت مرة أخرى في مجلس الوزراء بشكل لم تكن أبدا بعيدة عن التأثيرات السياسية والتي غلفت بحجة عدم توفر الكوادر اللازمة لهذه المرحلة وغيرها من الحجج التي لم تصمد أمام إصرار جميع الخيرين من الآشوريين على ضرورة تحقيق هذا المطلب القومي، وفعلا وفي نهاية الجولة تم حسم المسألة فقامت رئاسة مجلس الوزراء وفي بداية شهر تشرين الثاني 1988، أي بعد أن كان الموسم الدراسي مستمراً لمدة تجاوز الشهر، بإصدار القرار اللازم بهذا الشأن. ثم أعقب ذلك قرارها المؤرخ في 2 تشرين الثاني 1998 والقاضي بالموافقة على فتح مدرسة أهلية في دهوك للراغبين بالدراسة السريانية وبإشراف وزارة التربية وطبقاً لنفس مناهج المدارس الأخرى في الإقليم. وعلى أثر ذلك تحرك فوراً الخيرون والحريصون على استمرار تطوير لغتنا القومية نحو تهيئة المستلزمات القانونية والفنية والعلمية الضرورية لفتح مثل هذه المدرسة، وفعلا ففي الثامن من كانون الأول 1998 قدم كل من الشماس أندريوس يوخنا والأستاذان بهمود حنا ودنخا خيوسو طلبا بفتح مدرسة متوسطة أهلية سريانية في دهوك بأسم مدرسة نصيبين المتوسطة المختلطة ومثل الشماس أندريوس يوخنا، مدير الثقافة الآشورية، مقدمي طلب التأسيس وتم التوقيع في ديوان وزارة التربية للإقليم على عقد تأسيس مدرسة متوسطة أهلية سريانية في دهوك ومثل السيد أندريوس يوخنا، مدير الثقافة الآشورية، مقدمي طلب التأسيس على توقيع العقد. وففي العاشر من شهر كانون الأول 1998 تم افتتاح المدرسة رسمياً في مركز مدينة دهوك وبرعاية الأستاذ يونادم يوسف كنا وزير الاشغال والاسكان وكبار مسؤولي وزارة التربية  وسميت بأسم مدينتا التاريخية الخالدة نصيبين التي لعبت جامعتها المشهور في التاريخ دورها الكبير في تدريس العلوم وتطويرها، كما تم تعيين الأستاذ بهمود حنا مديراً لها وهو صاحب خبرة طويلة في حقل التدريس تزيد عن ربع قرن ويتمتع بمؤهلات جامعية وثقافية تؤهله لاعتلاء هذه المسؤولية الكبيرة. والمدرسة تكونت في البداية، أي في السنة الأولى، فقط من الصف الأول المتوسط (السنة السابعة ) ومن ستة شعب وكان عدد طلابها يقارب ( 136 ) طالب وطالبة. كانت المدرسة، كأي مؤسسة حديثة التكوين وضمن ظروف صعبة، قد مرت بتجربة فريدة من نوعها في تاريخ الآشوريين قاطبة أكتنفتها الكثير من الصعاب التي لايمكن وصفها إلا أنها تم تجاوزها بفعل تكاتف المدرسين والطلاب والإصرار على إكمال المنهاج المقرر خلال السنة الدراسية بالجد والمثابرة ومن دون أي تأخير. وفعلاً تحقق ما اصبوا إليه بنجاح منقطع النظر فتحول الطلاب إلى الصف الثاني المتوسط بعد إنقضاء السنة الدراسية ومن ثم بدأت تحديات أخرى تمثلت في زيادة عدد الطلاب ومضاعفتهما فأصبح للمدرسة خمسة شعب كاملة العدد للصف الأول مجموع طلابها (167) طالب وطالبة وأربعة شعب كاملة العدد للصف الثاني مجموع طلابها (152) طالب وطالبة، أي يكون مجموع طلاب مدرسة نصيبين في الصفين الأول والثاني (319) طالبة وطالبة. وحتما سيزداد هذا العدد في السنة الدراسية القادمة حيث سيتم أيضا فتح شعب عديدة للصف الثالث المتوسط . وهكذا يتضاعف عدد طلابها بتضاعف عدد الصفوف في كل سنة قادمة. إضافة إلى مدرسة نصيبين كان هناك قرار لاحقاً لرئاسة مجلس الوزارء والمرقم 22 في 5/1/1999 تقرر بموجبه أيضاً فتح  شعبة للأول المتوسط في منطقة ديانا غير أنه بسبب قلة عدد الطلاب، والذين كان عددهم سبعة فقط، تأجل أمر فتحها إذ كان يستجوب وجود خمسة عشرة طالب لفتح مثل هذه الشعبة لتكون كصف أول لمدرسة متوسطة، غير أنه كحل وسط تم فتح ملحق بمدرسة آشوربان الإبتدائية السريانية ليتم فيها تدريس المناهج المقررة في الصف الأول المتوسط لطلابها حيث أستمروا على الدراسة بشكل رسمي ومنهجي .
وأخير لم يبقى إلا أن نشير بخصوص مرحلة التحول والتطور الكبير الذي حصل في التعليم السرياني بانتقاله وبنجاح من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة إلى الدور العظيم والوقفة الشجاعة التي وقفتها معظم العائلات الآشورية وأولياء أمور الطلبة الذين أنهوا المرحلة الابتدائية. فهؤلاء جميعاً خاطروا بمستقبل أطفالهم من أجل إنجاح تعليم لغة الأم نحو مراحل متقدم وحققوا بعد صمود وشد الأعصاب من تحقيق هدفهم في استمرار أبنائهم الدراسة في المرحلة المتوسطة رغم تأخر افتتاح مدرسة نصيبين. فبعد أن تخرج هؤلاء من المرحلة الابتدائية في بداية صيف عام 1999 وانقضت العطلة الصيفية وشارفت على انتهائها وأستعد الطلاب الذهاب للمدارس في الأول من تشرين الثاني أصبح موقف هؤلاء محرج للغاية إذ لم تكن هناك مدرسة سريانية متوسطة لاستيعاب خريجي التعليم السرياني الابتدائي ولم تفتح أبواب هذه المدرسة، أي مدرسة نصيبين، إلا في العاشر من كانون الأول 1999 وبعد حصول الموافقة اللازمة لافتتاحها، كما سبق وأن نوهنا عنها. فطيلة هذه الفترة الحرجة والمقلقة لأولياء الأمور رفضوا إرسال أبنائهم إلى غير التعليم السرياني وأبقوا عليهم في بيوتهم منتظرين افتتاح المدرسة المتوسطة حتى أثمر صبرهم وصمودهم بشروع أبواب مدرسة نصيبين واستقبال طلابها. أنه حقاً موقفاً مشرفاً وقفه الجميع وقفة مسؤولة شجاعة لعب دوراً كبيرا في إنتاج مسيرة التعليم السرياني بثمار انعكست في الهمة والنشاط الذي أبداها الجميع حيال إنجاح هذه المدرسة. فألف تحية وتحية لجميع العائلات ولأطفالهم على هذا الموقف الشجاع فلولاهم لما كانت مدرسة نصيبين قائمة في هذا اليوم. أما بعض العائلات القليلة جداً والتي لم تستطيع الانتظار طويلاً خوفاً على مستقبل أطفالهم، وهو خوف مشروع لا غبار عليه، فقد أرسلوا أطفالهم بعد تخرجهم من الابتدائية إلى المدارس المتوسطة الأخرى واستمروا الدارسة فيها لسنة واحدة، أي الصف الأول المتوسط، ولكن سرعان ما أن نجحوا إلى الصف الثاني حتى أرسلوهم إلى مدرسة نصيبين مقتنعين كل الاقتناع بأن التعليم السرياني في المرحلة المتوسطة قد نجح واجتاز الصعوبات والتحديات وسوف يستمر حتى نهايته الأخيرة المقررة له.
وفي السنوات اللاحقة ازدادت المتوسطات والاعداديات في كل مناطق تواجد شعبنا، ثم بعد تغيير شكل التدريس من الإبتدائية والمتوسطة والإعدادية أصبح على مرحلتين: مرحلة الأساس من 1 – 9  ومرحلة الإعدادية حيث أنفصلت المرحلة المتوسطة وأنظمت إلى الأبتدائي والباقي أصبحت مدارس أعدادية وتوسعت وأزداد عددها في الوقت الحاضر، كما أورده لنا الأستاذ نزار حنا مدير التعليم السرياني في وزارة التربية، وهذه الإعداديات هي:
اعدادية نصيبين السريانية - دهوك
اعدادية زاخوثا السريانية - زاخو – بيرسفي
اعدادية زهريرا السريانية - العمادية – ديرلوك
اعدادية اورهي السريانية - العمادية – سرسنك
اعدادية مركا السريانية - عقرة – نهلا
ثانوية شميرام السريانية - اربيل – ديانا
ثانوية اور السريانية - اربيل – عنكاوا
----------------------
شكرا جزيلا أستاذ نزار حنا وشكرا لزملائك فرسان التعليم السرياني في الوطن ولكل الخيرين الذي ساهموا في هذا الإنجاز العظيم من نوعه في تاريخ أمتنا. ولنا لقاء على الرف السادس من أرشيف المدارس القومية الآشورية في العراق.
STAY SAFE MY FRIENDS


63
من أرشيف المدارس القومية الآشورية في العراق- 4
--------------------------------

التعليم السرياني في شمال العراق - حقائق وأرقام
=========================
أبرم شبيرا
توطئة:
توطئة:
في هذا القسم الرابع نتصفح أرشيف المدارس الآشورية القومية من خلال كتابنا السالف الذكر"التعليم السرياني في شمال العراق – حقائق وأرقام، بعد أن نقلنا بعض الصفحات منه في القسم الثالث كمقدمات تمهيدية قبل الدخول في صلب الموضوع عن المدارس السريانية والتعليم السرياني في شمال العراق، أنظر الرابط:
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=977422.0 .

وهنا سأحاول أن أستل بعض الأجزاء من هذا الكتاب مع تعديلات طفيفة جداً مبتداً بـ:

أولا: بداية تجربة في التعليم بلغة الأم:
بالرغم من الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية الصعبة، إقليمياً ودولياً في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، فأن  إقليم شمال العراق كان يعيش حالة إستثنائية من التعددية السياسية أتيح للآشوريين حدوداً هامشياً لتتحرك أحزابهم السياسية ومنظماتهم القومية والثقافية والاجتماعية وتنشط في تحقيق بعض الأهداف التي كان الآشوريون دوماً  يسعون  إلى تحقيقها، خاصة فيما يتعلق بتعليم لغة الأم لأطفالهم في المدارس الرسمية وبشكل أصولي تربوي وعلمي وبدون فرض النتائج ومن ثم قبولها خوفاً من إرهاب السلطة أو الأكثرية. فضمن هذه الحالة الديمقراطية البسيطة نشطت بعض الأحزاب والشخصيات الآشورية فاقتربت من ماكنة صنع القرار السياسي والتي تمثلت في مشاركة الآشوريين في البرلمان ممثلين بأربع نواب من القائمة الآشورية التابعة للحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) مع مسيحي واحد من الحزب الديموقراطي الكردستاني (بارتي) ضمن الكوتا المسيحية التي خصصت خمس مقاعد لهم. كما شاركت زوعا في المؤسسات الحكومية الإقليمية والوزارة وفي بقية التنظيمات السياسية والتحالفات الحزبية، فأفرزت هذه المشاركة نوع من التقارب والتفاعل انعكست نتائجها في تفهم وتقبل القوى السياسية الرئيسية الفاعلة في المنطقة والتي تقننت هذه النتائج  فيما بعد في قوانين وتشريعات جديدة ضمنت رسمياً حقوق الآشوريين، خاصة في ما يتعلق بمسألة تدريس لغة الأم في المدارس الرسمية.

ومن بين هذه القوانين التي تهمنا في موضوعنا هذا هو قانون وزارة التربية في الإقليم وخاصة المادة الرابعة منه والتي نصت على ( أن يكون التدريس باللغة الكردية رسمياُ في جميع المراحل ابتداءً من الصف الأول الابتدائي وحتى السادس الإعدادي . وكخطوة أولى تبدأ الدراسة باللغة الكردية في الصف الأول الابتدائي لهذا العام 1992 – 1993 عدا المدارس التي تشملها الفقرة الرابعة) وهي الفقرة التي تنص على ( جعل لغات الأقليات لغة التعليم في المرحلة الابتدائية لأبنائها في المناطق التي تقطنها على أن يكون تعليم اللغة الكردية فيها إلزامياً ). وفي قراره المرقم 16 والمؤرخ في 20 أيلول من عام 1992 أقر المجلس الوطني الكردستاني ( برلمان الإقليم) هذا القانون والذي بموجبه أصبح للأقليات، والذي عرفهم في مادته الأولى الفقرة السادسة بـ "الآشوريين والتركمان والعرب وغيرهم"، حق التعليم بلغتهم القومية. ومما نستدل من هذا القانون المقر بأن التعليم باللغة السريانية يقتصر فقط، كما هو مبين، على المرحلة الابتدائية دون المراحل الأخرى المتوسطة والثانوية. وللاستفسار عن سبب ذلك قابلنا الأستاذ يونادم يوسف كنه، مسؤول القائمة الآشورية في برلمان الإقليم ووزير الإسكان والتعمير سابقا والصناعة والطاقة حاليا، والذي شارك في مناقشات إقرار القانون أعلاه، حيث ذكر بأنه قبل إقرار هذا القانون، جرت مناقشات ومداخلات وتعليقات طويلة ومفصلة حول حصر حق القوميات غير الكردية بالتعليم  بلغتهم القومية على المرحلة الابتدائية وبينّا في حينه تحفظاتنا لهذا الأمر وطالبنا بضرورة أن يكون التعليم السرياني شاملاً أيضا للمراحل الأخرى المتوسطة والثانوية، غير أنه مما يؤسف له بأن جملة عوامل سياسية خارجية وداخلية تفاعلت مع بعض الحجج التي برر بموجبها رفض مطلبنا، منها قلة أو عدم وجود كوادر أكاديمية كفؤة وضعف الإيمان عند البعض من أبناء شعبنا في إمكانية استمرار التعليم السرياني في المرحلة الابتدائية فيكف والحال مع المراحل المتوسطة والثانوية ؟. هكذا تداخلت هذه الظروف مع جملة عوامل سياسية في المنطقة حالت كلها إلى دون إقرار البرلمان لمطلب الكتلة الآشورية في شمول التعليم السرياني للمراحل المتوسطة والثانوية، ولكن مع كل هذا،  فإن هذه النقاشات وما دار حولها من حجج في رفض مطلبنا أثرت إيجابيا في نفوس أعضاء الكتلة الآشورية بحيث جعلتنا أن لا نتهاون ونتقاعس، بل حفزتنا وبشكل كبير على ضرورة تركيز معظم الجهود والإمكانيات لخلق الكوادر الأكاديمية الكفؤة وإنجاح التعليم السرياني في المرحلة الابتدائية كمنطلق أساسي نحو الاعتراف بحقنا القومي في استمرار التعليم السرياني نحو مراحل متقدمة، وهو ما تحقق فعلاً من خلال اجتياز المرحلة الابتدائية وبنجاح منقطع النظير ( مقابلة شخصية بتاريخ 18/2/1999 - دمشق)       

وهكذا فبعد إقرار القانون أعقب ذلك في نهاية شهر أيلول صدور أوامر وزارة التربية وتعليمات مديريات التربية في محافظتي أربيل ودهوك بخصوص التعليم السرياني في هاتين المحافظتين والقاضية بتطبيق قرار التعليم السرياني فوراً في المدارس التي ستشمل بهذا القرار وللسنة الدراسية ( 1992 – 1993 ) والطلاب على أبواب بداية الموسم الدراسي، وهو القرار الذي فاجئ المعنيين بالموضوع والذين كانوا يتوقعون تطبيق القرار في السنة الدراسية القادمة (1993 – 1994) لأن الوقت كان ضيفاً جداً لتهيئة المناهج والكوادر التعليمية وغيرها من الأمور الفنية والتربوية. غير أنه مع كل هذه العجالة والاحراج لم تثني هذه المفاجئة عزيمة الخيرين من أبناء أمتنا من المدرسين والمختصين، فشرعوا جميعاً مع المؤسسات والمنظمات الآشورية الرائدة والطليعية، وفي مقدمتهم المركز الثقافي الآشوري وأعضاء الكتلة الآشورية في البرلمان، بالعمل الحثيث والمضني والمتواصل في التسابق مع الزمن لاستغلال هذه الفرصة العظيمة التي وفرت لأبناء أمتنا في الدراسة بلغتهم القومية. وفعلاً، رغم كل الصعوبات وضيق الوقت، فقد أفلحت هذه الجهود الخيرة في تنفيذ القرار عملياً في السادس من أذار عام 1993، والذي بدا متأخراً بعض الشيء، إلا أنه مع هذا لم يؤثر على سير التعليم السرياني في مرحلته الأولية بل تواصل بفعل الساعات الإضافية الطويلة التي خصصت من أجل استيعاب الطلبة للمنهاج المقرر، وهذا ما تم فعلاً. وبهذا تكون فاتحة جديدة من نوعها قد بدأت في تاريخ تدريس اللغة السريانية في العصور الحديث كلغة تعليمية للمنهج التدريسي المقرر رسمياً في المدارس العامة.
ثانيا: طموح يتحقق ـ التطبيق العملي لقرار التعليم السرياني:

التحليل القانوني لنصوص قانون وزارة التربية في الإقليم وقرارات البرلمان الخاصة باستخدام أبناء القوميات غير الكردية للغتهم في التعليم، بما فيهم الآشوريين منهم والقرارات المتعلقة بالتعليم السرياني، تدل على أن التعليم بلغتهم القومية هو إلزامي وليس اختياري، ذلك لأن الإلزام في النظرية القانونية يعتبر ركن أساسي وجوهري من أركان القانون، فكل نص قانوني هو ملزم بطبيعته ما لم يصرح عكس ذلك وبشكل واضح وعلني وعن طريق الإشارة الصريحة والمبينة بالإستثناءات الواردة فيه. فقانون وزارة التربية نفسه وفي فقرته الثالثة من المادة الرابعة الخاصة بالتعليم باللغة الكردية، فإنه بطبيعته كقانون تشريعي هو ملزم للمعنيين به، غير أنه أورد استثناءً واضحاً فيه عندما استثنى "الاقليات" منها والذي أعطى لهم بموجب الفقرة الرابعة من نفس المادة حق التعليم بلغتهم القومية في المرحلة الابتدائية، مع تضمين هذا الاستثناء إلزامية خاصة بتعلم اللغة الكردية وذلك كمحاولة من المشرع في عدم فسح المجال أمام " الاقليات" للتهرب من تعلم لغة الأكثرية في المنطقة، وهي قاعدة عامة لسياسة معظم الدول في العالم في تنظيم العلاقة بين "الأقلية" و"الأكثرية".

إن إلزامية القانون والقرارات أعلاه والخاصة بالتعليم السرياني واضحة ولا لبس فيها وأكدها الكثير من المختصين والمعنيين بالموضوع، وهو مكسب من أهم المكاسب التي تحققت لأبناء شعبنا في شمال الوطن، غير أن العبرة، وكل العبرة، ليست في النصوص والقوانين وإنما في التطبيق العملي لها على أرض الواقع . فالعجالة في إقرار تطبيق قانون التعليم السرياني في نفس العام الذي كان الموسم الدراسي على الأبواب تداخل بشكل كبير مع اختلاف وجهات النظر في فهم وتفسير نصوص القانون والقرارات أعلاه وخلقت حالة من الارتباك والاجتهادات ساهم ضعف الوعي القومي وهشاشة الإرادة القومية الموحدة في بعض المناطق على خلق فجوة في إلزامية التعليم السرياني بحيث استطاع البعض التسرب من خلالها والركون إلى اجتهاد يقوم على الاكتفاء بتدريس السريانية كلغة في المدارس المشمولة بالقرار واعتبار الكردية وليس السريانية كلغة للتعليم فيها رغم كون فيها غالبية من أبناء هذه اللغة. ولقد سبق وأن بينّا أهمية دور وحدة الإرادة القومية في إنجاح أية تجربة في تدريس لغة الأم، غير أنه في حالة الاجتهاد أعلاه حول مدى إلزامية التعليم السرياني يبين ضعف هذه الإرادة في بعض المناطق والذي أدى إلى التهرب من اعتبار السريانية لغة التعليم، وهي الحالة التي ترتبط ارتباطاً صميمياً بإرادة ومشيئة المعنيين بالموضوع وبمقدار درجة وعهم في أهمية التعليم باللغة السريانية، وفيما إذا كانوا فعلاً يعتبرون أنفسهم مشمولين بهذا القرار أم لا. فالقوانين والنصوص رغم عنصر الإلزام فيها فإن الخيارات الأخرى المتاحة تكون سبباً للتهرب منه والخضوع إلى الإلزام القانوني الخاص الذي توفره هذه الخيارات، وهي مسألة طويلة ومعقدة وتبسيطاً وإختصاراً لهذه الحالة نذكر المثال التالي: إذا كان شخص لا يعترف بأنه آشوري، أو لنقل سرياني أو كلداني، وإنما يعتبر نفسه من قومية أخرى أو لنقل يعتبر نفسه مسيحي فقط ويتردد في التصريح بانتمائه القومي أو الاعتراف بلغته القومية، فإن أي قانون لا يستطيع إلزام مثل هذا الشخص وإجباره على إرسال أطفاله إلى مدارس التعليم السرياني فيما إذا فضل هو، سواء أكان مخيراً أو مسيراً، في إرسال أطفاله إلى الخيارات التعليمية الأخرى المتاحة، أي إلى المدارس غير المشمولة بالتعليم السرياني.  فطالما هو ينكر أو لا يعير أهمية لمثل هذا التعليم فأن القانون أو القرار الخاص بالتعليم السرياني لا يشمله وإنما يشمله القرار الخاص بالخيار الآخر المتاح للتعليم سواء أكان باللغة الكردية أم التركمانية أم العربية. أي بهذا المعنى يمكن القول بأن الالزام بالتعليم السرياني ليس إلزاماً طبيعياً، إن صح التعبير، أي يشمل وبشكل طبيعي وميكانيكي كل من كان آشورياً أو كلدانيا أو سريانياً، وإنما هو إلزام فكري ووجداني، أي يشمل كل من يعي أو يفكر بأنه آشوري أو كلداني أو سرياني وأن السريانية هي لغته وعليه واجب الحفاظ عليها من خلال إفساح المجال لأطفاله لتعلمها في المدارس السريانية. فلا أحد يستطيع أن يجبر آشوري أو كلداني أو سرياني على أن يرسل أبنه إلى المدارس السريانية طالما لا يستطيع أحد أن يمنعه من إرسال أبنه إلى المدارس الكردية أو العربية. والحالة تنطبق أيضاً على أي فرد من أفراد بقيت القوميات عند ضعف الوعي القومي من جهة وتوفر الخيارات الأخرى للتعليم من جهة ثانية، أي في هذه الحالة نكون أزاء إلزامية التعليم وليس أمام إلزامية نوع التعليم. لقد أوردنا هذا المثال البسيط الذي قد ينطبق على بعض الآشوريين ومن مختلف طوائفهم وفي بعض المناطق، ولكن كيف والحال إذا كان مثل هؤلاء لهم مراكز سياسية وإجتماعية ودينية في المجتمع ؟؟ فالشخص المطلع على أبجدية وقعنا القومي يكفيه هذا المثال ليستدل منه معاني عميقة دون الشرح والتفصيل .

فمثل هذه الظروف الصعبة والمعقدة لم يكن من الممكن تجاوزها ومن ثم الخروج بحلول معقولة قادرة على استثمار هذه الفرصة الجديدة التي توفرت لأبناء شعبنا، لولا الجهود الكبيرة التي بذلها المعنيون بالموضوع والمنظمات القومية الطليعية والثقافية وبعض الشخصيات العلمية والثقافية وأعضاء من الكتلة الآشورية في البرلمان وعبر سلسلة من اللقاءات والندوات والاجتماعات حتى تم في نهاية المطاف الخروج من هذه الاجتهادات إلى الواقع التطبيقي وذلك عن طريق الركون إلى الإرادات الحرة لأبناء الشعب في  تطبيق قرار التعليم السرياني، وهي الإرادات التي انعكست في رأيين :
ا
لأول: الاكتفاء بالسريانية كلغة فقط مع اعتبار الكردية لغة التعلم، وهو رأي خير من الرأي الرافض لتدريس هذه اللغة نهائياً.
الثاني: اعتبار السريانية لغة التعليم لكافة المناهج المقررة وكما جاء به القانون المذكور أعلاه، وهو المطمح القومي الكبير الذي يعكس نمو ورقي الوعي القومي للموافقين عليه في أهمية تعلم لغة الأم كلغة علم وثقافة.
كان هذان الرأييان المحك الفاعل والفاصل في تقرير أنواع المدارس السريانية وبالتالي تجسدا في نوعين من المدارس السريانية :
الأولى: المدارس التي تكون الكردية لغة التعليم فيها أما السريانية فتدرس كلغة فقط وضمن حصص أسبوعية معينة في المرحلة الابتدائية .
الثانية: المدارس التي تكون السريانية لغة التعليم فيها لكافة المناهج المقررة، أما الكردية فتدرس كلغة فقط وضمن حصص أسبوعية معينة في المرحلة الابتدائية,

هكذا، فبعد أن تحدد مسار التعليم السرياني وبشكل يتوافق مع الإرادتين أعلاه لأبناء شعبنا بدأت الخطوات الأولى مباشر بعد صدور قرار البرلمان بتأسيس تشكيلات التعليم السرياني في المديرية العام لتربية دهوك وأربيل ثم قبل حلول صيف عام 1996 تم تأسيس مديرية التعليم السرياني في وزارة التربية التابعة لإقليم كردستان – العراق لتقوم بمهمة تنظيم هذه التشكيلات وإدارتها بالشكل الذي يساهم في تطوير التعليم السرياني والذي كان فعلا قد بدأ تطبيقه عملياً في بداية الربيع من عام 1993  وذلك بتأسيس أو بشمول عدة مدارس في محافطتي دهوك وأربيل بهذا القرار والمباشرة بتهيئة الكتب للتلاميذ في الصف الأول واعداد الكادر التعليمي لمدارس المحافظتين. وقد وقف أبناء شعبنا وقفة شجاعة في مواجهة هذا التحدي الجديد في تاريخهم المعاصر والذي لم يكن في بدايته سهلا على الإطلاق، خاصة في ظروف اقتصادية صعبة مقيدة بحصارين دولي وحكومي على المنطقة الشمالية، غير أن الدعم المالي الكبير الذي قامت به الجمعية الخيرية الآشورية في الولايات المتحدة الأمريكية والإسناد المعنوي والقومي والسياسي الذي وفرته المنظمات القومية الطليعية وكل الخيرين والمؤمنين بتراثهم ولغتهم، تمكنت مديرية التعليم السرياني وكافة كوادرها التعليمية  ومن وقف معها وساندها في السير قدماً واجتياز الخطوة الأولى الصعبة، حيث  تم تهيئة الكادر التعليمي من خلال إقامة دورات مكثفة في تعليم اللغة السريانية للمعلمين المؤهلين أكاديميا كما تم استثناء المعلمين المتمكنين في حقل التدريس السرياني من الشروط المقيدة لتنقل فأعقب ذلك نقل أغلب الكوادر التعليمية الى مدارس مدينتي عنكاوة ودهوك. إضافة إلى ذلك تم تهيئة الكتب المدرسية المطلوبة للمنهج الدراسي الرسمي للصف الأول وهكذا في كل سنة حتى اكتملت كل مستلزمات المرحلة الابتدائية من كتب وكادر تعليمي وإشراف تربوي وأبنية مدرسية حتى نهاية صيف عام 1998 حيث تخرجت الدفعة الأولى من المرحلة الابتدائية. هذا ويجب أن لا يفوتنا الدور الكبير الذي لعبه في تلك الفترة كل من  تلفزيون آشور وإذاعة آشور في أربيل ودهوك في المساهمة في إنجاح هذه التجربة الرائعة خاصة من خلال التوعية بأهميتها أو عن طريق تقديم دروس ومحاضرات في اللغة والتاريخ والتراث وعبر الشاشة كتلفزيون تربوي وثقافي ساهم في نشر وترسيخ الوعي بأهمية تعلم لغة الأم وتبيان الدور المطلوب من ذوي الطلاب في هذا المجال. كما لا نريد التكرار والإطناب بالدور الكبير الذي لعبه المركز الثقافي الآشوري في دهوك وعلى الدوام في هذا المجال فهو معروف لكل من عايش أحداث تلك الفترة ولا يزال يلعب هذا المركز دوره الكبير والفاعل إلى جانب الجمعية الخيرية الآشورية في ترسيخ مسيرة التعليم السرياني في شمال الوطن.

لماذا التسمية السريانية للغتنا القومية؟
-----------------------

 أثير الكثير من التساؤلات حول اللغة التي سيتم التعليم بها وتسميتها، سواء أكانت هذه التساؤلات بهدف المزيد من المعرفة وذلك لكون هذا الحدث الأول من نوعه في تاريخنا القومي المعاصر، أو كانت بسؤ نية ومن وراءه عوامل عديدة طائفية وعشائرية وتحزبية وحتى فردية نرجسية، فبدأوا يتساؤلون لماذا سيمت لغتنا القومية بالسريانية وليس باللغة الآشورية أو الكلدانية أو الأرامية... وهكذا؟؟؟. قبل الإجابة على هذا التساؤل نود أن نبين بأن اللغة التي تدرس لأبناؤنا في المدارس السريانية هي القسم الشرقي من لغتنا ( مدنخايا )  التي كان يفهمها ويتكلم ويكتب بها معظم أبناء طوائفنا الكلدانية والمشرقية وحتى أبناء قرى الطوائف السريانية الأرثوذكسية والكاثوليكية في العراق، فهي لغة عامة ومشتركة بين الجميع مع اختلاف بسيط في اللهجات وبعض الألفاظ، وهي حالة عامة وطبيعية جداً بالنسبة لمعظم لغات الشعوب. واللغة المعتمدة في التدريس هي اللغة المسماة بالحديثة أو بـ " السورث " التي يفهمها الجميع، أي هي لغة التعليم، مع اعتماد اللغة الكلاسيكية المعروفة بالقديمة أو بـ "الآرامية" كلغة تدرس في جميع المدارس السريانية من الصف الأول الابتدائي إلى الصف الأول المتوسط، والتي تعتبر أيضاً مصدراً مهماً لاشتقاق المصطلحات العلمية في المناهج التعليمية. فهذه اللغة، سواء الحديثة أو الكلاسيكية، هي نفسها التي كانت تدرس في مدارسنا العلمانية والمعاهد الدينية ولا اعتراض عليها لأنها مفهومة ومقبولة من جميع الطوائف والقرى والمناطق خاصة عند القراءة والكتابة بها، أي بهذا المعنى أن اللغة المعتمدة ليست لغة أية طائفة أو قرية أو منطقة بل هي لغة الجميع مهما كانت طائفتهم أو قريتهم أو منطقتهم، أي أن لغتنا القومية هي التي تدرس في المدارس ويتعلم أطفالنا بها المواد العلمية المقررة رسمياً، وهو الهدف الأسمى من أهداف أمتنا والذي تهون وتتلاشى من أمامه كل الحجج والعذر الأخرى التي تعترض طريقه وتصبح غير مقبولة على الإطلاق أمام عظمة ورفعة هذا الهدف النبيل .

هذا من حيث مضمون اللغة، وهو أهم المهمات في هذه المسألة.  أما من حيث الشكل، أي من حيث تسميتها باللغة السريانية فنود أن نقول بهذا الخصوص ما يلي: عندما يتسلح الانسان بوعي قومي وإنساني وحضاري متفتح وناضج ومكتمل ويمارس من خلال هذا الوعي نشاطاته على أرض الواقع، أي التجسيد الواقعي للوعي، يبدأ هذا الإنسان بامتلاك منظور بانورامي واسع وشامل  يستطيع من خلاله النظر إلى كل أجزاء وفواصل وتقسيمات المجتمع كأنها منظومة  متكاملة ومتجانسة وكل جزء يكمل الجزء الأخر بحيث لا يلغيه أو يتناقض معه، وهو حال أبناء شعبنا  في شمال العراق الذين هم في خضم النضال اليومي، خاصة الذين يمتلكون مثل هذا الوعي البنورامي لأمتنا ويجسدونه على الواقع من خلال النشاطات القومية المختلفة، فهم ينظرون إلى بعض التسميات التي يرغب جزء من أبناء شعبنا أن يطلقها على نفسه أو على طائفته أو على لغته هي  كأجزاء متناسقة ومتكاملة بعضها للبعض ولا تتعارض مع الخطوط الرئيسية والقواسم المشتركة التي تجمعهم جميعاً في وحدة واحدة لها خصائص متميزة، خاصة في ما يتعلق بأهم خاصية وهي اللغة. فطالما هناك اتفاق على إننا أبناء شعب واحد، وهذا بتأكيد معظم رؤساء الكنائس والمؤسسات العلمانية، ولنا لغة وعادات وتقاليد وأماني مشتركة، وهذا أهم المهمات، فإن المسائل الأخرى تبقى ثانوية وفرعية، لا بل وطبيعية، في إطار هذا الجمع المشترك، فالمهم في المضمون وليس في الشكل. فليس من المعقول أن نضحي بلغتنا القومية والتي هي أساس وجودنا واستمرارنا من أجل اختلافات في تسمية معينة يرغب البعض أن يسميها كما يشاء، وهي اختلافات بطبيعتها بسيطة بل يتلاشى تأثيرها في حالة امتلاك الوعي القومي الصحيح. كما أنه ليس من المنطق والعقل أن يخسر شعبنا هذه الفرصة الذهبية في تدريس لغتنا القومية من أجل عناد أو إصرار البعض على تسمية معينة دون غيرها وهي الخسارة التي سيتهلل لها المتصيدون في المياه العكرة للمستنقعات الطائفية والتحزبية والتعصبية والذين يجدون في إنماء وتطوير لغتنا القومية ضررا كبيراً لذواتهم النرجسية ولمصالحهم الضيقة والخاصة. لهذا السبب كثيراً ما نرى هؤلاء يتحججون بحجة خطأ هذه التسمية ويثيرون زوبعة في فنجان وهم محتمون خلف السواتر الطائفية والعشائرية والقريوية وحتى القومانية والتحزبية حول فساد هذه التسمية أو عدم دقتها، لا خوفاً على لغتهم القومية والحرص عليها وإنما تهرباً من مسؤوليتهم تجاه قوميتهم وعدم المساهمة في تدريس لغتهم القومية وتطويرها. ومن سخرية الأقدار أن نرى مثل هؤلاء المحتجون كانون بالأمس القريب يضعون مختلف العراقيل والمصاعب في مسير تاسيس المدارس والتعليم السرياني ويفضلون إرسال أولادهم إلى المدارس الكردية بدلا من المدارس السريانية، اليوم نرى البعض من هؤلاء يعرضون عضلاتهم "العنترية" في الساحة القومية ويبارزون أبناء أمتنا النبلاء الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل ولادة هذا الحدث التاريخي لأمتنا، لا بل يتحالفون مع هذه الجهة أو تلك من أجل أمحاء هذا السجل الخالد في تاريخنا القومي.

من هذا المنطلق، وبقدر تعلق الأمر بتسمية هذه اللغة بالسريانية، نقول بدءاً بأن الاعتراض القائم على هذه التسمية على أساس ارتباطها بأسم طائفة معينة من طوائفنا الكنسية هو اعتراض خاطئ تماماً وغير مبرر إطلاقاً، فحاله كحال المجني الذي يربط ويحصر الآشورية بالنسطورية فقط والكلدانية باللاتينية الكاثوليكية او السريانية بالأرثوذكسية فحسب، فإيماننا المطلق، وهو إيمان الجميع تقريباً، بأن السريانية كلمة اغريقية لاتينية منحولة من ( أسريان ) والتي تعني الآشورية أو الآشوريين، فإن أجدادنا منذ القدم وحتى وقت قريب كانوا يستخدمون نفس التسمية للغتهم والتي كانوا يسمونها بالسورث أو بـ "لشانت دسوريايي" أي لغة الآشوريين، وكانت المدارس التي تدرس هذه اللغة فيها تسمى أيضا بـ " مدراست د سورايه "، أي المدارس السريانية أو الآشورية. وحتى في زمان أباء كنيسة المشرق كانوا يستخدمون هذه التسميات ( Syriac ) أو (Syrian  ) وبحرية تامة ومن دون أي قيد أو حساسية لتعني الآشوريين أو الشعب الآشوري أو اللغة الآشورية، وإن كانت قد تلبست بلباس ديني مسيحي والسبب في ذلك هو خضوع شعبنا في معظم مراحل تاريخيه إلى شعوب وحكومات مسلمة أو غير مسيحية كان معيار تحديد هويتها هو الدين وليس القومية.  ومن الملاحظ حتى اليوم كثير من الآشوريين يستخدمون في لغتهم هذه التسميات بحرية وبدون أي قيد أو  حساسية أو اعتراض كأن يقول "لشانت دسوريايه أو دسورايي " او يقولون " لايتكلم السورث " أو يتساؤلون " لماذا لا تتكلم السورث "… وهكذ وعلى نفس المنوال يعطون لهذه التسميات دلالات قومية، ولكن بمجرد ما أن تترجم هذه التسميات  إلى اللغة العربية لتصبح " السريان" او " اللغة السريانية" حتى ينفجر شيطان الطائفية والقومانية والتعصبية فيهم ويقلبون الدنيا ولا يقعدوها على هذه التسمية وعلى من يتبناها كتسمية للغتنا القومية. والغريب العجيب بأن البعض يجعل من "الحبة قبة"، كما يقول المثل، فكلمة السريان، كما قلنا هي كلمة معربة من اللاتينية "أسريان" فلو طبق عليها القواعد العربية نرى بأن حرف (لام) هي شمسية مثل (الشمس) تكتب ولا تلفظ. 

إضافة الى ذلك فأن هناك عدد كبير جداً  من الدراسات الأكاديمية والبحوث العلمية التي تناولت هذه اللغة ومنذ فترة طويلة كلها تستخدم نفس التسمية، وهي التسمية التي قد تصلح لتميزها من حيث مراحلها التاريخية المتطورة عن الآشورية القديمة ( الأكدية _ البابلية)، فالتطور التاريخي لهذه اللغة والذي أضفى عليها أن تسمى بـ "السريانية" لا تنقص إطلاقاً هذه التسمية أي إنقاص من قوميتنا أو يغير شيئاً من مقوماتها القومية، فهناك شعوب كثيرة في العالم تختلف تسمية لغتهم عن تسمية قوميتهم ولا تثير أية تساؤلات أو حساسيات بشأن ذلك، فكيف والحال مع الآشوريين ولغتهم السريانية والتي هي تسمية غير غريبة أبداً عنهم وظل الشعب الآشوري يستخدمها ولقرون طويلة من دون أي اعتراض أو احتجاج. فلو تسلح كل آشوري أو كلداني أو سرياني مهما كانت طائفته أو عشيرته أو قريته، بوعي قومي صحيح ومنفتح متجاوزاً لكل النزعات الطائفية والعشائرية والمصلحية، حينئذ سيرى بأن التسميات الأكدية والبابلية والآشورية والكلدانية والأرامية والسريانية هي كلها مصادر لتسمية شعبنا عبر مراحل تطوره التاريخي الطويل فرضت الظروف على تبني هذا الأسم في هذه المرحلة وذاك الأسم في تلك المرحلة، وهي الحالة التي تعكس عن الغنى الحضاري لشعبنا والذي خلدته عبر أجيال تاريخية طويلة وصعبة جداً. هذه الأسباب هي التي جعلت من هذه التسمية  مناسبة للغتنا في المرحلة الحالية وتتوافق مع ظروف أمتنا الحالية أكثر من توافق التسميات الأخرى لها والتي لو تبنيت في ظروفنا الحالية كتسمية للغتنا القومية للتعليم في المدارس الرسمية  لما حققت النتائج المرجوة منها وشذت رسالة أبناء أمتنا في تعليم لغتهم القومية عن طريقها الصحيح وأقتصر تعليمها فقط على طائفة معينة أو مجموعة محددة التي ترغب هذه التسمية وترفض تلك. لنتصور جدلا لو كانت اللغة سميت بـ "الآشورية"، كم من الكلدان أو السريان قبلوا هذه التسمية وأرسلوا أطفالهم إلى المدارس لتعلم اللغة الآشورية؟؟  والحالة نفسه أيضاً لو سميت اللغة بـ "الكلدانية" لقام بعض الآشوريون بثورة رفض وإحتجاج ومقاطعة ولربما فضلوا أن يرسلوا أطفالهم إلى المدارس الصينية لتعلم الصينية بدلا من تعلم الكلدانية !!!. ولكن واقع الحال ومن عايش هذا الإنجاز العظيم وهو يتجسد على الواقع لشاهد بأم عينيه بأن التسمية السريانية لم تمنع أطفال أبناء شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين من الجلوس جنباً إلى جنب لتعلم لغتهم القومية.  من هذه المنطلقات نعتقد بأن التسمية السريانية للغتنا في المرحلة الحالية وإستخدامها في التعليم الرسمي، هي أكثر علمية وواقعية وتراثية ومتطابقة مع ظروف وجودنا القومي المعايش من غيرها من التسميات الاخرى، ولا  نجد في استخدامها أي اعتراض أو إعاقة في مواصلة التعليم بها حتى أرقى المراحل.

أمل أن نلتقي على الرف الخامس من أرشيفنا للمدارس القومية الآشورية في الأيام القليلة القادمة.

STAY SAFE MY FRIENDS




64
من أرشيف المدارس الآشورية القومية في العراق- 3
--------------------------------
التعليم السرياني في شمال العراق - حقائق وأرقام
 ================================
أبرم شبيرا
كلمة لابد منها:
---------
أولا: عندما أنسحبت قوات نظام البعث العراقي من منطقة شمال خط العرض 36 ومن ثم خضوعها للحماية الدولية، قمت بزيارات عديدة للمنطقة بدافع الالتصاق برتبة الوطن والتواصل مع أبناء أمتنا هناك ومعايشة التطورات المهمة والمثيرة للإنتباه والترقب ومعايشتها بشكل مباشر وتحديدا على المستويين، الأول: سياسي والمتمثل في نشاطات وإنجازات الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) على المستوىين الشعبي والرسمي ومشاركتها في برلمان الإقليم في ضوء الهامش الديموقراطي الذي توفر في المنطقة. والثاني: ثقافي تعليمي والمتمثل في تأسيس المدراس السريانية والبدء بالتدريس فيها والمساهمات الكبيرة التي أقدمت عليها الجمعية الخيرية الآشورية والمركز الثقافي الآشوري في دهوك على هذا المستوى.   
ثانيا:  كان من نتائج هذه الزيارات على المستوى السياسي، كتابات كثيراً  كتبناها في فترات سابقة عن زوعا وإنجازاتها وظروفها  والتحديات التي واجهتها وإخفاقاتها وغيرها من المسائل الفكرية والتنظيمية، ولا ضرورة لأعادتها في هذه السطور. أما على المستوى التعليمي والثقافي فكان يتمثل في الزيارات العديدة للمدارس السريانية ومعاينة التدريس فيها والدخول في مناقشات مع طلابها وأساتذتها، والأهم من هذا وذاك هي الأقسام الداخلية للطلاب والطالبات التي وفرتها الجمعية الخيرية الآشورية، الأول من نوعها في تاريخنا المعاصر، ويسجل للجمعية سابقة تاريخية في هذا السياق. كل هذا أثر بشكل مباشر وفاعل في وجداني وفكري، فما كان منُي إلا أن أعود إلى خيمتي في المهجر وأكتب كتاب بشكل كراس أو كتيب عن هذه المدارس وتحت عنوان (التعليم السرياني في شمال العراق – حقائق وأرقام). وهذا العمل لم يكن ممكنا إطلاقاً لولا المساعدة والدعم الكبير الذي تلقيته وقتذاك من الأصدقاء الأعزاء منهم الأستاذ نزار حنا  مدير التعليم السرياني في وزارة التربية ( أربيل ) والأستاذ أكد موشي مراد المشرف التربوي للتعليم السرياني في أربيل والأستاذ داود هيدو المشرف التربوي للتعليم السرياني في دهوك والأستاذ يونان هوزايا، رحمه الله، والأستاذ الشماس أندريوس يوخنا كلاهما أعضاء بارزين في لجنة الترجمة وتأليف المناهج في مديرية التعليم السرياني الذين قاموا مع غيرهم من المختصين بتوفير المعلومات والأرقام عن الموضوع. وللرفيق العزيز يوسف شكوانا أعيد وأقول له ألف شكر على الجهود الكبيرة التي بذلتها في إخراج هذا الكتاب إلى النور وقامت (دار سورث للطباعة والنشر) في سان ديكو – كالفورنيا بطبعه عام 2001 وتوزيعه مجاناً على المعنيين بالموضوع، فلها أكرر شكري وتقديري الكبيرين بعد ما يقارب عقدين من الزمن.
ثالثا: الهدف من هذا الكتاب كان من أجل أعداد دراسة موثقة بحقائق وأرقام عن التعليم السرياني في شمال العراق خاصة  بعد فترة مخاض ولادة مدرسة نصيبين المتوسطة في دهوك عام  199، والتي ستكون موضوع أرشيفنا في الأيام القليلة القادمة، لتكون هذه الدراسة منهلاً مبيناً لأبناء شعبنا، خاصة في بلدان المهجر. وكما ذكرت، كان الكتاب على شكل كراس أو كتيب متكون من 64 صفحة من الحجم الكبير محتوياً أيضا لنماذج أجوبة متفوقة وبدرجة كاملة للطلاب وباللغة السريانية لإمتحانات المواد العلمية والأدبية المقررة. وهنا ملاحظة يستوجب ذكرها حيث تجنباً لسوء فهم البعض من أنني أحشر "أنفي" في بعض المسائل التي ليست من ضمن خلفيتي الأكاديمية، فقد أرتئينا أن ينشر الكتاب تحت أسم "أصدقاء التعليم السرياني – 2000". ولوضع صورة أكثر وضوحاً للقارئ الكريم عن هذا الإنجاز العظيم لأبناء أمتنا ندرج في أدناه فهرس الكتاب للمواضيع التي أحتواها والمتكونة من 15 قسماً، وهي: 
كلمة لابد منها/ أهمية تعلم لغة الأم عند الآشوريين - الطموح والواقع/ تجارب تدريس لغة الآشوريين/ أسباب فشل التجارب السابقة/بداية تجربة جديدة في التعليم بلغة الأم/ لماذا التسمية السريانية للغتنا القومية/ طموح يتحقق: التطبيق العملي لقرار التعليم السرياني/ أنواع وعدد وطلاب المدارس السريانية/ مناهج التعليم السرياني/ مدرسة نصيبين المتوسطة: تواصل التعليم السرياني نحو مراحل متقدمة/ الأقسام الداخلية لمدرسة نصيبين/ تحديات وصعوبات/ تقيم التعليم السرياني/ ما هو المستقبل ؟/ خاتمة واستنتاج.


صورة لغلاف الكتاب
----------------------------
رابعاً: كلمة أخرى لابد منها في أزالة سوء فهم بعض القراء هو الأمر الذي سنلاحظه من ألفاظ وتسميات شعبنا ولغته القومية. حيث سبق في القسمين الأول والثاني من أرشيف المدارس القومية الآشورية كثرة الحديث أو إقتصاره على "الآشورية أوالآثورية" و"الآشوريين أو الأثوريين". وحتى لا نجني على الحقيقة كان الحديث عن المدارس الاشورية بتسميتهم الرسمية وعن القائمين على إدارة هذه المدارس وليس غير ذلك. أما في هذا القسم الثالث من أرشيف المدارس القومية الآشورية، نرى بأن الحديث أو الموضوع هو عن التعليم السرياني واللغة السريانية. ومرد هذا الإختلاف الشكلي بين "الآشورية" و"السريانية" جاء أولا: من أستمرار نفس صيغة أو منوال أرشيف المدارس القومية الآشورية. وثانيا: الإلتصاق بالواقع الفعلي والرسمي لهذه المدارس التي تسمى بالسريانية والتعليم السرياني، لهذا لم يكن بالإطلاق تجاوز الواقع كما هو وفرض رأينا على هذه التسمية أو تلك طالما هي جزء ومكون أساسي لوجودنا القومي في أرض الوطن. وهذا ماسيلاحظه القارئ في الأقسام القادمة من هذا الكتاب. وهنا في هذه السطور وسعياً للفائدة ندرج ثلاثة أقسام من الكتاب التي كانت مدخلا لبقية الأقسام في التعليم السرياني والمدارس السريانية في شمال العراق على أمل أن ننشر بقية الأقسام في مناسبة لاحقة.
أهمية تعلم اللغة القومية عند الآشوريين بين الطموح والواقع :
----------------------------------------
قيل كثيراً عن أهمية اللغة كإحدى  الركائز الأساسية والمهمة في وجود كل أمة من الأمم بحيث اعتبرها البعض من المفكرين كالروح بالنسبة للأمة، فبموتها تموت الأمة أيضاً. واللغة بهذه الأهمية والخطورة في الوجود القومي واضحة وملموسة في اهتمامات الآشوريين وفي أفكارهم وفي أهداف جميع مؤسساتهم الاجتماعية والثقافية والدينية وحتى في أهداف ووسائل أحزابهم السياسية ومنظماتهم القومية، بحيث لا تخلوا صحيفة أو نشرة آشورية من التأكيد على الأهمية الحاسمة لدور اللغة في الحفاظ على كيانهم القومي. لا بل، لا ينتهي حديث بين أثنين أو أكثر من الآشوريين في مناسباتهم العامة أو الخاصة عن القومية إلا ويؤكدون على أهمية اللغة في وجودهم القومي وضرورة صيانتها والمحافظة عليها من الضياع وذلك عن طريق تدريسها لأطفالهم وتعليم القراءة والكتابة بها. وعلى العموم فإن هذه التأكيدات المشددة على أهمية اللغة هي بحد ذاتها  ظاهرة إيجابية مهمة في المجتمع الآشوري تنم عن حرص أبنائه وقلقهم على مستقبل أمتهم، وهي مسألة لا يختلف عليها اثنان ولا يستوجبها التفصيل المطول. على أن الذي يهمنا في هذه المسألة هو التساؤل القائم على مدى إمكانية الآشوريين من ترجمة هذا الاهتمام والحرص والقلق على مستقبل لغتهم القومية إلى واقع ملموس وحقيقي وفعلي يساهم  في تحقيق ما يأملون من هذا الاهتمام ويزيل قلقهم من فقدان لغتهم.
الواقع المأساوي الذي فرض على الآشوريين وبمختلف تسمايتهم، خاصة منذ الحرب العالمية الأولى، يؤكد لنا بأن هناك بوناً شاسعاً بين ما يغلي في قلوب الآشوريين من اهتمام وقلق تجاه لغتهم وبين الواقع المعايش في تعليم هذه اللغة وتعزيزها وتطويرها والحفاظ عليها كخاصية مهمة من خصائص وجودهم القومي. أي أن هناك فرقاً كبيراً بين الطموح والأماني في الحفاظ على هذه اللغة وبين الواقع والتطبيق في تعليمها. فهذا البون أو الفرق هو نتيجة حتمية لهذا الواقع المأساوي من تشرد وعدم الاستقرار والمظالم والمذابح التي فرضت على الآشوريين والتي حالت إلى تجريدهم من فرص تحقيق طموحاتهم وأمانيهم في حماية وصيانة لغتهم القومية عن طريق تدريسها لأطفالهم أو تأسيس مدارس خاصة بها تقوم بمهمة التعليم وبطرق علمية وحديثة متوافقة مع التطورات المستجدة التي يشهدها قطاع التعليم والتربية، وهي الحالة التي سببت عجز الآشوريين عن ترجمة طموحاتهم وأمانيهم في تدريس اللغة الى أطفالهم الى وقائع ملموسة ومثمرة. ولكن مع  هذا الواقع المأساوي وفقر الإمكانيات  كان الآشوريون، ومن جانب الحرص والخوف على ضياع لغتهم القومية، كانوا قد تمكنوا في فترات معينة من القيام بعض التجارب في تدريس لغتهم القومية والتي أدت واجبها بأكمل صورها في سياقها الزمني والمكاني في مقارنة مع ضعف الإمكانيات وبؤس الظروف السياسية والفكرية المحيطة بهم.

تجارب تدريس لغة الآشوريين :
------------------
مما لا شك فيه أن كنيسة المشرق بكل تفراعاتها لعبت دوراً كبيراً في تعليم اللغة الآشورية أو السريانية لأبناء رعيتها وساهم هذا الدور في تعزيز مكانة هذه اللغة بين الأجيال، حيث كانت الكنيسة والمعاهد أو المؤسسات أو الجامعات التابعة لها، وعلى الدوام ومنذ القدم مراكز لتعليم اللغة وما يتعلق بها من تاريخ وتراث. فكانت جامعات مثل نصيبين وأورهي وغيرهما مضرباً للأمثال في هذا السياق. غير أن الذي يهمنا هو مدارس العصر الحديث، خاصة عصر ما بعد الحرب العالمية الأولى. إذ على الرغم من استمرار المعاهد الدينية التابعة لطوائف كنيسة المشرق، خاصة الكلدانية والسريانية والمشرقية "النسطورية" في تدريس اللغة الآشورية/السريانية للنخبة الإكليريكية في العراق كلغة طقسية أو دينية، فأن هذه الفترة خلت تقريباً من المدارس التي تعني بتعليمها للعلمانيين أو تدريسها كلغة قومية خاصة بهم لحين تأسيس مدرسة القس يوسف قليتا، الخالد الذكر، في الموصل في بداية العشرينيات والتي تعد الأولى من نوعها في العراق من حيث تدريس اللغة كلغة قومية للعلمانيين، والتي لعبت دوراً كبيرا في هذا المجال حيث ساهمت مساهمة كبيرة في تخريج الكثير من الطلاب بما فيهم أدباء وشعراء وكتاب، رغم أنها كانت تدرس "السورث" بفرعيها الكلاسيكي والحديث، كلغة فقط الى جانب اللغات الأخرى كالإنكليزية والتي استفاد منها الكثيرون خاصة عندما اقتحموا الحياة العملية في الفترات اللاحقة كما أفادوا هم بدورهم أيضاً أجيال أخرى، ولا نغالي في القول بأنه كان معظم الكتاب والشعراء والأدباء المعاصرين، خاصة من أتباع كنيسة المشرق الآشورية، هم إما من الجيل الأول لتلاميذ القس يوسف قليتا أو من الجيل الثاني الذي تعلم على يد هؤلاء في المدارس الأهلية الخاصة أو في الكنائس أو العائلة نفسها. إضافة إلى ذلك ساهمت المطبعة التابعة للمدرسة، والتي جلبت أحرفها من الهند، في طبع الكثير من الكتب المدرسية والكنسية والتاريخية والتي كانت فاتحة ثقافية تراثية جديد بعد أن دمر الحرب كل المعالم الثقافية والتراثية السابقة من كتب ومخطوطات وغيرها. وهكذا تبع هذه التجربة  تجربة  أخرى تمثلت في  المدرسة الآثورية (قاشا خندو ) في بغداد المدرسة الآثورية في كركوك واللتان تم الحديث عنهما في القسمين الأول والثاني من أرشيف المدارس القومية الآشورية. وهنا يجب أن لا ننسى المدرسة الآثورية في الحبانية والتي عرفت بمدرسة (رابي ياقو) ولكن بسبب قلة المعلومات والمراجع عنها لم يتسنى لنا الحديث عنها. كانت هذه المدارس نماذج رائعة وفريدة في وقتها فحققت نتائج كبيرة ومثمرة ليس من حيث تدريس اللغة الآشورية فحسب أو بقية المناهج الرسمية المقررة وباللغة العربية، وإنما أيضا في إنماء الروح القومية والاعتزاز بلغة وتراث الأمة التي بثتها هذه المدارس في نفوس طلابها ومن ثم أنجبت الكثير من شعراء وأدباء وكتاب عصر هذا اليوم. غير أن قوة الواقع المأساوي وصعوبة الظروف السياسية على تقبل التعددية الثقافية والقومية في العراق، خاصة بعد إستلاء حزب البعث العراقي للسلطة عام 1968 وأستمرار فرض الظروف الاستبدادية و سطوتها على هذه الجهود النبيلة في تعليم لغة الأم أدت في النهاية إلى القضاء على هذه المدارس إما بتأميمها أو بغلقها نهائيا.
وإذا كان فحوى هذا الموضوع يخص تدريس اللغة السريانية كلغة قومية وتحديداً في العراق، فإن هذا لا يعفينا للإشارة إلى المدارس التابعة للكنيسة السريانية الآرثوذكسية والجمعيات التابعة لها في لبنان والشام وفلسطنين والتي كانت تدرس السريانية كمادة ضمن المناهج التدريسية، إلا أنه مع هذا فإن هذه المدارس لم تساهم من خلال تدرسها لهذه اللغة مساهمة كبيرة وفاعلة في ترسيخ مقومات الوجود القومي وبعث الوعي بأهميتها في الحفاظ على هذا الوجود، بل كانت أكثرها ضمن نطاق الكنيسة والأكليريين، كما يستوجب هنا الإشارة إلى بعض اللجان الكنسية التابعة لكنيسة المشرق الآشورية في تدريس اللغة الآشورية وإنماء الوعي القومي بين طلابها. وهنا يجب أن لا نغفل أيضا دور النادي الثقافي الآشوري في تدريس اللغة الآشورية وإنمائها وتطويرها سواء من خلال الدورات التدريسية لللغة أو البحوث والحلقات الدراسية التي قام بها النادي. وفي عام 1972 أصدر النظام العراقي قرار مجلس قيادة الثورة رقم 251 في 16/4/1972 القاضي بمنح الحقوق الثقافية للـ "ناطقين بالسريانية" من ( الأثوريين والكلدان والسريان)، فبالرغم من سلبية كلمة "ناطقين بالسريانية "، والتي هي من مخترعات الإستعمار الفرنسي عندما فرض الفرنسية على اللغة البدائية لشعوب مستعمراتها وأصبحت الفرنسية لغتهم الرسمية فأطلقوا عليهم بالناطقين بالفرنسية أو الدول الناطقة بالفرنسية (Francophone) وهو مصطلح يعطي مفهوماً يقوم على أساس إنكار أو تجريد الناطقين بهذه اللغة من أساسهم القومي والحضاري. غير أن مع هذا، فأن بنود فقرات هذا القرار احتوت على بعض المضامين المفيدة والمهمة للآشوريين في تلك المرحلة ولجميع طوائفهم التي شملها القرار، خاصة في ما يتعلق بتدريس لغتهم القومية. فقد نص القرار على اعتبار اللغة السريانية لغة تعليم في كافة المدارس الابتدائية التي غالبية تلاميذها من الناطقين بهذه اللغة كما نص أيضا على تدريسها كلغة في المدارس المتوسطة والثانوية التي غالبية تلاميذها من الناطقين بها وتدريسها أيضاً في كلية الآداب بجامعة بغداد كإحدى اللغات القديمة. هذا، ناهيك عن ما نص القرار من تأسيس المؤسسات وإصدار المجلات للإهتمام  بشؤون اللغة والثقافة والأدب والفن، وهي في الحقيقة نصوص قانونية ممتازة كانت من الممكن أن تحقق فائدتها للآشوريين عند تطبيقها لو لم يكن من وراء إصدار النظام العراقي لهذا القرار أغراض سياسية تكتيكية سعى من خلالها إلى تحقيق أهدافه السياسية الخاصة تجاه الآشوريين أكثر مما كان يهمه تحقيق القرار نفسه .
غير أنه كما يقول المثل (النمر لا يستطيع أن يغير رقطه ) هكذا أيضا مع النظام العراقي حيث لم يكن بمقدوره استبدال سياسته الاستبدادية تجاه القوميات الصغيرة بشكل عام وتجاه الآشوريين بشكل خاص، فالأهداف السياسية للنظام العراقي من وراء إصدار هذا القرار أجهضت مسألة خروجه إلى الواقع التطبيقي الفعلي وبالشكل الذي كان منصوصاً عليه والذي كان من الممكن للآشوريين، رغم سلبياته، أن يحققوا جزء من طموحاتهم في تلك الفترة فيما يخص تدريس اللغة. لذلك فأن فقرات القرار الخاصة باعتبار السريانية لغة تعليم في المدارس الابتدائية وتدريسها في كلية الأداب بقيت حبراً على ورق ولم ترى التطبيق على الواقع. أما بخصوص مضمون فقرة تدريس السريانية كلغة في المدارس المتوسطة والثانوية فهو الأخر لم يطبق بل أقتصر فقط على المرحلة الابتدائية  وبشكل لم يساهم إطلاقاً في تطوير هذه اللغة أو تعميم تعليمها للطلاب بشكل جدي وحقيقي. إذ ما أن بدأت بدايته العرجاء والمتعثرة حتى ظهرت الصعاب والعوائق في طريق تطبيق المنهج الذي أعد لتدريس السريانية كمادة لغوية في المدارس التي أكثريتها من أبناء هذه اللغة بحيث أصبح بحكم المشلول أو العقيم في أحس الأحوال. ففي عام 1980 توقف العمل بهذا القرار في ما يخص تدريس اللغة السريانية في محافظة دهوك وكان كل ما بقى منه في نهاية المطاف هو حصة أو حصتين في بعض المدارس في عنكاوة وشقلاوة، والتي كانت تفتقر افتقاراً كلياً إلى اهتمام الطلبة خاصة عندما لم تحتسب كمادة تعليمية مقررة ومطلوبة في الامتحانات النهائية. لهذا السبب حتى هذه الحصص البسيطة التي اقتصرت على المرحلة الابتدائية فقط أصبحت بمثابة "قضاء وقت" بالنسبة للطلاب وبالتالي لم تثمر بثمار مفيدة تساعدهم على إتقانها قراءةً وكتابةً، بل أصبحت أداة دعائية أستخدمها النظام العراقي وبعض الشخصيات الدائرة في فلكه في التمشدق بالحقوق الثقافية التي كانت "تمتع" بها الأقليات المسيحية في العراق من أجل تحسين سمعة سجله الأسود في انتهاكات حقوق الإنسان أمام المنظمات الدولية المعنية بالأمر. أما في المناطق الأخرى التي يتواجد فيها نسبة معقولة من الناطقين بهذه اللغة كبغداد وكركوك والموصل فأن الوضع في المدارس التي قرر شمولها بتدريس اللغة السريانية فيها لم يكن على الإطلاق بأحسن مما كان عليه في المناطق الشمالية فلم يتحقق فيها غير تغيير أسم مدرسة أو مدرستين. أما من حيث تدريس اللغة فلم يلمس منها شيء يذكر غير النهاية المحتومة والمرسومة لها في سياسات النظام في إفشال التجربة ومن ثم إرجاع السبب إلى تشرذم الطوائف الآشورية وعدم اتفاقهم على مناهج موحدة أو إلى افتقارهم إلى الحماس والهمة في تدريس لغتهم. وأستمر الحال هكذا في هذه المدارس حتى عام 1991 عندما سحب النظام العراقي قواته من منطقة شمال خط العرض 36 وخضوعها إلى الحماية الدولية والتي كانت فاتحة لتجربة جديدة في تدريس اللغة السريانية، والتي سنأتي على ذكرها في القسم القادم من هذا الموضوع.

أسباب فشل التجارب السابقة:
-------------------------
مما لا شك فيه هنا عوامل عديدة ومختلفة من تقنية وتربوية وعلمية واقتصادية وسياسية وغيرها تلعب دورها في إفشال أية تجربة في تدريس اللغة القومية لشعب من شعوب العالم، وهي حالة عامة وشاملة خاصة بالنسبة للقوميات الصغيرة والخاضعة لهيمنة القوميات الكبيرة، إلا أن هذه العوامل ما هي إلا متغيرات تخضع بالأساس إلى عاملين مهمين يشكلان المضمار الذي من خلاله تتم معالجة هذه العوامل المختلفة أو التخفيف من حدتها، ويمكن تحديدهما بما يلي :
1-   الافتقار إلى الأجواء الديمقراطية: المقصود بالديمقراطية هنا ليس كأسلوب للحكم فحسب وإنما أيضا كمنهج اجتماعي وإطار فكري يسمح من خلاله للأقليات بالتعبير عن تطلعاتهم وطموحاتهم القومية من دون خوف أو إرهاب السلطة أو قمع الأكثرية. والتدريس باللغة القومية للأقليات يعتبر شكل، لا بل الشكل المهم والأساسي، للتطبيق العملي والصادق لهذا التعبير من الديموقراطية. فالافتقار إلى مثل هذه الأجواء يعني ببساطة عدم الإقرار أو الإيمان بالتعددية الفكرية والثقافية وبالتالي يعني الاستبداد في الفكر وحرية التعبير، وهي الحالة التي اكتنفت معظم تطلعات الآشوريين في العراق بما فيها تطلعهم نحو تدريس لغتهم القومية. فالتجارب السابقة في تدريس اللغة، كلغة قومية في مدارس معينة،  وليس كلغة طقسية أو كنسية أو خاصة بنخبة معينة أو اقتصار تدريسها في الكنائس في أيام العطل، وإن لعبت عوامل الأخرى دورها في تعثرها وعدم تطورها بالشكل المطلوب، إلا أن العامل المحك في القضاء عليها  كان العامل السياسي المرتبط بعقلية النخبة الحاكمة في فهم وتقدير  حقوق الآشوريين المشروعة في العراق. ففي ظل غياب الحقوق السياسية والحد الأدنى من الديمقراطية تصبح الحقوق الأخرى بما فيها الحقوق الثقافية وحق تدريس لغة الأم، مجرد كلام فارغ وهباء ذلك لأن مثل هذه الحقوق لا يمكن أن تقوم لها قيامة ولا أن تدوم مع دوام الحرمان السياسي وإلا أصبحت أداة للاستغلال، كما كان الحال مع النظام العراقي في ما يخص إصداره لقرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية في عام 1972.
2-    فقدان الإرادة القومية الموحدة : لو حاولنا التدقيق في الواقع المأساوي الذي حال دون ترجمة اهتمام الآشوريين وقلقهم على لغتهم القومية الى أعمال واقعية وفعلية نرى بأن ذلك لم يكن وليد السياسات الاستبدادية والمظالم التي فرضت عليهم فحسب وإنما كان أيضاً بسبب ضعف أو فقدان الإرادة القومية الموحدة لهم والتي ساهمت هي الأخرى في عجزهم عن  تدريس اللغة السريانية كلغة قومية لهم. والإرادة القومية الموحدة بالنسبة للآشوريين مهمة جداً مثل أهميتها لبقية القوميات والشعوب الأخرى، بل أهميتها تزداد عندهم أكثر بكثير لا سيما وأن هناك جملة عوامل طائفية وعشائرية ومصلحية تقف بالضد والتناقض مع وحدة إرادتهم القومية، لا بل وتقف أيضا حتى ضد وحدة لغتهم القومية وضد تسميتها المناسبة والصحيحة. فضعف الإرادة القومية أو انعدام وحدتها ينعكس بشكل مباشر في ضعف أو انعدام الحماس والهمة والتصميم على تعزيز المقومات القومية المشتركة، بما فيها اللغة. والإرادة القومية  مهما امتلكت من حس شعبي ووعي تراكمي ونهوض جماهيري فأنها تعجز عن، أو تخفق في، تحقيق وحدتها أو تجسيدها في أفعال قابلة للتطبيق في الواقع العملي ما لم تمتلك هذه الإرادة وسائل أو أداة  تنظيمية تتمثل سواء في أحزاب سياسية أو منظمات قومية أو مؤسسات ثقافية تمتلك حد أدنى من الحرية والديمقراطية لكي تستطيع أن تعبر عن الوعي الجمعي الموحد وبشكل مكثف وتجسد الحس أو الوعي على الواقع العملي وعبر ممارسات فعلية. لا بل وفي حالة قدرة ممثل الإرادة القومية الموحدة، أي حزب سياسي أو منظمة قومية، على التفاعل مع  الهامش الديمقراطي المتاح والقوى السياسية الفاعلة فيه قد تمكنه من الوصول إلى مواقع قريبة ومؤثرة في  عملية صنع القرار السياسي المعني بشؤون الأمة بما فيها مصادر القرارات الخاصة بعملية تدريس لغتها القومية. فبعد عام 1972 عندما جلس الآشوريون، وبمختلف تسمايتهم التي أشار إليهم القرار اعلاه، ممثلين برجال الكنائس والطوائف وببعض المثقفين والمختصين بشؤون اللغة والثقافة للتحاور في سبل تطبيق بنود القرار، نشأت عقبات كثيرة في طريقهم، وبالأخص العقبة الطائفية وتعدد اللهجات، كنتيجة منطقية لافتقارهم إلى الإرادة القومية الموحدة والوسيلة التنظيمية المعبرة عنها والقابلة على التفاعل والتأثير على صانع القرار السياسي بما يخدم مصلحة الآشوريين، فجاءت الفرصة التي كان ينتظرها النظام العراقي ومؤسساته المعنية بالموضوع فقاموا، بدل من حل هذه العقبة والتخفيف من حساسيتها، قاموا بتضخيمها وإبرازها كمعضلة غير قابلة للحل والتسوية فأدى كل ذلك إلى خروج بنتائج هزيلة غير موفقة فيما يخص منهاج  تدريس اللغة السريانية ومن ثم فرضت عليهم فرضاً من أجل الوصول إلى الشكل المرسوم والمخطط لها وإلقاء تبعات الفشل أو ضعف تطبيقه على الآشوريين وإظهارهم كطوائف ضعيفة ومتباينة لا يجمعهم جامع، لا بل وعاجزين على ممارسة حقوقهم الثقافية وتدريس لغتهم رغم "كرم" النظام في منحهم لهذه الحقوق.
نكتفي بهذه الصفحات هنا والتي ستتبعها صفحات أخرى عن جوهر الموضوع في التعليم السرياني في شمال العراق.

STAY SAFE MY FRIENDS


65
من أرشيف المدارس القومية الآشورية في العراق - 2
------------------------------

المدرسة الآثورية الأهلية في كركوك
====================
مختصر في مناطق تجمع الآشوريين في العراق:
-----------------------------
من أحدى العوامل الأساسية لنشوء أية حركة قومية بكل جوانبها السياسية والثقافية والإجتماعية والحفاظ على كيانها القومي، خاصة بالنسبة للأقليات القومية التي تعيش وتتوطن مع القوميات الكبيرة والمهيمنة، هو العامل الديموغرافي المتمثل في عدد نفوس الأقلية وتركزها الجغرافي. وقد كان بعض قادة الحركة القومية الآشورية يدركون هذه الحقيقة، منهم المثلث الرحمات مار إيشاي شمعون البطريرك الأسبق لكنيسة المشرق الآشورية. فبعد تهجير العثمانيين للآشوريين المنتميين لكنيسته من أقصى شمال بلاد بيت نهرين إلى المناطق التي أصبحت جزء من دولة العراق التي خلقها البريطانيون عام 1920، عملت الحكومة العراقية وبإستشارة الخبير البريطاني في الإسكان السيء الصيت الميجر طومسون على إسكانهم في مناطق متفرقة ومقفرة بين القرى الكوردية والتي كانت بعضها مبوءة بالأمراض المعدية، كالملاريا، كسياسة لتشتيتهم والحيلولة دون تركزهم في منطقة واحدة تشجعهم على القيام بحركة سياسية. بالمقابل عمل وناضل وضحى البطريرك مار شمعون الكثير وطالب بإسكان الآشوريين المهجرين في منطقة واحدة متجانسة في شمال بيت نهرين لتكون ضمانة لحماية وجودهم القومي والذي راح ضحية هذا المبدأ الأساسي في الوجود بحدود ثلاثة ألاف شهيد في مذبحة سميل عام 1933 والمعروفة للقراء كحقلة مأساوية من حلقات نضال الآشوريين.

على العموم، بعد سنوات من الإستقرار النسبي تركز وجود الآشوريين في بعض المدن والمناطق العراقية مثل الحبانية وكركوك وبغداد والموصل. وهنا تجدر الإشارة والتوثيق بأن عشيرة جيلو كانت أول مجموعة آشورية تستقر في منطقة واحدة في بغداد والتي عرفت بـ "كمبت د جلوايه" أي مخيم سكن بني جيلو، وهي بالأساس كانت منطقة سكنية مخصصة للعاملين في مصلحة السكك الحديدية العراقية في منطقة الكرادة في بغداد. حيث لم يجاوروا أبناء عشيرة جيلو بقية العشائر الآشورية في السكن في المنطقة الشمالية لذلك نرى بأنه ليس لهم قرى في هذه المنطقة، بل أكثرهم عملوا في السكك الحديدية العراقية وسكنوا في هذا المجمع الذي كان مفعماً بالنشاطات الإجتماعية والثقافية والرياضية. ويظهر بأنه كنتُ محضوظاً بعض الشيء عندما عثرت في الرفوف القديمة للمكتبة الوطنية في بغداد، وأنا أبحث عن مراجع لأطروحتي الجامعية، على وثيقة قديمة من وثائق "السراي"، أي المقر الحكومي في العشرينيات من القرن الماضي، تذكر بأن "النادي الآثوري" الذي تأسس عام 1920 مع بداية بناء مجمع سكن السكك الحديدية، هو أول نادي إجتماعي مختلط في العراق يرتاده رجالاً ونساءاً.

وفي الحبانية، حيث كان مقر القوات الجوية الملكية البريطانية، خصص للآشوريين العاملين مع هذه القوات مجمع سكني كبير كان مركزاً فاعلاً للكثير من النشاطات الرياضية والإجتماعية والسياسية للآشوريين ومنها ظهر اللاعب المعروف وشيخ المدربين عمو بابا (رحمه الله) وغيره من اللاعبين في كرة القدم الذين كانوا يشكلون عناصر أساسية في المنتخب العراقي لكرة القدم. ولا ننسى هنا ويجب ان نذكر التنظيم القومي الآشوري الذي عرف بـ "خيت خيت ألف" الذي تأسس في الحبانية، وقد سبق وأن كتبنا عنه بأعتباره أول تنظيم قومي سياسي آشوري في العراق. وبعد تسريح الكثير من منتسبي العاملين مع القوات البريطانية، أنتقلوا إلى ضاحية الدورة في بغداد وسكنوا في المنطقة التي عرفت بــ "حي الآثوريين" وفيه تأسس النادي الإجتماعي الأثوري الذي كان زاخرا بالنشاطات الإجتماعية والثقافية وحتى السياسية. وفي بغداد بعد غلق معسكر هنيدي، والذي عرف فيما بعد بمعسكر الرشيد، أنتقل الآشوريون منه إلى مجمع سكني في وسط بغداد وعرف بـ "كمب الكيلاني" والذي سبق الإشارة إليه وإلى المدرسة الآثورية الإنجيلية وإلى التنظيم السياسي الآشوري الذي أعتقلت السلطات العراقية مؤسسيها في المقال السابق. وفي منطقة تجمع الآشوريين في حي "تل محمد" والذي عرف أيضا بـ "منطقة كراج أمانة" تأسس النادي الرياضي الآثوري الذي كان من أشهر الأندية الرياضية في العراق وخاصة فريقه في كرة القدم الذي كان يشمل لاعبين مشهورين أمثال عمو بابا وأديسون ويورا وعمو سمسم وهرمز كبريل وشدراك يوسف وشقيقه عمو يوسف وغيرهم بالعشرات. وللنادي الثقافي الآثوري في منطقة السعدون القريب من كمب الكيلاني سجل حافل في مسيرته للتحديات والإنجازات التي واجهها وحققها في المجلات المختلفة، قصة طويلة سنأتي عليها في مناسبة أخرى. وللسهول والتفصيل يمكن الرجوع إلى كتابي المعنون "النادي الثقافي الآشوري، مسيرة تحديات وإنجازات – 1970 – 1980". أذكر بعض من هذه المؤسسات والأنشطة للتأكيد بأن للتركز الديموغرافي في منطقة واحد يساعد كثيرا لا بل يشكل ركن أساسي في تعزيز الوجود القومي الآشوري، وكذلك أذكره كتمهيد للولوج  في موضوع وجود الآشوريين في مدينة كركوك والمدرسة التي أسسوها هناك.

الآشوريون في كركوك والمدرسة الآثورية الأهلية:
==============================
أنتقل الآشوريون إلى مدينة كركوك في بداية القرن الماضي سواء بشكل مباشر من حيكاري وأورميا عقب تهجيرهم من قبل العثمانيين أثناء مذابح سيفو أو من مخيمات أسكان المهجرين في بعقوبة ومندن أو حتى من الحبانية. والسبب الرئيسي لهذا الجذب للمدينة يرجع إلى توفر فرص عمل كثيرة في شركة نفط العراق المعروفة بـ "I.P.C" خاصة بعد إكتشاف النفط بشكل تجاري، حيث عمل معظم الساكنين في كركوك في هذه الشركة سواء كموظفين أو فنيين أو عمال وأستقروا في أحياء كانت بالكامل آشورية أو شبه آشورية، كمنطقة عرفة والتي عرفت بـ كركوك الجديدة" أو نيو كركوك (New Kirkuk)، ومنطقة ألماس وغيرهما. وكما فعل أبناء عشيرة جيلو في بغداد عملوا نفس الشيء في كركوك حيث سكنوا في منطقة عرفت بأسمهم "محلت د جلوايه"، أي محلة بني عشيرة جيلو". وأنا طفل أتذكر شخصيات مرمومة من أصحاب والدي في هذه المنطقة مثل (يوبي) الصياد المشهور وشقيقه (جونا) حيث كانوا متميزن بأطوالهم وضخامة أجسامهم، رحمة الله جميعهم. 

شكلت مدينة كركوك المحور الثالث مع الحبانية وبغداد للنشاطات القومية والسياسية للآشوريين، ولا نظلم الحقيقة بل نؤكدها في القول بأن عدد من مؤسسي الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) كانوا من كركوك، وهي المدينة التي قدمت ثلاث شهداء خلدهم التاريخ وهم يوسف توما و يوبرت بنيامين ويوخنا إيشو. قبل أن أباشر بكتابة بعض السطور عن المدرسة الآثورية الأهلية في كركوك أود أن أنحني أحتراماً وتقديرا للجهود الكبيرة التي يقوم بها أداريو الموقع الألكتروني لـ  "اشوريو كركوك" – Assyrian of Kirkuk والمشاركين فيه والمساندين له للجهود الكبيرة في جعل هذا الموقع موضوع إهتمام للذين عاشوا في هذه المدينة وكذلك للمهتمين في توثيق المؤسسات الآشورية وأنشطتها في العراق. يذكر الموقع بأنه خصص أصلاً لخدمة توثيق تاريخ الآشوريين المعاصر في مدينة كركوك وهي جهود جاءت في محلها لسد النقص الكبير الحاصل في عملية التوثيق. وتشغل موضوع المدرسة الآثورية الأهلية حيزاً كبيراً من صفحات هذا الموقع والمعززة بصورة جميلة ونادرة تعكس جانباً من جوانب هذه المدرسة ونشاطاتها، ومنها أقتبسنا بعض الصور والمعلومات في هذه السطور.

للمدرسة الآثورية الأهلية في كركوك تاريخ طويل يزيد عن نصف قرن من الزمن، وبإختصار شديد نذكر بأنه في عام 1928 تأسست المدرية الآشورية في كركوك من قبل القس أسحق ريهانه وبمساعدة بعض الشباب الآشوريين المتطوعين الذين هُجروا من حيكاري وأرميا وأستقروا في كركوك. كان القس أسحق ريهانه من المقربين لقداسة البطريرك مار شمعون ومن المؤيدين المتحمسين له، لذلك عندما نفي البطريرك مع عائلته إلى قبرص بعد مذبحة سميل عام 1933 نفي أيضا القس أسحق إلى نفس الجزيرة وبقى مع البطريرك فترة طويلة حتى بعد إنتقاله إلى الولايات المتحدة ووفاته في مدينة تورليك في 10 نيسان عام 1997 عن عمر ناهز 88 سنة.



 



 

ومن بعد نفي القس أسحق تولى إدارة المدرسة القس خوشابا خامس حتى وفاته في عام 1948. أستمرت المدرسة بأدارة العديد من المدراء والمدرسين الأكفاء وبنشاطات مكثفة ثقافية وإجتماعية وتربوية وفنية حتى عام 1974 عندما أمم نظام البعث في العراق كافة المدارس الأهلية فتحول أسمها إلى مدرسة أنستاس، نسبة إلى راهب الكرمليين والعالم اللغوي المعروف "أنستاس الكرملي"، فكان صيف نفس العام آخر فصل لمدرسة آثورية بعد أن أصبحت بشكل أو بأخر تحت أشراف مديرية تربية كركوك التابعة لوزارة التربية.

 

=============================================================

كما ذكرنا للمدرسة تاريخ طويل ولكن أهم شيء تميزت به هو نشاطها الكثيف في عرض المسرحيات. حيث عرض العديدة منها سواء المترجمة من المسرحيات العالمية خاصة مسرحيات شكسبير المشهورة أو المؤلفة من قبل كتاب آشوريين والتي كانت تعرض على مسرح المدرسة الأرمنية. وقد لعب رابي جبرائيل ورابي أختير بنيامين وغيرهما دوراً كبيراً في تطوير المسرح الآشوري من خلال هذه المدرسة. وفي عام 1950، وبعد شراء المدرسة لبناية في منطقة ألماس وترميمها بالشكل الذي يتناسب مع متطلبات المدرسة، كان المسرح الرائع في باحة المدرسة من أهم معالمها والتي من خلاله عرضت الكثير من المسرحيات وتطورت بشكل ملف للنظر. وفي ادناه صور لبعض المسرحيات التي عرضت من قبل المدرسة:










 

==========================================================
كانت المدرسة من أبرز المدارس الأهلية في كركوك وموضع إهتمام المسؤولين التربويين بسبب تفوق طلابها. ففي الإمتحانات النهائية (البكالوريا) للصف السادس الآبتدائي خلال فصل الدراسي لعام 1970/1971 كان طلاب المدرسة قد إجتازوا الإمتحانات النهائية بنسبة نجاح 100% من بين جميع مدارس محافظة كركوك. ولا يفوتني أن أذكر بأن المدرسة أنجبت أدباء وشعراء وسياسين وشخصيات مرموقة ينشطون في أيامنا هذه ويلعبون دوراً كبيراً في الحياة السياسية والثقافية والإجتماعية والفنية للآشوريين سواء في أرض الوطن أم في المهجر. نطلب من ربنا يسوع المسيح الرحمة  لجميع المتوفيين الذين وضعوا الأسس المتينة للمدرسة طيلة خمسة عقود من الزمن وأن يمنح القوة والمثابر للذين لا يزال ينشطون ويعملون من أجل إرساء الأسس القومية لهذه الأمة.

وحتى لا أستهلك صفحات كثيرة من موقعنا العزيز "عنكاوة دوت كوم" ولمن يريد المزيد من المعلومات عن هذه
المدرسة الرائعة يمكن الولوج في الموقع أدناه:
http://www.assyriansofkirkuk.com/assyrian-school.html

=====================================================================

 

 آخر زيارة لمدينة كركوك مع الشخصية القومية المعروفة عمانوئيل قليتا كانت عام 2009، الصورة أمام داره في منطقة ألماس الذي كان خلف المدرسة الآثورية الأهلية وبجانب كنيسة مار كوركيس لكنيسة المشرق الآشورية وراعيها كان القس المعروف هينيدي البيلاتي "رحمه الله". 

66
من أرشيف المدارس القومية الآشورية في العراق
-------------------------------------------------------------


مدرسة التقدم للطائفة الإنجيلية الآثورية والمعروفة بمدرسة قاشا خندو
======================================
أبرم شبيرا
أتاحت لنا فرصة "خليك في البيت" في زمن "كورونا"، فسحة جيدة من الوقت للبحث والتنقيب في المراجع المركونة على الرفوف العالية والعثور على بعض المواضيع التي قد تثير أهتمام القراء خاصة التي لم تنشر سابقا أو ليست معروفة لجيل هذا الزمن، ومنها موضوع مدرسة التقدم للطائفة الإنجيلية الآثورية في بغداد والتي كانت تعرف بمدرسة قاشا خندو.
تُكشف لنا بعض من صفحات التاريخ المعاصر لنشوء الفكر القومي الآشوري بأن الآشوريين المنتميين إلى الكنائس الإنجيلية البروتستانتية والكاثوليكية والأرثوذكسية الروسية والسريانية الأرثوذكسية كانوا من رواد الفكر القومي الآشوري وأبدعوا كثيرا في تأسيس الجمعيات والمنظمات القومية والأحزاب السياسية والمدارس التعليمية، ومنها مدرسة موضوعنا هذا "مدرسة التقدم" والتي أرتبطت بأسم القس خندو يونان ثاني مدير المدرسة. يذكر لنا الباحث حارث يوسف غنيمه في كتابه "البروتستانت والإنجيليون في العراق"، مطبعة الناشر المكتبي، بغداد، 1988، بأن الآثوريين الإنجيليين الذين فروا من منطقة أورميا وحلوا في العراق في سنة 1918، أستمروا الإقامة فيه في العقد الثاني من القرن العشرين وكونوا الطائفة الإنجيلية البروتستانتية الآثورية والتي تمتد جذورها إلى إرساليات مجلس الوكلاء الأمريكي للإرساليات الأجنبية وإلى مجلس الإرساليات المشيخية في الولايات المتحدة الأمريكية التي عملت في منطقة أورميا ونجحت في تحويل عدد من الآثوريين إلى البروتستانية. وكانت هذه الطائفة من بين الطوائف البروتستانتية الإنجيلية الثلاث، الطائفة البروتستانتية الوطنية وطائفة الأدفنست السبتيين المعترف بهم من قبل الحكومة العراقية.
ففي سنة 1918 وصل العراق المبشر الأمريكي مكداويل من الإرسالية  المشيخية بصفته مستخدما في مؤسسة الإسعاف للشرق الأوسط لمساعدة الآثوريين المنكوبين على إختلاف فرقهم بالأخص أبناء الطائفة الإنجيلية. ثم في عام 1921 وبتوجيه منه أفتتح الآثوريون الإنجيليون مدرسة لتعليم أولادهم اللغتين الآثورية والعربية بأسم مدرسة "التقدم الإبتدائية للبنين" في بغداد وأستقدموا لها معلمين من إرسالية إيران وقدموا لها بسخاء مساعادات مالية إضافة إلى المساعدات التي كانت تتلقاها الطائفة من أمريكا لمواصلة مسيرتها. وهي المدرسة التي  شدت من أزر كيان هذه الطائفة والتي كان لها في  بغداد كنيسة تعتبر من  أكبر كنائسها في العراق، وأول قس رعاها هو القس بيرا مزرا. وفي عام 1928 تسلم إدارة المدرسة القس خندو يونان (1888 – 1950) الذي في الحقيقة هو باني صرح وشهرة هذه المدرسة لهذا السبب عرفت بأسمه بين الآثوريين كـ "مدرسة قاشا خندو". ثم بعد وفاة قاشا خندو تسلم إدارة المدرسة والطائقة قس آخر وهو قاشا كورش يعقوب شليمون الذي كان له شخصية مرموقة لدى معظم الآشوريين في بغداد.
في عام 1924 عندما باشرت الإرسالية الإنجيلية أعمالها بكثافة في العراق توجهت أنظار الآثوريين إليها باعتبارها سندهم الديني، وبالفعل قدمت الإرسالية الى طائفتهم بالإضافة إلى الإرشادات الروحية مساعدات كثيرة ساعدت على تقدم أتباع هذه الطائفة عن غيرهم من أبناء الطوائف الآشورية. ففي عام 1928 شيدت الطائفة بناية على أرض مستأجرة في منطقة السنك ضمت مصلى وصفوفاً للمدرسة التي كان عدد طلابها 600 طالب وطالبة للدراسات الإبتدائية والمتوسطة والثانوية وفي تلك السنة تسلم قاشا خندو أدارتها إضافة إلى رئاسة الكنيسة. ثم في عام 1940 وفي زقاق ضيق مجاور لكنيسة القديس كريكور للأرمن الأرثوذكس في ساحة الطيران ببغداد وعلى أرض شاسعة شيد أبناء الطائفة وبهمة قاشا خندو وبمنحة سخية من الإرسالية المتحدة كنيسة وبناية خصصت لمدرسة التقدم التي ظلت تحت إدارة الطائفة إلى أن وضعت الحكومة العراقية يدها على جميع المدارس الأهلية في سنة 1975.
كما سبق وذكرنا بأن أبناء هذه الطائفة تطوروا من نواحي عديدة مقارنة مع بقية الطوائف الآشورية وتبوؤا مراكز مرموقة سواء على المستوى الآشوري أو على المستوى الرسمي حيث كان الكثير منهم موظفون وبدرجات عالية في بعض المؤسسات الحكومية والبنوك، وظهر بين ظهرانيها شخصيات معروفة منها العميد الطبيب روئيل شاويل كوركيس الذي كان مدير الشعبة الرابعة في مديرية الأمور الطبية العسكرية سنة 1985. ثم بعد تقاعده هاجر إلى الولايات المتحدة الآمريكية وأستقر في شيكاغو ومن هنا لا يزال يخدم الآشوريين من خلال العيادة الطبية التي يديرها، وهو من الشخصيات الآشورية المعروفة هناك سواء من خلال خدماته الطبية أو إنخراطه في النشاطات القومية والإجتماعية والخيرية حيث يعمل بدون كلل وملل وبنشاط شبابي مفعم بالحيوية رغم تعب السنين الطويلة البادية عليه. أنها فرصة لنا وعبر هذه السطور أن نطلب من ربنا أن يعطيه الصحة والعافية ويطيل من عمره. ومن شخصيات المعروف للآشوريين من هذه الطائفة أيضاً السيد يوئيل يعقوب سركيس المعروف بـ (أبو روني) رحمه الله، الذي توفي قبل سنوات في كندا. ونشير أيضا إلى شخصية معروفة من هذه الطائفة وهو السيد بنيامين بطرس توماس (أبو سامي) حالياً يعيش في أربيل فكلاهما هو وأبو روني كانا من الأعضاء النشطين في النادي الثقافي الآشوري في بغداد. ومن الشخصيات التي خدمة هذه الطائفة والمدرسة نذكر السادة شموئيل بابا إبراهيم و سركون أوشانا إبراهيم و بيرا بابا يوسف و أدور عزيز البازي و السيدة ألماس أغاسي ونينوس بولص فيليب و الفرد بطرس و دنخا خوشابا و وليم خمو. ومن المعروف عن هذه الطائفة الإنجيلية الآثورية بأنها لم تكن تختلف عن بقية الطوائف البروتستانتية الإنجيلية في العراق من حيث الإيمان غير تمسكها الشديد بلغتها القومية الآثورية والحفاظ على الثراث القومي الآشوري.
من هذا المنطلق القومي للطائفة، لم تكن لا الكنيسة للعبادة وممارسة طقوس الطائفة فقط،  ولا المدرسة للتدريس الطلاب الآشوريين من مختلف الطوائف فحسب، بل كانت مركزا ثقافيا وإجتماعية وفنياً ورياضيا وحتى قومياً سياسياً، حيث تشكلت فيها عدد من اللجان المختصة في هذه المجالات وعملت بنشاط كثيف وأثارت إهتمام ومشاركة أبناء الطوائف الآشورية الآخرى. وأتذكر منها اللجنة التي عرفت بأسم "جالش" التي كانت تقوم بنشاطات إجتماعية وفنية مختلفة وبسفرات عائلية جماعية والتي شاركتُ في أحداها في حدائق منطقة أبو غريب حيث في حينها، وأعتقد كان صيف عام 1966، وأستغربت إستغراباً شديدا، وأنا قادم من مدينة كركوك، من العدد الهائل للمشاركين في هذه السفر من مختلف الفئات العمرية وخاصة الشبابية، لا بل كان إستغرابي وإنبهاري أكثر بكثير من الفعاليات التي أقيمت في هذه السفرة ومنها إغاني قومية لم نكن نسمعها في حينها في المؤسسات الأخرى. ليس هذا فحسب بل كانت الكنيسة والمدرسة مركزا لإنبثاق مواهب خلاقة في الأدب والثقافة والفن وحتى في السياسة والفكر القومي الآشوري سواء من بين مدرسي المدرسة أو من إداربي الكنيسة ولجانها المختصة. ومما ساعد على أن تكون ساحة الكنيسة مركزاً لإستقطاب الآشوريين هو قربها من منطقة "كمب الكيلاني" أكبر تجمع سكني للآشوريين في بغداد والذي لم يكن يبعد عن الكنيسة إلا بعضة أمتار.
فأسماء أمثال رابي يوسب كانون، الذي كان مدرسا في المدرسة ومنها أكتسب لقب رابي، وأبو روني وأبو سامي الذين شاركوا في تأسيس النادي الرياضي الآشوري في بغداد ومن ثم محاولتهم لتأسيس النادي الثقافي الآشوري في الستينيات من القرن الماضي والذين لم يفحلوا فيها بسبب رفض السلطات الرسمية لطبهم في تأسيس هذا النادي. كما كانت لهم نشاطات قومية سياسية في تأسيس أحزاب سياسية آشورية ومنهم من تعرضهم للإعتقال من قبل السطات العراقية في الستينيات من القرن الماضي ومنهم رابي يوسب. وهناك نجوم لامعة في عالم الفن الآشوري سواء على المستوى الغناء أو المسرح أو الفن التشكيلي حيث أرتبطت أسماؤهم بشكل أو بآخر بالكنيسة والمدرسة، فكانت ساحة الكنيسة مسرحا لنشاطاتهم المبدعة، ومنهم سامي ياقو و آشور سركيس و ولتر عزيز و كوريل شمعون و إيبي عمانوئيل وتيدي نيقاديموس و رمزية نيقاديموس و يوسيفوس عمانوئيل، وعشرات منهم لا يخطر ببالي لذكر أسماؤهم. وعندما تأسس النادي الثقافي الآثوري عام 1970 في بغداد، أصبح هذا النادي كتوأم للكنيسة والمدرسة فأصبحت ساحة النادي أكثر رحبةً في تكثيف نشاطات هؤلاء المبدعين فزادت من أبداعاتهم كثافة وسعة وشعبية ولمعت أسماؤهم في السماء الفني والثقافي والأدبي عند معظم الآشوريين.
ثم بعد تأميم سلطات البعث لجميع المدارس الأهلية عام 1975 وتوسع أبواب الهجرة إلى الخارج تقلصت نشاطات رعية الكنيسة والمدرسة بحيث وصل ألأمر إلى إنتقال إدارة الكنيسة إلى قس مصري وإلى غير الآشوريين وبالتالي تقلص عدد أبناء الطائفة وهجر الكثيرين منهم إلى الخارج بحيث أصبح أمر الكنيسة والمدرسة بحكم المنسي خاصة بعد الحروب التي تورط فيها نظام البعث في العراق.
وأخيراً أود الذكر بأن من أحد الدوافع التي دفعني لكتاب هذه السطور هو مشكلة أو قلة أو ندرة التوثيق للمؤسسات والمدارس والأندية والجمعيات الآشورية، فللتوثيق أهمية كبرى في تحديد الهوية القومية للآشوريين وأثبات وجودهم كأمة نشطة وفاعلة ومتواصلة من الماضي السحيق إلى الحاضر ثم المستقل. وكما ذكرت في أعلاه بأن أكثر المعلومات مستلة من كتاب السيد حارث يوسف غنيمه ومن المؤكد بأن هناك بعض من أتباع الكنيسة الإنجيلية الآشورية ومن الذين شاركوا في إدرتها أو إدارسة المدرسة لهم معلومات كثيرة وذكريات جميلة، فأتمنى أن تكون هذه السطور حافزا لهم لبيان هذه المعلومات وتدوين ذكرياتهم ونشاطاتهم لتكتمل الصورة عن هذه المدرسة التي وأن تقلصت أو زالت من الوجود ولكن من المؤكد بقت وستبقى ليس في قلوبأبناء هذه الطائفة فقط بل في قلوب جميع الآشوريين.   


67
متى تتعلم أحزابنا  "الكلدانية السريانية الآشورية" من المنظمة الآثورية الديموقراطية (مطكستا)
=======================================
أبرم شبيرا
 التعلم سمة من سماة الإنسان المتحضر والساعي نحو التقدم والإزدهار خاصة عندما يكون التعلم من تجارب الغير وتحديدأ عندما يكون الإثنان على نفس المنحى والمنهج والهدف وبنفس الظروف. وهنا يستوجب التأكيد المشدد بأن التعلم ليس عيباً أو نقصاً على الإطلاق بل أنه في كثير من الأحيان يكون أكثر تأثيرا وفاعلية في سلوك الإنسان ووعيه من القراءة والدراسة. فالمثل يقول أسأل مجرب ولا تسأل الحكيم. ولكن من المؤسف، ليس على مستوى الأفراد، بل على مستوى الأمة كلها نرى بأن أحد جوانب إخفاق أو فشل حركتنا القومية من تحقيق الحد الإدنى من أهدافها هو عدم دراسة قادة حركتنا القومية للتاريخ والتعلم منه وبالتالي الإستفادة من تجاربها السابقة وتجاوز أسباب إخفاقها. هذا  الأمر هو الذي دفعنا لنؤكد مرة أخرى القول القائل بأن من يتعثر بنفس الحجر مرتين فهو جاهل. والأمثلة كثيرة في هذا السياق ولا مجال للتطرق إليها.
مربط الكلام في هذه السطور هو أحزابنا السياسية حيث يرى بعض زعماء هذه الأحزاب بأنه عيب، كل العيب، أن يتعلم من تجارب الغير، فالأمر بالنسبة لهم هو إهانة وتقليل من قدرتهم القيادية وعبقريتهم.  والأنكى من كل هذا هو المراوغة في نفس المكان إن لم يكن السير إلى الوراء وبالتالي تخلف عن مواجهة التحديات والتطورات الخطيرة التي تعصف بأمتنا سواء في الوطن أم في المهجر، وهي كلها نتاج التأثر العميق بسياسة الأحزاب العراقية وحتى العربية وبالاخص في ما يتعلق بزعامة هذه الأحزاب وعدم تداول مواقع القيادة بين أعضائها بشكل موضوعي وديموقراطي. فالمؤسف له هو أن تأثر معظم قادة أحزابنا "الكلدانية السريانية الآشورية" بالعقلية السياسية العراقية وحتى العربية في الإستمرار في القيادة حتى الموت هو تطبيق لمقولة القذافي في تفسيره لمفهوم الديموقراطية بقوله بأنها مفهوم عربي متكون من مقطين "ديمو" و "كراسي"، إي ديمومة الحاكم على الكرسي مدى الحياة.
هذه السطور جاءت بمناسبة زيارة ثلاثة أعضاء من قيادة مطكستا في بداية هذا الشهر (شباط 2020) لشمال الوطن واللقاء بقادة بعض أحزابنا السياسية وبغيرهم من التنظيمات القومية والرسمية. وكان يضم الوفد أعضاء في المكتب السياسي للمنظمة كل من المهندس السيد داوود داوود مسؤول مطكستا والسيد بشير سعدي مسؤول مكتب الثقافة والدراسات والسيد غبرييل (كابي) موشي مسؤول مكتب العلاقات الخارجية. أنا شبه متأكد أن لم أكن كامل التأكد بأن هذا الخبر مر، كما يقول المثل مر الكرام، ولم ينتج  عنه غير بعض السطور الروتينية الرسمية والتي لا تتجاوز أكثر من كلامات على ورق غير قادرة على النزول إلى الواقع الفعلي. هذه اللقاءات لمطكستا بأعضاء قيادتها الثلاثة لها مغزى كبير ودرس مهم لأحزابنا السياسية ليس من خلال الكلمات والسطور الفارغة التي أفرزتها اللقاءات بل من المغزى الكامن الذي يمكن إدراكه من خلال النظر إلى شخصية الأعضاء الثلاثة وموقعهم في القيادة. غير أن غطاء العقلية العراقية المسيطر على قادة أحزابنا جعلتهم أن لا يدركوا هذا المغزى إطلاقاً وأن يستفيدوا منه في وضع حزبهم على الطريق الديموقراطي القويم. إذن أين يكمن هذا المغزى الذي لم يدركه قادة أحزابنا السياسية "الكلدانية السريانية الآشورية" في العراق؟
وقبل الكشف عن هذا المغزى والإستنتاج المراد بيانه، نشير عبر سطور قليلة عن مؤتمر مطكستا  الثالث عشر (الأخير)  الذي عقد في بداية شهر شباط من عام 2019 في مدينة القامشلي. ففي هذا المؤتمر الذي حضره 60 مندوباً منتخباً، حسب بيان مطكستا بهذا الشأن، من فروع المنظمة وشارك فيه أيضاً مندبون من فروع المهجر عبر غرف خاصة من بعض الدول الأوربية. ففي هذا المؤتمر تم إختيار سبعة عشر مشاركا لعضوية الأمانة العامة، والتي قد تكون اللجنة المركزية بالمفهوم السياسي الدارج، والذين قاموا بدورهم إنتخاب أعضاء المكتب السياسي لولاية أمدها أربعة أعوام وفيه تم إنتخاب السيد المهندس داوود داوود مسؤولا عن المنظمة، أو السكرتير العام بالمفهوم السياسي الدارج، كما أنتخب السيد بشير سعدي والسيد كابي موشي لعضوية المكتب السياسي وتولوا المسؤوليات المذكورة أعلاه.
أن المغزى المقصود به كامن في مضمون الشخصيات القيادية الثلاث المذكورة التي عقدت هذه اللقاءات وموقعها الفعلي من قيادة مطكستا وتداول السلطة بشكل منطقي وعقلاني لضمان إستمرار القيادة نحو آماد أبعد، لا بل خلق قياديين جدد. للنظر أولاً في السيد بشير سعدي، فهو عضو مخضرم في مطكستا وعضو برلمان سابق أنتخب ديموقراطياً للبرلمان السوري من قبل أبناء شعبنا في التسعينيات، اعتقد كان في نهاية الثمانينيات، من القرن الماضي وكان سكرتيرا، أو مسؤولا لقيادة مطكستا الأسبق. أما السيد كابي موشي فقد كان السكرتير، او مسوؤل قيادة مطكستا السابق حتى المؤتمر المذكور أعلاه، وكلاهما تعرضا للإعتقال والتعذيب والتهديد ولكن لم يستكينوا إلى الراحة والبطلان والتخلي عن الساحة السياسية القومية بل أستمرا في العمل ضمن قيادة مطكستا وبتجارب مفعمة بالحيوية والصمود والإصرار على مواصلة النضال. أما السيد داوود داوود المسؤول الحالي لقيادة مطكستا، حسب معرفتي الشخصية، فأنه لم يكن على مستوى قيادة مطكستا في السنوات الماضية، وأن كان فهو حديث العهد في هذا الموقع القيادي في مقارنة مع السيدين بشير وكابي.
فعلى الرغم من الخبرة الطويلة والتجارب السياسية والحزبية المتفاعلة مع الواقع الوطني والقومي في سوريا لكلا السيدين بشير وكابي وموقعهما القيادي السالبق فأنه يظهر بأنهما تنحا خطوة واحدة ضمن حدود قيادة مطكستا في إنتخابات المؤتمر المذكور لكي يفسحوا المجال للسيد داوود داوود ليتولى مسؤولية القيادة. وقد يبدو من الناحية الشكلية بأن نوع من التراجع عن الموقع القيادي في المنظمة، ولكن الأمر غير ذلك إطلاقاً. فنحن أمة فقيرة بكل المعاني السياسية والتنظيمة خاصة إفتقارنا إلى مراكز أو معاهد لتدريس أو تدريب أو خلق كوادر قيادية تكون قادرة على تولي مسؤوليات هامة في أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية. من هنا تأتي أهمية إنتقال وتفاعل الخبرات بين المتمرسين على مستوى القيادة والأعضاء القياديين الجدد في التنظيم. وليست المرة الأولى التي نرى مثل هذا الإنتقال الديموقراطي في قيادة مطكستا بل سبق وأن حدث مثله في السابق.  أنا شخصياً لي أهتمام فكري وإلتزام قومي بأحزابنا السياسية القومية وأحاول دائماً متابعة أخبارهم ونشاطاتهم ولكن للحق أقول بأنني ولأول مرة، شخصياً على الأقل، أرى في مؤتمر عام لحزب أن لا يترشح المسؤول أو السكرتير العام القائم والسابق للحزب خاصة عندما يكونون من المخضرمين والمتمرسين وبعضهم لهم شخصية كرازماتية، لا يرشحون لموقع مسؤول الحزب أو لمنصب السكرتير العام بل يتركون المجال لغيرهم من رفاقهم القياديين لتولى هذا المنصب مع بقائهم إلى جانبهم لنقل خبراتهم وتجاربهم إليهم أثناء ممارسة العمل القيادي للحزب. وهذا ما شاهدناه في المؤتمر الثالث عشر لمطكستا عندما أنتخب المهندس داوود داوود لموقع المسؤول في المكتب السياسي مع بقاء كل من السيد سعدي بشير والسيد كابي موشي إلى جانب المسؤول الجديد وتوليهم مسؤوليات مهمة من خلال المكاتب التنفيذية لمطكستا. هذه الحالة نادرة جداً ولم أشاهدها في السابق عند أحزابنا السياسية القومية. لا بل على العكس من هذا فالتشبث بالكرسي في معظم أحزابنا السياسية أن لم تكن جميعها حالة عامة وسائدة، وحتى أن ترك هذا الكرسي، وهي حالة نادرة لا بل ستكون عجيبة وغريبة، فأنه أما أن يترك التنظيم وينزوي في زاوية النسيان ويأخذ تجاربه المديدة في التنظيم معه وكأنها ملك خاص له من دون أن يستفيد منها رفاقه في قيادة التنظيم، أو يبقى في التنظيم ولكن في موقع بعيد وغير مؤثر إطلاقاً وكأنه صورة معلقة على الحائط لتبقى كذكرى للأيام الخوالي.
لا أحد يستطيع أن يقول بأن طريق نضال أحزابنا السياسية القومية مفروش بالورود والرياحين، بل في الحقيقة والواقع هو طريق ملئه الأشواك والصعوبات والمهالك في ظل الظروف الحالية الماحقة التي تحيط بأمتنا في أرض الوطن. من هذا المنطلق يجب القول عندما ننتقد ونحاسب أحزابنا السياسية على إخفاقاتها وتراجعاتها يجب، لا بل يجب أن ينظر إليها من خلال هذه الظروف الماحقة والمأساة لتي تحيط بأمتنا والتي تخلق تحديات خطيرة أمام أحزابنا السياسية. ومن المؤكد بأن فاعلية وتأثيلار هذه التحديات هي أكثر بكثير من قدرات أحزابنا السياسية المحدودة في مختلف المجالات وحتى على مستوى القيادة التي نحن بصددها للمواجهة والتعامل مع هذه التحديات.  فإذا كان يصعب مواجهة التحديات الخارجية والتعامل معها فأن مواجهة التحديات الداخلية المتمثلة في تطوير النظام القيادي للحزب وضمان ديمومته بشكل أكثر فاعلية وقوة  أمر يمكن تحقيقة كخطو أولى وقوية لمواجهة التحديات الخارجية. فقيادة ضعيقة و "متزنجرة" لا تستطيع إطلاقاً مواجهة التحديات الخارجية في حين القيادة القوية والفاعلة والمستجدة بدماء جديدة تكون أكثر قدرة على المواجهة والتحدي. من هذا المنطق جاء موضوعنا هذا في تجديد دماء قيادة مطكستا.
حتى لا أعمم الحالة هذه على جميع أحزابنا السياسية وأكون مطلقاً ومن دون إستثناء، فللأمانة أشير إلى الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا). ففي مؤتمرها الأخير قبل ثلاث سنوات تقريباً أنتخب نواب للسكرتير العام لزوعا الذين أظهروا خلال السنوات القليلة الماضية نشاطاً محموماً وفاعلا تصل إلى حد ما إلى مستوى موقع القيادي الأول ولكن مع هذا نرى بأنها حركة خجولة ومترددة نوعا ما يستوجبها نوع من الشجاعة والإقدام أكثر فأكثر نحو خلق قياديين على مستوى عالي من القيادة قادرة على مواجهة التحديات بفعالية أكثر. وعلى طاولة قيادة زوعا العديد من المقترحات التي قدمناها لها بهذا الشأن كسبيل لخلق قيادات جديدة لتكون إلى جانب القيادات الحالية عناصر مهمة في ديمومة الحركة نحو آماد أبعد خاصة في هذه الظروف الماحقة التي تحيط بأمتنا سواء في الوطن أم في الشتات. ونأمل من قيادة زوعا إعادة النظر في تلك المقترحات وطرحها على مؤتمرها العام القادم وليس المقصد من ذلك إلا إهتمامنا وإحترامنا للحركة الديموقراطية الآشورية وتفعيل نشاطها أكثر فأكثر.
وأخيرأً، بعد مرور سنة على إنتخاب السيد داوود داوود لموقع المسؤول الأول عن مطكستا نتمى له دوام التقدم والنجاح والسعى نحو الإستفادة القصوى من خبرات رفاقه، أصدقائنا المديدين بشير سعدي وكابي موشي، ونحن ملئنا الثقة والإيمان بأنهما سوف لا يترددون في العمل مع المسؤول الجديد بكل نشاط وفاعلية وهمة كضمان لإستمرار المنظمة الآثورية الديموقراطية نحو مستقبل مبهر وأكثر أشراقا لطريق نضال أمتنا نحو تخفيف معاناة أمتنا وتحقيق أهدافها القومية المشروعة. 









زيارة لأرض الوطن; شمال شرقي سوريا في منتصف التسعينيات من القرن الماضي وأمام دير للكنيسة السريانية الآرثوذكسية: من اليمين بشير سعدي، أبرم شبيرا، سعيد لحدو وكابي موشي... تبقى هذه الصورة وغيرها كرمز لتقديرنا وتثميننا لنضال المنظمة الآثورية الديموقراطية... ومن خلالها نبعث تحياتنا الخالصة لهم.



68
ويستمر العروبوي بإختراعاته!!!:

الدولة العربية الإرامية الكلدانية (مملكة بابل الحديثة: 612- 539 ق.م.)!!!
========================================
من سخرية الإقدار أن ينظر إلينا مضطهدينا واعداءنا كأمة واحدة متوحدة لا يفرقها فارق ويمارسون سياستهم تجاه جميع أبناء أمتنا بالتساوي من دون تميير ديني أو طائفي أو عشائري أو قريوي في حين ننظر نحن إلى إنفسنا كملل وشلل وقرى وعشائر وتسميات متفرقة غير متوحدة  وتعمل لا بل تناضل أحزابنا ومنظماتنا على هذا المنوال التقسيمي وبالتالي نصل إلى لا شيء. .. هكذا كان الحال مع المستبد العثماني عندما لم يكن يفرق بين الأرمني والآشوري أو السرياني أو الكلدني فجميعهم بالنسبة إليه كانوا "روث كريه الرائحة" كما قال أحد قادة العثمانيين أثناء مذابح الأرمن عندما سأله أحد المبشرين لماذا تذبح الآشوريين بينما الفرمان هو ضد الأرمن، فقال "أنا لا أفرق بين الروث الرطب والروث الجاف فكلاهما ثورث كريه الرائحة!!!. وبعد قرن ونيف من الزمن يأتي داعش الإجرامي ليوحد جميع أبناء أمتنا تحت سطوة سيفه الغدار ويقتل هذا وذاك ويدمر هذه الكنيسة وتلك من دون أي تفرقة تذكر فيما إذا كانت كنيسة كلدانية أو سريانية أو آشورية فكلهم عنده ممهورين بـحرف (ن). وعندما يتجاوز "الجلاوزة" ويحتلوا أراضينا في موطن أبائنا وأجدادنا، ليس المهم بالنسبة لهم فيما إذا كانت أرض كلدانية أو سريانية أو آشورية بل المهم هو أنها أراض جاهزة على مائدتهم لبلعها وهضمها. وحتى "مهزلة" الكوتا المخصصة للمسيحيين ليست إلا وسيلة أخرى لإفتراس أبسط حقوق المسيحيين سواء أكانوا كلداناً أو سريانا أو أشوريين فالكل هدف لأذناب الذئاب الكبار للقيام بالمهمة نيابة عنهم. وأخيراً وليس آخراً، أليس القوانين المجحفة بحق كل المسيحيين في العراق ومنها أسلمة الأطفال وسيلة أخرى من وسائل الذي ينظر إلى شعبنا كوحدة واحدة قابلة لإمحاء وجوده القومي والكنسي من الأرض التي أرتوت بدماء أبنائهم وأجددهم. من هنا نقول بأن الوسيلة قد تختلف وتعدد سواء أكانت بالسيف أو بسلب الأراض أو بالقانون أو بالسلوكيات السياسية فإن جميعها تلتقي وتتفق في أعتبار كل المسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين لقمة واحدة لأفواهم النتنة. وها هنا يعود العروبوي محمد بهجت قبيسي ليبلع الكلدان في معدته العروبوية بعد أن بلع الآشوريين في كتابه الأكراد والنبي والذي سبق وأن تم تشريح مفاهيمه العروبوية في موضوع سابق لنا نشرهفي موقع عنكاوه، أنظر الرابط أدناه: 
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=962918.0

يهلوس العروبوي محمد بهجت فيخترع  "حكم عربي أرامي كلداني"، والأنكى من كل هذا فهو لا يكتفي بالمرجع الذي أعتمد عليه: أطلس التاريخ العربي الإسلامي لشوقي أبو خليل، بل يزيد في مد الحكم العربي الأرامي الكلداني إلى يثرب ويحرف الخريطة مؤكداً ذلك بقلمه عندما يشير إلى الخريطة الأصلية ويضيف عليها بقوله "مع زيادة للمؤلف (محمد بهجت قبيسي) في مد الحدود إلى يثرب" ويرسم الخريطة كما تشتهي عروبويته، حيث يقول وصل نبو نيد الملك العربي الأرامي الكلداني ويتخذ من دومة الجندل عاصمة له!!!! – عجيب غريب في هذه الهلوسة وتحريف التاريخ والأسماء والخرائط.  أنظر الخريطة في أدناه:

============================================

طبعاً... يتابع نفس غاية غيره من "البلاعين" لحقوق أمتنا عندما يشملهم جميعهم بوحدة واحدة من دون تفريق بين كلداني أو آشوري، فها هو لم يستثنى السريان من "الوحدة" في كتابه المليئ بالهلوس والدجل والأوهام. فهو من جهة أراد في هجومه على الأكراد تكحيل عيون السريان فيما يخص "أرض كردستان" فيقول في رده "مع ذلك بقى العرب الأراميون والعدنانيون (النصارى المتمثلين بالسريان) أصحاب هذه الأرض متمسكن بأرضهم ولو أن عمل الدول الكبرى بما فيها الدولة العثمانية قد أستعملوا الأكراد لضرب العرب السريان... وهذه حقيقة تاريخية نشير إليها للإعتراف بحق أناء عمومتنا العرب السريان ص 123). من النسخة الألكترونية للكتاب. لماذا السريان هم عرب عند هذا المخترع المهلوس هو بإعتقاده بأنهم من قبائل عربية مثل طي وتغلب (ص 89). صحيح هو أن بعض العرب منهم الغساسنة كانوا ينتمون إلى الكنيسة السريانية الآرذوكسية ولكن هذا المخترع في تزيفه لأصل السريان يأخذ الغساسنة الذين لم يبقى لهم وجود بعد ذوبانهم في البوتقة العربية الإسلامية ليعممهم على بقية السريان... لقد سبق وأن ذكرنا أن حبل الكذب قصير ولكن كلا وألف كلا فأن حبل الكذب عند الفيلسوف العروبوي محمد بهت قبيسي هو طويل جدا ولا يمكن ملاحقه وإلا سنضيع ساعات أن لم تكن أيام من عمرنا حتى نصل إلى نهاية هذا الحبل. فأكتفي بهذا القدر. والله يكون في عون أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية.

 



69
عروبوي يخترع:
"الدولة العربية الآشورية" !!!
==================
جائزة نوبل للإختراع:
تشير سجلات لجنة جائزة نوبل بأنه منذ تأسيسها في عام 1902، نال اليهود ومن أصول يهودية على 148 جائزة في مختلف المجالات، أي بما يقارب 20% رغم أن عدد اليهود لا يزيد على 0.2% من سكان العالم. بينما العرب أو من أصول عربية الذين يشكلون 4% من سكان العالم  فقد نالوا على 8 جوائز فقط. هذا الإختلال الفاضح بين اليهود والعرب لا يقلل من نسبته الكبيرة في الجوائز إلا قيام لجنة جائزة نوبل بتأسيس جائزة للإختراع ومنحها للإستاذ الدكتور محمد بهجت قبيسي كسابقة تاريخية في تاريخ جوائز نوبل، لا بل كمزور ومزيف في تاريخ البشرية. فمن هو هذا الإستاذ:

محمد بهجت قبيسي:
 الدكتور محمد بهجب القبيسي، في بعض الإحيان يرد كـ (الكبيسي)، هو من مواليد دمشق عام 1940 أستاذ في جامعة دمشق، حاصل على دكتوراه في تاريخ اللغة وهو عضو اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة والمنسق العام لاتحاد الاثاريين العرب في سورية ورئيس مجلس ادارة مؤسسة شمال للدراسات اللغوية والتاريخية وعضو مجلس امناء مؤسسة القدس الدولية ومن مؤلفاته سلسلة التاريخ العربي وكتب القواميس الارامي والاجاريتي والكنعاني وعلم الدلالة ولغة مقارنة بين الآرامية ولهجة معلولا ونقش البرازيل الكنعاني ومؤلفات اخرى كثيرة. ولعل أكثر الكتب أثارة، الذي هو موضوعنا، هو كتاب "الأكراد والنبي – دراسة في تاريخ الأكراد وجغرافيتهم، الذي صدر بعدة طبعات وفي فترات مختلفة.

  كتاب الأكراد والنبي – دراسة في تاريخ الأكراد وجغرافيتهم:

في هذا الكتاب يبحث الإستاذ الكبير في التزوير والهلوسة، يبحث في أصول وتاريخ شعوب منطقة الشرق الأوسط بحيث لا يترك لا شاردة ولا واردة إلا وأن يجعل كل شعوب هذه المنطقة من دون أصل أو لغة أو تاريخ أو وطن سواء عن طريق جعلهم بدون تاريخ أو بدمجهم في الأمة العربية. بشكل عام يصب فيه جام عروبويته على الأكراد ويجعلهم بدون وطن أو تاريخ وحتى بدون أصل معروف، وهو الكتاب الذي أثار "غضب" وحفيظة بعض الأكراد فهاجموه بشدة وأعتبروا المؤلف من أشد العروبوين في تزيف التاريخ وأعتبروا الكذب والخداع والتدليس أساس هذا الكتاب. وكان في مقدمتهم الكاتب والمؤرخ والإستاذ والبروفيسور الكوردي محمد محمود المندلاوي.... ويالاها من سخرية الأقدار، متطرف كوردي ومزيف للتاريخ الذي بلع كل "الطوائف المسيحية من الكلدان والأرمن والأثوريين وجعلهم من أصل الكورد" في كتابه "تاريخ وحضارة الكورد" والذي تعرضنا له  في مقالتها تحت عنوان " كاتب وصحفي وباحث ومؤرخ وبروفيسور كوردي لا يجيد حتى " كذب مصفط " !!! الذي نشر في موقع عنكاوه، أنظر الرابط أدناه:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=920253.0
هكذا تتصارع وتتقاتل الذئاب الجائعة من أجل لقمة من هنا وهناك حتى يملئون بطونهم، أو بعبارة أوضح، هكذا يتناطح المتعصبون "الحفاة" من أية حضارة إنسانية بناءة من أجل سرقة حضارات الشعوب الحضارية، خاصة الحضارة العريقة والمعروفة كالحضارة الآشورية الغنية التي أعطت للإنسانية كثير الكثير والتي أصبحت موضع أطماع  هؤلاء "الحفاة".

نموضح فاضح في التزيف والتحريف:
من إختراعات العروبوي محمد بهجت قبيسي هو إختراع عيد للعرب. فيقول: "سنحتفل بتاريخ 10 تشرين أول بالذكرى السنوية ألـ (4353) سنة على عيد العرب، فما دام هناك عيد للأكراد تاريخ 2630 سنة، وما دام هناك عيد للآشوريين (العرب!!!) تاريخ 3816 سنة فيجب أن يكون للعرب عيد أيضاً..." ... نكته عروبوية مضحكة ومبكية في عين الوقت أن يجعل للعرب عيد أقدم من عيد الآشوريين. أفهل أحد في هذا العالم سمع بهذا العيد أو أحتفل العرب به ،لا بل ونتسائل: أفهل المخترع محمد بهجت قبيسي نفسه يحتفل سنوياً بهذا العيد؟ أم هو ذكره لمجرد إضحاك الناس عليه. أما بالنسبة لموطن العرب فيحددها من منابع دجلة والفرات شمالاً، وحتى جبال زغروس شرق العراق شرقا، وبحر العرب جنوبا... فهو يرى بأن "كردستان" (العراقية والتركية والسورية) هي عربية منذ فجر التاريخ !!! وبالتالي  فهو نهم إلى درجة بلع الكثير من الشعوب التاريخية الحضارية في معدة العرب، مثل الأكديين والأموريين والآشوريين والأراميين والكلدانين والفينقيين وصولا إلى الأمازيغ في الغرب من القارة الأفريقية. وفق كل هذا وذاك يجب أن أشير إلى إختراعه المثير للإشمئزاز في تسميته لبعض المدن والشعوب والحضارات، ومنها أسم أربيل. فهو يقول أن أسم أربيل هو عربي أكادي مركب من (أرب + ئيل = أربيل)  ثم يبدا بأرجاع مكونات هذه التسمية إلى أصول عربية. ونحن نعرف وربما كل الناس في الشرق الأوسط بما فيهم تلاميذ المدارس الإبتدائية يعرفون بأن أسم أربيل هو آشوري قديم متكون من (أربا + ئيل) أي الإٌلهة الآربعة لأنها كانت في العهد الآشوري القديم مركزاً لعبادة أربعة آلهة.

إختراع "الدولة العربية الآشورية":
من دون البحث والتجوال في الكتاب المذكور عن خزعبلات وهلوسات المخترع العروبوي وهي كثيرة جداً، فإن الذي يهمنا من هذا الكتاب هو إختراعه المدهش  للـ "الدولة العربية الآشورية" القائم على قمة التزوير والتحريف والكذب ومن دون أي وازع أدبي أو إخلاقي حيث يشير إلى بعض المصادر التاريخية المهمة ثم يحرفها بالشكل الذي يجعل الأمبراطورية الآشورية العظيمة مجرد دولة عربية. في كتابه السالف الذكر يعرض خريطة هذه "الدولة العربية الآشورية" ويعتمد على مرجعين في هذا التزوير والتخريف، الأول، هو أشهر أطلس موجز لتاريخ العالم وهو:
The Times Concise Atlas of World History وعلى صفحة 20 حيث يشير هذا الأطلس إلى خريطة نمو الإمبراطورية الآشورية نحو الجنوب والشرق وحتى إلى مصر وفي عهد عدة ملوك آشوريون مشهورون، ومن دون أية إشارة أو حتى تلميح بسيط إلى العرب ولا يوجد أي شيء يدعم كذبة في "الدولة العربية الآشورية" وفي أدنا خريطة هذه الأطلس كما هي بدون تحريفات أو إضافات.

 

===========================================
أما المرجع الثاني الذي يعتمده وأشار إليه فهو: أطلس التاريخ العربي الإسلامي، من تأليف عروبوي آخر أسمه شوقي أبو خليل وعلى الصفحة 17 حيث يعرض خريطة الدولة الآشورية ولكن على الرغم من هلوسته في القول بأن "الآشوريين قبائل عربية هاجرت إلى شمال بلاد الرافدين..." إلا أنه يذكر في المربع الأعلى للخريطة "الدولة الآشورية – 1392 – 612 ق.م. من دون ذكر "عروبة الدولة الآشورية" كما مبين في الخريطة في أدناه من الأطلس المذكور (ص 17).

 

=================================================
غير أنه وبدون وازع أدبي وعلمي يأتي العروبوي المخترع قبيسي ليزيح هذا المربع ويضع مربعه التزويري القائل بـ "الدولة العربية الآشورية"، وأكثر من هذا فيصف الملك الآشوري العظيم بـ "العربي الآشوري"!!!! فهو جرئ جدا في تزويره للحقائق عندما يعرض المرجعين أعلاه ويحرفهما بما يتماشى مع أهوائه العروبوية. هناك تساؤل بسيط جداً، فلو كان الآشوريون قبائل عربية وكانت أمبراطوريتهم عربية أليس كان بالأحرى إعتزاز العرب بهذه الحضارة العظيمة واإلإشارة إليها في قوانينهم ودساتيرهم وفي مناهج تدريسهم. أو أليس كان للعرب فخراً وإعتزازاً بملوك هذه الدولة العظيمة وأن يتسموا هم وأولادهم بأسماء هؤلاء الملوك العظام كما فعل ويفعل الآشوريون اليوم. أفهل للمخترع العروبوي أولاد أو بنات لهم أسماء مثل آشور ونينوس وسنحاريب وشميران؟؟؟ وعمري لا وألف لا. أنظر الخريطة في أدناه وفيها شروحاته التزيفية.


 =========================================================

قيل أن حبل الكذب قصير ولكن كلا وألف كلا فأن حبل الكذب عند الفيلسوف العروبوي محمد بهت قبيسي هو طويل جدا ولا يمكن ملاحقته وإلا سنضيع ساعات أن لم تكن أيام من عمرنا حتى نصل إلى نهاية هذا الحبل.... لقد سبق وكتبنا عن الفيلسوف الكوردي الذي لا يعرف "الجذب المصفط" يظهر بأن هناك أيضاً فيلسوف عروبوي لا يعرف "التزوير المصفط".... الله يكون في عون الآشوريين من سراق حضارتهم.


70
زعل مع ميخائيل ممو عمره أكثره من أربعة عقود ونصف العقد
====================================
أبرم شبيرا
كان أستاذنا الكبير وكاتبنا المبدع ميخائيل ممو من مسؤولي تحرير مجلة "المثقف الآشوري" التي كان يصدرها النادي الثقافي الآشوري في بغداد في بداية السبعينيات من القرن الماضي وكنت في حينها طالباً في  السنة الأولى لكلية القانون والسياسة  وعضوا في النادي. حاولت في حينها أن أدخل عالم الكتابة والتأليف فطرأت لي فكرة كتابة موضوع في السياسة ونشره في مجلة المثقف الآشوري. وفعلاً كتبت موضوعا بعنوان "مفهوم الديموقراطية وتطبيقاتها الواقعية" معتمدا على بعض المصادر، أن لم يكن في معظمه "سرقة" من هذا الكتاب أو ذاك، الذي كان ضمن مناهج التدريس في الكلية. كان الموضوع طويلاً ومتكون من عدة صفحات ظاناً بأن إطالة الموضوع سيزيده علماً وهيبةً. قضيت عدة أيام أدقق فيه من جوانب عديدة حتى أضمن سلامة قبوله من قبل فطاحلة الفكر والآدب والثقافة الذين كانوا يديرون ويشرفون على المجلة، ثم بعد ذلك سلمته إلى هيئة تحرير المجلة واثقاً بأنه سينشر فيها. بعد بضعة أيام ألتقاني  أستاذنا الكبير ميخائيل ممو في النادي وفي يده الموضوع الذي كتبته وحالما كشفه لي وجدت أوراقي مدمية بدماء حمراء وكأنها خارجة من حرب ضروس خاسرة بحيث لم يخلو ولا سطر من التصحيحات بقلمه الأحمر وبدت كأنها لوحة سريالية لم أفهم منها شيئاً ولم أتقن أسلوب نقده للموضوع.  فبعد الإطلاع على جروح الموضوع ومناقشات وإرشادات الأستاذ لتلميذه ختمها أستاذنا الكبير بكلمة واحد قائلا "الموضوع غير صالح إطلاقاً لنشره في المجلة ولا تتعب حالك في تصحيحه" فكانت كلماته بالنسبة لي كضربة المعلم لتلميذ فاشل وفي قرار نفسي زعلت زعلاً مؤلماً دفنته في كوامني الداخلية، ولكن للحق أقول بأنه كان درسا مفيداً لي في الإستمرار والتواصل في الكتابة.
منذ تلك الفترة عرفت أستاذنا الكبير ميخائيل وأستمرت معرفتنا في العمل سوية في النادي الثقافي الآشوري لا بل كان سندا لي في بعض الأعمال الفكرية والثقافية وحتى الأكاديمية. ففي مرحلة الدراسات العليا والبدء بكتابة أطروحتي في الماجستير وجدت في كتابه المعنون (ماهو البحث وكيف تكتبه – 1968) الذي أهداني نسخة منه، وجدت فيه مرشداً ممتازا في البحث بمنهجية علمية في أطروحتي الجامعية. أستمرت علاقتنا وتواصلت حتى في المهجر حيث ألتقينا في الكثير من الأحيان بمناسبات ثقافية وإحتفالات قومية وكان آخرها لقائنا في الصيف الماضي في شيكاغو ولا أخفي وأقول بأنه في بعض الأحيان كان "يوخنا جوجانا" رفيقاً مسلياً لنا يزيد من متعة هذه اللقاءات ويفتح شهيتنا للحديث في المسائل القومية المشتركة ويشحن ذكرياتنا الماضية سواء في النادي الثقافي الآشوري أو في مناسبات أخرى جميلة مرة علينا خلال العقود الماضية.
عندما كتبت كتابي المعنون (النادي الثقافي الآشوري – مسيرة تحديات وإلإنجازات – 1970 – 1980) كتبته رغم شحة المصادر والمعلومات عن النادي وأنا في لندن وما ذكرت فيه هو مجرد جزء بسيط جداً من هذه التحديات والإنجازات، ولعل تعتبر صدور مجلة المثقف الآشوري جزء مهم ومثير من هذه التحديات والإنجازات والتي كان كتابنا الكبير ميخائيل بطلها التراجيدي فيها. الموارد المالية مصدر أساسي بل هي أكسير الحياة لصدور وإستمرار أية مجلة. كان الإشتراك السنوي للمجلة 250 فلسا، أي أقل من دولار أمريكي واحد، لكن المصدر الأساسي لتمويل المجلة كان الوارد الذي يأتي من حفلة رأس السنة والذي كان يقدر بحدود 1000 دينار عراقي وتستهلك المجلة بحدود 500-700 دينار منه لكل عدد. كانت أيضا وزارة الإعلام تمنح بعض الإعلانات لنشرها في المجلة لغرض مساعدتها مالياً، كما كان الحال مع غيرها من المجلات، غير أنه بعد فترة أنقطعت هذه المساعدات حيث وجدت السلطات الرسمية عدم جدوى من مساعدة المجلة طالما لا تتماشى مع سياسة حزب البعث. ثم كانت الكوادر الصحفية المتمرسة ورقابة المطبوعات والطباعة والنشر والتوزيع كلها تحديات صعبة ولكن تمكن النادي من تجاوزها وتحقيق إنجازات تعتبر تاريخية في سياقها الزمني والمكاني، وكان ميخائيل فارساً من فرسان هذه التحديات والإنجازات خاصة الأصعب منها والتي أنخرط ميخائيل فيها بشكل مباشر وواجه أصعب التحديات منها طباعة المجلة  ونشرها وعلاقة ذلك بالجهات الأمنية. وإليكم هذا الحدث من هذه التحديات والإنجازات:
كانت المجلة تطبع في مطبعة "تايمز" في منطقة السنك في بداية شارع الرشيد على النمط القديم في تصفيف الحروف الرصاصية، أما قسم اللغة الآشورية فكان إما يكتب باليد وبخط جميل ثم في السنوات اللاحقة تم طباعته في المطبعة. بعد الطباعة كان يتطلب أخذ الصفحات إلى محلات "الوراقيين" لربط الصفحات وتلزيمها وتكبيسها ليكتمل شكل المجلة. كان جميع هذه المحلات موجودة في الأزقة الضيقة المتفرعة من شارع الرشيد بحيث لم يكن بالإمكان دخول السيارات فيها، بل كانت تنقل المواد في عربات صغيرة تدفع باليد. وذات يوم وبعد الإنتهاء من طباعة صفحات المجلة بقسميها العربي والآشوري حملها ميخائيل في عربة صغير وبدأ يدفعها في شارع الرشيد نحو أحدى محلات الوراقيين، فما كان إلا أن هبت رياح قوية فتطايرت أوراق المجلة من العربة على رصيف شارع الرشيد ثم بدأ ميخائيل وهو في حالة مرتبكة ومحرجة بجمع الأوراق بين أرجل المارة لوضعها في العربة غير أنه أستبشر خيراً عندما وجد شخص آخر يساعده في جمع الأوراق فعرف نفسه بأنه من رجال الأمن وبعد إطلاعه على أوراق القسم الآشورية أتهم ميخائيل بأنه يوزع مناشير يهودية وباللغة العبرية غير أن ميخائيل بذل قصار جهده لإقناعه بأن اللغة هي آشورية لمجلة المثقف الآشوري المجازة من قبل وزارة الإعلام وليست عبرية. رجل الأمن لم يقتنع لأنه بالأساس لم يكن يعرف بأن هناك لغة آشورية أو مجلة بأسم المثقف الآشوري، فما كان منه إلا أن أتصل بمسؤوله في مديرية الأمن العامة ليبلغه عن رجل يوزع مناشير يهودية في شارع الرشيد، فبدأ سلسلة الإتصالات والتحقيقات مع الجهات المعنية للوصول إلى حقيقة هذه اللغة والمجلة حتى توصلوا إلى قناعة للإفراج عن ميخائيل وعن صفحات المجلة لترى النور فيما بعد وكل ذلك بفضل ميخائيل الذي لم يكن محرر المجلة وىا أداريها ولا مدققها ولا متابعها بل للحق أقول كان "حمالا" – مع الإعتذار لهذه الكلمة – للمثقف الآشوري حيث كان يحملها بين يديه وينقلها من مكان إلى مكان وفي كثير من الأحيان شاهدته شخصيا يحمل نسخ كثير من المجلة بيده وينقلها من سيارة "بيكاب" إلى داخل النادي. هذه رواية من روايات التحديات والإنجازات للنادي الثقافي الآشوري والتي كان ميخائيل وغيره العشرات من فرسان هذه المسيرة الطويلة التي أنجبت خيرة مثقفي وكتاب وسياسي أمتنا.
وأخيراً حتى أعطي للقارئ بعض من سيرة ميخائيل الذاتية أعيد نشر السطور التي كتبتها عن أدباء النادي الثقافي الآشوري في كتابي المذكور، (النادي الثقافي الآشوري – مسيرة تحديات وإنجازات – 1970 – 1980 – طبع في مطبعة ألفا غرافيك، شيكاغو، الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1993. الفصل الخامس (ص 79 – 94) – عنوان أدباء النادي الثقافي الآشوري  ومنهم طبعاً ميخائيل، جاء فيه:
كان من الطبيعي جداً أن يعكس النادي هويته الثقافية في مجال الأدب وبشكل أكثر بروزا عن غيره من النشاطات الأخرى التي قام بها النادي طيلة عشر سنوات من مسيرته طالما أخذ على عاتقه مهمة إبراز الأدب الآشوري وإحيائه بشكل أكثر تطوراً وإنسجاما مع تطور المجتمع. فالمهرجانات الشعرية والآماسي الأدبية والحلقات اللغوية وإصدار النشرات والمجلات الأدبية تعني ضرورة وجود أدباء بالمستوى الرفيع لإنجاح مثل هذه النشاطات ... من هذا المنطلق، أصبح النادي مدرسة أدبية، أن صح التعبير، لخلق وصقل مواهب شابة وجديدة وساحة رحبة لكل الأدباء الآشوريين لإبراز نتجاتهم الأدبية وإبداعاتهم المتميزة... فأرتبطت أسماء الكثير من الأدباء الآشوريين بالنادي وبنشاطاته الأدبية. وإجلالا لكل الأدباء الذين ساهموا بنتاجاتهم الأدبية في نشاطات النادي وتفاعلوا معها كجبهة أدبية وثقافية واحدة من دون تمييز أحد عن الآخر، ادرجت بعضهم في الكتاب كأدباء الناي.
القد حاولنا، وأنا في بلد المهجر، أن اجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن أكبر عدد ممكن من أدباء النادي، فإضطررت أن نذكر بعضهم طبقاً للمعلومات المتوفرة عنهم وإعتبارهم كرموز لغيرهم من الأدباء الآشوريين من دون تفضيل أديب على آخر إطلاقا... وفي حينها ذكرت الأدباء الأجلاء كل من المرحوم إيشو القس عوديشو، المرحوم منصور روئيل زكريا (عضو فخري)، المرحوم زيا نمرود كانون، عوديشو ملكوم كيوركيس، المرحوم إختير بنيامين موشي (عضو فخري)، يوسف نمرود كانون، كوريال شمعون زيانو، أوراهم يلدا أوراهم، نينوس أندريوس يوسف (نيراري)، جورج أويا أرخيوام، وشملت الأسماء الأديب الكبير ميخائيل مروكل ممو، وهذه بعض السطور عنه التي توفرت لدينا في حينها:
•   ولد الأديب الآشوري ميخائيل مروكل ممو في عام 1947 (ماشاءالله بعدك شباب) في الحبانية وأنهى دراسته الإبتدائية والمتوسطة والثانوية فيها وتخرج عام1969 من معهد إعداد المعلمين فعمل منذ ذلك التاريخ في سلك التعليم مبتدئا بمدينة البصرة حتى أنتهى به المطاف في مدينة بغداد.
•   في مراحل دراسته أكتسب قابلية فذة في التعبير الأدبي والصحفي بإعتماده على النفس والمطالعة المستمرة مما أهله لدخول معترك الصحافة، فأشرف على تحرير صفحة الجامعة بجريدة الجنوب بين عامي 1966-1967 التي كانت تصدر في البصرة.
•   عمل بشكل دؤوب وفعال في بعض المؤسسات الثقافية والأندية الآشورية. فبعد إنتسابه إلى النادي الثقافي الآشوري عام 1971 عمل مع بقية زملاءه لإستحصال الموافقة الرسمية لإصدار مجلة المثقف الآشوري ثم كرس جلً جهده ووقته للعمل في تحرير ومتابعة صدور هذه المجلة، فعمل كسكرتير ثم كضو في هيئة تحريرها.
•   تولى في النادي مسؤوليات عديدة منها عضو في الهيئة الإدارية وفي لجنة التحرير والنشر كما كان من مؤسسي لجنة أصدقاء الأدب الآشوري، فشارك في الكثير من النشاطات الأدبية والمهرجانات الشعرية والمناظرات الثقافية، كما كتب ونشر العديد من القصص القصيرة والمقالات والبحوث الأخرى، وله كتب منشورة منها (ماهو البحث وكيف تكتبه – 1968) و (في رياض الشعر – 1976) كما له مخطوطات تنتظر النشر منها (موسم الرؤيا والفجر – شعر) و (بلا عنوان – مجموعة مقالات) و (في رياض الشعر والأدب – الجزء الثاني).
•   عمل خارج إطار النادي كسكرتير للهيئة المؤسسة لإتحاد الأدباء والكتاب للـ "الناطقين بالسريانية" ثم عضو في هيئته الإدارية كما عمل كسكرتير لنادي المجتمع الآشوري في منطقة الدورة ببغداد وشارك في الإعداد لبعض البرامج الثقافية لإذاعة وتلفزيون القسم "السرياني" في بغداد وكركوك.
•   وجد في المهجر درباً له، فواصل نشاطاته الأدبية والفكرية من هناك دون ملل وكلل.
==================================================
هذا جزء من مما عرفناه عن أديبنا ومفكرنا ميخائيل مروكل ممو.... أستعد وقم وأنهض يا صديقي العتيد لنلتقي هذه المرة ليس مع "يوخنا جوجانا" بل هناك حدث تاريخي مهم ينتظرك، فهئ نفسك وأمتطي فارسك لتنطلق نحو هذا الحدث الذي سيقام في وطننا العزيز بمناسبة نصف قرن على تأسيس النادي الثقافي الآشوري (أيلول 1970 – أيلول 2020) لتكون فارساً من فرسانه إلى جانب بقية فرسان النادي الثقافي الآشوري.
=================================================
صور مستلة من كتابي (النادي الثقافي الآشوري – مسيرة تحديات وإنجازات – 1970 - 1980)
في الصورة الثانية يظهر ميخائيل ممو الرابع من اليمين

 

71
لقاء زوعا و المجلس وبيت نهرين... ثم ماذا بعد؟
=============================

أبرم شبيرا
اللقاء الحزبي الثلاثي:
------------

بتاريخ 18 أيلول 2019 أستقبل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (المجلس) وفد من قيادة الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) في مقر المجلس في عنكاوه – أربيل، أنظر الرابط:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=949777.0

ثم بتاريخ 23/10/2019 ألتقى وفد من حزب بيت نهرين الديموقراطي (ﮔبًا) بالحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) في مقرها في عنكاوه – أربيل، أنظر الرابط:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=954389.0
 والإشارة هنا تقتضي بأنه كان هناك أيضا بعض اللقاءات بين هذه "الأحزاب" وغيرهم سواء بشكل ثناني أو أكثر  خلال الفترات السابقة، غير أننا سنقتصر على لقاءات هذه الأحزاب الثلاثة ذلك لأن:
•   شخصياً لي إهتمام خاص بأحزابنا السياسية سواء من حيث أهميتها في مجتمعنا، خاصة الأحزاب النشطة والفاعلة، أو بسبب خلفيتي الأكاديمية.
•   من النادر أن نجد لقاءات مثل هذا النوع خاصة بين مثل هذه الأحزاب السياسية، وسبب ذلك:
•    لهم ممثلين في برلمان إقليم كوردستان سواء بشكل مباشر أو من خلال قائمة إنتخابية، وبالتالي يمكن، على الأقل، إعتبارهم رسمياً أكثر جماهيرية في مجتمعنا.
•   وهنا يستوجب التأكيد بأن هذين اللقائين ليس بين  ممثلي القوائم الفائزة في برلمان الإقليم بل هما بين ثلاث أحزاب سياسية، وهو الأمر الواضح في تفاصيل اللقائين.

المشتركات والإختلافات:
--------------

هناك بين هذه الأحزاب الثلاثة بعض المشتركات والإختلافات:
أولا: المشتركات تتمثل في  إيمانهم بأن أبناء شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين يمثلون أمة واحدة وبمقومات مشتركة، وبالتالي أحتراماً لهذه التسميات الحضارية فهم يتبنون التسمية المركبة الموحدة لشعبنا "الكلدان السريان الآشوريون" في عملهم السياسي والقومي نحو ضمان حقوق شعبنا الموحدة والمشروعة في الوطن. ونجاحهم في الوصول إلى كراسي البرلمان يدل بأن التسمية المركبة مقبولة لدى غالبية أبناء شعبنا ودليل على رغبته في النظر إلى وحدته من خلال هذه التسمية المركبة الضامنة لتحقيق الحقوق القومية المشروعة الشاملة لكل تفرعات أو تسميات شعبنا في الوطن.  إضافة إلى ذلك فأن لكل منهم  مطلب رئيسي بخصوص ضمان كيان قومي لشعبنا سواء كحكم ذاتي أو إدارة محلية أو محافظة لسهل نينوى، زد على ذلك إهتمامهم بمسألة التجاوز على أراضي شعبنا وإن أختلفوا في حجمها ومضمونها.
ثانياً: أما بالنسبة للإختلافات فهي على الأكثر مبينة على المواقف السياسية وقد ترتبط بمرحلة زمنية معينة وربما آنية وقصيرة متعلقة بحادث أو موقف معين، لنأخذ مؤتمر بروكسل مثالا على ذلك. أي بعبارة أخرى يمكن القول أنها تدور في دائرة التكتيك. ومما لا شك فيه بان هناك إختلافات سواء من حيث طبيعة ونوعية الأحزاب الثلاثة المشار إليها أو من حيث توجهاتها وسياساتها أو خطابها السياسي، إلا أنه من الضروري التأكيد بأن بعض من هذه الإختلافات لم ترتقي بعد إلى مستوى الخلافات والتناقضات، بإستثناء قليل، وقد تكون إختلافات في التفاصيل وليس في المبدأ.
ما بين الإختلافات والخلافات
-----------------

الخلافات هي توجهات مرتبطة بالفكر والإيديولوجيا التي يؤمن بها الحزب بحيث تحدد طبيعته الفكرية والسياسية، أي بعبارة أخرى أنها تدور في دائرة الإستراتيجيا، ولها القابلية للإرتقاء إلى دائرة التناقضات. وبالنظر لكوننا أمة صغيرة وحديث العهد في السياسة وفيها تناقضات فكرية قليلة أو سطحية ليس لها أي نوع من العمق الفكري والأيديولوجي، بإستثناء المسائل الكنسية والطائفية، فإننا نؤكد، كما أكدنا في السابق، بأن معظم الإختلافات بين أحزابنا السياسية لا ترتقي إلى خلافات أيديولوجية وتناقضات فكرية، بل هي خلافات تكتيكية مرتبطة بموقف أو حدث معين. وحتى لو أخذنا منظمة كلدو آشور التابعة للحزب الشيوعي الكوردستاني نرى بأن توجهاتها فيما يخص حقوق شعبنا في الوطن تتمشى أو تتماثل أو هي تقريباً نفسها التي تتبناها أحزابنا السياسية ولا تحمل في وجهها خلافات. وبالمناسبة أن الحزب الشيوعي الكوردستاني، هو الحزب الوحيد بين جميع الأحزاب العراقية الذي له منظمة تخص شعبنا وتشارك في بعض النشاطات التي تقوم بها أحزابنا السياسية، لا بل كانت منظمة كلدو آشور عضواً في تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية، رحمه الله، وهذا ليس أمراً غريباً بالنسبة لحزب شيوعي أممي وأن لبس لباس الكوردستانية، فله توجهات وسياسات تجاه الأقليات القومية.
 هنا من الضروري أن نعرف معرفة جيدة وناضجة وفكرية وسياسية بأن  التراكمات، لنقل تراكم الإختلافات وإستمراريتها سوف تؤدي لا محال إلى تغييرات نوعية، أي بعبارة أخرى أن إستمرار الإختلافات وتواترها سوف تؤدي إلى تغييرات نوعية تظهر في الخلافات ومن ثم أستمرار وتواتر الخلافات لا محال سوف تؤدي إلى تناقضات. وبتراكم هذه التناقضات وتواترها ومن دون البحث وإيجاد حلول لها سوف يتأزم الوضع ويحط المجتمع على مسار التخلف والعجز عن مواكبة التطور المطلوب لكل مجتمع ، وهو الأمر الذي شاهدناه في وضعنا القومي والسياسي عبر سنوات طويلة ونشاهد بعض جوانب هذه التراكمات في هذا الأيام أيضا.   
وإذا كان أمر الإختلافات بين هذه الأحزاب الثلاث المشار إليها، حالة صحية طبيعية لا غبار عليها طالما بقت ضمن إطارها التكتيكي الآني المرتبط بحدث معين أو سياسة محدودة،  فإن المشكلة تبقى في الخلافات القائمة في تفاصيل هذه الإختلافات أو في شكلها أو حجمها أو طبيعتها السياسية والقانونية، والأمثلة في سياق الخلافات نجدها في شكل أو نوع الكيان القومي المطالب به، كالحكم الذاتي أو الاإدارة الذاتية أو محافظة في سهل نينوى ضمن دولة العراق أم ضمن الإقليم، وهنا نقول مع المثل القائل "الشيطان يكمن في التفاصيل". وهي التفاصيل التي يخشى عليها أن ترتقي إلى تناقضات صعبة الحلول، وهو الأمر الذي ظهرت بوادره في الماضي ونلمس بعضها في هذه الأيام.

أين يكمن مصدر الخلافات:
---------------

المصراحة بالحقيقة أمر ضروري لكل مجتمع يبنى عليها مسار تطوره خاصة في المسائل السياسية وبالتحديد في التحالفات والإتفاقيات الحزبية، وبعكس ذلك، أي إخفاء الحقيقة والتستر عليها أمر لا محال سيعيق أو يُفشل أي تقدم أو تطور أو الثبات في العلاقات السياسية والحزبية. من هنا يستوجب علينا ونحن نبحث عن هذه الحقيقة "الحزبية" لهذه الأحزاب الثلاث ونصارح بها، نبداً أولاً بـ :

حزب بيت نهرين الديموقراطي (ﮔبًا): وهو الحزب الذي تأسس في المهجر، في شيكاغو - الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، الأمر الذي يظهر منه بأن حزب عتيد ومستمر منذ تلك الفترة، إلا أنه لم يكن حزباً بالمعنى الصحيح والعلمي لهذه الكلمة بل كان أكثر ما يكون هو منظمة نخبوية محصورة في بعض الشخصيات المعروفة في المجتمع الآشوري لم يلمس شعبنا، خاصة في الوطن، أي بوادر نافعة منه عدا بعض النشاطات الإجتماعية والإعلامية في المهجر. غير أنه منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي  وظهور بوادر لهامش ديمقراطي في الإقليم الكوردستاني ظهر له وجود ملموس في الإقليم وبمساندة ودعم من الحزب الديموقراطي الكوردستاني (البارتي). وقد يكون ذلك للأسباب، أما (اولا): لغرض توسيع المجال الديموقراطي في الساحة الآشورية وإظهار للعالم بأن السلطات المختصة في الإقليم، وهي في بداية عهدها الشبه المستقل، ضامنة لحقوق الأقليات. أو (ثانيا): لمزاحمة أو منافسة أو حتى محاربة الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) التي كانت الفاعل الرئيسي والوحيد على الساحة السياسية الآشورية وفازت بأربعة مقاعد من خمسة  في برلمان الإقليم في أول إنتخابات برلمانية عام 1992. غير أنه لم تكن المسافة الشاسعة والبعيد بين شيكاغو وأربيل فحسب بل أيضا بمدى الإرتباط بأرض الوطن والعمل ضمن شعبنا والإحساس بمعاناته وإحتياجاته  كلها عوامل جعلت من (ﮔبًا) أن يتكثف وجوده في الوطن وتنحصر قيادته شيئاً فشيئاً في شخصيات من أبناء مجتمعنا في الوطن وبالتالي بدأت بوادر التباعد، ولنقل الإنشقاقات في الحزب خاصة بين المهجر والوطن والإبتعاد عن قيادته العتيدة وظهور قيادات "وطنية" ولدت وعاشت وعملت على أرض الوطن، وبالتالي يمكن القول بأن الحزب أصبح عراقياً مائة بالمائة ولا صلة له بالمهجر إلا بفرع أو فرعين له (هكذا) أو ببعض الشخصيات أو الجمعيات في المناطق الأكثر تجمعاً لشعبنا في الولايات المتحدة الأمريكية. غير أنه إيفاءا برد الدين أو الوفاء للبارتي الذي ساند ودعم (ﮔبًا) تأصلت علاقات وثيقة بينهما إلى درجة ظهر كأن (ﮔبًا) يسير على نهج البارتي في سياسته الخاصة تجاه شعبنا، وما تحالفه مع بعض الكيانات المصنوعة من قبل البارتي وبالتالي الفوز بثلاث مقاعد في البرلمان الكوردستاني إلا دليل واضح من بين الكثير من الأدلة خلال السنوات القليلة الماضية.

الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا): بعيدا عن الإعتبارات الشخصية والفكرية فأن زوعا وبكل المقايس العلمية والموضوعية المعروفة في علم السياسة تعتبر حزباً سياسياً بكل المعنى الكلمة سواء من حيث كيفية تأسيسه أو هيكليته أو مؤتمراته أو جماهيريته وحتى من حيث إستقلايته الفكرية، أن صح التعبير. حيث أستطاع منذ فترة تأسيسه عام 1979 أن يعمل (مع)  وليس (لـلـ) الأحزاب العراقية ووفق مفهوم العمل مع وليس للـ، كأسلوب لإستقلالية العمل السياسي من جهة والتعاون والتحالف مع الأحزاب الأخرى من جهة أخرى ولكن من غير الخضوع لهم أو السير على خط سياستهم. وقد يمكن أعتبار تحالفه مع الأحزاب الأخرى ضمن "الجبهة الكوردستانية" في التسعينيات القرن الماضي غير مثال على نجاحه في هذا السياق وتحقيق بعض الإنجازات. فمن خلال متابعتي المستمرة والثاقبة لسياسة زوعا وعملها على الساحة السياسة نرى بأنها أحتفظت بإستقلالية قرارها بشكل مستمر غير أنه يظهر بأن صلابة إستقلاليتها، كمنهج إستراتيجي غير قابل للتنازل، جعلها أن تبتعد أو تغيب نوع ما عن منهج التكتيك في التحالف مع أحزاب شعبنا أو غيرها من الأحزاب، وبالأخص الأحزاب السياسية الفاعلة على ساحة الإقليم الكوردستاني، لأن هذا الإقليم، قبلنا تسميته أو رفضنا، رضينا بأحزابه أم لا، فأنه يشكل بالنسبة لشعبنا ولأحزابه السياسية الساحة الحقيقية والمثالية والموضوعية للعمل السياسي والقومي أكثر بكثير من غيره من المناطق العراقية الأخرى وأحزابها السياسية. لماذا أنعقدت الأحزاب الثلاثة المذكورة لقاءاتها في عنكاوه وليس في تل محمد أو دوره في بغداد أو في الناصرية أو البصرة؟ . أليس الإقليم هو آشور الذي نتغنى به ليل نهار؟ وحتى للذين ينفخون في قربة فارغة في تحرير آشور وهم قابعون في بيوتهم الدافئة في المهجر أليس من المفروض أن يعملوا من أرض آشور وإنتزاع حريته من الأحزاب المسيطرة عليه.
هنا نؤكد تأكيداً قاطعاً بأن إستقلالية زوعا أو أي حزب من أحزابنا السياسية وتمسكه بالفكر الإستراتيجي يجب أن لا يمنعه من أن يمارس السياسة التكتيكية التي حتما لا تتعارض مع إستراتيجيه في خدمة أبناء شعبنا في الوطن أو في تحالفه تكتيكياً مع الأحزاب السياسية الأخرى لأبناء شعبنا، وتجربة إنضمام زوعا إلى الجبهة الكوردستانية في بداية التسعينيات والتي كانت تضم أحزاب عراقية مختلفة من جوانب سياسية قومية ودينية وإجتماعية وثقافية قد تكون لزوعا نموذجا للعمل السياسي والجبهوي مع أحزابنا السياسية الأخرى، مثل (ﮔبًا) والمجلس، رغم جلوسهم تحت مظلة البارتي إلا أن هناك عوامل مشجعة ومشتركة من قومية ودينية وإجتماعية وثقافية تسهل الأمر أكثر بكثير من العمل مع الأحزاب الأخرى المختلفة عن زوعا من هذه الجوانب، خاصة عندما نلمس ونشاهد الكثير من نشاطات (ﮔبًا) والمجلس لها جوانب قومية تثير إهتمام أبناء شعبنا ويحسب لها حساب على الساحة السياسة القومية في الإقليم.   

المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (المجلس):
لا نكشف سراً في القول بأن المجلس تأسس بمبادرة أو برعاية السيد سركيس أغاجان، وزير المالية الأسبق في مجلس وزراء الإقليم السابق وكادر متقدم في البارتي. ليس هناك في كل العالم وتحديدا في مجال الأحزاب السياسية أن يقوم كادر متقدم في حزب ما بتأسيس حزب أو تنظيم أو تكتل إلا أن يكون سائراً في دائرة الحزب الذي ينتمي إليه هذا الكادر المتقدم وقد يستخدمه كأداة لتحقيق بعض سياسات حزبه. ولو تابعنا المجلس خاصة في بداية تأسيسه نرى بأنه تأسس كتجمع أو تكتل أكثر بكثير من أن يكون مجلس منتظم أو حزب سياسي. ومؤتمراته لم تكن تعدو أكثر من مهرجانات خطابية. والأنكى من هذا وذاك هو مؤتمره الذي تحول فيه إلى حزب سياسي ثم إختفاء هذا الحزب والرجوع إلى المجلس، والذي كان يدل على ضحالة أو البساطة في فهم ثقافة التنظيمات السياسية والحزبية. وليس شك في الأمر بأن البارتي أسس المجلس كمنافس أو تحدي لزوعا، في الوقت الذي كان هناك (ﮔبًا) متواجد على الساحة السياسية لشعبنا في الإقليم يقوم تقريباً بنفس الدور، مما يعكس بأن هناك نوع من التيارات أو توجهات متباينة في البارتي نفسه وهذا أمر طبيعي في الكثير من الأحزاب السياسية التي تتواجد فيها تيارات وأجنحة مختلفة، وذلك بمسعى خلق أداة لتحقيق توجهات البارتي السياسية والفكرية تجاه شعبنا. فدخول المجلس و(ﮔبًا) بقوائم مستقلة في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة لهو دليل قاطع على هذه التباينات والتوجهات تجاه شعبنا. ويظهر بأن تحالف (ﮔبًا) مع بعض الكيانات المصنوعة من قبل البارتي ضمنت لتحالفه ثلاث مقاعد في البرلمان الإقليمي في الوقت الذي حصل المجلس على كرسي واحد مما يعكس  قوة ونفوذ الجناح الأقرب لـ (ﮔبًا) في البارتي على الجناح الآخر الأقرب للمجلس.

الأهم في المشتركات وليس في الإختلافات:
على العموم الأمر الذي يهمنا هنا في هذه السطور ليس الإختلافات بين هذه التنظيمات الثلاث بل هو المشتركات القائمة بينهم لأنها هي أس الأساس للإنطلاق نحو تحالف أو توافق على مسائل قومية معينة ومنطقية وقابلة للتطبيق. السياسة لا تعرف المطلق لأن المطلق هو من عالم الخيال في حين السياسة هي واقع موضوعي لا بل ونسبي فيما يتعلق بنجاحها أو فشلها، أي بعبارة أخرى لها جوانبها الإيجابية والسلبية. في وقت سابق ذكرنا بأن التطور  ليس دائماً خطوات إلى الأمام بل التطور هو خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء وقد تختلف عدد هذه الخطوات وطبقاً للظروف المحيطة بالمجتمع. ومن المؤسف له بأنه في كل تاريخ مجتمعنا ينظر معظم أفراده ألى الخطوات السلبية ويتجاهلون الخطوات الإيجابية، وهذا ما نشاهده في هذه الأيام التي تزخر بالتهم والتهجمات والكلام اللاذع والتحقير على حزب ما بمجرد أن خطى خطوة خاطئة أو تعثر في مسألة معينة ومن دون النظر، سواء بجهل أو قصد، إلى الخطوات الأخرى الإيجابية لهذا الحزب أو ذاك.
قادة التنظيمات الثلاث المذكورة يعرفون حق المعرفة بأن ثقة أبناء شعبنا بتنظيماته السياسية والقومية قد أنحسرت كثيرا، إن لم نقل فقدت ولم يعد تثير إهتمامهم مثلما كان في السابق. لعل السبب الرئسي في هذا الوضع قد يكمن في الظروف المأساوية الماحقة التي أحيط بها شعبنا لتضعه قبل كل شيء على مسار البحث عن لقمة العيش وضمان أمنه وسلامته ومستقبل أولاده. ولكن من جانب آخر يجب أن لا "نرش الحبر" في وجة الظروف المأساوية فحسب بل لتنظيماتنا القومية حصة من هذا "اللوم". لقد دلت التجارب السابقة: أولا: فشل وإخفاق جميع التحالفات والتفاهمات بينهم وإنفراط عقدة أي تقارب بينهم. ثانياً: غياب المسعى نحو لقاءات مثمرة بينهم أو تحالفات وسبب معظمها شخصية وتحزبية. ثالثاً: غياب العمل الجبهوي أو الجماعي على المسائل القومية حتى على تلك التي يؤمنون بها ويصرحون بها وبالتالي اللجوء إلى العمل الإنفرادي والتحزبي والذي لم يكن لخواتهه حصة أو ذرة ثقة في أبناء شعبنا، فاللهوت وراء الكراسي البرلمانية والمناصب الحكومية خير مثال على ذلك. وقد لا أكون مخطئاً في القول بأن شعبنا لم يعير أي إهتمام بلقاء التنظيمات الثلاث المذكورة، ولم نسمع أو نقرأ أي تعليق بخصوص اللقائين خاصة في الخبر الذي نشر وفيه تعابير عمومية وفقرات سياسية فضفاضة سئم شعبنا منها وملً من سماعها لأن بالنسبة له لا تعدو أن تكون غير "حجي جرايد" كما يقال. لا بل وحتى حجم صور اللقائين كان أكثر بكثير من سطور الخبر، وهي الحالة التي نشاهدها في معظم اللقاءات والإجتماعات التي تقوم بها تنظيماتنا القومية بنشر صور كثيرة، متشابهه ومتكررة، عن الحدث حتى ولو كان خبر هذا الحدث متكون من بضعة سطور، فهذا تعبير سيكولوجي لتضخيم الحدث وتعميق أهميته الذي يبقى محصوراً بين جدران القاعة أو الغرفة أو المكتب عاجز عن الخروج والولوج في عقول أبناء شعبنا.
وأخيرا:
مهما يكن، فالحياة، خاصة في مجال العمل السياسي والقومي ليس كله "عسل على الزبد" وليس كله خطوات إيجابية مطلقة أو سلبية مطلقة. فكما قلنا الإطلاق عالم من الخيال بعيد عن السياسة التي تجمع بين الخطوات الإيجابية والسلبية وعلينا نحن كقومية صغيرة تعصف بها الرياح الصفراء من كل جهة علينا التركيز والإهتمام بالخطوات الإيجابية في الوضع الراهن مهما كانت هذه الخطوات صغيرة وبسيطة لكن يمكن، لو كان قادة أحزابنا عقلاء ومنطقين، أن تأخذها كمنطلق لخطوات إيجابية أخرى قد تعيد ثقة أبناء شعبنا بأحزابه السياسية. من هذا المنطلق نرى بأن اللقائين بين التنظيمات الثلاث المذكورة خطوة شكلية بسيطة يمكن الإعتماد عليها للإنطلاق نحو خطوات أخرى وهذه المهمة يجب أن لا تنتهي بإنتهاء الإجتماع بل من الضروري أن يكون لها تواصل وإستمرار وبإجتماعات أخرى أكثر منطقية وبعيدة عن المجاملات والشكليات والصور والسعي لتحقيق المشتركات الممكنة بينهم وتجنب الركض وراء الأماني غير الممكنة في الوقت الراهن. لذا أقترح في هذا السياق عقد لقاء.. لقاء بين قادة التنظيمات الثلاث السيد يونادم كنا والسيد روميو حيكاري والسيد جميل زيتو حتى ولو كان على طاولة "ستكان جاي" لعل يتناثر من هذا اللقاء بعض ذرات الثقة يشم منها أبناء شعبنا رائحتها في بإمكانية تحقيق بعض الإنجازات حتى ولو كانت بسيطة، وقد يفتح مثل هذا اللقاء الباب مشرعاً أمام غيرهم من تنظيمات وأحزاب شعبنا للمشاركة في مثل هذه اللقاءات.
مهلاً ... مهلاً... قد يقول أحد القراء الكرام كيف لزوعا المستقل قومياً وتنظيمياً أن يعمل مع (ﮔبًا) والمجلس وهما جالسون تحت مظلة البارتي ولا يحاول العمل مع أحزابنا المستقلة الأخرى؟؟؟ فالجواب نجده في الواقع المعايش، فزوعا حاول العمل مع هذه الأحزاب المستقلة ولكن المصالح الشخصية كانت السيف البتار في القضاء على أي محاولة عمل معها ولا يمكن إزالة هذه المصالح إلا بإزالة الشخص المعني. أما العمل مع الأحزاب الأخرى فعامل الإختلاف أو الخلاف يكمن في المسائل السياسية والتي قد تخضع للمناقشة والأخذ والعطاء وقد تصل إلى نتيجة ما. من هنا رأينا بأن اللقاء الثلاثي المذكور قد يتبرعم ويعطي ثمار خاصة ولهم ممثلين في برلمان الإقليم.
     






72
الدستور العراقي والديموقراطية والدُب والقبقاب
=================================
أبرم شبيرا
الدب والقبقاب:
---------

الدبُ والقبقاب مثل عند الآشوريين يضرب للحالات المتناقضة التي لا يمكن أن تتفق أو تتطابق، كما هو الحال مع إرتداء الدبُ للقبقاب الذي يجعل أمر  مشي أو ركض الدب مستحيلاً.  ولا أدري فيما إذا أستخدم غير الآشوريين هذا المثل لتفسير الحالات المتناقضة وصعبة الإتفاق والتطابق.

المضمون اللغوي للدستور:
---------------

عندما تفتقر لغة قومية معينة مصطلح من المصطلحات، السياسية أو القانونية، وهو الأمر الذي يعنينا في هذه السطور، أو لا تمارس مضمونه فهذا يعني بأن هذه القومية ليس لها ممارسات على أرض الواقع لمضمون هذا المصطلح. فلو أخذنا نحن الآشوريين نرى بأن مصطلحات مثل (لويا) والذي يعني (رفيق في حزب) أو (لومادا) والذي يعني (مؤتمر) أو (أويوتا) ويعني (تحالف حزبي) وغيرها كثر، هي مصطلحات جديدة لم تكن موجودة أو بالأحرى لم تكن متداولة أو معروفة للناس سابقاً بل جاءت كنتيجة أو تولدت من جراء الممارسات السياسية والحزبية فشاع إستخدامها بين الناس خاصة الحزبيين منهم. ففي اللغة العربية لا نجد مصطلح "الدستور"، لأنه فعلاً لم يكن لمضمونه ممارسات على أرض الواقع، فهو في الأصل كلمة معربة من اللغة الفارسية ومركبة من "دست" والتي تنعي القاعدة أو الأساس و "ور" ويعني صاحب، لتعطي معنى صاحب القاعدة أو مرجع الأساس، وهي كلمة فعلا تعكس مضمونها المعروف في الدستور نفسه. وقد حاولت المجاميع العلمية واللغوية العربية إيجاد كلمة بدلا من الدستور المعربة من الفارسية فلم تجد كلمة واحدة لتعطي نفس المعنى فلجأت إلى كلمة مركبة مثل "القانون الأساسي" أو "القانون الأعلى". وهذا يعكس عن عجز اللغة العربية عن مواصلة ركب التطور الحضاري وإيجاد مصطلحات تعكس مضامينها. ولو حاولنا مقارنة اللغة العربية باللغة الإنكليزية نرى بأن هذه الأخيرة لها حيوية مفعمة بالتطور ومواكبة العصر في إيجاد مصطلحات لممارسات واقعية وأحداث جديدة ومستجدة، وأخرها كان ظهور كلمة (البريكست – Brexit) والتي خلقت من دمج الكلمتيين (British Exit) أي خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، وبهذا أصبح هذا المصطلح (البريكست)  يستخدم في اللغة الإنكليزية لخروج أي عضو من منظمة منتمي إليها، فدخل هذا المصطلح قاموس اللغة الإنكليزية. والحال هكذا بالنسبة للدستور(Constitution) في اللغة الإنكليزية والمتأتي من فعل (Constitute) والذي  هو فعل يُعين أو ينصب أو ينشئ مؤسسة أو يسن او يشكل، وعلى هذا الأساس جاء مصطلح (Constitution )، أي الدستور.

دساتير بلدان العالم الثالث:
-----------------

بمراجعة سريعة لدساتير معظم دول الشرق الأوسط وخاصة الشمولية منها، يكشف المرء بأنها دساتير مثالية نوعا ما تضم مواد وفصول للحريات وحقوق الإنسان وتداول السلطة والانتخابات وبطرق سلمية وديموقراطية. لكنها في واقع الحال ومن حيث الممارسة هي بعيدة جدا عن هذه المفاهيم. فالعناوين هي ذاتها لكن التفاصيل متعارضة جدا وأمر تطبيقها على أرض الواقع متناقض تماماً معها. ولعلنا نتذكر الدستور العراقي المؤقت أو مشروع الدستور الدائم الذي تمت مناقشته أشهر طويلة بعد طرد النظام البعثي من الكويت، والذي احتوى في حينها على مواد أساسية تتعلق بحرية التعبير والمظاهرات والانتخابات وتداول السلطة وتشكيل الأحزاب والجمعيات، وهكذا الحال مع الدستور السوري والمصري واليمني وغيرها، حيث تركز جميعها على النظام الديمقراطي وعلى حرية الفرد وحقوق الإنسان وتداول السلطة بطرق سليمة وديموقراطية وضمان حقوق جميع المواطنين من دون أية تفرقة بين أبناء الشعب الواحد. ولكن من جهة أخرى نرى بأن هذه الدول هي من أقسى دول العالم في تعاملها مع مواطنيها، بل ارتكبت بعضها أبشع أنواع الجرائم بحقهم، ولم تمنعها تلك الدساتير من اقتراف كوارث مروعة بحق شعوبها، فواقع الحال في العراق يشهد على ذلك رغم تسطير الكلمات مثل الديموقراطية والحريات في الدستور.
الديموقراطية بين الفكر والممارسة
--------------------

طبعاً عندما نذكر الديموقراطية ليس بمفهومها الفلسفي والسياسي كما هو في الفكر السياسي أو المطبق في بريطانيا وبعض الدول الغربية وإنما أذكرها كمثال ليس من باب المقارنة والتشبيه بمفهوم الديموقراطية في بلدان الشرق الأوسط ومنها العراق، فهذا حرام، فشتان بين الأثنين، وإنما أعرضها لكي نفهم المعنى الحقيقي للديموقراطية وكيفية ممارستها ونحن نتغنى بها ليل نهار. ففي العراق وحتى في معظم الدول العربية، فالحكام الحاليين لم يرثوا من الماضي أية نوع من الديموقراطية أو أفكار وممارسات متعلقة بها، بل كل ما ورثوه هو الإستبداد والظلم والتعالي على الآخرين، وهي الأساليب التي ترسخت في عقولهم وأنعكست على ممارساتهم السياسية على أرض الواقع، ولا أجني على التاريخ عندما أقول بأنهم ورثوا الإستبداد السياسي والفكري من الدول الإسلامية التي قامت في المنطقة وتحديدا الدولة العثمانية التي لم تكتفي بظلمها ومحاولة إفناء المسيحيين فحسب بل تطاولت في غيها حتى على مسلميها من الشيعة. فالقصد بالديموقراطية هنا ليس حكم الأكثرية فحسب، بل هي نظام إجتماعي في المقام الأول ينظر إلى الآخرين بنظرة قبول المختلف وضمان حقوقه. ومثل هذه الديموقراطية ليست  وليدة اللحظة وتسطيرها على الأوراق والقوانين وكتابة الدستور بل هي نتاج تطور حضاري وفكري وعبر قرون طويلة وتواصل تدريجي تاريخي لمراحل تطور المجتمع نفسه، وهي المراحل التي لم تمر بها بلدان الشرق الأوسط وتحديداً العراق منها. فالظروف الموضوعية وحتى بعض المفاهيم الدينية لهذه البلدان خلقت عقلية مختلفة كلياً عن مفهوم الديموقراطية التي تُعرف وتمارس في هذا العصر، وتحديداً الظروف الجغرافية وطبيعة الإنتاج الزراعي والرعوي ثم الريعي لهذه البلدان، خاصة بعد إكتشاف النفط الذي يعتبر ملك الحكام سواء بشكل مباشر إو غير مباشر وعن طريق مؤسسات حكومية يهمنون عليها والتي لا يمكن التنازل عنها لأنها ممتلكات خاصة بهم. وهي الظروف التي درسها كارل ماركس في القرن التاسع عشر عندما طرح مفهوم الإستبداد الشرقي لفهم التطورات الحاصلة في هذه المجتمعات وطبيعة نظام الحكم فيها مؤكداً بأنه بسبب كون الثروة الوطنية للبلد ملكاً خاصاً للحكام فإن أمر التنازل عن السلطة لا يعني إلا تنازلا عن ملكهم الخاص، أي الثروة الوطنية. ثم جاء بعض المفكرين العرب لتلطيف هذا المفهوم وتأويله ثم تأطيره بمفهوم "الحاكم العادل المستبد" الذي يسود في بعض الأنظمة العربية والإسلامية، خاصة الأنظمة الملكية، والذي يبدو هو النظام الأصلح والأنفع للدول العربية وبعض الدول الإسلامية.
في دراسة نشرتها مجلة (الإكونومست – The Economist) بعددها الصادر في شهر حزيران 1997 تحت عنوان (الحكم العربي الأوتوقراطي (الفردي) إلى الأبد – Arab Autocracy For Ever) تطرقت إلى أنظمة الحكم في البلدان العربية التي تدعي بالديموقراطية حيث ذكرت بأن معدل بقاء الحاكم في الحكم هو 22 سنة ولا يوجود حاكم عربي سابق على قيد الحياة، (طبعاً بإستثناء لبنان، واخيرا بعد ما يسمى بـ "الربيع العربي" ظهرت أستثناءات في مصر وتونس). فالتاريخ السياسي للدول العربية، بإستثناء دول ذات النظم الملكية، لم يسجل موت حاكم عربي موتاً طبيعياً وهو في السلطة غير أنه قتل في إنقلاب عسكري أو نفي خارج البلد. وتُرجع الدراسة أسباب هذا الحكم الفردي غير الديموقراطي إلى عدة أسباب منها إفتقار هذه الدول إلى المؤسسات الديموقراطية الحقيقية، شكلاً وممارسة، وإلى إعتماد الدين الإسلامي مصدراً للتشريع والممارسات السياسية والذي يعتبر المصدر الحقيقي لشرعية الحكومة والنظام السياسي وقوانينه والذي لا يقبل النقاش والجدل. فالأنتخابات الشكلية التي تجري في هذه البلدان ما هي إلا غطاء للحكم الفردي والدكتاتوري في هذه البلدان. لقد دلت التجارب السابقة بأنه إذا رشح رئيس الدولة أو رئيس الوزراء نفسه للإنتخابات فالفوز له محتوما وبنسبة تزيد عن 95%، فإذا لم يكن الفوز له فمن المؤكد سيكون للحزب الحاكم الذي ينتمي إليه، وحتى إذا لم تكن الأصوات المقترعة لصالحه فأنه سيلجـأ إلى شتى الوسائل للوصول إلى كرسي الحكم. وهناك تجارب سابقة في هذا السياق. وتفسير معمر القذافي للديموقراطية في قوله بأنها مصطلح عربي يتكون من مقطعين (ديمو) و (كراسي) أي إستمرار جلوس الحاكم على كرسي الحكم مدى الحياة، وهو نموذج واضح لديموقراطية العرب وبعض الدول اإلإسلامية. وقد يأتي تعديل بعض فقرات دستور الدولة لضمان بقاء الحاكم في السلطة نموذج لديمومة كراسي الحكم، كما كان الحال مع تعديل دستور سوريا وباسل الأسد وتعديل دستور مصر وعبد الفتاح السيسي وتعديل دستور تركيا مع أردوكان.

هذا النوع من الحكم مستمد من الحقائق والوقائع للدول التي تدعي بالديموقراطية ودساتيرها لا تخلو من الإشارة إلى كون حكمها ديموقراطي ولكن في الحقيقة والواقع والممارسة هي أنظمة إستبدادية وبعيدة كل البعد عنها، والنظام السياسي في العراق مثال حي وصارخ على هذا التناقض لأن المحاصصة الطائفية ومفهوم "الديموقراطية التوافقية" وغياب المعارضة البناءة الفاعلة والإستبداد الفكري تجاه المختلف والتجني على حقوق الأقليات كلها عناصر متناقضة تماماً مع مفهوم الديموقراطية. ففي العراق برلمان قائم على أسس طائفية واضحة وتحصيص المناصب العليا كرئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء ورئيس البرلمان مخصصة طائفياً والحال أيضا مع المناصب الوزارية وحتى العسكرية لا بل وحتى الأحزاب السياسية والميليشيات  كلها تقوم على أسس طائفية لم تخصص أو تعين وفق الدستور بل وفق السياقات السياسية التي لها العلوية السياسية وفوق الدستور والقوانين وبعيدة عن العدالة الإجتماعية. إذن ضمن هذا النظام الطائفي المحجوز مراكزه المهمة لبعض الطوائف المهيمنة ما الذي تستطيع، على سبيل المثال الأقليات المسيحية ومنها شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"، أن تفعل وتحقق ولو جزء ضئيل من طموحاتها رغم وجود كوتا مخصصة لهم والذي هو الآخر مخترق ومسلوب من قبل الكبار. فإذا كانت الغالبية العظمى، أكرر الغالبية العظمى وليس الجميع، في البرلمان لا يؤمنون ولا يعملون وفق الأسس الديموقراطية وينفون فعلياً وواقعياً الآخر المختلف فما الذي ننتظره من "ممثلي" شعبنا في البرلمان والمجالس الحكومية والمحلية أن يعملوا في هذه الأجواء المظلمة. يقال بأن الواعي بالأمور يكون محصناً من المفاجاة والحالات الطارئة فيكون متيقضاً تجاها للرد المناسب عليها. ولكن لا أدري هل أن "ممثلي" أمتنا في البرلمان غير واعين بالفكر الإستبدادي الذي يتعشش في عقول معظم أعضاء البرلمان ورجال الحكم في العراق، فنراهم يتفاجئون "ممثلي" شعبنا عندما تصدر السلطات تشريع مجحف بحق شعبنا أو تواجه طلباتهم بالرفض أو الإنكار من قبل هؤلاء؟؟؟
دستور جمهورية العراق لعام 2005
-----------------------

يذكر الدستور العراقي الدائم، الذي صوت عليه من قبل البرلمان العراقي في 15 تشرين الثاني  من  عام 2005 في الباب الأول (المبادئ الأساسية) على مايلي:
المادة (2):
اولاً ـ الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع:
أ ـ لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.
ب ـ لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
ج ـ لايجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور
ثانياً ـ يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما و يضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والآيزديين والصابئة والمندائيين.
ثم المادة (14) والتي تقول:
"العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الإقتصادي أو الإجتماعي".
هنا في هذه الفقرات فقط، وغيرها كثر، هي بالضبط كالدب والقبقاب. لأن أبسط مطلع محايد وموضوعي وعلمي في القانون الدستوري سيجد التناقض الصارخ بين هذه المواد والفقرات. لا أدري رغم ضحالة معرفتي بالقانون الدستوري كيف سيتساوى جميع أبناء الشعب العراقي، وهم على ديانات متعددة ومختلفة، إذا كان الإسلام دين الدولة الرسمي ولايمكن سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام في الوقت الذي نعرف بأن "ثوابت أحكام الإسلام" مفهوم مطاطي واسع خاضع لتفاسير رجال الدين الإسلامي في كبح أي قانون أو تشريع يخص غير المسلمين بحجة بأنه يتعارض مع أحكام الإسلام؟. وهناك ملاحظة تسترعي الإنتباه إليها تتمثل في علم دولة العراق الحالي. فمن المعروف بأن نظام البعث وضع على العلم العراقي ثلاثة نجوم تمثل أهدافه الثلاث في "الوحدة والحرية والإشتراكية" ثم أثناء إحتلال الكويت وحرب الخليج الأولى وضع بين النجوم دعاء "الله أكبر". وبعد سقوط النظام في عام 2003 وما لحقه من تطورات والبحث عن هوية جديد للنظام العراقي ورموزها، دارت نقاشات حادة بين القوى الفاعلة على الساحة السياسية عن إيجاد علم عراقي جديد يعكس الهوية الجديدة للنظام فلم يوفقوا أو يتفقوا على نوع وشكل العلم الجديد غير الإبقاء على العلم كما هو مع حذف النجوم الثلاث وأبقاء دعاء "الله أكبر" كرمز لإسلامية الدولة العراقية رغم أنهم كانوا يعرفون باليقين بأن صدام حسين كتبها على العلم العراقي رياءاً ونفاقاً داعياً إلى كونه دولة مسلمة تحارب الكفار والصليبيين، كما كانت تفعل الدولة الإسلامية أثناء الفتوحات ومحاربة أعدائها.

أن الخلط بين الدولة الحديثة والديموقراطية مع الدين أمر يستحيل التوافق والتطابق لأن مفهوم الدولة الحديثة يختلف كلياً عن الدين، فهما عالمان مختلفان: موضوعي واقعي سياسي و روحي إخلاقي إيماني. أن أكبر أنجاز تاريخي حققه الجماعات الإسلامية ومن ثم الأخوان المسلمين هو  تأثيرهم على صناع القرار السياسي ونجاحهم في تثبيت مفهوم "الإسلام دين ودولة”، في معظم دساتير الدول العربية التي تأسست منذ بداية القرن الماضي. والمفاهيم مثل "الإسلام دين الدولة الرسمي" و "الإسلام مصدر التشريع” وعدم جواز سن قوانين تتعارض مع أحكام الإسلام وغيرها هي نتائج مفهوم "الإسىلام دين ودولة". فعلى الرغم من أن هناك إختلاف وتعارض بين الفقهاء المسلمين في تفسير مفهوم "الإسلام دين ودولة" إلا أن الغلبة دئماً هي للذين يؤيدون ويبررون بالقرآن والسنة بأن الإسلام هو دين ودولة ولا يمكن الفصل بينها، وهذا ما نجده في معظم دساتير الدول العربية عندما يؤكدون على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي وهوم مصدر كل التشريعات، ومنها طبعاً معظم دساتير العراق منذ تأسيسه كدولة وحتى اليوم.

ولو حاولنا طبقا لمناهج علم الإجتماع السياسي عقد مقارنة بين الدولة والدين نرى بأن الدولة هي كيان من صنع البشر أبتدعته المجتمعات الإنسانية لغرض تظيم أمور الناس وضبط نزاعاتهم وتحقيق مصالحهم وتمثيلهم، أي وظيفتها إجتماعية سياسية في ضمان الأمن وتوفير العيش اللائق وتحقيق المصلحة العامة وإشباع حاجات الناس المادية وحماية المجتمع وكيان الدولة. وطبقاً للفكر السياسي بأن الدولة هي موضوع إتفاق بين أفراد المجتمع يقوم على قاعدة التنازل المتبادل بينهم لتحقيق المصلحة العامة المشتركة، وهي القاعدة التي تقول بأن الدولة هي "عقد إجتماعي". أما الدين فهو مطلق وليس موضوع إتفاق وتراضي وتنازلات بين الناس بل هو من اليقينيات والمبادئ الإيمانية السماوية يسعى إلى خدمة مبدأ سامي ديني وإخلاقي يقوم على علاقة روحية إيمانية بين الإنسان وخالقه، وهي المسائل التي ليس للدولة دخلاً أو علاقة بها إلا بقدر مسؤوليتها في حماية حق الناس في ممارسة دينهم والتي هي حصراً من حقوق الفرد في الدولة الديموقراطية، في حين أن الدولة تقوم على علاقة بين الفرد والحاكم، بين الحاكم والمحكوم، ووفق قوانين موضوعية من صنع البشر وليست من مصادر مقدسة وإلهية كما هو الحال مع الدين. فعندما تقر الدولة في دستورها بأن الإسلام هو دين الدولة وأنه مصدر التشريعات وتعمل بموجبه فإن هذا يعني بأن جميع مواطنيها هم على الدين الإسلامي رغم إقرارها بحقوق الإخرين أو بديانتهم وهو الأمر الذي يضعها في تناقض صارخ. فمعظم علماء الإجتماعي السياسي يقرون بأن الدين ليس من مقومات الدولة الحديثة طالما لا توجد دولة معاصرة إلا وشعبها يدين بأديان متعددة ومختلفة، كما هو الحال في العراق.

الدولة الحديثة والمواطنة:
---------------

أسس الأساس للدولة الحديثة هو المواطنة، والتي هي رزمة من الحقوق والواجبات لكل أفراد المجتمع دون تفرقة أو تمييز. فبدون مواطنة حقيقة لا وجود للدولة بل الأصح لا وجود إستقرار فيها ولا أشباع حاجات ومتطلبات أفراد المجتمع المعروفة في هذا العصر، فلا مواطنة حقيقية إذا تمتع مجموعة معينة من الأفراد بإمتيازات خاصة وحقوق مختلفة عن الآخرين. وعندما تقر الدولة وتحصر نظامها السياسي بدين معين، فهذا يعني بأن المواطنة هي حصراً على مؤمني هذا الدين ويبقى غيرهم خارج إطار المواطنة، وهي الحالة التي تسود في العراق وتخلق شعوراً وإحساساً لغير المسلمين بأنهم محرومين من صفة المواطنة خاصة عندما تشرع قوانين مهينة لهم ولتراثهم وتقاليدهم ومعتقداتهم، وهناك قوانين في العراق بهذا الخصوص. ولكن حتى ربط الدولة بالدين الإسلامي في العراق لم يسعف هذا الربط كافة مسلمي شعب العراق، لأن الحقائق السائدة هي أن القوى والأحزاب الشيعية هي المهيمنة على الدولة، أي بعبارة أخرى إن الطوائف الإسلامية الأخرى، كالسنة، بقوا خارج أطار هذا الربط ومنافعه، فكيف الحالة مع غير المسلمين؟. لا بل وحتى بالنسبة للشيعة فقد تم حصر هذه المنافع بزمرة معينة بعيدة عن غالبية أبناء الشيعة في العراق، والحراك الشعبي الواسع في المحافظات الجنوبية والوسطى الشيعية لهو دليل على ذلك. أن التفسير النظري لهذه الحالة لها تطبيقات واضحة تتمثل في الخط البياني التنازلي للشعارات والممارسات الخاصة بالقوى الفاعلة والمهيمنة في الدولة. فبمجرد أن تستلم السلطة وتهمن على مفاصل الدولة تكون الوطنية والتحرر والإستقلال من شعاراتها البراقة ثم بعد رسوخ هيمنها يبدأ الخط البياني بالنزول نحو حزب أو طائفة ليكون الكل في الكل ثم سرعان ما يتقلص هذا الحزب أو الطائفة في زمرة معينة وقوية ثم في عشيرة أو نخبة وهكذا حتى إلى عائلة مهيمنة فعلاً على مقدرات الدولة لتصل إلى فرد يصبح دكتاتور الدولة، هكذا كان الحال مع البعث وفي عهد صدام حسين وهكذا هو الحال في العراق الحالي حيث لم يعد كل أبناء الشيعة مستفدين من سيطرة أحزاب وزمر شيعة على السلطة بل أنحصرت المنافع في فئة قليلة للتحول إلى دكتاتور للبلد، ونأمل من الحراك الشعبي، الذي غالبيته من أبناء الشيعة، أن يصد هذا المسار ويحوله نحو المواطنة الحقيقية لكل العراقيين ومن دون أي تمييز، ترى هل يستطيع هذا الحراك الشعبي أن ينزع القبقاب من الدب ويقلم أظافره؟؟   

ولو حاولنا تجنب واقع العراق المتعدد الديانات والحضارات والثقافات نحو الدول العربية التي جميع سكانها من المسلمين العرب، أي ليس لها تنوع ديني وأثني، نرى بأن دساتير هذه الدول تجمع بين الدولة والدين الإسلامي ولكن تحقق نوع من الإستقرار في المواطنة شكلا ومضموناً لأن دينها يتطابق مع دولتها وبالتالي تنتج وتحقق نسبة عالية من السعادة والرفاهية لشعبنا. ودولة الإمارات العربية المتحدة نموذج في هذا السياق، دولة لها وزارة السعادة ووزارة التسامح شكلتا لغرض سعادة ورفاهية شعبها رغم أن دستورها في المادة (7) تقر بأن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وهي القاعدة السمحاء لتشريع قوانين وأنظمة لصالح غير مواطنيها المقيمين فيها وتحقق أيضا السعادة والرفاهية لهم، وواقع الحال يشهد على ما نقوله.



73

"الكلدان السريان الآشوريون"
 هل ستنقرض أمتنا بأنقراض لغتنا القومية؟؟
===========================
أبرم شبيرا
مدخل أولي:
========
هذا الموضوع، وتحديدا، اللغة والقومية، أمر يتلطبه مجلدات ضخمة لأعطاء شيئاً من حقه الموضوعي والتاريخي لكونه مسألة حساسة في حياة أمتنا "الكلدنية السريانية الآشورية"، خاصة في هذا العصر الغادر الذي جعل عدد أبناء أمتنا في بلدان المهجر أكثر بكثير من عددهم في وطن الأم ليضيف بذلك أستثناءا آخر على الإستثناءات التي تكتنف وجود أمتنا طيلة تاريخها الغابر. قد يجادلني أحد القراء فيقول: لماذا هذا الإستثناء حصرا بأمتنا، فاللبنانيون عددهم أكثر من أربعة عشر مليون يعيشون في المهجر فهو أكثر بكثير من الموجودين في لبنان. هذا صحيح ولكن الإستثناء هنا هو أن لللبنانيين دولة ووطن بأسمهم، لبنان. أما نحن فشعبنا ليس له دولة أو وطن بأسمه. فإنصهار آلاف اللبنانيين وضياعهم في مجتمعات المهجر لا يعني ضياع وإختفاء الهوية اللبنانية طالما لبنان كأرض ووطن وإطار سياسي وقانوني لهم لا يختفي ولا يزول ولا ينقرض. والحال نفسه بالنسبة للبولونيين واليونانيين والإيطاليين وغيرهم من القوميات في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال لا الحصر. فإن إنصهار الملايين منهم في المجتمع الأمريكي وتلاشي لغتهم من ألسنتهم وبيوتهم لا يعني ضياع وتلاشي اللغة أو القومية البولونية واليونانية والإيطالية طالما لهم أرض ودولة بأسمهم تشكل الإطار والأساس القانوني والسياسي لإستمرار وحماية اللغة والقومية البولونية واليونانية والإيطالية. أما وضعنا، فالحال يختلف كلياً، فبسبب عدم وجود لنا مثل هذا الإطار القانوني والسياسي الرسمي بأسم أمتنا ومعروفاً فعلياً ورسمياً للعالم يجعل أمر ضياع وإنصهار بعضة مئات من أبناء أمتنا في مجمتعات المهجر مسألة حساسة وخطيرة في تقرير مصير وجودنا على الكرة الأرضية خاصة وأن وتائر الهجرة متصاعدة تصاعداً دراماتيكياً. وقد يبدو بأن طرح مسألة اللغة والقومية هو من المواضيع "الكلاسيكية" المتوارثة من عصر نهضة القوميات في القرنين الماضين وأصبح من مقتنيات الماضي في هذا العصر الذي أرتكن على كف عفريت يتحكم فيه التطور التكنولوجي الهائل في وسائل الإتصال والتواصل الإجتماعي المذهلة جاعلاً من هذا العالم الواسع بقومياتهم المختلفة والمتعددة مجردة بناية بعدة طوابق ونحن مجرد حجر صغير جداً في جدرانها لا أثر أو موقع أو تأثير على هذه الجدران، ولكن مع هذا فأن للغتنا القومية أهمية حاسمة وخطيرة في الأبقاء على هذا الحجر وإستمراره نحو الآفاق المستقبلية. 

عوامل في نشوء ووجود القومية:
================= 
لا أحد، من المختصيين أو غيرهم، يجرأ ويقول بأن اللغة ليست مكوناً أساسياً في وجود أية قومية، لا بل الكثير منهم يذهبون أبعد ويقولون بأن موت لغة أية قومية معناه موت هذه القومية وإنقراضها. فهل فعلاً اللغة لها أهمية قصوى في وجود الأمة وبقاءها وإستمرارها؟ فالجواب قطعاً وجزماً هو بـ "نعم". وبالمقابل، لا أحد من المختصيين أو غيرهم يجرأ ويقول بأن اللغة وحدها... أكرر وأقول وحدها... هي المقوم الوحيد للقومية، فبهذا المعنى نتسائل هل اللغة هي العامل أو المقوم الوحيد في وجود القومية؟ فالجواب قطعاً وجزماً هو بـ "لا". وبعبارة أخرى نقول بأن أهمية اللغة تأتي في كونها المقوم الأساسي وليس الوحيد في وجود القومية. لقد أستقر الفكر السياسي الكلاسيكي على عدد من المقومات في وجود القومية وتعريفها، منها اللغة والتاريخ والثقافة والتراث والأرض والأماني المشتركة وحتى الدين والإقتصاد، فتعددت وتنوعت هذه المقومات وتباينت أولوياتها عند المفكرين كل حسب معتقده السياسي والمصلحة العامة لقوميته، أو طبقاً لزمانها ومكانها. إلا أنهم جميعهم تقريباً يضعون اللغة في مقدمتها ويعطون لها أهمية قصوى في وجود القومية، خاصة فلاسفة الألمان، بإستثناء قليل يشذ عن هذه القاعدة بعض المفكرين الفرنسيين، والتي سنأتي على مناقشتهم في السطور القليلة الآتية. وبإختصار شديد، كما سبق وأن ذكرنا في أعلاه بأن هذا الموضوع أصبح من مقتنيات الماضي وقل تأثيره في عصر العولمة بسبب التطور الإنفجاري لتكنولوجيا المعلومات وقدرتها على إختراق التخوم والحواجز القومية وتصاعد عامل الإقتصاد نحو قمة جدول أوليات المصلحة العامة للدول متجاوزاً كل الحدود السياسية وكل الحواجز القومية والثقافات الوطنية. هذا الوضع الإنفجاري جعل بعض الدول، كالدول العربية والإسلامية، العاجزة عن ركوب موجة التطور الإنفجاري أن تخشى وترتعب من العولمة لأن حدودها القومية أصبحت عاجزة عن الصمود أمام هجمة تكنولوجيا المعلومات وأمام العولمة. فإذا كان ماركس ورفاقه قد أكدوا بأن من يملك وسائل الإنتاج هو من يملك أيضا وسائل الحكم والسلطة والتأثير، فإن في عصرنا هذا لم يعد لوسائل الإنتاج التقليدية ذلك التأثير الفعال والحاسم بل أصبحت تكنولوجيا المعلومات والتواصل الإجتماعي هي وسائل الإنتاج الفكري والإعلامي الأكثر فعالية في زمن العولمة والتحكم في شعوب العالم. فمن لا يملك مثل هذه الوسائل ولا هو بقادر على صناعتها أو ركوب موجتها التطورية فلا محال فهو خارج هذا الزمن ولا يجد في هذه الوسائل إلا بعبعاً جاثماً على لغته وقوميته ليبتلعها عاجلا أم آجلاً. فكيف ونحن "الكلدان السريان الآشوريون" قومية صغيرة لا حول لها ولا قوة من هذا التطور الهائل نحو العولمة وأمواج الموت تعصف بنا من كل صوب وحدب ولا أطار سياسي أو قانوني ثابت ومعروف يحمي لغتنا وقوميتنا من هذه الهجمة التكنولوجية الشرسة؟ أمر يستوجبه صفحات طويلة لإزالة مثل هذا الإستفهام ونتركه لفرصة أخرى حتى نبقى في إطار تساؤلنا حول أهمية اللغة في إقرار وجودنا القومي، ونبحثه وبإختصار شديد من خلال بعض المدارس المهمة التي عالجت أهمية اللغة لكل قومية.
 
المدرسة الألمانية:
------------
أبتداءاً أرتبطت هذه المدرسة بالفيلسوف الألماني يوهان غوتليب فيخته (1762 -1814) وإختصاراً (فيخته) الذي أكد وبقوة على عامل اللغة كعامل جوهري وأساسي في تكوين القوميات. فكل قومية بحسب تعريف فيخته لايمكن معرفتها إلا بلغتها، هكذا أكد بأن جميع اللذين يتكلمون اللغة الألمانية هم أبناء القومية الألمانية وأن اللغة والأمة أمران متلازمان لايمكن أن ينفصلا. وعلى أساس هذه الفكرة وغيرها التي تناولها وطورها غيره من فلاسفة الألمان نشأت النازية في ألمانية وأستخدمتها في سياسة إحتلال الدول التي تتكلم الألمانية بأعتبارها جزء من الأمة الألمانية. تناول بعض المفكرين العرب هذه المدرسة في دراساتهم عن القومية وفي مقدمتهم ساطع الحصري (أبو خلدون) 1879 – 1968 والمعروف بـ "فيلسوف القومية العربية، الذي شدد وبشكل قاطع على أهمية اللغة في تكوين القومية غير أنه رغم هذه الأهمية القصوى لللغة عند الحصري فأنه لم يهمل بقية المقومات في تشكيل القومية، منها التاريخ والعادات المشتركة والأرض ولكن مع هذا فهو أعتبر اللغة هي روح الأمة وحياتها وأنها عمودها الفقري وأهم مقوماتها وشخصيتها وإذا فقدت لغتها وبدأت تتكلم بلغة أخرى فأنها تكون قد فقدت حياتها وتلاشت من الوجود. ولكن من جهة أخرى يعطي الحصري للتاريخ أهمية أيضا بإعتباره شعور الأمة وذاكرتها فشخصيتها تعرف بواسطة تاريخها الخاص، فالأمة التي تنسى تاريخها الخاص تكون قد فقدت شعورها ووعيها وهذا الشعور والوعي لا يعود إليها إلا عندما تتذكر تاريخها. ويختصر كلامه في القول بأن اللغة هي بمثابة روح الأمة وحياتها والتاريخ هو بمثابة وعي الأمة وشعورها. وإذا أقتربنا أكثر من زمننا المعاصر نرى بأن حزب البعث العربي الإشتراكي قد تبنى فكر أبو خلدون في أيديولوجيته القومية وغيره من الأحزاب القومية العربية.
 
المدرسة الفرنسية:
-----------
أرتبطت هذه المدرسة بالمؤرخ والكاتب أرنست رينان (1823-1892) الذي دخل في نقاش حاد مع  فلاسفة الألمان، فرفض رفضاً قاطعاً في أعتبار اللغة أساسا لوجود وتعريف القومية. فقد قال بأن الأمم ليست وحدات لغوية بل وحدات روحية وأن المعيار الوحيد والأساسي لوجود الأمة هو مشيئة العيش المشترك بين الناس. فالقومية عنده تعتبر صفة عامة روحية في جوهرها وحالة عقلية تحدد القوميات، فهي الشيء الضروري الوحيد لوجود الأمة. فهذا المبدأ الروحي عند هذه المدرسة يقوم على ماضي بطولي وتجارب مشتركة تؤدي إلى تكوين إرادة مشتركة عامة. صحيح عند أصحاب هذه المدرسة بأن الشعور القومي قد ينشأ نتيجة لوحدة العنصر (الدم) والسلالة وتسهم فيه وحدة اللغة والدين إلى حد كبير وكذلك الحدود الجغرافية (الأرض) ولكن لا يعتبر أيا من هذه العوامل ضرورية أو كافية لوحدة وتكوين الأمة، فالعامل الحاسم هو وجود الشعور القومي مهما كان ضعيفاً، حسب هذه المدرسة.

هاتان المدرستان في عوامل تكوين القوميات هما الأهم والتي سادة وبشكل واسع في الفكر السياسي الكلاسيكي وقد ذكرناها من دون الرجوع إلى المراجع الخاصة بها وذلك سعياً للإختصار وعدم الإسهاب خاصة وهي مدارس تقليدية مضى عليها زمنا طويلاً لم يعد لها آثر فعال كما كانت في مرحلة نشؤء الفكر القومي في القرنين الماضيين. وهناك أيضا مدراس أخرى في هذا الموضوع والتي تعتمد على عوامل أخرى في تكوين القوميات منها المدرسة الشيوعية ورائدها جوزيف ستالين الذي أعتبر الإقتصاد العامل الأكثر أهمية في تكوين الأمم إضافة إلى مدارس فكرية أخرى تعتمد على الأرض والدين في هذه المسألة.

أوليات المقومات القومية في ضوء المصلحة العامة:
=============================
كل النظريات العلمية خاصة في العلوم الإنسانية أو الإجتماعية جاءت ضمن الظروف السياسية والإجتماعية والثقافية والتاريخية الخاصة لكل مجتمع من المجتمعات البشرية وبالتالي فإن تطبيقاتها العملية قد تتحقق لمجتمع معين وقد لا تنطبق على مجتمع آخر. ولكن من جهة أخرى لكون هذه النظريات نتاج الجهد والفكر الإنساني للبشر فإن في حدودها العامة وفي مناهج بحثها وفلسفتها العامة قد تنطبق في جوانب معينة منها على جميع أبناء البشر خاصة عندما تأول وتكيف مع الظروف الخاصة لكل مجتمع، أي فهمها ضمن ظرفها الزماني والمكاني. فنظريات المدرسة الألمانية لم تأتي إلا خدمة لمصالح الأمة الألمانية حيث  جاءت في خضم النزاع الفكري والثقافي وحتى العسكري الذي قام بين ألمانيا وفرنسا على إقليم الألزاس واللورين خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فالأقليم كان تابع لفرنسا ولكن معظم سكانه كان يتكلم اللغة الألمانية، فأعتمد ألمانيا على عنصر اللغة كأساس حاسم ومهم في طلبها لإسترجاع الإقليم وضمه إليها بإعتبار شعب هذا الإقليم جزء من الأمة الألمانية طالما يتكلم اللغة الألمانية. وعلى الطرف الآخر من الصراع أنبرت فرنسا لهذه الفكرة في إعتماد اللغة كأساس لقومية شعب الأقليم فتمسكت بمشية وإرادة شعب الإقليم في إنضمامه إلى فرنسا وليس إلى ألمانيا ومن خلال إستفتاء عام عبر الشعب عن هذه المشيئة لذلك أعتبرتها فرنساً مقوم أساسي في تقرير قومية شعب هذا الإقليم.

أما بالنسبة للعرب وفيلسوفها المعروف أبو خلدون فأنها أعتمدت كلياً على اللغة كمقوم أساسي وجوهري في تحديد وتعريف القومية العربية. ويأتي هذا التمسك باللغة وبأهميتها تمشياً مع الظروف السياسية والإجتماعية التي كانت سائدة في البلاد العربية، حيث أن هذا البلاد مقسم إلى دول مستقلة بحد ذاتها ولم يرى مفكر العرب إلا في اللغة كأساس جامع لشعوب هذه الدول والتي من المفروض أن تتوحد على أساس وحدة اللغة ووحدة الأمة في دولة واحدة. وهو الفكر الذي يتبناه معظم الأحزاب العربية القومية ومنها حزب البعث العربي الإشتراكي. على العموم يمكن التأكيد مرة أخرى في القول بأن الصالح والطالح في أية نظرية بهذا الخصوص يتقرر بمدى منفعتها لهذه القومية أو تلك. ففي عصرنا الحالي هناك قوميات ودول لا تعتمد على اللغة في تقرير وجودها بل على مقومات أخرى كالأرض والأماني أو المصالح المشتركة أو التاريخ، فالأرجنيتي يثور غضباً عندما ينعت بالقومية الإسبانية رغم أنه يتكلم اللغة الإسبانية لأن الأرض والتاريخ الجامع والمصالح المشتركة لكل قاطني أرض الأرجنتين جعلت منهم قومية واحد حسب فهمهم للقومية وتأطرت بإطارها السياسي والقانوني لدولة الأرجنتين. والحال لا يختلف مع غير الأرجنتين. على العموم فإن التطور السياسي وحتى العسكري المقرون بالتطور الفكري جعل الأمر يختلط بين القومية والدولة فوصل أمر الإختلاط والإرتباك حتى إلى منظمة الأمم المتحدة (United Nations) في الوقت الذي نعرفه بأن أعضاءها هم دول وليست أمم أو قوميات. لهذا السبب جعل المقارنة بينهما صعب التميز بين الأثنين لأن في الواقع الفعلي هناك عدد من القوميات يمتلكون لغة قومية خاصة بهم ويشكلون دولة واحدة، وسويسرا مثال تقليدي على ذلك. والعكس صحيح أيضا هناك قومية واحدة مع لغة قومية مشتركة ولكن لا يشكلون دولة واحدة، كما هو الحال مع الدول العربية.

أين لغتنا وقوميتنا من هذه النظريات؟
====================     
مع كل طلاب العلوم السياسية وأساتذتها المختصون في الفكر القومي السياسي، نتفق في القول بأن اللغة تشكل ركن أساسي ومقوم مهم جداً في تكوين القومية ولكن من جهة أخرى ليست اللغة وحدها فقط عامل في تكون الأمم بل إلى جانبها مقومات أخرى كالتاريخ والأرض والأماني المشتركة والعادات والتقاليد الموروثة من الأباء والأجداد، كما سبق الإشارة إليها. فمن الطبيعي إن فقدان أو إنقراض أي من هذه العوامل سوف يزعزع وجود القومية وقد يعرضها إلى الإنقراض فيما إذا أنقرض أكثرية هذه العوامل وخاصة المقوم الأساسي، أي اللغة يبدأ إنقراض الأمة وزوالها من الواقع. كما أن ضعفها أو تناسيها أو إهمالها وعدم ممارستها يضعف وضع الأمة ويضعها على طريق الزوال. فواقعنا الحالي المأساوي  يكشف ضعف تداول لغتنا القومية بين أبناءها خاصة الأجيال المعاصر وتحديدا في بلدان المهجر حيث الأكثرية من أبناء شعبنا يعيش في هذه البدان التي تكون لغة الأكثرية هي السائدة والمستخدمة في الحياة العامة خاصة في التعليم وفي وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي وحتى بين أفراد العائلة، مما يضع أمتنا على حافة الهاوية. كما وأن معظم محاولات تدريس لغتنا القومية لم تعطي إلا نتائج محدودة وسوف يتحكم في مصيرها تقادم الزمن وتطور المجتمع نحو العولمة. وحتى المحاولات الجادة في هذا السياق، كما هو الحال في المدارس السريانية في الوطن والمدارس الآشورية في أستراليا والتي يمكن تقيمها في عصرنا الحالي وبشكل إيجابي ومثمر إلا أنه من الصعب جداً أن نعطي لها تقييم خلال العقود القادمة غير القول بأنه إذا أفترضنا بأن لغتنا القومية سوف تنقرض أو تزول من ألسنة أبناءها خلال عقدين أو أكثر فإن هذه المدارس ستمد وتشحن لغتنا بأكسير الحياة لتدوم وتستمر لأكثر من عقدين وقد تدوم لنصف قرن أو أكثر ولكن لا ضمان ولا روية إيجابية من خلال واقعنا المأساوي من أختفاءها من ألسنة أبناء شعبنا في المستقبل البعيد وإنحسار وجودها في كتب متراصفة على رفوف المكتبات العالمية المختصة، أي بهذا المعنى بأن دور هذه المدارس سيكون في أطالة أمد حياة لغتنا القومية ولا نستطيع التخمين بمصير لغتنا القومية بعد نصف قرن أو أكثر.

ولو نظرنا بحيادية وموضوعية إلى هذا الوضع التشاؤمي للغتنا القومية والمصير المجهول والغامض نصل إلى حقيقة تنطق بواقع يقول بأنه لا يمكن لاي لغة من لغات الأقليات القومية أن تستمر وتدوم نحو آجال أبعد مالم تكون مأطرة ومصانة بإطار سياسي وقانوني، كما سبق والإشارة اليه. فالدولة أو أي كيان سياسي قانوني، لنقل حكم ذاتي، هي الحارس الضامن لللغة القومية. أي بعبارة أخرى، مالم تكون هذه اللغة مسنودة سياسياً ومقننة رسمياً لا حياة لها في المستقبل، وهناك أمثلة كثير في هذا السياق ولعل أشهرها دولة إسرائيل فشعبها كان يتكلم بلغات عديدة في المهجر ولم تترسخ لغتهم العبرية ولم تخرج من إطارها الديني إلى القومي إلا بعد قيام دولة إسرائيل، ولعل من المفيد أن نقارن، وليس التشبيه، حال لغتنا بهذا المثال الإستثنائي. فإذا كان هذا الحال ينطبق على مصير لغتنا القومية في الوطن، فإن الأمر في بلدان المهجر أسوء بكثير لأن كل الأجواء الديموقراطية المتوفرة التي تتيح للأقليات تطوير لغتها القومية والحفاظ عليها فإنها لا تستطيع الصمود ومقاومة غزو لغة الأكثرية والقضاء على لغة الأقلية، فنتيجة صراع اللغات هي التي تقرر مصير اللغات المتصارعة، ولا نتردد في القول بأن نتيجة صراع لغتنا القومية في بلدان المهجر مع لغة الأكثرية مصيرها محتوم.

ضمن هذا الواقع المأسوي الذي يهدد وجودنا القومي بسبب ضعف اللغة وتعرضها للإنقراض، نقول بأن اللغة كأحدى مقومات وجود الأمة هي مقوم أساسي ورئيسي وليس الوحيد، فهناك مقومات أخرى لوجودة الأمة ذكرناها في أعلاه. من هذا المنطق، فإذا كان الحفاظ على لغتنا القومية صعب وبالتالي مهددة بالضعف وربما الزوال النهائي في الآماد القادمة فأنه يستوجب ويفرض واجبنا القومي على ضرورة الحفاظ على بقية مقومات أمتنا من التاريخ والعادات والتقاليد وممارستها وإحياءها بشكل متواصل ونشرها بين أبناء أمتنا وترسيخ مضامينها القومية والتراثية لها، خاصة عندما تقترن بممارسات جماعية تاريخية وتراثية كإحتفالات الأول من نيسان ويوم الشهيد الآشوري وغيرهما كثر. هذا الأمر، أي فقدان عنصر من بين عدة عناصر مكونة لظاهرة معينة، ومنها مقومات وجود أمتنا،  يشبه كثيرا حالة الشخص الذي فقد أحد حواسه في جسمه، لنقل حاسة النظر، التي هي أكثر الحواس أهمية في حياة الإنسان، فأن بقية الحواس كالسمع والشم واللمس تزداد كثيرا وتصبح عناصر مهمة له تعوضه عن فقدان البصر ويعيش تقريبا حياة طبيعية، ولا ننسى بأن الكثير من المبدعين كانوا فاقدي البصر. من هذا المنطلق نقول بأن ضعف أو فقدان لغتنا القومية من الضروري أن ينعكس هذا الفقدان في تقوية المقومات الأخرى لأمتنا مثل التاريخ والتراث والعادات والتقاليد، وأمر ممارسة هذه المقومات أسهل بكثير من تدريس اللغة لأنه يمكن ممارستها بحرية سواء في الوطن أم المهجر بدون أن يكون لها إطار سياسي وقانوني لها ولا يتطلبها مستلزمات كثيرة ومعقدة كما يتطلبها تدريس اللغة. فبممارسة هذه المقومات وبشكل مستمر وإيجابي سيتعزز ويترسخ الوعي القومي لأمتنا بوجودها وبضرورة أستمرارها نحو المستقبل، وهو أقل القليل من التركة الذي نتركه كميراث للأجيال القادمة والتي من المحتمل، وإن كان بعيدا، أن تكون ظروفهم أحسن من ظروفنا الحالية فلعل تكون قادرة على السير خطوة نحو الأمام للحفاظ على مقومات وجودنا القومي بما فيها اللغة.





74
لا كنيسة ولا مؤمنين من دون أرض
من رسالة مار أفرام إلى مار مارون عمرها أكثر من 1500 سنة

===================================


أبرم شبيرا
بينما كنت أقرا كتاب "تاريخ الآشوريين منذ بداية القرن العشرين خاصة في فترة الحربين العالميتين"، لمؤلفه رابي كورش يعقوب شليمون، ترجمه من اللغة الآشورية الحديثة إلى العربية الإستاذ وليم ميخائيل وطبع في مطبعة نينوى في شيكاغو – الولايات المتحدة الأمريكية عام 1995، أثار إنتباهي الشديد الصفحة الأخير من الكتاب حيث كان قد أدرج فيه رسالة من مار أفرام (المولود في نصيبين عام 306 والمتوفي في الرها عام 373) إلى مار مارون (المتوفي عام 410)  يؤكد فيها على أهمية الأرض او الوطن وعلاقته بالمؤمنين والكنائس. ونظراً للأهمية القصوى لهذه الرسالة والذي يؤكد فيها مار أفرام، القديس الجامع لكل الكنائس الشرقية في هذه الرسالة للقديس مار مارون على أهمية الأرض، أو الوطن، في حياة المؤمنين والكنائس خاصة عندما نقارنها بعد أكثر من 1500 سنة مع وضعنا الحالي المأساوي في الوطن، فرضت علينا هذه المقارنة ضرورة تعميم فحوى هذه الرسالة عن أهمية الأرض للمؤمنين والكنائس، وفي أدناه نصها:
--------------------------------
رسالة عمرها 1500 سنة
من مار أفرام إلى مار مارون
من دون الأرض لا كنائس فهي التي تحتضن شعبنا
============================================
أبني الحبيب مار مارون القورشي
تحية آرامية بالمسيح وبعد.
من قلب الرها، ومن الجبل المقدس، حيث النساك والصوامع، حيث الصلوات لا تنقطع، متواصلة إلى ربنا وفادينا يسوع المسيح، من هذه الأرض الباقية لنا لنمارس فيها إيماننا في حرية، أكتب لك بمحبة مذكراً أياك بما حل بنا من جراء تهجيرنا من مدينتنا الحبيبة نصيبين العام 363 ... أن منطق القوة هو الذي غلب علينا، فنحن الذين نؤمن بالمحبة والتسامح وبتساوي البشر جميعهم، يحيط بنا جيران قد تملكهم السعي إلى السيطرة والقهر وحب الذات والأنانية.
وفي سبيل تجنب ما حل بنا أوصي تلاميذك، بأن الأرض التي نعيش عليها هي إيماننا، فمن دونها لا كنائس وبالتالي لا مؤمنين، فالأرض تحتضن شعبنا، والشعب يحفظ الإيمان والتراث، وبهذين الإيمان والتراث تستمر رسالتنا عبر الأجيال.
أنتهت الرسالة
====================================================
هوامش:
رابي كورش يعقوب شليمون: مؤلف الكتاب، ولد عام 1900 في أورمي وعايش سنوات المأساة والتهجير أثناء مذابح سيفو والهجرة التراجيدية من شمال إيران إلى بعقوبة ثم أستقراره في بغداد. ففي المجال القومي والتعليم كان أستاذا بارعاً وعمل كمدرس ومديراً لسنوات عديدة للمدرسة الآشورية الإنكليكانية في ساحة الطيران قرب منطقة كمب الكيلاني في بغداد، المدرسة التي أسسها قاشا خندو يونان والتي أنجبت خيرة مثقفي أمتنا في تلك الفترة.
وليم مخيائيل: مترجم الكتاب، ناشط قومي ومؤلف ومترجم، كتب العديد من المقالات في الشأن القومي كما ترجم العديد من الكتب، عرفته شخصيا كمثابر وحريص على تراث أمتنا وإهمامه الكبير بالشأن القومي وإنخراطه في العمل القومي السياسي. في وقت نشر كتابه هذا عام 1995 قام بإهدائه نسخة منه لي وبالمقابل ثمنت جهوده المثمرة والقيمة في نشر الوعي القومي والتاريخي لأمتنا.
مار مارون القورشي: مؤسس وشفيع وأب الكنيسة السريانية الإنطاكية المارونية،  لقب بـ "القورشي" لأنه كان من منطقة قورش في شمال سوريا والتي كانت موطن التنسك والرهبنة والصوامع.
نصيبين: في عام 363 أندحر الروم أمام الفرس فأحتلوا المدينة ودمروا مدرستها الشهيرة والتي كان مار أفرام يدرس فيها فأنتقلت إلى الرها أو أورهي – حاليا أورفه في جنوب شرقي تركيا، ليستمر مار أفرام التعليم فيها ومن هناك بعث رسالته إلى القديس مار مارون.

75
أومتا و أومتانايوتا بين الوطن والمهجر
كُنا نعيش في الوطن ... وفي المهجر أصبح الوطن يعيش فينا
==============================
أبرم شبيرا

منذ البدء نقول بأنه سيلاحظ القارئ اللبيب بأن هناك نوع من التكرار والإعادة في هذا الموضوع لأنه سبق وأن تطرقنا إلى جوانب معينه منه في السابق، وبالتالي سيتهمنا بأنه ليس لنا موضوع غير إجترار ما سبق وأن كتبناه. ولكن بدورنا نقول:
أولا: لا مندوحة من أعادة طرح أفكار ومواضيع عن مشكلة أو حالة معينة طالمة هذه المشكلة هي مستدامة ومتواصل في مجتمعنا من دون البحث أو إيجاد حلول لها. فالطرق المستمر على المشكلة القومية المستدامة لا ضرر فيه لأنه لربما ستتقوض أو ستضعف هذه المشكلة كما يضعف الحديد من الطرق المستمر.
ثانياً: من المؤسف بأن هناك بعض قادة أحزابنا السياسية ورؤساء منظماتنا القومية حالهم كحال بعض رجال الكنيسة في أيامنا هذه حين يخطبون أو يكرزون على مؤمني الكنيسة يتصورون حالهم كأنهم في حيكاري يوجهون وعضهم إلى ناس بسطاء كلهم أذان صاغية، فحاله يشبه حال الراعي الذي يقود الغنم متجاهلين بقصد أو بجهل بأن مؤمني الكنيسة في هذه الأيام غير مؤمني أيام حكاري (صاموت لاموت) في أيام لم يكن يتجرأ مؤمن أن يسأل القس أو يجادله. نعم هكذا حال بعض من قادة أحزابنا السياسية ورؤساء منظماتنا القومية فهم فلاسفة لا يخطئون لا بل مصانون من الخطأ وعيب عليهم أن يسمعوا الكلام المفيد من هذا المثقف أو ذاك المفكر لأن هم فوق الجميع علماً وثقافة وشخصية و... هكذا حالة تفرض علينا أن نعيد ونكرر بعض المفاهيم الفكرية والسياسية لعل ستزيل الشمع من أذانهم ويسمعوها ويتقوا بها. من هنا أقول لمن لا يؤمن بهذه الأسباب في إعادة بعض من الأفكار والطروحات السابقة أن لا يقرأ الموضوع ويتعب حاله.   

على العموم نعود لموضوعنا، المقصود بـ "أومتا" مجموع من الناس تجمعهم عوامل مشتركة من لغة وأرض وتاريخ وعادات وتقاليد، والكلمة الصحيحة لها بالعربية هو قوم أو شعب أو أمة (Nation)، أي بالمفهوم الفلسفي هم الحقيقة الموضوعية أو البنية التحتية، وهي ظاهرة  موجود في الواقع الفعلي منذ زمن بعيد ولكن غير مدركة أو منعكسه في عقل الإنسان كفكر أو أيديولوجيا، أي هي الموضوع. أما "أومتانايوتا" ويمكن تسميتها بالعربي بـ "القومية" وبالإنكليزية (Nationalism). ففي اللغة الإنلكيزية عندما تدخل  (ism) على أي مصطلح معبر عن الواقع أو الموضوع يعطي معنى فكري وأيديولوجي كما هو الحال مع ((Social و (Socialism) أو (Capital) و (Capitalism) أو(Liberal)  و (Liberalism) وهكذا مع بقية المصطلحات الفكرية والسياسية.

فالقومية (Nationalism)، المصطلح الذي يعنينا في هذا الموضوع، هي البنى الفكرية للحقيقة الموضوعية أي للقوم أو الأمة (Nation) وهي إنعكاس أو إدراك فكري وأيديولوجي في فكر الأنسان ويمكن تسميتها بـ "الذات" والتي تظهر وتنعكس وتتأطر في مؤسسات فوقية تشكل البنى الفوقية مثل الأحزاب السياسية والمؤسسات الإعلامية وجماعات الضغط ووسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي والتي يطلق عليها في علم الإجتماع السياسي بـ "الأجهزة الأيديولوجية". وهنا من الضروري أن نلاحظ بأن حديثنا عن البنية التحتية هو بصيغة المفرد في حين أشارتنا إلى البنى الفوقية هي بصيغة الجمع لأن الموضوع أو الواقع حقيقة واحدة وثابتة، أي الأرض أو الوطن أو القوم أو الشعب، في حين الأفكار والأيديولوجيا، أي البنى الفوقية، المنعكسة في الأجهزة الأيديولوجية هي متعددة وكثيرة، وهو الأمر الذي أفرز مفهوم التعددية في الحياة السياسية الذي هو ديدن الأنظمة السياسية الديموقراطية. في حين عندما تكون الأفكار والأيديولوجيا مأطرة بصيغة المفرد كقولنا بنية فوقية، أي هناك حزب واحد فقط أو تنظيم شامل يدعي بأنه ممثل الواقع والأمة كلها، فحينذاك نكون أزاء أنظمة سياسية دكتاتورية، من هذا المنطلق قلنا سابقا ونكرر قولنا بأنه مهما كان أي حزب من أحزابنا القومية (الكلدانية السريانية الآشورية) قوياً وجماهيرياً واسعاً لا يمكن أن يكون وحده ممثلاً للأمة ومعبر عن كل مصالحها العامة، ففي هذه الحالة نكون أزاء حزب ديكتاتوري أو أوليغاركي، أي حزب القلة.

على العموم فإن القومية ((Nationalism هي ظاهرة فكرية وسياسية لم تظهر إلا في عصر النهضة في أوروبا وإنعتاق الفكر والفلسفة من الدين والكنيسة منذ القرن السابع عشر وبما بعده. والعلاقة بين الموضوع والذات، أو تحول وإنتقال وإنعطاس الموضوع إلى الذات هو من المواضيع الفلسفية الذي حام حوله الكثير من المناقشات بين الكثير من الفلاسفة والمفكرين وكان الفيلسوف الألماني هيغل رائدا في هذا المجال ثم جاء كارل ماركس فطور مفهوم العلاقة بين الموضوع والذات من خلال إنتزاع مثالية هيغل منه، ولا نريد أن نخوض في هذا التناطح الفلسفي الطويل تجنبا لإطالة الموضوع، لكن ما نرغم القول هو بأن لكل ظاهرة إجتماعية، ومنها موضوعنا في القوم والقومية تقوم على علاقة جدلية تفاعلية بين الموضوع والذات، أي بين البنية التحتية والبنى الفوقية وأي خلل في هذه العلاقة يترتب عليها خلل في فهم وإدراك الظاهرة الإجتماعية.

أن الذي نرغب من هذه المقدمة هو الإشارة إلى أن جملة عوامل دولية وأقليمية ومحلية موضوعية وفكرية وحتى كنسية كانت قد أثرت تأثيراً عميقاً على قسم من أبناء شعبنا، وأقصد الآشوريين، أكثر من غيرهم من الكلدان والسريان، فأنتقل فيهم مفهوم (Nation)، أية الأمة أو القوم إلى (Nationalism) أي القومية بمفهومها الفكري. أي بعبارة أخرى، نشأت فيهم علاقة جدلية تفاعلية بين الموضوع (القوم أو الأمة) والذات أو الفكر، والتي تجسدت في عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات القومية ووسائل الإعلام من جرائد ومجلات التي شكلت بمجملها الحركة القومية الآشورية (Assyrian National Movement) أو(Assyrian Nationalism) وهو الأمر، أي التحول من الموضوع إلى الذات، الذي جعل الوعي القومي في عموم شعبنا أن يتفاوت بين الآشوريين والكلدان والسريان وبالتالي طغيان التسمية الآشورية على الحركة القومية، من هذا المنطلق ستكون الإشارة في هذا الموضوع إلى الآشوريين أكثر من غيرهم خاصة ونحن بصدد كلمات أومتا و أومتانايوتا التي يتداولها الآشوريون ليل نهار في أفكارهم وأعماله السياسية القومية، ولكن هذا لا يعني إستثناء أبناء التسميات الأخرى لأمتنا من كلدانية وسريانية من بعض الجوانب لهذه الظاهرة.

ولو أمعنا  النظر في الحركة القومية الآشورية، وركزنا على الصفة "الآشورية" المستمدة من أسم آشور نرى بأن هذا الأخير يستمد صفته من عدة مصادر حير العلماء في تحديد أصله، فهو من جهة أسم الأبن الثاني لسام أبن نوح، كما هو آله قومي وديني، وهو أيضاً أسم لمدينة آشور المقدسة، والأهم من كل هذا وذاك هو أسم أرض أو موطن أو بلاد، أي آشور، وهو الأمر الذي يعنينا في هذه السطور. وعندما نتكلم عن أمتانايوتا أو الحركة القومية الآشورية فهذا يعني إننا نتكلم عن السياسة بكل معنى الكلمة، لأن كل الحركات القومية هي في التحليل الأخير حركات سياسية. والقصد من السياسة ليس حسب تعريفها الأكاديمي وطبقاً لمعايير علم السياسة الذي يدرس في الجامعات، وإنما المراد بالسياسة هنا هو مفهومها الفلسفي القائم على الواقع والحقيقية ومن ثم على الممارسة. حيث لا يمكن للسياسة أن تقوم لها قائمة ما لم تكن هناك ممارسة. أي السياسة ليست علم وأفكار فحسب وإنما هي فن وممارسة أيضا، لهذا قيل عن السياسة بأنها علم وفن، أو أفكار وعمل، وقيل أيضاَ وتأكد واقعياً بأن الأفكار أو الأيديولوجيا دائماً تسبق نشؤ الحركات القومية والأحزاب السياسية.
أن أكثر المفاهيم شيوعاً عن هذا المعنى للسياسة هو اثنان ، وبإختصار: الأول: هو فن الممكن، والثاني: هو ديموغرافيا على جغرافيا، وقد سبق أن فصلنا فيهما في مناسبة سابقة. ومن الملاحظ بأن كلا المفهومين مرتبطان بالأرض، فالممكن هو ما يقوم على الأرض وينطبق عليها ويمارس على الواقع المادي وليس في الخيال. والجغرافيا حصراً يعني هنا الأرض. والأرض بهذا المفهوم السياسي هو المكان الذي يعيش وينشط الإنسان فيه والذي يعرف بالوطن أو الموطن والذي يترتب على كل إنسان يعيش فيه مجموعة من الحقوق والواجبات التي تحدد صفة المواطنة.
فالآشوري الذي يعيش في العراق، مثلا، وينشط ويعمل فيه يشكل بالنسبة له، أي وطن العراق، البنية التحتية له. فالفرد الآشوري، على سبيل المثال لا الحصر، الذي يعيش ويعمل ويننشط في الولايات المتحدة الأمريكية وأكتسب جنسيتها، تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية وطنه من الناحية القانونية والفعلية والواقعية ويترتب عليه حزمة من الحقوق والواجبات والمسؤوليات تمنحه صفة المواطن الأمريكي. أما وطنه الأولي، سواء أكان العراق أو سوريا أو تركيا أو إيران، أو ما يعرف عند الآشوريين القوميين بـ "آشور" فيبقى هو، أي آشور، موطنه من الناحية الفكرية والوجدانية. وهكذا الحال مع الآشوري في إستراليا أو السويد وغيرها من بلدان المهجر.
وبنظرة بسيطة على حال الحركة القومية الآشورية في بلدان المهجر المتمثلة في الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية نرى بأن "آشور" كأرض، أي كحقيقة موضوعية واقعية (الموضوع) أو بنية تحتية، هو جوهر وأساس فكرهم وأيديولوجيتهم في حين واقعياً هم يعيشون ويعملون وينشطون في موطنهم القانوني والفعلي أي بلدان المهجر، لنقل أميركا. أي بهذا المعنى نقول بأن الواقع او الموضوع او البنية التحية لهم هو آشور بعيد جدا عنهم، أي ليس هو البنية التحتية لأفكارهم وأيديولوجيتهم أو لبنيتهم الفكرية الفوقية طالما يعيشون وينشطون في المهجر.  بينما واقعهم الفعلي، أي البنية التحتية لهم هو المهجر والمجتمع الآشوري القائم فيه، ولكن نرى بأنهم ليل نهار يتغنون بـ "آشور". أي بهذا المعنى أن فكرهم وأيديولوجيتهم كبنية فوقية لا يتطابق مع البنية التحتية المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية كأرض أو موطن أو مجتمع. أي بعبارة أخرى، هناك خلل في العلاقة بين البنية التحتية (أميركا كوطن وأرض) و البنى الفوقية المتثلة في فكرهم وأيديولوجيتهم المتأطر في أحزاب ومنظمات آشورية التي تأخذ من "آشور" البعيد جداً عنهم موضوعاً لفكرهم. أي هناك إغتراب في العمل القومي والسياسي في بلدان المهجر وهو الأمر الذي أدى في مجمله أن يكون مكتسباٌ طابعاً رومانسيا لا بل ونرجسياً أيضاً بعيداً عن العمل السياسي الحقيقي والمنتج الذي يتطلبه ممارسة واقعية يتطابق فيها البنية التحتية مع البنى الفوقية. هذه الحالة هي التي جعلت من العمل القومي الآشوري في بلدان المهجر أن يكون منسلخاً عن واقعه الذي يعيش فيه وبالتالي هو بعيداً عن تحقيق حتى الحد الإدنى من طموحات الآشوريين القومية، وهو الواقع الفعلي الذي ندركه في هذه الأيام من خلال إنحسار أو إنعدام النشاطات القومية السياسية وضمور أو تلاشي المؤسسات القومية والأحزاب السياسية الآشورية في بلدان الهجر.
فحتى تتناسب البنية الفوقية، أي الفكر والوعي القومي مع الواقع الموضوعي في المهجر، يجب على الأحزاب السياسية والمنظمات القومية الآشورية أن تستمد فكرها ووعها وبالتالي عملها من الواقع الآشوري في المهجر، الذي ملئه تناقضات وظواهر سلبية تتمثل سواء في العشائرية والطائفية أو التسيب أو اللامبالاة والأنانية وتهرب الكثير من المثقفين والأكادميين من تحمل مسؤوليات إجتماعية أو ثقافية أو عامة سواء في الأندية أوالمؤسسات وحتى في اللجان الكنسية، حينذاك تستقيم العلاقة بين البنية التحتية (الواقع في المهجر) وبين البنى الفوقية (أفكار وأحزاب ومنظمات) أي نكون أزاء توافق الأجهزة الأيديولوجية من واقع الحال المعايش في المهجر وهو الأمر المؤكد الذي سيساعد أحزابنا السياسية وحركتنا القومية في الوطن الأم "آشور". ولعل إنخراط أبناء شعبنا سواء بشكل مباشر أو عن طريق الأحزاب والمنظمات القومية في السياسة المحلية لبلدان المهجر والترشح لهياكل الدولة، سواء في الحكومات المحلية أو غيرها، هو السبيل الأمثل ليس لخدمة أبناء شعبنا في المهجر فحسب بل سيكون سند قوي لأبناء شعبنا الصامدين في أرض الوطن ولحركاتهم القومية وأحزابهم السياسية، فهذا هو الطريق القويم في خدمة "آشور" وليس النحيب على أطلال نينوى أو تشكيل منظمات تحلم في تحرير آشور من الإحتلال الكوردي. فالسوابق التاريخية لمثل هذه المنظمات أثبت وبشكل قاطع فشل كل جهودها في هذا السياق لأن صراخها كان في وادي عميق و بعيد جداً عن وديان جبار آشور ولم يعد يسمع حتى من قبل أصحاب هذه المنظمات، فكيف نتوقع من أبناء شعبنا في الوطن الهائمون على أمواج الظلم والإضطهاد والتهجير أن يسمعوا هكذا صراخات ويتوقعوا نتائج مثمرة من أحلام هذه المنظمات. السوابق التاريخية دروس لمن يريد الإستفادة منها في العصر الحالي ولكن للأسف الشديد كما قلنا سابقاً بأن معظم أن لم يكن جميع المنشغلين في السياسة القومية وفي قيادة أحزابنا السياسية والمنظمات، خاصة الغارقين في الإغتراب السياسي والقومي وإنفصام واقعهم عن فكرهم، أي إنفصام الذات (الفكر) عن الموضوع (الواقع) يحيطهم جهل مطبق في الكثير من الأمور الفكرية والسياسية ويعتقدون بأنه عيب عليهم أن يتعضوا من التجارب السابقة ويتعلموا منها غير مدركين بأن التجارب السابقة دروس وعير لمن يسير على  طريق النضال القومي ويحقق بعض الأهداف النافعة لأمتنا في الوطن.
==========================================
ملاحظة: على الرغم من إنشغالي الكثيف سواء بأمور وظيفية وضمان خبزنا اليومي أو بأخرى فكرية وكتابية إلا إنني أضطررت أن أبحث و أجدة فسحة من الوقت وأستخدمها لأكتب هذه السطور لأنه مع الأسف الشديد ما أراه على صفحات موقعنا العزيز عنكاوة دوت كوم أمر بائس وفقير وقلة الكتابة في شؤون أمتنا على الرغم من أن الموقع يقول هو (ملتقى أبناء شعبنا الكلداني الآشوري السرياني، وأبناء العراق كافة،) في مقارنة بما يكتب عن الأمور الأخرى. فاللوم طبعاً لا يقع على الموقع وربما ليس أيضا على مثقفين وكتاب شعبنا بل، كالعادة، نتهرب من هذا الواقع الأليم ونلقي اللوم ... كل اللوم على الزمن الظالم كما ألقوا أباؤنا وأجدادنا اللوم على هذا الزمن الظالم في فشل تحقيقهم الحد الأدنى من حقوقنا المشروعة في أرض الوطن.



   

76
ما بالكم خائفين هكذا؟ كيف لا ايمان لكم؟
(مرقس : 40:4)

==============================================
أبرم شبيرا
في بعض الأحيان ألجأ إلى الكتاب المقدس لإقتباس بعض العبر والأمثال والدروس التي ذكرها ربنا يسوع المسيح وأحاول إتخاذها كمنهج أو كدليل للبحث في موضوع يمس شعبنا الكلداني السرياني الآشوري سواء في الوطن أم في المهجر. وخلال الأيام القليلة الماضية، وأنا غائصاً في سطور إنجيل مرقس وجدت في الإصحاح الرابع صور واضحة عن حال شعبنا في هذه الأيام العصيبة. أصحاح يعبر عن صورة ناطقة عن الظروف العصيبة المأساوية التي عصرت وتعصر بشعبنا في الوطن وقادت الكثير منهم إلى هجره نحو المستقبل المجهول، صورة  وعن ظروف الضياع والتسيب والامبالاة في بلدان المهجر. ومن الملاحظ بأن الأطار العام الذي يأطر كل النتائج الناجمة من هذه الظروف المأساوية هو الخوف لا بل الرهبة أو ما يسمى بـ "الفوبيا من الضياع". فبسهولة يمكن تلمس لمسة اليد مثل هذا الخوف أو الخشية من ضياع أمتنا سواء في المأساة والفواجع والمتاهات المؤدية إلى هجرة الوطن وتركه أو من نتائج الضياع في مجتمعات المهجر التي هي بمثابة بوتقة الإنصهار، خاصة الحديث المرعب الذي في معظمه يدور عن إنقراض لغتنا القومية ومن ثم إنقراض أمتنا سواء في الوطن أم في المهجر.
ومن الملاحظ بأن هذه الظاهرة لا تقتصر على عامة الناس، بل على الكثير من المثقفين والسياسيين ولا أستثنى منهم رجال الكنيسة. قبل بضعة سنوات كنت في حديث مع أحد أساقفة فرع من فروع كنيستنا المشرقية، قلت له لو سهل أمر هجرة أبناء شعبنا للوطن وفتح باب الفيزا لهاجر الوطن أكثر من 80% من شعبنا إلى الخارج والباقي سيكون من أتباع الكنيسة المؤمنين ورجالاتها. فقال أنت غلطان يا أبرم!!! لأن بعد هذه النسبة الكبيرة المهاجرة سأسافر أنا أيضا وأترك الوطن طالما لم يبقى لي رعية غير جدران الكنيسة الفارغة. وهذا ما نشاهده في الكثير من المناطق التي هجرها شعبنا. لا بل والأكثر من هذا فسيف الهجرة ضرب حتى رجال الكنيسة الذين لهم رعية معقولة النسبة فتركوا كنيستهم وهاجروا إلى بلدان الشتات.
صحيح هو أن المأساة والفواجع التي حلت وتحل بشعبنا في الوطن هي من الأسباب الرئيسية التي تدفع أبناء شعبنا إلى المهجر وبالتالي الخوف والضياع كأمة تاريخية في متاهاة العصر الحديث، فحال هؤلاء يشبه حال تلاميذ يسوع المسيح عندما عصفت الرياح العاتية بسفينتهم وسيطر عليهم الخوف والرهبة فنهرهم اليسوع وقال لهم "ما بالكم خائفين هكذا؟ كيف لا إيمان لكم"، كما ورد في إصحاح مرقس المذكور. وفي ترجمات أخرى تذكر "مابالكُم خائفين هذا الخوف؟.. إلى الآن لا تؤمنون؟". ثم أنقذ يسوع اليسوع تلاميذه من الغرق وإبتلاع البحر لسيفنتهم. وهنا من الضروري التأكيد على المغزى المراد أخذه من هذا الإصحاح وإعتماده كمنهج ليس لإغراض روحية ودينة وكنسية، بل لهدف فهم بعض الوقائع الموضوعية في عالمنا الواقعي وإقتباس منهجه بما يمكن إقتباسه من هذا الإصحاح الرائع والنظر من خلاله إلى أمواج البحر الهائجة التي تلطم بأبناء شعبنا وتدفعه نحو الضياع والموت كأمة تاريخية. الإيمان ... ثم الإيمان، ليس بمفهومه الديني فحسب بل بمفهوم إيمان الرجل بنفسه وبجماعته ومن ثم بوطنه ليكون هذا الإيمان سبيلا بسيطاً وأولياً لخلاص الإنسان. فقلة الإيمان أو إنعدامه عن الإنسان يفقد وجوديته وكينونته وهويته الجمعية وحتى القومية. فهو العامل المعنوي الذي قد يدفع شعبنا على بداية طريق الخلاص وإنقاذه في نهاية المطاف من الضياع النهائي والكلي. أتذكر بعض الأقوال لأبينا السامي الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو وأخص بالذكر منها عندما ذكر قبل سنوات وقال صحيح أن شعبنا يهاجر الوطن بأعداد كبيرة ولكن هناك أيضا من أبناء شعبنا لا يزال باقي في الوطن ويرغب البقاء والصمود فيه رغم كل المأساة والمعاناة. فلو تسنى لنا مجازا الولوج في نفسية هؤلاء الصامدين على أرض الوطن لوجدنا فيهم نوع من الإيمان بضرورة الإلتصاق بتربة الوطن لا بل تأكيد نفسه كأنسان وتعزيز هويته المرتبطة بالأرض التي عاش عليها هو وأجداده العظام.
فحال أبناء شعبنا في الوطن يشبه حال تلاميذ يسوع المسيح وهم هائمين ضائعين بين أمواج البحر. فأمواج الظلم والإستبداد والقهر تعصف بسفينتهم وتعرضهم للضياع والموت في ظلمات البحر الهائج. ومما يزيد من سرعة هلاك ركاب السفينة وغرقها هو الشيطان المتمثل في جدالهم وخصامهم ونزاعاتهم وقلة، أو إنعدام الإيمان بقدرتهم على الخلاص من الضياع والغرق. ذلك الإيمان بأن مصيرهم لا محال هو واحد لا يفرق بين هذا أو ذاك. فالبحر غدار، كما كان داعش والقاعدة والتطرف الإسلامي الذي يضع كل أبناء شعبنا دون إستثناء طائفي أو تسموي أو عشائري أو إنتمائي تحت مقصلة التدمير والإفناء. فلا أحد من ركاب السفينة يتخلص من هذه المظالم عبر طائفته ولا عشيرته ولا بإرتمائه في أحضان الغير، بل الخلاص المتاح للجميع دون إستثناء هو الإيمان بأن التكاتف والتضامن والتعاون بينهم هو السبيل الممكن لقيادة السفينة نحو بر الأمان، ثم حين ذاك، أي بعد الخلاص، ليدخلوا الجميع في حوارات حضارية متمدنة لتجنب تجارب تعرض سفينتهم إلى نفس أمواج البحر القاتلة.
صحيح هو أن هناك عوامل كثيرة تحول دون تفاهم وتقارب بين من يمثل شعبنا أو قادتنا سواء على المستوى القومي أو الكنسي ولكن ليعرف الجميع بأن تحقيق مصلحة معينة لهذا الجزء من شعبنا أو ذاك أو حصول ممثله على كرسي في هياكل الدولة العراقية ليس هذا إلا وهما عن الخلاص لأن مصيره في التحليل الأخير هو كمصير غيره من ركاب السفينة المعرضة للغرق. الإيمان... ثم الإيمان بمصيرنا المشترك ثم العمل بقدر الإمكان لتحقيق ولو جزء قليل من مصلحة شعبنا هو السبيل المتاح للخلاص من هذه الأمواج العاتية والقاتلة. فالبحر بأمواجه الهائجة لا يرحم أحد إذا لم يرحم ركاب السفينة حالهم ويتكاتفوا بعضهم ببعض للوصول إلى بر الإيمان. صحيح هو من يقول بأن مثل هذا الإيمان لا يستطيع بشكل مباشر من إيقاف الهجرة أو تقليل منها ولا أن يضع حجر على حجر لإعادة بناء قرانا وكنائسنا ولا أن يقضي على الظلم والإستبداد المفروض على شعبنا في الوطن. ولكن لنقول بملئ الفهم بأنه لا يمكن للإنسان مهما كانت قوته وإمكانياته ومواقعه أن يحقق أي نتيجة مثمرة من عمله مالم يكون مؤمناً بهدف عمله. إذن، حتى يكون عمل أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية والكنسية أيضا منتجاً لنتائج مثمرة لا بد أن يكون هناك نوع من الإيمان بهذا العمل والهدف المراد تحقيقه. وهنا نعيد ونكرر القول بأن تحقيق نتيجة مثمرة من أعمال أي تنظيم من تنظيمات شعبنا هو وهم فيما أذا أعتبر نفسه بأنه ليس من ركاب السفينة الهائمة بين أمواج البحر القاتل. فالإيمان بوحدة المصير هو السبيل الوحيد لوصول إلى بر الإيمان ومن ثم بعد ذلك نبدأ بالتفكير في كيفية بناء قرانا وكنائسنا ومحاولة التخفيف من هجرة أبناء شعبنا إلى بلدن الشتات.
مهلاً... مهلاً... كيف الحال ونحن الذين نصبنا خيامنا في بلدان المهجر ونتكلم عن غرق السفينة وهلاك ركابها؟؟ فأمرغرق السفينة بركابها لا يهمنا طالمنا نحن على اليابسة نستمع بحياة سعيدة وبرفاهية بعيدين عن الأمواج القاتلة لداعش والتطرف الإسلامي. كما أن الفضاء السياسي الديموقراطي يوفر لنا مجالاً واسعاً للإجتماع والحديث الحماسي وبأقوى الكلمات والتصريحات عن خلاص الأمة لا بل  حتى عن "تحرير آشور المحتلة"!!!؟؟؟.. ولكن لنكن، أولهم أنا قبل غيري، يقينيين بكل قناعة وصدق وإيمان بأنه لا يمكن لأي كلداني أو سرياني أو آشوري أن يبقى كلدانياً أو سريانياً أو آشورياً ويفتخر وبإعتزاء بإنتماءه لهذه التسميات الحضارية الجملية إذا تعرض ركاب السفينة الكلدانية السريانية الآشورية إلى الغرق والموت... فالمصير واحد إينما كنا سواء في الوطن أم المهجر ولا يمكن إطلاقا الإحتماء تحت المظلة الديموقراطية المنصوبة في بلدان المهجر وأن تبقى كلدانياً أو سريانيا أو آشورياً إذا تعرضت سفينتنا القومية في الوطن إلى الغرق.  فالوطن هو التربة الصالحة وأبناء شعبنا هناك هم الجذور المتعمقة في هذه التربة وهم الأغصان الصلدة. أما نحن في المهجر فلسنا غير أغصان معرضة للكسر وأوراق مهلهة لا حياة لها إلا إذا أرتبط بالأغصان الصلدة وبالجذور المتعمة في تربة الأباء والأجداد. وعندما أقول مرتبطة يعني متصلة إتصالاً صميماً وموضوعية قابلة لتعزيز ومساعدة من هم صامدين في أرض الوطن وليس عن طريق الأوهام والخزعبلات والسباحة في فنجان قهوة. فلننتبه جميعاً بأن ما يصيب شعبنا في الوطن خاصة غرق سفينته في البحر القاتل سيصيب أبناء شعبنا في المهجر وستغرق هويته القومية وحتى الكنسية في أتون الضياعة والإنصهار في هذه البلدان مالم يعتبر نفسه أحد ركاب هذه السفينة القومية.
وأخيراً لم يبقى إلا أن أوكد، خاصة لأبناء شعبنا في المهجر، وأنا أولهم، بأن الإيمان بوحدة ومصير هذه الأمة وبكل تسمياتها الحضارية الجميلة لا يعني ترك بيته في المهجرة والعودة إلى الوطن للإستقرار فيه، بل الإبقاء بصلة بينهم وهم في المهجر وبين الوطن.. ولعل زيارة  إلى أرض الوطن  مرة واحدة في السنة قد يعزز هذه الصلة ويتلمس معاناة شعبنا هناك، وقد يستطيع أن يمد يد الخير والمساعدة والتضامن فلربما سيكون ذلك عاملاً مساعدا للتخفيف من الأمواج العاتية التي تعصف بسفينة أمتنا في أرض الوطن. ومن يريد التعلم عن هذه الصلة ليذهب ويتعلم من تجربة منظمة كشرو التي في كل عام تأخذ مجموعة كبيرة من الشباب والشابات لزيارة الوطن والتفاعل هناك مع أبناء شعبنا. وهنا قد يتحجج البعض بحجة عجز الحالة المادية وعدم إمكانية توفير تكاليف السفر إلى أرض الوطن. ولكن لنكن على يقين بأن معظم أبناء شعبنا أو أكثريته في المهجر يقومون سنوياً بسفرات سياحية إلى بلدان مختلفة ويصرفون مبالغ كبيرة، وهذا من حقهم ولا عتاب عليهم من توفير أجواء الراحة والإستجمام له ولعائلته، ولكن قد تكون التكاليف المالية لزيارة الوطن أقبل بكثير ولكن من ناحية أخرى ستوفر مثل هذه الزيارة لا الراحة والإستجمام فحسب وإنما أيضا الإعتزاء بالهوية القومية وبصلة الإرتباط بأرض الوطن، والأكثر من هذا فأن مثل هذه الزيارة ستشرعن كلدانيتك وسريانيتك وآشوريتك، أفلا تستحق هويتك بعض القروش التي تعتز بها ليل نهار امام الغير وتصرح بها جهاراً؟؟       
 
 



77
روحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم …ثم تعالوا
=========================
أبرم شبيرا

روحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم… ثم تعالوا – 1919
-----------------------------
في ربيع من عام 1919 بعث الآشوريون من مختلف الطوائف والمناطق والدول وفدا، أو بالأحرى وفود، إلى مؤتمر فرساي في فرنسا عقب إنتهاء الحرب الكونية الأولى وبداية تسويات الحدود الدولية وتقسيم أراضي الإمبراطورية العثمانية "الرجل المريض" وتوزيعها بين الدول المنتصرة، للمطالبة بحصة للآشوريين أو وطن من الأراضي التي سيتم تقسيمها. وكان الوفد يتضمن مار أبرم برصوم مطران الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في الولايات المتحدة الأمريكية (فيما بعد بطريرك)، والقس يوئيل وردا من الجمعية الآشورية في الولايات المتحدة الأمريكية والدكتور إيشا ماليك يونان من الكنائس البروتستانية والسيد شمعون كنجا من روسيا، من المحتمل من الكنيسة الأرثوذكسية. وكانت كنيسة المشرق الآشورية، المنعوتة بـ "النسطورية"، قد بعثت السيدة سورما خانم، أخت البطريرك حينذاك لحضور المؤتمر كممثلة لأتباع هذه الكنيسة في العراق. وفي طريقها وقبل ذهابها إلى المؤتمر عرجت على لندن للإجتماع بالمسؤوليين البريطانيين حسب طلبهم فأستقبلت من قبلهم في لندن بحفاوة متمشدقين بشجاعتها وشخصيتها ومنحها بعض الأنواطة والألقاب الشرفية ثم ألتقت برئيس أساقفة كانتربيري وبالتالي حجزت في دير هناك لحين إنتهاء المؤتمر ومن ثم عودتها إلى العراق خالية الوفاض من دون أن تزور فرساي.

سعى أعضاء الوفود المذكورة أعلاه حضور المؤتمر بشكل إنفرادي وبمطاليب مختلفة وليس كوفد موحد، فلم يسمح لهم الدنو من عتبة قاعة المؤتمر غير أن يلتقي بهم السكرتير العام للمؤتمر. وفي نهاية اللقاء معهم قال لهم: روحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم ثم تعالوا، أي بعبارة أخرى كان كلام السكرتير العام للمؤتمر طرداً محترماً لهم. ثم ذهب بعضهم للقاء السيدة سورما خانم في لندن قبل مغادرتها والعودة إلى العراق فقالت لهم وبكل صراحة "ليس هناك من فائدة لحضور المؤتمر فقد أخذت الحكومة البريطانية كل شيء في يدها وقالوا سيعملون بما يستطيعون من أجل الآشوريين، لذا ليس لنا وفد لحضور مؤتمر فرساي، فالوفد البريطاني عمل شيئاً ما نيابة عنا والذي لا نعرف ماهو"!!!، والقصة المأساوية لخيانة بريطانيا ونتائجها معروفة للقارئ اللبيب ولا يستوجب إعادتها.
رحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم… ثم وتعالوا – 2016
----------------------------
بعد تقريبا قرن من الزمن، وتحديداً بعد 97 عاماً، ألتقى السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كوردستان حينذاك بعدد من ممثلي الأحزاب السياسية المسيحية. وأثناء الإجتماع حثهم السيد البارزاني وبشكل مشدد على حتمية توحيد المسيحيين كلمتهم قبل تحرير الموصل وضرورة الإتفاق المسبق بينهم قبل غوض معركة تحرير الموصل ومن ثم يتم النظر في مطلبهم بتحويل سهل نينوى إلى محافظة. أي بعبارة أخرى تكرر نفس التوجيه في: روحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم ثم تعالوا!! وفي حينها كتبنا موضوعاً في سياق هذا اللقاء.

بين عام 1919 وعام 2016 سبعة وتسعون عاما، سجل مكتظ بالمأساة والفواجع والمذابح والتشريد وحتى يومنا هذا، فلم يتعض قط زعماء أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية ولا زعماء كنائسنا شيئاً من التاريخ فأستمروا في التعثر بنفس الحجر، حجر التفرقة وعدم الإتفاق. والجاهل هو من يتعثر بنفس الحجر مرتين، وهذا ما قلناه في السابق. ولا شك إطلاقاً بان أسباب هذه المأساة والفواجع، كما هو معروف ترجع إلى خضوع أبناء أمتنا إلى أنظمة إستبدادية وطغاة عتات لم يكن فيها من مجال لمواجهة هذه التحديات الماحقة والخلاص منها ثم الوصول إلى وضع قد يخفف من نتائج هذه الأحوال المأساوية. هكذا فالكل من أبناء شعبنا وقادتنا القومية والكنسية يلقون اللوم... وكل اللوم على طغاة التاريخ أمثال مير بدر خان وسمكو الشيكاكي وبكر صدقي وحجي رمضان ورجال الحكم الذين أختصبوا السلطة في العراق وعلى حزب البعث والقاعدة والزرقاوي ودعاش وعلى كل المتطرفين الإسلاميين الذين أرتكبوا جرائم بحق شعبنا في وطنه التاريخي، ولكن من دون أن نبحث وبجدية وموضوعية عن الأسباب الداخلية المتعلقة بشعبنا التي هي تشكل أس الأساس في معظم هذه الأحوال المأساوية والماحقة... نعم نرى القشة في عيون غيرنا ولا نرى الخشبة في عيوننا. مجرد مثال في هذا السياق لأن القشة في عيون أعداء شعبنا كانت حزمات خشبية كبيرة جداً في مقارنة مع الخشبة في عيون شعبنا، ولكن مع هذا يستوجب بل واجب علينا أن نتطلع في هذه الخشبة ونحاول أخراجها من عيون شعبنا.

لو راجعنا حيثيات التاريخ المخجل في بعض جوانبه، نرى بأن جرائم مير بدرخان في منتصف القرن التاسع عشر لم تكن لتصل إلى حد ذبح الألاف من أبناء شعبنا وتشريدهم وتحطيم البنية التحتية للمجتمع في حيكاري، لو كانت العشائر الآشورية متوحدة. حيث أستطاع هذا المجرم من إقناع بعض العشائر الآشورية للوقوف على الحياد وبوعود مغرية كاذبة فأستطاع من التفرغ للتنكيل بالعشائر الآشورية خاصة عشائر تياري وتخوما التي أستشهد فيها ماليك إسماعيل من تياري العليا. ثم ما أن فرغ من جرائمه حتى أدار سيفه نحو العشائر الأخرى التي وقفت موقف الحياد وكمل جرائمه بالتنكيل بهم. والمشهد الدراماتيكي تكرر أثناء مذابح سيفو عشية الحرب الكونية الأولى والتي أرتكبت من قبل بعض مجرمي الدولة العثمانية. ففي الوقت الذي كانت السلطات العثمانية تصدر فرمانات بأن المسيحيين جميعهم محميين وسوف لا يتعرضون إلى الظلم والإضطهاد والتنكيل فيما إذا وقفوا على الحياد، صدق بعض قادة وزعماء أبناء شعبنا هذه البلاغات وتنحوا جانبا من ساحات الوغى ولكن في عين الوقت كان الولاة وحكام المقاطعات العثمانية وبعض زعماء الكورد يحصدون رؤس جميع المسيحيين من دون إستثناء أحد. لقد ذكرنا سابقا من مذكرات أحد المبشرين الغربين في المنطقة أثناء مذابح سيفو حين قال للقائد العثماني "لماذا تذبح الآشوريين في حين أن فرمان الباب العالي يخص الأرمن فقط" فقال القائد العثماني "أنا لا أفرق بين الروث – براز البقر – الجاف والروث الرطب فكلاهما روث ورائحتما كريه".

وقصة كوريال البازي وأبنه الوحيد وليم من مدينة دهوك أثناء مذابح سميل عام 1933 معروفة للكثير من القراء والذي كان مؤيدا وبشكل حماسي للحكومة العراقية حينذاك حيث أحتمى في منزله أكثر من 80 شخصاً ومن بينهم رجال دين وكان العلم العراقي يرفرف على سطح منزله كإشارة لتأييده "الوطني" للحكومة العراقية. غير أنه بمجرد أن بدأت عمليات القتل والذبح في سميل والمناطق المجاورة هاجمت قوات المجرم بكر صدقي منزله ونكلوا بجميع المحتمين في البيت ومن بينهم أبنه وليم، حتى قيل على لسان شهود عيان أن القس الذي كان من بينهم قد صلب بشكل مقلوب أمام باب المنزل وقطع عضوه الذكوري ووضع في فمه. وعلى الجانب السياسي دبً الخوف والخنوع في الكثير من المؤيدين للحكومة. فبينما كان مار شمعون إيشاي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في تلك الفترة يقدم طلباً تلو الطلب مناشداً الدول الكبرى والمنظمات الدولية لضمان حقوق الآشوريين في العراق، كان غيره يقدمون العرائض سواء للحكومة العراقية أم إلى عصبة الأمم يدينون زعماء الحركة الآشورية في تلك الفترة وينعتون البطريرك مار شمعون بالخائن وتكذيبه عن تمثيل الآشوريين مؤكدين في عرائضم بأن الحكومة العراقية رحيمة معهم وضامنة لسلامتهم وإستقرارهم. غير أنه بعد تصفية الحركة الآشورية ونفي البطريرك وعائلته خارج العراق وإسقاط الجنسية العراقية عنهم، لم تنسى الحكومة العراقية أفضال هؤلاء المتعاونين معها فشرعت قوانين وأنظمة وتعليمات وضعت جميع الآشوريين في العراق في أوطأ درجة بين الشعب العراقي وفرضت عليهم قوانين عقدت مسألة الحصول على الجنسية العراقية وحرموا من الكثير من الإمتيازات الوطنية ومن الحصول على وظائف حساسة سواء في القطاعين المدني و العسكري بأستثناء نفر قليل حيث تلئلت نجمة أو أكثر على أكتافهم خدمة للجيش الذي ذبح الآشوريين في سميل. هذه بعض القصص المأساوية ولا يستوجب ذكر أكثر منها.

هذه شذرات من التاريخ المأساوي لشعبنا ولا شك فيها إطلاقا بأن خضوع شعبنا إلى الأنظمة الإستبداية والطغاة كان سبباً واضحاً في معاناته المستديمة. ولكن من المؤكد لو... أعيد وأقول لو كان شعبنا متوحد ومتفق ولو على الحد الأدنى  لكانت درجات الإستبداد والظلم وهضم الحقوق قد خفت بعض الشي أو على الأقل حفظ شعبنا شيئاً من كرامته القومية أثناء هذه الحوادث وكسب أحترام الآخرين. ومما لا شك فيه بأنه حتى "لو كان شعبنا متوحد ومتفق" فأنه لم يكن بالمستطاع القضاء على الإستبداد والظلم ومنع قوع الجرائم الإنسانية التي أرتكبت بحقه بالتمام والكمال، ولكن كان من الممكن جداً أن يعطي هذا التوحد والإتفاق نوع من الثقة لدى أبناء شعبنا بقادته ويخفف ولو قليلا من معاناته المأساوية ويخلق نوع من الإستدامة في الصيرورة القومية والسياسية لشعبنا نحو المستقبل وتشكل سوابق تاريخية كان من الممكن أن تفيد الأجيال القادمة لكي لا تقع في نفس المستنقع.

هكذا كلما نتذكر جرائم مير بدرخان وطلعت باشا وسمكو الشيكاكي وبكر صدقي وحجي رمضان وخيانة الإنكليز ومأساة مذبحة سميل نبدأ برشح الحبر في وجوهم ونلقي كل اللوم... نعم كل اللوم عليهم ولا نتجرأ  النظر في المرآة لكي نكتشف عيوبنا. قال الغرباء رحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم ثم تعالوا حتى ننظر فيها ونتقصى مدى إمكانية تحقيق مطالبكم. وهذا الشرط في توحيد الكلمة والمطلب كأساس للجلوس معاً والإستماع إلى المطلب قد ينتهي بنتيجة إيجابية مفيدة للصالح العام لشعبنا أو قد يكون مجرد مجاملة ونفاق لإظهار الغير، أو الأصح السالب لحقوقنا القومية والوطنية،  بأنه ديموقراطي ومنفتح للمختلف ليبدأ بالقول بأن المسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين لا يساعدون أنفسهم فكيف نستطيع أن نساعدهم؟... لا نعرف ماذا يريدون وماذا يطلبون؟؟ وبالتالي فالتفاهم معهم صعب ولا يمكن الوصول إلى نتيجة. وعلى الجانب الآخر، فلو ... فلو كان زعماء أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية متوحدة في كلمتها ومطلبها لكان هذا الشرط غائباً وغير مطروق في الإجتماعات. لا بل لكان هذا التوحد في الكلمة والمطلب سلاحاً قويا في أيدي زعمائنا ومن الصعب على الإخرين مواجهته وبالتالي سيضطر إلى سماع كلمتهم ومطلبهم.

بالأمس القريب وليس بالماضي البعيد، نأخذ مثال طازج "فريش" في هذا السياق ولا نذهب بعيدا عن الأمثلة القديمة... بالأمس القريب عين رئيس وزراء إقليم كردستان أحد المسيحيين من أعضاء حزبه، أي الحزب الديموقراطي الكوردستاني (البارتي)، بمنصب وزير الموصلات، فإنهالت الإحتجاجات من قبل بعض أحزاب ومنظمات شعبنا في الإقليم على هذا التعيين على أساس أنه "سرقة" من سرقات السلطات في الإقليم لحقوقنا السياسية. ولكن هنا نتساءل مالذي جعل رئيس وزراء الإقليم أن يتمادى على حقوقنا وأن يختار هذا المسيحي من نفس حزبه ولم يختار مسيحي من أعضاء أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية؟؟ الجواب بسيط وواضح من خلال العبارة التي ذكرناها في صدر هذا الموضوع "روحوا وحدوا كلمتكم ومطالبكم .. ثم تعالوا ننظر فيها".. فلوا فرضنا أختار رئيس وزراء الإقليم فعلاً أحد الأعضاء من الأحزاب المسيحية لمنصب الوزير لإنهالت التهم والإهانات من بقية الأحزاب السياسية وزاد سعير الخلاف والإنشاق بينهم لا بل ينفتح قاموس التهم والإهانات وتبدأ قراءة آيات كونه هذا الحزب أو زعيمه عميل أو صنيع الحزب الذي ينتمي إليه رئيس وزراء الإقليم. والتاريخ القريب والمعاصر شاهد على ما أقوله. ولتجنب مثل هذه الأحوال السيئة، ولصعوبة أو رفض قبول ترشيح عضو في حزب معين من قبل الأحزاب الأخرى، فأقل الإيمان هو إمكانية الإتفاق على شخصية مستقلة محترمة في مجتمعنا ولها سمعة جيدة ويتمتع بوعي قومي وثقافي وحرفي ليتم ترشيحه لمنصب وزاري، حينذاك لا أعتقد بأن السيد رئيس وزراء الإقليم كان يتجرأ ويرفضه.
 
فلو فعلاً كان قد سمع وفود شعبنا عام 1919 كلام السكرتير العام لمؤتمر فرساي ونصحية السيد مسعود البارزاني عام 2016، وبين التاريخين عشرات من مثل هذا الكلام، وأستطاعوا توحيد خطابهم السياسي ومطلبهم، ولو في حده الأدنى، لربما كان الأمر مختلفاً بعض الشئ ولربما قد إستجابوا لمطلب ممثلي شعبنا أو ربما لا يستجيبوا، ولكن الأهم من هذا وذاك، والذي يعنينا ونحن بصدد هذا الموضوع في وحدة الخطاب السياسي، هو ظهور زعماء شعبنا كقوة متوحدة في مواجهة التحديات ومن ثم أنعكاس ذلك على تصاعد معنويات شعبنا في هذه الظروف الصعبة وبالتالي تزايد نسبة الثقة أو التقليل من إنحطاطها بين أبناء شعبنا تجاه أحزابنا السياسية. والأكثر من هذا هو إجبار المقابل على إحترامنا وضمان حقوقنا القومية بالشكل السليم ومنعه من التلاعب بطرق مختلفة قابلة وبسهولة لتبريرها وفرضها كواقع حتمي بحجة عدم وحدة المسيحيين وغياب وحدة الخطاب السياسي والمطلب القومي الموحد بين أحزابهم السياسية.

هنا نفترض حتى لو أمكن أن توحد أحزابنا السياسية خطابها ومطلبها وواجهة المقابل بهذا المطلب، وأن تطلب أن لا تتدخل السلطة والأحزاب المهيمنة في شأن تعيين وزير أو سلب كراسي الكوتا عن طريق صبيانهم، او لنقل بأن مساعي حصر التصويت للكوتا بالمسيحيين فقط قد طبق، أفهل سينجح الأمر ويحقق وحدة الخطاب السياسي النتائج المرجوة والهادفة لخدمة المصلحة العامة لشعبنا؟؟ وقبل الإجابة على مثل هذا التساؤل، نقول ونؤكد حقيقة واقعية وموضوعية وهي أن شعبنا هو شعب صغير وتناقضاته ليس فكرية أو أيديولوجية بل كل ما يفرق هذا الحزب عن ذاك هو إختلاف في المواقف وفي المسائل الشسخصية وليس أكثر، وفي بعض الأحيان قد يصل إلى الخلاف ثم الطلاق. مما لا شك فيه هناك أحزاب ومنظمات وكتل هي في الحقيقة أوجه أو صبيان مرتمة بشكل مباشر أو غير مباشر في أحضان أحزاب الغير خلقت بهدف سرقة كراسي الكوتا المسيحية وتمثيل المسحيين "رسمياً" والتحدث بأسمهم من منصة الكراسي البرلمانية التي سرقت علناً من حق شعبنا. هذه الأمور كلها عقدت مسألة الوصول إلى خطاب سياسي ومطلب موحد. لأن الأمر محسوم بالنسبة لصبيان أحزاب الغير فالخلاف بل التناقض مع ما يحملونه من أفكار الغير ومصالح الغير هي قائمة على تناقضات فكرية ودينية وقومية وحضارية وثقافية لايمك إطلاقاً الإتفاق معهم. أما بالنسبة للأحزاب والتنظيمات المتعاملة مع أحزاب الغير قد يكون الأمر أهون للوصول إلى وحدة المطلب فيما إذا تمكن أحزابنا القومية المستقلة من الأخذ والعطاء للوصول إلى القواسم المشتركة التي تفيد مصلحة الجميع المشتركة. ثم يبقى الأمر بين أحزابنا القومية المستقلة ومدى إمكانية التوصل إلى وحدة المطلب. أفهل هذا الأخير ممكن؟ من المؤسف أن نقول مرة أخرى الجواب هو كلا، لأن الأمر ليس في غياب وحدة الخطاب والمطلب القومي الموحد بينهم فحسب، الذي هو أحد أعراض المرض القاتل لشعبنا، بل العلة في سبب هذا المرض. فتخفيف أوجاع وأعراض المرض بالمهدئات لا يقضى على المرض بل ستعود هذه الأوجاع مرة أخرى طالما سبب المرض لازال قائماً والكامن علته في فايروس قابل للإنتعاش فيما إذا أتحيت له الظروف المناسبة أو تكيف ضد المهدئات والمضادات الحيوية. وهناك العشرات من محاولات الوصول إلى وحدة الخطاب السياسية عبر تحالفات وإتحادات وجبهات ولكن ما ان وقفت على ساحة العمل القومي حتى إنهارت. وخير مثال على ذلك هو "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" رحمه الله.

لنقترب أكثر ونذكر مثال طازج "فريش" آخر وقريب علينا. في الفترة القليلة الماضية أتفق أحزابنا الثلاث، الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) والحزب الوطني الآشوري (أترنايا) وحزب أبناء النهرين (كيان)، باعتبارهم أحزاب قومية مستقلة، على توحيد كلمتهم ومنهاجهم للمشاركة كقائمة موحدة في إنتخابات برلمان إقليم كردستان الأخيرة، غير أن الكيان لم يكمل المشوار حيث أنفرط عقده مع الحزبين الآخرين وقرر عدم المشاركة في الإنتخابات بسبب عدم إستجابة السلطات الحكومية في الإقليم على مطلب حصر التصويت للكوتا المسيحية بالمسيحيين فقط. ولكن هذا السبب لا يخفي سبب آخر له خلفية تتعلق بالشخص الذي سيترأس القائمة الموحدة وهو السكرتير العام لزوعا الذي لم يكن مقبولا من قبل الكيان لأنه بالنتيجة وعلى الأغلب سيحصل على كرسي برلماني طالما هو رقم (1) في القائمة التي عرفت بقائمة الرافدين. ثم تكرر المشهد الدراماتيكي بين الحزبين الآخرين، زوعا وأترنايا، فعلى الرغم من حصول رئيس القائمة السيد يونادم كنا على أصوات أكثر بكثير من غيره ومن رئيس حزب أترنايا السيد عمانوئيل خوشابا المتحالف معه، إلا أن النظام الإنتخابي الفاسد لنظام سياسي فاسد أبعد يونادم وبالمقابل جلس عمانوئيل على كرسي البرلمان. ولما وجد السيد عمانوئيل حلاوة  الكرسي أحلى بكثير من حلاوة أتفاقه مع زوعا، لا بل أكثر وأكثر من حلاوة المصلحة القومية فحاول الإستمتاع بهذه الحلاوة وحده وعلى حساب مبدأ الإتفاق والمصلحة العامة لشعبنا وعلى سمعته السياسية في العراق، فأخذ يضرب يميناً وشمالاً من دون وازع وإحترام لا لمؤسساتنا القومية ولا الكنسية ولم يستثنى من هذا حتى أعلى مركز كنسي متمثل في غبطة الكاردينال مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق والعالم وبالنتيجة أنقضى أستمتاعه بهذه الحلاوة فتم سحب الكرسي من تحته وذهب إلى السيد يونادم كنا. واليوم المدعو ريان الداعشي الذي يتكنى نفسه بالأسم الحضاري المقدس لشعبنا "الكلداني" لغرض إخفاء داعشيته ربما تعلم وقلد السيد عمانوئيل في سياق تهجمه على غبطة البطريرك.

لنمعن النظر وبدقة وعمق في هذه الحقائق الموضوعية لنرى بأن العلة الأساسية في عدم الإتفاق سواء بين أحزابنا السياسية وحتى القومية المستقلة منها والتي تعيننا في وحدة الخطاب السياسي والمطلب القومي الموحد نجد الكرسي بما يعنيه هذا الكرسي، ليس كخشب مصنوع للجلوس عليه فحسب، بل بما يفرزه من مغريات ومنافع ومواقع وسلطة وهيبة وكبرياء وربما تعالي وغرور أيضا، وهو الأساس أو الفايروس الذي يضرب ضربته القاصمة في وحدة شعبنا ويحول دون تحقيق مصلحته القومية والسياسية في العراق ولو في حدها الأدنى. ولو حاولنا أن نحشر أنفسنا أكثر فأكثر في دهاليز حزب من أحزابنا سنرى بأن فايروس الكرسي قد ضرب ضربته بين أعضاء هذا الحزب أو قيادته، فقصم ظهر بعضهم فتركوا الحزب لأنه لم يعطى لهم فسحة إمكانية الجلوس على هذا الكرسي اللعين أو أن أسمه لم يكن في صدر القائمة الإنتخابية. أقولها بكل صدق وبدون مجاملة أو رياء بأن كل الإنشاقات التي ضربت أحزابنا السياسية هي بسب هذا الكرسي وبسبب الشخص الجالس عليه وهناك العشرات من الأمثلة المعاشة في هذا المجال، والقارئ اللبيب تكفيه هذه الإشارة.

صحيح أن لشعبنا أعداء كثر سواء أكانوا من الطورانية التركية أو من التطرف الإسلامي والتعصب الكوردي والقومانيون العرب، لكن العدو رقم واحد الذي يقصم ظهر امتنا ويحول دو وحدتنا حتى في الحد الأدنى هو الكرسي. وبعبارة أخرى، نستطيع أن نقول بأن حتى العدو القريب المتمثل في إستبدادية رجال الحكم في العراق لم تستيطع أن تزيد من سعير الخلافات التي كانت قائمة بين أبناء شعبنا قبل عام 2003 بل في جوانب معينه كان الظلم والإستبداد سبباٌ لتضامن وتماسك شعبنا في مراحل عصيبة معينة، فرض تدريس القرآن في المدارس الرسمية وأحصاء عام 1977 أثناء حكم البعث في العراق، نماذج في هذا السياق. ولكن بعد عام 2003 وإنبعاث روائح الكراسي البرلمانية والحكومية حفزت الكوامن الداخلية لبعض أبناء شعبنا نحو السعي الحثيث للحصول على كرسي من الكراسي المخصصة له والأمر لم يقتصر على شعبنا في العراق وإنما هناك من قطع ألاف الأميال وائتلف مع هذا وذاك لكي يشارك في الإنتخابات ولعل تكون له حصة من هذه الكراسي. وهذا سبب في تعاظم  سعير الخلافات والتناقضات بين شعبنا وصلت إلى درجة يصعب إيجاد حل لها أو التفكير أو السعي لحلها أو التخفيف منها. إذن علة العلل هي في شعبنا وليس في غيرنا.

ولكن هل فعلا أنا أحلم في هذا الموضوع، أي إمكانية توحيد الخطاب السياسي والمطلب القومي؟؟؟ نعم هو تمنى بعيد المدى قد يصل إلى نوع من الحلم ولكن من يحقق الإحلام القومية غير أبطال القوميين... أفهل لنا أبطال من هذا النوع؟؟؟؟؟ ولكن أي نوع من الأبطال نتحدث عنهم؟ الواقع واضح جداً وملئياً بالتحديات الخطرة والمميتة ومواجهتها يتطلب تضحيات جسيمة ونحن لا نطلب من زعماء أحزابنا أن ينزلوا إلى ساحة الوغى ويواجهوا هذه التحديات بالسلاح وبتضحية الأرواح بل، حتى يكونوا أبطال حقيقين عليهم أن يواجهوا هذه التحديات بالتضحيات ونكران الذت والمثابرة الحقيقية والتسلح بالوعي القومي الصحيح بعيداً عن المنافع الشخصية والتحزبية، ولعل ترك الكراسي ونبذها والقضاء على الفايروس هو أولى التضحيات في هذا السياق وأولى المعارك في هذا الحرب. عندما عرضنا فكرة إستقالة ممثلي شعبنا في البرلمان وترك الكراسي، قال البعض بأن هناك أكثر من واحد يسعى للإنتفاع من هذه الكراسي فيقفز عليها ويستمتع بها... نعم هذا صحيح حيث سيخسر بعض من ممثلي شعبنا من ترك الكراسي ولكن بالمقابل وبالتاكيد سيحصلون أحتراماً أكثر ومكانة أرقى بين أبناء شعبنا مما كانوا ينتفعوا من الكراسي اللعينة. وفي حينها حتى لا نكون متشائمين كنُا قد طرحنا فكرة تأسييس المجلس الأعلى للكلدان والسريان والآشوريين وبالمقابل تأسيس المجلس الأعلى لبطاركة كنيسة المشرق في العراق... ومن المؤكد سيقول البعض أحلم يا أبرم بقدر ما تشاء فللأحلام لا حدود لها. 

قبل أن أختم هذه السطور أتذكر قول أحد المستشرقين والمختصين في تاريخ أمتنا حين قال "صحيح أن للآشوريين أعداء كثر ولكن لا يستطيعون أن يقضوا عليهم ولا أن يشكلوا خطورة حقيقة على حياتهم فيما إذا تخلص الآشوريون من نزاعات أبنائهم" حقاً قول صحيح ينطبق في إيامنا هذا...
وأخيرا نضم صوتنا إلى صوت بعض رجالنا الأفذاذ الخالدون:
•   إذا كنًا نريد التقدم... فلنتحد: معلم الفكر القومي الوحدوي  نعوم فائق: 
•   لتن خلاص إلا بخوياثا... لا خلاص لنا إلا بالوحدة: غبطة مثلث الرحمات البطريرك المبجل مار روفائيل بيداويد.
•   ونحن مع كل أبناء شعبنا الأبي والمخلص والمحب لأمته سواء أكنا كلدانا أو سريانا أو أشوريين نعلن اليوم كما أعلن غيرنا قبل سنوات ونقول لأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية وحتى لكنائسنا المقدسة :
روحوا وحدوا كلمتكم ومطاليبكم ثم أجتمعوا مع غيركم وطالبوا بمطلبكم الموحد ليكون سبيلاً لتحقيقه، وإلا فلا.  لأن كل الجهود المضنية المبذولة منكم في سياق البحث والسعي للحصول على شذرة من شذات مصلحة أمتنا القومية أو الدينية تذهب هباء لأنها من دون وقود الوحدة والتضامن بينكم ولأنها كما سبق وأن ذكرنا هي مجرد حروب دونكيشوتية ضد طواحين الهواء.   

78
كيف نفهم تضامن ووحدة شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"
وفق نظرية الأواني المستطرقة؟
===========================================
أبرم شبيرا
توطئة:
-----
في زمن ليس بالبعيد ضربت مثال نظرية الأواني المستطرقة على تضامن ووحدة شعبنا بتسمياته الثلاث الكلدان والسريان الآشوريون الحضارية الجميلة مع شرح مبسط ومختصر، فأثار ذلك إهتمام بعض الأصدقاء والقراء الأعزاء مما وجدت من المفيد ان نزيده شرحاً وتفصيلا عن هذا المثال وتطبيقاته على وضعنا القومي والسياسي في العراق خاصة وهناك الكثير لا يزال لا يفهم أهمية تضامن ووحدة جميع تقسيمات شعبنا  قصداً أو جهلاً في هذه المرحلة الحرجة والمميتة التي تهدد مصير وجود شعبنا في أرض أباءه وأجداده وبالتالي زواله من الوجود كقومية أو ككنيسة تاريخية عريقة.


تعريف بسيط للأواني المستطرقة:
---------------------

لنبدأ أولاً وبإختصار تعريف بسيط للأواني المستطرقة والتي هي مجموعة من الأوعية مختلفة الأحجام والأشكال وحتى الألوان وقد تكون دائرية الشكل أو مستطيلة أو حلزونية ولكن تتصل بقاعدة مشتركة، كما مبين في الصورة. فإذا صب سائل في أحدى من هذه الأوعية سوف يتوزع في جميعها وبنفس الإرتفاع. ومرجع هذا التوزيع المتساوي للسائل في جميع الأوعية هو كون الضغط الجوي المسلط مباشرة على جميع الأوعية متساوياً رغم إختلاف حجمها وشكلها. أي بهذا المعنى بأن إرتفاع السائل في جميع الأواني لا يعتمد إطلاقا على الحجم والشكل واللون، بل على الضغط المسلط عليها. وحتى إذا أضيف سائل إلى أحدى الأوعية فأن السائل سوف يصل إلى مستوى جديد متساوي في كل الأوعية حيث يكون مقدار الضغط والجاذبية ثابتين في كل أوعية الأواني المستطرقة. أي الضغط السائل المسلط على أي وعاء من أوعية الأواني سوف ينفذ بالكامل بنفس الشدة في بقية الأوعية. هذه النظرية الفيزيائية البسيطة كانت من ضمن المناهج التدريسية لمادة العلوم أو الفيزياء في معظم المدارس إبتداءا من المرحلة المتوسطة وحتى الإعدادية. فمن المؤكد بأن معظم ان لم يكن جميع القراء وتحديداً المثقفين والسياسين والمعنيين بالشأن القومي والكنسي من أبناء أمتنا قد أكملوا المرحلة الدراسية والمتوسطة والثانوية وألموا بهذه النظرية. وقد يكون ممكنا بأن بعضهم قد دخلوا الإمتحان وإجتازوا المادة وبنجاح، وأيضا قد يكون البعض الآخر قد فشلوا ورسبوا في هذه المادة أو لم يجتازوا المرحلة المتوسطة من الدراسة أو لم يدخلوا المدرسة قطعاً.

نظرة إلى أوضاع شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" من خلال النظرية:
--------------------------------------------------

كغيرها من النظريات في العلوم الطبيعة أستعار علماء علم السياسة هذه النظرية وأستخدموها في بحوثهم المتعلقة ببعض الشعوب التي تتعرض لعوامل وتأثيرات خارجية وداخية تحدد مصيرهم سلباً أو إيجابا. ونحن بدورنا نستعير هذه النطرية لفهم أوضاع شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" في العراق الذي يتعرض إلى ضغوط بالغة الخطورة وتحديات مميتة قد تهدد وجوده التاريخي في أرضه وتقلعه من جذوره وتقوده نحو المصير المجهول. ومن البداية أؤكد تأكيداً قاطعاً، ونحن بصدد هذا الموضوع، بأن إيمانا المطلق قائم على كون الكلدان والسريان والآشوريون قومية واحدة بغنى عن هذه التسمية أو تلك، ولكن هذا الإيمان مرتبط إرتباطا متيناً بشرط أن يعتز كل واحد منا بتسميته إيما أعتزار وأن لا يعظمها أو يمجدها عن طريق تحقير وإهانة أبناء التسميات الأخرى، كما يفعل البعض. أما من لا يومن بهذه النظرية فليس لنا إلا أن نشير إلى المثل القائل "الأواني الفارغة تحدث ضحة أكثر من الأواني الممتلئة" فكذلك نقول بأنه لا يحدث ضجة إلا العقول الفارغة لذلك يستوجب علينا أن لا نضيع وقتنا في المناقشة معهم لأنهم خارج حسابات أمتنا القومية والسياسية.

تطبيقات النظرية على واقعنا القومي:
-------------------------

طبقاً لهذه النظرية نقول بالرغم من تعدد تسميات شعبنا وإختلافه من حيث الحجم الديموغرافي والمدى الجغرافي والمعتقد الكنسي والطائفي ومن حيث العمق الثقافي والفكري والإقتصادي والخلفية السياسية في المسألة القومية، فأنه لا محال من التأكيد في كونه يشكل قومية واحدة ترتبط بقاعدة مشتركة شاملة لللغة والتاريخ والعادات والتقاليد والأرض وبالتالي فأن أي ضغط، فلنكن أكثر وضوحاً ونقول بأنه أي ظلم أو تعسف أو إضطهاد أو تهجير قسري على أي مجموعة من أبناء شعبنا تؤمن بتسمية معينة كمرجع أساسي لإنتماءها الجمعي، لنقل هنا الكلدانية، يترتب بالنتيجة المباشرة نفس الظلم أو التعسف أو الإضطهاد أو التهجير القسري على المجموعتين الآخرتين التي تؤمن بتسمية معينة كمرجع أساسي لإنتماءها الجمعي، أي السريانية والآشورية، كما هو الحال بالضبط مع الأوعية المختلفة للأواني المستطرقة. والحال نفسه على الجانب الإيجابي إيضاً، فأن أي تقدم وإزدهار ونجاح في العملية السياسية ونيل بعض الحقوق القومية وتحقيق بعض الإنجازات على مجمل المستويات الثقافية والفنية والإجتماعية والكنسية لا محال من تمتع المجموعتين الآخرتين بنفس الإمتيازات والحقوق والإنجازات، وهكذا الحالة بالنسبة لأبناء التسميتين السريانية والآشورية وتأثيراتهما على الكلدانية.
وهذا أمر مهم، أي المصير المشترك، هو عامل أساسي آخر يضاف إلى العوامل الأخرى التي تشكل المقومات الأساسية لوجودنا القومي في أرض الوطن. أما من يعتقد بأن أي من هذه التسميات الثلاثة تشكل وحدها وبمعزل عن التسميات الأخرى قومية مستقلة بحد ذاتها ولها مقومات خاصة بها فهو واهم ويسبح في بحار من الغيوم لأنه فعلاً، أما هو خارج أطار الحقيقة الموضوعية التي نعيشها أو كان من الراسبين في إمتحان الفيزياء ولم يستطيع أن يفهم نظرية الأواني المستطرقة أو هو بالأساس جاهل وغير متعلم ولم يجتاز حتى المرحلة الإبتدائية من الدراسة. أفليس جاهلا، أن لم نقل بأنه يدخل حيز الخيانة عندما يقول من يدعي بالآشورية بأن الأمر لا يعنيه عندما تسلب وتهان وتدمر بلدات مثل برطلة و بغديدة لأنها سريانية؟ أفليس جاهلاً إن لم نقل بأنه مساند وداعم لجرائم داعش من يدعي بالسريانية ويقول بأن أمر تهجير أهالي تلكيف وتسلقف وبطنايه لا يعينه بشيء لأنها بلدات كلدانية؟ والحال لا يختلف مع من يدعي بالكلدانية ويقول بأن تهجير أبناء شعبنا الآشوري من قرى منطقة الخابور في سوريا وتفريغها من أهلها هو كفر ويدعم جرائم داعش في السلب والنهب والقتل والتهجير؟ مثل هؤلاء يمثلون قمة الجهل في أبسط الأمور السياسية والقومية، أن لم نقل فعلاً بأنهم من أنصار داعش طالما يحققون نفس هدفها، لأنهم فعل يجهلون أو يتجاهلون بأن حجم السكان المتكون من الكلدان والسريان والآشوريين مع كثافتهم في مناطقهم التاريخية والحالية يشكلان عاملان أساسيان في المطالبة بأية حقوق قومية وسياسية، ولا يمكن إطلاقاً النجاح لأي مطالبة تقوم على تسمية واحدة من دون أن تشمل هذه التسميات الثلاثة معاً، ولا أن تحقق خطوة واحدة نحو الأمام. لنعرف جيداً وبعقول مفتوحة بأنه بسبب فرقتنا وإنقسامنا سهل أمر الذئاب الكبيرة لتشتيت وتفتيت وجودنا في أرض الوطن وبالتالي إفتراسنا وبسهولة، كما يفعل الذئب في القطيع المشتت. لا، والأنكى من هذا، أصبح أمر تشتتنا وإفتقارنا إلى وحدة خطابنا القومي السياسي حجة لدى الغير للنكوث وعدم الإستجابة لمطالب شعبنا... "روحوا توحدوا وتعالوا نناقش مطاليبكم" هكذا هو جواب بعض المتولين زمام الأمور في الوطن وحتى في الخارجية الأمريكية.

حقيقة وجودنا القومي الشامل بين الموضوع والذات:
----------------------------------

حقيقة وجودنا القومي الشامل لجميع التسميات الحضارية هي حقيقة واقعية وليست وهماً أو خيال، ويشكل الجانب الموضوعي لظاهرة وجودنا القومي والذي من المفترض أن ينعكس على الجانب الذاتي الفكري ويدركها أبناء شعبنا خاصة المعنيين بالشأن القومي والسياسي ويعملون بموجبها. ولكن هذا الإفتراض في الإنتقال من الحقيقة الواقعية إلى الفكر، أي وعي الموضوع في الذات الفكري وإنعكاسه فيه والعمل بموجبه يعتمد بالأساس على مدى سعة إدارك الفرد وثقافته ووعيه بهذا الواقع  وتوفر الأداة أو الوسائل اللازمة للعمل بهذه المعادلة وبإيمان عميق بين الموضوع والذات، بين الواقع والفكر ومن ثم تطبيقه على الواقع. ولما كان الحزب السياسي أو أي تنظيم قومي آخر هو طليعة العمل القومي فعلى أعضاءه أن يدركون كل الإدراك هذه المعادلة بين الموضوع والذات ويعملوا بموجبها لكي تكون على الأقل ضمانة بسيطة في المطالبة بالحقوق القومية لهذه "الأواني المستطرقة". من هناك نود التأكيد على أهمية الأحزاب السياسية أو التنظيمات القومية التي تعمل في نفس الحقل السياسي القومي ونقول بأنها هي المرآة الحقيقة للمجتمع ومدى تقدمه أو تأخره من جميع النواحي خاصة السياسية منها. وهكذا نقول بأن النظام السياسي والحزبي الناجح والفاعل في أي دولة يمثل نجاح الدولة وتقدم  شعبها. والعكس صحيح، فأي نظام سياسي وحزبي ضعيف وفاشل ويراوح في مكانه فهو إنعكاس لتأخر الدولة  ومجتمعها ومن جميع النواحي وليس حصراً بالسياسة. هناك حقيقة واقعية لا يمكن أنكارها وهي أن أي حركة شعبية أو مطالبة سياسية لا يمكن أن تنجح ما لم تكن لها قيادة تتمثل في تنظيم معين. فتاريخ الشعوب يثبت بأن كل الحركات والمظاهرات والإحتجاجات الشعبية والعفوية التي تفتقد إلى القيادة أو من يمثلها تنتهي بدون نتيجة وإلى فوضى وخراب وتدمير البنية الأساسية للبلد.
والحال هذه تنطبق بكل حذافيها على شعبنا، فلا يمكن أن تنجح مطالباته وإحتجاجاته من دون أن تكون له قيادة أو تنظيم يمثلها، ولكن مما يؤسف له فإن ضعف أحزابنا السياسية في العمل السياسي وفشل تحقيق بعض النتائج هو إنعكاس لضعف شعبنا في التضامن والوحدة. أذن أين الخلل في هذه العلاقة الطردية بين المجتمع والأحزاب في حركة شعبنا السياسية القومية؟ هناك مجموعة من العوامل الخارجية والداخلية المعيقة والمربكة لحركتنا السياسية والتي تشكل مصدر الخلل والفشل والتعثر. وقبل أن نرى القشة (العوامل الخارجية) في أعين الآخرين علينا أن نرى الخشبة (العوامل الداخلية) في أعيننا حتى ندرك حقيقتنا من دون مجاملة ورياء. صحيح أن القشة في أعين الآخرين هي مؤثرة جداً وتتمثل في نهب الذئاب الكبيرة لحقوقنا القومية والسياسية سواء بشكل مباشر أو عن طريق وكلاء لهم ينفذون من خلال "الكوتا المسيحية" ويغتصبون كراسيها والذي هو أمر تأكد خلال السنوات الماضية صعوبة أو إستحالة مواجهته ووضع الأمور على مسارها الصحيح. ولكن الخشبة في أعيننا التي هي أكثر قوة وتأثير في إعاقة المسيرة السياسية القومية لشعبنا يمكن التعامل معها فيما أذا توفرت الإرادة الحاسمة والإيمان العميق بمصلحة الأمة جمعاء. وبعبارة أخرى فيما إذا تمكنا من فهم نظرية الأواني المستطرقة والعمل بموجها. إذن ماهي هذه الخشبة الظالمة التي تشكل العدو رقم واحد لأمتنا في هذه المرحلة الحرجة.

العدو رقم (1):
--------- 

بغنى عن القشة في أعين الآخرين التي تشكل في سياق حركتنا القومية في الوطن عدو لهذه المسيرة وتهدد وجودنا، فأن الخشبة في أعيننا المتمثلة في العدو رقم (1) هو الكرسي. وقد يستغرب البعض في أعتبار الكرسي عدو رقم (1) ولكن الواقع ينفي هذا الإستغراب. فمن الملاحظ بأن معظم إن لم يكن جميع اللاهثين وراء هذا الكرسي البرلماني أو الحكومي، هم يتبنون تقريباً التسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريون" ولكن هم في إستحالة من التفاهم على الحد الأدني من مصلحة الأمة بسب النزاع على الكرسي. ومن المؤكد بأن وكلاء العامل الخارجي المتمثل في الذئاب الكبيرة يلعب دوراً كبيراً في شأن تقطيع أوصال أمتنا ورميها أمام أسيادهم، ولكن من جانب آخر نرى بأن هذا الكرسي اللعين يلعب دوره القذر حتى بين الأحزاب والكتل التي هي بعيدة بعض الشيء عن أحضان الذئاب المفترسة، لنقل بأنها نوعا ما مستقلة في قراراتها. لا بل والأكثر من هذا حيث يتجاوز الكرسي اللعين تأثيره حتى داخل الحزب الواحد ليقود أعضاءه نحو الخلاف أن لم يكن الصراع حول رأس القائمة الإنتخابية أثناء اللعبة المقيتة التي تسمى بالإنتخابات في العراق. بهذا نرى بأن الكرسي اللعين فتاك ويحرق الأخضر واليابس وبدون هوادة، والتجارب السابقة أثبت هذه الحقيقة المرة ولا يستطيع أحد أن ينكرها. وإذا حددنا العدو رقم (1) بالكرسي، إذن كيف نواجهه ونتحداه ونزيل أو نحد من شراسته؟ في الوقت الذي أثبت التجارب الواقعية بأن كل الدعوات نحو إصلاح نظام الكوتا المسيحية وتصقيل هذا الكرسي قد ذهبت أدراج الرياح،  وبقى الكرسي العنيد صامداً في مكانه مؤثراً على الجميع دون إستثناء. وحتى لو تم إصلاح هذا النظام فأن الروائح المزكية لأنفوف اللاهثين وراءه ستفتح شهيتهم ويسعى كل واحد منهم للحصول على أكبر حصة من الفتات المتساقطة من هذا الكرسي.

خيار الصفر:
-------

إذا تجاهلنا الواقع وركضنا خلف غير الممكن وتركنا الممكن فهذا بعينه هو قمة التخلف والجهل وبالنتيجة الفشل المطبق في التحليل الأخير. عندما قال لينين بأن السياسة هو فن الممكن كان القصد منها هو الإعتماد على الواقع وليس على الخيال والأماني، فالسياسة لا تتعامل إلا مع الواقع الموضوعي. وهذا الواقع الموضوعي لأمتنا خلال السنوات الطويلة المؤلمة يجب وثم يجب أن يؤخد بنظر الإعتبار وإلا سوف نغرق ونتلاشى في جمهورية إفلاطون المثالية. هذا الواقع أثبت بأن كل الخيارات التي أعتمدت سواء من قبل قادة أحزابنا السياسية أو رجال الكنيسة قد بائت بالفشل. فلا صرخات أبينا السامي الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وقعت على آذان صاغية، ولا أحتجاجات وطلبات أحزابنا السياسية وجدت طريقاً سليماً لمرسليها غير سلة المهملات. ولا التسمية المفردة لأمتنا حققت خطوة واحدة غير سطور على ورق. ولا التنظيمات الهشة مثل "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية"، رحمه الله، قد عمل شيء غير إصدار تصريح أو تصاريح في الهواء الملوث. ولا مجلس الطوائف المسيحية في العراق المبنى على أسس هيكلية خاطئة وركيكة أستطاع إقناع مسيحي واحد في العراق بفائدته. وحتى التسمية المركبة الموحدة لم تخلص من العدو رقم واحد (الكرسي) إلا ونهش بها فتناثر أطرافها يميناً وشمالاً. إذن بهذا المعنى وصلت حركة مطالبتنا بحقوقنا القومية وبحماية وجودنا في الوطن إلى مرحلة الإفلاس بعد أستنفذت كل الخيارات ولم يبقى إلا خيار الصفر الذي لا قيمة له ولا وزن في العملية السياسية. وقد أكون متفائلا وإيجابيا عندما أوصلت حالتنا إلى خيار الصفر وليس إلى حالة تحت الصفر المروعة، وهي الحقيقة التي يخاف منها بعض المعنيين بالشأن القومي والكنسي ويتجنبون الإشارة إليها ومحاولة معالجتها. أستغرب جداً لدرجة الذهول والجنون عندما أسمع من قيادي في أحدى أحزابنا السياسية يقول بأن وضعنا بشكل عام بعد عام 2003 أحسن بكثير من قبل !!!!! كلام كأنما يصر ويؤكد بأن الأرض مسطحة وليست كروية وأن الشمس تدور حول الأرض وليس الأرض هي التي تدور حول الشمس. التراجع الفضيع لأحوالنا وعلى جميع المستويات خلال السنوات القليلة الماضية أوصلتنا إلى حالة تحت الصفر ومن يقول عكس هذا فلا محال فهو مصاب الهوس والهذيان.
إذن من هذا المنطلق فإن مهمتنا الأساسية وتحديداً الأحزاب والمنظمات والكنائس هو ليس البناء والذي هو امر مستحيل في مثل هذه الظروف لأنه لا نملك مقومات ومتطلبات البناء المثمر، بل مهمتنا يجب أن تكون بالدرجة الأولى محاولة إيقاف الإنهيار والحد من مهالكه. وقد يكون موضوع الهجرة مثالا على ذلك، فبدلا من ضرب الأخماس بالأسداس وطلب المستحيل من المهاجرين العودة إلى الوطن، يجب القضاء أو التخفيف من العوامل التي تسبب الهجرة في أرض الوطن. صحيح هو بأن هناك عوامل خارجية مؤثرة جدا، كفقدان الأمن والسلم، تدفع أبناء شعبنا لترك الوطن والتي يصعب التعامل معها أو التأثير فيها أو التخفيف منها، لكن هناك عوامل داخلية مرتبطة بطبيعة حراك تنظيمات شعبنا وأحزابه يمكن التعامل معها ودفعها نحو إقناع أبناء شعبنا في الصمود في الوطن. ولعل أهمها هو خلق الثقة في أبناء شعبنا من أن نتائج "نضال" أحزابنا السياسية ستكون مثمرة ومحققة لطموحات شعبنا في الوطن وأن مشاركتهم في النظام السياسي ستصب نتائجه في مصلحة الأمة، وأنا متأكد وغيري أيضا متأكد، لو جلس الأباء الأفاضل لفروع كنيسة المشرق في العراق وتباحوا ووصلوا ألى الحد الإنى من التفاهم والتقارب سيخلق نوع من الثقة في أبناء شعبنا ويقتنعوا بأن فروع كنيسة المشرق تعمل فعلاً بوصاية ربنا يسوع المسيح في وحدته. ولكن هيهات من هذا الإقناع لأنه يمكن التأكيد بأن غالبية شعبنا لا يومن بأن احزابنا تعمل لمصلحة الأمة بل تعمل لمصحلتها الخاصة والشخصية، خاصة من خلال الكرسي اللعين، اما بالنسبة لفروع كنيسة المشرق فانني أخشى أن أكشف المستور خوفاً من أتهامي بالكفر والزندة وأنا مسيحي مؤمن بسيط. 
من هذا المنطلق نقول بأن أية محالة للتحول من تحت الصفر إلى الصفر ومن ثم إلى أعلى لا يتم لها النجاح ما لم يتم القضاء على المسببات وخصوصاً العدو رقم واحد والتخلص منه والإبتعاد بأكثر ما يمكن من الروائح الكريهة التي تنبعث من النظام السياسي الفاسد والمتعفن في العراق ومن ثم أعادة تركيب مؤسساتنا القومية والكنسية بعيدة عن الأجواء الفاسدة لعل قد يستنشق شعبنا قليلا من الهواء النقي ويعيد فيه أمل البقاء في هذا الوطن. لقد وصلت حالتنا السياسية والقومية في الظروف المأساوية المميتة إلى درجة الإفلاس ولا أعتقد بأن المباشرة ببعض الحلول حتى لو كانت الكلفة كبيرة فأن نتائجها حتما سوف لا تكون أسوء مما هو عليه في الوضع الحالي لشعبنا. فالشخص المفلس عندما يدخل أية مقامرة فلا يخسر شيئاً ولكن إذا أستطاع إقناع الجالسين على طاولة المقامرة بالمشاركة معهم ربما قد يربح شيئاً. ولا نريد الإطالة أكثر لأن هذا الموضوع سبق وأن تطرقنا إليه ولكن مما يؤسف له بأن الكثير من المعنيين بالشأن القومي والكنسي آذانهم مليئة بالشمع اليابس وغير قابلة للسماع لكل ما يمس نرجسيتهم ويكون خارج أطار مصلحتهم الشخصية والتحزبية. 
وأخيرأ أكلل هذه الصفحات برسالة القديس بولس الأولى إلى أهل كورنثوس "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا" (12:12).  فلو فعلاً تعمدنا بروح القدس فيجب عليها أن نؤمن بهذه الكلمات من الكتاب المقدس ونعمل بموجها حتى نكون فعلا مسيحيون أتقياء.

79
رسالة جواب من آشور بانيبال ملك العالم إلى حفيده أبرم شبيرا
===================================

============================================
أبرم شبيرا
حفيدي العزيز أبرم،
أستلمت رسالتك عبر التواصل الروحي والوجداني الذي يربط بيننا، وها أنا أكتب إليك رسالة جوابية رغم أنني تأخرت بعض الشيء لأنني كنت أعرف بأنك في زيارة إلى أرض الوطن وإنشغالك بالمشاركة مع أحفادي الآخرين في احتفالات الأول من نيسان رأس السنة البابلية الآشورية التي كانت معروفة لدينا بـ "أكيتو" . ولكن قبل أن أعرض مراقبتي ومشاهدتي لك ولبقية أحفادي المشاركين في هذه الأحتفالات ومن خلال هذا التواصل الروحي والوجداني أود أن أبين بعض الملاحظات على رسالتك التي كنت فيها متفائلاً وملئياً بالأمل المبني الكثير منه على ماضي حضارتنا وعظمتها من دون أن تبين ولو قليلاً  بعض السلبيات والظلاميات التي لا تزال تكبل عقول بعض أحفادي في زمنكم هذا. أول الأمر هو إنني أستغرب من البعض الذين ينسبون أنفسهم إلى هذه الحضارة العظيمة ولكن لا زالت صخرة كبيرة تجثم على عقولهم ولا يستطيعون فهم بعض الحقائق الواقعية التي تسود في مجتمعكم الحالي. والأنكى من هذا وذاك، ففي الوقت الذي كان يستوجب عليهم ملئ أفدانهم بالتفائل والفرح والمسرة من التواصل الذي أوصلت برسالتك الوجدانية بين الماضي السحيق والحاضر الحالي، بين عظمة حضارتنا وواقعكم المؤلم وأنا متواجد كملك للعالم في المتحف البريطاني، نرى بأنهم عاجزين كل العجز من زحزحة الصخرة من عقولهم والولوج ولو قليلا إلى نور الذي يربط الماضي بالحاضر بخيط من ضمير نظيف ووعي منفتح وسليم. وعلى العموم يا حفيدي العزيز تابع ما قاله ربكم يسوع المسيح "يا أبتاه، أغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لوقا 23 – 34).
لم تتطرق يا حفيدي العزيز أبرم إلى السلبيات والظلامايت التي تحيط بالمؤسسات سواء القومية أو الكنسية، فأحزابكم لا تزال تلهث وراء الكرسي اللعين ناسية بذلك مصلحة الأمة وتتناطح بعضها  بالبعض وتتزاحم مع غيرها من المخلصين من أجل نيل حضوة لدى هذه الجهة أو تلك. أما على مستوى المؤسسات الكنسية فالأمر أغرب بكثير من كله... كان لنا آله واحد معروف وهو آشور وكان له رمزاً ومن خلاله كان يتجسد في مؤسسة عظيمة واحدة هي الأمبراطورية الآشورية. وأنا أعرف أيضا بأن لكم في زمانكم آله واحد تجسد في شخصية المسيح الذي بعظمته بنى كنيسة واحدة على صخرة بطرس ولكن مما يؤسف له بأن أرى هذه الصخرة قد تكسرت إلى أحجار متناثرة هنا وهناك مخالفة بذلك وحدة المسيح في كنيسته الواحدة. نعم قبلت على مضض تعدد التسميات الثلاث (كلدان سريان آشوريون) المركبة لهذه الأمة الواحدة وفهمت قصدك من كونها مجرد منهاج او وسيلة لوحدة وتضامن أكثرية أبناء الأمة وبناء أكبر حشد جماهيري ضد السالبين لحقوقهم القومية وإنتزاعها منهم، وفهمت أيضاً قولك بأن لكل واحد الحق وكل الحق أن يعتز بالتسمية التي يشعر بأنه ينتمي إليها ولكن في نفس الوقت يجب لا بل يستوجب كل الواجب، أن يشعر أيضا بأن كل التسميات تعود لأمة واحدة وأن يعمل من أجل مصحلة هذه الأمة. ولكن يظهر بأنه لا يزال البعض غير قابل على فهم هذا الأسلوب المطلوب في هذه المرحلة من الزمن الظالم أو يتجاهله أو ينكره لأسباب من المؤكد هي في غير صالح هذه الأمة.
على العموم يا حفيدي، كل هذا لا يمحي ولا يعكر فرحتي العظيمة عندما شاهدتك بين عشرات الآلاف من أحفادي وأن تسير في المسيرة النيسانية في مدينتي العزيز نوهدرا التي تسمى اليوم بـ "دهوك" وتلوح بيدك سلاماً وتحية لبقية أحفادي الذين لم يشاركوا في المسيرة العظيمة.

أندهشت كثيرا وكانت فرحتي عظيمة في ذات اليوم من الأول من نيسان عندما أحتشد عشرات الألاف من أحفادي في هذه المسيرة التي وقف ربكم يسوع المسيح إلى جابهم وأشرق بنوره الساطع وبسماءه الزرقاء عليكم في يوم مشمس وبهيج رغم أن كل الأنواء الجوية كانت تقول بأنه سيكون يوماً ممطراً وعاصفا وستفيض الشوارع بالمياه وتغلق المدارس وبعض الدوائر الرسمية. غير أنه تبين بأن الأول من نيسان أنتصر فعلا ودحر كل توقعات الأنواء الجوية وأخمد عقول وتصورات المتشائمين والمترددين والحاقدين على نيسان الحياة وبهجته العامرة في قلوب كل أحفادي إينما كانوا في الوطن أم في المهجر.

==========================================================
وعندما بحثت بين آلاف الحشود من أحفادي في المسيرة النيسانية، لم أجد صاحبك والشخصية القومية المعروفة عمانوئيل قليتا الذي دأب على المشاركة في هذه المسيرة طيلة السنوات الماضية... فبعد تقصي وبحث جائني رد من الفضاء البعيد بأنه لإسباب صحية لم يستطيع المشاركة في المسيرة النيسانية، حينئذ رفعت ذراعي إلى إلهي آشور وطلبت نيابة عنكم من ربكم يسوع المسيح أن يشفيه ويعطيه الصحة والعافية حتى نراه في المسيرة النيسانية القادمة.

والأكثر من كل هذا وذاك، وأنت في المتحف التراث السرياني في عنكاوة، فمثلما أغرورقة عيونك بالدموع وأنت تشاهد إطفالي من المدارس السريانية في عنكاوه وهم ينشدون  بأسمي وبلغتي أناشيد وفعاليات بهذه المناسبة العظيمة كذلك أغرورقة عيوني وأنا في العالم الأخر وتذكرت حينذاك عندما قلت ذات يوما بأن البريق الذي يسطع من عيون أطفال المدارس السريانية يبنى عليه أمل بقاء وديمومة هذه الأمة ولغتها إلى أماد أبعد. فمن عالمي السرمدي أرفع يدي وأضعها على رؤوس أطفالي وأساتذتهم الذين برعوا في إدارتها وتنظيمها بالشكل الذي يليق بسمعة أمبراطوريتنا وأباركهم بقوة آلهي آشور وبعظمة آلهكم يسوع المسيح أن ينعموا دائماً بالقوة والنشاط رغم الظروف المميتة التي تحيط بهم، فهم أهلين فعلاً ليكون أحفادي وأبناء أمبراطوريتنا.


أما عن أحفادي في منظمة كشرو فالفرحة أكثر من فرحتين وأنا أشاهدهم مستمتعين بزيارة أرضي وبلداتي ويتسلقون جبالي وهم فرحين بأنتسابهم لهذه الأمبراطورية العظيمة، فصلواتي لهم بمزيد من التمسك بأرض آشور وبتكرار زيارتهم لها على الأقل في كل نيسان من السنة وأن ينشروا سعادتكم ووبهجتهم في أرض الغربة لتكون حافزا لغيرهم للشروع بالتخطيط والتهيئة لزيارة أرض نيسان في وطني الحبيب في السنة القادمة.

وفد من منظمة كشرو يزور منطقة صبنا وزيارة لإتحاد الطلبة والشبية الكلدو آشوري

==========================================
أقول لك يا حفيدي العزيز بأنه على جناح إلهي آشور وبرؤية وجدانية روحية طفت حول العالم لأمعن بنظرة فاحصة على أبناءي في مختلف بلدان العالم، نظرة لم تسرني كثيراً لأنني وجدت في معظم بلدان المهجر أحفادي مشتتين ولا تجمعهم منظمة أو حركة أو حتى نادي يعبرون فيهم عن هويتهم القومية ويجتمعون تحت سقف واحد، ولكن عندما رجعت إلى أرضي آشور وجدت أحفادي أكثر إهتماماً وشغفاً بالمسائل القومية والثقافية والسياسية رغم أنهم ليسوا جميعاً في توافق وإنسجام. ولكن وبينما أنا أطوف حول بعض من هذه المؤسسات والأندية وجدت أحفادي أكثر حضوراً في النادي الثقافي الآشوري في عنكاوه وأنت من بينهم في كثير من الأوقات مستمتعاً بهذا الحضور. ليس لأن أسمه يذكرك بالأيام الخوالي الجميلة للنادي الثقافي الآشوري في بغداد في السبعينيات من القرن المنصرم، بل لأنه وجدته تتوفر فيه كل المقومات المطلوبة لأي مؤسسة أو نادي من مبنى فسيح وخدمات ممتازة إجتماعية وترفيهية، والأكثر من كل هذا هو الحشد الكبير من أحفادي... نعم أحفادي فقط من غير الغرباء، يحضرون للنادي ويستمتعون بأوقات عائلية جميلة وممتعة وعلى أنغام وأغاني آشورية... نعم آشورية فقط. وعندما بحثت من خلال منظاري الروحي والوجداني في سجلات النادي وجدت بأن له إهتمامات ثقافية وفنية وقومية وأمعنت النظر أكثر في الصفحة التي تبين حضورك ومشاركتك في نشاطات ثقافية وقومية فلم يلبث إلا أن أشاطرك، كل المشاطرة، بالقول "لا خلاص لأمتنا إلا بالوحدة".
 

وأخيرا، أفليس من واجبي كملك للعالم أن أقتلع جوهرة واحدة من جواهر تاجي الملكي وأمنحها للقائمين على إدارة هذا النادي الممتاز ليكون نبراسها الساطع ونوراً يهتدي به السائرون في الظلام والتائهون في غابابات التهم والنفاق حتى يسترشدوا بالنور على الطريق الصحيح ليصلوا إلى مقر النادي ويشاهدوا صوري أنا آشور بانيبال ملك العالم ويستمتعو بأغاني التي تمجد لغي وتاريخي وحضارتي.   

أختم رسالتي هذه يا حفيدي العزيز، بالقول بأن إبتسامتي كانت أكبر من أبتسامتك وأنت على قمة أعلى قمم جبال آشور رافعاً ومقدما كتلة من الثلج البيضاء تعبيراً عن تحياتك ومحبتك لبقية أحفادي الذين غابوا كثيرا عن آشور.

       
==================================================

ربي وإلهي كم كنت عظيماً وكريماً عندما أنعمت علينا بأرض رائعة الجمال والخصوبة... ربي وإلهي... نتضرع إليك راكعين متوسلين أن تنعم بعظمتك على أبناء أرض آشور الصامدين هناك بالقوة والصبر والثبات في مسيرة الحفاظ على هذه الأرض، فلهم ألف وألف تحية وتبريكاتنا وإحترامنا لهم لا نهاية لها، فهم الذي أثبتوا ويثبوا بأنهم فعلاً هم أبناء آشور بانيبال ملك العالم.
=========================================================
   

80
ملحق بالرسالة إلى جدي آشور بانيبال ملك العالم من حفيدك أبرم شبيرا

=======================================
أبرم شبيرا
في هذا الملحق أود أن أبين بعض الملاحظات والتوضيحات التي يهم القراء والذين بينًوا أراءهم وكتبوا إنتقاداتهم على الموضوع سواء أتفقنا معهم أم لا، فبكلهم نعتز ونقدرهم إيما تقدير. فهذه الملاحظات تأتي في سياق توضيح المغزى من هذا الموضوع الذي لم يكن بالأمكان دمجها في متنه خشية على إطالته وإراحة قراءنا الأعزاء من قراءة المواضيع الطويلة.
أول هذه التوضيحات، هو عندما نكتب موضوعاً معيناً يخص أمتنا يجب أن نعرف من هو الجهة المخاطب إليه، أفهل هذه الجهة هي من أبناء أمتنا أم من غيرهم؟ فإذا كان المخاطب إليه هو من أبناء أمتنا حينئذ نرى في الموضوع نوع من الأحاسيس الفياضة وربما شيئا من المبالغة التي قد تصل حدود الأمال البعيدة والتمنيات المرغوبة. فالمغزى من كل هذا النوع من المواضيع هو أثارة مشاعر أبناء أمتنا وتحفيز كوامنهم الداخلية نحو إنماء وعيهم القومي بخصوص تاريخهم وتراثهم خاصة بالنسبة للشباب والجيل الجديد الذي أبتعد بعض الشيء عن تاريخهم وتراثهم في هذا الزمن الظالم الذي يهدد وجودنا سواء في أرض الوطن أم في بلدان المهجر. فمثل هذه المواضيع هي كأسلوب لتثبت وجودهم القومي والحفاظ عليه بقدر الإمكان. أما إذا كان المخاطب إليه من غير أبناء أمتنا، فيستوجب أن يكون الموضوع ملئياً بالحقائق الواقعية معتمدا الموضوعية في طرحه وبعيداً عن المبالغات والأحاسيس المرفهة لكي يكون مقبولا على العقلاء من غير أبناء امتنا ويفهموا واقعنا ومأساتنا، وهذا هو الأسلوب المتبع في كل كتاباتي الذي يصعب على البعض فهم المغزى المراد تحقيقه منها.
أما الملاحظة الأخرى فهي تتعلق بالحدث الإستثنائي الذي أقيم في المتحف البريطاني المخصص لآشور بانيبال ملك العالم والذي يعتبر ليس سابقة تاريخية لأمتنا بل للمتحف البريطاني أيضا، لا بل أيضا للعالم أجمع ومن خلال الجمهور الكبير الذي حضر هذا المعرض والفعاليات المثيرة لإنتباه والإعجاب التي أقيمت فيه من قبل أبناء أمتنا في المهجر. فمن المعروف عن المتحف البريطاني الضخم والمشهور بأن له أقسام تاريخية متعددة وأشهرها القسم الآشوري والمصري والإغريقي والروماني. فالملاحظة الجديرة بالإهتمام الكبير هي أن أصحاب هذه الآثار المصرية والأغريقية والرومانية لهم دول معروفة على الساحة الدولية وإمكانيات مؤثرة مادية وفكرية وثقافية وسياسة أيضا. أما أصحاب الآثار الآشورية فهم أقلية صغيرة مشتتة في مختلف زوايا العالم، فلا دولة لهم ولا إمكانيات مؤثرة مثلما يملكها بقية الدول المذكورة.غير أنهم بهذا الإفقار الشامل أستطاع أبناء أمتنا من أقامة فعاليات عظيمة أثناء المعرض وربطوا الحاضر بالماضي بجملة فعاليات تراثية وفنية وثقافية. فلم نسمع بأن قامت لا مصر ولا يونان ولا إيطاليا بمثل هذه الفعاليات رغم أنه كان في السنوات الماضية قد أقام المتحف البريطاني معارض خاصة بآثار هذه الدول. أفلا يستحق هؤلاء الذين ربطوا الحاضر بالماضي من خلال هذه الفعاليات كل إحترام وتقدير وأن نيشير إليهم ببعض السطور؟؟
أضافة إلى هذا الحدث، فأن هناك حدث تاريخي وتراثي آخر على وشك الوقوع تزامن تقريباً مع حدث المتحف البريطاني، وهو الإحتفال بالسنة البابلية الآشورية الجديد (أكيتو) في الأول من نيسان القادم. أهمية هذا الحدث تأتي من جانبين: أولهما أنه يشكل ركن من أركان وجودنا القومي التاريخي في أرض الوطن إلى جانب مقومات أمتنا من لغة وتاريخ وعادات وأرض وظاهرة من الظواهر الجلية والجماهيرية التي تؤكد لجيراننا بأننا الشعب الأصيل لهذه الأرض. فإذا كان البعض يعتقد بأن مسيرة الأول من نيسان والأحتفالات التي ترافقه لا تتناسب مع أرواح شهداءنا وهو "هرج ومرج" فهو مخطأ كلياً ولا يعدو هذا التبرير إلا تعبير عن عجزه من القيام بمثل هذه الإحتفالات أو المشاركة فيها. أما الجانب الآخر لإحتفالات الأول من نيسان فهو يقوم على الجهة المنظمة لها وتحديداً أقصد الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا). فإذا كان صحيحاً بان زوعا تراجعت سياسياً ورسميا عن الساحة السياسية، أي بعبارة أخرى تقلصت شرعيتها الرسمية والقانونية عبر فقدانها لبعض الكراسي البرلمانية التي كان يجلس عليها ممثليها في السابق وذلك بسبب جملة عوامل سياسية منبعثة من فساد النظام السياسي في العراق، فأنها لازالت تمتلك شرعية جماهيرية ثورية قادرة على حشد جماهيري واسع والذي يظهر جانب منه في المسيرة النسانية، فهو حقيقة سواء أتفقنا معه أم لا، فالأمر سيان ولا يغير من هذه الحقيقة شيئاً. الإشارة المشددة أستوجبت إلى هذه الإحتفالات النيسانية وضرورة حشد أكبر عدد من جماهير أمتنا كتحدي للواقع المأساوي الذي يحيط بأمتنا في الوطن وكمحاول لتثبيت وجودنا القومي والتاريخي في أرض الوطن، وأظهرنا أملنا في الموضوع ليكون فعلا الحشد الجماهيري كبيرا في هذه المسيرة رغم أن الأنواء الجوية تشير بأن في الأول من نيسان سيكون يوماً ممطراً، ولكن أتمنع المطر جماهيرنا من المشاركة في هذه المسيرة؟؟... لا و لا... لأن لجماهير المسيرة  ومنظميها تجربة في هذا السياق حيث في السنوات القليلة الماضية كان المطر شديداً أثناء المسيرة والإحتفالات ولكن الحشود الكبيرة أستمروا صعودا نحو نقطة النهاية في منطقة السد في ضواحي مدينة نوهدرا (دهوك حاليا) ولم تمنع المطر لا كبار السن ولا صغارهم من الإستمرار في المسيرة حتى النهاية.
 
===================================
الملاحظة الأخرى التي كان يستوجبها أكثر تفصيلا في الموضوع السابق هو الإشارة إلى منظمتين: منظمة كشرو الشبابية والإتحاد القومي الآشوري الأمريكي الذي تأسس عام 1933 عقب مذبحة سميل. والمغزى المهم من هذه الإشارة، التي يصعب على من لا يملك حتى الحد الأدني من الوعي القومي والسياسي فهمها، هو بيان أهمية هاتين المنظمتين في هذا العصر الظالم الذي يهدد وجودنا القومي خاصة وأن الكثير من أبناء شعبنا في الوطن لم يسمعوا عن هاتين المنظمتين ولا يدركون أهميتهما ضمن المساعي الهادفة إلى تثبيت وجودنا القومي في الوطن والحفاظ عليه من الضياع في بلدان المهجر. أليس من واجبنا أن نقدر ونحترم مساعي منظمة كشرو التي في كل عام تقريباً يشارك العشرات من أعضاءها وغيرهم في مسيرة العبور عبر الجسر "كشرو" الرابط بين المهجر والوطن للمشاركة في المسيرة النسانية رغم صعوبات التي يتحملوهنا منها مشقة السفر الطويل وألأعباء المالية والعائلية خاصة ونحن نعرف بأن معظمهم أما هم طلاب جامعات أو موظفين لهم إلتزاماتهم الوظيفية أو هم أصحاب عوائل وأطفال. وقد يظهر للبعض بأنني قد بالغت في أمر منظمة كشرو ولكن للحقيقة أقول من يحضر الندوات واللقاءات التي يعقدها ممثلو هذه المنظمة بعد عودتهم إلى بلدانهم في المهجر ويشرحوا فيها تفاصيل رحلتهم إلى أرض الوطن معززة بالصور والأفلام سيعرف بأنها فعلا من أعظم المنظمات القومية لدينا ويستوجبها التشجيع والدعم المستمرين. حينئذ، وأنا حاضر أحدى هذه الندوات، يدرك بأنهم يشكلون خميرة بقاء الأمة في المهجر وصيانتها من الضياع على الأقل إلى الأجل غير المنظور.
المنظمة الأخرى التي أستوجبها الإشارة هي الإتحاد الآشوري القومي الآشوري الأمريكي هو للتأكيد أهمية هذه المنظمة في هذا العصر المأساوي. وتأكيد هذه الأهمية ينطلق من أولا: في كون هذا الأتحاد المنظمة القومية التي ظلت قائمة منذ عام 1933 ولحد هذا اليوم. فديمومة وإستمرارة منظمة معينة هي مرآة لديمومة الأمة وإستمرارها، فالأمة لا تعرف من قبل الغير إلا عبر مثل هذه المنظمات القومية. وثانيا: في كل عام من نهاية شهر آب ينظم هذا الإتحاد "الكونفيشن" الذي يجتمع تحت سقفه الألاف من أبناء شعبنا ولبضعة أيام ملئها النشاطات الإجتماعية والثقافية والفنية والرياضية والترفيهية ولعل أعظمها بالنسبة لي شخصياُ ولغيري من الذين يحملون نفس توجهاتي وأفكاري هو الندوات واللقاءات التي تعقدها إتحادات طلبة وشباب الآشوريين الذين يأتون من مختلف البلدن ومنها الوطن بحيث من يحضرها فانه من المؤكد سيأخذ أنطباعاً بان الأمة لازال بخير في المهجر وأن هؤلاء الطلبة والشباب يشكلوا أعمدة لصرح هذه الأمة في المستقبل القادم. والشئ المثير للإنتهاء هو أن الرئيس الحالي لهذا الإتحاد السيد مارتن يومارن  كان بالأمس القريب من نشطاء منظمة كشرو وعبر من خلال جسر كشرو إلى أرض الوطن في السنوات القليلة السابقة وهذا ما يؤكد التواصل بين المنظمتين على نفس النهج والمسيرة. لم يبقى في الأخير إلا أن أشير إلى أمر شخصي، وهو تقريباً في كل عام أحضر الكونفينشن ليس بهدف الإستمتاع بالنشاطات التي يقوم بها خاصة الطلابية والشبابية فحسب وإنما قمة الإستمتاع تكون اللقاء ببعض الأصدقاء القدماء الذين فرقتنا سنوات طويلة ولكن الكونفنشن جمعنا مرة أخرى فكل هذه الإيجابيات للكونفشن تغطي السلبيات التي تظهر فيه والتي تكون عادة هدفاً للهجوم على الكونفشن والتقليل من أهمته من دون النظر إلى إيجابياته....  فألف شكر للإتحاد القومي الآشوري الأمريكي وعلى الكونفنشين.

هذه هي بعض السطور الملحقة بالموضوع السابق لعل تكون مدخلاً وافياً لفهم المغزى الحقيقي من كتابة الموضوع وبشكل جديد وبأسلوب فانتازي عبر رسالة روحية إلى ملكنا العظيم آشور بانيبال ملك العالم. فمن فهمها فالأف شكر له ومن لم يفهما أيضا له ألف شكر على قراءته للموضوع.

81
رسالة إلى جدي آشور بانيبال ملك العالم من حفيدك أبرم شبيرا:
====================================

بمناسبة إنبعاثه في المتحف البريطاني:
----------------------
 

جدي العزيز،
كتبكم في الماضي السحيق رسائلكم بالحفر على الحجر الصلد ,دونتم أعظم المأثورات الإنسانية في التاريخ وبأزاميل من الفولاذ وأرسلت جيوشك ورجال حاشيتك وعلماءك إلى أقاصي بلدان العالم حتى يجمعوا الألواح التي كتب عليها أجدادك السومريين والأكديين والبابليين معارف الدنيا وأخبارها ودونوا تراثهم وتاريخهم وملحماتهم وأساطيرهم، وبفضلك وعملك الجبار في إنشاء أول مكتبة في التاريخ وصل إلينا تراث أجدادنا كما وصل أيضاً إلى بقية شعوب العالم التي في هذا اليوم تنبهر بما أنجزتم من معطيات حضارية تعتبر أساس التطور الحضاري الذي تشهده الإنسانية في عصرنا هذا،  واليوم بإنبعاثك في المتحف البريطاني الضخم والمشهور والمعروف عالمياً يؤكد لك هذه الحقيقة. كم نحن فخورون بك يا جدي العظيم، بحضارتنا القديمة والتي وإن كان قد زال نظامها السياسي وإطارها القانوني من الوجود المادي قبل ما يزيد عن خمسة وعشرين قرناً فأنها لا تزال عامرة في قلوبنا وشامخة في روحنا وجارية في عروقنا وتسمتد منها الإنسانية جمعاء أسس تطور حضارات هذا اليوم.
بالأمس البعيد كتبتم يا جدي العظيم كآشوريين اسماً وروحاً وعملاً وفكراً وبناءاً، واليوم نحن كأحفادك نحاول أن نقتفي أثرك في ذلك وإن أختلف الأسلوب وأدواته، إلا إننا لا نزال نملك نفس الروح والفكر والهمة رغم الظروف القاسية التي تمر علينا. صحيح إننا لا نملك إمبراطورية ولا قصور ملكية ولا ملوك جبابرة ولا جيوش جراره، لا بل ولا حتى دويلة صغيرة نمارس فيها حقوقنا القومية، وهو الأمر الذي أتاح لللصوص والقراصنة سرقة جوانب من عظمتها وينسبونها إليهم. ولكن مهما تمادوا في غيهم ونهبهم لحضارتنا العظيمة فأنهم يضلون فاقدين إلى الأهم من كل هذه الأشياء، هو روحك وأسمك الذي لا يمكنهم إطلاقا سرقتهما. كن مطمئناً يا جدي مع كل هذا الإفقار المادي، بأننا ممتلئين ثقة وثبات لنؤكد لك بأن الدنيا تزول واسمك لا يزول أبد الدهر. ولا يهمك أبداً حتى أن كنًا أقلية أو قومية صغير في هذا الزمان وبالكاد بعض الناس يعرفون أو سمعوا عن الآشوريين، ولكن لنا إصرار مميت بأنه حتى لو بقى في هذا الزمان شخص واحد فقط من نسلك النبيل فأن أسمك سيبقى خالداً ولا يفنى، وهذا ما فعله أبناءك في المتحف البريطاني  قبل بضعة أسابيع. فبالرغم من بعدهم البعيد عن وطنهم آشور، فأنهم أستطاعوا ربط واقعنا وتراثنا ومآثرنا بواقعك وتراثك ومآثرك العظيمة ليؤكدوا للعالم أجمع الرابطة العضوية التي تربط آشوريي اليوم بآشوريي الأمس وليؤكدوا للعالم أجمع بأن أسمك وأبناءك وأحفادك وأنسالك خالدون وباقون مدى الدهر رغم قساوة واقعهم وظلمه عليهم طيلة قرون طويلة.


أحفادك يدمجون الحاضر بالماضي في المتحف البريطاني
===============================================
قد يتصور البعض من ضعفاء النفوس والمشوهين روحياً بأن مخاطبتك يا جدي بهذه الرسالة وأنت ساكناً في العالم الآخر الذي يبعد عنا قرون طويلة من الزمن هو نوع من الغرابة والهلوسة ولكن بسبب تخلخل عقولهم واهتزاز روحهم لا يعرفون بأنك تعيش في هذا العصر وتقيم بيننا وتشارك حياتنا ليل نهار وفي كل عمل نقوم به وفي كل كلمة ننطق بها أو في كل سطر نكتب مواضيعنا ونعبر عن أحاسيسنا وأفكارنا، فأنت نحن في الزمن الغابر ونحن أنت في الزمن الحاضر، وهؤلاء لا يعرفونك ولا يشاهدونك، لا بل ويتجاهلونك أو ينكرونك، لأنهم ليسوا لا فكراً ولا روحاً من أحفادك النبلاء الأصليين المنحدرين من صلب ظهرك القوي. لا تحزن أبداً أبداً يا جدي المبجل ولا تيأس من هؤلاء الذين كانوا حتى الأمس القريب من أقرب أقرباءك ومن أبناء حاشيتك الملكية، واليوم ينكرون أسمك لأن روحك طارت من أجسادهم وسكنتها أرواح شيطانية غريبة وقوى خارجية وأجنبية عنهم فرضتها ظروف الزمن القاسي الذي مروا بها، بحيث وصلوا إلى درجة ينكرون أسمك ويبعونه للسلطات المستبدة التي استولت على أراض مملكتك العظيمة بثمن بخس أو خوفاً وخنوعاً للحاكم الظالم. أنظر يا جدي العزيز ما الذي يقوله حفيدك الصحفي الثائر فريد نزها في عام 3319 في رده على أحد المتخاذلين الناكرين لأصله: " إذا كانت هذه الصفة (أي الآشوري) تشير الى الغير راضين بالاندماج في العربية والخضوع للحكومات الغاشمة وقد نالهم بسبب ذلك القتل والاضطهاد والسلب وكل أنواع المظالم والفظائع (ويقصد بها مذبحة سميل وما رافقها) ، فذلك شرف عظيم انفردوا به. وستردد الأجيال القادمة ذكر ذلك الاستشهاد وآثار تلك الفواجع التي أنزلها بهم أعداء الله والإنسانية ما بقي آدمي على وجه هذه البسيطة" هكذا يا جدي فبعد سنوات طويلة يعودوا احفادك ويبجلوا شهداءك في الثامن من آب من كل عام كما توقع حفيدك الثائر فريد نزها بأن الأجيال القادمة سترد ذكر هذا الإستشهاد في سميل.     

فهؤلاء موتى لا حياة لهم لأنهم لا يملكون الروح. إذن، أفهل يستحقون أن نعطي لهم أية أهمية وهم ناس لا وجود لهم في هذا العالم رغم إصرارهم لخدمة الحاكم المستبد واستمرارهم في التعبد للفلس الأحمر، فبالأمس القريب سوف تسمع يا جدي الكبير بأن مصير هؤلاء هو مزبلة التاريخ كمصير غيرهم الذين سبقوهم في الغدر والخيانة وإنكار الأصل، لا بل سيصبحون طعماً للوحوش المفترسة والطيور الكاسرة المدجنة من قبل الأنظمة الاستبدادية، لأن كلنا نعلم بأن الجسد بلا روح هو جثة هامدة لا يطول الزمن بها إلا وتفسد وتتحلل وتضمحل من الوجود. لهذا السبب فهم لا يستحقون أية عناية أو اهتمام ومن العار أن نعتبرهم آشوريين أو أن نشير إليهم بأنهم كانوا آشوريون في الماضي، فبهذه الطريقة يتحصن أسمك من قذارتهم وتتطهر روحك من تصرفاتهم المشينة.

أكرر القول يا جدي، بأنه رغم الأحوال السيئة البادية على مجمل أمور حياتنا القومية، بأن لا تيأس أبداً ولا تحزن علينا طالما أسمك يسري في عروقنا ويهمن على عقولنا، ولا تعتقد بأنني الوحيد من بين أحفادك يخاطبك لأول مرة وأكتب إليك بشكل مباشر، فهناك العشرات بل المئات والألوف من أحفادك الذين لا يكتفون بالكتابة إليك فقط وإنما يناضلون ليل نهار من أجل رفع أسمك عالياً واستمرار خلوده للأزمان البعيدة القادمة. لقد كان لك جيوشاً جرارة تهاب الدنيا منها ولك علمائك ومستشاريك يبهرون الطريق أمام حكمك العادل. أما نحن في هذا الزمان فلنا أيضا أحزاب سياسية ومنظمات قومية تحاول بكل إمكانياتها الشحيحة وظروفها الصعبة أن تناضل من أجل صيانة وجودك في أرضك التاريخية وفي تعزيز مقومات أحفادك الصامدين عليها وبمعنويات فولاذية لإعادة بناء ما دمره أحفاد هولاكو وجنكيز خان وغيرهما من المتوحشين من أمثال سمكو الشيكاكي وبكر صدقي وداعش المجرمة وأخواتها وأبناءها، لا بل وهناك آلاف من أحفاد أحفادك يجلسون على كراسي متكسرة وقديمة في مدارسهم السريانية في وطنك آشور ولكن في عيونهم بريق آمل يبنى عليه مستقبل الأمة.
وكما ترى يا جدي بروحك النيرة بأنه رغم تشرد أحفادك من أرضهم وإنتشارهم في أقاصي الدنيا، فإن هذا لن يلين الصلابة والثبات والإصرار التي ورثوها عنك والتي تتجسد في تنظيمات تحمل أسمك وتعظمه في كل نشاطاتها بحيث أصبح الروح المسير لهم ولوجودهم، فهنيئاً لك يا جدي بأن لك شخصيات فذة ومنظمات قومية في المهجر تناضل من أجل أن تستمر روحك تسري في أجساد أحفاد أحفادك، لا بل تصور يا جدي بأن لك منظمة عريقة فدرالية تسمى الاتحاد الآشوري الأمريكي القومي الذي في كل سنة من شهر آب، شهر الشهادة الآشورية، تقوم برفع أسمك عالياً وتجمع الألوف من أحفادك في مجلس واحد يبتهلون باسمك ويمجدون عظمتك. ألم أقل يا جدي سابقاً بأنك حياً خالدا تعيش بيننا ولا تموت حتى ولو ماتت الدنيا كلها. ليس هذا فحسب يا جدي العظيم، فهناك منظمة شبابية تعرف بأسم كشرو تعمل بكل جهد لربط احفادك الشباب بين بلدان الشتات وأرضك آشور وستراهم كل سنة في الأول من نيسان في مقدمة المسيرة الجماهيرية وستجدهم أيضا وهم يزورون القرى والقصبات والمدن التي كانت بالأمس جزء من أمبراطوريتك العظيمة.

 


أحفادك أعضاء كشرو من بلدان الشتات يلوحون لك يا جدي العظيم  وهم على الجسر سائرون نحو أرضك
=======================================================
أنظر يا جدي الخالد في الفيديوات أدناه إلى أحفادك وهم يزورون أرضك ومشاعرهم جياشه ودموعهم تروي أرضك التاريخية.
https://www.youtube.com/watch?v=jcjQTFqKLn0
https://www.youtube.com/watch?v=4SA5Low789U
=====================================
ولا شك إطلاقا بأنه أيضا ستكون روحك وأسمك في مقدمة المسيرة النيسانية التي سينظمها أحفادك في الحركة الديموقراطية الآشورية وستقوم أنت بروحك وأسمك بقيادة عشرات الآلاف من أحفادك القادمين من مختلف مناطق أمبراطوريتك ومن عدة بقاع العالم. ومن المؤكد بأن مسيرتك النيسانية في هذه السنة ستكون أعظم بكل ما سبقتها.
 
==========================================================



أنظر يا جدي المبجل إلى أحفاد أحفادك الذين رغم أنهم تركوا أرضك وأصبحوا بعيدين جداً عنها إلا أنها تعيش فيهم، فأشور هو آشور إينما كان في الوطن أم في المهجر، في الأرض والواقع أم في الفكر والقلب فهو سرمدي لا يزول أبدا حتى لو أبتعد إلى نهاية العالم. فمن أقصى مشرق العالم، أستراليا، إلى مغربه، الولايات المتحدة الأمريكية، يبقى جسرك الروحي رابطاً بينهما ليؤكد للعالم بأن الأمة الآشورية باقية مدى الدهر ولا تزول إطلاقاً.

صحيح ما قاله أبينا السامي الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو بطريرك كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية بأن هناك الكثير من أبناء أمتنا هاجروا الوطن ولكن بالمقابل هناك من هو باقي وصامد في أرض الوطن رغم الظروف القاسية والمميتة التي تحيط بهم. وهذا واحد من بين الألاف منهم:












إلا يفرض الواجب علينا جميعاً خاصة نحن الذين نصبنا خيامنا في بلدان المهجر أن نركع أمام هؤلاء الصامدين في أرض الوطن ونقبل أياديهم كعرفان على صمودهم أمام الصعاب والمأساة التي تحيط بهم في أرض الوطن وهم يواجهون التحديات المميتة بإمكانيات شحيحة؟

وهنا من الضروري أن أقول يا جدي العظيم لا تيأس من الظاهرة التي قد تبدو غريبة عن زمانك بأننا في مجالات معينة نستخدم تسمية مركبة من "الكلدان السريان الآشوريون" لأمتنا فهي ليست إلا وسيلة أو طرح سياسي لضمان وحدة أبناء شعبنا وسلاحاً وحدوياً لإنتزاع حقوق أمتنا من الأنظمة المستبدة. فأبناء هذه التسمية المركبة هم أبناءك ومن صلب آرض آشور التي عاش فيها أجداد أجدادهم منذ ألاف السنين وبقوا صامدين فيها لحد يومنا هذا. فهذا الشعب العريق يجمع ويشمل كل التسميات التي أطلق عليه عبر قرون طويلة من الزمن وهو الأمر الذي لا يزعز إيماننا في كوننا جميعاً أبناء أمة واحدة وأن أختلف التسميات في هذا الزمن طالما الأركان الحقيقة والموضوعية التي تجمع جميع أبناء هذا الشعب هي واحدة ومشتركة ويسعى الكثير منهم لتحقيقها على أرض الواقع.
   
أنت تعرف يا جدي الجليل، بأن الجسم يموت ويزول، كما مت أنت وغيرك من أجدادنا العظماء، ولكن الروح تبقى خالدة لا تموت أبداً كما هي روحك خالدة بيننا. وصحيح أن جسم أو كيان أمتنا في هذا العصر قد وهن ونحل بسبب قسوة الزمن عليها، فالتضحيات التي قدمها أحفادك، لم تكن لمنفعة شخصية أو طمع مادي أو سعياً للشهرة  بل كانت من أجل أن تبقى روحك طاهرة  قادرة على ربط أحفادك بعضهم بالبعض في وحدة روحية، وهي الروح التي لا تهرم أو تشيخ ولا تعرف قيود للزمان والمكان ولا للحدود، والتي يمكن أن تسافر في كل أقاصي الدنيا وبدون جواز سفر أو الفيزا ويمكن أيضاً أن تتواجد أو تنشأ في أي وقت وفي أي مكان ومن دون حاجة إلى برنامج عمل أو منهاج سياسي أو تقويم زمني أو حتى قطعة أرض أو دولة. فمثل هذه الروح لا يستطيع أطغى طغاة العالم من سجنها ووضعها خلف القضبان أو تعليقها بحبال المشانق أو رميها بالرصاص لهذا السبب فهي دائمة فاعلة ومؤثرة ومدركة سواء أكان ذلك في وطننا التاريخي أم في المهجر. إلا ترى يا جدي العظيم رغم  أن نظام البعث علق أبطالنا يوسب ويوبرت ويوخنا على مشانق الإستشهاد الآشوري وغابوا عنًا جسدا ألا أنه فكريا وروحياً هم دائما وأبداً معنا نذكرهم بكل إجلال ووقار، فمن روحهم الطاهرة أنبعثت نسمات مضيئة لطريق الكثير من أبناءك السائرون على هدى أبطال أمتنا الخالدون.  وكما ترى يا جدي بأننا نكتب إليك بلغة أجنبية هي  غير لغتك أنت التي كانت تملئ الدنيا في الزمان الغابر، ورب سائل يسأل كيف يمكن فهمك لهذه الرسالة وأنت لا تجيد مثل هذه اللغات. فالجواب بسيط أيضاً ولا يحتاجه مشقة وعناء، فهو لأنني أكتب إليك بأبجدية روحية مستمدة من روحك التي تسري في وجداني وعقلي تجعل التفاهم بيننا سهلاً جداً. هذا ما لا يستطيع فهمه واستيعابه من لا يملك نسمات من روحك.

وفي الختام ليست لي نية على الإطلاق في أن أودعك، فلا وداع بيننا لأن حتى الموت لا يستطيع أن يبعدني عنك ولا أن يفنيني من روح آشوريتي التي استمدتها منك، فأنت معي سواء في الحياة أم في الموت طالما روحك خالدة، وهي التي ستخلد جميع أحفادك النبلاء وسيتعزز هذا الخلود أكثر فأكثر عندما تتجسد روحك على أرضك التاريخية، فهو أملنا الكبير الذي لا يهتز ولا يضمحل أو نيأس منه مهما طال الزمن حتى ولو انتظرنا ألف عام أخرى. إلى اللقاء يا جدي العظيم في رسالة أخرى قادمة، وتقبل تحيات جميع أحفادك النبلاء.

المخلص
حفيدك الوفـي أبرم شبيرا


82
على ضوء تصريح غبطة الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو حول المرجعية الدينية والقومية:
---------------------------------------------------------------------------------------
أين  العلة و رأس البلوة؟؟
أبرم شبيرا
أصبح موضوع الحديث عن مرجعية موحدة دينية أو قومية لشعبنا في العراق الشغل الشاغل لجميع التنظيمات والمؤسسات الدينية والقومية والسياسية لكونها خيط الوصول إلى وحدة الخطاب المسيحي والقومي الذي هو السبيل الأمثل للمطالبة الموحدة لحقوقنا الدينية والقومية في العراق. ولكن من الملاحظ بأن كل المحاولات المخلصة لم تصل إلى إية نتيجة على أرض الواقع، وصرخات أبينا السامي الكردينال البطريرك مار لويس روفائيل ساكو نموذج مخلص وواضح في هذا المجال والتي جميعها لا تقع إلا  على آذان طرشاء. أنظر الموقع الرسمي لبطريركية بابل للكدان:
https://saint-adday.com/?p=29226 
وكذلك موقع عنكاوه:
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,929169.0.html

إذن ما السبب وأين هو رأس البلوة لهذه الأزمة في عجزنا عن إيجاد مرجعة دينية وقومية موحدة؟ وبإختصار شديد، نجد رأس البلوة في ثلاث محاور،، وبعضها سبق وأن تطرقنا إليها في كثير من المناسبات ولكن يبدو بأنها أيضا وقعت على آذان طرشاء:
الأول:: عندما تكون الأمة غير موحدة ولا يستطيع أبناؤها أو من يمثلهم الوصول إلى الحد الأدنى من المصلحة المشتركة ويبقوا منقسمين، تكون هذه الأمة عرضة لسرقة حقوقها من قبل الغير ونهبها بشكل مباشر أو غير مباشر وعن طريق وكلاء لها، وهي بديهية تنطبق على واقعنا الحالي. فهناك أكثر من جانب، خاصة غير المباشر، وعن طريق وكلاء للذئاب الكبيرة لإبتلاع حقوق شعبنا في العراق. وموضوع "الكوتا المسيحية" المفتوحة لهؤلاء الذئاب صورة واضحة ومكشوفة لهذه السرقة. والأنكى من كل هذا وذاك هو أن هؤلاء الممثلين للكتل والأحزاب العراقية الكبيرة "غير المسيحية" الذين وصلوا إلى الكراسي البرلمانية عبر الكوتا المسيحية نراهم هم أكثر صراخاً وعويلاً عن ضرورة وحدة أبناء أمتنا أو وحدة وضمان ممثلي الكوتا المسيحية في البرلمان لتحقيق مصالح أمتنا، وهي في الحقيقة لا تعدو أكثر من غطاء لتبعيتهم لأجندة هذه الأحزاب الكبيرة. ولما كانت هذه الأحزاب وبشكل عام غير متفاهمة لا بل متصارعة للحصول على مواقع أكثر قوة في البرلمان العراقي فأنه من الطبيعي أن يكون وكلاءهم "المسيحيين" غير متفاهمين لا بل متصارعين من أجل نيل حظوة أكثر عند أسيادهم الكبار. فلا غرابة عندما تكون الذئاب حارس القطيع فالمصير واضح كما هو واضح في وضعنا الحالي في العراق فيما يخص الكوتا.
الثاني: لو لاحظنا بنظرة مقارنة بين وضع شعبنا في العراق قبل عام 2003 و بعده وحتى اليوم، نرى بأن تقسيمات شعبنا أستفحلت والصراع أحتدم أكثر فأكثر بينهم وتحديدا بعد عام 2003. والسبب الرئيسي هو البلوة الكبيرة التي أظهرت مغريات مفعمة ومحشوة بالمنافع الشخصية والتحزبية تمثلت في الكرسي اللعين الذين خصص للمسيحيين في البرلمان وفي حالات أخرى لكرسي وزاري أو عضو في مجلس محافظة. من هذا المنطلق وسعياً لحصول قطعة من الكعكة، إن لم يكن الطمع بكل الكعكة، نشأت أحزاب سياسية وتكتلات وتنظيمات عديدة  بعد عام 2003. ولضمان بعض من هذه التنظيمات حصة مقبولة من هذه الكعكة وجدت الارتماء في أحضان الذئاب الكبيرة سبيلا لذلك، أو بالأحرى وجدت الذئاب الكبيرة فرصة لقضم كرسي برلماني أو أكثر من حصة المسيحيين عن طريق خلق كيانات "مسيحية" لتقوم بمهمة القضم هذه وتزيد من حلاوتها في البرلمان العراقي. إذن رأس البلوة وعلة العلل هنا هو الكرسي اللعين الذي ينفث روائحه المغرية والمزكية لأنوف وكلاء الذئاب الكبيرة. فمن المؤكد عندما نتخلص من فايروس الكرسي فحتماً سيتعافى جسم الأمة من أعراض هذا الفايروس.  وهو الأمر الذي طرحناه، أي إستقالة البرلمانيين المسيحيين من البرلمان العراقي والكراسي الحكومة والإدارية الأخرى ورفض الكوتا. فعندما كان يجلس على هذه الكراسي أكثرية من أبناء شعبنا الخيرين قبل بضعة سنوات، ولكن اليوم وكلاء الذئاب المفترسة هم الذين يمثلون الأكثرية، لذلك لا نتعقد بأن مثل هذا الطرح سيكون مقبولا لديهم بل رفضه أمر محتوم لأن البقاء على هذه الكراسي أمر يخدم أسيادهم أكثر مما يخدم أبناء شعبنا. إذن يبدو بأن مثل هذا الطرح هو أمر متأخر لأن المتربعين على كراسي البرلمان يرون في موضوع إستقالتهم من البرلمان ضرب من الخيال أن لم يكون نوع من الجنون.
الثالث: الجهل: موضوع آخر سبق وأن تطرقنا إليه وأكدنا فيه بأن المقصود بالجهل ليس الإفتقار إلى الشهادات العلمية والثقافة العامة بل هو غياب المصلحة القومية وحتى الدينية المشتركة لأبناء شعبنا من فكر وممارسة تنظيمات شعبنا القومية والكنسية. والعلة في هذا الغياب هو طغيان المصلحة الخاصة والتحزبية على المصلحة العامة. وإليكم بعض النماذج:
-   الكوتا المسيحية: نجد بأن معظم الذين يؤمنون بهذه الكوتا بأنها السبيل الأمثل لتحقيق المصالح الخاصة والتحزبية خاصة بعد أن يتربع المرشح المسيحي على الكرسي البرلماني. ونحن نعرف، لا بل الواقع يفصح جلياً بأن نظام الكوتا فاشل وغير نافع لشعبنا لأنه شرع من قبل نظام رجاله أصلاً لا يؤمنون بالديموقراطية الحقة ولا يعترفون بالغير المختلف. والعلة هنا هي أن معظم أن لم يكون جميع المعنيين بالشأن القومي متمسكين بنظام الكوتا رغم ثبوت فساده وإستغلاله من قبل الذئاب الكبيرة. والأنكى من كل هذا نرى البعض يضرب الأخماس في الأسداس ساعياً لإصلاح الكوتا الميتة ويحاول بعث الحياة فيه عن طريق تعديله بحصر التصويت بالمسيحيين فحسب. وحتى ولم تم هذا الأمر، أي حصر الإقتراع بالمسيحيين فقط، كما حصل فيما يخص البرلمان المركزي فأنه يبقى أمره سيان لا محال من إستغلاله من قبل الغير وعن طريق المسيحيين أنفسهم. فالحقيقة الواقعية تقول بأن هناك مسيحيون أعضاء في الأحزاب غير المسيحية أو هم مؤيدون لهم فأنه من المؤكد سيصوتون للأحزاب المصنوعة من الذئاب الكبيرة أو المرتمية في أحضانها. أضافة إلى ذلك فإن الظروف الإقتصادية البائسة لبعض المسيحيين سيستجيبون لإغراءات الذئاب الكبيرة لعل منفعة تأتيهم من التصويت لهذه الذئاب. والأشمل من كل هذا هو أن الواقع الفعلي أثبت زيف الإنتخابات خاصة الأخيرة وحرق صناديق الأقتراح وهي كلها أمور من السهل جدا على الذئاب الكبيرة أن تزور نتائج التصويت على مرشحي الكوتا وتحولها إلى صالح وكلائها. إذن لا مهرب من نظام الكوتا إلا برفضه خاصة من قبل المعنيين الخيرين من مسؤولي شعبنا القوميين والكنسيين.
-   الإتفاقيات والتحالفات: لا شك فيه بأن الخيرين من أبناء شعبنا أدركوا بأن الإتفاق والتحالف على الحد الأدنى بين أحزابنا السياسية ومؤسساتنا الكنسية والقومية لتشكيل مرجعية مسيحية أو قومية هو السبيل الأمثل لتحقيق ما يمكن تحقيقه من المصلحة العام لشعبنا في العراق، كما بينًا في أعلاه. ولكن العلة هي أن جهل معظم إن لم يكن جميع المعنيين بالأمر في أسلوب التفاوض والتباحث أدى بالنتيجة إلى إستحالة تحقيق المرجعية المطلوبة أو التضامن أو الإتحاد. لنأخذ بعض الأمثلة الواقعية في هذا السياق:
-   قبل سنوات وبعد إنتقال قداسة البطريرك مار دنخا الرابع إلى الأخدار السماوية وقبيل إنتخاب بطريرك جديد لكنيسة المشرق الآشورية، فتح باب الحوار مع الشق الثاني للكنيسة، أي الكنيسة الشرقية القديمة وسادت أجواء إيجابية بحيث أصبح أمر وحدتهما قاب قوسين. غير أنه تم إفساد هذه الأجواء بعد أن أرسلت الكنيسة الشرقية القديمة شروطها المسبقة إلى كنيسة المشرق الآشورية كأساس ثابت لا جدال فيه للوحدة بينهما. وهو أمر يوضح الجهل المطبق في التباحث لتحقيق الوحدة بين الطرفين لأن الشروط المسبقة تكون دائماً وأبداً غير مقبولة من قبل الطرف الآخر وهذا ما حصل عندما أعلن بأن هذه الشروط المسبقة مرفوضة جملة وتفصيلها من قبل كنيسة المشرق الآشورية. فالشروط المسبقة هي بمثابة شروط مفروضة على الطرف الآخر وتعبير عن سطوة وقوة طرف على الطرف الآخر أي هي بمثابة ميزان غير متساوي بين القوي المنتصر والضعيف الخاضع وهو أمر لم يكن مقبولا إطلاقا من قبل كنيسة المشرق الآشورية فوصل الأمر إلى طريق مسدود بسد عالي من الجهل وعدم المعرفة بشروط التفاوض والتباحث بين الطرفين. والحال لا يختلف كثيرا عن مساعي البحث عن الوحدة أو التقارب بين الكنيستين الآشورية والكلدانية.
-   قبل سنوات تم تأسيس مجلس الطوائف المسيحية في العراق شمل كنائس كبيرة وراسخة القدم وبمؤمنين كثر وبهيكلية إكليرية تراتبية واضحة وفي قمتها البطريرك مع طوائف مسيحية صغيره وبمؤمنين بعضها لا يتعدى أصابع اليد ومن دون تراتبية إكليرية غير وجود قس على رأس المجموعة. وفي حينها كتبنا بشكل مفصل عن هذا المجلس وبينًا بأنه قائم على أسس خاطئة لأنه لا يمكن إطلاقا أن يكون مثل هذا المجلس ناجحاً والعضوية في تركيبته لم تحدد المسؤوليات والواجبات طبقا لحجم وإمكانية كل عضو في المجلس. لم يستطيع المؤسسون لهذا المجلس من التفريق بين الطائفة، كمجموعة من المؤمنيين والكنيسة كمؤسسة دينية حضارية تاريخية. فكان قرار غبطة الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، أكبر كنيسة في العراق ومن جوانب عديدة، قرارا صائبا عندما أنسحبت كنيسته من المجلس. والحال نفسه بالنسبة لما كان يسمى بـ "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" الذي جمع بين أحزاب كبيرة وجماهيرية وعريقة كالحركة الديموقراطية الاِورية وأحزاب حديث العهد ولا يتعدى أعضاءها أصابع اليد ومن دون تحديد المسؤوليات والواجبات حسب حجم وقوة كل واحد من أعضاء التجمع الذي هو أساس كل تنظيم ناحج وإلا فمصيره الفشل كما هو الحال مع التجمع.
فلو أخذنا بعض الأمثل العالمية لوجدنا بأن سبب فشل عصبة الأمم التي تأسست بعد الحرب الكونية الأولى يعود بالدرجة الأولى شمولها للعضو القوي المسيطر مع العضو الضعيف الخاضع وعدم إعطاء وزن يليق بالقوى العظمى مما تعرضت العصبة إلى الإستغلال من قبل هذه القوى وبالتالي فشلت وأدى ذلك إلى حرب عالمية ثانية. بعكس منظمة الأمم المتحدة التي تعتبر كمنظمة عالمية أكثر نجاحاً وإستقرار وذلك لكونها أعطت للأعضاء الأقوياء مسؤوليات وحقوق مختلفة عن غيرهم من الأعضاء والذي تمثل في حق الفيتو للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. من هذا المنطلق كنًا في حينه أقترحنا تشكيل مجلس أعلى لبطاركة كنائس المشرق في العراق ليكون المرجعية المسيحية لكل الكنائس في العراق، ولكن أيضا وقع على آذان صماء. والحال أيضا مع مقترحنا في تشكيل مجلس أعلى للكلدان والسريان والاشوريين ليكون مرجعية قومية وسياسية، الذي كان بمثابة "في المشمش" حسب قول المصريين عند بعض المتشائمين.   
-   التسمية المركبة: أكثر البلاوي والعلل تأتي من سوء فهم التسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريون" لشعبنا في العراق. أولا: قبل كل شيء نؤكد تأكيداً قاطعاً بأنه صحيح القول بأنها ليست الحل الأمثل لتسمية أمتنا في هذه المرحلة ولكن بنفس التأكيد لا يوجد أحسن منها في المرحلة الراهنة لأن الظروف الحالية تفرض عليها هكذا حل طالما كل التسميات المفردة، الكلدان والسريان والآشوريون، لم تحصل قبول الأكثرية. ثانيا: التسمية المركبة تشمل كل التسميات الحضارية لشعبنا ولم تستثى أحد منها ولا تهمش أي واحد منهم، إذن فلماذا الرفض؟. ثالثاً: يخطاً جدا من يعتقد بأن هذه التسمية هي تسمية جديدة لأمة أو لأمة لا وجود لها أصلا. لقد سبق وأكدنا مراراً وتكراراً بأنها مجرد طرح سياسي ومنهجي وكسبيل لوحدة أساس الخطاب السياسي القومي للمطالبة والحصول على حقوقنا في الوطن طالما الأسس القومية مشتركة لكل التسميات، هذا من جانب، وفي نفس الوقت فلكل واحد من أبناء هذه التسميات الحق في الإعتزاز بتسميته المفردة وإعتبارها مرجع إنتماءه الجمعي ومن دون تحقير أو إهانة التسميات الأخرى من جانب آخر.
هذه بعض العلل والبلاوي التي أبتلينا بها وبسببها عجزنا عن الوصول إلى مرجعية موحدة دينية وقومية، وهي بمثابة كشف العل والمرض والمطلوب منًا جمعياً إيجاد الدواء الشافي لا المهدئات القصيرة الأجل، وهو العمل الواجب القيام به خاصة من قبل مؤسساتنا الكنسية والقومية المخلصة والمستقلة والبعيدة عن الإغراءات المادية والمناصب القاتلة لوحدتنا الكنسية والقومية. قد يكون وصف المرض والعلة سهلاً ولكن إيجاد الدواء صعبا. ولكن مع هذا لنشبه حال عجزنا عن إيجاد مرجعية دينية وقومية بمرض خطير، كالسرطان، الذي لا دواء له في الوقت الحالي غير المسكانات وإطالة الحياة ولكن من جانب آخر العلماء والأطباء لا يستكينون إلى الراحة بل يعملون ليل نهار لإيجاد الدواء لهذا المرض القاتل. والحال نفسه معنا يجب أن لايستكينوا نشطاء أمتنا المخلصين من الإستمرار في البحث وإيجاد الدواء المناسب لشفاء أمتنا من قلة المناعة في إيجاد المرجعية المطلوبة في هذا الزمان الظالم.



83
‏‎
الآشوريون ... بين الأمس واليوم
في المتحف البريطاني
==========================
أبرم شبيرا
بعد الحدث العظيم الذي أقيم في المتحف البريطاني خلال الأشهر القليلة الماضية عن المعرض التاريخي للملك الآشوري آشور بانيبال ملك العالم والذي أثار إهتمام عدد كبير جداً من زوار المتحف يعودوا أشوريو اليوم لتعزيز هذا الوجود التاريخي لأمتهم الآشورية وليؤكدوا الصلة القوية بين الأمس واليوم لتواصل تاريخهم العظيم مع حاضرهم بجملة نشاطات قام بها مجموعة من الآشوريين في لندن والقادمين من بعض البلدان خاصة من ألمانيا والسويد والولايات المتحدة الأمريكية. ففي الأيام الأخيرة من المعرض وتحديدا في 22/02/2019 نظمت مجموعة نشاطات فنية وعرض أزياء تراثية في قاعة المعرض في المتحف البريطاني والتي أثيرت إهتماما كبيراً ومنقطع النظير من قبل زوار المعرض. وفي تصريح للصديق الكركوكلي واللندني الناشط القومي عمانوئيل يعقوب، الحجر الأساس في هذه الفاعلية، يقول بهذا الخصوص على موقعه في الفيسبوك " وهو يقدم شكرخ الخاص للمشاركين في هذا الحدث العظيم قائلا" لا يسعني في هذه المناسبة والتي تكللت بالنجاح المنقطع النضير إلا أن أشكر هذه المجموعة الرائعة ... المشاركين في الحدث التاريخي الكبير من بريطانيا والشتات ... فلكم ترفع القبعات لأنكم بحق أديتم الواجب كآشوري مخلص خلال الثلاث الساعات الأولى للرقص التراثي الآشوري على أنعام الطبل والزرنا ضمن برنامج المتحف البريطاني لأشوريو اليوم والتي صفق لها كل من كان في المتحف... وفي ختام حديثه قدم الشكر والأمتنان للسيدة والناشطة القومية رابيتا يوليا، العزيزة على قلوب كل الآشوريين في لندن، والتي شاركت بملابس آشورية التي عرضىت أمام بوابة الملك آشور بانيبال ومشاركتها في تزويد معظم الراقصين بالملابس الآشورية التراثية (خومالا) للنساء والرجال... كما  قدم شكر خاصر للسيد نينب لاماسو الذي قام بالتنسيق مع المتحف البريطاني وتنظيمات شعبنا في ألمانيا والسويد والولايات المتحدة.

في الحقيقة، رغم إنشغالي المكثف بالكثير من القضايا وببعض الإستحقاقات الفكرية وخاصة وأنا أتهيأ للسفر إلى شمال وطني بيت نهرين بعد ساعات من كتابة هذه السطور، إلا أن هذا الموضوع أثار إهتمامي الكبير جداً وفعل فعله المؤثر لدرجة إندمجت إندماجا كاملاً مع الحدثين التاريخي والمعاصر... فألف شكر وشكر لكل الذين شاركوا في إحياء هذه المناسبة العظيمة... ولعل بعض الصور المنشورة على مواقع التواصل الإجتماعي تغنينا من الشرح المفصل خاصة هناك فيدوات معروفة على هذه المواقع لم يتسنى لنا عرضها هنا غير هذه الصور الجميلة والرائعة... جيبو... جيبو.. جيبو للجميع.
 

84
في شباط... تسطع نجوم شهداء أمتنا على طريق الحركة القومية الآشورية
=======================================
أبرم شبيرا
لا ندري أذ كانت مصادفة أن يستشهد عدد من شجعان ومناضلين من أبناء أمتنا في شهر شباط، أم هو قدر إلهي أم سخرية أقدار زمنية أم ذخرا لتواصل وديمومة أمتنا لألاف السنين، أم هو فعلاً شهادة لدعوات وصيام أجدادنا العظام (صوم نينوى المعروف بـ "باعوثا") للرب الواحد المعبود قبل الآف السنين عندما تعرضت  أسوار عاصمتهم العظيمة نينوى إلى فيضان نهر الخوصر في الموصل للدمار في عهد الملك العظيم سنحاريب الذي يصادف في هذه السنة (2019) في شهر شباط. (بخصوص القصة الحقيقية لصوم نينوى، أنظر موضوعنا على الرابط):
http://HTTP://WWW.ANKAWA.COM/FORUM/INDEX.PHP?TOPIC=158711.0
 ومما لا شك فيه هناك مئات الألاف من أبناء أمتنا أستشهدوا خلال تاريخها المأساوي الطويل وعبر أيام وشهور وسنين لا بل أيضا عبر عقود وقرون من الزمن وحتى يومنا هذا ولكن حواجز الزمن الظالم حجب عنا يوم وشهر تاريخ إستشهاد الكثير منهم، وهذا كان أحد الأسباب الرئيسية الذي أتخذ من السابع من آب لعام 1933 يوماً للشهيد الآشوري ليكون رمزا قوميا مقدسا لجميع شهداء أمتنا من دون إستثناء زمنياً ومكانياً. يقول ربنا يسوع المسيح في كتابه المقدس "الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير" (يوحنا 12:24). هكذا كان حال شهداء أمتنا كحبة الحنطة سقطوا في أرض آشور وأصبحت دماؤهم تروي جذور أمة عريقة لتنبت شجرة الحركة القومية الآشورية. وبتواصل منابع الإستشهاد من قبل مناضلي أمتنا تواصلت الحركة القومية نحو آماد أبعد رغم الظروف المأساوية المميتة المحيطة بحاملي شعلة هذه الحركة.
عندما نتكلم عن الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) بأعتباراها أول حركة سياسية قومية تحمل مفاهيم قومية ووطنية معاصرة وأستطاعت أن تحقق بعض الإنجازات، ليس هذا الكلام مجرد مجاملة أو إطراء بل هو نابع بالأساس من الإيمان الذي يرى في دماء شهداء الحركة قوة وزخم لأن تكون الحركة بهذا المقام الرفيع. ففي الثالث من شباط عام 1985 عندما أعتلى الخالدون يوسف توما و يوبرت بنيامين و يوخنا إيشو منصات مشانق النظام البعثي البائد لم يكن هذا الإعتلاء إلا دفعة قوية وزخماً كبيراً لحركتنا القومية المعاصرة.
 
وفي الثاني عشر من شباط  أيضاً عام 1984 أرتوت أرض أشور بدماء الشهيدين جميل متي وشيبا هامي وهم في ساحة الوغى يدافعون عن أبناء شعبنا أمام الهجمات التترية التي قام بها نظام البعث البائد ضد القرى الآشورية. هكذا صدق الكاتب (أ.ج. لوك) عندما قال في كتابه المعنون (الموصول وأقلياتها): "إذا كان الآشورون قد فقدوا المكانة العظيمة التي كانوا يعتلوها في التاريخ فأنهم لم يفقوا قدرتهم على تقديم الشهداء" وفعلاً تواصل الآشوريون بتقديم المزيد من الشهداء بتواصل حركتهم القومية.
 
جميل متي وشيبا هامي كوكبان من شباط في سماء شهداء زوعا
=========================================
لقد سبق وأن تحدثنا وبالتفصيل عن مفهوم الإسشتهاد الآشوري وقلنا في حينها بأن الشهيد هو من يضحي بحياته من أجل المبادئ التي يؤمن بها ويناضل من أجلها، ولكن هذا المفهوم في الإستشهاد في أرض الوطن يختلف عن الإستشهاد في بلدان المهجر. فالتحديات المميتة التي يواجها مناضلوا أمتنا في الوطن وإصرارهم على مواصلة النضال تضع حياتهم على محك الإستشهاد. في حين في المهجر لا توجد مثل هذه التحديات الممتية ولا تقود مناضلي أمتنا إلى  وضع يستوجب التضحية بحياتهم بل هناك مستلزمات حياتية مهمة هي التي يقوم بها المناضل للتضحية بها ومن ثم التضحية بحياته. أي بعبارة أخرى يمكن القول بأن الإستشهاد في الوطن هو مباشر وعن طريق التضحية بالحياة في حين في المهجر هو غير مباشر وعن طريق التضحية بمستلزمات الحياة الضرورية، كالوقت والمال والراحة والعائلة والسعادة والحرمان من الملذات التي توفرها بلدان المهجر ومن ثم الموت في سبيل المبادئ التي يؤمن بها.
ووفق هذا المنطق في الإستشهاد في المهج، كان شهر شباط في عام 1930 سجلاً لإستشهاد معلم الفكر القومي الوحدوي الملفان المناضل نعوم فائق في الخامس منه بعد أن ضحى بكل ما كان يملكه في حياته البسيطة من ماله، وحتى راتب أبنته، ووقته وراحتة من أجل إستمرار نضاله الفكري وتواصل وسائله المختلفة خاصة المجلات والنشرات التي كان ينشرها فلم يتوانى عن نضاله حتى وهو على فراش الموت.

=======================================
يا شباط... هل عدة مرة أخرى لتأخذ منا المناضل الصنديد الجنرال أغا بطرس في الثاني منه عام 1932 في الوقت الذي كان يتهيأ للسفر إلى الوطن للإلتحاق بالحركة القومية الناهظة هناك. فبعد لحظات من مغادرته للقنصلية البريطانية في تولوز سعياً وراء الحصول على موافقة الحكومتين البريطانية والعراقية لمغادرة فرنسا ودخول العراق، وجد مطروحاً على رصيف الشارع ميتاً من دون أن يكون له أية أعراض مرض سابق مما أدى ذلك إلى أن توجه أصابع الإتهام إلى بريطانيا والحكومة العراقية للتخلص منه ومنعه من الإلتحاق بالحركة القومية الآشورية.


=================================
وماذا عن أمير الشهداء الخالد البطريرك مار بنيامين شمعون رمز شهادة الأمة والكنيسة؟ فمن المعروف بأنه أستشهد في الثالث من شهر آذار عام 1918 على يد المجرم إسماعيل أغا (سمكو)، وهو التاريخ الذي أرخه أبناء شعبنا في تلك الفترة الذي كان يتبع التقويم القديم (اليوليالي). وبحسابات التقويم الجديد (الغريغوري) الذي يختلف عن الأول بحدود ثلاثة عشر يوماً  فأن إستشهاده سيقع في شهر شباط ليعتلي قائمة شهداء شهر شباط بل شهداء كل تاريخ أمتنا.


==================================
هذا هو قدر المناضلين والشهداء يضحون بحياتهم أوبسنوات طوال من عمرهم من أجل شعبهم، فكم من السنوات الطويلة كرسها المناضلون للحركة القومية الآشورية من أجل تحقيق أهدافها؟ لا بل كم من الأرواح أزهقت دماء زكية من أجل إستمرار هذه الحركة وتسليمها إلى الإجيال المعاصرة... ليس في شباط فحسب بل في كل أشهر السنوات الطويلة من تاريخ الحركة القومية. أليس دماء الشهداء المطران توما أودو روفائيل خان ويوسف بيت هربوط وفريدون أتورايا وغيرهم كثير هي التي سقت كرمة الأمة ودفعت الحركة القومية الآشورية نحو الأمام لتستمر حتى هذا اليوم... ولماذا نذهب بعيداً؟؟؟ أليست دماء طلائع شهداء أمتنا يوسف توما و يوبرت بنيامين ويوخنا إيشو هي التي أنبتت براعم الحركة الديموقراطية الاشورية وجعلتها من أكثر الحركات القومية الفاعلة في تاريخ أمتنا المعاصر... فهيهات وهيهات وحذاري من تجاهل هذه الدماء والدماء التي سبقتها وإستغلالها من أجل منفعة شخصية أو جاه أو كرسي... فدماء الشهداء هي التي تغذي الحركة القومية وتجعلها تنمو وتتواصل نحو الأمام، وبالمقابل الكرسي هو الذي يحطم هذه الحركة ويحولها إلى زمرة نفعية معرضة لمحاكمة التاريخ لها عاجلا أم آجلا، .. قيل اللبيب من الإشارة يفهم ... ولكن ... وحسرتاه ... فإن  الملتصق بالكرسي هو عاجز عن فهم مثل هذه الإشارة!!   ونحن بدورنا ومن مكان بعيد واقعياً عن هذه الدماء ولكن قريب فكرياً ووجدانياً عنهم لا نستطيع أن نفعل شيء غير أنه على الأقل نذكرهم ببضعة سطور ونضع هذه الورود على مثواهم الذي دفن سواء فعلياً في أرض أشور أم فكرياً بعيداً عن أرض آشور.
 

=============================

85
بمناسبة رحيل عالمة الآثار الدكتورة لمياء الكيلاني:
----------------------------------

منذ متى صار "الآثوريون" يدعون بـ "الآشوريين" ؟
==============================
أبرم شبيرا

بتاريخ 18 كانون الثاني 2019 رحلت العالمة الآثارية الدكتورة لمياء الكيلاني في عمان عن عمر ناهز 88 سنة، وهي أستاذة جامعية وأكاديمية وعالمة في الآثار العراقية، خريجة كلية الإداب بجامعة بغداد عام 1957 وحاصلة على شهادة الدكتوراه في الآثار من جامعة كامبردج في بريطانيا عام 1966. وكانت أول أمرأة عراقية تعمل في حقل التنقيب عن الآثار وقضت فترة طويلة بالعمل المضني في متحف بغداد حتى أستقر بها المقام في بريطانيا. وبعد عام 2003 عادة إلى العراق لتعمل في المتحف العراقي المنهوب لتعيد ترتيبه وتنظيمه وتصنيف الأثار وإعدادها بشكل علمي منظم بعد ان تعرض إلى النهب والسرقة والتخريب. للمزيد عن سيرتها الذاتية والعلمية أنظر موقع وكيبيديا في نهاية الموضوع.
بيت القصيدة في هذه المناسبة المؤلمة برحيل أشهر عالمة آثار عراقية بعد رحيل تلميذها العالم الآثاري "الآشوري" دوني جورج"، الذي يدور حول تساؤل "منذ متى صار "الآثوريون" يدعون بـ الآشوريين"؟ يبدأ عندما نشر السيد موسى الشابندر سلسلة من مذكراته في جريدة "القدس" اللندنية بتاريخ 15-16 أيار 1993 وتحديدا الحلقة الرابعة التي تطرق فيها إلى القضية الآشورية في العراق وبالأخص حركة عام 1933 وما صاحبها من سياسات ومواقف رجال الحكم في العراق تجاه هذه القضية. والسيد موسى الشابندر،عاصر الحركة الآشورية لعام 1933 والنتائج المأساوية التي رافقتها، فكان ضمن الوفد العراقي الحكومي لدى عصبة الأمم في جنيف أثناء مناقشة حوادث مذبحة سميل ومعروفاً بمواقفه الإستبدادية تجاه الآشوريين حيث ساهم بمقالاته "الوطنية" التي نشرها في الأعوام 1928 – 1933 وبأسم مستعار "علوان أبو شرارة" في تصعيد شرارة الحقد والكراهية على الآشوريين  وفي تزييف تاريخهم وطموحاتهم الوطنية المشروعة. ففي مقالته المنشورة في جريدة "العالم العربي" في 15 آب 1930 وتحت عنوان "المستعمرون وحماية الأقليات" لم يرً في القضية الآشورية إلا "دولاب إستعماري".
وفي حينها كتبت رداً مطولاً وحاداً على مذكرات السيد موسى الشابندر ساعياً إلى تقويم الإنحراف الفكري والموقف الإستبدادي تجاه القضية الآشورية بشكل خاص وتجاه الآشوريين عموماً وتحت عنوان "المسألة الآشورية في مذكرات رجال الحكم والسياسة في العراق" والذي نشر في جريدة "القدس" اللندنية بعددها الصادر 12-13 حزيران عام 1993. أثار موضوع ردي على السيد موسى الشابندر العديد من الردود والملاحظات بين العديد من المثقفين والمفكرين العراقيين المقيمين في لندن، وفي حينها دخلنا في مناقشات وحوارات حول الموضوع المعني مع العديد من هؤلاء المثقفين والمفكرين المتنورين والأحرار خاصة عندما كنًا نلتقي في "كوفه غالري" الكائن في قلب مدينة لندن والعائد للدكتور الأستاذ المهندس المعماري محمد مكية، عميد كلية الهندسة الأسبق بجامعة بغداد الذي كان ملتقى المثقفين والمفكرين والأدباء. وكانت من بينهم الإستاذة الدكتورة لمياء الكيلاني الذي أثار موضوع ردي على السيد موسى الشابندر إهتمامها، فكتبت تعليقاً قصيرً عليه تحت عنوان "الآثوريون وليس الآشوريين"  ونشر في جريدة "القدس" اللندنية بتاريخ 15 تموز 1993، تقول فيه:
"لي تعليق قصير على مقالة الأستاذ أبرم شبيرا (جريدة "القدس" العربي عدد 12/06/1993) حول القضية الآشورية، ولجهلي المحدود لا أود أن أدخل في أصل الحركة والحوادث التاريخية لعام 1933، ولو إني أتفق مع الكاتب تحليله لتفكير وعقلية الطبقة الحاكمة ورأيها بالأقليات في العراق. وللأمانة التاريخية، أود أن أسأل الكاتب منذ متى صار الآثوريون يدعون بـ "الآشوريون" ؟ وهل يستطيع مع أدلة تاريخية مكتوبة أن يرجع تاريخ الآثوريين إلى الأقوام الآشورية التي حكمت العراق في الألف الأول قبل الميلاد... مع التقدير.
وإستجابة لتساؤل الدكتور لمياء الكيلاني عن كيفية تحول الآثوريين في العراق إلى الآشوريين والأدلة التاريخية المكتوبة، كتبتُ في جريدة "القدس" العربي (العدد 16 تموز 1993) السطور التالية:
زاملت في بداية السبعينيات طالباً عربياً فلسطينيا أثناء فترة الدراسة الجامعية في بغداد فكان عجبه عن كيفية تحول "الآشوريين" في العراق إلى "الآثوريين" أكثر بكثير من علامة الاستفهام التي أوردتها الأستاذة لمياء الكيلاني عن تحول "الآثوريين إلى "الآشوريين". ويمكن تخفيف حدة الإستفهام هذه وإزالتها بإجابة مبسطة للتساؤل المطروح ومن النواحي التالية:
1.   لغويا: في العراق دون غيره من بلدان الشام ولبنان وفلسطين وحتى مصر، ولأسباب تتعلق بعلم الأصواب الكلامية (Phonology) تحولت "الشين" إلى "الثاء" وبالتالي أصبح "الآشوريون" في العراق معروفين بـ "الآثوريين". في حين حافظ أهل الشام وبقية البلدان على التسمية الصحيحة للآشوريين دون أي تغيير. وقد يكون مفيداً أن نسوق أمثلة على ذلك من النتاجات الفكرية لكتاب ومفكري هذه البلدان ولكن لضيق المجال، نكتفي بالقول بأن "شامية" ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث العربي الإشتراكي كانت قد طغت على أيديولوجية تلاميذه في العراق عندما أعيد طبع كتابه "في سبيل البعث" لمرات عديدة من دون تحويل كلمة "الآشوريين" الواردة فيه إلى "الآثوريين" عندما تطرق لحركتهم (عام 1933) في منتصف الخمسينيات من هذا القرن (والقصد هو القرن العشرين).
ومن ناحية ثانية فإن تسمية "الآثوريين" عينها غريبة عن الآشوريين أنفسهم حيث كان الفرثيون أول من أستعملها عندما أحتلوا بلاد آشور وأجزاء أخرى من بلاد مابين النهرين. من جهة أخرى هناك تداخل وإحلال كبير بين حرفي "الشين" والتاء" في اللغة الآشورية المعاصرة وفي لهجاتها المتعددة، فهناك العديد من الكلمات تخضع لقاعدة الإحلال هذه ومنها "آشور" و "أتور" ويعني الإله آشور أو مدينة آشور أو مملكة آشور، وهكذا مع بيتا وبيشا – أي البيت، و كتيتا وكتيشا- أي الدجاجة، وتا و شا – أي تعال ..إلخ.  فعندما يُسأل أي آشوري من قبل عراقي عربي من أنت؟ فيقول أنا "أتورايا" ولتنسيبها في العربية يقول أنا "أتوري" ويعني "آشوري" وبسبب "التاء" المشددة الصعبة في اللهجة العراقية تحولت، حسب القواعد الفونولوجية، إلى "الثاء" اللينة فتحول بالتالي "الأتوري" إلى "الآثوري" في العراق. وهي قاعدة عامة وشاملة في الكثير من اللغات القومية واللجهات المحلية في إختلاف وتباين تسميات الشعوب والأقوام وبلدانها. فإذا كان العراقيون العرب يطلقون على الآشوريين "آثوريين فالفرس مثلا، يطلقون عليهم "آسوري" والأرمن "أسورينير" والأذربيجانيون "أسورليار" والأتراك "آسورلي" والروس "أسيريتس" والإنكليز "أسيرينز" والصينيون "ياصو" والسويديون "أسيريسكا" والكورد مثلهم مثل الفرس "آسوري".
2.   سياسيا: لأسباب سياسية تم تعميم وإشاعة إستعمال تسمية "الآثوريين" وإحلالها محل "الآشوريين" من قبل مفكري ومؤرخي النخبة الحاكمة في العراق ولأهداف تتعلق بقطع الصلة بين التسميتين وإستئصال الجذور التاريخية للآشوريين في العراق. وتواصلت هذه السياسة حتى أيامنا هذه. فهناك العشرات من الكتب والبحوث التي صدرت في العراق كلها تسعى لتحقيق هذه الأهداف عن طريق توسيع هوة التباين اللفطي البسيط بين التسميتين "الآشوريين" و"الآثوريين" وتضخيم الخلاف والتناقض بينهما وإعطاء الثانية دلالات وأبعاداً دينية طائفية لتعكس إنطباعاً عاماً لدى العراقيين في إختلافها عن التسمية الأولى في الوقت الذي يظهر للعيان بأن الفرق بين "الشين" الآشورية و "الثاء" الآثورية ضئيل جداً يكاد لا يذكر ولا يستحق عناء التساؤل والمناقشة.
3.   تاريخيا: قبل كل شيء من الضروري التأكيد بأن الآشوريين، وبالأخص المثقفين منهم، وهم المكتوون بنيران السياسات العنصرية والشوفينية طيلة تاريخهم الطويل، يدركون بأن نظرية الدم أو العنصر التي تميز الناس والأمم على أسس بايولوجية قد أصيبت بدرجة كبيرة من السخف والبطلان. لهذا فإن إرجاع الآشوريون تاريخهم المعاصر إلى الأقوام الآشورية التي حكمت في الألف الأول قبل الميلاد لا يستند إلا على عناصر حضارية وفكرية إنسانية. ويمكن إرضاء تساؤل الأستاذة لمياء الكيلاني عن الأدلة التاريخية المكتوبة عن التواصل التاريخي للآشوريين بالإشارة، دون الاسهاب في تفاصيلها، إلى العشرات الكتب والدراسات والبحوث العلمية التي كتبت بمختلف لغات العالم والبعض منها ترجم إلى العربية. ويقيناً بأن الكثير منها، وخاصة الإنكليزية متوفرة في مكتبة المتحف البريطاني، وأخص بالذكر منها "نينوى وبقاياها للعالم الآثاري هنري أوستن لايارد مكتشف مدينة نينوى. وكذلك كتاب "الآشوريون وجيرانهم" و "مهد البشرية" و"مدخل لدراسة تاريخ الكنيسة الآشورية" للكاتب الإنكليزي وليام وكرام الذي عاش مع الآشوريين في منطقتهم قرابة 15 عاماً.
أمل أن تكون هذه الملاحظات وافية للتصورات والأفكار والسياسيات التي أقيم طرحها عن الفرق الضئيل بين "ثاء" الآثورية و "شين "الآشورية" لتزيد من ترابط الآشوريين بأرض العراق وشعبه... أنتهى.
--------------
هذا الموضوع كتب قبل أكثر من ربع قرن من الزمن ومن المؤكد بأن هناك مراجع وبحوث ووثائق أكثر بكثير من المراجع التي ذكرتها كلها تؤكد وتعزز ما ذهبت إليه في موضوع الأدلة التاريخية والعلمية في كون الآثوريون هم أبناء وأحفاء الآشوريين القدماء.
وهنا في الختام أود أن أشير إلى ملاحظتين:
الأولى: يظهر للقارئ الكريم من خلال رد الدكتورة لمياء الكيلاني على موضوع ردي على مذكرات السيد موسى الشابندر  سمو أخلاقها ورفعة آدابها وعظمة علميتها في معالجة الموضوع وبسطور قليلة، وهي الحقيقة التي كان يعرفها الكثير من المثقفين العراقيين الأحرار والبعيدين عن موائد الأنظمة السياسية الإستبدادية التي تعاقبت على الحكم في العراق.
ثانيا: للدكتور لمياء الكيلاني عدة مؤلفات، ومن بينها كتاب "أول العرب – من القرن التاسع وحتى السادس قبل الميلاد" ألفته بالتشارك مع الأستاذ سالم الآلوسي ونشرته دار نابو في لندن 1999. وهو كتاب يتناول موضوعه بالكامل عن الآشوريين القدماء وعلاقتهم بالعرب وعن الحروب التي خاضها الآشوريون ضد العرب البدو الذين كانوا يغارون من الصحراء الغربية على المماليك الآشورية معززة بصورة المنحوتات المعروضة في المتحف البريطاني. وفي حينها كتبت تعليقا على الكتاب ونشر في بعض وسائل الإعلام. وهنا يستوجب التذكير، خاصة لأعضاء النادي الثقافي الآشوري في بغداد في السبعينيات من القرن الماضي عن الأستاذ سالم الألوسي الذي كان من أكثر الشخصيات المثقفة العراقية التي شاركت بنشاطات عديدة ثقافية وفكرية في النادي وكان من أكثر المعجبين بهذا النادي وبأعضاءه.
=================================
سيرة حياة الأستاذة الدكتورة لمياء الكيلاني كما نشر في موقع ويكيبيديا:
لمياء الكيلاني
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة


لمياء بنت أحمد جمال الدين بن داود بن سلمان الكيلاني النقيب (1931-2019)، أثارية وأكاديمية عراقية ،حصلت عل شهادة البكالوريوس في الآثار من كلية الاداب جامعة بغداد عام 1957 بتفوق وعلى شهادة الدكتوراه في الاثار من جامعة كامبردج في بريطانيا عام 1966[1].
سيرتها
ولدت لمياء الكيلاني في عائلة تتحدر من القطب الصوفي الأشهر عبد القادر الجيلاني في بغداد، وأتمت دراستها الابتدائية والثانوية فيها، ودخلت كلية الآداب جامعة بغداد في قسم الآثار، وبعد تخرجها غادرت بغداد لحصولها على زمالة في جامعة كيمبردج في بريطانيا لدراسة الآثار لتعود إلى بغداد عام 1961 كأول امرأة عراقية درست الآثار في الجامعات الغربية. وعملت في المتحف العراقي الذي كان يديره في تلك الفترة الآثاري العراقي فرج بصمجي، الذي كلفها بعمل يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد والصبر، فقد تكدست في المتحف العراقي آلاف الأختام الاسطوانية، وقد كلفت الكيلاني بفرزها وتبويبها وتصويرها فوتوغرافيا لغرض أرشفتها، مما ولد في نفسها عشقا سيتطور لاحقا إلى دراسة اكاديمية، بعد ذلك تولى إدارة المتحف أحد أشهر آثاريي العراق وهو طه باقر، الذي كان ذو عقلية متفتحة فيما يخص التعامل مع المرأة في حقل الآثار، وقد ابتدأت حينها أعمال التنقيب في موقع قرب بغداد مما وفر فرصة مناسبة للدكتورة لمياء الكيلاني للمشاركة، وبذلك كانت أول عراقية تشارك في أعمال التنقيب عن الآثار العراقية[2]، شاركت في اعمال تنقيب في محيط بغداد في تل الضباعي القريب من تل حرمل فكانت أول عراقية تشارك في اعمال التنقيب، ولقد حصلت على شهادة الماجستير من جامعة ادنبرة وكان موضوع اطروحتها (الأواني السومرية الفخارية الطقسية)، ثم اكملت رحلتها العلمية في جامعة لندن حيث حصلت على درجة الدكتوراة وكانت اطروحتها عن(الاختام الاسطوانية)، وعملت لسنوات في المتحف العراقي ودرست في العديد من الجامعات والفت وشاركت في تأليف عددا من الكتب، كما شاركت في مؤتمرات عديدة والقت العديد من المحاضرات عن آثار العراق في مختلف دول العالم
وفاتها
توفيت لمياء الكيلاني في عمّان يوم الجمعة الموافق 12 جمادى الأولى 1440 هـ / 18 يناير 2019 عن عمر يناهز 88 عاما.


86
"الطوائف المسيحية من الكلدان والأرمن والأثوريين تنتمي إلى أصل الكورد":
------------------------------------------

كاتب وصحفي وباحث ومؤرخ وبروفيسور كوردي لا يجيد حتى " كذب مصفط " !!!
============================================
أبرم شبيرا
توطئة:
-----
من خلال الموقع الألكتروني لدار زهرة الرافدين للطباعة والنشر اأطلع بعض الآشوريون على ملخص كتاب ""تاريخ وحضارة الكورد" للدكتور محمد محمود المندلاوي ومعظمهم، أن لم يكن جميعهم، لم يقتنوا نسخة من الكتاب ولم يقرأوه بل تعرضوا له كرد فعل  لما ورد فيه إشكالات سلبية ومهينة بحق الآشوريين، وقد يكون بعضها ملاحظات وإنتقادات لاذعة ربما خرجت عن الأصول الأدبية المتبعة في نقد الكتب، مما أثار ذلك رد فعل قوي  معاكس وشديد التشنج من مؤلف الكتاب وهو الأخر خرج أكثر بكثير عن الأصول الأدبية المطلوبة  خاصة أنها جاءت من بروفسور يحمل شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر الذي من المفترض أن يكون أكثر إتزانا أدبيا وثقافيا من غيره. وسنعرض هذا الرد في قسم الملاحق من هذا الموضوع. على العموم، يظهر بأنني كنت أكثر موفقية في الحصول على نسخة من الكتاب خلال الشهر الماضي ومن ثم كتابة هذه السطور. وبخصوص عنوان الموضوع، أرجو المعذرة من إستخدامي كلمة "كذب مصفط" وأعتقد العذر سيكون مقبولاً عندما يدرك القارئ اللبيب محتويات الكتاب وردة فعل المؤلف المهينة للآشوريين جمعاء وليس لمنتقدي الكتاب فحسب.
حكاية كذب مصفط:
--------------
كذب مصفط أو باللهجة العراقية (جذب مصفط) مقولة مستمدة من رواية تقول بأنه كان هناك بلدة يحكمها حاكم ساذج وبهلول يعيش فيها شقيقان أحدهما ملئه الكذب والشعوذة والبهلوه. فكان مقرب للحاكم يستمتع بأكاذيبه وينشرح كثيراً عند سماعها فيكافئه بالمال الذي كان مصدر رزق وسعادة هذا الكذاب. أما شقيقه الآخر فكان صادقاً وحليما ولطيفا ولكن كان فقيرا وعلى حافة الجوع فلم تشكل هذه الصفات النبيلة مصدراً لرزقه. فكر هذا الشقيق ملياً وقال لنفسه، طالما هذه الصفات النبيلة لا "توكل الخبر" فمن المستحسن أن أمارس الكذب والشعوذة كما يفعل شقيقي حتى يكون لي مصدر رزق وحياة سعيدة. فبدأ بإشاعة خبر مفاده بأنه شاهد خروف يطير في الهواء عاليا فأنتشر الخبر بين سكان البلدة مما أثار الكثير من البلبلة والذعر بينهم وبدأوا يتخوفون من أن خرفانهم ستطير ويتلاشى مصدر رزقهم وينهار إقتصاد البلدة. فلما سمع الحاكم هذا الخبر أستدعاه إلى ديوانه وأمر بجلده وسجنه على كذبه هذا. وصل هذا الخبر إلى الشقيق الكذاب فجاء إلى الحاكم متوسلا إليه طالباً إطلاق سراح شقيقه، فرد عليه الحاكم قائلا بأن شقيقه اثار البلبلة والإضطراب في البلدة وعرض أمنه وإستقراره الى الخطر من جراء كذبه الذي لا يصدقه أحد. فرد عليه الشقيق الكذاب قائلا: لا يا سيدي الحاكم، الخروف لم يكن له جناحين ولم يكن بقادر على الطيران، بل كان هناك نسرا كبيرا قد خطف الخروف وأخذه عالياً فتصور شقيقي بأن الخروف له جناحين ويطير. فقال الحاكم: هذا كلام معقول. ثم بعد أن أطلق الحاكم سراح السجين قال الشقيق الكذاب لشقيقه: يا أخي عندما تريد أن تكذب يجب أن يكون كذبك مصفط حتى يصدقك الناس.
بروفيسور "بتاع كلو":
-------------
أورد هذا المثل ليكون مدخلا لما كتبه الكاتب والصحفي والباحث والمؤرخ وحامل شهادة دكتوراه في تاريخ حديث ومعاصر، لا بل أيضاً بطل ومدرب دولي سابق في فنون الدفاع عن النفس وفن قتال الشوارع، البروفسور الدكتور محمد محمود المندلاوي مدير عام مؤسسة زهرة الرافدين للصحافة والنشر والتوزيع ورئيس تحرير مجلة زهرة الرافدين ورئيس تحرير جريدة الرياضي وعضو نقابة الصحفيين العراقيين وعضو الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وعضو جمعية المؤرخين العراقية وعضو إتحاد المؤرخين العرب، حسب كنيته المنشورة من قبله، ولكن مع كل هذا المؤهلات العالية لم يذكر لنا من أية جامعة تخرج وفي أي جامعة أو أكاديمية أو مركز بحوث يُدرس أو يعمل فيه. يقول بأن له أكثر من 40 مؤلفاً في السياسة والأدب والتاريخ والإجتماع والدين و سيرة وبلوغرافيا لبعض الحكام، لا بل وحتى في  جرائم خطف النساء وفنون القتال المختلفة وفي الوقاية من سحر الأنس والجان وعشرات غيرها. ويمكن للقارئ الكريم الإطلاع عليها من خلال الموقع الأكلتروني لدار زهرة الرافدين للصحافة والتوزيع ليتأكد فعلاً بأن البروفيسور مندلاوي هو "بتاع كلو" كما يقول المصريون.
 كل هذه المؤهلات والمؤلفات لايهمنها ولا يخصنا غير كتابه المعنون "تاريخ وحضارة الكورد، الصادر من مؤسسة زهرة الرافدين للصحافة والنشر والإعلان، أربيل، الطبعة الأولى 2013 والذي يزعم البروفيسور المندلاوي عنه بأنه تم نفاذ هذا الكتاب بطبعته الأولى والثانية بكمية قدرها بـ 30,000 نسخة وأيضا تم الإنتهاء من طباعة الطبعة الثالثة ويطلب من القراء حجز نسختهم قبل نفاذها!!! عجبي كبير جداً على هذه الكمية الهائلة من الكتاب الذي طبع ونفذ ونحن نعرف الواقع الثقافي في المنطقة بأن معظم الكتب التي تطبع وتنشر لا يتجاوز عددها في أقصى حالاتها بضعة ألاف نسخة، أما طبع ونشر 30,000 نسخة من كتاب الدكتور المندلاوي، خاصة وهو كتاب موضوعه محدد وخاص بالكورد وقد لا يعنيه غيرهم، فهو أمر يسجل سابقة تاريخية في المنطقة وأقترح عليه أن يعرضه على مؤسسة غنيس للأرقام القياسية ليسجل في سجلاتها.
كتاب تاريخ وحضارة الكورد:
-------------------
كتاب موضوع البحث الذي هو بين أيدينا، هو "تاريخ وحضارة الكورد" في طبعته الأولى لعام 2013. في حين يشير البروفيسور في نبذة عن الكتاب على الموقع الألكتروني للدار المذكورة إلى أن الكتاب طبع سنة 2012!!!.



 

يقع الكتاب في 340 صحفة من القطع الكبير، وهنا لسنا بصدد التعمق في صفحاته والضياع في نفس المتاهات والتناقضات وظلامات التاريخ الغابر التي أحتواها الكتاب، فمثلا يقول البرفيسور المندلاوي بأن الكورد أمة عاشت منذ عصور موغلة في القدم بحدود أكثر من 3000 سنة (ص21)  في حين يذكر في مكان آخر بأن عمر تاريخ وحضارة الكورد هو 5000 سنة، كما هو مذكور في أدناه:
بينما في رده "المتشنج" على منتقدي الكتاب، والذي سنتأتي على ذكره فيما بعد، يقول بأن تاريخ الكورد يتجاوز 10,000 سنة. ليس هذا فحسب بل يدعي البروفسور بأن نفوس الكورد في العالم 60 مليون نسمة وهو رقم مبالغ فيه كثيرا ومتجاوز العدد المقدر من قبل الباحثين سواء من الكورد أو غيرهم والذي يقدر بين 25 – 30 مليون نسمة. غير أن الذي يهمنا هو مسح صفحات الكتاب التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالآشوريين خاصة وبالمسيحيين عامة في بلاد ما بين النهرين مع الإشارة إلى بعض المفاهيم التي أوردها المؤلف والتي أما هي لا تتطابق مع المنطق والتاريخ أو هي مشوه أو محوره نحو النهج الذي يخدم منهجه في خلق قرون أن لم نقل عصور وألفيات من السنين لشعوب وحضارات أخرى ومنها الحضارة الآشورية، ويلصقها بالكورد أو بأجدادهم أو بأصولهم العرقية. ففي هذا السياق يقول "من يقرأ التاريخ قراءة واقعية سيجد الحقيقة التي تؤكد أن الكورد أمة عظيمة وقد شهدوا إشراقة الحضارة الأولى للبشرية منذ عهد السومريين... وعرف عنهم الإرادة والإبداع... "(ص22). لهذا فالغرض من تأليفه لهذا الكتاب، كما يقول، هو "محاولة للكشف عن جوانب العطاء الحضاري للشعب الكوردي وإعطاء الصورة الواضحة عن عمقه التاريخي وتراثه الأصيل رغم المحاولات اليائسة التي قامت بها الأقوام المجاورة لهم السعي إلى تجريده من تراثه وماضيه وحاضره ومستقبله في محاولة طمس الشواهد التاريخية والمعالم الأثرية التي تؤكد الخصوصية الحضارية لشعب كوردستان" (ص22). ولا أدري عن أي معالم أثرية يتحث البروفيسور.. أفهل يعني الأثار الآشورية الهائلة والمنتشرة في جميع أرجاء شمال بيت نهرين والتي نسبت بعضها إلى الحضارة الكوردية؟؟ ومن يقرأ الكتاب سيجد أن عشرات الشعوب والقوميات والقبائل والحضارات والمدنيات كلها التي أستقرت في شمال بيت نهرين وشمال غربي إيران وجنوب شرقي تركيا وحتى أذربيجان وأرمينيا سواء لزمن قصير أو طويل والتي هي بمفهوم البروفيسور أرض الكورد، هي حسب زعمه من أصول كوردية، ولم يبقى له إلا أن يقول بأن العصفور الذي يطير من فوق شمال بيت نهرين هو من أصول كوردية!!.


الكورد والحضارة الآشورية:
----------------
وفي بحثه عن نسب الكورد يعرض المؤلف بعض الأراء والقصص والتي يطلق عليها بالنظريات والتي كتبت قبل سنوات بل قبل قرون طويلة ومن دون أي أساس علمي وتاريخي موثق ومن قبل أناس كانوا أقرب إلى مؤلفي الروايات وأساطير الدراويش وراوة القصص الخرافية وقراء الغيب من المؤرخين والذين يطلق عليهم بالنسابين الذين يبحثون في نسب وأصل الشعوب. وبشكل عام، يرفض البروفيسور أولا النظرية القائلة في كون الكورد والعرب من نسب واحد ويعتبر الأراء التي قيلت بهذا الشأن غير واقعية (ص30). ولكن حتى يحقق منهجه في تعظيم تاريخ وأصل الكورد يندفع وبشكل واضح نحو الخرافة التي تنسب الكورد إلى الآشوريين القدماء. فيشير إلى أحد النسابين الذي يرجع أصل الكورد إلى الآشوريين ويقول " تفرعت من آشور (Isor) – هكذا يكتبها -  بن سام، الراسخين في الكوردية وهم سكان كوردستان الأصليين أطلق عليهم لفظة الكورد نسبة إلى كورد بن أيران بن آشور بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ بن أليارد بن مهلائيل بن قينان بن آنوش بن شيت بن آدم" (ص28)... يا ساتر!!!... كيف أمكن هذا النساب، أو بالأحرى قارئ الغيب، التوصل إلى هكذا نسب طويل الذي دخدخ عقل البروفيسور وأعتمده  في زمن لم تكن وسائل البحث العلمي متاحة، خاصة وهو يذكر أسماء وشخصيات غريبة ولا أعتقد بأن العالم سمع عنهم. وعن الآشوريين يقول "عرفت منطقة إستقرارهم – أي الآشوريين– في شمال العراق بأسم آشور وهو الأسم المأخوذ من أسم الجد الأعلى للكورد (آشور بن سام بن نوح )!!!.. (ص32). ويواصل التعظيم ويقول "ومن خلال ذلك الرأي يمكن القول بأن أسم الآشوريين مشتق من أسم آشور- يا لها من إكتشاف عظيم للبروفيسور -  الذي ورد ذكره في نسب الكورد وهي دلالة واضحة وصريحة على قدم الشعب الكوردي وأصالته وعمقه التاريخي" (ص 33). لهذا السبب نرى بأن كتابه المذكور أتحف غلافه بصورة نحت لفارس آشوري وهو الملك الآشوري العظيم، آشور بانيبال ملك العالم. ولكي يتأكد البروفيسور بأنه على خطأ ومبالغ في هذا القول، أقترح عليه أن يزور المتحف البريطاني في لندن ليشاهد عظمة الآشوريين وملكهم العظيم وأنا أراهنه بأي شيء فيما إذا وجد أية إشارة إلى الكورد أو أصلهم في المنحوتات والسجلات والألواح الكثيرة المعروضة في المتحف والمدونة على صخور صلدة التي لا تقبل الشك والتحريف كما هو الحال مع تخريفات وخزعبلات وأقاويل قراء الغيب و مدبلجي الأساطير التي يعتمدها البروفيسور المندلاوي. فإذا كان الكورد فعلاً أحفاد آشور وينتسب أصلهم إلى الآشوريون القدماء، أليس من المفروض أن نرى الكورد في العصور القديمة والحديثة يفتخرون بهذا الأصل ويتسمون بأسماء الآشوريين العظماء، كآشور وسركون وسنحاريب وشميران وعشرات غيرهم، ويحتفلون بالمناسبات التراثية العريقة كالأول من نيسان وصوم نينوى وعيد مسردل وعشرات غيرها، كما فعل الآشوريون في الأيام الخوالي ويفعلون في هذه الأيام ويعتزون بها إيما إعتزاز كممارسات تاريخية تربطهم باجدادهم الآشوريين القدماء وتشكل الأسس التاريخية لهويتهم القومية وتؤكد أصالتهم على أرض بلاد النهرين.


أنا آشوربانيبال ملك العالم ملك آشور
====================================
العرق الآري للكورد والنازية:
-----------------
أنه من حق أي كوردي أن يفتخر بنسبه وأصله وعرقة كما يفعل البروفيسور المندلاوي حين ينسب الكورد إلى أصل هندو أوروبي ويميل بشكل واضح إلى أعتبار الكورد شعب آري. غير أنه نرى بأنه يخرج عن الإطار الإنساني في فهم أصل الشعوب ويقر بالنظرية العرقية في تحديد أصل ونسب الشعوب،  فيشيد بالأصل الآري للكورد ويعتبره عنصراً متفوقاً على غيره من الشعوب. فيقول: أن "نبوغ نطريات جديدة في عصرنا الحديث- أي نظريات جديدة في عصرنا الحديث يتحدث عنها البروفيسور  فكل هذه النظريات أصابها الكثير من التراجع والسخف والبطلان ولم يعد أحد يتجرأ على إعتمادها في تحديد أصل الشعوب – فيقول عن هذه النظريات بأنها " تشير إلى العرق الآري على أنه أرقى الأعراق البشرية وهذا يعطي الكورد تميزاً عرقيا آخر يضاف إلى سجله الحضاري وهويته القومية" (ص42). ثم يواصل ويقول "أن الحضارة الكوردية تأسست عبر مسيرة تاريخية طويلة تكونت بجهد وعرق ودم الكورد لتبرز إلى الوجود، أما الإلتقاء وفق الإستراتيجية الآرية فلأنهم يثبتون قدراتهم عندما يضعون في إتجاه المواجهة حيث تنمو في أعماقهم القوة سريعاً ويكون نتائجها مدهشا. أن بناء الحضارة الكوردية لم تكن إلا نتاج قومي خالص هدفه دائماً التقدم والتألق والتمييز، والمعروف عن الآري أنه يحاول أن يخضع الأعراق الأخرى التي تقل عنه مستوى ليبقى السيد المطاع والمهيمن كي يحافظ على دمه نقياً" (ص53). وهذه هي النازية والفاشية عينها التي دمرت بلدان عديدة وأبادة شعوب كثيرة، ولا أعتقد بأن عقلاء الكورد ومنهم رجال الحكم والسياسة في الاقليم يقبلون بمثل هذه المفاهيم في الفاشية أسلوباً لحياتهم وحكمهم. ومن الغريب والعجيب جدا هو أن الدكتور البروفيسور محمد محمود المندلاوي كما يظهر بأنه قومي كوردي متشدد ويحب قومته جدا ولكن ألا يدري بأن الكورد أكتوا بنيران هذه النظريات وذاقوا الأمرين التي كانت تعتمدها الفاشية الطورانية والأتاتوركية والبعثية والعنصرية العروبية؟ فكيف يمدحها ويعشقها وهو المكتوي بنيرانها؟ أفهل يسعى إلى تقليد الطورانية والأتاتوركية والبعثية في تعامله مع الآشوريين فيجعل من الشعب الكوردي عنصر متميز يفوق بقية الشعوب والأقوام؟؟.
ولم يكتفي البروفيسور بسرقة الإمبراطورية الآشورية وحضارتها العظيمة بل يتجاوز ذلك معتمداً على قول بعض النسابين !!!!  في أعتبار الإمبراطورية الساسانية والعيلامية هي من نتاج الكورد أيضاً إلا أن التاريخ (... اي تاريخ؟) قد ظلم الشعب الكوردي ونسبت المنجزات والمكتسبات التاريخية لهاتين الإمبراطوريتين إلى الفرس (ص37). في الحقيقة أصابتني الحيرة والشك والأسف من هذا الظلم الذي أصاب الكورد كما يقول البروفيسور، ولكن سعياً وراء إزالة هذه الحيرة والشك تصفحت كل الكتاب ألـ (340) صفحة فلم أجد أية نتاجات أو إختراعات للكورد غير إشارته إلى مخترع ألة المنجنيق وأسمه هينوان الذي كان كردياً (ص55). ومن باب الفضول بحثت في الموسوعات والقواميس المعروفة عن المنجنيق فوجدت بأنها "كلمة معربة من اللغة اليونانية واللاتينية (manganon)، ومعناها آلة الحرب ويعود أول ذكر لها إلى المؤرخ ديودورس الصقلي الذي وصف إختراعه في اليونان عام 399 ق.م. وأستخدم للمرة الأولى في التاريخ عام 397 ق.م. وذلك في حصار مدينة موتيا أثناء الحروب البونيقية اليونانية" (أنظر مثلا موسوعة وكيبيديا). أين موقع هينوان المخترع الكوردي من هذا، أهو ظلم آخر سرق اليونانيون أختراع المنجنيق من الكورد ونسب إليهم؟
الكورد وعلاقتهم بالمسيحيين والآشوريين المعاصرين:
------------------------------
أما بخصوص علاقة الكورد بالمسيحية، فيمكن أن نستخلص من الكتاب إتجاهين يذكرهما البروفسور: الأول يؤكد بأن الكورد أعتنقوا المسيحية قبل ظهور الإسلام وإنتشاره بينهم. والثاني يشير إلى أن الكورد أنتقلوا من الديانات القديمة (المانوية والزرادشتية) التي كانت سائدة بينهم إلى الإسلام مباشرة دون المرور بالمسيحية. يميل البروفيسور إلى الإتجاه الأول ليؤكد بأن قسم من الكورد أعتنق المسيحية وحتى اليهودية ولكن لم يعتنق غالبيتهم المسيحية رغم غالبية الأقوام المجاورة لهم كانوا يعتنقون الديانة المسيحية، أي أن الأكثرية أعتنقت الإسلام. والواقع عكس ما يقول البروفسور حيث عاش الكورد طيلة تاريخهم الإسلامي بين الأقوام المسلمة والمجاورة لهم. كل هذا، من إعتماد البروفيسور الإتجاه الأول هو بهدف وصول إلى مبتغاه ليقول: "أما بخصوص الطوائف المسيحية الموجودة في المناطق الكوردية من الكلدان والأرمن والآثوريين هي طوائف تنتمي إلى أصل الكورد ولكنهم أعتنقوا الديانة المسيحية ولا يمكن فصلهم عن القومية الكوردية والتجمعات السياسية في كوردستان" (ص64). وهذا ما يحاول البروفيسور تأكيده في الصفحات الأخيرة من الكتاب بقوله "في الواقع أن الكورد قد أمتزجوا في تاريخهم مع المسيحيين وجميع المؤشرات التاريخية القديمة تثبت لنا أن قسماً من الكورد كانوا يدينون بالديانة المسيحية سابقا..(ص 266) ... ويتابع "ويجب الإشارة إلى أنه قد حصل إنقسام بين الكورد أنفسهم فيمن فضل البقاء في المسيحية ومن أختار الدين الإسلامي... فكانت مدينة دفين الكورية تمثلها غالبية كوردية ولكن مع فارق إنقسامهم ما بين الديانتين الإسلامية والمسحية ولعل هذا السبب كان واحداً من أقوى الأسباب التي فرضت التشتت القومي بيت الكورد" (ص 277). غير أن هذا الأمر يختلف ويتناقض مع الحقائق التاريخية لواقع الكورد والمسيحيين منهم الكلدان والأرمن والآثوريين، وهذا ما سنبينه في السطور القليلة القادمة.
المندلاوي يفتخر بأنه مؤرخ كوردي نشط وواسع الإطلاع والمعرفة خاصة بتاريخ أمته الكوردية، وهذا حق طبيعي له بما يدعيه. من هذا المنطلق فهو من المؤكد  قد أطلع على نتاج أكبر مؤرخين كوردين في تاريخ الكورد، لأنه يشير إليهما في كتابه السالف الذكر، وهما الأمير الكوردي شرف الدين خان البدليسي أمير إمارة البدليس الكوردية في منطقة وان شمال شرقي إيران في القرن السادس عشر الميلادي، وتحديدا كتابه الضخم المعنون "شرفنامه" الذي كتبه في عام 1596 ميلادية بالفارسية، وليس بالكوردية، ربما لأن الكوردية لم تكن لغة كتابة أو بالأحرى لم يكن للكورد لغة قومية مشتركة بين القبائل الكوردية، وهذا هو أول كتاب يؤرخ لأمراء الكورد والإمارات التي أسسوها والذي ترجم إلى عدة لغات ومنها العربية من قبل محمد جميل الملا أحمد الروزبياني، 2007 - الطبعة الثالثة  الصادرة من دار المدى للثقافة والنشر (سورية، لبنان والعراق). والثاني هو محمد زكي أمين بك، الذي كان وزيراً في الوزارة العراقية التي في عهدها أرتكبت مذبحة سميل بحق الآشوريين عام 1933، وتحديداً كتابه الموسوعي  "خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من اقدم العصور التاريخية حتى الآن -  (“(1880-1958 الذي طبع في القاهرة عام 1931 باللغة الكوردية وترجم إلى العربية وعلق عليه محمد علي عوني. ويعتبر هذا الكتاب من قبل الباحثين بأنه ثاني أهم مرجع في تاريخ الكورد بعد كتاب البدليسي. ولو حاولنا مقارنة ما كتبه المندلاوي عن علاقة الكورد بالآشوريين بشكل خاص والمسيحيين بشكل عام بما كتبه هذان المؤرخان الكورديان الكبيران سوف نرى المنهج الإنتقائي الإنتهازي الذي أتبعه المندولاي لتحقيق غرضه من دمج الآشوريين والكلدان في البوتقة الكوردية ويلجأ إلى نفس الأسلوب الإستبدادي الذي كان يمارسه نظام البعث تجاه الآشوريين في العراق في محاولة دمجهم في بوتقة الأمة العربية من خلال سياسته الإستبدادية في "إعادة كتابة التاريخ". فحاله كحال مؤرخي حزب البعث الذين كانوا يرتعبون من التسمية الآشورية ويلجأون إلى التسمية الأثورية بأعتبار هذه الإخيرة تسمية طائفية كما يفعل المندلاوي وليس لها علاقة بالآشوريين القدماء. لماذا يتنكر المندلاوي لجده الأكبر شيخ مؤرخي الكورد الأمير شرف الدين خان البدليسي بنكران ما كتبه هذا المؤرخ الكبير عن الآشوريين؟ فهو قبل ما يزيد عن أربعة قرون أشار إلى الآشوريين بقوله "كان إنئذاك – في زمن السلاطين الشراكسة (1382 – 1516) -  جمع كبير من رعايا دزي – يقصد ديز Dez – وهي منطقة أحدى العشائر الآشورية المستقلة والشجاعة ديز او دزناية -  من النصارى المعروفين بأسم – آسوري – وهي لفظة فارسية للآشوري – ويترجمها المترجم إلى الآشوريين (ص216). وهنا يقوم مترجم هذا الكتاب النابغ في التاريخ والديانات بوضع هامش رقم (17) ليشرح معنى الآشوريين ليعبر عن جهله وكراهيته للآشوريين بقوله "يعني بهم – يقصد الآشوريين - النساطرة المعروفين إلى يومنا هذا بأسم الطائفة الآشورية. وهم كما يدعي كثير من المؤرخين أكراد أعتنقوا الديانة المسيحية على يد نسطوريوس، وليسوا من بقايا الشعب الآشوري التاريخي" (ص228). وتتمثل قمة غباء هذا المؤرخ الكوردي في جهله المطبق بتاريخ الآشوريين الذين أعتنقوا المسيحية قبل أن يولد نسطوريوس بما يقارب ثلاثة قرون. ثم يعاود البدليسي الحديث مرة أخرى عن "الطائفة الأسورية" – أي الآشورية في منطقة حيكاري المعروفين في تلك الأصقاع بأسم سبديافان (ص614) من دون أن يعطي المترجم معنى لكلمة (سبديافان) أو يترجمها. وقد حاولت وبجهد معرفة معنى (سبديافان) الموصوف بها الآشوريين فلم أصل إلى نتيجة غير أنه في البحث القيم الميداني الذي كتبه نائب القنصل الروسي في أورمي (R.I.Termen) عام 1906 عن العشائر الآشورية في منطقة وان وحيكاري والمترجم إلى الإنكليزية والمنشور في مجلة (ملثا –Meltha) مجلد 2، عدد 2 لسنة 1996 (ص11) التي كانت تصدر من قبل النادي القومي الآشوري للمثقفين في روسيا، حيث يشير نائب القنصل الروسي في تقريره إلى كتاب البدليسي وللآشوريين بقوله "أن أسم أسوري المشتق من آشوري (أسريان – Assyrians) كان قائماً منذ سنوات طويلة في الماضي فأشار إليه المؤرخ الكوردي شرف الدين في القرن السادس عشر الميلادي  بأنه كان هناك في منطقة ديز قبيلة مسيحية عديمة الضمير ومجردة من المبادئ الخلقية، ويكتبها بالإنكلزية (Unscrupulous) وقد تكون ترجمة (سبديافان) بهذا المعنى وأن المترجم لم يترجمها من الفارسية خشية من الإحراج لما لها من معاني غير أخلاقية وغير مقبولة أدبياً. ولو بحثنا في أسباب هذه الشتائم والسباب التي نعت بها الآشوريين من قبل البدليسي سوف لا نجدها إلا في الأحباط الذي كان يصيب بعض القبائل الكوردية من جراء أندحارها في المعارك التي دخلت مع الآشوريين. وما يعزز هذا القول هو ما ذكره البدليسي بقوله "من سوء الحظ أن صادف في هذه الأونة أن أختلفت الطائفة الآسورية= الآشورية مع الأمير عزد الدين شير حاكم حزو=حظو، فنشب بينهما النزاع، وحادت هذه الطائفة عن طريق الأدب وشقت عصا طاعته ونزعت ربقة متابعته. فنهض عزالدين شير لتأديبهم وإخضاعهم بجيشه، ونضهت – أي يقصد الطائفة الآسورية عن أنفسها... وتأهبت للحرب والقتال وأستعدت للنزال وأعلنت عن جلادتها وبسالتها. فقتل في المعركة حسن علي وأخوه" (ص615)، وحسن علي وأخوه حسين علي هم من أبناء أمراء الكورد. من كل ما تقدم لم  نرى من شيخ المؤرخين الكورد البدليسي، رغم أنه ينعت الآشوريين بالطائفة، وهو المفهوم أو المصطلح الذي كان سائدة بين المسلمين في نعت غيرهم في تلك الفترة، لم نرى أية إشارة إلى أن الآشوريين هم من أصول كوردية أو هم آثوريين، هذه إشارة تاريخية من غير آشوري (كوردي) يؤكد بأن التسمية الآشورية كانت سائدة بين الغرباء في تلك الفترة ومنذ القرن الساس عشر الميلادي ولم تكن من مخترعات الأنكليز في القرن التاسع عشر كما يدعي بعض المارقين.
أما بالنسبة لكتاب المؤرخ الكبير الآخر، محمد زكي أمين بك الذي يعتبر أستاذ المؤرخين الكورد،  فان ما ذكره بخصوص علاقة الكورد بالإسلام وبالدين المسيحي يتناقض تماماً مع مزاعم البروفيسور في أعتبار الطوائف الكلدانية والأثورية والأرمنية من أصول كوردية. حيث يؤكد هذا المؤرخ الكبير بأن الشعوب الآرية وطبعاً منها الكوردية،  التي كانت تعتنق الديانة الزاردشتية  والمجوسية لم تلتف إلى هذا الدين الجديد، ويقصد المسيحية، ولم يثير اهتمامها لا بل ولم تفهم مغزاه  لذلك لم تنتشر المسيحية بينهم ولم تحقق نجاحاً كبيرا فيهم فبقوا بشكل عام كشعوب وأمم وحكام ودول أو إمبراطوريات محافظين على عقيدتهم الدينية، أي الزارادشتية والمجوسية (ص121)، ومن هنا وإستناداً على الحقائق التاريخية لأديان الشعوب يمكن القول بأنه لا يمكن لأي شعب من شعوب العالم أن يؤمن إيماناً قوياً وصادقاً بدين معين ويقدم تضحيات جسيمة في سبيله ما لم تكن السمات القومية والحضارية وعادات وتقاليد ومعتقدات وظروف هذا الشعب متوافقة ومنسجمة ومتكاملة مع هذا الدين. والعكس صحيح أيضا، عندما يتردد شعب من شعوب العالم اعتناق دين معين أو يرفضه أو يحاربه ويضطهد المعتنقين له ويرميهم في أتون النار أو يقطع رؤوسهم، فهذا لا يعني إلا أن هذا الدين الجديد القادم هو في تعارض وتناقض مع معتقدات وتقاليد ومبادئ هذا الشعب، لا بل هو تهديداً خطيراً لدينهم القائم أو لحضارتهم أو لسلطة حكامهم وبالتالي يستوجبه المنع والتحريم والمقاومة بشتى الوسائل. وبنظرة مقارنة بين المسيحية والآشوريين من جهة والكورد والإسلام من جهة أخرى، نرى بأنه منذ البداية وفي السنوات الأولى للمسيحية، نرى بأن الآشوريين أندفعوا إندفاعاً قوياً وبإيمان عميلق نحو المسيحية  فأعتنقوا هذا الدين الجديد لا بل  وأزهقوا أرواحهم وسيلوا دمائهم من أجل نشر رسالة الإنجيل في أقاصي بعيدة من الكرة الأرضية لأنه كان هناك توافقاً وانسجاماً بين المبادئ والقيم التي جاءت بها المسيحية وبين الحضارة الآشورية التي ورثت حضارات سومر وأكد وبابل. كما وأن العوامل الروحية والمادية من سياسية واقتصادية للشعب الآشوري شكلت عوامل أساسية وفاعلة في اندفاع الآشوريين نحو المسيحية واعتناقها بكل صدق وإخلاص وتفاني في سبيل نشر رسالتها إلى الشعوب الأخرى.  فالقصص والملاحم الواردة في الكتاب المقدس والمقتبسة من حضارة بلاد ما بين النهرين والإشارات الواردة فيه بخصوص الآشوريين  جعل الاهتداء إلى المسيحية سهلاً على الآشوريين لأن الكثير من تعاليم الكنيسة في عهدها الأولي كانت مماثلة لمعتقدات ديانة الآشوريين.

على العكس من هذا نرى بأن المسيحية كدين وثقافة لم تكن تتوافق مع السمات القومية والفكرية والإجتماعية للكورد لأن المسيحية  كانت بالنسبة لهم ديانة أو معتقد أو مفاهيم تتناقض مع معتقداتهم أو طبيعة حياتهم الاجتماعية والفكرية والسياسية، لا بل وجدوا فيها، وفي أحيان كثيرة، خطورة تهدد معتقدهم وتعرض كيانهم إلى الفتن والتحريض والمقاومة والانهيار لأنها كانت تتعارض مع ديانتهم الزرادشتية والمجوسية. في حين على العكس من هذا نرى بأن الكورد أندفعوا وبشكل قوي وبإيمان عميق نحو الدين الإسلامي وقاتلوا في سبيله وقدموا شهداء من أجل نشر الرسالة الإسلامية، وصلاح الدين الأيوبي غير مثال على ذلك. كل هذا لأن هذا الدين كان يتوافق مع أسلوب حياة الكورد وثقافتهم وفكرهم فكانوا يجدون فيه قوة لهم. وهناك أشارات كثيرة من البروفيسور المندلاوي بهذا الشأن ومنها ما يقوله معتمدا على كتاب شرفنامه، بأنه "يعتز الكورد بالإسلام ويتحمسون له ويحترمون العادات والتقاليد الإسلامية إحتراماً شديداً ويجدون في هذا الدين التوحيدي مصدر قوة لهم ويعتبر الكورد أكثر الجماعات تمسكاً بالدين الإسلامي تفهماً وتفقها له" (ص264). من كل ما تقدم يمكن القول بأن ما يقول البروفيسور المندلاوي بخصوص "كوردية" الكلدان والأرمن والآثوريين" هي بدعة أن لم نقل إستنساخ لفكر حزب البعث تجاه الأقليات العراقية ليس أكثر ولا أقل. ويُرجع البروفيسور قوة وصلابة الكورد بدينهم الآسلامي إلى كون "الكورد معروف عنهم بين شعوب آسيا الصغرى يميلون كثيرا إلى الحرب والإغارة (ص58)، وهي الصفات التي وجدوها في الدين الإسلامي وفي فتوحاته ولم يجدها في الدين المسيحي. ثم يواصل البروفيسور قوله "وقد أشتهر الكورد كشعب متميز دافعوا عن الثغور الإسلامية ومنعوا الأقوام الأخرى من إقتحامها، وجاءت هذه الشهر لقوتهم البربرية (ص102). صحيح هو ما يذكره البروفيسور عن علاقة الكورد بالدين الإسلامي ويؤكد بأن قوة إيمانهم وتمسكهم به والذود في سبيله إضافة إلى تركيبتهم الإجتماعية العشائرية الصلدة كانا عاملان مهمان في أهمال الكورد إهتماهم بمسألة بناء كيان قومي سياسي لهم، ولقد فصلنا نحن كثيرا في هذا الموضوع تحت عنوان (الدولة الكوردية ... حقيقة أم يوتوبيا). أنظر الرابط أدناه:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=149197.0
ولكن الغريب والعجيب في قول البروفيسور هو رغم أنه يلقي اللوم على قوة إيمان الكورد بالدين الإسلامي فأنه من جهة أخرى يقول "لو أعتنق الكورد الساكنين في مناطق كوردستان النصرانية لأصبح للكورد وطن ودولة ذات سيادة مثل بقية الأقوام الأخرى التي جاورتهم، إلا أن دخولهم في الإسلام وأستبسالهم بالذود عنه جعل النصارى يشعون بالخطر الحقيقي من قوة كيانهم الوحدوي (ص104). ولكن ألم يفكر البروفسور بالآشوريين الذين تحدث عنهم كثيرا  رغم إعتناقهم الدين المسيحي بأنهم لم يستطيعوا تشكيل كيانهم السياسي الخاص بهم وفق "نظرية" البروفيسور؟. ثم يواصل البروفسور موضوعه عن الكورد والدين الإسلامي فيرى بأنه كان النبي محمد عربي اللسان وبفضل الإسلام ونصرته في تنوير العرب ودمج القبائل العربية في أمة واحد وجعلهم، أي الإسلام، أمة واحدة متوحدة في حين على العكس من الكورد، يقول البروفيسور "لو بعث الله نبياً بلسان كوردي إلى الأمة الكوردية في نفس الحقبة الزمنية لتغير التاريخ كثيرا" (ص236). أي أنه يقصد بهذا لو كان النبي محمد كوردي اللسان لتوحدت القبائل الكوردية في أمة واحدة وتكون لها دولة قومية خاصة بها. ولكن الأمر الغريب والعجيب هو: إلا يعرف البروفسور بأنه في حقبة ظهور النبي كان هناك أمم مثل الفرس والترك والشركس وغيرها التي أعتنقت الدين الإسلامي ولكن أستطاعت تأسيس دولها الخاصة بهم. وكيف الحال مع أندنوسيا وماليزيا البعيدتان عن مركز إنبعاث الدين الإسلامي؟؟
على العموم يجب أن لا ننسى بأنه يجمع معظم المؤرخين على أن الكرد لم يكن معروفين للعالم كقوم لهم خصائص قومية متميزة إلا بعد اعتناقهم الإسلام ولم تبدأ بوادر هويتهم الكوردية بشكل واضح إلا بعد الفتوحات الإسلامية. فمنذ دخولهم الإسلام في العام العشرين للهجرة وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب شمل حالهم كحال بقية الشعوب الآرية حيث لم يؤسس العرب الفاتحون لبلدان هذه الشعوب مستوطنات سكانية، ربما بسبب اختلاف الطبيعة الجغرافية، بل تركوهم لحالهم محافظين على تقاليدهم وعاداتهم وخصائصهم القومية المتميزة طالما كانوا جنود أشداء في الدفاع عن الإسلام، وطالما كانوا مواطنون من الدرجة الأولى باعتبارهم جزء من أبناء الأمة الإسلامية ودولتها التي لم تكن تفرق بين العربي والأعجمي إلا بالتقوى. للتفصيل أنظر موضوعنا في الموقع الألكتروني المذكور في أعلاه.
خاتمة وإستنتاج:
----------
في رده المتشنج على منتقدي الكتاب يقول البروفسور بخصوص فهمه للتاريخ " أريدكم أن تفهموا جيداً بأن التاريخ أستطيع أن أوغل فيه قلمي وأحرث على صفحاته كيفما أشاء وبالشكل الذي اقتنع بحقيقته وصدقة ...فهو أي التاريخ لعبة لايتقن فن اللعب بأبجدياته ورموزة الا المتحرفين القادرين على أن يجعلوا منه طينة طيعة يكوروها ويشكلونها بالصورة التي يرونها هم لا غيرهم" هكذا  هو مفهوم البروفيسور للتاريخ  الذي ماهو إلا مهزلة خاضعة للأهواء والأمزجة ولعبة و طينة طيعة يشكلها كيف ما يشاء. من هذا المنطلق كتب البروفيسور كتابه حسب هواه ومزاجه لكي يخدم غرضه منه وبالتالي كان السمة الأساسية فيه المبالغة المفرطة والتناقضات الواضحة والتعمق في أصول وأعراق الشعوب القديمة وتكوير تاريخها كطينة في يده وبالشكل الذي يريده البروفيسور، ليس هذا إلا بهدف الوصول إلى تعزيز أصل الكورد وتجذيره في أعماق التاريخ بحيث تمادى في ذلك إلى سرقة أصول وأعراق وحضارات وتواريخ الشعوب الأخرى وإلصاقها بالكورد. وتظهر مبالغته المفرطة عندما يقول"لقد لعبت الهجرات المتعاقبة للأقوام الهندو-أوربية إلى أرض كوردا القديمة دوراً مهما في ترسيخ الكيان القومي للكورد على أرض كوردستان وأسهمت في خلق أعظم الإنجازات الحضارية وتأسيس أعظم الإمبراطوريات العسكرية التي عرفها الشرق القديم" !!!(ص38).
دعنا نعرض المزيد من هذه المبالغات المفرطة، خاصة والكثير من القراء لم يطلع على هذا الكتاب، الذي نفذ بسرعة رغم طبعه ثلاثون نسخة منه كما يقول البروفيسور. يبالغ وبشدة ويقول "للشعب الكوردي الذي يعد أقدم المجاميع البشرية التي عاشت على الأرض حضارة متميزة خاصة به على الرغم من أنه لم يحظ بالإهتمام الواسع والأسباب معروفة... فحضارته لم تكن مقتبسة من الأمم الأخرى بل كانت من ابداعاته والتي كانت تمارس مختلف الأنشطة والسلوكيات، وكان لها خصائص تميز حضارتها على أنها أصلية، لأنها تطورت عبر سلسلة من المراحل الحضارية المتصلة أي من الحياة البدائية (المراحل الأولى للخليقة) إلى أن أخذت شكلها وتبلورت عناصرها بكل ما تضمنت من مظاهر منها اللغة والدين والأخلاق والفنون بأنواعها والصناعة وكل ما تعلمه الإنسان الكوردي الأول ضمن إطار مجتمعه، (ص75) ... ويواصل فيقول "عندما نتكلم عن الجهد الإنساني للشعب الكوردي القديم نجده وافراً بالعطاء، والأثار التي تم الكشف عنها في مختلف المواقع الأثرية في المناطق التي تعد البيئة الحقيقية لاستيطان الكورد دلال على وجوده وتألقه الإجتماعي" (ص76). لا أدري عن أي مواقع أثرية يتكلم عنها البروفيسور، أهي تلك الأثار الآشورية المسروقة والمنسوبة إلى الكورد؟؟. ... ولكن نتسائل لماذا لم نسمع أو يسمع العالم عن الحضارة الكوردية؟ يجيب البروفسور ويرجع السبب إلى "طمس الحقائق التي مارستها الشعوب المجاورة للكورد حدت من إعطاء الصورة الواضحة للكشف لهذا الشعب بتركه دون وثائق ومستندات من أجل تهميش هويته الثقافية والحضاري (ص77). ثم يناقض البروفيسور نفسه ويقول "بالنظر لكون تاريخ الكورد طويل وعميق بتفاصيله شأنه شأن القوميات الأخرى فقد تنوع الإنسان الكوردي الأول بنشاطاته الفردية والإجتماعية حيث تركها على وثائق مدونة أو بقايا مادية .... وهنا يتبادر إلى الاذهان العديد من الأسئلة ومنها ... هل فعلاً تم التنقيب المباشر في بلاد كوردا القديمة وهل أسهمت كتابات المؤرخين والباحثين في إستكمال جوانب الشخصية الكوردية؟ وهل دونت الوثائق التاريخية التي تمثل الحقب والأدوار التي عاشها الكورد القدماء... وهل .. وهل (ص81-82) ... طبعاً في التحليل الأخير يلقي كل اللوم على الشعوب الأخرى التي هضمت الحضارة الكوردية ... ولكن ماذا بشأن الكتب والمراجع والناسبين الذين بحثوا ومجدوا تاريخ الكورد التي أشار إليها البروفيسور كثيرا وكثيرا؟؟؟ أليس هذا تناقض صارخ في سياق الكتاب والأفكار التي أوردها البروفيسور؟
 يذكر البروفسور بأنه كوردي قومي متحمس يحب قوميته الكوردية ويسعى جاهداً لخدمتها. ولكن خدمة ثقافة وتاريخ أبناء شعبه الكوردي يجب أن يقوم على الحقائق الواقعية وليس على الماضي السحقيق. وخدمة الشعب وثقافته يتم بالتعامل مع الواقع وليس مع الخيال والأماني النرجسية وسرقة تاريخ وحضارة الشعوب الأخرى. فالسياسة القومية لا تتعامل مع الخيال والأماني النرجسية والبحث في الأعراق والأنساب والأصول لتحقيق أمر واقعي أو هدف مبتغاة. لا أحد يستطيع أن ينكر بأن أقليم "كردستان" العراق ينعم، مقارنة مع بقية المناطق في العراق وحتى مع بعض الدول العربية والمجاروة، بنوع من الإستقرار والأمن وبهامش ديموقراطي وحرية الفكر والتعبير رغم كل الصعاب والتحديات من الدول أو الشعوب المجاورة. ولكن من جهة أخرى هناك بعض السياسيين والكتاب والمؤرخين الكورد، ومنهم البروفيسور المندلاوي، تأتي كتاباتهم وأفكارهم كمفسدة ومعكرة لهذا الواقع وذلك من خلال سرقة تاريخ وحضارة الشعوب الأخرى، خاصة الآشوريين منهم، وفبركة تاريخ طويل وعظيم ومبهر للكورد ومن خلال بنائه أو إرجاعه إلى أسس باطلة لا معنى علمي وموضوعي لها، لا بل وتتنافي مع أبسط أبجديات تاريخ المنطقة خاصة عندما يتم تضخيم وجود بعض القبائل والعشائر التي عاشت على هوامش بلاد آشور وإعتمادها كمصدر للأساس التاريخي لوجود الكوردي القومي في المنطقة. فبناء الحاضر على أسس تاريخية هزيلة لا تستقيم مع منطق التاريخ في البحث عن أصل الكورد، فهي مسألة لا تتماشي مع الوجود الفاعل للكورد في المنطقة. أتذكر بهذا الخصوص، إن لم تخونني الذاكرة، عن الواقع الكوردي وأصلهم التاريخي في المنطقة، مقابلة الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني (رحمه الله) مع أحد مراسلي الأجانب عندما سأله فيما إذا كان أصل الكورد من الجن والشيطان، فأجابه بما فحواه: أنا لا يهمني ما هو أصل الكورد وإنما المهم هو الواقع الذي نعيشه نحن الكورد فيه وهو الذي يثبت وجودنا القومي وليس الأصل. كان البارزاني قد أصاب كبد الحقيقة، فما فائدة النبالة والعظمة لأصل الشعوب إذا كان واقعها لا يلبي أبسط متطلباته ويحقق طموحاته. ليس هذا فحسب، فلو كان البروفيسور المندلاوي يعيش فكرياً وحضارياً في الأقليم والسياسات المتبعة سواء من قبل رجال الحكم أم السياسة، لأدرك بأن هناك إعتراف رسمي وشعبي وحزبي من قبل معظم القوى الكوردية الرسمية والحزبية بالتسمية الآشورية وبالكلدان ومن دون أي إشارة إلى أن أصولهم كوردية.
الملاحق:
----------
أدرج في أدناه ثلاثة ملاحق، أولاها (النص الكامل) لرد البروفسور على منتقدي الكتاب والذي يظهر فيه المستوى غير اللائق في رده على منتقدي الكتاب وعلى الآشوريين بشكل عام، والثاني كتاب شكر من مكتب الرئيس مسعود البرزاني إلى الدكتور المندولاي، والثالث هو لقاء المندلاوي مع وزير الثقافة والشباب في إقليم كردستان. وهذه الملاحق مقتبسة بالكامل من الموقع الرسمي لدار زهرة الرافدين.
الملحق الأول:
دار زهرة الرافدين للنشر والتوزيع
الرد على تعليقات كتاب تاريخ وحضارة الكورد - دار زهرة الرافدين للنشر والتوزيع
===========================================
أريدكم أن تفهموا جيداً بأن التاريخ أستطيع أن أوغل فيه قلمي وأحرث على صفحاته كيفما أشاء وبالشكل الذي اقتنع بحقيقته وصدقة ...فهو أي التاريخ لعبة لايتقن فن اللعب بأبجدياته ورموزة الا المتحرفين القادرين على أن يجعلوا منه طينة طيعة يكوروها ويشكلونها بالصورة التي يرونها هم لا غيرهم من الذين لا ينظرون أبعد من انوفهم.
وعندما تكلمت عن امة الكورد فلأنهم شعب استحق ماكتبة قلمي بجدارة وموضوعية أما بخصوص ما وردني من كلمات لامسؤولة ولا معقولة ولا منطقية فأني أرى فيها ضمناً الطائفية والجهل والسفاهة والبلاهه وعدم أحترام الرأي والرأي الاخر. .
1- عندما وضعت كما تقولون صورة فارس أشوري على غلاف الكتاب فهذا يعني بأن هذا الفارس المسكين قاتل وقدم نفسة ضحية من أجلكم لم يكن يعلم بأن نهاية أحفادة كما نراه اليوم يهربون من أرضهم أمام بضعة مئات من الارهابيين وشبابهم يتسكعون في شوارع أوربا يلبسون البنطلونات الضيقة كالنساء ويسدلون شعورهم على أكتافهم كالنساء ويحفون حواجبهم كالنساء ويتمايلون في مشيتهم كالنساء ويتكلمون بصوت ناعم كالنساء .... بينما نجد الكورد رغم كل ما لاقوه من ظلم وعدوان وتهجير وقتل وتهميش الا انهم بقوا صامدين ثابتين مدافعين عن هويتهم القومية بدمائهم الطاهرة .
فهل قدمتم مثلما قدمه أجدادكم ؟؟؟ سوى الهرب الى بلاد الغرب والتسكع في شوارعها والنوم في مخيمات اللاجئين البائسة تنتظرون معونات الذل والهوان من الاوربيين فبئس ماتقولون وما تتبجحون به وما تتهمون به الكورد ليست سوى أقاويل باطلة كاذبة ملفقة لايصدقها الا الاغبياء. ونسيتم أنكم كنتم تعيشون في كوردستان أرض السلام والمحبة والامان تتمتعون بكامل حقوقكم وتشاركون الكورد في ظل حكومة وطنية بل وأصبحتم تملكون من الاموال ما لايملكة الكورد انفسهم فكل مسيحي في كوردستان يمتلك بيتين أو ثلاث أو حتى أربعة وله من السيارات بعدد تلك البيوت ويحصل على كامل مستحقاتة الوظيفية الى جانب أحترام دور عباداته وتقالدية وطقوسة وللأسف تقولون بأن الكورد يضطهدونكم والحقيقة أنكم تعيشون في ظل أعظم ديمقراطية لم يتسنى للمسيحين ان عاشوا في ظلها فقد كان الاشوري أو الكلداني أيام حكومة صدام البائدة يكتب في ورقة المعلومات الامنية ( مسيحي - عربي ) أما اليوم في كوردستان العطاء والامل والوحدة والسلام يرفع صوتة ويقول أنا أشوري أو كلداني ليس هذا فقط بل أصبح له علم وفضائيات ومدارس وأعلام وصحافة مستقلة وحتى جامعات كل هذا في ظل الحكومة الوطنية الكوردية التي نقلت الى العالم أجمع أنها حكومة تؤمن بتوفير الحريات لكل الشعوب والقوميات والطوائف والمذاهب والاديان أنها حكومة الامن والقانون والسلام.
ونرجع الى موضوع الغلاف من جديد فسوف يتضح من خلال الموضوع الذي سأنشرةعلى شكل حلقات ضمن نفس السياق من يقرأه سيفهم مغزاة ومن لا يفهمة فهذا شأنه, وأنا تقصدت بوضع هذا الفارس الاشوري وبأستطاعتي ان اضع صورة أخرى لفارس كوردي عاش على أرض كوردستان وسأعطيكم الدليل تباعاً لمن يتابع الموضوع.
2- أما بخصوص أن الكورد غجر فهذا غير صحيح ومعلومة كاذبة بل هي مفهوم بعثي شوفيني وسأثبت ذلك بالادلة القاطعة.
3- الكورد ليسوا مجرمين بل هم أصحاب حضارة وتاريخ عريق
4- أما بخصوص عمر الامة الكوردية فالجاهل وحدة من لايعرف ذلك بل من لايختص بالتاريخ أو يفهم تاريخ الشعوب القديمة ولايجوز التكهن او الاتهام الا بتقديم الوثائق والمستندات والادلة وأنا قدمت في كتابي كل تلك الوثائق والدلائل والمستندات التي تؤكد أن تاريخ الكورد موغل في القدم الى أكثر من 10000 سنة .
5- أما الذي وصفني بالجاهل فهو في حقيقتة يحمل عقل جحش لا يحسن سوى الرفس وأكل الخس ولا يعيش الا في نجس.
6- هناك من يتحاذق ويتباهى بأنه يملك بعض الثقافة والعلم وأقصد هنا ( علم التاريخ ) وهو في حقيقتة لا يشم الا رائحة قدمة النتنة ونصيحتي له أن يقرأ جيداً ويستفاد من عبر التاريخ ومفهوم الحياة .
7- الكورد ليسوا أولاد الافاعي بل هم أولاد الاصل والفصل والحضارة والتاريخ والنبل والشهامة والكرامة والضيافة واللياقة والنيافة والذوق والاصالة الممزوجة بعبق التاريخ .وأعجب كل العجب من الاغبياء السذج الذين يصورون الكورد بأنهم سرقوا حضارتهم بينما هم يتفرجون على داعش الارهابي يحطم أثارهم وكنائسهم وبيوتهم ويحرقون كتبهم ومخطوطاتهم وفي الحقيقة أبشر هؤلاء السذج بأن حتى هذا التاريخ الذي يفتخرون به قد ضيعوه ولم يبقى لهم سوى كان وأخواتها .
8- أما صنفي أيها الابله الاحمق فهو ما أملكة من رصيد علمي لاتحظى به أنت ولا أبوك ولا عشيرتك فأنا ( بروفيسور) وهذا صنفي بين البشر فما هو صنفك ؟ لست سوى من باقيا بعض الحجر أو حمار من صنف أندثر أو ربما من ظهر فاسق تنحدر.
9- أبشر ياهذا فالتاريخ لعبتي وأنا العب بالقلم كالفارس الذي تتراقص على أصابع يده قبضة السيف فأن زدت بكلمات السفاهة سأزيدك طعنا بكلمات الحضارة والذوق والفن والادب والتراث الذي أستقيتة وتربيت علية على سجية اجدادي وهذا كلة بعيدا عنكم كل البعد .
10- ستبقى كوردستان كما كانت أرض الحضارات والمبادئ والقيم والاصالة ... أرض الفرسان والشجعان وأبطال الارض أرض الحكماء والعلماء ... هي هكذا كوردستان جنة الله على الارض .
=============================================
تعليق:

هذا الرد لا يحتاجها أي رد لأن مضمونه واطئ جدا ولا يستوجب النزول إلى نفس المستوى  غير أن نقول ما هكذا يا بروفيسور تكافئ الآشوريين الذي ساندوا وشاركوا وضحوا كثيرا بأرواحهم من أجل الحركة القومية الكوردية ومقاومة ظلم وإستبداد الأنظمة العراقية التي لم تكن تفرق بين آشوري أو كوردي في ظلمها وعدوانها عليهم.


الملحق الثاني:
كتاب شكر من الرئيس مسعود البرازاني إلى الدكتور محمد محمود المندلاوي
========================================
[img width=800 height=1131]https://3.bp.blogspot.com/-Ij_gR7er

87
الكلدان والآشوريون والسريان المعاصرون
وصراع التسمية - 3
===================================

أبرم شبيرا

عنوان هذا الموضوع هو لكتاب (الكلدان والآشوريون والسريان المعاصرون وصراع التسمية – تحليل سوسيولوجي) للإستاذ الأكاديمي الدكتور عبدالله مرقس رابي.
 
 
====================================================

في القسم الثاني من الموضوع تطرقنا إلى بعض الفصول من الكتاب، أنظر:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=914703.0

وفي هذا القسم الثالث نتطرق إلى الفصول المتبقية مع خاتمة بسيطة توصلنا إليها من خلال مطالعتنا على الكتاب. بدءاً بالفصل الرابع: (أسباب صراع التسمية – ص 136) التي يراها رابي هي المؤدية إلى الصراع، وهو لُب الموضوع وجوهره. فيفصلها رابي ويصنفها إلى أحدى عشر عاملا وتبين له بأنها في جميعها، معتمدا على تجربته الشخصية، متداخلة ومرتبطة بعضها بالبعض. ففي العامل الأول (ما يكتبه الكتاب) يرى رابي بأن معظم المؤلفات والمقالات والكتب كلها تقريباٌ تفتقر إلى البحث العلمي الصحيح وفي غالبيتها أما هي كتابات متأثرة بالأيديولوجية السياسية والتي "تشمل المقالات والمؤلفات التي كتبت من قبل  المنتمين إلى الأحزاب السياسية للأثنيات الثلاث" (ص 139)، وهذا أمر طبيعي برأينا لا غبار عليه، لأن معظم أحزاب العالم  تحاول تطويع أو تسخير أو تفسير كل ما يمكن من أجل أيديولوجية الحزب ولكن الواقع الحالي لأحزابنا السياسية غير ذلك. فمن الملاحظ بأن معظمها، خاصة الرئيسية والفاعلية، هي خارج إطار صراع التسمية، أن صح القول، بعد أن أتفقوا تقريباً على وحدة التسمية المركبة في "الكلدان السريان الآشوريين" فهم على العكس مما يطرحه رابي، أي هم عامل وحدة وتفاهم حول التسمية، على الأقل في المرحلة السياسية الراهنة وكمنهج أو أسلوب للمطالبة المنطقية بحقوقنا القومية، فهم ليسوا عامل في صراع التسمية.

ومن الكتابات التي تشكل عامل من عوامل صراع حول التمسية يجدها رابي في إفتقادها إلى الموضوعية والمنهجية أو هي كتابات مشوه كتبت من قبل غير الإختصاصيين (ص 140)، وهي حالة سبق وأن أشرنا إليها في القسم الأول من هذا الموضوع عندما ذكرنا بأن معظم الإختصاصيين والأكاديميين يبتعدون عن تناول مواضيع مهمة وساخنة على ساحتنا القومية وليس بالآمر الغريب أن تترك الساحة، خاصة الساحة الإنترنيتية السهلة الوصول إليها وإستخدامها، من قبل غير المختصين والتي معظمها هي "كتابات الهواة" كما بصفها رابي، والشاهد على ذلك الردود التي وردت على القسمين الأول والثاني من هذا الموضوع والتي في معظمها لا علاقة لها بصلب الموضوع. ويستمر رابي بخصوص هذه الكتابات فيقول "ساهمت بدرجة كبيرة في تشويه المفاهيم المرتبطة بالتسمية وخلقت نوعا من العقدة، وثم كان لها الدور الكبير في خلق الصراع الفكري المحتدم بين الأثنيات الثلاث" (ص 145). غير أن برأينا تأثير هذه الكتابات ليس بتلك الخطورة التي يذكرها رابي فهي لم تكن أكثر من كتابات آنية التأثير ولا نعتقد بأنه كان لها دوراً كبيراً ومؤثراً في تأجيج الصراع ولم يأخذها شعبنا، خاصة المعنيين بالأمر، مأخذ الجدية والإيمان بها.

 الدور الحاسم والفاعل في تأجيج الصراع على التسمية أن لم يكن الوحيد أو الرئيسي هو الكنيسة أو  كتابات رجال الدين وتصريحاتهم التي يشير إليها رابي (ص 145). ونشاطر رابي في هذا العامل المهم والحاسم في تأجيج الصراع حول التسمية سواء أكانت بمضمونها الديني أو تلبيسها بعباءة قومية. لهذا السبب يخصص رابي (23) صحفة للإشارة إلى هذه الكتابات والتصريحات.  فبعد سرد طويل عن الكتب والمواضيع التي كتبها رجال الدين (بحدود 30 كتاب ومقالة)، يقول رابي "وهكذا يبدو الغموض وعدم الدقة جلياً في إستخدام رجال الدين من الأثنيات الثلاث الكلدانية والأشورية والسريانية للمصطلحات التسموية الأثنية، حيث التناقضات فيما بينهم جميعاً، بين من هم أكليروس الكنيسة الواحدة أو عند الكاتب الواحد نفسه، مما يدل على إسهام هؤلاء في تنمية عقدة التسمية واثارة الصراع بين المهتمين بالشؤون القومية والأحزاب السياسية" (ص 167). وجزماً نعتقد بأن إختلاف رجال الدين حول التسمية أو "الصراع" حولها ما هو في جوهره ومضمونه إختلاف لاهوتي وإيماني لفروع كنيسة المشرق وليس قومي.

 وهنا إذا كان رابي ينصف كنيسة المشرق الآشورية بإشارته إلى كونها أكثر فاعلية في إنماء الشعور القومي الآشوري، فأنه من جانب آخر يستوجب الإشارة أيضا إلى أن لهذا الشعور جانب وحدوي قومي، خاصة في تصريحات مثلث الرحمات مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية السابق، الذي كان يصرح دائماً بأن أبناء الطوائف الكلدانية والسريانية هم جزء من الأمة الآشورية، أي أن هناك منهج نحو الوحدة القومية ووحدة التسمية، سواء أتفقنا مع قداسته حول التسمية الآشورية أم لا. وعلى العكس من هذا نرى في بقية بطاركة فروع كنيسة المشرق، فكل واحد منهم يؤكد على تسميته المفردة من دون أية إشارة إلى الوحدة القومية لأبناء فروع كنيسة المشرق ووحدة التسمية، سواء أكانت كلدانية أو سريانية. أي بعبارة أخرى قد يجوز لنا القول بأن رجال الكنيستين الكلدانية والسريانية لعبوا دوراً أكثر فاعلية في تأجيج الصراع ليس حول التسمية، خاصة بعد أن ألبست كل تسمية لباس قومي، وإنما أيضا في تأكيد الإختلافات وتجنب الإشارة إلى المقومات المشتركة بين "الإثنيات" الثلاث التي تؤكد في التحليل الأخير كونهم قومية واحدة رغم إختلاف تسميتهم وطائفتهم.

ثم يجد رابي في "الإعتماد على كتابات المستشرقين" عاملاً آخر من عوامل المؤدية إلى صراع التسمية لأنها لم تكن دقيقة وعلمية وبالأخص منها القديمة وذلك لعدم معرفة هؤلاء القادمين من الغرب بطبيعة البلد وحياة الشعب... فأصبحوا إلى حد ما سببا في تشويه المفهوم القومي والأثني لسكان بلاد النهرين... فكانت كتاباتهم سبباً في نشوء عقدة التسمية (ص170). وهكذا يستمر رابي في تبيان العوامل المؤثرة منها "الرجوع إلى التاريخ والإشتقاقات اللغوية" ويسرد وبشكل مفرط نوع ما في الرجوع إلى ما كتبه البعض عن هذه الأثنيات الثلاث، وكذلك في "إستخدام المنطق القديم في التحليل. ويسرف بصفحات في تفسير المنطق القديم والذي بإعتقادنا أطاله كثيراً وأخذه بعيداً عن جوهر الموضوع ولم يكن لها علاقة مباشرة مع صلب موضوع الكتاب. ويواصل رابي ذكر هذه العوامل حتى يصل إلى "الإنشقاق الكنسي" (ص 205)، حيث لم نجد فيه ما هو جديد عن المعروف في تاريخ إنشقاق كنيسة المشرق لذا يخصص رابي (4) صفحات فقط لهذا الموضوع الذي في رأينا الجازم كان، إي إنشقاق الكنيسة، العامل الرئيسي والحاسم في إختلاف التسمية بين أبناء الشعب الواحد، فكان هو "رأس البلوه" كما يقال. عامل مهم كان يجب على رابي أن يفصل أكثر عن هذا الدور وتحت نفس العنوان "الإنشاق الكنسي" وليس في مكان آخر، كما فعل في الصفحات السابقة.

وعلى نفس المنوال في "الأيديولوجيات السياسية" يسرف رابي بشكل مفرط في ذكر العشرات من الأحزاب السياسية ومنها أحزاب شعبنا لبيان دورها في صراع التسمية (ص209). في حين من المعروف بأن معظم أحزابنا هي صغيرة وليس لها أي دور مؤثرة لا على الساحة القومية ولا على مسألة صراع التسمية. بعكس حزبين أو ثلاثة منهم والتي هي أحزاب رئيسية وفاعلة ولها دور مؤثر على الساحة السياسية القومية ومنه موضوع التسمية. ولكن، كما سبق الإشارة إليه، بأن هذه الأحزاب هي خارج عملية صراع التسمية خاصة بعد أن أتفقوا جميعاً على التسمية المركبة (الكلدان السريان الآشوريون). وحسنا فعل رابي عندما أشارة إلى تطور موقف هذه الأحزاب بخصوص التسمية من التسمية المفردة إلى التسمية المركبة حسب تطور الأوضاع السياسية لأبناء شعبنا في الوطن.

يرى رابي في اللغة عامل آخر من العوامل الأساسية في تشويه الهوية الأثنية بالنسبة للأثنيات الثلاث بإعتبارها أحدى المقومات الأساسية للأثنية ... (ص225). يؤكد رابي أن كل أثنية تطلق على لغتها نفس تسمية أثنيتها، هكذا الحال مع اللغة الآشورية بالنسبة للآشوريين والكلدانية بالنسبة للكدان والسريانية بالنسبة للسريان، ولكن بالمقابل يجب أن ندرك الدور الفاعل للكنيسة في تسمية اللغة حيث كل فرع من فروع كنيسة المشرق يطلق على لغته بنفس تسمية كنيسته والذي هو بالأساس المصدر الأساسي لكل أثنية في تسمية لغتها. وعلى العموم، ونحن نتحدث عن الموضوعية والمنهج العلمي الذي يتبعه رابي في دراسته هذه، فإن الضرورة تفرض علينا، مهما كانت أثنيتنا وإنتماؤنا الكنسي القول بأن "السريانية" هي التسمية الشاملة للجميع والمعترف بها دوليا وفي جميع البحوث والدراسات اللغوية، سواء قبلناها أم رفضناها، كما هي التسمية المعتمدة رسمياً سواء من قبل الحكومات أو من قبل أحزابنا السياسية النشطة والفاعلة على الساحة القومية، خاصة المشاركة في هياكل النظام العراقي. كما هناك الكثير من المؤسسات والأكاديميات ومدارس وجمعيات وإتحادات وبنفس التسمية السريانية. ومن الملاحظ بأن بعض "المتطرفين" من الآشوريين يصرون على أن الأسم الصحيح لهذه اللغة هو آشورية وليس سريانية، جاهلين أو متجاهلين المعنى الحقيقي للسريانية أو السرياني.

وهكذا إذا تجاهلنا التعليق على العوامل الأخرى التي يذكرها رابي من تداخل المفاهيم المرتبطة بالقومية والإعلام ونصل إلى عامل الترسبات التاريخية السابقة للحكومات والأمية الحضارية للعراقيين عن الأثنيات الثلاث نرى بأن رابي يتناقض مع الواقع الحالي للأعضاء البرلمانيين. إذ يقول "فعلى سبيل المثال العمل الإنفرادي لأعضاء البرلمان الممثلين للأثنيات الثلاث، وتناقض تصريحاتهم بشأن مسألة الحكم الذاتي ومسألة حماية أبناء الأثنيات الثلاث في سهل نينوى وإختلافهم في الميل نحو الحكومة المركزية أم حكومة الإقليم، كل هذه النتائج لعبت دورا مهما في تنمية عقدة التسمية وثم الصراع الفكري بينهم، لأنها جعلت الأحزاب والقادة ينشغلون بالمصالح الشخصية تأثراً بطبيعة النظام السياسي غير المتستقر، ومن الجانب الآخر فشلوا في توحيد خطابهم. فالإتفاق على الخطاب والمواقف الموحدة ستكون سبيلاً مساعداً بدرجة كبيرة على التخفيف من حدة الصراع حول التسمية" (ص 235). للحق أقول حاولت أن أفهم هذه الفقرة ومن جوانب عديدة لم أجد أية دلالة واضحة مباشرة أو غير مباشرة عن دور الممثلين البرلمانيين في عملية الصراع حول التسمية. صحيح هو ما ذكره رابي بالإختلافات والتناقضات التي بينهم ولكن لاعلاقة لها بالتسمية إطلاقا لأن جميعهم متفقين على التسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريون". وإذا تركنا عامل التفاوت في الوعي القومي بين الأثنيات الثلاث بدون تعليق، نرى في عامل التعصب والحقيقة بأن رابي يفرغ كل مخزونه الأكاديمي ومعارفه في هذا الحقل بشرح مفصل وصل إلى (10) صفحات لمجرد أن يبين تأثيره في عملية صراع التسمية، وهو أمر لم نجده ضروري في هذا الشرح المفصل الذي "أكل" صفحات طويلة من الكتاب.   

عامل مهم آخر يذكره رابي في صراع التسمية وهو (التفاوت في الوعي القومي بين الأثنيات الثلاث(  - ص 235 - مؤكداً بأن الآشوريين سبق الكلدان والسريان في مسألة الوعي القومي والتحفيز وإثارة المشاعر القومية، مع أشارة بسيطة إلى دور السريان والكلدان في هذه المسألة، في حين يجب ذكره بأن معظم إن لم يكن جميع رواد الفكر القومي والتوعية القومية كانوا من أتباع الكنائس السريانية والأرذثوكسية والكلدانية وأعلنوا قولاً وفعلاً إنتمائهم الصميمي إلى القومية الآشورية وبعضهم أستشهدوا في سبيلها. بعكس الكلدان والسريان اللذان لم يظهر مثل هذا الوعي فيهما إلا بشكل متأخر. ويرجع رابي سبب سبق الآشوريين في الوعي القومي إلى عدة عوامل منها ظهور الأحزاب القومية السياسية والإضطهادات التي تعرضوا إليها، ثم يرى رابي في التنشئة الإجتماعية للآشوريين عامل آخر في هذه المسألة خاصة تسمية أبنائهم بأسماء تاريخية وقومية وهي التنشئة التي غابت عن السريان والكلدان وكذلك كان الإعلام الآشوري عامل آخر في تنمية الشعور القومي الآشوري.  ودور رجال الدين الآشوريون كان له من الأهمية أكثر بكثير من رجال الدين الكلدان والسريان الذين أبتعدوا تقريباً عن هذه المسألة. هذا ناهيك عن طرح الآشوريين قضيتهم على المحافل الدولية. فكان على رابي بعد ذكر هذه العوامل أن يؤكد على طغيان التسمية الآشورية على السطح السياسي ليس لمجتمعنا بل على الساحة العراقية أيضا خاصة منذ الربع الأول من القرن الماضي، وأبتعاد الكلدان والسريان عن الآشوريين وتجنب التسمية نهائياً خاصة أثناء مذبحة سميل وما أعقبها من نتائج سياسية وقانونية وإجتماعية وديموغرافية على الآشوريين، وقد فصلنا في هذا الموضوع في كتابنا المعنون (عقدة الخوف من السياسة في المجتمع الآشوري – دراسة سوسيوسياسية في السلوك القومي الآشوري).

يعود رابي مرة أخرى ليفرغ جعبته الأكاديمية عند التفصيل في (التعصب والحقيقة – ص 240) كعامل مهم وكبير في تأجيج صراع التسمية وسبب أساسي لنشؤئها والذي هو الآخر مرتبط وناتج عن تفاعل العوامل السابقة. ولكن من الملاحظ بأن مثل هذا التعصب لم يكن فاعلاً أو ظاهرا على السطح إلا بعد عام 2003 وبداية تأسيس الكلدان والسريان لأحزابهم السياسية ومنظماتهم المختلفة، فأزدحمت الساحة السياسية لشعبنا بأحزاب متنافسة أو متناحرة وحتى بنشاطات غير دينية لفروع كنيسة المشرق من أجل الحصول على موقع أو مكسب من هنا أو هناك، أما التعصب قبل عام 2003، وإن كان، فهو طائفي أوعشائري أو قريوي ولم يكن قومي.

وفي الفصل الخامس (تداعيات صراع التسمية - ص249- ص273)، يرى رابي بأن "أهم وأبرز تلك النتائج والتداعيات والتي تم أستقراؤها هي الأخرى من الواقع السياسي للأحزاب السياسية والعلاقات القائمة بينهم من جهة ومع الأحزاب الأخرى والحكومة العراقية وإقليم كردستان من جهة أخرى، وما توصلت من تحليل نُشر في عهود سابقة والتركيز على ما نشر في السنوات العشرة الماضية من قبل المفكرين والمهتمين بالشؤون القومية" حيث يرى رابي هذه التداعليات في: أولا: مسألة تعاطي الحكومات مع الأثنيات، وثانيا: تشتت العمل السياسي، وثالثا: فقدان الثقة بالأحزاب، ورابعاً" الإحباط في نيل حقوق الأثنيات الثلاث، وخامساً: التأثير في العلاقة بين رجال الدين والعلمانيين، وسادساً: التأثير على الوحدة الكنسية بين الكنائس المشرقية، وسابعاً: تسمية اللغة، وثامناً: الجدال الفكري العقيم، وتاسعاً: التهميش، وعاشراً: الإضطهادات المتكررة والهجرة. فكل هذه النتائج أثرت بشكل مباشر على مجتمعنا لتخلق نوع من خيبة ألأمل في التفاهم والثبوت على تسمية موحدة، فإنتاب جميعهم الشعور بالتشاؤم والإحباط. وهنا من الضروري أن نذكر بأن مثل هذا الشعور لم يكن ظاهرا وفاعلاً إلا بعد عجز أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية وكنائسنا من الصمود أمام التحديات المميتة التي نتجت من جراء جرائم داعش الإرهابي وتحقيق الحد الإدنى من المطالب القومية خاصة بعد أن أعطت الحكومتين المركزية والإقليمية آذان صماء لهذه المطالب.

يرى رابي بأن الحكومات تعاملت مع "الأثنيات الثلاث" على أساسي ديني وعدم التعاطي معهم على أساس أثني أو قومي وأعتبرتهم كمسيحيين، وإذا كان وبحق يرجع رابي سبب ذلك إلى عدم إتفاق الأثنيات الثلاث على تسمية موحدة، ولكن من جهة أخرى يجب أن لا نرمي كل ذلك على عدم إتفاق الأثنيات الثلاث على تسمية قومية موحدة لأن بالأساس والجوهر هذه الحكومات لا تعترف بالجانب القومي لهذه الأثنيات حيث هناك مسائل مهمة ومصيرية مشتركة بين هذه الأثنيات لا علاقة لها بالتسمية ولكن الحكومات تتجاهلها ولم تعطي لها آذان صاغية، والأمثل كثيرة في هذا السياق. يعود رابي مرة أخرى ليؤكد بأن صراع التسمية كان سبب في التشتت السياسي، وهذا أمر لا يمكن أعتباره شاملاً ومطلقا حيث كما سبق وأن ذكرنا بأن الأحزاب الرئيسية والفاعلية متفقة على التسمية المركبة الموحدة، فإشارة رابي إلى بعض الأحزاب التي تتمسك تمسكاً مستميتاً بالتسمتها المفردة، هي أحزاب هامشية صغير التي لا دور فاعل لها على الساحة السياسية ولا في التشتت السياسي. أما بخصوص فقدان الثقة بالأحزاب السياسية فمرجعها الأول والأخير ليس التسمية وإنما عجزها عن تحقيق الحد الإدنى من المطالب القومية ولهوثها نحو المصالح الشخصية والخاصة.
يضع رابي الأصبع على جرح التسمية عندما يؤكد دور فروع كنيسة المشرق في تأجيج الصراع التسموي الناجم من خلال التمسك كل فرع بتسميته الكنسية والتي كان لها أثر أيضا في عدم الإتفاق على تسمية لغة هذا الشعب. في الحقيقة أستغرب من ربط رابي صراع التسمية بالإضطهات المتكررة والهجرة حيث يرى بأن عدم الوحدة في التسمية إدى إلى تشتت القوى والإمكانيات التي تمتعت بها هذه الأثنيات، لا أدري عن أية إمكانيات يتحدث رابي في مثل هذه التحديات المميتة والتي يشرحها بشكل مفصل من دون أن يكون لها تأثير على موضوع الكتاب في صراع التسمية، على العكس من هذا حيث كان لهذه الإضطهادات خاصة في المرحلة الداعشية نوع من التأثير أنعكس في تضامن الأحزاب، خاصة  الكبيرة والفاعلة وقيام بعض التحالفات، مثل تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية الذي نخرت المصالح التحزبية بجسمه وشلته، وفي تقارب فروع كنيسة المشرق أو الكنائس العراقية وتشكيل مجلس الطوائف المسيحية في العراق.
على الرغم من أن الفصل السادس (نحو معالجة سوسيولوجية توفيقية – ص 274 – ص 306) فيه الكثير من المفاهيم الفلسفية والسوسيولوجية عالج رابي بعض الوقائع بموجبها، فأنني وجدت من الصعب الدخول في تفاصيلها سواء عجزي عن فهمها أو تجنب إطالة الموضوع. حيث ورد في هذا الفصل الكثير من المفاهيم والأفكار التي تم التطرق إليها في الصفحات السابقة، لا بل بعضها تزيد شرحاً وتفصيلا وبعضها الآخر تؤكدها، وهي مسائل أتركها للقارئ اللبيب عند إقتناءه للكتاب وقراءته، فأكتفي بهذا القدر لإختم هذه الصفحات المطولة بخلاصة وإستنتاج:

خلاصة وإستنتاج:
عبدالله مرقس رابي، إستاذ أكاديمي يحمل شهادة الدكتوراه في فلسفة علم الإجتماع وكان أستاذا في الجامعات والمعاهد العراقية، وهو من أحد أبناء شعبنا الذي كرس معارفه في المهجر في دراسة أوضاع مجتمعنا السياسية والقومية والإجتماعية، في الوقت الذي هناك العشرات من أبناء شعبنا، خاصة في المهجر، الذين يحملون شهادات عليا وفي إختصاصات مهمة ويعيشون في أجواء ديموقراطية توفر كل مستلزمات حرية الفكر والبحث ولكن هم منزويون في زوايا بعيد عن أحوال شعبنا ويعملون في مجالات مختلفة، إن لم يكونوا عاطلين عن العمل ومعتمدين على المعونات الحكومية. صدقني عزيزي القارئ كنت أعرف صديق في أحد بلدان المهجر كان يحمل شهادة الدكتوراه في الاثار ولكن كان يعمل سائق تكسي، والآخر كان يحمل شهادة دكتوراه في الفلسفة وكان يعمل في محل بيع أشرطة الفيديو وغيرهم كثر، مع التأكيد المشدد بأن العمل ليس عيبا أبداً، بل الحسرة هي أن تكون مثل هذه الكفاءات الأكاديمية بعيدة عن أمتنا وبالتالي هي خسارة لها. وفق هذا الواقع، أليس من الحق والعدل أن نشكر رابي عبدالله ونثمن جهوده في الكتابة والبحث في شؤون هذه الأمة، علما بأنه ليس لي صلة قرابة به ولا مصلحة لي معه غير أنني أعرف بأنه كلداني وأنا آشوري ولكن ... نعم... ولكن... كلانا ننتمي صميمياً إلى أمة واحدة.

أما بخصوص الكتاب موضوع البحث، أؤكد مرة أخرى بأنه رغم علميته وأكاديميته فهو مسبه ومطول وعميق في مسائل قد تكون غير مفيدة في المرحلة التي تمر بها أمتنا خاصة فيما يتعلق برغبة أبناءها في المزيد من القراءة وتحديدا المطولة والمسبهة وفي صعوبة تخصيص الوقت الكافي للقراءة، لهذا كان من المفضل أن يتجنب رابي بعض الشروحات والمقدمات المطولة ويقتصد في صفحات الكتاب ليكون أسهل للقراءة والإستفادة منه. صحيح هناك بعض المفردات والمصطلحات التي ذكرها رابي لا نتفق معها مثل الإشارة إلى "الأثنيات الثلاث" عند التطرق إلى أمتنا، ولكن لو لاحظنا بين طيات الكتاب سنجد هناك أشارات مباشرة أو ضمنية بأن هذه الأثنيات الثلاث تشكل قومية واحدة رغم إختلاف التسمية بينهم فالمقومات المشتركة هي الأساس التي تؤكد بأننا أمة واحد. وأخيراً أعيد وأكد شكرنا وتقديرنا لرابي عبدالله على جهوده المضنية في سبيل هذه الأمة، ومن يعتقد بأن ما كتبه في هذه الصفحات هو ترويج للكتاب فأقول نعم وألف نعم لأن مثل هذا الجهد يستوجب الإشارة إليه ليكون سبيلا نحو أيدي أبناء شعبنا.
                                   

88
الكلدان والآشوريون والسريان المعاصرون
وصراع التسمية - 2

=============================================================
أبرم شبيرا
عنوان هذا الموضوع هو لكتاب (الكلدان والآشوريون والسريان المعاصرون وصراع التسمية – تحليل سوسيولوجي) للإستاذ الأكاديمي الدكتور عبدالله مرقس رابي.
 
====================================================
من حيث المضمون:
-------------
في القسم الأول تطرقنا إلى الكتاب من حيث الشكل، أنظر رابط:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=913528.0

وقبل أن نتطرق إلى مضمون الكتاب، أود المباشرة أولاً بتقديم إعتذاري الشديد للقراء الأعزاء عن تأخري في نشر هذا القسم وذلك للأسباب: أولا: سفري إلى بغداد وضرورة اللقاء ببعض الأصدقاء الإعزاء هناك. ثانيا: تعرضي إلى وعكة صحية بسيطة. وكذلك أود الإشارة هنا بأنه بسبب غزارة موضوع الكتاب فقد وجدت بأن القسم الثاني الذي سيعالج مضمون الكتاب سيكون طويلاً وربما مرهقا وفي بعض الأحيان صعب الإستيعاب لذلك تركت بعض من الصفحات إلى القسم الثالث ليكون أسهل على القراء الأعزاء، علما بأن هنا في هذا القسم إشارات وتعليقات على بعض الأفكار التي طرحها رابي في الصفحات الأخرى اللاحقة من الكتاب والتي ستكون مفصلة أكثر في القسم الثالث.
من حيث المضمون:
-------------
في هذا القسم الثاني، من حيث المضمون، هو الأهم من حيث الأفكار والطروحات التي يطرحها رابي حول مسألة التسمية القومية لشعبنا، وسنحاول بقدر المستطاع المسك برأس الخط والتواصل به حتى خاتمته رغم الصعوبة التي وجدتها في الربط بين المفاهيم العلمية والمناهج الأكاديمية التي أستخدمها رابي وبشكل مفصل ومبالغ فيها بعض الشيء، وبين الوقائع القائمة في مجتمعنا خاصة موضوع البحث في مسألة مهمة كصراع التسمية.
مضمون الكتاب شائك ومعقد عولج وهو على صفيح ساخن يحتدم حوله الإختلافات والأراء، وعلى العموم في الكتاب جوانب إجابية كثيرة ويكفي طرح مثل هذا الموضوع الساخن أن يكون بادرة مثمرة يتطرق إلى جوهر إهتمام شعبنا متعلق بموضوع وحدتنا، على الأقل من الناحية الشكلية والتسموية، التي هي أحدى سبل نيل حقوقنا القومية في الوطن. هذه الإشارة الإيجابية لموضوع الكتاب الذي يتم تناوله ولأول مرة من قبل أستاذ في علم الإجتماع وبشكل منهجي وموضوعي نادراً ما نجد مثيلاً له، يجعلني أن لا أغوص في هذه الجوانب الإيجابية للكتاب ويتصوره البعض كأنه إطناب ومجاملة لزميل وصديق عزيز علينا، فأتركها  للمهتمين بالموضوع لكي يقتنوا نسخة منه ويطلعوا عليه، وسأكتفي ببعض الجوانب القائمة على النقد البناء وذلك تلبية لطلب رابي في هذه المسألة ومن وجهة نظري الشخصية حول الموضوع، معتقدا بأن أستاذنا رابي لو كان قد تجنبها لأكتملت الفائدة أكثر فأكثر لأبناء شعبنا المهتمين بهذا الموضوع الساخن، خاصة ونحن نعرف جيداً بأن الكثير من أبناء شعبنا لا يرغبون قراءة الكتب الكبيرة والضخمة ولا المواضيع الطويلة فكان من الأجدر أن يكون حجم الكتاب أقل مما هو عليه عن طريق التركيز والإقتصار على جوهر الموضوع من دون أن يكون له مداخل وتمهيدات كما هو في الفصل الأول (الإطار المفاهيمي) والفصل الثاني (التطور الحضاري في بلاد النهرين) اللذان أخذا صفحات كثيرة من الكتاب.
فلو لاحظنا الفصل الأول (الإطار المفاهيمي) نرى بأن معظم المفاهيم والمصطلحات التي ذُكرت هي كغيرها من المفاهيم ومصطلحات العلوم الإجتماعية تتعدد وتختلف وتتضارب حولها التفسيرات حتى يصعب الوصول إلى مرتكزات مشتركة خاصة عندما تترجم من اللغة الإنكليزية إلى العربية. فلا زال يصعب على العرب التفريق بين (Nation) و (Nationalism) فالأول هو حقيقة موضعية وواقعية تعني (قوم) أو مجموعة من الناس تجمعهم مقومات مشتركة، أي هي الموضوع، أما الثاني فهو حالة فكرية وذهنية وأيديولوجية للأول، أي هو الذات، وكلا الجانبين الموضوع والذات يشكلان جانبي الظاهرة الإجتماعية. وهكذا الحالة مع (Social) و(Socialism) أو(Capital) و(Capitalism) أو (Buda) و (Buddhism) والحال ينطبق أيضا على (Assyrian) و (Assyrianism) أو (Chaldean) و (Chaldeanism). ففي الإنكليزية عندما تدخل (ism) على الأسم يتحول من الحقيقة الى الفكر أي من الموضوع إلى الذات وينعكس في الوعي القومي الآشوري أو الكلداني أو السرياني المتمثل في الأحزاب والمنظمات القومية. هذا المفهوم في تحول الموضوع (الحقيقة الموضوعية) إلى الذات (الفكر والأيديولوجيا) هي مسألة فلسفية عويصة كان الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط (1724 – 1804) قد تطرق إليها. ثم جاء كارل ماركس (1818 – 1883) فطور هذا المفهوم في دراساته عن الطبقات الإجتماعية وتحديداً الطبقة العاملة وفي مسألة تحولها من الموضوع إلى الذات والتي تعرف أيضا التحول من (بالذات) إلى (للذات)، أي تحولها من الحقيقة الواقيعة إلى الحالة الفكرية والذهنية التي تتمثل في وعي العمال وحزبهم السياسي. هذا الموضوع مهم جداً في تطبيقه على الآشوريين والكلدان والسريان لتبيان حقيقة تحول الآشوريين من (الموضوع) إي (Assyrians) إلى الذات أي (ِAssyrianism) وبشكل مبكر قبل غيره من الكلدان والسريان. موضوع يستحق معالجة مفصلة، نتركها لفرصة أخرى. 
تداخل هذه المفاهيم مع بعضها والتفسيرات المختلفة حولها هي الحيرة التي ذكرها رابي في أستنتاجه في نهاية هذا الفصل مؤكداً بأنها "مفاهيم غير موحدة في الميدان العلمي وأنها متداخلة مع بعضها في معانيها ومقاييسها وتتباين في إستعمالاتها ومضامينها ومكانياً فليس لها وضوح تام" (ص49). لهذا كان يستوجب عدم تضمينها في الكتاب بهدف التقليل من صفحاته العديدة، أو على الأقل ذكر تلك التي لها علاقة مباشرة بموضوع الكتاب. بل كان من الأجدر الإشارة  وبشكل مفصل إلى بعض المفاهيم والمصطلحات التي تخص شعبنا بالصميم مثل (الأقلية) و (المكون المسيحي) و (الشعوب الأصلية)، وهي المفاهيم المتداولة في العراق ولها إنعكاسات سلبية في ثقافة وفكر الكثير من السياسيين والمثقفين العراقيين بشكل عام والكلدان والسريان والآشوريين بشكل خاص. فالأقلية (Minority) مفهوم أو مصلح سياسي قانوني دولي معترف به ومدرج في الكثير من المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية، (أعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية وإلى  أقليات دينية ولغوية لعام 1992 – مثال على ذلك)، ولكن طبقاً للعقلية العربية ومنها عقلية سياسيي شعبنا فأنه أعطي لهذا المفهوم معاني في الدونية والإستخفاف والتحقير للمجموعة الأصغر من الشعب لهذا تجنبوا أستخدامه فأضطروا إلى اللجوء إلى مصطلحات أخرى مثل (المكون المسيحي)، وهو مصطلح أمره غريب وعجيب في العلوم الإجتماعية، فهذا المصطلح يصلح للعلوم الفيزيائية والكيميائية وليس للعلوم الإجتماعية خاصة العلوم السياسية وعلم الإجتماع السياسي، ولكن مع هذا فهو من أكثر المفاهيم المتداولة على الساحة السياسية العراقية لأنه نتاج الوضع السياسي الطائفي والمذهبي للنظام السياسي العراقي ولفكر وأيديولوجيا رجال الحكم والسياسة، وهو الأمر الذي يفضله رجال الدين المسيحي. من هذا المنطلق جاء مفهوم "الكوتا المسيحية". ولا ننسى أيضا عجز شعبنا من الوصول إلى التسمية القومية الموحدة كان سبباً آخر لتبني "الكوتا المسيحيه". (جفيان شر تعدد التسميات). أما مصطلح (الشعوب الأصلية  (Indigenous People - الذي يستخدم من قبل بعض مثقفي وكتاب شعبنا فهو الآخر لا ينطبق على شعب له حضارة وتاريخ ويعيش حياة حضرية كشعبنا بل بالآساس صدر القرار الأممي الخاص بالشعوب الأصلية للحفاظ على وضع وظروف الشعوب التي تعيش في بيئتها الطبيعية الأصلية كشعب الآمازون وهنود الحمر في الأمريكيتين الجنوبية والشمالية وشعب الأسكيمو في كندا والأوبرجين في أستراليا، وهو موضوع سبق وأن كتبنا عنه. فهناك قرارات وتوصيات دولية تخص حقوق الأقليات القومية والدينية فالأجدر بسياسي شعبنا أن يعتمدوا عليها بدلا من قرار الشعوب الأصلية. هذه المصطلحات السياسية القانونية كان يستوجب ذكرها في الكتاب وتحليلها ومدى إنطباقها على شعبنا في العراق ومدى إمكانية إستخدامها في تأطير التسمية القومية لشعبنا.
أما في الفصل الثاني (التطور الحضاري في بلاد النهرين) والذي يذكر رابي عشرين "حضارة" فأنه أدرج هذه الحضارات، بشكل مختصر دون التفاصيل، لتكون مدخل تاريخي لموضوع الكتاب، كما يقول ذلك رابي (ص 52). فإذا كان هذاصحيحاً من حيث المنهجية العلمية في البحوث والدراسات فإنها من جانب آخر وطبقاً للمستوى الثقافي والإهتمام التاريخي لأبناء شعبنا ومعرفتهم بالكثير عن هذه الحضارات فأنه برأيي الشخصي كان من الممكن تجنبها والإقتصاد في صفحات الكتاب الكثيرة، خاصة وأن الكثير من هذه الحضارات والشعوب التي ذكرت ليس لها علاقة بشكل أو بآخر بجوهر موضوع الكتاب. وفي خاتمة الفصل يذكر رابي "تأثير التواجد الحضاري واللغوي المتنوع على سكان بلاد النهرين وما علاقة هذا التنوع بالآشوريين والكلدان والسريان المعاصرين"، في حين أعتقد بأن تأثير هذه الحضارات التي كانت قائمة قبل عشرات القرون على الآشوريين والكلدان والسريان المعاصرين يصعب إدراكه، فالتأثيرات التي أثرت على هذه المجموعة لا يمكن أن يكون لها مفعول مباشر وعميق وذلك بسبب تقادم الزمن. بل أن أكثر التأثيرات تأتي من فترة الظروف التي مرت بها هذه المجموعة خلال خمسة أو ستة قرون ولا أكثر، خاصة في مرحلة الإنشقاق في كنيسة المشرق وتأثيرات البعثات التبشيرية الغربية في بلاد النهرين، وهذا ما يشير إليه رابي في الصفحات اللاحقة من الكتاب. وحتى مثل هذه التأثيرات لم تكن على التسميات الثلاث كأثنية التي نعرفها في هذه الأيام، بل كانت بالأساس على المسيحيين وأتباع كنيسة المشرق وبالتالي أصبح كل فرع من فروع كنيسة المشرق مصدراً للإنتماء الجمعي وتحديد الهوية أو التسمية من خلال الإطار المؤسساتي الكنسي خاصة في دولة إسلامية. أي بعبارة أخرى كانت تسميات طائفية أكثر من أي شيء آخر خاصة في الفترة العثمانية التي أطرتها بنظام "الميليت" وقننتها بتسميات طائفية، ونحن نعرف بأن كلمة (ميليت) التركية تعني شعب أو قومية وهو الأمر الذي زاد الطين بلة. كما يجب أن لا ننسى تأثيرات نشؤ الفكر القومي ومبدأ القوميات وحق تقرير المصير في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وبشكل مختلف ومتفاوت على كل مجموعة من المجموعات الكلدانية والسريانية والآشورية والتي برزت بشكل واضح في الفترات اللاحقة وأنعكس ذلك في حركة قومية أو أحزاب سياسية كما كان الحال مع الآشوريين. فتدخل الكنيسة في السياسة، كما كان تدخل كنيسة المشرق الآشورية وبطريركها، عاملاً مهماً ومؤثراً في تعزيز وطغيان الأسم الآشوري على الحركة القومية لشعبنا ونشوء أحزاب سياسية آشورية شاركت مع بقية القوى السياسية العراقية في العملية السياسية سواء قبل عام 2003 أو بعده، مما أثار هذا الظهور والفاعلية حفيظ التسميات الأخرى فحاولت مزاحمة التسمية الآشورية عن طريق تأسيس أحزاب سياسية كلدانية وسريانية.  فمثل هذه الأمور التي تخص بالأساس تسمية شعبنا كان من الأفضل ذكرها وبيان مدى تأثيرها على تعدد التسميات وبشكل أكثر تفصيلا مما سيذكره رابي في الصفحات اللاحقة.
وفي الفصل الثالث (حصيلة التنوع الحضاري واللغوي في بلاد النهرين – مناقشة وتحليل) يستطرد رابي وبشكل مطول عن الصراعات التي دارت رحاها في بلاد النهرين وكان "من نتائج هذه الحروب وعمليات الأسر والتهجير القسري وسيطرة  قوم على أقوام أخرى حصول الإنتشار  الحضاري وثم الإقتباس الحضاري، فيحدث التلاحق الحضاري بين الأقوام المتحاربة بينها، فلابد من نقل التراث وأمتزاجه لتعاقب الأقوام على السلطة ولكل من تلك الأقوام تراثها الحضاري المادي والإجتماعي والديني واللغوي والأساطير، فأمتزجت ببعضها البعض، وأثرت على الفرد، حيث بمرور الزمن تتبلور شخصية حضارية جديدة تختلف عن ما سبق، فكل حضارة تركت بصماتها بالأخرى" (ص 106). ولكن من الملاحظ بأن رابي أعتمد في جانب كبير على هذا التلاقح الحضاري على الأسرى الذين كان الآشوريون يجلبونهم إلى بلاد آشور والتي كانت بأرقام جاوزت مئات الألاف من الأسرى، وهي أرقام مبالغ فيها وغير واقعية خاصة عندما تُرحل عبر مسافات طويلة من دون وجود وسائل نقل قابلة لنقل مثل هذا العدد الهائل من البشر وإبقائهم على قيد الحياة وما يتطلب ذلك من مأوى ومأكل ومشرب.
وبهذه المناسبة يذكر رابي أثناء بحثه في الفصل الثالث عن (حصيلة التنوع الحضاري واللغوي في بلاد النهرين – الصراعات (الحروب) ص 86، معتمدا على الغالب على ما كتبه المؤرخ حبيب حنونا في كتابه (سفر الخروج الكلدان) السالف الذكر في القسم الأول، بأن كلا الملكين الآشوريين "أسرحدون (681-669 ق.م) وآشور بانيبال (668-626 ق.م) جاؤا بأعداد كبيرة من الأسرى إلى بلاد آشور. وقد بلغ بحسب الُرقم الأثرية المكتشفة في نينوى والمدن الآشورية الأخرى عدد الكلدان المهجرين أكثر من نصف مليون نسمة موثقة توثيقا رسمياً في المدونات، ما عدا تلك غير المدونة ويقدرها العلماء الآثاريون بثلاثة أرباع المليون ليكون مجموعهم مليون ونصف..."!!! (ص 92).. هذا الرقم المبالغ فيه نستشف من ذكر رابي له لكي يصل إلى القول بأن كلدان اليوم في شمال بلاد مابين النهرين هم من أصل الكلدانيين الذين هجروهم الآشوريون من بابل إلى بلاد آشور، وهذا ما سعى إليه المؤرخ حبيب حنونا ليؤكد هذه الفرضية. 
وبعكس هذا يؤكد الكثير من الأركيولوجين بأن الغرض من هذه الأرقام المبالغ فيها كان لخلق الرعب والهلع في نفوس الأعداء وإعتبار الآشوريين أول من أستخدم الحرب النفسية في مواجهة أعدائهم. غير أن هذه الفرضية التي وضعها رابي في التلاقح الحضاري كان تأثيرها على الأقوام التي كانت تعيش في مناطق جبلية وعرة ومنقطعة عن العالم الخارجي أقبل بكثير مقارنة مع الأقوام التي كانت تعيش في المناطق المنسبطة والمنفتحة على العالم الخارجي. فمثل هذا العامل الجغرافي لا يمكن تجاهل تأثيره على تمسك الآشوريين في المناطق الجبلية بتسميتهم القومية التاريخية، أو على الأقل أستطاعوا الحفاظ على تقاليدهم وتراثهم ومأثوراتهم، أكثر بكثير من أخوتهم في المناطق السهلية والمنبسطة،
يقول رابي "من الظواهر المهمة الناتجة عن الحروب قديماً، هي التغيير في التسميات. أشتمل هذا التغيير في تسمية الأقوام، فالأقوام التي خضعت إلى الأمبراطورية الأكدية سُميوا بالأكديين والذين خضعوا إلى الإمبراطورية الآشورية سُميوا بالآشوريين وهكذا بالنسبة إلى الكلدانيين لإنتمائهم إلى الدولة الكلدانية..." (ص108). ولكن هذه الفرضية تخالف الواقع والتاريخ ولا يمكن تعميمها، خاصة عندما تكون مقومات وجود الأثنية أو القومية مختلفة تماما عن مقومات الأثنية أو القومية التي تحكم الدولة. فهناك كثير من الأقوام والشعوب، واليهود نموذجا، التي خضعت للإمبراطورية الآشورية والكلدانية، ظلوا يهودا من دون أن يغيروا تسميتهم إلى الآشورية أو الكلدانية. وهكذا بالنسبة لبقية الأقوام الذين أحتفظوا بتسميتهم التاريخية من دون أن يُغيروها لتسمية الدولة التي خضعوا لها. ونفس الحال ينطبق على الآشوريين حيث بقوا طيلة قرون طويلة محتفظين بأثنيتهم وبكل مقوماتها من دون أن يغيروا تسميتهم إلى تسمية الأثنية أو القومية الحاكمة في الدول العديدة التي خضعوا إليها. كما أن حال اليوم كحال الأمس، فوجود الآشوريين أو الكلدان أو السريان في بلدان المهجر ظلوا محتفظين، وبدرجات متفاوتة، بتسميتهم التاريخية من دون أن يغيروها إلى الأمريكية أو الكندية أو الإسترالية. 
  وعلى العموم يرى رابي بأن اللغة كانت من أهم نتائج التلاقح الحضاري والتي تعد من المقومات الأساسية في التسمية الأثنية، كما هي أهم عامل أدى إلى نشؤء صراع التسمية (ص 116). هذا الأمر الذي يشير إليه رابي لا ينطبق بشكل مطلق على الكثير من الحالات، خاصة في الزمن المعاصر. فهناك العشرات من التسميات الأثنية أو القوميات لا تعد اللغة التي يتكلمون بها مقوم أساسي في تسميتهم الأثنية أو الوطنية أو القومية، والأمثلة عديدة: فعلى الرغم من أن الأمريكيين والكنديين والأستراليين والعشرات غيرهم يتكلمون الإنكليزية إلا أنهم ليسوا إنكليز بل أمريكيون وكنديون وأستراليون، وهكذا الحال مع عشرات شعوب الدول الفرنكوفونية الذين يتكلمون اللغة الفرنسية إلا أنهم ليسوا بفرنسيين، وأيضا بالنسبة لشعوب بلدان القارة الأمريكية الجنوبية الذين يتكلمون الإسبانية ولكن ليسوا بإسبان. كل هذا يوحي لنا بأن رابي يحاول تطويع وتعميم بعض الحقائق التاريخية وبعض المناهج العلمية للوصول إلى إستنتاجه في صراع التسمية بين الآشوريين والكلدان والسريان، وهو أمر ينافي البحث الموضوعي.
 قبل أن أختم هذا الفصل نرى رابي يعتمد على مصطلح الأثنية في تعريف الكلدان والسريان والآشوريين ويرى فيهم ثلاث أثنيات، وهذا ما يؤكده في معظم صفحات الكتاب. وهو أمر لا نتفق معه ولا يتجانس مع واقع هذه التسميات الثلاث لقومية واحدة. فمن المعروف بأن مصطح الأثنية (Ethnical) والذي تترجمه معظم القواميس إلى العرق و(Ethnology) إلى (علم الأعراق البشرية)، هو مصطلح قليل الإستخدام في العلوم الإجتماعية خاصة السياسية وفي العملية السياسية، حيث وأن أستخدم فهو يشير إلى المجموعة البشرية الصغيرة المتميزة بعرقها وثقافتها، على الأغلب بدائية، التي تعيش في كنف قومية كبيرة أو ضمن حدود دولة معينة وفي معظم الأحيان ليس لها طموحات قومية سياسية أو تسعى لتكوين دولة مستقلة خاصة بها، في حين أن الكدان والسريان والآشوريين، وأن كان الواقع الحالي قد فرض عليهم هذه التسميات، فهم قومية كاملة المقومات المعروفة في العلوم الإجتماعية، لهذا السبب فرق الإعلان الأممي لعام 1992 بين الأقليات القومية والأثنية .... لنا لقاء في القسم الثالث.

89
الكلدان والآشوريون والسريان المعاصرون
وصراع التسمية - 1
==============================
أبرم شبيرا
عنوان هذا الموضوع هو لكتاب (الكلدان والآشوريون والسريان المعاصرون وصراع التسمية – تحليل سوسيولوجي) للإستاذ الأكاديمي الدكتور عبدالله مرقس رابي.
 
===============================================================
أثناء مراسلاتنا الودية والفكرية بيننا سألني رابي فيما إذا حصلت وقرأت كتابه المنوه أعلاه، فقلت نعم حصلت عليه من مكتبة آشور بانيبال التابعة لمؤسسة الإتحاد الآشوري العالمي في شيكاغو وأثار إهتمامي الكبير به وأنني مزمع على أن أكتب بعض الملاحظات والتعليقات عليه. وفي أحدى رسائله قال رابي " ارجو ان تكون حر بأرائك عنه – أي الكتاب -  اذ يهمنى ما الذي وقعت به من اخطاء تحليلية اكثر من اي شيء". وفي مكان آخر قال رابي "نعم صديقي العزيز قبول النقد البناء مثلما تفضلتم به هو أساس تطوير الباحث اي كان نفسه فالعلم هو تراكمات للمعلومات المعرفية لدى الباحث يتلقاها من الجميع، والا اذا تقوقع الباحث او المفكر على نفسه ويرى فقط انه سيد الفكر فذلك باحث فاشل لا محال" وإنطلاقاً من هذه المبادئ وتلبية لطلب رابي كتبت هذه الصفحات وأمل أن تكون وافية للإيفاء بعهدي للدكتور. وقبل بيان أية ملاحظات أو تعليقات رغبت أن أوكد على حقيقتين:
الأولى:  أن الغالبية من شعبنا، وأقصد الكلدان، لها بنية ثقافية  أكثر بكثير من غيرهم من أبناء شعبنا. ولكن مما يؤسف له بأنه من النادر جداً أن لم يكن معدوما أستخدام هذه البنية الثقافية في الدراسات التي تخص المسائل القومية لشعبنا بل في معظمه تم تكريسه للدراسات الدينية والكنسية أو للمسائل الوطنية العراقية العامة. والسبب يعود وبالدرجة الأولى إلى ضعف أو أنعدام الوعي القومي بين الكلدان أو ظهوره متأخراً. ولكن مع كل هذا يشكل رابي عبدالله إستثناءاً خاصا في هذه الحالة حيث أتيحت له ظروف المهجر الإنكباب على الدراسات السوسيولوجية والسياسية التي تخص شعبنا بكل أقسامه وتفرعاته وأستخدم معارفه الأكاديمية والمنهجية في علم الإجتماع والإجتماع السياسي في تناول الكثير من المسائل القومية. وكتابه هذا هو نموذج جيد في هذا السياق.
الثانية: عادات سيئة تعلمناها من العرب خاصة العراقيين منهم، ومن هذه العادات قلة القراءة والإهتمام بالكتب والبحوث والدراسات، والأسوء من كل هذا نقلنا هذه العادات السيئة إلى بلدان المهجر المعروفة بشغف شعوبها في القراءة. فنحن بجميع أقسام شعبنا أبطال في الأنترنيت وتصفية الحسابات الشخصية وبعضها تسلك أسلوب الإهانة الشخصية، وبالتالي ينعدم تقريباً قراءة قارئ أو مثقف لكتاب معين يخص مسألة شعبنا ويعلق عليه أو ينتقده إنتقاداً علمياً موضوعيا. وعلى العموم هذه السطور تأتي في سياق سد ثغرة بسيطة في هذا المجال وبادرة أرجو أن تكون مدخلاً لغيرنا للولوج في هذا المجال الثقافي الذي نفتقر إليه.

 الكتاب ضخم، مقارنة بالكتب التي تخص شعبنا، وفيه مواضيع واسعة ومتعددة يصعب المسك برأس الخيط والبدء بالكتابة عنه في صفحات قليلة. ومن أجل الخروج من هذا المأزق سأحاول تقليل صفحات هذا الموضوع عن طريق تقسيمه إلى جزئين: في اول الأمر أتناول الكتاب من حيث الشكل ثم في القسم الثاني أتطرق إليه من حيث المضمون.

من حيث الشكل:
=========
 بدءأ بعنوان الكتاب المثير للإنتباه لكونه يتناول موضوع ساخن على الساحة القومية لشعبنا (الكلداني السرياني الآشوري)، وجدت في كلمة (صراع) كحطب مضافاً على سخونة الموضوع ليعطي إنطباعاً بأن هناك حرب وقتال بين أقسام شعبنا على التسمية في حين ما هو إلا إختلاف فكري وتاريخي أن لم نقل مصلحي وذاتي. وحتى هذا "الإختلاف" على التسمية لا يملك مقومات الإرتقاء إلى مستوى الصراع خاصة أثناء الإنتخابات البرلمانية في المركز او الإقليم حيث يتوحد الإختلاف تحت التسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريون" الذي فاز ويفوز بمعظم كراسي البرلمانين المركزي والإقليمي ليؤكد وحدة شعبنا، على الأقل من الناحية الرسمية، رغم إختلاف التسميات. فكان الأجدر برأيي ان تكون كلمة (مشكلة  التسمية أو مسألة التسمية أو الإختلاف في التسمية القومية) بدلا من الصراع. وحتى لو تسايرنا مع رابي في قبول كلمة (الصراع) فأنه كان يستوجب أن تكون العبارة (صراع التسميات) وليس (صراع التسمية) بصيغة المفرد، لأن الصراع يكون بين طرفين أو أكثر لا سيما هناك ثلاث تسميات لشعبنا المعاصر والصراع هو بينهم حول التسمية. صحيح هو أن رابي يشرح مفهوم الصراع في الفصل الرابع – أسباب صراع التسمية (ص 132) إلا أن كل التفسيرات والمضامين للصراع  التي يعطيها رابي تصل في خاتمة المطاف إلى مفهوم الحرب أو القتال بين مجموعتين أو أكثر.
الكتاب كما هو مذكور في عنوانه هو (تحليل سوسيولوجي) فكان من المفضل أن يكون (دراسة سوسيولوجية) لأن التحليل يعطي إنطباعاً كونه بحث معين وفي موضوع محدد ومركز  وبصفحات قد تكون قليلة. ولكن (الدراسة) لها دلالات واسعة ومتعددة وبتفاصيل مسبهة ومعتمدة على مصادر كثيرة، وهي الصفات التي نجدها في كتاب رابي. وإستكمالا لهذه الشكليات المطلوبة في نشر أي كتاب، كان من الضروري أن يُذكر أسم  ناشر الكتاب أو المطبعة وعنوانه وسبيل الإتصال به ليتسنى للمهتمين بالموضوع إقتناء نسخة منه. ولكن يظهر بأن رابي شخصياً تحمل عناء جميع الجوانب المالية والفكرية والفنية لطباعة الكتاب ونشره. ولكن مع هذا فللمهتمين بالموضوع يمكنهم الحصول على الكتاب سواء من مكتبة آشور بانيبال المذكورة في أعلاه أو من المركز الثقافي الآشوري في نوهدرا (حاليا دهوك) أو في بعض الأبرشيات لكنائسنا في المهجر أو الإتصال شخصيا بالدكتور عبدالله رابي.
الكتاب يقع في 360 صفحة من القطع المتوسط وبين دفتيه مقدمة مع ستة فصول بعدة أقسام ومباحث وأجزاء أضافة إلى ملحق رقم (1) – كان من الأجدر عدم ذكر رقم (1) في الكتاب لأنه الملحق الوحيد وليس هناك ملحق رقم (2). الملحق يتضمن جداول طويلة عن (المناطق البابلية والكلدانية التي شملها الترحيل الجماعي وإلى أين أستقرت). أستهلكت هذه الجداول (10) صفحات من الكتاب، وهي جميعها مستمدة من كتاب ( سفر الخروج الكلداني) للمؤرخ الأستاذ حبيب حنونا فكان من الأفضل الإكتفاء بذكر الكتاب والإشارة إليه وذلك إختصاراً لصفحات الكتاب. قبل سنوات كتبتُ بعض الملاحظات والأراء عن كتاب المؤرخ الأستاذ حبيب حنونا ويمكن الإطلاع عليها في موقع عنكاوه، الرابط:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=770167.0
كما أعتمد رابي على مراجع عديدة ومتنوعة متبعاً أسلوبه الأكاديمي في البحث والدراسة الذي اعتاد عليه في فترة كونه أستاذا لعلم الإجتماع في الجامعات والمعاهد العراقية قبل مغادرته أرض الوطن إلى المهجر. يبدأ الفصل الأول بـ "الإطار المفاهيمي" شارحاً معنى كل من القومية والأثنية والعرق والأمة والشعب والهوية. أما في الفصل الثاني (التطور الحضاري في بلاد النهرين) فيسرد رابي عشرين حضارة أو شعب أو مجموعة بشرية بما فيهم الحضارات الآشورية والكلدانية والأرامية التي تعاقبت على حكم بلاد ما بين النهرين. وفي الفصل الثالث "حصيلة التنوع الحضاري في بلاد النهرين" يتناول رابي مواضيع متعددة منها مفهوم الحضارة، إلإنتشار الحضاري والتغير الإجتماعي، العوامل المؤدية إلى التغير الحضاري مبتدءاً أولا: بـ "الصراعات (الحروب)" ص 86 – هنا عند رابي مفهوم الصراع هو الحرب، يؤيد ما ذهبنا أعلاه في أعلاه بأعتبار الصراع يعطي معنى الحرب أو القتال -. وثانيا الإبداعات الفكرية، ثم ثالثا: قوة الإرتباط بين أفراد المجتمع ورابعاً: الهجرة، وخامساً: التجارة. ثم يبحث عن اللغة بأعتبارها أهم نتائج التلاقح الحضاري وبعد ذلك يتسائل عن كيفية حدوث عملية الإقتباس الحضاري.
أما الفصل الرابع (أسباب صراع التسمية) فيشمل مواضيع عديدة تشكل جوهر ومضمون الكتاب فيحصر أسباب هذا الصراع في، أولا: ما يكتبه الكُتاب، بما فيها 1- الكتابات المتأثرة بالأيديولوجيات السياسية، 2- تفتقد الكتابات إلى الموضوعية والمنهجية و 3- تشويه الكتابات من قبل غير الإختصاصيين - هنا يشذ رابي عن منهجه الأكاديمي في البحث حيث لا يجوز أعطاء النتيجة أو الصفة مقدما في العنوان (مثل تفتقد وتشويه) فهذه الصفات يجب أن تكون خلاصة وإستنتاج للموضوع وليس في المقدمة أو في العنوان). ثم يستمر رابي في البحث عن أسباب صراع التسمية فوجد في 4 –: كتابات رجال الدين وتصريحاتهم ثم في 5- الإعتماد على كتابات المستشرقين. ومن أسباب صراع التسمية يذكر في ثانيا: الرجوع إلى التاريخ والإشتقاقات اللغوية وكيفية تدوين التاريخ. وهكذا يستمر رابي في ذكر هذه الأسباب منها ثالثاً: إستخدام المنطق القديم في التحليل، ورابعاً: الإنشقاق الكنسي، وخامساً: الأيديولوجيات السياسية، وسادساً: اللغة وعلاقتها بالتسمية، وسابعاً: تداخل المفاهيم المرتبطة بالقومية، وثامناً: الإعلام، وتاسعاً: الترسبات التاريخية السابقة للحكومات والأمية الحضارية، وعاشراً: التفاوت في الوعي القومي بين الأثنيات الثلاث، وحادي عشر: التعصب والحقيقة.
وفي الفصل الخامس يستعرض رابي تداعيات صراع التسمية، ويحصرها في أولاً: مسألة تعاطي الحكومات مع الأقليات، وثانيا: تشتت العمل السياسي، وثالثا: فقدان الثقة بالأحزاب، ورابعاً: الإحباط في نيل حقوق الأثنيات الثلاث، وخامساً: التأثير في العلاقة بين رجال الدين والعلمانيين، وسادساً: التأثير في الوحدة الكنسية بين الكنائس المشرقية، وسابعاً: تسمية اللغة، وثامناً: الجدال الفكري العقيم – مرة أخرى يشذ رابي عن أسلوبه المنهجي الأكاديمي في وصف الجدال الفكري بالعقيم والذي يستوجب أن يكون من ضمن إستنتاجه في البحث عن الجدال الفكري -  ثم تاسعاً: التهميش، وينهي هذا الفصل بـ "الإضطهادات المتكررة والهجرة".
أما في الفصل السادس (نحو معالجة سوسيولوجية توفيقية) يسعى رابي إلى إيجاد هذه المعالجة في عدة محاور منها العرقي والجغرافي واللغوي والديني – كان المفضل أن يكون كنسي -  والإجتماعي ثم يتطرق إلى الشعور بالإنتماء الأثني ودوافع هذه الإنتماء وكيفية تكوين دافع الإنتماء إلى الجماعة الأثنية وعن كيفية حدوث التنشئة الإجتماعية عند الفرد لتُنمي دافع الإنتماء. ثم يختم الكتاب بالملحق رقم (1) والمصادر والهوامش.
يظهر بأنني أسرفت في بيان الجانب الشكلي للكتاب، وليس المغزى من هذا الإسراف إلا أعطاء صورة واضحة بقدر المستطاع عن الكتاب خاصة وأنه غير متوفر عند الكثير من القراء. ولنا موعد مع مضمون الكتاب في القسم الثاني.


90
أين مصحلة الآشوريين من إنعقاد مؤتمر الإتحاد الآشوري العالملي ألـ (29) في لبنان وبرعاية إيرانية؟
========================================================
أبرم شبيرا
خلفية تاريخية:
-------------
بالإستناد إلى بعض العوامل الذاتية (الفكرية) والموضوعية (السياسية)، نشأة فكرة تأسيس الإتحاد الآشوري العالمي -AUA (الإتحاد - خويادا)  في إيران في منتصف الستينيات من القرن الماضي ولكن بمنطق معقول وواع  جيدا أدرك أصحاب الفكرة بأنه لايمكن أن ينعقد مؤتمر تأسيس منظمة قومية سياسية عالمية إلا في دولة يكون نظامها السياسي ديموقراطي يوفر مناخاً واسعاً من الحرية ويسهل للوفود حضورهم ومشاركتهم في المؤتمر بكل حرية ومن دون قيود، خاصة مسألة الفيزا، أو تأثير أو تدخل من الدولة نفسها أو من القوى السياسية الفاعلة فيها وأن يتولى أمور تأسيس الإتحاد وقيادته شخصية أشورية مقيمة في المهجر لتكون بعيدة عن تأثيرات الدول الشرق أوسطية، منها موطن الآشوريين المعنية بالموضوع القومي الآشوري كالعراق وتركيا وإيران وسوريا التي يسود فيها أنظمة سياسية توليتارية خاصة وأن هذا التنظيم هو عالمي وليس قاصرا على دولة معينة. فوقع الإختيار على مار شمعون إيشاي بطريرك كنيسة المشرق (الآشورية) رحمه الله، المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية غير أنه بعد أن رفض تولي قيادة هذا التنظيم، وقع الإختيار على السيد ديمتري أغا بطرس وهو الأبن البكر للجنرال إغا بطرس إيليا المقيم في فرنسا الذي قبل الفكرة ومن ثم وجهت دعوات بأسمه لحضور مؤتمر التأسيس الذي أنعقد في شهر نيسان 10-13 من عام 1968 في مدينة باو الفرنسية الذي حضره مندبون من مختلف دول العالم ولكن كان غالبيتهم من الولايات المتحدة الأمريكية لأنهم كانوا يعروفون حق المعرفة قوة الولايات المتحدة الآمريكية وتأثيرها على الساحة الدولية من جهة، والحجم الديموغرافي الكبير للأشوريين في الولايات المتحدة إضافة إلى وجود منظمات آشورية نشطة في تلك الفترة من جهة أخرى.
 


مؤسسوا الأتحاد الآشوري العالمي في إجتماعهم التأسيسي في مدينة باو الفرنسية (نيسان 1968)
==================================================
وبعد وفاة السيد ديمتري توالى في معظم الأحوال إنتخاب السكرتير العام وغالبية الهيئة التنفيذية من الآشوريين الأمريكيين، ليس بسبب إمكانية هؤلاء التأثير على صانعي القرار السياسي الأمريكي لجلب إهتمامهم حول القضية الآشورية وإنما أيضا المساحة الواسعة من الحرية والديموقراطية التي كان يوفرها النظام السياسي الأمريكي للتحرك بنشاط مستقل بعيد عن التأثيرات الخارجية، سواء من الدولة نفسها أو من القوى السياسية الفاعلة على الساحة الأمريكية، ولا ننسى هنا بأن منظمة الأمم المتحدة وبعض وكالاتها المتخصصة قائمة في الولايات المتحدة التي كانت موضع إهتمام قادة الإتحاد لطرح القضية الآشورية عليها. فأصبح إنتخاب السكرتير العام وأكثرية المناصب التنفيذية الحساسة من الأشوريين الأمريكيين عرفاً ألتزم بها الإتحاد طيلة تاريخه السياسي بإستثناء قليل جداً تمثل في إنتخاب السيد دانيال كرسبي من السويد في السنوات الماضية ونحن نعرف بأن النظام السياسي في السويد لا يقل ديموقراطية عن النظام السياسي الأمريكي الذي كان يتيح للسكرتير العام حرية كاملة للتحرك والإتصال.
تحول خطير في الإجراءات:
---------------------
ولكن منذ العقد الأول من هذا القرن أنحرف الإتحاد إنحرافاً حاداً عن عرفه التاريخي السياسي المعروف في إنتخاب السكرتير العام وتمثل هذا الإنحراف في إختيار السيد يوناتن بت كليا سكرتيرا عاماً للإتحاد وهو من الآشوريين الإيرانيين المقيم في إيران ومن ثم التحول الخطير الأخر كان في نقل مقر الإتحاد من الولايات المتحدة إلى إيران في عام 2008. ولو بحثنا موضوعياً وبدون أية مجاملة نرى بأن إختيار السكرتير العام للإتحاد من خارج الدول الديموقراطية ومن دولة نظامها إسلامي ثيوقراطي توليتاريي يحكمه الملالي هو الأول من نوعه. هناك عاملين مهمين في هذا الإنحراف وهما:
الأول: كون السيد يوناتن عضو في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) وممثل "للطائفة" الآشورية والكلدانية فيه، إختياراً مبنياً على أساس سيكون المركز الرسمي له كعضو في البرلمان الإيراني مؤثرا على المجريات السياسية للإتحاد.. عامل ذاتي شخصي.
ثانياً:  هيمنة الآشوريين من أصول إيرانية على الهيئة التنفيذية للإتحاد- عامل عشائري أو إقليمي.
والسيد يوناتن بت كوليا لا غبار على شخصيته وهدوءه وطيبة تعامله مع الآخرين إلا أن إختياره كسكرتير عام للإتحاد جاء مخالفاً وخارقاً للمسار الذي عرف عنه الإتحاد خاصة في هذه المرحلة السياسية الخطيرة التي تمر بها المنطقة بشكل عام وإيران بشكل خاص، والأسباب هي:
الأول: قلة خبرته في شأن الدول التي تشكل موطناً للإشوريين كالعراق وسوريا ولبنان وإفتقاره للغة هذه الدول، أي العربية، وربما لا يجيد بطلاقة الإنكليزية التي هي ضرورية لحضور المؤتمرات والمنظمات الدولية والتي عهد الإتحاد على حضورها وأكتسابه العضوية في بعضها، والأهم:
ثانيا: كونه عضو البرلمان الإيراني، فهذا يعني بأن نشاطه السياسي كسكرتير عام للإتحاد سيكون مقيداً بمسؤوليته البرلمانية وبالتالي كل نشاط سياسي يقوم به يجب أن يكون ضمن سياق النظام السياسي التوليتاري الثيوقراطي للجمهورية الإيرانية الإسلامية. ولو كان السيد يوناتن سكرتيرا عاما لحزب سياسي آشوري إيراني وليس لمنظمة آشورية عالمية تنطق بأسم الآشوريين في كافة أنحاء العالم لهان الأمر وأصبح حاله كحال بعض الأحزاب السياسية الآشورية في العراق، مثلا، التي تعمل على تمثيل الآشوريين عراقياً ضمن النظام السياسي في العراق وليس عالمياً.

من هذا المنطلق نرى نوع من الجمود أو الإنحدار في نشاط الإتحاد أو تقلص في مصداقيته المعهود بها في كونه تنظيم آشوري عالمي ومظلة فدرالية للتنظيمات القومية والأحزاب السياسية الآشورية بحيث وصل الإعتقاد بأن الإتحاد أصبح أداة طيعة في أيدي الملالي المتحكمة في النظام الإيراني، لا بل ظهر الكثير من الفتور والامبالاة والتنقالات والجمهود بين قادة أعضاء الإتحاد بحيث أصبح شبه غائب عن الساحة السياسية الآشورية. والأكثر من هذا وذاك فقد ظهرت كتابات من بعض قادة الإتحاد يشيرون إلى فقدان مصداقيته ومكانته بين الجمهور الآشوري. وحتى النشاطات الجماهيرية واللقاءات الرسمية المثيرة للإنتباه والفاعلة لبعض فروع الإتحاد، كفرعي أستراليا وأوربا، فأنها أنحصرت ضمن حدودها الإقليمي وبدت كأنها تصطدم بجاجز الوضع العام للإتحاد في عهد السيد يوناتن. وقد تجلى هذا التراجع قبل وخلال وبعد إنعقاد المؤتمر (29) للإتحاد في بيروت في شهر أيلول من هذا العام.

مؤتمرات الإتحاد الآشوري العالمي في إيران:
-------------------------
عقد الإتحاد مؤتمران في طهران، ألأول في عام  1971 (المؤتمر الرابع) والثاني في عام 2011 (المؤتمر 28)، وهنا أستطيع أن أجزم بأن الإتحاد أيضا عقد مؤتمر ثالث في إيران، ليساً جغرافيا، بل فكرياً ورعوياً وهو مؤتمر (29) الذي أنعقد في بيروت للفترة من 20 – 23 أيلول 2018 وبرعاية إيرانية، أو بالأحرى برعاية حزب الله الإرهابي ومؤيديه. وهنا من الظروري أن نتطرق إلى المصلحة الآشورية القومية من إنعقاد الإتحاد مؤتمراته الثلاث في إيران وفي فترات مختلفة، وهي دولة في جميع مراحلها غير ديموقراطية.

في عام 1971 أنعقد الإتحاد مؤتمره الرابع في طهران في مرحلة كانت دول منطقة الشرق الأوسط تغلي غلياناً سياسياً  خاصة العراق وإيران. فتداعيات الحرب الأيام الستة بين إسرائيل وبعض الدول العربية في عام 1967 والهزيمة الشنعاء التي لحقت بالجيوش العربية والدور الكبير الذي لعبته الولايات المتحدة في مساندة أسرائيل كان تأثيرها قوياً على العراق الذي كانت مواقفه عدائية ضد إسرائيل وأميركا في الوقت الذي كانت إيران أقوى حلفاء أميركا في المنطقة. ثم جاء إنقلاب البعث في العراق عام 1968 والحركة التصحيحية للبعث في سوريا عام 1970 التي شددت من قبضة حافظ الأسد على السطلة وتأثير ذلك على البعث في العراق في تسجيد الإنشقاق الحزبي بين سوريا والعراق. والأهم من كل هذا وذاك هو توقيع إتفاقية الحكم الذاتي للكورد في 11 أذار 1970 والدور الكبير الذي لعبه بعض الآشوريين والكلدان في الحركة الكوردية. فضمن كل هذه الظروف أستطاعت قيادة الإتحاد من ركوب موجة الأحداث وأن تدخل في موازين القوى الفاعلة على الساحة السياسية التي كانت الحرب الباردة بين الإتحاد السوفياتي وإلى جانبها العراق والولايات المتحدة وإلى جانبها اإيران أطارها الدولي العام.

 



صورة للمؤتمر الرابع للإتحاد الآشوري العالمي المنعقد في طهران 1971 ويظهر فيه السيد عباس هويدي رئيس وزراء إيران الأسبق وهو يلقي كلمته الإفتتاحية.

========================================================
من هذا المنطلق أستطاع الإتحاد أن يخرج ببعض النتائج ليس على المستوى الداخلي فحسب في إقرار قرارات مهمة بل أيضاً على المستوى الخارجي حيث أثير هذا المؤتمر إنتباه سلطة البعث في العراق فحاولت إدراج قادة الإتحاد إلى صفوفه عبر إصدار قرارات لصالح الآشوريين كقرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية من (الآثوريين والكلدان والسريان) لعام 1972 وإعفاء المشاركين في الحركة الآشورية لعام 1933 وإعادة الجنسية العراقية لهم ومن ثم مشاركتهم مع ماليك ياقو ماليك إسماعيل في زيارتهم للعراق والتباحث مع المسؤولين حول الحقوق القومية للآشوريين في العراق بحيث وصل الأمر إلى إعتبار أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية شخصية عام 1972 وظهرت صورته على غلاف مجلة الإتحاد (الكوكب الآشوري). بعد رفض ماليك ياقو مشاريع البعث في العراق تجاه المسألة الآشورية وعاد إلى كندا خالي الوفاض، أنزلق بعض قادة الإتحاد نحو الإغراءات البعثية والتي كانت في مجملها مصالح شخصية خاصة مما ترك إنطباعاً سيئاً عن الإتحاد وأتهمه البعض بالعمالة والتعاون مع البعث ضد الكورد والتطلعات الآشورية في الوطن والمهجر.
 
أنعقد مؤتمر الإتحاد ألـ (28) في طهران للفترة من 4-10 تشرين الأول 2011 وفي ظروف سياسية مختلفة كلياً حيث سقط نظام البعث في العراق عام 2003 وسيطرت إيران على العراق من خلال القوى والأحزاب الشيعية التي هيمنة على السلطة وأصبح لها اليد الطولى من خلال سوريا لتصل إلى لبنان عبر حزب الله الذي كان دولة داخل دولة. ضمن هذه الظروف أنعقد المؤتمر الذي حضره عدد كبير من الشخصيات والجمهور ولم يخرج بقرارات تهم الآشوريين أكثر مما كانت دعاية إعلامية لسلطة الملالي في إيران. ثم جاء المؤتمر (29) للإتحاد لينعقد في بيروت – لبنان في يوم الخميس المصادف 20/09/2018 بعد غياب دام سبعة أعوام حيث كان يستوجب أن ينعقد المؤتمر كل سنتين حسب النظام الداخلي للإتحاد خاصة وأن السنوات السبعة الماضية كانت حبلة بالأحداث والتطورات الخطيرة من جراء تعرض شعبنا في العراق وسوريا لمأساة التشريد والخطف والقتل التي أرتكبتها الحركات الإسلامية المتطرفة وداعش الإجرامي ومن دون أن يتحرك الإتحاد أو يدعو سكرتيره العام لعقد مؤتمر عام يتناول هذه الأحداث الخطيرة. على العكس من هذا أصدر السكرتير العام بعض التصريحات والبيانات كلها تهجم على إسرائيل والولايات المتحدة التي لا تخدم إطلاقاً لا من قريب ولا من بعيد مصلحة الآشوريين حي كلها كانت تصب في مصلحة الملالي في إيران. جاء عام 2018 لينعقد مؤتمر (29) عقب قيام السيد يوناتن بت كوليا وبمعية عدد من أعضاء البرلمان الإيراني بزيارة رسمية إلى لبنان في شهر أيلول الماضي لتعزيز فكرة إنعقاد المؤتمر في بيروت بدلا من أن ينعقد في جورجيا. فبعد عدة لقاءات عقدها مع المسؤوليين اللبنانيين خاصة المناصريين لسياسة حزب الله والمؤيدين لإيران، أقر نهائياً بعقد المؤتمر في بيروت. ففي جلسة الإفتتاح ألقى السيد أحمد حسيني القائم بأعمال السفارة الإيرانية في لبنان رسالة حسن روحاني رئيس جمهورية إيران الإسلامية في الوقت الذي هو معروف بروتوكوليا بأن مثل هذه الكلمة الإفتتاحية يجب أن تكون من قبل ممثل حكومة الدولة المضيفة، أي لبنان، وليس من قبل دولة لا علاقة لها بالمؤتمر، على الأقل رسمياً. وبغنى عن محتويات رسالة رئيس جمهورية إيران الإسلامية التي أحتوت على كلام منمق ومعسل، فأنه يكفي أن يكون حضور القائم بأعمال السفارة الإيرانية وتلاوة رسالة رئيسه في يوم إفتتاح المؤتمر إشارة واضحة بأن المؤتمر كان برعاية إيرانية وهو الأمر الذي يشكل منعطاً سياسياً خطيراً ليس للإتحاد نفسه بل للآشوريين أيضا خاصة في بلدان المهجر وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الديموقراطية في أوروبا وأستراليا، لكون إيران في مرحلة حرجة وصعبة وفي موقف دولي متهمة بدعم الإرهاب وتأجيج التوترات والصراعات في بعض الدول العربية والتدخل في شؤونها لزعزة الإستقرار والأمن فيها، وهو الموقف الذي ينعكس سلباً وبشكل مباشر على الآشوريين في العالم ويعطي إنطباعاً في كون الآشوريين ومنظمتهم العالمية، أي الإتحاد، إداة من أدوات إيران الإرهابية. وعقب إنتهاء المؤتمر صدر بيان عنه لم تكن محتوياته أكثر من الكلمات الروتينة والدعائية التي لا تغني ولا تسمن بشيء ولا تملك القدرة على تخطي خطوة واحدة نحو الواقع والتطبيق.

في الحقيقة ومن خلال مجريات هذا المؤتمر فأنه أعتبر مؤتمر غير شرعي كما وصفه الكثير من قادة الإتحاد الذين قاطعوه حيث لم يحضره غير 4 أعضاء من القيادة وإستشاري واحد ومعظمهم من أقرباء السكرتير العام مما خلق حالة من الفوضى والإرتباك في الإتحاد فتسربت أخبار عن فكرة إنعقاد مؤتمر إستثنائي بعد ستة أشهر لمعالجة الوضع الشاذ الذي تورط فيه الإتحاد خاصة خضوعه الكامل لإيران. ونأمل أن يحقق المؤتمرون النجاح الكامل ليعود الإتحاد إلى سابق عهده كمنظمة فدرالية آشورية مستقلة في قراراتها وسائرة مع الدول الديموقراطية التي تقر بحقوق الإنسان وحماية الأقليات وأن يثبت الإتحاد مصداقية عضويته في المنظمات الدولية التي تعني بحقوق الإنسان والأقليات، وأن يستطيع قادته قراءة الوضع السياسي الدولي لكي يكون للإتحاد مكان محترم فيه خاصة في هذه المرحلة التي أقل ما يقال عنها بأنها مأساوية وماحقة بحق شعبنا في أرض أباءه وأجداده.


91
الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) تحقق إنجازاً كبيرا في إنتخابات برلمان إقليم "كوردستان"
============================================================================
أبرم شبيرا
أثناء زيارتي الأخيرة لأرض الوطن في منتصف شهر أيلول الماضي أجرى السيد سامر إلياس سعيد مراسل موقع عنكاوه الألكتروني في نوهدرا ( حالياً دهوك) مقابلة معي عن الإنتخابات البرلمانية لإقليم "كوردستان" وجوابي على سؤاله حول مشاركة أحزابنا "الكلدانية السريانية الآشورية" في الإنتخابات أو مقاطعتها، جاء الحديث عن مشاركة زوعا في الإنتخابات رغم رفضها لقانون "الكوتا" لكونه مستغل من قبل الأحزاب السياسية الكوردية الكبيرة فقلت " إذا فازت الحركة الديموقراطية الآشورية بكرسي واحد ضمن هذه التجاذبات والإرهاصات سيكون ذلك إنجازاً كبيراً لها". للإطلاع أنظر الرابط:
. http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=903867.0
وفعلاً فازت زوعا ضمن قائمتها الرافدينية بكرسي واحد في البرلمان ممثلآً باالسيد فريد يعقوب إيليا، عضو اللجنة المركزية وبواقع 896 صوت. في حين حصدت قائمة تحالف الوحدة القومية المؤتلفة من الحزب العتيد بيت نهرين الديموقراطي وكيان شلاما والمجلس القومي الكلداني والإتحاد الكلداني بثلاثة كراسي ممثلة بالسيد روميو حزيران نيسان هكاري، رئيس القائمة والسكرتير العام لحزب بيت نهرين الديموقراطي وبواقع 3252 والسيد جنان جبار بويا بواقع 1599 والسيدة روبينا أويملك يعقوب بواقع 815 صوت. في حين حصل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (المجلس) بكرسي واحد ممثلاً بالسيدة كلارا عوديشو يعقوب بواقع 687 صوت.
ضمن هذه المقايس للأصوات  والكراسي كيف نستطيع أن نعتبر حصول كرسي واحد إنجازاً كبيرا لزوعا؟ في حين  حصل تحالف الوحدة القومية على ثلاثة كراسي من الخمسة المخصصة للكوتا ، ألا يعتبر هذا أنجازا أعظم بكثير؟  لا بل ألا يعتبر هذا تقدماً هائلاً لمكونات تحالف الوحدة القومية في الوقت الذي نعرفه بأن بعض من هذه المكونات قد دخلت الإنتخابات السابقة لعام 2013 ولم تحصل على كرسي واحد. وأفهل حصول زوعا على كرسي واحد، وحال المجلس كحال زوعا والذي هو الآخر حصل على كرسي واحد، نعتبره تراجعاً (50%) في الوقت الذي كان لكل منهما كرسيين في الدورة السابقة للبرلمان الكوردستاني؟ ولا ننسى هنا حزب أبناء النهرين "الفتي" الذي كان له كرسي واحد في الدورة السابقة ولم يحصل على أي كرسي في الدورة الحالية بسبب مقاطعته لها وإحتجاجه على قانون الكوتا لكونه معرض للسرقة من قبل الأحزاب الكوردية الكبيرة، فكيف نسيتطع أن نقيمه وفق معيار التقدم  والتراجع؟
 القول بأن تحالف الوحدة القومية بحصوله على ثلاثة كراسي  قد حقق إنجازاً عظيماً من جهة، وأن حصول زوعا على كرسي واحد وأيضا المجلس على كرسي واحد يعتبر تراجعاً كبيراً (من 2 إلى 1) لكليهما، يثير الكثير من التساؤلات المقرونة بعلامات التعجب فيما إذا نظرنا للأمر من الناحية الشكلية فقط وبمقايس الكراسي البرلمانية. فالمعروف عن زوعا بأنها أكبر حركة سياسية مستقلة في قراراتها في مجتمعنا "الكلداني السرياني الآشوري" سواء من حيث أعضاءها أو مؤتمراتها أو إتصالاتها بالقوى السياسية العراقية، وأكثرها فاعلية وقدرة على حشد جماهيري واسع ومنقطع النظير، ومسيرة الأول من نيسان دليل على ذلك. لا بل والأكثر من هذا كله فقد كانت في بداية نشوء بوادر من الهامش الديموقراطي في الإقليم، كان لها حصة الأسد من  الكوتا (4 من 5 كراسي) ومضمونة رسمياً وجماهيرياً على الرغم من وجود أحزاب سياسية عتيدة في تلك الفترة مثل حزب بيت نهرين الديموقراطي والحزب الوطني الآشوري اللذان لم يقتربا إطلاقاً من عتبة برلمان "كوردستان". واليوم نرى بأن زوعا بقائمته الرافدينية بالكاد يحصل على كرسي في برلمان إقليم كوردستان... فكيف نعتبر هذا أنجازاً كبيرا لها ضمن هذا التراجع الواضح على المستوى الرسمي وتحديدا على مستوى كراسي البرلمان؟ فالجواب لهذا التساؤل يفترض أن نقيس الأمور لا بالكراسي البرلمانية فحسب بل بالظروف الموضوعية المحيطة بمجتمعنا سواء في الإقليم أو المركز. فعندما ذكرنا في مقابلتنا المذكورة أعلاه بأنه سيكون أنجازاً كبيراً لزوعا بحصولها على كرسي واحد، كان هذا الإنجاز الكبير منظوراً إليه ضمن التجاذبات والإرهاصات التي تعلب دورها الحاسم في تقرير نتائج الإنتخابات والحصول على عدد الكراسي البرلمانية.  فاليوم غير الأمس. ففي بداية التسعينيات من القرن الماضي وفي أول دورة إنتخابية برلمانية للإقليم، كان المهيمن على الساحة الكوردستانية حزبان رئيسيان وهما الديموقراطي الكوردستاني (البارتي) والإتحاد الوطني الكوردستاني (يكتي) وخصصت لكل منهما 50 كرسياً في برلمان الإقليم. أما كراسي الكوتا "المسيحية" فقد فازت زوعا بـ 4 من مجموع 5 كراسي في مرحلة كانت تفرض على الأحزاب السياسية الكوردستانية نوع خاص من الظروف التي وفرت هامش من الديموقراطية لجميع القوى السياسية المختلفة. فضمن هذا الهامش الديموقراطي كانت زوعا بمثابة "كرة القبان" بين طرفي ميزان البارتي واليكتي خاصة وهي عضو في "الجبهة الكوردستانية" فاستطاعت أن تعمل "مع" وليس "لـ" – حسب مفهومنا في العمل مع الآخر و العمل للآخر – أي أن تعمل مع هذه الأحزاب وتحقق بعض الإنجازات التي في قياسها الزمني تعتبر تاريخية، كإقرار إنشاء المدارس السريانية بدءاً بالمرحلة الإبتدائية ثم الثانوية وإقرار الأعياد والمناسبات عطل رسمية للمسيحيين في الإقليم  وتخصيص منصب وزاري لأحد قياديي زوعا وغيرهم. وهنا أستذكر  اللقاء الشخصي مع الشهيد المناضل فرنسو الحريري، رحمه الله، في بيت أبنه الصديق فوزي الحريري في لندن قبل إستشهاده بفترة عندما ذكر وأشادة بسياسة زوعا في التعامل العقلاني مع الحزبين الكورديين وقدرة أعضاءها في البرلمان على النفوذ من خلال الممارسات السياسية وتحقيق بعض الإنجازات. 
غير أن الأمر أخلف كليا وتطور نحو الأسوء فيما يخص الممارسات الديموقراطية والعملية السياسية وتحديداً بعد سقوط النظام البعثي في العراق عام 2003 خاصة بالنسبة للعراقيين عموما والكلدان السريان الآشوريين خصوصاً. فكما هو واضح أنفلت الأمور والقيود والإعتبارات المعروفة في التعامل السياسي وظهرت أغراءات سياسية جاذبة تمثلت في الفرص المتاحة لإقتناء كراسي برلمانية أو مناصب وزارية فأصبحت مصدر الفساد والسرقة والنهب. فعلى ضوء هذه الظروف "الإنتهازية" تأسس العديد من الأحزاب السياسية ونشطت أحزاب أخرى بعد عودتها من المنفى وجميعها قامت على أسس طائفية مصلحية ساعياً ولاهثاً كل واحد  منهم ومنجذبا نحو هذه الإغراءات السياسية المصلحية. وشملت هذه الظروف الكلدان والسريان والآشوريين فقامت بينهم أحزاب ومنظمات  سياسية على نفس الأسس وعلى نفس الأسلوب بغية أن تحصل على قضمة من الكعكة الحلوة المذاق.
 ونفس الشيء أنطبق على الإقليم، فبعد أن كانت العملية السياسية بشكل عام والبرلمانية بشكل خاص تقوم على نظام الحزبين، البارتي واليكتي، نشأت أحزاب سياسية جديدة سواء عن طريق التأسيس أو الإنشقاق عن الحزب الآخر وأيضا بدأت الأحزاب المغمورة تنشط وتظهر على السطح السياسي. ضمن هذه الظروف في "التعددية" الحزبية  سعى وجاهد كل حزب سياسي  لحصول على مواقع برلمانية أو وزارية مزاحماً بذلك الحزبين الرئيسيين، البارتي واليكتي، فأصبح الجالسون على طاولة الكعكة كثر  ومعرضة للقضم من قبل العديد من الأحزاب السياسية الكوردية بعد أن كانت حصرا على الحزبين الرئيسيين. فحاول كل حزب أن يحصل على كرسي أو كراسي برلمانية إضافية، خاصة الحزبين الرئيسيين، وبشتى الوسائل  لضمان مواقعهم القديمة في الهيمنة على الهياكل السياسية في الإقليم، فوجدوا في الكلدان السريان الآشوريين الحلقة الأضعف التي يمكن بلعها وهضمها في الأجندة السياسية للحزب ليس بالطريق البعثية المباشرة في صهرهم في البوتقة القومية الكوردية بل بشكل غير مباشر عن طريق خلق كيانات سياسية، أحزاب أو كتل أو إئتلاف، كلدانية وسريانية وأشورية تسير في فلكها السياسي وتستطيع عن طريقها قضم أكبر عدد ممكن من كراسي الكوتا المخصصة لهم، خاصة بعد أن عجزت هذه الأحزاب الكوردية من قضم الأحزاب السياسية المستقلة وذات شعبية واسعة كزوعا فملت من إستقلالية قرارها والتشبث به فلجأت إلى أسلوب خلق كيانات وتحالفات يمكن أن تضيف كرسي أو أكثر إلى كراسي الحزب الكوردي خاصة البارتي حيث يكثر الكلدان والسريان والآشوريين في منطقته. هكذا يظهر بأن الأحزاب الكوردية، خاصة البارتي نحج في مهمته هذه وتجلى ذلك في تصريح بعض قيادييه على أن الكراسي التي فاز بها إئتلاف الوحدة القومية والمجلس هي أربعة كراسي مضافة إلى كراسي البارتي في البرلمان، وتحديدا بعد ظهور نتائج التصويت الخاص لقوات البيشمركة والعناصر الأمنية في الإقليم  وحصول تحالف الوحدة القومية على 3866 صوت وحصول قائمة المجلس الشعبي على 212 صور أما قائمة الرافدين (زوعا) فقد حصلت على 42 صوت، وهي أرقام تنطق بكل وضوح وصراحة علاقة هذه الكيانات الكلدانية السريانية الآشورية بالحزب البارتي على أساس عدد الأصوات التي نال كل واحد منها، والجميع يعرف بأن عدد أبناء الكلدان والسريان والآشوريين في  قوات البيشمركة والعناصر الأمنية لا يتجاوز بضعة مئات فقط.  نجح البارتي في سياسته الإحتوائية بحصوله على أربعة كراسي إضافية، في حين فشل حزب التغيير الكوردي، صاحب الخبرة القليلة في التعامل مع "الأقليات" الذي حاول تقليد البارتي عبر دفع قائمته المسماة "القائمة الديموقراطية المسيحية" للنزول إلى الإنتخابات ولكن لم تحصل على أي كرسي برلماني. هنا يستوجب علينا وقفة موضوعية وصريحة فيما يخص القائمتين: تحالف الوحدة القومية والمجلس الشعبي من حيث علاقتهما بالبارتي. فإذا كان كلاهما، يدوران في فلك البارتي كما هو سائد ومعروف، إذن لماذا نزلت كلتا القائمتين إلى ساحة الإنتخابات وهم تابعون لمصدر واحد؟ فمثل هذا الجواب يقوم على إحتمالية وجود جناحين في البارتي وكل كيان، تحالف الوحدة القومية والمجلس الشعبي، يمثل جناح معين. مجرد إحتمال لا غير.
وأخيراً لم يبقى إلا أن ننطلق وفق كل هذه الوقائع والحقائق سواء قبلناها أم رفضناها نحو القول:
1.   فازت قائمة تحالف الوحدة القومية برئاسة السيد روميو حزيران هيكاري بثلاثة كراسي أي تمثل رسمياً الأكثرية وبالتالي شئنا أم رفضنا فإنها حسب الإنتخابات، المعيار الرسمي الوحيد المتاح، تمثل الكلدان السريان الآشوريين إلى جانب بقية ممثلي القائمتين . ومن الضروري هنا الإشارة بأن على هذه الأكثرية يترتب أكثرية من الإلتزامات والواجبات والمسؤوليات ويضعها في موقف مسؤول ومهم بإعتبارها تمثل "الكتلة الأكبر" حسب القاموس العراقي، لا بل تشكل "ميلاد فجر برلماني جديد"، كما يقول الزميل الكاتب أوشانا نيسان المقرب لتحالف الوحدة القومية  في موضوعه المنشور في موقع عنكاوه، أنظر: http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=908425.0
ومن المؤكد بأن هذا الفجر الجديد البرلماني سيحمل أجندة قومية ملئها مواضيع وإستحقاقات ومطالبات وموقوفات في مقدمتها التجاوزات على أراضي وقرى الكلدان السريان الآشوريين وتصحيح نظام الكوتا بشكل يكون أفضل ولصالح الجميع ويفتح أفاق ديموقراطية صحيحة وإمحاء التهميش في بعض الجوانب السياسية في الإقليم، كلها مسؤوليات ستضع تحالف الوحدة القومية على محك التساؤل عن مدى إمكانية تحقيقها والحصول على مساندة من أصدقائه البرلمانيين الكورد.... أفهل يستطيع تحالف الوحدة القومية إلى جانب المجلس الشعبي تحقيق أماني شعبنا خلال هذه الدورة البرلمانية ليؤكد بأن التحالف والتضامن أو حتى "الدوران في فلك البارتي" خير لشعبنا...  أن الغد لناظره قريب.
2.   بالنسبة لزوعا فأمرهما محير لدرجة يصعب المسك برأس خيط سياستها فيما يخص الإنتخابات الكوردستانية. فقد جاهدت لا بل ناضلت ضد نظام الكوتا فرفضته سواء بالكتابات والبيانات والمواقف لا بل وشاركت مع غيرها من الأحزاب الرافضة لنظام الكوتا، كحزب أبناء النهرين، لأنه نظام فاسد ومستغل من قبل الأحزاب الكوردية الكبيرة فلم تتلقى لا زوعا ولا غيرها إستجابة مرضية من الجهات المعنية الرسمية على طلبها في حصر التصويت بالمسيحيين فقط. ولكن الحيرة هي في الجانب الآخر وهو مشاركتها في الإنتخابات وضمن نظام الكوتا العرجاء الذي رفضته وأحتجت ضده. في منتصف شهر أيلول الماضي زرت مقر زوعا في نوهدرا (حاليا دهوك) وألتقيت ببعض قادتها ومنهم المرشحان السيد كوركيس يعقوب (جوني) والسيد فريد يعقوب إيليا عضوا اللجنة المركزية فكل الأجوبة والأسباب عن مشاركتهم في الإنتخابات، وهم يرفضون ويحتجون على نظام الكوتا،لم تكن مقنعة إطلاقا ولا منطقية يعقلها من يفهم الأبجدية السياسية. على أية حال حققت زوعا نجاح بحصولها على كرسي واحد ضمن هذه الظروف الصعبة والماحقة، ضمن زوبعة هائلة محيطة بزوعا من كل الجهات فإستطاعت أن تفلت منها بكرسي واحد. وإذا حاولنا تحليل تراجعها من كرسيين إلى كرسي واحد خلال أربعة سنوات مضت فما هو إلا تراجع الظروف العامة بـ "المسيحيين" نحو الأسوء من جهة وإنحسار الظروف الخاصة بزوعا نحو الأسوء بكثير نتج عنها كبس الكرسيين في كرسي واحد. ولكن مع كل هذه الظروف العامة والخاصة نقول بأن رفض زوعا لنظام الكوتا ومن ثم المشاركة في الإنتخابات قد وضع نفسه في تناقض صارخ أدى إلى أن يفقد شيئاً من مصداقيته السياسية. ضمن فقدان هذه المصداقية أقول: صحيح أن زوعا كسبت كرسي في البرلمان الكوردستاني ولكن للحق أقول أيضا بأنها خسرت كرسي في قلوب جماهيرها "الكلدانية السريانية الآشورية".
3.   حزب بيت نهرين "الفتي" رفض نظام كوتا وخرج محتجاً ضده لكونه معرض للسرقة من قبل الأحزاب الكوردية الكبيرة فتناسق هذا الموقف تناسقاً جميلاً ومنطقياً مع موقفه في رفض المشاركة في الإنتخابات غير مكترث بخسارة  إمتيازات الكرسي في البرلمان السابق. وقد يقول قائلاً بأن حتى لو كان الحزب قد شارك في الإنتخابات البرلمانية فأنه ضمن الظروف الصعبة الماحقة كان يستحيل أن يحصل على أي كرسي في البرلمان. أي بهذا المعنى بأن قراءته لهذه الظروف كانت صحيحة لذلك لم يشارك في الإنتخابات. وللحق اقول بأن كل الأسباب والمبررات التي بينها الحزب أثناء لقائي مع عدد من قياديه في منتصف شهر أيلول الماضي في مقره في عنكاوه كانت منطقية ومقبولة قائمة على إدراك سياسي ناضج. من هذا المنطق أقول مرة أخرى إذا خسر الحزب كرسي برلماني فأنه من جهة أخرى أثبت مصداقيته وربح كرسي في قلوب جماهيريه "الكلدانية السريانية الآشورية".
4.   أما بخصوص المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري الذي شارك في الإنتخابات وفاز بكرسي واحد أقل بكرسي من الإنتخابات السابقة، فهناك أحجية أو حزورة حاولت حلها ولكن فشلت. الحزورة مأخوذة من إجتماع المجلس في مقره في أربيل في يوم 22/10/2018، فيقول المجلس بخصوص إنتخابات برلمان "كوردستان" (ناقش الإجتماع بعد إعلان المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات والإستفاء ... بعد وكت.. في إقليم كوردستان لنتائج الإنتخابات لبرلمان إقليم كوردستان التي جرت بتاريخ 30/09/2018 والتي فاز المجلس الشعبي بمقعد واحد فيها.... ثم يتابع (وأكد، أي المجلس، على أن قائمة المجلس حصدت أكثرية الأصوات داخل شعبنا، وهذا يدل على مكانة وتأثير المجلس في صفوف أبناء شعبنا)... لا أدري كيف حصد المجلس أكثرية الأصوات ولكن فاز فقط بكرسي واحد؟... وماذا بشأن قائمة تحالف الوحدة القومية التي حصت أكثرية الأصواب وفازت بثلاثة مقاعد؟. حاولت أن أقرأ بين سطور بيان إجتماع المجلس فلم أتوصل إلا إلى نتيجة واحدة مفادها بأنه لا يعترف بعدة ألاف الأصوات التي حصل عليها قائمة تحالف الوحدة القومية  من جراء تصويت قوات البشمركة والعناصر الأمنية وأن الأكثرية التي حصدها المجلس هي داخل شعبنا، كما يقول... أليس كذلك؟
وأخير لم يبقى إلا أن أوكد... وأكد ... مئات المرات، بأنه لو كان عضو واحد أو العشرات من الأعضاء من "الكلدان السريان الآشوريين" في البرلمانين المركزي أو الإقليمي، سواء أكانوا من هذه الكتلة المستقلة أو تلك التابعة لغير الأحزاب فأنه يستحيل  تحقيق خطوة واحدة إلى الأمام لصالح من أنتخبوهم لأنهم جالسون مع أكثرية أعضاء البرلمان الذين لا يؤمنون لا قولاً ولا فعلاً بالحقوق المشروعة لشعبنا ولا يهمهم أية حقوق أو إستحقاقات غير السلطة والمال والجهاه. سأكون مخطئاً 100% فيما إذا برهن أي عضو برلماني "كلداني سرياني آشوري" بأن هناك تشريع لصالح شعبنا شرع وطبق بشكل سليم حينذاك سأطلب منهم إعتذاري الشديد.... لم يبقى إلا أن أقول مع المثل القائل: "ليس أحد أشد عمى من أولئك الذين لا يريدون أن يبصروا"... وأيضا، "ليس أحد أشد صمماً من أولئك الذين لا يريدون أن يسمعون" ونضيف أيضا ونقول"ليس أحد أشد جهلاً من أولئك الذين لا يردون أن يقرأوا"  اللبيت تكفيه هذه الإشارات!!.


92
إحتجاجات ضد قانون الكوتا "المسيحية" و مطاردة "ذيل الكلب"
====================================
أبرم شبيرا

قبل كل شيء أعتذر من القارئ العزيز من أستخدام  عبارة "ذيل الكلب" فهي  واردة ضمن المثل الإنكليزي القائل ((Chasing Dog Tail، أي مطاردة ذيل الكلب. وهو مثل يضرب للمحاولات العقيمة والفاشلة من تحقيق نتيجة معينه، كما هو الحال مع الكلب عندما يطارد ذيله ولا يستطيع الإمساك به. وإعتذاري الشديد نابعاً أساساً من: أولا: كون الكلب حيوان منبوذ ونجس في أكثر المجتمعات الشرقية خاصة العربية والإسلامية بعكس المجتمعات الغربية التي تكن للكلب إحترام شديد ومعزة خاصة ورعاية تصل مستواها إلى رعاية الأب للأبن لدرجة وصلت عند البعض في أعتباره فرد من أفراد العائلة لا بل وأكثر من هذا ففي بعض الأحيان أعتبر كوريث يورث مال صاحبه بعد وفاته. ثانيا: عندما يعجز الإنسان من تحقيق هدف معين  قد ينقاد إلى حالة من اليأس والقنوط مما يصبح في حالة يلجأ فيها إلى أساليب قد تكون غير معتادة وإلى معاني أو مصطلحات غير واردة في كثير من الأحيان. وهي الحالة التي أضطرتني إلى أن أستخدم عبارة "ذيل الكلب" بعد أن أصابنا الكثير من الإحباط من جراء فشل كل المحاولات الخاصة بتعديل قانون "الكوتا المسيحية" للإنتخابات العراقية، سواء في المركز أم الإقليم. وهنا أود التأكيد بشكل مشدد بأن إستخدام عبارة "ذيل الكلب" ليس إطلاقاً لغرض التقليل من أحترامنا للأشخاص المعنيين بالموضوع ولا في الإستخفاف بالجهود التي يبذلونها من أجل أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" ولكن حسرتنا الكبيرة هي على هذه الجهود الضائعة التي يبذلونها وفي غير مكانها لأنها تظهر كحالة مطاردة ذيل الكلب من دون أية نتيجة ضمن نظام سياسي فاسد خلق قانون فاسد لا فائدة منه. لقد قيل الشجرة من ثمارها تعرف... وهكذا.. فساد قانون "الكوتا المسيحية" يعرف من فساد نظام الذي خلقه.

لقد سبق وأكدنا مراراً وتكرارا أن العيب ليس في قانون "الكوتا المسيحية" بل في النظام السياسي وفي عقلية رجال الحكم والسياسية في العراق الذين لا يؤمنون أصلاً بالغير والمختلف رغم بعض الكلمات المعسولة التي يطلقونها هنا وهناك وذلك للإستهلاك السياسي ولتغطية أفكارهم وممارساتهم الطائفية اللاديموقراطية واللاإنسانية التي تهمش شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" وتطمس تطلعاته القومية والوطنية المشروعة. هذا من جهة النظام، أما من جهة شعبنا فهناك العلة الكبيرة المتمثلة في وضعنا السياسي المتشتت التي تصبح ساحة مفتوحة للقوى الكبيرة والمتنفذة أن تعلب دورها كفيما تشاء وتسرق الكراسي المخصصة لأبناء شعبنا من خلال الولاءات التي تخلقها بين صفوف أبناء شعبنا الخاضعين أو الموالين لهذه القوى الكبيرة والأحزاب المتنفذة. هناك نقطة مهمة يجب أن ندركها وهي أن معظم الأحزاب في العالم تحاول بكل الطرق أن تجد لها مؤيدين ومناصرين خاصة في أوقات الإنتخابات والإستفتاءات العامة. ولكن من جهة أخرى يختلف هدف طبيعة هذا الأسلوب من حزب إلى أخر وحسب طبيعة الحزب نفسه. فالأحزاب الديموقراطية والمنفتحة والتي تتعامل وبشفافية شاملة نحو جميع المواطنين ومن دون أي إختلاف أو تفرقة أو تمييز يكون التأييد والمناصرة من  قبل غير المنتمين إلى الحزب فائدة لهم ومحققة لمصلحتهم عندما يفوز الحزب في الإنتخابات ويصل إلى السلطة. أما الأحزاب الطائفية المغلقة والتي تتعامل مع المواطنين بنظرة أو بأسلوب طائفي أو حزبي محدد بقومية معينة فأن حصولهم على المؤيدين والمناصرين لهم، سواء بطرق شرعية أو غير شرعية – كتزوير الإنتخابات مثلا –  أو سرقة كراسي الكوتا المسيحية لا يمكن أن يكون محققاً لمصحلة الغير والمختلف، وهو حال وضع الأحزاب العراقية الطائفية والشعوبية فيما يخص إحتواء أبناء شعبنا من خلال الممثلين الجالسين على كراسي الكوتا المسيحية.

من هذا المنطلق، مهما كانت طبيعة الكوتا المسيحية مفتوحة أو مغلقة للغير المختلف أو لغير المسيحي للتصويت كيفما يشاء وبما يحقق مصالحه فأنه من المحال تغيير هذه الحالة لأن إذا، مثلاً الشيعي أو الكوردي لا يصوت أو يمنع من التصويت لمرشح مسيحي ضمن قائمة الكوتا فأنه لا يغير من الأمر شيئاً طالما هناك ولاءات وخضوع من بعض أبناء شعبنا سائرين في طريق هذا الحزب أو ذاك. إذن من هنا نؤكد التأكيد مرة أخرى بأن التشتت السياسي وعدم قدرة أحزابنا السياسية وقوائمنا الإنتخابية على الإتفاق على الحد الإدنى من مصحلة أمتنا هو علة العلل في إستغلال الكوتا المسيحية وسرقة الكراسي لصالح هذا الحزب أو ذاك وبالتالي تصبح كل جهود مطالبة بتغيير قانون الكوتا المسيحية وحصر التصويت بالمسيحيين فقط أمر لا يحقق النتائج المرجوة طالما هناك من يخدم ويطيع الأحزاب غير المسيحية من أبناء شعبنا الموالين أو الخاضعين لهذه الأحزاب، خاصة عندما نعرف بأن شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري، في العراق بمعظمه يمر بأزمات وفواجع ومأساة وتشريد خالقا وضعاً يسهل إستغلاله من قبل الغير ببعض المغريات المادية أو المعنوية للتصويت لهذا المرشح المسيحي أو ذاك السائر في فلك هذا الحزب "غير المسيحي" أو ذاك. وهذا حدث في الماضي حيث فاز بعض المرشحين من قوائم الكوتا المسيحية ليس فقط بفضل تصويت الغير من خارج المكون المسيحي بل بفضل أصوات أبناء شعبنا البسطاء الذين لعبت إنقسامات وصراعات أحزابنا السياسية وعدم الإتفاق على الحد الأدنى للمصلحة القومية مضافاً إليه الإغراءات المادية والمعنوية دورا في تقرير صوتهم لهذا الحزب أو ذاك من دون الإكتراث للمصلحة القومية الحقيقة أو للأحزاب "الشرعية" الممثلة لأمتنا في الإنتخابات. فالمصلحة الشخصية ضمن هذه الأجواء تلعب دورها الحاسم في التصويت لهذا الحزب أو ذاك.

فلو أخذنا الإحتجاج الأخير ضد الكوتا المسيحية أمام مبنى البرلمان الكوردستاني في أربيل في يوم الأثنين المصادف 30 تموز2018 وتقديم مذكرة إحتاج إلى رئاسة البرلمان من قبل ثلاثة أحزاب وهي الحركة الديموقراطية الآشورية وحزب أبناء النهرين والحزب الوطني الآشوري والذي نشره موقع عنكاوه الألكتروني مع بعض الصور للمتضاهرين، نرى بأنها تأتي في نفس السياق الذي ذكرناه في أعلاه فيما يخص علة العلل في الكوتا المسيحية والمتمثلة في التشتت السياسي لشعبنا خاصة في مثل هذه المناسبات أي الإنتخابات، فالإستنتاج المستخلص من مظاهرة الإحتجاج هو:
أولا: الأحتجاج منظم من قبل الأحزاب الثلاثة المذكورة فقط التي تطالب بحصر التصويت بالمكون المسيحي فقط. ولكن ماذا بشأن بقية الأحزاب والقوى الأخرى التي أعلنت قوائمها الإنتخابية ولم تشارك في هذا الإحتجاج؟ أفهل يعني هذا بأنها راضية عن قانون الكوتا المسيحية أم أنها سائرة في فلك هذا الحزب الكوردي أو ذاك. ففي كلا الحالتين هما تعبير ساطع عن التشتت في المواقف وتمزق مصلحة الأمة بين أحزابنا السياسية وقوائمها الإنتخابية من جهة، أو أن مرشحي هذه القوائم هم ممن يدورون في فلك الأحزاب السياسية الكوردية خاصة الحزب الديموقراطي الكوردستاني (البارتي). وللبرهان على ذلك فأن الفائزة من قائمة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري بكرسي كركوك والفائز من قائمة إئتلاف الكلدان بكرسي أربيل في الإنتخابات العراقية الأخيرة كلاهما أعضاء أو موالين للبارتي. في حين الفائزان بكرسي الموصل وبغداد عن قائمة حركة بابليون هما من مناصري الحشد الشعبي.
ثانيا: من الواضح وضمنا بأن الأحزاب الثلاثة المذكورة هي أحزاب "أشورية" رغم أنها تتبنى التسمية الوحدوية الجامعة "كلدان سريان آشوريون"  في حين نرى بأن الأحزاب "الكلدانية" و "السريانية" لم تشارك في الإحتجاج، أفهل هذا يعني بأن الكلدان راضون عن قانون الكوتا المسيحية؟ ولما لا طالما مرشح إئتلاف الكلدان، العضوة في البارتي فازت بكرسي أربيل.

ثالثا: يظهر من الصور التي نشرها موقع عنكاوة للمحتجين ضد قانون الكوتا والمطالين بتعديله، يظهر بأن التظاهر ليس بذلك الحشد الكبير لا بل والأغرب هو عدم ملاحتنا مشاركة رؤساء وقادة الأحزاب الثلاثة المذكورة في المظاهرة، حسب الصور المنشورة. ولهذا الغياب إن كان حقيقة  فإن له مدلولات ونتائج سلبية على مصداقية هذه الأحزاب وقيادتها لتترك إنطباعاً أقل ما يقال عنها بأنها غير مكترثة وغير صادقة في هذا الأمر فهم يدفعون أبناء شعبنا نحو الواجهة وبالتالي القادة يحصدون النتيجة في حين هم الأشخاص أو الأحزاب المعنيين بهذا الأمر الذي كان يستوجب عليهم أن يكونوا في المقدمة، كما يفعلون ويتزاحمون أثناء مسيرة الأول من نيسان من كل عام.

هذه الأمور كلها تخلق حال، بل حالات من صور الخلافات بين أبناء شعبنا، على الأقل من الناحية السياسية، أضافة إلى تعدد الإنتماءات للجهات والأحزاب الأخرى والتي تؤدي بالنتيجة إلى إفتقارنا الشديد إلى أبسط قواعد التنسيق بين أحزابنا وقوائمها الإنتخابية والإتفاق على الحد الأدنى على المصلحة القومية والتي تشكل كلها علة العلل في مسألة الكوتا المسيحية. فقانون الكوتا المسيحية حتى لو تم تعديله وحصر التصويت بالمكون المسيحي فأن هذا سيكون غير مجدي طالما الإنتماءات والخضوع للغير هو العامل الأساسي في إفراغ الكوتا المسيحية من مضمونا. من هنا نقول بأن كل الإحتجاجات ضد الكوتا المسيحية لتعديله وحصر التصويت بالمكون المسيحي فقط لا تعدو أن تكون سوى "مطاردة ذيل الكلب" فالإحتجاجات يجب أن تنصب على مسألة تشتت شعبنا السياسي وإنقساماته، أي بعبارة أخرى يجب أن تكون هي الهدف المراد إصابته وليس تعديل القانون لغرض الوصول إلى الحد الأدنى من المصلحة القومية. وهنا ينبري السؤال المهم وهو، كيف يمكن أن يتم الإتفاق على الحد الأدنى مع بعض من تلك احزاب ومنظمات شعبنا والتي تدور في فلك الأحزاب الأخرى؟ أفهل ممكن مثل هذا الإتفاق وماهي نتيجته وهل تكفي الكراسي الخمسة لأرضاء هذا الطرف أو ذاك؟؟ ... أسئلة وأسئلة يصعب الإجابة عليها في سطور قليلة ونأمل أن تتحاح الفرصة لنا في المستقبل القريب للتطرق لهذا الموضوع. 

 


93
أحزابنا السياسية "الكلدانية السريانية الآشورية" ... كونوا أو لا تكونوا
To Be or Not to Be
“William Shakespeare”
==================================
أبرم شبيرا

بعد الإنتخابات البرلمانية في العراق التي تعد من أغرب الإنتخابات في التاريخ جاوزت إنتخابات أعتى دكتاتوريات العالم... وبعد ديموقراطية الحرائق في بغداد وتطاول لهيبها صناديق الإقتراع ... وبعد سرقة ونهب الكراسي المخصص لـ "الكوتا المسيحية" وفي وضح النهار وبأساليب "مشروعة" حسب شرعية النظام الفاسد في العراق وكوتته المخادعة التي كانت ولازالت طعماً سهلاً للذئاب الجائعة... بعد كل هذا وصل السكين إلى العظم و لا ندري كيف سيستمر أبناء شعبنا على هذا المنوال وحقهم الطبيعي يُسرق في التمثيل والتعبير عن صوتهم الحقيقي في الوقت الذي أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية سائرة في هذا الموكب المخادع والفاسد ويسجلون قوائمهم الإنتخابية ويدخلون ساحة الكذب والمخادعة والنهب والسرقة والدجل لانتخابات برلمان إقليم "كردستان" ومن دون أن يستفيدوا من دروس جريمة سرقة كراسي "الكوتا المسيحية" من قبل الذئاب الجائعة في مهزلة الإنتخابات البرلمانية التي جرت في الثاني عشر من شهر مايس 2018 وكأنهم لا يعرفون بأن المشهد نفسه في الإقليم سيتكرر في سرقة كراسي "الكوتا المسيحية" تحت غطاء الشرعية والقانون. لقد قامت الحيتان الكوردية الكبيرة بإرتداء قناع "الكوتا المسيحية" لتدخل البيت المسيحي وتسرق من أصحابها حقهم الشرعي والأصلي في التمثيل. صحيح هو أن عدد الكراسي المخصصة للكوتا المسيحية ليست بكثيرة وإحتمال سرقة كرسين أو ثلاثة وربما أكثر ليست بهدف زيادة مقاعد الحيتان الكبيرة فهي لا تغير موازين القوى في البرلمان بل الهدف منها هو مسخ الحقوق الشرعية للـ "المسحيين" في التمثيل السياسي وإبتلاعها بحجة تمثيل الأحزاب الكوردية لكل "الشعب الكوردستاني" من دون تمييز ديني أو قومي.

قلنا في السابق  ونكرر القول مراراً وتكراراً بأن الذي يتعثر بالحجر مرتين هو جاهل.  هكذا مرة أخرى تسير تسعة  قوائم لشعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" على نفس الطريق ومع أصحاب الضلال والفساد والسرقة لللعب معهم في ساحة إنتخابات برلمان "كوردستان" المزمع أجراءه في 30/09/2018 لنعودة مرة أخرى وننعتهم بالجهل والتخلف لأنهم سيتعثرون بنفس الحجر ومن دون أن يتعضوا من دروس الإنتخابات السابقة التي خرجوا منها بنتائج محبطة. ومن الملاحظ في الإنتخابات السابقة بأن الفأس وقع على رأس قوائمنا الإنتخابية ثم بدأوا بأحتجاجاتهم الورقية التي لا طائلة منها ولا هناك من يسمعها خاصة عندما نعرف بأن المتحكمين في الأرض والعباد مشغولون جداً بكيفية تقسيم كعكة نتائج الإنتخابات ولا وقت لهم أو ذرة إهتمام بصراخ أصحاب قوائم "الكوتا المسيحية" خاصة عندما نعرف بأن الكوتا مستثنين من النظر في موضوع تزوير الإنتخابات ومن إعادة فرز الأصوات لأنهم يؤمنون بأن التصويت للكوتا كان صحيحة 100%... يالها من عدالة وحكمة!!!

المنطق السياسي يقول بأن الحزب أو أي تنظيم يسعى للوصول إلى هياكل الحكم يمثل، او من المفترض أن يمثل، أرقى أشكال الوعي الجمعي أو القومي، ومثل هذا الوعي يشكل حصانة ضد المفاجئات خاصة في العملية السياسية كالإنتخابات مثلا. لقد تفاجئ، لا بل أنصدم، أصحاب قوائمنا الإنتخابية من سرقة كراسي الكوتا ومن النتائج المخزية لإنتخابات برلمان المركز غير مدركين أو جاهلين بطبيعة الكوتا ومن يقف خلفها من اللصوص مما يدل على أنهم كانوا غير متحصنين من هذه المفاجئات، أي بعبارة أخرى بأنهم كانوا غير واعين تماماً بالإحتمالات المتوقعة وهم يسيرون في غابة ملئها الوحوش المفترسة وبالتالي لم يكن يملكون وعياً سياسياً حقيقياً بالأمور التي تتحكم في العملية السياسية. هناك مثل يقول "ليس أشد أعمى من أولئك الذين لا يريدون أن يبصروا" وأيضا هناك قول : ليس أحد أشد صمماً من أولئك الذين لا يريدون أن يسمعوا". ألم يقل المثل "الوقاية خير من العلاج". إذن كان من المفترض لأصحاب قوائمنا الإنتخابية أن يمتلكوا وقاية من فايروس الكرسي قبل أن يبحثوا عن علاج علل الكوتا التي لا علاج لها إطلاقا طالما هي ثمرة من ثمرات شجرة النظام الفاسد. ألا يعرف أصحاب قوائمنا الإنتخابية بأن "النمر لا يستطيع أن  يغير رقطه" فالحال نفسه بالنسبة للمتحكمين في أمور الوطن فهم أيضا لا يستطيعون أن يغيروا عقليتهم وأهواءاتهم وشهواتهم في السلطة والتحكم وإبتلاع الصغير قبل الكبير؟ فما الذي يتوقعونه من إنتخابات برلمان إقليم "كوردستان"؟ غير نفس ما جرى في إنتخابات المركز أو أسوأ منها طالما "نفس الطاس ونفس الحمام" تتحكم في الإنتخابات القادمة.

هناك تسعة قوائم "مسيحية" نزلت إلى ساحة إنتخابات برلمان إقليم "كوردستان" ومن الواضح بأن ما يقرب نصف هذا العدد أن لم يكن أكثر سائر في قطار الأحزاب الكوردية في الوقت الذي يعرف أصحاب القوائم المسيحية "المستقلة" حق المعرفة أكثر مما نعرفه نحن بأن السرقة ستتم في وضح النهار وبـ "شرعية" القانون، إذن لماذ السكوت من قبل هذه القوائم "المستقلة" ولماذا يشاركون في هذه الإنتخابات المعرضة للسرقة"؟؟ السبب عن هذه المشاركة ليس الجهل والتخلف فحسب بل أيضاً غياب المصلحة القومية الشاملة من أجندتهم الحقيقية لأن المهم عندهم هو الحصول على كرسي حتى ولو كان كرسي واحد بدون أرجل والكراسي الباقية حصلت عليها ممثلي الحيتان الكبيرة، ونحن نعرف بأن لا كرسي واحد ولا حتى خمسة كراسي تستيطيع تحقيق الحد الأدنى من المصلحة القومية الشاملة لأمتنا، ولكن كرسي واحد يكفي لكي يكون مصدراً للإغناء والشهرة والأنانية والتحزبية أما غير هذا فبئس المصير. إذن فأن أصحاب القوائم الإنتخابية التي سجلت ستدخل الإنتخابات وسترى سرقة كراسي الكوتا ثم بعد ذلك ... نعم.. بعد ذلك تبدأ إحتجاجاتها الورقية التي حتما ستتطاير في الهواء من دون أي نتيجة... ألا تدركون هذا يا "ممثلي" أمتنا؟. هذه الصورة القاتمة لوضع حال أمتنا من حيث تمثيلها في برلمان إقليم "كوردستان" وستكون نسخة مطابقة للوضع الذي آلت إليه نتائج إنتخابات برلمان العراق الماضية. صورة واضحة بدون رتوش او ضلال وتكون مدركة حتى للأعمى والغبي. فأين موقع أصحاب قوائمنا الإنتخابية من هذه الحالة المزرية الذين لا يعرفون بأن إشتراكهم في الإنتخابات سيضيفون عليها شرعية المستبد والظالم والسارق لحقوق أمتنا في أرضها التاريخية...

هناك مقولة تقول "أشعل شمعة خير من لعنة الظلام" .. إذن قد يبدوا للبعض بأن موضوعي هذا وما قبله هو لعنة للظلام ولا فيه محاولة لإشعال شمعة تضيء طريق قوائمنا الإنتخابية... ولكن هذا غير صحيح إطلاقاً... طبعاً الحل لا يمكن من خلال الجلوس على كراسي البرلمان بل من خلال ترك هذه الكراسي الملوثة والجلوس على كراسي الأمة، ومن خلال الخروج في مظاهرات إحتجاجية ضد سرقة كراسي الكوتا المسيحية. وصحيح هو من يقول بأن إستقالة "ممثلي" أمتنا من الهيئات الحكومية سيفتح المجال أوسع لذيول الحيتان الكبيرة للسيطرة على كل كراسي الكوتا. ولكن الخروج في مظاهرات جماهيرية واسعة ستفعل فعلها في سحب "شرعية" وقانونية هذه الذيول من الجلوس على كراسي البرلمان وفي تمثيلها لجماهير أمتنا وستخلق لأحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية شرعية جماهيرية ستكون أقوى بكثير من "شرعية" ذيول الحيتان الكبيرة ومن المؤكد بأن هناك قوى سياسية تقدمية في الإقليم والمركز سيساندون حق أمتنا في التمثيل البرلماني والحكومي الصحيح وستكون قوة ضاغطة على لصوص الكوتا المسيحية لحين إيجاد أسلوب آخر غير الكوتا لتمثيل المسيحين في هيئات الحكم، فما هو السبيل لإيجاد أسلوب جديد في تمثيل المسيحيين؟؟؟ هذا الموضوع يتطلبه معالجة أخرى في المستقبل القريب وهو موضوع مطروح لقراءنا الأعزاء لتناول وطرح مقترحات لإيجاد  مثل هذا الحل ومن خارج الكوتا الحالية.
 
وأخيرا أقول:
كونوا: أبناء آشور بانيبال ونبوخذنصر والشهداء البطريرك مار بنيامين وفريدون آتورايا والمطران توما أودو والبرفسور يوسف بيت هربوط والمبدعين نعوم فائق وفريد نزها الأصلاء الذين رفضوا الظلم والإستبداد وتحدوا الجبروت من أجل هذه الأمة، كونوا رافضين لهذه السرقة عن طريق الخروج في مظاهرات جماهيرية واسعة وأنا واثق بان لأمتنا أحزاب، كالحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا)، قادرة على حشد جماهيري واسع لرفض هذه السرقة، هذه القدرة والإمكانية والخلفية التاريخ الناصعة لزوعا مع الأسف أصابت بفايروس الكرسي وضعفت مقاومتها لإغراءات الكرسي... فكونوا متحصنين ومستقوين بعظمة أمتنا في مقاومة هذا الفايروس والتخلص منه.
أو
لا تكونوا: من رُكاب قطار اللصوص وسارقي صوت أبناء أمتنا فأتركوهم لحالهم وإغسلوا أياديكم منهم وأرتموا في أحظان هذه الأمة لكي تنعموا بالدفئ والحنان وتستعيدوا عافيتكم وحصانتهم من الأجواء الملوثة ومن فايروس الكرسي. وهنا يجب أن تتذكروا بأن "أسوأ الفساد، هو فساد الأفضل". فأنتم الأفضل والأحسن فأبتعدوا عن الفساد حينذاك سنرفع قبعاتنا إحتراماً وتكبيراً لكم لأن تمثيل الأمة يتطلبه التضحية ووضع مصالح الأمة فوق جميع المصالح الأخرى.



94
نماذج في تخلف قادة أحزابنا "الكلدانية السريانية الآشورية" وقوائمنا الإنتخابية بشأن الكوتا والإنتخابات
=========================================================
أبرم شبيرا
توطئة:
------
في المقال السابق تناولنا موضوع تخلف وجهل قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية وقوائمنا الإنتخابية للكثير من الأمور السياسية وخفاياها خاصة ما يتعلق بالإنتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة وكوتتها المخادعة، وأكدنا بأن المقصد من التخلف والجهل ليس عدم الحصول على شهادات علمية أو قلة المعرفة والثقافة العامة بل غياب المصلحة القومية في عملهم السياسي كنتيجة منطقية لغياب الوحدة أو التفاهم أو التنسيق بينهم المرتكز على الحد الإدنى لمصلحة أمتنا والذي أضمحل وتلاشي في أخاديد التحزبية والفردية واللهوث وراء الكرسي من دون أي إكتراث للنتائج السلبية التي قد تترتب على المصلحة القومية لكل أبناء شعبنا بمختلف تسمياته الحضارية. وحتى لا أكون جانيا على الحقيقة والمنطق، فهنا سأسرد بعض النماذج في هذا السياق.

الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) ....و "إلى الوراءءءء  درر": 4-3-2-1-0
----------------------------------------------
معظم أبناء شعبنا وبمختلف تسمياته الحضارية يقر بأن الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) حزب جماهيري وحدوي ناضل في ظروف صعبة وحقق بعض النتائج المفيدة لأمتنا، وهذا أمر لا يتطلبه المدح والإطناب  أو الإنكار والتكذيب فهو معروف للداني والقاصي وللقريب والبعيد. من هذا المنطلق الإيماني بالدور الكبير الذي لعبته زوعا  ومن رغبتنا الجامحة لأن تكون على المستوى الذي كان معروفاً عليها، لم أبخل جهداً او وقتا إلا وبذلته في تعضيدها ومساندتها وترسيخ صداقتي معها سواء على مستوى القيادة أو القاعدة بحيث وصلت لدرجة بأني مُنحت شرف "تهمة" عضو "مخفي" في قيادة زوعا خاصة في الأيام المظلمة لنظام البعث المقبور. وقد تجلى جهدي ووقتي المبذول لزوعا ليس بزيارتهم في مقراتهم في الوطن والدخول في مناقشات سياسية وقومية بناءة معهم وإنما أيضا في الكتابة لهم بمقترحات وأفكار بمسعى المساهمة في تعزيز وجودها وتحسين أسلوب عملها السياسي وإصحلاح هيكلها التنظيمي والإبقاء على ريادتها في الساحة القومية. ولكن مع الأسف الشديد معظم، إن لم نقل كلها، وجدت طريقها إلى سلة المهملات، أو تم ترحيلها إلى الإجتماعات أو المؤتمرات القادمة والتي تطايرت في الهواء خلال سنوات إنعقاد المؤتمرات أو الإجتماعاعات اللاحقة. من هذه المنطلقات المبدئية أتألم ألماً شديداً ويصيبني الكثير من الإحباط واليأس عندما أجد زوعا في تراجع مستمر خلال السنوات القليلة الماضية وحتى يومنا هذا، وهو الأمر الذي دفعني وأضطرني أن أكتب وأنشر في الإعلام الكثير من الإنتقادات البناءة لها ولبعض قادتها عسى ولعل قد يفيد هذا الأسلوب ويضع قادة زوعا في موقع مكشوف عن الإخطاء التي ارتكبها قيادتها بعد أن فشلت كل المحاولات السابقة. ولكن قبل ان نسبب أسباب تراجع زوعا، خاصة فيما يخص الإنتخابات الأخيرة علينا أن ننصفها بعدالة وموضوعية وأن نقيم الظروف التي مرت بها والعوامل المؤثرة في هذا التحول والتي يمكن تلخيصها بما يلي:

الأول: خارجياً قلنا سابقاً ونكررها هنا وبإختصار، أن التحديات التي واجهتها زوعا قبل عام 2003 هي غير التي بعد عام 2003. فإذا كانت زوعا قد استطاعت  النفوذ من خلال التحديات السابقة ومواجهتها عبر نضال قاسي وصعب أكسبها شرعية ثورية وشعبية واسعة وأجلسها على أكثرية الكراسي البرلمانية المخصصة لشعبنا، خاصة في الإقليم، فإن تحديات بعد 2003 التي ملئها الفساد ونظام قائم على المحاصصة والنهب والسرقة تكيفت زوعا مع هذا النظام وشاركته فلم تستطيع أن تحول شرعيتها الثورية إلى شرعية قانونية صلدة. فبعد أن كان مناضلوها ينامون في العراء وعلى الصخور ويأكلون حتى من لحوم الدببة والثعالب ولم تكن وسائل إنتقالهم أكثر من البغال والحمير، أصبح قادتها بعد عام 2003 تنام في بيوت مريحة وتأكل الطيبات وتنتقل بسيارات مدرعة مع عشرات المرافقين وتملىء جيوب بعضها بألاف الدولارات بعد أن كانت جيوبهم مخرومة لا تختزن فلساً واحد. فهذا الأمر في الإنتقال بين مرحليتن أصاب قادتها بالتخمة وبالتالي بفايروس الكرسي الذي أصبح، أي الكرسي، أول اولياتها خاصة في فترة الإنتخابات، بحيث لم تستطيع أن توازي أو تنسق شرعيتها الثورية مع شرعيتها القانونية وباالنتيجة طغت الآخيرة على الأولى ووضعتها في صفحات التاريخ.
الثاني: قبل عام 2003 كانت الساحة مفتوحة وفسيحة أمام زوعا فكانت اللاعب الأول والرئيسي تقريباً على الساحة القومية لأمتنا أكتسبت من خلال المعاناة وصعاب النضال القومي شرعية شعبية أهلتها لأن تنفذ من خلال الهامش الديموقراطي الذي توفر في إقليم "كردستان" وتفوز بأربعة مقاعد من خمسة مخصصة للكوتا "المسيحية" في برلمان الإقليم مع كرسي وزاري. غير أنه بعد عام 2003 وسقوط حاجز الخوف والرهبة أنفجرت النزعات الطائفية والشللية والمصلحية  في مجتمعنا وأنطلقت من جحورها ونزلت إلى الساحة السياسية على شكل أحزاب سياسية أو منظمات مطالبة بحصتها من كراسي البرلمان بعضها مدعومة أو مصنوعة من قبل الحيتان الكبيرة والمتنفذة. فلم يكن من السهل على زوعا مواجهة هذه النزعات ومن خلفها الحيتان الكبير بأسلحة بسيطة وبإمكانيات شحيحة وبدعم ضئيل أو غير موجود أصلا في صراع تمثل بين الإستقلالية في القرار وبين التبعية والخضوع، وبين التوجهات القومية من جهة والنزعات الطائفية والعشائرية من جهة أخرى، فوصلت المنازلة غير المتكافئة إلى نتائج تمثلت في إزاحة زوعا من كراسي البرلمان دورة بعد دورة حتى آلت الأمور إلى ما عليه في إنتخابات عام 2018.

على العموم أن الذي يهمنا هو إنغلاق صندوق دماغ بعض قادتها إنغلاقاً محكماً أدى ذلك إلى أن تصل الحالة بزوعا إلى  هذا التراجع خاصة فيما يخص دورات الإنتخابات وتحديدا الأخيرة منها.  فقد ذكرنا مراراً وتكراراً بأنه يجب على قادة زوعا أن تفكر ملياً عن الأسباب التي أدت إلى أن تخسر مقعد برلماني في كل دورة إنتخابية سواء في المركز أو الإقليم... فمن بين خمسة مقاعد مخصصة للمكون المسيحي حصلت على 4 مقاعد في الإقليم، ثم في الدورة الإنتخابية التالية حصلت على ثلاثة مقاعد من الكوتا ثم نزلت في الدورة الإنتخابية التالية إلى مقعدين، وشددنا التحذير بأن هذا الإنحدار سيستمر نحو مقعد واحد أو بدون مقعد مالم تبحث قيادة زوعا عن أسباب هذا التراجع وتبدأ بمعالجتها حتى لا تصل إلى الصفر. غير أن نتائج الإنتخابات الحالية لعام 2018 وحصول قائمة الرافدين على مقعد واحد، ولا نقول بأن زوعا حصل عليه بل كان من نصيب زعيم الحزب الوطني الآشوري المتحالف معها، مما يثبت بأن زوعا لم تكترث لمثل هذا الإنحدار الملفلف بجملة عوامل خارجية وداخية مؤثرة جداً على مسيرة زوعا حتى وصل الأمر بها إلى بدون مقعد برلماني. وقمة هذا التجاهل والإهمال والخطأ الفادح هو ترشح السكرتير العام لزوعا السيد يونادم يوسف كنا – رقم 1 لقائمة إئتلاف الرافدين – على محافظة بغداد في الوقت الذي كان معروفاً بان الحشد الشعبي حشد كل قواه لضمان وصول مرشح قائمة بابليون والإستيلاء على كرسي بغداد الذي حصل على 941 صوتاً فقط مقابل السيد يونادم الذي حصل6079 صوتا من دون أصوات الخارج التي تدل الدلائل بأن في معظمها صوتت لصالح إئتلاف الرافدين وتحديداً للسيد يونادم، مما يدل، وبلغة الأرقام، بأن السيد يونادم لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة ولكن خسر كرسي بغداد لأن قائمة حركة بابليون في بغداد حصلت على 33172 في حين حصل إئتلاف الرافدين على 19422 فهذا هو الحكم الظالم وغير العادل لقانون الإنتخابات في العراق وكوتته المشؤومة، حيث كان لازماً على قيادة زوعا أداركه ومحاولة تجنبه بقدر الإمكان. واليوم بعد أن أثبت الإنتخابات الحالية لعام 2018 ما ذهبنا إليه فعلى زوعا أن تأخذ الآمور بجدية لو رغبت قيادتها إعادة أمجادها بإعادة النظر في إستراتيجية عملها التنظيمي والسياسي والقومي خاصة وأن الإنتخابات البرلمانية في إقليم "كرسدتان" قاب قوسين، وإلا ستضطر إلى أن تعلن كهولتها والإحالة على التقاعد وهو الأمر الذي لا نرغبه ولا يرغبه غيرنا من أبناء شعبنا المحبين لزوعا.

 حزب ... مجلس... شعبي كلداني سرياني آشوري
--------------------------------
للحق أقول بأنني شخصياً وغيري من المهتمين بالشؤون السياسية  لم يفهم "الخربطات" التي أقترفها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (مجلس) فيما يخص تحوله من مجلس إلى حزب. ففي 30/11/2017 صدر بيان تحت شعار (ضمان حقوقنا القومية ووحدة شعبنا التاريخية في وطن يسوده القانون والعدالة) أعلن فيه إنعقاد المؤتمر الثالث…. الثالث... لحزب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري..... وكتبنا في حينه حول الموضوع بشكل مفصل عن هذه "الخربطات" للحزب وعن مؤتمره الثالث وهو لم يولد بعد ... ويعلن تأسيس هذا الحزب  في مؤتمره الثالث،  في الوقت الذي كان من المفروض أن يكون المؤتمر الثالث للمجلس. ثم ما لبث بعد فترة  طارت كلمة الحزب وعاد الأسم إلى المجلس مرة أخرى. طبعاً كان القصد من هذا "التحزب" للمجلس هو لغرض تسجيله في القوائم المؤهلة لدخول الإنتخابات لعام 2018 غير مدركين بان المجلس كان مسجل كقائمة إنتخابية لإنتخابات عام  2014 حيث كان المطلوب  فقط إعادة تسجيل المجلس مرة أخرى. كل هذا كان يدل بأن المؤتمرين كانوا يجهلون حتى الأبجدية السياسية والعمل السياسي المنطقي والمعقول.

على العموم ما يهمنا هو إنتخابات هذا العام ونتائجها التي لم يكن حالها أكثر من حال زوعا في خسارة كرسي برلماني بعد أن كان يجلس على كرسيين، خاصة والكل يعرف بأن المجلس قام بحملة دعائية كبيرة جداً لمرشحيه حيث خصصت قناة عشتار الفضائية شاشتها ليل نهار للدعاية لمرشحي المجلس وهي الحملة الدعائية الأكبر إتسعاعاً وإنتشاراً ليس مقارنة مع بقية قوائمنا الإنتخابية بل حتى بالنسبة للقوائم العراقية جميعاً، ولكن مع هذا تراجع المجلس من كرسين إلى كرسي.. لماذا؟؟ لأن القائمين على شؤونه كانوا يجهلون العوامل المتغيرة الي لعبت دورها الفاعل في تقليص الكرسين إلى كرسي واحد. الحقيقة تقال بأن المجلس خلال سنواته القليلة من تأسييه حقق نجاح في الحصولين على الكرسين في برلمان الإقليم والمركز في حين هناك أحزاب عمرها يقارب الأربعين عاماً ولم تحقق إي نجاح يذكر بهذا الشأن. ولا أحد يستطيع أن ينكر بأن هذا النجاح كان بفضل دعم وإسناد الحزب الديموقراطي الكردستاني خاصة عندما نعرف بأن الأب الروحي للمجلس هو السيد سركيس إغاجان القيادي البارز في حزب البارتي ووزير مالية الإقليم السابق. ولكن ألم يعرف قادة المجلس قبل إنتخابات 2018 بأن:

1.   الأزمة المالية تضرب الإقليم ولم يعد هناك "نثريات" تصرف للمجلس من قبل البارتي. فمرشيحي البارتي أولى بها لضمان وصولهم إلى البرلمان وكذلك ضمان الأكثرية بشكل مباشر وليس عن طريق ممثلي المجلس.
2.   الكورد بشكل عام والبارتي بشكل خاص يعانون نوع من الفرقة والإنقسامات والتي أثرت على الرأي العام الكوردي مما أستوجب على البارتي أن يقنن أصوات المقترعين ويخصصها لمرشحيه من دون أن يفرط بها لمرشحي المجلس تاركاً المجلس ليقرر مصيره بنفسه. وبأعتقاي الخاص، فإن حتى الكرسي اليتم الذي حصل عليه مرشح المجلس في كركوك  فهو غير بعيد عن العوامل المؤثرة الماضية التي لاتزال تتعشش في أخاديد مجتمعنا في المناطق المتنازع عليها خاصة في كركوك التي تثير التساؤلات عن 20197 صوت حصل عليها المجلس ومرشحها الفائز على 5458 صوت لأن كل الوقائع تشير بأنه لا وجود مسيحي في كركوك بهذا العدد.

أستيقظَ الكلدان على كرسي واحد:
------------------- 
منذ أن بدأت بوادر أكبر مؤسسة دينية في مجتمعنا، الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، برئاسة غبطة البطريرك/الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو بإعلان أهتمامها بالأمور السياسية الكلدانية القومية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وعن طريق الرابطة الكلدانية، شغل الأمر الكثير من أبناء شعبنا بين رافض له بحجة فصل الكنيسة عن السياسة وعدم تدخلها فيها، وبين مؤيد لهذا الأمر المبني على أساس ضرورة تمثيل الكلدان بنسبة معقولة بإعتبارهم أكبر مجموعة مسيحية في العراق، لأن بالنسبة لهم الكلدان المعروفين بـ "المتأشورين" المتواجدين على كراسي البرلمان والوزارة لا يمثلون الكلدان!!. ثم جاءت صرخة أبينا البطريرك المعروفة’ بـ "أستقيظ يا كلداني" قبيل الإنتخابات لتضيف زخماً قوياً آخر على أهتمام الكنيسة بالأمور السياسية خاصة بالإنتخابات. هذا الأمر، أي تدخل أكبر مؤسسة في مجتمعنا، أثار أنتباهي شخصياً وتوقعت أن تكتسح الكنيسة الكلدانية ممثلة بالرابطة الكلدانية والتي نزلت إلى الساحة الإنتخابية بقائمة إئتلاف الكلدان كل كراسي المسيحيين إن لم نقل أغلبها خاصة عندما نعرف:
1.   بأن معظم أبرشيات الكنيسة الكلدانية سواء في الوطن أم في المهجر روجت بشكل أو بآخر لقائمة إئتلاف الكلدان وطالبت مؤمني الكنيسة بضرورة المشاركة في الإنتخابات ونحن جميعاً نعرف مدى قوة تأثير الكنيسة ورجالها على الكثير من أبناء شعبنا.
2.   للكلدان بنى إجتماعية  وجغرافية وديموغرافية وإقتصادية وعلمية قوية جداً في مقارنتها مع بقية أقسام مجتمعنا، غير أنه لم تنعكس هذه البنى في البنية الفوقية الفكرية لينشأ فكر قومي كلداني قوي قابل على نشوء حركة قومية كلدانية جامعة مبنية على بنى تحتية قوية وراسخة. والسبب الرئيسي في ذلك هو الخلفية التاريخية لتأثير الكاثوليكية وموقفها الكابح للفكر القومي والحركات القومية منذ نشوء هذا الفكر والحركات. وهو موضوع سبق وأن فصلنا فيه.

كل هذه العوامل لم تنفع صرخة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو في إستيقاظ الكلدان ولم الشمل والإلتفاف حول قائمة إئتلاف الكلدان غير بكرسي واحد. ولا أدري إذا كان يصح لنا وفقاً للإنتماء الكنسي أن نقول مجازاً بأن الكلدان فازوا بأربعة مقاعد في الإنتخابات، أثنان من قائمة بابليون الحشدية (بغداد والموصل) وواحد من قائمة المجلس الكردستانية (كركوك) وواحد من قائمة إئتلاف الكلدان (أربيل) لأن جميعهم ينتمون للكنيسة الكلدانية حسب إعتقادي. كما يجب أن لا ننسى الوجود القوي والفاعل لأبرشية أربيل الكلدانية وتواجد كلداني كثيف في أربيل خاصة في عنكاوة قد يكون عامل مؤثر في فوز قائمة إئتلاف الكلدان بالكرسي البرلماني لأربيل.

إذن أين الخلل في عدم حصول إئتلاف الكلدان على غالبية المقاعد للكوتا المسيحية رغم صرخة مدوية من أعلى مرجع كلداني ورغم وجود بنى تحتية قوية للكدان سواء في الوطن أم المهجر؟ ويمكن إيجاز الخلل في الأسباب التالية:
1.   من المؤسف بأن قادة إئتلاف الكلدان ورعاتها من الرابطة الكلدانية والكنيسة الكلدانية تجاهلوا وأغفلوا الدروس والعبر للإنتخابات الماضية في كون القوائم التي تسمى بأسماء مفردة أو طائفية لم تنجح ولم تحقق أي نتائج بل كان الفوز دائماً للقوائم التي تبنت التسمية الوحدوية الشاملة لجميع أقسام أمتنا والتي تمثلت في "الكلدان السريان الاشوريين". وهذا الأمر ينطبق بكل حذافيره على بقية التسميات المفردة كالأشورية والسريانية التي لم تفلح ف الإنتخابات السابقة.
2.   لقد ثبت في الماضي والحاضر بأن غالبية شعبنا الكلداني سواء في الوطن أم في المهجر محب للوحدة القومية بين كافة طوائف وأقسام أمتنا وتمثل ذلك في مساندته وتصويته للقوائم التي تسمى بالتسمية الوحدوية. ولا أشك في القول بأن نجاح مرشحي زوعا والمجلس، المتبنيان للتسمية الوحدوية، والوصول إلى البرلمان في الإنتخابات السابقة كان بفعل أصوات الكلدان أكثر بكثير من أصوات الآشوريين والسريان. وحتى في الإنتخابات الحالية لولا تدخل الحشد الشعبي عبر قائمته بابليون وسرقة كرسين لكانا من حصة قائمة إئتلاف الرافدين أو قائمة المجلس.
3.   إئتلاف الكلدان ضم كيانين، هما الحزب الديموقراطي الكلداني والمجلس القومي الكلداني وليس بخاف على أحد من أبناء شعبنا بأن الحزب الديموقراطي الكلداني يعتبر من أفشل أحزابنا السياسية، إن كان فعلاً يستحق تسميته بالحزب، ولا يعود هذا الفشل إلى التخبط في عمله السياسي وعلاقة رئيسه المهزوزة  بالحزب الديموقراطي الكردستاني وبجلوسه على كرسي البرلمان الأسبق ممثلاً عن هذا الحزب ومن ثم طرده من الحزب، بل أن معظم فشله يعود إلى تقوقعه وعناده غير المنطقي بالكلدان وتسببه الكثير من الضرر لهم على المستوى السياسي والتمثيلي. أما بالنسبة للمجلس القومي الكلداني فأنه كان أكثر إنفتاحاً وقبولا للتسمية الوحدوية ومشاركته مع بقية الكيانات الوحدوية خاصة إنضمامه إلى ما كان يسمى بـ "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية، النائم في سبات عميق. هذا التناقض الفاضح بين الكيانين لم يكن يجمعهما سوى التسمية الكلدانية وفايروس الكرسي الذي سعوا إليه في الماضي ولم يحصلوا فوجدوا في دعم وإسناد الكنيسة الكلدانية لهم فرصة سانحة للحصول على حصة من الكعكة البرلمانية. كل هذه العوامل التي غيبها المعنيون بإئتلاف الكلدان جعل أن يفقدوا مصداقيتهم وبالتالي أن يفقد شعبنا وتحديداً الكلدان ثقته بعناصر هذا الإئتلاف. ولكن مع هذا فالبعض يقول بأن فوز إئتلاف الكلدان بكرسي في البرلمان ولأول مرة هو إنجاز كبير. ولكن مثل هذا الأنجاز لا يوازي إطلاقاً ما يملكه الكلدان من قوة في البنى التحتية السالفة الذكر وتأثير الكنيسة على مؤمنيها مما يجعل مثل هذا الإنجاز لا شيء فيما إذا تمت المقارنة بين كرسي واحد وقوة البنى التحتية وتأثير الكنيسة.
4.   معظم أبناء شعبنا بمختلف تسمياته يعارض تدخل الكنيسة في السياسة، فهذا الأمر كان يجب على المعنيين في إئتلاف الكلدان أن يدركوه وأن تحاول الكنيسة الكلدانية الابتعاد عن السياسة بأي شكل من الأشكال وعدم دعم قائمة معنية سواء بشكل مباشر او عن طريق الرابطة الكلدانية أو الإبرشيات التابعة لها. خاصة عندما نعرف بأن للكلدان نخب ثقافية كبيرة وسياسية علمانية مؤثرة تلعب دوراً كبيرا لإبعاد الكنيسة عن السياسة. هذا الأمر أضر إئتلاف الكلدان أكثر مما أفاده وبالتالي لم يحصل إئتلاف الكلدان إلا على كرسي واحد فقط في الوقت الذي كان هناك عوامل، سبق وأن ذكرناها، لو أستخدمت بشكل عقلاني ومنطقي وواقعي لأكتسحت قائمة الكلدان الكوتا المسيحية سواء بغالبية الكراسي أو بأكثر من كرسي واحد.

بعد أن وقع الفأس على رأس حزب أبناء النهرين بدأ يتحرك:
---------------------------------
مهما قيل عن أسباب الخلاف والإنشقاق عن زوعا تبقى صغيرة جداً ومتلاشية أمام سببين:
 الأول: شخصي 100%، ويتمثل في موقف جميع أعضاء، قيادة وقاعدة، حزب أبناء النهرين من السكرتير العام لزوعا السيد يونادم كنا وبالنتيجة كل محاولات عودة المياه إلى مجاريها كانت مشروطة بإزاحة السيد يونادم وعدم قبوله في قيادة التنظيم وبالتالي أدت إلى الفشل. ثم أثناء فترة التحالفات لخوض الإنتخابات جاءت بادرة لتشكيل إئتلاف من زوعا والحزب الديموقراطي الآشوري (أترنايا) وحزب أبناء النهرين لدخول معترك الإنتخابات البرلمانية لا يجمعهم غير موقفهم من مؤتمر بروكسل. غير أن وجود السيد يونادم على رأس هذا الإئتلاف المزمع تشكيله، والذي كان منطقياً لكونه يمثل أكبر تنظيم سياسي في أمتنا وأكثر شعبية، أدى ذلك إلى عدم إنضمام الحزب للإئتلاف وقرر خوض الإنتخابات بقائمته الخاصة.
الثاني: فايروس الكرسي: يظهر بأن الحزب تلذلذ بالكرسي البرلماني الوحيد الذي فاز به عن أربيل في الإنتخابات البرلمانية السابقة لإقليم "كردستان" ويظهر أيضا بأنه أستقوى به ووجد في نفسه قوة كافية لخوض الإنتخابات لوحده من دون السيد يونادم الذي كان باعتقادهم لو أنضموا إلى الإئتلاف سيأكل كل الكعكة ولا تبقى لهم شيء. لكن فايروس الكرسي كان مفعوله أقوى بكثير من طموحات الحزب فقتله عبر نتائج غير مرضية له وخروجه من الإنتخابات كـ "الخروج من المولد بدون حمص".
ثالثا: قد يكون هناك سبب آخر مرتبط بالسببين أعلاه، وهو في الكثير من الأحيان كنًا نسمع من أعضاء الحزب بأن سبب خروجهم عن زوعا وتشكيلهم كيان أبناء النهرين هو لأن زوعا لم يستطيع تحقيق الكثير من المطالب الملحة والمطلوبة لأمتنا وأن مسعاهم لتأسيس الكيان هو السعي لتحقيق هذه المطالب التي فشل زوعا عن تحقيقها. ولكن خلال السنوات القليلة الماضية من تأسيس الميلت وحتى اليوم لم نعرف ما هي هذه المطالب وهل تم تحقيقها على أرض الواقع؟ صحيح هو أن تحقيق مثل هذه المطالب يتطلبها أدوات ووسائل لتحقيقها أو بالآحرى وجود في هياكل صنع القرار السياسي كالبرلمان لتحقيقها وهذا توفر للحزب عند جلوس ممثلها على كرسي برلمان إقليم "كردستان" ولكن ،على الأقل شخصيا، لا أعرف ما الذي تحقق من خلال الجلوس على هذا الكرسي ولم يستطيع زوعا تحقيقه غير البيانات الإستنكارية.

هناك بديهة بسيطة ومعروفة بأن لو أحزابنا السياسية توحدت فإن الموقف السياسي لأمتنا سيقوى عند المطالبة بحقوقها القومية. وعلى الجانب الآخر أيضا لو أنقسمت أو أنشقت أحزابنا السياسية وتم تشكيل حزب جديد وزادت عدد أحزابنا السياسية ستضعف أمتنا في المطالبة بحقوقها القومية وتحقيقها... هذه البديهية تنطبق بكل حذفيرها على المنشقين عن أحزابنا السياسية وتحديداً إنشقاق وخروج أبناء النهرين عن زوعا والذي سبب تشرذم وضعف في قوة الحزب الكبير في أمتنا وأقصد زوعا. وقد لا تجد قيادة زوعا ضعف في هذا الإنشقاق، كما سمعته من بعض قادتها، لكنه من الملاحظ بأن هذا الإنشقاق أنعكس على مستوى الجماهير وخلق فيهم نوع من الإحباط وفقان الثقة بالأحزاب السياسية وتدني شعبية زوعا. فتغييب مثل هذه البديهية البسيطة هي قمة الجهل والتخلف أو هي غلبة المصلحة الشخصية والتحزبية على المصلحة العامة، خاصة عند دخولهم للإنتخابات وهم متشرذمين وفاقدي قوة التأثير وبالتالي خروجهم بنتائج مخيبة لأمال أبناء أمتنا لتزيد بذلك فقدان ثقة أبناء أمتنا بهم وبالتالي تلاشي إهتمامهم بالأمور السياسية والذي تبين ذلك في قلة إهتمام غالبية أبناء شعبنا بالإنتخابات وبالتالي تعرض الكوتا المسيحية إلى القرصنة من قبل الحيتان الكبيرة.

قبل بضعة أيام نشر حزب أبناء نهرين رسالته المفتوحة إلى قيادة الحركة الديموقراطية الآشورية ... ومن خلالها إلى قواعدها ومؤازريها المحترمين ونشرها بتاريخ 31/05/2018 في موقع عنكاوه وقرأها الألاف من قراء الموقع. جميل جداً لهذه المبادرة ولكن نقول:
1.   لقد فقد قادة حزب أبناء النهرين المنطق في أسلوب نشر هذه الرسالة على موقع ألكتروني عام ومفتوح ويخص موضوع حزبي حساس متعلق بجهتين معنيتين بالموضوع. فالرسالة موجهة إلى قيادة زوعا ولكن أرسلت ونشرت في هذا الموقع وقرأها بضعة ألاف ويمكن أن يكونوا قد قرأوها قبل أن يقرأها قادة زوعا. كان من الأجدر والأصح أن ترسل الرسالة مباشرة إلى قيادة زوعا (سري وعاجل !!!) وأن لا تنشر في الموقع،. أو من جانب آخر كان الأصح منطقياً طالما نشرت في هذا الموقع أن تكون موجهة إلى قراء موقع عنكاوة الألكتروني وليس إلى قيادة زوعا. وهنا نقول بأنه من حق الذين أنتقدوا الحزب على نشر هذه الرسالة أن يتهموه بأن غرضها هو التبجح والتظاهر بأنه مبادر للسلم وعودة المياه إلى مجاريها.
2.   على الرغم من أسلوب الرسالة الفاقدة للمنطق فأن تثمينها وتقديرها لهذه المبادرة "السلمية" يجب أن تأخذ بنظر الإعتبار... ولكن ... نعم ولكن، مثل هذا التثمين اوالتقدير يتلاشى نهائياً أمام المبادرات المنطقية والواقعية التي عرضت في السابق على الجانبين في إعادة اللحمة التنظيمية لسابق عهدها، ولكن فشلت أو علقت لأسباب نحن شخصياً نحتفظ بها إحتراماً لكلا الطرفين.
3.   الرسالة جاءت بعد عدم فوز السيد يونادم في الإنتخابات، وهو الأمر الذي أشرنا إليه في أعلاه من أن الخلاف بين الطرفين كان ولا يزال شخصي. إضافة إلى ذلك فأن عدم فوز أي مرشح من قائمة حزب أبناء النهرين في الإنتخابات خلق رد فعل تمثل في رسالته المعنونه إلى قيادة زوعا والتي هي تعبير عن نوع من الخسارة وأريد منها، أي الرسالة، التعويض عن هذه الخسارة بمبادرة "سلمية". وقد أكون صادقاً لو قلت بأنه لو كان قد فاز أي مرشح من قائمة الحزب في الإنتخابات فإن إحتمال عدم نشر مثل هذه الرسالة كان وارداً جدا، حيث كان سيجد في هذا الفوز قوة أخرى لأثبات حقه في الوجود كحزب حقق أكثر مما حققه زوعا. فالرسالة التي جاءت بعد فرز الأصواب وخسارة حزب أبناء النهرين ما هي تعبير عن موقف ضعيف وخاسر. فقيادة حزب أبناء النهرين وأيضا قيادة زوعا يعرفان جيداً بأن هناك الكثير من المبادرات نحو عودة المياه إلى مجاريها الطبيعية ولم تأخذ بها في حينها فكان الأجدر بحزب أبناء النهرين أن يتصل بقيادة زوعا مباشرة لإعادة النظر في هذه المبادرات وإمكانية تحقيقها.   
   
الأحزاب المخضرمة:
 ------------
اقصد بالأحزاب المخضرمة تحديداً حزب بيت نهرين الديموقراطي (كبًا) والحزب الوطني الآشوري (أترنايا) إضافة إلى قائمة تجمع السريان (سرياني). أبتداً أقول بالنسبة لكبًا بأنه أكثر من أربعة قرون من عمره فهو يتخبط في إنشقاقات وتنقلات بين الوطن والمهجر وتحالفات غير مجدية وكذلك صعوبة  نفي تبعيته للحزب الديموقراطي الكردستاني وأخرها دخوله في تحالف إتحاد بيت نهرين الوطني الذي ضم تشكيلات هامشية تطعم التحالف بالبرلماني السيد جوزيف صلوا (قائمة الوركاء الديمقراطية للحزب الشيوعي العراق) واضعاً رهان فوزه في إنتخابات 2018 على الحصان الخاسر، مما ينم عن عدم فهمه لواقع أحزابنا السياسية ودور كل واحد منهم في الساحة السياسية القومية خاصة بعد أن نعرف بأن حزبه، الحزب الشيوعي العراق، قد تحالف مع أكبر كيان شيعي في العراق، تيار الصدر، ويظهر بأنه لم يكن للسيد جوزيف مكان في هذا التحالف ليسير مع قائمة السائرون.

 أربعة قرون من عمر كبًا ولم يفوز في أية إنتخابات برلمانية سواء في الإقليم أو المركز ولم يحقق إي إنجاز يذكر. لماذا؟ كان من المفروض على (كبًا) أن يسأل نفسه هذا السؤال ويبحث بنظرة موضوعية وذاتية وواقعية عن جواب شافي عن علامة الإستفهام هذه. أما بالنسبة لزميله في العمر (أترنايا) فعلى الرغم من أحباطاته في كل تحالفاته الإنتخابية وغياب أي إنجاز من سجله الحزبي فإن أمره في إنتخابات 2018 كان أكثر فطنة وذكاءاً وحقق له الحلم الذي كان بعيد المنال عندما فاز زعيمه السيد عمانوئيل خوشابا بكرسي برلماني، وتمثلت هذه الفطنة والذكاء في:
1.   وضع راهنه على الحصان الرابح ودخوله في تحالف مع أقوى حزب سياسي لأمتنا، وأقصد زوعا، وبالفعل حقق الفوز.
2.   رشح نفسه عن محافظة دهوك وفاز عن الكرسي المخصص لها، المحافظة التي هي بعيدة المنال عن أذرع الحشد الشعبي وتأثيراته وغيره من الحيتان الكبيرة.
3.   هناك تواجد كثيف لأبناء شعبنا في هذه المحافظة بما فيها القرى والقصبات، وأرجو أن لا يتهمني البعض بالعشائرية عندما أقول بأن هناك أعتبارات عشائرية قد تكون لعبت دورها في فوز السيد عمانوئيل.
4.   يبقى هناك سؤال قائم، وهو أن الخلفية التاريخية للعلاقة بين زوعا وأترنايا لم تكن على ما يرام منذ سنوات طويلة وأقل ما يقال عنها بأنها كان تتصف بالجفاء إن لم نقل العداء. وإذا أعتبرنا موقفهما من مؤتمر بروكسل سبباً لتحالفهم فأن هذا وهم وليس مستبعدا ان يتلاشى هذا التحالف بعد فوز زعيم أترنايا وإحتمالية ظهور نوع من المنافسة أو تضارب المصالح بينه وبين السيد يونادم كنا أو بين الحزب الوطني الآشوري و الحركة الديموقراطية الآشورية وإذا ذهبنا أبعد نقول بين قوات دويخ نوشا التابعة لأترنايا ووحدات حماية سهل نينوى التابعة لزوعا... ألله يستر؟ . أرجو أعتبار هذا نوع من التحذير من المخاطر الناجمة عن إفراط عقد التحالف فيكفينا المخاطر الخارجية التي تهدد وجودها في الوطن.

أما بالنسبة لقائمة تجمع السريان، الجديد العهد في الساحة السياسية وما يخص الإنتخابات البرلمانية، يظهر بانها كانت بعيد  عن واقع الحال لأبناء شعبنا السرياني وتوجهاته السياسية والقومية. فجهل أصحابها بهذا الواقع أوقعها في خسارة الإنتخابات. حيث كان يكفيها عدد قليلة من أبناء شعبنا في القصبتين "بيت خديده – الحمدانية" و "برطلة" السريانيتن التصويت لها وفوز احد مرشحيها بكرسي واحد ولكن يظهر بأنهم لم يقوموا بإداءـ "واجبهم البيتي" خاصة وأن أذرع الأخطبوط الحشدي كان واسع الإنتشار والنفود في سهل نينوى الذي حال دون أن يحققوا أية نتائج في بيتهم السرياني فأدى ذلك إلى سرقة كرسي الموصل منهم. هذا إضافة إلى ما سبق ذكره وهو أن غالبية شعبنا يرغب أن يرى بوادر للوحدة القومية وأثبتت السنوات القليلة الماضية بأن التسمية الموحدة مفضلة لدى غالبيتهم بعكس التسمية المفردة، كما سبق وذكرنا في أعلاه بالنسبة لبقية التسميات المفرة كالكلدانية والآشورية.

وأخيرأ:
-----
أكتفي بهذا القدر... مع إعتذاري لطول الموضوع الذي يستحق أكثر وأكثر من هذه الصفحات لأنه فعلاً موضوع هام ومؤلم في نفس الوقت. ومن المؤكد سيقول البعض لماذا أحشر أنفي في هذا الموضوع الذي يخص أبناء الوطن وأحزابهم السياسية وأنا قابع في خيمتي في المهجر... أقول وبملئ الفم... الموضوع يخص أمتي وأنا أبن هذه الأمة إينما كنت في الوطن او المهجر وبالتالي يهمني جداً مصلحة أمتي وإستقلالية قرار أحزابها السياسية التي هي في عين الوقت إستقلالية قرار أمتي فيما يخص شؤونها القومية والوطنية... وهنا للتذكير أقول مرة أخرى، الأمة التي لا يوجد فيها أحزاب سياسية مستقلة ونشطة ستكون  إرادة الأمة مرهونة وخاضعة لإدارة الأمم الأخرى... وأنا لا أريد إطلاقا أن تكون إرادة أمتي خاضعة لإرادة الغير، من هذا المنطلق أنتقد أحزابنا السياسية إنتقادرا موضوعياً وبدون مجاملة لهذا الصديق أو ذاك الحزب لأنني أومن وأمل بأن هذا الأسلوب هو الذي يصحح أخطاء أحزابنا ويقوي من إرادتها وبالتالي تقوى إرادة أمتنا وتصبح غير خاضعة لإرادات الأمم الأخرى.   

95
بعد أن وقع الفأس على رأس أحزاب ومنظمات شعبنا الكلداني السرياني الآشوري
ما الفائدة من الإستنكار والرفض لنتائج الإنتخابات؟؟
=======================================
أبرم شبيرا
غياب مصلحة الأمة  في العمل السياسي هو الجهل والتخلف وليس قلة المعرفة والثقافة:
-------------------------------------------------
للحق أقول بأنني محط جدا ليس بسبب النتائج الهزيلة أن لم تكن الفاشلة لأحزابنا ومنظماتنا وقوائمنا الإنتخابية من جراء انتخابات هذا العام 2018، لأن النتائج كان معروفة سلفاً وهي صورة واضحة عن التشرذم الذي كان سائداً بين القوائم الإنتخابية، بل أن إحباطي هو عن مستوى الوعي الفكري والسياسي المتدني، إن لم يكن معدوما عند قادة هذه الإحزاب والمنظمات ورؤساء القوائم والكتل الإنتخابية التي دخلت لعبة الإنتخابات العراقية. عندما كتبنا قبل بضعة أشهر أو أكثر عن تخلف "الآشوريين" الناجم بالأساس من ضعف أو غياب الوعي القومي وتلاشي المصلحة القومية الشاملة في عملهم السياسي، أنهالت على رأسي الكثير من الإنتقادات والتهم منها بأنني كتبت هذا الموضوع بنوع من التعالي والتجني على قادة أحزابنا ومنظماتنا لأنهم لا يستحقون مثل هذا التجني وهم يعملون ليل نهار من أجل الأمة ويضحون ويناضلون في احلك الظروف وأصعبها في الوطن ونحن قابعون في بيوتنا الدافئة في المهجر. ولكن الفكر أو الرأي شيء والواقع شيء آخر قد يتوافق هذا الفكر أو الرأي مع الواقع أو يختلف ويتناقض معه. وها هو واقع نتائج الإنتخابات يثبت ما ذهبنا إليه من رأي في مسألة الكوتا المسيحية وفساد النظام وخروج ممثلين حقيقين لأمتنا بتتائج محبطة لا تخدم مصلحة أمتنا. وهنا يجب أن أشدد التأكيد بأن ذكري للجهل أو التخلف لا يعني فقدانهم للشهادات الأكاديمية ولا غياب الثقافة العامة عنهم بل جهلهم وتخلفهم هو من الناحية السياسية وأساليبها الهادفة إلى تحقيق مصلحة الأمة.. وبصراحة أقول كل من يعمل لمصلحته الخاصة أو لحزبه ولا يعمل لمصلحة الأمة الحقيقية فهو المعني بصفة الجهل والتخلف. ومثال على ذلك: 1+1=2... هي مسألة بسيطة جداً ومنطقية ومن لا يعرفها فهو نائم في سبات من الجهل والتخلف. وهكذا على نفس النمط أقول أن المصلحة القومية لا تتحقق إلا بوحدة وتفاهم معظم أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية ومن لا يعرف هذه الحقيقة ويعمل من أجلها فهو أيضا نائم في سبات من الجهل والتخلف. نزلت إلى ساحة الإنتخابات عدة قوائم لتمثيل المسيحيين فجاءت نتائجها لتعكس بالتمام والكمال عن تخلف وجهل أصحاب هذه القوائم. ألم يكن يدركون بأن من دون تفاهم ووحدة وتنسيق بينهم لا يمكن أن يحققوا المطلوب وأن باب الكوتا سيكون عرضة للسرقة والنهب وزيف التمثيل؟ الجواب واضح في النتائج المحبطة التي رفضوها. إذن من الملام الحشد الشعبي أو قائمة بابليون أم البارتي أم الذين لم يقترعوا أو .. أو، أم أصحاب قوائمنا الإنتخابية ؟ فعندما توحدون صفوفكم وتنسقون بين قوائمكم ولو في حده الأدني فنتائج  الإنتخابات ستكون مضمونة ومقبولة أو أفضل مما أفرزته الإنتخابات الأخيرة. قريباً شعبنا في إقليم "كوردستان" مقبل على إنتخابات برلمانية، أفهل سيتعض قادة أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية ويتعلموا بعض الدروس من الإنتخابات البرلمانية في المركز ويعوض بعض مما فقدوه؟... نعود لنقول: من يتعثر بحجر مرتين فهو جاهل، فنرجو منهم أن لا يتعثرون بنفس الحجر مرتين وإلا صفة الجهالة ستنطبق عليهم مرة أخرى.
الكوتا المسيحية أسلوب لمسخ تطلعات المسيحيين في العراق:
-----------------------------------------
لقد تعبنا وبح صوتنا وأنهكت قوانا الفكرية من التكرار في القول بأن نظام الكوتا أسلوب رجعي ومتخلف يعكس عن تخلف المجتمع بشكل عام الذي لا يقبل الغير والمختلف وبالتالي لا يخدم إطلاقا مصحلة الشعب أو الأمة التي يخصها الكوتا، والكوتا المسيحية هي التي تهمنا هنا. أما الحديث عن فساد النظام وطائفيته المقيتة (أنطر دستور العراق الذي لا مثيل له في تناقضاته الفاضحة بين طائفيته و محاولة إضافة نوع من التعددية والديموقراطية عليه – لنا مراجعة في هذا الموضوع في وقت آخر) فالحديث عنه بلا حرج. أقولها بصراحة لو كان قادة أحزابنا ومنظماتنا وكتلنا الإنتخابية يعرفون أبجدية نظام الكوتا لما اهتموا به وحاولوا إستخدامه للوصول إلى كراسي البرلمان بل لرفضوه جملة وتفصيلا وأكتسبوا مناعة ضد فايروس الكرسي.. فهذه الكوتا هي للمسيحيين، أي بمعنى آخر هناك خمسة كراسي محجوزة للمسيحيين وليس هناك إطلاقاً أشارة أو تحديد الإنتماء السياسي والفكري لهؤلاء المسيحيين، أي بهذا المعنى كل مسيحي عراقي سواء أكان مؤمن أو ملحد، شيوعي أو بعثي، حشدي أو كردي، شمالي إقليمي أو وسطي بغدادي، من زاخو أو من البصرة، منتمي إلى حزب سياسي (أ) أو لحزب سياسي (ب) فطالما هو مسيحي إذن حسب الكوتا له الحق في الترشيح.  ويعتبر البرلماني جوزيف صليوا المسيحي، الفائز في إنتخابات عام 2014، من قائمة الوركاء الديموقراطية التابعة للحزب الشيوعي العراقي والسيدان أسوان سالم صادق وبرهان الدين أسحق أبراهيم إلياس ضمن قائمة حركة بابليون التابعة للحشد الشعبي والسيدة ريحان حنا أيوب شكرو الفائزة ضمن قائمة المجلس الشعبي الكلداني الدائرة في فلك الحزب الديموقراطي الكوردستاني والفائزون في انتخابات 2018 نماذج واضحة في هذا السياق. أما أن يدافع هؤلاء الفائزون عن مصالح المسيحيين ويحققوا أهدافهم فهذا شأن مختلف مرتبطة بالجهة التي ينتمي إليها والتي أيضا لها أجندة خاصة بخصوص المسيحيين سواء أكانت أجندة حقيقية أو كاذبة تسعى إلى خدمة المسيحيين أو إبتلاع حقوقهم. ولكن مع كل هذا فأن النائب البرلماني في العراق سواء أكان مسيحي أم غير مسيحي فهو يمثل كل العراقيين وليس فئة معينة. لذلك هناك الكثير من علماء السياسة والسياسيون يرفضون نظام الكوتا في الإنتخابات لأنه سهل الإستغلال من قبل أحزاب الأغلبية لصالح أجندتها الخاصة، فمن هذا المنطلق فإن الكثير من دول العالم المتقدمة والديموقراطية لا تأخذ بنظام الكوتا سواء أكانت للنساء أو للإقليات.
أستغرب إستغراباً شديداً عندما أرى إحتجاج قادة احزابنا السياسية الخاسرون في الإنتخابات ورفضهم لنتائجها بسبب سرقة كراسي من حصة المسيحيين من قبل الحيتان الكبيرة.... عجيب ... غريب أمر هؤلاء في جهلهم للسياقات السياسية التي يسير عليها النظام السياسي الفاسد وقراصنته، وجهلهم الأكبر هو في طبيعة الكوتا المسيحية. أليس الفائزون الخمسة للكوتا المسيحية مسيحيون؟ أليس مرشحوا قائمة بابليون الفائزون مسيحيون؟ فهم سيجلسون على هذه الكراسي، شئنا أم أبينا، وسيمثلون قانونياً وشرعياً المسيحيين في العراق، إذن لماذا الإحتجاج والرفض؟ فالقانون تم تطبيقه بحذافيره !!. هناك إستغراب أكثر عن الجهل عندهم في الكثير من الأمور السياسية التي تتحكم بمصير العراق وبمصير أمتنا. فإذا كان من حقهم، على الأقل من الناحية القانونية، الإحتجاج والرفض لنتائج الإنتخابات فيما إذا شابهها التزوير والتلاعب بالنتائج، لكن هذا الحق سيان في نظام سياسي فاسد. لماذا؟ لأن نتائج الإنتخابات المخيبة لأمال بعض من أحزابنا السياسية هي نتيجة حتمية ومنطقية لطبيعة النظام السياسي الفاسد وللكوتا المسيحية كأداة لهذا الفساد. إذن الإحتجاج والرفض يجب أن ينصب على المصدر الفاسد الذي أخرج هذه النتائج، أي على النظام والكوتا وليس على النتائج فحسب، أي على المضمون وليس الشكل.   
 أقول أن مثل هذا الإستغراب يزول عندما ندرك بأن جهل وعدم معرفة هؤلاء القادة بنظام الكوتا البغيض يؤكد ما سبق وأن ذكرناه بالتخلف السياسي لقادة أحزابنا بهذا الشأن. أقولها صراحة من يشارك في أية لعبة كانت، ومنها اللعبة السياسية للإنتخابات العراقية أو في النظام السياسي فعليه أن يلتزم بقواعدها ويحترمها لأن مشاركته في هذه اللعبة هي موافقة صريحة وقبول واضح لقواعدها، وبالتالي لا يحق لكل من يشارك فيها أن ينتقدها ويرفضها طالما هو جزء منه، خاصة بعد خسارته وحرماته من المنافع التي كان يتوقع الحصول عليها من جراء إنتماءه إلى هذا النظام أو ذاك الحزب. وحتى إذا كان من حق الخاسر أن يرفض نتائج اللعبة ويدينها، كما هو رفضهم لحصول قائمة بابليون الحشدية على المقدمة، فإن هذا دليل على جهل مطبق لقادة أحزابنا بالطبيعة السلبية للكوتا المسيحية. فنتائج الإنتخابات السلبية هي ثمرة من ثمرات سلبية الكوتا المسيحية. فعندما يكون الأساس فاشل فأن البنيان سيكون فاشل أيضا أو عندما يكون المبدأ خطأ تكون التفاصيل خاطئة أيضا... مجازاً أقول للمحتجين على نتائج الإنتخابات والرافضين لها أن يشكروا بقية الأحزاب العراقية التي لم تصنع قائمة خاصة بها من المسيحيين، كما فعل الحزب الشيوعي العراقي سابقاً وعمل الحشد الشعبي حاليا، أو تدفع بأعضاءها المسيحيين إلى الإنتخابات وفازوا بجميع الكراسي وليس بأغلبيتها. والغريب العجيب هو دعوة بعض قادة أحزابنا إلى حصر الإقتراع على الكوتا المسيحية بالمسيحيين فقط كحل لحجب وأبعاد غير المسيحيين من التصويت على الكوتا المسيحية وهو أمر إن لم يكن مستحيلاً فهو شبه مستحيل لأنه يفتقر إلى المنطق والتطبيق، ليس لأنه يخالف المبادئ الأساسية للدستور وقانون الإنتخاب بل لأن مسألة التفريق أو التمييز بين المسيحي وغير المسيحي عند الإقتراع أمر في غاية الصعوبة أو الإستحالة خاصة عندما تكون الأسماء الشخصية مشتركة بين مسيحي وغير مسيحي (أنظر على سبيل المثال أسماء قائمة بابليون)،  أو تكون الهوية الشخصية خالية من تحديد الإنتماء الديني. وحتى لو أمكن، أي حصر الإقتراع بالمسيحيين فقط، فإن ذلك سيخضع لتأثير وإغراءات القوى الكبرى المتحكم في النظام الفاسد التي ستعلب دوراً كبيرا في التأثير على الناخبين المسيحيين طالما هناك بعض من أبناء شعبنا خاضع للتجاذبات السياسية التي يقف خلفها قوة السلطة والمال والمركز وهي الأمور التي تسهل مهمتها وتحقق أهدافها خاصة عندما يكون المكون المسيحي غير موحد ويفتقر إلى الإجماع على الحد الآدنى من المصلحة القومية.
إذن ما الحل؟
---------
التحديات التي تواجهها أمتنا في وطن الأم هي تحديات مميتة تضع أبناؤها في التحليل الأخير على مسار الفناء من أرض الوطن التاريخي. فمن هذا المنطلق يصعب جداً أن لم يكن مستحيلاً إيجاد حل لمواجهة هذه التحديات المأساوية. كثيراً ما شبهت أوضاع أمتنا في الوطن كالمرض المميت، سرطان أو ضعف المناعة، فعلى الرغم من المصير المحتوم للمصاب بهذه الأمراض إلا أن العلماء والأطباء يسعون بكل جهدهم العمل لإيجاد دواء شافي أو للتخفيف من حدتهما المميتة أو لإطالة عمر المريض.   والحال نفسه بالنسبة لأمتنا فمهما كان الوضع ميؤساً منه إلا أنه يستوجب على أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية والخييرين من أبناء أمتنا العمل والنضال بالطرق السليمة والمنطقية المبنية على أساس مصلحة الأمة قبل كل شيء لعل قد يجدون الحل المناسب وفي الوقت المناسب لمأساة أمتنا أو للتخفيف من حدتها كحل أولي ومبدئي للأوضاع المأساوية لأمتنا في الوطن. أقولها كما ذكرتها مراراً وتكراراً بأن مثل هذا الحل الأولي والمبدئي لا يمكن أن نجده إطلاقاً ضمن نظام فاسد وعبر أخاديده الظلماء ما لم يتحرروا منه ويعالجوا أنفسهم من فايروس الكرسي ثم البحث عن المفتاح الذي يفتح الباب نحو غرفة الجلوس على مائدة التفاوض والتفاهم بين أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية بروح ملئها المصلحة القومية العليا... ولكن... نعم ولكن "من يعلق الجرس في رقبة القط" حسب المثل المعروف .. اللبيب تكفيه هذه الأشارة.   


96
مقابلة مع أبرم شبيرا حول الكوتا "المسيحية" والإنتخابات
===============================
أبرم شبيرا
---------------------------------------------------------
أبرم 1:
بعيد عن المجاملات والألقاب مثل رابي والسيد والكاتب القومي... نبدأ مباشرة بالأسم ونقول أهلا وسهلا أبرم 2  وبينما نحن في أجواء مشحونة بالمناقشات والإجتماعات وضجيج الندوات التعريفية بالقوائم الإنتخابية لشعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" أو شعبنا المسيحي حسب سياقات هذا الزمن الظالم ونتساءل أين أنت من كل هذه الجلجلة ولم نقرأ كلمة واحدة منك عن هذه الإنتخابات في الوقت الذي ترى بأن معظم أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية وشخصيات مستقلة وكتابنا ومواقعنا الألكترونية مشغولة بها ويسعى كل واحد منهم سواء بتحالفه مع الغير أو دخوله معترك الإنتخابات لوحده وبشكل مستقل من أجل الحصول على كرسي أو كراسي في البرلمان العراقي، ولكن قبل هذا وذاك نود أن نعرف رأيك بما يسمى بـ "الكوتا المسيحية"، فما الذي في جعبتك عن هذه الكوتا؟
أبرم 2:
الكوتا، التي تدخل لأول مرة كمصطلح سياسي وممارسة إنتخابية في تاريخ العراق السياسي وتحديدا ما يخص شعبنا، هو مقتبس من الكلمة الإنكليزية (Quota) والذي لا معنى له بالعربية إلا "حصة" وشاع أستخدامه في المجال الإقتصادي عند تحديد حصة دولة معينة في تعاملها الإقتصادي فيما يخص التصدير والتوريد لبضائعها مع دولة أخرى ضمانا للموازنة في التعامل التجاري بينهما. وشاع إستخدام الكوتا أكثر في عالم السياسة عن طريق تخصيص نسبة معينة أو عدد محدد من كراسي البرلمان أو المجالس البلدية لفئة معينة ومختلفة عن الأكثرية لضمان وصولها إلى هذه الهيئات، والأكثر شيوعا في هذا المجال هو الكوتا النسائية و كوتا الأقليات القومية والدينية وكذلك هناك أيضا كوتا لبعض المناطق لضمان تمثيلها في البرلمان. فالعديد من الدول في هذا العصر تأخذ بنظام الكوتا سواء بالنسبة للنساء أو الأقليات أو المناطق، وهناك فقهاء في القانون والسياسة بعضهم يعارضون نظام الكوتا والبعض الآخر يؤيده ولكل طرف حججه.  العراق واحد من الدولة التي تأخذ بنظام الكوتا فيما يخص النساء والأقليات والمحافظات. وهنا ما يعنينا هو الكوتا المخصصة لشعبنا "المسيحي" بخمسة مقاعد سواء في البرلمان المركزي أو البرلمان الإقليمي في "كردستان".
أبرم 1:
إذن يمكن القول بأن الكوتا المخصصة لشعبنا هو إمتياز جيد وضمان لحقوقنا السياسية في وصول أبناء شعبنا إلى هيئات صنع القرار السياسي في العراق وإسماع صوتهم بمسعى تحقيق مصالح شعبنا من خلال  وجودهم في هذه الهيئات الرسمية... أليس كذلك؟
أبرم 2:
قد يبدو من الناحية الشكلية بأن هذا صحيح ولكن من الناحية الفعلية هو عكس ذلك تماماً. ولبيان ذلك يجب أن نعرف طبيعة المجتمع والنظام السياسي القائم فيه، وطبقاً لذلك يجب أن ننظر إلى الكوتا من ناحتين: من الناحية الرسمية والشكلية، يظهر بأن الكوتا نظام إنساني وديموقراطي يتيح فرصة للأقليات للوصول إلى مراكز صنع القرار السياسي طالما غير ممكن لهم  من الوصول إلى هذه المراكز عن طريق الإنتخابات العامة المفتوحة للجميع دون أي تمييز. هنا يفرض السؤال نفسه وبقوة لنتساءل: لماذا لا يستطيع ممثلوا هؤلاء الأقليات من الوصول إلى مراكز صنع القرار السياسي عبر الإنتخابات العامة التي هي مفتوحة وبالتساوي لجميع المواطنين؟ الجواب واضح وضوح الشمس وهو لأنه أولا: عددهم قليل في مقارنة بالنسبة المطلوبة للفوز بالإنتخابات. وثانيا: الأغلبية من الشعب، وحديثنا هو عن العراق، لا يؤمن بحقوق هؤلاء الأقليات في الوصول إلى مراكز الحكم فلا يصوت لهم. فمن المؤكد لو ترشحوا ممثلي الأقليات وفقاً للأصول المتبعة في الإنتخابات الرسمية فسوف لا يحصلون إلا على عدد قليل من الأصوات ومن بعض من أبناء جلدتهم والتي من المؤكد لا تؤهلهم للحصول على مقعد واحد. إذن العقلية التي تتحكم في المجتمع والتي لا تقبل المختلف تكون هي سيدة الموقف في تقرير مصير وصول أو عدم وصول ممثلي الأقليات لمراكز صنع القرار السياسي. من هذا المنطق نقول بأن الكوتا من الناحية الفعلية هو نظام متخلف ورجعي وليس له نتائج فعلية في ضمان حقوق الأقليات السياسية والدستورية. تصور هناك دول عربية وإسلامية نسبة النساء المقترعات في الإنتخابات العامة أكثر بكثير من نسبة الرجال ولكن ولا أمرأة واحد من المرشحات فازت في الإنتخابات البرلمانية رغم أعطاء الحق لهم في التصويت، وهذا يدل على أن المجتمع متخلف ورجعي لا يقر بحق المرأة، والحال نفسه مع الكوتا "المسيحية" في الإنتخابات العراقية. فبدون الكوتا لا يمكن لممثلي الأقليات الوصول إلى البرلمان.
أبرم 1:
ولكن يا أبرم 2 المهم هو وصول ممثلي شعبنا إلى البرلمان، أليس هذا إنجاز جيد ووسيلة رسمية وقانونية لتحقيق مصالح شعبنا في العراق؟
أبرم 2:
صحيح هو إنجاز ولكن ليس لشعبنا بل للنظام السياسي في العراق والقوى الحاكمة والمسيطرة على مقدرات الوطن. فوجود الأقليات خاصة كشعبنا المسيحي في البرلمان والمؤسسات الحكومية هو كديكور يعطي إنطباع بأن النظام هو ديموقراطي تعددي ووطني ولكن في الحقيقة والجوهر هو نظام طائفي حتى العظم لا بل نظام يمثل قمة الفساد نال شهادات عالية عالمية في الفساد منحت له من قبل منظمات دولية معروفة وأعتبرت العراق من بين أسوء دول العالم من حيث رغبة العيش فيه. أفهل هذا صحيح أم غير صحيح؟؟؟ فمن يقول بأنه غير صحيح فهو منافق وجزء من هذا النظام المتعفن، لأن مشاطرة أو المشاركة في مثل هذا النظام هو كجزء فاسد ومتعن من الكل الفاسد والمتعفن. فكيف نسمح لأبناءنا وهم جزء من شعبنا أن تتلوث أسماؤهم بفساد وعفن النظام السياسي وشعبنا معروف للداني والقاصي، للمؤمن والتكفيري، بالإخلاص والنزاهة والتفاني لخدمة العراق طيله تاريخه المعروف.
أبرم 1:
إذن من هذا المنطلق في وصف النظام السياسي في العراق بالفساد والتعفن والطائفية والمحاصصة يستحيل على ممثلي شعبنا تحقيق حتى الحد الأنى من مصالح شعبنا، أليس كذلك؟
أبرم 2:
هذا صحيح 100%. فعندما نقول بأن الأغلبية العراقية خاصة القوى السياسية التي تمثل هذه الأغلبية والقابعة على كراسي البرلمان هي أصلا لا تؤمن بحقوقنا المشروعة في الوطن لا بل الأكثر من هذا فبعضهم لا يقر بوجودنا ويأمل في يوم ما أن يكون العراق خاليا من شعبنا الأصيل. فإذا كان داعش الإجرامي ظاهر على السطح في إمحاء وجودنا من الوطن فهناك في الكوامن الداخلية لبعض الجالسين على كراسي البرلمان والحكم نفس أفكار داعش ولا يتوانون أن ينقلوها إلى الفعل والواقع عندما تحين الفرصة المناسبة لهم وعندما يسقط القناع من وجوهم وتنكشف بواطنهم الداخلية عبر بعض القوانين المتخلفة والظالمة بحق شعبنا والتي ستصبح عاجلاً أم آجلا ممارسات سياسية في القضاء على وجود شعبنا في الوطن. يتكون البرلمان العراقي من 328 عضو مضافاً إليه 5 مقاعد مخصصة للمسيحيين و 4 لبقية الأقليات، وطالماً الديموقراطية هي الصغية المتبعة في أسلوب الحكم فطبقاً لذلك فالغلبة هي للعدد أي الأغلبية. إذن كل محاولات "ممثلي" شعبنا في البرلمان والسعي للحصول على بعض الإمتيازات لشعبنا سوف تذهب، وذهبت فعلاً، أدراج الرياح. اليس هذا فعلاً تضيع للوقت والجهود لأبناء أمتنا ونحن نعرف شخصياً بأن البعض من هؤلاء "ممثلي" أمتنا لهم كفاءات عالية ومخلصين للعمل المتفاني لشعبنا وللعراق عموماً. أليست هذه حروب دونكيشوتية ضد الشياطين كما وصفناها في السابق؟ قد يكون من الظلم مقارنة وضع العراق مع بريطانيا ولكن الضرورة تفرض نفسها هنا للتأكيد بأن الديموقراطية ليست في الكلمات والسطور والقوانيين والدساتير فحسب بل قبل كل شيء يجب أن تكون الديموقراطية في العقول وذهنية المتعاملين بالسياسة. فعلى سبيل المثال، قبل بضعة سنوات وأثناء الإنتخابات البريطانية العامة جاء بعض من أعضاءالحكومة المحلية في منطقة إيلينك – غرب لندن - التي تسكنها غالبية آشورية إلى النادي الآشوري وبينً لهم بأن لهم الحق في إستعمال لغتهم القومية (الآشورية) في التعليمات والإرشادات الخاصة بالإنتخابات وفعلاً تم طبع (فلاير – منشور) باللغتين الإنكليزية والآشورية. والحال نفسه بالنسبة لقضية إضطهاد الآشوريين المسيحيين في العراق، فأنها لا تطرح  وتناقش في البرلمان البريطاني من قبل أحزابنا وتنظيماتنا القومية، رغم مساعي الحركة الديموقراطية الآشورية بهذا الشأن، بل من قبل أعضاء في البرلمان البريطاني لا علاقة لهم بالآشوريين لا مصلحياً ولا قوميا بل يؤمنون أيما إيمان بحقوق الإنسان والأقليات. والحال أكثر وضوحاً بالنسبة لفوز خمسة أعضاء من أبناء شعبنا في البرلمان السويدي فهم لم يصلوا بموجب كوتا مخصصة لهم ولا بأصوات أبناء شعبنا هناك بل وصلوا للبرلمان بأصوات السويديين. 
أبرم 1:
أرجو يا عزيزي أبرم 2 عدم الإطالة في هذا الموضوع لأنه سبق وأن طرحته بشكل مفصل في مناسبات سابقة، ولكن الذي أريد أن أعرفه منك هو موضوع أختراق هذه الكوتا من قبل بعض القوى السياسية العراقية وإستغلالها لسرقة كرسي أو أكثر من حصة شعبنا، وهو الموضوع الذي أثير وأحتج عليه أكثر من مرة من قبل بعض أحزابنا السياسية؟
أبرم 2:
هذا صحيح فسرقة كراسي الكوتا من قبل بعض القوى السياسية العراقية هي ممارسة لا تخرج عن إطار الفساد السياسي المستشري بين هذه القوى بشكل خاص وبين أخاديد النظام السياسي في العراق بشكل عام. والملاحظ بأن أساليب سرقة كراسي الكوتا تتم بطريقتين:
الأولى: طرح مرشح "مسيحي" منتمي إلى أحدى الأحزاب العراقية سواء بشكل إنفرادي أو تشكيل قائمة على أعتبار أنها قائمة مسيحية هدفها قبل كل شيء هو تحقيق أجندة الحزب الذي ينتمون إليه وإن يظهرون شكلياً بأنهم يسعون إلى تحقيق مصلحة شعبنا، فواقع الإنتخابات السابقة يثبت هذه الحقيقة.
الثاني: التصويت بشكل مكثف من قبل أعضاء أو الموالين "للحزب غير المسيحي" للمرشح الدائر في فلك الحزب لضمان فوزه بكرسي في البرلمان. ففي الإنتخابات السابقة، وليس مستبعداً أن يحدث في الإنتخابات القادمة، فاز مرشح "مسيحي" بأصوات كثيرة جاءت من منطقة لا يسكنها المسيحيون ولم تأتي هذه الأصواب للمرشح "المسيحي" إيماناً بالديموقراطية وبحق المسيحيين في الوصول للبرلمان بل جاءت بأوامر من الحزب الذي ينتمون إليه أو يؤيدونه.
أبرم 1:
إذن ما الحل؟ هل تعتقد بأن محاولات بعض أحزابنا السياسية للحد من سرقة كراسي المسيحيين هي غير مجدية وليس لها آذان صاغية.
أبرم 2:
هذا صحيح لأن مسالة السيطرة أو الحد من سرقة كراسي المسيحيين صعبة جداً أن لم تكن مستحيلة طالما صفة المسيحي تنطبق على المرشح التابع للحزب غير المسيحي والحال نفسه بالنسبة للقائمة الإنتخابية المفبركة من قبل الحزب غير المسيحي طالما أعضاء القائمة مسيحيون. كما لا يمكن منع كردي أو شيعي، على سبيل المثال، من التصويت لمرشح مسيحي دائر في فلك حزب كردي أو حزب شيعي. لهذا السبب نقول بأن الكوتا المسيحية غارقة في بحر من فساد النظام السياسي في العراق ولا تعدو إلا كلمة منمقة يستفيد منها النظام نفسه وبعض "ممثلي" شعبنا في البرلمان الخارقين في نفس بحر الفساد أكثر بكثير مما يستفيد منها شعبنا في العراق.
أبرم 1:
هناك سبع قوائم مسيحية نزلت إلى ساحة الإنتخابات البرلمانية وبحدود 70 مرشحاً  في هذه القوائم وبعضهم في القوائم غير المسيحية تم غربلتهم من قبل المفوضية المستقلة للإنتخابات وثبت عدم شمولهم بإجراءات المسائلة والعدالة، فما رأيك بهذا؟
أبرم 2:
برأيي أن عدد القوائم والمرشحين كبير جداً في مقارنة بالكوتا المخصصة بخمسة مقاعد. والمشكلة ليس في هذا بل في التناقضات الكبيرة والواضح بين هذه القوائم والمرشحيين والتي تعكس وبوضوع التناقاضات والأزمات التي يمر شعبنا بها في العراق. هذا من جهة. من جهة أخرى نرى بأن الظاهر هو غياب الأسم الآشوري بشكل مستقل في القوائم الإنتخابية بعكس الحال مع الأسم الكلداني والسرياني، بإستثناء ما ورد في التسمية المركبة الموحدة (كلداني سرياني آشوري) ومن الملاحظ بأن هذه القوائم سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون تشكل أكثرية وتعكس في نفس الوقت صورة واضحة عن رغبة شعبنا في الوحدة سواء من حيث التسمية أو الفعل. وهناك غرابة بعض الشيء في الإئتلافات والتحالفات، فنرى الذي كان يؤمن ويعمل بالتسمية المركبة والموحدة (كلداني سرياني آشوري) يأتلف في قائمة مع المتمسك وبقوة بالتسمية المفردة. وهناك من كانوا بالأمس دائرون في دائرة التخوين والعمالة يأتلفون في قائمة واحدة. ولما الغرابة أليسوا عراقيون.؟؟؟.. فحالهم كحال الحزب الشيوعي العراقي، العلماني أو الملحد كما يرغب أن ينعته البعض، يأتلف في قائمة واحدة مع التيار الصدري الشيعي المتدين؟؟ ... أنه فايروس الكرسي الذي لا حدود له.   
أبرم 1:
من المنطلقات التي ذكرتها كلها في أعلاه يظهر بأنك لا تؤيد مشاركة أبناء شعبنا في التصويت للإنتخابات القادمة وأنك متشائم تعرض المشاكل المستعصية ومن دون حلول أو نتيجة؟
أبرم 2:
هذا غير صحيح إطلاقا. أولاً أنا أويد وأشجع أن يذهب أبناء شعبنا إلى صناديق الإقتراح ليس بهدف توصيل هذا المرشح أو ذاك إلى البرلمان لأنه من المؤكد لا يمكن أن يعمل شيء في عالم الفساد غير الفساد، بل الغرض من الإقتراع هو أن نعرف أي من القوائم أو المرشحين سوف يفوزون بأكثرية الأصوات حينذاك يستوجب علينا أن نطلق عليهم "ممثلي" أمتنا لأن الإنتخابات هي المعيار الوحيد المتاح، حتى وإن لم نتفق معها ومع كوتتها، فأنه لا خيار لنا غير أعتماد نتائجها في سياق معرف "ممثلي" أمتنا. من هذا المنطلق أضع كلمة ممثلي بين هلالين والقارئ اللبيب يفهمها، (وهي طايره). كما أن نتائج الإنتخابات ستفرز مؤشر وإتجاه أبناء شعبنا بخصوص توجهات وأفكار وسياسيات وبرامج القوائم والمرشحيين. فعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا فازت قائمة الإئتلاف الكلداني بأكثر المقاعد فهذا معناه بأن أكثرية أبناء شعبنا يؤيد التسمية الكلدانية المفردة وتوجهات وأفكار الجهات التي تويدها مثل الرابطة الكلدانية والكنيسة الكلدنية الكاثوليكية فيسلتزم علينا أحترام رأي هذه الأغلبية. أما إذا فازت، على سبيل المثال لا الحصر، قائمة إئتلاف الرافدين أو قائمة حزب أبناء النهرين أو قائمة إتحاد بين النهرين الوطني، بأكثرية المقاعد فهذا يعني بأن أغلبية أبناء شعبنا يؤيدون توجهات وأفكار هذه القوائم الداعية إلى وحدة شعبنا المتمثلة في وحدة تسميته الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية"، كما كان الحال في الإنتخابات السابقة نجاح هذه التوجهات الوحدوية وسقوط التوجهات الفردية. أما إذا فازت قائمة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري المسنودة من قبل الحزب الديموقراطي الكوردستاني بأكثرية المقاعد فهذا يعني بأن أكثرية أبناء شعبنا يؤيدون توجهات المجلس تجاه الكورد. فمن هذا المنطلق فالواجب يفرض علينا أحترام هذه الأكثرية، وهكذا الحال مع بقية القوائم والمرشحين.
أبرم 1:
وماذا بشأن التشاؤم والذي منه تنطلق في كثير من الأحيان إلى دعوة "ممثلي" أمتنا في البرلمان والهيئات الحكومية الأخرى إلى الإستقالة من جهة وأنك تؤيد أبناء شعبنا الذهاب إلى صناديق الإقتراع من جهة أخرى، أليس في هذا تناقض؟
أبرم 2:
هناك فرق كبير بين التشاؤم وعرض أو بيان حال الواقع بكل أمراضه ومأساته وتناقضاته ومشاكله. فعندنا نعرض واقعنا المأساوي، هو كما يكشف ويعلن الطبيب المرض للمريض، فهذا لا يعني التشاؤم واليأس المميت، بل هي حالة أولية للبحث والوصول إلى دواء أو حل ممكن وحتى أن كان هذا الحل أو العلاج صعب التحقيق، ولكن الأمل يبقى أكسير الحياة والتقدم والنجاح. فأملي كان ولا يزال هو أن يستقيل "ممثلي" أمتنا ويشكلون اللجنة العليا لشؤون المسيحيين "الكلدان السريان الآشوريون" ليكون الإطار الأمثل للعمل القومي وتوحيد الخطاب السياسي. فإستقالتهم سيبين للعالم بأننا لسنا جزء من نظام الفساد في العراق وأن لنا إستقلالية متمثلة في وحدة كياننا القومي ووحدة خطابنا السياسي، ومثل هذا الأمل لا يمكن أن يتحقق ما لم يتعافى هؤلاء ويتخلصون من فايروس الكرسي القاتل.
اما بخصوص التناقض الذي تقول عنه بين الإستقالة وتأييد أو تشجيع أبناء شعبنا للتصويت لكي يفوز البعض بكراسي برلمانية فإن مثل هذا التناقض سيزول عندما نعرف بأن الإستقالة يجب أن تتم وهم في الكراسي البرلمانية وليس في خارجها لأن عندما يكونون خارج البرلمان لا تتحق الإستقالة، أي بهذا المعنى لندع مرشحي شعبنا الوصول إلى البرلمان ومن ثم من هناك يعلنون إستقالتهم لأنه من المؤكد سيكون لهذه الإستقالة ردة فعل قوية داخلياً وخارجياً فلربما سيكون هناك من يسمع صراخنا ويتساءل عن سبب إستقالة "ممثلي" المسيحيين من البرلمان العراق والمنتخبين شرعاً وقانوناً من قبل الشعب المسيحي.
أبرم 1:
حتى نتجب الإطالة التي يملُ منها البعض وليس له الوقت الكافي لقراءة المواضيع الطويلة... فهل من كلمة أخيرة؟
أبرم 2:
لا أعتقد بأنه يختلف أحد في القول بأن وضعنا في الوطن مأساوي وتواجهنا تحديات خطيرة جدا وماحقة تهدد مصير وجودنا التاريخي في الوطن، ولا أعتقد بأن احد سيعارضني بأنه ثلاثة أرباع شعبنا ترك الوطن والباقي يعاني مأساة تراجيدية ولكن صامد... ولكن إلى متى؟ من هذا الواقع يجب أن تكون الممارسات السياسية لشعبنا بمستوى التحديات الماحقة التي يواجهها شعبنا. فإعاقة صدور مشروع قانون مجحف بحق أمتنا أو إسترجاع بضعة دونمات من أرض متجاوز عليها ما هي إلا محاربة الدايناصور بدبوس صغير لا تزيد من صمود شعبنا في أرض الوطن ولا يفكر المهاجر بالعودة... لنكن واقعين فالسياسة هي واقع أو كما قيل بأنها فن المكن... أفهل يدرك سياسيو أمتنا هذا الفن لكي تعاملوا معه ويحققوا النتائج؟؟؟ أمر مشكوك فيه طالما مرض الإنيميا السياسية يحجب نظرهم وعقولهم عن الإدراك الحقيقي لواقع أمتنا المأساوي في الوطن... فحدود هذا الإدراك، مع الأسف الشديد، لا يتجاوز الكرسي والجيب.
 


مفاتيح الحل لمأساة شعبنا في العراق
=============================
الصورة للفنان هارون نقلا عن جريدة الخليج الإماراتية 05/09/2015
-------------------------------------------
ملاحظة:
------
أتبعنا أسلوب جديد في طرح الموضوع كمحاولة للإبتعاد عن الرتابة في طرح الموضوع بالشكل المتعارف عليه فأرجو أن يستصيغه القارئ الكريم.

97
نصف قرن من زمن الإتحاد الآشوري العالمي (AUA) نيسان 1968 -  نيسان 2018
ܚܘܝܕܐ ܬܒ̣ܝܠܝܐ ܐܬܘܪܝܐ
=============================

الجزء الثاني
-----------
أبرم شبيرا

في الجزء الأول من هذا الموضوع تحدثنا عن مسيرة الأتحاد خلال نصف قرن مروراً بالمؤتمرات السنوية التي عقدها ثم باشرنا بالرجوع إلى البدايات الأولى لتأسيس الإتحاد منطلقاً من بعض العوامل الموضوعية السياسية الدولية والإقليمية والعوامل الفكرية القومية التي ساهمت في دفع نخبة من الشباب الآشوري المثقف في إيران للمبادرة نحو تأسيس منظمة آشورية عالمية فدرالية تكون ممثلاً للآشوريين على المستوى الدولي ,والذي أنعقد ف نيسان عام 1968 وأعلن فيه تاسيس الإتحاد الآشوري العام. ثم تطرقنا إلى أيديولوجيا الإتحاد والتي لخصناها في رباعية معروفة في وحدة تسمية الأمة ولغتها وقيادتها ومطالبتها في كيان خاص ومستقل للآشوريين في شمال بيت نهرين. والإتحاد خلال نصف قرن تمكن من تحقيق بعض الإنجاز على المستوى القومي والعالمي خاصة فيما يتعلق في تثبيت بعض الرموز القومية مثل الأول من نيسان كعيد قومي للآشوريين والعلم الآشوري وكذلك السابع من آب من كل سنة كيوم للشهداء الآشوريين والتي أصبحت من الرموز القومية في الممارسات السياسية لأبناء شعبنا في هذه الأيام كما عمل وبشكل فعال في تعميم ونشر الأسم الآشوري على المستوى العالمي والمنظمات الدولية. للإطلاع على الموضوع أنقر على العنوان التالي:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=872527.0

هذا الجزء الثاني هو محاولة لتقيم الإتحاد من عدة نواحي كخلاصة وإستنتاج لما كتبناه في الجزء الأول:

•   كتبتُ هذا الموضوع ليس تأييداً أو مساند للإتحاد أو عمل الدعاية له أو معارضته بل الغرض الأساسي هو توثيق جزء ولو بسيط عن هذه المؤسسة القومية العتيدة. حيث هناك الألاف من الوثائق والكتب والبيانات والتصريحات والتقارير يصعب جداً حشرها في بعض السطور بل يتطلبها مجلدات ضخمة، وأن ما كتبناه هو معتمد على ما هو متوفر في مكتبتي الخاصة وما زوده لي بعض الأصدقاء الكرماء. أن مسألة التوثيق مهمة جداً في حياة الشعوب لأنها تسجيل لتاريخها وهويتها ووجودها هدفها الحد أو منع دخول الأمة في  عالم النسيان، فالتوثيق هو وسيلة  لمعرفة تواصلها وديمومتها عندما تكون متاحة ومعلومة للأجيال القادمة. من هنا أنشاد الإتحاد الآشوري العالمي بأن يهتم بمسألة التوثيق هذه وأن يقوم بجمع كل ما هو متوفر وضمها في مجلد خاص، وأنا متأكد بأن فرع الإتحاد في أستراليا قادر على القيام بهذه المهمة. لا بل أن تاريخ الإتحاد وفكره ونشاطه يصلح جداً أن يكون موضوع دراسة أكاديمية في العلوم السياسية لنيل شهادات عالية في الماجستير أو الدكتوراه وحبذا لو أنتبه طلابنا الأعزاء المهتمين بدراسة نشؤ وتطور الحركة القومية الآشورية لهذا الموضوع.
•   من حيث الإستنتاج أقول: أن من يعرف الأبجدية السياسية سوف يعرف وبسهولة بأنه منذ تأسيس الإتحاد قبل نصف قرن من حيث هيكليته الفدرالية وأهدافه القومية كان إستجابة صحيحة ومباشرة لوضع أمتنا في تلك الفترة ولا يزال بأن هذه الإستجابة، من حيث المبدأ،  سارية حتى يومنا ووسيلة علاجية للوضعنا الحالي. حيث لدينا العديد من الأحزاب السياسية والمنظمات الدولية وعلاقتهم بعضهم بالبعض فيما يخص التنسيق وتوحيد الخطاب السياسي والظهور على المسرح السياسي العالمي هي بعديدة كل البعد عن تحقيق الحد الأدني المطلوب لأن جميعها تدور في دائرة الفتور والنفي والتناقض يتطلبها منظمة فدرالية تكون كمظلة لهم في نطاق عملهم السياسي وفي مواجهة التحديات المشتركة. ومن الملاحظ بأن هناك أكثر من محاولة من قبل بعض من أبناء أمتنا نحو إنشاء منظمة عالمية أو برلمان آشوري أو حكومة في المنفى تكون ممثلة للأشورين في العالم خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. غير أنه من المؤسف القول بأن مثل هذه المنظمة لا يمكن أن تقوم لها قيامة أو تكون فاعلة مالم تكون في إتساق وتفاهم وترابط مع القوى السياسية لأبناء شعبنا في الوطن نحو مسعى لتوحيد الخطاب السياسي القومي كسبيل للوصول إلى صناعي القرار السياسي في بلدان العالم. صحيح هو أن الإتحاد الآشوري العالم نجح في السنوات السابقة في إيصال الصوت الآشوري إلى المنظمات الدولية ولكن في السنوات الآخيرة لم نلاحظ أي وجود أو فاعلية له على أرض الوطن وبالتالي لم يعد له نشاط يذكر لا على مستوى الدولي ولا على مستوى حكومات دول المهجر. لهذا نرى بأنه لا وجود فعلي ولا نشاط محسوس لفروع الإتحاد في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا والشرق الأوسط  وخاصة في العراق وسوريا، فهي أن لم تكن في خبر كان فهي مشلولة ولا وجود لها إلا على الورق. والإستثناء هنا يسجل لفرع أستراليا فهو الكيان الوحيد الناشط له وجود على الساحة السياسية القومية كما له أيضاً إمكانية حشد الجماهير في مناسبات قومية خاصة في إحتفالات الأول من نيسان، وله أيضا علاقة قوية مع الجهات الحكومية خاصة في ولاية ساوث نيو ويلز فحاكم هذه الولاية والمسؤولين السياسية فيها لهم حضور دائم ومشارك في النشاطات التي يقوم بها فرع أستراليا، فلهم تحياتنا الحارة ومزيدا من التقدم.
•   ولو نظرنا إلى فكر الإتحاد منذ تأسيسة وعلى رباعية أيديولوجيته نرى بأنها كانت في السنوات السابقة منطقية ومعقولة في النظر إلى الواقع المأساوي لأمتنا. واليوم أيضاّ أن هذه الأيديولوجية تضع الأصبع على الجرح المتمثل في تعدد التسميات بحث أصبحت التسميات الطائفية لها مدلولات قومية، ووصل تعدد اللهجات إلى درجة صارت كل لهجة لغة قومية. أما الإفتقار إلى منظمة فدرالية شاملة كمظلة لمعظم أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية فالحديث عنها بلا حرج. ولا ننسنى مطالبة الإتحاد بكيان مستقل أو وطن خاصة بالآشوريين في شمال بيت نهرين فهو الآخر يتمثل اليوم في مطالبة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية على كيان أو حكم ذاتي أو محافظة في سهل نينوى... ولكن ... نعم ولكن... يظهر بأن هذه الأيديولوجية تكتسب نوع من الطوباوية والمثالية مقارنة مع واقعنا الحالي المأساوي بحيث يصعب جداً أن لم يكون تطبيقها مستحيلاً خاصة ما يتعلق بقبول التسمية الآشورية من قبل أبناء التسميات الآخرى.. ولكن مرة أخرى نقول بأن تمسك الإتحاد الآشوري العالمي بفكره وأيدولوجيته له دلالة مبدئية راسخة بكل الذي يؤمنون به، فهو واجب علينا، طبقاً لحرية الفكر والتفكير، أن نضعه موضع إحترام وتقدير.
•   لا شك فيه لم يكن طريق الإتحاد خلال نصف قرن من زمنه مفروش بالورود بل عانى الكثير من المطبات والأزمات والمعظلات والتحديات أعاقت في جوانب معينة مسيرته النصف القرنية فكانت هناك، كما نعتقد، عوامل سلبية أثرت على سمعة الإتحاد ومكانته كما كان أبتعاده عن الواقع المعاش في أرض الوطن عامل آخر في تراجع دوره ومكانته بين الآشوريين وتحديدا في الوطن الأم. فمثلاً كان عجز الإتحاد في إقناع الأحزاب السياسية والمنظمات القومية الآشورية من الإنضمام إليه سبباً دفعه لكي يشارك معهم في تحالفات وإتفاقيات وكأنه هو أيضا حزب سياسي كغيره من الأحزاب الآشورية وليس منظمة فدرالية شاملة لهذه الأحزاب والمنظمات، وبالتالي حاول الإتحاد الخروج من هذا المأزرق فلجاً إلى المناورة على هذه الأحزاب عن طريق تأسيس الذراع السياسي للإتحاد ليكون ممثلاً له في التجمعات والتحالفات السياسية الآشورية. غير أن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح بل ترتبت عليها نتائج سلبية تمثلت في نشؤ خلافات بين الذراع السياسي وقيادة الإتحاد مما إدى ذلك إلى الإنشقاق وخروج الكثير من أعضاء الذراع السياسي عن الإتحاد ولجوء بعضهم إلى تأسيس منظمات أو أحزاب أخرى. نقطة أخرى مؤثرة على الإتحاد كانت تتمثل ولا تزال في مركز السكرتير العام. حيث من الملاحظ بأنه تقريباً منذ تأسيس الإتحاد وحتى يومنا هذا كان السكرتير العام من الآشوريين الإيرانيين، أي بمعنى آخر كانوا قليلي المعرفة والإدارك بالواقع الآشوري والعراقي وجلهم لا يتكلمون العربية ولا يفهمون العقلية العربية أو العراقية التي تسير أمور الحكم في العراق. ولا نخفي القول بأنه في معظم إنتخابات السكرتير العام لعب الآشورين الإيرانيون دورا في تخصيص منصب السكرتير العام لأشوري من أصل إيران وحتى يومنا هذا. وهنا يجب التأكيد بأن هذه الإشارة ليست التقليل من شأن أخوتنا الآشوريين من إيران فهم معروفين بنشاطهم المحموم وبأساليبهم التنظيمية وبإلتزاماتهم القومية إلا أن ضرورة السياسة الواقعية تفرض علينا أن نفهم الواقع، أي العراق، الذي يعيش فيه الآشوريون والسياسات التي تحكمه كأسلوب ناجع للتعامل معه وتحقيق النتائج.
•    لعل، بإعتقادي وإعتقاد الكثير من أبناء شعبنا، بأن أكبر إنتكاسة أصابت الإتحاد هو زيارة بعض من أعضاء قيادته للعراق في الربع الأول من سبعينيات القرن الماضي والدخول في مفاوضات مع حكومة البعث وإقامة علاقات مع هذا الحزب الإستبدادي ومن ثم السماح لبعض الآشوريين الدائرين في فلك البعث حضور مؤتمرات الإتحاد كممثلين للآشوريين في العراق والتي لم تنتج عنها غير إساءات للإتحاد وفقدان الكثير من سمعته الطيبة بين الآشوريين القوميين. ولم تظهر قذارة هؤلاء العملاء للبعث إلا في المؤتمر العام للإتحاد في سيدني عام 1978 عندما حضر هؤلاء العملاء للمؤتمر ومعهم علب من الحلويات (بقلاوة ومن السما) محشية بسموم قاتلة فأدى ذلك إلى تسمم بعض الأعضاء وعوائلهم الذين تناولوها فكان هذا موضوع الصحافة الإسترالية بعد ثبوت السموم في هذه الحلويات في مختبرات رسمية. من هذا المنطلق أقول بأنه تقريباً أنتهى وجود الإتحاد في العراق وأصبح ناشطاً على المستوى الدولي والقاري وانحصر هذا النشاط فقط في فرع أستراليا.
•   وأخيرا، إذا كان الحال قد فرض علينا أن ننعت أيديولوجيا الإتحاد بنوع من الطوباوية فأن نقلها إلى أيديولوجية واقعية قابلة للتنفيذ يتتطلب من الإتحاد أن يفهم واقع أمتنا في الوقت الحالي ويتماشى معه ويدرك أهمية إستقلال أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية إلى تلك الدرجة من الثقة المتبادلة بحيث يفسح لها المجال لكي تنظم إلى الإتحاد وتسعى إلى توحيد الخطاب القومي السياسي كهدف لتحقيق المصلحة القومية الشاملة لجميع مكونات شعبنا بغنى عن الإصرار على تسمية معينة. من هذا المنطلق وبإعتبار الإتحاد نموذج مثالي وممتاز ليكون مظلة لإحزابنا وتنظيماتنا خاصة على المستوى العالمي يستوجب على قيادته الإدراك بأنه منظمة فدرالية وليس حزب سياسي وأن يعيد ترتيب أوراقه القديمة بشكل تتلائم مع العصر الراهن ومن ثم يطلب من الأحزاب والمنظمات إلى عقد مؤتمر عام بهذا الشأن ولا يتصرف فيه كـ (Big Brother) بل أن يكون المنظم والمنسق ويعمل على وضع نظام داخلي جديد تتناوب فيه المسؤوليات بين هذه الأحزاب والمنظمات، حينئذ يشعر هؤلاء بأنهم جزء من الإتحاد الآشوري العالي فلعل نصل إلى خطاب سياسي قومي موحد للجميع أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري. وأنا أرى في قيادة فرع أستراليا أمكانية للقيام بهذه المهمة في إعادة الإتحاد إلى النشاط وفي بناء أسس جديد للمظلة القومية لهذه الأحزاب والتنظيمات.
•   وفي الأخير لم يبقى إلا أن أقول بأن للموضوع عدد كبير وهائل من الرسائل والوثائق والبيانات وتقارير المؤتمرات بحيث تشكل ضخامتها عنصرا صعباً في تبويبها وإستخدامها بشكل متناسق للكتابة عن هذا الموضوع مما قد يؤدي هذا إلى النقص والوقوع في بعض الأخطاء والإرتباكات فأرجو المعذرة من القارئ النبيل فيما إذا أخفقت في هذه المهمة. فهذه المصادر من وثائق وتقارير ومراسلات تجمعت لدي منذ فترة طويلة والفضل كله يعود للأصدقاء الدكتور عمانوئيل يوسف قمبر السكرتير العام الأسبق للإتحاد والمرحوم شموئيل وردا السكرتير السابق لفرع أستراليا والسيد هرمز شاهين نائب السكرتير العام للإتحاد والسيد ديفيد ديفيد سكرتير فرع أستراليا والسيد نينوس نيسان المسؤول الثقافي للإتحاد الذين لم يتوانوا في تزويدي بكل ما طلبته منهم، فواجب الأصول الأدبية والإخلاقية يستوجب أن أعبر عن كامل شكري وإمتناني لجميعهم.


 
   صورة للمجتمعين في المؤتمر الآشوري العالمي في نيسان عام 1968 الذي بموجبه تأسس الإتحاد الآشوري العالمي
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


محضر الإجتماع باللغة الفرنسية وفيه فقرة تأسيس الإتحاد الآشوري العالمي

------------------------------------------------------------------ 

     صورة للمؤتمر الرابع في طهران 1971 وفيها يظهر رئيس وزراء إيران الأسبق أمير عباس هويدا يفتتح المؤتمر بتلاوة رسالة شاه إيران
---------------------------------------------------------------------------

98
نصف قرن من زمن الإتحاد الآشوري العالمي (AUA) نيسان 1968 -  نيسان 2018
ܚܘܝܕܐ ܬܒ̣ܝܠܝܐ ܐܬܘܪܝܐ
=============================

الجزء الأول
-----------
أبرم شبيرا
نصف قرن في سطور:
-------------
الإتحاد الآشوري العالمي (الإتحاد) وبالإنكليزية (Assyrian Universal Alliance) وإختصاراً (AUA) وبالسريانية/الآشورية (ܚܘܝܕܐ ܬܒ̣ܝܠܝܐ ܐܬܘܪܝܐ) تأسس في مدينة باو (Pau) جنوب غرب فرنسا على أثر أنعقاد المؤتمر الآشوري العالمي للفترة من 10 -13 نيسان  من عام 1968. وعقب إنتهاء الإجتماعات أعلن تأسيس الإتحاد الآشوري العالمي وأعتبر 10 نيسان يوماً لتأسيسه وهناك وثائق أخرى تذكر بأن يوم تأسيس الإتحاد هو في13 نيسان من نفس العام. كما أعلن فيه الأيديولوجية القومية الآشورية. وفي اليوم الأخير للإجتماع أنتخب المرحوم السيد فلاديمير الأبن البكر للجنرال أغا بطرس أول سكرتير عام للإتحاد. إضافة إلى ذلك أعلن في المؤتمر بأن تكون لندن – المملكة المتحدة مكان إنعقاد المؤتمر الثاني للإتحاد الذي أنعقد للفترة من 13-17 آب  من عام 1969 وفيه تم إقرار النظام الداخلي للإتحاد وإنتخاب أعضاء الهيئة التنفيذية وتشكيل ثلاثة فروع إقليمية للإتحاد: في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وآسيا ثم أضيف فيما بعد الفرع الإسترالي. كما تقرر أن ينعقد المؤتمر الثالث في مدينة كولون بألمانيا الغربية للفترة من 22-26 آب من عام 1970. أما المؤتمر الرابع فقد أنعقد في طهران عاصمة إيران للفترة من 23-27 آب عام 1971 والتي حضر إفتتاحه رئيس وزراء إيران الأسبق السيد أمير عباس هويدا، ثم توالت المؤتمرات السنوية: الخامس في جنيف – سويسرا 26-30 نيسان 1972، السادس في يونكر – الولايات المتحدة 25-30 نيسان ،1973، وكان من المقرر أن ينعقد المؤتمر السابع في لبنان إلا أنه لظروف سياسية تم إنعقاده في شيكاغو – الولايات المتحدة 17-23 أيلول 1974. الثامن في جنيف – سويسرا 29 تشرين الأول – 2 تشرين الثاني 1975. التاسع في ستوكهولم – السويد 4-9 تشرين الأول 1976. العاشر في لندن – المملكة المتحدة 3-8 تشرين الأول 1977. غير أنه من المؤسف له لم تتوفر لدينا معلومات أو وثائق عن المؤتمرات اللاحقة خاصة وأن الموقع الألكتروني للإتحاد تعرض للقرصنة وبالتالي إلى إغلاقه. زد إلى ذلك تعرض الإتحاد خلال السنوات اللاحقة إلى بعض المطبات والأزمات والتحديات مما جعل تواتر إنعقاد مؤتمراته السنوية غير منتظمة وبالتالي صعوبة متابعتها وأن ما توفر لدينا هو المؤتمر السادس عشر في لندن – المملكة المتحدة 17-24 آب 1985، الذي أعلن الإتحاد فيه إلتزامه الكامل في دعم وإسناد الحركة الديموقراطية الآشورية – زوعا، والسابع عشر في سيدني – أستراليا 22-27 نيسان 1989 والذي أصدر النظام الداخلي للإتحاد ذكر في المادة الثالثة (الأسم والتأسيس) بأن الإتحاد تأسس في 13 نيسان من عام   1968 ميلادية 6718 آشورية. أما المؤتمر التاسع عشر فقد عقد في موديستو – الولايات المتحدة 26-30 مايس 1994. وفي تقرير أعده فرع أستراليا للإتحاد بمناسبة الثامنة والأربعين لتأسيسه ذكر بأنه  بلغ مجموع المؤتمرات التي عقدها الأتحاد الآشوري العالمي  ثمانية وأربعون مؤتمراً عقدت في مختلف بلدان العالم التي يتواجد فيها ابناء شعبنا

الخلفية التاريخية:
----------
لم يأتي تأسيس الإتحاد من الفراغ أو بقرار نابع من ظروف ذاتية خاصة، بل كانت هناك جملة ظروف موضوعية سياسية وفكرية قومية ودولية وإقليمية شكلت عوامل مهمة في تأسيس الآتحاد.
العوامل الموضوعية السياسية:
-----------------
في السنوات الأولى  من ستينيات القرن الماضي عاش الآشوريون في وطنهم في الشرق الأوسط  في ظروف قاسية وعصيبة وواجهوا تحديات خطيرة هددت وجودهم وهويته القومية في موطنهم التاريخي والتي نشأت من حادثتين:
الأول: بروز العروبة والفكر القومي العربي المتشدد والذي تمثل في الناصرية أو الفكر الناصري في مصر ثم إنتشاره في سوريا والعراق وبروز الحركة القومية العربية على السطح السياسي بفعالية مؤثرة على الوجود القومي للقوميات والأديان الأخرى خاصة في عهد الأخوين عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف وبالتالي سنوح الفرص لحزب البعث العربي للإستلاء على السلطة في كل من سوريا والعراق عام 1963.
الثاني: في بداية عام 1961 إندلعت الثورة الكوردية في شمال العراق الذي هو الموطن التاريخي للآشوريين وللمئات من القرى والقصبات والتي كانت تشكل المراكز المكثفة للوجود الآشوري. فنشأ على أثر ذلك صراع مسلح بين الكورد والحكومة المركزية العراقية أدى ذلك إلى تهجير ألاف من الآشوريين من قراهم وتعرض الكثير منها إلى النهب والسلب والتدمير.
العوامل  السياسية الدولية:
---------------
منذ وصول جمال عبد الناصر إلى السلطة في مصر في عام 1953 وما تلى ذلك من تصاعد النزعة القومية العربية وقيام إنقلاب تموز عام 1958 في العراق وما صاحب ذلك إضرابات كبيرة في لبنان وإقتراب الأسطول الخامس من السواحل الشرق للبحر الأبيض المتوسط وتصاعد حدة الحرب الباردة وإشتداد العداء بين العرب والإسرائيلين وبالتالي إغلاق مضايق تيران من قبل عبد الناصر ونشوب حرب الأيام الستة في عام 1967، كل هذه العوامل كانت قد أتاحت الفرصة للقوى العظمى خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أن يكون لها تأثيرا كبيراً في رسم سياسات جديدة للمنطقة. فكانت هذه الأوضاع موضوع دراسة ومراقبة وإهتمام لا بل قلل للأقليات القومية والدينية. ففي ظل هذه الظروف للمنطقة أستوجبت على الآشوريين القوميين البحث والدراسة لإيجاد كيان سياسي قومي عالمي يمثل الآشوريين ويكون له مكاناً في تطور هذه الأحداث لضمان حقوقهم في أوطانهم في الشرق الآوسط، فكان تأسيس الإتحاد الآشوري العالمي إستجابة لهذه التطورات ليكون ممثلاً للآشوريين.
العوامل الفكرية القومية:
--------------
 تفاعلت الظروف الموضوعية أعلاه مع نمو وتطور الوعي القومي السياسي بين الآشوريين خاصة الشباب منهم متأثرين بشكل أو بآخر برواد الفكر القومي الآشوري الوحدوي أمثال آشور بيت هربوت و نعوم فائق وفريد نزها وفريدون أتورايا، فكان للجمعية الثقافية للشباب الآشوري ((Assyrian Youth Cultural Society - AYCS – (الجمعية)  في طهران الدور الرائد في التحركة والمبادرة لطرح فكرة إيجاد قيادة موحدة للأشوريين في العالم. ولما كانت الحركة القومية الاشورية قد أرتبطت بمثلث الرحمات مار شمعون إيشاي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية الأسبق، فقد وجدت الجمعية فيه الشخص المناسب لقيادة هذه المبادرة وتشكيل قيادة موحدة للآشوريين في العالم. وفعلا تم مفاتحته عن طريق جمعية الرحمة الآشورية في طهران برسالة مؤرخة في الخامس من شباط عام 6619 لتولي زمام هذه المهمة في زعامة القيادة الآشورية العالمية المزمع تأسيسها. وفي نفس الوقت بعثت الجمعية رسائل عديدة بخصوص نفس الموضوع إلى الجمعيات الآشورية، منها الإتحاد الأشوري الأمريكي القومي في الولايات المتحدة، وإلى شخصيات دينية وقومية معروفة وبارزة على السطح السياسي القومي في الولايات المتحدة وأوروبا. فكان رد البطريرك في رسالة من بضعة سطور يكتنفها الكثير من الغموض وعدم الوضوح وأكتفى بإعلام الجمعية بإستلام رسالتها من دون أن يبين رأيه بالموافقة أو الرفض مع تضمينه بعض الكلمات الخاصة بالتمني لهم بالنجاح والموفقة. غير أنه أثناء زيارته لطهران عام 1967 أعلن بشكل واضح عدم رغبته في التدخل في السياسية وتولي مسؤولية تشكيل قيادة آشورية عالمية منطلقاً من خلفيته التاريخية للحركة القومية الآشورية ومن المعاناة التي عانها من جراء قيادته لهذه الحركة. ثم وجدوا في فلاديمير الأبن البكر للجنرال الآشوري أغا بطرس الشخص المناسب لهذه المهمة فتم مفاتحته فوافق على تولية هذه المهمة.
العوامل السياسية الإقليمية:
---------------
يلاحظ القارئ الكريم بأن فكرة تأسيس الإتحاد الآشوري العالمي لم تنبعث من جهة سياسية بل من الجمعية الثقافية للشباب الآشوري في طهران ثم شارك معها جمعية الرحمة الآشورية في تنظيم وإرسال الدعوات للشخصيات الآشورية المعروفة لعقد المؤتمر الآشوري العالمي. والضرورة هنا تقضي الإشارة إلى دولة إيران التي لم يكن نظامها السياسي بتلك الدرجة من الديموقراطية والإنفتاح للغير ليسمح للآشورين المسيحيين من القيام بنشاط سياسي لو لم يكن مثل هذا النشاط موجهاً بالأساس إلى دول عربية كالعراق وسوريا ولبنان التي لم تكن في وفاق ووئام معهم بل كانت العلاقة معهم مرتبكة ومتوترة خاصة بالنسبة للعراق الذي كان يطالب الآشوريون بوطن لهم في القسم الشمالي منه. فالأمر أقتضى على أيران أن تساعد الآشوريين في مهمتهم السياسية هذه ليكونوا موضوع تأثير على الحكومة العراقية كما كان الحال بالنسبة للكورد. وتجلى بعض من هذه السياسة الإيرانية في المؤتمر العام السنوي الرابع للإتحاد في طهران عام 1971 الذي حضر إفتتاحه رئيس الوزراء الإيراني الأسبق أمير عباس هويدا وتلى فيه رسالة شاه إيران في التمني للإتحاد بالنجاح والموفقية في مهمته القومية.
أيديولوجيا الإتحاد:
----------- 
الإتحاد الآشوري العالمي تنظيم قومي فدرالي يتكون من عديد من المؤسسات والمنظمات والأحزاب السياسية الآشورية في مختلف أنحاء العالم ليكون كمظلة قومية لجميع هذه التنظيمات بهدف توحيد الخطاب السياسي الآشوري على مستوى العالم ومن دون أن تفقد هذه التنظيمات إستقلالها السياسي والتنظيمي. وعلى هذا الأساس ومنذ مؤتمره الأول في عام 1968 وضع مؤسسوا الإتحاد مبادئ فكرية وقومية تكون بمثابة أيديولوجيا قامت على أربعة أسس أصبحت معروفة في السياق العام للحركة القومية الآشورية وهي:
•   أسم واحد، وهو الآشوريون (أتورايه) لجميع مكونات الشعب الآشوري على أساس إعتبار بقية التسميات كالنسطورية والكلدانية والسريانية هي تسميات طائفية كنسية مشمولة جميعها بالتسمية الموحدة (الآشوريون – أتورايه).
•   قيادة آشورية واحدة على المستوى العالمي متمثلة في الإتحاد الآشوري العالمي ليكون هو التنظيم الموحد والقيادة الشاملة لجميع الآشوريين على المستوى الدولي.
•   لغة واحدة لجميع الآشورية ويتم ذلك بعد توحيد الأبجديتن من قبل المختصين في علم اللغات ليطلق عليها اللغة الآشورية.
•   إقامة  كيان قومي حر ومستقل للآشوريين في شمال بلاد ما بين النهرين.
وعلى العموم عرف الإتحاد منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا برباعية أيديولوجيته والتي تتمثل في:
اسم واحد لأمة واحدة  - لغة واحدة لأمة واحدة – قيادة واحدة لأمة واحدة – وطن قومي واحد لأمة واحدة.
أنجازات الإتحاد الآشوري العالمي:
-------------------
اليوم قد نتساءل ويتساءل الكثير من القراء عن ماالذي أنجزه الإتحاد طيل نصف قرن من زمنه حيث بالكاد نسمع  في هذه الإيام عن نشاط للإتحاد أو أي إنجاز حققه للآشوريين، لا بل حتى لا نسمع عن أي إحتفال بمناسبة تأسيسه؟ سؤال وجيه ولكن يجب أن لا يكون سبباً لتجاهل الإنجازت التي حققها في السنوات الماضية والتي تشكل بعضها مرتكزات أساسية ورموز قومية للآشوريين أصبحت في هذه الأيام جزء من مستلزمات هويتهم القومية. فللإتحاد الفضل الأول والأخير في تثبيت الأول من نيسان رأس السنة الآشورية في مؤتمره الأول عام 1968، وهي مهمة لم تكن من السهل تثبيتها تاريخياً لولا الدراسة المعمقة التي قام بها رجال أفذاذ في الأريكيولوجيا (علم الأثار) وعلى رأسهم البرفسور الآشوري فرد تيمي الذي أغتاله النظام البعثي في العراق عن طريق تسميمه بمركبات الزئبق البطيئة التسمم لأنه رفض وأستهزأ بسياسة البعث في موضوع "إعادة كتابة التاريخ". ثم ثبت وأقر الأتحاد رموز قومية مهمة صارت لحد هذا اليوم جزء من الهوية الآشورية مثل العلم الآشوري المعروف وإقرار السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري والتي تعتبر للأحزاب الآشورية والمنظمات القومية رموز يتناولونها في نشاطاتهم القومية.
وعلى المستوى القومي لعب الإتحاد دوراً كبيرا في تنمية الوعي القومي والسياسي للآشوريين خاصة بين الشباب حيث من المؤكد بأن معظم قادة ومؤسسي الأحزاب الآشورية كانوا متأثرين بشكل أو بآخر بفكر الإتحاد الآشوري العالمي وبشخصياته. فكانت مطبوعاته ومنها المجلات الآشورية تصل إلى العراق ويتناولها الآشوريون بشغف ونهم، خاصة في النادي الثقافي الآشوري في بغداد. ومن سخرية الإقدار كان الإتحاد يرسل المجلة بالبريد العادي إلى النادي وتمر عبر القنوات الأمنية والرقابية إلا أنها كانت تصل إلى النادي ليس إيماناً بحركة الصحافة بل بهدف التقصي والبحث ومراقبة قراء المجلة في النادي وردود فعل الأعضاء. وكانت زيارة السكرتير العام للإتحاد الأسبق السيد وليم يونان عام 1971 للنادي واللقاء بأعضاءه وإلقاء كلمته القومية الحماسية عاملاً مثيرا في عقلية الشباب الآشوري في تلك الفترة. زد على هذا، حيث قام أعضاء من قيادة الإتحاد في بداية السبعينيات من القرن الماضي بزيارة إلى شمال الوطن واللقاء بقيادة الحركة الكوردية وبـ "لجنة المسيحيين" التي كان يقودها الشهيد المقاتل هرمز أبن ماليك جكو للتباحث وضمان حقوق الآشوريين في تلك الظروف التي كانت تعصف بالمنطقة.
هذا على مستوى القومي، أما على مستوى الدولي، فإن الإتحاد سجل عدة سوابق تاريخية في تمثيل الآشوريين على المستوى الدولي. فمنذ تأسيس مؤسسة "منظمات غير الحكومية" عام 1968 التابعة لهيئة الأمم المتحدة، طرق الإتحاد الآشوري العالمي باب هذه المنظمة وقدم طلباً للإنظمام إليها غير أن الطلب لم يرفض بل تم تعليقه وذلك لأسباب سياسية لعب نظام البعث في العراق في تلك الفترة دوراً سلبياً كبيرا لعدم قبول طلب الإتحاد. فإذا كانت الأيادي الخبيثة للنظام البعثي في العراق قد وصلت إلى مؤسسة "منظمات غير الحكومية" وأعاق إنضمام الآشوريين إليها ممثلين بالإتحاد الآشوري العالمي، ألا أنه عجز عن منع إنضمام الإتحاد إلى منظمة "الشعوب والأمم غير الممثلة في هيئة الأمم المتحدة"، وإختصاراً تعرف بـ (UNPO). تأسست هذه المنظمة في شهر شباط من عام 1991 في بروكسيل/بلجيكا وهي منظمة عالمية تقبل فيها منظمات الشعوب والأمم التي تؤمن بالديموقراطية لتكون ممثلة للشعوب الأصلية والأقليات التي لا دولة لهم أو أن أراضيهم محتلة من قبل الغير هدفها الدفاع عن الحقوق السياسية والإجتماعية والثقافية وحماية وتطوير حقوقهم نحو تقرير مصيرهم. فبمجرد سماع قيادة الإتحاد في تلك الفترة بتأسيس هذه المنظمة سارعوا إلى تقديم طلب الإنظمام إليها بأسم الشعب الآشوري. فبتاريخ 07/06/1991 تم مناقشة طلبهم ومن ثم قبول الإتحاد عضوا فيها ممثلاً عن الشعب الآشوري. وعلى أثرها ترفرف العلم الآشوري إلى جانب أعلام الشعوب الأخرى في مقر المنظمة وأدرج آشور (Assyria) كموطن قومي للأشوريين مع لمحة عن الشعب الآشوري وتاريخه، والصور أدناه منقولة من الموقع الألكتروني للمنظمة. وبهذا يتم لأول مرة في تاريخ الآشوريين  قبولهم في منظمة دولية معروفة.



  Assyria




ولم يتوانى قيادة الإتحاد في تعميم  الأسم الاشوري وأبراز مكانة الشعب الآشوري على المستوى العالمي. فللفترة من 29 نيسان ولغاية 3 مايس عام 1997 أنعقد في قصر الأمم في جنيف/ سويسرا المؤتمر السنوى للجمعية العامة لمجموعة عمل الخبراء لللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات التابعة للجنة حقوق الإنسان وهي أحدى الوكالات الدولية المهمة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، حضر هذا المؤتمر وفداً كبيرا من قيادة الإتحاد وتم فيه طرح القضية الأشورية بشكل مفصل وفي ختامه صدر تقريراً مفصلأ عن هذا الموضوع وتم نشره على نطاق واسع. أكتفي بهذا القدر لأنه من المؤكد هذه الصفحات لا تكفي للإنجازات التي حققها الأتحاد خاصة على المستوى العالمي. وأبتر هذا الموضوع إلى جزئين إرضاءاً لقراءنا الأعزاء... فإلى اللقاء في الجزء الثاني.


99

"فايروس الكرسي" يضرب وبقوة على أحزابنا "الكلدانية السريانية الآشورية" السياسية
 ====================================
أبرم شبيرا
نافذة على جانبين: المبهج والمفجع
----------------------
للحق أقول عندما أسمع وأقرأ عن الإنجازات الكبيرة التي حققتها وتحققها أبرشية أستراليا ونيوزلندا لكنيسة المشرق في تأسيس المدارس الآشورية المسيحية وكلية ومعاهد تعليم لغة الأمة أنبهر كثيراً وأبتهج إبتهاجاً عندما أرى هكذا ضوء في نهاية النفق المظلم الذي رسم وفرض علينا ليقودنا نحو الإنكماش ثم الإنقراض من وجه البسيطة. وعندما أحول رأسي على الجانب الآخر مسلطا نظري على ما يجري في أرضنا التاريخية وتحديداً في هذه الفترة التي تسمى بـ "الإنتخابات" أجد أحزابنا السياسية وقوائمها الإنتخابية تتصارع، كما يتصارع الصلعان على المشط – مع إعتذاري الشديد – ويتناحرون ويتهجمون بعضهم على البعض مستخدمين مختلف الأسلحة التي تنم فعلآ على تدني مستوى الوعي القومي الشامل لجميع أفرع أمتنا وغياب المصلحة العام غياباً شاملاً من سلوكم السياسي مقابل طغيان المصلحة الخاصة والتحزبية والطائفية وحتى الشخصية على السطح القومي السياسي، حينذا يملئ قلبي أسى ويكتنف فكري غموض وتشويش عند البحث عن مصير هذه الأمة. الطامة الكبرى هي أن معظم المتناحرين من أبناء أمتنا في ساحة الإنتخابات عناصر معروفة بثقافتها ووعيها و "نضالها" ومكانتها الإجتماعية والفكرية ولكن ما يحز في قلوبنا وافكارنا وضمائرنا هو أن كل هذه الصفات التي يتصفون بها تختفي عندما يظهر ماموت الكرسي أمامهم ويتلحفون بلحاف المصلحة الخاصة والشخصية ليؤدي ذلك إلى إختفاء المصلحة القومية ولو بحدها الإدنى من تصرفاتهم وبالتالي إلى زيادة وتضخم الإحباط والقنوط بين أبناء شعبنا وبالنتيجة فقدان الثقة بأحزابنا السياسية و "زعماءنا"، الأمر الذي أدى ويؤدي إلى تدني شعبية الأحزاب، إن كان لبعضهم شعبية بالأصل. فلو بحثنا في أسباب هذه الظاهرة المرضية التي أصابت أحزابنا السياسية سنجد بأنها مصاب بفايروس يمكن تسميته مجازا بـ "فايروس الكرسي".
الفايروس البايلوجي:
-----------
فايروس، باللاتينية (Virus) ويعرف بالعربي بـ "الحمه"، هو كائن صغير جداً ومسبب لأمراض خطيرة وكثيرة، منها مرض نقص المناعة (الأيدز)، والأكثر شيوعا هو فايروس الإنفلونزا. فهو يضرب جميع أنواع الكائنات الحية ومنها الإنسان وينتقل من كائن إلى آخر عبر وسائل عديدة ومختلفة. ويعود سعة إنتشار الفايروس وقوة تأثيره، خاصة بين البشر، إلى جملة عوامل عديدة منها ضعف المناعة عند الإنسان وإلى سوء الظروف الصحية والمناخية السائدة وإلى نوعية وطبيعة الحياة البشرية ومستواها ونوعيتها خاصة بالنسبة لضعيفي القوى وبالتحديد الأطفال وكبار السن والشاذيين عن الحياة الطبيعية. فهناك العديد من هؤلاء الأشخاص المصابين قتلهم فايروس الإنفلونزا. ومن المعروف عن الفايروسات بأنه رغم تقدم العلم تقدماً مذهلاً إلا أنه لم يستطيع إيجاد علاج كامل وحاسم للأمراض التي تسببها غير القليل منها والتي بمجملها هي نوع من الوقاية من هذه الأمراض، مثل اللقاحات، وتحسين الأوضاع المعيشية للمجتمع لتكون نوع من الحصانة ضد الفايروسات والتخفيف من حدة أعراض الأمراض التي تسببها.
فايروس الكرسي:
----------
وإذا جاز لنا إستعارة مفهوم الفايروس البايولوجي وخطورته على صحة الإنسان وإستخدامه مجازاً على المستوى السياسي القومي لأبناء أمتنا وتحديداً على أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية نرى بأن هناك فايروس خطير يمكن تسميته بـ "فايروس الكرسي" الذي بدأ بالإنتشار كوباء خطير في مجتمعنا القومي السياسي خاصة بعد عام 2003 حيث ظهرت ظروف ملائمة جداً لإنتشار هذا الفايروس وتفكيك مجمعنا إلى ملل وشلل لا بل وصل أمر خطورة هذا الفايروس إلى أكثر أحزابنا وتنظيماتنا قوة وتنظيماً وشعبية، فهي الأخرى لم تسلم من هذا الفايروس الخطير والمدمر فأدى ذلك إلى شبه شلل أو عقم في جسمها السياسي. لا بل والأكثر من هذا حيث يظهر في بعض من المرشحين للكراسي البرلمانية مصابون بفايروس الكرسي إصابة مستديمة فلا يتعضون من الماضي ويحسنون أوضاعهم الحياتية ويتخلصون من الظروف التي جعلت من الفايروس أن يستوطن فيهم حيث يعاودون اللهوث وراء الكرسي رغم فشلهم المستمر والمخيب في السنوات السابقة. لا بل فقد فاق التصور عن خطورة هذا الفايروس بحيث وصل حتى إلى عظام الإنسان الميت والمستشهد في مذبحة سميل ليستغل كداعية إنتخابية لتمثل عرضاً من أعراض المرض الذي يسببه فايروس الكرسي الضارب وبقوة  في مجتمعنا المعاصر. وحال هذا الفايروس هو كحال الفايروس البيولوجي فهو بلا حدود وعابر للقارات مع الهواء إلى مختلف أنحاء العالم ليصيب أفراد من مجتمعنا من بلدان لمهجر فيلهثون من هناك وعبر الألاف الأميال إلى أرض الوطن وراء الكرسي المعلون. والأنكى من هذا وذاك هو ضرب فايروس الكرسي ضربة ساحقة لأحد العناصر الذي كان بالأمس القريب "ممثلاً" لأمتنا في الحكومة ليصطف مع قائمة جلادي أمتنا لعل قد يحصل على مقعد حتى ولو كان ملوثاً بدماء شعبنا المشرد.

أعراض فايروس الكرسي:
--------------
وفايروس الكرسي هو كفايروس البايولوجي مرض إجتماعي خطير أصاب أحزابنا السياسية وقادتها على الرغم من توسع حجم المستويات العلمية لمجمع أبناء أمتنا، خاصة السياسيون منهم، مقارنة مع أقرانهم العراقيين، فأنه هو الآخر لا علاج كامل وحاسم له غير التخفيف من حدته وإيجاد ظروف فكرية ونفسية ملائمة تساعد على خلق نوع من المناعة ضد هذا الفايروس. وكما للفايروس البايولوجي أعراض مرضية معروفة وخطيرة على صحة الإنسان كذلك لفايروس الكرسي أعراض إجتماعية خطيرة على مصالحنا القومية والسياسية. ومن أهم وأخطر هذه الأعراض هو المصالح الشخصية ولا نقول التحزبية أو الشللية لأن خطورة هذا المرض تجاوزت الحزب والجماعة ووصلت إلى الشخص نفسه، أي بعبارة أخرى أصبحت المصالح الشخصية أقوى بكثير من مصالح الحزب نفسه. فعلم السياسة درس وبإمعان ظاهرة تدهور أحزاب العالم الثالث خاصة الثورية منها، وأحزابنا غير مستبعدة. حيث تبدأ كاحزاب جماهيرية ثم بعد إعتلاءها السلطة أو مواقع القوة تبدأ بالإنكماش والتقلص وتتراجع شعبيتها إلى خانة التحزب ثم يستمر إنحدارها نحو العشيرة أو القبيلة ثم إنحسارها في العائلة حتى يستمر التدهور نحو شخصنة الحزب كله في شخص واحد. وحزب البعث نموذج في هذا السياق وبعض من أحزابنا السياسية ليست ببعيدة عن هذه الحالة. فبسبب قوة هذا الفايروس المنتشر بين أحزابنا وقوائهم الإنتخابية نقول بأن كل الدعوات البريئة والخيرة في توحيد القوائم الإنتخابية لأبناء شعبنا للإنتخابات القادمة والنزول إلى الساحة العراقية بقائمة واحدة ما هي إلا لقاحات من نوع (Made in China) لا تأثير فعال لها. وحتى لو أفترضنا إستجابة القوائم الإنتخابية لشعبنا لهذه الدعوات الوحدوية فأنه قبل نزولهم إلى الساحة الإنتخابية سوف يفعل فايروس الكرسي فعله المؤثر وتبدأ أعراض المرض بالظهور في النزاع حول تسلسل الأسماء في القائمة وعلى الرقم (1) وبالتالي عودتهم إلى المربع الأول والتشبث بالكرسي الملعون.
لقد كتب العديد من مثقفينا وسياسيينا ومفكرينا عن النتائج المأساوية التي خلفها داعش الإجرامي وغيره من أسلافه على أبناء أمتنا من النواحي الإنسانية والديموغرافية وتجريد شعبنا من أراضيه التاريخية من دون الإشارة إلى فايروس الكرسي المكمل لهذه المأساة على النواحي السياسية والقومية وفعله الفاعل في تشتيت أبناء الأمة الواحدة ليس بين قائمة إنتخابية وأخرى بل حتى بين أعضاء القائمة الواحدة من خلال الصراع على رقم (1) للقائمة أو الأرقام المتقدمة. لقد سبق وأكدنا مراراً وتكراراً بقوة الترابط بين الكرسي والمصالح الخاصة وأعتبار الأول مصدراً أساسياً تمويليا للمصالح الخاصة والشخصية، فالتاريخ من عام 2003 أثبت وبشكل قاطع  ولحد هذا اليوم هذه الحقيقة. حتى بعض الأفعال التي تعتبر بحكم البعض "إنجازات" حققها "ممثلي" أمتنا من خلال جلوسهم على الكرسي البرلماني أو الوزاري فما هي إلا قطرة في محيط هائج لا تأثير لها في عالم المأساة التي يعانيها شعبنا في أرض الوطن، فهي لا تعدو غير الضحك على الذقون، أو كما قلنا سابقا هي محاربة داينصور ضخم بدبوس صغير، أو هي حروب دونكيشوتية ضد الشيطان. وهنا من الضروري جداً أن لا نحصر المصالح الشخصية في الحقل المالي فقط بل يجب أن نفهمها أيضاً ضمن الشهرة والتكبر والعنجية والتباهي. من هذا المنطلق كنًا ولا زلنا نرى في ترك الكراسي والإستقالة من المناصب البرلمانية والحكومية هو السبيل الفعال والواقعي للخلاص من المصالح الشخصية والتحزبية، لكونها مصدر البلاء على أمتنا ثم أخلاء الساحة من هذا الوباء والبدء بالبحث عن السبيل الممكن الذي قد يؤدي إلى تحقيق مصالح الأمة ولو بحدها الأدنى. وهنا يجب أن لا يفهم بأن هذه دعوة هي عدم المشاركة والتصويت في الإنتخابات القادمة، بل على أبناء أمتنا الإدلاء بصوتهم للقوائم الحزبية المعروفة ليس لغرض إجلاس قادتها على الكراسي البرلمانية بل لفرز هذه الأحزاب المعروفة عن الأحزاب المزيفة وإضفاء عليها نوع من الشعبية الرسمية من خلال معيار الإنتخابات التي هي المعيار الوحيد المتاح في هذا الزمن لقياس شعبة أحزابنا السياسية. فهذا السيناريو يختلف عن دعوتنا السابقة في إستقالة أعضاء البرلمان من كراسيهم وهم في موقع رسمي وشعبي لخلق نوع من الإثارة للرأي العام العالمي للتساؤل عن أسباب هذه الإستقالة لإشخاص منتخبين رسميا. حينذاك سوف يبدأ الرأي العالمي بإعطاء القليل من الإهتمام نحو مسألة مصير شعبنا وطرق حمايته من الإنقراض في وطنه التاريخي.
فايروس الكرسي وقوائم شعبنا الإنتخابية:
---------------------------
هنا أود التأكيد المشدد بأن الغرض من كتابة هذه السطور هو محاولة الكشف عن الفايروس المسبب في فشل معظم أحزابنا السياسية وقوائمها الإنتخابية وكراسيهم البرلمانية والحكومية في تحقيق الحد الإدنى من المصلحة العامة لأمتنا "الكلدانية السريانية الاشورية" والذي يتمثل في فايروس الكرسي، مصدر ومنبع المصالح الشخصية والتحزبية. من هنا نقول بأن الأمر لا يقتصر على حزب معين فحسب بل على معظم أحزابنا وقوائمنا الإنتخابية. فاليوم هناك سبعة قوائم مع شخص نزلت إلى الساحة الإنتخابية وكبقية السنوات الإنتخابية الماضية مصابة هي الأخرى بفايروس الكرسي لأنها تعيش وتتواجد في ظروف سيئة ومأساوية وبمستوي ضعيف من الوعي القومي الجامع لجميع أبناء شعبنا أو إنعدامه بسبب تعشش الطائفية والعشائرية والمناطقية في البنيان الأساسي لأمتنا وإختفاء المصلحة القومية الشاملة. التاريخ القصير من عام 2003 ولحد هذا اليوم لا بل وحتى نحو المستقبل غير المنظور يؤكد هذه الحقيقة الموضوعية طالما الواقع هو نفسه دون نغيير. فمعظم، بل كل القوائم الإنتخابية رغم تأكيدها بأن هدفها الأساسي هو تحقيق المصلحة العامة للأمة أو الجهة التي تمثلها، لكن هذا التاريخ القصير أثبت عدم صحة هذه الإدعاء بل عزز من مصالحها الشخصية والتحزبية والشللية. صحيح هو أن التنافس هو أس الأساس للديموقراطية الحقة ولكن حتى لهذا التنافس أصول وقواعد يستوجب تطبيقها للوصول إلى الأهداف المبتغاة عبر الممارسة الديموقراطية الصحيحة. فنحن أمة صغير منهارة ومعرضة للفناء في أرضها التاريخية أصابها فايروس الكرسي إصابة خطيرة وفتتها في الساحة الإنتخابية إلى سبعة أجزاء لا حبل رابط بينهما فكل واحد يسحبه إلى جهته ليؤدي بالنتيجة إلى تمزيق الأمة لا على مستواها الفكري والقومي بل حتى على مستوى الكراسي البرلمانية حيث أثبتت السنوات السابقة بعجزهم عن جلوسهم مع البعض والإتفاق على ما هو صالح لهذه الأمة حتى في حده الأدنى. أليس عيباً علينا وتحديداً على أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية أن يقول بعض زعماء العراق: أذهبوا ووحدوا خطابكم أو مطاليبكم ثم تعالوا لنناقشها؟؟؟ سواء أكان هذا القول صحيحاً أم حجة للتهرب من النظر في مطاليب شعبنا المشروعة فأنه يعكس مدى تمزق وتشتت أحزابنا وعدم قدرتهم على توحيد أو حتى التنسيق بينهم حول مطالب شعبنا.

الانيميا الفكرية:
----------
الإنيميا هو مرض فقر الدم الذي يصيب كريات الدم الحمر ويسبب إلى تكسرها وإنحلالها في جسم الإنسان ويكثر إنتشاره في البيئة غير الصحية وسؤء التغذية وفي المجتمعات الفقيرة. والأنيميا الفكرية (مجازا) هو مرض يصيب العقول البشرية ويعجز عن إدراك الحقائق الموضوعية بشكل كامل أو صحيح ضمن بيئة  فكرية سيئة وملوثة بأفكار ومطامح بعيدة عن المجتمع ولا تمثله. هكذا الحال مع أحزابنا السياسية وقوائمها الإنتخابية فهي الأخرى أصابت بهذا المرض بسب الظروف السيئة والمرضية التي سببها فايروس الكرسي. ففايروس الكرسي ومن خلال مرض ألانيميا الفكرية ضرب وبقوة على أحزابنا السياسية وقوائمنا الإنتخابية وأصابهم في عجز إدراكهم أو رؤيتهم للمصلحة القومية الجامعة لكل أبناء شعبنا والمصير الذي آل إليه والتحديات المميتة التي أكتنفت هذا المصير المنطلق عبر نفق مظلم لا ضوء في نهايته. فالمصلحة القومية الأسمى لا تتمثل في معارضة القوانين المجحفة بحق أمتنا أو هدم دار متجاوز على أراضي قرانا أو إدانة لجرم أرتكب بحق أحد أبناء أمتنا أو عائلته، بل المصلحة القومية الحقيقة تتمثل في أول الأمر وقبل كل شيء في معرفة الواقع المأساوي والتحديات المميتة التي تواجهها أمتنا في الوطن وتضعه على حافة الزوال من أرضها التاريخية ومن ثم محالة إيجاد السبل للتخفيف من شدة هذا المرض الخطير والمميت. أنه لأمر مأساوي عندما نرى بعض قادة أحزابنا وتنظيماتنا يؤكدون بأن نشاطهم وسلوكهم السياسي، كتعدد القوائم الإنتخابية وتبرير موقع رقم (1) في القائمة، هو ضمن السياق السياسي العام للأحزاب السياسية العراقية وحالهم كحال هذه الأحزاب غير مدركين بأن مصير العرب بشيعتهم وسنيتهم والكورد ببارزانيتهم وطلبانيتاهم والتركمان بسنتهم وشيعتهم هو غير مصير أمتنا في العراق. فمهما كانت المأساة والفواجع التي تنهال على هؤلاء المكونات فأنها لا تهدد مصيرهم وتقلعهم من أرضهم كما هو الحال مع أمتنا. فإختلاف التحديات تختلف بإختلاف المصير. فثلاثة أرباع شعبنا هاجر الوطن هي حالة يجب أن تضع بنظر إعتبار الأول لأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية الذين يعتقدون بأن جلوسهم على كرسي البرلمان أو الوزارة وإدانة هذا المجرم أو ذاك سيوقف تدهور الوضع القومي والديموغرافي لأمتنا في الوطن، غير مدركين بأنهم يهرولون في مكانهم وأنه بالمقابل شعبنا يطير وبسرعة هائلة في سماء المجهول ونحو الضياع والتلاشي. إذن فما:

الحل:
----- 
لقد أثبت التاريخ القريب وسيثبت التاريخ القادم أيضا بأن كل الحلول لمأساة أمتنا السائرة نحو الإنقراض من الوطن ما هي إلا فقاعات في الهواء لا وزن لها. كما أثبت التاريخ المعاصر إثباتا قاطعاً بأن الحكومة العراقية سواء في المركز أو الإقليم لا تستيطع حماية شعبنا في العراق وتوفير المناخ الملائم للحيلولة دون إنكماشه وإختفاءه من الوطن ولم يعد هناك أي أمل في هذا المجال طالما الفكر الإقصائي هو أجندة المتسطلين على مقدرات البلاد مهما كانت "ديموقراطية" الإنتخابات التي ماهي إلا تبال الكراسي والأدوار، ومهما كانت تصريحاتهم "الحاتمية" في كون شعبنا شعب أصيل ويستوجب حمايته أو ضمان حقوقه. فضمن هذه الأجواء لم يبقى أمام أمتنا إلا الحماية الدولية لهم من هذه السياسات الإقصائية وعجز الحكومة على حماية شعبنا. من المؤسف أن أقول بأن بعض "العباقرة" من أبناء شعبنا الذين أصابوا بإصابات بالغة بمرض الأنيميا يقولون بأن الفواجع والمأساة تصيب كل مكونات الشعب العراقي وليست حصرا على المسيحيين. فإذا كان الأمر الواقعي هكذا، فأنه مع الأسف الشديد لا يدركون هؤلاء بأن حجم ونوعية وتأثير الفواجع والمأساة على غير المسيحيين تختلف كلياً عن التي يواجهها شعبنا المسيحي في العراق. أفهل التحديات التي يواجهها العرب أم الكورد أم التركمان قد أدت إلى تهجير ثلاثة أرباعهم وترك وطنهم كما هو الحال مع شعبنا؟  إذ من هذا الواقع الأليم ليس هناك علاج له إلا الحماية الدولية. ولكن من الملاحظ بأن هناك نوع من الترسبات الماضية للمرحلة الإستعمارية الكولونيالية التي أرتبطت الحماية الدولية بالوسائل العسكرية والتدخل العسكري. غير أن الأمر ليس كذلك بالنسبة لطلب الحماية الدولية لشعبنا لأنه لا يتركز في بقعة معينة حتى يتم حمايته بالوسائل العسكرية بل يجب أن يتم بالوسائل السياسية والدبلوماسية والإقتصادية وبفرض وسائل ضغط تفرض على حكومة بغداد وأربيل للقيام بإجراءات الحماية وإلا ستتعرض إلى عقوبات سياسية ودبلوماسية وإقتصادية لا بل من الممكن أن تعرض أحدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لمناقشة مثل هذه الحماية وفرضها على العراق.

قد يبدو بأن مثل هذا الطرح فيه نوع من المثالية وقد يكون نظرياً مقبولا ولكن في الواقع الموضوعي وحقيقة الأمر المكتنفة بالظروف الفكرية والسياسية المحيطة بالعراق وتحديدا بشعبنا يجعله أمراً شبه مستحيل لا بل أقول مستيحلاً طالما فايروس الكرسي ضارب ضربته القوية في أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية... مثلما قلنا ألف وألف لعنة على داعش الإجرامي وأخواتها والفكر الإقصائي المغذي لها نقول أيضا ألف وألف لعنة على الكرسي اللعين الذي يمزق أمتنا إلى فتات صغيرة وصغيرة ويسهل تطايرها في الهواء نحو المهجر. وأخيراً، بينما كنت أناقش موضوع إستقالة "ممثلي" أمتنا من الهيئات البرلمانية والحكومية وتشكيل مجلس أعلى لشؤون "الكلدان السريان الآشوريون" مع أحد الأصدقاء، قال أليس هذا حلم من أحلامك الوردية؟ فقلت له نعم أنه حلم ولكن ليكن معلوماً أن الأحلام القومية لا يحققها إلا الأبطال القوميين... أفهل لنا أبطال قوميون؟؟


   

100
نظرات على نظرات الدكتور كاظم حبيب في كتابه الموسوعي:
--------------------------------------------------------------

مسيحيو العراق.. أصالة .. إنتماء ..مواطنة
أبرم شبيرا
---------------------------------------------------------------------------------------------------
أطعلت على نظرات الدكتور الفاضل كاظم حبيب على كاتبه الموسوعي (مسيحو العراق.. أصافة .. إنتماء.. مواطنة المنشورة على موقع عنكاوه: http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=869220.0
فتولدت لديً نظرات على نظراته وليس على أصل الكتاب ذلك لأنني لم أطلع على الكتاب نفسه رغم إنني طلبت من بعض الأصدقاء إرسال لي نسخة منه للإحتفاظ به كمرجع مهم عن المسيحيين في العراق خاصة عندما يصدر من رجل غير مسيحي ولا إكليري بل رجل علمي أكاديمي عراقي ناشط وبشكل واسع ومكثف في مجال حقوق الإنسان ومهتما بشؤون المسيحيين وبمصيرهم في العراق وقريب منهم وتربطه علاقات وثيقة مع الكثير منهم، بل تولدت نظراتي على التفاصيل التي أوردها الدكتور النبيل كاظم حبيب وعلى تلخيصه لهذا الكتاب الكبير في حجمه ومحتوياته بكل أجزاءه الثلاثة وفصوله السبعة عشر وملاحقها كما تضمن الكتاب ثلاثون ملحقا مع مجموعة من الصور وفهرس بالأسماء كل هذا أحتوى بين دفتي الكتاب الحاوي على 1072 صحفة مما يدل على ضخامة الكتاب والذي يمكن أعتباره وبحق موسوعة في تاريخ المسيحيين في العراق. وتجنباً للإطالة في تفاصيل الكتاب ومحتوياته، يمكن الإطلاع عليها في موقع عنكاوه المذكورة في أعلاه.
على العموم، ونحن لا زلنا بإنتظار أن يصلنا أصل الكتاب، نود هنا أن نورد بعض النظرات أو الملاحظات على كتاب الدكتور النبيل كاظم حبيب:
1.   الكتاب نشر من قبل دار نينوى في دمشق لسنة 2018 وليس هناك أي عنوان لهذا الدار أو طريقة الإتصال بها لإقناءه وشراء نسخة من الكتاب. من هنا نطلب من أستاذنا الفاضل د. كاظم حبيب أن يزودنا بأسلوب أو طريقة شراء الكتاب.
2.   للحق يقال بأن الكثير مما تناوله الدكتور كاظم حبيب في كتابه مذكور في العديد من الكتب والبحوث والدراسات التي تناولت تاريخ المسيحيين ولكن يظهر بأن كتاب الدكتور هو شامل تقريباً وملم لجميع مراحل تاريخ المسيحيين وجمع في كتاب واحد ليسهل على القارئ المهتم الإلمام الشامل بهذا التاريخ. 
3.   هناك كتب كثيرة بالعربية أو بلغات أخرى عن تاريخ المسيحيين في العراق وأكثرها عن مرحلة معينة أو عدة مراحل ومعظمها تناولت من وجهة نظر معينة سواء أكانت طائفية أو مسيحية أو شخصية. ولكن كتاب الدكتور كاظم الذي أعتبرناه بحق وحقيقة كموسوعة في تاريخ المسيحيين في العراق لأنه ضامن تقريباً لكل هذا التاريخ  وفي كتاب واحد. حيث ليس من السهل تضمين كل هذا الحجم الهائل من التاريخ الذي يمتد لأكثر من ألفين سنة في كتاب واحد.
4.   من المؤكد بأن أستاذنا الفاضل د. كاظم  نحى منحى أكاديميا غير منحازا في كتابه هذا وقد يكون هذا المنحى غير مقبولا في بعض مراحل هذا التاريخ  من قبل بعض الطوائف أو الكنائس العراقية ولكن الحقيقة الموضوعية التي تناولها الدكتور كاظم في كتابه هذا يجب أن تقبل وتثمن سواء أتفقنا معها أم لا.
5.   لا شك فيه إطلاقا بأن للكتاب أهمية كبرى وعظيمة خاصة في هذه المرحلة الحرجة والمأساوية للمسيحيين في العراق، الشعب الأصيل لبلاد ما بين النهرين الذي يتعرض للتهجير والإبادة، لكن الشيء الذي أثار إستغرابي هو قراءة الموضوع الذي كتبه الدكتور كاظم عن الكتاب والمنشور في موقع عنكاوه أعلاه من قبل قراء لم يتجاوز عددهم أكثر 562 مشارك ولم يعلق عليه غير الزميلين العزيزين ناصر (منصور) عجمايا وألياس متي منصور مثمنين ومقدرين وشاكرين الدكتور كاظم على جهوده الكبيرة في إنجاز هذا الكتاب الكبير، والأغرب أن "نظرات" الدكتور كاظم أختفت بسرعة من الصفحة الرئيسية لموقع عنكاوه. في حين نرى بأنه عندما يكون الموضوع المنشور في موقع عنكاوه يتناول الأحزاب والإنتخابات والشخصيات السياسية ومسائل طائفية وتحزبية التي لا طعم علمي لها ولا رائحة موضوعية ولا فائدة منها إطلاقاً لكون معظمها مهاترات وتجريحات وتحزبات فتنهال عليها المئات أن لم نقل الألاف من المداخلات والتعليقات التي لا يتحملها العقل السليم. كل هذا يدل عن المأساة الفكرية والعلمية التي يعانيها مجتمعنا المسيحي في العراق البعيد عن المواضيع العلمية والأكاديمية.
6.   هنا أود أن أوكد ضرورة تعميم نشر هذا الكتاب ليس بين المسيحيين فحسب بل بين كل العراقيين لأنه تاريخ مهم وناصع من تاريخ بلاد مابين النهرين وضرورة إقتناءه وتشجيع مثل هذه الكتابات الموضوعية في تاريخ المسيحيين في العراق وأولهم رجال الدين المسيحيين، فالواجب يستوجب ويفرض على كل كنيسة في كل مدينة عراقية أو في بلدان المهجر أن يعتلي مثل هذا الكتاب رفوفهم، إن كان لهم رفوف للكتب.
7.   وأخير لم يبقى إلا أن أقول رغم إنني كما قلت في أعلاه لم أقرأ الكتاب بل قرأت ما كتبه الدكتور كاظم عنه... أن أقول شكراً وألف شكر لأستاذنا الفاضل على هذا الإنجاز الكبير ونتمنى لك دوام الصحة والموفقية في خدمة الإنسان المعذب، الرسالة التي حملتها على أكتافك في هذا الزمن الظالم.
 


101
في ضوء بناء المزيد من المدارس الآشورية في أستراليا
--------------------------------

نتسائل مرة أخرى: هل ستموت هذه الأمة بعد خمسة ألاف سنة؟
====================================
أبرم شبيرا
كلما أقرا خبر عن المدارس الآشورية في أستراليا، وأخرها خبر زيارة نيافة مار بنيامين إيليا أسقف كنيسة المشرق الآشورية لولاية فكتوريا ودولة نيوزلندا ومعه أعضاء إدارة الكنيسة في مدينة ملبورن للأرض التي سيشيد عليها مدرسة أشورية جديدة، أبدأ بإعادة النظر في الكثير من أرائي التشاؤمية حول مصير هذه الأمة في هذه الظروف الصعبة والمميتة، سواء في بلدان المهجر أم في أرض الوطن، خاصة ما يتعلق بأنقراض لغتنا القومية وأنصهارنا في المجتمعات الغربية. فقد جاء في خبر نشر على الموقع الألكتروني للكنيسة بأنه "تبلغ مساحة قطعة الأرض المخصصة 7 هيكتيارات وتقع في ضاحية Yuroke  التي تبعد مسافة 30 كلم عن مركز الاعمال التجارية (CBD)، لمدينة ملبورن.... وتهدف الكنيسة من وراء تخصيص هذا الأرض الى بناء مدرسة متميزة خاصة في مدينة ملبورن، والانضمام الى عائلة المدارس الآشورية في سيدني، لتقديم خدماتها لأبنائنا الطلبة وتنشئتهم على أسس تربوية وتنمية الروح الدينية والقومية، من خلال دروس اللغة والايمان المسيحي، والوحدات الدراسية المقررة من قبل حكومة ولاية فكتوريا. وستكون هذه المدرسة، الخطوة الأولى في طريق بناء المزيد من المؤسسات التربوية في ولاية فكتوريا" والتي سبقتها مدارس وكلية في مدينة سدني، وهي ثمار الجهود العظيمة والمثمرة التي يبذلها أبناء أمتنا في أستراليا وكنيستهم المشرقية برعاية نيافة مار ميليس زيا مطرابوليت أستراليا ونيوزلندا ولبنان وأعضاء الهيئات الإدارية للكنيسة والداعمين من أبناء أمتنا في أستراليا لهذه المبادرات القومية والكنسية.

 زيارة نيافة الاسقف مار بنيامين إيليا، أسقف كنيسة المشرق الآشورية على ولاية فكتوريا ودولة نيوزلندا، وبصحبة الأعضاء الإداريين للكنيسة في مدينة ملبورن للأرض المخصصة لتشييد أول مدرسة آشورية مسيحية في مدينة ملبورن. الصورة مقتبسة من الموقع الألكتروني للكنيسة.
=========================================================================
بعد خمسة ألاف سنة... هل ستموت هذه الأمة؟... هذا كان عنوان اللقاءات الفكرية التي عقدنا بالتشارك مع الأعلام المعروف ولسن يونان في كل من مدينتي ملبورن وسدني في منتصف شهر كانون الثاني 2018. والمضمون الجوهري لهذا التساؤل "التشاؤمي" كان يرتكز على القلق والمخاوف على مصير لغتنا القومية خاصة في بلدان المهجر والتي هي أس الأساس لهويتنا القومية، فبفقداننا سنفقد أهم وأخطر مقومات وجودنا القومي في هذا الزمن الظالم والمميت. فإذا كانت الظروف المأساوية المفروضة على أمتنا في أرض الوطن تهدد وجودنا وتقلعنا من أرض الأباء والأجداد عوامل قد تكون مؤثرة على الحفاظ أو الإستمرار في تدريس لغتنا القومية في المدارسة السريانية في شمال الوطن وتضع الجهات والمنظمات القومية المعنية بهذا الأمر والداعمة لإستمرار تدريس لغتنا القومية أمام تحديات خطيرة ومميتة تفرض علينا أن نطرح مثل هذا التساؤل "التشاؤمي". أما في بلدان المهجر فالتحديات الخطيرة مختلفة بنوعيتها وحجمها والتي تتمثل في أنصار وذوبان أبناء شعبنا، خاصة الأجيال القادمة، في بوتقة الثقافات واللغات السائدة في هذه البلدان وضياع أهم مقوم من مقومات وجودنا القومي، وهي تحديات تضع مؤسساتنا القومية السياسية والكنسية أمام مهمة خطيرة وصعبة في مواجهة هذه التحديات للتخفيف من حدتنا أن لم نقل أزالتنا من ساحة الصراع الثقافي والفكري والإجتماعي في هذه البلدان التي تشرع أبواها لجميع الثقافات ولكن في نهاية المطاف ستكون وبالحتم وبنتيجة هذا الصراع الغلبة للثقافة السائدة والمهيمنة والمدعومة بعوامل مادية وديموغرافية ونفسية وإجتماعية وحتى سياسية.
الكل يتفق بالتمام والكمال على  أهمية اللغة  بإعتبارها كإحدى  الركائز الأساسية والمهمة في وجود كل أمة من الأمم بحيث اعتبرها البعض من المفكرين كالروح بالنسبة للأمة، فبموتها تموت الأمة أيضاً. واللغة بهذه الأهمية والخطورة في الوجود القومي  واضحة وملموسة في اهتمامات معظم أبناء أمتنا، خاصة المفكرين والأدباء والمثقفين والسياسيين، وفي أفكارهم وفي أهداف جميع مؤسساتنا الاجتماعية والثقافية والدينية وحتى في الأنظمة الداخلية والمناهج السياسية لأحزابنا ومنظماتنا القومية، بحيث لا تخلوا صحيفة أو نشرة أو محاضرة أو ندوة أو حلقة دراسية من التأكيد على الأهمية الحاسمة لدور اللغة في الحفاظ على كياننا القومي. لا بل، لا ينتهي حديث بين أثنين أو أكثر من أبناء أمتنا سواء في مناسباتهم العامة أو الخاصة عن القومية إلا وأكدوا على أهمية اللغة في وجودنا القومي وضرورة صيانتها والمحافظة عليها من الضياع وذلك عن طريق تدريسها لأطفالنا وتعليم القراءة والكتابة بها. وعلى العموم فإن هذه التأكيدات المشددة على أهمية اللغة هي بحد ذاتها  ظاهرة إيجابية في مجتمعنا تنم عن حرص أبنائنا وقلقهم على مستقبل أمتهم. على أن الذي يهمنا في هذه المسألة هو التساؤل القائم على مدى إمكانية  ترجمة هذا الاهتمام والحرص والقلق على مستقبل لغتنا القومية إلى واقع ملموس وحقيقي وفعلي يساهم  في تحقيق ما يأملون من هذا الاهتمام ويزيل قلقهم من فقدان لغتهم. غير أنه من المؤسف له بأننا نلمس بأن هناك فرقاً كبيراً بين الطموح والأماني في الحفاظ على هذه اللغة  وبين الواقع والتطبيق في تعليم هذه اللغة،  فهذا البون أو الفرق هو نتيجة حتمية للواقع المأساوي من تشرد وعدم الاستقرار والمظالم والمذابح التي فرضت على أمتنا والتي حالت إلى تجريدهم من فرص تحقيق طموحاتهم وأمانيهم في حماية وصيانة لغتهم القومية عن طريق تدريسها لأطفالهم أو تأسيس مدارس ومعاهد لتعليم لغة الأمة، وهي الحالة التي سببت عجز أمتنا عن ترجمة طموحاتهم وأمانيهم في تدريس اللغة الى أطفالهم الى وقائع ملموسة ومثمرة خاصة في عصرنا الراهن حيث التحديات المميتة تهاجم أمتنا من جميع الجهات.
أمام هذه التحديات الخطيرة خاصة في بلدان المهجر، وتحديداً في أستراليا، برزت أبرشية كنيسة المشرق الآشورية في أستراليا برعاية نيافة المطربوليت مار ميليس زيا ونزلت على ساحة الصراع الثقافي واللغوي وبسلاح فعال تمثل في محاولات الحفاظ على لغتنا القومية وتعزيز مصادر الإنتماء إلى هذه الأمة من خلال تأسيس مؤسسات تربوية كالمدارس والكليات ومعاهد تعليم لغة الأم. هذا الأمر، أي تأسيس مدارس وكلية في بلد من بلدان المهجر يعد وبدون أدنى شك سابقة تاريخية في تاريخنا المعاصر وفريد من نوعها. وبنظرة بسيطة وسريعة إلى العوامل التي ساعدت على هذه المبادرة القومية في الحفاظ على لغتنا نرى بأنها تقوم على عاملين: ذاتي وموضوعي. فالعامل الذاتي، يتمثل في النشاط المحموم لرعية كنيسة المشرق وفي تواصل من دون كلل أو ملل لنيافة المطربوليت مار ميليس وأسقفه وكهنته وأعضاء اللجان الكنسية والخيرين من أبناء أمتنا في ألإستمرار في تحقيق الهدف المراد من تأسيس هذه المدارس والكلية والمعاهد اللغوية. أما العامل الموضوعي، فيتمثل في كون أستراليا بلد يقر قانونيا كدولة متكونة من ثقافات متعددة ومختلفة وبالتالي يفرض على الحكومة مساعدة المجموعات القومية واللغوية للحفاظ على لغتهم وتراثهم وكيانهم القومي أو اللغوي. لا بل هنا يتكامل ويتمازج العامل الذاتي مع العامل الموضوعي من خلال قدرة كنيسة المشرق خاصة المطربوليت مار ميليس زيا على فهم طبيعة المجتمع الأسترالي المتعدد الثقافات والقوانين التي تحكمها وعلى أستيعابها والإستفادة منها في بناء المزيد من المدارس الآشورية وتعميم الوعي اللغوي والقومي بين الأجيال خاصة المعاصرة، لا بل أيضا إستيعاب أبناء شعبنا الجدد المهجرين من أرض الوطن والعمل على إستمرار الحفاظ على مقوماتهم القومية من خلال زجهم في هذه المدارس القومية والدينية رغم تراكم الصعوبات المالية والإدارية على إدارة هذه المدارس.
لا أريد أن أدخل في تفاصيل أكثر في هذا العامل الذاتي لعله قد يفهمه البعض بأنه نوع من المجاملة والمدح لكنيستنا المشرقية ورجالاتها في أستراليا، ولكن للحقيقة أقول بأن ما أذكره هنا هو قليل القليل بحق الإنجاز الكبير في أستراليا بخصوص هذه المدارس التي اعتبرناها بحق وحقيقة بأنها سابقة تاريخية في المهجر... والأكثر من هذا، أرجو قبول فصاحتي بالقول: بأنه كان البعض، قليلا أو كثيرا من أبناء أمتنا لا يتفقون مع نيافة المطربوليت مار ميليس زيا بل يعارضونه في مسائل عدة، ولكن اليوم بعد هذه الإنجازات العظيمة وإنفتاحه على بقية أفرع كنيستنا المشرقية، خاصة الظاهر في المقابلات التي أجراها الإعلامي ولسن يونان مع نيافته، قد تغير رأيهم وأصبحوا من المؤيدين لنيافته، علنا أو ضمنا، وهذا دليل على صحة ما نقوله بخصوص هذه السابقة التاريخية في مجتمعنا في المهجر.
ولو حاولنا مقارنة هذه العوامل الذاتية والموضوعية الموجودة في أستراليا مع بلدان المهجر الأخرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية، نرى بأن العامل الذاتي متوفر والمتمثل في وجود أبرشيات لكنيسة المشرقية وعلى رأسها أساقفة نالوا شهادات عالية سواء في اللاهوت أو التاريخ أو غيرهما من الحقول العلمية، غير أنه مع الأسف الشديد لم يخطوا ولا خطوة واحدة في سياق بناء مدارس آشورية ومعاهد لغوية، كما هو الحال في أستراليا. فنحن نعرف بأن الكنيسة كانت ولا زالت هي المؤسسة الرائدة والراسخة في مجتمعنا في المهجر وكانت منذ قديم الزمان وحتى السنوات القليلة الماضية هي الرائدة في تدريس لغتنا القومية لا بل يمكن أعتبارها كطوق النجاة لإنفاذ هذه اللغة من الإنقراض.  وهذا الأمر، أي الحفاظ على لغتنا القومية من خلال بناء مدارس في بلدان المهجر، أمر يهمني جدا أنا وغيري من القوميين من أبناء أمتنا أكثر من أمر بناء كنائس جديدة والوعض عن التوراة وعن الحوت الذي بلع يونان وعن أساطير النبي داود، ولكن مع هذا فأن هذا الأمر القومي المهم جداً لي ولغيري لا يهز أو يزعزع إيماننا المسيحي وإحترامنا السامي لكنيستنا المشرقية ورجالاتها الأفاضل... نعم يهمي جدا أن يكون الأسقف ورعاً ومؤمناً وصادقا في إيمانه ولكن أيضا يهمني جداً أن يكون أداري بالدرجة الأولى، أو كما سبق وقلنا أن يكون (Managing Director or COE) في إدارته لكنيسته وأبناءها وتحقيق جانبها القومي المتمثل في لغة الكنيسة والأمة معا. فزوال الجانب القومي من كنيستنا هو في الحقيقة زوال الصفة المشرقية لكنيستنا كمؤسسة تاريخية وتراثية وبالتالي إنفصام الجسد عن الروح وحينذاك سيلجأ أبناء الأمة إلى البحث عن هذا الروح، أي الإيمان المسيحي، وسيجده سواء في جنوب أفريقيا أو في الفيلبين أو في الولايات المتحدة أو في أي بلد أوروبي مسيحي ولكن من المستحيل أن يجد لغته في هذه البلدان البعيدة عن أرض الأباء والأجداد.
 أما العامل الموضوعي، فمن المعروف بأنه تقريباً معظم البلدان الديموقراطية التي يتواجد شعبنا فيها لها برامج خاصة في مساعدة الأقليات من النواحي الثقافية والفنية وحتى الإجتماعية وأن كانت أقل "كرماً" من دولة أستراليا إلا أنه مع الأسف الشديد أما أسيئ أستخدام هذه المساعدات أو أستخدمت لأغراض أخرى لا تصب في مصلحة أبناء شعبنا في هذه البلدان أو عجز أو أختلف أو تخاصمون "زعماء" الأمة والكنيسة ودخلوا في متاهات عن كيفية الإستخدام والإنتفاع من هذه التخصيصات وبالتالي ذهبت أدراج الرياح.
من هنا وإنطلاقا مما ذكرناه، فأن نموذج أبرشية أستراليا ونيوزلنده في بناء المدارس الآشورية وكلية ومعاهد لتعليم لغة الأمة يجب أن يحتدى بها الأبرشيات الأخرى للكنيسة في المهجر، لا بل وأقترح على المجمع السنهدوسي لكنيسة المشرق القادم أن يقر قراراً يفرض على الأساقفة في المهجر أن يأخذوا مسألة بناء مدارس آشورية ومسيحية والإهتمام بلغة الأمة بنظر الأعتبار كوسيلة للخلاص أو التخفيف من التحديات التي تهدد مصير أمتنا وكنيستنا في المهجر.
وأخيراً، حتى أكون أكثر واقعياً وموضوعياً، أقول: صحيح هو أن إنحدار الخط البياني حاد وسريع نحو زوال لغتنا وإمحاء وجودنا القومي في المهجر وفق المعطيات الحالية والظروف المأساوية المحيطة بأبناء أمتنا ومن المؤكد بأن المؤسسات التربية من مدارس وكلية في إستراليا لا يمكن التصدي لها وتحويل مسار الخط البياني أو إيقافه عند حده والحيلولة دون إنقراض لغتنا وزوال وجودنا القومي، إلا أنه من جانب آخر أقول بأنه إذا كانت لغتنا القومية وفق المنظور المتوسط معرضة للزوال خلال عقدين أو ثلا ثة من الزمن فإن الموسسات التربوية لأمتنا في أستراليا ستكون عاملاً للتخفيف من حدة إنحدار الخط البياني وزخماً فاعلا ومطولا لفترة إنقراض لغتنا. وبعبارة أوضح، إذا كان من المحتمل أن تنقرض لغتنا القومية في المهجر خلال عقدين أو ثلاثة من الزمن، فأنه بوجود المدارس الآشورية في المهجر كأستراليا سيكون إحتمال إنقراض لغتنا خلال خمسة أو ستة عقود وربما أكثر. وإحتمال ظهور عوامل تساعد على إنقاذ أمتنا والوقوف مرة أخرى على قدميها خلال خمسة أو ستة عقود من الزمن يكون أكثر ممكنناً ومنطقياً من عقدين أو ثلاثة عقود. فالزمن الطويل قد يكون كفيلاً بإيجاد حل لمسألة إنقراض لغتنا في المهجر.
مرة أخرى هنا لا يسعنا إلا أن نرفع قبعاتنا وننحني أمام مثل هذه المبادرات والإنجازات القومية في أستراليا، ونرفع أبهامنا عالية ومشددة  تأييدا وتثميناً وإعجاباً لمثل هذه الإنجازات القومية في هذا الزمن الصعب والقاسي والمجدب بحق أمتنا.
 
============================================================





102
إلى أبناء امتي في أستراليا... مع التحيات
============================================================
أبرم شبيرا
زرت العديد من دول المهجر وألتقيت بالكثير من أبناء أمتي وبمؤسساتهم الدينية والقومية والسياسية ولكن زيارتي لهم في أستراليا ولمدة أسبوعين كان لها طعماً خاصاً ومتميزاً نابعاً من:
أولا: كونها زيارة أولى لهذا البلد الجميل.
ثانياً: إستجابة لدعوة إدارة المدارس الآشورية في سيدني التي هي برعاية نيافة مار ميليس زيا مطرابوليت أبرشيات أستراليا ونيوزلدا ولبنان للمشاركة في حفل إفتتاح المبنى الجديد  لكلية مار نرسي الآشورية. وقد كتبت موضوعاً عن الأهمية الإستراتيجية القومية في بلدان المهجر عن هذه الكلية ونشر في موقع عنكاوه الموقر:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?action=profile;area=showposts;sa=topics;u=1809
 
صرح كلية مار نرسي الآشورية في سدني
===================================
وثالثاً وجود أصدقاء كثر في أستراليا وبعضهم لم ألتقي بهم منذ أكثر من أربعة عقود وغيرهم أعرفهم منذ زمن طويل عبر وسائل التواصل الإجتماعي ولم ألتقي بهم شخصياً.
وما هي هذه السطور القليلة إلا إمتناني العظيم وشكري الكبير لكل أبناء أمتي الذين ألتقيت بهم وشاركتهم الكثير من الأفكار والأراء بحيث أغنت وبشكل مؤثر وفاعل تفكيري ومعتقداتي  ووسعت من مداركي، ولا أدري كيف أعبر عن هذا الإمتنان والشكر غير أن أكتب وأقول من كل أعماق قلبي:
•   شكراً للصديق العزيز والإعلامي المعروف ولسن يونان وزوجته الفاضلة على إستقبالي وضيافتهم لي طيلة فترة بقائي في سيدني وملبورن، لا بل على مصاحبتهما لي ومشاركتهما معي في كل لقاءاتي وزياراتي وسيبقى كرم ضيافتهم ديناً على أعناقي مدى الحياة ويصعب تسديده خلال السنوات المتبقية من عمري.
•   شكرا لنيافة المطرابوليت مار ميليس زيا ومن يقف معه من أشخاص أكفاء ومخلصين لهذه الأمة وكنيستها المشرقية على دعوتي للمشاركة في حفل إفتتاح كلية مار نرسي الآشورية الفخمة وشكرا لنيافته على إستقبالي في مقره ورحابة الصدر والفكر التي أبداها في اللقاء. فكثير من المرات كان يطلب نيافته مني أن أزور أستراليا واللقاء بأبناء أمتي وكنيستي هناك غير إنني كنت أنتظر مناسبة خاصة أو حدث إستثنائي لكي أقوم بهذه الزيارة ولم أجد غير مناسبة إفتتاح المبنى الجديد لكلية مار نرسي الآشورية إلا حدثاً تاريخياً يفرض واجبي القومي على المشاركة فيه وتلبية طلب مطراننا الحبيب.

مع نيافة المطربوليت بمعية الإعلامي المعروف ولسن يونان وعقيلته الفاضلة  أثناء الإفتتاح الرسمي للكلية
=====================================================================
•   لكنيستنا المشرقية بكل تفرعاتنا ورجالاتها مكانة خاصة في إيماني وتفكيري بإعتبارها المؤسسة التاريخية والتراثية والثقافية التي كانت عبر مراحل تاريخية طويلة وصعبة ومميتة طوق النجاة للحفاظ على ديمومة وإستمرارية مقومات هويتنا الكنسية والقومية من لغة وتاريخ وعادات وتقاليد. من هذا المنطلق أقول:  شكرا لنيافة مار يعقوب دانيل مطران أبرشية أستراليا ونيوزلندا للكنيسة الشرقية القديمة ولنيافة المطران مار أميل نونا راعي أبرشية الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في أستراليا ونيوزلندا على الحفاوة التي أبداهما أثناء أستقبالهما لي في مقرهما في سيدني ومناقشة الكثير من المواضيع التي تخص كنيستنا المشرقية ومجتمعنا في الوطن والمهجر.
 
مع المطرانين الجليلين مار يعقوب دانيال و مار أميل نونا
==========================================
أعيد وأكرر مرات ومرات ... الأمة التي ليس لديها أحزاب سياسية نشطة ومنظمات قومية فاعلة هي أمة تكون إرادتها القومية والسياسية مرهونة بإرادة الأمم الأخرى. فمن هذا المنطلق يستوجب علينا أن نضع هذه المسألة في قمة أوليات  عملنا القومي وأن نسعى دائما إلى تفهم هذه الأهمية وأن نتضامن معهم سواء أتفقنا أو إختلافنا معهم فهذه سنة الحياة ومصدراً أساسياً للتحضر والتقدم وأن نعمل ما يمكن عمله من أجل أن يوحدوا خطابهم القومي السياسي وأن يكونوا أحزاباً نشطة ومنظمات فاعلة حتى يستطعون أن يصونوا إرادة أمتنا حرة راسخة ومستقلة غير خاضعة لإرادة الأمم الأخرى.  فعلى هذا الأساس أقول:
•   شكراً للإتحاد الآشوري العالمي وتحديدا لنائب الرئيس والسكرتير العام لإستراليا ونيوزلندا اللذان لم يبخلا على وقتهما إلا ووفروا الكثير منهال لللقاء بهم مرتين في مكتب الإتحاد وإتاحة الفرصة للإجتماع بالسكرتير العام للإتحاد، عضو البرلمان الإيراني، والدخول في الكثير من المواضيع المهمة التي تخص أمتنا، لا بل شكراً على إتاحة الفرصة لي لعقد مقابلة إذاعية معهم في القسم الإذاعي الخاص بالإتحاد الآشوري العالمي. وشكرا أكثر فأكثر على تشريفي بميدالية نصب الشهيد الآشوري في سيدني.
 
من اليمين ديفيد ديفيد سكرتير الإتحاد، ولسن يونان، يوناثان بيت كوليات رئيس الإتحاد وعضو البرلمان الإيراني، أبرم شبيرا ثم هرمز شاهين نائب رئيس الإتحاد.
========================================================
وبهذا الخصوص كتب رابي هرمز شاهين نائب رئيس الإتحاد في صفحته على (Facebook) مايلي:
On Australia Day, January 26, 2018 the Secretary General of the Assyrian Universal Alliance (AUA), the Hon Yonathan Bet Kolia, who is currently on a short visit in Australia welcomed at the AUA -Australia Centre located at Wetherill Park the well-known Assyrian writer, Mr. Aprim Shapera, who is also on a short visit to Australia accompanied by Mr. Wilson Younan, head of the Assyrian program in SBS Radio. The guests were also welcomed by Mr. Hermiz Shahen, Deputy Secretary General of AUA; Mr. David M. David, Regional Secretary of AUA in Australia and New Zealand and president of the Assyrian Australian National Federation and Mr Simon Essavian , AUA Executive Board member and president of the Assyrian Charity and Education community. The meeting lasted more than two hours during which many issues concerning our Assyrian nation were discussed. The AUA Australia Chapter wishes our visitors a pleasant stay in Australia and success in accomplishing their efforts to serve our national interest.

==========================================



•   شكراً للحركة الديموقراطية الآشورية ولمسؤول قاطع أستراليا ونيوزلندا وبقية الأعضاء الأعزاء الذين أتاحوا الفرصة لي للقاء بهم مرتين في مكتب الحركة وتناول الكثير من المواضيع المهمة القومية والسياسية.

مع مسؤولي وأعضاء قاطع أستراليا ونيوزلندا في مقر الحركة في سيدني وإلى جانبي الصديق يترون القادم من الوطن

ونشر القاطع في موقع عنكاوه بخصوص هذا اللقاء  ما نصه:

الحركة تستقبل  الكاتب والناشط القومي الاستاذ أبرم شبيرا في سدني، استراليا.

استقبل قاطع سدني للحركة الديمقراطية الاشورية الكاتب والناشط القومي الاستاذ أبرم شبيرا القادم الى استراليا بتاريخ 18 من كانون الثاني، ٢٠١٨م  في مكتب الحركة في فيرفيلد، سدني ورافقه الإعلامي السيد ولسن يونان مدير إذاعة SBS اللغة الاشورية.
وكان في استقبال الوفد كل من السيد عمانوئيل سادة مسؤول قاطع سدني للحركة والسيد  جورج آدم  معاون مسؤول القاطع  والسيد سركون قليتا عضو هيئة القاطع والسيد هملر شليمون  اداري القاطع.
وناقش الطرفان عدد من القضايا التي تخص شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في الوطن والمهجر ، ودور  المهجر في دعم قضيتنا القومية الاشورية في الوطن   وتفعيل دوره من جديد  لتدويل  قضيتنا  ببعديها الديني والانساني والقومي  في  المحافل الدولية.
وفي الختام تمنى وفد الحركة للسيد شبيرا زيارة موفقة وناجحة.
===================================================================
•   شكراً للكثير من أعضاء حزب بيت نهرين في سيدني للوقت الذي وفروها لي ومشاركتهم معي الأحاديث الشيقة وتبادل ولأفكار القومية والسياسية التي تهم أمتنا ووطننا، فلهم مكانة خاصة عندي تمتد لسنوات طويلة ملئها تبادل الأفكار والأراء حول قضايا قومية وسياسية..
 
وبهذا الخصوص نشر على مواقع التواصل الإجتماعي مايلي:
Bet Nahrain Democratic Party – Australia Branch, met with one of our distinguished writers, a nationalistic Assyrian, Rabi Aprim Shapera, who is visiting Australia for the first time from the United Arab Emirates. With him was our own distinguished Australian journalist Mr. Wilson Younan. We had a rewarding discussion about our national political issues. May our Lord bless you both and give you the health to continue to serve our Assyrian nation
===========================================================
وكيف نزور أستراليا ولا ألتقي بمنظماتنا الثقافية والإجتماعية التي تشكل البنية الإساسية التحتية لمجتمعنا في المهجر:
•   فشكرا عميقا ملئه التقدير والتثمين للجهود الكبير التي قام بها ملتقى سورايي الثقافي في ملبرون وبالأخص المسؤولين عن تولي إدارته على تنظيم لقاء فكري وثقافي مع أبناء أمتنا في مدينة ملبرون وشكرا لجميع الذين حضروا اللقاء وشاركوا معنا في إغناء مواضيع مهمة وحساسة ومنها مستقبل أمتنا الذي تمحور حول عنوان اللقاء (بعد خمسة ألاف سنة... هل ستموت هذه الأمة؟). وهو اللقاء ألذي سبقه قبل يوم لقاء آخر مع نخبة من مفكري ومثقفي أمتنا.
 
الأعلامي المعروف ولسن يونان يدير اللقاء مع حضور من المهتمين بالمسائل القومية وبمصير أمتنا
======================================================
وبعد بضعة أيام وتحديداً في 18/01/2017 تلى ذلك تنظيم ملتقى سورايي الثقافي لقاءاً فكرياً آخر في سيدني وتناول نفس الموضوع الحساس الذي أثار إنتباه وتعليقات ومداخلات الحضارين للقاء.. ونشر الملتقى تفصيلا عن هذا اللقاء بادءاً بـ:
الباحث السياسي أبرم شبيرا :
بالعمل والتخطيط للمدى القريب والمتوسط نجعل احفادنا يبنون للمدى الطويل للتفصيل عن الموضوع أنظر: http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=863595.0

 
جانب من الحضور لللقاء الفكري حول (بعد خمسة ألاف سنة ... هل ستموت هذه الأمة؟)
================================================
كرم ضيافة ولقاء بعض منظماتنا وتجمعاتنا الإجتماعية لم تكن قاصرة إطلاقا بل غمروني بالإحترام والتقدير والمحبة وحرارة اللقاء والمحبة والصداقة:
•   فالجمعية الآشورية الإسترالية كانت برئيسها وأعضاءها مثالاً رائعاً في التودد والمحبة والإحترام والتقدير فلهم كل الشكر والتقدير لما قدموا من كرم وتعامل رقي في الصداقة والإهتمام،كما وفروا  لي  فرصة عقد لقاء إذاعي في إذاعتهم (نينوى) والحديث عن الكثير من المواضيع المهمة والحساسة.
 
لقاء جامع مع رئيس وأعضاء الجمعية الآشورية الإسترالية
=========================================
•   أما المجموع المعروف بـ (Lunch Bunch ) فاللقاء بهم في النادي الثقافي الآشوري في سيدني كان له متعة خاصة ملئها الذكريات القديمة والمناقشات المثمرة فهلم كل محبتي وشكري على كرم ضيافتهم ومحبتهم وتقديرهم لي في هذا اللقاء وما بعده.
•   لقاء آخر إذاعي مع محطة SBS قام به الصديق المخضرم نينوس عمانؤئيل كان له مكان خاص في نفسي نابع من شكري وتقديري له ولجميع العاملين في هذه المحطة المهمة التي يبرع فيها أيضا الإعلامي ولسن يونان. وكتب الصديق نينوس بعض السطور عن هذا اللقاء وقال:
“The word (I have NO Time) does not exist in my dictionary. If you want to work for your nation, you can find time” This is what Assyrian writer and thinker Aprim Shapera told SBS. He is currently visiting Australia by invitation from HB Mar Meelis Zaia, to participate in the official opening of Mar Narsai Collage and to present two lectures in Melbourne and Sydney.

 
+الصورة التي نشرها الصديق نينوس في صحة اللقاء
================================================
•   وأنا أكتب هذه السطور كيف ولا أذكر أصدقائي القدماء الذين عاشرتهم منذ أيام النادي الثقافي الآشوري وإتحاد الأدباء والكتاب "الناطقين بالسريانية" وقبل أكثر من أربعين سنة وتبادلنا أحاديث الماضي وأيامه الصعبة والتحديات التي لم تحول دون أن نضع زخماً ولو بسيطاً في مسيرة هذا النادي التاريخي، فلهم كل حبي وتقديري لما وفروهم لي من ذكريات جعلتنا أن نرجع أيام شبابنا وأن نستلهم منها قوتنا للعمل المضني في هذا الزمن الظالم....
•    وهل أنسى أصدقائي الأعزاء الذين عاشوا وعملوا مع في دبي ... كلا وألف كلا... كنتم دوماً أصدقاء أعزاء جمعتنا أيام جميلة ملئها المحبة والإحترام والصداقة الغالية.
•   وأخيراً وليس آخرا ... كما بدأت بالشكر والإمتنان للإعلام المعروف الصديق العزيز ولسن يونان ولعقيلته الفاضلة كذلك أنهي هذه السطور بشكر أكبر وإمتنان أعظم لهما فلولاهما لما أكتملت سفرتي النموذجية إلى أستراليا ولولا مرافقة ولسن لي ومشاركته معي في جميع اللقاءات والإجتماعات لما كان يصيبها النجاح... فألف شكر لك يا ولسن وللعزيزة عقيلتك...
 
جانب من الضيافة العظيمة التي غمروني بها ولسن وعقيلته الفاضلة
==========================================
ولم يبقى هنا إلا أن أصرح بصراحة الأصدقاء والأحباب بأنني ترددت في كتابة هذه السطور وأمعنت فيها العديد من المرات بعد كتابتها خوفاً من الإنزلاق نحو المجاملة والمبالغة بعيدا عن الحقيقة والواقع. كما ترددت كثيرا حول ذكر الأسماء لعل قد تخونني الذاكرة وأنسى بعضهم فأكتفيت بما هو مذكور في الصور المرافقة لهذه السطور. ولكن مع هذا تذكرت بأن كل الذين ألتقيتهم في أستراليا هم أصدقاء أعزاء لا بل أبناء أمتي الأصلاء فإن أخطأت في هذه السطور فأرجو مسامحتي. 



 

 



ملتقى سورايي الثقافي في ملبرون   

103
المدارس الآشورية في أستراليا والأبعاد الإستراتيجية للوجود القومي في المهجر
===========================================
أبرم شبيرا
كلما أقرأ خبر عن المدارس الآشورية في إستراليا، وآخره خبر إكتمال المبنى الجديد لكلية مار نرسي الآشورية المسيحية في سدني والذي سيفتتح بتاريخ 21 كانون الثاني 2018وبكلفة قدرها 32 مليون دولار أسترالي، تتزاحم في رأسي العديد من الأسئلة المحيرة عن أسباب وراء نجاح هذه المشاريع التربوية القومية في إستراليا وليس في غيرها من دول المهجر. وحتى أقنع نفسي أحاول أن أجد إجابات إفتراضية قد تفي بالغرض. أفهل سبب هذا النجاح هو كرم الحكومة الإسترالية ومرونة قوانينها في راعية ثقافة شعوبها، وهي دولة متعدد الثقافات؟ ، أم هو وجود شخصيات قيادة ومؤسسات فاعلة، كأبرشية إستراليا لكنيسة المشرق الآشورية وراء هذا النجاح وإستمراره؟، أم هو قدرة هذه الشخصيات القيادية على فهم القوانين الإسترالية وإستيعابها بالشكل الذي يخدم هذه المشاريع التربوية القومية، في الوقت الذي نعرف بأنه تقريباً معظم الدول الديموقراطية الغربية التي هاجر إليها أبناء شعبنا لها قوانينها الخاصة في رعاية ودعم ثقافة أقلياتها وفيها ابرشيات لكنيستنا المشرقية يرعاها أكليريون من مطارنة وأساقفة وخوارنه وأكثرهم نالوا شهادات أكاديمية بعضها بمستوى الماجستير والدكتوراه في اللاهوت أو الفلسفة أو التاريخ ولكن عندما نقارن المشاريع التربوية واللغوية والثقافية لأبناء شعبنا في هذه الدول مع إستراليا نجد أن ميزان المقارنة يختل إختلالاً حاسماً لصالح أستراليا ليسجل لأبناء شعبنا سابقة تاريخية لم يشهدها تاريخ مجتمعاتنا في المهجر. من هنا فأن الواقع والحقيقة تلزمنا بأن تكون الإجابة على التساؤل أعلاه كامن في قدرة وحنكة الشخصيات القيادية لمجتمعنا في أستراليا وفي ريادة المؤسسة الكنسية النشطة المتمثلة في أبرشية أستراليا ونيوزلنده التي يرعاها غبطة المطربوليت مار ميلس زيا واللجان المختصة بهذا الشأن على فهم وإستيعاب القوانين الإسترالية والإستفادة منها لتأسيس مؤسسات تربوية وثقافية قومية وبشكل ينم عن العقلانية في العمل القومي الهادف إلى الحفاظ على كياننا القومي والكنسي في مجتمعات المهجر بعيدا عن الرومانسية والخيالية في العمل القومي. هنا في ختام هذه التوطئة أود الإشارة إلى سلوك بعض "القومانيين" الآشوريين الذين ينزلون كل لعنات السماء والأرض على رجال الكنيسة عندما يشيدون كنيسة جديدة في أحدى المدن على أساس أن بدل ذلك كان يتوجب عليهم بناء مؤسسات تربوية وثقافية تحافظ على كيان أمتنا في المهجر وليس المزيد من الأبنية الكنسية، ولكن ها هي أبرشية كنيسة المشرق في أستراليا قد بنت وتبني العديد من المؤسسات التربوية والثقافية من مدارس وكليات ولكن كم من هؤلاء "القومانيين" رفعوا أبهامهم ( ) أعجابا بهذه المشاريع التربوية القومية أن لم نقل كتبوا سطورا قليلة تشجيعاً لهذه الجهود النبيلة والمثمرة في خدمة ثقافة أمتنا في المهجر؟         

المدارس في أستراليا وخبر إفتتاح مبنى كلية مار نرسي الآشورية المسيحية ليس موضوع معالجة مباشرة في هذه السطور بل أخذته كمنطلق للإسترسال بجزء من الأفكار والأراء عن مجتمعنا في المهجر قاصداً منها إستكشاف بعض الأبعاد الإستراتيجية للوجود القومي وإيجاد السبل المتينة لتقويم وصيانة خصائصه القومية والتراثية في المجتمعات الصناعية السريعة التطور والتي تصلح تطبيقها في أي بلد من بلدان المهجر. ومن يريد من قرأءنا الأعزاء الإستزادة عن هذه المدارس عليه مشاهدة المقابلة التي أجراها الأعلامي المعروف ولسن يونان مع غبطة المتربوليت مار ميلس زيا على الرابط: https://www.facebook.com/SBSAssyrian/videos/1574489062641755/

وبالنسبة للأبعاد الإستراتيجية القومية للمدارس والمؤسسات التربوية والثقافية في أستراليا يمكن إستخلاصها في حقيقتين موضوعيتن:
الأولى: قومية: وهي حقيقة واقعية موضوعية ومأساوية مريرة في عين الوقت ولكن مطلوب كل الطلب إدراكها وإستيعابها وإستخلاص نتائجها ومن ثم الإنطلاق منها نحو الجدية في عملنا القومي. وتتجلى هذه الحقيقة في الطبيعة "الأقلوية" لمجتمعنا. فنحن، إينما كنًا، في أرض الوطن أم في بلدان المهجر، أقلية، وهي حقيقة مشرفة وموضوع إعتزاز لأنها تحصيل حاصل لاصرار وصمود أجدادنا العظماء من أجل الدفاع عن المبادئ والقيم والحفاظ على كيانهم القومي – الديني عبر سلسلة طويلة من الفواجع والمظالم التي فرضت عليهم في أرض الوطن. فقد أبدعوا إبداعاً قل نظيره في التاريخ البشري في تطبيق القاعدة المعروفة "حماية الذات ناموس الحياة" وبالتالي فالطبيعة الأقلوية لمجتمعنا هي نتاج تطوره التاريخي والسوسيولوجي لفترة تزيد عن خمسة وعشرين قرناً ووفق قانون الإنتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح (مع التحفظ للتفسيرات السلبية لهذا القانون)، وهو القانون الذي لا يزال يفرض أحكامه على أبناء مجتمعنا  والمتمثل في ظروف القهر السياسي والفكري التي تفرضها الأنظمة الديكتاتورية والتنظيمات المتطرفة عليهم في أرض الوطن وتهجيرهم إلى أقاصي العالم وإخضاعهم لمحنة الصراع من أجل البقاء في ظل نظام دولي جديد لم تحدد معالمه بعد.
من هذا المنطلق فالطبيعة الأقلوية لمجتمعنا هي تاريخية في أرض الوطن و"لجوئية" (من اللجوء) في المهجر، تعتمد على اللغة والتاريخ والأرض والعادات والأماني المشتركة لتحديد خصوصيته القومية في عملية الصراع من جل الوجود والبقاء. وإذا كان شعبنا أقلية قومية مقارنة مع الأكثرية العربية أو التركية أو الفارسية في أرض الوطن، فإنه من جهة أخرى أقلية قومية ودينية بين أقلية كردية مسلمة في شمال العراق أو في جنوب شرقي تركيا أو في شمال غربي إيران ضمن الإطار السياسي العام لهذه الدول. من هذا المنطلق تتضاعف وتتراكم التحديات القومية والدينية المصيرية وينعكس ذلك على أهمية مضاعفة وتشديد دعم وصمود نضال شعبنا في مناطقه التاريخية.
أما في المهجر، فإن الصفة اللجوئية للطبيعة الأقلوية لشعبنا تنبع من كونه أقلية لا دولتية (من الدولة) وكان منذ سقوط النظام السياسي الإمبراطوري عام 612 ق.م. ومن ثم في عام 539 ق.م. وحتى أيامنا هذه غير مرتبط بدولة أو بكيان سياسي قانوني خاص به يحكمه الأكثرية من أبناءهم. وهذا ما يجعلهم يختلفون إختلافاً  كبيراً عن الأقليات الأخرى الموجود في بعض البلدان المستقبلة للمهاجرين والتي هاجرت أوطانها لأسباب إقتصادية أو سياسية أو دينية حيث تبقى وتظل دولهم القومية مصدر تحديد هويتهم القومية مهما أختلفوا مع أنظمتها السياسية أو حكامها أو تنافروا مع الظروف الإقتصادية أو الفكرية أو الدينية السائدة في بلدانهم الأصلية. أما بالنسبة لشعبنا فالوضع يختلف كلياً مقارنة بالأقليات الصينية أو البولونية أو اليونانية أو العربية وحتى الأرمنية. فإندماج  وإنصهار مليون صيني أو يوناني أو أرمني أو عربي في المجتمعات الصناعية المتقدمة وهجر لغتهم وعاداتهم القومية وإحلال لغة وعادات الأكثرية المهيمنة لا يعني إطلاقاً إنقراض القومية أو اللغة الصينية أو البولونية أو العربية... فالمسألة بالنسبة لشعبنا شيء آخر. فإفتقارهم إلى كيان سياسي قانوني خاص بهم يؤطر حدود هويتهم القومية، قانونيا وسياسيا، ويحصن وجودهم القومي المتميز يجعل من مسألة إندماج وضياع بضعة مئات من أبناء شعبنا في المجتمعات الصناعية المتقدمة وفقدان لغتهم القومية وعاداتهم التراثية مسألة خطيرة. وحقيقة إفتقار شعبنا إلى كيان قومي مستقل تعرضه، وفق منظور إستراتيجي بعيد المدى إلى ظاهرة الإنصهار والضياع في المجتمعات الصناعية المتقدمة وتشكل نقطة أساسية مهمة تضع المؤسسات الآشورية في المهجر ويمختلف إتجاهاتهم السياسية والدينية أمام مسؤوليات جسيمة في ضرورة خلق البدائل الفعالة لتجديد وترسيخ المقومات القومية لشعبنا في هذه المجتمعات وقد يكون تأسيس مؤسسات تربوية وثقافية نقطة إنطلاق في هذه المسألة كما هو الحال في أستراليا.
ومن الضروري أن ندرك بأن الأهمية الإستراتيجية للمدارس والمؤسسات التربوية والثقافية في أستراليا لا تقتصر على الحفاظ على اللغة القومية ونشرها بين أبناء شعبنا هناك، وأن كان هذا من المهمات الصعبة على الأقل في المنظور البعيد، فإن لهذه المؤسسات أهمية على جوانب قومية أخرى تقوم على زرع روح الإنتماء إلى الجماعة وتعزيز والوعي القومي والتاريخي بين تلاميذ هذه المدارس.
فعندما نشاهد أطفال المدرسة الآشورية في أستراليا وهم يؤدون دورهم في نشاط فني وثقافي له دلالات تاريخية قومية، مثلما هو ظاهر في الصورة أعلاه، فلابد أن يترك ذلك أثراً في عقولهم ونفسيتهم ويتعزز وعيهم وإنتماؤهم القومي إلى هذه الأمة وهو الأمر المطلوب في حده الأدنى كسبيل للحفاظ على وجودنا القومي في هذا القرن.
الثانية، دولية: هناك حقيقة أخرى للأهمية الإستراتيجية لتأسيس المدارس ترتبط بطبيعة النظام الدولي المعاصر والسلوك السياسي والإقتصادي والثقافي للدول الصناعية المتقدمة والساعية نحو العالمية أو الإقليمية متجاوزة لحدود الدولة القومية وللوحدات القومية السياسية والإجتماعية والثقافية التقليدية. فالتطور الهائل في وسائل الإتصالات والمواصلات ونقل المعلومات أحدثت ثورة تكنولوجية هائلة لها أبعاد وأثار إجتماعية وثقافية خطيرة بحيث وصلت إلى درجة أعتبار العالم مجرد قرية صغيرة في هذا الكون ومن ثم الدعوة إلى الثقافة العالمية أو الدولة العالمية والمواطن العالمي متجاوزين بذلك الحدود الإقليمية والقيم والثقافات القومية للشعوب المتعددة. ومن الطبيعي أن تكون الثقافة والقيم السائدة في ظل هذه الدعوة هي ثقافة أو قيم الشعوب الرائدة أو المنتجة للثورة التكنولوجية، أي بعبارة أخرى ستكون ثقافات وقيم الشعوب الصناعية المتقدمة هي التي ستهيمن على هذا الكون. أما ثقافات وقيم الشعوب الأخرى غير المشتركة أو المساهمة في هذه الثورة التكنولوجية، أي الشعوب التي ستكون محل فعل وليس بفاعلين، فإن ثقافتهم ستصبح ضعيفة أو غير فاعلة في ظل العولمة ولا تقوى على مقاومة تيارات الثقافات العالمية المنبثقة من المجتمعات الصناعية المتقدمة. وهذا ما يثير مخاوف بعض الدول العربية والإسلامية من هذه الدعوة وتعلن الحرب المقدسة "الجهاد" ضد التطور التكنولوجي العالمي وضد العولمة.
وإذا كانت مخاوف هذه الشعوب التي كونت دولها القومية المستقلة وترسخت ثقافاتها تاريخياً مبررة بعض الشيء فكيف والحال مع الشعوب والأقليات اللا دولتية التي لم تؤسس بعد دولها القومية الخاصة بها وذات سيادة تحصنها من الغزو الثقافي ومن أمحاء وجودها القومي، أي بعبارة أوضح كيف والحال هذه مع أبناء شعبنا ونحن أقلية صغيرة مقارنة مع الأقليات الآخرى ونعيش في قلب هذه الثقافات ونتواصل ليل نهار الإغتراف منها عبر أجهزتها الأيديولوجية المؤثرة ونرسل أطفالنا وأولادنا إلى مدارسها وجامعاتها طلباً للعمل والمعرفة؟ وما هو مستقبل ثقافتنا ومقومات هويتنا القومية من لغة وعادات وتاريخ بعد سنوات أو عقود أو قرن من الزمن؟ وما هو موقعها وقدرتها على التفاعل وحجمها في ظل الصراعات الثقافية والفكرية والتي ستصبح محور الصراع الدولي في هذا العالم خلال هذا القرن.
للوهلة الأولى تبدو مثل هذه التساؤلات في الوقت الراهن نوعا من الفنتازيا الخيالية يعصب تصور آفاقها السلبية إلى هذه الدرجة. غير أن الواقع الثقافي والفكري والسياسي لمجتمعاتنا المنتشرة من أقصى العالم (أستراليا) إلى أقصاه الآخر (أميركا) تشكل نقطة صغير في بحيرات هائجة وشاسعة من الثقافات الفاعلة، مضافاً إليها خلافات عشائرية طائفية تحزبية  وأيضاْ قساوة الإنجرار اللاهث خلف ضروريات الحياة اليومية وما يصاحب ذلك من تراجعات في المجالات الثقافية والفكرية والسياسية كلها حقائق واقعية محسوسة وليست ضرباً من الخيال، تتيح لنا مشروعية التساؤل عن مصير أمتنا في هذه المجتمعات خلال هذا القرن.
وللإجابة على مثل هذه التساؤلات المصيرية لا يتم بالتصدي المباشر لسلبيات واقعنا في المهجر عبر حلول آنية سريعة الزوال وضعيفة التأثير بل بحلول ذات أبعاد إستراتيجية تتجاوز نتائجها زمننا الحاضر نحو آفاق مستقبلية. فالمتصدي أو المتعامل بشؤون هذه الأمة يدرك، أو من اللازم أن يدرك بأن الأمم والشعوب ليست كالأفراد، فهي تعيش مئات بل ألاف السنين وبالتالي فإن معالجة الوقائع السلبية في المجتمع تستلزم سنوات طويلة من العمل المضني وبذل المزيد من التضحيات المادية والمعنوية ومن جميع أفراد المجتمع والأسر والعشائر والطوائف وفي مقدمتها المنظمات الطليعية من أحزاب سياسية ومؤسات قومية وكنسية. وتأسيس المدارس الآشورية في إستراليا هي خطوة أولى في مسيرة مليون خطوة ولحظة زمن في حقبة تاريخية طويلة في هذا السياق.
ولكن قبل هذا وذاك يجب علينا أن ندرك طبيعة وجود مجتمعنا في بلدان المهجر. فمن خلال إستقراء واقع هذه المجتمعات يظهر بأنه على الرغم من الأجواء الديموقراطية والحرية المتاحة في جميع مناحي الحياة والدعم المالي الحكومي لأنشطة المجموعات الأثنية، فإنها لم تساهم في إنماء الوعي القومي بين أبناء شعبنا وتطويره نحو الواقعية في العمل القومي، بل دفعته نحو الرومانسية خاصة على مستوى السياسة والفكر. وعلى العكس من ذلك تماما، فجرياً على قاعدة الفعل ورد الفعل فأن سياسة الأنظمة الإستبدادية في أرض الوطن تجاه شعبنا ولدت رد فعل أنعكس قومياً وسياسياً وفكرياً وتجسد في عدد من التنظيمات القومية أتصفت بشكل عام بالواقعية في العمل القومي والمطالبة بالحقوق القومية وبالتالي حققت، رغم ظروف القهر السياسي والفكري، إنجازات قلما أستطاعت مؤسسات قومية، وفق سياقها الزمني والمكاني في بلدان المهجر من تحقيقها. فعلى المستوى الثقافي القومي كان النادي الثقافي الآشوري في بغداد وعلى المستوى السياسي كانت الحركة الديموقراطية الآشورية، نموذجان في هذا السياق. ولكن من الملاحظ بأن الميزة الأساسية التي تميز به العمل القومي في بلدان المهجر هو إبتعاده عن الواقعية في العمل السياسي ومن ثم الإنجرار نحو الرومانسية والخيالية، وهي الميزة التي تقارب مفهوم الإغتراب (ليس بالمفهوم الماركسي) عن الواقع المعايش وأساسها قائم على سوء تقدير في ترتيب جدول أوليات العمل القومي. فمعظم المنظمات والمؤسسات أو الأحزاب السياسية العاملة في المهجر ما تزال تأخذ من واقع موضوعي هو في الحقيقة غير واقعها السياسي والإقتصادي والقانوني والإجتماعي أساساً لوعيها ونشاطها، أي بعبارة أخرى، ما زالت هذه المنظمات يتغذى وعيها القومي والسياسي من مذابح بدرخان وجرائم سمكو وبكر صدقي ومن سجون ومشانق الأنظمة الإستبدادية في وطن الأم ومن معاناة شعب ووطن يبتعد عنهم مئات أو ألاف الأميال من دون أن تملك قدرة على تجاوز هذا الوعي التاريخي ومحاولة خلق مصادر أخرى للوعي القومي السياسي يستمد أساسه من الواقع  الحاضر في المهجر بكل تناقضاته العشائرية والطائفية والحزبية وحتى الإغترابية ويوجهه توجيهاً يتناغم مع الوعي التاريخي ويتعاضد مع نضال شعبنا في أرض الوطن. فلا تزال بعض المنظمات الآشورية، على الرغم من عجزها في إقناع الكلدان والسريان إقناعاً فكرياً ومنطقياً بوحدتنا القومية وبمصيرنا القومي المشترك، فإنها تناضل نضالا من أجل البحث عن الوطن الآشوري السليب وطرح الموضوع على المجتمع الدولي وبأسلوب يعكس جهلاً بأبسط مقومات لعبة المصالح السائدة في العلاقات الدولية. كما لا يزال الكثير من الآشوريين "القوميين جدا" يضربون إحتجاجاً في إحتجاج ويرفضون العراق أو "كردستان" تسميات لوطنهم آشور ولكن من دون أن يقرنوا هذا الرفض أو الإحتجاج اللفظي بأي فعل محسوس يتجاوز الخطاب السياسي الرومانسي ألى الواقع الموضوعي القادر على إقناع الغير.
وإذا كان هذا حقاً طبيعياً لا شك فيه إطلاقاً لكل واحد من أبناء شعبنا في عمله القومي ونابعاً في كثير من الأحيان من النوايا الطبيبة للكثير من الآشوريين ومن حرصهم تجاه مصير وطنهم الأم وقوميتهم، فإن الغرض من إثارته هنا هو التأكيد بأن عدم ممارسة هذا الحق وتجسيده في أنشطة وحقائق موضوعية يبقى مجرد حق يكفل تقادم الزمن بإبتلاعه من دون إثارة أي ردود فعل محسوسة وفعالة. فالأهداف القومية لا تتحقق بالنوايا الطيبة بل بالأفعال القيمة.
ولإعادة ترتيب جدول أوليات العمل القومي وإستبعاد الرومانسية وظاهرة الإغتراب من الأساليب السياسية ودفعها نحو الواقعية، يستلزم، بالإضافة إلى المساندة الفعلية لنضال أبناء امتنا ومؤسساتها الطليعية في وطن الأم، العمل على تعزيز الوجود القومي في المهجر وصيانة مقوماته القومية وإبرازها وجعل أمتنا أمة فعل لا أمة خطاب، وذلك عن طريق إستيعاب التطور السياسي والإقتصادي والثقافي وإستغلال الظروف الديموقراطية والحرية المتاحة في مجتمعات المهجر إستغلالا ذكياً ومنطقيا بما يتلاءم مع مصادر الوعي القومي التاريخي فيزيد ذلك من تعزيز مقومات وجودنا القومي في بلدان المهجر ويمكنه من الإحتفاظ بخصوصيته القومية ويتكامل أيضا مع التطورات الهائلة الحاصلة في هذه المجتمعات. فالبقاء كأقلية قومية متميزة ضمن الظروف الفكرية والسياسية السائدة في مجتمعات المهجر لا يكتب لها الإستمرار إلا إذا أستوعبت هذه الأقلية عوامل التطور وحاولت أن تجد لها مكاناً في الركب الحضاري السائر نحو العالمية. أي بعبارة الأخرى اللجوء إلى التكامل مع هذه المجتمعات وليس الأنصهار والضياع فيها. من هذا المنطق تأتي أهمية التنظيمات القومية والكنسية في تعزيز مقومات الأمة وذلك عن طريق تأسيس مؤسسات تربوية وثقافة وفكرية ووضع هذه المهمة في مقدمة جدول أولوياتها السياسية كبعد إستراتيجي لبقاء الأمة في بلدان المهجر ومن ثم دعم نضالها وصمودها في أرض الأباء والأجداد، فالمدارس والمؤسسات التربوية والثقافية في أستراليا نموذجاً ساطعاً وحياً في هذا السياق ولتكن مثالاً يهتدى بها بقية المؤسسات القومية والكنسية في بلدان المهجر.   

104
نظرة من ثقب الباب على:
المؤتمر الثالث لحزب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري
-------------------------------------------
أبرم شبيرا
نقصد بـ "نظرة من ثقب الباب" شحة المعلومات ومحدودية توفرها وإضطرارنا للإعتماد على ما هو متوفر في وسائل الإعلام وغيرها من الوسائل غير المباشرة. وقبل الإنطلاق في الموضوع أود القول كما سبق وقلت ذلك تكرارا ومرارا عن الثوابت المبدئية فيما يخص أحزابنا السياسية:
1)- أن الأمة التي لا يوجد فيها أحزاب سياسية نشطة وفاعلة ومؤثرة وليس لها إستقلالية في قراراتها، هي أمة ستكون إرادتها خاضعة للأمم الأخرى.
2)- لا يمكن إطلاقا لأي حزب سياسي مهما كانت قوته السياسية أن يمثل ويحقق مصالح الأمة لوحده. بل يتطلب ذلك عددة معين ومعقول من الأحزاب السياسية يتناسب عددها مع حجم الأمة وإمكانياتها المختلفة وظروفها الجغرافية والديموغرافية.
إنطلاقاً من هذه الثوابت المبدئية يأتي كل ما نكتبه عن أحزابنا السياسية هو لمصلحتها لتكون أكثر فاعلية وتأثيراً ومحققة لمصالح الأمة خاصة ما نكتبه عن مؤتمراتها العامة وهذا ما فعلناه بعد إنعقاد المؤتمر الثامن للحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) – أنظر الرابط: http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=839121.0 وهذه السطور عن "حزب" المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (المجلس) تأتي ضمن هذا السياق بإعتبارهما، زوعا والمجلس أكبر التنظيمات السياسية في أمتنا.
في يوم الخميس المصادف 30/11/2017 أنعقد في بلدة ألقوش المؤتمر الثالث لـ "حزب" المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (المجلس) ومن خلال نظرتنا من ثقب الباب يمكن بيان مايلي:
 تأسس المجلس في عام 2007 وفي عام 2009 أنعقد المؤتمر الثاني للمجلس ومنذ تلك الفترة، أي ما يقارب تسعة سنوات، لم ينعقد أي مؤتمر أو كونفرانس للمجلس حتى أنعقاد المؤتمر الثالث في نهاية هذا العام 2017 مخالفاً بذلك نظامه الداخلي الذي كان ينص على إنعقاد المؤتمر كل أربعة سنوات. وإنطلاقاً من إهتمامنا المركزي بشؤون أمتنا وتحديداً بأحزابنا السياسية أقولها صراحة بأنني وقعت في حيرة شديدة من أمري في فهم حيثيات المؤتمر الثالث للمجلس. فالعجالة في اللحاق بالموعد المقرر لتسجيل الأحزاب السياسية العراقية لغرض خوض الإنتخابات البرلمانية والمحلية القادمة أربك المؤتمرون في كل شيء بحيث كانت كل مخرجات المؤتمر متناقضة أو ناقصة أو لا تتماشى مع أبسط متطلبات إنعقاد المؤتمر وزاد من هذا الأرباك والضياع أفتقار القائمين على شؤون المؤتمر إلى الكثير من مستلزمات وإجراءات إنعقاد المؤتمر أو تأسيس الحزب.
أنعقدالمؤتمر بمشاركة مندوب 342 تم إختيارهم للمشاركة وفق آليات حددها النظام الداخلي، حسب ما جاء في بيان "حزب" المجلس علماً بأن المؤتمر أنعقد ليوم واحد فقط ولا أدري كيفية يمكن مشاركة وإستيعاب هذا العدد الكبير من المندوبين في يوم واحد وإتاحة الفرصة ولو لعدد صغير منهم للمشاركة في مناقشات المؤتمر حتى ولو عمل المؤتمرون طوال الليل والنهار أي 24 ساعة، مما يدل على أنه كان هناك تحضيرات وصياغات مسبقة أستلزمها إضفاء الشرعية عليها من خلال عقد مؤتمر وحتى لو كان ليوم واحد. في الوقت الذي هو معروف بأن أي مؤتمر لأي حزب أو تنظيم سياسي يستلزمه أكثر من يوم واحد تجري خلالها تشكيل لجان مختصة في مختلف المجالات وتقديم تقاريرها لمناقشتها في المؤتمر وإتخاذ القرارات بشأنها ومن ثم درجها في منهاج الحزب أو النظام الداخلي. والحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) نموذج في هذا السياق بالنسبة لأحزابنا القومية. كما أن بيان المؤتمر أوقع نفسه في تناقض كبير عندما ذكر"جاء إنعقاد المؤتمر كإستحقاق حسب النظام الداخلي وتلبية للمتغيرات السريعة في الساحتين القومية والوطنية والحاجة الى كل الجهود والآراء للمشاركة في إتخاذ القرارات المناسبة"  في حين أن إستحقاق النظام الداخلي هو أربعة سنوات لإنعقاد المؤتمر وليس تسعة سنوات. وإذا كان هناك حاجة لتلبية المتغيرات السريعة على الساحتين القومية والوطنية كان من الممكن ان ينعقد كونفرانس أو إجتماع موسع للقيادة والكوادر أو الأعضاء المتقدمة لتلبية حاجة هذه المتغيرات وحتى إن كان الأمر متعلق بتعديل أو تغير في أسم الحزب أو التنظيم ومن دون إنعقاد مؤتمر مستعجل والدخول في متاهات لا تخدم المجلس.
المسألة الأكثر غرابة هي تحول المجلس إلى حزب. وتتجلى هذه الغرابة في:
أولا: في كون المجلس تكتل سياسي أو مظلة لمجموعة من الأحزاب الكلدانية السريانية الآشورية في العراق. ففي ظل هذا التحول ماذا سيكون مصير هذا التكل الحاوي على عدد من أحزاب ومنظمات شعبنا، فهل ستنصهر فيه أم تبقى محتفظة بإستقلاليتها؟ علماً بأن بعض الأحزاب التي كانت منضوية تحت هذه المظلة، وهي المنبر الديموقراطي الكلداني وحزب بيت نهرين الديموقراطي والحزب الوطني الآشوري، قد أنسحبت من المجلس قبل إنعقاد المؤتمر لأسباب معينة منها تصرف المجلس كفصيل سياسي مستقل والإنكفاء عن كونه مظلة للأحزاب المنضوية تحتها.
الثاني: المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، وإن كان من حيث الشكل والتسمية ليس بحزب سياسي إلا أنه من حيث الممارسة السياسية هو حزب سياسي بكل معنى الكلمة حيث كان قد طرح قائمته الإنتخابية وشارك في إنتخابات البرلمانية والمحلية وفاز بعدد من المقاعد وهي الممارسة، أي محاولة الوصول للسلطة، التي تعطي له صفة كاملة في كونه حزب سياسي حسب المفهوم العلمي للحزب السياسي فجاء هذا المؤتمر ليكشف عن مضمونه السياسي الصرف. وقد سبق وأن فصلنا عن كون المجلس حزب سياسي في مقال سابق نشر في موقع عنكاوه الألكتروني، يمكن الإطلاع عليه على الرابط: http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=358303.0
هذا ناهيك على كون المجلس، هو أو قائمته الإنتخابية، مسجل ككيان سياسي في السنوات السابق لغرض المشاركة في الإنتخابات. لذا نرى بأنه لم يكن هناك أي داعي أو سبب يستوجب تحول المجلس إلى الحزب. لربما أعتقد قادته بضرورة تعديل أوضاع الكيانات السياسية للتلائم مع القانون الجديد رقم 36 لسنة 2015 الخاص بالأحزاب و التنظيمات السياسية. ولكن يظهر بأن القائمون على شؤون المؤتمر أو قادته لم يطلعوا على هذا القانون ويعملوا بموجبه حتى يدركوا عدم الحاجة لتحويل المجلس إلى حزب. فالقانون يخص الأحزاب أوالتنظيمات السياسية وليس حصراً بالأحزاب فقط بل أيضا يشمل التنظيمات السياسية. فالجهة الرسمية المسؤولة عن تسجيل الكيانات السياسية هي دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية التابعة للمفوضية العليا المستقلة للإنتخابات. ففي المادة (2) – أولاً  من القانون المذكور جاء في تعريف الحزب أو التنظيم السياسي: (هو مجموعة من المواطنين منظمة تحت أي مسمى على أساس مبادئ وأهداف وروى مشتركة تسعى للوصول إلى السلطة لتحقيق أهدافها بطرق ديمقراطية بما لا يتعارض مع أحكام الدستور والقوانين النافذة). فالقانون واضح فيما يخص أي مسمى للتنظيم السياسي فهناك تنظيمات سياسية مسجلة لدى الدائرة أعلاه وتحمل أسماء كحركة أو تجمع أو كتلة أو رابطة أو منظمة. إذن كان على قادة المؤتمر أن لا يتحول مجلسهم إلى حزب والأبقاء على نفس الأسم. ولربما كان هناك مواضيع أخرى ضمن النظام الداخلي للمجلس يستوجب ملائمتها مع القانون الجديد، ولكن ثقب الباب لا يتيح لنا فسحة كافة لمعرفة فيما إذا تم تناول هذه المواضيع أم لا.
هناك إشكالية أخرى محيرة ومربكة للغاية بعد إضافة تسمية الحزب على المجلس ليقرأ "حزب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري". ففي هذه الحالة فالمنطق يفصح بأن هناك المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ككيان قائم بذاته وله حزب ككيان آخر تابع له. والأنكى من كل هذا هو الإشارة إلى إنعقاد المؤتمر الثالث لحزب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، كما ورد في بيانه وكأن كان للحزب مؤتمرين سابقين، الأول والثاني ثم جاء إنعقاد المؤتمر الثالث للحزب، وهناك "خربطة" وإزدواجية أخرى عندما يذكر بأن "المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري يعقد مؤتمره الثالث. هنا لا ندري هل هو مؤتمر الحزب أم المجلس. كان الأجدر أن يكون المؤتمر الثالث للمجلس وأن يتقرر فيه تغيير الأسم مثلاً إلى الحزب الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ويصدر البيان بأسم المجلس وليس بأسم الحزب ثم بعد ختام المؤتمر كان بالإمكان إصدار البيانات بأسم الحزب.
الإشكالية الأخرى تمثلت في شعار أو شعارات المؤتمر. فالمؤتمر أنعقد تحت شعار(ضمان حقوقنا القومية ووحدة شعبنا التاريخية في الوطن يسوده القانون والعدالة) ولم يكتفي بهذا الشعار بل أدرج 16 ستة عشر شعارات أخرى معتمدة وهي:
1-   قوتنا تكمن في توحيد الخطاب السياسي لشعبنا.
2-   نناضل من اجل : ارضنا ووجودنا وهويتنا.
3-   سيبقى شعبنا واحداً وموحداً بكل تسمياته.
4-   الحكم الذاتي هو الضمانة في مستقبل زاهر لشعبنا في وطنه.
5-   نتمسك بوحدة شعبنا القومية والجغرافية.
6-   تمثيل شعبنا في كافة المؤسسات التشريعية والتنفيذية في الحكومة الاتحادية واقليم كوردستان حق مشروع.
7-   نعمل على رفع التجاوزات على اراضينا وعقاراتنا.
8-   نعمل من اجل تمتين علاقاتنا وتواصلنا مع شعبنا في الوطن والمهجر وتقوية الاواصر مع ابناء الوطن.
9-   نعمل من اجل استحداث محافظة في سهل نينوى ترتقي مستقبلا الى اقليم حسب المادة 119 من الدستور العراقي.
10   - نعمل من اجل معالجة مشاكل الاراضي والعقارات المتجاوز عليها في المدن والقرى.
11   - نعمل على تثبيت الحقوق الشخصية لأبناء شعبنا في القوانين وفق مبادىء حقوق الانسان والعمل على معالجة القوانين المجحفة التي تتعارض مع الخصوصية الدينية.
12-   تفعيل المادة ( 35 ) من دستور اقليم كوردستان العراق لبناء مؤسسات الحكم الذاتي.
13-    وطن تتجسد فيه المواطنة السليمة والضمانات الدستورية والتشريعية دون تمييز او تمايز بين ابناءه.
14-    نطالب باطلاق عملية سياسية جامعة للكل , تحت خيمة الوطن الواحد.
15-    لتكن الكفاءات والخبرات وتقديم الافضل هي المعايير الحقيقية للتنافس على خدمة المواطن.
16-    الشراكة الحقيقية لشعبنا في الحكومتين (الاتحادية واقليم كوردستان) هو مطلبنا.

ومن خلال مطالعتنا لهذه الشعارات نرى بأنها مجرد حشو كلام إلى درجة لم يستطيع القائمون على شؤون المؤتمر من التفريق بين شعار المؤتمر والأهداف ووسائل تحقيقها وهي السياقات المعروفة في كل الأحزاب السياسية.

وإذا كان ما ورد أعلاه مجرد تناقضات و"خربطات" من حيث الشكل والتسمية والشعارات، فالأنكى من كل هذا هو التناقض الصارخ في مضمونه خاصة من حيث إنتخاب الهيئة الإستشارية والذي تلى ذلك إنتخاب هذه الهيئة للهيئة التنفيذية أو المكتب التنفيذي الذي يعتبر أعلى سلطة تنفيذية في الحزب. من بديهيات الحزب أن مؤتمره العام هو أعلى سلطة تشريعية في الحزب وهو الذي يقوم بإنتخاب الهيئة التنفيذية أو اللجنة المركزية. وبالنظر لكون عدد أعضاء اللجنة المركزية كبير بعض الشيء ويصعب إجتماع جميع أعضاءها للتعامل مع المسائل اليومية والمستجدة فتقوم هي الآخرى، أي اللجنة المركزية، بإنتخاب مكتب تنفيذ أو سياسي لتولي مسؤولية تنفيذية للتعامل مع هذه المسائل اليومية. ولكن يظهر بأن مؤتمر حزب المجلس قد قلب الأمور على عقبها، فكان الأصح أن يقوم أعضاء المؤتمر بإنتخاب السلطة التنفيذية العليا المتمثلة في المكتب التنفيذي وليس الهيئة الإستشارية التي من صلاحياتها فقط هي تقديم المشورة والإستشارات والدراسات لقيادة الحزب التنفيذية وليس إنتخابها. ومن الملاحظ بأن عدد أعضاء المكتب التنفيذي لحزب المجلس المنتخبون من قبل الهيئة الإستشارية يتكون من 9 أعضاء فهو أقرب إلى مضمون اللجنة المركزية لأن مثل هذا المكتب لا يتطلبه أكثر من 5 أعضاء يتولى كل عضو مهمة معينة لكي يكون نشاطه أكثر عملية وواقعية لمستجدات الواقع الذي يعمل الحزب فيه. وهنا أيضا يأتي ضعف أو قلة معلومات القائمين على المؤتمر من حيث المصطلحات (Terminology) ومضمونها، فالهيئة، على سبيل المثال هي جهة إدارية ولها هيكلية معينة متكونة من عدد قد يكون كبيراً بعض الشيء من أشخاص وليس بضعة أشخاص كما هو الحال مع الهيئة الإستشارية لحزب المجلس المتكون من بضعة أعضاء. والشيء الأخير الذي حيرني كثيرا وأربك كل ما نشره حزب المجلس هو صدوره خبر عاجل يقول: (قائمة بأسماء الفائزين الجدد في حزب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري/ المؤتمر الثالث للحزب في القوش 30/11/2017):
  عاجل.. قائمة بأسماء الفائزين الجدد في حزب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري/ المؤتمر الثالث للحزب في القوش 30/11/2017

عشتارتيفي كوم/
1- عزوان رزق الله 2- جميل زيتو 3- عدنان عوديشو مندو 4- اسطيفو حبش 5- رهوان يوحنا 6- رائد اسحق 7- حنا نعمو 8- رائدة أوراها 9- يلدا خوشابا 10- عصام عيسى 11- نينوس سياوش 12- سالم يونو 13- هالان هرمز 14- عبدالكريم بهنام 15- جميل إبراهيم 16- ضياء عبد الأحد 17- أمجد عبد الأحد عزيز. الإحتياط 18- إبراهيم يوسف 19- رفيقة إيليا 20- بنيامين ياقو 21- نجيب شليم.
في الحقيقة هذا أمر محير جداً، فما المقصود بأسماء الفائزين الجدد وعددهم 17 في حزب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري مع 3 أحتياط؟ مع العلم بأنني على الأقل أعرف بعضهم هم أعضاء في المجلس منذ تأسيسه عام 2007. أفهل المقصود هو المكتب التنفيذي أم الهيئة الإستشارية؟ ولكن الأمر كما بين في أعلاه ليس كذلك. وقد يكون أمر حيرتي من هذا الخبر العاجل، أما بسب ضيق فتحة الباب ولم توفر لي المعلومات التفصيلة عن هؤلاء الأعضاء الجدد أو أن إستعجال المؤتمرين للتسابق مع زمن نهار واحد أربك أمورهم وأوقعهم في تناقضات ومتاهاة يصعب حلها وفق أبجديات العلوم السياسية في دراسة الأحزاب السياسية.
وأخير حتى أكون منصفاً بحق حزب المجلس، أشدد التأكيد على إصرار وصمود أعضاءه في إستمرار تبني التسمية الموحدة لجميع أبناء أمتنا المتمثلة في "الكلدان السريان الآشوريون" وإعتبارها مجرد طرح سياسي مرحلي، وليس تسمية قومية جديدة كما يعتقد البعض، طرح أو سبيل نحو المطالبة بحقوقنا القومية الشاملة لجميع أبناء شعبنا وإمكانية تحقيقها من دون تفرقة بين هذه التسمية المفردة أو تلك. ولنا أمل، رغم كل هذه التناقضات والإشكاليات، أن يكون حزب المجلس متماشياً مع الثوابت المبدئية التي ذكرناها في المقدمة في أن يكون من الأحزاب السياسية النشطة والفاعلة والمؤثرة وأن تكون له إستقلالية في قراراته حتى لا تكون إرادة أمتنا خاضعة للأمم الأخرى.



105
الإستفتاء الكوردستاني:

جهل سياسي أم مغامرة سياسية ؟؟؟
---------------------------------------
أبرم شبيرا
لا شك فيه إطلاقا بأن للكورد كل الحق في تقرير مصيرهم القومي وبناء دولتهم الخاصة بهم وفق المعطيات التاريخية والنضالية والجغرافية والديموغرافية والقانونية، وهو الحق الذي يظهر بأنه تشرعن شعبياً بإجراء الإستفتاء ونجاحه بنسبة تزيد عن 92%. ولكن مثل هذا الحق في تقرير المصير المبني على موافقة الأغلبية الساحقة والمعطيات المذكورة يبقى مجرد مبدأ مطلق ما لم يتم نقله وتطبيق نتائجه المتمثلة في إستقلال الإقليم وإنفصاله عن العراق إلى الواقع العملي والفعلي ومن خلال المماسة السياسية الفعلية على أرض الواقع. أي بعبارة أخرى، نقل هذا الحق من عالم القانون إلى ممارسة نتائجه في عالم السياسة. فالعبرة إذن ليست في مضمون وشرعية مبدأ حق تقرير المصير بل كل العبرة هي في نتائجه المتحققة من ممارسة هذا الحق من حيث نجاحه أو فشله.  فواقع الحال يقول وبكل وضوح بأن الإستفتاء الكوردستاني قد فشل ومن جميع الجوانب، لا بل يمكن القول أيضا بأنه أضر الشعب الكوردستاني كثيراً وأهتز نظامه السياسي في الإقليم سواء من حيث مكانته السياسية، خاصة قادة حكومة الإقليم وأحزابه السياسية. حيث فقد الإقليم الكثير من الإمتيازات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية التي كان يتمتع بها قبل الإستفتاء.
من البديهي القول بأن فشل أي إجراء سياسي أو حركة سياسية أو عسكرية لا بد أن يكون هناك خطأ أو أخطاء في حسابات وتقديرات القادة لمختلف الظروف السائدة والمحيطة بالوضع. وعندما يكون هناك خطاً في الحسابات والتقديرات فلابد أن يكون هناك جهلاً أو عدم الإلمام الكافي بهذه الظروف وبتقدير النتائج. ولكن أيضا هو من البديهي جداً والطبيعي جداً أن يكون للقادة وصانعي القرار عدد معين من المستشاريين والخبراء في شؤون المسألة والظروف المحيطة بالوضع المعني بالممارسة السياسية، أي الإستفتاء موضوع هذه السطور. فمن المؤكد بأن قادة إقليم كوردستان وصانعي القرار كان لهم عدد معين من المستشاريين والخبراء في المسائل السياسية والقانونية خاصة المتعلقة بالإستفتاء وبفهم مبدأ حق تقرير المصير وإمكانية ممارسته وضمان نتائجه المرجوة من الإستفتاء. وعندما تفشل الممارسة السياسية، كالإستفتاء الكوردستاني من خلال نتائجه السلبية على الإقليم والكورد وبقية القوميات والإديان فمعنى هذا بأنه كان هناك جهلاً سياسياً وحسابات وتقديرات خاطئة للمستشاريين والخبراء المحيطين برئيس الإقليم وصانعي قرار الإستفتاء وهم يتحملون المسؤولية الفعلية الكاملة قبل أن يتحملها رئيس الإقليم وصانعي القرار في الإقليم. ولا نستبعد إطلاقاً أن يكون، على سبيل المثال لا الحصر، السيد كفاح محمود المستشار السياسي لرئيس الإقليم سابقا محلل سياسي حاليا كما يكن نفسه بهذه الصفحة، أن يكون بجهله للظروف المحيطة بموضوع الإستفتاء وخطأ تقديراته لنتائجها مسؤولا مباشرة في فشل الإستفتاء وما ترتب على هذا الفشل من نتائج سلبية مؤثرة على الأقليم وشعبه. ويتجلى مثل هذا الفشل في التبريرات الهزيلة وغير المقنعة لهذا الفشل على شاشات بعض القنوات الفضائية لدرجة أصبح حاله كحال ممثل كوميدي فاشل. فبعد أن كان يظهر على بعض شاشات القنوات الفضائية بصفة مستشار سياسي لرئيس الإقليم ويلجأ إلى كل التبريرات والحج في حق الكورد في ممارسة مبدأ حق تقرير المصير وقيامه بإظهار أسس لشرعنة الإستفتاء،  نرى بعد فشل الإستفتاء وإنسحاب قوات البيشمركة من المناطق التي أحتلتها بعد 2014 يتغير لونه وصفته على نفس شاشات القنوات الفضائية فيصبح "محلل سياسي" بدلا من مستشار لرئيس الإقليم كوسيلة ليتهرب من مسؤولية للتبريرات السابقة.  والأنكى من كل هذا وذاك، يضيف السيد كفاح تبرير فشل إرشاداته وخبراته لقادة الإقليم فيما يخص الإستفتاء إلى تبريرات أخرى يحاول أظهار بطولات عنترية في حماية أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" وقراه ومن خلال التهجم عليهم وبشكل ينم عن إنسان محصور في زاوية ضيفة ومحرجة يلجأ بعد أن أعلن إفلاسه السياسي والفكري إلى إستخدام أوطئ التعابير والأساليب للتهجم على شعبنا وعلى ممثليه في البرلمان العراقي، في الوقت الذي هو معروف لجميع العراقيين وأولهم الكورد الشرفاء بأن إنسحاب قوات البيشمركة وتجريد العناصر المسلحة من أبناء شعبنا في مناطقهم في سهل نينوى فسح المجال لداعش الإجرامي لإحتلالها، وهي مسائل لا يستوجبها الكثير من التفصيل غير أن نذكر حادث مماثل وهو إنسحاب قوات البيشمركة وبسهول من المناطق التي أحتلتها بعد عام 2014 ومنها مناطق شعبنا في سهل نينوى وتركها لقوات الحشد الشعبي من دون اية مقاومة. 
يذكرني تبريرات فشل السيد كفاح محمود بأحدى القصص المشابه للقصص الواردة في كتاب كلية ودمنه. قيل بأن الثعلب أحتج لدى الأسد ملك الغابة وقال بأنه راقص بارع ويعمل حركات بهلوانية أكثر مما يعمله القرد. فأعطى ملك الغابة الفرصة له ليقوم بالرقص وبالحركات البهلوانية. غير أنه بمجرد أن بدأ الثعلب بمحاولة الرقص وعمل حركات بهلوانية ألتف ذيله الطويل حول رجليه فانهار وسقط على الأرض وأصبح موضوع سخرية وضحك من قبل بقية الحيوانات. غير أن الثعلب نهض مرة أخرى وقال أنا فعلاً أعظم راقص بين كل الحيوانات ومنها القرد ولكن ما العمل فأن الأرض غير مستوية وغير صالحة للرقص لهذا السبب سقطت على الأرض. ألله يكون في عون شعبنا الكوردي من خبرات وإرشادات مثل هؤلاء المستشاريين والمحللين السياسيين.
من خلال النتائج السلبية التي ترتبت على الإستفتاء أجزم في القول بأن الإستفتاء الكوردستاني كان مبنياً على جهل أو تجاهل سياسي فيما يخص الظروف والعوامل المحيطة بالإقليم وفي كيفية فهم مبدأ حق تقرير المصير ووسائل تطبيقه، فهو، أي الإستفتاء لا يعدو أن يكون إلا مغامرة سياسية.  وإذا كان المستشاريون لصانعي القرار في الإقليم والمحللون السياسيون على شاشات القنوات الفضائية، امثال محللنا السياسي العبقري كفاح محمود  يجهلون هذه الظروف والفهم لمبدأ حق تقرير المصير وأساليب تطبيقه، فإننا من موقعنا المتواضع ومن معلوماتنا البسيطة نعلمهم بما يلي:
1–  بالأساس أن ظهور مبدأ حق تقرير المصير كان في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وكان يخص الشعوب الخاضعة للإستعمار، خاصة في أفريقيا وأسيا، ويوفر لهم الغطاء القانوني الدولي لحركتهم التحريرية. وأشهرها إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر عام 1960 والخاص بمنح البلدان والشعوب المستعمرة إستقلالها. ولكن بعد تحرر هذه الشعوب وإستقلال أوطانهم تغير مفهوم حق تقرير المصير ولم يعد بالضرورة والحتم قيام كيانات سياسية من خلال إنفصال إقليم عن الدولة التي أكتمل سيادتها وأستقرت وأعترف بها المجتع الدولي.  وهذا ما أكدته معظم المؤتمرات الدولية والمواثيق المعتمدة في هذا المجال. فهناك تقريباً إجماع في رأي فقهاء القانون الدولي الذي يؤكد بأنه لا يجوز تطبيق هذا المبدأ إلا بعد أن تؤخد بنظر الإعتبار الظروف الجغرافية والإقتصادية والتاريخية للدولة المعنية، وأنه يجب أن يقتصر على مبدأ حق الأمم في الحكم الذاتي ضمن إطار من الفيدرالية أو أي شكل لا مركزي آخر ومن دون الإنفصال الكامل. ويبرر فقهاء هذا الإتجاه قولهم بأن جعل هذا المبدأ حقاً عاماً مطلقاً من دون أخذ الإعتبارات المذكورة أعلاه لن يعني سوى خلق فوضى وإضطراب في العلاقات الدولية. وهذا ما أكده المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان لعام 1993 المنعقد في فينا – النمسا والذي يعتبر من أشهر المؤتمرات في هذا السياق. حيث أكد المؤتمرون في بيانهم بأن حق تقرير المصير يجب أن لا يفسر أو يؤول بأنه تخويل أو تشجيع لأي إجراء أو فعل يمزق أو يضعف كليا أو جزئياً سلامة الأراضي ووحدة السيادة للدولة المستقلة. من هذا المنطق نتساءل، هل أخذت القيادة الكوردستانية ومستشارييها الظروف الجغرافية والسياسية والإقتصادية والتاريخية المحيطة بالإقليم بنظر الإعبتار قبل القيام بالإستفتاء؟ الجواب قائم من خلال المواقف السلبية للدول الجوار من الإستفتاء والتي كانت سبباً رئيسياً في فشل تحقيق الإستفتاء نتائجه.
2- ممارسة حق تقرير المصير من خلال الإستفتاء من قبل إقليم أو مجموعة سكانية معينة ضمن الدولة الواحدة له شكلان:
الأول: عندما يجري الإستفتاء بموافقة معظم الأطراف من الحكومة المركزية والأحزاب السياسية النافذة والقوى السياسية والمدنية والمنظمات الدولية حينذاك ستكون نتائج الإستفتاء سواء أكانت سلباً أو إيجاباً مقبولة وملزمة للجميع ومن ثم تبدأ الإجراءات العملية الخاصة سواء بمنح الحكم الذاتي أو الإنفصال عن الدولة فيما إذا كانت نتيجته إيجابية، أو وضعه على الرفوف العالية فيما إذا كانت نتائجه سلبية. والإستفتاء الإسكوتلندي في الممكلة المتحدة ومقاطعة كيوبك في كنداً نموذجان في هذا السياق حيث جرى الإستفتاءان بموافقة الحكومتان البريطانية والكندية والقوى السياسية الفاعلة ورغم نتائجهما السلبية في رفض الإنفصال عن الدوليتن فأن هذه النتيجة كانت مقبولة وملزمة للطرفين. وعلى الجانب الآخر نرى بأن الإستفتاء الذي جرى في تيمور الشرقية كان بموافقة جميع الأطراف الإقليمية والدولية وبإشراف دولي وبالتالي أحترمت نتيجته في إستقلال تيمور الشرقية عن إندونيسيا. 
الثاني: عندما يجري الإستفتاء من طرف واحد طالباً سواء بالحكم الذاتي أو الإستقلال عن الدولة ومن دون موافقة الحكومة المركزية وأكثرية الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وأيضا موافقة أكثرية دول العالم المعنية، عندذاك تكون نتائجه سواء  أكانت سلبية أم الإيجابية، حتى لو كانت نسبته الإيجابية 100% ستكون في هذه الحالة غير مقبولة ومرفوضة من الحكومة المركزية ودول الجوار وبقية الجهات المعنية بموضوع الإستفتاء ويعتبر بنظرهم كمحاولة إنفصال ومؤامرة وتمرد وبالتالي سيسبب ذلك نوع من التوتر وعدم الإستقرار وربما التدخل العسكري لأعادة الأمور إلى مجاريها الطبيعية. والإستفتاء الكوردستاني وإقليم كاتلونيا في إسبانيا نموذجان في هذا السياق.
3- هناك أمر آخر يستوجب توضيحه ومتعلق بما ذكرنا في (2) أعلاه وهو النسبة المؤية المؤيدة للإستفتاء. ففي حالة كون هناك موافقة إجماعية من الحكومة المركزية وأكثرية الأحزاب السياسية الفاعلة في الدولة والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الشعوب، ستكون أية نسبة للإستفتاء  مأخوذة بنسبة عدد المقترعين أو عدد سكان الإقليم أو المجموعة المشمولة بالإستفتاء في الإقليم  صحيحة ومقبولة وملزمة للجميع وبالتالي يكتسب الإستفتاء شرعية كاملة. أما الإستفتاء الذي يجري من طرف واحد ومن دون موافقة الحكومة المركزية وأكثرية الأحزاب السياسية والمنظمات الدولية كما ذكرناه في الحالة الثانية من (2) أعلاه، فأن الإستفتاء مهما كانت نسبته ستكون غير صحيحة لأنها لم تأخذ بنظر الإعتبار مجموع سكان الدولة. فالإستفتاء الكوردستاني للإستقلال  الذي كانت نسبته أكثر من 92% هي نسبة مأخوذة بنسبة المقترعين في الإقليم أو بنسبة عدد سكان الإقليم فتكون في هذه الحالة نسبة غير صحيحة وغير مقبولة وملزمة لأن مجموع شعب العراق كدولة واحدة الرافض بأغلبيته لهذا الإستفتاء، لم يأخذ بنظر الإعتبار وبالتالي سوف يفتقر مثل هذا الإستفتاء إلى الشرعية القانونية المطلوبة وبالتالي ستكون نتائجه وخيمة على الإقليم وشعبه في حالة إصرار قادة على اجراء الإستفتاء.
4 – جميع الإستفتاءات التي جرت في العالم وتحققت نتائجها الإيجابية خاصة فيما يتعلق بإستقلال إقليم من أقاليم دولة معينة وإنفصاله عنها كان لها غطاء شرعي إقليمي ودولي وكان يجري الإستفتاء تحت إشراف ومراقبة المنظمات الدولية خاصة الأمم المتحدة، كما كان الحال مع تيمور الشرقية وجنوب السودان لأن مثل هذه الإشراف الذي يعني قبول نتائج الإستفتاء دوليا سيكون مفتاحاً لقبول الإقليم المستقل بصيغة دولة جديدة في المجتمع الدولي وفي المنظمات الدولية ومنها الأمم المتحدة. أين كان مستشاريون رئيس الإقليم وصانعو القرار، وعلى رأسهم كفاح محمود من هذا الأمر؟ ليس من المعقول أن لا يكونوا على علم ودراية عن أهمية وجود إشراف دولي وموافقة مبدئية على الإستفتاء وقبول نتائجه وإلا فالاصرار على إجراء الإستفتاء من دون أخذ ما ورد أعلاه ماهو إلا مغامرة سياسية، لا بالأحرى هو جهل سياسي مطبق. فخوض مغامرة  حول مسألة معينة قد تكون نتائجها إيجابية أو سلبية في حال كون العوامل الإيجابية والسلبية متقاربة، كأن نقول مثلاُ بأن إيران وعدد معينة من دول العالم كانت  موافقة على إجراء الإستفتاء الكوردستاني في حين كانت تركيا والعراق وأكثرية دول العالم خاصة الكبيرة كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي رافضة لإجراء الإستفتاء أو متحفظة عليه حينذاك يمكن الحديث عن كون الإستفتاء مغامرة سياسية قد تكون لها نتائج سلبية وإيجابية أيضا. أما أن تكون جميع دول الإقليم والعالم والمنظمات الدولية رافضة للإستفتاء فأن الأمر يتحول إلى جهل سياسي مطبق تكون نتائجه برمتها سلبية ووخيمة على الإقليم وشعبه. والجهل ليس بعدم معرفة الأمور والظروف السياسية المؤثرة بل أخطره هو عندما يغطي التعصب والتعالي والتكبر على الأمور والظروف السياسية وتصبح غير مرئية أو مدركة.
5- لا شك فيه بأن الكثير من سياسيي الكورد وخاصة قادتهم وأحزابهم والمستشاريين هم على دراية كافة من الموقف السياسي للولايات المتحدة الأمريكية تجاه المسألة الكوردية وذلك بسبب العلاقة السياسية التاريخية بين الأثنين. ولكن يظهر من خلال الإستفتاء وموقف الولايات المتحدة منه، أما تم تجاهل هذا الموقف أو هم بالأصل جهلة عنه. فمن المعروف بأن الولايات المتحدة كأي دولة عظمى تتحد مواقفها تجاه الدول الأخرى والحركات السياسية وفقا لمصالحها القومية. ومثل هذا الموقف نجده في علاقتها مع المسألة الكوردية. فهي دعمت وساعدت الكورد وحركتهم القومية طالما كانت هذه الحركة قادرة على إزعاج  وإرباك دول الجوار المتنافرة أو المتخاصمة مع الولايات المتحدة والتأثير على إستقرارها وأمنها. على العكس من هذا، تسحب دعمها ومساندها للحركة الكوردية عندما تبدأ مصالح ولايات المتحدة بالتقارب وإنسجامها مع إستقرار وأمن دول الجوار. وهذا ما حدث طيلة فترة الحركة الكوردية حتى عام 1974 ومن ثم طيلة بداية التسعينيات حتى قبل وبعد إجراء الإستفتاء الكوردستاني. وهو نفس الأسلوب الذي سينطبق على مساعدتها حتى بالأسحلة الثقيلة للكورد في سوريا والآن بعد ظهور بوادر تقهقر داعش  وترضية تركيا وروسيا ضمن مساومات محتملة تفرض على الولايات المتحدة سحب الدعم الأمريكي للكورد وترك مصيرهم لتركيا والنظام السوري كما حدث للكورد في العراق.
وأخيرا وتجنب للإطالة نؤكد القول بأن جزء من المصير الذي أل إليه الإستفتاء ونتائجه الوخيمة يتحملها بعض المستشارين لرئيس الإقليم وصانعي قرار الإستفتاء وفي مقدمتهم السيد كفاح محمود الذي يحاول التهرب من هذه المسؤولية ليس من خلال التخلي عن كنيته كمستشار سياسي لرئيس الإقليم وتحوله إلى "محلل سياسي" بل أيضا من خلال عنترياته على شعبنا المسالم ومحاولته في البحث عن هدف يفرغ عليه فشله وتصريحاته السابقة حول الإستفتاء.. أنه من المؤسف له أن تصل القيادة الكوردية إلى مستوى الإعتماد على كذا شخص متملق الذي كان بالأمس القريب يغرد مع سرب النظام البعثي الغاشم وعبر مجلة أفاق عربية، وليس مستبعدا أن يستمر تغريدته مع أي نظام سياسي غاشم. أنه من المؤسف أكثر أن يكون شعبنا المسيحي الكلدان السريان الآشوريين ضحية لكذا أشخاص وموضع إستغلال من قبل بعض الشخصيات الكوردية البارزة وزوعماء العشائر الذين كانوا أيضا بالأمس القريب جحوش لنظام البعث واليوم يتلذلون بالإمتيازات التي وفرتها لهم الظروف السياسية في الإقليم من سلب أرضي وقرى شعبنا وتهميش وجودنا التاريخي التي أصبحت كلها عوامل تجعل من شعبنا المسيحي أن يفقد الثقة بالقيادة الكوردية وأحزابهم السياسية تلك الثقة التي بناها شعبنا بدمائه الزكية التي بذلها في سبيل الحركة القومية الكوردية.   

106
إنبعاث الآشوريين -  The Rebirth of the Assyrians
مقارنة بين النبؤة التوراتية والحقيقة الواقعية
--------------------------
أبرم شبيرا

تعتبر البروتستانتية، بكل كنائسها وتفرعاتها ورئاستها المتعددة والمنتشرة في العالم  من أكثر الكنائس إهتماماً بالمسائل القومية ونهضة الأمم والشعوب. فمنذ نشؤوها في أوروبا في القرون الوسطى تزامنت أو دعمت أو أرتبطت بالنهضة القومية والتجدد والحداثة في أوروبا وبالفكر القومي والمبادئ الأساسية المرتبطة به. وليس غريباً ان تكون الوحدة الألمانية في القرن التاسع عشر نموذجاً للوحدة القومية ومصدراً كلاسيكياً للفكر القومي وللحركات القومية الأخرى. ولهذه الكنائس أيضاً دوراً في تاريخ الآشوريين المعاصر. فعلى الرغم من الجانب السلبي والمؤثر الذي تركه مبشروا الكنائس البروتستانتية على وحدة كنيسة المشرق وإزدياد تمزقها إلى طوائف مذهبية، فإن لهؤلاء المبشرين دوراً إيجابياً على المستويين الثقافي والقومي. فعندما وصلوا إلى المناطق التاريخية للآشوريين في شمال غربي إيران وجنوب شرقي تركيا في القرن التاسع عشر بدأوا، وكأسلوب من أساليبهم التبشيرية، بنشر الثقافة القومية بين الآشوريين وأهتموا إهتماماً كبيرا بموضوع اللغة وطبع الكتب والمجلات وترجمة الكتاب المقدس إلى لغتهم القومية وفتح بعض المدارس ويرجع الفضل إليهم في التطور الكبير الذي حصل في الثقافة والأدب واللغة وتخريج مثقفين وكتاب وشعراء برزوا على الساحة القومية الآشورية.

من الضروري الإشارة هنا إلى ظاهرة فريدة في هذا المذهب الذي أنتشر بين الآشوريين وتأسست كنائس خاصة بهم، هي أنهم رغم تركهم لكنيسة المشرق وإنتماءهم إلى الكنائس البروتستانتية إلا أنهم لم يتركوا مصدر إنتمائهم القومي الآشوري بل كانت كنيستهم كنيسة قومية حالهم كحال جميع الكنائس البروتستانتية التي هي قومية أكثر من كونها عالمية. من هنا لا نستغرب أن يكون الكثير من رواد الفكر القومي الآشوري والكثير من أشهر أدباء وكتاب وشعراء الآشوريين من أتباع الكنائس البروتستانتية, ولازلنا نسمع حتى يومنا هذا الكثير من الخطب والوعظ لإباء هذه الكنيسة في جوانب كثيرة منها تدور حول القومية والدعوة إلى تنمية الوعي القومي لدى الآشوريين. والكثير يتذكر المدرسة التي كانت قائمة في ساحة الطيران في منطقة كمب الكيلاني في بغداد والعائدة للكنيسة الإنجيلية الآثورية والتي عرف بمدرسة قاشا خندو ودورها في تنمية الوعي القومي بين طلابها.

والملاحظة الأهم عن هذه الكنائس هو إعتمادهم الكبير على التوراة، أي العهد القديم، في تفسير وتحليل الكثير من ظواهر اليوم وفي دعم التوجهات السياسية وإعطاءها زخماً حماسياً يصل في الكثير من الأحيان إلى التطرف. من هذا المنطلق، ليس غريباً أن تكون بريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة الأمريكية من أوائل من دعم نشؤء دولة إسرائيل ولايزال حتى اليوم هم من أكثر الداعمين لها متخذين من التوارة منهجاً محتوماً في قيام وبقاء إسرائيل. أما بالنسبة للآشوريين، فمثل هذا التوجه يمكن أن نتلمسه أيضاً في كتابات وأفكار بعض القساوسة أو أساتذة الكتاب المقدس. وتعتبر كتابات القس كين جوزيف والقس جون بكو نموذجاً في هذا السياق فكلاهما آشوريان ينتميان إلى الكنيسة البروتستانتية أو إحدى فروعها. فعلى سبيل المثال أصدر جون بكو كتابه المعنون (آشور النبوءة المنسية) في عام 1992 الذي أكد فيه بشكل جازم بأن الكتاب المقدس قد ضمن نشؤء وقيام الدولة الآشورية مرة أخرى في هذه الألفية وأن الآشوريين هم شعب الله، إلى جانب المصريين والإسرائليين، إلذين سيسودون في منطقة الشرق الأوسط.

ومن أشهر الكتاب، غير الآشوريين، الذين تناولوا هذا الموضوع هو البرفسور الدكتور جوزيف جيمبيرس الذي يعد من أكبر فلاسفة اللاهوت والكتاب المقدس في أميركا والعالم حيث كتب بحثاً عن نهضة الآشوريين (The Rebirth of the Assyrians) طبقاً للتوارة ونشر على بعض المواقع الألكترونية. وكلمة (Rebirth) تعني إنبعاث أو نهضة أو تجدد روحي أو ولادة جديدة حسب القواميس المعروفة. حيث ألف الدكتور جوزيف جامبيرس ستة كتب وشارك في تأليف كتابين وكتب أكثر من 185 كتيب وعمل 18 فيديو كاسيت وعدد لا يحصى من المقالات والبحوث ومعظمها تتركز على تفسير الكتاب المقدس والمسائل المتعلقة به وكان قساً قبل أن يدخل حقول البحث في عالم اللاهوت والديانة المسيحية. ويظهر من سيرة حياته بأنه كان يهودياً ولم يكن يعرف القراءة والكتابة حتى السن السادسة عشر عندما أعتنق المسيحية بعد إنتحار والده المدمن على الكحول. فبالإضافة إلى نشاطه العلمي والكنسي الكبيرين فهو من أعضاء الحزب الجمهوري الأمريكي ويظهر بأنه من المحافظين المتشددين أو قد يكون من المسيحيين الجدد الذين يعتمدون إعتمادا كليا على التوراة وما ورد فيها من أحداث ويؤمنون بأنها ستحدث عاجلاً أم آجلاً. له أهتمامات خاصة بتاريخ العراق القديم بأعتباره موطن أبينا أبراهيم ومركز قصص التوراة كما كتب عن مدينة بابل وحتى عن صدام حسين وحروبه ومحاولة مقارنة ذلك بالأحداث التاريخية التوراتية. وكتب أيضا عن المسيح الدجال الذي سيأتي إلى العالم وتخمن بأنه سيكون من العراق وتحديداً من الآشوريين !!!، غير أنه يظهر بأنه في السنوات القليلة الماضية أطلع على نشاط الآشوريين في العراق والخارج وعلى ضوئها تغير رأيه فيما يخص الآشوريين خاصة عن المسيح الدجال. وأدناه ترجمة لمقالته في (إنبعاث الآشوريين)  مقططفاً منه ما يخص موضعوعنا هذا من دون الإشارة إلى غيره مضيفاً إليها بعض التعليقات والتوضيحات بالخط الأحمر المائل.
يقول الدكتور جوزيف جامبيرس:
أنه مثير للإنتباه مراقبة ثقافة كانت بنظر الكثير ميتة ولكن فجأة بدأت بالإنبعاث. أنه من غير شك هذا ما يحدث حالياً بالنسبة للآشوريين القدماء. أنه يحدث هذا بحسب تصميم النبوءة، فهناك حقيقتان بهذا الخصوص متعلقة بالنبوءة تطالب بالوجود الآشوري في هذا العالم وتحديداً في العراق. أولاً: إن المسيح الدجال سيكون آشورياً (هذا ما كتبه في أحدى بحوثه والذي يناقض ما يكتبه في هذه المقالة وبالتالي غير رأيه بعد إطلاعه على أحوال الآشوريين في الآونة الأخيرة ووجد بأنهم أمة غير منقرضة) وسيكون، (أي المسيح الدجال) معروفاً للعالم بهذه الهوية. ثانياً: أن الثقافة الآشورية سوف تستيقظ تدريجياً وتسيطر في شمال العراق خلال الألفية التي يأتي يسوع المسيح على هذه الأرض وسوف يكون (الآشوريون) أحدى الأمم الرئيسية الثلاث فقط في الشرق الأوسط في خلال ألف سنة القادمة من السلام المثالي. إن النبي إشعيا قد ثبت هذه النبوءة قبل 2700 سنة. (ويقصد الإصحاح 23 –  - 24 - 25: 19 من سفر إشعيا والقائل: في ذلك اليوم تكون سكة من مصر الى اشور فيجيء الاشوريون الى مصر والمصريون الى اشور ويعبد المصريون مع الاشوريين في ذلك اليوم يكون اسرائيل ثالثاً لمصر ولاشور بركة في الارض  بها يبارك رب الجنود قائلا مبارك شعبي مصر وعمل يدي اشور وميراثي اسرائيل)

عندما نستكشف تواصل الثقافة الآشورية مع تمييزها الواضح منذ 2700 سنة، منذ أن دمر الجزء الأكبر منها من قبل تحالف جيوش الأعداء في عام 612 ق.م. والبعض يذكر 603 ق.م. (في 612 ق.م .سقطت نينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية وفي 603 ق.م. سقط آخر كيان سياسي آشوري والذي عرف بأسرونيا في شمال غربي بلاد مابين النهرين)، يتبين بأن قبضة الله مهيمنة في كل شيء. لقد درست وتعلمت من أحداث مختلفة خلال هذه السنين الطويلة لأحفاد هذه الثقافة المتميزة فوجدت بأنها ليست سوى مسألة فوقطبيعية بأن هؤلاء الأحفاد قد بقوا على قيد الحياة. إن هؤلاء الأحفاد يدعون بأنهم كانوا من أوائل المجموعات المتجانسة ومن أصل واحد الذين أعتنقوا المسيحية في القرن الأول من الديانة المسيحية. فاليوم هناك خمس كنائس صغيرة مترابطة مع البعض (ربما يقصد الكنيسة الكدانية الكاثولكية وكنيسة المشرق الآشورية والكنيسة السريانية الآرثوذكسية والكنيسة الشرقية القديمة والكنيسة السريانية الكاثوليكية) تمثل الآشوريين. وكل واحد منهم يدعي بالآرثوذكسية (أي الإيمان القويم) من المسيحية.

تدعي الكنائس الآشورية بأنها حققت نجاحاً كبيراً في خلال 500 سنة الأولى من المسيحية. ساهموا في إنشاء العديد من الكليات والمعاهد وكانوا جزء من حملة نشر الإيمان المسيحي حتى سقوط القسطنطينية بيد المسلمين الغزاة بعد أن إنشاء محمد الدين الإسلامي الذي سعى إلى إخضاع الشرق الأوسط بالكامل للدين الإسلامي. لقد كان نجاح الآشوريين معتمداً على مدى تسامح كل حاكم. فالآشوريون هم تحديداً الوحيدين من أهل الرافدين الأصليين الذين يعيشون في العراق حالياً. فأمبراطورية العرب في العراق لم تنشأ حتى القرن السادس للميلاد. فهناك بحدود مليون ونصف المليون (رقم مبالغ فيه) من الآشوريين يعيشون حالياً (سنة كتابة المقالة)  في العراق. في عام 1935 بعد الميلاد أسكنت عصبة الأمم عدد كبير من الآشوريين في منطقة تعتبر اليوم جزء من سوريا. ويبدو أن هذا المشروع للإسكان كان جزء استرضائي لأن الشعب الآشوري كان قد أهمل وترك خارج التسويات التي جرت بحق الشعوب الأخرى. لقد دمر صدام حسين العديد من قراهم وقتل الآلاف منهم. فتاريخهم الطويل  واضح في كونه من بين الأحداث الأكثر معاناة وحرماناً التي لا تصدق. الإحصائيات تشير إلى أن 400,000 منهم يعيشون حاليا في أميركا (رقم غير مؤكد وتخميني وطبعاً بضيف الكلدان والسريان إلى هذا الرقم). وهناك قصص جميلة حول رجوع الآشوريين إلى وطنهم ومن مختلف البلدان التي هاجروا إليها من أجل البقاء على الحياة. (قصص غير دقيق وغير حقيقية).

في الفترة من 10 – 11 مايس 2002 عقدوا الآشوريون مؤتمراً دولياً في موسكو. (كنت من أحد الحاضرين لهذا المؤتمر والمشاركين فيه فكان مؤتمراً ثقافياً وأثمر ببعض البحوث والدراسات التي نشرت فيما بعد). فهذا الشعب المميز يتوحد ويبحث عن منطقة جغرافية محددة لتكون دولة آشور في القطر العراقي ولكن نجاحهم في هذا المجال يبدو محدوداً جداً. فكل حركة لها مغزى توراتي تواجه مقاومة. (أي بهذا المعنى يقصد بأن مساعي الحركة القومية الآشورية في بناء كيان خاص بهم محكوم بما ورد في التوراة). فالشيطان يكهره كلمة الله لأنه ربما يعرف بأنها (أي كلمة الله) خير لغالبية المسيحيين. فأي مقدار ضئيل من التقدم ومن خلال الحقيقة التوراتية سوف تكون محك للنقد والهجوم ولكن سوف تسود وتدرج في أجندة الله وينتصر. (أي رغم كل مأساة الآشوريين والهجوم عليهم فانهم في التحليل الأخير سوف ينجحون لأن مصيرهم مقرر بمشيئة الله) فللآشوريين مستقبل رائع وسوف يحيون من خلال تجدد المسيحية الأصلية وسوف يكونون أمة عظيمة خلال الألفية. سوف يخدمون الرب يسوع المسيح كملك للملوك وهذا سيساعد لجعل منطقة الشرق الأوسط مركز للحكم الديني في الألفية. فاليوتيبا (أي دولة الخيال أو المثالية) التي حلم بها الرجال (ويقصد الآشوريين) الذين حاربوا الجيوش وماتوا الملايين من أجلها سوف تتحقق على هذه الأرض. وسوف تصبح هذه الأرض جنة عدن.
Joseph R. Chambers جوزيف جامبيرس                                                                                                                   
------------------------------------------------------------------------------------------------
هنا أود أن نوضح للقارئ الكريم بأن عرض هذا الموضوع المثير لا يعني إطلاقاً إتفاقنا مع رأي الكاتب أو غيره من الذين أتخذوا من التوراة منهجاً لتفسير الوقائع السياسية السائدة في عصرنا هذا، فالسياسة هي واقع ومماسة وأهداف ملموسة قابلة للتطبيق وليست مسائل فوقطبيعية لا نلمسها ولانتحسس بها ولكن عرضها والإطلاع عليها ستغني معارفنا بمزيد من المعرفة وبتجارب الشعوب الأخرى، خاصة عندما تأتي من فلاسفة كبار وكيفية التفكير او التخمين بمصير الشعوب. كما أنه من الملاحظ إن إشارة الكاتب إلى الآشوريين قائمة على أمرين. الأول: معتمدا على التوارة وورود أسم الآشوريين فيها للعديد من المرات. ويذكر القس جون بكو في كتابه السالف الذكر بأن هناك أكثر من 150 إشارة إلى الآشوريين في الكتاب المقدس. الثاني: في الفترة التي كتب البروفسور جوزيف جامبيرس موضوعه هذا كانت التسمية الآشورية هي السائدة على الساحة السياسية في العراق وكانت الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) موضوع إهتمام لدى الإدارة الأمريكية خاصة عندما أشمل الرئيس الأسبق جورج بوش الأبن زوعا بالمساعدات المقرر للمعارضة العراقية وأعتبرها جزء مهم من هذه المعارضة ضد النظام البعثي في العراق.

من المعروف بأن الكتاب المقدس بكلا العهدين القديم والجديد يعتبر أعظم مصدر تاريخي متداول وواسع الإنتشار ومرجعاً أساسياً لإيمان المسيحيين بمسيحيتهم. وتتركز أهمية الكتاب المقدس، خاصة العهد القديم منه، على الأحداث التاريخية التي وردت فيه وتحديداً ما يخص بلاد مابين النهرين، بابل وآشور والتي كانت موضوع مقارنة عند الكثير من المؤرخين بالأحداث التاريخية التي وردت في حضارات بلاد مابين النهرين. غير أن الإستكشافات الأثرية التي جرت في بلاد مابين النهرين في القرون الماضية أثبتت صحة بعض من هذه الأحداث التوراتية وبالمقابل لم تتأكد غيرها بل تعارضت أو تناقضت مع ما أكتشف من قصص وأحداث مكتوبة على الحجر، وبالتالي أعتبرت تلفيقاً أو تزيفاً من قبل كُتاب العهد القديم. وإذا جاز لنا أن نقارن الأحداث والقصص التوراتية فيما يخص إنبعاث الآشوريين في الألفية التي سيأتي ربنا يسوع المسيح (له المجد) مع واقعنا الحالي في بلاد ما بين النهرين أو آشور كما يرد في التوراة فإننا سنصطدم بحقيقة واقعية مأساوية ومظلمة لا بل ومهلكة للآشوريين تلك الحقيقة الواقعية التي تقودهم إلى طريق الإنقراض من بلاد آشور التوراتي. هذا الواقع المرير لا يترك لنا كمسيحيين مخلصين لكتابه المقدس ذرة من الأمل لكي يتعزز إيمانا بما ورد في التوراة من إنبعاث الآشوريين. فلو أفترضنا مجازاً بأن لنا إيمان قويم بما ورد في التوراة فيما يخص إنبعاث الآشوريين لقلنا فوراً لكافة قادة أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية ودعاة النهضة القومية الآشورية ناموا قرير العينين ولا تتعبوا حالكم ولا تناضلوا من أجل كرسي في البرلمان وتسعون جاهدين لتحقيق مصالح أمتنا وبناء دولتنا الآشورية، فالعهد القديم ضمن إنبعاثنا من جديد وأكد بناء كياننا القومي أن لم يكن اليوم أوالأمس فأنه بالحتم وبنتيجة حكم التوراة سيتحقق في الألفية القادمة... ولكن مهلاً... ألم يقل المثل بأن الله يساعد الذين يساعدون أنفسهم؟؟؟. فإذا كنًا عاجزين عن مساعد أنفسنا ونعجز عن توحدنا وإتفاقنا على الحد الأدنى فيكيف يجوز لنا أو بالأصح كيف نتجاسر ونطلب من الله أن يساعدنا في بناء دولتنا القومية ونحن غير قادرين على مساعدة أنفسنا؟؟؟ وهناك مثل آخر يقول (منك حركة ومني بركة).





107
ألقوش البطلة تحقق من خلال مدير الناحية فائز عبد ميخا جهوري نصراً قضائيا
------------------------------------------
أبرم شبيرا
حققت "يمت مثواثه" ألقوش نصراً قانوياً كبيراً من خلال فوز مدير الناحية السيد فائز عبد ميخا جهوري بقرار من محكمة القضاء الإداري العراقية بإلغاء القرارات المجحفة بحقه في إقالته من منصبه كمدير لناحية ألقوش. ولهذا القرار العادل مدلولات عميقة تتمثل في صمود وإصرار أبناء ألقوش البطلة على النضال وعلى مختلف الأصعدة لنيل حقوقهم المشروعة في موجهة الظلم والإستبداد الذي تمثل في القرار المجحف والصادر من بعض أعضاء الحزب الديموقراطي الكردستاني (البارتي) المهيمنين على مجلس بلدية ألقوش وما يتعبها من هيئات إدارية.

ولما كان السيد فائز عبد ميخا رافضاً لشمول ألقوش وغيرها من المناطق المتنازعة عليها بضمنها مناطق شعبنا في سهل نينوى لذا كان منذ البداية  واضحاً بأن صدور قرار إقالته من قبل البارتي المتمثل في زمرته في مجلس بلدية ناحية ألقوش كان لأسباب  سياسية بحة ولم يكن له علاقة بالتهم التي وجهت إليه.

فمن خلال الإطلاع على قرار محكمة القضاء الإداري نرى بأن له بعض التوايخ التي لها دلالات معنوية. ومن أهمتها نرى بأن السيد فائز رفع دعوته القضائية بتاريخ 02/08/2017 لإلغاء القرار المجحف بحقه وما لحقه من مداولات وجلسات كلها جرت قبل تاريخ إجراء الإستفتاء في "كردستان" والأراضي المتنازع عليها في 25/09/2017 وما أعقبت ذلك من إنتكاسات على الحركة القومية الكوردية وإنسحابها من الأراضي المتنازع عليها. مما يدل وبشكل واضح شجاعة السيد فائز على مواجهة المتسلطين على أمور بلدته العزيزية ألقوش وإتزان حكمته في اللجوء إلى القضاء الرسمي لنيل حقه المغتصب. ولنا كل الأمل أن تؤكد المحكمة الإدارية العليا حق السيد فائز وتصادق قرار محكمة القضاء الإداري عند طلب المدعي عليهم تمييز القرار.
 ونأمل من السيد باسم بلو قائمقام قضاء تلكيف أن يلجاً، إن لم يكن قد لجاً أصلا، إلى القضاء الرسمي لنيل حقه المغتصب في إقالته من منصبه كقائمقام لقضاء تلكيف، فهو الآخر أقيل من منصبه لنفس الأسباب السياسية المتعلقة برفض الإستفتاء في مناطق شعبنا. 
 




108
الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي يطلب من الحكومة العراقية السيطرة على سهل نينوى
عرض و تعليق
======================================================== 
أبرم شبيرا

أصدر الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو إتحاد فيدرالي كبير يضم العشرات من المؤسسات والأندية والجمعيات الآشورية في الولايات المتحدة الأمريكية، أصدر تصريحا حول حملة الحكومة العراقية إلى فرض سيطرتها على قرى وقصبات سهل نينوى والذي يشكل مركز موطن الآشوريين في العراق ويشمل العشرات من القرى والبلدات. نشر التصريح بتاريخ 23/10/2017 في الموقع الألكتروني لوكالة  الأنباء الأشورية العالمية والمعروفة إختصارا بـ (AINA) يدعو إلى إنسحاب القوات الكوردية من سهل نينوى وإلى إستحداث محافظة في سهل نينوى تدار من قبل الحكومة المركزية في بغداد، والذي كان مجلس الوزراء العراقي قد أقره في شهر كانون الثاني 2014. وهذا نص البيان مترجم من الإنكليزية إلى العربية:
------------------------------------------------------
 التصريح:
------
أن الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي – Assyrian American National Federation  - والمعروف إختصارا بـ (AANF) يؤيد حملة الحكومة العراقية المركزية في إستعادة السلطة الفيدرالية بمنطقة سهل نينوى من العراق. لقد أوضح رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي عزم عودة السيطرة في المنطقة لغاية حدود عام 2003 وطبقاً للدستور العراقي. فبالرغم من التصريحات المضللة لمسؤولي حكومة إقليم كوردستان ووسائل الإعلام التابعة للحزب الديموقراطي الكوردستاني، فأن سكان سهل نينوى الذي طال إنتظارهم لفرصة أعادة بناء حياتهم بعيدا عن الظلم والإضطهار قد رحبوا بهذه الحملة.

إننا نوصي الولايات المتحدة بتأييد إنسحاب قوات البيشمركة من البلدات الباقية في سهل نينوى والتي تشمل ألقوش و تلسقف وأن أي تقسيم لسهل نينوى هو تقويض لإرادة سكانه. فحاليا وجود البيشمركة غير الدستوري في هذه البلدات يعرض وبشدة سلامة السكان للخطر ونخشى بأن أي تأخير قد تكون نتيجته نزوج سكان هذه المنطقة.

نأمل بعد إنسحاب البيشمركة من هذه المناطق، أن تنقل قوات وحدات الحشد الشعبي غير المحلية إلى خارج سهل نينوى وأن يسلم  موضوع الأمن مباشرة إلى وحدات حماية سهل نينوى (NPU) وفي غضون ذلك سوف يتم دعم من قبل الجيش العراقي والشرطة.

ولنا أمل أن لا يتم التعامل مع سهل نينوى كورقة مساومة لتقليل التوترات بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان وعلى حساب الأقليات في المنطقة. نحن نرفض الوضع المتنازع لهذه المناطق، وأيضا نرفض أي إستفتاء في سهل نينوى إلا حين يتم الإستقرار الكامل لسكان المنطقة وأن يكون حق التملك وحرية التجمع والرأي محفوظ لهم. فالمناطق المنكوبة يجب أن ترمم وأن يكون لسكانها الحق الكامل للحصول على خدمات الدولة مثل تلك التي تقدم في المناطق الأخرى من الدولة. فأي مقترحات تخص أي نوع من الإستفتاء لحل مسألة مايطلق عليها بالمناطق المتنازع عليها قبل القيام بهذه الأعمال هي  سابقة لأوانها ومقوضة لمصالح المجموعات الأقلية.

وفي نفس الوقت، نسأل الولايات المتحدة أن تعترف وتساند قرار مجلس الوزراء العراقي لعام 2014 والذي يخول إستحداث محافظة سهل نينوى تدار من قبل الحكومة المركزية في بغداد. فإستعادة السلطة الفيدرالية في سهل نينوى سيكون بمثابة خطوة أولية نحو توحيد البلد والتحرك نحو الإتجاه الصحيح.

نحن نتطلع للعمل مع شركائنا في كلا الدولتين الولايات المتحدة والعراق لدعم سكان سهل نينوى في تطوير أشكال المساندة العملية والديموقراطية للإدارة المحلية والأمن ضمن إطار دولة العراق الفيدرالي الموحد.

مارتن يومارن
رئيس الإتحاد القومي الاشوري الأمريكي
 
----------------------------------------------
تعليق على التصريح:
-----------
الكثير من القراء الأعزاء يعرفون بأن الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي تأسس في عام 1933 وهو أكبر تجمع يشمل العشرات من التنظيمات والأندية والمؤسسات لأبناء شعبنا في الولايات المتحدة والذي ينظم في كل عام، من نهاية شهر آب وبداية شهر ايلول، الكونفنشن الذي يعتبر أكبر تظاهرة إجتماعية وثقافية وفنية ورياضية وشبابية لشعبنا في هذا العصر. ومن خلال معرفتي الشخصية والمباشرة بهذا الأتحاد نرى بأنه في جميع ممارساته وتصريحاته وعلاقاته مع الغير يستخدم التسمية الآشورية ولكن من الملاحظ بأن في هذا التصريح يتجنب إستخدام التسمية الأشورية، كما يفعل عادة غيره من المؤسسات والأحزاب في بلدان المهجر التي تعتمد على الفكر القومي التقليدي في حصر كل مصادر إنتماء أبناء شعبنا، من الكلدانية والسريانية، في التسمية الآشورية، كما تفعل وبإستمرار وكالة الإنباء الآشورية العالمية التي نشرت التصريح. لا بل أيضا يتجنب الإتحاد في هذا التصريح أستخدام التسميات الأخرى لأبناء أمتنا مثل الكلدانية والسريانية. فأن دل هذا على شيء فأنه يدل على أن هذا الأتحاد ورئيسه وأعضاء هيئته الإدارية الذين جميعهم من العنصر الشبابي والجامعي يمتلكون وعياً قومياً شاملاً لجميع أبناء شعبنا لا بل لهم نظرة واقعية للواقع الديموغرافي لمناطق سهل نينوى الذي تتعايش فيه مختلف الأديان والأثنيات العراقية. والأهم من كل هذا وذاك هو تجنب الإشارة إلى "المكون المسيحي" وإعطاء إنطباع بأنه مطلب مسيحي كما يتصوره البعض عند الحديث أو طلب إستحداث محافظة سهل نينوى وبالتالي يروجون بأن المسيحيين في العراق يطالبون بمحافظة خاصة لهم.

هذا من جهة، كما يظهر الوعي الواقعي، من جهة أخرى، لهذا الإتحاد من خلال توافق وتناسق تصريحه مع نفس أفكار وتوجهات أحزابنا السياسية الرئيسية في الوطن والمستقلة في قراراتها مثل الحركة الديموقراطية الآشورية وحزب أبناء النهرين والحزب الوطني الآشوري مضافاً إليهم الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية حيث جميعهم كانوا قد طالبوا عدم إجراء الإستفتاء في هذه المناطق المنكوبة والمهجورة وأبدوا تحفظات على الإستفتاء قبل إجراءه، وطالبوا بإخلاء المنطقة من قوات البيشمركة خاصة من المناطق التي عرفت بالمتنازع عليها وتحديداً قرى وبلدات أبناء شعبنا وتسليم مسألة الأمن والحماية للقوات المشكلة من أهل المنطقة وأخضاع هذه المناطق إلى الحكومة المركزية كضمان لوحدة العراق، لا بل لوحدة وتناسق وترابط أراض قرى وبلدات شعبنا في هذه المناطق مع القرى والبلدات المتواجدة في الأقليم وكضمان أيضا لتواجد شعبنا ضمن حدود دولة واحدة معترف دوليا بحدودها الجغرافي والسياسي. أن الكارثة الكبرى ستتكر، كما حدث أثناء الحرب الكونية الأولى وما تبعه من إتفاقيات وتسويات مجحفة بحق شعبنا، عندما ينقسم سهل نينوى ويكون موضوع تسويات بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم "كردستان" وبالتالي إنقسام شعبنا وتشتته بين جهتين متخاصمتين يكون وقودا للتسويات والحروب التي قد تنشأ بينهما. من هذا المنطلق يرفض الإتحاد فكرة أو مشروع تقسيم سهل نينوى بين الطرفين المتخاصمين.     

 
 

109
أضواء على دعوة إستقالة "ممثلي" شعبنا وأخرى على التسمية المركبة
===========================================
أبرم شبيرا
قبل كل شيء أود أن أعبر عن كامل تقديري وعظيم إحترامي لكل الذين دخلوا على الموضوع الذي سبق وأن نشر في موقعنا العزيز عنكاوه دوت كوم تحت عنوان (مأساة شعبنا تتكرر... تتكرر... تتكر) وعلقوا عليه بشكل مباشر أو غير مباشر أو أتفقوا مع ما طرحته أو لم يتفقوا. الموضوع موجود على الرابط أدناه:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=856599.0

للحقيقة المبدئية التي أؤمن بها إيماناً قوياً أقول بأن كل هذا التوافق في الرأي أو الأختلاف يشكل مصدراً مهماً في إغناء أفكاري وفي بناء تصورات منطقية مبنية على تجنب السلبيات والأخطاء التي قد ترد في صلب ما أكتبه وهذا كله بفضل ما يكتبه المعلقون الأعزاء، إتفاقاً أو إختلافاً خاصة المنطقية منها والمتعلقة بصلب الموضوع وليس تلك التي تقوم على تفريغ الكوامن الداخلية السلبية أو تصفية الحسابات بين القراء. وهنا أكد تأكيداً قاطعاً بأن عدم ردي أو تعليقي على ما يكتبه القراء الأعزاء لا يعني إطلاقاً، كما يتصوره البعض بأنه عدم الإكتراث والإهتمام أو الإهمال والأستخفاف، بل هي جميعها، خاصة المختلفة عن ما أكتبه، أقرأها بتمعن وإهتمام كبيرين لأنها تشكل مصدراً مهما في تقويم لبعض أفكاري وطروحاتي لا بل قد تشكل دافعاً قوياً لإستكمال بعض النواقص التي ترد في الموضوع اويتطلب زيادة في التوضيح والتفصيل وتسليط أضواء أكثر ضياءاً على الموضوع، وهذه السطور هي نتاج هذه الحقيقية:

قبل كل شيء أود أن أبدء بالحالة التي يعانيها أي شخص من أبناء أمتنا من غير المنتميين إلى أي حزب من أحزابنا السياسية، لنقل الشخص الذي يؤمن إيماناً قاطعاً بهذه الأمة وبكل مكوناتها السياسية والطائفية والمناطقية والقريوية والعشائرية. فعندما يدخل هذا القومي في نقاش مع المتحزب أو الطائفي أو العشائري فمن الصعب أن لم يكن المستحيل، لا في إقناعه بالفكرة التي يطرحها القومي بل أيضاً بصعوبة إفهامه الموضوع أو النقاط الواردة فيها والتي لا تتفق مع أفكار وتوجهات حزبه. وهذا أمر طبيعي يفرضه إلتزامه الحزبي  ولا لوم على ذلك. فشخصيا قد أتجاسر وأفترض بأنني قومي وغير منتمي تنظيمياً إلى أي حزب سياسي، فعندما أدخل في نقاش أو حوار كتابي مع أي حزبي فمن الصعب جداً الإتفاق على بعض المسائل وحتى أن كانت متعلقة بالمصلحة العامة لأمتنا حسب وجهة نظري التي قد تكون غير صحيحة أو قاصرة في جوانب معينة. فعلى سبيل المثال، بالنسبة للقومي الأصيل ينظر إلى جميع أحزابنا السياسية وطوائفنا الكنسية بإعتبارها مكونات أساسية في بناء مجتمعنا القومي في حين قد لا ينظر المتحزب والطائفي بهذا المنظار الواسع الشامل بل ينظر إليها بمنظار حزبه أو طائفته وما يتعلق بالمصلحة الخاصة بكل حزب أو طائفة. فإذا قيمنا وأبرزنا دور الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) في مجتمعنا وأقمنا معها علاقة قوية صميمية وتواصل مستمر مع قادتها فهذا لا يعني بأننا في إتفاق كامل معها وأنه يجب أن نلغي وجود بقية أحزابنا السياسية أو نهملها كلياً بل على واجبنا القومي أن ننظر إليها ونقيم كل ما هو إيجابي ومثمر في عملها القومي. لقد سبق وذكرنا مراراً وتكراراً بأنه لا يمكن لحزب واحد أن يمثل تمثيلاً كاملا لمصالح الأمة وإلا نحن سنكون بصدد الحزب الواحد والفكر الدكتاتوري. وللمثال أيضا، كتبت العديد من المواضيع عن زوعا وعن دورها الإيجابي في مجتمعنا ولكن هذا لم يمنع من أن أكتب ونثمن دور غيرها من أحزابنا السياسية. فللمثال أيضا، كتبت في الأونة الأخيرة عن الجمعية الآشورية الأمريكية في شيكاغو وعن دورها في إستمرار الوجود القومي الآشوري في المهجر وهي الجمعية التي يرأسها السيد كليانا يونان وهو في نفس الوقت مسؤول حزب بيت نهرين الديموقراطي في الولايات المتحدة وأن معظم أعضاءها هم من منتسبي هذا الحزب أو المؤيدن له وقد أتفق أو لا أتفق مع هذا الحزب كثيراً أو قليلا ولكن واجبنا القومي يفرض علينا أن نضعه في ميزان الأمة ونقيمه. أنه من الجرم أن لا نثمن فعل إيجابي لحزب من أحزابنا السياسية وبالمقابل نقول أيضا بأنه من الجرم أن لا نكشف ونناقش وننتقد فعل سلبي لحزب من أحزابنا السياسية. فالحياة ليست قائمة على جوانب إيجابية فحسب بل لها جوانب سلبية أيضا. وعلى مستوى تطور الشعوب والقوميات وحتى الأحزاب السياسية ذكرنا وقلنا مراراً وتكراراً بأن التطور هو خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء وعلينا كأبناء هذه الأمة أن نكشف ونتحدث ونناقش وننتقد جميع الخطوات الإمامية والخلفية معاً كأسلوب لفهم التطور.
والحال لا يختلف عندما نناقش مواضيع عن كنيسة المشرق الآشورية والذي لا يعني إطلاقاً إهمال أو التقليل من أهمية المواضيع المتعلقة ببقية فروع كنيستنا المشرقية، وللمثال كنتُ من أوائل من كتب وعلق وأقترح مواضيع عديدة عن الرابطة الكلدانية وقيمنا العديد من المرات مواقف غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو تجاه مسائل مهمة ومصيرية لأمتنا لأنني بالقول والفعل أنتمي لكل هذه الفروع من كنيستنا المشرقية ولكن مع هذا فأن بيان بعض الأخطاء والسلبيات واجب مفروض علينا ودليل على إهتمامنا بجميع هذه الفروع من دون أي أعتبار لهذا الفرع أو ذاك، فالكل يشكل الأساس الإيماني والتاريخي لكنيستنا المشرقية التي ننتمي إليها جميعاً.

هذه المقدمة، أرجو المعذرة عن إطالتها، أطرحها لنناقش موضوع إستقالة "ممثلي" أمتنا من الكراسي البرلمانية والوزارية وغيرها في هياكل الدولة سواء في المركز أو الأقليم  ومن ثم موضوع التسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريون". وكلا الموضوعين سبق وأن تطرقنا إليها في مناسبات سابقة وهنا قد يكون في الإشارة إليها إفادة.  ولكن قبل هذا وذاك نقول  بأن طرح موضوع الإستقالة هذا لا يعني إطلاقاً التقليل من مكانة وقيمة "ممثلي" أمتنا في هياكل الدولة الفدرالية والإقليمية ولا تجاهلاً لكفائتهم وقدرتهم خاصة والبعض منهم أصدقاء مقربين لنا منذ زمن طويل، فهم "ممثلي" أمتنا على الأقل من الناحية الرسمية والقانونية وحتى الشعبية، سواء قبلنا ذلك أم رفضنا، لأنه تم إنتخابهم وبأكثرية المقترعين من قبل أبناء شعبنا ونحن نعرف بأن هذه الإنتخابات هي المعيار الرسمي المتاح في أعطاء هذه الصفة التمثيلية لهم ولا يوجد غيره في الوقت الراهن. ولكن طرحي لموضوع الإستقالة هو قائم على أساس بأن كفاءتهم وقدرتهم وجهودهم هي في غير مكانها الصحيح، أي بعبارة أخرى هي في مكان ملئه الفساد واللصوصية والمحسوبة والطائفية المقيتة التي يقوم عليها النظام السياسي في العراق وبالتالي ليس مستبعداً أن تنتقل جرثومة هذه الأمراض إليهم، وربما تكون  قد أنتقلت إليهم في خلال فترة بقاءهم في نفس المكان لسنوات طوال وقد تؤدي في نهاية المطاف عند إستمرارهم في البقاء إلى الضعف والإرهاق والموت فكرياً وإجتماعياً وحتى إخلاقيا بين أبناء أمتنا الأصلاء. لهذا فعلى القارئ اللبيب أن يفهم قصدي من وضع كلمة "ممثلي" بين هلالين لدلالة على إحاطتي بها الكثير من التحفظات والتساؤلات رغم إعترافنا الرسمي بوضعهم التمثيلي في نظام فاسد حتى النخاع.

إذن من الطبيعي أن يرفض الحزبي فكرة الاستقالة طالما لحزبه ممثل له في أحدى هياكل الدولة سواء البرلمانية أو الحكومية مبرراً ذلك ضرورة بقاءه هذا الممثل في البرلمان على أساس "النضال" من داخل أروقة البرلمان وإمكانية تحقيق بعض الإنجازات من خلال هذا "النضال" البرلماني  فهو خير من الخروج منه. صحيح مائة بالمائة هذا المبرر فيما اذا كان مثل هذا "النضال" ضمن نظام ديموقراطي وينتج عنه منجزات ملموسة لصالح الأمة. ولكن هنا التساءل ماهي الإنجازات والمصالح التي تحققت لأمتنا منذ عام 2003 والسنوات اللاحقة لوجود "ممثلي" أمتنا في البرلمان غير المأساة والفواجع والتشرد والضياع ومحو الهوية وسلب البيوت والأراضي لا بل وحتى سلب تاريخ حضارة أمتنا وتنسيبها للغير.. النضال يا أخوتي الأعزاء ليس بالبيانات أو الإستنكارات والإدانات التي تصدر من مكتب عضو برلمان فهي ليس إلا حبر على ورق والتي تجف قبل أن تصل آذان المسؤولين ولا تعدو أن تكون غير حروب دونكيشوتية كما وصفناها في السابق وهي أيضا كأستخدام البدوس في محاربة دايناصور ضخم ومفترس. لقد سبق وذكرنا سابقا بأن المستفيد الأول والأخير من تواجد أبناء شعبنا في أروقة الفساد والظلام هو النظام الفاسد نفسه ويستخدمهم كديكور لإضفاء نوع من التعددية على نظامه، أما نحن فلا فائدة غير الصفر. نطالب بالحماية الدولية من المنظمات الدولية والدول الكبرى... حماية مٍن مًن؟؟ مٍن النظام الفاسد وفرسانه  ونحن جزء منه.. موضوع مؤلم ومؤسف لا نريد الإطناب فيه حيث سبق وأن تناولناه في مناسبة سابقة.

ولكن مع كل هذا، فأنه يجب أن لاننكر بأن بعض الأحزاب حقق بعض الجزيئات من الإنجازات وبعض أصدقاءنا الأعزاء في زوعا يشيرون إلى المسيرة النيسانية التي ينظمها حزبهم، الحركة الديموقراطية الآشورية كمثال على ذلك، وهذا صحيح وإيماناً مني فأنا أشارك كل سنة فيها وأكتب بعض السطور عنها مثمناً هذا الإنجاز الفريد من نوعه، ولكن يجب أن نكون سياسيين بالمعنى الكلمة ونفهم بأن السياسة هي واقع، وواقعنا الحالي مليئ حتى التخمة بالتحديات المأساوية والمفجعة والكارثية تهدد في التحليل الأخير أنقراضنا في وطننا التاريخي ويجب علينا جميعاً، وتحديداً أحزابنا السياسية، أن نكون بمستوى هذه التحديات المهلكة ... أفهل بيان أو إستنكار صادر من مكتب عضو برلماني يكون له تأثيراً في هذه التحديات... أفهل مسيرة نيسان رد قوي وفاعل على هذه التحديات ... طبعاً الجواب واضح ولا يحتاج إلى الإفصاح. قلنا في الموضوع السابقة بأن مأساتنا تتكرر وتتكر وتتكر وأسردنا ثلاث حوادث تاريخية مأساوية ولم نتعلم منها ويظهر بأن هذه المأساة ستتكر أيضا لأننا مع الأسف الشديد لا نتعلم من الماضي حتى نتجب العثرات ونحن نواجه التحديات المميتة التي تحيط بأبناء أمتنا في الوطن. فمثل هذه التحديات المأساوية لا تتأثر إطلاقاً ولا تخف أو تزاح قيد أنملة بالبيانات والإستنكارات ولا حتى بالمسيرة النيسانية بل يتطلب مواجهتها بتحديات متقابلة جريئة، بنضال حقيقي وفاعل قد تستطيع دخول ساحة المعركة الحقيقة. وقد وجدنا في فكرة تأسيس مجلس الأعلى "للكلدان السريان الآشوريين" تحدي قد يكون مجدي في حالة توحد أو تفاهم أحزابنا السياسية وممثليهم في البرلمان، ولكن كيف والحال هو تشتت وخلاف وخصام بين هذه الأحزاب وممثليهم قائمة في معظمها على تعارض مصالحهم الحزبية الضيقة وعلى تجاذبات سياسية نحو الغير، خاصة نحو الكبار بحيث لا يستطيعون الإتفاق حتى على أبسط الأمور فكيف والحال مع تأسيس مثل هذا المجلس؟؟؟ موضوع معقد وطويل نطرحه للنقاش في مناسبة قادمة.

أما بالنسبة للتسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريون" التي نستخدمها في كتاباتنا والتي أثارت الكثير من الردود المنطقية والإنفعالية، هنا أود أن أوضح مايلي بخصوص هذه التسمية:
أولا: يلاحظ القارئ الكريم بأنني أضع هذه التسمية المركبة بين هلالين كدلالة على وجود تحفظات عليها وإخضاعها لتفسيرات متعددة ومختلفة.
ثانيا: أستغرب من بعض الكتاب عندما يقولون بأنه لا توجد قومية في العالم بمثل هذه التسمية المركبة، وهذا صحيح، ولكن عندما نشير إليها في كتاباتنا فإنها لا تعني أسم قومية جديدة، بل هو طرح سياسي ورسمي ليعبر عن تسميات هذا الشعب التاريخي ويعكس وحدته الشكلية في هذه التسمية ومن دون أهمال أو حذف أو تفضيل تسمية على أخرى. فكل جزء منها يشكل مضمون واحد يقوم على مقومات معروفة من لغوية وتاريخية وحضارية وحتى نفسية ومصيرية.
ثالثا: من الناحية الرسمية والشعبية ثتب بأن هذه التسمية المركبة هي المقبولة لدى غالبية أبناء شعبنا والمعيار الوحيد لتأكيد هذا القبول هو نجاح جميع أحزابنا السياسية والكتل الإنتخابية التي تتبنى هذه التسمية المركبة في الإنتخابات العامة في المركز والإقليم.
رابعاً: في السابق وفي موضوع آخر، ذكرنا بأن التسمية المركبة ليس إستعمالها حديث العهد ومنذ عام 2003، بل تم إستخدامها من قبل بعض زعماء حركتنا القومية في السنوات السابقة وأثناء الفترات الحرجة وفي الأحوال المأساوية، خاصة بعد الحرب الكونية الأولى والسنوات اللاحقة وكان الغرض منها محاولة حشد جهود وأمكانيات جميع أبناء هذه التسميات بهدف مواجهة التحديات المميتة التي أحيطت بأبناء أمتنا وبمختلف مكوناتهم وطوائفهم وتسمياتهم ومناطقهم ولكن كانت كنيستنا المشرقية بكل فروعها بالمرصاد لهذه المحاولة وتشبث كل فرع بتسميته الطائفية والخاصة متجاهلين النتائج المأساوية التي ستترتب من جراء الفرقة والإنقسام والتي أنهالت في أكثريتها على الكنيسة نفسها ورجالاتها. وهكذا هو الأمر في أيامنا هذه فكل فرع من فروع كنيستنا المشرقية "يستميت" من أجل هيمنة وسيادة تسميته على أتباعه وأخراجها من الدائرة الكنسية والطائفية والولوج نحو الساحة القومية ومقاومته للتسمية المركبة الموحدة لجميع التسميات.
خامساً: قد يقال بأن هذه التسمية المركبة غير جيدة وسيئة وتشوه أسماؤنا التاريخية (مع العلم بأن كل التسميات التاريخة مذكورة فيها) ولكن إذا كانت فعلا تسمية غير جيدة وسيئة أفهل هناك تسمية أخرى أحسن منها تستطيع أن تضمن جميع التسميات التاريخية وتعكس وحدتنا القومية؟؟ هنا نتذكر قول ونستن تشرتشل، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، عندما خسر الإنتخابات وقال"النظام الديموقراطي سيء ولكن لا يوجد أحسن منه".
سادساً" مع كل هذا التأييد في أستخدام هذه التسمية المركبة كطرح سياسي لوحدة مصالح شعبنا، فإن هذا يجب أن لا يمنع من إستخدام التسمية المفردة (الكلدان) أو (السريان) أو (الآشوريون) لكل من يرغب في ذلك ولكن بشرط التأكيد على أن أبناء التسميات الأخرى تشكل جميعاً قومية واحدة ذات مقومات معروفة. ويذكرني هذا الموضوع عندما ألتقيت بمطرانين من مطارنة كنيستنا المشرقية، كلداني وآشوري قبل سنوات عدة ودخلنا في نقاش حول التسمية المركبة التي أعتمدها زوعا في ممارستها وطروحاتها السياسية والقومية مع بقاء الحركة بالتسمية الآشورية. فقالا لو كانت زوعا جادة في هذه التسمية المركبة لكانت قد غيرت أسمها؟ فذكرت لهما في حينها بأن الحزب هو وسيلة أو أداة لتحقيق بعض الأهداف التي تخص مجموعة معينة يدعي بتمثيلها. فزوعا هو أداة تنظيمية لتحقيق أهداف ومصالح شعبنا الواحد المتمثل في التسمية المركبة. وحبذا لو تأسس بالمقابل الحركة الديموقراطية الكلدانية وتدعي تمثيل وحدة شعبنا تحت التسمية المركبة وتسعى لتحقيق مصالح الأمة بجميع مكوناته التسمية والطائفية وتدخل في تنافس ديموقراطي مع زوعا.
سابعاً: إذن من كل ماتقدم فإن جوهر الموضوع الذي يخص التسمية المركبة ونسعى إليه من طرح هذه التسمية الموحدة هو وحدة الأمة بجميع التسميات، أي المهم هو وحدة الأمة وليس التسميات التي ما هي إلا تعبير شكلي متاح في هذه الأيام لوحدة الأمة. هناك مثل قديم يقول (أن روما لم تبن في يوم واحد). والقراء اللبيب يكفيه هذا المثل.       

110
مأساة شعبنا "الكداني السرياني الآشوري"... تتكر... وتتكر… وتتكر!!!
=======================================
أبرم شبيرا

خلال الفترة الممتدة من 1838 ولغاية 1847 قام المجرم بدر خان أمير الجزيرة وبوهتان مع المجرم الآخر نور الله  بمجزة بحق الآشوريين في منطقتي هيكاري وتياري والتي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 10,000 آشوري مع نهب وسلب وتدمير العشرات القرى ومعها قرية قوجانس مقر بطريرك الكنيسة الآشورية في هيكاري. وكان من بين القتلى ماليك أسماعيل (الأول) زعيم عشيرة تياري العليا بعد  أن جرح في المعركة وأسر ثم أقتيد إلى مير بدرخان الذي طلب منه إعتناق الإسلام  وتزوجيه بأجمل نساء الكورد غير أنه رفض وأهان بدرخان بقوله "بأنه لو طلق زوجاته وزوجه بهن فلا يترك دينه المسيحي ويعتنق الإسلام" فثار مير بدر خان غضباً وهيجاناً فطعن بسفه صدر ماليك إسماعيل بطعنات عديدة فأستشهد في الحال.  وفي تلك الفترة كانت العشائر الآشورية منقسمة إلى قسمين قسم معارض لمشاريع المجرم مير بدر خان والقسم الآخر وقف على الحياد أو أيد بعض من هذه المشاريع. غير أن ما أن أنتهى المجرم بدر خان من جريمته الشنعاء ضد الآشوريين المعارضين حتى ألتفت على العشائر الآشورية المحايدة والمؤيدة له فنكل بهم تنكيلاً وشردهم وأحرق قراهم كما فعل بالآشوريين المعارضين. ولم تهدأ الأوضاع إلا بعد أن تدخلت قوات الدولة العثمانية وبضغط من الدول الغربية وتحديداً بريطانيا فقضت على حركته ونفته إلى جزيرة نائية حتى مات هناك. ومن الجدير بالذكر بأن هناك العديد من الكتاب والمؤرخين والمفكرين المشهورين من أحفاد وأنسال مير بدر خان ومعظمهم أستعربوا ومنهم الكاتب والصحافي المعروف عبد الوهاب بدر خان والمخرجان المصريان علي وأحمد بدرخان، الزوج السابق للفنانة المصرية الراحلة سعاد حسني، وغيرهم. في بداية السبعينيات من القرن الماضي وأثناء زيارتي للمناضل ماليك ياقو ماليك إسماعيل في بغداد تطرق إلى هذا الموضوع وذكر بأنه عشية إنتهاء الحرب العالمية الثانية كان في زيارة لبيروت فزاره بعض من أحفاد مير بدر خان فأعتذروا له شخصيا عن المجازر التي أرتكبها جدهم الأول مير بدرخان ضد الآشوريين وعن قتله لوالد جد ماليك ياقو.

في عام 1915 أتخذ القيادة الآشورية بزعامة البطريرك الشهيد مار بنيامين شمعون قراراً بالوقوف إلى جانب الحلفاء ضد الدول العثمانية كسبيل للتخلص من الظلم والإستبداد والقتل الذي كانت تمارسه الدولة العثمانية وحلفاءها وولاتها ضد الآشوريين في حيكاري. وفي تلك الفترة وقف بعض العشائر الآشورية بالضد من قرار القيادة الآشورية وحتى بعض من أفراد عائلة البطريريك وعلى رأسهم عم البطريرك السيد نمرود بيت مار شمعون وذلك تماشياً مع موقف الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية التي أعلنت حيادها في الحرب حيث كان لعائلة السيد نمرود ميول كاثوليكية. فبعد مقتله في ظروف غامضة وركون أوزار الحرب تخلى الكثير منهم عن كنيسة المشرق الآشورية وأصبحوا من مؤمني الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بما فهم ماليك قنبر زعيم عشيرة جيلو الذي كان صهر السيد نمرود وشكل عشية إنتهاء الحرب قوات كلدو آشورية وبمساعدة فرنسا. وخلال تلك الفترة أعلنت الدولة العثمانية الفرمان (ويعني باللغة التركية قرار) الخاص بإبادة الأرمن والذي شمل ايضاً المسيحيين خاصة الآشوريين منهم سواء المقاومين لظلمها أو المحايدين أو الميالين لسياستها المخادعة فكانت مذابح عام سيفو المعروف في التاريخ المظلم للأتراك الذي لم يستثنى أي مجموعة من المسيحيين من مذابح الأتراك ولم يسلموا من التشريد والنهب وتدمير القرى فشمل الجميع دون إستثناء وإن كانت بدرجات متفاوتة. وهنا من الضروري أن نذكر، ما سبق وأن ذكرناه في مناسبات سابقة عن أحد المبشرين الغربيين أثناء مذابح عام سيفو عندما قال للقائد التركي لماذا تقتل الآشوريين في حيث أن الفرمان يخص الأرمن فقط؟ فجاوبه القائد التركي قائلا "إنني لا أفرق بين الروث الجاف والروث الرطب، فكلاهما روث قذر وذو رائحة كريهة لا تحتمل".

في عام 1933 عندما طالب زعماء الحركة القومية الآشورية بقيادة البطريرك مار شمعون إيشاي، طيب الله ثراه، بعض المطاليب البسيطة قابلها تصعيد حميم وحقد وضغينة من قبل حكام النظام السياسي في العراق وبالنتيجى تم تهيئة كل الإستعدادات العسكرية والفكرية للقضاء على الآشوريين عن طريق تدبير مذبحة بحقهم والتي عرفت في التاريخ المظلم للعراق بـ "مذبحة سميل" لعام 1933 وما أعقبها من نتائج مؤلمة ومأساوية وعلى مختلف الأصعدة. وفي حينها أرتعب بعض الآشوريون من إستبداد السلطة كما نكث بعض زعماء العشائر الآشورية  بوعودهم في المشاركة مع قادة الحركة وفي مساندة ودعم المطاليب التي أعلنت عنها في مؤتمر سر عمادية عام 1932 فربطوا مصالحهم بمصالح النظام السياسي الإستبدادي في العراق. غير أن مذبحة سميل حرقت الأخضر واليابس ولم يستثنى مجرموها بين آشوري وآخر، بين مؤيد ومعارض، بين مشارك في الحركة والرافض لها، لا بل شملت المذابح والسلب والنهب وتدمير القرى بعض من أبناء شعبنا من الكنيسة الكلدانية، أي شملت معظم "الكفار" حسب نعت مجرمي مذبحة سميل للمسيحيين في العراق. فكانت برقيات استنكار الحركة الآشورية وإدانة البطريرك مار شمعون المرسلة من قبل بعض الآشوريين وزوعماءهم ورجال الكنيسة تنهال على الحكومة العراقية وعلى المنظمات الدولية والتي ثبت زيف وتزوير بعضها.

وقصة المنكوب كورييل البازي معروفة في هذا السياق المأساوي، فهو كان من أكثر المؤيدين للسلطة الحاكمة وأشد المعارضين للبطريك مار شمعون وبقية قادة الحركة الأشورية فلجأ إلى داره في مدينة نوهدرا (حاليا دهوك) أكثر من 80 من أبناء شعبنا ومن مختلف طوائف كنيسة المشرق والذين لم تكن لهم أية علاقة لا بالحركة ولا بقادتها بل طلباً للجوء والحماية من سطوة مرتكي جريمة سميل وفي بيت رجل عرف بموالاته وعلاقته القوية برجال سلطة النظام العراقي. وضمانة لهذه الولاء كان المنكوب كورييل يرفع علماً عراقياً فوق سطح داره كإشارة لكون الدار وساكنيها من مؤيد الحكومة العراقية. غير أنه كل هذا لم يمنع فقام مرتكبوا جريمة سميل بإقتحام داره والتكيل والقتل بكل الموجودين فيه وكان أولهم أبنه الشاب وليم ولم يسلم أحد من هذه الجريمة البشعة ويقال بأن القس الذي كان من بين الموجودين في الدار قد قتل ومثل بجسده وعلق رأساً على عقب بشجرة أمام الدار.

أطلب العذر من القارئ اللبيب عن ذكر هذه الحوادث المأساوية فالغرض منها ليس سردها فحسب لأنها معروفة ومتداولة كثيراً بكتابات ووثائق وتقارير وحتى بمسرحيات وأفلام. وهي من دون أدنى شك معروفة من قبل معظم زعماء أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية ورجال كنيستنا المشرقية ومن المؤكد قرأوا عنها كثيراً لا بل ربما كتبوا مقالات وكتب وأستمعوا إلى محاضرات عنها. لذا أكرر مرة أخرى وأقول بأن الغرض من هذه السطور ليس سرد هذه الحوادث بل الغرض الأساسي منها هو الدروس التاريخية المشتركة بينها والتي يمكن إستنتاجها، ونحن نعرف دراسة التاريخ والإستفادة من دروسه يمهد طريق الحاضر وينور الدروب ويجنب نتائجها السلبية للحيلولة دون تكرارها في الحاضر. وهنا نسأل، لا زعماء أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية ورجال كنيستنا، بل أي شخص عادي جداً ولا أقول تلميذ مبتدأ، عن الدروس المستنبطة من هذه الحوادث. فعلى الفور سيكون الجواب: صحيح أنه كان هناك ظروف موضوعية مأساوية خارجة عن إرادة شعبنا ولكن على الجانب الآخر من الظروف الذاتية سيكون الجواب هو بأن بين كل هذه الحوادث المأساوية هناك عوامل مشتركة يمكن تلخيصها بمايلي:
•   الفرقة بين قادة شعبنا وبالتالي تمزق شعبنا وضياعه في متاهات غير محددة أو مجهولة الأهداف.
•   عجز قادة شعبنا بالكامل عن الوصول حتى إلى الحد الأدنى من المصلحة العامة لشعبنا.
•   تعدد الإنتماءات لقادة شعبنا وكل حسب مصلحته الخاصة دون إعتبار للمصلحة العامة

 من المؤسف له أن لا يتعلم قادتنا القوميين والكنسيين من دروس التاريخ، ولقد قيل ونقول هنا أيضا بأن من يتعثر بالحجر مرتين هو جاهل. ولقد تبين من الحوادث المأساوية السالفة الذكر بأن شعبنا وقادته لم يتعلموا من الدروس فأستمرت المأساة والفواجع متتالية تنكل وتقتل وتهجر شعبنا نحو المجهول. ومن المؤسف جداً أيضا في هذه الأيام لم يتعلم قادة أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية والكنسية من دروس الماضي المؤلم بل أستمروا على نفس المنوال المأساوي الناجم عن التفرقة وعدم القدرة على الإتفاق حتى على الحد الأدنى لمصلحة أبناء شعبنا في أرض الوطن وعلى تشتيت إنتماءاتهم وتحالفاتهم بين جهات مختلفة لا بل ومتحاربة. فاليوم معظم أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية وحتى رجال كنيستنا ضائعون في التفرقة والإنتماءات وفي الحروب الحقيقية والفكرية والتحزبية والمصلحية الدائرة بين الكبار. فعندما نصبح، ونحن قومية صغيرة لا حول لنا ولا قوة لا بل لا صديق ولامؤيد، متورطين في حروب الكبار فلا محال من أن مأساتنا ستتعاظم وستتكر وتستمر. فالصراع السياسي والفكري وحتى العسكري بين حكومة إقليم "كردستان" في أربئيلو (أربيل حاليا) والحكومة المركزية في بغداد وتجاذب إنتماء قادة أحزابنا السياسية تجاه هذه الحكومة أو تلك لهو أمراً محتوماً بنتائج مأساوية مفجعة وسيحاسبهم التاريخ على توريط شعبنا في هذه المعارك الخاسرة كما نحاسب اليوم قادة الأمس الذين كانوا سبباً من أسباب مأساة شعبنا وتكرارها وبشكل مستمر حتى يومنا هذا. والأنكى من كل هذا فهناك ذرات طباشير تتطاير في سماء العراق عن خطة متفق عليها من خلف الستار بين المتحاربين عن تقسيم سهل نينوى بين حكومة الإقليم والحكومة الفدرالية وهو الأمر الذي يعني تمزق شعبنا كما تمزق في الماضي بين الأقاليم والدول المختلفة والمتخاصمة ويضيف مأساة أخرى على ماساتنا التاريخية عندما يزداد شعبنا تمزقاً وتشتتاً بين جهتين متعاديتن، لايطيق بعضه البعض، أي بعبارة أخرى سينحبس شعبنا في مناطق غير مستقرة والتي سميت متنازع عليها والأحتمال كبير أن تكون متحارب عليها في المستقبل القادم فيما إذا بقيت نفسية وأفكار الطرفين متناقضة وغير قادرة على الألتقاء على منصة واحدة تخدم الجميع بما فيها أبناء شعبنا. ومن الملاحظ بأن هناك تكاثف لبعض ذرات الطباشير وتكشف عن هذه الخطة المستورة خاصة عندما أنسحبت قوات البيشمركة من هذه المناطق والسماح للقوات المسلحة الفدرالية ومليشياتها الدخول وبسهول وأريحية من دون إي إعتراض أو مقاومة من قبل البيشمركة وهو الأمر الذي يذكرنا بإنسحاب البيشمركة من بلدات شعبنا في سهل نينوى والسماح لداعش الإجرامي من إحتلالها في صيف عام 2014. وهو السيناريو المفضوح الذي من المؤكد سيتبعه مفاوضات بين الطرفين بعد أن كان سداً منعياً يحول دونها ويصبح شعبنا في كل الأحوال ضحية الحروب والمفاوضات معاً لأنه مع الأسف الشديد جعل قادة أحزابنا ومنظماتنا القومية بإنتماءاتهم المتعددة وعدم توحدهم بخطاب موحد جلعوا من وزن شعبنا الصفر في معادلة هذه الأطراف.

إذن بالأمس وحتى اليوم تستمر وتتكر مأساتنا وعلى نفس المنوال من الأخطاء وعدم التعلم من دروس الماضي ولا يمكن التخلص منها أو التخفيف عنها إلا بالتنحي عنها والخروج منها وعدم إستمرار توريط شعبنا في هذه المنازعات والمناكفات بين الكبار المتحكمين في مقدرات وطننا التاريخي والكف عن التجاذبات نحو الكبار فهي مجرد تحالفات خاسرة ونصيب شعبنا منها هو الصفر وبالتالي تعاظم وتكرار نفس المأساة. ولكن، طالما أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية هي جزء أو تابع لهذا الطرف أو ذاك فإن أمر الخروج من حلقة صراع الكبار يصبح أمراً مستحيلاً مالم تنعتق من هذه الإنتماءات والتحالفات السقيمة ويصبح قرارها مستقلاً ليشكل نقطة إنطلاق نحو التقارب والتفاهيم بين أحزابنا السياسية ووضع الحد الأدنى للمصحلة القومية. وليس هناك طريق لإنعتاق هذه قيادة من التجاذبات نحو هذا المركز أو ذاك إلا بقطع الصلة مع النظام الذي يقوم عليه هذا الطرف أو ذاك، أي بعبارة أخرى ترك المناصب والمراكز الديكورية الشكلية التي يجلس عليها "ممثلي شعبنا" سواء في البرلمان المركزي أو الإقليم وتشكيل مجلس أعلى لشعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" ليتولى أمور شعبنا بعد أن يكون بعملهم الشجاع هذا قد خلقوا وزنا لشعبنا أكثر مما هو من الصفر والذي من المؤكد سيكون له وزناً معتبراً في حسابات الكبار. وهو الموضوع الذي سبق وأن تطرقنا إليه مراراً وتكراراً. ولكن من المؤكد غيري يعرف قبل أن أعرف أنا شخصياً بأن مسألة الجلوس على الكرسي المترهل في البرلمانين مرتطب بالتمام والكمال أما بالمصلحة الشخصية أو الحزبية ولا يمكن أن يتحقق هذا مالم ينتزع هؤلاء رداء المصحلة الخاصة والحزبية واللجوء إلى المصلحة القومية العامة.... وأخيراً أكيد هناك بعض من أصحابي النجباء سيقول ... ترى أليس هذا حلم من أحلامك الوردية ؟؟؟ أقول لهم، أشكر ربنا على أعطاءنا موهبة الحلم بالتمنيات التي نعجز عن تحقيقها في الواقع العملي... ومن يدري ربما سنصحو يوماً من الأيام، قريباً أكان أم بعيدا، من هذه الأحلام ونتفاجئ بأنها فعلا حق وحقيقة على أرض الواقع العملي.
إذا كنَا نريد التقدم ... فلنتحد

معلم الفكر القومي الوحدوي نعوم فائق
--------------------------------------------------------

111
مائة عام (1917-2017) من إستمرار الوجود الآشوري في المهجر
---------------------------------------

الجمعية الآشورية الأمريكية في شيكاغو

Assyrian American Association of Chicago
----------------------------------------





 

أبرم شبيرا
في كل عام عندما أزور شيكاغو – الولايات المتحدة لا يفوتي إلا أن أزور الجمعية الآشورية الأمريكية (القومية) ولا تكتمل متعتي إلا عندما ألتقي بأبناء أمتي هناك ونستمتع ونستفيد من المناقشات القومية والسياسية والثقافية وتبادل الإفكار والأراء سواء مع رئيس وأعضاء الجمعية أم مع غيرهم من الأعضاء الذين يقابلوننا بأستقبال حميم وبكرم نبيل لتستمر المتعة الفكرية والإجتماعية حتى بعد منتصف الليل. وأثناء زيارتنا الأخير أنا والإعلامي المعروف ولسن يونان من أستراليا في  الصيف الماضي ( آب - أغسطس ) 2017، وجدنا جميع أعضاء النادي من رئيسها وهيئتها الإدارية وغيرهم منهمكين للإستعداد والتحضير لإحتفال كبير ومتعدد الفعاليات بالذكرى المؤية لتأسيسها (1917 – 2017) والتي ستقام خلال ثلاثة أيام 13 و 14 و 15 من هذا الشهر (تشرين الأول).

ولسن يونان وأبرم شبيرا في آخر لقاء الصيف الماضي مع رئيس الجمعية وبعض أعضاء هيئتها الإدارية
---------------------------------------------
وفي حينها كنت قد وعدت رئيس النادي وأعضاءها بأنني ردا وإستجابة لكرمهم النبيل وإستقبالهم الحميم الدائم لنا أثناء زيارتي للجمعية وإحتفاءاً بهذه المناسبة الفريدة من نوعها في تاريخنا القومي بأنني سأكتب بعض السطور عن  هذا الحدث الذي نادراً ما نراه في أيامنا هذه، ولكن يظهر بأن الزميل والصديق والناشط أنطوان الصنا كان أشطر مني بكثير حيث سبقني في هذه المهمة فزين هذه الذكرى بسطور ذهبية معطرة عن الجمعية وتأسيسها من قبل الرواد القوميين الآشوريين منذ بداية القرن الماضي. للأطلاع على الموضوع المنشور في موقع عنكاوه  أنظر الرابط:
 http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=855707.0

 أن صديقنا الكاتب الكبير أنطوان الصنا وإن كان قد عفاني من الكتابة بشكل مفصل عن المناسبة إلا أن الوعد الذي قطعته لرئيس الجمعية وأعضاءها هو وعد ونحن نعرف الوعد دين على المرء الحر ويجب إيفاءه . لذلك قررت أن أكتب بعض السطور وأحتفي بهذه المناسبة من جانب آخر قائم على بيان مدى أهمية وجود مؤسسات وجمعيات وأحزاب سياسية ومنظمات قومية في مجتمعنا كدليل على وجود أمتنا وأستمرارها نحو أماد أبعد كما هو الحال مع الجمعية الآشورية الأمريكية في شيكاغو وهي تحتفل بالذكرى المؤية لتأسيسها. وإنطلاقا من هذه القاعدة أقول:

المجتمع ليس تراكم كمي أو قطيع لعدد من الأفراد، بل يستوجب في نشوء أي مجتمع وجود مجموعة من علاقات اجتماعية تنشأ بين الأفراد من جراء التعامل بينهما والتي تعرف هذه العملية بـ "التفاعل الاجتماعي" هدفها  تحقيق الصالح العام والتي تؤدي بدورها إلى ظهور ما يعرف في علم الاجتماع بـ "الجماعة البسيطة" مثل الأسرة والعشيرة والقبيلة، وفي أيامنا هذه مثل الأندية والجمعيات والمنظمات والأحزاب السياسية والأخويات الكنسية وغيرها. ويتصف هذا النوع من الجماعة بعلاقات بسيطة ومباشرة بين أفرادها تقوم على قاعدة عدم التساوي والتماثل في الواجبات والمسؤوليات، وهي القاعدة التي تخلق تفاوت في مكانة كل فرد من أفراد الجماعة والتي تؤدي بالنتيجة إلى ظهور الزعامة أو الرئاسة المتمثلة في الأب أو رئيس القبيلة أو زعيم العشيرة أو رئيس النادي أو الجمعية والذي هو الآخر تكون علاقته مع بقية أفراد الجماعة التابع لها علاقة بسيطة ومباشرة. والجماعات البسيطة، خاصة المتقاربة منها، تلجأ إلى الدخول في علاقات فيما بينها من أجل تحقيق المصالح والأهداف المشتركة فينتج عن ذلك ظهور ما يعرف بـ "الجماعة المركبة" مثل المجموعات السكانية الكبيرة والمجتمعات القومية والمؤسسات العامة والشاملة ومنها أيضا المؤسسات السياسية، والدولة هي أرقى أشكال هذه المؤسسات.

وأثناء هذه العملية، والتي تعرف أيضا بـ "التفاعل الاجتماعي"، تلجاً الجماعات البسيطة وبإختيارها إلى التنازل طوعاً عن بعض من مصالحها الخاصة من أجل خلق المصلحة العامة المشتركة. ولأجل حماية هذه المصلحة العامة تبدأ الجماعة المركبة بالعمل لإظهار ملامحها وخصائصها ومميزاتها العامة المشتركة وتميزها عن غيرها من الجماعات. وخلال عملية تنازل الجماعات البسيطة عن جزء من مصالحها الخاصة من أجل المصلحة العامة  ينشأ نوع من علاقة معقدة بين الجماعات البسيطة تقوم على قاعدة (تعاون/تنافس). فكلما ازداد استعداد الجماعة البسيطة للتنازل بقدر أكبر من مصالحها الخاصة أو تكيفيها مع المصلحة العامة يميل توازن هذه القاعدة لصالح التعاون، فتزداد روح الجماعة في المجتمع ويتعزز وجودها ويتماسك كيانها وتبرز خصائصها العامة بشكل أكثر وضوحاً وتمييزاً عن غيرها من الجماعات. وعلى العكس من هذا تماماً، فكلما تمسكت الجماعة البسيطة بمصالحها الخاصة وقل استعدادها للتنازل عنها أو الجزء المطلوب التنازل عنه، يختل توازن قاعدة (تعاون/تنافس) لصالح التنافس فتزداد روح الأنانية ونزعات التمسك بالمصالح الخاصة وتفضيلها على المصلحة العامة ومن ثم يتعرض وجود المجتمع إلى التفكك أو اهتزاز هويته وبالتالي صعوبة تحقيق المصلحة العامة.

هذه القاعدة النظرية تنطبق بأجل صورها على المجتمع الآشوري وتحديدا في المهجر، موضوع بحثنا هذا ونحن نتطرق إلى الذكرى المؤية لتأسيس الجمعية. فوجود مثل هذه المؤسسات والجمعيات، والتي هي وحدات ثانوية، هي تجسيد لوجود الأمة والتي هي بنية رئيسية كمجتمع متميز وقائم بذاته يختلف من نواحي عديدة عن غيره من المجتمعات المتعددة في بلدان المهجر. ليس هذا فحسب بل أن إستمرار هذه الجمعيات لفترة طويلة لا يعني إلا إستمرار وتواصل وجود الأمة والأكثر من هذا فإن وجود هذه الجمعيات وتواصلها لعقود طويلة هو تعبير عن وجود وعي متميز أو قومي في المجتمع يكون ظاهراً وملوساً من خلال النشاطات القومية والثقافية التي تقوم بها. وبعبارة أخرى يمكن القول: كلما كان هناك مؤسسات وجمعيات وأحزاب ومنظمات قومية كلما يعني وجود وعي قومي في المجتمع. وكلما تواصلت وأستمرت هذه الجمعيات نحو عقود طويلة وقامت بنشاطات تعكس هوية المجتمع كلما يعني إستمرار الوعي القومي نحو تحقيق المصلحة العامة للمجتمع.

ولو أعتمدنا على هذه البديهية في البحث عن علاقة الجمعيات بالوجود وبالوعي القومي في المهجر نرى بأنه خلال العقود الماضية من سنوات القرن الماضي، من بدايته وحتى نهايته، كان مستوى الوعي القومي في المهجر بدرجة عالية وملموس إن لم نقل كان في قمته ومتجسد في مختلف النشاطات القومية المكثفة لعدد كبير من الجمعيات والمؤسسات والأحزاب الآشورية. ولو حاولنا مقارنة تلك السنوات الذهبية بسنوات القرن الحادي والعشرين نرى بأن هناك تدني واضح وإنحطاط إن لم نقل كارثة في مستوى النشاطات القومية والوعي القومي في المجتمع الآشوري في المهجر. ومرجع ذلك هو بالأساس إختفاء الكثير من الجمعيات والمؤسسات والأحزاب في المهجر وحتى الباقي منها فهي لا تتعدى كونها مجرد عنوان أو رقم صندوق البريد ولا غيرها. ولو أخذنا مدينة شيكاغو، كنًا في السنوات الماضية نجد فيها العديد من المنظمات والجمعيات والأحزاب السياسية لها مقرات ومراكز معروفة وتقوم بنشاطات قومية ومحاضرات وندوات عديدة وعلى مختلف الأصعدة ولها مكانة محترمة في المجتمع ومعترف بها من قبل السلطات المحلية والفدرالية. أما في هذه الأيام فالأمر "مخزي"  فإن معظمها أن لم نقل جميعها قد أختفت أو إنكمشت في صندوق بريد ونادرا ما نسمع نشاط ثقافي أو مهرجان فني أو محاضرة في السنة الواحد وإن كان فهو أستثناء ولا يحضره غير عدد قليل جدا من أبناء شعبنا.

ضمن هذه الظروف المأساوية في الواقع والوعي القومي في المهجر وتحديداً في شيكاغو تأتي أهمية وجود وإستمرار الجمعية الآشورية الأمريكية القومية وهي تحتفي بالذكرى المؤية لتأسيسها، وهي الجمعية الوحيدة في شيكاغو ذات النفع العام لمجتمع آشوري يقال بأن نفوسه يتجاوز 80 ألف شخص، المعتمدة على نفسها ومن دون إعانات حكومية أو تبرعات أو مساعدات خيرية. فضمن هذه الظروف المأساوية يصعب جداً على هذه الجمعية ومن يقوم بإدارة شؤونها بإبقاءها قائمة في المجتمع الآشوري وتمشية أمورها وبموارد وإمكانيات شحيحة وفي مجتمع واسع ومتطور ومتسارع ومتعدد الثقافات الذي هو بمثابة "بوتقة" إنصار للثقافات الصغيرة، كما هو الحال في الولايات المتحدة. وهو الأمر الذي يتطلبه إمكانيات عديدة مالية وفكرية وثقافية  في أدارتها وتحمل المسؤوليات وبذل جهود مضنية للحفاظ على الوجود القومي الآشوري في مثل هذه المجتمعات الكبيرة. وما يزيد الطين بلة وأكثر مأساوية هو تعرض هذه الجمعية العتيدة والمسؤولين عن إدارتها إلى إنتقادات حادة ذات صفة تهجمية قائمة على حجج واهية وغير معقولة وهي ليست إلا إنعكاس لتدني مستوى الوعي القومي الصحيح في المهجر وظاهرة من ظواهر التهرب من تحمل المسؤوليات العامة في المؤسسات والجمعيات القومية خاصة تهرب المثقفين والمتمكين و"المتقومنين" من الإسهام بإمكانياتهم في نشاطات هذه الجمعية وتطويرها نحو الأحسن. والأنكى من كل هذا، نرى الكثير من أبناء شعبنا في شيكاغو يرتادون الجمعيات والأندية غير الآشورية أو يقضون أماسي في مطاعم وبارات المدينة ويصرفون مبالغ كبيرة بعض الشيء في الوقت الذي تكون أبواب الجمعية مفتوحة للجميع وتوفر أحسن الخدمات والأطعمة والمشروبات وبأسعار معقولة أكثر بكثير من الأماكن الأخرى التي يرتادونها هؤلاء. وهذا الأمر هو الذي جعل من الجمعية أن تقتصر نشاطاتها الإجتماعية على يومين في الأسبوع وأن تكون نشاطاتها الإعلامية من خلال الإذاعة المحلية قاصرة على ساعات قليلة وعلى بعض النشاطات الثقافية والسياسية في المناسبات القومية المعروفة.

وأخير، مهما قلنا عن هذه الجمعية وأظهرنا بعض من سلبياتها وتقاعسها عن القيام بالعديد من النشاطات القومية والثقافية والفكرية فإن العتب كل العتب واللوم لا يقع على من تحمل مسؤولية إدارتها بل على المجتمع الآشوري في المهجر وعلى أبناءه خاصة المثقفين والمفكرين ومنهم الذين يتغنون ليل نهار بالقومية وبـ "تحرير آشور" من الأجنبي المحتل في الوقت الذي لا يستطيعون تحرير أنفسهم من أمراضهم الفكرية والإجتماعية كالتهرب من تحمل المسؤولية واللامبالات والتسيب وعجزهم عن الخروج من قوقعتهم الكلامية نحو ساحة العمل القومي الحقيقي. نعم ... وكل النعم... نقول للجمعية الآشورية الأمريكية القومية ولرئيسها وأعضاء هيئة إدارتها ولجميع أعضاءها والمرتادين لها ألف مبروك على هذه الذكرى المؤية العظيمة والفريدة في تاريخنا المعاصر، ونأمل من أحفاد أحفادنا أن يحتفلوا بالذكرى المئتين لتأسيسها ليثبوا إستمرار وتواصل وجودنا القومي في المهجر نحو أماد أبعد و أبعد... إلى اللقاء في الصيف القادم.             

Assyrian  American  Association  of  Chicago  is  a non-for-profit educational,  cultural  and  charitable  organization




112
أين مصداقية قادة الكورد بين ”الوثيقة السياسية لضمان حقوق المكونات القومية والدينية في كوردستان” وإزاحة مدير ناحية ألقوش وقائمقام قضاء تلكيف من منصبهما؟
==============================================
أبرم شبيرا

في منتصف شهر تموز الماضي من هذا العام أزيح مدير ناحية ألقوش السيد فائز عبد جهوري من منصبه من قبل مجلس ناحية ألقوش. ولم تمضي أكثر من أسبوعين حتى تم إزاحة قائممقام قضاء تلكيف السيد باسم بلو من قبل مجلس قضاء تكليف. ومن المعروف بأن أعضاء الحزب الديموقراطي الكوردستاني (البارتي) يهيمنون على كلا المجلسين ويأتمرون بأوامر قادة حزبهم. وعلى الرغم من الإحتجاجات والإدانات من قبل أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" لهذين القرارين المجحفين بحقهما إلا أنها لم تفلح بنتيجة مثمرة فمضى كلا المجلسان بتعيين مدير ناحية جديد لألقوش وقائمقام جديد لتكليف ومن الموالين أو الأعضاء في الحزب البارتي ومن مسيحيي أهالي المنطقتين كسياسة ذر الرماد في العيون المتبعة في المنطقة من قبل الحزب البارتي تجاه أبناء شعبنا وكوسيلة من وسائله في تكريد مناطق شعبنا التاريخية وعن طريق تجنيد أفراد من شعبنا لهذه المهمة.

ومهما قيل من مبررات وحجج وأسباب عن إقالة السيدين فائز وباسم مثل "حسب مقتضيات المصلحة العامة" أو بسبب الفساد فإنها لا تقوى ولاتصمد أمام الحقيقة التاريخية لخلفيتهما الشخصية والوظيفية من نزاهة وإخلاص وتفاني وكفاءة طيلة سنوات خدمتهم في منصبهم الرسمي، لا بل تسقط كل هذه التبريرات والأسباب عند النظر إليها  من خلال فترة الحملات التي قام بها البارتي في تسويق الإستفتاء في مناطق شعبنا وعن طريق إزاحة الرافضين لشمول هذه المناطق بالإستفتاء ومنهم السيدين فائز وباسم والمجئ بغيرهما المؤيدين لهذه السياسة البارتية.

هذا من جهة إبعاد الرافضين لشمول مناطقنا بالإستفتاء، أما من الجهة الأخرى المتمثلة في "الوثيقة السياسية لضمان حقوق المكونات القومية والدينية في كوردستان" والتي شملت أيضا شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" فعلى الرغم من الهشاشة القانونية لهذه الوثيقة وإفتقارها إلى عنصر الضمان السياسي والتشريعي وإلى عنصر الألزام الرسمي لها وبالتالي فهي لا تعدو إلا كونها كلمات منمقة، فأنها من جهة أخرى تخلق تناقض صارخ بينها وبين أزاحة السيدين فائز وباسم من منصبهما وتلزمنا أن نفهم توجهات قادة الكورد تجاه شعبنا من خلال سياسة "العصا والجزرة". وهي السياسة القذرة المتبعة من قبل الأنظمة الإستبدادية في تطويع المعاضرين لها والتي أستخدمها نظام البعث المقبور في العراق تجاه شعبنا أثناء حكمه. ففي الوقت الذي كان نظام البعث المقبور يشرع قوانين عن الحقوق الثقافية والإدارية لشعبنا ويتودد لرجال الدين ويفسح المجال لبعض "يهوذا الأسخريوطي" للترشيح لبرلمانه كان من جهة أخرى يحرم على شعبنا التعلم بلغته القومية ويسعى لإمحاء وجوده القومي وصهره في بوتقة الأمة العربية ويسجن المطالبين بحقوقنا و يعلقهم على المشانق. السؤال هو لماذا كان نظام البعث المقبور يلجأ إلى هذه السياسة للقضاء على شعبنا وإمحاء وجوده القومي رغم أنه كان ولا يزال معروفاً لكل العالم وبالدرجة الأولى للنظام نفسه بأننا قومية صغيرة من بين القوميات العراقية الأخرى وشعب مسالم ووطني لا يسعى إلا خدمة الوطن وأن كل مطاليبه القومية كانت ضمن الأطار الوطني لمجموع الشعب العراقي ولا تشكل أي خطراً على أحد. فالجواب لا نجده إلا في طبيعة الفكر الدكتاتوري الذي من طبيعته مقاومة كل من هو مختلف وخارج إطار هذا الفكر ويسعى للقضاء عليه وإمحاءه من الوجود. لا بل ففي الكثير من الأحيان يصل الأمر إلى الحافات القصوى فيلجأ الحاكم الدكتاتوري إلى القضاء على أتباعه وعلى أقرب المقربين إليه  فيمتد ظلمه وإستبداده حتى إلى أفراد عائلته ويصبح في وضع لا يثق بأحد مهما كان قريباً منه وفي أحيان أخرى يصبح فاقد الثقة حتى بنفسه خاصة عندما تصل هذه الثقة إلى مستوى الثقة العمياء بالنفس التي تحجب عن عقله الحقيقة الواقعية ويصعب قراءة الواقع بشكله الصحيح، فكيف والحال مع شعبنا الذي كان يختلف عنه قومياً ودينيا وثقافياً وإجتماعياً وحضارياً وحتى نفسياً؟ فالقضاء على مبررات وجوده يكون من أولى أوليات الحاكم المستبد.

قد يقول البعض بأن من الظلم والإجحاف مقارنة قادة الكورد أو النظام السياسي في الإقليم أو الفكر القومي الكوردي بنظام البعث المقبور وبالفكر القومي البعثي الإستبدادي من خلال سياسة "العصا والجزرة". وقد يكون لمثل هذا القول جانب من الصحة خاصة عندما نعرف بأن هناك خلفية نضالية طويلة بين الشعب الكوردي وشعبنا وأمتزجت دماء كلا الشعبين على طريق النضال ومقاومة الأنظمة الإستبدادية التي تعاقبت على الحكم في العراق كما أشتركا كلا الشعبين في المعاناة والمأساة والظلم والأنفال. ولكن مما يؤسف له بأن بعض الممارسات الخاطئة والتي تغفل القيادة الكوردية النظر عنها تشوب هذه العلاقة التاريخية ويجعل من الواقع الحالي والمستقبل أمران يثار حولهما الكثير من التساؤلات عن مدى تحمل شعبنا لهذه السياسة الخاطئة والقائمة على "العصا والجزرة"؟. هذه السياسة تفتح الطريق نحو خلق عقلية لدى أبناء شعبنا تقوم على فقدان أو ضعف الثقة بالقيادة الكوردية في المسائل المتعلقة بحقوق شعبنا في الإقليم. لا بل والأكثر من هذا، فهذه السياسة تجعل من البعض من أبناء شعبنا أن ينظر إلى العلاقات النضالية التاريخية المشتركة مع الشعب الكوردي بنوع من الأسف والحسرة لدرجة يعتقد بأن الدماء الزكية للشهداء أمثال هرمز ماليك جكو وفرنسو الحريري والمئات غيرهم التي أريقت على طريق النضال المشترك ذهبت أدراج الرياح ولم تقدر وتثمن ولم تنعكس على جوانب إيجابية في السياسة الكوردية تجاه شعبنا. في الوقت الذي نرى بأن بعض الكورد الذين كانوا بالأمس قادة "جحوش" لنظام البعث يقاتلون مناضلي الحركة القومية الكوردية نراهم اليوم جالسين جنباً إلى جنب مع قادة الكورد ويتلذلون بالأمتيازات التي وفرت لهم. وللحق أقول بأن هذه السياسة تجعل مكان وموقف بعض من أبناء شعبنا المنتمين للبارتي والمؤيدين لسياسته محرجاً وموضع شك وتصبح تصريحاتهم وممارستهم في أنهم أنتموا أو أيدوا البارتي لغرض خدمة أبناء شعبنا، كما كان يفعل بعض من أبناء شعبنا الذين كانوا منتمين لحزب البعث، مجرد كذب لا ينطوي على الخيرين والمخلصين. فالمثل يقول "ليس بإمكان الفرد أن يخدم سيدين أثنين في آن واحد".

 أين هي مصداقية قادة الكورد عندما يخلقون أحزاب من "نفر" قليل من أبناء شعبنا ويتوددون إليهم ويجلسونهم معهم في قاعات المؤتمرات واللجان والهيئات الحكومية وغير الحكومية والدولية كسياسة وأسلوب لإزاحة البساط من تحت أقدام الأحزاب الحقيقية والصميمية لأبناء شعبنا، خاصة الأحزاب التي أشتركت مع الأحزاب الكوردية في النضال ضد الأنظمة الإستبدادية كالحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) وقدمت الشهداء في مسيرة هذا النضال؟ قادة الكورد يعرفون جيداً وأكثر مما يعرفه أبناء شعبنا بأن زوعا حزب سياسي صميمي ومستقل في قراره وفاعل وقادر على الإسهام في بناء الديموقراطية والتعددية في الإقليم جنباً إلى جنب مع الكورد ويستطيع أن يعمل أكثر بكثير من أحزاب الدمى والمخلوقة من قبلهم التي تستخدم كديكور لديموقراطيتهم. إذن فلماذا يهمش قادة الكورد وتحديداً البارتي زوعا ويطرحه خارج العملية السياسية البناءة بمجرد أنه أختلف معه في نقطة معينة أو لم يتفق مع نهج محدد للسياسة القومية الكوردية والتي يستغلها البعض من المتصيدين في المياه العكرة لتهويل وتضخيم هذا الإختلاف على أنه "طلاق بدون رجعة". إننا على يقين تام بأن لو إستجاب قادة الكورد لأقصى مطاليب شعبنا وعالجوا بصدق وصراحة السياسات الخاطئة تجاهه فإن هذا لا يشكل إطلاقاً أي تهديد أو شائبة في المسيرة النضالية القومية للكورد بل يشكل عامل إستقرار وتقدم للمنطقة خاصة والكورد مقبلين على بناء دولتهم الفتية التي لا يمكن أن تنضج وتتقدم مالم تسير على المسار الديموقراطي والتقدمي الصحيح وتنال إحترام وتأييد الدول الأخرى والمنظمات الدولية مدركين كل الإدراك بأن قيام دولة مستقلة يعني الدخول في إلتزامات قانونية ورقابية دولية وبعكسه ستصبح خارج المنظومة الدولية ويصعب لا بل يستحيل أن تكتسب عضوية فاعلة ومحترمة في هذه المنظمات ويصبح حالها كحال بعض الأنظمة السياسية في المنطقة التي تدعي بالديموقراطية ولكن في الحقيقة والواقع هي دول إستبدادية حتى النخاع.

نقولها وبملئ الفم بأن الدولة المزمع إقامتها من قبل الكورد، والبوادر الواقعية تشير إلى قيامها رغم التحديات الخطيرة، لا يمكن أن تدوم لها الحياة بشكلها الديموقراطي وبموقع إستثنائي محترم في مقارنتها مع الدول المجاورة ما لم تسترجع مصداقيتها تجاه شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"" الشعب المتحضر وصاحب أعظم حضارة في التاريخ. وليعلم الجميع ومنهم قادة الكورد بأن خسارة شعب طيب ومتحضر كشعبنا هو سيكون خسارة حقيقية وكارثية للكورد قبل غيرهم. فالتاريخ أثبت والواقع يثبت أيضا بأن الكثير من الدول والشعوب تقدمت وتطورت لأنها تجاورت أو تعايشت مع شعوب متحضرة. وليتأكد الجميع وفي مقدمتهم قادة الكورد بأن إسترجاع هذه المصداقية ووضع تعامهم مع أبناء شعبنا وأحزابه الصميمية على المسار الديموقراطي الصحيح سيكون ذلك رصيداً غنياً للدولة الفتية ومصدراً مهماً في تحضرها وتقدمها. فللكورد تجارب تاريخية نضالية مع شعبنا ومع حركتنا القومية وعرف مدى إخلاصهم وتفانيهم من أجل القضية العادلة وكفاءتهم العالية في مختلف المجالات، أفليس هذا كافياً لقادة الكورد لتعديل سياستهم تجاه أبناء شعبنا في المنطقة ومعالجة الأخطاء المتراكمة إذا كانوا فعلاً يسعون لبناء دولة ديموقراطية تقدمية ومتحضرة تكون مثالاً جيداً لبقية دولة المنطقة؟

                 



113
رسالة من بعيد إلى السيدان حيدر العبادي ومسعود البارزاني:
----------------------------------

تجميد الإستفتاء لا إلغاءه أو إبقاءه
======================
أبرم شبيرا

فاز الإستفتاء في إقليم "كوردستان" بنسبة كبيرة جداً وهي 92.73%، وهذه النسبة هي، على الأقل من الناحية الرسمية، تعبير جامح وواضح عن إرادة الشعب "الكوردستاني" بالإستقلال عن الدولة العراقية. بالمقابل رفضت الحكومة العراقية هذا الإستفتاء وقامت بأجراءات مضادة للحيلولة دون تفعيله وطالب رئيس مجلس الوزراء السيد حيدر العبادي إلغاء الإستفتاء كشرط أساسي وأولي للدخول في المفاوضات مع حكومة إقليم "كوردستان" لحل المشاكل العالقة. 

بالمقابل رفض السيد مسعود الباررزاني وحكومته وبرلمانه طلب السيد حيدر العبادي في إلغاء الإستفتاء لأن هذا لا يعني إلا إلغاء إرادة شعب برمته تقريبا، وهو أمر أكثر من مستحيل ولا يمكن للسيد مسعود البارزاني إصدار قرار بإلغاءه لأن إلغاء إرادة شعبه يعني من جهة أخرى فقدان مصداقيته وخيانة الأمانة كرئيس لشعبه.  كما أن إلغاء الإستفتاء أي إلغاء إرادة الشعب الكردستاني الذي هو جزء من الشعب العراقي، كما يصرح بذلك السيد حيدر العبادي ويؤكد إستعداده للدفاع عنه سيكون سبباً في فقدان مصداقيته أيضا. وتخفيفاً لحدة الخلاف بين الأثنين والخروج من المأزق أكدت حكومة الإقليم وعلى رأسها السيد مسعود البارزاني بأن هذا الإستفتاء لا يعني تطبيقه مباشرة والبدء بالإجراءات الخاصة بالإستقلال عن الدولة العراقية بل هذا يتطلب عدة سنوات لتطبيقه على أرض الواقع. وبالمقابل رفض السيد حيدر العبادي هذه التفسيرات وأصر على ضرورة إلغاء الإستفتاء كشرط للدخول في مباحثات حول المسائل العالقة بين الأثنين، لأنه من الواضح وجود هذا الإستفتاء أثناء المباحثات سيشكل قوة ضغط على الحكومة العراقية وسند قوي من الطرف الأول على الطرف الثاني وسيشكل خط رجعة لحكومة الإقليم عند فشل المباحثات. كما أن بقاء هذا الإستفتاء الذي سيحوم في سماء المفاوضات سيزيد من أمر تعقيد المباحثات ويأخذ مساحات زمنية طويلة وسوف يحصر حكومة السيد عبادي في زواية ضيقة تحرمه من البدائل الوصول إلى حل مقبول يحفظ وحدة العراق.

إذن بين إصرار وعناد الطرفين حول إلغاء الإستفتاء وإبقاءه وصل الأمر إلى طريق مسدود بالتمام والكمال رغم بعض الوساطات للتخفيف من صعوبة الأمر. ولكن بين إلغاء الإستفتاء وإبقاءه يأتي مصطلح "تجميد" الإستفتاء كحل وسط بين الاثنين. فالتجميد لا يعني إلغاءه كما لا يعني تفعيله بل هو حالة قائمة بين الأثنين يفتح ثغرة في جدار إصرار الطرفين ويمهد الطريق للجلوس والتفاوض من دون وجود إستفتاء فاعل ونشط يورق طرف الحكومة العراقية من جهة ويحيد أو ينزع من حكومة الإقليم سلاح الإستفتاء الضاغط من جهة أخرى. فمن خلال هذا التجميد يبقى السيد مسعود البارزاني على موقفه من عدم إلغاء الإستفتاء وصيانة مصداقيته من جهة كما أن التجميد سوف يسند موقف السيد حيدر العبادي عند الجلوس على طاولة المفاوضات من دون وجود إستفتاء فاعل وضاغط. فالتجميد على الأقل يفتح باب قاعة المباحثات للطرفين ويهدئ الأوضاع المتصاعدة التي تقلق جميع أبناء الشعب العراقي ومن المحتمل جداً بهدوء الأوضاع ستتمهد الطرق للتفاهم بين الطرفين والوصول إلى حل يرضي الطرفين ويردع الأخطار المحيطة بالوطن من كل حدب وصوب.     

114

مختصر في فهم مصطلح الأقلية ومقارنته بمصطلح "المكون المسيحي:
-------------------------------------
أبرم شبيرا
تساؤل:
-----
إستغرب كثيراً من بعض أحزابنا ومنظماتنا الكلدانية السريانية الآشورية والهيئات التابعة لفروع كنيستنا المشرقية من الهلع الفكري والمنطقي في تجنب إستخدام مفهوم الأقلية لوصف شعبنا في العراق مما يضطرون إلى اللجوء لإستخدام مصطلحات غريبة وغير منطقية وواقعية في الفكر والعمل السياسي وفي أساليب المطالبة بالحقوق الخاصة بشعبنا. ومصطلح "المكون المسيحي" نموذج في هذا السياق.

أسباب تجنب إستخدام مصطلح الأقلية:
---------------------
وإذا بحثنا في أسباب هذا التجنب من إستخدام مفهوم أو مصطلح الأقلية سوف نجد بعض من هذه الأسباب في:

أولا: في الفقر المدقع في العلم السياسي والقانوني والعجز في فهم المضامين الفكرية والسياسية للعمل القومي أو تجنب إستخدامها لأسباب مرتبطة بالفكر السائد والمتبني من قبل هذه الجهة أو تلك. وقد سبق وأن فصلنا في هذا الموضوع عن التخلف في مجتمعنا والذي كان من وراءه أسباب عديدة منها الجهل، ليس في العلم والتقافة وإنما في الفكر السياسي والعمل القومي والممارسة السياسية العملية والمنطقية. فالأقلية هو مصطلح قانوني سياسي معترف به دولياً فهناك العشرات من المواثيق الدولية والإقليمية تستخدم مصطلح الأقلية في معالجتها لمسألة الأقليات في دول العالم.

ثانياً: التأثر الشديد للكثير من قادة منظماتنا القومية والكنسية بالفكر السياسي العربي المتخلف خاصة في العراق والذي هو نتاج تخلف الأنظمة السياسية وتبنيها لأساليب إستبدادية وشوفينية وطائفية وشمولية سواء في الفكر أو الممارسة وبالتالي كل المفاهيم السياسية بما فيها الأقلية والديموقراطية وغيرهما تدور في نطاق هذه الأساليب والأفكار. من هذا المنطلق ينظر إلى مفهوم الأقلية على أساس أن له صفة دونية وتحقيرية مستمدة من القلة والندرة أو الضعف والهزالة في مقارنتها مع الأكثرية والذي بإعتقادهم الخاطئ بأنه يتنافي هذا المفهوم مع بنود الدستور الذي يقر بسواسية جميع المواطنين وعدم التفرقة بينهم على أسس دينية وقومية وبين أكثرية وأقلية ... إلخ. ولما كان شعبنا أو، لنكن أكثر وضوحا، ممثلي شعبنا، سواء على المستوى السياسي أو الكنسي جزء من هذا النظام الإستبدادي أو المسايرين له فهم أيضا جزء من الفكر الإستبدادي المتحكم في هذا النظام وأروقته وبالتالي إنتقال كل المفاهيم السياسية والقانونية في هذا الشأن إلى ممثلي شعبنا. أي بعبارة أخرى أصبح مفهوم الأقلية عندهم شأنه شأن المستبدين المتحكمين في مقدرات الوطن له مفاهيم دونية وتحقيرية يستوجب تجنب إستخدامه في وصف شعبنا كأقلية أثناء تعاملهم مع الجهات المعنية في المسائل المتعلقة بحقوقنا المشروعة في الوطن. من هنا تولدت مصطلحات مصطنعة أخرى وهي "الكوتا المسيحية" والنواب المسيحيين والأحزاب المسيحية ... وهلم وجر.

ثالثاً: التحديات والصراعات الحالية في العراق هي طائفية مذهبية بمجملها وبالتالي فإن اللاعبين الأساسيين لهذه الصراعات وللعملية السياسية هي أحزاب ومنظمات وكتل طائفية وبإمتياز في فكرها وممارستها رغم كل الإدعاءات بالمواطنة وعدم التمييز سواء في الدستور أو القوانين. فالإستحقاقات السياسية المبنية على الطائفية والمحاصصة لها الغلبة في العراق على الدستور والقوانين وهو الأمر المؤكد في الممارسة الواقعية والعملية السياسية وفي توزيع المراكز والمناصب. فعلى الرغم من أن الدستور العراقي لا ينص على كون الرؤساء الثلاثة أو نوابهم من مذهب معين أو قومية أو طائفة إلا أن الواقع هو غير ذلك فبموجب الإستحقاقات السياسية "للأخوة الكبار" تم تخصيص هذه المناصب لهم: فرئاسة الجمهورية للكوردي السني ورئاسة البرلمان للسني العربي ورئاسة مجلس الوزراء للشيعي العربي، وهكذا نزولاً إلى المناصب الأدنى التي تتحكم فيها الإستحقاقات السياسية المبنية على الطائفية المقيتة، فيظهر ضمن هذه العملية السياسية الطائفية والمبنية على المحاصصة بأن كل الأدوات السياسية لشعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"، أي الأحزاب والمنظمات الداخلة أو المشاركة في هذه العملية السياسية الطائفية تظهر كأنها كيانات دينية وطائفية. فمن هنا جاء مصطلح "المكون المسيحي" كعنصر مميز عن المكونات الدينية الأخرى خاصة المكون الإسلامي الذي هو الصنف المهيمن على الدولة العراقية ويجعلها دولة إسلامية بكل معنى الكلمة. لا بل وأكثر من هذا، فإذا كان "المكون الإسلامي" متجزأ إلى طوائف رئيسية شيعية وسنية والتي هي أيضا تتشعب إلى أفرع أصغر فأصغر كالكتل والمنظمات الشيعية والسنية، فإن مصطلح "المكون المسيحي" تناسق وتناسب مع المكون الإسلامي فتشعبت هو الآخر إلى طوائف منها كلدانية وسريانية أرثوذكسية وكاثوليكية و"نسطورية" آشورية وحتى أرمنية. فهذا الأمر الواقعي هو الذي فرض نفسه وبقوة أن تحبس مقوماتنا القومية المتميزة والتاريخية وتضيع في إطار "المكون المسيحي" ذات الإستعمال الحديث في العملية السياسية والذي ليس له أية مقومات قومية بل هو مفهوم ميتافيزقي ديني يشمل تقريباً كل مسيحيي العراق والعالم أيضاً. وحتى أذا ذكر "المكون المسيحي" من الكلدان والسريان والآشوريين فأن هذا إجحاف بحق بقية أقسام "المكون المسيحي" كالأرمن وبحق من يدعون في كونهم عرب مسيحيون وكورد مسيحيون. أي بعبارة أخرى أن مصطلح "المكون المسيحي" يتناقض مع كل الوقائع المعاصر والتاريخية لا بل ويمحي نضال شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" ووجودنا التاريخي في أرض الأباء والأجداد وكأننا بدأنا بهذا المصطلح الجديد والمصطنع بتاريخ جديد لا أساس تاريخي له. 
ولكن على العكس مما تقدم، نرى بأن مفهوم الأقلية وفق المعايير السياسية المعاصرة في الأنظمة الديموقراطية وفي العلوم السياسية له تفسيرات إيجابية تعلب دوراً كبيرا في فهم وممارسة الديموقراطية بشكلها المثالي التي هي أساس تطور الشعوب من مختلف النواحي السياسية والإقتصادية والإجتماعية والفكرية. فالأقلية بالمفهوم الديموقراطي هو معيار نسبي في مقارنته مع مفهوم الأغلبية وكلاهما يشكلان الظاهرة الديموقراطية الصحيحة، من هنا يستوجب أن نفهم هذه الديموقراطية الصحيحة وعلاقتها بالمفهومين الأقلية والأكثرية.

كيف نفهم الديموقراطية وعلاقتها بالأقلية والأكثرية:
----------------------------
لم يعد للديموقراطية في عصرنا الحاضر نفس ذات المفهوم الأغريقي القديم في أعتبارها حكم الشعب، فمثل هذا المفهوم كان غير واقعياً ولا منصفا لجميع أبناء الشعب الواحد حيث كان يشمل طبقة معينة في العهد الإغريقي دون عامة الشعب. غير أنه بعد أنهيار النظام الإقطاعي في أوروبا وتقلص أو زوال سطلة الكنيسة في الحكم والسياسية وبداية عهد التنوير والثورات الفكرية أثر الثورة الصناعية الأولى التي إجتاحت أوروبا خاصة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تغير هذا المفهوم لتعني الديموقراطية حكم الأغلبية خاصة بعد نشوء الأحزاب السياسية وظهور البرلمانات المنتخبة من قبل عامة الناس. فمن هناك ظهر في السياسة المصطلحان الأغلبية والأقلية. والأساس الفكري الفلسفي لهذا التطور قام على أعتبار بأنه لا مطلق في الحياة والظواهر، فالمطلق شيء خيالي وما وراء الطبيعة البشرية، أي ميتافزيقيا الذي لا يمكن إداكه ولا الإحساس به ماديا وفعليا في الواقع الإجتماعي. فالحياة والظواهر الإجتماعية كلها تكون قائمة على المفهوم الفلسفي الذي يقول بأن الإنسان في طبيعته يحمل نقيضه وهكذا مع الظواهر الإجتماعية . وكان الفيلسوف الألماني فريدريك هيغل (1770-1831) الرائد الأول في إكتشاف قانون النقض في الطبيعة الإنسانية والإجتماعية ثم جاء الفيلسوف الألماني كارل ماركس (1818-1883) ليطور مفهوم هيغل في النقض وعن طريق تجريد الجوانب المثالية منه وإضفاء عليه جوانب مادية قائمة على الواقع وعلى دراسة التاريخ فتوصل إلى مفهوم بأن كل تاريخ البشر هو صراع طبقات، فجاء بمفهوم نقض النقيض وكان هذا أسس الأساس الفلسفي الذي ألتفتت إليه المجتمعات الغربية في تطوير مفاهيمها الفكرية والسياسة ومنها الديموقراطية التي بدأت تقوم على ظاهرة وجود بين طياتها نقضيها بإعتبارها ظاهرة سياسية إجتماعية وهكذا ثم يتأتي النقيض الآخر لهذا النقيض، أي نقض النقيض ويحل محله ...  وبأستمرار نقض النقيض تتطور المجتمعات نحو الأمام وتتقدم، وهو القانون الأساسي الذي بنت المجتمعات الغربية الديموقراطية عليه تطورها المستمر، وهو المفهوم الذي سبق وأن أشرنا إليه في مناسبة سابقة والذي يقول بأن التطور هو خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء. من هذا المنطلق جاء مفهوم الديموقراطية القائم على الأغلبية والأقلية ليدخل كلا الجانبين وكظاهرة سياسية إجتماعية في علاقة عضوية لبناء نظام سياسي فعال قائم على هذه النسبية التي تشكل أسس الأساس للنظام السياسي الديموقراطي الذي لا تنحصر فيه العملية السياسية بيد الأغلبية بل تشكل الأقلية كمعارضة (نقيض) عنصرا مهماً أيضا في هذه العملية التي تقوم بين متناقضين من حيث الشكل (أغلبية وأقلية) ولكن من حيث الفعل والواقع كلاهما يشكلان النظام السياسي الديموقراطي. فإذا كان، على سبيل المثال لا الحصر، حزب المحافظين في بريطانيا كأعتى ديموقراطية في العالم، يشكل الأغلبية ويقود الحكومة فأن حزب العمال الذي يشكل الأقلية يكون أيضا جزء مهم من هذا النظام وعن طريق تشكيل حكومة الظل يمارس النقد ويكشف أخطاء حكومة المحافظين كجزء من العملية السياسية لنظام سياسي ديموقراطي مستمد تطوره من هذه العلاقة العضوية بين الأكثرية والأقلية. من هنا نقول بأن كل المفاهيم السياسية منها الإنتخاب بالإجماع أو الحصول على 100% أو 99,9% من الأصوات سواء في الإنتخابات أو في الإستفتاء أو المبايعة للحاكم أو توريث الحكم في النظام الجمهوري كلها مفاهيم لا علاقة لها بالديموقراطية بل تصب في خانة القهر الفكري والإستبداد السياسي وتشكل أسس الأنظمة الشمولية والدكتاتورية. 

الديموقراطية في العالم العربي والإسلامي:
----------------------
معظم الدول العربية والإسلامية التي تتبنى في دستورها الإسلام كدين الدولة الرسمي أو إعتبار الإسلام مصدر أساسي أو وحيد للتشريع يتعارض ويتناقض نظامها السياسي ودستورها مع المفاهيم الصحيحة للديموقراطية لأن الإسلام وقرآنه عندهم هو مصدر الحقيقة والانصاف والعدل الذي لايمكن إطلاقاً النقاش عليه أو الإجتهاد حوله. في حين الديموقراطية أساسها الإجتهاد والنقاش للوصول إلى الحقيقة والأنصاف والعدل. وحتى تخرج هذه الدولة من هذه الحالة الميتافيزقية لمصدر دستورها ونظامها السياسي وتُظهر نفسها كدولة متحضرة وديموقراطية يلجأ حكامها إلى توليف مصطلحات غريبة وبعيدة عن الديموقراطية لغرض إحتواء المعارض وضمه إليها مثل الديموقراطية التوفيقية، وليس ذلك إلا لغرض كبحه في أطار الأغلبية الحاكمة ومن دون أي دور للمعارضة أو الأقلية في مثل هذا النظام. وإذا أخذنا الأقلية "الكلدانية السريانية الآشورية" مثالاً في سياق فهم مكانتهم ودورهم في  النظام السياسي في العراق نجد بأن لا دور فعال لهم أو لممثليهم في البرلمان أو في الهيئات الإدارية الحكومية رغم كفاءتهم العالية وجهودهم المضنية ولكنها جهود ضائعة في متاهات النظام الطائفي والإستحقاقات السياسية للكبار. وحتى "الكوتا المسيحية" التي خصصت لأبناء شعبنا على أساس أنها أنجاز أو "منحة" ديموقراطية للأقليات اخترقت من "الأخوة الكبار" ومسخوا مضمونها حتى تصبح جزء من نظامها السياسي أو تسير في فلكه. فنظام الكوتا  أي "الكوتا المسيحية" في العراق هي أصلاً مفهوم غير ديموقراطي يعكس عجز الأقليات من الفوز بالإنتخابات لأنه بسبب الفكر الطائفي المهيمن على الأمور في الوطن فإن الأكثرية من الشعب وفق إيمانهم الطائفي لا يعترفون بالأقليات ولا ينتخبون المسيحيين لذلك تأتي الكوتا، وهي أيضا من مخترعات هذه الأنظمة الإستبداية التي لاتقبل بالمختلف والمغاير فكرياً ودينياً وإجتماعيا عن الأكثرية الحاكمة، على أساس أن الكوتا هو نظام لحماية حق هذه الأقليات في الوصول إلى البرلمان. وحتى هذا الحق، كما سبق وذكرنا بأنه ممسوخ ومنتهك من قبل الأغلبية المهيمنة.
   

أين موقع الأقلية "الكلدانية السريانية الآشورية" من هذا النظام الطائفي:
---------------------------------------
حتى لا أطيل على القارئ اللبيب، أقولها فوراً وصراحة بأنه لا موقف لشعبنا من الأعراب سواء كأقلية قومية أو بمفهوم "المكون المسيحي" في مثل هذا النظام الطائفي المحاصصي، لأن مُلاك، أو إقطاعي هذا النظام أصلا لا يعترفون وفق إيمانهم المذهبي وإستحقاقاتهم السياسية بشعبنا رغم بعض التصريحات المعسلة هنا وهناك ألا أن الأمر الواقعي والقانوني غير ذلك. ولأثبات هذه الحقيقة الواقعية  أمر لا يحتاج إلى تفاصيل مطولة فسنوات العجاف منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا شاهد على الأنهيار الذي أصاب وجودنا القومي والديني في أرض الأباء والأجداد. والأمر الأكثر خطورة سيكون على شعبنا وقد يكون المسمار الأخير في نعش وجودنا في الوطن هو عندما يتم نهائياً طرد داعش والقضاء عليه عسكريا، لا فكريا، وتبدأ عملية تقسيم الغنائم، كما هو مخطط له في تقسيم سهل نينوى، الذي من المحتمل الكبير أن يبدأ الفصل الأخير في القضاء على وجودنا في الوطن.  من هنا نقول وكما قلنا في السابق بأن كل الجهود المبذولة من قبل ممثلي شعبنا في البرلمانين، المركز والأقليم، ومن رجال الكنيسة هي جهود ضائعة وكانها حروب دونكيشوتية ضد طواحين الشيطان طالما بقوا جزءاً من هذا النظام ويعملوا ضمن سياقاته وأروقته. وحتى لا يتهمني البعض بالسلبية والقنوط ويبدأ بالقول "ما الحل إذن". أقول لا خلاص من هذا النظام إلا الخروج منه وتشكيل نظام قومي وكنسي خاص بأمتنا وكنيستنا المشرقية وهو الموضوع الذي تتطرقنا إليه العديد من المرات في تقديم مقترح إستقالتهم من المراكز البرلمانية والحكومية وتشكيل المجلس القومي الأعلى "للكلدان السريان الآشوريين" وعلى الجانب الآخر جلوس بطاركة أفرع كنيستنا المشرقية في العراق مع البعض وتشكيل "المجلس الأعلى لكنائس المشرق في العراق وليس مجلس الطوائف المسيحية الذي يترنح في مكانه بسبب الأسس الخاطئة التي تأسس عليها.

ولكي أليس هناك البعض وربما الأكثر من أبناء شعبنا يقول عن هذا المقترح بأنه بـ (المشمش) كما يقول المصريون؟؟؟ وحتى إذا قبل البرلمانيون من أبناء شعبنا الإستقالة فهناك أكثر من واحد من "يهودا الإسخريوطي" مستعد لأن يقفز ويحل محلهم، حين ذاك يجب أن نعيد قراءة الكتاب المقدس ونرى المصير الذي لاقاه يهودا الإسخريوطي وإذا عجزنا عن فهم المغزى من مصير يهودا وتركناه يسرح ويمرح بمصير أمتنا حينذاك نقول بأننا شعب لا يستحق الحياة طالما لا يستطيع أن يميز أو يفصل بين الحنطة والزوان.

115
بمناسبة الذكرى (84) على مذبحة سميل للآشوريين:
------------------------------

فلاح آشوري... جاسوس للإنكليز!!!!
=====================
أبرم شبيرا

كتب الكثير عن مذبحة سميل وعن النتائج المأساوية والتداعيات الفضيعة التي ترتبت ليس على الآشوريين والمسيحيين فحسب بل على العراق برمته وعلى مسيرته السياسية وعلى أستقراره السياسي والأمني ذلك لأن مذبحة سميل كانت فاتحة سلسلة من الإضطهادات والتنكيل بمختلف قطاعات الشعب العراقي فكان الآشوريون الذين أستشهدوا في سميل عام 1933 الذخر الأول أو القربان العراقي الأول لسلسلة من شهداء العراق الذين أزهقت أرواحهم من قبل رجال الحكم والسياسة والأنظمة الإستبداية التي تعاقبت على العراق. فما أن أنتهى المجرم الجنرال بكر صدقي ومساعده حجي رمضان من مهمتهم في  التنكيل بالآشوريين في سميل، التي وصفت في حينها بالبطولة والشهامة، حتى أدار وجهته وإستبداده نحو الشيعة والعشائر العراقية في الجنوب فقام بالتنكيل بهم والقضاء على مطالبهم المشروعة فأصبحت هذه الجرائم البشعة منصة عالية للمجرم بكر صدقي ويد طولى من القوة والسطوة ليقوم بأول إنقلاب عسكري في العراق عام 1936 ليكون بادرة لسلسلة من إنقلابات عسكرية في العراق حرمت الشعب العراقي من الأمن والإستقرار.

في حينها أتهم الآشوريين من قبل النظام السياسي في العراق بالعمالة للإنكليز وأعتبروا من قبل مفكري ومؤرخي النظام السياسي أمثال عبد الرزاق الحسني وعبدالرحمن البزاز بالطابور الخامس لبريطانيا فكانت هذه مبررات كافية للنظام السياسي ولبعض قطاعات الجيش للقيام بجريمتهم في سميل ضد الآشوريين الذين طالبوا ببعض المطالب البسيطة جداً والتي كان من الممكن تحقيقها وبسهولة. في حين كل الوقائع التاريخية والموضوعية تؤكد بأن الإنكليز في تلك الفترة كانوا في موقف محرج وعلى مفترق طرق بين منح العراق الإستقلال الشكلي وربطه بإمتيازات خاصة لبريطانيا من جهة والتخلص من المسألة الآشورية التي كانت طاغية على السطح السياسي في تلك الفترة وتعكر سياسة بريطانيا في تحقيق هدفها من منح العراق الإستقلال الشكلي من جهة أخرى. ولما كان أزلام النظام السياسي رافضين لأبسط مطاليب الآشوريين ولم يكن يرغبون أن يكون الآشوريون جزء من النظام الجديد، أصبح موضوع التخلص منهم والقضاء على زعمائهم أمراً مقرراً ومطلوباً. فمهدوا الأنكليز لهذا الأمر ليس بالمشاركة في مذبحة سميل بل عن طريق ترك يد الأكثر تطرفا من المستبدين والظالمين من بعض زعماء الجيش العراقي أمثال المجرم بكر صدقي، للتصرف والقيام بمهمة معالجة القضية الآشورية بكل الوسائل المتاحة وتحديدا العسكرية منها. فكان هذا السبيل الوحيد والمتاح  للإنكليز للتخلص من الآشوريين وضمان إستقلال العراق الشكلي وبالنتيجة ضمان مصالحهم في العراق عن طريق ربطه بمعاهدة عرفت بمعاهدة 1930 والتي أعقبتها إعلان إلغاء نظام الإنتداب ومنح العراق الإستقلال الرسمي وقبوله في منظمة عصبة الأمم عام 1932.

الوقائع الموضوعية في تلك الفترة تؤكد بأن الآشوريين لم يكن لهم أية علاقة عمالة بالإنكليز، بل على العكس من هذا فالدلائل التاريخية وشهود العيان تؤكد بأن بعض من رجال الحكم والعسكر كان لهم صله بالإنلكيز بخصوص التعامل مع مسألة التخلص من الآشوريين ومطاليبهم، ومن بينهم المجرم بكر صدقي. فهناك وثائق تؤكد بأن المجرم بكر صدقي كان عميلا للإستخبارات البريطانية، فقام على ضياء الضوء الأخضر من الإنكليز التخطيط للقضاء على الآشوريين فأمر أتباعه ومساعديه أمثال حجي رمضان للقيام بتنفيذ الجريمة بحق الآشوريين. وهنا نذكر شاهد عيان في هذه المسألة وهو الأستاذ والمؤرخ عبدالمجيد حسيب القيسي، رحمه الله وطيب ذكراه، مؤلف عدة كتب في التاريخ السياسي العراقي ومنها كتاب "التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق". ففي زيارة شخصية له أنا والمرحوم د. سعدي المالح في بيته في أبو ظبي عام 2000 لللقاء به والتعرف عليه والحديث عن كتابه المنوه عنه أعلاه وعن التعقيب الذي كنت قد كتبته عن الكتاب ونشر في حينه في جريدة الحياة اللندنية، فما أن خطونا نحو عتبة دراه حتى قام بالترحيب الحار بنا خاصة عندما عرف بأننا آشوريين لنا ألمام بموضوع كتابه. فبعد أحتساء القهوة مقرونة بالحلويات، بدأ حديثه التفصيلي عن مذبحة الآشوريين في سميل فذكر بأنه كان في تلك الفترة شابا يافعاً يشغل وظيفة مدنية في وزارة الداخلية العراقية أثناء حوادث الآشوريين عام 1933 وكان مرافقاً لحجي رمضان أثناء الحوادث. وبينما كان المجرم حجي رمضان، والحديث للمرحوم عبد المجيد، يقوم بجولاته التفتيشية في المناطق القريبة من سميل يرافقه أثنان من الضباط البريطانيين كمستشاريين له، أقتادوا بعض الجنود العراقيين اليه فلاحان آشوريان من القرى الآشورية المجاورة فكانا في حالة يرثى لها، فالفقر ورثة الملابس والتعب والإنهاك سمات كلها تؤكد بساطتها وسذاجتهما كفلاحين فقراء قرويين لا يعرفون حتى التكلم باللغة العربية، أقتادوهما للمجرم حجي رمضان بالدفع والرفس والضرب فدفعوهما ليركعا أما المجرم الذي سأل الجنود وقال لهم: من هؤلاء؟ فأجابوا ... سيدي...أنهم آشوريين من عملاء الأنكليز. فما كان من المجرم حجي رمضان إلا أن يسحب مسدسه ويطلق النار على رؤوسهما ويردهما قتلا في الوقت الذي كان مستشاريه البريطانيين يسجلون في دفاترهم ملاحظات ويصورون المشهد.

فمن هو الجاسوس للإنكليز... هل هؤلاء الفقراء المساكين الذين لا يعرفون من الدنيا غير الحرث والزرع والحصاد أم المجرم حجي رمضان وسيده المجرم بكر صدقي أم ولي عهد عرش العراق المجرم غازي أبن فيصل الذي بارك جريمة مذبحة سميل وزين صدور المجرمين بأنواط الشجاعة؟؟. فمن يملك ذرة ضمير عراقي حي ونزيه يعرف الجواب بدون أن نفصح عنه هنا. 




116
على ضوء إحلال السيدة لارا محل السيد فائز في مركز مدير ناحية ألقوش:
---------------------------------------

هل يحق للأحزاب غير "الكلدانية السريانية الآشورية، تمثيلهم ؟؟
===================================
الوقائع كما هي:
---------
كثرت في الآونة الأخيرة الأحاديث والكتابات والمناقشات والتظاهرات والإحتجاجات ضد قرار مجلس ناحية ألقوش بخصوص تنحية السيد فائز عبد ميخا جهوري وتنصيب السيدة لارا يوسف زارا  محله كمدير لناحية ألقوش. والوقائع المؤكدة تقول بأن السيد فائز شخصية مستقلة نزيهة منذ توليه المركز عام 2003 ومدعوم من قبل أغلبية أبناء ألقوش ومن الأحزاب الرئيسية الفاعلة في الناحية مثل الحزب الشيوعي العراقي والحركة الديموقراطية الآشورية. أما السيدة لارا يوسف زارا وهي أيضا "ألقوشية" وهي "حزبية" من أعضاء الحزب الديموقراطي الكردستاني (بارتي) حاولت الغوض في العملية السياسية الإنتخابية فترشحت ولكن لم تفز وظلت على هامش العمل السياسي في الاقليم تنشط هنا وهناك لصالح الحزب الذي تنتمي إليه حتى تم إختيارها وبـ "الإجماع" من قبل مجلس بلدية ألقوش لمنصب مدير الناحية من قبل نفس الحزب المهيمن على مجلس الناحية والتابعين له. ومما يثير الإنتباه والإستغراب هو كلمة "الإجماع" التي سبق وأن تكلمنا عنه كثيراً بإعتبارها من مخترعات السلطات الحاكمة في بلدان العالم الثالث ومنها العراق والتي هي شكل من أشكال التسلط والإستبداد وبعيدة عن أبسط مفاهيم الديموقراطية والعدالة لأن الإختلاف هو جوهر الديموقراطية وأساس تطور المجتمعات.  موضوع سبق وأن كتبنا عنه وسنزيد عنه في مناسبة سابقة.

ولكن التساؤل هو:
------------
 لماذا الإحتجاجات والتظاهرات ضد إختيار السيدة لارا فإنتماؤها "الالقوشي" هو كما هو إنتماء السيد فائز فكلاهما يحققان المطلب في أن يكون مدير الناحية من ألقوش... هذا ما يقول البعض من مؤيدي السيدة لارا. ولكن بالمقابل نقول بأن السيد فائز إنتماؤه هو "ألقوشي" 100% ويمثل ضمير أبناء ألقوش، والمظاهرات وغيرها من الفعاليات تؤكد هذه الحقيقة ولكن السيدة لارا رغم إنتماؤها البايولوجي لألقوش فأنها لا تمثل ضمير أبناء ألقوش بل أن إلتزامها الحزبي يجعلها أن تضع مصلحة البارتي فوق مصلحة أبناء ألقوش. وحتى أذا وضعت مصلحة أبناء ألقوش في جدول أولوياتها فأن هذه الأولية بالحتم والنتيجة ستكون وفق منظور البارتي وإستراتيجيته ومصلحته خاصة في هذه الأيام التي تتصاعد فيها حدة الإختلافات حول مسألة الإستفتاء الكوردستاني والمناطق المتنازع عليها التي كانت السيدة لارا على جانب البارتي في هذه المسائل في حين كان السيد فائز على الجانب الآخر الألقوشي القاضي بإبعاد المناطق المتنازع عليها عن الصراعات الدائرة بين المركز والإقليم وإبعاد ألقوش عن مسألة الإستفتاء، ويظهر بأن هذا كان السبب الرئيسي وربما الوحيد في إزاحة السيد فائز من منصبه واحلال السيدة لارا مكانه لتقوم بالمهمة المطلوبة منها في هذه المسائل. والقصة، أو المسرحية السياسية المعد سيناريوها مسبقا من قبل حزب السلطة، تتكرر مع السيد باسم بلو قائم مقام قضاء بتنحيته من منصبه ويظهر بأن هذه المسرحية التراجيدية سيكون حالها كحال قصة ألف ليلة وليلة التي لا تنتهي حتى "ينام شهريار".

الإنتماء إلى أحزاب غير "كلدانية سريانية آشورية":
----------------------------
ولكن السؤال الآخر أيضاً يبقى قائماً: ما العيب في أن ينتمي أحد أبناء  شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" إلى أحزاب أخرى، خاصة أحزاب السلطة، فمن خلال هذا الإنتماء يقوم بخدمة أبناء شعبنا . فقد كان هناك المئات أن لم يكن بالألاف من أبناء شعبنا منتمين إلى حزب البعث العربي الإشتراكي وكان يدعون بأنهم يعملون لصالح شعبنا من خلال إنتمائهم إلى هذا الحزب الذي هو في السلطة ويملك القدرة على تحقيق مطاليب شعبنا. والحال لا يختلف كثيراً عن إنتماء أبناء شعبنا إلى البارتي فهم يدعون بأنهم طالما يعيشون في "كردستان" وأن البارتي هو حزب السلطة ومتنفذ فهو قادر على ضمان وتحقيق مصالح شعبنا، لذلك فمن مصلحة شعبنا أن ينتموا إلى أحزاب السلطة ليحققوا مصالحهم القومية، ومن المؤكد بأن السيدة لارا والداعمين لها هم من هذا الصنف. ولكن لو أخذنا كلا الحزبين البعثي والبارتي كمقارنة لإنتماء أبناء شعبنا إليهما نرى بأن حزب البعث كان حزباً قومياً عربياً وفي أخاديد إيديولوجيته مرتكزات عنصرية وشوفية ومبطنة في بعض الأحيان بتوجهات دينية إسلامية. ولأجل التعامل كحزب قومي عربي مع الإختلافات القومية لغير العرب المنتمين للحزب كان يلجأ إما إلى طريقة خلق كيانات كارتونية خاضعة له، كمحاول تأسيس "حزب البعث الأثوري" في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، أو عن طريق طرح مفاهيم لصهر غير العرب، كالكدان والسريان والآشوريين في البوتقة العربية وإعتبارهم مجرد "عرب مسيحيون" ووفق منهجه الإستبدادي في "إعادة كتابة التاريخ". والحال لا يختلف عن الحزب القومي الكوردي وأقصد البارتي إلا من جوانب بسيطة لا علاقة لها بموضوعنا هذا. فقادة الكورد لهذا الحزب أدركوا منذ البداية هذه المعضلة فأطلقوا على حزبهم أسم الحزب اليدموقراطي الكوردستاني وليس الكوردي على أساس أنه كل قاطني بلد "كوردستان" بمختلف إنتماءاتهم القومية والدينية هم "كوردستانيون"، فظهر مصطلح "الكورد المسيحيون" كوسيلة لمعالجة أوضاع الأقلية الكلدانية السريانية الآشورية والذي هو نفس الصيغة من "عرب مسيحيون" الذي أستخدمه البعث. ومصطلح "كورد مسيحيون" الذي يرتاح له البعض ويستخدمه يتماشى مع مصطلح "المكون المسيحيي" الذي يستوجب على أبناء شعبنا الحذر منه وتجنبه. ولكن من جانب آخر أوقع الكورد أنفسهم في معضلة لها مدلولات قومية وليس دينية فحسب. فمن المعروف بأن مصطلح "كوردستان" له دلالات قومية صرفة لأنه يعني بلد الكورد وأن بقية القوميات ومنها قوميتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" تعيش في هذا البلد ويسهل هضمها ضمن هذا المصطلح "كوردستان"، ولدعم هذه الإدعاء تقوم جهات متسلطة بسرقة تراثنا التاريخي في المنطقة وإعتباره مجرد تراث كردستاني كوسيلة من وسائل هذا الهضم. والجانب الآخر للمعضلة هو أنه مثلما رفض الكورد أن يكون العراق جزء من الأمة العربية في الدستور العراقي وهذا حق مشروع لا غبار عليه كذلك يجب أن يكون للكلدان والسريان والآشوريين حق مشروع في رفض أعتبارهم كورد من خلال مصطلح "كردستان". فكيف يقبل المنطق رفض الكورد في إعتبار العراق جزء من الأمة العربية في الوقت الذي يجعل من الكلدان السريان الآشوريين جزء من الأمة الكوردية من خلال مصطلح "كردستان". فالمنطق مفقود في رفض الشيء وقبوله في نفس الوقت، أو كما يقول المثل الإنكليزي "لا تستطيع أن تأكل كل الكعكة وتحفظه في نفس الوقت في الثلاجة". في زمن الظلم والإستبداد قال الطاغية طلعت باشا وزير داخلية الدولة العثمانية أبان الحرب الكونية الأولى وأثناء مذابح سيفو، قال: "تركيا لا تتسع إلا للأتراك" وأخشى أن يطبق الكورد هذا المثل وتصبح "كوردستان لا تتسع إلا للكورد، وهم كانوا من أكثر الشعوب المكتوية بنيران هذا المستبد.

الحزب هو أداة تعبير عن مصالح الأمة:
----------------------
هناك بعض المبادئ والأفكار الأساسية في فهم الحزب السياسي خاصة ما يتعلق بأحزاب أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" وعلاقتها بالأحزاب الأخرى، منها:
1)   - لقد سبق وأن أكدنا مراراً وتكراراً وفي كل مناسبة متعلقة بأحزابنا السياسية وبحقوقنا القومية في وطننا الأم بأن الأمة التي لا توجد فيها أحزاب سياسية نشطة سيكون مصيرها القومي ومستقبلها السياسي مرهوناً بإرادة الأمم الأخرى. فالحزب السياسي، على الأقل من الناحية النظرية، هو تكثيف لضمير الأمة ومعبر لمطامح أبنائها، أو هو "مثقف جمعي" للجماعة المعبر عنها، حسب تعبير الفيلسوف أنطوني غرامشي مؤسس الحزب الشيوعي الإيطالي. أي بهذا المعنى لا يمكن لأي حزب أن يمثل مجموعة معينة وأن يكون في نفس الوقت ممثلا ومعبراً عن مجموعة أخرى مختلف عنها في طبيعتها القومية أو الاجتماعية أو الفكرية أو مختلفة عنها في المصالح والأهداف والمطامح. وبشكل أوضح لم يستطيع الحزب البعث من تمثيل المصالح القومية لشعبنا في العراق ومن المؤكد أيضاً سوف لا يستطيع البارتي من تمثيل المصالح القومية لشعبنا في "كوردستان"، لأن كلاهما حزبين قوميين يمثلان المصالح القومية للشعبين العربي والكوردي. أن تواجد الأحزاب السياسية ضروري جداً لكل أمة أو شعب لكي تكون معبرة عن مصالحها وداعية لحمايتها، فالأحزاب الخاصة بالكلدان السريان الآشوريين هي لوحدها الحق في ان تعبر عن أبناء أمتنا وعن مصالحهم القومية ولا يحق لأي حزب آخر أن يدعي بمثل هذا الحق. أي بهذا المعنى لا يجوز للأحزاب القومية، كالبعثي القومي العربي والبارتي القومي الكوردي أن يدعيا تمثيل مصالح أبناء شعبنا القومية. أي بهذا المعنى لا تستطيع السيدة لارا بإنتماءها للبارتي تمثيل مصلحة شعبنا في ألقوش.
2)   غير أن هذا لا يمنع بأن أحزاب أخرى غير كلدانية وسريانية وآشورية من الادعاء بمثل هذا الحق التمثيلي، فهناك أحزاب وطنية أو إقليمية أو شيوعية أممية تدعي بمثل هذا التمثيل والحماية لكل أبناء الوطن أو الإقليم أو عامة الناس بدون أي تمييز عرقي أو ديني أو طبقي، فالحزب الشيوعي العراقي مثال ساطع في هذا السياق. غير أن هذا الحق يبقى ضمن إطاره العام يتعامل بالحق القومي للكلدان السريان الآشوريين كجزء من الكل بحيث لا يمكن أن يعبر تعبيراً حقيقياً عاما وكاملاً عن هذا الحق  لأنه ليس هو الجوهر الحقيقي لمبادئه أو استراتيجيته بل هو جزء منه وما على هذا الجزء إلا أن يكون متناسقا ومتوافقاً مع الكل. أو بعبارة أخرى أن يكون تابعاً للكل ويتوجب عليه عدم التناقض أو التعارض معه بل يجب أن يكون متوافقاً على المسائل الوطنية العامة التي من خلالها تتحق المصالح القومية. فالحزب الشيوعي العراقي يرى بأنه لا يمكن أن تتحقق المصالح القومية للكلدان السريان الآشوريين مالم تتحقق مصالحهم الوطنية سواء في المركز أو الإقليم. فالمعادلة الجدلية بين المسائل الوطنية والقومية تبقى قائماً. إذ من المفروض عندما تتحقق المصالح الوطنية يجب في نفس الوقت أن تتحقق المصالح القومية لمختلف القوميات لأن هذه الأخيرة ستكون جزء مهم وأساسي من المصالح الأولى، أي الوطنية. وهي الحالة التي تضمن إستقراراً شاملاً لجميع أبناء الوطن. فمن خلال دراستنا لأحزابنا السياسية وجدت بأن الربط الجدلي بين الحقوق الوطنية والقومية لدى الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) كان سبباً رئيساً في أن تكون من الحركات السياسية الوطنية والقومية في العراق وتحتل مكانة خاصة لها في العملية السياسية وتحقق بعض الإنجازات لصالح شعبنا.
3)   ولكن من المؤسف أن الأمر ليس كذلك في الواقع،  خاصة بالنسبة لأحزاب السلطة. فمن يقرأ أدبيات حزب البعث قبل إستلامه السطلة سيجد فيها مواقف فكرية إيجابية تجاه الأقليات ولكن عندما أستلم السلطة أنقلب على هذه المواقف وأصبح يعمل في الواقع بالضد منها. والبارتي أيضا له مواقف أكثر إيجابية تجاه الأقليات خاصة الكلدان السريان الآشوريين الذين شاركوا معه في الثورة الكوردية  وقدموا التضحيات الكثيرة حتى وصلوا إلى يومنا هذا وهم قاب قوسين لقيام دولتهم الكوردية. ولكن من المؤسف أن هذه المواقف الفكرية للبارتي وهو في مرحلة الإستقواء وتثبيت ركائز سلطلته ينحرف عنها ويلجأ إلى سياسات تكون أقرب إلى الإستبدادية. وموضوع تنحية السيد فائز وأحلال السيدة لارا محله والحال نفسه مع السيد باسم بلو، مثال طري في هذا السياق ناهيك عن السياسيات الأخرى في التجاوز على أراضي شعبنا وتهميش حقوقنا في أرضنا التاريخية وسلب تراثنا التاريخي. من هنا نقول وبملئ الفم بأن السيدة لارا، بغنى عن كفاءتها وشخصيتها وموقعها الإجتماعي، فإن إنتماءها البارتي يجعلها في موقف لا يمكن إطلاقا أن تكون معبرة عن مطامح شعبنا سواء في ألقوش أو في القصبات الأخرى وإن كان هذا ممكنا فأنه سيكون من خلال فكر وممارسة البارتي تجاه شعبنا وقد يكون "الكورد المسيحيون" إطاراً لهذا التعامل.

4)   إضافة إلى إنتماء الكلدان السريان الآشوريين إلى أحزاب قومية غير أحزابهم كوسيلة للهيمنة عليهم، فإن هناك أسلوب أخر غير مباشر وذات أهداف بعيدة المدى أخترعه الأحزاب القومية السلطوية في إستيعاب وهضم الأقليات في بوتقة القومية الكبيرة والمسيطرة وذلك عن طريق خلق كيانات كارتونية كلدانية وسريانية وأشورية ترفع شعارات قومية ومتطرفة أحياناً لغرض منافسة الأحزاب القومية لشعبنا، وكان طبعاً حزب البعث رائداً في هذا السياق. ففي بلدان المهجر حيث لم يكن بالأمكان أن تطال يده نحو أبناء شعبنا هناك خلق مجموعات كلدانية وآشورية كانت مطاليبها القومية خاصة الآشورية منها يصل تطرفها إلى السماء وتتجاوز مطاليب الآشوريين في الوطن كوسيلة لتصغير مطاليبهم وتقزيم أحزابهم القومية وجلب إنتباه وإهتمام الآشوريين بهذه الكيانات الكارتونية. وحتى الأحزاب المزروعة في مجتمعنا من قبل أحزاب السلطة في الوطن نرى بأنها ترفع شعارات قومية تنافس أحزابنا القومية المستقلة ولكن يبقى الأمر والنهي لسياسية وإستراتيجية خالقه. والبارتي يقلد جانب من هذه السياسة في خلق أحزاب كلدانية وآشورية وسريانية ليس لغرض الهيمنة على القرار السياسي القومي المستقل لأبناء شعبنا فحسب بل في تفتيت الإنتماء القومي عن طريق تكثير من مثل هذه الأحزاب وجعلها منافسة لأحزاب أبناء شعبنا وخلق أجواء تعجيزية في بناء خطاب قومي سياسي موحد، وبالتالي ألقاء اللوم على أحزابنا القومية بحجة عدم قدرتهم على تبني خطاب قومي موحد... (روحوا وحدوا قراركم وتعالوا نتفاوض حول حقوقكم... هذا هو كلام المسؤولين الرسميين لقادة أحزابنا القومية عند اللقاء بهم).
5)   إذن العلاقة الجدلية بين الحقوق الوطنية والحقوق القومية لأبناء شعبنا سواء في المركز أو الاقليم يجب أن ينظر إليها من خلال علاقة الخاص بالعام، او الجزء بالكل. فكما سبق وأن قلنا أن أحزابنا القومية المستقلة هي العام في هذه العلاقة الجدلية من خلال كونها تمثل ضمير الأمة. ومن جانب آخر هي الخاص في هذه العلاقة الجدلية من خلال كونها أحزاب وطنية يهمها أيضا مصلحة الوطن لأنه وفق هذه المعادلة، هذا الخاص هو جزء أساسي أيضا من العام. والعكس صحيح أيضا بالنسبة للأحزاب غير الكلدانية السريانية الآشورية، مثالنا هنا هو البارتي، الذي يمثل، او يدعي تمثيل، ضمير الأمة الكوردية ضمن أطاره العام وفي نفس الوقت ترتكز حقوق شعبنا وضمانها ضمن أطاره الخاص لأن الرابطة العضوية التي تربط بين العام والخاص عنده هو نابع أساساً من الشراكة والعلاقات التاريخية بمرارتها وحلاوتها والمصير المشترك كشعبين متأخين خاضوا نضالاً مشتركا ضد الطغاة والأنظمة الإستبدادية التي تعاقبت على السلطة في العراق. من هنا نقول ونؤكد بأن البارتي لا يمكن أن يكون العام أو الكل بالنسبة لمصالح شعبنا أو لتمثيلها في الإقليم بل هو خاص أو الجزء في فكره وإستراتيجيته الذي يجب أن يرتبط بعلاقة صميمية وجدلية مع الجزء العام لأحزابنا القومية المستقلة التي هي من تمثل ضمير أمتنا في المنطقة من هنا تنشأ إستراتيجية التحالفات الضرورية بين ماهو خاص لشعبنا عند البارتي مع ما هو عام لشعبنا عند أحزابنا المستقلة. والجانب الآخر لهذه الإستراتيجية التحالفية أيضا يقوم بين ماهو عام عند البارتي مع ما هو خاص عند أحزابنا المستقلة. فالعام عن البارتي هو حقوق الكورد وضمانها في حين العام عند أحزابنا القومية المستقلة هو حقوق الكلدان السريان الآشوريين وضمانها وما يربط بين هاذين العامين هو الجزء الخاص لكل منهما والذي هو مصدر وأساس التحالف الإستراتيجي بين الشعبين. اما تضمين الكورد للكلدان السريان الآشوريين ضمن الكوردي العام، كما هو الحال مع تعيين السيدة لارا كمدير لناحية ألقوش، للمثال لا الحصر، هو الإستبداد عينه والمعروف بأن عمر الإستبداد قصير لا محال من إنزلاقه في متاهات لا تحمد عواقبها. ونأمل من قادة الكورد وهم على أبواب الإستفتاء لبناء دولتهم الكوردية أن ينظروا إلى مصالح شعبنا الكلداني السرياني الآشوري من خلال أحزابهم القومية المستقلة بأعتبارها هي من تمثل ضمير هذا الشعب كأساس ضامن لمستقبل الشعبين في الإقليم.


117
ألقوش الصمود... بين عام سميل 1933 وعام فائز 2017
==================================
أبرم شبيرا

يخطأ من يظن بأنه من الممكن حصر تاريخ ألقوش ونضالها وصمودها في مقاومة الظلم والإستبداد والحفاظ على كيانها القومي والديني في عدد من المقالات والبحوث والكتب لا بل وحتى في المجلدات الضخمة، ليس لأن تاريخها غابر في القدم ولقرون طويلة من الماضي السحيق وصولا لحاضر اليوم بل لأن هذا النضال والصمود متجذر وبعمق في أصالة أهلها الميامين وفي ضمائرهم ووجدانهم قد يصعب على الظالمين والفاسدين والدكتاتورين والمنافقين من الأدراك والاحساس بهذه الأصالة التاريخية لألقوش البطلة. وقد يبدو من الظلم أن نحصر هذا الصمود والنضال والأصالة لزمن محدود من 1933 لغاية 2017 ولكن أخذنا هذه المحطة كمثال لمحطات نضالية طويلة وكسبيلا وإيضاحاً للمنافقين ومن يقف ورائهم ويساندهم والذين أتخذوا قرار تنحية مدير الناحية الأستاذ فائز عبد ميخا جهوري بأنهم يلعبون بالنار ويضربون رؤوسهم بالسد المنيع ليست لتاريخ ألقوش في الصمود والتحدي فحسب بل في إصرار أهاليها ومن يقف معهم من القرى والقصبات وبلدات أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري وفي بلدان المهجر  للدفاع عن الحق وعن الأستاذ فائز الذي لا تشوب خدماته الجليلة والنظيفة والطويلة لبلدته بشائبة والتي يشهد عليها القريب والبعيد. فتاريخه الشخصي والوظيفي منذ تعيينه عام 2003 ناصع البياض ويتزين بمواقف مشرفة خاصة وقوفه من بقية أبناء بلدته موقفاً شجاعاً لحراسة مداخل البلدة وحمايتها. فخلال كل هذه السنين الطويلة لخدمة الأستاذ فائز لم يجدوا شائبة في مسيرته حتى هذه الأيام لتظهر دوافع سياسية بحتة خلف قرار مجلس ناحية ألقوش ومحافظة نينوى في تنحيته خاصة فيما يتعلق بمواقفه الواضحة من الإستفتاء الكوردي ومن أبعاد بلدة ألقوش والبلدات المسيحية الأخرى من الصراع بين القوى الطامعة في هذه البلدات.

في آب من عام 1933 أثناء مذبحة سميل لجأ عدد كبير من أبناء شعبنا من أتباع كنيسة المشرق الآشورية "النسطورية" إلى ألقوش هرباً من ظلم وإستبداد بعض من قطاعات جيش النظام العراقي وعدد من أفراد العشائر الكوردية المتحالفة معها فتم محاصرتها وتهديد أهلها بالدمار الكامل مالم يتم تسليم اللاجئين إلى السلطات. غير أن هذا التهديد لم يكن إلا حافزا قوياً ومؤثرا في تعظيم نخوة وشجاعة أبناء ألقوش البطلة في الدفاع عن أخوتهم "النساطرة" فوقف الجميع دون إستثناء رجالاً ونساءا وشيوخاً وحتى أطفالا موقف الأبطال في موجهة التهديد المميت وصمدوا وتحملوا كل نتائج الحصار مؤكدين بوقفتهم هذه الأصالة التاريخية لهم في الصمود ومواجهة التحديات حتى تراجعت السلطات العراقية من حصارها بعد أن ألحوا أبناء ألقوش على  المثلث الرحمات مار عمانوئيل يوسف بطريرك الكلدان في تلك الفترة للتدخل وفك الحصار، فهذه وقفة بطولية نادرة ليس في تاريخنا القومي بل في تاريخ العراق أيضا إن لم أقل المنطقة كلها. وهي ملحمة بطولية كتب  الكثير عنها وقيل فيها قصص وروايات وكم كنت محظوضاً أن أسمع بعض من هذه القصص من جدتي الألقوشية التي كانت تتذكرها وترويها وبنوع من الجدية والحماس. وللحقيقة أقول بأنني أشعر بنوع من الفرح والسعادة، إن لم أقل الشموخ، عندما أنظر في هويتي العراقية للأحوال المدنية بأن مكان ولادتي هو ألقوش.

أفهل يدرك المنافقون وغيرهم من يهودا الأسخريوطي الذي يتعشش في بعض من أروقة النظام الفاسد في العراق وأربيل هذه الحقيقة التاريخية في البطولة والشهامة؟؟؟ لا أعتقد... لأنه لو كان لهم ذرة ضمير حي وشذرات من الرجولة والنخوة  والوطنية لكانوا من المساندين لفائز وليس من المتنحين له. أفهل هذا التاريخ في البطولة والصمود كان سبباً لمجرمي داعش في عدم الإقتراب من ألقوش... من يدري ربما قرأوا هذا التاريخ وأستفادوا من دروسه. فنقول لهؤلاء المنافقين والفاسدين والمستبدين أقرأوا تاريخ ألقوش ولعل تستفادون منه كما فعل داعش الإجرامي فتردد في غزو ألقوش.

في تموز من هذا العام 2017 يعود التاريخ في بعض من أجزاءه في البطولة والشهامة والصمود والتحدي لأبناء شعبنا، ليس في ألقوش وحدها وإنما في أمكان كثيرة ومختلفة سواء في الوطن الأم أم في المهجر رافضين القرار الظالم المستند على الفساد والإستبداد والمحسوبية في تنحية الإستاذ فائز من خدمته كمدير لناحية ألقوش.نعم يوم أمس خرج أبناء ألقوش في مظاهرة إستنكارية لهذا القرار الظالم:


ثم لحقتها شقيقتها عنكاوة العزيزة على قلوبنا فخرجوا أبناؤها البررة في مظاهرة مؤكدين وقوفهم مع أبناء ألقوش في تحديهم لقرار تنحية الأستاذ فائز:



وشباب ألقوش التي تجري في دمائهم دماء الشهيد المطران توما أودو والبطل الخالد توما توماس لعبوا أيضا دوهم في رفض هذا القرار والتضامن مع الأستاذ فائز من خلال موقعهم الألكتروني ليؤكدوا بأنه كلهم مع إستاذ فائز... وليسمحني القارئ الكريم أن أخول نفسي وأقول من لندن وفيزبادن وستوكهولم وديتروت وساندياكو وشيكاغو ولوس أنجلس وأريزونا ونصرخ كلنا وبصوت عالي ونقول ... كلنا معك يا أستاذ فائز ومع أهل ألقوش البطلة.


 
========================================================
لقد سبق وذكرت مراراً وتكراراً ... ألقوش التي أنجبت التوماين ... الشهيد البطل المطران توما أودو والمناضل الخالد توما توماس... ولعمري أن ألقوش قادرة أن تنجب ألف وألف توما... واليوم نقول نفس الشيء بأن ألقوش قادرة أن تنجب ألف وألف فائز.
   


118

 بهرا لسان حال الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا)
رحلة نضال طويلة وشاقة
==============================
أبرم شبيرا
عودة بهرا:
--------
بعد إنقطاع دام تقريباً ثلاث سنوات عادت جريدة بهرا، لسان حال الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) بالصدور مرة أخرى وبعدد رقم 653  لتستمر مسيرتها الخامسة والثلاثين لإنطلاقها في 26/06/1982. ولهذه العودة على الساحة القومية أهمية كبيرة في سياق مسيرتنا القومية السياسية خاصة فيما يتعلق بوسائل الأعلام الحزبية ومنها الجرائد والمجلات التي قل ما نراها في مجتمعتنا "الكلداني السرياني الآشوري" لأنها في حقيقة الأمر هي تعبير عن حيوية الحزب حتى وأن كان شكلها ونوعيتها بمستوى لا تضاهي مستويات العصر التقني الراهن ولكن نظرتنا إليها تأتي من خلال أستمراريتها ومواصلتها للرسالة التي تحملها والتي هي شهادة على أثبات الوجود في هذا العالم. وإنطلاقا من هذه الأهمية الإستراتيجية في عودة صدور بهرا، وبناء على طلب المشرف عليها كتبتُ هذا الموضوع ونشر في هذا العدد من بهرا، ولتعميم الفائدة من هذا الموضوع ليكون قراءنا الأعزاء مطلعين على جانب من سيرة هذه الجريدة وجدت في إعادة نشره في موقع عنكاوه الألكتروني فائدة للجميع، المؤيدين لزوعا والمعارضين لها.
 بهرا: رحلة نضال طويلة وشاقة
----------------
كل قطار ينطلق من محطة البداية ويتوقف عبر رحلته في محطات عديدة ولفترات متفاوتة طبقا لأهمية المحطة من جهة وعدد المسافرين من مغادرين وقادمين من جهة أخرى وتنتهي رحلته في المحطة الأخيرة. وقد تتهرأ بعض أجزاء القطار ويصيبها العطل مما يتطلبها التغيير أو الترميم والصيانة لكي يعاود الرحلة مرة أخرى  بشكل سليم وبأمان. أما العكس، أي عدم التغيير أو الترميم والصيانة وتوفر الأدوات الإحتياطية له فأنه لا محال سيتحول إلى قطع من الحديد ويرمى في "السكراب". وقطار المجتمع، أي صيروته التاريخية، لا يختلف كثيرا عن القطار الآلي فله أيضا محطة البداية وله توقفات في محطات عدة تختلف أهمتها من مرحلة إلى أخرى وفيها من يستقل القطار وأيضا من يغادرها إلا انه يختلف عن القطار الآلي بأنه لا تنتهي رحلته التاريخية في المحطة الأخيرة، وإن حدث ذلك بسبب الإجهاد والعطل والتكاسل والجهل فهذا يعني نهاية قطار التاريخ وإختفاءه من مسيرته التاريخية المعروفة وبالتالي فقدان هويته الخصوصية. ولكن بتوفر مستلزمات الإصلاح والتغيير وبهمة الرجال الأوفياء والصامدين والمصرين على إستمرار المسيرة التاريخية فحتماً سيعيد قطار المجتمع مسيرته وتستمر نحو المستقبل.

ومجتمعنا "الكلدو الآشوري السرياني" أستمر قطاره وصيرورته التاريخية لألاف السنين ومن مهده البيتنهريني وحتى يومنا هذا وسار عبر مراحلة تاريخية صعبة ومميتة ولكن أستمر... وأستمر رغم جراحه المثخنة والمرتوية بدماء شهداء الأمة ورغم البوس والإفقار والحرمان والمطاردة والتنكيل والتشتت وعدم الإستقرار... إلا أنه مع هذا أستمر في مسيرته ووصل إلى محطته في الألفية الحادية والعشرين وعرفَ نفسه للعالم الآخر من خلال مؤسسات وتنظيمات وأحزاب سياسية عملت بشكل أو بآخر، نجاحاً وفشلاً ولكن صمدت رغم كل المأساة والمعاناة. والحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا)، سواء أختلفنا أو أتفقنا معها، فإن هذا التباين في الرأي حولها لا يستطيع أحد أن يحجب تجربتها النضالية القاسية والمأساوية منذ تأسيسها عام 1979، فهي تمثل صورة من صور هذه الصيرورة التاريخية لأمتنا. فمن نام على الصخور العرياء الصلدة لجبال آشور وتلحف بظلمة السماء القارصة البرد وبالكاد وجد زاده اليومي من أوراق الشجر ومن لحوم الحيوانات البرية حتى وأن كانت لحوم الثعالب والدببة هو صورة من صور هذه المسيرة التاريخية لأمتنا. ولكن هذه المسيرة التي أستمرت لزمن من 38 عاماً وعابرة لكل المآسي والفواجع لا بد أن تتهرأ وتتعب بعض من أجزاءها وبالتالي لا تستطيع إكمال مسيرتها ضمن الصيرورة التاريخية للأمة أو ستتعثر في طريقها. لهذا فأن أمر ترميمها وتجديدها وصيانتها وبشكل مستمر وأيضاً عن طريق نزول بعض من عناصرها من القطار وصعود الآخرين ضمن حركة تراتبية متناسقة أمر طبيعي لإستمرار هذه المسيرة بشكل سليم وبمنجزات ملموسة. في عام 1992 كانت أكبر وأهم محطة في تاريخ الحركة فوجدها البعض فرصة سانحة لتحقيق بعض المصالح الخاصة. فمن خلال الهامش الديموقراطي الذي توفر في الإقليم  قفز بعض العناصر في قطار زوعا وأستقلوها وتربعوا على مقاعد مريحية ولكن تبين لهم من خلال طول المسيرة ومشقاتها عجزهم عن تحمل الصعاب والتحديات والإستمرار لذلك قفزوا منها في أقرب محطة "إختياري". من هنا نؤكد بأنه من الضروري جداً لضمان إستمرار المسيرة أن تتجدد الحياة فيها وبإستمرار سواء بالقفز منها في المحطات الإختيارية أو ترك العناصر المجهدة و "التعبانه" لقطار المسيرة وصعود عناصر شابة ويافعة ومفعمة بالحيوية والنشاط والتجدد حتى يصبح أمر زيادة سرعة المسيرة بثبات أكثر وبإنجازات أكبر. أما العكس، إي بقاء العناصر المتهرأ و "التعبانة" متكرسة على مقاعد القطار ومحاولة حجزها كلها لهم ولأمد غير محدد وعدم إفساح المجال لغيرهم لتنشيط المسيرة وإفعامها بالحيوية والقوة فهو أمر خطير وغير مضمون في إستمرار مسيرة القطار والوصول إلى محطات متعددة ومختلفة.

 

محطة من المحطات النضالية لزوعا حيث كانت بهرا تنقل على ظهر الحمير والبغال وتوزع على المنضالين المقاتلين في جبال آشور
=======================================================
واليوم نرى بأن بهرا التي هي جزء من هذا القطار، أعتلتها وقادتها عناصر شابة مفعمة بالحيوية والنشاط والتجدد قادرة على حملها ووضعها على مسار مسيرتها المعروفة وقيادتها نحو أماد أبعد.. هي نفس المسيرة التي تطعمت بها أمها (زوعا) بالتجارب القاسية وتحمل الصعاب ومواجهة التحديات المميتة... نعم تلك المواجهات التي تحدت حتى ظلم وإستبداد أزلام نظام البعث المقبور. ففي قيض تموز من عام 1984 أنقض مجرموا نظام البعث المقبور على الشهيد البطل يوبرت بنيامين في منطقة حي الآثوريين في الدورة ببغداد وألقوا القبض عليه بوشاية من يهودا الإسخريوطي.. ألقي القبض عليه لا لأنه كان يحمل كلاشينكوف ولا بازوكا أو أر بي جي ... لا ... لا.. فقد كان يحمل في جعبته نسخة من جريدة بهرا جلبها معه من كركوك لكي يسلمها لرفاقه حتى يطلعوا عليها. ألقي القبض على الشهيد لأنهم يخافون جداً من سلاح أقوى وأكثر فاعلية من هذه الأسلحة وهو سلاح بهرا ... سلاح الكلمة الحرة والمستقلة والرافضة للظلم والإستبداد، سلاح الوعي القومي النابض الذي لا يمكن لأعتى دكتاتور ومستبد أن يضعه خلف القضبان أو يعلقه على المشانق. وفي نفس العام، عندما أعتقل أزلام نظام البعث المقبور مجموعة من مناضلي زوعا كانت بهرا بطلتهم الصنديد فزاملتهم في الزنزانة لتواجه التحديات المميتة وتقاومها. كان رجل الأمن  المستبد أثناء إستجوابهم يلوح بيده نسخة من بهرا وينهق نهيقاً في وجه المناضلين المسجونين سائلا عن الأسماء الذين أستلموا بهرا وقرأوها. طبعاً لغرض إستدعاءهم وزوجهم في السجن لأنهم أستلموا بهرا وقرأوها ولم يقوموا "بواجبهم الوطني" حسب قاموس البعث، في كتابة تقارير الوشاية للأمن عن الجريدة وأصحابها. غير أن صمود المناضلين المتسلحين برسالة بهرا واجهوا إستبداد رجل الأمن بالتحدي الصامت والرفض مستمدين قوتهم وصمودهم من رسالة بهرا. فبصمودهم هذا وعدم ذكر أسمي كأحد قراء جريدة بهرا الأوائل منذ عددها الأول وحتى آخرها حرموني من شرف زمالتهم في زنزانتهم. أليس من أبسط واجباتنا أن نثمن ونقدر دائماً وأبداً مثل هذه المواقف البطولية؟؟   فإنطلاقاً من هذا الواجب البسيط كنت أنا وبضعة أصدقاء شجعان من أوائل من زارهم في سجن أبو غريب في أول زيارة مسموحة لنشد على أيديهم ونعزز من أزرهم وصمودهم، وللأمانة التاريخية أذكر هؤلاء الأصدقاء الشجعان وهم كل من المرحوم أشعيا يونان ونوئيل داود توما وشاؤول شاهين الذي كان شقيقه وأبن عمه من بين المناضلين المعتقلين وطبعاً بعض من أفراد عوائلهم.
نعم... اليوم تعود بهرا مرة أخرى حاملة رسالتها الأولى ومن المؤكد أن قادتها مدركين لكل التحديات الجديدة التي يتطلبها الكثير من المواجهات والتضحيات لكي تستمر في مسيرتها. ونحن بحسب معرفتنا الشخصية بهم لنا أمل بأستمرارها بحيوية أكثر ونشاط أكبر حتى تنطلق من جديد على مسارها القومي المستقل ونحو آماد أبعد ليلتقطها الأجيال الجديدة والقادمة.
 
 

119
في ضوء إنعقاد مؤتمر بروكسل
------------------

إلى متى نظل نحن "الكلدان السريان الآشوريون" ننفخ في قربة مخرومة؟
==============================================
أبرم شبيرا

عنوان هذا الموضوع ليس إلا تذكيرا بما كتبناه سابقا وأكثر من مرة في هذا السياق من أن كل الجهود الفعلية والكلامية والتصريحات والصرخات والبيانات والإستنكارات والإجتماعات... كلها جهود مهدورة وضائعة في غابات ومتاهات الطائفية والحقد والكراهية التي تتحكم وبقوة في جميع مناحي الحياة السياسية والإجتماعية والفكرية لوطننا التاريخي (بيت نهرين) ويصبح شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" خارج سياق الوطن مهمشاً على أبواب الطرد النهائي من أرض الأباء والإجداد محققين بذلك أهداف داعش الإجرامية.

 بمجرد نظرة بسيطة للعقود الأخيرة من تاريخنا وحتى يومنا هذا على الإنتهاكات الظالمة بحق شعبنا  سواء من قبل النظام الطائفي القائم أو القوى المتحكمة في مقدرات البلاد نرى بأن كل الجهود المبذولة من قبل رؤساء كنائسنا وزوعماء أحزابنا وعلى مختلف الأصعدة والمستويات الكنسية والسياسية والقومية  للتعامل مع هذه الإنتهاكات ما هي إلا كالنفخ في قربة مخرومة لا تملك قدرة ولا مقومات القوة والتأثير للخروج من نطاقها المحدد والوصول إلى آذان المتحكمين في مقدرات الوطن، فيما إذا كان لهم فعلاً آذان قابلة لسماع صراخ المظلومين من أبناء شعبنا. أين وصلت صراخ رجال الكنيسة وزعماء أحزابنا وتنظيماتنا القومية وكتابنا ومثقفينا من مظالم بطاقة الهوية اللاوطنية ومسألة منع بيع الخمور وفتاوى قرون الوسطى الهمجية  والتجاوزات على أراضينا التاريخية؟؟؟ أفهل هناك ألتفاته إيجابية من النظام القائم في بغداد وأربيل  تجاه ما يطلبه أبناء شعبنا بكل مؤسساته الكنسية والقومية من أبسط حقوقهم التاريخية في الوطن؟ أفهل هناك في كل العالم يستطيع أن يجزم بأن النظام العراقي ديموقراطي ويحترم حقوق الإقليات الدينية والقومية إحتراماً فعليا لا كلامياً إعلاميا. أليست هذه كلها حروب دونكيشوتية ضد طواحين الهواء الشيطانية، كما سبق وذكرنا ذلك بالتفصيل في موضوع سابق. عندما نطلب حقنا الشرعي في الوطن ونستمر في الصراخ لتحقيقه ولا يسمعها أو لا يأبى لسماعها من يملكون مفاتيح الحل، فهو أهانة وقلة الإحترام لرؤساءنا وزوعماءنا لا بل لشعبنا أجمع... فإلى متى نتحمل هذه الإهانة والإزدراء بالشعب الأصيل لبلاد ما بين النهرين؟

ترى ألا يدرك رؤساء كنائسنا وزوعماء أحزابنا بأن النفخ في قربتهم المخرومة ليس لها صدى لدى الآخرين؟؟؟ إلا يعلم  رؤساء كنائسنا وزعماء أحزابنا بان النظام العراقي والفكر السائد في أخاديده والممارسات السياسية كلها تدور في فلك الطائفية والحقد والكراهية وتكفير الآخر المخلتف. صحيح هو أنه بين فترة وأخرى يخرج عنصر من عناصر النظام الطائفي أو مفكر معمم ويحاول تجميل وترتيش تصريح أو كلام أو "زلة لسان" أو "سوء إستخدام مقطع من حديث شريف" لمعمم آخر تجاه تكفير المسيحيين في العراق ولكن في الواقع الفعلي ما هو إلا كلام في كلام ولا يعكس ما هو في الواقع الفعلي في إنهاء الوجود المسيحي في العراق. في الأيام القليلة الماضية تجادلنا وأختلفنا وتحفظنا على مسألة أجراء الإستفاء العام في إقليم "كردستان" وتساءلنا عن مصيرنا القومي عند قيام الدولة الكوردية، ونحن نعلم كل العلم وفق السياقات التاريخية وتجاربها بأن نتيجة الإستفتاء مضمونة للحاكم، كما سبق وفصلنا عن هذا الموضوع في مناسبة سابقة. واليوم نفس الحال نتجادل ونختلف ونتحفظ على مؤتمر بروكسل ولكن بإعتقادي وبأعتقاد الكثير من الأصدقاء المطلعين بأننا سنخرج  إلى الواقع الفعلي " بدون حمص". فهناك كثير الكثير من التساؤلات عن هذا المؤتمر ومدى إلزامية بيانه أو قراراته الأخيرة وحتى وإن كانت من جهات دولية لها شأناً في تقرير مصير الكثير من المسائل في المنطقة ولكن الحقيقة تبقى نفسها هي الخروج من المولد بدون حمص طالما النفخ مستمر في نفس القربة المخرومة. فحتى البيان النهائي لمؤتمر بروكسل فأنه لا يتعدى عن الكلام المعسول الذي ظل نسمعه طيلة قرن من الزمن.  فكل السياقات التاريخية وتجاربها تؤكد بأننا كنًا دائماً الخاسرين من نتائج مثل هذه المؤتمرات الدولية لا بل مخدوعين بكلمات منمقة غير قادرة على عبور فضاء الكلام إلى محيط الواقع وبالتالي ليس الخروج من المولد بدون حمص فقط بل تراكم المأساة والفواجع على شعبنا أكثر فأكثر وتعاظم الصراعات الداخلية والتخوينات والشتائم بين من شارك في المؤتمر ومن لم يشارك  أو بين من أيده ومن عارضه. الموضوع ليس في مدى جمالية ونمنمية قرارات مؤتمر بروكسل أو غيره بل في مدى إمكانية تطبيقها في حدها الأدنى، وكنائسنا وأحزابنا وتنظيماتنا متخاصة ومختلفة على الصغيرة والكبيرة، فكيف سيكون الحال يوم غد عندما تقر كل الأطراف العربية الشيعية السنية والكوردية والأوربية والأمريكية والروسية بحقنا في سهل نينوى وتعمل بشكل جاد لمساعدتنا في تطبيقه ونحن متخاصمون غير متوحدين أو متفقين على الحد الأدنى. من هنا يجب أن يفهم بأن المسألة لا تخص رفض وإدانة مثل هذا المؤتمر أو تأييده بل الأمر يتركز بالأساس على ما سيترتب على نتائجه من تزايد خصومات وصراعات داخلية بين أبناء أمتنا وزعماءنا الكنسيين والقوميين.

عندما نذهب للحرب ونخوض معركة بدون سلاح فعال فمن المؤكد بأنها ستكون معركة خاسرة لا بل ستزيد من نتائجها المأساوية على مأساتنا التاريخية والمعاصرة خاصة عندما يكون الطرف الآخر من المعركة ذو شأن قوي ويملك أسلحة فتاكة ومختلفة الأصناف من فكرية وسياسية وعسكرية وإقتصادية ونحن نفتقر إفقاراً مدقعاً لكل هذه الأسلحة. فالدبلوماسية والمفاوضات والمؤتمرات كلها الوجه الآخر للحرب ويتطلبها أصناف مختلفة من الأسلحة الفكرية والسياسية والإقتصادية. كيف نصف الذي يدخل معركة... معركة مصيرية... وبدون سلاح غير أن نصفه بالجاهل ... والجاهل هو من لا يتعلم من التجارب ولا يتخبر من التاريخ، أي هو من يتعثر بالحجر مرتين، ولكن نحن نتعثر بالحجر عشرات المرات ولا نتعلم شيئاً من هذه العثرات. في عام 1917 أجتمع في أورمي قادة الآشوريين الكنسيين والعلمانيين مع رجل المخابرات الأول في منطقة الشرق الأوسط البريطاني الكابتن د. ن. غريسي إلى جانب ممثلين من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة لغرض مساعدة الآشوريين وإنقاذهم من المأساة والتشرد والضياع. ويقال بأن الكابتن غريسي وعد الآشوريين بكيان مستقل لهم ولكن أنكره فيما بعد. أجتمع الآشوريون مع هؤلاء وهم جياع ومشردين لا حول لهم ولا قوة يقابلهم ممثلي أكبر دول العالم في تلك الفترة مدججين بكل الأسلحة السياسية والفكرية والعسكرية والإقتصادية خاصة ونحن نعرف مهمة الرجل المخابراتي كالكابتن غريسي وطبيعة عمله في المناورة والتملق والخداع والحيل والكذب من أجل تحقيق مصلحة بلاده لذلك فإن كل الوعود، الشفهية طبعاً، التي قطعها للأشورين كانت خداع ووهم وكذب وكانت نتيجتها تعاظم مأساة الآشوريين وتشردهم. وما كان التشرد في مخيم بعقوبة للاجئين ومذبحة سميل عام 1933 والإنشقاقات التي حدثت بين قادة الآشوريين وأتباعهم إلا نتائج هذه المعارك الخاسرة. والحال لم يكن يختلف بالنسبة للوعود الصادرة من رجال الكنيسة الإنكليكانية في بريطانيا للآشوريين في مساعدتهم وتخليصهم من معاناتهم إلا من حيث الأسلوب القائم على "التعاطف" مع الوضع المأساوي للآشوريين وخاصة على كنيستهم المشرقية ليس حباً بهم وإهتمامهم بأقدم كنيسة في العالم ولا إيماناً بالمسيح بل تشجيعاً لهم للوقوف بوجة المبشرين اللاتين وعدم الإرتماء في أحضان المجموعة الكاثوليكية أو الحيولة دون الميل إلى الأرثوذكسية الروسية وإلى روسيا بالذات. وفي عام 1919-1920 هرع الآشوريون من كل صوب ودرب، من العراق وتركيا والولايات المتحدة إلى مؤتمر فرساي في فرنسا وكل وفد يحمل في جعبته مطاليبه الخاصة وأرادوا مقابلة "بهلوانات" العالم المنتصرون في الحرب والإجتماع بهم والمطالبة بحقوقهم القومية وجيوبهم وعقولهم فارغة لا  قيمة لها في سوق المصالح القومية للدول المنتصرة. لهذا لم يسمح لهم حتى الإقتراب من عتبة قصر فرساي فرجعوا خائبون يلعنون أبو أبو الإستعمار البريطاني والفرنسي ويلقون كل اللوم عليهم من دون أن يبحثوا عن سبب واحد حتى يلقوا اللوم على أنفسهم.

فلو حاولنا المقارنة وليس التشبيه، اؤكد ليس التشبيه، بين وضع شعبنا في تلك الفترة مع وضع اليهود، نرى بأن اليهود في تلك الفترة أستطاعوا وضع حجر الأساس لبناء دولتهم والتخلص من المعاناة التاريخية وتمثل هذا الحجر في وعد بلفور لعام 1917 الذي منحه وزير خارجية بريطانيا مستر آرثر جيمس بلفور. هنا هو التساؤل: لماذا منح الإنكليز مثل هذا الوعد لليهود، وعد مكتوب وموثق وملزم رسميا من قبل الحكومة البريطانية، ولم يمنحوه للآشوريين في نفس تلك الفترة؟؟؟ الجواب بسيط جداً ومعلوم: اليهود كانوا ولا يزال يملكون أقوى أسلحة في العالم: الإقتصاد أو المال و الفكر أو العلم، أما نحن فجيوبنا وعقولنا فارغة تماماً ولا يهتم أحد بالجهلاء والفقراء في دنيا المصالح. ولكي ننظر إلى طرفي معادلة المال والعلم في موضوع منح وعد بلفور لليهود نذكر:
 الأول: كان حاييم وايزمان (1877 – 1952) اليهودي والروسي المولد والبريطاني الجنسية، عالماً فيزياويا مشهوريا تمكن من إكتشاف طريقة تجارية لإنتاج مادة الأسيتون وهي المادة الأساسية التي تستخدم في المتفجرات وصنع الأسلحة وكان رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية ثم بعد قيام دولة إسرائيل أصبح أول رئيس لها. أستطاع وايزمان أن يستغل إكتشافه العلمي ويساوم الحكومة البريطانية فحصل منها على وعد بلفور مقابل إعطاء بريطانيا سر الإكتشاف.
الثاني: وعد بلفور قدم إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد (1868 – 1937) والمعروف عن عائلة روتشيلد اليهودية بأنها من أغنياء العالم ويقال بأنها تملك نصف ثروة العالم وتعتبر وبحق أمبراطورية الإعلام فتمتلك وسائل إعلامية هائلة ومؤثرة جداً حتى يومنا هذا ويكفي أن نشير إلى سي أن أن  CNN) ) والكثير من الأقمار الصناعية وسيطرة كاملة على عالم السينما في هوليوود، فهيهات لمن ينكر أو يستخف بالمذبحة اليهودية (الهولوكوست) فالويل له وأين المفر من سطوة اليهود فمصيره سيكون كمصير الممثل مارلون براندو.  فمثل هذه القوة الإقتصادية الجبارة كان يرتعب منها أكبر الدول في العالم وتستجيب لمطاليب أصحابها. أعيد وأكرر بأن هذه هي مقارنة بين النجاح الباهر والفشل المفجع فشتان التشبيه بين الحالتين اليهودية والآشورية.

واليوم تتكرر الصورة في الهرولة نحو مؤتمر بروكسل أو الأمتناع عن حضوره ونحن سائرين على نفس الطريق التاريخي المليء بالأحجار والعثرات ومن دون أن نتعلم كيفية إجتيازها، فبالأصل نحن لا نملك أية وسيلة فاعلة تمكننا من إجتياز هذه الأحجار والعثرات وجيوبنا فارغة وعقولنا مكبوسة في جماجمنا لا تثير مطامع الأطراف الأخرى التي تدعي إهتمامها بوضعنا المأساوي. فالتاريخ يخبرنا بأن كل دول العالم لا تورط نفسها في مسائل لا تخدم مصالحها القومية الخاصة، فالقيم الأخلاقية والإيمانية والإنسانية التي يدعي بها بعض السياسيين الغربيين ويحاولون إستخدامها للتعامل مع قضيتنا المأساوية لا مكان لها في سوق العلاقات الدولية. كل هذه الأمور والتجارب التاريخية تجعلنا أن ننظر إلى مؤتمر بروكسل كأنه مؤتمر عام 1917 وأن نجد بعد قرن من الزمن في المستر لارسن أداكسن عضو البرلمان الأوروبي وعراب المؤتمر صورة الكابتن غريسي. ماذا كانت نتائج مؤتمر عام 1917 غير التناطح والإتهامات والتخوين بعد إنتهاء المؤتمر وما أعقبه من مأساة بعقوبة وسميل. ماذا نتوقع من مؤتمر بروكسل عندما يعلن نتائجه غير نفس نتائج عام 1917 من التناطح والإتهامات والتخوينات بين أطراف وتنظيمات وشخصيات أبناء أمتنا. فإذا سايرنا القائلين بأن أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة والأنانية وتعتمد على الخداع والمكر والبهلوة وقد يكون هذا سبباً لإنشطار "الزعماء" العلمانيين وتشقق مظلة "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية إلآشورية" بين مؤيد لحضور مؤتمر بروكسل ومعارض له، ولكن التساؤل المحير هو كيف الحال مع كنائسنا التي يجب أن تكون واحدة كما هو ربنا يسوع المسيح، له المجد، واحد، ولكن الواقع يقول بأن هذا "الواحد" أنشطر إلى شطرين، شطر حضر المؤتمر والآخر غاب عنه. تصورا كيف سيكون حالنا عندما تأتي لحظة تطبيق قرارات مؤتمر بروكسل؟؟ الله يستر!!

يا إلهي... لماذا كل هذا التشاؤم؟؟؟ ولماذا هذا التشبيه بين عامي 1917 و 2017 وبينهم قرن من الزمن؟ الجواب ليس من عندي بل من التاريخ الذي يقول بأنه في عام 1917 أجتمع قادتنا مع "بهلوانات" العالم وهم مشريدين وغارقين في مأساة وفواجع وجيوبهم وعقولهم فارغة وليس لديهم شيئاً للمقايضة. واليوم نفس الأمر والحال يتكرر نجتمع مع "بهلوانات" العالم وشعبنا مشرد وغارق في مأساة وفواجع وجيوبنا وعقولنا فارغة ولا نملك شيئاً للمقايضة في سوق المصالح الدولية. وحتى نكون منصفين بحق شعبنا نقول بأنه إذا كانت جيوبنا فارغة لأنه ليس فينا فرد من أفراد عائلة روتشيلد، أليس إجحافاً بحق شعبنا أن نقول بأن عقولهم فارغة ونحن نعلم بأنه لدينا شخصيات فذة ومثقفة ونحمد الله ونشكره على كثرة مفكريه ومبدعيه وحاملي الشهادات العليا سواء من الأكليريين أو العلمانيين؟ نعم هذا صحيح ولكن الجهل والتخلف الذي نعنيه هنا هو التخلف في الوعي القومي الصحيح الجامع والمعبر بشكل عام عن المصلحة العامة للأمة. في معظم المجتمعات ودول العالم المتحضرة والمتسلحة بالوعي الجمعي الضامن للمصلحة العامة عندما تتعرض لتهديدات خطرة وتحديات مميتة تنسى إختلافاتها وتناقضاتها وحتى نزاعاتها وصراعاتها وتلجاً لتحتمي تحت مظلة المصلحة القومية لتكون القاعدة المركزية، أو القيادة العامة، لشن حروبها ضد هذه التهديات وبسلاح قوي وفعال يتمثل في تضامن الأكتاف وتماسك الأيدي وتلاحم الأفكار وتوحد الجهود من أجل حماية المصلحة القومية، إلا نحن "الكلدان السريان الآشوريون". فعلى الرغم من معرفتنا بمدى خطورة التهديدات المصيرية التي تواجهها أمتنا فإننا باقون وصامدون على إختلافاتنا ونزاعاتنا التي تفتك بالمصلحة القومية وحتى الدينية لأمتنا في العراق.

إذن نقولها وبملئ الفم بأنه بدون الوحدة أو الإتحاد وليس الإندماج بين تنظيماتنا القومية والكنسية... الوحدة بحدودها الدنيا على أسس المصلحة القومية والكنسية العامة... أي بعبارة أخرى، بدون وحدة الخطاب القومي والكنسي القابل لنقله وتوصيله إلى الطرف الآخر بوسائل فعال ومتاحة لا يمكن لأعظم مؤتمرات الدنيا ولا لأكبر دولة في العالم أن تضمن لأمتنا الإستقرار والأمن والرخاء في أرض الأباء والأجداء طالما مثل هذا الإستقرار والأمن والرخاء مفقود في أنفسنا

ما أجمل وما أروع هذه الكلمات العسلية من إتحاد وتضامن ووحدة الخطاب القومي والمصلحة العامة والتفاهم بين كنائسنا ومؤسساتنا القومية التي نتغنى بها ليل نهار والتي تشكل بيت القصيدة في أفكارنا السياسية الطوباوية... نعم طوباوية لأنها كلمات غير قادرة على الخروج من خيالنا وفكرنا إلى الواقع العملي ليس لأننا لا نؤمن بها بل لأننا جهلاء بكل معنى الكلمة في إيجاد الطرق أو الوسائل الممكنة للوصول إليها وتحقيقها على أرض الواقع، جهلاء لأننا لا نعرف بأن تحقيق هذه المفاهيم الجميلة لا تتم إلا بتنازل كل طرف  بشيء من مصلحتة الخاصة لصالح المصلحة العامة حتى تتحقق. في السابق أقترحنا تشكيل المجلس الأعلى لبطاركة كنيسة المشرق في العراق كأعلى هيئة تمثيلية للمسيحيين وعلى الجانب الآخر أقترحنا تشكيل المجلس القومي الأعلى للكلدان السريان الآشوريين من خلال تنازل ولو بشيء بسيط كل طرف من أطراف المسألة ومنها إستقالة "ممثلي" أمتنا في البرلمانين ومن مجلس الوزراء حتى لا نكون جزء من النظام الفاسد وحتى يصدقنا الآخرون بأننا فعلاً شعب مظلوم وحقوقة مجحفة حينذاك تكون مسألة طلب الحماية الدولية أو تطبيق بنود مؤتمر بروكسل مسألة منطقية وواقعية ونكون حينذاك قد أمتلكنا سلاحاً نستطيع دخول الحرب بها... ترىُ أليس من حق القارئ اللبيب أن يقول من خلال قراءة هذا المقترح بأنني فعلآ أحلم حلماً وردياً؟   

للحق أقول كلما أتطرق إلى هذا الموضوع، أي أهمية الوحدة والتفاهم كسبيل لخلاصنا من وضعنا المأساوي يقفز إلى رأسي قول المثلث الرحمات بطريرك الكلدان الأسبق مار روفائيل بيداود "قديس الأمة والكنيسة" عندما قال:
(ليتن خلاص إلا بخوياثا... لا خلاص لنا إلا بالوحدة)

120
في ضوء قرار الإستفتاء حول إقليم كوردستان:
===========================

.
الدولة الكوردية ... حقيقة أم يوتوبيا
---------------------
أبرم شبيرا
الإستفتاء الكوردستاني:
==============

قررت رئاسة حكومة إقليم كوردستان – العراق إجراء إستفتاء بتاريخ 25/أيلول/2017 لتقرير مصير إقليم كوردستان سواء بإعلان الإقليم دولة كوردية مستقلة أو البقاء ضمن الدولة العراقية، وفي ضوء هذا القرار، وقبل أن ندخل في تفاصيل موضوع "الدولة الكوردية... حقيقة أم يوتوبيا)، نود أن نبين مايلي:
1.   بينت التجارب التاريخية لدول منطقة الشرق الأوسط ومنها العراق بأن جميع الإستفتاءات أتت نتائجها لصالح السلطة والجهة التي طالبت بالإستفتاء. ومن المؤكد بأن الإستفتاء المزمع إجراءه في الإقليم سيكون ضمن نفس النتيجة، أي لصالح السلطة.
2.   الإستفتاء سيكون كغيره من الإستفتاءات مذيلاً بنعم أو لا، أي بهذا المعنى التصويت سيكون إما تأييد إستقلال الإقليم وقيام الدولة الكوردية أم لا، أي ببقاء الإقليم ضمن دولة العراق. ولكن هذا الخيار سيكون محكوماً بالفقرة (1) أعلاه، أي سيكون الجواب وبشكل مطلق أو بالأغلبية بـ (نعم) مستجيباً لمطمح السلطة في إستقلالية الإقليم.
3.   أحتجت بعض الأحزاب على قرار الإستفتاء وغيرها رفضت المشاركة فيها أو بينت تحفظاتها، ومنها بعض من أحزابنا الكلدانية السريانية الآشورية ولكن، رغم إحترامنا للأراء الحرة في هذا السياق، فأنه في كل الأحوال الأمر سيان فلا يزيد أو ينقص من نتيجة القرار شيئاً، لأن رفض المشاركة سيحرمون من خيار (لا) في حين مشاركتهم في الإستفتاء كان سيتاح لهم خيار (لا).
4.   بقدر تعلق الأمر بأحزابنا الكلدانية السريانية الآشورية التي رفضت البعض المشاركة في الإستفتاء أو بينت بعض التحفظات مذيلة بأسباب الإنتهاكات التي تتعرض لها حقوق شعبنا وبالتهميش الذي يعانيه شعبنا في الإقليم فأن الأمر سيان ولا تأثير له على عملية سير الإستفتاء ونتيجتها، رغم أحترامنا الكبير لأرائهم، لأن النتيجة ستكون بالحتم محكومة بالفقرة (1) أعلاه. لا بل يجب أن ينظر للموضوع بنظرة براغماتية تسمو على الرفض والتحفظ لأن في حالة تشكيل دولة كوردية فإنها ستكون عضو في المجتمع الدولي وفي منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان والأقليات أي أن إلتزاماتها القانونية والسياسية والأخلاقية ستكون أكثر إلزامية تجاه حماية حقوق الإقليات ومنها شعبنا في "الدولة الكوردية".   

على العموم، وبينما أنا ضالع متعمقاً في دراسة هذا الموضوع وما يتعلق به من أحقية الشعوب في تقرير مصيرها وتكوين الدول الخاصة بهم ومنهم الشعب الكوردي، وجدت في أرشيفي القديم موضوع كتبته قبل سنوات عديدة عن الدولة الكوردية ومدى إمكانية قيامها متناول الموضوع من الجانب التاريخي وإمتداداته للحاضر والمستقبل. ولتعميم الفائدة وجدت قرار الإستفتاء مناسبة لكي أستل منه الكثير لهذا الموضوع.   

الكورد قومية كبيرة ولكن بدون دولة كوردية:
========================

يعتبر الكورد في هذا اليوم، والذين يقدر نفوسهم بين ( 20-25 ) مليون نسمة، من القوميات الكبيرة  في العالم التي ليس لها كيان سياسي متميز، أو دولة خاصة بهم  رغم كون "كوردستان" ، والذي  يعني بلد الكورد، يمتد جغرافياً إلى مناطق واسعة تشمل أراضي من العراق وإيران وتركيا وأذربيجان وحتى سوريا، ولكن هو بلد بدون حدود  معينة ومثبتة على الخريطة السياسية للعالم، ولا يدل على انه وطن يتطابق مع شعب ومع دولة كوردية موحدة وإنما هو عدة مناطق منقسمة بين عدة دول إسلامية متجاورة أو متصلة ببعضها. ومما لا شك فيه هناك جملة عوامل سياسية وإقليمية ودولية لعبت دوراً مهماً في إفقار الكورد من وحدة قومية أو من كيان سياسي قومي خاص بهم. وقد تنطبق هذه العوامل أيضا على بعض القوميات الأخرى التي مزقتها الحدود السياسية للدول، كالآشوريين مثلا، إلا أن ما يميز الكرد عنهم هو تفاعل هذه العوامل مع عوامل داخلية اجتماعية مرتبطة بطبيعة الكورد أنفسهم التي ساهمت مساهمة فاعلة في هذا الإفقار. وعلى العموم يمكن حصر هذه العوامل في: أولاً : علاقة الكرد بالدين الإسلامي، وثانياً: التركيبة الاجتماعية للكورد.
 
عوامل إفقار الكورد من الدولة القومية:
======================

الأول: علاقة الكورد بالدين الإسلامي:
----------------------
 يجمع معظم المؤرخين على أن الكورد لم يكن معروفين للعالم كقوم لهم خصائص قومية متميزة إلا بعد اعتناقهم الإسلام ولم تبدأ بوادر هويتهم الكردية بشكل واضح إلا بعد الفتوحات الإسلامية. فمنذ دخولهم الإسلام في العام العشرين للهجرة وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب شمل حالهم كحال بقية الشعوب الآرية حيث لم يؤسس العرب الفاتحون لبلدان هذه الشعوب مستوطنات سكانية، ربما بسبب اختلاف الطبيعة الجغرافية، بل تركوهم لحالهم محافظين على تقاليدهم وعاداتهم وخصائصهم المتميزة، لكن مع هذا،  برزوا كمحاربين أشداء ومقاتلين في سبيل دينهم. وصلاح الدين الأيوبي، معروف بالأمثال المضروبة به في شجاعته وبسالته في خدمة الإسلام، فهو الذي كان على رأس أقوى دولة إسلامية في زمانه إلا أنه لم يفكر أو يسعى إلى تأسيس كيان خاص لأبناء شعبه الكوردي فحياته كلها كانت مكرسة في بناء الدولة الإسلامية ومحاربة أعدائها.   

والتاريخ أيضاً يزودنا بدلائل كثيرة على إخلاص الكورد للدين الإسلامي والجهاد في سبيله إذ لم يسجل أية ردة دينية قامت بينهم أو انحراف أو اجتهاد فكري بعيد عن روح الإسلام، وحتى المدارس أو الفرق الدينية التي ظهرت بينهم في فترات معينة فهي الأخرى لم تكن في تناقض أو تعارض مع الاجتهادات العامة للدين الإسلامي، كما أنهم لم يقوموا بثورة أو بتمرد واسع النطاق ضد سلطات الدول الإسلامية التي عاشوا في كنفها مطالبين بحقوق قومية أو داعين إلى تأسيس دولة كوردية أو إلى تثبيت مكانة سياسية خاصة بهم في ديوان الحاكم أو الخليفة أو اقتناء امتيازات خاصة بهم، كما كان الحال مع الفرس والقبائل التركو-المغولية والشراكسة والمماليك، بل كانوا وعلى الدوام، رغم اختلاف انتماؤهم القومي عن الحكام أو عن الأكثرية المسيطرة، كانوا مواطنين من الدرجة الأولى باعتبارهم جزء من أبناء الأمة الإسلامية ودولتها التي لم تكن تفرق بين العربي والأعجمي إلا بالتقوى. وحتى في العصور الحديثة، خاصة بعد تأسيس كيان العراق السياسي وتأسيس جيشه في عام 1921 برز فيه العديد من القادة الذين كان لهم شأناً كبيراً ومؤثرا في الحياة السياسية والعسكرية العراقية إلا أنهم لم يفكروا أو يسعوا إلى بناء كيان كوردي خاص بهم.

ثانيا: التركيبة الإجتماعية للكورد:
-------------------

أما بالنسبة للعامل الثاني، والمتعلق بالتركيبة الاجتماعية للمجتمع الكوردي، فأن الطبيعة الجغرافية القاسية وعزلة المنطقة وصعوبة الاتصال بينها وبين العالم الخارجي من جهة وبين الأقسام المكونة لـ "كوردستان" من جهة أخرى ساهمت في خلق نظام اجتماعي متميز وصلد شكلت العشيرة البنية الأساسية له والتي تمتعت بنوع من الاستقلال الذاتي تجاه السلطة المركزية. فالكورد وعبر التاريخ لم يشكلوا أمة موحدة لها كيانها الخاص بها، بل كانوا مجموعة من العشائر تفتقر إلى التماسك والتضامن فيما بينهم، فكانوا يعيشون في جبالهم المعزولة ويبدون طاعة شديدة إلى شيخ العشيرة ويخضعون إلى أي نوع من الحكومة طالما كانت سلطتها إسلامية وتدعو إلى تطبيق الشريعة والسنة. وقد يبدو أن مثل هذه الظاهرة قد تكون سائدة في بعض شعوب المناطق المجاورة أيضا، إلا أن قوة وصلابة النظام العشائري في الكورد واستقلالية وحداته الاجتماعية جعلتهم في حالة مختلفة، خاصة عندما كانت الحكومات المركزية، وتحديداً الدولة العثمانية، تستغل وضعهم الاجتماعي وتزيد من ترسيخ استقلالية وحداتهم الاجتماعية، أي العشائر، وعزل بعضها عن البعض وقطع الصلة بينهم سواء من خلال سياسة "فرق تسد" أو عن طريق تأليب بعضهم على البعض، أو استغلال بعض العشائر ضد البعض الآخر في حالة قيام تمرد أو ثورة أو محاولة الخروج عن هيمنة السلطة أو تجاوز حدود النظام الاجتماعي السائد ومن ثم إخضاع الجميع في نهاية المطاف وحصرهم في قوالبهم الأصلية وحدودهم الإجتماعية. ومما ساعد على استمرار هذا النمط من التركيبة الاجتماعية للنظام الكوردي هو تداخله وتفاعله مع عامل الدين ومن خلال رأس أو زعامة هذه التركيبة المتمثلة في شيخ العشيرة. فكلمة الشيخ عند الكرد لا تعني  زعيم عشيرة فحسب، كما هو معروف عند العرب، بل يقصد بها ذلك الشخص الديني التقي والورع الذي أوقف نفسه لخدمة الله والدين، سواء أكان منحدر فعلاً من أصول دينية أو مكتسباً لهذه الصفة من الممارسة الدينية في حياته.

ولكن مع هذا، فالتاريخ الكوردي في المنطقة لا ينفي أبداً قيام كيانات كوردية مستقلة في السابق نالت استقلالها عن السلطات المركزية للدول العثمانية، إلا أنها سرعان ما كانت تنهار بعد فترة غير طويلة، إما بسبب موت الشيخ المؤسس الذي قاد الاستقلال، أو باندحاره في نهاية المطاف أمام قوات الدولة المركزية، أو عن طريق تحريض حكام هذه الدولة  لبقية شيوخ العشائر الكوردية للانقضاض عليها. وفي معظم الحالات تقريباً جاء  زوال هذا الاستقلال القصير للدولة الكوردية بفعل تفاعل العاملين السابقين، حيث كان مثل هذا الاستقلال يسبب لبقية الشيوخ الهلع والخوف من جراء تنامي سلطات الشيخ المؤسس للدولة الكوردية والذين كانوا يعتقدون، أو كما كان يصور لهم من قبل السلطات المركزية، بأن مثل هذه الدولة ستكون على حساب مصالحهم واستقلالهم العشائري من جهة، وأنه، من جهة ثانية، هو  تمرد أو عصيان مخالف للدين والشريعة الإسلامية لأنه لا يجوز مقاومة السلطان العثماني باعتباره خليفة المسلمين أو أمير المؤمنين. وفي تاريخ هذه الكيانات الكوردية فتاوى أفتيت بحقها من قبل شيخ أو سيد كردي، كانت من ورائها السلطات العثمانية، لعبت دوراً كبيراً في انهيارها. لهذه الأسباب قيل بأن الصراع الكردي – الكردي الداخلي كان وعلى الدوام أشد بكثير من صراعهم مع أعدائهم ومضطهديهم.

وهناك روايات كثيرة قيلت في عدم وفاق الكورد وتوحدهم وإبقاء الفتنة والقتال بينهم وصلت غرابة بعضها إلى حدود الأساطير. وأغربها قصة لعنة رسول الإسلام النبي محمد على الكورد والتي أوردها كاتب كوردي مشهور أسمه البدليسي في كتابه المعروف (شرفنامه) الذي كتبه في القرن السادس عشر، وهو أول كتاب كردي كتب باللغة الفارسية، وليس الكوردية، يبحث في تاريخهم، حيث ورد فيه بأن في بداية الرسالة الإسلامية أرسل (أغورخان – ملك تركستان) وفداً إلى رسول الإسلام  برئاسة شخص يدعى (بغدور) وكان من أمراء الكورد وكان كريه المنظر، فظاً غليظاً شديد المراس، فلما وقع نظر النبي على هذا الشخص الكريه المنظر وضخم الجسم، فزع ونفر منه نفوراً شديداً. وعندما سأل عن أصله وجنسه قيل بأنه من الطائفة الكوردية وعندئذ دعا النبي قائلاً "لا وفق الله تعالى هذه الطائفة إلى الوفاق والإتحاد"..(أورده زبير سلطان في كتابه القضية الكردية من الضحاك إلى الملاذ، دار الكشاف، دير الزور – سوريه،ط1، 1990، ص 28-29). وعلى الرغم من أن بعض الكتاب ينفون هذه القصة في لعنة الرسول للكورد ويكذبونها لأن الرسالة الإسلامية لم يكن خبرها قد وصل في عهد الرسول إلى بلاد التركستان، إلا أن مع هذا يعطون أهمية لها لكونها قد أوردها كاتب كوردي في القرن السادس عشر الميلادي كان له دراية ومعرفة في عدم وفاق الكورد وتوحدهم.

الكورد والفكر القومي ومبدأ القوميات:
---------------------

في فترة قدوم الأفكار القومية الحديثة من أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بما فيها مبدأ القوميات وحق تقرير المصير وغيرها من المبادئ والمعتقدات التي نادت بضرورة قيام الدول على أسس قومية ووصولها إلى المنطقة، بدأت تتفاعل مع غيرها من العوامل السياسية  في نخر جسم "الرجل المريض" والقضاء عليه وتفتيت إمبراطوريته. فكانت الفرصة مناسبة للكورد للتحرك والتخلص من الاستبداد العثماني واقتطاع حصتهم من التركة وتأسيس دولتهم الكوردية في "كوردستان". ومما كان يساعدهم على تحقيق ذلك هو  قدرتهم العسكرية وخبرتهم القتالية في المناطق العاصية مع كثافتهم السكانية وتركزهم الجغرافي، إضافة إلى السياسات الدولية التي كانت تقضي  بتفتيت الإمبراطورية  العثمانية وتقسيمها إلى دول قومية. غير أنه يظهر بإن هذه الأفكار والمبادئ، والتي كان الأتراك يروج عنها باعتبارها أفكار "مسيحية" كافرة وافدة من أوروبا تهدف إلى القضاء على الدولة الإسلامية، لم تغير من واقع الكورد بشيء ولم تؤثر على العوامل المتحكمة في المصير القومي الكوردي المندمج مع الدولة العثمانية ولا أن تفعل فعلها نحو توحيدهم في كيان قومي أو تعمل على تبنيهم مبدأ قومي واضح يتجاوز البنية الاجتماعية العشائرية السائدة، لا بل وإنما على العكس من هذا، بدأ الكورد  بالدفاع المستميت عن الإمبراطورية العثمانية المتداعية فاستطاع الأتراك استغلال هذا الاندفاع والزج بالعشائر الكردية في أتون نيران الحرب التي لم يكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل غير رغبة الانتقام المنقادة بعقلية عشائرية متحكمة في حياة الكورد. ففي عام 1885 شكلت السلطات العثمانية قوات عسكرية من العشائر الكردية عرفت باسم (قوات الخيالة الحميدية) السيئة الصيت بهدف توطيد السلطة العثمانية في جبال "كردستان" والتي أصبحت أداة فاعلة ومؤثرة ليس في استبداد وقهر الشعوب المسيحية، كالآشوريين والأرمن فحسب، وإنما أيضا في قمع بعض الحركات أو العشائر الكوردية الأخرى التي ناهضت سلطة الدولة. فاستمرت هذه القوات في أداء خدماتها الممتازة للأتراك حتى بعد فترة استيلاء حزب الاتحاد والترقي (تركيا الفتاة) على السلطة السياسية وإزاحة السلطان عبد الحميد من العرش وإعلان الدستور العثماني في عام 1908 حيث تبدل أسمها إلى (الخيالة الخفيفة) والتي أصبحت القوة الضاربة في يد القوميين الأتراك لاضطهاد الشعوب غير التركية وغير المسلمة بهدف تحقيق سياسة التتريك ومن ثم إنجاز حلم إقامة الإمبراطورية الطورانية. ثم وبعد سنة من قيام الحرب الكونية الأولى، ألغيت هذه القوات نهائيا، ولكن مع هذا استمر معظم الكورد في خدمة دولة الأتراك، سواء من خلال انخراطهم في المؤسسة العسكرية أو المدنية أو من خلال تحريض العشائر الكوردية واستخدامهم في الحرب. ويذكر المؤرخون بأنه خلال الحرب الكونية الأولى كانت قيادة الجيش توزع تعليمات على الضباط الأتراك تدعوهم إلى قتل العرب مع الإبقاء على الكورد لغرض استخدامهم في قمع واضطهاد الآشوريين والأرمن وتهجيريهم من أوطانهم إلى خارج أراضي الدولة التركية وإسكان الكورد محلهم.

 ومن سخرية الأقدار أن يستمر الكرد في تقديم خدماتهم العسكرية الكبيرة للترك حتى بعد زوال الدولة العثمانية وقيام الجمهورية التركية رغم انتشار الوعي القومي بين قطاعات معينة منهم . يقول المؤرخ الكردي الكبير محمد أمين زكي (كان وزيراً للمالية في العراق أثناء مذابح الآشوريين في سميل عام 1933) في كتابه الموسوعي (تاريخ الكرد وكردستان) الذي كتبه عام 1931 وترجم إلى العربية عام 1936 وطبع في القاهرة، يقول بأنه لما زالت كلمة (العثماني) العامة من الوجود في تركيا، وهي الكلمة الشاملة لجميع العناصر والشعوب الخاضعة للدولة العثمانية والتي كانت قد خدرت نوعا ما أعصاب كل واحد منا نحن أبناء القوميات الأخرى، وحلت محلها كلمتا التركي والطوراني،  شعرت أنا أيضا بطبيعة الحال، كسائر أفراد العناصر العثمانية غير التركية، شعوراً قوياً بقوميتي المستقلة من الترك فحملني ذلك على إظهار الشعور القومي الفياض والإحساس بالعاطفة الوطنية القوية (من مقدمة الكتاب )، وهو الشعور الذي كان يعم بين العديد من المثقفين الكورد وبين بعض شيوخ العشائر الكردية التي طالبت بحق الكورد في تقرير مصيرهم القومي وتأسيس دولة كوردية لهم والذين كانوا قد قدموا مطالبهم وأرسلوا الوفود إلى مؤتمر السلام في فرساي بفرنسا (1919-1920)، إلا أنه مع هذا كله أستمر وبشكل عام معظم الكورد في مساندة الترك وتقديم خدماتهم لإنجاح الحركة القومية التركية وتأسيس الجمهورية التركية الحديثة حيث شاركوا مشاركة فعالة في توطيد أركان النظام التركي الجديد وفي القتال ضد الآشوريين والأرمن وضد القوات الروسية حتى تمكنوا من إفشال معاهدة سفير (1920) وانتعاش "التركي الميت" كما يقول زكي (ص268)، ومن ثم إحلال محلها معاهدة لوزان (1923) والقاضية بموت مشاريع بناء دولة أرمينيا الكبرى وكردستان المصغرة والحكم الذاتي للآشوريين ومن ثم بروز تركيا بقيادة كمال أتاتورك كقوة فاعلة ورئيسية في المنطقة وقادرة على مفاوضة الإنكليز والفرنسيين لضمان استقرار حكمها. وبالمقابل لم يحصل الكورد إلا مزيداً من الاستبداد والظلم والحرمان من أبسط حقوقهم القومية، بما فيها منعهم من التكلم والتعلم بلغتهم الكوردية، ولم يعترف بهم كقومية كوردية بل اعتبروهم مجرد أتراك الجبال.

الكورد والدول الحديثة في المنطقة:
------------------------

بعد استقرار الأوضاع وتوقيع المعاهدات وإقرار تسويات الحدود لبلدان المنطقة والدول المنتدبة عليها من قبل عصبة الأمم والتطورات التي مرت بها شعوبها، لم تتمكن الحركة القومية الكوردية الإفلات من نفس العوامل السابقة المتحكمة في تقرير طبيعتها وإستمرار التقيد بها، خاصة في الدولتين الإيرانية والتركية باعتبارهما دولتان مسلمتان، لا بل وعلى العكس من هذا حيث ظهر الإقليم السياسي كعنصر إضافي وحاسم ومؤثر في سياق تطور هذه الحركة نحو إقامة الدولة الكوردية، إذ تقولب الكورد وحركتهم السياسية طبقاً للدول التي تشكلت حدودها بعد الحرب الكونية الأولى وجزأت الشعب الكوردي إلى أجزاء تفصله حدود سياسية صارمة، خاصة في بداية القرن العشرين حيث أصبحت مسألة السيادة أكثر قدسية بالنسبة للدول الجديدة في  المنطقة،  فسارت وتطورت حركة كل جزء من الشعب الكوردي متأثرة بالعوامل السياسية الخاصة والمحيطة بالدولة التي عاشوا تحت سلطتها. ففي العراق، الذي برز كيانه السياسي في عام 1921، استمرت الحركة الكوردية  كحركة إقليمية أو "قطرية" ولكن من دون أن تستطيع الخلاص من تأثير العوامل السابقة المتحكمة فيها، إذ استمر شيوخ العشائر في قيادة الحركة الكوردية وتأسيس دولتهم، كما كان الحال مع الشيخ محمود الحفيد ومملكته في مدينة السليمانية في شمال العراق في عام 1922 والتي لم تستمر أكثر من سبعة أشهر. والحال نفسه مع قادة جمهورية مهاباد الكوردية التي كانت بقيادة القاضي محمد والملا "مصطفى البرزاني" رحمه الله. والمتابع للحركة الكوردية القومية المعاصرة وللحزب الديموقراطي الكوردستاني نرى كيفية تطورها في العراق من مشيخة الطريقة النقشبدية إلى حركة قومية معاصرة وحزب سياسي بقيادة شيوخ برزان وأنسالهم. ولا يمكن أن نتجاهل هذه الحقيقية في القيادات العشائرية للحركة الكوردية المعاصرة التي تتركز بشكل عام بين العشيرتين البرزانية والطلابانية وفي إقليمين من إقليم كوردستان. هذا ناهيك عن العامل الإقليمي الذي أصبح عنصراً متغلباً ومؤثراً في العلاقة المتنافرة والمتقاتلة بين الحركة الكوردية في العراق مع مثيلاتها في تركيا وإيران وسورية.

على العموم يمكن القول بأن العامل الديني أستمر دوره السابق المؤثر في  الحركة الكردية حتى بعد تأسيس كيانات سياسية جديدة. إذ أن خضوع الكورد في  العراق إلى الحكم البريطاني المتمثل في نظام الانتداب ومن ثم إدارة البلاد عن طريقة حكومة عربية على رأسها ملك عربي، كانت بالنسبة لهم ظاهرة جديدة  جعلتهم ولأول مرة في التاريخ أن يخضعوا لحاكم غير مسلم، بريطانيا، وأن تدار شؤونهم  من قبل حكومة عربية بعد قرون طويلة، إذ أن طيلة تاريخهم تعودوا الخضوع إلى حكومات مسلمة وإلى عناصر آرية أقرب إليهم من العناصر السامية. وقد يكون ذلك سبباً لتأييد العشائر الكردية، باستثناء قليل في السليمانية، انضمام ولاية الموصل إلى تركيا بدلا من العراق في بداية العشرينات، وكان من بينهم شخصيات وزعماء أمثال فتاح بك صهر الشيخ محمود الحفيد، الذي كان يحمل شهادة الجنسية العراقية ولكنه كان عضواً ضمن الوفد التركي المفاوض حول تقرير مصير الولاية ومدافع عن حق تركيا في هذه الولاية بدلا عن العراق. هذه الظروف هي التي ساهمت مساهمة مباشرة في بروز الحركة الكوردية المعاصرة في العراق ومن ثم تبلورها وتطورها نحو مراحل سياسية أكثر وضوحاً وتقدماً في مقارنتها مع مثيلاتها في إيران وتركيا وسورية، خاصة فيما يتعلق بتأسيس أحزاب سياسية ومنظمات قومية وقيامهم بحركات مسلحة ضد السلطة المركزية والتي استمرت لفترات طويلة في  مقارنة مع الحروب والحركات السابقة، ومن ثم الوصول إلى الحكم الذاتي في عام 1970 وحكومة إقليمية وبرلمان في عام 1992، وحتى يومنا هذا مع الإستفتاء حول قيام الدولة الكوردية.  وبسبب التأثير الديني في العقلية الكوردية خاصة بين العشائر وفي الأرياف، فهناك احتمال كبير بأن الظروف المحيطة بالكورد في شمال العراق سوف تصبح أرض خصبة للحركات والنزعات الإسلامية المتطرفة رغم النهج العلماني للأحزاب الكبيرة ولحكومة الإقليم. وما إفساح المجال أمام الكورد لإعتناق المسيحية وتأسيس كنيسة مسيحية كوردستانية إلا نموذج لهذا النهج العلماني وكرد للحركات الإسلامية المتطرفة في المنطقة من جهة وإضهار للعالم الخارجي بأن حكومة الإقليم منفتحة على جميع الديانات من جهة أخرى.

الفوبيا الكوردي:
-------

وهكذا، بقدر اطراد استقرار الحدود الدولية بين الدول الرئيسية، تركيا وإيران والعراق الحاوية على أراضي "كوردستان، وإقرار هذه الحدود في تسويات واتفاقيات معترفة بين الأطراف ومحققة لمصالحهم الخاصة، بقدر ذلك تعاظم تأثير عنصر الإقليم أو القطر على الحركة الكوردية، ليس من حيث تغيير مسارها القومي وتحويل مطامح تأسيس دولة كوردية إلى مجرد يوتوبيا و"حلم وردي" فحسب، وإنما زادت القطرية من خطورة هذه الحركة على هذه الدول، بحيث أصبح مدركاً للجميع بأن أي استقلال كوردي في أي من الأقطار مهما كان نطاقه سيؤثر حتماً وبالنتيجة المباشرة على الكورد في القطر المجاور ويدفعهم نحو نفس المنحى، وبالتالي ظهور بوادر نحو المطالبة بالاستقلال بالجزء الآخر من "كوردستان" في الدولة الأخرى والانسلاخ منها لغرض تحقيق حلم "كوردستان الكبرى"، خاصة وأن العاملين الجغرافي والديموغرافي، من تجاور الأقاليم وتركز السكان في مناطق متاخمة لبعضها، يساعدان كثيرا على تحقيق مثل هذه الدولة، والتي ستكون من دون أدنى شك على حساب أراضي الدول الثلاث الأخرى، إيران وتركيا وسورية، لهذا نرى بأن الحركة القومية الكوردية في إيران وتركيا تطورت بشكل ملحوظ وتبلورت في أحزاب سياسية بعد منح الحكم الذاتي عام 1970 في العراق ولا أحد يستطيع أن ينكر بأن للحزب الديموقراطي الكردستاني كان له إمتدادات مؤثرة وفاعلة على الحركة القومية الكوردية وأحزابها في دول الجوار. وهذا  هو سبب كافي لأن تكون مواقف هذه الدول مفرطة في الحساسية ومعارضة بشدة لأي نوع من الاستقلال الكوردي وبالتالي ظهور نوع من الفوبيا الكوردي في عقلية حكام هذه الدول.  والجدير بالذكر أن الخوف من وحدة الكورد وبالتالي قيام الدولة الكوردية، كان مدركاً منذ أيام كون بريطانيا القوة الفاعلة في المنطقة والتي عملت الكثير من أجل دون قيام الدولة الكوردية  وتضمين ذلك في اتفاقيات دولية. يقول الضابط البريطاني ( دبليو. آر. هاي ) في كتابه المعنون (سنتان في كردستان) المطبوع في لندن عام 1921، والذي زار المنطقة ودرس طبائع الشعب الكوردي، يقول (أن اليوم الذي يستيقظ الكورد وبوعي قومي ويتوحدون سوف تتفتت أمامهم الدولة التركية والفارسية والعربية، ويقصد العراق، وتتطاير كالغبار، ولكن مثل هذا اليوم لا يزال بعيد المنال) ص36. وهناك ملاحظة مهمة جداً يستوجب الإشارة إليها وهي حين ذكر البدليسي ما معناه بأنه لو توحدوا الكورد وأتفقوا لغلبوا على الأمم وأساؤؤا إلى العالم، فمثل هذا القول نلمسه في المخاوف الشديدة التي كانت تعتري عقول الحكام، خاصة العثمانيين والفرس والإتراك والعرب والبريطانيين، من توحد الكورد وتأسيس دولة مركزية لهم، وهي المخاوف التي لا تزال تتعشش في عقول حكام هذه الدول.

ومثل هذا الخوف، الذي بأستمراره وتصاعده وتفاعله مع ظروف إقليمية ودولية، نرى بأنه قد تحول إلى نوع من العقدة تجاه مطالبة الكورد بحقوقهم القومية، وهي المخاوف التي تتحكم في سلوك صانع القرار السياسي لدول المحور الثلاثي لكردستان، إيران وتركيا وسورية، في رسم وتقرير سياسة أمنهم القومي. فجانب من هذا السلوك الجامع والمقلق يمكن استخلاصه من  الحديث المتلفز لرئيس النظام العراقي المقبور صدام حسين في معرض رده  لبوادر الاستقلال الكردي، عندما سحب قواته عام 1991 من شمال خط العرض 36 وخضعت للحماية الدولية وبدأ الكورد بتأسيس حكومتهم الأقلية، حين قال بأنه قبل أن يحرك قواته لسحق أي استقلال كوردي عن العراق سوف تكون القوات التركية والإيرانية قد سبقته في هذه المهمة. وفعلاً فأن الاجتياح المستمر للقوات التركية لشمال العراق وتدخل إيران في شؤون المنطقة لاحتواء الاستقلال الكوردي النسبي ضمن نطاقه الضيق يعكس هذه الحقيقة، كما وأن الاجتماعات الدورية التي كانت تعقدها إيران وتركيا وسورية في الشأن الكوردي كانت تدور ضمن نفس السياق القائم على التخوف من الاستقلال الكردي في شمال العراق.

الكورد بين الفدرالية والدولة المستقلة:
=====================

 اليوم، ومن أي يوم مضى، تدرك قيادات الحركة الكردية القومية كل هذه الحقائق التاريخية وتستوعبها وتحاول أن تحقق جانب من طموحاتها القومية ضمن الأطر المسموح بها والعمل على عدم التضحية بالمطمح الممكن من أجل المطمح غير الممكن، لا بل ويظهر بأن قيادتها تدرك أيضا بأن إزهاق المزيد من الدماء والكثير من الأرواح من جراء اللهث وراء تحقيق  مطمح دولة "كوردستان الكبرى" اليوتوبية غير ممكن في الوضع الراهن المقيد بقيود صارمة مفروضة من قبل ثلاث دول، مضافاً إليها العراق، يغلب عليهم عنصر القوة أكثر من عنصر التفاهم  والتعامل مع الاختلاف القومي، وأن السعي وراء المطمح البعيد المنال  سوف يحرمهم من تحقيق المطمح القريب والذي يتمثل جانب منه بالفدرالية. ومن المؤكد بأن القيادة الكوردية تدرك بأن نتائج الإستفتاء نحو إستقلال الإقليم عن العراق وقيام الدولة الكوردية لا يعني التطبيق المباشر لنتيجته لأنها تدرك جيداً بأن قيام الدولة الكوردية وهي مطوقة بطوق محكم من قبل أربع دول حكامها ليسوا في حالة ود وتفاهم مع الكورد ستكون دولة محاصرة ومن دون منفذ بحري تتنفس من خلاله وتتواصل مع العالم الخارجي، بل ستولد كدولة شبه ميتة ولا تدوم بها الحياة. وبسبب هذا الإدراك فأن نتيجة الإستفتاء التي حتما ستكون بـ (نعم)  سوف يستخدم كورقة ضغط في تعاملها مع العراق والدول المجاورة لضمان أكبر قدر ممكن من الإستقرار والسلم والإنتعاش والتقدم والإزدهار للإقليم قد تكون أمتيازاته ومنافعه أكثر بكثير من إمتيازات ومنافع قيام الدولة الكردية.

121
مختصر في فهم التسميات الرسمية
رأي مقارن بين المكون المسيحي و "الكلدان السريان الآشوريين"
============================================
أبرم شبيرا
مدخل:
----
نشرت الرابطة الكلدانية (رابطة) بيانا تقترح فيه تسمية "المكون المسيحي" كتسمية رسمية في الدستور العراقي وكسبيل لتوحيد خطابنا ومواقفنا ومطالبنا للمرحلة الراهنة خصوصا أنه، كما جاء في البيان، الأكثر إنتشارا محلياً ودوليا مع الإحتفاظ بتسمياتنا الخاصة الحضارية والتاريخية من الكلدان والسريان والآشوريين رافضة بذلك التسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريين". لم يرضى تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية (تجمع) هذا المقترح فأصدر بيانا رفضا مقترح تسمية "المكون المسيحي" وللأسباب التي ذكرها في بيانه وشدد على التسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريين" وأعتبرها تسمية مقبولة على الأقل في المرحلة الراهنة. ثم أنبرى العديد من كتابنا الأعزاء وفي مقدمهم كتابنا الأكاديمي وصديقنا العزيز الدكتور رابي عبدالله  ليدافع عن بيان الرابطة الكلدانية ويبين مغالطات بيان التجمع عن رفضه وإنتقاده لبيان الرابطة. ثم توالت التعليقات والإنتقادات من قبل القراء الأفاضل حول التسمييتن بين مؤيد لهذا المقترح أو لذاك ومن دون أن يتوصلوا إلى نتيجة مفيدة لهذه الأمة اليائسة وهو أمر لا نستغربه في هذه الظروف المأساوية والهائجة من جميع الجهات على أبناء أمتنا.
منذ البدء نود أن نوضح ونشدد في التوضيح بأن هذه السطور ليست إطلاقاً لتأييد هذه التسمية أو تلك، بل هي مجرد محاولة لفهم هذه التسميات ومدى تطابقها على شعبنا في المرحلة الراهنة لتكون مدخلا لتوحيد الخطاب القومي كسبيل واضح ومباشر للمطالبة المنطقية بالحقوق المشروعة لشعبنا، مؤكدين في نفس الوقت تأكيداً مشدداً بأن التسمية القومية ليست ولن تتكون إطلاقا بموجب قرار معين أو إقتراح من جهة متنفذة أو بموجب دراسة علمية أو أكاديمية، بل هي، أي التسمية القومية، نتاج ظروف خاصة وعبر مراحل تاريخية طويلة مرتبطة صميماً بظروف الأمة في الصمود والنضال من أجل البقاء وأثبات الوجود. على العموم، أن محاولتنا الموضوعية في معالجة هذا الموضوع في فهم هذه التسميات لا تكبح رأينا والتي تتطلبها الموضوعية نفسها أن نبين في بعض الأحيان إيجابيات وسلبيات كل تسمية من هاتين التسميتين، فالنبدأ أولاً بتسمية "المكون المسيحي"

تسمية المكون المسيحي:
--------------
عندما يختلط النابل بالحابل وتتخبط حياة المجتمع على جميع الأصعدة السياسية والفكرية والإجتماعية ويضيع أفراد المجتمع في متاهات عويصة يصعب الخروج منها، تبدأ بعض التخريجات الإستثنائية سواء من أساليب أو مصطلحات أو أفكار للظهور على السطح كسبيل للخروج من المأزق.  فبلدان الشرق الأوسط منها العربية والعراق أيضا يكتض بمثل هذه التخريجات. فلو حصرنا سطورنا هذه في الحالة العراقية وتحديداً فيما يتعلق الأمر بشعبنا واستخدام مفهوم "المكون" كمحدد لهوية المسيحيين الرسمية في العراق نرى بأنه هو أحدى تخريجات الأزمة العويصة حول تسميتنا القومية في العراق. هنا سنحاول أن نعالج مفهوم المكون المسيحي من جانبين:
الأول: الجانب الشكلي والحرفي:
------------------
 مفهوم المكون اللفظي او الحرفي يعني مقوم أو مركب أو عنصر أو مُشكل. وفي اللغة الإنكليزية يعني (Ingredient) أو (Constituent) أو (Component) أو(Element) وجميعها في العربية منها والإنكليزية رغم إختلافها في المسمى فإن المكون يعني شكل أو تشكيل عدد من العناصر والمواد والأشياء المختلفة والمتفاعلة بعضها بالبعض لتخرج بنتيجة مختلفة عن العناصر المكونة لها التي تذوب في المكون وتفقد الكثير من خواصها. ومن الملاحظ بأن مصطلح المكون استخدم بشكل عام في العلوم الطبيعية كالكيمياء والفيزياء والأحياء والوراثة وعلم التغذية (Dietetics)، فالمعروف في علم الكيمياء بأن الماء مكون من االهيدروجين والأوكسين وبنسب مختلفة... وهكذا. فلو نظرنا، على سبيل المثال لا الحصر، على علبة مشروب بيبسي كولا نرى بأن هناك العديد من العناصر أو المواد او المحتويات (Ingredients) أمتزجت بعضها بالبعض وتفاعلت لتُكون مشروب بيبسي كولا. ومن المؤسف له بأنه بسبب الأزمات الفكرية والسياسية والعجز والإفتقار إلى خلق أو إيجاد تسميات لبعض ظواهر هذه الأزمات أنتقل هذا المفهوم (المكون) إلى عالم السياسة والإجتماع وبدأ بأستخدامه كما هو الحال في العراق وتحديداً فيما يخص تحديد هوية شعبنا وتسميته بـ "المكون المسيحي".

الثاني: الجانب الموضوعي والفكري:
-------------------
لمفهوم "المكون المسيحي" وللدقة "المسيحي" يعني الشخص المؤمن بالديانة المسيحية أو الذي ينتمي إليها سواء بالولادة أو الإيمان، أي الإنتماء بالمرجع أو الإنتماء بالوعي. ومثل هذا الإيمان من المؤكد يمكن أن نجده في جنوب أفريقيا وفي الفليبين والسويد وغيرهم من بلدان العالم. فالهوية الأساسية لهذا الإنتماء الإيماني لا حدود له غير الديانة المسيحية. فليس لهذا الإنتماء "العالمي"  لغة واحدة أو تاريخ واحد أو أرض مشتركة، أي بعبارة أخرى هناك الكثير من القوميات والشعوب  ينتمنون للديانة المسيحية. وإذا تركنا الساحة الدولية وأقتربنا من الساحة العراقية نرى بأن الإنتماء المسيحي، وأن كانت الديانة المسيحية هي الحدود العامة المميزة للإنتماء الإيماني فأن هذه الحدود مقسمة إلى أجزاء وأطر مختلفة وأحياناً هم في خلاف أو تبيان واضح المعالم. فهناك العديد من الكنائس في العراق تحدد أطار الإنتماء الإيماني للشخص منها الكنائس الرسولية "الوطنية" بمفهوهما المؤسساتي التاريخي كالكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والكنيسة السريانية بشقيها الأرثوذكسي والكاثوليكي وكنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة إضافة إلى الكنائس غير المؤسساتية وغير التاريخية، والأصح أن يطلق عليها بالطوائف، كالأرمنية والإنجيلية والسبتية والبروتستانية والروم بشقيها الكاثوليكي والأرثذوكسي. فجميع هذه الطوائف هي كنائس مؤسساتية في موطنها الأصلي غير بلاد ما بين النهرين، هذا الوضع هو الذي يفرض علينا فرضاً صارماً ان نميز بين الكنائس "الوطنية" من جهة والطوائف المسيحية في العراق من جهة أخرى، ولكن مع هذا فإن جميع مؤمني هذه الكنائس والطوائف في العراق يجمعهم بشكل عام الإيمان المسيحي وبالتالي فهم مشمولون ضمن إطار مفهوم المكون المسيحي.

ولكن من الملاحظ بأنه رغم أن الكنائس المؤسساتية "الوطنية" تجمعهم صفة "الكنيسة" المختلفة عن صفة الطائفة فأنهم من جانب آخر تجمع معظم (قد لا يكون جمعهم) مؤمني هذه الكنائس بمقومات مشتركة بشكل عام من لغة وتاريخ وتقاليد وأرض ومصير مشترك وأماني مشتركة تختلف كلياً عن المقومات المختلفة لأبناء الطوائف المذكورة من لغة وتاريخ وتقاليد والإنتماء التاريخي للأرض.أي بعبارة الأخرى فإن مؤمني الكنائس المؤسساتية هم من الكلدان والسريان والآشوريين ويعتبرون قومية واحدة وبمقومات مشتركة بشكل عام ويختلفون عن أبناء الطوائف الأخرى الذين قد يكون لهم لغات وتواريخ وتقاليد وأماني مختلفة، فهناك الأرمن والعرب والكورد وحتى التركمان  ينتمون إلى هذه الطوائف ولكن مع هذا فإذا أعتمدنا مصطلح المكون المسيحي فإن هؤلاء سوف يشكلون جميعاً عناصر لهذا المكون الإيماني.
ولو حاولنا أن نحشر مفهوم "المكون المسيحي" في عالم السياسة نرى بأن معظم دولة العالم وحتى الدكتاتورية منها والثيوقراطية، كإيران، تقر وتعترف بمكونها المسيحي سواء أكان هذا الإقرار شكليا أو فعليا كما كان الحال في عهد نظام البعث البائد وفي عهد النظام الحالي في العراق. وعندما نحشر مفهوم المكون المسيحي في السياسة يعني تضمين حقوق عناصر هذا المكون في القوانين والدساتير وفي الإجراءات الرسمية، أي بعبارة أخرى ،إقرار وضمان الحقوق الدينية لعناصر هذا المكون. ولكن الأمر غير ذلك على أرض الواقع والممارسات الفعلية حيث أن الكثير من حقوق المكون المسيحي في العراق منتهكة ومسحوقة ليس من قبل داعش الإجرامي فحسب بل حتى من النظام السياسي ورجالاته ومعمميه. إذن المنطق يقول بأن المطالبة بدرج تسمية المكون المسيحي في الدستور وإعتباره التسمية الرسمية لشعبنا في العراق يعني المطالبة بالحقوق الدينية لجميع عناصر وتشكيلات المكون المسيحي من دون تمييز في اللغة والتاريخ والعادات، أي من دون تمييز قومي أو أثني. وقد يقول قائل بأنه من الممكن أن تكون التسمية الرسمية لشعبنا "المكون المسيحي من الكلدان والسريان والأشوريين" ولكن كما نعرف وشرحناه في أعلاه فأن المكون المسيحي لا ينحصر في هذه التسميات الثلاث فهناك قوميات وأثنيات وعناصر أخرى مشمولة بالمكون المسيحي وبالتالي لا تتسق هذه الحالة مع الواقع الفعلي لجميع المسيحيين في العراق بمختلف كنائسهم وطوائفهم وأن تسمية المكون المسيحي ليست حصراً على الكلدان والسريان والآشوريين، أي بعبارة أخرى ان هذا سوف سيرجعنا إلى المربع الأول. وأخير يجب أن نؤكد مرة أخرى بأن مفهوم المكون المسيحي هو من تخريجات العصر الراهن البائس في العراق والوضع المزري للفكر العراقي الطائفي السائد والمهيمن على النظام السياسي وتوابعه لا بل أيضا هو من تخريجات الوضع المأساوي لشعبنا الضائع في متاهات التسميات المختلفة لهويته القومية، فخرج مفهوم المكون المسيحي (من لا جاره) على السطح السياسي كطوق للنجاة من هذه المتاهات. من هنا يجب ان لا نستغرب وفق هذا الوضع المأساوي أن تكون "الكوتا اللاديموقراطية" كوتا مسيحية وأن يزور أو يحضر أو يستقبل السيد يونادم كنا من قبل ممثلي الدول الأخرى لا بصفته كسكرتير للحركة الديموقراطية الآشورية ولا بصفة كونه كلداني أو سرياني أو آشوري بل بصفة كونه ممثل عن المسيحيين في البرلمان العراقي والحال أيضا نفسه مع السيد جوزيف صليوا الذي هو ممثل عن المسيحيين في البرلمان العراق لا ممثل عن الشيوعيين أو قائمة الوركاء الديموقراطية.

التسمية المركبة – الكلدان السريان الآشوريين:
----------------------------
طرح المشكلة:
---------
تعتبر التسمية المركبة من أكثر المسائل التي أثير حولها الكثير من المناقشات والمداخلات والأعتراضات والإتهامات وصلت بعضها إلى درجة تخوين وتكفير المتبنيين لهذه التسمية المركبة ونُعتو بشتى النعوت والتسميات لحد إن بعضها جاوزت حدود قواعد الإخلاق في الكتابة ومناقشة المسائل القومية الحساسة التي يتطلبها الكثير من الصبر والتأني والهدوء وإنفاح العقل وتجاوبه مع كل ماهو متفق أو مخالف للمسألة القومية الحساسة كمسألة التسمية المركبة. ولا يخفى على أحد بأن وراء هذا السلوك السلبي تفسيرات وأفكار ومواقف قد تكون فكرية "أيديولوجية" لا بل حتى مصالح شخصية وطائفية وكنسية وتحزبية وغيرها كثيرة. ولا أجانب الحقيقة عندما أقول بأن معظم الذين رفضوا هذه التسمية المركبة أو الذين دخلوا الإنتخابات البرلمانية في المركز والإقليم بتسميات مفردة كالكلدانية أو الآشورية أو المسيحية ولم يفوزوا، هم في خلاف أو عداء مع الجهات المتبنية للتسمية المركبة الذين فازوا بكراسي في كلا البرلمانين. شئنا أم أبينا ورغماً عنًا فإن الجالسين على كراسي البرلمان من أبناء شعبنا هم، حسب الإنتخابات، المعيار الوحيد المتاح حاليا، هم ممثلي شعبنا سواء أيدنا ذلك أو رفضناه  فالأمر سيان لأن شعبنا، أو أكثريته المقترعة، هو الذي أخاترهم. أي بهذه العبارة وبشكل غير مباشرة بأن أكثرية أبناء شعبنا يؤيد التسمية المركبة. فلو أفترضنا بأن الكيانات التي تبنت التسميات المفردة كالكدانية والآشورية والسريانية وفازت في الإنتخابات لأكدنا، وفق المعيار نفسه، بأن شعبنا يؤيد التسمية المفردة سواء أكانت كلدانية أم آشورية أم سريانية. والحال نفسه مع تسمية المكون المسيحي. فإذا فاز أصحاب هذه التسمية في الإنتخابات القادمة فهذا معناه بأن شعبنا، أو على الأقل أكثريته، يؤيد هذه التسمية، حينئذ سيكون لنا رأياً فيه معتمدين على نفس المعيار الوحيد والمتاح، أي الإنتخابات.

خلفية تاريخية للتسمية المركبة:
-----------------
أن التسمية المركبة سواء بالأسمين (كلدان و آشوريون او كلدو وأتور او آشور وكلدان أو آشوريون سريان) أو بالتسمية المركبة الثلاثية (الكلدان والسريان والآشوريين بواو أو بدونها) لها خلفية تاريخية ليس كما وردت في بعض الكتب والمصادر التي تناولت تاريخ أمتنا، وأشهرها كتاب (تاريخ كلدو وأثور) لمثلث الرحمات المطران الكلداني الشهيد أدي شير، بل كما وردت وأستعملت على الساحة السياسية وفي الفكر القومي ومنذ نشوء الحركة القومية لأبناء أمتنا كبقية أمم منطقة الشرق الأوسط في نهاية القرن التاسع عشر وبداية قرن العشرين. فالتسمية المركبة ليست من نتاج السنوات القليلة الماضية وتحديداً بعد مؤتمر بغداد لعام 2003 الذي تبنى التسمية المركبة بل، أستعلمت منذ منتصف القرن التاسع عشر فصاعداً من قبل رواد الفكر القومي منهم رائد الصحافة الآشورية آشور بيت هربوت ومعلم الفكر الوحدوي نعوم فائق وتلميذه الصحافي الثوري فريد نزها، وجميعهم من أتباع الكنيسة السريانية الآرثوذكسية.  فعلى الرغم من تصميمهم على أعتبار أنفسهم أشوريين إلا أنهم لم يتوانوا أبداً من إستخدام التسمية المركبة لأمتنا وكانوا لإعتبارات تخص مصلحة ووحدة الأمة بجميع مكوناتها يخاطبون أبناء الأمة في مقالاتهم وخطبهم اللهابة بالقول (الأمة السريانية الارامية الآشورية الكلدانية) وذلك بهدف التضمين الحضاري المشترك والمتواصل لهذه التسميات المرادفة لأمة واحدة. كما إن التسمية المركبة أستعملت منذ بداية القرن الماضي من قبل بعض زعماء الحركة القومية وفي المراحل الحرجة وتحديداً عشية الحرب الكونية الأولى والفترات المضطربة التي أعقبتها، خاصة من قبل الجنرال أغا بطرس والقائد ماليك قمبر وكلاهما من أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. على أن بعد تصاعد الحركة القومية وتزعمها من قبل مار شمعون إيشاي بطريرك كنيسة المشرق "النسطورية" طغت التسمية الآشورية بالتمام والكمال على السطح السياسي والقومي.

إرتباط الحركة القومية بالتسمية الآشورية:
------------------------
لايستطيع أحد أن ينكر إطلاقاً بأن الحركة القومية في أمتنا وبسبب ظروف موضوعية وذاتية بدأت بالتسمية الآشورية منذ الربع الأخير من قرن التاسع عشر مروراً  ببداية قرن العشرين وما بعده خاصة بين الأوساط المثقفة في مناطق طور عبدين وماردين وهربوط والذين كان معظمهم من المنتمين إلى الكنيسة السريانية الآرثوذكسية ومن ثم أنتقل هذا الفكر القومي التحرري إلى مناطق أكثر إنفتاحاً وثقافة مثل مدينة أورمي في شمال غربي إيران حيث تأسس المجلس القومي وأقر فيه إستخدام التسمية الآشورية بدلا من "سورايا" معتقدين بأن لهذه التسمية الأخيرة دلالات دينية. الجدير بالذكر أن التسمية الآشورية في تلك الفترة لم تكن لها دلالات طائفية مرتبطة بالنسطورية، إذ نلاحظ بأن معظم مؤسسي هذا المجلس ورواد الفكر القومي كانوا من الطوائف الأخرى كالكلدانية، وأشهرهم المطران الشهيد توما أودو، والأرثوذكسية، وأشهرهم فريدون أوراهم أتورايا، والبروتستانية أو الإنجيلية ومدارسهم التعليمية ونشراتهم وصحفهم القومية معروفة في هذا السياق. وتعززت التسمية الآشورية بالحركة القومية بعد تأسيس العديد من الأحزاب السياسية والمنظمات القومية بعد الحرب الكونية الثانية. أنه من نافلة القول والتأكيد على  كون أبناء التسميات الثلاث قومية واحدة لأنهم يحملون عوامل مشتركة من لغة وتقاليد وتاريخ وأرض تؤكد هذه الحقيقة وإن ما يميز بعضهم عن البعض هو الكنيسة ومن يحاول التمييز أو التفريق بين هذه التسميات الثلاث على أسس غير الكنيسة فهو واهم وبعيد عن الواقع والحقيقة. لقد حاول الحركة القومية الآشورية التقليدية تحقيق هدف توحيد هذه الطوائف الثلاث تحت مسمى "الآشوريون" إلا أنها فشلت أما بسبب "تعصبها" لهذه التسمية وإعتمادها على التاريخ أو بسبب عجزها عن إستعياب الواقع الفعلي والموضوعي لأمتنا كما هو. على أية حال، سواء مهم جداً وإستثنائي يفرض نفسه ويقول إذا كان، حسب الحقيقة الموضوعية والواقعية، معظم أبناء الكنائس الثلاث قومية واحدة ويشتركون في نفس المقومات المعروفة في تعريف أية قومية، إذن لماذا لا ينعكس ذلك في وحدة الهوية القومية وبالتالي في وحدة التسمية القومية؟؟ هذا السؤال يفرض عليها أن نبحث وبإختصار في مفهوم الهوية وتحديدا الهوية القومية، وهو أمر سنعالجه في مناسبة لاحقة.

أسباب نشؤ وإستخدام التسمية المركبة:
----------------------
هذا موضوع طويل ومعتقد ومرتبط بمواضيع أخرى أطول وأعقد منه. فعلى الرغم من تأكيدنا على إرتباط التسمية الآشورية بالحركة القومية لشعبنا، فهناك مراحل زمنية معينة وإستثنائية توفرت فيها أسباب معينة تطلب إستخدام التسمية المركبة، وبأختصار نذكر سببين، موضوعي وذاتي:
أولا: موضوعي: من خلال قراءة سريعة لتاريخنا المعاصر خاصة في أعقاب الحرب الكونية الأولى والمأساة والفواجع التي لحقت بشعبنا فرضت هذه الظروف وتطلب الأمر حشداً أكبر وأضخم لأبناء أمتنا ليشمل جميع أبناء فروع كنيسة المشرق والطوائف لغرض مواجهة هذه التحديات المميتة والمصيرية فجاءت التسمية المركبة، خاصة كلدو آشور كصيغة شاملة ومستوعبة لأكبر قدر من أبناء شعبنا. ونفس الحال تكرر بعد سقوط النظام البعثي عام 2003 وضياع شعبنا في متاهات وتخبطات كانت تتطلب نفس الجهود في حشد معظم أبناء شعبنا لمواجهة هذه التحديات، فظهرت التسمية المركبة. ومن الجديد بالذكر أيضا بأنه بسبب نفس الظروف المأساوية والمميتة في سوريا تبنت أكبر وأول حركة قومية في سوريا، المنظمة الأثورية الديموقراطية – مطكستا تسمية أشوريون سريان بعدما أن كانت تعتمد على التسمية "الأثورية".
ثانيا: ذاتي: من الملاحظ بأن في تلك المراحل الصعبة والمميتة برز بعض قادة أمتنا على رأس الحركة القومية من مؤمني الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وأشهرهم الجنرال أغا بطرس والقائد ماليك قمبر فأسسوا قوات تحت مسميات مركبة كقوات كلدو آشور وغيرها فجاءت هذه التسمية بنتائج تمثلت في إنضمام العديد من مؤمني الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية إلى هذه القوات. وهنا يجب أن لا ننسى دور الكنيسة الكاثوليكية والدول العظمى في تلك الفترة كفرنسا من تشجيع هذه التسمية المركبة ومساندتها للقوات المشكلة تحت هذه التسمية. وهنا أيضا وبالمقابل يجب أن لا ننسى دور بريطانيا في دعم التسمية الآشورية ومساندتها للعائلة البطريركية لكنيسة المشرق "النسطورية" التي كانت تتبنى التسمية الآشورية. والحال نفسه بعد عام 2003، حيث تعالى الصوت الكلداني القومي وبرزت شخصيات ومنظمات كلدانية تطالب بالحقوق القومية وشارك الكثير منهم في مؤتمر بغداد لعام 2003 الذي تبنى التسمية المركبة والوضع المأساوي لا زال قائما ومستمر على أشده في هذه الأيام والتسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريين" سائدة بين أكثرية الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية لأمتنا. 
خاتمة وإستنتاج:
========= 
أن هذا الموضوع يأتي على قاعدة إنفتاح العقل وتقبل كل ما يدفع مسيرة أمتنا نحو الوحدة وتحقيق مصالحها القومية في أرض الوطن ويناقش المسألة الشاغلة لمعظم أبناء أمتنا حول التسمية القومية والتي من المفترض أن تكون واحدة معبرة عن قومية واحدة كسبيل لمنع التشتت وتحقيق الوحدة الفكرية والسياسية كعامل أساسي في تحقيق هدفنا القومي السياسي. بأختصار شديد نقول بأن على كل كلداني أو سرياني أو آشوري أن يعتتز بكلدانيته وبسريانيته وبآشوريته ولا أحد في هذا العالم يستطيع أن ينتزع منه هذا الإعتزاز. وأن تبني التسمية الثلاثية "الكلدانية السريانية الآشورية" سواء بوجود حرف الواو بينهم أو بدونها، كطرح سياسي لتحقيق أهداف الأمة بجميع مكوناتها في الوقت الحاضر وضمن الظروف السياسية والفكرية السائدة لا يتعارض مع هذا الإعتزاز. لهذا نقول بملئ الفم بأن التسمية المركبة التي تجمع الكلدان والسريان والآشوريين ليست مسخاً تاريخياً لأي من هذه التسميات الحضارية بل هي تأكيدا على تاريخيتها وحضارتها. يجب علينا أن نعرف بأن أي إنجاز كلداني هو من دون شك إنجاز آشوري وسرياني وهكذا بالنسبة للإنجازات الآشورية والسريانية هي إنجازات للكلدان، وهذا شبهناه في السابق بالأواني المستطرقة. أن التسمية الثلاثية ليست دليل على أزمة في الهوية القومية بل هي إنعكاس لوعي قومي سياسي لإستيعاب الواقع كسبيل لتحقيق الأهداف القومية. أن التحلي بالوعي السياسي القائم على فهم واقع الأمة وعلى وحدتها الموضوعية أمر يجعل من مسألة التسمية موضوعاً هشاً وضعيفاً لايستوجبه الخلاف والنزاع حوله أمام ضرورة وعظمة مسألة وحدة أمتنا كحقيقة موضوعية واقعية.  ففي هذه الأيام الوضع الحالي لأمتنا ومصيرها مربوط على ظهر عفريت طائر نحو المجهول وهو الأمر الهام والمصيري الذي يتطلبه حشد جماهيري قائم على فهم الحقيقة والواقع وبمنظور ووعي قومي مرتكز على أن لا ضمان ولا إستقرار وحياة لهذه الأمة من دون وعي بوحدتها كما هي في الواقع الموضوعي. صحيح أن الحقيقة الموضوعية، التي لا تقبل النقاش في كوننا أبناء أمة واحدة، لم تنعكس في شكلها الوحدوي على الساحة السياسية لتفرز تسمية واحدة وذلك بسبب ظروف مؤثرة سبق وأن شرحناها في أعلاه، ولكن ضرورة وأهمية الوعي بوحدة الأمة كحقيقة موضوعية أمر لامحال منه سيؤدي إلى تتطابق هذه الحقيقة الموضوعية مع شكلها في المستقبل فيما إذا تمت الممارسة السياسية بفكر ووعي منفتح ووحدوي جامع لكل مكونات أمتنا.   

122

الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا)
بين المؤتمرين السابع (2013) والثامن (2017)... نظرة مقارنة
=====================================================
أبرم شبيرا
توطئة:
------
مضى على المؤتمر الثامن لزوعا الذي أنعقد في نوهدرا (دهوك  حاليا) للفترة من 23-25 أذار 2017 أكثر من شهر والذي هو من الأحداث المهمة في تاريخ حركتنا السياسية القومية. وتنبع أهميته في كون زوعا حركة سياسية قومية أكثر شعبية ونشاطا من بين بقية الأحزاب والحركات السياسية لأمتنا وربما حتى العراقية منها ويزيد عمرها عن 38 سنة وحققت بعض الأنجازات التي تعتبر تاريخية في سياقها الزماني والمكاني، هذا نهايك عن إستمرار إنعقاد مؤتمراتها وبحضور عدد كبير من المندوبين بشكل يسوغها علم السياسة والمنطق حسب المفاهيم المتبعة في الدراسات الأكاديمية في العلوم السياسية وهي العوامل التي تعكس مدى قوة تنظيمها وهيكليتها وشعبيتها وأساليب أتخاذ القرارات من أعلى هيئة في التنظيم. ولكن مع كل هذه الأهمية نرى بأنها لم تنعكس في أهتمامات القراء والمثقفين والقوميين غير بعض السطور في التهجم والتجريح والأهانة لبعض قادتها ولغايات تفريغ الحقد والكراهية لهذا المسؤول أو ذاك، أو المدح والتطبيل لها ومن دون أي فائدة تذكر تضاف لصالح زوعا. من هذا المنطلق، فهذه السطور هي محاولة لسد مثل هذا الفراغ في الوعي القومي السياسي لدى أبناء أمتنا خاصة فيما يتعلق بأحزابنا السياسية. ومن الضروري أن يتفهم القارئ اللبيب بأن الكتابة في مثل هذه المواضيع التي طالما نسعى منها الموضوعية وبيان جوانبها الإيجابية والسلبية فأن هذا لا يعني إطلاقاً بأنها مواقف معادية أو تطبيلية لهذه الحركة القومية السياسية. فكشف مثل هذه المواضيع بكل جوانبها السلبية والإيجابية هي التي ستفيد زوعا في مسيرتها السياسية وهي أيضا بالتالي ستضيء بعض المحطات في مسيرة حركة أمتنا السياسية.

عودة إلى التاريخ القريب:
-------------- 
عقب إنتهاء المؤتمر السابع لزوعا الذي عقد في بغداد للفترة من 16 – 18 تشرين الاول 2013 كتبتُ موضوعاً تحليلاً عن المؤتمر وبعنوان (أضواء خافته على المؤتمر السابع (2013) للحركة الديموقراطية الآشورية) متناولا جميع جوانبه الإيجابية والسلبية ونشر في حينها في موقع عنكاوه المؤقر. تناولنا فيه مختلف الجوانب المهمة منها فترة إنعقاد المؤتمر وعدد المندوبين الحاضرين الذي قدر أكثر من (300) مندوباً حسب موقع زوعا الألكتروني وأسلوب إنتخاب السكرتير العام وأعضاء اللجنة المركزية والإحتياط ثم بينًا بعض المقترحات والأساليب الضرورية التي يستوجب إتباعها في إنتخاب السكرتير العام وأعضاء اللجنة المركزية. وفي حينها "أنتخب وبالإجماع" السيد يونادم كنا سكرتيراً عاما لزوعا وفاز بـ "التزكية" لعدم وجود مرشح منافس له مع 16 عضواً لللجنة المركزية وثلاثة أعضاء إحتياط إضافة إلى أختيار ثلاثة أعضاء لعضوية لجنة الرقابة والتدقيق.

زوعا بين المؤتمين السابع والثامن:
--------------------
عندما أطلعت على بيان زوعا عن مؤتمرها الثامن وتمعنت النظر فيه وما نتج عنه من "إنتخاب" السكرتير العام وأعضاء اللجنة المركزية وذلك بهدف كتابة بعض السطور عن هذا الحدث المهم، لم أجد ما يستوجب الكتابة عنه غير القليل لأنه عندما حاولت فعلاً الكتابة وجدت بأنني أكرر نفسي وأكرر ما كتبته قبل ثلاث سنوات عن المؤتمر السابع، فلا جديد ومهم يذكر طالما بقية الأمور الجوهرية خاصة مسألة إختيار السكرتير العام وطريقة الإختيار نفسها من دون تغيير. على أن هذا لا ينكر بأن هناك بعض التغييرات الطفيفة لتعديلات النظام الداخلي الذي لم يصدر لحد الآن بحلته المعدلة وعدم ترشح العضو البارز في اللجنة المركزية السابقة السيد سركون لازار لعضوية اللجنة المركزية الحالية والذي دارت الدنيا عليه أثناء توليه منصب وزير البيئة بإعتباره أبن شقيقة السيد يونادم كنا. ولكن المهم في قمة هذه التغييرات "الطفيفة" هو إعادة فوز 10 من أعضاء اللجنة المركزية السابقة والمنتخبين في المؤتمر السابع لعضوية اللجنة المركزية الحالية في المؤتمر الثامن. وأهمية هذه الإعادة تأتي بأن معظم هؤلاء كانوا بالأمس القريب طلاب أو شباب أعضاء في اللجان الطلابية والشبابية واليوم أعتلوا بفعل إمتلاكهم  للكفاءات الفكرية والنشاطات السياسية مواقع قيادية ومن المؤكد، وبحسب معرفتي الشخصية بهم، بأنهم سيرتقون مستقبلاً إلى مستوى قيادي أعلى من المستوى الحالي. فهذه حالة إيجابية في تعويض "المحاربين القدماء" بالشباب أو بـ "المحاربين الجدد" ولكن ليس بطريقة فصل أو أبعاد "المحاربين القدماء" بل بإبقائهم جزء مهم من تاريخ ونضال وفكر زوعا والأكثر أهمية كمصدر من مصادر تطوير قدرات الشباب نحو مستويات قيادية.

مختصر في مفهوم "المؤتمر العام" وتطبيقات زوعا:
----------------------------
من الناحية النظرية يعتبر المؤتمر أعلى سلطة قيادية في الحزب السياسي والمرجع الأساسي لسياسة الحزب ولقراراته الجوهرية وهي قرارات غير قابلة للرفض والطعن وتكون ملزمة لجميع هيئات الحزب ومن دون إستثناء، ويتمتع بصلاحيات تنظيمية وسياسية وفكرية ومالية واسعة، فهو الذي ينتخب أعضاء اللجنة المركزية أو القيادة العليا ويحاسبها كما ينتخب أعضاء لجنة التفتيش والمراقبة. وفي الكثير من الأحزاب السياسية يقوم المؤتمر بإنتخاب السكرتير العام للحزب أو رئيسه أو نائبه. وبالنظر لكون المؤتمر متكون من عدد كبير من الأعضاء والمعرفين بـ "المندوبين" ويصعب جمعهم بصورة دائمة ومستمرة لذا فهو ليس هيئة دائمة الإنعقاد بل لكل حزب سياسي فترات معينة لإنعقاد إجتماعات المؤتمر. فهناك نوعات من الإجتماعات، وهما: الأول: الإجتماعات الإعتيادية المنتظمة التي تنعقد كل سنة أو سنتين أو ثلاثة أو أربع سنوات، وحسب طبيعة كل حزب سياسي. فزوعا مثلا ينعقد مؤتمره العام كل ثلاث سنوات في حين أن الحزب الشيوعي العراقي ينعقد مؤتمره العام كل أربع سنوات. الثاني: هو الإجتماعات الإستثنائية التي تنعقد بين فترات الإجتماعات الإعتيادية المنتظمة والتي تسمى أحياناً بـ "الكونفراس" لغرض دراسة ومعالجة وإقرار بعض الأمور الإضطرارية التي لا تتحمل التأخير والإنتظار للمؤتمر العام.

هذا من الناحية النظرية، أما من الناحية الواقعية فهناك مسألتين بشأن كون المؤتمر العام أعلى سلطة قيادية وصاحب القرار الأساسي والجوهري للحزب.
الأولى: الوقائع والممارسات الفعلية للكثير من الأحزاب خاصة في دول منطقة الشرق الأوسط التي  تتخبط أنظمتها السياسية والحزبية في العملية السياسية ويصبح مفهوم الإنتخابات النزيهة والممارسات الديموقراطية الصحيحة أمر مشكوك فيه، حيث تبين بأن العناصر القيادية البارزة خاصة السكرتير العام وأعضاء اللجنة المركزية يكون لهم تأثيراً قوياً وفاعلاً على أعضاء المؤتمر العام وبالتالي معظم القرارت التي يصدرها المؤتمر العام تكون في الحقيقة والجوهر حسب توجهات وقناعات هؤلاء القادة المتنفذين. على الرغم بأننا لا نستطيع الجزم القاطع فيما يخص زوعا، لكن نقول بأن مثل هذه الحالة تنطبق عليها في مؤتمراتها العامة حيث لا يمكن تصور صدور قرار من مؤتمرها العام معارض أو غير متوافق مع أفكار وسياسيات وتوجهات السكرتير العام والقادة المتنفذين.
الثانية: بالنسبة لفترات إنعقاد إجتماعات المؤتمر العام الإعتيادية، تبين بأن الأحزاب التي تأخذ بفترات قصيرة كسنة أو سنتين هي الإحزاب المتمكنة والفاعلة والتي يتوفر لها قادة أكفاء لتولي مسؤولية الحزب وقابلة لتغيرها خلال هذه الفترة القصيرة وبالتالي يكون تناوب السلطة مستمراً، وأن مثل هذه الأحزاب هي أحزاب مؤسساتيه تقوم على هيئات منتظمة وفاعلة وليس على قائد واحد أو عدد معين من القادة. في حين نرى بأن الأحزاب السياسية التي تأخذ إجتماعات مؤتمرها العام ثلاث سنوات أو أكثر يكون لها شحة في القادة الأكفاء . وقد بينت تجارب العديد من الأحزاب السياسية التي تنعقد مؤتمراتها ببين فترات الطويلة بأنها تخلق لدى السكرتير العام أو رئيسها  شهوة الإستمرار في السلطة ويسعى للجلوس على الكرسي لفترات طويلة، وهذا الأمر ينطبق نوعا ما على زوعا وعلى الكثير من أحزاب بلدان العالم الثالث التي تكون في العادة أحزاب شمولية تسود هيمنة الزعيم على مقدرات الحزب.     

أحداث خطيرة بين المؤتمرين:
----------------
حدث خلال ثلاث سنوات التي تفصل بين المؤتمرين أحداث خطيرة جداً على المستويين الخارجي القومي والداخلي التنظيمي:
المستوى الخارجي القومي:
---------------
 يتمثل في إحتلال داعش الإجرامي الكثير من مناطق شعبنا عام 2014 وتشريد شعبنا في مخيمات بائسة وإضطرار الكثير منهم إلى الهجرة خارج الوطن أو اللجوء إلى الدول المجاورة مما خلق حالة إحباط ويأس في نفوس الكثير من أبناء شعبنا ولم تعد مسألة الحقوق القومية والمطالبة بها أمراً مهما بالنسبة لهم مقارنة مع النجاة بحياتهم والبحث عن الإستقرار والأمن وضمان مستقبل أبنائهم. فلو حاولنا أن نكون موضوعيين ومنطقيين نرى بأن لا الدولة العراقية بكل قواتها المسلحة ولا ميليشيات الأحزاب العراقية لا بل حتى قوات الدول العظمى أستطاعت الحد من وحشية داعش وكبت عدوانه فكيف والحال مع شعبنا، أصغر وأضعف الحلقات الديموغرافية في الوطن، من التصدي لجرائم داعش ونتائجها المؤساوية على شعبنا، أي بعبارة أخرى أن توازن القوى بين الطرفين معدوماً تماماً بسب هول التحديات المميتة التي يواجهها شعبنا وأحزابه السياسية. من هذا المنطق نقول بأنه من الظلم والإجحاف أن نلوم زوعا وغيرها من تنظيماتنا القومية والكنسية بعجزهم في مواجهة جرائم داعش ونتائجها. فحتى بضعة مئات من أفراد وحدات حماية سهل نينوى (NPU) يجب أن تفهم من صياغة أسمها (حماية) هي ليست بتلك القدرة والقوة والتجهيز لمحاربة دايناصور داعش ولا تملك النعمة الإلهية لداود في محاربته لكولياث الجبار، بل هي لحماية مناطق شعبنا بعد تحريرها من داعش. فبإعتقادي، وفي ضوء إختلال أو فقدان موازين القوى المتصارعة على الأرض، كان هذا أقصى ما تستطيع زوعا عمله ضمن هذا المؤثر الجبار والقاتل. ولكن ماهو الأمر بالنسبة للمستوى الداخلي التنظيمي الذي هو أيضا يرتبط بالمستوى الخارجي القومي بشكل أو بآخر ويتأثر به وإن كان بشكل غير مباشر.
المستوى الداخلي التنظيمي:
---------------
يتمثل في خروج بعض من أعضاء قيادة زوعا ومناصريهم وترك التنظيم، أي بعبارة المفهوم الحزبي، إنشقاق في التنظيم، وما ترتب عليه من نتائج في إلتحاق أعضاء أخرى من زوعا بهم وتشكيل كيان إنتخابي تحت مسمى (كيان أبناء النهرين) – الكيان -  وفوز أحد أعضاءه القياديين بكرسي في برلمان الإقليم وقيامهم بإختيار هيئات قيادية وفتح فروع له وتشكيلات سواء في الوطن أم في بلدان المهجر. فلهذا الحدث أهمية خطيرة وسابقة سياسية في تاريخ حركتنا القومية وأحزابها السياسية. صحيح هو أن هناك إنشقاقات سابقة في أحزابنا السياسية ولكن كانت مجرد شخص أو بضعة أشخاص سرعان ما أختفوا أو رجعوا إلى تنظيمهم السابق وأنتهى الأمر. لكن لإنشقاق زوعا أهمية خطيرة تنبع من كونه يشمل عدد من الأعضاء ومعظمهم كانوا في مستويات قيادية أو أعضاء في اللجنة المركزية لا بل بينهم من مؤسسي زوعا القدماء وكانوا في فترات سابقة يعتلون مناصب إدارية عليا أو برلمانية. ومن الضروري أن نفهم بأنه على الرغم من أن الكيان رسمياً هو  نتاج السنوات الثلاثة الفاصلة بين المؤتمرين السابع والثامن إلا أن جذور هذا الإنشقاق تمتد إلى المؤتمر الخامس المنعقد في دهوك (28-30/حزيران/2007) عندما تنافس كل من السيد توما خوشابا والسيد يونادم كنا على منصب السكرتير العام وبالكاد فاز السيد يونادم بـ (125) صوت على السيد توما الذي حصل على(123) صوت، أي بمعنى الكلمة بأنه كان هناك وبشكل واضح عدم إتفاق بين المندوبين يقارب النصف. فكان من نتائج هذه الإنتخابات بروز نوع من الفتور والتخبطات والتخوينات بين أعضاء قيادة زوعا. وفي المؤتمر السادس المنعقد في بغداد (12-16/آب/2010) تجسد هذا الخلاف أكثر بين أعضاء اللجنة المركزية المنتخبة (14 عضو + السكرتير العام) حيث ظهرت المعادلة التي عرفت بـ (6) مقابل (9) التي بالكاد أستمر أعمالها بشكل إيجابي ومثمر بسبب الإعتراضات والتخوينات والعقوبات... وهلم وجر. وتوضحت الخلافات بشكل بارز  عقب إنعقاد المؤتمر السابع  16 – 18/ تشرين الاول/ 2013 في بغداد عندما أنتخب أعضاء اللجنة المركزية من دون مشاركة الآخرين وإعادة إختيار السيد يونادم كنا كسكرتير عام ومن دون منافس وما تلى ذلك من بيانات وإيضاحات وإتهامات بين الطرفين أنتهى المطاف بتشكيل كيان أبنا النهرين، ثم أعيد المشهد نفسه في المؤتمر الثامن من دون تغييرات جوهرية رغم كل التحديات الخطيرة التي عصفت بشعبنا خلال السنوات الثلاث الماضية.

أن التحديات السالفة الذكر، القومي والتنظيمي كانا من المفترض لا بل من الواجب القومي المطلوب على كلا الطرفين زوعا والكيان أن يتحركوا بشكل أكثر إيجابية وشفافية من أجل التوصل إلى تفاهم ووحدة الصف. فإذا كانت مواجهتهم لجرائم داعش صعبة أو مستحيلة أو قليلة التأثير فأن مطلب الوحدة بين الطرفين أمر سهل التطبيق لو تم وضع المصالح التحزبية والشخصية والحالة النفسية المتراكمة من الماضي جانباً والذي من المؤكد سيكون له تأثيراً على الجانب الخارجي القومي ويعزز من مصداقتهم تجاه أبناء أمتنا ويبعث فيهم نوع من الأمل وتخفيف الإحباط في نفوسهم ويسترجع إهتمامهم بشؤون الأمة ومطاليبها المشروعة. وعلى العموم هناك ضوء خافت جداً في نهاية النفق نستشف منه في قول الكيان في أحدى بياناته مايلي (إننا سنكون مستعدين دوما للحوار، لكن على أسس ومبادئ تخدم العمل القومي وقضية شعبنا، لا على أساس شخصنة الأمور ولا بمخالفة المبادئ التي أتخناها سبيلا للعمل القومي الحقيقي). وبالمقابل جاء في البيان الختامي لمؤتمر زوعا الثامن مايلي (وعن مبادرة حركتنا لعودة الاعضاء السابقين ممن لم تسنح الفرصة لهم  للعودة الى صفوف التنظيم حاليا، او بسبب بعض الشروط والمطالب التي لم تكن من صلاحية اللجنة المركزية، اكد المؤتمر على معالجتها في الفترة المقبلة).
نقولها علنا وصراحة وصدقا بأننا جميعاً والكثير من أبناء أمتنا بإنتظار ما سوف يتحقق من هذين الموقفين بشأن الوحدة بين الطرفين وبالأخص نحن شخصيا بإعتبارنا كنًا من المبادرين في هذا الشأن نقول بأن الكيل قد طفح ولا نريد أن نكشف الكثير من الأمور التي عقدت وعرقلة وربما أفشلت مسألة الحوار نحو الوحدة وذلك خشية من تعكير أجواء الأمل في إستمرار الحوار بين الطرفين. ولكن كما يقال (للصبر حدود) ونؤكد بأن هذا الصبر لا يستطيع الصمود طويلاً أمام تساؤلات الكثيرة والملحة من أبناء شعبنا للكشف عن ما جرى في المناقشات، ووعدا بأننا سنكشفها قريبا فيما إذا لم نتحسس بتحرك إيجابي وفعلي بين الطرفين في هذه المسألة، وهي مسألة لا تتحمل الإنتظار كثيراً وداعش ينهش بجسم أمتنا من جهة والهجرة تبلغ شعبنا من جهة أخرى.

مسألة إنتخاب السكرتير العام:
----------------
هذا الموضوع تم معالجته في المقالة السابقة التي كتبناها عن المؤتمر السابع المشار إليه في أعلاه كما هو جزء من الإقتراح الذي قدم إلى أعضاء التحاور من أجل الوحدة بين زوعا والكيان. في مقالة سابقة وتحت عنوان (أسباب تخلف الآشوريين ... بين الأمس واليوم) الذي نشر في موقع عنكاوه الموقر، ذكرنا فيه سبب تخلف الآشوريين وتحديداً أحزابنا السياسية ومؤسساتنا القومية والدينية هو الجهل ليس بمعناه التعلم والمعرفة بل بالعديد من المسائل القومية والسياسية التي تهم أحزابنا السياسية ولم نستثنى منها زوعا. فالشيء المستغرب هو بأن قادة زوعا لا يرغبون سماع المفيد والصحيح فتكرر نفس الإخطاء في فهم بعض المفاهيم السياسية التي يجب أن تعتمدها في ممارساتها، خاصة مفهوم الديموقراطية وإختيار السكرتير العام وفق هذا المفهوم السحري. كما قبل ثلاث سنوات عشية أنتهاء المؤتمر السابع نكرر القليل مما ذكرناه بخصوص إنتخاب السكرتير العام وأسلوب إنتخابه. جاء في بيان زوعا عقب إنتهاء أعمال المؤتمر السابع (وفي الجلسة الختامية للمؤتمر تم انتخاب السكرتير العام للحركة واعضاء اللجنة المركزية وعلى مرحلتين، ففي المرحلة الأولى تم انتخاب الرفيق يونادم كناً سكرتيراً عاماً للحركة وبالتزكية.. ثم إنتخاب أعضاء اللجنة المركزية ). وفي البيان الختامي للمؤتمر الثامن جاء فيه ( وفي الجلسة الختامية وفي جو ديمقراطي جدد المندوبون بالاجماع ثقتهم بالرفيق يونادم كنا سكرتيراً عاماً للحركة) وفي مكان آخر جاء فيه (وفي اليوم الثالث تم انتخاب السيد يونادم كنا سكرتيرا عاما للحركة من قبل جميع الحاضرين الذين اتفقوا بالاجماع على منح السيد كنا ثقتهم لتولي مهام السكرتير العام للحركة الديمقراطية الاشورية لثلاث سنوات قادمة). لقد سبق وأن أكدنا مراراً وتكراراً بأن مثل هذه المفاهيم في الإجماع، والذي يعيني 100% أو بالتزكية، أي عدم وجود منافس للمرشح الوحيد، مفاهيم بعيدة كل البعد عن الديموقراطية. 

أن أبسط متطلبات الديموقراطية هي أن يكون هناك تنافس وهذا لا يمكن أن يكون إلا بين أثنين أو أكثر، فالديموقراطية لعبة سياسية وكأي لعبة يتطلبها أكثر من لاعب واحد ولا يمكن إطلاقا لشخص أن يلعبها لوحده ما لم يكن يخدع نفسه قبل غيره. فلم نسمع طيلة حياتنا فوز أي رئيس أو حاكم أو زعيم حزب أو حركة بالتزكية في بلدان ذات الأنظمة السياسية والحزبية الديموقراطية. ربما قد نجد في بعض الأحزاب في الدول التي تتبنى الديموقراطية زعيم حزب يستمر في منصبه لسنوات طويلة ويتم إختياره عدة مرات ولكن هذا الإختيار هو إنتخاب ونتاج منافسة مع غيره من المرشحين للمنصب. فهناك العشرات أن لم يكن المئات من أعضاء البرلمان ورؤؤساء دول أو أحزاب سياسية أستمروا في منصبهم لسنوات طويلة ولكن هذا الإستمرار هو نتيجة فوزهم في إنتخابات من بين العديد من المرشحين، وهي الأحزاب أو الدول التي تتمتع أنظمتها بالديموقراطية الصحيحة.  أما إستمرار زعيم الحزب في منصبه عن طريق إختياره بالتزكية أو بالإجماع فإن مثل هذه الأحزاب السياسية هي في معظمها أحزاب متطرفة ومتشددة سواء أكانت في أقصى اليسار أم أقصى اليمين. وحتى هذا لا يعتبر إنتخاب بل تجديد أو تمديد لمنصب الزعيم وهو ما يعرف بالفكر السياسي الإسلامي بـ "المبايعة". إذن من هذا المنطلق نقول بأن السيد يونادم كنا لم ينتخب بل جدد منصبه أو مدد لثلاث سنوات أخرى قادمة ولم تجري عملية إنتخابه طالما كان وحده في الساحة. كما يجب أن لا يفوتنا أيضا أن نشير إشارة عابرة إلى كلمة (الإجماع) وهذه الكملة أيضا هي شقيقة لكلمة التزكية فهي الأخرى بعيدة كل البعد عن مفهوم الديموقراطية، فالإجماع، أي 100% هو أسلوب الأنظمة التسلطية وقد عرفناه ولمسناه وعانينا منه كثيراً في وطننا العراق وغيرها من الأوطان العربية ولا يستوجبه شرحاً مفصلاً، وعلى أمل العودة إليه في مناسبة لاحقة عن فهم المفاهيم السياسية وكيفية ممارستها وتطبيقها على أحزابنا السياسية.

على أن كل هذا لا يعني عدم كفاءة السيد يونادم كنا، فخلال السنوات الطويلة التي تخبر بالممارسة السياسية الصعبة وهو على رأس زوعا ولا يعني أيضاً إستمراره على زعامة زوعا لمدى الحياة، فالعيب ليس في شخصه ونقص في كفاءته وبقاءه في هذا المنصب لفترة طويلة بل في طبيعة مجتمعنا وأحزابنا السياسية التي تفتقر إلى كوادر قيادية بمستوى التحديات الصعبة والمميتة التي واجهت وتواجها أمتنا. لقد كان هناك همسة تسربت من أروقة المؤتمر الثامن لزوعا تقول بأن السيد يونادم كنا أضطر لترشيح نفسه ووعد بأنها المرة الأخيرة له في هذا المنصب وأنه سيتركه خلال الدورة القادمة. وقد يكون مثل هذه الهمسة توافقاً ومطابقاً لما قاله لي شخصيا وأنا في ضيافته في بيته في أربيل مساء يوم 20/11/2016 وبحضور السيد أزاد يونادم بأنه فعلاً يرغب في ترك منصب السكرتير العام ثم سأل رأيي عن ترشيحه لثلاثة من قيادي زوعا لهذا المنصب، فقلت له الأمر والمشكلة الأساسية في الوضع الحالي ليست في تركك هذا المركز بل في إفساح المجال لغيرك من القياديين الشباب لمشاركتك فعلياً في مسؤولية السكرتير العام. فمن هذا المنطلق كنًا منذ فترة طويلة قد قدمنا مقترحاً وكررنا تقديمه لأعضاء لجنتي التحاور بين زوعا والكيان في إلغاء منصب السكرتير العام وإحلال محله "مكتب السكرتارية العامة" المتكون من ثلاثة قياديين (ترويكا) وعلى أن يكون السيد يونادم كنا من بينهم، على الأقل للدورة القادمة. وقد يكون أختيار مساعدان أثنان للسكرتير العام، السيد يعقوب (جوني) كوركيس لشؤون الإقليم والسيد عماد يوخنا للعلاقات الوطنية، بدلا من مساعد واحد كما كان في الدورة السابقة إستجابة خجولة لمقترح ترويكا. هذا الموضوع طويل ومفصل ونوعد القارئ الكريم بأننا سنتناوله بشكل مفصل في الفترات القادمة.

123

رسالة إلى الحركة الديموقراطية الآشورية بعد إنقضاء أعمال مؤتمرها الثامن 23 -25 آذار 2017 في دهوك
================================================


(*)
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
لنا لقاء في رسالة قادمة – أبرم شبيرا










   



(*)  الصورة الكاريكتية للفنان المبدع هارون نقلا عن جريدة الخليج الإماراتية: 16.03.2017


124
كردي يتفرج على مسيرة أكيتو 6767 في دهوك ويقول:
---------------------------------------------

والله... هؤلاء الآشوريون سيكونون دولة
====================================
أبرم شبيرا

قد يكون قول هذا المواطن الكوردي البسيط، وهو يتفرج من على عتبة دكانه في سوق مدينة دهوك على مسيرة أكيتو رأس السنة البابلية الآشورية 6767 التي نظمتها الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا)، وأنا واقفاً إلى جانبه بعد مسيرة طويلة وهو يقول (به خودا ئه م كه ئى ئاشوري ئه بنه ده و له ت) – أرجو المعذرة من الأخطاء والتهجي لأنني لا أجيد اللغة الكوردية – ولكن عرفت معناها من صديقي الذي كان معي في نفس الوقت ويعرف الكوردية والتي معناها (والله هؤلاء الآشوريون سيكونون دولة)، قد يكون  في هذا القول نوع من الإهتمام والدهشة بل حتى الغرابة وهي الحالة الذهنية التي من المؤكد ستثير نوع من الإهتمام والغرابة لدى القارئ الكريم لا بل وعندي أيضا وهو السبب الذي دفعني لكي يكون قول هذا المواطن الكوردي البسيط عنواناً للتطرق إلى مسيرة أكيتو لهذا العام. ومصدر هذه الإهتمام والغرابة ليس ذاتياً وشخصياً فحسب بل هو مستمد من واقع مثير وغير أعتيادي فرضته المسيرة على هذا المواطن الكوردي وعلى المشاركين فيها وأيضا على المتفرجين عليها من ألاف الكورد وهم واقفون على جانبي الطرق التي سارت المسيرة النسانية عبرها. فمن أين أستمد هذا المواطن الكوردي البسيط قوله وشعوره في إمكانية أن يكون للآشوريين دولة؟. فلا بد أنه كان هناك عوامل موضوعية وواقعية عديدة للمسيرة هي التي خلقت مثل هذا الإهتمام والغرابة والدهشة لهذه المسيرة الفريدة من نوعها في تاريخ العراق المعاصر عندما نقارنها مع غيرها من المسيرات والإحتجاجات في العراق آخذين بنظر الإعتبار العوامل السياسية والقومية والدينية والديموغرافية للأشوريين في مقارنتها مع غيرهم من القوميات والمذاهب والكتل السياسية.

أولى هذه العوامل هي الحشود الضخمة للمسيرة والتي قدرها صديقنا بهرم بهرامي عبر منظاره التلسكوبي الرقمي وخبرته الهندسية والإحصائية بحدود لا يقل عن 20 ألف مشارك في الوقت الذي قدره المغردون خارج السرب القومي بحدود 300 مشارك معتمدين على لقطة كاميرا لزاوية من زوايا المسيرة أو لكردوس واحد بث عبر شاشة تلفزيونية.  وهناك صور عن جانب من المسيرة نشرها موقع (زوعا) – www.zowaa.org_   تؤكد حقيقة حجم المشاركين في المسيرة خاصة موقع الإحتفال الذي يبين بأن الألاف من المشاركين والضيوف قد أحتشدوا في الساحة رغم هطول الأمطار بغزارة وإستمرار الإحتفال كما كان مخطط له. والصور في أدناه مأخوذة من هذا الموقع. ولهذه المشاركة أهمية عظيمة لدى أبناء شعبنا خاصة عندما نعرف بأن الظروف الأمنية التي سادت في العراق كانت من الممكن أن تكون حائلاً للكثير من دون المشاركة ولكن عظمة هذه المناسبة وأهميتها في تاريخنا وإشتياقهم للمشاركة فيها بعد إنقطاع دام سنتين وثقة أبناء شعبنا بالمنظمين لها كلها عوامل ساعدت لإندفاع أبناء شعبنا نحو هذه المسيرة التاريخية والمشاركة فيها وبحماس.
 

 

ليس المهم شكل وحجم المشاركين في المسيرة فحسب بل الأهم من هذا هو نوعية المشاركين فيها. فبالإضافة إلى الجماهير المحتشدة التي سارت في شوارع دهوك الرئيسية وعبر أسواقها المزدحمة شاركت كراديس ومنظمات مختلفة ومن عدة قطاعات وتنظيمات شعبنا التي كانت تتقدمها حملة الإعلام القومية والإقليمية والوطنية ثم كردوس كشافة حمورابي التابعة لإتحاد الطلبة والشبيبة الكلدوآشوري الذي اثار الكثير من الحماس والإهتمام بإيقاعاتهم العسكرية كما شغل طلبة المدارس التعليم السرياني حيزاً كبيرا من المحتشدين مبهرين الجماهير بملابسهم وبأزياءهم التراثية والجميلة وتلا كل هذا عدد من قادة زوعا ومنظمات جماهيرية والضيوف القادمون من بلدان المهجر. أن النوعية المتميزة للمسيرة كانت تتمثل في عنصر الشباب المشارك فيها بحجم كبير جداً وبإنفعال منقطع النظير بحيث خلق إنطباعاً إيجابياً مثيرا للدهشة والتي بدت وكأنها تزرع أملاً جديداً في شعبنا لإستمرار مسيرته نحو أجيال أبعد رغم كل الظروف المأساوية والإحباطية التي تحيط بالكثير من أبناء أمتنا.

الأمر لا يحتاجها الكثير من التفاصيل عن هذه المسيرة،  فهي مذكورة في الموقع الألكتروني لزوعا المذكور أعلاه. ولكن الذي نود أن نؤكد عليه هو أن رسالة هذه المسيرة قد وصلت وبكل وضوح إلى من يهمه الأمر، الرسالة التي أكد فيها شعبنا بأنه مهما تعرض إلى القتل والخطف والظلم والإضطهاد وسلب حقوقه وأراضيه فأنه صامد كشعب حي وناشط يصر على ممارسة حقوقه ويحتفل بأعياده في أرض أباءه وأجداده... رسالة تكفي أن نفهمها من المواطن الكوردي البسيط الذي عبر بعفوية عن كوامنه الداخلية بحق الآشوريين في أن يكون لهم دولة وكيان خاصة بهم ولكن إذا كان سقف قول هذا المواطن البسيط عالياً جداً فأن سقف مطاليب شعبنا وأحزابه السياسية هي أقل منه بكثير، سقف يتحدد في هذه الأيام بضمان حقوقه القومية والدينية وصيانة كيانه القومي والقضاء على حالة التجاوزات  لأراضيه من قبل الغير وضمان الأمن والإستقرار فيها خاصة في سهل نينوى وإفساح المجال للقوات المسلحة التابعة لأحزابنا السياسية خاصة لوحدات حماية سهل نينوى (UNP) وعدم عرقلتهم في القيام بواجبهم القومي في ضمان الأمن والإستقرار في مناطقهم بعد تحريرها من منظمة داعش الإجرامية.

وإنطلاقاً من الأهمية القصوى لهذه المسيرة في هذه الأيام الصعبة وحسن تنظيمها وإستوعابها للألاف من المشاركين فيها فالحد الأدنى من الواجب القومي يقضي أن نوجه كل الشكر والتقدير للحركة الديموقراطية الآشورية التي تولت هذه المهمة الصعبة في التحضير لها وتنظيمها وإدارتها من جميع النواحي. ولكن ليكن معلوما لكل القراء وأولهم قادة زوعا وأعضاءها، فهذه الخطوة الجبارة لزوعا يجب أن لا تأخذ من باب المدح والإطناب بها بل هي مجرد خطوة نحو الأمام في مسيرة طويلة وصعبة ستكمل عمرها ألـ (38) بعد أيام تعتريها بعض من المطبات والعوائق والأخطاء والإنتكاسات والخطوات إلى الوراء فمن واجبنا القومي الصميمي أن نشير إليها وندرسها بشكل موضوعي حتى تتمكن من تجنبها في الخطوات اللاحقة لمسيرتها.  كما يقضي واجب الشكر والعرفان أن يُقدم لمحافظة دهوك ولبقية الهيئات الحكومية والعسكرية والحزبية التي سهلت أمر هذه المسيرة بقطع وتخصيص الطريق الخاص للمسيرة وتنظيم حركة سير المرور وضمان الأمن والسلامة سواء للمشاركين في المسيرة أو للمتفرجين أو في تنظيم المرور للمركبات التي أزدحمت في شوارع دهوك.

وأخيراً حتى أكون أميناً وصادقا في نقل رسالة من الشخصية القومية المعروفة عمانوئيل قليتا الذي كان له رغبة جامحة في الحضور والمشاركة في المسيرة كما كان عهده في السنوات السابقة إلا أن حالته الصحية الصعبة حالت دون ذلك فهو حملني رسالة التهنئة والتبريكات لكل المشاركين في المسيرة ولكل المحتفلين من أبناء شعبنا بهذا العيد التاريخي المقدس. نتمنى له كل الصحة والعافية ليكون معنا في مسيرة أكيتو لعام 6768. وكل أكيتو وأنتم بخير.   


 


الشخصية القومية المعروفة عمانوئيل قليتا مشاركاً مع أبناء شعبنا في مسيرة السنوات الماضية





125
 
أسباب تخلف الآشوريين... بين الأمس واليوم
=============================== 
أبرم شبيرا
الجهل:
-----
قبل ما يزيد عن قرن من الزمن شخًص البروفسور الشهيد آشور يوسف بيت هربوت (1858 – 1915) أسباب تخلف الآشوريين في مقالة رائعة نشرها عام 1914 في مجلته المعروفة بـ "المرشد الآثوري". وحددها حصراً في كلمة واحدة (الجهل). ثم بينً أسباب عديدة  كانت وراء هذا الجهل في مجتمعنا في تلك الفترة. طالع الموضوع على الرابط: (http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,831834.0.html)
ومن الطبيعي جداً وطبقاً لوعيه القومي وبأعتباره من رواد الفكر القومي الوحدوي في تلك الفترة لم تكن إشارة البرفسور الشهيد إلى  "الآشوريين" على أنهم أتباع كنيسة المشرق الآشورية فقط بل كان يقصد ضمناً أيضا السريان والكلدان بأعتبار جميعهم أبناء أمة واحدة. وبدون أي جهد يذكر في  قراءة المقالة نرى بأن نفس الأسباب "المئوية - القرنية" لازالت تفعل فعلها المؤثرة في مجتمعنا الحالي. وهنا من الضروري أن نعرف الغاية من كلمة الجهل التي أشار إليها البرفسور الشهيد حيث من المؤكد لم يقصد منها عدم العلم والمعرفة والثقافة والتعليم، كما هو معروف لدينا لأنه كان هناك وفي تلك الفترة خاصة في منطقته  (هربوت) وطور عبدين وماردين وأورمي وسهل نينوى العشرات بل المئات إن لم تكن الألوف من المثقفين والمتعلمين وأساتذة وكتاب وشعراء وبعضهم كانوا ذو شأن يذكر في مجتمعاتهم وبلدانهم، كما هو حال مجتمعنا في هذا العصر الذي نضيف إليه أيضا بلدان المهجر المتطورة، بل من خلال قراءة الأسباب التي ذكرها والتي أدت إلى جهل الآشوريين في تلك الفترة نستنتج وبسهولة بأن القصد من الجهل هو ضعف الوعي القومي وغياب المصلحة القومية وتمزق المجتمع إلى طوائف وملل وسيادة النفور والتناطح بينهم وإفتقارهم إلى الحد الأدنى من التفاهم والوحدة وطغيان المصلحة الخاصة والإنانية على المصلحة العامة وبالتالي عجزهم عن تحقيق الحد الإدنى من مطامحهم وحقوقهم القومية. واليوم، كالأمس على الرغم من وجود الألاف من المثقفين والمتعلمين والمبدعين والمفكرين في مجتمعنا فإنه لاتزال الأسباب التي ذكرها البرفسور الشهيد هي نفسها  سائدة وتفعل فعلها المؤثر في طغيان الجهل على مجتمعنا من ناحية ضعف الوعي القومي وغياب ثقافة الحوار المتمدن والتفاهم والتسامح  وقلة أو إنعدام تجارب التعامل الموضوعي مع  واقع عالمنا السياسي القومي وحتى الكنسي والجهل أو الضعف في فهم صيرورة حركة المجتمع من النواحي التي تتحكم في تطوره وتقدمه وبالتالي ضياع المصلحة القومية في متاهات المصلحة الخاصة والإنانية والغرور والتكبر. وقبل أن نخوض في معرفة نماذج من الجهل والممارسات والأسباب التي أدت وتؤدي إلى تأخر الآشوريين علينا أن نبين أنواع الجهل لتكون مدخلاً لفهم الجهل في عصرنا الحالي.
أنواع الجهل:
--------
عندما أطلعت على تصنيف علماء المنطق والإجتماع لأنواع الجهل وجدت إنطباق بعض جوانبها على مجتمعنا في العصر الحالي. فهم يصنفون الجهل إلى نوعين: الأول: وهو الجهل البسيط: الذي يعلم صاحبه ويعترف بجهله في شيء ما أو حالة معينة ولا يدعي بأنه قادر على معرفة خفايا الأمور ولا يخوض في المناقشات أو يقحم نفسه فيها فهو عالم بجهله أو عدم معرفته بالشيء أو المسألة وحتى أذا أقتحم نفسه في موضوع يجهله فهو سريع البديهية في الرجوع إلى الحق والمعرفة. وقلما نجد مثل هؤلاء الأشخاص في مجتمعنا.
الثاني: الجهل المركب: هو ذلك النوع من الجهل الذي يزعم الشخص ويظن بأنه عالم بكل الأمور وله قدرة فائقة ومعرفة في خفايا الأمور ويقحم نفسه فيها فهو لا يرى في نفسه عجزاً أو جهلاً بل يناقش حتى العلماء والإختصاصين في كل المسائل لأنه يعتقد هو العالم والنابغ الوحيد. وما أكثرهم في مجتمعنا الحالي. والحالة لا يستثنى منها زعماء وقادة أحزابنا السياسية وتنظياتنا القومية وكنائسنا فكلهم علماء وأختصاصيون في كل الأمور وأن تعيين المستشارين أو المختصين في مسألة او طلب أو الأخذة بمشورتهم هو تقليل من مكانتهم في المجتمع. لا بل وأكثر من هذا... بالله عليكم يا قراء الأعزاء هل شاهدتم يوما ما زعيم حزب سياسي أو قادته أو كبار رجال كنيستنا يحضرون محاضرة لأحد المثقفين أو المختصين في حقل ما من أبناء أمتنا؟؟؟ طبعاً مستحيل فهذا بالنسبة لهم عيب أن يحضورا ويستمعوا إلى محاضرة المثقف النابغ لأنهم أكثر علماً ومعرفة منه لذلك لا معنى لحضورهم للمحاضرة والإستفادة منها. هل سمعنا أو شاهدنا حضور العلمانيين من كبار المثقفين والمفكرين للمجاميع المقدسة لكنيستنا المشرقية بكل فروعها كمستشاريين لأعضاءها وأستفادوا من خبرتهم وعلمهم في الشؤون التاريخية والتراثية؟. هنا أتذكر ذات مرة وقبل سنوات عديدة فبينما كان أحد أساقفة كنيستنا يُحضر نفسه لحضور المجمع السنهادوسي لكنيسة المشرق الآشورية قلت له، سيدنا لي بعض المقترحات فأرجو أن توصلها إلى المجمع؟ فرد مندهشاً قائلآ: "أنتم العلمانيين القوميين أخذتوا كل شيء منًا ولم يبقى لنا إلا هذا المجمع السنهادوسي والآن تريدون أن تأخذوا هذا أيضا؟؟!!". 

والحال أسوء بالنسبة لأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية. ففي هذه الأيام أنعقد المؤتمر الثامن للحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) وهو حدث تاريخي في عصرنا الحالي حضره 300 مندوب (سنأتي بالتفصيل عن هذا الحدث في مقالة لاحقة)، أفهل كان من بينهم أختصاصي أو أكاديمي في المسائل الحزبية والتنظيمية أو أستدعوا أحد أبناء أمتنا المختصين في هذه المسائل وأستفادوا من خبرته وعلمه، فالحقائق الواقعية تعطي الجواب الشافي ولا يستوجبها التفصيل. أتذكر قبل سنوات عديدة كنت في حديث مع قيادي لأحدى أحزابنا السياسية الآشورية عن المؤتمر الذي كان حزبه يتهياً لإنعقاده فكان يتهمني بأنني منحاز إلى زوعا وكثير الكلام والكتابة عنها فقلت له السبب في ذلك لأن لي معرفة عميقة بزوعا وبقادتها وإجتماعاتهم وهم يزودونني الكثير من أدبياتهم التي هي منبع دائم لمعلوماتي عنها فلماذا لا يكون حزبك مثلهم ولماذا لا تسمح لي لحضور مؤتمركم الحزبي وأستمد المعلومات عن حزبكم؟ تصور عزيزي القارئ ماذا كان جوابه: قال أنت جاسوس لزوعا فلو حضرت المؤتمر ستنقل إليهم المعلومات التي نتناولها في المؤتمر والقرارات المتخذة!!! وبعد فترة وجيزة عرفت بأن هذا الحزب عقد مؤتمره "العظيم" في مقهى وحضره 12 شخصاً فقط وطلعوا من المؤتمر كما يطلع الشخص من المولد بدون حمص، حسب المثل العراقي. 

نماذج في الجهل:
----------
صحيح هو أن كلمة "الجهل" قد تكون ثقيلة وغير مقبولة لنعت بعض من أبناء أمتنا خاصة المسؤولين والزعماء وقادة الأحزاب والتنظيمات القومية والكنسية، ولكن أعيد وأكرر ما ذكرته سابقا وذلك تجنباً لسوء الفهم، فالقصد بالجهل هنا ليس غياب العلم والمعرفة والثقافة والتعليم بل هو عجز عن فهم الواقع الموضوعي وضعف أو غياب الأساليب العلمية الصحيحة في التعامل مع واقعنا القومي والكنسي وبناء مؤسساتنا وتنظيماتنا وأحزابنا على واقع وأسس غير منطقية وهشة ومفتقدة لعوامل الإستمرار والنجاح والإتيان بنتائج مثمرة لمجتمعنا والتي تعكس بشكل أو بآخر نوع من الجهل المركب للقائمين على هذه المؤسسات والتنظيمات. وقد يكون هناك أسباب وراد هذا الجهل منها التزمت بموقف معين أو بفكرة مسبقة أو بضيق الأفق المحدد بمصالح خاصة ومحددة وتحزبية أو حتى بعدم معرفة الأصول والمبادئ الأساسية للعمل الجماعي والتفاوض والتباحث للوصول إلى نتائج ملموسة. فالنبدأ أولاً بالكنيسة كمؤسسة تاريخية حضارية مثالاً على ذلك. الكثير من أبناء شعبنا يتجاوزن في إنتقاداتهم إلى حدود الإعتراض والتهم عندما أشير في بعض كتاباتي إلى بطريرك كنيسة المشرق الآشورية بـ "البطريرك الآشوري" مدعين بأن هذا البطريرك ليس وحده بـ "الآشوري" فهناك بطاركة للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وللكنيسة السريانية الآرثوذكسية والكاثوليكية هم أيضا آشوريون فلماذا تحصر صفة الآشوري بواحد منهم؟ فهذا نموذج جيد للجهل بسبب التزمت الفكري المجبول بنزعات طائفية تطغي على الحقائق الواقعية التي تؤكد بأن لكل بطريرك تسمية رسمية ومعروفة لا تقبل غيرها بغنى عن الإنتماء القومي.

لماذا تفشل معظم المباحثات بين فروع كنيستنا المشرقية؟ الجواب: بسبب الجهل في معرفة أساليب وأصول التباحث والتفاوض والمجبولة بالطائفية والمصلحة الذاتية والشخصية وبملك الملوك "الكرسي". التفاوض علم وفن والدبلوماسية جزء منه. فعندما يذهب فريق للتفاوض مع فريق آخر يجب أن يحمل في حقيبته ثلاثة أصناف من الشروط. الأولى: هي الشروط التي يمكن التنازل عنها في الإجتماع. والثانية: هي شروط محكمة وملزمة ولا يمكن التنازل عنها بسهول إلا عبر تسوية بين الطرفين تحقق المصلحة المشتركة من التنازل. أما الثالثة: في الشروط المبدئية الأساسية التي لا يمكن التنازل عنها إطلاقاً لأنها مرتبطة بكينونة ووجود الفريق المفاوض وأي تنازل عنها يعتبر تهديداً خطيرا لوجوده وربما خيانة بنظر أتباعه. هذا من حيث مضمون الشروط أما من حيث شكلها أو طرحها فأن الشروط المسبقة لا يمكن أن تفتح باب التفاوض بين الفريقين لعقد إجتماع والوصول إلى نتيجة. فمثل هذه الشروط هي الشروط المفروضة من قبل المنتصر على الخاسر الذي لا يكون لهذا الأخير غير خيار الإستسلام وقبول الشروط المسبقة والخضوع للطرف الآخر المنتصر. وهناك أمثلة كثير في هذا السياق. فقبل أكثر من سنة، وتحديداً بعد إنتقال قداسة البطريرك مار دنخا الرابع إلى الأخدار السماوية، ظهرت أجواء مناسبة ومشجعة لإجراء حوار لتوحيد شقي كنيسة المشرق، كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة، فعرضت هذه الأخيرة بعض الشروط المسبقة للحوار التي تنم وبشكل مطلق وجلي بأنها ستكون مرفوضة من الطرف الآخر وهذا ما أكده غبطة المطربوليت مار ميلس زيا أثناء المؤتمر الصحفي عقب إنتخاب  قداسة مار كوركيس صليوا بطريركاً على كنيسة المشرق الآشورية عندما قال بشأن هذه الشروط بأنها مرفوضة جملة وتفصيلاً. هذا الجهل في معرفة أسلوب التفاوض وشروطه هي التي تسبب دائماٌ في غلق أبواب الحوار الناجح غلقاً محكماً تحول دون حتى التفكير في أعادة الحوار من أجل توحيد شقي الكنيسة.

والأمر لا يختلف عن الحوارات التي جرت بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. فعلى الرغم، للمثال لا الحصر، كان غبطة البطريرك مار لويس ساكو روفائيل كريماً جداً في تنازله عن الكثير من الشروط وحتى عن الكرسي البطريركي لصالح كنيسة المشرق الآشورية من أجل تحقيق الوحدة إلا أن كل هذا "الكرم" أصطدم بجدران صلد وهو شرط إنضمام كنيسة المشرق الآشورية إلى سلطة الفاتيكان والكل يعرف بأن إستقلالية كنيسة المشرق الآشورية أمر مرتبط بوجودها ولا يمكن تصور التنازل عنها لصالح الفاتيكان رغم كل المحاولات السابقة. وعلى الجانب الآخر هو نفس الشيء، فمهما أكدت كنيسة المشرق الآشورية على الجوانب الحضارية والقومية والتاريخية والطقسية المشتركة مع الكنيسة الكلدانية فإن كل الحوارات التي قامت على هذه الأسس أصطدمت أيضا في نهايتها بالجدران الصلدة للشراكة الهيكلية والإدارية للكنيسة الكلدانية مع الفاتيكان والتي هي أس الأساس لوجودها ككنيسة كاثولكية وبدونها ستفقد صفتها الكاثوليكية وكينونتها وبالتالي لا يمكن التصور التنازل عنها مهما كان للوحدة أهمية حاسمة في وجود وإستمرار كنيسة المشرق في موطنها الأصلي. كل هذا الجهل في معرفة أصول التباحث وشروطه لكلا الطرفين هو الأمر الحاسم الذي يزيد من صلادة الحدود وعلوي السدود بين فروع كنيسة المشرق لا بل ويزيد من تباعد بعضه عن البعض ويتعمق الفتور والإنعزال بينهما وتتوسع حالات الإحباط بين أبناء شعبنا لتفتح أبواب الهجرة مشرعة ويزيد من تفتت صخرة مار بطرس لتنبعث منها الرواح المشهية للوحوش المفترسة المحيطة بأبناء كنيستنا المشرقية لتلتهمه عاجلا أم آجلاً سواء أكانوا في أرض الوطن أم حتى في المهجر.
 
ومن الأمثلة الأكثر غرابة في هذا الشأن، أي في جهل رجال الكنيسة في العراق بهذه الأمور التنظيمية هو مجلس الطوائف المسيحية في العراق وإنضمام كنيستنا المشرقية بكل فروعها إلى هذا المجلس. في الأونة الأخيرة كثر الحديث والإنتقادات عن إنسحاب الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية من هذا المجلس لأسباب لا شأن لنا بها هنا، ولكن نعتقد بأن هذا الإنسحاب كان تصحيحاً متأخراً لخطأ نشأ عند تأسيس المجلس فكان من المفترض على كنائسنا المشرقية ومنها الكلدانية أن ترفضه منذ البداية لأنه مجلس قائم على أسس لا تفرق بين الطائفة والكنيسة. فالكنيسة إضافة إلى جانبها الديني والإيماني فهي مؤسسة رسولية عريقة حضارية تراثية  مرتبطة وبعمق بأرضها التاريخية. أما الطائفة فهي مجموعة طارئة تؤمن بمبادئ ومعتقدات مسيحية لا تمتلك الصفة الرسولية والتراثية. من هذا المنطلق كان يجب أن يكون هذا المجلس بأسم "مجلس الكنائس المسيحية في العراق" ولكن الجهل المحفوف بنزعات طائفية دخيلة هي التي حجبت الحقيقة عن أعضاء هذا المجلس.

أما الحديث عن جهل أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية فهو طويل وبدون حرج. إبتداءاً بالأتحاد الآشوري العالمي (خويادا) الذي يعتبر نموذجاً رائعاً في التنظيم الفدرالي، أو كما نسميه في بعض الأحيان بـ "المظلة" لأحزابنا وتنظيماتنا القومية. فبسبب سوء الإدارة والجهل بالواقع الموضوعي لوجود أمتنا والإنتماءات التي تفعل فعلها في تمزيقها تحول شيئاً فشياً إلى مجرد مجموعة أشخاص أو عصبة عائدة لمجموعة معينة تطل برأسها من حين لأخر بإصدار توضيح أو ببيان إستنكاري أو إستذكاري لا بل حتى طار من بالهم تاريخ تأسيس الإتحاد الذي كان يجب أن يكون مناسبة للقيام بأحتفال سياسي وثقافي وإجتماعي يُذكر أبناء أمتنا بوجوده فأصبح حاله لا يختلف أبداً عن غيره من الأحزاب التي تبحث هنا وهناك عن "مظلة" تحتمي تحتها لعل تقي نفسها من الإنقراض. وأمر الجهل في العمل القومي والسياسي لا ينتهي بالممارسة والأسلوب لا بل وحتى بالتعابير والتسميات. لنأخذ مثلاً "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" فعلى الرغم من جملة العيوب والخروق التي تكتنفه، فلنا له ولأعضاءه كل الأحترام لأنه كما يقول المثل (أحسن من لا شيء) كما ولا يزال صامتاً في شكله وأسمه أمام كل الرياح العاتية المهلكة إلا أنه من جهة أخرى يظهر بأن أعضاءه لا يقرأون أبداً ولا يكترثون لأي ملاحظة أو مقترح في تطويره مما يدل على إصرارهم في جهلهم المطبق حول التحالفات والإتفاقيات السياسية والقومية الصحيحة والمطلوبة في العمل السياسي الناجع. ففي وقت ما قدمنا العديد من المقترحات الموضوعية والعلمية لتطويره ووضعه على المسار الصحيح حتى يتمكن من تحقيق على الأقل من بعض أهدافه ويتجاوز حدود التصريحات الورقية وينزل إلى أرض الواقع. منها على سبيل المثال تغيير تسمية (التجمع) إلى جبهة أو تحالف أو إتحاد ليكون مثلاً (إتحاد التنظيمات....) لأن تسمية التجمع ليس لها دلالات سياسية دائمة بل تدل على ظاهرة إجتماعية مؤقتة. كما أقترحنا تغيير أسم التنظيمات السياسية إلى التنظيمات القومية لتكون، أولاً، هذه التسمية إنعكاساً للوحدة القومية التي تجمع التسميات الكلدانية والسريانية والآشورية، وثانيا، لربما ينتمي إليها تنظيمات قومية غير سياسية مثل الجمعيات والأندية. هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون الذي كان ولا يزال "بلوة البلاوي" في عجزه وتعثره في مسيرته نحو تحقيق الحد الأدنى من المطالب، هو الجهل المطبق أو التجاهل المقصود في معرفة كل عضو حجمه الحقيقي ودوره ومسؤولياته ووجباته وإلتزاماته وحقوقه. أنه من الطبيعي جداً أن تقوم هذه التحالفات بين أعضاء غير متساويين في حجمهم وهيكلهم وأعضاءهم وجماهيرهم وسعة إنتشارهم ونشاطهم، ففي هذا التجمع أعضاء "كبار" – مع التحفظ لهذه الكلمة غير المقصورة-  في حجمهم وأعضاءهم وجماهيرهم ونشاطهم وإنتشارهم إلى جانب أعضاء "صغار" – مع التحفظ لهذه الكلمة غير المقصودة – في حجمهم وأعضاءهم وجماهيرهم ونشاطهم وإنتشارهم فلا يمكن أطلاقاً لا موضوعياً ولا منطقياً أن تكون المسؤوليات والواجبات والإلتزامات والحقوق متساوية، وهذا الأمر هو الذي يجهله أو يتجاهله أعضاء التجمع وبالتالي كل خطواته ستكون عرجاء ولا تتجاوز حدود الورق لتسير على أرض الواقع. لماذا هذا التجاهل أو الجهل؟ لأن بعض قادة التنظيمات المشاركة في التجمع يعتقدون بأنهم أكثر دهاء وفطنة وذكاءاً في المسائل السياسية من ماركس ولينين وجيفرسون ونلسون مانديلا وهوشي منه فهم يعتقدون بأنه عيب عليهم أن يستمعون إلى "الثرثاريين" و "المخربين" وقد أكون أنا واحد منهم في نظر البعض. وهنا سوف لا أنهي هذا الموضوع حول التجمع إلا أن أقول بأنني حاولت محاولة متعبة وبتفكير عميق أن أفهم صرخة رابي روميو هيكاري السكرتير العام لحزب بيت نهرين الديموقراطي منادياً مستصرخاً ضمير القيادات الحزبية ويدعوها إلى التوحيد، كما جاء في مقال الصديق العزيز أوشانا نيسان بخصوص هذا الموضوع، في الوقت الذي ترك رابي روميو هيكاري تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية وأصبح في خارجه وفي نفس الوقت هو ينادي بالتوحد، غير أن أفهم هذه الحالة عبر مضمون هذا الموضوع في الجهل والتجاهل في العمل السياسي القومي الصحيح والموضوعي والواقعي.

وهنا أرغب أن أزيد القارئ معرفة أخرى في جهل وتجاهل بعض من أحزابنا السياسية ليس في عملهم وأسلوبهم السياسي بل حتى في التسمية أو الشعارات التي يرفعونها. فمثلا، وليس للحصر، نأخذ حزب تحرير آشور فهو يرفع شعار "من أجل وطن آشور حراً ومستقلاً" وهذا جيد جداً لأنه حلم كل آشوري في العالم ولكن التساؤل هو ما الفرق بين "حراً" و "ومستقلاً" بالله عليكم يا قراء الأعزاء هل هناك فرقاً بينهما؟ فالحر هو المستقل والمستقل هو الحر فلكلاهما معنى واحد. فلا يمكن أن يكون الوطن أو الفرد حراً ما لم يكن مستقلاً وليس هما إلا إطناب حول حالة واحدة. كان قبل سنوات عديدة ألتقيت بأحد أعضاء الحزب في السويد فذكرت له هذا التشابه في الكلمتين فأقترحت له بأن يكون الشعار "من أجل وطن آشور موحداً وحراً – أو مستقلا" لأن وطن آشور مجزء بين عدة دول ولكي يكون حراً أو مستقلاً يستوجب توحيد أجزاءه قبل ذلك... ولكن هل هناك مستيجب بعد هذه السنوات الطويلة؟؟. وأريد أن اختم هذا الموضوع بمثال آخر في قمة الجهل والتجاهل في المسائل القومية والسياسية. هناك في هذه الأيام وفي بلدان المهجر عدد من أبناء أمتنا يدعون إلى تأسيس برلمان آشوري عالمي أو جماعة ضغط (لوبي) أو حكومة آشورية في المنفى من دون أن يعرفوا بأن تأسيس مثل هذه الكيانات ونحاجها يجب وبالضرورة أن ترتبط بالأحزاب السياسية والتنظيمات القومية في الوطن أو تتواصل معها أو تتعاون معها وأن يكون لها خطاب سياسي قومي موحد، ولكن هم في وادي وأحزابنا السياسية في الوطن في وادي آخر وبيهم جبال من الجهل في العمل السياسي القومي الصحيح.

وأخير هناك العشرات من الأسئلة والمطالب التي يطرحها أبناء شعبنا عن سبب عدم توحد أو تعاون أحزابنا السياسية نحو توحيد الخطاب السياسي والعمل المشترك لتحقيق الحد المطلوب من حقوقنا المشروعة في أرضنا التاريخية ولماذا لا تستطيع فروع كنيستنا المشرقية عن التفاهم والتقارب... فمن يبحث عن جواب على هذه الأسئلة فأنه سيجده في هذا المقال.

                     

126
مفاجأة سارة جدا:
نجاح محاولات التوحيد بين الحركة الديموقراطية الآشورية وكيان أبناء النهرين ؟؟!!
================================================
أبرم شبيرا

أنها فعلا مفاجأة سارة ... بل سارة جداً، لأنه لأول مرة في تاريخنا القومي القديم والوسيط والحديث نستقبل مثل هذه المفاجأت السارة والمفرحة للقلوب والعقول. ولا أعتقد بأن أحد من أبناء امتنا الغيارى لا تبهجه مثل هذه المفاجأت ولكن بالمقابل نقول بأنها مفاجأة مفجعة ومأساوية بالنسبة للأبليس وأخوانه ويهوذا الإسخريوطي وأحفاده. بمجرة نظرة بسيطة إلى الصفحات المطولة لتاريخنا نجد بأن القاسم المشترك بينهم هو الإنشقاق وتمزق جسم امتنا والتمرد عليها والتشرد في زوايا للعالم الأربعة. ولكن في هذه الأيام العصيبة وبين هذه الإرهاصات المدمرة لأمتنا ظهر رجال شجعان من الحركة الديموقراطية الآشورية وكيان أبناء النهرين ليقولوا وبصوت صارخ متحدين قرون طويلة من تاريخنا المأساوي: كفى ... ثم كفى إنشقاقات في كيان أمتنا العظيمة فاتحين صدورهم أمام كل التحديات وعواصف الرياح الصفراء واقفين بصلادة وإصرار على الشروع لوقف نزيف الإنشقاقات التي تفعل فعلها المدمر في أمتنا رافعين رايات أبطالنا التاريخيين شعاراً لهم في الوحدة والقوة كسبيل لإستمرار مسيرة حركتنا القومية نحو تحقيق أهدافها المشروعة وليزرعوا فرحة في قلوب أبناء أمتنا تتمازج مع أفراح عيد الأول من نيسان القادم. أفلا تستحق أبناء هذه الأمة العظيمة فرحة واحدة في هذا الزمن القاسي؟ بلى والله بلى.

هذه الوقفة التاريخية البطولية لم تكن وليدة صدفة بل هي نتاج لمواقف وأفكار أبطال زوعا والكيان، مواقف تاريخية لم نشاهد مثيلاً لها في الحياة السياسية، لا في أمتنا ولا في الأمم الأخرى. فعندما غادر بعض من أبناء زوعا وشكلوا كيان خاصة بهم لم تكن هذه المغادرة لا فكرية ولا منهجية ولا سياسية بل مجرد تحول من موقع تنظيمي إلى موقع تنظيمي آخر، إنتقال من غرفة إلى غرفة ضمن حدود نفس البيت الأبوي الذي شيد قبل ما يقارب أربعة عقود، البيت الذي شيد بسواعد أبناء أمتنا الغيارى وجبلت جدرانه بدماء شهداءنا الأبرار. أي لم تكن مغادرة فكرية ومنهجية وسياسية بل مجرد شكل من أشكال الإختلاف الإداري والتنظيمي. وهذا ما أكده كيان أبناء النهرين في أحدى بياناته عندما يقول (لقد اخترنا وبقناعة تامة وبثقة.. ان نتواصل فيما اعلناه منذ انطلاقتنا، ولكننا نؤكد مرة اخرى بأن فكر ونهج زوعا سيبقى الحاضنة الفكرية لنا.. وملجأنا ومرجعيتنا مهما كانت الظروف، وليس بمقدور كائنا من كان ان يسلخ عنا هذه القناعة، وسنبذل وكما عاهدنا شهدائنا الخالدين ووعدنا رفاقنا وجماهير شعبنا كل جهدنا من أجل الامة والدفاع عن كامل حقوقها المشروعة)
وبالمقابل لم يكن قادة الحركة الديموقراطية الآشورية أقل كرماً ووعياً في إدراك مأساوية الظروف التي تحيط بأبناء أمتنا في هذه الأيام العصيبة فأصدر مكتبها السياسي بياناً جاء فيه: (...انطلاقا من حساسية المرحلة والظرف الدقيق والمنعطف الخطير الذي يمر به شعبنا، ومن اجل المزيد من التلاحم وتقوية الصف الداخلي لحركتنا المقبلة على مؤتمرها قريبا، فان اللجنة المركزية في اجتماعها الاخير اكدت على اتاحة الفرصة امام أعضاء الحركة السابقين ممن اضطرتهم الظروف الذاتية والموضوعية للابتعاد والعزوف عن العمل التنظيمي او الذين اتخذت بحقهم إجراءات تنظيمية، للعودة والتواصل في صفوف التنظيم لتعضيد المسيرة النضالية من اجل اهدافنا المشتركة). نعم... أقولها وبكل ثقة ودقة بأنه إستناداً إلى خلفيتي الأكاديمية البسيطة في العلوم السياسية وتحديداً الأنظمة الحزبية لم أقرأ ولم أسمع طيلة حياتي مثل هذا الكرم الحزبي والتسامح السياسي لا في أحزابنا القومية ولا في الأحزاب العراقية ولا حتى في أحزاب الكثير من دول العالم. فالإستثنائية الفريدة لهذا البيان تمثلت في سعة إنفتاح الأبواب أمام المغادرين للعودة إلى البيت الأبوي من دون قيد وشرط. أي بهذا المعنى، فحتى الذين كانوا ليل نهار يشتمون ويلعون زوعا وقيادتها فأن لهم الحق أن يعودوا ويحضروا المؤتمر القادم... فبهذا فعلاً أثبتوا بأنهم مؤمنين مسيحيين من الدرجة الأولى لأنه يظهر بأنهم قرأوا الإنجيل المقدس بشكل جيد ومارسوا الإصحاح 5: 39 من إنجيل متى عندما ذكر ربنا يسوع المسيح (له المجد) وقال: ((سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ )) . ويجب أن لا ننسى أيضاً بأننا في زمن الصوم وهو زمن المصالحة والتسامح، فمن هذا الإيمان القويم شرع الطرفين بتحقيق الحلم في الوحدة بينهما.
إذن اين المشكلة طالما الفكر والنهج والسياسة والجذور والمرجعية والشهداء والقناعات كلها واحدة بين الطرفين فبهذه السهولة وبعمق التفكير ووضع المصلحة العامة القومية فوق جميع الإعتبارات تحققت الوحدة بين الطرفين ورجعت المياه الصافية إلى مجاريها والكل مبتهجين فرحين وهم ذاهبون إلى المؤتمر الثامن لزوعا متهيئين بالتمام والكمال لإحتفالات عيد الأول من النيسان، عيد التلاحم والوحدة والمصالحة والتسامح... بارك الله فيكم جميعاً على هذه البشرى السارة التي قدمتموها هدية رائعة لأبناء أمتنا المناضلة محفوفة بحزمات من الفرح والسرور والبهجة... أنها فعلاً مفاجأة تاريخية يصعب تصديقها. فحتى الأكثرية التي رأت بأن محاولات التوحيد بين الطرفين سوف لا تنجح حسب إستفتاء الذي أجراها موقع عنكاوه الموقع لم تصمد وتتحقق أمام هذه المفاجأة التاريخية المثيرة للعقول والقولب... ... أنها عاصفة هوجاء في ساحتنا السياسية القومية يصعب تحملها من شدة بريقها المضي لمسيرة حركتنا القومية... أنها بركان الفرح والبهجة لكل المخلصين من أبناء أمتنا... لا بل  أنها زلزال قوي هز صفحات تاريخنا القومي الطويل ونفض منها تراب الإنشقاقات والحقد والكراهية ... فعلاً أنها زلزال هزت الأرض وبمن عليها ... يا إلهي.. زلزال حقيقي حتى أنه هز كل كياني وأفكاري وأيضا هز جسدي هزات قوية متواصلة ومن الكتف إلى الكتف الآخر مقرونة بصدى صوت مرتبك ومتقطع... وإذ بحفيدي الصغير جوزيف يهز جسمي ويصرح: جدو.. جدو... أنهض أستقيظ من النوم لقد تأخرت عن العمل.. فلم أهتم بتحذيراته المتكررة وأنا مستمتع بحلمي الجميل والمفرح فأستنجد بأخته الأكبر منه لتساعده في التشديد من قوة هز جسمي وإجباري على النهوض من فراش النوم فأستلمت لهم ونهضت وكأنني راجع من حفلة عرس كبيرة ملئية بالإفراح والإتراح ثم فكرت مع نفسي وقلت يجب أن لا أكون أنانياً فواجبي "القومي" وتحقيقاً للمصحلة العامة والمنفعة الشاملة يجب عليً أن أعرض هذا الحلم الجميل على القراء حتى هم أيضا يستمتعون به وأن كانوا يستحقوق أكثر من هذا الحلم... يستحقوق أن يتحقق مثل هذا الحلم الجميل في واقع جميل ... ولكن، كما قلنا سابقا، من يستطيع تحقيق الأحلام الجميلة لأمة ما غير أبطالها ... ونحن نعرف في كل أمم العالم لهم أبطال قوميين أفهل لنا أبطال يستطعيون تحقيق مثل هذه الأحلام القومية الجميلة؟؟ 

 

127
استفتاء من موقع عنكاوا كوم

بتاريخ 18 شباط 2017 نشرنا خبر عاجل عن لجنة ثلاثية تسعى لحل الخلافات بين الحركة الديموقراطية الآشورية وكيان أبناء النهرين. فهل تعتقد بأن هذه المساعي ستنجح وتأتي بثمار لعودة كيان أبناء النهرين إلى صفوف الحركة الديموقراطية الآشورية؟

ادارة موقع عنكاوا كوم


---------------------------------------------------------------------------------
نص الخبر

عاجـــــل: لجنة ثلاثية تسعى لحل الخلافات بين الحركة الديموقراطية الآشورية وكيان ابناء النهرين
في 18/02/2017
أضواء على مساعي  لحل الخلافات في مسيرة الحركة الديموقراطية الآشورية

لجنة التنسيق

نتيجة للظروف المأساوية التي تمر بها أمتنا في هذه الأيام  وإستجابة لمطلب الكثير من أبناء شعبنا وتحديداً المهتمين بالشأن القومي في ترتيب لقاء بين قيادتي الحركة الديموقراطية الآشورية وأبناء النهرين لغرض أزالة العوائق والخلافات التي أعترت مسيرة الحركة خلال السنوات الماضية تم تشكيل لجنة ثلاثية للتنسيق بينهما وإجراء الإتصالات التي أثمرت عن تشكيل لجنة ثلاثية من كل طرف.

وبعد إتصالات مثمرة عقد الاجتماع الأول في يوم الجمعة بتاريخ 17 شباط 2017 في مقر الحركة الديموقراطية الأشورية في أربيل فكان فعلا إجتماعا ساد فيه جو من التفاهم والصراحة والإصرار على الوصول إلى نتيجة مثمرة.

 فتم الإتفاق على وضع ثوابت مبدئية لأزالة الخلافات والتي من المقرر مناقشتها وإقرارها في الإجتماع  القادم ولنا كل الثقة بأن قياديي الطرفين هم على مستوى عالي من المسؤولية للوصول إلى نتائج مرضية لأبناء شعبنا لتتعزز ثقة شعبنا في مسيرة حركتنا القومية.
 
ثلاثة من قيادة زوعا وثلاثة من قيادة أبناء النهرين مع ثلاثة من لجنة التنسيق متكاتفين واثيقين من أستمرار نضال الحركة الديموقراطية الآشورية على طريق الوحدة والتضامن.




128


العمل  السياسي القومي الآشوري  -  نظرة مقارنة بين الوطن والمهجر
=======================================
أبرم شبيرا
ملاحظتان:
-------
الأولى: هذا الموضوع كتب قبل إنهيار النظام البعثي في العراق عام 2003 حيث كانت التسمية الآشورية هي وحدها الطاغية على العمل السياسي القومي ولم يكن للتسميات الأخرى الكلدانية والسريانية مكاناً او تأثيراً في العمل القومي السياسي الخاص بأمتنا وبالتالي لم تذكر في الموضوع وذلك تماشياً وإحتراماً لتوجهات ومواقف الكلدان والسريان، خاصة مواقف الكنيسة من تجنب مؤمنيها من التدخل في المسائل القومية السياسية، ومجارات الحركة القومية الآشورية.
الثانية: الأستاذ شيبا مندو رئيس المجلس القومي الآشوري في إلينوي – شيكاغو سيلقي محاضرة في النادي الثقافي الآشوري في عنكاوة مساء يوم السبت المصادف 18 شباط 2017 وبعنوان )العمل القومي بين الوطن والمهجر – نظرة مقارنة( وسأشاركه بتقديم أولي يكون هذا الموضوع الإطار النظري الذي يفسر نشاط هذا المجلس ونجاحه في خدمة المجتمع في ولاية ألينوي بإعتباره من أنجح المؤسسات القومية في بلدان المهجر. فجاء إعادة نشر لجزء من هذا الموضوع (وهو بحث طويل متكون من عشرات الصفحات)  مع تغييرات طفيفة كمقدمة أولية وأسلوب لتوفير الوقت الأكبر للإستاذ شيبا مندو للإسهاب في توضيح معالم ونشاطات هذا المجلس.   

أولا: ظاهرة اغتراب العمل القومي في المهجر:
--------------------------
 مفهوم الاغتراب الوارد في هذا الموضوع ليس القصد منه ترك الوطن والهجرة إلى الخارج فحسب بل يعني النتائج التي تترتب من جراء هذه الهجرة على مستويات اجتماعية وفكرية وثقافية ونفسية. أي أن هذا المفهوم لا يتناول مسألة انتقال جسم الإنسان، إن صح التعبير، من مكان إلى مكان آخر مختلف وإنما يتناول الحالة الذهنية التي تترتب من جراء هذا الانتقال، وهو موضوع فلسفي عميق لا نريد التطرق إليه بإسهاب أكثر مما يفيد بعض تطبيقاته على الواقع الآشوري في المهجر وتأثيرات الاغتراب على العمل القومي.

أن ترك الوطن والهجرة إلى الخارج يعني تجرد الفرد واقعياً وموضوعياً من الرابطة اليومية والحياتية التي تربطه بالوطن ويعني أيضاً الكف عن العيش في العالم الواقعي لهذا الوطن والبدء بالانتقال إلى واقع أخر بعيد عنه يصبح هو عالمه الواقعي الذي يعيش حياته ويمارس نشاطه فيه. أي بهذا المعنى أصبح له واقع جديد آخر، إن لم نقل وطن آخر بكل ما تعنيه هذه الكلمة من التزامات قانونية وسياسية يختلف كلياً أو جزئياً عن الواقع أو الوطن السابق من نواحي عديدة ومختلفة. أن الذي يهمنا هنا هو القول بأن الابتعاد عن الوطن أو "آشور" أو "بيت نهرين" قد نقل هذا الوطن من عالم الواقع والموضوع إلى عالم معنوي وذاتي أو فكري غير موضوعي أو واقعي أو حقيقي للمشتغلين بالمسائل القومية في المهجر. في حين نرى بأن "آشور"، أي الوطن هو المحور الأساسي لمعظم نشاطاتهم القومية في الوقت الذي يعيش هؤلاء ويعملون في واقع آخر يبتعد عن، "آشور" أو "بيت نهرين" آلاف الأميال. فهذا الاغتراب، أي وجود الموضوع أو الواقع في مكان والنشاط الخاصة به في مكان آخر، هو الذي أدى إلى أن يكون "آشور" محوراً روحياً لهم وليس واقعياً وهو المحور الذي أدى بالنتيجة إلى سيادة وهيمنة الطابع الرومانسي والخيالي والطقســي على العمل القومي في المهجر ومن ثم ابتعاده عن الواقعية وعن إمكانية تحقيق المهمات التي أصبحت مستحيلة ضمن هذا الإغتراب. فإذا كان بقاء واستمرار "بيت نهرين" كمحور روحي للعقل والنشاط في المهجر هو ظاهرة إيجابية لها دلالات تؤكد امتلاك الآشوريين لعنصر " الأرض "، سواء أكان واقعياً أو روحياً، كمقوم من مقومات الوجود القومي أينما كان ذلك سواء على هذه الأرض أم بعيدين عنها، وهي الظاهرة التي يستوجب ترسيخها وزرعها وعلى الدوام في أبناء المجتمع الآشوري وفي أطفالهم، فأن الجانب السلبي المرتبط بهذا العنصر يتمثل في جـر وسحب هذا المحور الروحي ومحاولة نقله أو إنزاله إلى واقع أخر مختلف كلياً ومن ثم بناء عليه، وهو مجرد عنصر روحي ومعنوي بالنسبة لهم في المهجر، نشاطهم القومي والذي يؤدي بالنتيجة إلى اكتساب هذا العمل طابعاً خيالياً رومانسياً بعيداً عن الواقع  العملي الذي يعيشون فيه ومن ثم عدم اتساقه معه أو انتظامه بشكل يتناسب مع طموحات أو أنماط تفكير أبناء المجتمع في المهجر. لهذا السبب نرى بأن معظم الأحزاب السياسية العاملة في المهجر قد فشلت في أن تخطو خطوة واحدة نحو أهدافها المعلنة في نظامها الداخلي. من هنا يستوجب تعديل موازين العمل القومي في المهجر بحيث يبقي على "بيت نهرين" محوراً روحياً معززاً بين الكبار والصغار من جهة، وأن يجعل من الواقع الاجتماعي في المهجر بكل أمراضه العشائرية والطائفية والانانية والتحزبية والمصلحية والاخلاقية محوراً واقعياً ومنطقياً للعمل القومي من جهة أخرى، أي بهذا المعنى سنكون إزاء ممارسة سياسية حقيقية واقعية لا رومانسية خيالية. وإذا حاولنا قياس أو معرفة الجانب السياسي والواقعي لهذه الممارسة يستوجب عليها فهمها وفق مفهوم السياسة.

ثانيا: مفهوم السياسة:
-------------
أكثر المفاهيم شيوعاً عن السياسة هي أثنان:
1 - السياسة هي فن الممكن : فالمقصود بالممكن هنا هو الحقيقة أو الموضوع الموجود في الواقع الممكن تلمسه وتحسسه موضوعياً وماديا، أي بهذا المقصد فأن أرض الوطن هي جوهر هذا الوجود في السياسة . أما المقصود بالفن هنا فالمراد به هو قدرة التعامل مع هذا الواقع أو الموضوع بهدف تحقيق الأهداف. فبالنسبة للعمل القومي الآشوري في المهجر، فإذا كان موضوعه أو واقعه كائن في "آشور" والتعامل لا يتم معه وإنما في واقع آخر بعيد عنه حينذاك نكون إزاء عمل لا يمكن أن نطلق عليه واقعياً ولا علمياً بالعمل السياسي طالما هو عمل عقيم لا يملك مقومات إنتاج نتائج أو تحقيق أهداف على الواقع البعيد عنه.

2 - السياسة هي ديموغرافيا على جغرافيا : المقصود بالديموغرافيا الشعب أو السكان وبالجغرافيا الأرض أو الوطن. والإنسان لا يتواجد على الأرض أو في الوطن بحالة استاتيكة جامدة وإنما يمارس نشاطات معين فيه تخص الوطن أو الواقع الذي ينتمي إليه ويرتبط به. لهذا فأن المقصود بـ "على" هو فوق، أي وجود الإنسان فوق الأرض أو في الوطن بكل ما يعنيه هذا الوجود من نشاطات مختلفة الجوانب ومتعددة الأهداف. فوفق هذا المفهوم للسياسة نقول طالما الشعب أو السكان، أي الآشوريون المتواجدون في المهجر، هم على أرض غير أرض "آشور"، وأن هذا الأخير في مكان يبتعد عنهم مئات أو آلاف الأميال ويشكل في الحقيقة محوراً روحياً أساسياً لنشاطهم الذي يمارس على أرض أخرى غير الأرض المستهدفة من نشاطهم، فأن كل نشاطاتهم بهذا الخصوص تبقى بالدرجة الأولى وبشكلها العام غير واقعية في هذا السياق، أي لا يمكن التحقق منها ولا تستطيع تحقيق حتى الحد الأدنى من أهدافها لهذا السبب تظل المؤسسات السياسية من أحزاب ومنظمات تدور في دائرة مفرغة لا طائل أو نتيجة حقيقية تفيد "آشور" من العويل والصراخ ورفع الشعارات البراقة ومن ثم انسراح العمل القومي في عالم الخيال .

على العكس مما تقدم ، فلو أتخذ الآشوريون في المهجر من واقعهم محوراً حقيقيا وماديا لعملهم القومي وحافظوا على "آشور" محوراً روحياً في مكانه مستلهما لهم ولمعنوياتهم وأفكارهم ومن دون سحب هذا المحور ونقله إلى واقع عملهم، الذي هو أمراً مستحيلاً، لتحول نشاطهم القومي إلى سياسة حقيقية مثمرة قابلة لتحقيق أهداف على الواقع الذي يمارس فيه هذا النشاط . وبشكل أوضح، فبدلا من انشغال هذه الأحزاب والمنظمات وتضيع جهودها وأموالها في "تحرير آشور" أو المطالبة بالحكم الذاتي للآشوريين في وطنهم التاريخي عليهم توجيه كل هذه النشاطات والجهود إلى واقعهم في المهجر واستهداف أمراض المجتمع الآشوري فيه وتقوية مقومات وجوده وهي الأهداف التي يمكن تحقيقها وبيسر فيما لم تم تقويم العمل القومي ووضع ومورس في واقعه الحقيقي. وهذا أيضاً هو الذي يجعل من العمل القومي في المهجر أن لا يكون قاصراً على السياسة فحسب بل يشمل وبدرجة أكثر أهمية الجوانب الأخرى من اجتماعية وثقافية وفكرية وحتى اقتصادية ودينية، وهذا أيضا هو الذي يجعل الأندية الاجتماعية والمؤسسات غير "السياسية" والكنائس واللجان التابعة لها أكثر نشاطاً وتحقيقاً لأهدافها والمجلس القومي الآشوري في إلينوي نموذج ساطع في هذا السياق.
 
ثالثاً: واقعية العمل القومي في الوطن :
----------------------
غير ان الأمر ليس كذلك قطعاً في وطن الأم ، فإذا كان "بيت نهرين" محوراً روحياً ومعنوياً للآشوريين في المهجر فأنه ليس كذلك وحسب بالنسبة للآشوريين الصامدين فيه  بل هو، إضافة إلى كونه بعداً تاريخياً وحضارياً، فهو أيضاً يعتبر وبالدرجة الأولى محوراً واقعياً لفكرهم ونشاطهم والأساس المادي الذي يرتكز عليه عملهم القومي والذي يلتصق به ويندمج معه من دون أن يترك فسحة للانسراح  في عالم الخيال والرومانسية. من هنا يكتسب واقعية ومنطقية يتناسق مع واقعية هذا المحور وبالتالي يكون عملاً قومياً سياسياً قابلاً لتحقيق المفيد والملموس لهذه الأمة وبالنتيجة تكتسب مؤسساتهم وأحزابهم قبولاً واحتراماً لكونها مؤسسات وأحزاب قادرة على تجسيد شيئاً على أرض الواقع من ما تقوله أو تعلنه في شعاراتها القومية والسياسية، وهي المؤسسات التي يحق لنا أن نقول بأنها تمارس السياسة في نشاطها القومي طالما أنطبق عليها مفهوم السياسة في كونها ديموغرافيا على جغرافيا وبالتالي وجود إمكانية ممارسة الشعب لنشاطه على أرض الوطن المعبر عن كيانه وهويته القومية، وهي مسائل لا يستوجبها التفصيل لأن واقعية العمل القومي في أرض الوطن وقدرته على تحقيق بعض النتائج والأهداف أمر يمكن تلمسه. ولكن مع كل هذه الواقعية في العمل القومي وإمكانية تحقيق بعض الأهداف فأن للعوامل الخارجية المؤثرة والحاسمة والتحديات الخطيرة دوراً كبيراً في التأثير على هذا العمل في مدى إمكانية هذه الأحزاب من تحقيق بعض الأهداف أو تعثرها، وهذا ما نشاهده في أيامنا هذه في أرض الوطن.

رابعاً: ترابط المحورين الروحي والواقعي في العمل القومي :
---------------------------------
 من الضروري جداً الانتباه عندما اعتبرنا " بيت نهرين " محوراً روحياً ورفضنا سحبه إلى الواقع القائم في المهجر ليكون واقع العمل القومي هناك، وكذلك عندما اعتبرنا نفس "بيت نهرين "محوراً واقعياً لأبناء الوطن ومن ثم بناء أسس عملهم القومي على هذا المحور، من الضروري أن لا نتوهم بأن هناك انفصال وانقطاع بين المحورين وبين الأسلوبين في العمل القومي، فالروح لا يمكن أن تنقطع أو تنفصل عن الواقع بل تظل مرتبطة به تمثل الجانب الميتافيزقي لواقعية الحياة، وهي مسألة فلسفية تتصارع حولها المدارس الفكرية في المادية والمثالية ولا نريد الانجرار خلفها. ولكن أيضا من الضروري أن نفهم بأن الترابط العضوي بين الروح والمادة لا يمنعنا من وضع الحدود والفواصل والتمييز بين كل جانب من جوانب الظاهرة الاجتماعية فديناميكية التأثير والتأثر تبقى قائمة بينهما. لذلك فإذا كانت متطلبات البحث والفائدة المتوخاة من نتائج العمل القومي سواء في الوطن أم في المهجر قد فرضت علينا ضرورة التمييز والفصل بين المحورين الروحي والواقعي فأن التأكيد المشدد يتطلب الإشارة إلى أن نفهم طبيعة العلاقة الجدلية بين المحورين وتناسقهما في تكامل كل محور للمحور الآخر فيما لو تم وضعهما في مسارهما الصحيح خاصة بالنسبة لمسار اسلوب العمل القومي في المهجر والذي يعاني من خلل في فهم المحورين والعلاقة بينهما. ولكن أيضا من الضروري الانتباه والتذكير بأن التكامل هو غير الاندماج والخلط والمزج، أي بعبارة أوضح إن العمل القومي في المهجر يجب ان يتكامل ويتناسق مع العمل القومي في الوطن لا أن يندمج به او يختلط معه، أي بمعنى إن مسألة " تحرير آشور" أو المطالبة بالحكم الذاتي للآشوريين أو التنسيق مع القوى السياسية للقوميات الأخرى لضمان حقوق الآشوريين أو الاتصال والتعامل مع الحكومات المعنية  هي من المتطلبات الأولية في العمل القومي بالنسبة  للأحزاب الآشورية والمنظمات القومية في أرض الوطن باعتبارها اللاعب الرئيسي والمباشر على الساحة السياسية الآشورية في حين تكون الأحزاب الآشورية والمنظمات أو المؤسسات القومية في المهجر اللاعب غير الرئيسي وغير المباشر فيما يخص المسائل المبينة أعلاه  باعتبارها مسائل غير قائمة في الواقع الفعلي الذي تعيش وتعمل وتنشط فيه، فمهما رفعت من شعارات قومية براقة، سواء أكانت صادقة أم منمقة، فأنها لا تستطيع من الناحية الواقعية أن ترفع حجر وتضعه على حجر من أجل بناء جدار لبيت مهدم في قرية آشورية كما لا يتمكن أي من أعضاءها أن يُعلم حرفاً واحدا في المدارس السريانية في شمال الوطن ولكن تستطيع هذه الأحزاب أن تعمل كثير الكثير وبشكل فعال ومثمر من خلال مساندة ودعم القائمين على هذه الشؤون في الوطن (والمجلس المذكور أعلاه نموذج في هذا السياق) لذلك فأن دورها هنا يكون مكملاً لدور المنظمات والأحزاب الاشورية على أرض الوطن ومسانداً لها، وهو الدور الذي يستوجبه الكثير من التنسيق والتناغم حتى يتكامل العمل القومي بشكل صحيح وواقعي. فلا يجوز منطقياً ان يرفع حزب سياسي شعار رومانسي في "تحرير آشور" أو تدعو منظمة قومية إلى المطالبة بالحقوق القومية للآشوريين أو بالحكم الذاتي في الوطن في الوقت الذي جميع أعضاءها وحتى قياداتها قائمة وتعيش في المهجر وبعضهم لم تطأ قدمهم أرض آشور أو ليس لهم ولا عضو مرتبط بتنظيمهم يمثلهم في أرض الوطن، لا بل فالبعض الآخر يرغب في التفاوض مع الحكومة العراقية وهو لا يعرف عن العراق إلا ما سمعه من وسائل الأعلام. هذا الأسلوب هو الذي جعل من العمل القومي في المهجر أن يتصف في عموميته بنوع من الرومانسية ويبتعد عن الواقعية خاصة عندما يبتعد عن واقعه الأصلي ويتخلى عن التنسيق والتكامل مع العمل القومي للمنظمات وألاحزاب الاشورية على أرض الوطن ومن ثم تخفق في تحقيق النتائج المفيدة والملموسة. وأثباتاً لهذه الرومانسية يأتي بعض من أبناء أمتنا إلى الوطن سواء كمستقلين أو منتمين إلى أحزاب سياسية الذين هاجروه منذ سنوات طويلة وما هو المبكي أكثر مما هو مضحك يأتون وقت الإنتخابات البرلمانية العراقية لترشيح نفسهم لعضوية البرلمان يزاحمون أبناء أمتنا الصامدين في الوطن من دون إي إعتبار قومي أو حتى وازع إخلاقي، وطبعاً الإخفاق نتيجة حتمية لهم. والأنكى من هذا وذاك هناك في المهجر أكثر من مجموعة ومحاولات لتأسيس جماعات ضاغطة أو منظمات دولية أو برلماني آشوري في المهجر من دون أن يكون لهم أية صلة أو علاقة بنضال أبناء أمتنا في الوطن ومن دون أن يدركوا بأنه يجب أن يكون خطابهم السياسي واضح وموحد ونابع من الوطن ومتصل بالمنظمات والأحزاب السياسية الفاعلة على أرض الوطن وليس من دائرة الرومانسية في العمل القومية ومن النوايا أو التطلعات البريئة التي لا قوة لها ولاحول من الوصول إلى أرض الوطن.

خامساً: خلاصة وإستنتاج:
-------------
من هنا نقول، إذا كانت الأحزاب الآشورية في الوطن هي اللاعب الرئيسي في المجتمع الآشوري في الوطن ، فإن الأحزاب السياسية والمنظمات القومية في المهجر  يجب أن تعتبر هي اللاعب الرئيسي والفاعل في المجتمع الآشوري في المهجر لان هذا الأخير هو واقعها الذي تعيش وتنشط فيه والتي من المفترض أن تعرف كل خفاياه وأسراره المؤثرة سلباً وإيجاباً  في طبيعة تطور هذا المجتمع وفي جوانب عديدة من حياة أفراده. فعندما تتعامل هذه الأحزاب والمنظمات القومية مع الواقع الآشوري وتسعى في عملها القومي إلى معالجة المشاكل والأمراض التي يعاني منها المجتمع في المهجر، كالعشائرية والطائفية والأنانية والتسيب والتحلل العائلي وغيرها وتدعو، أو تعمل على التضامن الاجتماعي، ونشر الوعي القومي وتصعيد من معنويات الأفراد وتحصينهم من الضياع والانصهار وتقوية الأواصر الروحية بوطن الأم " بيت نهرين "، لا بل والسعي أيضا إلى مساعدة المحتاجين وتدعيم ركائزهم الاقتصادية والمعاشية والعائلية ومساندة الطلاب وتشجيعهم على مواصلة تعليمهم وحثهم على الانخراط في النشاطات القومية والثقافية، حينذاك تسلك المنظمات والأحزاب الآشورية في المهجر سلوكاً صحيحاً وواقعيا في العمل القومي وهو العمل الذي لا يساهم في تدعيم ركائز المجتمع الآشوري وتطويره في المهجر فحسب، وإنما أيضاً يساهم  مساهمة فاعلة وغير مباشرة في مساندة المجتمع الآشوري في أرض الوطن ويدعم دعماً منطقياً وقويماً للعمل القومي والمنظمات والأحزاب الآشورية الفاعلة على أرض آشور . فكلما كان المجتمع الآشوري في المهجر معافياً راسخاً سائراً على دروب التطور والتقدم الصحيحة وتعمل الأحزاب والمنظمات ضمن هذا الإطار كلما زاد ذلك من دعم وإسناد نضال الآشوريين ومنظماتهم وأحزابهم في أرض الوطن وعلى مختلف الأصعدة السياسية والإعلامية والثقافية والاقتصادية. فهذا التكامل في العمل القومي  يفرض ضرورة تخصص المنظمات والأحزاب السياسية ضمن إطار وقاعها الحقيقي، أو الجغرافي أن صح التعبير، وهو التخصص الذي يخلق التعاون والتنسيق المناسب والمثالي بين آشوريي المهجر و آشوريي الوطن ومنظماتهم وأحزابهم ويتم من خلاله تحقيق بعض الأهداف التي يسعى مجتمعنا إلى تحقيقها.



129
أسباب تخلف الآشوريين
البروفسور الشهيد آشور يوسف بيت هربوت (1858 – 1915)
---------------------------------------
أبرم شبيرا
قرن من التخلف:
-----------
هذا الموضوع كتبه البرفسور الشهيد آشور يوسف بيت هربوت بتاريخ 20 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1914  ونشره باللغة التركية والأرمنية في مجلته المعروفة (المرشد الآشوري)  ثم ترجم إلى الإنكليزية ونشر في بعض المجلات الآشورية في الولايات المتحدة الأمريكية وقام الأستاذ توماس بيت عبدالله بضمه في كتاب عن المفكر القومي الكبير ديفيد بيرلي والمعنون (أسطورة أشوري أمريكي في كتاب جديد) الذي عرضناه وكتبنا عنه ونشر في موقع عنكاوة. فعلى الرغم من أن الموضوع  هو للبروفسور الشهيد إلا أن الإستاذ توماس ضمه في هذا الكتاب لكون المفكر القومي ديفيد بيرلي قد علق عليه وكان يعزه إيما إعتزاز لكونه معلمه في الفكر القومي الآشوري. ومن جانبنا رأينا بأن الموضوع رغم أنه كتب قبل مائة سنة ونيف إلا أن له أهمية قصوى في أيامنا هذه لأن نفس الأسباب التي كانت وراء تخلف الآشوريين لا زالت تنهش في جسم الأمة وتجعلها من الأمم المتخلفة، على الأقل من الناحية القومية والسياسية. مائة عام ونيف لم يتعلم الآشوريون من تاريخها ولايزال يتعثرون بها في مسيرتهم القومية ومن لا يتعلم من التاريخ فمن المؤكد سيقع في نفس الأخطاء وقد سبق وقلنا من يتعثر بحجر مرتين هو جاهل.

سطور ذهبية في حياة البرفسور الشهيد:

-----------------------

 لمن لا يعرف هذا الشهيد أو ينكر أصله وفكره القومي وإستشهاده في سبيل أمته نقول بأنه ولد في عام 1858 في هربوت، المنطقة التي تشكل الضلع الثالث لمثلث الفكر القومي الآشوري إلى جانب مديات وطور عبدين في تركياـ ولد بهذا التاريخ وفي هذه المنطقة التي لم يصلها الإنكليز لكي يطلقوا عليهم التسمية الآشورية. لقد عمد السيد يوسف بيت هربوت أبنه بأسم آشور في تلك السنة إعتزازا بأصله وإفتخاراً بالحضارة التي كانت ينتمي إليها. تعلم الشهيد في الكلية التعليمية المركزية التركية فكان مثقفا وشاعراً وناشراً ومتميزا في كونه قومياً آشورياً. وعمل كأستاذ إستاذا للأدب في كلية الفرات في أسطنبول. أصدر صحيفته المعروف بـ (المرشد الآثوري) لمدة ستة سنوات ولم تتوقف إلا بإستشهاده. وأستحق فعلاً لقب رائد الصحافة الآشورية. أعتقلته السلطات التركية عام 1915 مع برصوم بيرلي والد المفكر القومي الكبير ديفيد بيرلي وزج بهما في السجن بسبب مواقفهم القومية وتحركاتهم السياسية فتم إعدامهما في السجن. ومن هناك كان الشهيد يراسل أخيه وفي أحدى رسائله يقول (أنتهز هذه الفرصة لكي أكتب إليكم رسالتي الأخيرة وأعلم بعد مغادرتنا لهذا المكان سيتم تقطيعنا إلى قطع صغيرة.... لا تقلق على موتي يا أخي فأنها مشيئة الله وأنا ذاهب إلى السماء لحماية حقوق الآشوريين في حضور أكبر...).
كان الشهيد ثاقب النظر، عميق الفكر، واسع التصور، يملك قوة فكرية كبيرة في تحليل الأوضاع ومعرفة الظروف السياسية والإجتماعية والفكرية الدينية التي كانت تحيط بأمته في تلك الفترة، وهذا الموضوع في أسباب تخلف الآشوريين واحد من المواضيع المهمة التي كتبها بنظرة ثاقبة عن أساب تأخر الآشوريين. وهذه ترجمة بالعربية من الإنكليزية من الكتاب أعلاه وبشكل عام، وغير حرفي، مع بياني لبعض التعليقات والتضيحات إذا أستوجب سياق الكلام والتي سأضعها بين قوسين.

أسباب تخلف الآشوريين:

--------------
إذا رغبنا أن نعطي جواب لهذه المشكلة نستطيع القول كلمة واحدة ... الجهل!! ولكن بالمقابل فأن هذا الجهل هو نتيجة لعدد من الأسباب المختلفة، منها:
الأول: السبب الرئيسي للوضع الحالي المتخلف للإشوريين هو قديم ومصدره تاريخي. وحتى نفهم هذا الوضع علينا أن ننبش في الماضي السحيق. لم يكن الآشوريون في الماضي شعب مثقف ومتمدن فحسب بل كانوا ناقلي الحضارة والثقافة إلى الشعوب والبلدان الأخرى كفلسطين ومصر واليونان وروما. فمند الأيام الأولى للعهد المسيحي نشروا نور المسيحية في الشرق من شواطئ البحر المتوسط إلى الهند والصين ومن سوريا إلى بحر القزوين وسمرقند وأرسلوا المفكرين والأطباء والمترجمين لتعليم وتثقيف العرب والأرمن واليونانيين وحتى اليهود..... على العموم يمكن القول بأن تقدم الشعوب وفسادها ليست نتيجة يوم واحد أو سنة واحدة بل نتيجة سنين وقرون طويلة. فالأشوريون فقدوا رابطة الجأش وقدرة السيطرة على الأمور بسبب العزلة وهذا السبب كان بالأساس سياسي في طبيعته. فمنذ أن فقد الآشوريون إستقلالهم ولم يعدوا كأمة مهيمنة خصعوا إلى القوى الحاكمة الإستبدادية والظالمة والتي وصفها النبي إرميا بالقوة المرعبة في رسائله النبوئية. (أي بعهذا المعنى الواضح أن سبب تخلف الآشوريين هو خضوعهم للقوى والأنظمة الحاكمة الإستبداية وهذا هو عين الحقيقة منذ القدم وحتى يومنا هذا).

الثاني: السبب الثاني لتخلف الآشوريين هو سبب داخلي، أي النزاع الطائفي في الكنيسة. فالعائق أمام تقدم الآشوريين لم يكن تحديات من الخارج أكثر مما كانت من الداخل كالصراعات العقائدية والطائفية مثل المنوفستية (المذهب القائل بأن للمسيح طبيعة واحده) و ديوفيستية (المذهب القائل بأن للمسيح طبيعتين) فهذا النزاع سبب إنقساماً روحياً وقومياً في الشعب الذي وصل إلى درجة إراقة الدماء وإنقسام دائمي في الأمة. هذا الشقاق سبب إستنزاف الطاقة المادية والمعنوية للأمة ودمر مصادر التنوير، أي المؤسسات التعليمية الواعدة. واحسرتاه !!! وحتى في هذا اليوم فالآشوريون لا يزال معروفين بأسماء مختلفة  مثل النساطرة واليعاقبة والكلدان وأسماء أخرى ... (ما أشبه البارحة باليوم.... أليس إختلافنا وعدم إتفاقنا على تسمية قومية موحدة سبباً لتخلفنا السياسي وضياع حقوقنا القومية؟؟).

الثالث: السبب الثالث هو فقدان اللغة. فعندما خضعت الأمة إلى حكم إستبدادي وإلى الإضطهادات أعتاد أبناء الأمة التكلم بلغة أجنبية وأهملوا لغتهم وبالتالي فأن اللغة الآشورية أصبحت محصورة فقط بين الآشوريين القاطنين في الجبال وأصبحت بمرور الزمن غير مفهومة للأكثرية. عدد من أبناء الأمة كتبوا مواضيع مختلفة بهذه اللغة التي كانت يتعذر الوصول إليها لذلك أعتبرت من دون فائدة وبالتالي بسبب جهل الناس باعوا هذه الأعمال مقابل قطعة من الفضة. ففي هذا اليوم هناك ألاف المجلدات باللغة الآشورية في متاحف لندن وباريس وروما وبرلين وتعتبر كنوز ثمينة. فالأمة التي كانت ترسل بعثات لتنوير الأمم الأخرى الآن أصبحت هي بحاجة إلى بعثات تنويرية. لقد فشلوا في تهذيب ثقافتهم وحضارتهم التي ترجموها إلى اللغات الأخرى كثقافة أصيلة لهم وبالتالي قاد الأمر إلى نهايتها وإلى أن يأخذ الجهل مكانته وبدرجات رهيبة في أبناء الأمة.

الرابع: السبب الرابع هو الجهل المطبق للأكليريوس، أي رجال الكنيسة، والذي، أي الجهل، سبب للأمة أن يأخذ رجالها إلى نوم عميق. فلو كان رجال الكنيسة متنورين ومتحمسين وعلموا الشعب وأبقوا النور مشتعلاً في قلوبهم وعقولهم، لكن لم يكن الحال هكذا. بل على العكس من هذا، فأن الأكليريوس نفسهم تفوقوا على الشعب في الجهل حيث قادوا الشعب بجهل فأصبحوا في حالة من الإرباك والحيرة وأيضا حيروا وأربكوا الآخرين – كمسألة الأعمى يقود الأعمى وكلاهما يغوص في هاوية الجهل. لهذا فالأمة التي أعطت النور والتنوير للأخرين قادت نفسها إلى ظلام كامل.

الخامس: السبب الخامس هو أهمية الكنيسة. ويمكن القول هذا كنتيجة طبيعية للأسباب السابقة الذكر. الكنيسة كانت منصة للإنطلاق وسلوان الشعب ومصدر لشعاع سماوي ومنقذ الروح. فالكنيسة التي كانت تلهم الحياة الروحية لأبناء الأمة، الآن لم تعد كذلك بل تخلت عن هذه الميزة. فلم تعد بقادرة على إلهام الحياة وزرع الثقة في الناس. ولم تعد بقادرة على أن تميز نفسها كمصدر للإلتزامات السامية لقيادة الناس نحو العمل وإلهامهم نحو متابعة القيم المسيحية المثالية في الحياة. لماذا؟ لأن قادة الكنيسة  - الأكليريوس – لم يعدوا واعين عن مهماتهم السامية.

السادس: السبب السادس يتعلق بالعائلة والمدارس. فهاتان المؤسسات لهم دور مهم ليلعبوه في تطور أية أمة والتي تكمل بعضها للبعض ولكن كلا المؤسستين يفتقرون إلى وعي بمهماتهما الرفيعة. فلا العائلة ولا المدارس القومية كانا قادرين على تزويد الأمة برجال مهمين وذو عقول ومستعدون للعمل. وحتى إذا ألتقينا في بعض الأحيان ببعض الأفراد المتعلمين والمنتشرين هنا وهناك والذين يشكلون موضوع فخر وإعتزاز للأمة فأنهم ليسوا من نتاج أمتنا بل النظام التعليمي الأجنبي.

السابع: البيئة تشكل السبب السابع لتخلف الأمة. فكما هو الحال مع الأفراد كذلك في حياة وخصائص الشعوب فللبيئة تأثير كبير أيضاً. فأي واحد يكون محاطاً بأشخاص متنورين ومتعلمين فمن المؤكد سيخضع لتأثير إيجابي وصحي. ونفس الشخص بالنسبة للشخص الذي يعيش في بيئة سيئة سيخضع لبيئة غير صحية وسلبية. فمكان – موطن – الآشوريين لم يكن لصالح تهذيب وتصقيل وتطوير ثقافتهم. فالقبائل والشعوب التي أحاطوا بهم كانوا جهلة ومتخلفين أيضاً. فلو عاش الآشوريون في قسم متحضر من العالم فمن المؤكد بأنهم كانوا قد تأثروا بمثل هذه البيئة. فلو كان مركز السلطة الكنسية في بيروت أو في مدينة مثل لندن بدلا من ماردين (الذي هو محاط بأجناس متخلفة وجاهلة) فكان تأثيرها مختلف ولكانت قد فكرت بشكل مختلف وأنها لكانت قد وظفت مناهج مختلفة لتطوير الناس تحت سلطاتها.

الثامن: السبب الثامن والأخير هو غياب القيم والأهداف المثالية والمهمة. قيل بأن الإنسان هو نتاج تفكيره وهذا موضوع غير قابل للجدال. قبل أن يُعبر الإنسان عن نفسه ويعمل فأنه يفكر أولاً ثم بم فكر سوف يعمل. فالفكر هو مخطط للعمل وبتنفيذ هذا العمل سوف يتحول إلى عادة وهذه العادات تتجمع في شخصية الإنسان لتوجه حياته وقدره. مرة أخرى قيل بأن قدر ومصير أي إنسان يعتمد على تلك الأفكار التي تهيمن على تفكير الإنسان أو العقلية الجماعية للشعب التي تجعل منه أمة. لذلك ففي مجال الحياة فإن تخلف أي أشخاص أو شعوب هو نتيجة غياب القيم المثالية الصالحة عنهم.

ولتلخيص ذلك أود أن أقترح، أن تحقيق التطور الثقافي والتقدم بين الآشوريين، كأفراد أو كشعب فأنه من الضروري أن يكون لهم أعلى القيم في الحياة والعمل لجعها متميزة . ولتحقيق هذا الهدف يجب على العوائل إنجاب أربعة أطفال يحملون القيم والصفات المسيحية والقومية التي ستخدم الأمة. وعلى المدارس أن تخرج قادة. وعلى الكنيسة ورجالها يجب إحياء وإنعاش الوعظ أو التبشير الميت مع لغة متقدة وبرسالة ملهمة ورائعة جداً تمجد حياة الروح. وعجلة الصحافة يجب أن تقوم بصقل صحافتنا وكتبنا لغرض ترقية الحياة الروحية والقومية للآشوريين. لندع العائلة والكنيسة والمدرسة والصحافة أن تتوحد في هذه الروحية والتناسق لغرض تقديم خدمة متبادلة، بهذا فقط هذا التخلف في الأمة الذي ركب رحلة التنوير الذاتي سوف يحقق القيم السامية في حياة الأمة والتي يستوجب متابعتها.

ملاحظات:
-------
أود هنا أن أبين الملاحظات التالية:
1.   البروفسور الشهيد آشور يوسف بيت هربوت كغيره من رواد الفكر القومي الآشوري كانوا من أتباع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكانو علناً وصراحة يعلون تسميتهم القومية الآشورية معتبرين التسميات الأخرى كطوائف وهو النهج الذي سار في الحركة القومية الآشورية.
2.   حديث البروفسور الشهيد عن جهل الأمة وتخلفها ليس القصد منها تخلفها في الشأن الثقافي والإجتماعي والإقتصادي وإنما هو تخلف في الشأن القومي والسياسي. ففي تلك الفترة كانت مناطق مثل طور عبدين وماردين ومديات وأورمي ومناطق سهل نينوى تعج برجال مثقفين ومتعلمين ولكن حتى هذا اليوم نرى بأن هناك جهل وتخلف في الوعي القومي والسياسي والنظيمي ليس بين أفراد الأمة بل حتى بين السياسيين وأحزابهم ومنظماتهم، وهو موضوع سنعالجه في مناسبة قادمة.
3.   الأمة المتخلفة والجاهلة ليست المجردة من العلم والمعرفة بل هي الأمة التي لا تعرف مصلحتها العامة. فأبناء الأمة وتنظيماتهم الذين لا يعرفون المصلحة القومية ولا يطبقونها فهي أمة جاهلة ومتخلفة  وحتى إذا عرفت المصلحة القومية المشتركة وكثرت الحديث، كما نفعل اليوم فإن قمة التخلف سوف يتمثل في العجز، بقصد أو غير قصد، عن العمل وتحقيق هذه المصلحة القومية العليا.   
4.   وأخيراً يبقى على القارئ اللبيب مقارنة أسباب تخلف الآشوريين قبل مائة سنة ونيف بأسباب تخلفهم في هذه الأيام من الناحية السياسية والقومية والتنظيمية  وإستنتاج ما هو مفيد لوعينا القومي وحركتنا القومية كسبيل لتحقيق المصلحة القومية العليا.
 

 

             




130
وجهاً لوجه ... الجرأة والصراحة
 بين الإعلامي ولسن يونان والمطربوليت مار ميلس زيا
==============================================

=============================================
أبرم شبيرا
الجرأة والصراحة صنوان متلازمان لمنهج وأسلوب لمناقشة علمية وموضوعية هادفة للإجابة على تساؤلات مطروحة بعضها مبهمة وغامضة لدى عامة الناس يهمها جداً أزالة غموضها وتوضيحها، خاصة عندما تأتي من شخصيات تعتلي مسؤواليات في المجتمع، لتكون سبيلا لتوضيح الأمور وإستقرار الأفكار والمشاعر والتوجهات عن مسائل مهمة تهم بشكل عام جميع أبناء المجتمع. وأي إخلال بين طرفي هذه المعادلة، الجرأة والصراحة، ستقود المناقشة إلى تعقيدات أكثر وتشويش مبهم فلا تعدو إلا لغو فارغ. جانب من هذه المعادلة المتمثلة في الجرأة نجدها دائماً في الأسئلة التي يطرحها الإعلامي المعروف ولسن يونان على ضيوفه في برنامجه التلفزيوني الشيق "وجهاً لوجه" عبر قناةSBS  الإسترالية. ففي المقابلات التي أجراها مع شخصيات تمتلك نوع من الصراحة في إجابتهم على الأسئلة الجريئة التي يطرحها نرى بأنها تجذب الكثير من المشاهدين والمستمعين وتحتل أهمية خاصة لدى الكثير من أبناء مجتمعنا. وعلى العكس من هذا عندما يفتقر ضيف البرنامج إلى مثل هذه الصراحة نرى بأن المعادلة تختل ويشوبها الغموض وبالتالي تظهر نتيجة المناقشة باهتة لا تثير إهتماماً كبيراً لدى أبناء شعبنا. هذه الميزة في الجرأة التي يتصف بها ولسن يونان هي التي جعلته من أشهر إعلامي أمتنا في هذا العصر وجعلته أن يكون دقيقاً في إختيار ضيوف برنامجه.

لايخفى على أحد بأن معظم المقابلات التي أجراها ولسن مع مار ميليس زيا مطربوليت أستراليا ونيوزلندا ولبنان لكنيسة المشرق الآشورية عبر برنامجه التلفزيوني "وجه لوجه" لقناة SBS الإسترالية نالت إستحسان المشاهدين وبشكل منقطع النظير وذلك، ليس لأن إجابات غبطته تتصف بالصراحة لأسئلة ولسن والتي تكون بعضها محرجة، بل لأن هذه الصراحة تأتي من شخصية تعتلي مسؤوليات جمة، فبالإضافة إلى سعة مساحة مسؤولياته الكنسية، فله أيضا مسؤوليات قومية ثقافية وتربوية تتمثل في إشراف وإدارة أبرشيته لعدد من المؤسسات التربوية من كلية ومدارس على مختلف المستويات في إستراليا التي تتصف في عصرنا هذا بأنها قفزة نوعية في مسيرة الحفاظ على كياننا الثقافي واللغوي في بلدان المهجر. هذا ناهيك عن تأسيسه وأشراف وإدارة أبرشيته على جمعية "أسيرو" الخيرية التي تصل خيراتها إلى أبناء امتنا في أرض الوطن.

فخلال الأسابيع الماضية وضمن هذا السياق أجرى ولسن يونان مقابلة تلفزيونية مع مار ميلس زيا ضمن برنامجه المعروف وجهاً لوجه، وهي المقابلة التي تأتي ضمن سلسلة مترابطة من مقابلات تلفزيونية أجريت مع غبطته والتي أمتلكت جانبي المعادلة أي الجرأة والصراحة. ويستطيع القارئ النبيل أن يشاهد هذه المقابلة الأخيرة على الموقع أدناه.
http://www.ankawa.org/vshare/view/10225/mar-meelis-zaia

على العموم  وكسباٌ للوقت والجهد وتطبيقا لأسس المعادلة في الجرأة والصراحة بين الأثنين، يمكن تقسيم جوهر حديث هذه المقابلة الأخيرة  إلى محورين:
الأول: كنسي – ديني:
--------------
1-   حوار كنيسة المشرق الآشورية مع الكنيسة الكاثوليكية في حاضرة الفاتيكان سِفرُ طويل ولعدة عقود وجاءت أجوبة غبطته على تساؤل ولسن عن المحطة التي وصلت إليه هذا الحوار. فكان تأكيد  غبطته على إستمرار هذا الحوار وتواصله لتحقيق هدف إزالة الإختلافات في الأسرار السبعة للكنيستين. ولكن مع هذا يبقى التساؤل قائماُ وهو ... ثم ماذا؟ أي بعبارة أخرى، هل يعني بأنه إذا تم إزالة الإختلافات وتطابقت الأسرار السبعة هو إندماج وذوبان كنيسة المشرق الآشورية في الكنيسة الكاثوليكية التي يتجاوز مؤمنيها أكثر من مليار وربع المليار في الوقت الذي لا يتعدى مؤمني كنيسة المشرق الآشورية بضعة ألاف منتشرين في زوايا الأربعة للعالم وبالتالي فقدان إستقلاليتها كما فقدت بعض الكنائس إستقلاليتها وذابت في الكنيسة الكاثوليكية العالمية وخضعت لسلطة وإدارة الحبر الأعظم في الفاتيكان. ولم يخفي غبطته بأن يصرح  عن وجود مخاوف لدى بعض من أحبار كنيسة المشرق الآشورية من هذا الحوار وبالتالي لم تكن مواقفهم مشجعة في سياق التفاهم والتقارب مع الكنيسة الكاثوليكية. ولكن بالمقابل أكد غبطته بثقة وثبات بأن مثل هذا الحوار الكنسي المسيحاني لا يمكن أن يؤدي إلى فقدان الكنيسة إستقلاليتها فأمر فقدان أو الحفاظ على إستقلالية الكنيسة يعتمد على مدى إيمان أحبار ومؤمني الكنيسة في الحفاظ على لوتروجيتها وتراثها وتقاليدها. ولكن هناك حقيقة يجب أن تكشف وهي أن الفاتيكان قد تقبل الشركة في الإيمان المسيحي والأسرار السبعة ولكن لا تقبل إستقلالية السلطة والإدارة، فالمركزية هي للفاتيكان وحدها، وهي المحطة أو العقبة الأخيرة التي سيصل حوار كنيسة المشرق الآشورية مع الفاتيكان.
2-    من المواضيع أو الأسئلة الأكثر حساسية وإثارة والتي أثارت دهشة غبطته وإستغرابه من سؤال ولسن هو عن عزوبية أو بتولية الأساقفة في الكنيسة والسماح لهم بالزواج في هذا العصر معتمداً على المجمع السنهادوسي الذي عقد في عهد مار برصوما عام 448 الذي سمح للأساقفة بالزواح وكان هو أيضا متزوجاً من راهبة.. فلماذا لا يسمح للإساقفة بالزواج... مؤكداً ولسن هذا السؤال الذي يطرح لأول مرة على مطرابوليت في الكنيسة وعلنية وفي وسائل الأعلام. فمن المعلوم بأن هذا القرار في زواج الأساقفة كان قد أبطلته الكنيسة في السنوات اللاحقة كما أكد غبطته مضافاً بأنه حاليا الكنيسة تعاني من بعض الأشكاليات من الكهنة المتزوجين حيث يصبح أمر نقلهم من أبرشية إلى أخرى أمرا صعباً للغاية أو مستحيلاً بسبب إرتباطاته العائلية والإجتماعية في منطقة أبرشيته خاصة موضوع نقل أبناءه من مدرسة إلى أخرى وتتعقد المسألة أكثر بكثير عندما يتم النقل من مدينة إلى أخرى أو من دولة إلى أخرى. فكيف والحال مع زواج الأساقفة وهم يحملون مسؤوليات أكثر بكثير من مسؤوليات الكنهة... ثم يضيف غبطته متسائلا: ما الذي سيضيف زواج الأساقفة على تقدم الكنيسة وتطورها... الجواب عند غبطته لا شيء.
ولكن بالمقابل يقول البعض بأن في هذا العالم المحيط بالمغريات والفواحش قد يكون زواج الأساقفة حصناً ومانعاً للإنجرار وراء مغريات الحياة المعاصرة بعكس العزوبية والبتولية التي قد تضغط عليه هذه الظروف للإنزلاق في متاهاة الخطيئة والزنا كما حدث لبعض أساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات القليلة الماضية وهذا ليس مستبعدا أن يشمل أيضا أساقفة كنيسة المشرق الآشورية فهم بشر من لحم ودم كغيرهم من البشر. ومهما يكن فبإعتقادنا الشخصي بأن مسألة بتولية الأساقفة أو زواجهم ليست من المسائل المهمة المطروحة في هذا العصر بل من الضروري أن ينظر إليها من جانبها الإيجابي كوسيلة لتطوير الكنيسة وتقدمها في هذا العصر الصعب جداً. فدائماً تأكد الكنائس التي تحرم زواج الأساقفة، ومنها كنيسة المشرق الآشورية بأن الأسقف يجب أن يكرس كل حياته التي نذرها أمام الله في خدمة الكنيسة ومؤمنيها، وهذا ما أكده غبطته أيضا. ولكن بالمقابل لم يعد كافياً على الأسقف أو الكاهن أن يكرس حياته لخدمة الكنيسة ومؤمنيها بالتذرع والصوم والوعظ فحسب، بل عليه وفي هذا العصر التي تتزاحم فيه الثقافات وتتنازع الأفكار وتتصارع المعتقدات أن يكرس جزء، قليل أو كثير، من حياته ووقته، وبتوليته أن صح التعبير، لخدمة كنيسته ومؤمنيها على مختلف الأصعدة الفكرية والثقافية بهدف تحصين كنيسته من المؤثرات السلبية وتطوير لوتريجيتها ومقوماتها الإيمانية والتراثية وعصرنتها مع الحفاظ على أسس ومقومات أصالتها التاريخية وإزالة سلبياتها المتراكمة من العصور المظلمة في تاريخ الكنيسة. وحسناً عملت كنيسة المشرق الآشورية عندما وضعت شرط حصول الكاهن على شهادة جامعية أو أعلى إلى جانب الشروط الإيمانية الأخرى لتكريسه كأسقف ليكون بذلك في موقع يستطيع خدمة كنيسته ومؤمنيها على مختلف الأصعدة الكنيسة الإيمانية والفكرية الثقافية وليكون وقته، أو بتوليته، فعلاً مخصصة لخدمة الكنيسة ومؤمنيها وتطوير لتروجيتها وتراثيها في هذا الزمن الظالم الذي يهدد كنيستنا وأمتنا بالزوال. أفهل فعلا أستطاع أساقفة كنيسة المشرق الآشورية الحاصلين على شهادات عليا متخصصة في مجالات علمية وثقافية وتاريخية ولاهوتية من الدخول إلى الساحة الفكرية عن طريق البحث العلمي الأكاديمي لخدمة الكنيسة وتطوير لوترجيتها وتنقية إيمانها من بعض سلبيات الماضي وتوفير الحصانة الإيمانية والفكرية والثقافية والتي هي السبل الأمثل والأقوى في الحفاظ على الكنيسة من الضياع أو إبتلاعها من قبل الكنائس الكبرى؟ سؤال من المؤكد جوابه موجود وبوضوح في الواقع الفعلي لمدى الإنتاج الفكري لأساقفة كنيسة المشرق الآشورية.       
3-   تناقلت الأنباء الشفوية عن إستقالة مار سركيس زيا أسقف بغداد لكنيسة المشرق الآشورية الذي ترك أبرشيته منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي وغادر إلى كاليفورنيا - الولايات المتحدة الأمريكية وفعليا شغر كرسي الأسقفية في بغداد منذ تلك الفترة. كان غبطة مار ميلس صريحاً لسؤال ولسن عن هذا الموضوع مؤكداً بأنه منذ مغادرة مار سركيس أبرشيته في بغداد وبيان رغبته في عدم العودة إليها، طلب عدة مرات من بطريرك الكنيسة تخصيص له أبرشية في كاليفورنيا التي لها أصلاً أسقف للكنيسة غير أن طلبه رفضه وكان آخر رفض من قبل البطريرك الحالي قداسة مار كوركيس الثالث صليوا. القانون... هو القانون... هذا ما شدد في تأكيد غبطته عليه. فعندما نقبل مخالفة القانون فهذا يعني بأنه لا وجود للقانون. فقانون كنيسة المشرق لا يسمح بأن يترك الأسقف أبرشيته ويطالب بأبرشية أخرى من دون موافقة أصولية من المراجع العليا للكنيسة، أي بعبارة أخرى بأن مار سركيس قد خالف قانون الكنيسة وبالتالي نتيجة لرفض طلبه لم يكن أمامه إلى الإستقالة... أي بعبارة أخرى أ، شغور أبرشية بغداد من أسقف يعني حاجة هذه الأبرشية إلى أسقف جديد... ولكن "من يشتهي أسقفية بغداد" في هذا الوضع المأساوي المميت؟ إلا يستحق الأسقف الذي يقبل هذه الأسقفية أن نطلق عليه لقب "بطل" ومأثر من مآثر كنيسة المشرق الآشورية... بلى ... والله بلى... خاصة عندما نقارنه بغيره الذين ينعمون بحياة الرفاهية والسلام والطمأنينة في بلدان المهجر. 

الثاني: قومي  - ثقافي:
--------------
1.   شمل لقاء غبطة مار ميلس مع ولسن جوانب سياسية وقومية أكد في حديثه بانه فعلاً لايكفي أن يكون الأسقف أو المطران أو الكاهن ورعاً وخادما للكنيسة بمفهوما التقليدي فحسب، بل عليه أن يكون خادما لها ولمؤمنيها ومن جميع مناحي الحياة الزمنية والدنيوية. ونحن وصفنا مثل هذا الإمكانية في موضوع سابق بأن يكون (Managing Director) أو (CEO) وإلا ستضيع الكنيسة في متاهات العصر. فجاء لقاء غبطته مع عدد من ممثلي أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية في دهوك أثناء زيارته الأخير لشمال الوطن جزء من إهتمامه بالمسائل القومية التي هي الوجه الآخر لكنيسة المشرق. فتأكيد المستمر على الإحترام المتبادل بين جميع تسميات أمتنا "الكلدانية والسريانية والاشورية" رسالة رعوية وقومية لغبطته... ليعد بالتالي من أكثر أحبار كنيسة المشرق في إيمانه بضرورة وحدة أمتنا كسبيل لخلاصنا. وقد سبق وأن بحثنا في هذا الموضوع وبشكل مفصل وبعنوان  (نظرة علماني على مقابلة غبطة المطرابوليت ما ميلس زيا مع قناة SBS الإسترالية. يمكن قراءة الموضوع على موقع عنكاوة:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=759698.0

2.   أما موضوع المدارس والكلية في أستراليا التي ترعاهم أبرشية غبطته، فالحديث عنها يطول جداً لأنها فعلاً من مآثر الأمة والكنيسة معاً خاصة في بلدان المهجر ونكتفي بالإشارة إليها ومن يرغب المزيد يمكن الرجوع إلى موضوعنا المعنون (المدارس الآشورية في أستراليا ... فكرة وإجتماع... فجهود وإصرار... ثم إنجازات.) على موقع عنكاوة:
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,811123.msg7471918.html#msg7471918

من خلال ما تقدم يظهر تواصل وإستمرار سلسلة لقاءات غبطة مار ميلس مع القناة المذكورة وعلى نفس المبادئ والسبيل وبنفس الأسس الرئيسية للمعادلة القائمة على الجرأءة والصراحة.
 

131
ديفيد بيرلي


أسطورة آشوري أمريكي في كتاب جديد
=========================

أبرم شبيرا

نشر الموقع الألكتروني لوكالة الإنباء الآشورية العالمية (Assyrian International News Agency) والمعروفة إختصارا بـ (AINA) – (www.aina.org) موضوعاً مهماً عن كتاب فريد من نوعه نشر حديثاً عن المفكر القومي الآشوري الكبير والخالد ديفيد برصوم بيرلي كتبُ من قبل (Svante Lundgren). والكتاب هو مجموع ما كتبه بيرلي خلال حياته من مقالات وبحوث وخطب وتعليقات ومراجعات لكتب ومجلات جمعها توماس بيت عبدالله في هذا الكتاب.
جاء في الموضوع بأن ديفيد بيرلي الذي يعتبر من أحد الشخصيات الآشورية الأمريكية الأكثر تأثيراً في القرن العشرين، كان قد ولد في عام 1901 في هربوت (في تركيا حاليا) وأثناء فترة المذابح (سيفو) هاجر عام 1918 إلى الولايات المتحدة حيث قضى فيها بقية حياته، فدرس القانون وأسس مكتبه القانوني الخاص (ومارس مهنة المحاماة). كان من أحد أعضاء المؤسسين للإتحاد القومي الآشوري، الذي عرف فيما بعد عام 1933 بالإتحاد القومي الآشوري الأمريكي وشغل خلال فترة طويلة مراكز عديدة في هذا الإتحاد بما فيه رئيس الإتحاد. وفي عام 1979 توفي عن عمر يناهز 78 سنة.
================================================================== 
كان ديفيد بيرلي منذ عام 1930 وحتى وفاته وافر الإنتاج حيث نشر عدد كبير من المقالات ومراجعات وإنتقادات للكتب في المجلات الآشورية مثل (النجم الآشوري) و (بيت نهرين الجديدة) و (أترا). وقد عمل السيد توماس بيت عبدالله مجهودا عظيماً في جمع تقريباً كل ما كتبه ديفيد بيرلي عن الآشوريين وضمها في مجلد يحتوي على 700 صفحة. ويحتوي الكتاب على مواضيع منشورة سابقاً ولكن فيه مواضيع مهمة جداً لم تنشر سابقاً والتي وجدت في بعض الأرشيفات الشخصية. وعلى العموم فالكتاب مقسم إلى أحد عشر قسماً:
1.   المقالات القديمة التي كتبها منذ عام 1933 وآخرها كان عام 1983، أي بعد وفاته.
2.   مراجعة ونقد لكتب، حيث كان بيرلي قارئ نهم ومراجع جيد للكتب وهذا القسم أكثر كثافة من الأول.
3.   الرسائل، وأختار السيد توماس الرسائل الأكثر أهمية ونشرها في الكتاب.
4.   الخطابات، وهي تشمل الخطابات التي ألقاها بيرلي أو هي مختصرات لهذه الخطابات التي نشرت في المجلات (من المعروف عن بيرلي بأنه كان خطيباً بارعاً ومؤثرا)
5.   كتيب عن الإرساليات التبشرية من عام 1943 (والمراجعة الجديدة في عام 1944 و عام 1946).
6.   مراجعات للنشرة (العدد الخامس).
7.   كتابات تخص بيرلي نفسه.
8.   نصان مكتوبان من قبل مجهول وغير معروف ويعتقد السيد توماس بأنهما مكتوبان من قبل بيرلي.
9.   إقتباسات من بيرلي.
10.    مجموعة صور عن حياة بيرلي.
11.    مقاطع لبعض ما كتبه بيرلي .
والجدير بالذكر للكتاب فهرس شامل الذي يساعد القراء الذين يرغبون التركيز على موضوع معين. كما أن الكتاب هو إلى أبعد حد متعدد الجوانب فلا يعطي صورة عن ما كان يعتقد أو يشعر به بيرلي بل هو أيضا عن أعتقاد وفكر الآخرين عنه وعن النشرة الذي كان يصدرها. لقد بذل السيد توماس بيت عبدالله خلال سنوات عديدة جهود كبيرة لجمع مواد هذا الكتاب ليكون لكل شخص مهتم بالشأن الآشوري مصدر مهم وطريق سهل  لمعرفة هذه الشخصية القومية الآشورية. عملياً أنه قد تم جمع كل شيء عن بيرلي بين دفتي هذا الكتاب ولكن من جانب آخر هناك كتابات لبيرلي قد فقدت ولكن على العموم فأن معظمها قد تم جمعها في هذا الكتاب. أحدى النصوص المفقودة هو السيرة الذاتيه له التي كتبها عن فترة طويلة من حياته والتي كانت مذكورة في المجلات. أنه من المؤسف لا يمكن العثور عليها غير القليل منها عن فترة تنشئته في مدينة هربوت ونجاته من الإبادة الجماعية (سيفو 1914-1918).

ما الذي كتبه بيرلي؟... هناك موضوعان ركز عليهما بيرلي وهما، الأول بدأ نشاطه عن الحركة الأشورية في عام 1933 فكانت مذبحة سميل جوهر هذا النشاط. مرات عديدة كتب عن الخيانة البريطانية للآشوريين والذي كان أيضا موضوع النشرة (الإرساليات التبشيرية). على الرغم من أن والده قُتل من قبل الأتراك أثناء الإبادة الجماعية للحرب العالمية الأولى (من المعروف بأن والد ديفيد بيرلي "برصوم"  كان قد أستشهد مع رائد الصحافة الآشورية آشور بيت هربوت عندما أعدمتهما السلطات العثمانية أثناء مذابح سيفو)، إلا أنه نادراً ما كتب عن هذه الإبادة الجماعية ولم يبين أي حقد تجاه الإتراك، بل بدلا من ذلك ركز على مذبحة سميل وعبر عن نقده الشديد لخيانة بريطانيا للآشوريين. إضافة إلى ذلك فأنه كان مهتماً كثيرا بتاريخ آشور القديم وأنعكس هذا الإهتمام في مراجعته وتقييمه لقائمة من الكتب عن الإمبراطورية الآشورية والحفريات الأثارية في آشور خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين فكان قارئاً متمكاً ونهماً في هذه المسائل. وفي أحدى رسائله وصف مهمة حياته كنضال ضد فكر كون الآشوريون القدماء قساة وقد وجد مثل هذا التوصيف الخاطئ للأشوريين في مصدرين: العهد القديم والشاعر البريطاني لورد بارون.

كان بيرلي كاتباً ممتازا يتميز بتعبيرات نابض بالحياة والحيوية. وكان في العادة يستخدم عبارات منطوية على نوع من المبالغة. وفي مراجعته لكتاب كان ينهيها بتعبير مثل "هذا الكتاب  يجب أن يقرأ من قبل كل آشوري". وحينما كان يكتب عن القوميين الآشوريين كان عادة يشير إليهم كخالدين والعظماء والباقون على الدوام. وكان يستخدم كلمات ضخمة بالنسبة للأشياء أو الكتب التي لا يستهضمها مثل "هذا الكتاب مخادع وليس له أية ميزة لا أدبياً ولا معرفياً". وبمناسبات أخرى كتب بيرلي أيضا عن القضايا الكنسية التي كانت نافذ البصيرة فيها. فعلى الرغم من أنه كان من أتباع الكنيسة الآشورية الرسولية (السريانية) إلا أن معظم كتاباته في هذا الشأن كانت عن كنيسة المشرق الآشورية (النسطورية). فكان جل إهتمامه مركز ضد تهمة الهرطقة لهذه الكنيسة فكان في العادة يؤكد بأن أسم هذه الكنيسة ليس "النسطورية" بل الآشورية. صحيح أن بيرلي كان من أتباع الكنيسة الرسولية الآشورية (السريانية) أو كما كان يسميها "اليعقوبية" فأنه كان متحمساً للتركيز المستمر على جانب مهم وهو الهوية الأثنية الآشورية بغنى عن الإنتماء الكنسي. فكان يقول: تستطيع أن تغير إنتماءك الكنسي ولكن لا تستطيع أن تغير قوميتك. فكان يركز ويقول "الآشوريون هم آشوريون بدون أي تبعيات دينية". يمكن القول بأن بيرلي حارب طيلة حياته وناضل ضد التوجهات المعادية للأشورية والتي كان يراها كتهديد خطير. فإعتقاده أن جميع الأسماء التي أستخدمت في المجتمع يجب أن تزال وتحذف وبعكسه فإن هذه الأسماء الغريبة المنشأ سوف تقضي على الشعب.

مؤلف الكتاب السيد توماس بيت عبدالله يجب أن يثنى عليه وتقيم جهوده في إلقاء الضوء على هذا الآشوري القومي وعلى إعطاءنا سبيلاً لنكون أقرب لمعرفة فكر ديفيد بيرلي.
--------------------------------------------------------------
This book collects the writings of the prominent author, the late David Barsum Perley (1901–1979), who devoted his life to the Assyrian cause. He continuously supported and fought for the rights of the Assyrians. Through his numerous writings, he gave a voice to the situation of Assyrians in their countries of origin in the Middle East. He also vehemently supported the historical Assyrian name, the Assyrian identity and the history of the Assyrians.
للمزيد عن هذا الموضوع وإقتناء نسخة من الكتاب يمكن الدخول إلى الموقع الألكتروني لوكالة الإنباء الآشورية العالمية ((Assyrian International News Agency) والمعروفة إختصارا بـ (AINA) – (www.aina.org)
أنتهى.
------------------------------------------------------------------
صورة لديفيد برصوم بيرلي مقتبس من كتاب (خيانة بريطانيا للآشوريين للكاتب القومي الكبير يوسف مالك – من بلدة تلكيف) وفي هذا الكتاب كتب بيرلي موضوعاً مهماً ومثيراً تحت عنوان (اليعاقبة) وكان بيرلي قد لعب دوراً كبيراً في مراجعة الكتاب والمساعدة على طبعه ونشره حينما كان رئيساً أو نائباً للإتحاد القومي الآشوري الأمريكي).  وفي هذا الموضوع يقول ديفيد بيرلي:

"لايمكن لأحد أن يفهم دوما الآشوريين كأمة واحدة إلإ أن يتمكن من التمييز بين الدين والكنيسة عن تلك الأمة – أن قوة الظروف الكامنة وراء إرادتهم جعلت من الدين قوة حيوية في مقياس إنتمائهم القومي.. ففي غمار ذلك كانت الكنيسة  أكثر الهيئات أهمية في أمة ما بل تمثل الأمة ذاتها... أن كنيسة "العاقبة" هي كنيستي وإني أفتخر بهذه الحقيقة، ويمكنني أن أقول هذا كله بصيغة أخرى وهي أن "اليعاقبة" هم يعاقبة فقط من وجهة نظر أنتماءهم الديني ولكنهم آشوريون من وجهة نظر أنتماءهم القومي، لذلك فأنهم يشعرون بعدم الراحة جراء الظلم الذي يتعرض له أي جزء كان من تركيبهم القومي لأن البعد لا يمزق روابط القرابة والأخوة وهم أخوة إلى الأبد" – من موضوع "اليعاقبة" المنشور في كتاب "خيانة بريطانيا للآشوريين" ليوسف ماليك – 1937.

132
الكنيسة في العراق: التاريخ والتطور والإرساليات التبشيرية
لفرناندو فيلوني
==================================================

أبرم شبيرا

بينما كنت أطالع في جريدة الرؤية اليومية التي تصدر في سلطنة عُمان وجدت فيها ملحق مهم ومثير للإهتمام تحت مسمى "مراجعات" وهو ملحق شهري تصدره وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالتعاون مع جريدة الرؤية. فهو بالإضافة إلى إخراجه وطبعه بشكل ممتاز وراقي فإن محتواته أيضاً تشكل مادة ممتازة ومفيدة للكثير من المهتمين بمجمل العلوم الإنسانية والطبيعية وللمواكبين للإصدارات الكتب الحديثة. فهو ملحق مختص بعرض الكتب المنشورة حديثا وتحليلها ونقدها من قبل كتاب ومفكرين معروفين في العالم العربي. ومن بين هذه الكتب وجدت كتاب (الكنيسة في العراق: التاريخ والتطور والإرساليات التبشيرية) للكردينال الإيطالي فرناندو فيلوني وقامت مكتبة حاضرة الفاتيكان بنشره عام 2016، وعرض الكتاب وعلق عليه الباحث أمين منار وهو إيطالي الجنسية ومن أصول مغربية. أنه من الضروري جداً هنا ونحن نعرض هذا الكتاب والتعليق عليه أن نعرف ونؤكد بشكل جلي بأن كاتب الكتاب (الكردينال فرناندو فيلوني) والمعلق عليه (الباحث أمين منار) يمثلان طرفان مختلفان أن لم يكونا متناقضان في توجهاتهم الفكرية، فالأول رمز من رموز المسيحية الكاثوليكية ومن أبرز دبلوماسي الفاتيكان. أما الثاني، فبالرغم من قلة المعلومات عنه، فإن كل ما نعرفه هو عرضه وتحليله لكتاب مهم آخر وهو (تخيًل بابل – مدينة الشرق القديمة وحصيلة مئتي عام من الأبحاث للمؤرخ وعالم الآثار الإيطالي ماريو ليفراتي) كما أنه نستطيع الإستنباط من عرضه وتحليله وتعليقه على كتاب (الكنيسة في العراق) بأن له توجهات إسلامية التي من خلالها يؤكد بأن وجود المسيحيين في البلاد العربية كان مهدداً من قبل بيزنطيا والكنيسة الغربية وأن حفاظ "النساطرة" و "اليعاقبة" على كيانهما وخصوصيتهما المستقلة كان مقرونا بالحضور الإسلامي ومن دون أن يذكر تأثير الفتوحات الإسلامية وما أعقبها من إرهاصات وإضطهادات من قبل الدول الإسلامية في المنطقة التي كانت سبباً رئيسياً لتناقص أعداد المسيحيين في العراق وسوريا وغيرهما. على عموم، هناك بعض الأخطاء التي ترد في تعليقه على الكتاب منها إعتبار ثيودوروس المصيصي هو نفسه نسطور في حين المعلوم  هو أن الثاني كان تلميذ الأول. كما أنه أعتبار "النساطرة" إلى جانب "الأقباط واليعاقبة" من أتباع مذهب الطبيعة الواحدة (المونوفيزتيون أو اللاخلقديون) خطاً آخر. وهذا ما يلمسه القارئ النبيل من خلال قراءة هذا الموضوع. وأخيراً لم يبقى إلا أن أقول بأن الكتاب والتعليق عليه هي أراء أصحابها ولا تعبر عن رأينا فالغرض من كتابة هذه السطور هو إطلاع القارئ النبيل على هذا الموضوع و تعميم الفائدة. ولتجنب أي تأويل أو سوء فهم فإنني أعرض الموضوع كما هو منشور.
---------------------------------------



133
القديس يعقوب الآشوري في فرنسا عام 421  ميلادي !!!!
Saint Jacques I’Assyrien – 421

=======================================
أبرم شبيرا

المهندس ريمون بنيامين روفائيل خان حفيد القائد العسكري الآشوري الشجاع روفائيل خان أثناء وبعد الحرب الكونية الأولى، هو صديق قديم منذ أيام النادي الثقافي الآشوري في بغداد( +1970) وأيضا صديق جديد متواصل من فرنسا حتى أيامنا هذه. له أهتمامات، بالاضافة إلى لعبة الشطرنج الذي كان أحد أبطالها أيام النادي، تتركز على البحث والتنقيب والمتابعة والإقتناء لمصادر ووثائق وكتب تتعلق بتاريخنا الآشوري وبكنائسنا المشرقية والتي هي مصدر إهتماماتنا المشتركة وتبادل المعلومات  بيننا. فحالما يتم عثوره على مصدر مهم وفريد من نوعه في تاريخنا القومي والكنسي فلا يتواني الصديق ريمون إلا ويبعثه لي ليكون بيننا حديث وتبادل أفكار وتلخيص مشترك ثم الإتفاق على عرض المفيد منه للنشر. بهذا الخصوص عثر صديقنا ريمون على معلومات تاريخية قيمة ومثيرة للإستغراب والتساؤل وهي عن قديس آشوري عرف بأسم سان جاكوب (Saint Jacques I’ Assyrien) – القديس يعقوب الآشوري- في فرنسا منذ عام 421 ميلادي. فما قصة هذا القديس الآشوري منذ الربع الأول من القرن الخامس الميلادي الذي لم نسمع ولم نقرأ عنه أي كتاب أو وثيقة تاريخية تشير إلى أسمه ووجوده ونشاطه... فما سر هذا القديس الآشوري الذي كان يبشر في أوروبا الغربية بعيدا عن موطنه الأصلي فيما إذا أفترضنا فعلاً بأنه جاء من آشور وكننَ أسمه به وأصبح أول مطران لأبرشية وادي تارنتياس (Tarentaise) في كاونتي (مقاطعة) سافوي الذي تقع فيه أوتيلس (Hauteluce) وهي مدينة صغيرة شيد فيها كنيسة سميت بأسمه: القديس يعقوب أو جاكوب الآشوري (Jacques L Assyrien). فكان يطلق عليه أيضا القديس جاكوب من تارنتياس لكونه مطرانها الأول. وهنا أود أن أشير بأنه لكون معظم أسماء المدن والمناطق والأشخاص التي وردت في هذا الموضوع هي من مصادرها الفرنسية فأنني مضطر عند ترجمتها أن أضعها أيضا باللغة الفرنسية وذلك خشية من لفظها بشكل مختلف. كما إنني مضطر، وحسب الضرورة، ان أرفق المصادر أو المعلومات بلغتها الفرنسية الأصلية وذلك تجنباً لشك في هذا الموضوع المثير والغامض بعض الشيء في عالمنا القومي والكنسي. فهذا الموضوع ما هو إلا معلومات من بعض السطور المستلة من هذه المصادر ومعلومات أخرى وفرها لي الصديق ريمون.

 
 
مدينة أوتيلس (Hauteluce) في الصيف والشتاء وكنيسة القديس يعقوب الآشوري ظاهرة في وسطها
========================================================



 



الموقع الألكتروني لبلدية أوتيلس ويظهر فيه شرحاً لكنيسة سانت جاكوب الآشوري
==============================================
وادي تارنتياس (Tarentaise)، الذي تقع فيه أوتيلس (Hauteluce) وكنيستها، يعتبر من أجمل الوديان في أوروبا الغربية وأكبرها بين سلسلة جبال الألب من الجانب الفرنسي ومن أشهر مراكز التزلج على الجليد والجذب السياحي بشكل عام. فبالقرب منها في منطقة ألبيرتفيلي (Albertville) جرت الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 1992.  ولموقع هذا الوادي أهمية جيوإستراتيجية حيث كان في القرون الوسطى الممر الرئيسي بين إيطاليا وفرنسا وأوروبا الشمالية خاصة للتنقل والحج بين الفاتيكان وفينا وميلان. ففي عام 421 كان القديس جاكوب الآشوري أول مطران لتارنتياس (Tarentaise) وبعد وفاته خلفه المطران مارسيل الذي بنى الكاثدرالية في المدينة وسماها بأسم القديس جاكوب الآشوري. ففي الدليل السياحي والتاريخي الذي كتبه جوزيف كارن بالفرنسية لهذا الوادي فيه تفاصيل عن هذا القديس وعن رفيقه أيضا القديس ماكسيم رايس، نستل منه بعض السطور التي تخص القديس والتي ترجمها صديقنا ريمون من الفرنسية إلى الإنكليزية ثم نقلتها إلى العربية.
 




الأبرشية ومؤسسيها
----------------
القديس جاكوب من آشور (d’Assyrei والقديس ماكسيم  من رايس(de Riez )


الأبرشية قديمة جداً، فالتقليد يذكر بأن التبشير كان أول الأمر في هذا الوادي من قبل مبشرين أثنين وهما: سانت جاكوب الآشوري و القديس ماكسيم من رايس فتركوا بصماتهم على أبرشيتين فسميت بأسمهما. هناك القليل عن تاريخ هذين القدسين، حيث يذكر بأنه في عام 410 ميلادي جاء نبيل روماني أسمه هونورات (Honorat)  وأستقر في ليرينز(Lérins,) وهي أحدى الجزر الصخرية على طول ساحل بروفنس (Provence) مقابل مدينة كان الحالية، جاء إلى هذه المنطقة المعزولة ليقود مع بعض من أصدقاءه حياة المصلين ويقوم بالتعليم وكبح الشهوات (التنسك). بعد فترة تجمع حوله العديد من المبشرين ومن مختلف الأمم الذين كانوا يرغبون التعلم منه حب المسيح وخدمته ومن بين الأسماء التي ذكرت أسم جاكوب الآشوري  أو يعقوب الآشوري (JACQUES L’ ASSYRIEN) وماكسيم اللذان أصبحا قدسين مشهورين في المنطقة عام 426 ميلادي. فعندما عين هونرات (Honorat) مطراناً لـ (أرلس – Arles) غادر (ليرانس – Lérins) وأخذ معه المبشر جاكوب ثم ماكسيم. وفي عام 427 ميلادي أرسلهم إلى سيوترونز – Ceutrons)  ووادي (أوستا –  Aosta) للتبشير بالإنجيل وهناك أصبح جاكوب أول مطران لـ (أيسستاس - Eustase.). وبعد أن أكمل جاكوب مهمته توفي في 16 كانون الثاني عام 429 ميلادي في (أرلس – Arles) وهو في زيارة إلى معلمه الأول هونرات (Honorat) الذي كان يحتضر وهو على فراش الموت.


 
 


الكنيسة بعد ترميمها عدة مرات ومنذ القرون الوسطى
=========================================================



 
 


تمثال للقديس سانت جاكوب من تارنتياس Tarentaise (او آشور)
====================================

على العموم أكتفي بهذا القدر، وهنا من الضرورية الإشارة  بأنه قد ترد بعض الأخطاء في الترجمات أو قلة المعلومات عن هذا القديس بسبب شحة المصادر عنه وعدم معرفة منطقتنا وكنائسنا به، لكن الذي يهمنا من هذا الموضوع هو هذه الكنية (الآشوري) التي أستخدمت للقديس يعقوب في فرنسا في الربع الأول من القرن الخامس الميلادي وهو بعيد جداً عن آشور، لكي يثير فينا العديد من التساؤلات والإستفسارات عن هذا القديس الذي لا وجود له في منطقتنا ولا في مصادر كنيسة المشرق ولا في تاريخ الآشوريين ولا ندري فيما إذا كان في زيارة من آشور إلى روما ومنها سلك طريق الحج في ذلك الوادي ووصل إلى تلك المنطقة ليتعلم من معلمه الأول كلمة الرب ويقوم بالتبشير هناك. ولكن مع هذا،  أنه من الضروري أن نشير بأن البعض من رجال الكنيسة كانوا يكننون أسماؤهم بأسماء حضارات معروفة أو أوطان مشهورة لغرض أضافة نوع من الهيبة والعظمة على أسمائهم. فالنأخذ على سبيل المثال الفيلسوف واللاهوتي اللامع والمشهور طيطيانوس والمعروف بـ "طيطيانوس أتورايا" أو الآثوري أو الآشوري الذي وحد الإناجيل في إنجيل واحد وأطلق عليه أسم (دياطسرون). يختلف الباحثون في تاريخ ميلاده فمن يذكر سنة 130 وأخرون يذكرون 120 و  110 ميلادي) ولكن جميع المؤرخين يؤكدون ولادته في بداية القرن الثاني الميلادي في حدياب أي مدينة أربيل (أربائيلو) العاصمة المقدسة للأشوريين قبل سقوط إمبراطوريتهم وحتى بعدها. واليوم مقر لكرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية. فبالإضافة إلى هذا العامل الموضوعي في فهم لقبه الآشوري لأنه ولد في قلب بلاد آشور فأنه كان هناك عامل فكري مباشر وفلسفي سببَ في أن يُلقب نفسه بالآشوري حيث عرف عنه بنقاشاته المحتدمة مع الأغريق وفلستهم ودخل معهم في صراع فكري وفلسفي حام الوطيس ولم يتفق معهم وعارض الكثير من مفاهيمهم الفلسفية. وفي مواجهته لهم ولحضارتهم التي كانوا يفتخرون ويتباهون بها لقب نفسه بالآشوري مستمداً لقبه من الحضارة الآشورية العظيمة التي كان ينتمي إليها ومن البلاد الذي ولد فيه.

وهنا أيضا يجب أن نلاحظ بأن فترة نشاط القديس يعقوب الآشوري كانت من عام 421 لغاية وفاته في عام 429 إي قبل أنعقاد مجمع أفسس 431 وتحريم تعاليم القديس نسطورس ومن ثم نعت كنيسة المشرق بـ "النسطورية" التي كان معظم أتباعها من بلاد الرافدين ومن أصول آشورية، أي بهذا المعنى من الصعب التكهن بان الأسم الآشوري والتسمي به كلقب لرجال الفكر والكنيسة في فترة كانت الأفكار والفلسفات والمعتقدات الدينية هي الطاغية على المجتمعات خاصة مجتمع بلاد مابين النهرين. إذن من أين جاء لقب القديس يعقوب الآشوري وهو رجل دين بمستوى مطران ويكنن نفسه بأسم حضارة ما قبل المسيحية في الوقت الذي كان سائدا في الفكر التقليدي الكنسي بأن الحضارة الآشورية هي وثنية والأشوريون يعبدون عدد من الآله. من هذا المنطلق يمكن القول بأن مثل هذا الفكر التقليدي الكنسي مخطأ في إعتبار الحضارة الآشورية وثنية والأشوريين كانوا يعبدون عدة آله، على الأقل في فكر القديس يعقوب، وإلا لما تسمى وهو رجل دين بمستوى مطران بأسم هذه الحضارة العظيمة.   

على أية حال، يبقى التساؤل قائماً وبقوة لماذا الآشورية وليس غيرها لقباً لهذا القديس، هل هو فعلاً من آشور أو كان من غير بلد وسمع عن عظمة الحضارة الآشورية وتسمى بها... أحتمالات ... مجرد إحتمالات وما أكثرها.. سؤال محير لا بل لغز يصعب حله طالما نفتقر إلى مصادر تتناول الخلفية التاريخية لهذا القديس الآشوري... ولكن مهلاً عزيزي القارئ ربما لأصحاب التخريفات التي تقول بأن الأنكليز أطلقوا على النساطرة أسم الآشوريين لأسباب سياسية في القرن التاسع عشر لهم حل تخريفي آخر لهذا اللغز فمن الممكن أن يقولوا تخريفة أخرى بأن الإنكليز قد أستخدموا "آلة الزمن" من القصة الخرافية للكاتب الإنكليزي هربرت جورج ويلز (1866-1946) تحت نفس العنوان "آلة الزمن" فركبوها وسافروا بها إلى الماضي إلى الربع الأول من القرن الخامس الميلادي وألتقوا بالقديس يعقوب وأطلقوا عليه لقب الآشوري... فكر آخر زمن، وليس إلا تخريف في تخريف!!!.

وأخيراً نتسائل: هل لأي قارئ أو رجل فكر أو مؤرخ أوإكليري سواء من كنيسة المشرق أو غيرها معلومات عن هذا القديس وسبب تسميته بالآشوري، فلينبري ويعرضها لربما تخفف من وتزول غموض تسمية هذا القديس بالأشوري؟؟



134
"مشكلة الموصل"
ودور المسيحيين في ضمها للعراق بدلا من تركيا
------------------------------------
أبرم شبيرا
ملحوظة:

من الملاحظ بأن هناك المئات إن لم تكن الألاف من الكتب والبحوث والمقالات والتقارير التي كتبت عن هذه المشكلة أثناء وبعد تأسيس كيان العراق السياسي في بداية القرن الماضي وفيها تفاصيل مطولة عنها وعن الدور الذي لعبه العراقيون وبمختلف قواهم السياسية والقومية والدينية سواء المؤيدين لضم ولاية الموصل إلى العراق أو الطالبين بإرجاعها إلى تركيا. ولكن هناك إجحاف سافر وتجاهل مطبق بحق المسيحيين، وخاصة الآشوريين منهم، الذين كان لهم دوراً أساسياً في ضم ولاية الموصل إلى العراق بدلا من تركيا. وهذه محاولة لبيان جزء يسير وبقدر تعلق الأمر بالمصادر والمعلومات الشحيحة عن هذا الدور،  ولكن مهما كان هذا الدور فأنه كان له تأثيراً على مجريات أمور حل مشكلة الموصل لصالح العراق في مقارنته مع دور بقية العراقيين، وهذا سبباً كافيا يمنحنا حق عنونة الموضوع بهذا الدور. فإبتداءاً يستوجب بيان كفية نشؤ هذه المشكلة ودور بريطانيا في ضمها للعراق وتأسيس كيانه السياسي ومواقف العراقيين منها والتقدير والمكافاءات التي تلقاها المسيحيون من رجال الأنظمة السياسية في العراق على دورهم في ضم الولاية إلى العراق بدلا من تركيا.   
نشؤ مشكلة الموصل:
============
كان  بلاد مابين النهرين – Mesopotamia -  (فيما بعد العراق)  يشمل في العهد العثماني على ثلاث ولايات وهي بغداد والموصل والبصرة. وكانت مدينة الموصل (نينوى في العهود السابقة)  في زمن الإمبراطورية العثمانية مركز ولاية الموصل التي كانت تشمل معظم المحافظات الشمالية في بلاد مابين النهرين وكانت جزء من حصة فرنسا حسب إتفاقية سايكس – بيكو الموقعة في العام 1916 بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية حول إقتسام ممتلكات الإمبراطورية العثمانية بعد إندحارها في الحرب. نشأت مشكلة الموصل عشية توقيع معاهدة "مودرس" في 30/10/1918 الخاصة بوقف العمليات العسكرية للحرب العالمية الأولى  بين الحلفاء والدول المندحرة في الوقت الذي كانت القوات البريطانية تحارب القوات العثمانية قرب بلدة شرقاط (آشور الأثرية) جنوب مدينة الموصل بحوالي 85 كم، ثم تواصل تقدمها حتى إحتلال مدينة الموصل في بداية شهر تشرين الثاني (نوفمبر). غير أن السلطات العثمانية أحتجت على ذلك ودفعت بعدم شرعية إحتلال بريطانيا للموصل، فأدعت بأحقيتها فيها معتمدة على أساسين: الأول كون معظم سكان الولاية من العثمانيين المسلمين ومن أصول غير عربية، وتقصد الكورد والتركمان وغيرهم. الثانية كون مناطق شمال بلدة شرقاط بما فيها مدينة الموصل قد أحتلت بعد إتفاقية وقف إطلاق النار. فكان رد بريطانيا لحجج الإتراك في الإعتماد على المادة السابعة من الإتفاقية أعلاه التي تعطي الحق للحلفاء، ومنهم بريطانيا، إحتلال أي مواقع إستراتيجية قد تهدد أمن وسلامة قواتهم، كما وأن المادة السادسة عشر من الإتفاقية تلزم الأتراك بتسليم بريطانيا جميع المواقع الإستراتيجية والحمايات العسكرية في بلاد مابين النهرين بما فيها ولاية الموصل بأجمعها والتي تشكل جزءاً تاريخياً منها.

تسوية مشكلة الموصل:
==============
في السابع من التشرين الثاني 1918 أستسلم القائد التركي علي إحسان باشا إلى مطالب القائد البريطاني الجنرال وليام مارشال وأنسحبت جميع القوات التركية من مدينة الموصل في غضون عشرة أيام. وقبل نهاية عام 1918 تدفق النفط في مناطق ولاية الموصل وبكميات تجارية فكان هذا عاملاً آخر ومؤثر في تعقيد المشكلة مما زاد من تمسك الأطراف المتنازعة على الولاية بما فيها فرنسا، ودعا كل طرف بأحقيته فيها. غير أنه بسبب وجود بريطانيا الواقعي في الولاية والذي فرضته قواتها المنتصرة ومن ثم الإتفاق الذي حصل بين بريطانيا وفرنسا في توزيع ممتلكات "الرجل المريض" في شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، تنازلت فرنسا لبريطانيا عن ولاية الموصل مقابل منحها إمتيازات خاصة على نهر الراين في قلب أوروبا مع نسبة 25% من أسهم شركة النفط التركية المستثمرة لحقول البترول في الولاية بعد إعادة تنظيمها وتحصيصها بين الدول المنتصرة في الحرب وحلفائها والتي تغير أسمها فيما بعد لتصبح شركة نفط العراق (IPC)

أما بالنسبة لتركيا، فإنها بعد هيمنة الزعيم القومي التركي كمال أتاتورك على المقدرات السياسية في البلاد وإنتعاش "الرجل المريض" وإستعادة حيويته ونشاطه خاصة بعد دحره للجيش اليوناني في الأناضول وإنسحاب الجيش الفرنسي من أضنه وحلول التفاهم بين الحكومة الفرنسية وحكومة أنقرة الجديدة لحل مشاكل مخلفات الحرب، جعلت هذه الظروف تركيا دولة لها موقع مؤثر في مجريات وتسويات الحدود التي كانت تتم بين الدول المنتصرة، فإستطاعت بحكم هذا الموقع القضاء على معاهدة سفير المهينة لها والموقعة في شهر آب (أغسطس) من العام 1920 بين الدولة العثمانية والحلفاء، وبالتالي القضاء على مشروع إقامة دولة أرمينيا الكبرى والحكم الذاتي للأكراد في جنوب شرقي تركيا وضمانات حماية حقوق الأقليات القومية والدينية، ومن ثم توقيع معاهدة لوزان عام 1923 لحل المشاكل الحدودية بينها وبين الدول المنتصرة في الحرب، حيث قضت الفقرة الثالثة على حل مشكلة الموصل وذلك بتعين خط الحدود الفاصل بين تركيا والعراق عن طريق تسوية سلمية تعقد بين الطرفين في غضون تسعة أشهر من تاريخ توقيع المعاهدة وفي حالة عدم التوصل إلى إتفاق بينهما خلال الفترة المحددة يصار إلى إحالة النزاع إلى عصبة الأمم لإقرار مصير الولاية. ولتهدئة الأمور وتحديد حدود النزاع لحين إتمام التسوية النهائية أقر مجلس العصبة عام 1924 وبالإتفاق مع طرفي النزاع رسم خط مؤقت بين العراق وتركيا عرف بخط بروكسل وهو الخط الحدودي الذي أصبح ساري المفعول وأعتمد في حل النزاع فيما بعد والذي أصبح أيضا الخط الحدودي الفاصل بين تركيا والعراق لحد هذا اليوم.

عجز الطرفان، تركيا وبريطانيا، من التوصل إلى إتفاق ودي ونهائي خلال الفترة المحددة فأحيل موضوع النزاع إلى عصبة الأمم والتي أتخذت بتاريخ 13/11/1924 قراراً بتأليف لجنة من ثلاثة خبراء (اللجنة الثلاثية) لتقصي الحقائق في الولاية المتنازع عليها. وعلى ضوء تقرير اللجنة المقدم إلى مجلس العصبة بتاريخ 16/7/1925 أتخذ قرارا في 16/12/1925 بإلحاق ولاية الموصل بالعراق مع إبداء بعض التحفظات والشروط المتعلقة بالتدابير الواجب إتخاذها من قبل حكومة العراق والدولة المنتدبة، بريطانيا، تجاه الكورد والأقليات القومية والدينية، مع بقاء بريطانيا دولة منتدبة على العراق لمدة خمس وعشرين سنة. ومن جانب آخر وخارج إطار قرار مجلس العصبة قامت بريطانيا بترضية تركيا عن طريق منحها 10% من إمتيازات النفط المكتشف في الموصل ولمدة 25 سنة، إضافة إلى قرارات أخرى جرى إتخاذها في الأروقة السرية متعلقة بمصير شعوب الولاية خاصة الآشوريين الذين كان لهم أيضا مسألة عوصية متعلقة بحل النزاعات الحدودية وبمشكلة الموصل، خاصة بعد رسم خط بروكسل الحدودي وبقاء منطقة حيكاري التي كان يسكنها عدد كبير من الآشوريين ضمن أراضي تركيا.

 نشوء الكيان السياسي للعراق:

==================
من خلال ما تقدم ومن إستقراء التاريخ السياسي الحديث لنشوء دولة العراق وظهور كيانها السياسي كدولة عصرية في بداية القرن الماضي، يبدو أن بسبب ضعف أو عدم تكامل وتوافق العوامل الحضارية والثقافية والإجتماعية والدينية واللغوية في العراق، لم تلعب دوراً مهماً في تأسيس كيانه السياسي أكثر مما لعبت العوامل العسكرية والسياسية. وبصورة أوضح نقول بقدر إحتلال القوات البريطانية لأراضي بلاد مابين النهرين أثناء معارك الحرب الكونية الأولى وقدرتها على طرد القوات العثمانية وإنتزاع الأراضي منها وتقدمها نحو الشمال، بقدر ذلك تحدد حدود كيان العراق السياسي. كذلك بقدر فاعلية الدبلوماسية البريطانية وإفلاحها في نقل الأمر الواقع الذي أفرزه وجودها العسكري في المنطقة إلى مستوى السياسة ونجاح مناوراتها السياسية في إبرام المعاهدات والمواثيق، بقدر ذلك تقرر واقعية وقانونية حدود العراق السياسي. ففي مؤتمر القاهرة عام 1920 طرحت بعض المشاريع لتقرير مصير الولايات الثلاث: بغداد وبصرة والموصل، فكان قرار مستر تشرشل وزير المستعمرات البريطاني حينذاك تكوين دولة واحدة من الولايات المذكورة قراراً طبيعياً بالمفهوم الإستعماري في تغليب مصالحه الإقتصادية والسياسية على مصائر الشعوب الأخرى وعن طريق دمج المتناقضات الحضارية والإجتماعية والدينية واللغوية لسكان البلاد المتوارثة من المرحلة العثمانية في كيان سياسي واحد دون أي إعتبار للعوامل القومية والدينية والحضارية، فجاء نصب الأمير فيصل بن الشريف حسين الهاشمي ملكاً على عرش العراق  كحل من خارج هذه التناقضات والقفز من فوقها.

عوامل في تقرير مصير ولاية الموصل:
=========================
هذه العوامل العسكرية والسياسية في خلق كيان العراق السياسي هي عينها التي لعبت دورها الأساسي والفاعل في تقرير ضم ولاية الموصل بكل تناقضاتها القومية والدينية إلى العراق بدلا من تركيا. صحيح هو القول بأن ولاية الموصل في عهد الدول العثمانية وحتى قبلها كان إرتباطها تاريخياً وجغرافيا وإقتصاديا بولاية بغداد وببر الشام أكثر من إرتباطها بالإستانة وأراضي الأناضول، فإن ذلك لم يكن متغيراً فاعلاً في تقرير مصيرها السياسي. فالحال لم يكن يختلف كثيراً من حيث إرتباط  لواء الإسكندرونة حضارياً وجغرافياً وإقتصادياً ببقة مناطق الشام، إلا أن العوامل العسكرية والسياسية التي وفرتها فرنسا لصالح تركيا أفضت إلى تقرير مصير الإسكندرونة وسلخها من سوريا عام 1939 وضمها إلى تركيا. من هذا المنطلق، يأتي إفتراضنا لو أن القوات البريطانية التي كانت تحارب القوات التركية قرب بلدة شرقاط في العراق قد إستجابت لإتفاقية "مودرس" في وقت إطلاق النار وإن قوات الجنرال مارشال قد توقفت عن زحفها نحو مدينة الموصل بعد سريان وقف إطلاق النار لكان مصير ولاية الموصل قد تحدد بالواقع العسكري للوجود العثماني فيها وأصبحت جزء من تركيا. وإذا إفترضنا أن الدبلوماسية البريطانية قد أخفقت في ترجمة الواقع العسكري إلى نتائج سياسية ناجحة ومن ثم استجابت لتأثيرات تنامي القوة العسكرية لحكومة الكماليين في أنقرة وخضعت لتهديداتها في اللجوء إلى الحرب لفض النزاع مثلما خضعت فرنسا وأنسحب من أضنه وأنهار الجيش اليوناني وزال تهديده على أزمير ومضايق البسفور، لكان مصير ولاية الموصل كمصير الإسكندرونة، وأصبحت مساحة دولة العراق لا تزيد عن ثلثي مساحتها الحالية.

مما تقدم يتضح بأن العامل الخارجي المتمثل في الوجود البريطاني العسكري والسياسي كان له الفعل الأساسي والحاسم أكثر مما كان للعامل الداخلي في تكوين كيان العراق السياسي بما فيه ضم ولاية الموصل إلى العراق بدلا من تركيا. فكان هذا العامل الخارجي الأكثر فاعلية وتأثيرا من أي عامل داخلي في حل مشكلة الموصل وضمنها إلى العراق بدلا من تركيا. غير أن العامل الداخلي في هذه المسألة لم يكن غائباً، بل تحدد أيضا دوره وفاعليته بمدى توافقه مع المتغيرات العسكرية والسياسية السالفة الذكر. كما أن هذا التوافق تحدد أيضاً بطبيعة علاقة أطراف العامل الداخلي بالقوى الرئيسية الفاعلة، وأقصد بريطانيا، قبل الحرب الكونية الأولى وأثناءها. وبدءاً بالنخبة العراقية الحاكمة ودورها في هذه المسألة، فإن خلفيتها العسكرية والسياسية وتطبعها بالحياة العثمانية في الحكم والسياسة والفكر ومحاربة الكثير منهم كضباط في الجيش العثماني ضد القوات البريطانية وتأثرهم بكمال أتاتورك، وفيما بعد بهتلر وموسليني وبالنازية والفاشية، وتعطشهم الشديد للسلطة والجاه على حساب المبادئ والقيم، فإن كل هذه الميزات وضعتهم في موقف متناقض عند تعاونهم مع الإنكليز في بناء كيان العراق السياسي وضم الولاية إلى العراق. لهذا السبب تحدد دورهم فقط في ترك بريطانيا طليقة اليدين لحل مشكلة الموصل مقابل وعود وإمتيازات تمثلت في المعاهدة العراقية-البريطانية والتي وقعت بعد أيام قليلة من قرار عصبة الأمم في ضم ولاية الموصل إلى العراق وتحديداً في 13/01/1926. غير أن هذا لا ينفي بأن بعض القوى والشخصيات السياسية البارزة في العراق خاصة القوميون منهم وحزب الإستقلال قد ساندت وأيدت مساعي بريطانيا في ضم الموصل إلى العراق ولكن هؤلاء لم يكونوا مشمولين بتقصي الحقائق من قبل اللجنة الثلاثية التي عينتها عصبة الأمم، بل شملت سكان ولاية الموصل فقط التي كانت في غالبيته من الكورد والتركمان والمسيحيين واليزيديين والشبك وأيضاً العرب وتحديداً في مدينة الموصل.

موقف العراقيين من مشكلة الموصل:
=========================
في الموصل وقف أشهر وأكبر العوائل الموصلية إلى جانب ضم الولاية إلى تركيا بدلا من العراق ولأسباب مختلفة منها دينية وسياسية وإقتصادية وشخصية، لا بل فقد كان لبعضهم إتصالات مع الإتراك وتسلموا منهم مساعدات مالية وكان البعض الآخر موظفون سابقون وضباط متقاعدون من العهد العثماني في حين كان أخرون مندفعين بتأثير العاطفة الدينية أو كرههم للإنكليز والجماعات المؤيدة لهم. ويذكر الدكتور فاضل حسين "بأن مصطفى الصابوني وهو من اشهر العوائل الموصلية وجماعته كانوا قد كتبوا مضبطة أرسلوها إلى الإتراك يطالبون بعودتهم إلى ولاية الموصل... وكانت هناك جماعة تؤيد الأتراك لأسباب سياسية ودينية وأكثرها من الجيل القديم وكانت تعتبر الإمبراطورية العثمانية رمز قوة الإسلام السياسية وقد شعروا بمرارة الهزيمة في الحرب العالمية الأولى كما لم يشعر به أي شعب آخر وقد أفتقدوا الخلافة مثلهم الأعلى الذي يقدسونه منذ وفاة النبي محمد" (د.فاضل حسين، مشكلة الموصل – دراسة في الدبلوماسية العراقية-الإنكليزية- التركية وفي الرأي العام، مطبعة إشبيلية – بغداد، 1977، ط3 – ص 235-236). (أرجو من القارئ الكريم أن يقارن هذا بفكر داعش في الخلافة الإسلامية). ويذكر الدكتور فاضل حسين أيضاً بأن العلاقات العشائرية والعائلية لعبت دوراً كبيراً في تحديد المواقف بين مؤيد ومعارض. فقد ذكر، وعلى لسان الدكتور جميل دلالي سكرتير حزب الإستقلال الموصلي، بأن موقف الصابوني كان هو وطبقة التجار في الموصل بسبب عداوتهم لـ "أل العمري" وضد السادة (آل النقيب وآل المفتي وآل الفخري) الذين أيدوا ضم الولاية للعراق وأن وقوف آل النجفي وآل كشمولة إلى جانب ضم الولاية لتركيا هو بسبب خصومتهم مع آل توحلة المؤيدين للحكومة العراقية (ص236). من هذا يظهر بأن المواقف المؤيد والمعارضة كانت مبينة على أسس قبلية وعشائرية ومصلحية وعائلية ولم يكن هناك أي إعتبار وطني أو قومي لضم الولاية للعراق.
 
أما بالنسبة للكورد، فأن الطبيعة العشائرية والدينية التي كانت تحكم سلوكهم السياسي ومن ثم خضوعهم للتوجهات العثمانية سواء بإنخراطهم في القوات النظامية أو عن طريق "قوات الخيالة الحميدية" والتي سميت بعد إنقلاب تركيا الفتاة عام 1908 بـ "القوات الخيالة الخفيفة" السيئة الصيت في حملات تشريد وإبادة الآشوريين والأرمن، ثم تحالف الكورد مع العثمانيين أبان الحرب الكونية الأولى ضد قوات الحلفاء الروسية والبريطانية، كل هذه الظروف مضافاً إليها عاملي الدين والطبيعة الجغرافية، جعلت غالبية الكورد أقرب إلى الإتراك وتركيا من أي كيان سياسي عربي مستقل في العراق وأن يتواصل عداؤهم للإنكليز حتى بعد إنتهاء معارك الحرب الكونية الأولى  ويقفوا ضد مسعاهم في بناء كيان سياسي موحد في العراق. فكان من الطبيعي أن يميل غالبية الكورد، بإستثناء قليل في السليمانية، إلى تفضيل ضم ولاية الموصل إلى تركيا بدلا من العراق. ولا يمكن أن نتجاهل بأن الكورد تاريخياً قد خضعوا طيلة تاريخهم في المنطقة إلى دول وحكام من عناصر آرية وتركو- مغولية مجوسية أو إسلامية أكثر مما خضعوا للعرب المسلمين أو لحكام غير مسلمين كالإنكليز مثلا. من هذا المنطلق، ليس غريباً أن يرفضوا الكورد خضوعهم ومناطقهم إلى حكم جديد يدار من قبل العرب والإنكليز "الكفار".
والحال لم يكن يختلف كثيراً  بالنسبة لتركمان العراق، لا بل كانوا بسبب اللغة والعنصر والثقافة والدين، أكثر تحمساً لضم ولاية الموصل إلى تركيا. إذن فليس عجباً أن يكون فتاح بك صهر الزعيم الكوردي المشهور الشيخ محمود وناظم النفطجي عميد أسرة النفطجي التركمانية المشهورة في كركوك رغم جنسيتهما العراقية ممثلين لولاية الموصل عند حكومة إنقرة وخبراء ضمن الوفد التركي أثناء مباحثاته مع لجنة التحقيق الثلاثية التي أوفدتها عصبة الأمم عام 1925 بخصوص مشكلة الموصل والذي سبب إحتجاج الإنكليز والحكام العراقيين على ذلك لكونهما يحملان الجنسية العراقية.

واليوم يعيد التاريخ نفسه، فموصل واقعياً لم تعد جزء من العراق السياسي بعد إحتلالها من قبل داعش وأن جميع القوى التي تشارك في عملية إسترجاعها وأن كانت متفقة على هذا الهدف إلا أن هناك إختلافات مذهبية وطائفية وقومية عميقة ومتجذرة لا تحلها عملية إسترجاع الموصل بل من المتوقع أن تزيد من عمقها وتصارعها خاصة بعد أن تصبح عملية توزيع غنائم الحرب وقوداً لتصعيد هذه الخلافات والصراعات. كما أن هناك تجاذبات سياسية إقليمية خاصة بعد تدخل تركيا وتعيد للأنظار مسألة مطالبتها بولاية الموصل أو بالجزء التركماني منها أو بإيجاد موطئ قدم لها وتوسيع مصالحها وترسيخها في المنطقة وتشكيلها كقاعدة لمواجهة إيران في أراض غير أراضيها.     

موقف المسيحيين من ضم ولاية الموصل للعراق:
=================================
أما بالنسبة للأطراف المسيحية في الولاية من الكلدان والسريان والآشوريين، فهناك تجاهل بقصد أو بجهل من قبل معظم الكتاب والمؤرخين ورجال السياسة والنظام السياسي في العراق عن هذا الدور المهم الذي لعبه المسيحيون في ضم ولاية الموصل إلى العراق. حيث كانت مواقفهم مختلفة تماماً عن الكثير من العراقيين في تحمسهم وتأييدهم لضم ولاية الموصل إلى العراق بدلا من تركيا. فكانت مواقف جميع الطوائف والكنائس والقوميات المسيحية متوحدة في هذه المسألة بعكس العرب والكورد التي تضاربت الأراء والمواقف بينهما. فبسبب المعاناة والمأساة والإضطهاد والتشرد والمذابح التي فرضت عليهم من قبل الإتراك في كلا العهدين العثماني والكمالي فأنهم وقفوا وقفة صريحة وقوية إلى ضم الولاية إلى العراق وذلك خشية من عودة الحكم التركي الإستبدادي إلى منطقتهم.  ولم يكن هذا الموقف مبني على الأراء والتصريحات التي أدلوا بها للجنة تقصي الحقائق الثلاثية فحسب بل أيضا كانت هناك عوامل سياسية وعسكرية أرتبطت بطبيعة القوى العسكرية والسياسية الفاعلة في النزاع.
عسكريا: في أعقاب تقويض الكماليين لأركان الحكومة العثمانية وإصدارهم الميثاق القومي لعام 1920 طالبوا بشكل صريح ومطلق بضرورة عودة الموصل وبكل السبل والوسائل إلى تركيا، فإستطاعوا بقوة السلاح أن يقفوا على أهبة الإستعداد للمطالبة بمركزهم القديم في الموصل فأثاروا  الكثير من القلائل  والإضطرابات في المنطقة وعن طريق تحريض بعد العشائر العربية والكوردية والتركمانية للثورة على الإنكليز "الكفرة". فخلال عام 1923 أحتل الأتراك مناطق واسعة من شمال العراق بما فيها مدينة راوندوز وذلك لغرض إحتلال بقية المناطق في الولاية أو بهدف خلق واقع عسكري يساعدهم على حسم النزاع دبلوماسيا لصالحهم. فأزاء هذا الواقع العسكري لم يكن أمام الحكومة العراقية الفتية من حل عسكري لإزالة الوجود التركي من شمال العراق سيما وأن جيش العراق الذي تأسس العام 1921 لم يكن قد أكتمل بناؤه أو أكتسب خبرة حربية خاصة في مناطق جبلية ووعرة، لذلك لم يكن حينذاك أمام بريطانيا، المسؤولة عن حماية كيان العراق، سوى الإعتماد على القوات الآشورية المحلية التي جندتهم في العراق التي كانت معروفة بـقوات "الليفي"، المتمرسة في حرب العصابات والجبال العاصية حيث أستطاعت في غضون أيام قليلة من طرد معظم القوات التركية من المناطق التي أصبحت عراقية بعد إقرار خط بروكسيل عام 1924. فكان هذا سبباً كافياً لظهور إقتراح يقضي بتبديل أسم قوات "الليفي" إلى قوات حماية الحدود، إلا أن المقترح لم ينفذ لأسباب دينية وأخرى مرتبطة بغيرة وإحتجاح بعض قادة الجيش العراقي حينذاك.

سياسيا: إضافة إلى تأثير طلبات معظم المسيحيين على تقرير لجنة تقصي الحقائق والذي خصص حيزاً كبيراً لمسألتهم ووضعهم في الولاية ومن ثم إنعكاس ذلك على قرار مجلس العصية في إعطاء الولاية إلى العراق بدلا من تركيا، فهناك مسألة سياسية مهمة أخرى  لعبت دوراً كبيرا في التأثير على قرار مجلس العصبة متعلقة بالآشوريون الذين شردهم الأتراك من موطنهم الأصلي في منطقة حيكاري جنوب شرقي تركيا أثناء الحرب، حيث كانوا قد أنتقلوا إلى المناطق التي أصبحت عراقية بعد رسم خط بروكسل وجزء من ولاية الموصل، هنا من الضروري جدا أن نعرف بأن الآشوريين الحكاريين لم يهاجروا من دولة تركيا إلى دولة العراق، كما يفسر البعض ولإغراض دنيئة، بل أنتقلوا ونزحوا بسبب الظلم والإستبداد العثماني من منطقة إلى آخرى ضمن بلاد ما بين النهرين لأن العراق لم يكن في تلك الفترة، أي وقت إنتقالهم 1917-1918 قائماً كدولة لها حدود جغرافية وسياسية بل كانت جزء من أراضي بلاد ما بين النهرين وخاضعة لسيطرة الإمبراطورية العثمانية. بعكس بعض العشائر الكوردية التي نزحت من دولة إيران إلى دولة العراق بعد تأسيسه بسنوات وأيضاً بعض القبائل العربية البدوية التي نزحت من صحراء شبه الجزيرة العربية وأستقروا في العراق بعد تأسيس كيانه السياسي  فأصبحوا مواطنون عراقيون من الدرجة الأولى، في حين أصبح الآشوريون في نظر الأنظمة العراقية غرباء نازحين من الخارج. أستغل البريطانيون المسألة الآشورية إستغلالاً كبيرا من أجل الفوز بولاية الموصل وضمها إلى العراق. فعندما قرر مجلس العصبة ضم ولاية الموصل إلى العراق كان قد تخلل ذلك مباحثات في الأروقة السرية بين المتنازعين. فقبول تركيا بقرار مجلس العصبة لم يكن فقط بسبب الإمتيازات المعروفة التي منحتها بريطانيا لتركيا والتي ذكرناها سابقاً، بل كان هناك أيضا تنازل عن الوعود الكثيرة التي قطعتها بريطانيا للآشوريين بضمان عودتهم إلى مناطقهم في حيكاري أو بضم هذه المناطق إلى العراق بعد تأسيس كيانها السياسي. فبين إصرار آشوريي حيكاري على العودة إلى مناطقهم ورفض تركيا، أستطاعت بريطانيا الخروج من هذا المأزق بالضغط على الآشوريين للتنازل عن طلبهم بالعودة إلى حيكاري مقابل وعود بريطانية وعراقية بتعويضهم عن طريق إسكانهم بين بقية الآشوريين في مناطق العمادية ودهوك وزاخو العراقية جنوب خط بروكسل. فأستغلت بريطانيا هذه المسألة قبل صدور قرار مجلس العصبة مدعية بضرورة ضم الولاية إلى العراق لغرض إسكان الآشوريين النازحين إليها من حيكاري ومنحهم الإمتيازات الدينية والدنيوية التي كانوا يتمتعون بها في الدولة العثمانية طالما لم تقبل تركيا لا بضم منطقة حيكاري إلى العراق ولا بقبول تركيا رجوع الآشوريين إلى أراضيهم في حيكاري. غير أن بريطانيا ورجال الحكم العراقي بعد فوزهم بولاية الموصل نكثوا بعهودهم في إسكان الآشوريين في وحدة متجانسة حسب توصية عصبة الأمم حيث تم توزيعهم، رغم رفض غالبية الآشوريين، على أراض متباعدة وبين الكورد والتي كانت في معظمها غير صالحة للزراعة والسكن وبعضها الآخر مبؤة بأمراض معدية كالملاريا، فإستمر الآشوريون مطالبتهم بحقوقهم المشروعة، مما تعقدت مسألتهم في العراق وطغت على السطح السياسي في الثلث الأول من القرن الماضي.

الأنظمة السياسية في العراق "تكافئ" المسيحين على دورهم في ضم الموصل إلى العراق:

--------------------------------------------------------
لم يمض على الدور الكبير الذي لعبه المسيحيون خاصة الآشوريين منهم في ضمن ولاية الموصل إلى العراق إلا وكافئتهم الأنظمة السياسية المتعاقبة على السطلة في العراق ومن ورائها بريطانيا. نعم كافأوهم بالتعامل الآستبدادي في معالجة مسألتهم ومطاليبهم رغم الدور الكبير الذي لعبوه في ضم ولاية الموصل إلى العراق وتعزيز حدوده الشمالي ... نعم كافأوهم بالإستبداد والظلم والمذابح حيث أرتكبت بحقهم في شهر آب من عام 1933 مذبحة في بلدة سميل القريبة من مدينة دهوك وراح ضحيتها ما يقارب 3000 آشوري. ولم تتوانى هذه الأنظمة التي تعاقب على السلطة في العراق خلال العقود التي تلت تأسيس دولة العراق، مهما أختلفت في شكلها ولكن أتفقت في توجاهاتها وسياساته. ففي زمن البعث أرتكبت مذبحة أخرى بحقهم في قرية صورية الكلدانية عام 1969 وتلا ذلك تدمير قراهم وكنائسهم في المناطق التي كانت جزء من ولاية الموصل وتشريدهم وإعتقال وإعدام رجال السياسة والكنيسة فكانت حصة المسيحيين من الإغتيالات والإختطاف بعد عام 2003 أكبر بكثير من غيرهم وعلى رأسهم الشهيد فرج رحو مطران الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في الموصل وغيره من رجال الكنيسة وتدمير كنائسهم وأدرتهم. ومجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد وصمة عار في تاريخ العراق السياسي. أستمر الظلم والإستبداد على المسيحيين في العراق سواء على المستوى الإرهابي أو القانوني حتى يومنا هذا وليس قانون بطاقة اللاوطنية الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة بل كان هناك حلقات تمثلت في  سلب ممتلكاتهم ونهب أملاكمهم والتجاوز على أراضيهم وإحتلالها وتغير ديموغرافيتها. ويظهر من الممارسات والإفكار الإستبدادية لرجال الحكم والسياسية في العراق وفي ظل النظام الطائفي والمحاصصي وسيادة الفوضى بأن الآتي سيكون أكثر عنفاً وظلما على المسيحيين. فاليوم تعود الموصل إلى مسرح الأحداث الدراماتيكية  وبطلها داعش أبناء وأحفاد الإستبدادين والمتطرفين من رجال الحكم والسياسة في العراق ليكمل إفناء الباقي من وجود المسيحيين في الموصل  فيستمر الإستبداد والتشريد ضد المسيحيين في هذه المنطقة والتي توجت هذه المأساة بالأعمال الإجرامية لداعش في تشريد معظم المسيحيين من مناطقهم التاريخية في سهل نينوى.

ولكن مهما تكن قسوة هذه المعاناة والمظام فإن المسيحيين في العراق وبجميع تنظيماتهم السياسية والدينية يحاولون إزالة الحواجز السياسية والنفسية التي خلفتها سلبيات تاريخ العراق السياسي كضمان أولي وأساسي لوحدة الشعب العراقي بمختلف قومياته وأديانه وكركيزة جوهرية صلدة لإستقرار الأمن والسلام في العراق الموحد، وهو الأمل الذي ينشده المسيحيون وغيرهم من الأقوام والديانات الأخرى في العراق المحبة للسلام والتسامح. ولكن الخوف، وكل الخوف هو أن لا يكون الإنتظار لتحقيق هذا الأمل على أرض الواقع كإنتظار كودو في مسرحية صموئيل بيكت!!.   





135
إلى الصديق القديم – الجديد خوشابا سولاقا... مع التحيات
ومع بعض الأفكار عن الردود الإنترنيتية والهجرة وتناقض الأفكار
=====================================
أبرم شبيرا

عزيزي وصديق العمر خوشابا سولاقا... تحياتي أولاً وأخيراً:

تعرف جيداً يا صديقي بأنني قلما أرد، أو بالأحرى لا أدخل في النقاشات الإنترنيتية عن طريق الرد على ما تعلق أنت عليها وغيرك من الأصدقاء الطيبين على ما أنشره وبالنتيجة، بسبب سوء الفهم من قبل البعض، نعتوني بصفات كالغرور والتكبر وعدم الإكتراث وإحترام القراء ولكن أنت كصديق قديم - جديد هو سيد العارفين، بأنني بعيداً جداً عن هذه الصفات وفي أحيان كثيرة دافعت أنت ونفيت عني مثل هذه الصفات. ولكن هذه المرة "تكرم عيونك" يا أبو نورام أكتب هذه السطور لتوضيح ما كتبته في تعليقك على مقال الأخ الصديق بطرس نباتي المتمم لموضوعي (الدون كيشوت المسيحي يحارب الشياطين في العراق) وأعترف بأنك نجحت في سحبي نحو الدخول في مثل هذه الحوارات الإنترنيتية التي في الحقيقة لا أراها مفيده إلا القليل منها وبعضها يستوجبها التوضيح أكثر وهذا هو مقصد هذه السطور، لأن في معظمها (أكرر معظمها وليس جميعها) لا تمت بصلة إلى صلب الموضوع ومغزاه أو هي مسائل شخصية وفرصة لتصفية الحسابات أو مصدرها هو سوء فهم مقصد الموضوع. وتعليقك على مقالة الصديق بطرس نباتي والملحق أو الموضح لموضوعي هو كنموذج على ماذكرته حيث كنت أرغب أن يكون تعليق ملحق بتعليقك لمقالة الأخ بطرس نباتي إلا أنني وجدت في طوله سبب لنشره بشكل مستقل.

قبل كل شيء، موضوعي هو عن الجهود غير المثمرة لممثلي "المكون المسيحي" في "نضالهم" ضد زمرة الطائفية والحقد والكراهية المتربعة على السلطة ومقدرات العراق والتي لا تأتي بنتيجة فالواقائع ثبتت وتثبت بأن أمور ووضع أمتنا في الوطن تسير نحو الأسوء فالأسوء، وكل الدلائل تشير بأننا قادمون نحو كارثة إذا أستمرت الأمور السياسية الظالمة والمحجفة بحق أمتنا على نفس المنوال وبدون تغير. ليس من شيمي وإخلاقي، وأنت سيد العارفين، بأن أحط من قيمة شخص أو أوجه إهانة شخصية له خاصة للمنخرطين في المسائل القومية بل كل ما هو بيان عيوب وعدم جدوى أساليب عملهم السياسي. وهذا كان مقصد موضوعي. فهناك فرق كبير بين الشخص وأسلوبه في العمل ولكن مع الأسف لا يعرفه البعض الذي يعتقد بأن إنتقاد أسلوب العمل هو إهانة للشخص. كما أن أخذ مثال "الدون كيشوت" ليس إستهزاءاً أو إزدراءاً بهم كما يعتقد البعض، فمن يقرأ رواية الأديب الإسباني ميغيل دي تيربانتس سابيدرا عن شخصية (دون كيشوت  لامانتشا) سيجد بأنها شخصية بسيطة نقية وطيبة ومثالية وطموحة يسعى في حروبه مع الشياطن إلى خير الناس لتخليصهم منهم ولكن لم يوفق لأنه لجأ إلى أساليب مثالية خيالية غير مجدية في نهاية الأمر، فهكذا هو حال ممثلي "المكون المسيحي" في حروبهم ضد شياطين في العراق.

هذا كان مقصد موضوعي وهو واضح وضوح الشمس للعقول المتنورة. ولكن من المؤسف ما كتبته يا صديقي عن الهجرة وموقفي منها والمرتكز على حالة شخصية وجلسة شخصية ليس له علاقة إطلاقاً بصلب الموضوع أعلاه ولا بموضوع الصديق بطرس نباتي. لا بل والأكثر إستغراباً هو ذكرك (بأنني والأخ ولسن يونان الإعلامي المعروف كنًا نؤيد الهجرة وترك العراق بحماس شديد لأن بقائنا فيه لا أمل من ورائه وكنا متحمسان لهذا الرأي) فهذه ليست مغالطة كبيرة يا صاحبي خوشابا فحسب بل مصدر إستغرابي الكبير عن كيفية فهمك لرأيي في موضوع الهجرة. هذا الحماس الذي تنعتي به لا أعتقد هو سلوك أو فكر أي إنسان له ذرة من الوعي القومي الصحيح وأنت سيد العارفين بمدى حبي لهذه الأمة وإرتباطها بأرض الوطن كمقوم أساس لوجودها وإستمرارها نحو أماد أبعد. أن موضوع الهجرة كنت قد كتبت عنها بحثاً مطولاً وحاضرت عنه في منتصف التسعينيات من القرن الماضي في سوريا وشمال العراق مؤكداً بأن الهجرة هي عاصفة هوجاء مدمرة لا يستطيع أي شخص كائن من كان ولا أية مؤسسة قومية أو دينية مواجهتها والحد منها أو إيقافها في الوقت الحاضر وفي المستقبل المنظور. وكان أبينا السامي مار لويس روفائيل ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية قد أصاب كبد الحقيقة عندما قال (لا نقف ضد الهجرة ولكن لا نؤيدها) هذا الفهم العميق للهجرة  والعجز عن الوقوف ضدها مبني على معرفة عميقة لواقع مجتمعنا في الوطن ونحن نعرف الكنيسة هي أكثر المؤسسات تضرراً من الهجرة خاصة الكاثوليكية منها. هذه الحقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها إلا الذي يسبح في غيوم السماء. ولكن مع هذا فأن علينا أن نواجهها بأساليب تحد من نتائجها المدمرة خاصة في مجتمعنا في المهجر والتعامل معها بأساليب منطقية وواقعية. وقد شبهت الهجرة في بحثي المنوه عنه بسم الأفعى الذي هو شديد السمية وقاتل للبشر ولكن الخبراء يستطيعون التعامل معه في مختبرات طبية ويستخلصون منه أدوية مفيدة جداً في علاج الأمراض المستعصية. والحال نفسه مع نبات العاكول الصحراوي الذي له أشواك حادة ومؤلمة يصعب قطفه ولكن يستخلص منه أدوية مفيدة جداً للكثير من الأمراض. هكذا هي الهجرة سم قاتل وأشواك مؤلمة لكن يمكن التعامل معها بحذر ومن قبل "الخبراء" لإستخلاص منها نتائج مفيدة لمجتمعنا في المهجر.

فأي من أبناء أمتنا عندما يهاجر الوطن ويستقر في المهجر يصبح أمر رجوعه إليه مستحيلاً وإمطاره بوابل من الوعظ والنصائح ومن خطورة المهجر والإنصهار فيه لا يجدي نفعاً ولا تستطيع تغيير حاله. في المهجر المجالات مفتوحة وبشكل واسع أمام المهاجر وبكل جوانب الحياة السلبية المدمرة والإيجابية البناءة فالمهمة أو الواجب القومي لأبناء أمتنا ومؤسساتهم وأحزابهم في المهجر هو التركيز على الجوانب الإيجابية وليس السلبية، مع عدم تجاهلها، أو الدخول في حروب دون كيشوتية في "تحرير آشور". فبهذه الطريقة أي التركيز على الجوانب الإيجابية بما فيها تقوية المؤسسات ومساندتها وتشجيع أبناء أمتنا لإقتناء العلم والثقافة والإنخراط في السياسية المحلية ومحاربة العشائرية والطائفية والشللية المستشرية في المهجر والإستفادة من الأجواء الديموقراطية الصحيحة، هي الحروب الحقيقية والنضال الصحيح لأبناء أمتنا ومؤسساتهم القومية في المهجر وليس في "تحرير آشور" أو قدوم أشخاص من المهجر لغرض الترشيح للإنتخابات البرلمانية في العراق. فهذا النضال الإيجابي من المؤكد سيكون عامل قوي في دعم وإسناد نضال شعبنا في الوطن. لكن من المؤسف نرى بأن الكثير من المتزمتين في معارضة الهجرة ومحاربتها بأسلحة دون كيشوتية أو حتى بدون أي أسلحة لا يميزون بين هاذين الجانبين، السلبي والإيجابي للمهجر. فمثل هؤلاء لهم عيون أكثر قوة من ستة/ستة في تشخيص الجانب السلبي والتركيز على الأمراض الإجتماعية والفكرية لأبناء أمتنا ولكن في نفس الوقت مصابون بعمى الجانب الإيجابي مثلما يصاب الإنسان بعمى الألوان.  هذا هو رأيي المبدئي عن الهجرة، أي كيفية التعامل مع مجتمعنا في المهجر ويجب أن لا يفهم منه بأنني أؤيد الهجرة وأناشد أبناء أمتي ترك الوطن كما تزعم كما يجب أن يفهم بأن رفضي أعتبار أبناء أمتنا في المهجر مشردين ضائعين لا عمل له ولا شغل بل علينا تشجيعهم على الإنخراط والتكامل مع الحياة في المهجر ومتطلباتها والسعي نحو العلم والثقافة لأن بلد المهجر أصبح بالنسبة لهم من الناحية القانونية والواقعية وطناً لهم، فهذا كله لا يعني إطلاقاً بأننا نؤيد الهجرة.

لنأخذ مثال حياً وقريباً وهو الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي والكونفنشن الذي ينظمه في كل سنة. هذه المؤسسة القومية تعتبر من أعرق المؤسسات القومية وأقدمها وأكثرها إستمراراً وثبوتاً حيث كما نعرف بأنه تأسس عام 1933 عقب مذبحة سميل. هذا جانب إيجابي جداً لأن مجتمعنا سواء في الوطن او المهجر يفتقر إفتقاراً مدقعاً على الإستمرار والتواصل لمؤسساته التي هي التعبير الرسمي لوجود الأمة وإستمرارها وتواصلها ولكن مع هذا يجب أن نقول الحقيقة بأن ليس هناك إطلاق أو مثالية في هذه المؤسسة وليست بمستوى الطموح القومي ولكن هذا هو الموجود وأحسن مليون مرة من لا شيء. أما بالنسبة للكونفينشن فأنه مهما صرخنا في وجهه بسبب سلبياته فأنه يبقى المناسبة الفريدة من نوعها في مجتمعنا، سواء في الوطن أم في المهجر، التي تستطيع أن تجمع ألاف من أبناء أمتنا تحت سقف واحد ولعدة أيام وبنشاطات مختلفة ومتنوعة ولمختلف الأعمار خاصة الشباب منهم. ولكن من المؤسف بأن البعض لا يفهم هذه الحقيقة ويصب جام غضبه على الجوانب السلبية منه دون النظر أو تجاهل للجوانب الإيجابية ويسعى لتحطيمها. فالنأخذ الكونفينشن الأخير الذي أنعقد في عاصمة ولاية أروزونا – فينيكس – الولايات المتحدة، في بداية شهر أيلول الماضي الذي أعتبره أنجح كونيفنشن حضرته خلال السنوات العديدة الماضية. فكان بحق وحقيقة كونفينشن شبابي بكل معنى الكلملة من حيث الحضور الذي أعتقد كانت نسبتهم تقارب 75% من الحاضرين أو من حيث النشاطات والسلوكيات السليمة والهدوء والإحترام بين الجميع. رأى البعض بأن لهو ومرح الشباب والشابات على جوانب حوض السباحة في الفندق الذي أقيم فيه الكونفينشن "عار على أمتنا" لأنهم كانوا يرقصون الدبكات الآشورية بملابس السباحة المعهودة والسائدة في الغرب ولم يرتدوا ملابس تراثية أو "لباس إسلامي شرعي للسباحة" فهي ملابس السباحة السائدة في الغرب وحتى في الشرق، لا بل كانت هي السائدة قبل قيام "الديموقراطية والتعددية والبرلمانية" العظيمة في العراق. فهؤلاء الشباب عناصر مثقفة وناجحة في حياتهم الشخصية والعملية وليسوا مشردين في الشواع أو يموتون من الجوع ويأكلون من الزبالة، كما يدعي البعض، وإن كان هناك نفر قليل من هذا القبيل، ولكن لنتجب المثالية ونلجاً إلى الواقعية ونؤكد بأننا مجتمع متكامل فيه كل الجوانب السلبية والإيجابية والمقارنة بين الجانبين هي نسبية ومرتبطة بتطور المجتمع والزمن. 

هذه الممارسة قد نتفق معها أو نعارضها وحسب ثقافة ونوعية معيشة الإنسان ونمط حياته، ولكن لنعلم جيداً بأن نفس هؤلاء الشباب والشابات هم نشطاء في المجالات القومية والثقافية والفكرية لا بل البعض منهم كانوا من أعضاء منظمة "كشرو" النشطة التي تحاول ربط شباب المهجر بأرض الوطن من خلال الزيارات السنوية لشمال الوطن ومن منظمة الشباب والطلبةالآشوري النشيطة جداً وكان من بينهم أيضا من يحمل شهادات دكتوراه في مختلف المجالات العلمية ومن أرقى الجامعات الأمريكية وليست شهادات من سوق مريدي التي يحملها الكثير من "قادة" العراق وبعض من أبناء أمتنا والتي تناقش في المطاعم والمقاهي والفنادق. وما يجعلني أكثر فأكثر في أعتبار هذا الكونفينشن ناجحاً بكل المقايس وخاصة الشبابية منها، ليس فحسب إستلام هيئته الإدارية الجديدة مجموعة شباب وشابات مثقفة جامعية ومعظمهم نشطاء في مختلف المجالات القومية، بل كان إعجابي الكبير بالندوات والحلقات الدراسية المثيرة جداً التي عقدوها في الكونفينشن. حيث حضرت وراقبت عن كثب أثنين من هذه الحلقات التي أثيرت إهتمامي أيما أهتمام وأعجبتني إيما إعجاب بالمواضيع القومية الحساسة المطروحة للنقاش، كمصير وجودنا في المهجر، ووسائل تعليم لغة الأم والحفاظ عليها في المهجر وعلاقة المهجر بالوطن... ألخ. لا بل كانت حلقات أتصفت بقمة التنظيم والإدارة والإلتزام بالوقت وأحترامه وسيادة النقاشات العلمية الهادئة بينهم مبنية على الإحترام والهدوء والتفاهم والتي فاقت كثيراً جلسات وندوات أحزابنا السياسية القادمة من الوطن التي سادها "الخربطة" في إدارتها والصراخ وعدم الإحترام بين المتحاورين، ومن حضرها غيري شاهد على ما أقوله.
هناك نقطة مهمة أشير إليها بإختصار شديد لأنها يتطلبها صفحات مطولة لتفصيلها وهي عجز مجتمعنا ومؤسساته في المهجر من القيام بنشاط ضاغط أو تأسيس لوبي فعال مساند لقضية شعبنا في الوطن، وفعلاً كان هناك مثل هذا اللوبي وحالياً يحاول البعض تأسيس غيره ولكن لنعرف جيداً بأن نشاطها سيذهب أدراج الرياح لأن مثل هذا النشاط يجب أن يكون مرتبط بقضية شعبنا في الوطن ويتناسق ويرتبط بها. فطالما قضيتنا القومية في الوطن غير واضحة وليس لـ "أبطالها" خطاب سياسي موحد لكي يستخدمها اللوبي لتوضيحها على الجهات الحكومية في المهجر ويضغط عليها لنيل دعمها تصبح جهود اللوبي كله ضائعة ومن غير نتيجة. فرسالة اللوبي في الغرب هي إنعكاس لرسالة "الاخوة الأعداء" في الوطن. إذن فمن هو الملام؟؟.   

أرجو المعذرة عن إطالتي في هذا الموضوع لأنه في الحقيقة يعتبر الجانب إيجابي في كيفية التعامل مع الهجرة وفهم مجتمعنا في المهجر، ومن هذا الجانب أفهم حقيقة الهجرة وكيفية التعامل مع نتائجها. أما القول يا أخي خوشابا، باني كنت متحمساً للهجرة وتشيجع أبناء أمتي لترك الوطن إلى الخارج فهذه مخالطة كبيرة إن لم تكن خطيئة بحقي. أكرر أعتذاري من الإطالة بعض الشيء في هذا الموضوع لكن الغرض منه هو بيان بأن بمجرد أن نتحدث عن الهجرة وكيف التعامل معها وعجزنا من منعها أو عدم التهجم على المهاجرين اوتجريحهم بأوصاف غير إنسانية فهذا لا يعني بأننا نؤيدها وندافع عنها كما يعتقد البعض.

صديقي العزيز، حاولت جاهداً أن أجد التناقض في موضوعي المذكور أعلاه والتي تقول أن التناقض صفة في أفكاري وكتاباتي عن جلساتنا "الشخصية" فلم أجده وأعتقد أيضا أنت لم تجد فيه أي تناقض لذا لجأت إلى الجلسة الخاصة مع بعض "رفاق الأمس" وأتهمتني بتشجيع الهجرة المتناقض مع أفكاري القومية. ولكن ما ذكرته في أعلاه عن كيفية فهمي للهجرة قد يكون كافيا لفهم الحقيقة وأفكاري غير المتناقضة وبالتالي لا يستوجبها التوضيح أكثر طالما مثل هذا الفهم لا يتناقض مع أفكاري ووعي القومي لواقع أمتنا في الوطن والمهجر. فحال وجودي في المهجر لا يبعدني فكرياً إطلاقا عن الوطن ولا جسدياً لأن إتصالي مستمر ودائم مع أكثرية النشطاء على أرض الوطن وزياراتي لأكثر من مرة في السنة إلى الوطن واللقاء بأحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية وبالنشطاء القوميين والمفكرين والمثقفين وتنظيماتهم هم مصدر أفكاري وأستمد منهم وعي القومي الذي بموجبه أعمل وأفكر وأعقد الصلات مع غيري لكي أزيد وأقوي روابطي بأرض الوطن وبأبناء أمتي هناك وفي المهجر أيضا.

أرجو أن لا أكون قد أضعت وقتك الثمين في قراءة هذه السطور التي فرضتها عليً لكي أكتبها لك ولكن أقول صراحة بأنني أشعر بأنها ضاعت من وقتي الذي كان مخصص لكتابة موضوع جديد حول مشكلة الموصل التي يحتدم حولها الصراع العسكري الدموي في هذه الأيام، ولكن مع هذا تكرم عيونك يا أبو نورام الورد تستاهل أكثر من هذا الوقت.   




136
الدون كيشوت المسيحي يحارب الشياطين في العراق
===============================

أبرم شبيرا

اليوم معركة الدون كيشوت المسيحي ضد الشيطان في العراق حول قرار البرلمان العراقي بتحريم بيع الخمور محتدمة على أشدها وعلى مختلف المستويات، أعضاء الكتلة "المسيحية" وأحزابهم وكتابهم ومثقفيهم وسياسيهم وأيضا معظم مواقعهم الألكترونية. وبالأمس كانت المعركة أيضاً على أشدها فيما يتعلق بموضوع قانون البطاقة اللاوطنية والتي لازالت نيرانها مشتعلة ومتداخلة مع معركة اليوم. وبعد أمس كانت المعركة من طراز آخر قائمة ضد إبتلاع بعض القوى السياسية حق المسيحيين الكامل من الكوتا الخاصة بهم. ولو ذهبنا قليلا أبعد نرى بأن الحروب القائمة على مفهوم "ضد المجهول" أو تحت مسماة رنانة دراماتيكية مثل "محاربة الإرهاب" وهم الأرهاب بذاته، كانت أكثر مأساوية ودموية إبتداءاً من مجزرة سيدة النجاة فصعوداً نحو تشريد المسيحيين من مناطقهم في البصرة والعمارة والدورة وبغداد وموصل وخطف وإغتيالات رجال الدين وفي مقدمتهم الشهيد المطران فرج رحو، رحمه الله في فسيح جناته. أما معارك التغيير الديموغرافي والتجاوزات على أراضي شعبنا في مناطقه التاريخية فلها طابع آخر مرتبط بقلعه من جذوره وتشريده في أركان الدنيا من دون أرض أو أساس تاريخي للأباء والأجداد. والحديث عن جحيم داعش وما قبله من مذابح الأنفال وصورية وسميل وسيفوا كلها حلقات متشابه في مضمونها ضمن سلسلة مترابطة رسم تاريخ العراق الدموي وبشكل واضح وجلي. من يعتقد بأن من أقر ووافق على قانون تحريم الخمور والبطاقة اللاوطنية وبالعي الكوتا المسيحية ومرتكبي مذابح سيدة النجاة وصورة وسميل ومجرمي داعش مختلفون فهو واهم مثل الواهم الذي يضع الفرق بين (حسن كجل وكجل حسن). إعتذاري الشديد من أسم حسن المستخدم في هذا المثل العراقي.

لقد دخل أباؤنا وأجدادنا معارك كثيرة ضد الظلم والإستبداد، وأن كانت في معظمها خاسرة عسكريا إلا أنها كانت معارك لها نتائج مرتبطة بالوجود والثبات لأنهم دخلوها بكرامة وعزة النفس وعبر ساحات مختلفة عن ساحات مضطهديهم وبأسلحة وأفكار وأهداف مختلفة ميزتهم عن غيرهم من عدة نواحي دينية وقومية وحضارية وإنسانية فكانت وأصبحت الأساس الذي أعتمد عليه وتواصل معها وجودنا التاريخي في أرض الأباء والأجداد وحتى يومنا هذا. ولكن مما يؤسف له أن "أبطال" معاركنا في هذه الأيام يدخلون المعارك من نفس ساحات مضطهديهم ومستخدمين أسلحة "فاشوشية" غير قادرة على مقاومة  قوة وسطوة شياطين الطائفية والحقد والكراهية وتكفير المختلف. أمر يعرفه أجهل الجاهلين بأنه عندما يجلس عضو برلمان مسيحي تحت نفس القبة مع زعماء الطائفية والحقد والكراهية والتكفيرية فأنه لا محال منه مهما أختلف عنهم وأعترض على قرارتهم فأن الحكم النهائي هو للـ "الديموقراطية" العراقية، الأول من نوعها في تاريخ الفكر السياسي. فالخضوع لحكم الأكثرية الإستبدادي أمر يقره نظام البرلمان العراقي وديموقارطية العراق الطائفي. لهذا لا مفر أمام "ممثلي" شعبنا المسيحي إلا الخضوع المهين لقرار الأكثرية سواء صوتوا ضده أم كانوا معه، فالأمر سيان في كلا الحالتين.

من هذا المنطلق فأن كل الحروب التي دخلها المسيحيون في العراق كانت خاسرة وكانت خسارتها معروفة مسبقاً. واليوم الحالة تتكرر نفسها مع نفس سلسلة الإضطهاد التي يستخدمها البرلمانيون زعماء الطائفية والحقد والكراهية في ضرب المسيحيين في العراق وقلعهم من جذورهم التاريخية وحضارتهم العتيدة. وكل الدلائل الفكرية والسياسية تؤكد بأن السلسلة لا تتوقف عند بطاقة اللاوطنية وتحريم الخمور، بل إنطلاقاً من هذه الدلائل فمن المتوقع جداً بأننا سنرى يوم غد تشريع يحرم المسيحيين من تسمية أبناؤهم وبناتهم بالأسماء المسيحية أو الحضارية ومنع السفور على النساء المسيحيات وفرض الحجاب والبرقع عليهم، لا بل وتحريمهم من قيادة السيارات وإختلاط الجنسين في المدارس والأماكن العامة. وليس مستبعداً أبداً أن يصبح موضوع فرض الجزية وإعتبار المسيحيين ذميون، ليس لأن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في العراق بل لأن الطائفية الممقوتة وتكفير المختلف  مبادئ أساسية متمركزة في فكر المتسلطين على الحكم والسياسة في العراق ويحكمون الأمور طبقاً لها وعلى الآخرين أن يخضغوا لها.

أنه من المؤسف أن نقول بأن كل الحروب التي يخوضها المسيحيون ممثلين ببرلمانيوهم فيما يخص موضوع تحريم الخمور هي حروب خاسرة حالها مثل حال حروب ضد البطاقة اللاوطنية وغيرها من التشريعات والسياسات  والممارسات الإستبداية بحق المسيحيين طالما هم جالسون بجانبهم على نفس كراسي البرلمان وتحت نفس القبة ويستخدمون نفس الأسلحة "الفاشوشية" ويلعبون في نفس ساحتهم الحربية. وبإختصار العبارة نقول وبملئ الفهم بأن جهودهم ضائعة بين أمواج العاصفة الطائفية الإستبدادية وأنهم يسبحون بعكس التيار الجارف، ولا محال لهم، إن كانوا صادقين في عملهم ويسعون إلى خير هذه الأمة، إلا ترك ساحة الإستبدادية وترك البرلمان والخروج منه نحو أبناء أمتهم والجلوس تحت قبة الوحدة القومية والدينية وهو ما دعينا إليه سابقا إلى تشكيل (المجلس القومي للكلدان السريان الآشوريين) من جميع "ممثلي" شعبنا في البرلمانين المركزي والإقليمي هذا على الجانب القومي السياسي وأيضاً على الكانب الديني الكنسي تشكيل (المجلس الأعلى للمسيحيين في العراق) من رؤساء جميع كنائسنا المشرقية في العراق... ولكن، كما قال ذات يوم أحد أصدقائي عندما طرحت مثل هذا المقترح (بالمشمش – كما يقول المصريون) ولا يخرجون من هذا المشمش إلا عندما تكون المصالح الشخصية والتحزبية والطائفية المسيطرة على نشاطاتنا السياسية والدينية أضعف من عوامل الحب والتفاني والإخلاص لهذه الأمة ولكنائسها المشرقية.

وفي الأخير، رغم أن هذا الموضوع مطروق في السباق إلا أنه أرتئينا أن نعيده ولكن  بصيغة وأسلوب آخر فوجدت في موضوع كتاب دون كيشوت للكاتب الإسباني ميجيل دي سيرفانتش (1547-1616) والذي كتبه في عام 1605 ميلادية حالة دراماتيكية لحروب وهمية تشبه في جوانب منها حروب "ممثلي" أمتنا في البرلمان العراقي. ولتجنب الإطالة وجدت في ملخص رواية دون كيشوت التي كتبها الأديب والشاعر عماد تريسي سبيلاً للإختصار.

دون كيشوت الرجل الذى حارب طواحين الهواء معتقدا بأن الشياطين تسكن فيها. فهو رجل نحيف طويل قد ناهز الخمسين - بورجوازي متوسط الحال يعيش في إحدى قرى إسبانيا في القرن السادس عشر , لم يتزوج، ومن كثرة قراءاته في كتب الفروسية كاد يفقد عقله و ينقطع ما بينه و بين الحياة الواقعية ثم يبلغ به الهوس حداً جعله يفكر في أن يعيد دور الفرسان الجوالين و ذلك بمحاكاتهم والسير على نهجهم حين يضربون في الأرض و يخرجون لكي ينشروا العدل وينصروا الضعفاء، ويدافعوا عن الأرامل و اليتامى والمساكين فأعدَّ عدته للخروج بأن استخرج من ركن خفيٍّ بمنزله سلاحاً قديماً متآكلاً خلَّفه له آباؤه فأصلح من أمره ما استطاع، وأضفى على نفسه درعاً، ولبس خوذة و حمل رمحاً وسيفاً وركب حصاناً أعجف هزيلاً. وانطلق على هذه الهيئة شأن الفرسان السابقين الذين انقرضوا منذ أجيال .ثم تذكر وهو سائر في طريقه فرحاً مزهواً أن الفارس الجوال لا بد له من تابع مخلص أمين، فعمد إلى فلاح ساذج من أبناء بلدته و هو سانشوبانزا  ففاوضه على أن يكون تابعاً له و حاملاً لشعاره و وعده بأن يجعله حاكماً على إحدى الجزر حين يفتح الله عليه ، وصدَّقه سانشو ووضع خرجه على حماره و سار خلف سيده الجديد.

معركة طواحين الهواء :
 
 أول المعارك التي سعى هذا الفارس الوهمي إلى خوضها كانت ضد طواحين الهواء إذ توهم  ولم يكن قد شاهد مثلها من قبل  أنها شياطين ذات أذرع هائلة و اعتقد أنها مصدر الشر في الدنيا، فهاجمها غير مصغٍ الى صراخ تابعه وتحذيره ورشق فيها رمحه فرفعته أذرعها في الفضاء ودارت به ورمته أرضا فرضَّتْ عظامه .

معركة الأغنام :
 
ثم تجيء بعد ذلك معركة الأغنام الشهيرة، فلا يكاد دون كيشوت يبصر غبار قطيع من الأغنام يملأ الجو حتى يخيل إليه أنه زحف جيش جرار، فيندفع بجواده ليخوض المعركة التي أتاحها له القدر ليثبت فيها شجاعته ويخلد اسمه و تنجلي المعركة عن قتل عدد من الأغنام وعن سقوط دون كيشوت نفسه تحت وابل من أحجار الرعاة التي رموها بها فيفقد فيها بعض ضروسه .
و تتوالى مغامرات دون كيشوت الذي يجرجر وراءه تابعه المغلوب على أمره وتتوالى هزائمه في كل المعارك التي خاضها وهو في كل مرة يدرك أنَّه قد هزم بالفعل، و لكنَّه لا يفسر الأمر على الوجه الصحيح فيرجعه عن جنونه، إنما يفسره على أن خصومه من السحرة قد أرادوا حرمانه من نصر مؤكد فمسخوا بسحرهم العمالقة الشياطين الى طواحين هواء و مسخوا الفرسان المحاربين إلى أغنام ....
هذه القصة قدمت الصراع الدائم بين الخير والشر- الحياه و الموت -الواقعية و المثاليه، و بين واقع عملي نفعي يفرض وجوده على البشر فدون كيشوت كان قصده الأصلي أن ينشر الحق و العدل والقيم النبيلة،  لكنه سار فى الطريق الخطأ وهو طريق الأوهام و انتهى عمله إلى لا شيء، وتحولت الأمور إلى الأسوأ .بينما تابعه سانشو بانزا يمثل الواقعية التي تطلب الفائدة الملموسة و النفع القريب .
والرواية تبيِّن كيف أنَّ الإنسان يمكن أن يتصارع مع أوهام و خرافات، وهو مؤمن بها و في النهاية لا يكسب شيئاً، بل يخسر أشياء كثيرة منها حياته.
-----------------------
وأخيرا، المثل يقول بأن الإشارة تكفي اللبيب، ولكن هنا أقول من خلال سردي مختصر لقصة الدون كيشوت بأن الإنسان البسيط تكفيه هذه الإشارة ليفهم المقصد.






137
كنيسة المشرق الآشورية بين الهرطقة والوحدة القومية
===================================

أبرم شبيرا

مدخل:
----


مدخل الموضوع هو من جانبين متعاكسين بل متناقضين. الأول هو إنعقاد الجمعية العمومية لمجلس كنائس الشرق الأوسط في عمان/ الأردن للفترة من 6-8 أيلول 2016 و بغياب... نعم بغياب مزمن لكنيسة المشرق الآشورية، بل الأصح نبذ عضويتها ورفض قبولها في المجلس. والثاني هو رسالة قداسة مار كوركيس الثالث صليوا بطريرك كنيسة المشرق الأشورية في العالم الكلي الطوبى المؤرخة في 28 أيلول 2016 والموجهة إلى رئاسات الحكومة العراقية حول طلب إدراج أسم السريان في الدستور العراقي.
 
إلى متى يا مجلس كنائس الشرق الأوسط؟
--------------------------------------

نعم ... ثم نعم... السؤال يبقى فارضاً نفسه لزمن يقارب من ستة عشر قرناً: إلى متى تبقى كنيسة المشرق الآشورية كنيسة هرطوقية بنظر مجلس كنائس الشرق الأوسط والأصح بنظر الكنيسة القبطية؟. فقبل الدخول في التفاصيل، نقول لمن لا يعرف عن هذا المجلس بأنه  تأسس عام 1974 ومقره في بيروت والعضوية فيه هي على شكل مجموعات كنسية عائلية تضم أربع مجموعات وهي (1)- عائلة الكنائس لأرثوذكسية ويطلق عليها في بعض الأحيان بالبيزنطينية وتشمل أربع كنائس وهي كنيسة أنطاكية للروم الأرثوذكس وكنيسة الروم الأرثوذكس في القدس وكنيسة الروم الأرثوذكس في قبرص وكنيسة الأسكندرية وسائر أفريقيا للروم الأرثوذكس. (2) – عائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية اللاخلقدونية والمعروفة بـ "المنوفستية" وتشمل ثلاث كنائس وهي القبطية والسريانية الأرثوذكسية والأرمنية الأرثوذكسية وفي بعض الأحيان يضاف إليها الكنيسة الحبشية والأريتيرية. (3)- عائلة الكنائس الإنجيلية وتتكون من ستة عشر كنيسة، وهي أسقفيات ومجموعات قسس هي أكثر من ان تكون كنيسة بالمفهوم العام. (4)- عائلة الكنائس الكاثوليكية والتي أنضمت للمجلس عام 1990 وتتكون من سبع كنائس وهي المارونية والروم الكاثوليك الملكيين والإقباط الكاثوليك واللاتين في القدس والأرمن الكاثوليك وأيضا كنائسنا المشرقية ذات التقليد السرياني وهي الكلدانية الكاثوليكية والسريانية الكاثوليكية.

ومن  أهداف المجلس هي تعزيز روح الوحدة المسيحية بين الكنائس المختلفة في المنطقة، وذلك من خلال توفير سبل الحوار فيما بينها ومن خلال إقامة الدراسات والأبحاث المشتركة التي تشرح تقاليد الكنائس الأعضاء، وإقامة الصلوات المشتركة لاسيما أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس المسيحية كما يدعو هذا المجلس إلى  الدفاع عن حقوق الإنسان وتحقيق العدالة والمساواة في المواطنة في دول الشرق الأوسط وهي من أولويات أهداف المجلس المجلس. ولكن من خلال تعقيب قرارات المجلس وتوصياته وتطبيق لأهدافه نرى بأن كلها كانت بمثابة كلمات منمقة على الورق لم تخرج من أطارها الكلامي خاصة وهو يمر بأزمات مالية وإدارية تجعله مؤسسة شكلية مشلولة بالتمام والكمال أمام التحديات الجسيمة والمميتة التي يواجهها المسيحيون في الشرق الأوسط. إذن نتسائل أين هذه الأهداف النبيلة والمبادئ المسيحية من رفض قبول كنيسة المشرق الآشورية عضواً فيه؟

سطوة الكنيسة القبطية على المجلس:
-----------------------------------

تسيطر الكنيسة القبطية سيطرة تامة ومطلقة على هذا المجلس. فعدد مؤمنيها الذي يقدر بأكثر من 10 ملايين يعطيها زخماً قوياً ومركزاً متفوقاً كما أن كونها ضمن عائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والتي منها الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والأرمنية الأرثوذكسية المتحدتان معها في العقيدة واللاهوت (كمنوفستيين) والمختلفان عنها في العنصر واللغة والثقافة والتاريخ عوامل تعطيها إمتدادات للتأثير على الكنائس الأخرى ذات التقليد السرياني (كالكلدانية والسريانية الكاثوليكية) وذات التقليد الأرمني (كالكنيسة الأرمنية الكاثوليكية). كل هذه العوامل جعلت من الكنيسة القبطية بمثابة "الأخ الأكبر" (Big Brother) لتفرض إرادتها على العشرات من كنائس الشرق الأوسط خاصة فيما يتعلق بتحريم كنيسة المشرق الآشورية وفرض الفيتو القبطي على قبولها في هذا المجلس وأبعادها عن بقية الكنائس المسيحية خاصة شقيقتيها: الكلدانية والسريانية بشقيها الأرثوذكسي والكاثوليكي. هذه السطوة والهيمنة هي التي جعلت من البعض أن يطلق على المجلس بـ "النادي القبطي". ومن المعروف عن الكنيسة القبطية بأنها كانت في الماضي تستطيع أن تختار لها بطريركاً سريانياً وذلك بسبب العقيدة المشتركة غير أن منذ المجمع المقدس للكنيسة في عام 1985 وبرئاسة البابا شنودة الثالث الذي تبنى مواقف صلدة ومتطرفة تغير الأمر فقد تقرر أن يكون البطريرك قبطياً مصرياً فقط إنطلاقاً من ضرورة الحفاظ على ثراتها وثقافتها وفكرها وبطريقتها الخاصة.

في عام  2010 عصفت بالمجلس مشاكل مالية وإدارية جمة وأكثرها تعقيداً كان تقديم الكنيسة القبطية إستقالتها من المجلس وإعلان البابا شنودا الإنسحاب الرسمي منه عقب وصف بطريرك الروم الأرثوذكس في القدس الكنيسة القبطية "بالخيانة" ربما بسبب تحريم البابا شنودا كل قبطي يزور القدس وكذلك على أثر مطالبة البطريرك بإقالة جرجس صالح الأمين العام للمجلس حينذاك والذي كان ينتمي إلى الكنيسة القبطية فأعتبرت الكنيسة القبطية هذا أهانة لها وللبابا شنودا. وتضامنا مع الأقباط وإنطلاقاً من الراوابط العائلية للكنائس الشرقية (المنوفزتية) أنسحبت الكنيستين السريانية والارمنية اللأرثوذكستين من المجلس أيضاً. غير أن مع هذا حاولا كلا الكنيستين مع بعض الكنائس الإنجيلية إقناع البابا شنودا للعودة إلى المجلس غير أنه ربطت العودة إلى المجلس بتقديم إعتذار رسمي من بطريرك القدس عما بدر منه بحق الكنيسة القبطية. وضمن هذا المستعى  قام المثلث الرحمات مار زكا عيواص، البطريرك السابق للكنيسة السريانية الأرثوذكسية بزيارة البابا شنودا في مصر لبحث موضوع عودة الكنيسة القبطية إلى المجلس وفعلا بعد عام ألتأم شمل الكنائس الأرثوذكسية الشرقية وعادوا إلى المجلس مع عودة الكنيسة القبطية ولكن مع كل هذا أستمر هيمنة هذه الكنيسة و سطوتها على الأمور الحساسة والهامة خاصة موضوع قبول عضوية كنيسة المشرق الآشورية في المجلس.

تحريم كنيسة المشرق الآشورية !!:
------------------------------

منذ أن تولي المثلث الرحمات قداسة مار دنخا الرابع البطريرك السابق لكنيسة المشرق الآشورية سدة البطريركية لم يتواني أبداً في فتح أبواب الحوار والتقارب مع الكنائس الأخرى حتى المخلتفة عنها عقائدياً. ومن بين هذه المحاولات تقديم الكنيسة طلب الإنضمام إلى مجلس كنائس الشرق الأوسط أثناء إنعقاد جمعيته العامة الرابعة في عام 1986. غير أن الطلب رفض رفضاً قاطعاً من قبل الكنيسة القبطية وأنضم أليها أيضاً السريان والأرمن. فذكر بأن البابا شنودا قال بأنه يستحيل عليه أن يجلس مع الآشوريين الهراطقة في مجلس واحد. أضافة إلى هذا السبب العقائدي الرئيسي في رفض طلب كنيسة المشرق الآشورية كان هناك موضوع آخر إداري وتنظيمي متعلق بطبيعة إنضمام الكنائس للمجلس وفقاً لأسلوب العائلة الكنسية. فمن المعروف عن هذه الكنيسة بأنها الكنيسة الوحيدة المستقلة في التاريخ والعالم فهي ليست ضمن أية من العائلات الكنيسة الأعضاء في المجلس والمذكورة في أعلاه. لهذا السبب كان أمر إنضمامها للمجلس مرتبط أيضاً بضرورة دخولها ضمن أحدى العوائل الكنسية المذكورة. وفي عام 1994 عندما وقع المثلث الرحمات مار دنخا الرابع مع قداسة البابا الراحل مار يوحنا بولس الثاني  البيان المسيحاني الذي أعتبر إيمان هذه الكنيسة إيماناً قويماً رسوليا صائباً وما أعقب ذلك من إتصالات وإجتماعات كنيسة المشرق الآشورية مع شقيقتيها الكلدانية والسريانية الأرثوذكسية وأزالة بعض ترسبات الماضي من طقس الكنيسة خاصة ما يتعلق بقرلس، قديس كنائس العائلة الأرثوذكسية الشرقية خاصة القبطية، أصطفت كنيسة المشرق الآشورية مع الكنيسة الكلدانية ضمن العائلة الكاثوليكية كوسيلة رسمية لدخول المجلس وإكتساب عضويته. غير أنه مرة أخرى وكالماضي وقفت الكنيسة القبطية وقفة صارمة ورافضة لقبول كنيسة المشرق الآشورية عضوا في المجلس مالم ترفض وتدين وبشكل واضح وصريح البطريرك نسطور ومعلمه تيادورس المصيصي وتعاليمها وكذلك تغيير طقس الكنيسة وبكل ما يتعلق بمفاهيم وتعاليم هاذين القديسين حتى أنه وصل الأمر للبابا شنودا قبل وفاته إلى القول بأن الآشوريين لا يدخلون الجنة!!

كان من الطبيعي أن ترفض كنيسة المشرق الآشورية الشروط الإستبدادية للكنيسة القبطية لقبولها في المجلس فبقى الأمر كا هو من دون تغيير في بقاء هذه الكنيسة خارج المجلس. نكتفي بهذا القدر لأنه كتب كثيراً عن هذا الموضوع ولكن الذي نرغب أن ننهي هذا الموضوع هو القول بأن هناك كنائس، خاصة الإنجيلية منها، أعضاء في المجلس تعاليمهم ومعتقداتهم بعيدة بعض الشيء عن المبادئ والعقائد الأساسية للمسيحية التي يؤمن بها أعضاء المجلس فحتى البعض منهم لا يؤمنون بأن مريم العذراء هي أم الله.  فوفق المفهوم القبطي للهرطقة هم هراطقة أيضا ولكن لا تتجاسر الكنيسة القبطية بوصفهم كهراطقة أو طرحهم خارج المجلس. أفهل تخشى الكنيسة القبطية من أتهام هذه الكنائس الإنجيلية بالهرطقة لأنها كانئس قوية من الناحية السياسية والمالية وإنتشارها العالمي ويقف خلفها دول كبرى من أوربا وأميركا فتخشى سطوتها في حين تفرض هي سطوتها على المجلس وتحرم كنيسة المشرق الآشوريةمن العضوية فيه وتتهم مؤمنيها بالهرطقة لأنهم أقلية صغيرة لا سند لهم ولا قوة ولا دولة ساندة لهم؟  من هذا المنطلق نقول بأن رفض الكنيسة القبطية لقبول كنيسة المشرق الآشورية في المجلس بسبب "هرطقتها" هو أدعاء باهت وغير مقبول ولا أساس له في ظل الأخوة المسيحية القائمة على التسامح والمحبة، خاصة ونحن نعيش في هذا العام يوبيل الرحمة والسلام والمحبة والتسامح الذي دعى إليه قداسة البابا فرنسيس ، فهو ليس أكثر من حقد تاريخي متزمت عمره أكثر من ألف وخمسائة سنة منبعه الحقد الذي كان قائماً بين قولس ونسطورس.

موقف الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والسريانية الأرثوذكسية:
---------------------------------------
   
 لا شك فيه أن غياب كنيسة المشرق الأشورية عن الكنيستين الشقيقتين الكلدانية والسريانية بفعل الفيتو القبطي يضعهما في موقف محرج وصعب فلم يكن من خيار أمامهم، بسبب سطوة الأقباط، إلا الإنصياع للقرار الإجماعي للمجلس المبني على الفيتو القبطي. هذا من الناحية الرسمية والبروتوكولية ولكن في الواقع وفي كوامن أحبار هاتين الكنيستين كان الأمر مختلفاً بعض الشيء، أمراً مؤلماً ومحبطاً من عدم قبول هذه الكنيسة عضواً في المجلس و الجلوس إلى جانبهما. فتحريم هذه الكنيسة ونعتها بالهرطقة لا يعني إلا إمحاء أكثر من ألف سنة من تاريخ وتقاليد ومعتقدات الكنيسة الكلدانية، كنيسة أباء وأجداد مؤمنيها، كما يقول نيافة المطران سرهد جمو في أحدى بحوثه، فيجعلها بالتالي من دون أساس تاريخي ورسولي. وخلال إجتماعات برو أوريانتا في فينا في منتصف التسعينيات من القرن الماضي بين الكنائس ذات التقليد السرياني وبمشاركة كنيسة المشرق الآشورية أظهرت الكنائس الكاثوليكية تعاطفاً كبيرا مع هذه الكنيسة وكرسوا دراسات عميقة وبحوث علمية في تبرئة نسطور والظلم الذي فرض عليه في مجمع أفسس لعام 431 بحيث وصل الأمر إلى الكنيسة القبطية لتطلق عليه بأنه تحالف كاثوليكي/آشوري ضد قديسها قورلس وضد المعتقدات الأساسية للمسيحية الأرثوذكسية. وتمثل قمة التعاون بين الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وكنيسة المشرق الآشورية في الإتفاقيات التي حصلت بينهما في النصف الثاني من التسعينيات من القرن الماضي كسبيل لإيجاد طرق التقارب والتفاهم والوحدة بينهما. غير أنه لأسباب بعضها معروفة والآخرى غير معروفة أنهارت كل هذه المحاولات وأنهارت كل ما تبعها من محاولات أخرى لتقلي نفس المصير.

أما بالنسبة للكنيسة السريانية الأرثوذكسية فبالرغم من التباين اللاهوتي والعقائدي الشديد بينهما  فأنه كنتيجة للتراث السريانى المشترك مع االكنيسة الأشورية مضافاً إليه التاريخ النضالي المشترك ضد الظلم والإستبداد في عقود القرن الماضي والإصطفاف معاً كأبناء أمة واحدة في نفس الحركة القومية، كان هناك ميل من السريان الأرثوذكس لإحداث تقارب مع الكنيسة الأشورية، لا بل ويعلنون نوعاً من التعاطف معهم. وتمثل قمة هذا التفاهم في إجتماعات شهر آذار لعام 1998 في دير مار مارون في عناية بلبنان وصدور قرارات مهمة على طريق التفاهم والتقارب بينهما وإزالة الخلافات، غير أن كل هذا وبعد أسبوع واحد فقط أصطدم بقرارات الإجتماع الذي عقدته عائلة الكنائس الأرثوذكسية، القبطية والسريانية والأرمنية في دير بيشوي في وادي نطرون بمصر فصدر قررات عديدة منها التأكيد المطلق على رفض وإدانة كافة التعاليم "الهرطقية" لعدد من رجال الكنيسة ومفكريها ومنهم نسطورس فوصفوا أتباعه ومؤمنيه بالهرطوقين، وهي أشارة واضحة ومقصودة إلى كنيسة المشرق الأشورية ومؤمنيها. ليس هذا فحسب بل تقرروا أيضا بأنه لايمكن لأي كنيسة من كنائسهم الثلاث أن تقوم بمباحثات وأتصالات مع الكنائس الأخرى إلا بعد أن يتم البحث مثل هذه الأمور حصراً ضمن عائلة الكنائس الشرقية الآرثوذكسية وبموافقتهم، وهذا يبين ويقصد بكل وضوح الإجتماعات والمباحثات التي كانت تعقد بين الكنيستين السريانية الآرثوذكسية والمشرق الآشورية المنوه عنها في أعلاه مما حدا هذا الموقف بأن تتوقف نهائياً المباحثات بين هاتين الكنيستين. هكذا أنطبق الموقف الرسمي مع الواقع الفعلي لموقف هاتين الكنيستين مع كنيسة المشرق الأشورية. ولكن يبقى موقف هذه الكنيسة الأخيرة تجاه شقيقاتها الكلدانية والسريانية موضوع للطرح والنقاش.

كنيسة المشرق الآشورية ونهجها الوحدي القومي:
--------------------------------------------

أمر يهمني جداً كما يهم غيري من العلمانيين المهتمين بالمسألة القومية لأن نظري إلى الكنيسة بشكل عام هو في كونها مؤسسة تاريخية تراثية إلى جانب كونها روحانية ولاهوتية. من هذا المنطلق يرتكز أهتمامي بالكنيسة بمدى منهجها وطروحاتها نحو الوحدة القومية لأبناء كنائسنا المشرقية، الكلدانية والسريانية والآشورية. وكنيسة المشرق الآشورية معروفة في هذا السياق منذ أن تسنم المثلث الرحمات مار دنخا الرابع سدة البطريركية. وإذا كان البعض لا يتفق مع طرحه في كون الكلدان والسريان جزء من الأمة الآشورية وأن التسمية الآشورية هي المناسبة لجميع مؤمني كنائس المشرق فإن النهج الوحدوي الجديد لقداسة مار كوركيس الثالث صليوا البطريرك الحالي للكنيسة يعتبر طفرة نوعية في هذا السياق لا بل سابقة تاريخية في عصرنا الحالي. وهذا ما تجلى بكل وضوح في رسالته المؤرخة في 28 أيلول 2016 والموجهة إلى الهيئات الحكومية العراقية الثلاث، رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب. والذي طالب فيه تعديل المادة 125 من الدستور العراقي. ولأهمية الفحوى التاريخي للرسالة ندرجها كما هي (تطالب كنيستنا: كنيسة المشرق الآشورية في العراق بتعديل المادة 125 من الدستور العراقي وفق سياقات الدستورية المتبعة، وذلك بإدراج أسم (السريان) مع تسمية أخوتهم (الكلدان والآشوريين) حسب ما ورد في المادة أعلاه، لكون (الكلدان السريان الآشوريين) مكون عراقي واحد بلغة وثقافة واحدة وتاريخ مشترك واحد الممتد لألاف السنين، كما ونطالب بالإيعاز إلى الجهات المعنية بدرج هذا المكون في البطاقة الوطنية بحقل منفرد ضمن حقل القومية. لتكن نعمة الرب معكم لتحقيق ما فيه خير للعراقيين جميعاً) – كوركيس الثالث صليوا، بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في العراق والعالم – 28 أيلول 2016).

أفهل هناك أي صعوبة في فهم النهج الوحدوي من الرسالة؟؟؟ كلا وألف كلا.. أفهل هناك سابقة تاريخية لبطريرك في كنائسنا المشرقية طالب السلطات الحكومية بإدراج أسم مؤمني كنيسة أخرى في الدستور؟؟ كلا وألف كلا.. أفهل هناك مسؤول كنسي رفيع المستوى في كنائسنا المشرقية صرح رسمياً وجهاراً بأننا أبناء أمة واحدة تجمعنا مقومات اللغة والثقافة والتاريخ الممتدة لألاف السنين؟؟ كلا وألف كلا.. أفهل هناك رجل من رجال كنائسنا المشرقية أكد على تسميتنا الوحدوية (الكلدان السريان الآشوريين) الشاملة والضامنة لكل الأسماء الحضارية الزاهية ومن دون تفضيل أي أسم على أخر أو إعلاء شأن تسمية مؤمني كنيسته على الأخرين؟؟ كلا وألف كلا.. عندما أطلعت على بيان السينودس المقدس للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية المنعقد بتاريخ 22 أيلول 2016 في أربيل وعلى بيان المجمع الإنطاكي السرياني الأرثوذكسي المقدس  للفترة من 27 أيلول لغاية 1 تشرين الأول 2016 المنعقد في لبنان وبحثت في السطور وبين طياتها وخلفها فلم أستشف منهما أي سطر أو كلمة تصب على طريق وحدتنا القومية وتشفي غليلي وغليل غيري من أبناء أمتي حتى يكون منطلقا في تعزيز ثقتهم وإيمانهم بكنائسنا المقدسة وبمنظماتنا القومية وحتى تكون أيضا بداية على طريق خلاصهم من نيران البركان الهائج الذي يحرقهم جميعاً وبدون تمييز... يظهر بأن الصرخة التاريخية لأبينا السامي البطريرك مار روفائيل الأول بيداويد، رحمة الله في أفسح جناته، عندما قال ( لا خلاص لنا إلا بوحدتنا... فبالوحدة نحترم أنفسنا ويحترمنا غيرنا) لم تصل آذان مسؤولي امتنا وكنائسنا فكيف والحال مع صرخات الأبناء  الفقراء لهذه الأمة والكنيسة نحو الوحدة والخلاص؟؟؟
طوبى لفاعلي السلام فإنهم أبناء الله يدعون
(متى 5: 9)

138
رحلة فكرية على أجنحة عصفورة جان يلدا خوشابا:
-------------------------------
من أزقة منطقة كراج أمانة...
 فالنادي الثقافي الآشوري في بغداد...
 ثم إلى الكونفنشن الآشوري ألـ (83) في  أريزونا
-------------------------------------------------------
فرضت عصفورة الأخ جان يلدا خوشابا – أنظر الرابط أدناه –  من خلال موضوعه (العصفورة والأستاذ أبرم شبيرا ... ذكريات كي لا تنسى) ديناً ثقيلاً بعض الشيء على كتفي لأن الوعد الذي قطعته له بالرد والكتابة عن هذه الذكريات أصبحت فعلاً ديناً، والوعد كما يقال هو دينً على الإنسان الحر. تمثل صك هذا الدين في طلبه (أن تكتب لنا عن أيامك في كراج أمانة وقبلها ومن كان معك من الأصدقاء وعن ذكرياتك في النادي الثقافي الآثوري... وعن تعليمك والجامعة التي تخرجت منها وشهادتك المهنية ومن كان معك من أبناء شعبنا ومتى تركت الوطن وعن لندن وذكرياتك في أيامك الأولى فيها وأين تعمل وخاصة أنت المعروف عن السفر والترحال والنشاط ومحبة الفكر وإرتباط بالقلم).... يا سيدي العزيز جان هذه الأمور التي مر على بعضها أكثر من أربعين سنة تتطلب صفحات طويلة وطويلة وأنت تعرف الكثير من الأخوة القراء لا يستهضمون قراءة مثل هذه المواضيع الطويلة فيكف والحالة مع القلب الصغير لعصفورتك؟؟.
وحتى أخفف من ثقل هذا الدين فلا بد أن أشكر صديق العمر (داينمو القلم والفكر) المهندس خوشابا سولاقا الذي أوفى نيابة عني الجزء الأكبر من هذا الدين عندما كتب صفحات طويلة وبأجزاء عديدة عن النادي الثقافي الآشوري في بغداد وعن ذكرياته والتي هي في مجملها ذكريات مشتركة عشناها يوماً بيوم بمرارتها وحلاوتها. لهذا السبب لا أريد تكرار سرد تلك الذكريات وذكر أسماء الأصدقاء الأعزاء الذين عملوا معنا في مختلف الحقول القومية السياسية في تلك الفترة ولكن كل الذي أود قوله هو كنًا نحن سواء قبل تأسيس النادي أو بعده مجموعة شبابية مؤمنة إيماناً عميقاً أن لم يكن إيمانا "عمياوياً" بأمتنا الآشورية ونحن في مقتبل عمرنا الشبابي والعمل وبكل السبل والإمكانيات الشحيحة ومن دون أي إكتراث للمخاطر السياسية والإستبدادية المحيطة بنا وبهدف تعميم هذا الإيمان وترسيخه بين بقية شبابنا والذي توسع ليشمل مجموعة أكبر من الأسماء الذين ذكرهم صديقنا خوشابا. فكنًا بأوضح العبارة تنظيم فكري قومي وليس تنظيم هيكلي، تنظيم  تجمعنا قوة الصداقة وتربطنا صفات النزاهة والثقة والإيمان المطلق بالمبادئ القومية الصميمية المشتركة متطهرين من أي مصلحة خاصة أو شهوة لكرسي أو منصب فكان وبحق العصر الذهبي لحياتنا ومنبع لفكرنا من تلك الفترة لحد هذا اليوم سائرين على خط واضح وصريح لا تشوبه شائبة ولا تغرينا مغرية. 

للعمر أحكام قاسية منها حكم إمحاء بعض الذكريات التي مر عليها دهراً طويلاً، وما ذكره صديقنا خوشابا خضع جزء بسيط منه إلى هذا الحكم. ولكن كما يقال الشيء بالشئ يذكر، فما أن يحدث أمر أو لقاء مع بعض الأصدقاء المعنيين بالأمر حتى تقفز الذكريات المنسية من نطاق اللاوعي في الدماغ إلى نطاق الوعي فيبدأ شريط الذكريات بسرد أحداثه. وهناك الكثير من هذه الذكريات التي لم يذكرها صديقنا خوشابا لعصفورة الأخ جان، ومنها:
1.   كلما أزور شمال الوطن ألتقي بالكثير من الأصدقاء ومنهم صديقنا الأديب الكبير د. عوديشو ملكو أشيتا الذي كان من احد عناصر تنظيمنا الفكري القومي فنتبادل الكثير من الأحاديث الماضية والمعاصرة الشيقة والمهمة. في شهر أيلول من العام الماضي 2015 كنت في عنكاوة أثناء فترة رسامة قداسة مار كوركيس الثالث صليوا كبطريرك لكنيسة المشرق الآشورية وككل مرة ألتقيت بالصديق د. عوديشو ملكو وتبادلنا الكثير من الأحاديث في باحة الكنيسة خاصة المتعلقة بموضوع سيامة البطاركة والمطارنة وما يتعلق بمجموعتنا، فحفز حديثنا دماغي وفتح باب الوعي لبعض من الذكريات المتعلقة بالموضوع.  وأليك يا عصفورة بعض من هذه الذكريات التي كانت قادرة على الإنفلات من حكم العمر: ذات يوم، كان في السبعينيات من القرن الماضي، لا أتذكر بالضبط السنة والشهر، هرع د.عوديشو وطلب من مجموعتنا إجتماع فوري وعاجل لمناقشة موضوع مهم جداً، فتم الشمل في بيت صديقنا خوشابا فذكر بأن البطريرك مار دنخا الرابع (الراحل إلى الأخذار السماوية) أعلن ترشيحه ليكون مطراناً للكنسية في العراق بعد أن أنتقل المطران مار يوسف خنانيشو إلى جوار ربه. كان الموضوع بمثابة صدمة لنا ومثير لا بل ومحير أيضا لأنه كان أكبر بكثير من حجمنا الفكري لكي نتمكن من إتخاذ قرار بشأنه. غير أنه بعد مداولات ومناقشات طويلة واضعين بنظر الإعتبار جميع الظروف الموضوعية والفكرية خاصة فكرنا القومي التقليدي تجاه الكنيسة كان قرارنا بأن يرفض د. عوديشو الترشيح ولا يقبل بالدرجة الكهنوتية بمستوى مطران وهذا ما تم فعلاً. وبهذه المناسبة يجب أن أشيد بالفكر "الثوري" – أن الصح التعبير – لقداسة البطريرك الراحل الذي منذ تسنمه كرسي البطريركية دأب قداسته على أحداث تغييرات جذرية وبناء أسس موضوعية في إختيار الدرجات الكهنوتية العليا والتخلي عن النظام السابق القائم على تحديد هذه الدرجات وحصرها في عشيرة أو مجموعة معينة والذي كان قائماً في زمن حيكاري. فبنظرة موضوعية للواقع أعتمد قداسته على عشيرة تياري بإعتبارها أكبر العشائر الآشورية وعلى أشيتا باعتبارها أكبر أجزاءها لا بل أكثرها علماً ونباغة بالأمور اللغوية والتاريخية والكنسية، فعلى هذا الأساس كان إختيار قداسته لصديقنا عوديشو ملكو ومن ثم للأستاذ القس ورده صليوا الجالس حالياً ببركة الرب على كرسي البطريركية.
2.   في شريط ذكريات صديقنا خوشابا ذكر التنظيم القومي الذي شمل الأخوة شليمون إيشو (حالياً كاهن رعية كنيسة المشرق الآشورية في سرسنك) وإسحاق أنويا أسي وكوركيس... وغيرهم، الذاكرة لا تسعفني لذكر غيرهم من الأخوة في التنظيم، وأعتقد كان أسم التنظيم "الحزب الآشوري الديموقراطي التقدمي" وكنًا في حينه، أي في السبعينيات من القرن الماضي، في إتصال وحوار معهم للتنسيق في العمل القومي وربما الإندماج معهم أو الإنضمام إليهم بعد أن عرضوا علينا النظام الداخلي للحزب وبعض البيانات المطبوعة. وكان الصديق آدم بتيو ججو قد كلف من جانبنا للحديث معهم في حين كنت أنا المستمع وذلك لغرض الوصول إلى بعض الإستنتاجات لمعرفة طبيعة تنظيمهم وأفكارهم. وفعلاً بعد عدة إجتماعات توصلنا إلى قناعة بوجود في هذا الحزب عنصر أو أكثر من الذين كانوا أعضاء في حزب البعث ثم أنظموا إلى هذا الحزب وبالفعل ثبت فيما بعد بأن هذا العنصر هو الذي وشى للجهات الأمنية وتم إعتقال أعضاء الحزب ومصادرة آلة الطابعة العربية التي كان يملكها الأخ إسحاق أنويا مع بعض البيانات والأوراق الحزبية ثم بعد عدة أسابيع تم إطلاق سراحهم... كما قلنا سابقا بأن  الشيء بالشيء يذكر... وبينما أنا في شيكاغو في شهر آب الماضي لهذا العام وفي جلسة عائلية ومع بعض الأصدقاء في منزل شقيقتي، لا أدري بشكل أو بأخر ونحن نتطرق إلى المسائل القومية والحزبية وصلنا إلى سيرة تلك الأيام وظروف أعتقال أعضاء الحزب الآشوري الديموقراطي التقدمي فكان مفتاح صندوق ذكريات تلك الفترة بيد شقيقتي لينفتح وينطلق البعض منها حيث ذكرت بأنه بعد الإعتقال مباشرة جاء الصديق آدم بتيو ججو إلى منزلنا مسرعاً ومرتبكاً، حيث هرب من الجامعة (كان طالب في كلية الإدارة والإقتصاد بجامعة بغداد) وكنت أنا أداوم في وظيفتي وخوشابا سولاقا طالب في كلية الهندسة،  فصعد إلى غرفتي الخاصة يبحث في الصندوق والحقيبة المكتضة بالأوراق والكتب والمواضيع السياسية والحزبية وصور لزعماء وأبطال آشوريين أخذ البعض منها وأحرقها فوق سطح البيت أما الباقي والمهم منها خاصة الكتب المتعلقة بتاريخ الآشوريين مثل كتاب (الآشوريون في التاريخ – إيشو ماليك جوارو) و كتاب (تاريخ الآشوريين – البروفسور ماتييف بار متي) وبعض النسخ من مجلة (كوكبا آشوريا – الإتحاد الآشوري العالمي) وضعها في كيس وأعطاءها لشقيقتي التي بدورها أخذتها وخبئتها في منزل جارنا منو البيلاتي في أحدى أزقة منطقة كراج أمانة. وهذان الكتابان لا زالا بمعيتي وأثار عصرها في الكيس بادية عليهما. وبعد إطلاق سراح أعضاء الحزب أستمرت علاقتنا معهم ضمن إطار النادي الثقافي الآشوري خاصة مع الأخ شليمون أيشو الذي كان على رأس الحزب، كما اعتقد.
3.   صحيح هو أعتراف الصديق خوشابا بأن ذاكرته لم تسعفه لذكر كل الأسماء، وما أكثرها، التي كانت ضمن تنظيمنا الفكري، ومن بينهم الصديق سركون منصور كشتو.... مرة أخرى الشيء بالشيء يذكر... أثناء أيام إنعقاد الكونفشن الآشوري ألـ (83) للفترة من 1 – 5 أيلول من هذا العام في مدينة فينكس في ولاية أريزونا، تقدمت نحوي سيدة وقورة وقالت: إلا تعرفني؟ فقلت مع الأسف لا. فقالت أنا شقيقة سركون.. ثم أردفت وقالت: كيف تنسى الأيام الخوالي التي كنتم تجتمعون في منزلنا في منطقة الغدير وكنت أحضر لكم الشاي ولكن كان سركون يمنعني من الدخول فيأخذ صينة الشاي مني وأنا في الصالة لأنه لم يكن يرغب أن أسمع أحاديثكم ولكن كنتُ أنا ووالدتي نستطرق السمع من خلف الباب والدموع تنهمر في عيون والدتي خوفاً من الأحاديث السياسية والقومية اللهابة حيث كنتم تعتقدون بأن إنبعاث الإمبراطورية الآشورية اصبح قاب قوسين، فكنت كأخت أشاطر مخاوف والدتي على أبنها من ظلم وإستبداد النظام السياسي الجائر.
أكتفي بهذا القدر من الذكريات، وما أكثرها، في أزقة منطقة كراج أمانة لأنتقل إلى النادي الثقافي الآشوري في بغداد ولكن أين أضع نقطة  بداية قلمي وأبدأ الكتابة والصديق خوشابا لم يترك شاردة ولا واردة إلا وذكرها بالتفصيل في بحثه عن تاريخ النادي الذي نشره على هذا الموقع بأربعة أجزاء وهو بحث يتماثل كما تتماثل أفكارنا وإيمانا مع الكتاب الذي كتبته عن النادي تحت عنوان (النادي الثقافي الآشوري – 1970 – 1980 – مسيرة تحديات وإنجازات) والذي نشر عام 1993 في الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا من الضروري على القارئ اللبيب أن يتطلع جيداً على عنوان هذا الكتاب. فبالنسبة لفترة عشر سنوات التي تناولها الكتاب تعتبر من أخطر وأهم فترات تاريخنا المعاصر وفيها أحداث سياسية وقومية مهمة جداً وتحديات مفعمة بالإنفعال والحركة والعمل الدؤوب التي أثرت وأنعكست على تطور الفكر القومي الآشوري وأثمرت بإنجازات عظيمة قلً مثيلها في تاريخنا المعاصر، وتفاصيلها مسطرة في كتابنا المذكور. فبالإضافة إلى التحديات الخارجية المتمثلة في السياسة الإستبدادية لنظام البعث وإلى سياسات غيره من الأحزاب العراقية التي كانت تحاول إستيعاب وكسب أعضاء لهم من أبناء أمتنا سواء بشكل مباشر أو عن طريق السيطرة على النادي فإن التحديات الداخلية كانت أيضا في وسط معركة الفكر القومي الآشوري التقدمي ومنها الأفكار والممارسات الطائفية والعشائرية التي كانت تمزق مجتمعنا إلى أوصال وشلل. وهنا أُذكر صديقنا خوشابا قبل تذكير عصفورة جان مسألة في هذا السياق لأن هو كان في قلب الحدث ولم يأتي ذكره في ذكرياته. في بداية قيام الجبهة المشؤومة لحزب البعث التي تورط فيها أيضا الحزب الشيوعي العراقي وبعض الأحزاب الكوردية كان بالمقابل تصاعد في الوعي الفكري القومي الآشوري نحو ممارسات ونشاطات قومية خاصة في طلاب الجامعات وشباب النادي الثقافي الآشوري. ففي حينها، أعتقد كانت بداية السبعينيات من القرن الماضي، منع نادي بابل الكلداني، الذي كان غالبية أعضاءه من قصبة ألقوش، منع طلاب الكلدان الجامعيين من إقامة حفلة تعارف على حدائق النادي، كما كان يفعل طلاب الآشوريين الجامعيين في كل سنة، وذلك ربما خوفاً من السلطات الأمنية أو إيمانا من بعض أعضاء النادي بأن حفلة طلاب الكلدان لها صفة عنصرية شوفينية، وهي الإسطوانة التي كان يكررها بعض أعضاء حزب الشيوعي العراقي. فلجأوا إلينا، بحكم الزمالة الجامعية التي كانت تربط بعض من أصدقائنا بهم. فبعد أخذ وعطاء ومشادات مع الهيئة الإدارية للنادي الثقافي الآشوري حصلنا الموافقة على أقامة حفلة تعارف للطلاب الكلدان الجامعيين على حدائق النادي وشاركنا فيها. وما ذكرني بهذا الحدث هو وجود لي صورة عن الحفلة وصديقنا خوشابا "يدبك" على رأس الخكا (دبكة) وأنا بجانبه مع أصدقاءنا الألقوشيين. أفرد هذا الحدث للمقارنة بين تلك الفترة، فترة العصر الذهبي للفكر القومي الذي لم يكن تنخر به مرض التسميات واللهوث خلف الكراسي والمناصب وبين الفكر القومي لهذا العصر الذي تقضم الطائفية والتحزبية والعشائرية أجزاء منه وتجعله بحكم المشلول.

ومن المآثر التاريخية في النادي الثقافي الاشوري نحو محاربة التصدع الطائفي في مجتمعنا هو تنظيم أول لقاء بين البطريركين مار دنخا الرابع، أسكنه الله فسيح جنانته، وما أدي الثاني، أطالة الله من عمره، وهو مأثر مسطر في كتابي أعلاه وأستطيع أن أستل منه بعض السطور. فالنادي لم يكن كيان للتجمع واللهو وقضاء الأماسي والثرثرة وأنما كان منظمة فكرية قومية شاملة لجميع الطوائف والعشائر دون أي تمييز. فقد كان أعضاءه الخيرين الواعيين يشعرون بمرارة التمزق الطائفي الذي أصيب به بعض أجزاء المجتمع الآشوري فحاولوا جاهدين التصدي لهذه الحالة وبكل الوسائل الممكنة سواء أكانت مباشرة عن طريق النادي أم بشكل غير مباشر عن طريق أعضاءه النشطين الواعين والذين كانوا يمثلون الطليعة المثقفة للمجتمع الآشوري قاطبة. وقد أدرك هؤلاء منذ الوهلة الأولى صعوبة لا بل وخطورة مهمة التصدي ومعالجة حالة التمزق هذه، إلا أن هذا لم يثن عزيمتهم في المضي قدما بمحاولة قد تكون البادرة الأولى على طريق إنعاش الآمال لإزالة الأحقاد وسوء الفهم القائم بين الأطراف المتنازعة. وفعلاً، ففي إحتفالات النادي بعيد الأول من نيسان عام 1977 دعي كل من قداسة البطريرك مار دنخا الرابع وقداسة مار أدي الثاني لحضور هذه الإحتفالات وللتصافح بينهما وإلقاء الكلمات أمام الجمهور الذي أمتلأت به حدائق النادي لإثارة الحماس والشعور القومي نحو إزالة الأحقاد التي تفشت في المجتمع الآشوري من جراء الإنقسام الحاصل في الكنيسة.
وفعلاً لُبيت الدعوة من قبل الطرفين ووضعت الهيئة الإدارية، التي كانت برئاسة المرحوم روميل كوركيس الذي كان من أحد عناصر تنظيمنا الفكري، تفاصيل خطة اللقاء بينهما دون إثارة أية حساسية أو سوء فهم تمس قداستهما. وكانت الخطة تقوم على أساس قدوم قداسة مار أدي الثاني أولاً إلى النادي والجلوس في مقدمة المحتفلين في حدائق النادي، يليه قداسة مار دنخا الرابع والدخول إلى مبنى النادي وتفقد المكتبة وأسلوب تدريس اللغة الآشورية ومن ثم الخروج إلى حدائق النادي للتصافح والتعانق مع قداسة مار أدي أمام الجمهور والبدء بإلقاء الكلمات الترحيبة والمباشرة بفقرات الإحتفال. غير أن الخطة فشلت في تحقيق أهدافها السامية ففقدت الهيئة الإدارية السيطرة على الوضع بعد أن أصبح خارج نطاق قدرتها بسبب الدور الخبيث الذي لعبه البعض في إفشالها، فرجال الأمن والمتعاونون معهم وبعض أعضاء "اللجنة المركزية للطائفة الأثورية في العراق" أحاطوا بقداسته وطلبوا وبإلحاح عدم خروج قداسته إلى حدائق النادي والبدء بالإحتفالات مع قداسة البطريرك مار أدي الثاني إلا بعد حضور بعض المسؤولين في الدولة (أعتقد محافظ بغداد) لهذه الإحتفالات ومن ثم مرافقتهم له عند خروجه. غير أن الإنتظار لهذا المسؤول طال أكثر مما يجب وأخذت خيوط المؤامر لإفشال الخطة تظهر للحاضرين، فأثر هذا الإنتظار الطويل على حضور قداسة البطريرك مار أدي الثاني الذي ظل ينتظر في الحديقة لبدء الإحتفال، فأضطر تحت زخات المطر التي بدأت تساهم أيضا في إفشال هذا الهدف النبيل للنادي إلى المغادرة. بعد ذلك نهض العضو المهندس يوبرت بنيامين وصرخ صرخة مدوية في الحاضرين مستنكراً الإنشقاق الطائفي الذي يمزق الآشوريين وهتف عالياً بحياة الأمة الآشورية وبنضالها من أجل وحدة كافة طوائفها فنال إستحقاق الحاضرين. ويوبرت أستشهد في عام 1985 بعد أن اعدمه النظام العراقي الفاشي شنقاً حتى الموت بسبب إنتماءه للحركة الديموقراطية الآشورية.. رحمه الله.. ودمه على أعناقنا جميعاً للسير على طريق نضاله.

وبهذه المحاولة كان النادي قد أضاف إلى سجله الحافل بالإنجازات القومية تجرية رائدة على مستوى وحدة الأمة وظلت هذه التجربة في ذاكرة الأعضاء الخيرين يستذكرونها إينما كانوا بنوع من الإعتزاز والفخر للدور الواعي لهم والرائد في التوعية القومية وكذلك يستذكرونها بنوع من المرارة والتألم لفشل المحاولة في تحقيق أهدافها النبيلة. ليس هذا فحسب بل هناك العشرات من مثل هذه المبادرات القومية نحو وحدة الأمة ويكفي أن نقول بأن النادي كان فعلاً مدرسة لتخرج الكوادر القومية النبيلة والمناضلة فالكثيرون منهم اليوم هم مؤسسي وقادة أحزاب سياسية ومنظمات قومية وكبار المثقفين والكتاب وإختصاصين في الأدب واللغة ولا تكفي مئات الصفحات لتسطير أسماؤهم ومساهماتهم في المجتمع الآشوري فهم يؤدون دورهم ونشاطهم القومي الذي بدأوه في الأيام الأولى لإنتسابهم إلى النادي في خدمة الأمة الآشورية مستلهمين منها دروساً وعبر نافعة ومثمرة لمسيرتهم النضالية مكملين مسيرة التحديات والإنجازت التي قادها النادي الثقافي الآشوري لعقد من الزمن.

سرد الأحداث والتحديات والإنجازات للنادي الثقافي الآشوري عمل يقارب المستحيل ليس لكون بعضها قد دخل منطقة اللاوعي لأعضاءه بل لكونها كثيرة جداً ويصعب حصرها ولكن مع هذا فإن جزء من هذا البعض يبقى متحرراً من سجن اللاوعي وينتقل إلى منطقة الوعي وذلك لكونه مثيراً ونشاطاً رائداً ليس على مستوى النادي أو الآشوريين فحسب بل على مستوى العراق ككل. ومن هذا البعض أذكر مهرجان الشعر الشعبي العراقي الذي أقامه النادي على حدائقه والذي كان نشاط ثقافي أدبي الأول من نوعه في العراق حضره أكبر شعراء العراق الشعبيين ومن مختلف قطاعات الشعب العراقي وتوجهاته الفكرية والسياسية وأيضاً حشد كبير زاد عن الألف بحيث لم تكن حدائق النادي كافية لإستيعابه مما أضطر الكثيرون الجلوس على حائط سور النادي أو تسلوا الإشجار وجلسوا فيها. وكان الشعراء الشيوعيون المعرفون ببراعتهم في هذا المجال أكثر حضوراً وبروزاً ونشاطاً وإثارة لحماس الجمهور مما أثار ذلك غضب السلطات الأمنية فتم في اليوم التالي إستدعاء رئيس وأعضاء الهيئة الإدارية إلى دائرة الأمن للمحاسبة والتوبيغ وتوجيه لهم تهمة إقامة مهرجان شعري للشيوعيين.

هذا غيض من فيض... الفيض الذي لا تستطيع مئات الصفحات من إشباع متعبة القراء الأعزاء وبالأخص أعضاء النادي من قراءتها والإستمتاع بذكرياتها ولكن لتحقيق هذا الهدف هناك بعض الأفكار والمشاريع المستقبلية بخصوص هذا الموضوع تم تداولها مع الكثير من أعضاء النادي فإستحسنوها كثيرا وبتحمس، منها:
1.   الكتاب الذي كتبته وبحث صديقنا المهندس خوشابا وغيرهما من المواضيع والمقالات عن النادي ليست بكافية بل وبدون شك فيها نواقص كثيرة لا يملئها إلا ذكريات العديد من أعضاء النادي. لهذا فقد تم الحديث والإتفاق مع بعض الأعضاء ذوي الإمكانيات على تأليف مجلد توثيقي ضخم عن النادي معتمدين على ما كتبه الصديق خوشابا وما ذكرته في كتابي كأساس لهذا المجلد.
2.   الإتفاق على إعادة تجمع أو الإتحاد (Reunion) بين أعضاء النادي لعقد تجمع ومهرجان ثقافي فني إجتماعي كإعادة للأسبوع الثقافي الذي كان ينظمه النادي في السنوات الماضية ويقام مثل هذا التجمع والمهرجان في النادي الثقافي الآشوري في عنكاوة وينظم ترتيباته خاصة للقادمين من خارج الوطن وبإدارة المهندس توما روئيل يوخنا الذي كان فعلاً المهندس البارع لمثل هذه التجمعات والنشاطات للنادي الثقافي الآشوري في بغداد واليوم يستعيد شبابه وبراعته في هذا المجال أيضا في النادي الثقافي الآشوري في عنكاوه. كان من المؤمل أن يعقد من هذا الإتحاد في هذا العام 2016 غير أن الظروف السياسية والإقتصادية والأمنية في الوطن بيت نهرين حالت دون ذلك ومن المؤمل أن يتحقق هذا الحلم الجميل بعد أن تستقر الأوضاع في الوطن.

طلبات عصفورة الأخ جان يلدا كثيرة وحاولت بقدر المستطاع وبما تسمح به مساحة هذه السطور أن أشبع بعض من رغباتها عن ذكرياتنا في منطقة كراج أمانة وعن النادي الثقافي الآشوري في بغداد، ولكن يؤسفي القول بعدم تحقيق رغبة العصفورة فيما يخص مسائل "شخصية" وذلك خشية من تطبعها أو تفسيرها بنوع من النرجسية والإنانية خاصة وهي معروفة للعديد من الأصدقاء والقراء ولا يستوجب تكرارها. أما بخصوص حشر موضوع الكونفشن الآشوري ألـ (83) في عنوان هذا المقال هو لأنه جاء بسبب ركون العصفورة على رأسي وأنا أحضر الكونفشن لهذا رغبت أن أكشف بعض الأضواء على هذا التجمع الكبير في موضوع مستقل للأيام القادمة لأنني خشيت من أن عصفورة الأخ جان لا تتحمل أجنحتها المزيد من الصفحات هنا وبالتالي لا تستطيع الطيران وإيصال الأخبار إليكم.
مع تحياتي الحارة.     
 


http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,820413.msg7488296.html#msg7488296

139
روسيا... أين موقعها في  ميزان العمل السياسي الآشوري؟؟
نظرة مقارنة بين الماضي والحاضر
=============================================

أبرم شبيرا

رجاء:
-----
أرجو من القارئ اللبيب أن يدرك بأن إستخدامي للمفردة القومية "الآشوري" هنا ينطلق من حقائق موضوعية تاريخية ومعاصرة لأن أولاً: تاريخياً، نشؤ الحركة القومية في مجتمعنا عموما جاءت بهذه التسمية القومية التاريخية وشارك فيها ضمن هذه التسمية عدد كبير من أبناء الطوائف والتسميات الأخرى بل كانوا رواداً لها وقدموا شهداء في سبيلها. وثانياً: الواقع المعاصر يؤكد بأن الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية التي تتسمى بهذه التسمية القومية، رغم تبنيهم للتسميات المركبة هي أكثر نشاطاً وبرزواً على السطح السياسي، المحلي والإقليمي والدولي، وتحديدا ما يخص موضوع  بحثنا. وهذا كله  لاينفي وبتأكيد مطلق إيماننا الراسخ  بوحدة أمتنا بجميع تسمياته التاريخية والحضارية، الكلدانية والسريانية والآشورية.

الآشوريون والبحث عن حليف في وقت الأزمات والحروب:
--------------------------------------
عندم تعصف الأزمات والمصائب بأية أمة أو دولة خاصة وقت الحروب وإشتدادها لا بد مثلما لها عدو ومصدر هذه المصائب والحروب يكون لها أيضا حلفاء وأصدقاء  لأن لهم مصالح عامة مشتركة من هذه الصداقة أو التحالف. وهذا هو حال كل الحروب المعروفة في التاريخ، خاصة الحروب المعاصرة حيث من النادر جداً أن نرى دولة تدخل حرباً لوحدها بل يكون لها حلفاء وعلى نفس الجبهة. وحروب التاريخ خاصة المعاصرة كالحرب العالمية الأولى والثانية وحتى الحروب الإقليمية هي شواهد على ما نقوله. عصفت الرياح الهائجة للحرب الكونية الأولى بشعبنا في موطنه الأصلي، هيكاري وما جاورها من مناطق أخرى، ووضعته في دوامة الدمار والتشرد والفناء فكان على زعامة الأمة المتمثلة في المؤسسة البطريركية، وعلى قمتها الشهيد الخالد مار بنيامين شمعون البطريرك الأسبق لكنيسة المشرق الآشورية وأخته سورما خانم وشقيقه ربخيلا (قائد القوات) داود، البحث عن سبيل منقذ للأمة ولم يكن هناك إلا خيارين ممتين، أما البقاء في مواقعهم والتعرض إلى المزيد من المذابح وبالتالي الفناء الكلي أو الوقوف مع دول الحلف البريطاني الفرنسي الروسي ضد الدولة العثمانية. فكان الخيار الثاني أهون الخيارين وأقل مرارة رغم النتائج المأساوية التي كانت متوقعة الوقوع على شعبنا من جراء ذلك. فمن المعروف وبشكل عام بأن القيادة الآشورية في تلك الفترة وضعت كل البيض في السلة البريطانية ويتمادى بعض المؤرخين والكتاب القول بأن المؤسسة البطريركية أرتمت بالتمام والكمال في أحضان بريطانيا فأستغلتها لتحقيق مصالحها في الحرب ضد الدولة العثمانية وبعض العشائر الكوردية المتحالفة معها.

أن طرح مثل هذه التعميم على القيادة الآشورية غير صحيح لأنه يفتقر إلى تفاصيل العلاقات والتوجهات والأفكار التي كانت سائدة بين أفراد القيادة الآشورية. صحيح كل الصحة بأن سورما خانم وربخيلا داود كانا من أشد المناصرين للتحالف والتعاون مع بريطانيا ولكن على العكس من هذا بالنسبة للشهيد البطريرك مار بنيامين شمعون. كثيرا كتبُ عن عظمة الشهيد مار بنيامين وإيمانه القوي وحبه المفعهم بالأحترام لأبناء أمته وكنيسته وضخامة تضحياته ولكن قليلاً، أن لم يكن معدما، أية كتابة عن فكره الإستراتيجي في التحالف مع الآخيرين ضمن معطيات تعتمد على الظروف الموضوعية والواقعية. ففي خضم الصراعات السياسية والمصلحية والدينية والكنسية والتبشيرية التي كانت تنهش بجسم كنيسة المشرق، كان الشهيد مدركاً كل الإدراك بأن وضع روسيا غير ذلك ومختلف بعض الشيء. فبالنسبة للتبشير بين أبناء أمته وكنيسته، كانت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية أقل شراسة في التبشير، أن لم يكن محدودا جداً أو معدوماً، في مقارنة مع تبشير الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية الإنكلكانية والأمريكية. فالخلفية التاريخية للكنيسة الروسية في تعاملها الإنساني مع مئات الألاف من أتباع كنيسة المشرق الذين نقلوهم هرباً من الإضطهادات العثمانية وحلفاءها في منتصف القرن التاسع عشر وأستقروا في المناطق الجنوبية لروسيا في جورجيا وأرمينيا وتحت رعاية هذه الكنيسة والذين عوملوا كمواطنين شكلت هذه الخلفية مصدر ثقة للبطريرك تجاه روسيا وكنيستها الأرثوذكسية خاصة وأن هذه الكنيسة هي أرثوذكسية بكل معنى الكلمة ولم يظهر فيها هرطقات أو إنحرافات كما هو الحال مع الكنائس الغربية. وعلى الجانب الآخر الموضوعي والجغرافي، أدرك البطريرك وبنظرة جيوسياسية بأن روسيا بلد شاسع وقريب من موطن الآشوريين لا بل محاذي له وتُمثل قوة إقليمية في المنطقة. فمثل هذه الجيرة والعلاقة الجيوسياسية، كعامل موضوعي ثابت على مدى الدهر كثبوت الجغرافيا، يكون عادة مصدراً  لمصالح ثابتة ومستديمة للطرفين. على العكس من بريطانيا وفرنسا فأن بعدهم الجغرافي عن موطن الآشوريين وشراستهم الإستعمارية جعل من العامل الجيوسياسي والجغرافي غائباً كلياً في خلق مصالح ثابتة ومستديمة للطرفين بل كان حال كلا الدولتين كحال اللص الذي يأتي من مكان بعيد ويسرق البيت ثم يهرب، لهذا السبب عندما حقق الدولتان مصالحهما الخاصة في المنطقة تركا الآشوريين للذئاب المفترسة.

كان الشهيد مار بنيامين عظيماً في فكره الإستراتيجي عندما حاول الإقتراب والتحالف مع روسيا وللأسباب المار ذكرها، ففي أكتوبر من عام 1917 زار البطريرك حكومة روسيا القصيرية في القوقاز ومنح وسام القديسة آن من الدرجة الأولى وكما منح 200 ميدالية القديس جورج للمقاتلين الآشوريين الذين شاركوا مع القوات الروسية ضد القوات العثمانية والفارسية وبعض العشائر الكوردية. يؤكد بعض المؤرخين، خاصة الروس منهم، بأنه لولا قيام ثورة أكتوبر البلشفية عام 1917 وإنسحاب القوات الروسية من المنطقة ومن ثم عقد لينين زعيم الثورة معاهدة  برست ليتوفسك عام 1918 مع الألمان وخروجها من الحرب لكان الأمر مختلف ولكان التحالف الإستراتيجي الآشوري – الروسي أستمر وحقق نتائج غير تلك النتائج المأساوية التي جاءت من التحالف مع بريطانيا. صحيح إذا كان عامل إنسحاب الروس من المنطقة والحرب وترك الآشوريين في ظروف صعبة جداً وماحقة سبباً لإنهيار مثل هذا التحالف الإستراتيجي فأنه علينا أن لا ننسى أيضاً عامل داخلي مهم وحاسم وهو عدم الإتفاق أو الخلاف بين الآشوريين عن الجهة أو الدولة الواجب التحالف معها، خاصة بين البطريرك مار بنيامين مع روسيا من جهة وسورما خانم وربخيلا داود مع بريطانيا من جهة أخرى. فعندما تفعل الظروف المأساوية والمميتة باي شعب أو أمة تبدا الدسائس والمؤمرات بين بعض من ضعفاء النفوس وتحديدًا على مستوى القيادة أو المتنفذين، وهذا حال جميع الأمم بما فيها أمتنا خاصة في ظروف كظروف الحرب العالمية الأولى. ففي تلك الفترة كانت بريطانيا، الداعم الرئيسي لسورما خانم وربخيلا داود تتخوف جداً من ميل الآشوريين بقيادة مار بينامين إلى روسيا والتحالف معها ومن ثم قلب موازين القوى في المنطقة وإعاقة طريق تحقيق مصالحها الخاصة. لذلك لم ترغب بريطانيا القضاء مباشرة على البطريرك خشية من فقدان العلاقة مع سورما خانم وربخيلا داود ومن ثم إنفراط خيط التحالف معهما بل كل ما رغبته هو جذب وتوريط البطريك للوقوف في الحرب معها ضد الدولة العثمانية وحلفاءها لذلك تم تدبير رسالة مزورة بتوقيع البطريرك وفيها طلب منه إلى القوات البريطانية لمساعدته في حربه ضد العثمانين ووضعت الرسال في قطعة خبر وحملها شخص لتوصيلها إلى ضابط إنكليزي فتم إبلاغ السلطات العثمانية بالأمر فقبض على المراسل ومعه الرسالة مما سبب ذلك هجوما كاسحاً على الآشوريين ومن ثم إضطرارهم الإنضمام إلى القوات البريطانية. في كل الأزمان والأماكن إن إنعدام الإتفاق بين أعضاء القيادة من جهة والخيانة من جهة أخرى كانا عاملان حاسمان في إستحالة تحقيق مطامح الأمة وبالتالي دفعها نحو دوامة الصراعات حول المصالح الخاصة بعد ضياع مصلحة الأمة في متاهات هذه الصراعات والإنهيارات. ومن الملاحظ بأن هذا العامل الموضوعي الجغرافي في التحالف مع روسيا تتبين أهميته من خلال عدم تأثره بالمبادئ السياسية والفكرية الشيوعية التي كانت تحملها الثورة البلشفية حيث أستمر البطريرك الشهيد التراسل مع لينين زعيم الثورة البلشفية في روسيا في أكتوبر عام 1917 من أجل ضمان التحالف معها ضد العدو المشترك.

ليس هذا وعلى مستوى تحالف مار بنيامين مع الروس فحسب، بل كان له بعد جيوسياسي على المستوى المحلي حيث كان يرى في الكورد، وخاصة القبائل القوية والفاعلة على الساحة السياسية مثل قبيلة شيكاك بزعامة شيخها إسماعيل أغا المعروف بـ (سمكو) حليفاً إقليمياً. فالجغرافيا كانت العامل الموضوعي والواقعي يفرض قوته على الآشوريين وبقيادة بطريركهم للتحالف معهم وتشكيل قوة مؤثرة في المنطقة وكان الروس من المؤيدين له في هذه الخطوة فكان ضباط منهم يرافقون البطريرك أثناء محادثاته مع سمكو غير أن خدر وخيانة وخسة المجرم سمكو وقيامه بإغتيال البطريرك أفشل كل مخططات الآشوريين في التحالف معهم. لقد ثبت كون الدولة الفارسية من وراء دفع المجرم سمكو لإغتيال البطريرك، لكن مثل هذا الإغتيال صب في مجرى تحقيق المصالح البريطانية في المنطقة حيث أصبح الآشوريين بدون قيادة وضاعوا في متاهاة التهجير والضياع والإنسياق نحو "أبو ناجي".  حقا أصاب كبد الحقيقة عندما قال الأديب الكبير والمؤرخ الشماس كوركيس بنيامين أشيتا  في كتابه ( رؤساء الآشوريين في القرن العشرين) المكتوب باللغة الآشورية الحديثة  "بأن لو لم يكن الآشوريون قد فقدوا مار بنياميــن في تلك الفترة لربمـا كانت مسيرة تاريخ أمتنا قد تطورت بشكل آخــر، ومن دون أدنى شــك كانت بشكل احسن مما هو عليه الآن لأنه بالتأكيد ما كان يسمح للانتهازيين أن يلعبوا لعبتهــم كما فعلوا بعد الحرب العالمية الأولى وكما يفعلون اليوم" (ص25).
على الجانب المدني أو العلماني ظهر المفكر العبقري القومي التقدمي الشهيد فريدون أتورايا وهو مفعماً بتأثير العامل الجيوسياسي في عمله القومي السياسي. فإذا حسبنا الشهيد مار بنيامين على الجانب الديني واليميني فأن الشهيد فريدون أتوراياً هو محسوب على الجانب التقدمي اليساري ولكن بين اليمين واليسار كان هناك عامل قوي يجمع بينهما وهو التحالف والعمل مع روسيا ثم الإتحاد السوفياتي بالنسبة لفريدون أتورايا وكلا الشهيدين أدركوا إدراكاً عميقاً أهمية تحقيق المصلحة القومية من خلال هذا الإدراك والبناء عليه تحالف ومصالح دائمة ومستديمة. ففي بيانه المعروف بـ "منفستو أورمي" – أي إعلان أورمي لعام 1917  – أنظر عزيزي القارئ تأثيره بالماركسية وب "منفستو" المنشور تحت عنوان "يا عمال العالم أتحدوا" من قبل كارل ماركس وزميله فريدريك أنجلز – دعا فيه إلى تأسيس دولة آشورية حرة موحدة ورسم حدودها من منطقة أورمي مروراً بشريط حدودي فاصل بين تركيا والعرب إلى إنطاكية على البحر الأبيض المتوسط يجمع جميع جميع طوائف وكنائس أمتنا. وتجلى فكره الإستراتيجي في ضرورة وجود منفذ للدولة الآشورية على البحر لتكون رئة تتنفس من خلالها نحو العالم الخارجي. وحتى بعد قيام الثورة البلشفية أستمر المطالبة بمشروعه في قيام الدولة الآشورية وضمن جمهوريات الإتحاد السوفياتي. غير أنه مرة أخرى يعود عامل الخدر والخيانة والخسة المنبعث من بين أخاديد بعض الخونة في مجتمعنا وبنفس أسلوب التخلص من مار بنيامين. ففي عام 1925 عثرت السلطات الستالينية على رسالة مزورة وبتوقيعه يطلب من السلطات البريطانية التدخل لمساعدته فألقي القبض عليه وأعدم في عام 1926 بتهمة التجسس لصالح بريطانيا. وقد دلت الأحداث فيما بعد بأن المؤسسة الكنسية وعلى رأسها سورما خانم وربخيلا داود ومن وراءهم بعض البريطانيين كانوا وراء تدبير هذه الرسالة المزورة للإيقاع به والتخلص منه ومن مشروعه القومي في بناء كيان قومي آشوري ضمن جمهوريات الإتحاد السوفياتي، لأن بالنسبة إليهم كان الشهيد فريدون أتورايا شيوعيا وغوغائيا وفوضويا يسعى لسلب الزعامة من البطريرك والمؤسسة الكنسية. حقاً لو أفترضنا مجازا بأن الآشوريين كانوا قد قبلوا بمشروع فردون أتورايا وتحقق كما فعل الأرمن في تلك الفترة لكان في هذا اليوم للآشوريين دولة مستقلة حالها حال دولة أرمينيا.

البيروستروكيا وكنيسة المشرق الآشورية:
----------------------------------
كان البطريرك الشهيد مار بنيامين في إتصال دائم مع الآشوريين في روسيا وجمهوريات القوقاز حتى بعد قيام الثورة البلشفية في أكتوبر عام 1917. غير أن إستشهاده في بداية شهر آذار من عام 1918  حالت خلال هذه الفترة القصيرة دون بناء أسس قوية ومستمرة لهذه العلاقة في ظل النظام الجديد. ثم جاءت مأساة الحرب والتشرد والضياع وهيمنة بقية أفراد العائلة البطريركية الموالين لبريطانيا على مقدارات الآشوريين وما تلاه من نتائج مأساوية مضاعفة مثل مذبحة سميل لعام 1933 ونفي بطريرك الكنيسة وعائلته خارج العراق في الوقت الذي كان ستالين يشدد من قبضته الإستبدادية على السلطة ويقضي على معارضيه والمشتبهين بهم فشمل هذا إعدام العشرات من كبار المثقفين والأكادميين والقوميين الآشوريين بمن فيهم الشهيد فريدون أتورايا. كل هذه العوامل فعلت فعلها القوي في قطع علاقة الآشوريين في الإتحاد السوفياتي مع غيرهم من الآشوريين خاصة مع أخوتهم في بيت نهرين فأندمجوا في المجتمع السوفياتي وأصبحوا بحكم الآشوريين المنسيين إن لم نقل الضائعين. 

البيروستروكيا ((Perestroika والتي تعني إعادة البناء كان المنهاج الإقتصادي للرئيس الأسبق لجمهوريات الإتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف في الثمانينات من القرن الماضي والتي كانت البداية التي هزت العالم وإحدثت تغييرات جذرية سواء على المستوى السوفياتي أو العالم. فتأثيرها كان شاملاً وعاماً على جميع شعوب ودول العالم ولم يستثنى منها حتى الآشوريين ومؤسساتهم في الإتحاد السوفياتي وعلى كنيسة المشرق الآشورية في العالم أيضا. وفعلاً فقد تم إعادة بناء هيكلية المجتمع الآشوري في الإتحاد السوفياتي والجمهوريات المنضوية في رابطة الدول المستقلة (Commonwealth of Independent States ) وإختصارا بـ (CIS) التي كانت في السابق من جمهوريات الإتحاد السوفياتي. فعندما تسنم البطريرك الراحل إلى الأخدار السماوية قداسة مار دنخا الرابع كرسي البطريركية وضع نصب عينيه أهمية الإتصال بالآشوريين في الإتحاد السوفياتي وإرجاعهم إلى كنيسة أبائهم. وفعلا قام قداسته في عام 1982 بزيارة إلى الآشوريين في الإتحاد السوفياتي ثم تكررت الزيارة في عام 1988. وفي المجمع السنهادوسي للكنيسة المنعقد في سدني – أستراليا في شهر آب من عام  1994 أسندت مسؤولية الإهتمام بالآشوريين ولم شملهم حول الكنيسة إلى قداسة البطريرك مار كوركيس الثالث صليوا (في وقتها كان مطربوليت للكنيسة في العراق) الذي زراهم في شهر مايس من نفس العام ووعدهم بإرسال كاهن ليقدم لهم الخدمة حسب طقوس كنيسة المشرق. وفعلاً وفي شهر كانون الثاني من عام 1995 زار قداسته وبصحبته القس خامس هرمز، حاليا مار أسحق خامس أسقف دهوك، معظم الآشوريين في روسيا وبعض دول رابطة الكمونولث فأقاموا القداديس حسب طقس كنيسة المشرق بعد إنقطاع طويل دام أكثر من قرنين ونصف القرن. وكنتيجة لذلك فقد أعترفت السلطات الروسية بكنيسة المشرق الآشورية وسجلت ككيان كنسي في وزارة العدل الروسية. وبفعل التبرعات السخية الضخمة لبعض الآشوريين تم بناء كنيسة مريم العذراء الضخمة في موسكو التي أصبحت الخيمة الجامعة للأشوريين المتحمسين للعودة لجذورهم. وفعلاً شاهد شخصياً أثناء زيارتي لموسكو في شهر مايس من عام 2002 القداس الذي أقامه القس/الأسقف مار أسحق في هذه الكنيسة الضخمة التي أحتشد فيها المئات من أتباع الكنيسة فكانت فرحتهم لا توصف ولا تقاس عن مدى تعلقهم بكنيستهم وأمتهم الآشورية.

البيروستروكيا والآشوريون القوميون:
-----------------------------
قد أكون أسرفت بعض الشيء في بيان دور كنيسة المشرق الآشورية في إعادة معظم الآشوريين في روسيا ودول الكمونولث المستقلة إلى إيمانهم بكنيستهم الأم بعد أكثر من قرنين. وهذا الإسراف في هذا الدور ليس القصد منه إلا بيان مدى تأثير ذلك على الجانب القومي والمدني للأشوريين هناك. فعلاً فقد كانت البيروستروكيا أعادة كاملة وواسعة وجذرية لبناء المجتمع الآشوري في الإتحاد السوفياتي نحو التحول من المجتمع السوفياتي الشيوعي إلى الساحة القومية الآشورية. ففي شهر تشرين الثاني من عام 1990 عقد في موسكو أول مؤتمر آشوري للجمهوريات السوفياتية الإشتراكية المعروفة بـ (USSR) فكان أول نافذة جديدة يطل من خلالها عدد كبير من المثقفيين القوميين وكبار الإكادميين الآشوريين. قد يستغرب القارئ الكريم عندما أقول بأن عدد الأكادميين الآشوريين وحملة لقب البروفسور موجودون في روسيا وجمهوريات الإتحاد السوفياتي السابقة أكثر بكثير من جميع الأكادميين وحملة لقب البروفسور ليس في موطن الآشوريين التاريخي، بيت نهرين، إيران، تركيا وسوريا، بل في جميع أنحاء دول المهجر أيضا. فللكثير منهم بحوث قيمة جداً وعلمية في دراسة تاريخ الآشوريين ومن نواحي مختلفة ولهم كتب ونشرات غنية في البحث الموضوعي معظمها مستمدة من الأرشيف الروسي الخاص بتاريخ الآشوريين الذي يعد أكبر وأعظم أرشيف في العالم فحتى مركز الوثائق البريطانية الذي في معظمه وثائق وتقارير لا يضاهيه في مجال البحوث الموضوعية والدراسة العلمية والأكاديمية لتاريخ الآشوريين. وقد يكفي هنا أن أشير إلى مجلة (ملثا) التي يصدرها النادي القومي الآشوري باللغة الإنكليزية،  والتي كان يحررها مجموعة من العلماء والبروفسوريين الآشوريين وعلى رأسهم البروفيسور الدكتور سركيس أوسيبوف، ففي كل عدد منها نجد بحوث سياسية قومية في غاية الأهمية قلما نجد مثيلا لها وتجلت أهمية بعضها في ترجمة العديد من البحوث التي كتبت بالروسية خاصة التاريخية منها المحفوظة في الأرشيف الروسي.
في شهر مايس من عام 2002 أستلمنا أنا وبعض من زملائي دعوة لحضور المؤتمر الآشوري العالمي الذي نظمه الإتحاد الآشوري في موسكو (خويادا) وبتعضيد ومشاركة هيئة تحرير مجلة (ملثا) الذي أنعقد في موسكو لعدة أيام حضره عدد كبير من الآشوريين المثقفيين من دول المهجر وشاركوا ببحوثهم القيمة فيه وشاهدنا فيه عجب العجب من المستوى الراقي للوعي القومي والعلمي للآشوريين الذي حضروا من روسيا ومن دول كومنولث المستقلة وشاركوا ببحوثهم التاريخية والقومية القيمة، حقاً أقولها وبصراحة كان مستواهم الفكري والعلمي والقومي يفوق كثيراً المستوى الذي نعرفه في موطننا الأصلي وفي بلدان المهجر... ولكن... ولكن أين نحن من كل هذا... أين نحن من فهم الأهمية الجيوسياسية لروسيا وبقية الدول كومنولث المستقلة والأكثر من هذا التساؤل هو أين قياداتتنا السياسية والحزبية من هذا العامل الفكري والجيوسياسي في علمهم السياسي القومي؟؟؟؟     

اليوم... أين "القيادة الآشورية" من هذا الفكر القومي والجيوسياسي؟:
---------------------------------------------------
عاملان مهمان، الذاتي والموضوعي أو الفكري والواقعي، يشكلان عنصران حاسمان في كل ظاهرة ومنها الظاهرة السياسية وتحديداً لكل حركة قومية سياسية بما فيها الأحزاب والمنظمات القومية، وهو الموضوع الذي يخصنا هنا. أسهبنا بعض الشيء في أعلاه عن هذان العاملان: الموضوعي المتمثل في الموقع الجيوسياسي لروسيا وبقية دول كمونولث المستقلة، خاصة جورجيا وأرمينا حيث عدد كبير من الآشوريين هناك، وعن العامل الفكري المتمثل في المستوى الراقي للوعي القومي الصميمي لمعظم المثقفيين والمفكرين الآشوريين في هذه الدول. ولكن مع الأسف الشديد بأن قيادتنا السياسية والقومية تتجاهل مثل هذه العوامل أو لا تدرك أهميتها في العمل السياسي خاصة عندما ننظر إلى الموقع الجغرافي لموطننا الأصلي المحيط بدول وشعوب مختلفة عن شعبنا من جوانب عديدة وكثيرة وضرورة البحث والإعتماد على العاملين المذكورين للخروج من المأزق الجغرافي لوطننا. اليوم تضع قيادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية كل البيض في السلة الأمريكية ودول الغرب كما فعل قادة الأمس عندما وضعوا كل البيض في السلة البريطانية والفرنسية ولم يجنوا منها غير الدمار والتشرد والضياع. ألا يتعلم قادتنا من التاريخ... ألم نقل في السابق من يتعثر بحجر مرتين فهو جاهل. أفهل حقاً قادتنا جهلاء ويجهلون العوامل الفكرية والموضوعية المهمة في مسيرة كل حركة قومية؟

اليوم يهرع معظم قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأحياناً إلى الدول الأوربية وأستراليا ويلتقون بأبناء أمتنا هناك ويعقدون الندوات المباشرة والتلفزيونية ويجتمعون، إذا سنحت الفرصة، مع مسؤول حكومي أو غير حكومي ويبدأ الكلام والحديث عن الوضع المأساوي في الوطن عن دور حزبه أو تنظيمه في مواجهة التحديات هناك ثم يعدون إلى الوطن وليس في جعبتهم غير التصفيق والكلام المنمق والمديح الذي لا يمكن صرفه في المصرف القومي لحساب أمتنا. في هذه الأيام الحديث يدور وبسخونة عن تحرير سهل نينوى و "الأخوة الأعداء" في تسابق نحو الحصول على حصة من الكعكة، فيما إذا ترك الكورد أو الشيعة أو السنة او غيرهم، جزءاً منها لنا. أعود وأكرر أسفي الشديد عن جهل قادة أحزابنا لمسألة مهمة وهي خلق التوازن في العمل السياسي فوضع البيض في سلة واحدة هو أمر خطير يحشر الأمة في زاوية واحدة وضيقة لا خيارات لها ولا إرادة حرة. من هنا يستوجب البحث عن خيارات أخرى لخلق توازن في العملية السياسية مع الغير ولم نجد حالياً طرف مؤثر في خلق التوازن غير روسيا والمثقفين الآشوريين القوميين هناك. فعلى قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية إعادة الوصلة مع أبناء شعبنا هناك وبناء أسس للولوج نحو الجهات الرسمية والتنظيمات غير الحكومية واللقاء بهم كما يفعلون مع شعبنا والمسؤولين في الولايات المتحدة وأوربا وأستراليا. أتذكر في صيف العام الماضي وبينما كنًا مع مجموعة من المثقفين الآشوريين مجتمعين في الجمعية الآشورية الأمريكية في شيكاغو ذكر الناشط القومي والمحلل السياسي نمرود سليمان (أبو طارق) بأنه سيشارك مع وفد المعارضة السورية لزيارة موسكو واللقاء بوزير خارجيتها سيرغي لافروف وطُلب منه أن يقدم جدول بالمطالب الآشورية للوزير فكان رد فعلنا إيجابيا بضرورة تزويده بمثل هذه المطالب والإستفادة من هذه الفرصة التي قد لا تتكرر. وكعادتنا الدائمة خرجنا من اللقاء ولم يحصل أبو طارق غير نتيجة هذه المعادلة (طلب X صفر = صفر).

 في السياسية هناك حقيقة واضحة بأن الفرد الواحد لايمكن أن يكون مؤثرا ويحقق نتائج على المستوى القومي ما لم تكن جهوده عبر منظمة أو حزب سياسي، فاللاعب الأساسي في السياسة هي أحزاب وتنظيمات وكتل وإتحادات وغيرها. ولما كان "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" لا زال، رغم علاته وعثراته، هو الموجود حالياً كتنظيم سياسي قومي لعدد من الأحزاب والتنظيمات، عليه نقترح أن يقوم وفد من هذا التجمع لزيارة أبناء شعبنا في روسيا وجورجيا وأرمينا وتاترستان وغيرهم واللقاء بهم  وبتنظيماتهم وإيجاد السبل للقاء مع المسؤولين الحكوميين وغير الحكوميين وطرح وضعنا المأساوي لهم ومحاولة كسب بعض الدعم المعنوي والمادي منهم ليصب في نهاية المطاف في لعبة توازن القوى المطلوب في التعامل مع الدول المختلفة.

لقد سبق وأن ذكرنا في مناسبات سابقة بأن في السياسة لا صديق دائم ولا عدو دائم بل مصلحة دائمة وهذه لا تقوم لها أسس الدوام والإستمرارية مالم يتوفر لها العوامل الذاتية والموضوعية التي سبق وأن ذكرناها. للولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية مصلحة خاصة في منطقتنا تأسست منذ زمن طويل، منذ مرحلة الإستعمار الكولينيالي والحرب الباردة. وروسيا لها مصلحة خاصة في المنطقة أيضا ولكن تسعى لتعزيزها وتوسيعها، أي بما يعني بأنها لازالت تبحث عن رقعة أوسع لثتبيت قدمها بعد أن ثبتها مع إيران وسوريا وحتى تركيا. وهنا من المهم أن ندرك أيضا الأهمية الإستراتيجية لهذه الدول الثلاث لكونها محيطة بأرضنا ووطننا التاريخي في شمال بيت نهرين. ولكن يجب أن نعرف جميعاً، وأولهم قادة أحزابنا وتنظيماتنا، بأن "الخبر الحار والمكسب" في السياسة ليس ببلاش بل له ثمن. فهل نملك الثمن لكي نشتري مثل هذا الخبز ... أي بعبارة أوضح هل لنا ثمن نعطيه للمقابل حتى يتحالف معنا على المصلحة المشتركة ونحقق مطمحنا القومي بالعمل معه وليس له. فالتحالف السياسي قائم على الأخذ والعطاء أفهل لنا شيئاً نعطيه حتى نأخذ بمقابله ما يفيد أمتنا؟؟؟ طبعاً الجواب بكل صراحته هو كلا ... لا نملك أي شيء حتى نكون قوة مؤثرة تجلب أنظار الغير نحونا بجدية وفاعلية. لا أنا شخصياً ولا أنت عزيزي القارئ ولا أحد في العالم يرغب أن يعقد صفقة مع شخص مفلس وغير متسق ومنتظم في حياته وعمله. هكذا هو الحال مع الدول والأحزاب والتنظيمات أيضاً فلا أحد منهم ينظر بجدية وفاعلية على مطاليبنا القومية ولا يسمعون صراخ أبناءنا في الوطن مالم تكون قوية ومدوية.. فأين نجد هذه العوامل التي تجعل من أمتنا شيئا أو بضعة غرامات من الوزن في ميزان القوى السياسية ونحن أمة فقيرة لا سند لنا ولا قوة ؟؟؟ دعونا نعيد مرة أخرى صرخة المثلث الرحمات مار روفائيل بيداويد البطريرك الكلداني الأسبق عندما قال:(لا خلاص لنا إلا بالوحدة... فبالوحدة نحترم أنفسنا ويحترمنا غيرنا). إذن إذا توحدنا سوف نحترم أنفسنا ويحترمنا غيرنا وهذا هو بيت القصيدة نحو الغير لكي ينظر إلى وضع أمتنا وطموحاتها بنوع من الأحترام والجدية والتعامل السوي وإلا فالمأساة والفواجع والتهجير ستظل تلاحقنا لسنوات وسنوات.

140
الذكرى الـ (83) لمذبحة ا|لآشوريين في سميل آب 1933:
يوم الشهيد الآشوري بين الوعي المتقدم والوعي المتأخر
أبرم شبيرا
توطئة:
---
كُتبَ الكثير عن مذبحة ســميل لعام 1933 ونتائجها المؤلمة على مختلف جوانب الآشوريين من ديموغرافية وجغرافية وقانونية وسياسية كذبح ما يقارب ثلاثة آلاف آشوري بـرىء وتدمير وحرق ونهب العديد من القرى والقصبات وتشريد سكانها ونزوح قسم منهم الى سورية هربا من "الجهاد المقدس" المعلن ضدهم طلبا للأمن والاستقرار وما صاحب ذلك قرار الحكومة بنفي البطريرك مار شمعون إيشاي وعائلته وبعض من قادة الحركة القومية وتجريدهم من الجنسية العراقية ومن ثم النتائج القانونية والسياسية التي ترتبت على الآشوريين كتعقيد مسألة الحصول على شهادة الجنسية العراقية أو تحريمهم منها والتشكيك في وطنيتهم وإعتبارهم عراقيين من الدرجة الثانية أو أدنى وتصعيد النخبات الحاكمة التي تعاقبت على السلطة في العراق سياساتها الاستبدادية تجاههم ومن ثم ترسب كل ذلك كمخلفات فكرية في أفكار ومفاهيـم العديد من الكتاب والمؤرخين العراقيين الذين تناولوا تاريخ الآشوريين المعاصر في كتبهم أو مذكراتهم أو في أوراقهم الشخصية أو في ممارساتهم السياسية والسلطوية ولم يسلم من هذه الترسبات حتى بعض من أبناء أمتنا فأعتمدوا عليها في وصف الآشوريين بأوصاف معيبة وشنيعة غير مقبولة منطقياً خاصة  تجاه القادة وزعماء هذه الحركة التي وصفها البعض بـ "حركة 1933 المشؤومة". ولكن مع كل هذه النتائج السلبية التي ترتبت على مستوى الفكر والوعي القومي وعلى مسار الحركة القومية الآشورية وعلى مستوى الكنسي أيضاً فهناك تقصير في البحث الأعمق والأشمل في تحليل هذه الحدث الحاسم في تاريخ الحركة القومية الآشورية وتحديدا فيما يخص تبني السابع من شهر آب يوماً للشهيد الآشوري. التساؤل هنا هو: كيف أدرك ووعى الآشوريون أو بعض من مفكريها بأن هذا الحدث سيحتفل به الآشوريين كيوم للشهيد ضمن وعي متقدم وكيف أن الإتحاد الآشوري العالمي التي تبنى هذا التاريخ كيوم للشهيد الآشوري في عام 1970 كوعي متأخر عن الحدث. من هنا نحاول أن لا تمر هذه المناسبة المهمة في تاريخ الآشوريين المعاصر من دون إضافة شيء جديد عنها... شيء من المؤكد لن يكون وافياً طالما هو جديد ونتطرق إليه من زاوية مختلفة ومفهوم جديد من خلال الوعي بهذا الحدث الحاسم في مسيرة الحركة القومية الآشورية.

الوعي المتقدم والوعي المتأخر:
---------------------
 بدءأً بالنوع المتأخر، فنقصد به إدراك ووعي الحدث ونتائجه المترتبة عليه بعد سنوات طويلة وقد يكون هناك جملة عوامل تحجب وعي هذا الحدث ونتائجه. ولكن بعد تغير أو زوال هذه العوامل يبدأ الوعي بالحدث ونتائجه فهذا ما نسميه بالوعي المتأخر. ومثال على ذلك: دولياً: اطلقت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية شيطان التطرف والإرهاب، القاعدة ثم داعش، لتنهش بالدول العربية والإسلامية ولم تكن تدري بأن السحر سينقلب على الساحر وأن ليهب أرهاب هذه المنظمات الإرهابية سيصل عتبة دارهم لأن مصالحهم الخاصة كانت الحاجب الكثيف الذي يغطي وعهم الصميمي بشرور هذه التنظيمات الإرهابية. فبعد عقود من الزمن أدركوا ووعوا هذه الشرور، ولكن كما يقول المثل العراقي "بعد خراب البصرة". وأقليماً: قد تكون زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات للقدس في عام 1977 مثال عند العرب للوعي المتأخر. ففي حينها بسبب عنجهية الفكر القومي العربي الكلاسيكي وتخلفه نعت السادات بأبشع النعوت ووصف بصفات الخيانة للأمة العربية ولقضية فلسطين غير مدركين بأن كل الحروب التي دخلها العرب مع إسرائيل كانت خاسرة وكارثة للفلسطينين والعرب وأنه من الممكن إسترجاع الأراضي المحتلة أو بعضها من إسرائيل عن طريق الدبلوماسية والتفاوض وهذا ما تحقق عندما أسترجعت سناء من إسرائيل إلى مصر. واليوم وبعد عقود طويلة تعقل الفكر القومي العربي وأرتكن إلى الواقعية فوعوا، ولكن متأخراً، بأن ما أنجزه السادات من مفاوضاته مع إسرائيل  وإسترجاع سيناء يعتبر بمثابة إنجازاً تاريخياً عظيماً بحيث وصفه البعض بأن بطل مصري من التاريخ المعاصر. واليوم يعجر غيره من قادة العرب من إسترجاع شبراً واحداً من الأراضي التي أحتلتها إسرائيل. والأنكى من هذا، ففي عام 1947 عندما قررت الجمعية العمومية للأمم المتحدة تقسيم أراضي فلسطين بين العرب واليهود كانت حصة العرب منها 11 ألف كم2 ولم يكن العرب يدركون بسبب تطرفهم القومي والديني بأن إسرائيل ستكون أقوى دولة متنفذة وقوية ومسنودة من الدول العظمى فخسروا حصتهم في حروب عام 1953 و عام 1967 واليوم يطالبون بـ 17% من هذه الأراضي ولم يحققوا مطلبهم لا بالصواريخ ولا بالتفاوض.

قوميا: قد يكون الوعي المتأخر للكلدان نموذجاً في هذا السياق. فالكلدان، كتسمية وحضارة وإنتماء كان ولا يزال مصدراً لتحديد هوية الغالبية من أبناء شعبنا ولكن بسبب ظروف وعوامل معينة، كالموقف السلبي للكاثوليكية من الفكر القومي والخشية من إستبداد الأنظمة السياسية عليهم، لم يرتقي واقعهم الموضوعي وينعكس في وعي قومي حتى في أكثر الأزمان ظهوراً وتأثيرا للفكر القومي المنبعث من البلدان الأوربية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية قرن العشرين فلم تنشأ فيهم حركة قومية خاصة بالكلدان، وهو موضوع سبق وأن تطرقنا إليه في مناسبة سابقة. واليوم، ونتيجة لزوال بعض العوائق أمام الوعي الكلداني ظهراً متأخراً بعد عام 2003 وأنعكس في تنظيمات وأحزاب سياسية خاصة بالكلدان. أما على الجانب الآشوري، فأن التاريخ يؤكد بأنه كان لهم وعي قومي متقدم ظهر وتأثر بالفكر القومي وحركات التحرر القومي المنبعث من البلدان الغربية في القرنين الماضيين وأنعكس في تنظيمات قومية وأحزاب سياسية أستمرت وتواصلت وبأشكال مختلفة حتى يومنا هذا. ولكن فيما يتعلق باليوم الشهيد الآشوري، موضوع بحثنا، لم ينعكس هذا الوعي إلا بشكل متأخر وبعد سبعة وثلاثون عاما من الحدث عندما قرر الإتحاد الآشوري العالمي في عام 1970 أعتبار السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري وبدأ منذ تلك الفترة الإحتفال به.

الوعي المتقدم ليوم الشهيد الآشوري:
---------------------
أسلفنا وأسهبنا بعض الشيء وحاولنا بقدر الإمكان فهم الوعي المتأخر عبر عرض بعض التجارب التاريخية ولكن عند مقارنة ذلك بالوعي المتقدم سنرى بأنها مقارنة صعبة لأنه من السهولة الوعي بحدث وبنتائجه بعد مرور زمن طويل عليه ولكن الوعي المسبق بالحدث ونتائجه ليس بالأمر السهل حيث يبدو بأنه يدخل في سياق التخمينات والتأويلات وهي ظواهر أو سياقات تبتعد كثيراً عن الواقعية والموضوعية ويصعب إثباتها مالم يكون هناك أبحاث علمية مستقبلية ولجان مختصة في تحليل الحدث والوصول إلى إستنتاجات تكون أقرب إلى المنطق والواقع ويكون الزمان أو التقادم الزمني كفيلاً بإثبات صحتها. ليس هذا فحسب بل القيام بمثل هذه المهمة البحثية والتقصي لحقائق الحدث يتطلب وعياً عميقاً للحدث وإدراكاً مسبهاً وإيماناً حماسياً به حتى يتم تحليله والوصول إلى إستنتاجات منطقية وواقعية. ومثل هذه العوامل والصفات من النادر أن نجدها في المجتمعات مالم يتوفر لها الإمكانيات الفكرية والعلمية في تقصي الحقائق وتحليلها والوصول إلى إستنتاجات مستقبلية حولها وهي حالات نادرة في المجتمعات الشرق أوسطية التي هي مجتمعات رد فعل وليست فعل وهو حال مجتمعنا أيضا. فنحن أمة رد فعل وليس فعل، أي نتفاجئ بالحدث ويقع علينا كالصاعقة والسبب في ذلك لأنه لم نكن نملك وعياً مسبقاً به. فالوعي هو حصانة ضد المفاجئات وهو موضوع سبق وأن تطرقنا إليه في مناسبات سابقة ولا نريد الإطالة أكراماً لأصدقاءنا الأعزاء.

من هنا نتساءل: أين نجد هذا الوعي المسبق في مجتمعنا لبعض الحوادث المهمة كحركة عام 1933 ومن ثم بناء إستنتاج عليه ليصبح هذا اليوم، الثامن من آب لعام 1933، يوماً للشهيد الآشوري؟ أين نجد هذا المفكر العبقري والقومي النبيل في أمتنا حتى يستنتج بأن الأجيال القادمة سترد ذكر الإستشهاد الآشوري في هذه الحركة وبعد سنوات طويلة. نعم هناك حالة إستثنائية فريدة جداً تتمثل في المفكر العبقري والصحافي الثائر فريد إلياس نزها. فهو الوحيد والإستثنائي والنادر جداً الذي أستنتج من خلال معاركه الفكرية الحامية ضد الطائفية والشللية بانه ستكون هذه المناسبة يوماً للشهيد الآشوري وقبل أن يقره الإتحاد الآشوري العالمي عام 1970 ويستمر الآشوريون الإحتفال به حتى يومنا هذا، فالواجب القومي الملزم لنا يفرض أن نظهر ونبرز مثل هذه الرموز في أمتنا وأن نعيد ونكرر ذكراه وأعماله ومواقفه الشجاعة مرات ومرات حتى تكون واضحة ومعلومة للأجيال الحالية والقادمة. فمن هو هذا العبقري والمفكر الكبير الذي تمكن من هذا الإستنتاج؟؟ 
 
المفكر فريد نزها وإستنتاجه بيوم الشهيد:
-----------------------
ولد فريد إلياس نزها عام 1894 في مدينة حماه في سورية ومن عائلة سريانية أرثوذكسية نزحت من هربوط في أعالي بلاد بيت نهرين واستقرت في سورية ومنها هاجر الى الأرجنتين ومن هناك، ومنذ الثلاثنيات وحتى الخمسينيات، كان يصدر مجلته المعروفة بـ"الجامعة السريانية"، التي عبرت عن مواقفه القومية الجريئة والشجاعة حيال مسألة وحدة طوائف كنيسة المشرق، وهذا بحد ذاته موضوع يستوجب مناقشته بشكل مفصل وفي فرصة اخرى. على أن الذي يهمنا هنا هو قدرة هذا المفكر الكبير في اكتشاف الحقائق التاريخية وتحديد الابعاد المستقبلية لابناء أمته خاصة فيما يتعلق  بسيادة وهيمنة الخوف في مجتمعنا من السياسة والمسائل القومية وبالتالي الخضوع للاستبداد الذي ساد في قطاعات واسعة من أبناء أمتنا أثناء وبعد مذبحة سميل التي تشكل منعطفاً كبيراً وحاسماً في مسيرة الحركة القومية الوحدوية لأبناء أمتنا والتي جعلت الكثير من الآشوريين وحتى بعض القوميين منهم وزعماء العشائر ورجال الكنيسة أن يصطفوا مع الأنظمة الإستبدادية ومع الدكتاتوريين والإستبداديين ضد مناضلي أمتنا. أن أهم ما توصل إليه المفكر فريد نزها من خلال قراءته لحدث 1933 وإستشهاد الألاف من أبناء أمتنا من جهة وهيمنة الخوف من المسائل القومية عند البعض من جهة أخرى جعل أن يتصول إلى إستنتاج بأن في المستقبل سيردد أبنا الأمة ذكرى الإستشهاد في سميل. فعلى الرغم من أن فريد نزها لم يكن صارماً وحاداً في رسم الاسم القومي الشامل للآشوريين في تلك الفترة، ولاعتبارات كان يقدرها حق تقدير، لذلك كان يخاطب أبناء أمته في مقالاته الافتتاحية اللهابة  بالقول ( الأمة السريانية الارامية الآشورية الكلدانية) وذلك بهدف التضمين الحضاري المشترك والمتواصل لهذه التسميات المرادفة لشعب واحد وأمة واحدة.

وللإقتراب أكثر فأكثر من موضوعنا هذا، نذكر بأنه كان فريد نزها يصدر مجلته باللغة العربية ثم أضاف اليها اللغتين الاسبانية والسريانية الغربية وكان يكتب أسم المجلة بالاسبانية كما يلي  ( ASOCIACION  ASIRIA)  وفي العدد  الثاني، شباط 1939 للسنة الخامسة وفي الصفحات 10 – 12 كتب فريد نزها بخصوص تأثير الخوف والخضوع للاستبداد من جراء مذبحة سميل والنتائج المرعبة التي أفرزتها على بعض أبناء أمتنا وقال:
"أحد الأفاضل من أدبائنا الأغيار في الوطن – وكان من موصل - كتب مرة الى مدير الجامعة السريانية ( وهو فريد نزها نفسه ) بقوله: أمح أو أصلح أو غير أسم المجلة ( الاسباني ) فان هذا التعبير  ASIRIA لا يروق لحكومة البلاد عندنا (أي بعد ستة سنوات من مذبحة سميل) وهو يفيد المعنى " الآشوري " وهذا لا يليق أيضا بك وأنت من عائلة سريانية معروفة بغيرتها وتمسكها بالعقيدة السريانية الخ.. فأبتسم المدير ( أي فريد نزها ) من هذا التضمين لدى قراءته تلك العبارة ولم ير غير العياذ بالله العظيم واللواذ بحوله من هذا البلاء المقيم. أنني أسأل جناب الأديب : اذا لم ترُق التسمية الآشورية لجناب الحاكم هل تجيز لك آدابك وشرف قوميتك وقواعد دينك أن تبدلها بغيرها إرضاءً لخاطر الأمير وإكراماً لسواد عينيه ؟؟ وماذا تصنع غداً متى خطر لحاكمك المطلق أن يقول لك أنزع هذا الصليب عن باب كنيستك ومحظور عليكم أنتم معشر النصارى قرع الأجراس ؟؟ . أو ماذا تقول اذا قالوا لكم غداً ان تعليم السريانية ينافي نظام دائرة المعارف الوطنية؟؟ أنك تستبعد حصول هذه الفواجع ولكن الليونة والخنوع اللذين ابديتموهما تجاه الحاكم المستبد سوف يحملانه على التمادي في ظلمه واستبداده. وقد يقول لك غداً : إن الخلاص ليس في اللغة بل في العقيدة،  فإذا كنتم انتم السريان مخلصين للحكومة والوطن وجب عليكم إتمام الخلوص وإخلاص الطاعة فاستبدال السريانية بالعربية لا مندوحة منها، فماذا تجيبون حكومتكم إذ ذاك يا حضرة الأستاذ ؟؟ . وبالحقيقة إذا لم يكن للسريانية غير المعنى الديني فأي حاجة لنا بها ؟ كان يجب عليك وأنت من كبار أساتذتها والخبيرين بتاريخها وباذخ  شرفها، أن تقول أن السريانية، قومية جنسية وطنية، لا دين ولا مذهب، وقد يكون المذهب الواحد بين عدة أمم كما هو شأننا( نحن السريان اليعاقبة) مع القبط والحبش. أما الجنسية ( ويقصد القومية ) فلا شركة فيها. فإذا انتزعنا العصبية الجنسية (ويقصد العامل القومي) من أبنائنا ماذا يبقى ؟؟ أنت تجيب : الدين، وأنا أقول لك انهم  يجدون الدين في مصر والحبشة وها هم يطلبونهُ بعيداً عنهما بفضل تعاليمك. ولو اننا علمناهم إن السريانية علم طبيعي لنا وهو أسم أمتنا القديمة  العظيمة وبسطنا لديهم آثار عظمتها لرأيتهم يحرصون على هذه التسمية ويفاخرون الأمم بالانتساب إليها على شرط أخطر المواقف وأحرج الظروف … ما أحلاك لما رحت تقول لي بكل بلادة وجهل ، أن التسمية الآشورية تفيد المعنى المذهبي "النسطوري"، وهو قولُ تبرأُ منه الحقيقة ويستنكره الجميع من الخاصة والعامة وأنك لعاجز عن إنكار هذه الحقيقة من ان السريان هم الآشوريون سلالة الكلدان القدماء ولا أرضى منك أبداً الانسحاب بدون ان تفحمني بالبراهين الساطعة عن فساد هذا الرأي، بل كل من له اطلاع في اللغة والتاريخ يعرف ان كلمة سريان أصلها أسريان وهو لفظ يوناني منحوت من الاصل الآشوري "أشوريان" . هذا عدا عن أن العالم كله يعلم أن الاسم الآشوري لا يفيد المعنى الديني وإذا راجعت صحف التاريخ الكنسي، لما رأيت إخواننا النساطرة يتميزون بهذا التعريف وإنما بقولهم نساطرة ولو انهم عرفوا تمييزا بالاسم الآشوري لكانوا في حال يحسدون عليها. وأقول بكل أسف إن التسمية المذهبية عندهم هي النسطورية فقط. أما إذا كانت هذه الصفة ( أي الآشوري ) تشير الى الغير راضين بالاندماج في العربية والخضوع للحكومات الغاشمة وقد نالهم بسبب ذلك القتل والاضطهاد والسلب وكل أنواع المظالم والفظائع ( ويقصد بها مذبحة سميل وما رافقها) ، فذلك شرف عظيم انفردوا به . وستردد الأجيال القادمة ذكر ذلك الاستشهاد وآثار تلك الفواجع التي أنزلها بهم أعداء الله والإنسانية ما بقي آدمي على وجه هذه البسيطة.

وإذا ألمحنا في جملة (فذلك شرف عظيم أنفردوا به) نرى بأنه في هذه الأيام يتجسد هذا الشرف العظيم في ممارسات ونشاطات تنظيماتنا القومية وأحزابنا السياسية الآشورية. أدرجت النص الأخير من مقالة المفكر فريد نزها باللون الأحمر لزيادة الإنتباه إلى الاستنتاج العظيم الذي أستنتجه في ذكره بأن الأجيال القادمة ستردد ذكر ذلك الإستشهاد في سميل وفعلاً وبعد أكثر من ثلاثة عقود، أي في عام 1970 عند إقرار الإتحاد الآشوري العالمي السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري فإن أبناء أمتنا تردد ذكر هذه المناسبة في الشهادة والتضحية.. أليس فريد نزها عظيماً يستحق كل التقدير والتثمين لفكره القومي الإستراتيجي الذي بسببه حرم كنيسياً من قبل الكنيسة السريانية الآرثوذكسية وفي عهد البطريرك مار أبرم برصوم أتورايا الذي كان يعتز هو والعشرات من رجال كنيسته بكنيتهم الآثورية غير أن بعد مذبحة سميل وبسبب الخوف من السلطات الإستبدادية أختفت هذه الكنية من أسمائهم وتحول البطريرك من قومي آشوري إلى "قس العروبة"... كم من أبناء أمتنا خاصة القوميين والسياسيين منهم يعرفون فريد نزها وقرأوا أدبياته القومية؟؟؟ فألف تحية وإجلال لروحه الطاهرة ولروح شهداء امتنا.

141
بارزاني يحض المسحيين على إقامة محافظة نينوى ... ولكن بشرط أن يتفقوا مسبقاً ... تعليق
=====================================================
أبرم شبيرا

الكل في عالمنا الحاضر، صغير أم كبير، رئيس أم مرؤوس، أمرأة أو رجل، إكليري أم علماني... الكل ... وجميعاً دون إستثناء يؤكد بأن بدون إتفاق بين أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية ومؤسساتنا الكنيسة لا يمكن أن يجني شعبنا المسيحي في العراق ذرة من المنافع ولا يمكن أن يتحقق شذرة من طموحاتنا القومية وحتى الوطنية لا بل ولا يخفف من ألآم ومعانات ومأساة شعبنا ويصحح أوضاع التهجير والتشريد ويضمن عودتهم إلى بيوتهم في أراضيهم التاريخية، خاصة في سهل نينوى. لا بل والأكثر من هذا فإن بدون مثل هذا الإتفاق سيزيد نزيف الهجرة والتهجير ويعظم من إحباطات وفقدان أمل أبناء شعبنا في أن يلمحوا بصيص من النور في نهاية النفق المظلم. قبل بعضة أيام وخلال لقاءه بقادة الأحزاب السياسية المسيحية حث السيد مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان العراق بشكل مشدد، وهو أعلى شخصية سياسية في المنطقة، على الضرورة الحتمية لإتفاق المسيحيين قبل تحرير الموصل، حيث كان السيد برزاني قد شدد على ضرورة الإتفاق المسبق بينهم قبل غوض معركة تحرير المموصل ومن ثم يتم النظر في مطلبهم بتحويل سهل نينوى إلى محافظة.
 


شكراً للرئيس مسعود برزاني على جمع "الأخوة الأعداء" على طاولة واحدة وتحت سقف واحد.
------------------------------------------------
بادرة ممتازة من الرئيس برزاني في أن يجمع أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية، أن يجمع "الأخوة الأعداء" تحت سقف واحد ويبحوا في مستقبل سهل نينوى بعد تحرير الموصل وتشكيل محافظة في سهل نينوى ومن ثم تقرير مصيره بضمنها أو ربطها بالحكومة المركزية في بغداد أم بأقليم كردستان العراق. ولكن من الملاحظ بأن كل هذه الوعود "الجميلة" التي يتمناها شعبنا في العراق هي مشروطة وبشكل واضح بإتفاق وتفاهم أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية فيما بينهم لكي يشاركوا وبفعالية في تحرير الموصل وسهلها. ولكن مع الأسف الشديد نقول بأن مثل هذه الوعود والتمنيات التي "أكرمها" الرئيس برزاني على "ممثلي" شعبنا تفتقر إلى نوع من المصداقية وتخلق شكل من أشكال الشكوكية حولها طالما هناك موضوع آخر ومهم وخطير يتعلق بأرض أباء وأجداد أبناء أمتنا في الوطن وهو موضوع تجاوز الكورد على أراض شعبنا في العديد من مناطق أقليم كردستان وإحتلالها. أن النظر في مسألة التجاوز على هذه الأراضي، ومنطقة سهل نهلى مثال "طازج"، وتقرير مصيرها خاصة وهي أراضي غير محتلة بل مستقلة وخاضعة لحكومة إقليم كردستان هي أكثر منطقية وواقعية من البحث في أراض محتلة ولا يمكن تقرير مصيرها في الوقت الحالي ولا في المستقبل القريب. فالبحث في ما هو ممكن خير ألف مرة من البحث في غير الممكن. على أن الإشارة إلى موضوع الأراضي المتجاوز عليها في إقليم كردستان لا يعني إطلاقاً أهمال أهمية النظر في موضوع تحرير أراضي شعبنا في سهل نينوى والعودة إليها ولكن لنعرف بأن الإستراتيجية السياسية وتكتيكها تتطلب أن ينظر إلى الأمور او الأهداف بواقعية وضمن جدول أوليات تراتبية تتناسق أهميتها وفائدتها أو مساندتها بعضها للبعض فيكون الهدف الأول والأساسي ساندا وضامنا لتحقيق الهدف التالي وهكذا مع بقية الأهداف. من هنا يأتي التساؤل، أفهل تحرير الموصل وسهلها له الأولية على إيقاف تجاوز الكورد على أراض شعبنا في إقليم كردستان أم العكس هو الصحيح. بطبيعة الحال أن دحر داعش الإجرامي من أية منطقة كانت، ومنها مناطقنا، له الأولية القصوى في هذه الظروف العصيبة لأن تحرير سهل نينوى وعودة أبناء شعبنا إلى مساكنهم قد يكون مدخلاً للبحث في "تحرير" الأراضي المتجاوز عليها في إقليم كردستان. فإذا كان هذا الأمر نظرياً صحيحاً ومنطقياً حتى الآن، ولكن حتى نضيف إلى هذا الأمر مصداقية كان من الأجدر أن يبحث أيضا مسألة التجاوز على الأراض في الأقليم أو على الأقل أن يكون الكورد أكثر جدية في هذه المسألة وتخلق نوع من الطمأنينة والسلم الأمني في نفوس أبناء شعبنا لكون سبيلاً مقنعاً لبقاء شعبنا وصموده في أرض الوطن والتخفيف من حدة الهجرة إلى الخارج.

وحتى نكون بعيداً عن الخيال والتمنيات الوردية ونستقر على الواقع الفعلي، نذكر الحقائق التالية:
أولاً: أن مسألة تجاوز الكورد على أراض شعبنا في الأقليم هي نتاج إختلال التوازنات الديموغرافية والسياسية والعسكرية فالكورد يستمدون قوتهم في ترجيح كفة الميزان من حجمهم السكاني ومن النزعة العشائرية التي في بعض الأحيان حتى حكومة الأقليم لا تستطيع الحد منها. إضافة إلى وجود متنفذين كبار في السلطة والأحزاب المهيمنة يشكلون ثقلاً كبيراً في عملية التجاوز وبالتالي تتغاضى حكومة الإقليم عنهم لأنها تخشى فقدان ولائهم وولاء عشيرتهم.
ثانياً: إذا كان من الناحية الواقعية معالجة مسألة التجاوز في الوقت الحاضر صعباً  بسبب عقدتها المستديمة فأنه على الأقل يمكن النظر إليها بنظرة مستقبلية ومعالجتها من الناحية القانونية كأساس لمعالجتها في المستقبل. ويعتبر قرار مجلس قيادة الثورة الخاص بـ "إعادة تخطيط الحدود داخل الوحدات الإدارية والمحافظات" الصادر بتاريخ 31/9/1972 الذي أقر بموجبه "إعادة تخطيط الحدود داخل الوحدات الإدارية أو في ما بين الوحدات المتجاورة في الأماكن التي تقطنها الأقليات القومية، بما يضمن تجمع أبناء كل أقلية قومية في وحدة أو وحدات إدارية تخصص لهم داخل الوحدة الإدارية أو من بين الوحدات الإدارية المتجاورة"، يعتبر هذا القرار نموذجاً تشريعياً مثالياً لمعالجة مسألة تجاوز الكورد على أراض شعبنا في الأقليم وإقامة نوع من الإدارة الذاتية لشعبنا. فلو أعطت القيادة الكوردية لهذه المسألة أهمية بقدر أهمية تحرير سهل نينوى فمن المؤكد ستزداد مصداقيتها تجاه شعبنا في الأمن والإستقرار والتعايش السلمي في المنطقة. صحيح أن هذا القرار صدر في عهد نظام البعث العراقي ونواياه الإستبدادية كانت معروفة غير أنه من الملاحظ هناك العديد من القرارات والقوانين التي أصدرها هذا النظام ويعتمد عليها سواء الكورد أم غيرهم في تحقيق مصالحهم الخاصة، فلماذا لا يستفاد شعبنا من هذا القرار في تحقيق بعض من أهدافه كما يفعل غيره؟.
ثالياً: الكورد أكبر قومية في العالم لا دولة لها، لهذا فمن المنطق والحق أن يكون لهم كيان سياسي مستقل. وقيادة الكورد تعرف جيداً أكثر من غيرهم بأن الظروف السياسية المحيطة بـ "كردستان" العراق" غير مناسبة في الوقت الحاضر لإعلان قيام دولتهم المستقلة. والكورد، من الناحية الموضوعية، كأي قومية بما فيها نحن "الكدان السريان الآشوريين" لها الحق وكل الحق أن تضمن سلامة وأمن وإستقرار مناطقها. فمن الناحية الجيوسياسية يعاني الكورد من العقد الثلاثة المتمثلة في إيران وتركيا وسوريا، أي من الشرق والشمال والغرب، التي تشكل رقماً صعباً في قيام الكيان الكوردي المستقل. إذن فلم يبقى للكورد من الناحية الجيوسياسية الإ الجنوب المتمثل في سهل نينوى الذي يشكل الحديقة الخلفية للدولة الكوردية المزمع بنائها، الحديقة الغنية ليس بثمارها وخصوبة تربتها ومواردها الطبيعية فحسب بل بشعبها الحضاري والمتمدن الذي سيشكل مستقبلاً أساساً متيناً لبناء دولة كردية علمانية حضارية ومتمدنة. من هذا المنطلق يسعى الكورد وبكل جهدهم وإمكانياتهم لضم مناطق سهل نينوى إلى إقليم كردستان ومثل هذا الضم لا يتم إلا بأستفتاء عام لسكانها وعلى الكورد ان يعلموا بأن ضمان هذا الإنضمام للإقليم لا يمكن أن يتحقق إلا بتوفير مصداقية لنواياهم تجاه حل مسألة الأقليات في الأقليم خاصة فيما يتعلق بموضوع التجاوز على الأراض ومعالجتها كموضوع سياسي شامل مع موضوع تحرير سهل نينوى وإقامة المحافظة فيه.

إذا كان كل هذا الحق يحق للكورد وفق منظور مصلحتها القومية، إذن يجب على القوى السياسية لشعبنا أن ينظروا أيضا لحقهم ضمن المصلحة القومية لأمتنا ويسعوا لتحقيقها من خلال تلاقي مصالح شعبنا مع مصالح الشعب الكوردي في الإقليم. صحيح أن التوازن مختل جداً من الناحية السياسية والديموغرافية والعسكرية والإقتصادية لصالح الكورد غير أنه يجب أن يفهم الكورد بأن الثقل التاريخي والحضاري والفكري لشعبنا يشكل أيضاً ثقلاً في هذا التوازن. إذن على أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية أن تدرك كيفية الدخول في ميزان القوى والعمل وفق مفهوم (العمل مع) وليس (العمل لـ) وبالإنكليزية معروف بـ (Work With) وليس (Work For). في الماضي القريب دخلت الحركة الديموقارطية (زوعا) في العمل السياسي المشترك (مع) الكورد ضمن الجبهة الكردستانية لتعمل مع الكورد فأستطاعت تحقيق بعض الإنجازات المهمة لشعبنا. في حين عمل غيرها من الأحزاب (لـ )لكورد ولم تسطيع تحقيق أي شيء. واليوم يجب أن يدركوا أحزابنا السياسية هذه البديهية في العمل السياسي مع الغير وأن حالة التشرذم وعدم الإتفاق بينهم لا يمكن أن يدخلوا في العملية السياسية ويعملوا مع الكورد لتحقيق المصلحة العامة لشعبنا. 

 عندما قال السياسي العتيد ونستون تشرشل، السياسة هي مصلحة، فلا مانع من أن أتحالف مع الشيطان من أجل تحقيق مصلحة بلادي (بريطانيا)، فلا صديق دائم  ولا عدو دائم في السياسة بل هناك  مصحلة دائمة. كلام يعكس كبد الحقيقة في فهم السياسة. على هذا الأساس تحالف مع عدوه الشيوعي، دولة الإتحاد السوفياتي من أجل تحقيق المصلحة المشتركة في دحر ألمانيا النازية. هكذا يجب... أكرر... يجب... أن نفهم السياسة. فبدون المصلحة العامة لا يمكن للسياسة أن تقوم قيامة وأن تخطو خطوة واحدة نحو تحقيق الأهداف. فعندما تتغنى أحزابنا السياسية ليل نهار بالمصلحة العامة لأمتنا ويدرجونها في مقدمة أهدافهم ولكن بالمقابل يجانبون، بجهل أو بقصد، هذه المصلحة في ممارساتهم ونشاطاتهم فهذا لا يعني إلا كذب ونفاق وخزعبلات وبهلوانات من أجل الوصول إلى المصحلة الأدنى المتمثلة في الحزب أو قادته. ومثل هذه الصفات نطلقها ليس إعتباطاً بل من الواقع الحالي الذي يكشف لنا وبكل وضوح عدم قدرة أحزابنا السياسية على تحقيق خطوة واحدة من المصحلة القومية خاصة في هذه الظروف العصيبة أو الإتفاق بينهم على الحد الأدنى من المصلحة، وطبعاً اخطرها هو عدم الإتفاق على الخطوط العريضة للقوات المسلحة المشكلة من قبلهم، موضوع سبق وأن تطرقنا إليه سابقا.

إن المصلحة القومية العامة وأهداف الأمة لايمكن أن يحققها، كما سبق وأن ذكرنا ذلك في مناسبة سابقة، حزب واحد مهما كان قوياً وجماهيرياً بل يتطلب ذلك عدد معين من الأحزاب يتناسب مع حجم الأمة وإمكانياتها وظروفها الخاصة. لا بل وأكثر من هذا فأنه يتطلب التوافق والتنسيق والعمل المشترك بينهم طالما الجميع ينادي بالمصلحة العامة ويدعي العمل على تحقيقها. فبدون فهم المصلحة العامة وعدم القدرة على التوافق والتنسيق والعمل المشترك سيؤدي ذلك إلى تدني مفهوم المصلحة العامة وإلى تلاشيها خلف المصلحة الحزبية الضيقة أو حتى إلى إلمصلحة الشخصية المقيتة. نحن أمة صغيرة وبسيطة في تكويناتها الإجتماعية والإقتصادية ولا تحكمها تناقضات فكرية أيديولوجية ولا طبقية تعيق من تقارب وتفاهم أحزابنا السياسية فجميعها تتقارب أن لم نقل تتشابه في أفكارها ومناهجها السياسية وتطلعاتها القومية  فلو أزيحت المصالح الحزبية والفردية جانباً لظهرت المصلحة القومية على السطح وأصبح أمرها أو جزء منها ممكن التحقيق، فهذا هو السبيل الوحيد للدخول في العملية السياسية مع الكورد.

في الماضي ملئوا "قادة" أمتنا حقائبهم بالمطاليب القومية وطاروا من كل حدب وصوب، من العراق وتركيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية نحو مؤتمر فرساي عشية إنتهاء الحرب الكونية الأولى وكل حسب جماعته أو طائفته أو مصلحته فلم يحالوا أن يطرقوا أبواب المؤتمر طرقة موحدة قوية ومدوية بل كانت لهم طرقات منفردة خافتة وغير مسموعة من قبل المؤتمرين وبالتالي لم تفتح الأبواب لهم فرجعوا من حيث أتوا وبمزيد من المعانات والتشرد والضياع والخضوع للسطات الإستبدادية في أوطانهم الأصلية. ومأساة عام 1933 لا تختلف عن مأساة الحرب الكونية الأولى إلا من حيث الشكل والزمن. فبسبب عدم الإتفاق بين أطراف الحركة القومية الآشورية وإفتقارهم إلى القدرة الفكرية والعقلية السياسية المنفتحة على المصلحة القومية الشاملة وتغلب المصلحة العشائرية والطائفية والفردية على الأمور واللجوء إلى وسائل خسيسة في الخيانة والغدر كلها أفرزت نتائج مأساوية تمثلت في مذبحة سميل في آب من نفس العام. لقد قيل وبالحق بأن من يتعثر بنفس الحجر مرتين فهو جاهل. أفهل يدرك أحزابنا السياسية هذه الحقيقة وأن يتعلموا من الماضي؟؟ مع الأسف الشديد أقول بملئ الأسى بأنهم تعثروا أكثر من مرة بنفس الحجر ولكن لم يتعلموا... أفهل نصفهم بالجهلة وهم معروفين للجميع بأنهم مثقفون وسياسيون ويحملون شهادات بعضها عالية ولبعضهم باع طويل في العمل السياسي والقومي... كلا. فالمشكلة الأساسية هي أنهم لا يعرفون بأنه لا يمكن للتفاهم والتوافق والتحالف أن يتم ما لم يكون هناك نوع تنازل لبعض المواقف والأفكار حتى يتم الإلتقاء على الحد الأدنى للمصلحة المشتركة وأن يعرف كل طرف حجمه الحقيقي في ميزان التوافق والتحالف. لا بل والأكثر من هذا فأن لبعض "قادتنا" مناخيرهم تصل إلى سقف السماء ولا يستطيعون أدراك الواقع أو النزول إليه لفهمه وفهم الآخرين على الساحة السياسية. ورأس البلاء في عدم التنازل حتى عن الشكليات هو ... هو ... الكرسي اللعين. الكرسي الذي طار من شعبنا في المركز والإقليم بسبب عدم قدرة أحزابنا السياسية على التفاهم بينهم وضمان الكرسيين المخصصين لشعبنا.

وأخيراً أختم هذه السطور بإضافة نوع من المرح والفكاهة على موضوع الكرسي اللعين، فأقتبس من "الخليج" الجريدة الإماراتية اليومية، بعض الرسوم الكريكاتيرية للفنان المبدع (هارون) والتي لا تحتاجها أي تعليق. 

 


 
---------------------------------------------------------------------------------------------------------

142
كيف نفهم تدخل الكنيسة في السياسة القومية ؟
==========================
أبرم شبيرا
تنبيه:
----
أود هنا أن أنبه القارئ الكريم قبل الولوج في الموضوع  وقراءته خاصة الذين يملون من قراءة المواضيع الطويلة ولا وقت لهم لتضيعه بأن لا يقرأوه لأنه فعلاً طويل بعض الشيء وهو الأمر الذي فرضه عليً طبيعة البحث الموضوعي في مسألة مهمة تخص جوهر قضيتنا القومية في الوطن والخارج. كما أنبه القارئ المتزمت بطائفته والمنغلق بشلته والمقيد بتفكيره عن كنيستنا المشرقية  بإعتبارها كيان روحي فقط أن لا يقرأ هذا الموضوع لأنني أخشى أن يسبب له نوع من الهيجان وإرتفاع ضغط الدم. في حين أقول للقارئ الكريم المنفتح والذي يؤمن بوحدة أمتنا كنسياً وقومياً ويفهم الحقائق بموضوعية لا إنحيازيه أن يقرأه بنظرة موضوعية للوقائع السائدة في مجتمعنا ويعلق عليه بما يفيد القراء جميعاً. 
توضيح:
=====
يلاحظ القارئ اللبيب بأننا أوردنها كلمة (نفهم) بصفة الجمع فهو الإستخدام السائد في معظم الكتابات التي تكون  بصيغة المخاطب أولاً، ثم أنها،  ثانياً، أوردناها بهذه الصفة تجنباً لـ (أفهم) التي ترد بصيغة "الأنا" المنبوذة،. ومن المؤكد بأن هناك الكثير القراء الأفاضل يشاركني نفس الأراء والمفاهيم وبالتالي تأتي صيغة الجمع مناسبة في هذا السياق ثالثا. من الملاحظ أيضا بأن هناك تركيز مشدد من قبل معظم مثقفينا الأفاضل على موضوع الكنيسة وتدخلها في السياسة والمسائل القومية والذي يحوم حوله الكثير من النقاشات والغموض وتضارب الأراء وبشكل كبير بحيث يصعب على القراء الأفاضل تحديد مسار واضح يفهم من خلاله جوهر ومضمون موضوع تدخل الكنيسة في السياسة خاصة الذين يعتمدون على النطريات التي تناولت هذا الموضوع في المجتمعات الغربية، وتحديداً نظرية فصل الكنيسة عن الدولة.  لذا لم أجد مندوحة إلا أن أشاركهم بمعارفي البسيطة في هذا الموضوع المهم ببعض الأراء التي تشكل جزء من إيماني القوي بكنيستنا بكل تفرعاتها المشرقية وبقوميتنا وبكل تسمياتها الحضارية، لعل قد نساهم في المسك برأس الخيط في هذا الموضوع. وهنا يستوجب أن أشدد على التأكيد بأن الغرض من الإشارة إلى هذا الفرع من كنيستنا المشرقية أو ذاك أو إلى هذه الشخصية أو تلك أو إلى هذه التسمية أو تلك، هو بعيد كل البعد عن أي مقصد سلبي أو تقليل أو تعظيم من شأن هذا الجانب على حساب الجانب الآخر، فسياق موضوعية الحقائق السائدة هي التي ستفرض علينا تحديد الغرض من هذه الإشارة أو تلك.  فالموضوع  ليس موجهاً على الإطلاق للإساءة أو تجريح أو إهانة أو تقليل من أهمية أي فرع من فروع كنيسة المشرق أو طائفة من طوائفها بل حاولنا وبأقصى ما يمكن أن نتعمد الموضوعية في طرح ومعالجة الحقائق السائدة في مجتمعنا، "الكلداني السرياني الآشوري"، وعلى كلا الجانبين الروحي الكنيسي والسياسي القومي. وحتى لا نغوص في المتاهات ونضيع في وديان غموض المصطلحات المتداولة سوف نبدأ بتحديد بعضها التي تخص هذا الموضوع.
تحديد المفاهيم:
=========
أولاً: الكنيسة:
-------
المقصود بها هو كنيسة المشرق بفروعها الثلاثة (الكلدانية والآشورية والسريانية) وأوردناها بصغية المفرد (كنيسة المشرق) لأن جميع  الفروع تنتمي إليها سواء ذكر ذلك في تسميتها الرسمية أم لا. ولكن مع هذا فأن سياق البحث يلزمنا أن نركز أكثر على الفرعين لكنيسة المشرق: الكلدانية والآشورية. وموضوعنا هذا لا يتناول الكنيسة بحصر المعنى باعتبارها كيان ديني وروحي فقط، فهذا شأن إيماني لجميع المسيحيين في العالم، وإنما بسعة المعنى في كونها مؤسسة تاريخية وتراثية وحتى قومية ومعيارية معرفية متمثلة في التعاليم والمعتقدات والممارسات التراثية والاجتماعية وحتى الاقتصادية والسياسية في بعض الأحيان والتي من خلالها تتحد هوية الشعب المنتمي إليها. فلكنيسة المشرق مكانة عالية واحترام كبير لدينا نابع من الإيمان بالدور االتراثي والتاريخي والحضاري الذي لعبتها في بناء وترسيخ القيم والمبادئ التي خلدت أمتنا حتى هذا اليوم ورسخت من مقومات وجودها في أصعب وأحلك الظروف والأحوال وعبر مراحل تاريخية طويلة ومأساوية مهما حمل هذا الوجود من سلبيات ومصاعب، فهو رغم ذلك خير بكثير من الانقراض والذوبان في المجتمعات الأخرى. صحيح هناك من يقول بأن إنشقاق الكنيسة أدى إلى إنشقاق وتعدد مصادر الإنتماء والتسميات لأبناء أمتنا، لكن على الجانب الآخر لو نظرنا إلى الواقع الحاضر وبكل وسائله العلمية المتطورة لا يمكن أن يثبت بأن بدون كنيسة المشرق كان من الممكن أن يستمر أبناء أمتنا بعد سقوط كياناتهم السياسية  ويتواصل وجودهم عبر قرون طويلة من المذابح والفواجع التي لا مثيل لها في تاريخ المنطقة وهم كقطرة صغير في محيط هائج يختلف عنهم حضارياً ودينياً وفكرياً وحتى نفسياً. أو أن يبرهن بأن واقعهم الحالي لمقوماتهم القومية والحضارية والتاريخية كان من الممكن أن يكون أحسن بكثير من دون كنيسة المشرق. فهذه الحقيقة هي التي تحصرنا في خيار فكري واحد لا ثاني له يجبرنا أن نعترف بأن بدون كنيسة المشرق لم يكن من الممكن أن نتصور وجود وتواصل أبناء أمتنا حتى اليوم وعكس ذلك يصعب جداً إثباته إن لم يكن مستحيلاً. فالواقع يدعم هذه الحقيقة. إذ كانت هناك مجموعات سكانية كبيرة تنتمي  في الماضي البعيد أوالقريب إلى أمتنا بكل مقوماتها القومية من لغة وعادات وتقاليد وأماني مأطرة بحدود كنيسة المشرق باعتبارها مؤسسة دينية وقومية تمر من خلالها هويتهم الخاصة، ولكن بمجرد أن هجرت هذه المجموعات السكانية الديانة المسيحية واعتنقت الديانات الأخرى تخلت عن مقوماتها القومية وبالتالي لم تعد جزء محسوب على أمتنا. لا بل وأكثر من هذا، حتى الفروع أو الطوائف المسيحية التي أبتعدت عن كنيسة المشرق وألتحقت بالكنائس العالمية الأخرى نرى بأنها أيضاً أبتعدت عن مقوماتها المؤسساتية من لغة وعادات وتقاليد ومراسيم وأعياد ومناسبات وغيرها، خاصة في مرحلة قبل نشؤ الفكر القومي.

وهنا تصلح المقارنة بين الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية التي سلب منها مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان الكثير من مقوماتها المؤسساتية وبالتالي إبتعاد عن أو قلة الإهتمام بهذه المقومات من لغة وعادات وتقاليد وطقوس والأعياد أو المناسبات التراثية حتى وصل ألأمر ببعضهم إلى أعتبار لغة ربنا يسوع المسيح (عليه المجد الأبدي) ولغة كنيسة أبائهم وأجدادهم العظيمة مجرد كلام (فليحي)، أي لغة الفلاح أو الفلاحين، أوطئ الطبقات الإجتماعية في الفكر العراقي المعاصر. وبالنتيجة أدى ذلك إلى ضعف مستوى الوعي القومي والسياسي وإنعكاس ذلك على ضعف أو إنعدام المؤسسات القومية والأحزاب السياسية. وهو موضوع سبق وأن تناولناه في (الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والمسألة القومية) وفي بحثنا الخاص بضعف أو إنعدام الأحزاب القومية الكلدانية قبل عام 2003. ومقارنة هذا  بكنيسة المشرق الآشورية التي ألتزمت وحافظت على جانبها المؤسساتي بكل مقوماته نرى بأنه أنعكس ذلك على مستوى الوعي القومي والسياسي وعلى وجود ملموس للمؤسسات القومية والأحزاب السياسية. هذه المسألة، أي التتوازن بين الأصالة والمعاصرة للمؤسسة العتيدة، ومنها كنيسة المشرق، سبق وأن عالجناها في مناسبة سابقة وهنا لا يستوجب إلا أن نؤكد على مدى صعوبتها وحساسيتها في تقرير مصير المؤسسة وتطورها.

هذا الفهم للجانب المؤسساتي، وليس الروحي، لكنيسة المشرق وبفروعها يقودها نحو فهم طبيعة ونوعية تدخلها بأعتبارها مؤسسة عتيدة، في السياسة والمسائل القومية. من هنا يستوجب علينا أن نفهم أيضا معنى ومضمون السياسة أو بالأحرى السياسة القومية وفق معطيات كنيستنا المشرقية المار ذكرها.  وبينما نحن نركز على الجانب المؤسساتي للكنيسة، لا أدري ربما سأقحم نفسي في مسائل إنجيلية وأنا قليل العلم بها عندما أشير ألى قصة ربنا يسوع المسيح (له المجد الأبدي) وهو يوكل مهمة تأسيس الكنيسة إلى تلميذه بطرس الذي كان يعرف بأنه سينكره ثلاث مرات ولم يوكل هذه المهمة إلى "التلميذ الذي كان يحبه"، أي يوحنا الإنجيلي" ولا إلى أي من "أخوة الرب"،  نستطيع أن نستشف من هذا "التوكيل" أعطاء أهمية  لبناء مؤسسة الكنيسة وقيادتها ونشر رسالتها إلى أقاصي العالم إلى تلميذ عصامي ومقدام وجرئ ومدبر، أي يتمتع بصفات يمكن تحديدها بمصطلحاتنا المعاصرة، إلى شخص يتمتع بميزات إدارية فذة مثل (CEO)  أو (Managing Director )  وهي الميزات المطلوبة في رجال الكنيسة في عصرنا هذا والتي سبق وأن أشرنا إليها سابقا ونحن نتناول موضوع المدرسة الآشورية في أستراليا.
   
ثانيا: السياسة والسياسة القومية:
--------------------
يصعب جداً الاتفاق على مفهوم موحد للسياسة فالكتب والدراسات عنها كثيرة بحيث لا تعد ولا تحصى، لذلك ليس القصد منها في هذا الموضوع مفهومها الفلسفي القائم على اعتبارها علم أو علم وممارسة يخص الدولة أو السلطة القائمة فيها وغيرها من المفاهيم التي تدرس في الجامعات والكليات، وإنما القصد هنا هو تطويع هذا المفهوم على مجتمعنا وحصره في نطاق القومية لتكون السياسة القومية مسلكا لبحثنا هذا. وبأختصار مكثف فأن السياسة القومية وفق المعاطيات الخاصة بأمتنا، هي جملة أفكار وممارسات وسلوكيات ومواقف لمؤسسات وأحزاب سياسية ومنظمات قومية وشخصيات فكرية في مجتمعنا "الكلداني السرياني الآشوري" تتمحور بالأساس حول القومية والمطالبة بالحقوق القومية والمسائل السياسية الأخرى المتعلقة بها، خاصة ما يرتبط بالإستقلال والتحرر من الإستبداد والظلم أو الدعوة إلى الإستقلال أو الحكم الذاتي أو أي نوع من الحرية التي تتيح مجالاً معقولاً لممارسة أبناء المجتمع حقوقهم القومية وما يتعلق بها من مقومات وجودهم القومي الذي يميزهم عن غيرهم من القوميات الأخرى، وهو المعنى المراد منه حصراً بمفهوم السياسة القومية. أما مفهوم القومية الذي قد يرد كثيراً في هذا الموضوع، فأنه من الصعب جداً أيضاً إعطاء تعريف محدد ودقيق للقومية وذلك بسبب تنوع وتعدد واختلاف وتناقض أراء المفكرين والنظريات السياسية حولها بشكل كبير إلا إن القصد من الإشارة إليها هو التأكيد بأن موضوع القومية أو المسائل القومية هو الجوهر الأساسي لمضمون مفهوم السياسة الوارد في هذا الموضوع  ويشكل المركز أو المحور الذي تنشط هذه السياسة حوله في مجتمعنا. ومفهوم القومية كحقيقة موضوعية وحالة فكرية هو موضوع طويلة نتركه لفرصة أخرى.

 هذا الترابط العضوي المحكم بين المفهومين، السياسة والقومية، لا يعني ذلك تطابقهما واختلاطهما، إذ من الممكن أن تكون القومية أو النشاطات المتعلقة بها غير مرتبطة بالسياسة بشكل مباشر، فالاعتناء باللغة القومية وبالعادات والتقاليد والتراث والحفاظ عليها وصيانتها وتطويرها خوفاً من الانقراض أو الاندثار هي مسائل قومية مهمة ولكن ليست بالضرورة الحتمية أن تكون مسائل سياسية. أي بعبارة أخرى قد يكون المرء لغوياً بارعاً أو باحثاً تاريخياً أو اجتماعياً في شؤون قوميته أو يكون فناناً مبدعاً في معالجة مواضيع اجتماعية مهمة ولكن ليس بالضرورة أن يكون سياسياً ومنخرطاً في المسائل السياسية أو منظماً إلى إحدى الأحزاب السياسية أو المنظمات القومية حتى يكون قومياً، بل من الممكن أن يكون هو أو مسألة الاعتناء باللغة القومية من مصادر ومواضيع مهمة للسياسة القومية، أي بعبارة أخرى، الحدود تبقى قائمة بين الاثنين ولكن التفاعل بالتأثير والتأثر والتكامل بينهما يبقى قائماً أيضاً.

هذا من حيث النظرية والتي فرضت ضرورات البحث العلمي في موضوع فهم السياسة القومية في مجتمعنا أن نميز بين السياسة والقومية، إلا أن مثل هذه التمييز في الواقع العملي وفي بعض الظروف، خاصة  الظروف السياسية والفكرية السائدة في موطننا، بيت نهرين، يكون التمييز والتفريق بينهما صعباً للغاية. ففي الدول التي تتحكم فيها أنظمة مركزية شمولية لا تقر بالتعددية وبالحدود الدنيا للديمقراطية، تتداخل الحدود ويختلط معنى القومية مع السياسة بحيث لا يمكن لها، باعتبارها البنية الفكرية السائدة والمهيمنة، أن تفهم مسألة الفصل أو التمييز بينهما. فعلى سبيل المثال، لا ينظر إلى شخص من أبناء أمتنا مختص في لغته القومية ويعمل من أجل تطويرها والحفاظ عليها من الضياع إلا بمنظار سياسي ويتم التعامل معه على هذا الأساس سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، كأن يقيد النظام السياسي ويحصر نشاطه الإبداعي أو يفسر ضمن أطر طائفية وكنسية ودينية. والسبب في ذلك أن مثل هذا النشاط الثقافي أو اللغوي سوف يعزز المقومات القومية لمجتمعنا وبالتالي سيتناقض مع سياسة النظام الشمولي الإستبدادي في تجاهل أو إهمال أو نبذ التعددية القومية، أي بعبارة أخرى، فأن مثل هذا النشاط الثقافي أو اللغوي سوف يصبح من صلب مواضيع السياسة في مثل هذه الدول. لا بل وأكثر من هذا،  فحتى في أيامنا هذه، أيام الفوضى وعدم الإستقرار والإرهاب والتهجير وقطع الرؤوس، أصبح الحفاظ على الحياة أمراً سياسياً مهماً. أما بالنسبة لمجتمعنا  في بلدان المهجر فالأمر على العكس من ذلك حيث هناك إمكانية كبيرة في التمييز بين القومية والمسائل المتعلقة بها وبين السياسة والنشاطات الخاصة بها طالما هناك مجالات فسيحة لنشاطات ثقافية واجتماعية لا تتعارض مع السياسة المركزية للدولة. على العموم كل هذا التداخل والتمييز بين هذه المصطلحات والتي من خلالها نفهم موضوعنا عن تدخل الكنيسة في السياسة القومية في مجتمعنا علينا أن نبحث أولاً في كيفية فهم النظريات والفلسفات التي أستخدمت في هذا السياق ومدى تطابقها على مجتمعنا ومن ثم نتطرق إلى النظريات التي يعتمد عليها في مسألة العلاقة بين الكنيسة والسياسة والتي ترتكز على مفهوم أو نظرية فصل الكنيسة عن الدولة التي يعتمدها معظم كتابنا الأفاضل عند تناول موضوع تدخل كنيستنا في السياسة والمسائل القومية.
كيف نفهم النظريات والفلسفات ؟:
==================
النظريات والفلسفات وتحديدا في العلوم الإنسانية ومنها نظرية فصل الكنيسة عن الدولة، هي معطيات فكرية ونتاجات إنسانية شاملة لجميع البشر ولكن هناك حقيقة موضوعية تؤكد بأنها لم تأتي من الخيال والعدم بل من الواقع الموضوعي والظروف الخاصة التي نشأت فيه وأنبثقت منها. لذلك رغم إنسانية النظريات وشموليتها إلا أن لها جوانب ذاتية متأثرة بهذه الظروف الخاصة للمجتمع الذي أنبثقت منه، وبالتالي فإن صح شمولية النظرية وتطبيقها على جميع المجتمعات الإنسانية خاصة إستخدام المنهج العلمي المتبع، فأن "خصوصيتها" لا يصح بالضرورة تطبيقها على جميع المجتعمعات البشرية. فلو أخذنا، على سبيل المثال لا الحصر، الفلسفة الماركسية، الأكثر إنتشاراً وتأثيرا في القرنين الماضين، نرى بأن معظم النظريات التي أقامتها هذه الفلسلفة نابعة من المجتمعات الصناعية، خاصة نظرية "المادية التاريخية" التي تناولت مراحل تطور المجتمع عبر مفهوم الصراع الطبقي في المجتمعات البشرية ولكن أدرك ماركس بأن مثل هذه النظرية لا تنطبق على المجتمعات الشرقية لذلك توصل إلى مفهوم جديد في فهم هذه المجتمعات والذي ذكره في "الإستبداد الشرقي". فضمن هذا المفهوم يفهم الحكم الأستبدادي في بلدان الشرق الأوسط منذ أقدم العصور وحتى عصر  صدام حسين ومعمر القذافي وحافظ الأسد وما بعدهم.  ثم جاء لينين فوجد بأن هذه النظرية لا تنطبق بحذافيها على المجتمع الروسي القائم في أغلبه على الإنتاج الزراعي فظهرت فلسفته في "الماركسية اللينينية" فأدمج "الشاكوج" بـ "المنجل" في العلم الأحمر لبلاده. وفي زمن ستالين ضغطت الظروف الموضوعية الصعبة والماحقة بالمجتمع السوفياتي إلى أن تنشأ نظرية "اللينينية – الستالينية" التي شددت من قبضته على السلطة وقادت الدولة السوفياتية بعد عقود من الزمن إلى التفكك والإنهيار. وبعد التطور الصناعي الهائل في المجتمعات الغربية ونزوحها نحو أرقى أشكال الديموقراطية تخل الماركسيون الأوروبيون عن نظرية صراع الطبقات وتكيفوا مع الأجواء الديموقراطية فظهر مفهوم "يورو شيوعية". أما على جانب الفلسفة الرأسمالية فإن نظرية "العقد الإجتماعي" التي وضعها فلاسفة الفكر السياسي الكلاسيكي من الإنكليز والفرنسيين أمثال جون لوك وجان جاك روسو و مونتسيكو في تفسير نشوء الدولة تطورت بشكل كبير مع تطور المجتمعات الغربية حتى وصلت إلى أرقى أشكال الحكم في الديموقراطية والمساواة وغيرها من المفاهيم المتحضرة في السياسة والحكم.  أن الغرض من السرد المختصر لهذه النظريات هو التأكيد بأنها معطيات إنسانية شاملة ولكن لكل منها طبيعتها الخاصة بالمجتمع الذي نشأت فيه، أي بهذا المعنى ليس بالضرورة أن تنطبق هذه النظريات، خاصة فيما يتعلق بالكنيسة وبعلاقة رجال الدين بالسياسة القومية وتدخلهم في شؤونها، على مجتمعنا الشرقي، أي أنه يجب أن ننظر إلى نظرية فصل الكنيسة عن الدولة وفق المعطيات الخاصة بمجتمعنا في وطننا الأم.

تدخل الكنيسة في السياسة القومية:
====================
بشكل عام تم معالجة موضوع تدخل الكنيسة في السياسة وفق النظرية المعروفة بـ "فصل الكنيسة عن الدولة" والتي عرفت بـ "العلمانية" أو الحكم العلماني. من هنا يستوجب علينا أن نحدد معنى "العلمانية" ثم نعرج على تحديد مفهوم التدخل وعلى نوعيته وتأثيراته:
أولاً: العلمانية (Secularism):
وأحياناً تعرف بـ "الدنيوية". والعلماني كصفة يعني الشخص العامي أو العادي الذي ليس له درجة كهنوتية. أما العلمانية فهي متأتية لغوياً من العالم، أي العالم الحاضر والمعاصر نقيض الدنيا أو الحياة الآخرة ومضمونها يقوم على عدم المبالاة بالدين أو المعتقدات الدينية واقتصار الاهتمام كلياً على شؤون الدنيا وبالعالم المحسوس  بعيداً عن المسائل الدينية والروحية مجانباً كل ما هو مقدس أو محرم أو ميتافيزيقي، أي ما وراء الطبيعية. أما من حيث المضمون الفلسفي فأن العلمانية هي عقيدة أو مبدأ يمكن تعريفها كمحاول لتأسيس منظومة من الأفكار والمبادئ المتعلقة بسلوك الإنسان قائمة على المعرفة العقلية والتجربة وليس على اللاهوت وغيرها من المعتقدات الروحية. بهذا المعنى استخدمت العلمانية في علم السياسة  باعتبارها علماً قائماً على المعرفة الفكرية والممارسات السياسية وعلى منع الكنيسة من التدخل في شؤون الدولة وأبعاد المعتقدات الدينية والروحية والكنسية من ممارسات الحكم والسياسة ورفع القيود التي كانت قد وضعتها الكنيسة في القرون الوسطى في عدم الاهتمام بشؤون الدنيا الحاضرة والاقتصار فقط على شؤون الآخرة، أي قيام النظام السياسي على أساس فصل الكنيسة عن الدولة والدين عن السياسة. فالعلمانية بهذا المفهوم السياسي هي نقيض الثيوقراطية (Theocracy) أي حكومة دينية أو حكومة الكهنة أو حكومة خاضعة لرجال الدين. فكثير من علماء السياسة يربطون العلمانية بمرحلة النهضة أو بحركة الإصلاح أو بفترة التنوير التي سادت أوروبا في القرون الماضية والتي أصبح فيها العقل والتجربة العنصرين المهمين في التحكم بالأمور المختلفة بما فيها أمور الدولة والسياسة وتنظيم العلاقة مع الكنيسة. أي أن العلمانية ليست بالضرورة أن تكون في موقف عدائي ومتناقض مع الدين أو الكنيسة، بل من الممكن جداً أن تقوم إلى جانب الدين ولكن من دون خلط الحدود والنشاطات، وهو المفهوم الذي يهمنا في هذا الموضوع.

والعلمانية كغيره من المفاهيم الفلسفية الشائعة الاستعمال والتداول في الحياة السياسية ترتبط بمرحلة معينة من مراحل انتقال وتطور المجتمع الأوروبي يبدأ مع نهاية القرون الوسطى وبداية عصر النهضة، حيث جاءت العلمانية  كرد فلسفي وسياسي ضد المفاهيم اللاهوتية التي كانت سائدة في الفكر والسياسة والتي كانت تخول الكنائس ورجال الدين حق التدخل في السياسة وفي شؤون الحكم وفي بناء المفاهيم الفلسفية والفكرية وإخضاعها إلى اللاهوت وتفسيراته النظرية المثالية والميتافيزيقية، خاصة نظرية الحق الإلهي للملوك في الحكم، أي أن العلمانية بدأت في أوروبا في عصر التنوير والنهضة الذي أعتمد العقل وليس الوحي أو الدين في ممارسة الحكم وبالتالي هي ردة فعل ضد سيطرة الكنيسة على مقاليد الحكم أو منعها من  اختيارها للملوك والأباطرة.  بعبارة أخرى، إن العلمانية ظاهرة سياسية اجتماعية تعبر عن انتقال المجتمع الأوروبي من نظام اجتماعي سياسي اقتصادي في المرحلة الإقطاعية القائمة على نظم الدويلات والدوقيات والاقطاعيات الى المرحلة البرجوازية القائمة على الدولة القومية المركزية ومن ثم تطور المفاهيم والنظريات وانتقالها إلى نظريات حديثة أخرى تتوافق مع هذه المرحلة الجديدة مثل انتقال فلسفة الحكم من نظرية الحق الإلهي للملوك في الحكم الى نظرية العقد الاجتماعي التي تقول بأن الدول أو الحكام يمارسون الحكم على أساس عقد تم بين الحاكم والشعب أي بين إرادتين حرتين يحق للشعب فسخ هذا العقد مع الحاكم وإلغاءه في حالة الاخلال به، وهو المفهوم الذي تنعكس مضامينه الفلسفية المختلفة في أنظمة الحكم الديمقراطية وأسلوب الرقابة الشعبية على أعمال الحكومة السائدة في البلدان الديمقراطية. لا بل يمكن القول أيضا بأن العلمانية بهذا المفهوم هي التي مهدت الطريق نحو نشوء الوعي القومي ومن ثم قيام الحركات القومية وبناء الدول الحديثة في أوروبا على أساس مبدأ القوميات الذي تزايد انتشاره وتطبيقه مع تقلص دور الدين والكنيسة في السياسة والدولة ومن ثم انهيار الإمبراطوريات التي كانت تعتمد على النظريات التي تبررها الكنيسة في قيام الحكم الإمبراطوري أو الملكي، مثل نظرية الحق الإلهي للملوك في الحكم.
   
أما في منطقة الشرق الأوسط حيث موطن أبائنا وأجدادنا، فإن مفهوم العلمانية حديث العهد فهو الآخر يرتبط بمرحلة انتقالية تمثلت في نهاية قرن التاسع عشر وبداية قرن العشرين وعقب ظهور بوادر ضعف وانهيار الدولة العثمانية وانتشار المفاهيم السياسية الحديثة في قيام الدول. فقد كان المفكرون المسيحيين، خاصة في سورية ولبنان ومصر، من أوائل من استعملوا العلمانية كمفهوم فلسفي وسياسي رافض لمزج ودمج الدين بالدولة وكرد ضد الدولة العثمانية التي كانت دولة إسلامية بكل معنى الكلمة فيما يخص السياسة والحكم والقانون حيث كان السلطان العثماني  يستمد أساس حكمه من نظرية الخلافة الإسلامية في الحكم  التي تشبه في جوانب كثيرة نظرية الحق الإلهي للملوك في الحكم. أما بالنسبة للمجتمنا "الكلداني السرياني الآِشوري"  فإن المسألة لا يتطلبها جهد كبير للتأكيد بأنه لم يعرف هذا المفهوم ولم يعطي له أي مضمون لا فلسفي ولا سياسي ولم يداوله في لغته القومية أو يستعمله في أساليب تفكيره وممارساته القومية والاجتماعية والسياسية. وحتى كمصطلح لغوي (علمايـا) فأنه لم يكن يحمل أي معاني فكرية أو دلالات سياسية أكثر مما كان يعني الإشارة إلى الأشخاص العلمانيين والعادين وتميزهم عن رجال الدين. لذلك فإن افتقار هذا المصطلح من أي مضمون فكري أو من تطبيقات واقعية يعني من جهة ثانية سيطرة الكنيسة والتقاليد الدينية والتفسيرات الثيولوجية والموروثات التاريخية على السلوك القومي والسياسي لشعبنا طيلة تاريخه الطويل. إلا أنه مع هذا، ففي مراحل انتقالية مهمة في  حياته، خاصة في المرحلة التي سبقت الحرب وما بعدها، كانت هناك ممارسات ومواقف لبعض الشخصيات المعروفة التي برزت على الساحة الفكرية والقومية متأثرة بالفكر القومي الذي وصل إلى منطقتهم من أوروبا لها دلالات معبرة عن المضمون الفلسفي للعلمانية والتي حاولت فصل الكنيسة ورجال الدين عن السياسة والمسائل القومية، أمثال المفكر فريدون أتورايا الذي دعى في بيانه المشهور والمعروف بـ "مانفيستو أورمي" وبشكل واضح وصريح إلى فصل الكنيسة عن السياسة وأيضاً الجنرال أغا بطرس الذي دعى إلى التفرقة بين "الصليب والسيف".  كل هذه الدعوات كانت تعبر وبشكل مباشر عن انتقال المجتمع  من مرحلة إلى مرحلة أخرى مختلفة في أساليب الفكر والممارسة السياسة غير أنه لأسباب داخلية وخارجية لم تفلح هذه الحركة في "علمانيتها" وفي فصل الكنيسة عن السياسة والمسائل القومية، فهكذا أستمرت الكنيسة، وتحيديداً كنيسة المشرق الآشورية وبطاركتها يتدخلون في السياسة والمسائل القومية حتى الستينيات من القرن الماضي.
ثانيا: التدخل:
يستوجب علينا ونحن كثير الحديث، أن لم تكن الثرثرة نفسها" عن الكنيسة وتدخلها في السياسة والمسائل القومية أن نعرف ما القصود بالتدخل في هذا الموضوع وما هي نوعيته وحدوده؟
 التدخل هنا نوعان:
الأول: التدخل المباشر الفعلي القائم على فعل أو المشاركة المباشرة في مسألة معينة والذي ينتج عنه تأثيرات مباشرة سلبية أو إيجابية في توجيهات هذه المسألة،  كما كان الحال مع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في القرنين الماضين عندما كان قائداً للكنيسة والأمة معاً ويقود المفاوضات واللقاءات السياسية وحتى الحروب فكان هو أو أحد من أفراد عائلته بمثابة "القائد العام للقوات المسلحة"، فكان بعض الباحثين يلقبونه بـ "الملك الصغير" بسبب تمتعه بصلاحيات دينية وقومية واسعة. فحتى منتصف القرن الماضي كان مثلث الرحمات مار شمعون إيشاي البطريرك الأسبق لكنيسة المشرق الآشورية زعيماً قومياً وقائداً للحركة القومية الآشورية لعام 1933 والتي أرتبطت بأسمه في الثلث الأول من القرن الماضي فكان يقدم الشكاوى والإلتماسات والطلبات الخاصة بالحقوق القومية لأمته إلى المنظمات الدولية ويحضر بعض من إجتماعاتها بإعتباره زعيماً للأمة الآشورية. غير أنه أدرك بعد إستقرار الأوضاع عشية إنتهاء الحرب الكونية الثانية وبداية نشؤ وعي قومي آشوري وحركة نهضوية قومية سياسية خاصة في إيران في العقدين السادس والسابع من القرن الماضي بدأ تدريجياً بالإنسحاب من الساحة السياسية القومية رافضاً المشاركة في أي نشاط أو حركة قومية فاسحاً المجال للقوى والشخصيات العلمانية لتأخذ دورها في الحركة القومية الآشورية. وحتى أثناء زيارته للعراق في بداية السبعينيات من القرن الماضي رفض كل الإمتيازات والإغراءات التي منحه له نظام البعث الحاكم لأنه أدرك بأن الغرض هو توريطه في مسألة سياسية لم يعد مهتماً بها ولم تعد من إختصاصه ومسؤولياته كرجل ديني على رأس الكنيسة. 

 أما بالنسبة للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية فأنها إتساقا مع مواقف الفاتيكان في رفض تدخل الكنيسة في السياسة لم تتدخل إطلاقاً في السياسة ولا في المسائل القومية، بل أنها وقفت طيلة تاريخها المعاصر بالضد من هذه المسائل ورفضت، إن لم نقل، قد أدانت أي من إكليريتها عند تدخله في السياسة والمسائل القومية. فكان من الطبيعي، وفق الترابط العضوي بين الكنيسة والقومية في مجتمعنا، أن ينعكس هذا الموقف السلبي من المسائل القومية على  المستوى القومي والسياسي الكلداني وعلى ضعف الوعي القومي ومن ثم غياب الساحة السياسة من أي حزب كلداني أو تنظيم قومي. غير أنه بعد بركان الإرهاصات لعام 2003 الذي عصف بمجمل المجتع العراقي   وزوال الضغط الإستبدادي الذي كان يكسو التناقضات العراقية أنبثق حمم فورانها ومن ثم تحجم في تنيظمات وأحزاب مختلفة الأنواع والأشكال فشمل هذا الوضع الكلدان أيضاً فبدؤا بتأسيس أحزاب سياسية وتنظيمات قومية على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية. غير أن بسبب الإفتقار إلى الخلفية السياسية القومية وإلى الخبرة في المجال القومي ومن ثم غياب الخطاب السياسي القومي الكلداني المنطقي وإعتماده كلياً على التاريخ الغابر للكدان، لا بل وفي كثير من الأحيان أستمد هذا الخطاب مضمونه من منافستة أو تحديه أو معاداته للآشوريين ولأحزابهم السياسية، خاصة بالنسبة للأحزاب والتنظيمات التي أنعزلت على "كلدانيتها" ولم تؤمن بوحدة أمتنا بجميع تسمياتها الكلدانية والآشورية والسريانية. فكان من الطبيعي أن لا يقتنع معظم الكلدان بمثل هذا الخطاب ولا يصوتوا لهم وبالتالي فشلت جميع الأحزاب والتنظيمات التي نزلت إلى ساحة الإنتخابات العراقية سواء في المركز أم في الإقليم ولم يعد لها نشاط يذكر على أرض الواقع غير على الورق وفي وسائل التواصل الإجتماعي.

أزاء هذا الغياب والفشل الكلي لهذه الأحزاب والتنظيمات الكلدانية وأزاء الظروف المستمية التي عصفت بجميع المسيحيين، ومعظمهم من الكلدان، كان من الطبيعي أن يخلق هذا الوضع المأساوي رد فعل للكنسية خاصة على قمتها المتمثلة في بطريركها غبطة مار لويس روفائيل ساكو ويتحرك ليتدخل وبشكل مباشر في السياسة والمسألة القومية، فجاء تأسيس الرابطة الكلدانية ومن ثم في إعتبار البطريرك الرئيس الأعلى لها وإدارة معظم الإجتماعات التأسيسية لفروعها أو الإجتماعات واللقاءات العامة من قبل مطارنة الكلدان في الخارج وغيرها من اللقاءات التي يقوم بها غبطته سواء على المستوى العراقي أو الدولي كلها تؤكد من دون أدنى شك بداية لتدخل الكنيسة الكلدانية في السياسة والمسائل القومية. لا بل أن دعوة غبطته إلى وعزمه على تشكيل تجمع مسيحي موحد في حال إخفاق التنظيمات المسيحية في التعامل مع الوضع المأساوي للمسيحيين في العراق يشكل نموذج أوضح في تدخل الكنيسة في السياسة. ولما كان تدخل غبطته وكنيسته في السياسة والمسألة القومية هو كرد فعل لفشل الأحزاب السياسية والتنظيمات الكلدانية وإملاء الساحة السياسية بنشاط كلداني كمحاولة للتخفيف من معاناة مؤمني كنيسته وأبناء قوميته فأن الإحتمال وارد جداً أن تنسحب الكنيسة الكلدانية من عالم السياسة وتتركها للأحزاب والتنظيمات الكلدانية عندما تصل "سن الرشد" والبلوغ وتبدأ بخطاب سياسي منطقي ونشاط مثمر على الساحة السياسية، كما هو الحال مع كنيسة المشرق الآشورية وموقفها من الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية.
       
الثاني: التدخل غير المباشر الفكري القائم على الإرشاد والنصح والتوجيه للمعنيين بالشؤون السياسية والقومية، وبشكل أوضح للأحزاب السياسية والتنظيمات القومية. ويعتبر قداسة مار دنخا الرابع، الراحل إلى الأخدار السماوية، البطريرك السابق لكنيسة المشرق الآشوري نموذجاً رائعاً في تفسيره لمسألة تدخل الكنيسة ورجالها في السياسة والمسألة القومية. ففي كثير من أحاديث قداسته كان يؤكد ويقول: بأن زمن حيكارى ونظامه العشائري الأساسي الذي كان يترأسه البطريرك قد مضى ولم يعد البطريرك زعيماً قومياً أيضا لأبناء أمته يحضر الإجتماعات السياسية والدولية ويترأس الوفود والمباحثات بشأن حقوق قوميته، فالوضع الحالي الذي يعيش فيه الآشوريون يختلف كلياً فهناك دولة وحكومة وقوانين هي التي تحدد النشاط السياسي والقومي وعلى الآشوريين أن يخضعوا لقوانين دولتهم. ولكن من جانب آخر كان قداسته يؤكد بأن عدم تدخله المباشر في المسائل السياسية لا يمنعه كأشوري أن يبين أرائه وتوجهاته لأبناء أمته وتحديدا إلى أحزابهم السياسية وتنظيماتهم القومية لذلك كان في كل اللقاءات مع قادة هذه الأحزاب والتنظيمات وفي كل أحاديثه وخطبه لم تخلو أبدأ من أرائه وتوجهاته وأفكاره القومية ودعوته إلى الوحدة والتفاهم من أجل المصلحة القومية، لا بل حتى أيد دعوة بعض الأحزاب الآشورية إلى الحكم الذاتي في شمال العراق.  وهذه الحالة في التدخل غير المباشر نراها أيضا في جميع مطارنة وأساقفة وكهنة كنيسة المشرق الآشورية حيث ألتزموا إلتزاماً كاملا بعدم التدخل  في السياسة والمسألة القومية وبشكل فعلي ومباشر بل أكتفوا بالتدخل الفكري غير المباشر وهو الأمر الذي يؤدي إلى ترك الساحة السياسية للأحزاب والتنظيمات القومية للعمل من دون تدخل الكنيسة في شؤونها.

ولم يبقى هنا إلا أن نجري مقارنة بسيطة ومختصرة بين النوعين أعلاه لتدخل الكنيسة في السياسة والمسألة القومية. فبالنسبة للنوع الأول من التدخل فهو قائم على فعل أو عمل أو حركة وهذه كلها محدد بحدود مبنية على الصلاحيات والمسؤوليات الممنوحة للشخص من المؤسسة التي ينتمي إليها والتي هي بدورها تحدد هذه الصلاحيات والمسؤوليات. فالكنيسة كمؤسسة لها قوانينها وبموجبها تتحد صلاحيات ومسؤوليات أكليريتها وتحديدا رئيسها أي البطريرك. لذا فعندما تتدخل الكنيسة وبطريركها بفعل أو بحركة أو بنشاط أو بإشتراك في عمل يخص السياسة والمسألة القومية يكون حينذاك قد تجاوز صلاحياته ومسؤولياته لأن هذه السياسة والمسائل القومية ليست لا من أمور الكنيسة ولا من صلاحيات البطريرك فتقوم القيامة على البطريرك وتبدأ الإنتقادات التي لا تخلو من التهجم والإهانة لكونه قد تدخل في السياسة ويجب عليه حسب نظرية فصل الكنيسة عن الدولة أن لا يتدخل في السياسة، كما هو الحال مع نشاط وتحركات غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو. ولكن يؤسفي القول بأن معظم هذه الإنتقادات على تدخل البطريرك في السياسة والمسألة القومية تفتقر إلى الفهم العلمي والواقعي لفصل الكنيسة عن الدولة. فهذه النظرية نشأت بنشوء الدولة القومية في أوروبا، فنحن أين دولتنا القومية حتى نفصل الكنيسة عنها، هذا أولا. كما إن النقد الموجه للبطريرك بسبب تدخله  في المسائل القومية السياسية ناجم، ثانيا، عن عجز المنتقدين فهم الطبيعة المؤسساتية للكنيسة باعتبارها مؤسسة تراثية تاريخية وحضارية وحتى قومية وسياسية لا بل أعتبارها المؤسسة الرئيسية الفاعلة في مجتمعنا ولحد هذا اليوم. فلا يصح إطلاقا أن يقف البطريرك مكتوف الأيدي وأبناء قومه ومؤمني كنيسته يسلب منهم كل حقوقهم لا بل وحياتهم أيضا ويقضى على وجودهم الديني والقومي في موطن أبائهم وأجدادهم، فواجبه الديني والقومي معاً يفرض عليه فرضاً أن يتدخل بكل ما له من قوة وصلاحيات ومسؤوليات وبشكل مباشر ريثما يكون هناك بديل للكنيسة الكلدانية يتمثل في الأحزاب والتنظيمات القومية لتقوم بالمهمات القومية السياسية ويترك البطريرك لمهماته الدينية. هذه الحالة لتدخل البطريرك في المسائل القومية السياسية والإفتقار إلى الأحزاب والتنظيمات الفاعلة تشبه كثيرا الحالة التي كانت سائدة في كنيسة المشرق الآشورية أثناء الحرب الكونية الأولى وفي الثلث الأول من القرن الماضي.
وأخيراً:
-----
قد يبدو بأن في متن الموضوع نوع من التأييد للبطريرك الكلداني غبطة مار لويس روفائيل ساكو لتدخله في السياسة والمسائل القومية وهي حالة، نظرياً ووفق المعطيات والأفكار المعاصرة، غير صحية. ولكنها حالة واقعية فرضتها الظروف المأساوية القاسية المفروضة على أبناء الكنيسة والأمة معاً. قارن عزيزي القارئ الكريم تدخل غبطته في المسألة القومية بمنظار الظروف المأساوية المميتة التي كانت تحيط بأبناء الكنيسة والأمة معاً في عهد أمير الشهداء البطريرك الآشوري مار بنيامين شمعون في بداية القرن الماضي ومع نفس الظروف في عهد المثلث الرحمات مار شمعون إيشاي في الثلث الأول من القرن الماضي حينذاك سنفهم هذا الموضوع أكثر فأكثر. فإذا قبلنا أو الأصح أجبرتنا الظروف المأساوية وغياب فعلي للأحزاب الكلدانية أن نقر بواقعية تدخل البطريرك الكلداني في السياسة والمسألة القومية فأن مثل هذا الإقرار أو التأييد سيتلاشى حتماً وسنرفضه قطعاً عندما تظهر على الساحة السياسية القومية أحزاب كلدانية فاعلة وبخطاب سياسي قومي وحدوي قادرة وبشجاعة وبعزة النفس في الإنتماء القومي والكنسي أن تضع يدها في يد بقية أحزابنا السياسية الآشورية والكلدانية  والسريانية الوحدوية والفاعلة على الساحة السياسية لتظلل معهم تحت خيمة قومية شاملة لجميع أبناء أمتنا بغنى عن تسميتهم أو كنيستهم، حينذاك سنقبل أيادي قادتها مثلما نقبل أيادي بطاركتنا. فمثل هذه الخيمة الشاملة والوحدوية هي السبيل الأمثل أن لم تكن الوحيد لخلاص أمتنا. ولنا كل الأمل بأن المساعي المضنية لغبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو من تدخله في المسائل القومية الخاصة بأبناء كنيسته أن تنتهي محطتها تحت هذه الخيمة الوحدوية لتكون بداية الشروع للسير على طريق خلاصنا.
       


143
بين المحامي روبرت وليم قليتا والمجرم عمر صديقي متين
فرق حضاري شاسع لا يفهمه البعض
====================================================

أبرم شبيرا

لاشك فيه إطلاقاً بأن المجتمعات الديموقراطية وتحديداً  في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية هي مجتمعات قائمة على أساس دولة القانون والمؤسسات، فهي مجتمعات مبنية على مفهوم "المجتمع المدني" حسب نظرية أنطونيو غرامشي في دراسته للمجتمعات الديمقراطية في كتابه المعروف "الأمير الحديث". أي بعبارة أوضح هي مجتمعات يحكمها القانون ومؤسسات وليس فرد أو أفراد. لهذا السبب فإن تغيير الوجوه، أي الأفراد أو الحكام لا يغير من الأمر شيئاً في طبيعة الدولة ونظامها السياسي وقوانينها كما هو الحال في المجتمعات المتخلفة التي بمجرد أن يتغير الحاكم يتغير النظام برمته. على أية حال، القصد وبإختصار هو أن قوانين هذه الدول المتقدمة الديموقراطية تنطبق على الجميع من دون إستثناء ومن دون أي تمييز عرقي أو أثني أو ديني أو طبقي فالكل سواسية أمام القانون. فالإنسان في هذه المجتمعات مجرد من أي إعتبار تميزي تجرده من إنسانيته لهذا السبب شرعت العديد من القوانين والمواثيق الإقليمية والدولية والتشريعات الأخرى في حماية حقوق الإنسان.

أمر يعكس قمة التطور الحضاري والإنساني وصلت إليه البشرية بقوانيها العادلة في حماية الإنسان الذي هو جوهر ومصدر الحياة كلها. فهو كما قيل بأن "الإنسان هو أثمن رأسمال". ولكن ماذا سيكون الأمر في حالة تجرد الإنسان من إنسانيته وتحوله إلى مجرد مخلوق يتماثل مع الحيوانات المفترسة التي تهاجم وتقتل وتأكل بعضها البعض؟ أفهل ستنبطق هذه القوانين الحضارية والإنسانية على إنسان متجرد من إنسانيته وأصبح قتل الإنسان لمجرد شهوة أو رسالة متوحشة في هذا العالم المتدمن؟. سأذكر بهذا الخصوص بعض الشواهد من لندن. في الثمانينيات من القرن الماضي كانت السفارة العراقية في عهد البعث المستبد الذي كانت معظم الدول الغربية تسانده في حربه مع إيران وبفعل تمويلها السخي لبعض أزلامها وكلابها المسعورين، كان لها سطوة على أبناء الجالية العراقية في المملكة المتحدة ومنها على المسيحيين عموماً وعلى الآشوريين خصوصاً. ومن بين هذه الكلاب المسعورة شخص عراقي مدعو بأسم "أبو زهرة" كلفته السفارة العراقية للتجسس على الآشوريين وعلى نشاطهم الفعال وعلى مؤسساتهم في لندن في تلك الفترة. وفي أحدى الأمسيات كانت حفلة عائلية مقامة في النادي الآشوري في لندن فجاء أبو زهرة إلى النادي لكي يتجسس على نشاط الآشوريين في تلك الحفلة وليتأكد بأن الفنان المبدع سامي ياقو لايزال ينشد أغانيه القومية في لندن التي من أجلها أعتقل وعذب وسجن في العراق. حاول أبو زهرة الدخول عنوة إلى الحفلة غير أن رئيس النادي حينذاك كان الشخصية القومية المعروفة عمانوئيل قليتا منعه من الدخول فأصر أبو زهرة  وبشدة وإصرار للدخول إلى الحفلة وبالمقابل رده رئيس النادي مكرر منعه من الدخول فوصل إلأمر إلى مشادة كلامية كادت أن تؤدي إلى إشتباك بالأيدي مما أستوجب إستدعاء الشرطة لفض النزاع. فبدلاً من أن تمنع الشرطة أبو زهرة من دخوله للحفلة العائلية ساندته وأيدت حقه في الدخول إلى الحفلة طالما لم يخالف أي قانون بل أكدت بأنه كإنسان من حقه أن يمارس ما يرغبه طالما لا يخالف القانون في الوقت الذي كانت نوايا أبو زهرة معروفة خاصة وهو شخصية مشاكسة وعميل تابع للسفارة العراقية وغرض دخوله للحفلة لم يكن له أي نواياه بريئة بل كانت شيطانية وتجسسية. فلم يكن أمام رئيس النادي إلا أصراره على منعه من الدخول وإلا سيلغي الحفلة ويغلق أبواب النادي. فما كان إلا أن يخف وطئة وإصرار أبو زهرة ويتراجع عن موقفه من الدخول للحفلة ويغادر المكان.

أما الأسوء من هذا فهو الواعظ الإرهابي المعروف بـ "أبو قتادة" الذي كان بصفة لاجئ في بريطانيا في التسعينيات من القرن الماضي وبداية هذا القرن فكان يستغل القوانين الإنسانية البريطانية فيستمتع بالمعونات المالية والتسهيلات الطبية والدراسة المجانية لأطفاله الكثر لا بل أيضا بالحماية القانونية لكل تصرفاته الشاذة. كان أبو قتادة يستغل منبر مسجد ريجنت بارك في قلب لندن ليلقي خطبه الإرهابية اللهابة المؤيدة لتنظيم القاعدة الإجرامي والذي أكتسب من جراءها موالين كثر له أصحبوا مصدراً أرهابيا لتجنيدهم لتنظيم القاعدة. فبعد فترة من الزمن، أي بعد فوات الأوان وأصبح لأبو قتادة تلاميذ أرهابيون، أدركت السلطات البريطانية نواياه الإرهابية  فمنعته من ألقاء الخطب في المسجد المذكور إستناداً إلى قانون منع إستغلال المعابد الدينية لأغراض سياسية. غير أن أبو قتادة دافع عن نفسه قائلاً بأن خطبه ليست سياسية بل هي وعضات دينية وتثقيف في الدين الإسلامي ولا تخالف القانون ولكن مع هذا منعته السلطات البريطانية من ألقاء هذه الخطب في المسجد فما كان من أبو قتادة إلا أن يستغل حديقة ريجنت بارك الضخمة خلف المسجد لتكون مسرحاً لخطبه الإرهابية لكون القانون أعلاه  ينطبق فقط على المعابد الدينية وأن الحديقة هي مكان عام غير مشمول بهذا القانون. فأستمر في تبشيره الإرهابي من دون أن تستيطع السلطات البريطانيه منعه فكانت مغادرته لبريطانيا لغرض زيارة موطنه الأصلي فرصة للسلطات البريطانية لمنعه من الرجوع ودخول بريطانيا. لقد صدق "العبقري المجنون" القذافي عندما قال، بعد صدور قرار الإدارة الأمريكية بضرب أوكار الإرهابين في العالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قال: على الأميركان أن يقصفوا لندن التي هي أكبر وكر لأكبر الإرهابين في العالم المحميين بقوانين بريطانية. هذا غيض من فيض. فهناك الألاف من المشتبه بهم، بل بعضهم مؤكد منهم، في كون لهم إنتماءات أو علاقات بمنظمات إرهابية كقاعدة وداعش والصحوة وحزب الله اللبناني ولكن طبقاً للقوانين الإنسانية في حماية البشر لا تتجرأ السلطات المعنية في إلقاء القبض عليهم أو منعهم والحيلولة دون سلوكهم وتصرفاتهم الإرهابية. ألم يكن الأرهابيون الذين قاموا قبل بضعة أسابيع بتفجيرات مروعة في باريس و أمستردام  من المشبوهين وعلى قائمة الشرطة الخاضعين للرقابة؟ ولكن رغم هذا قاموا بعملهم الإرهابي وقتلوا الأبرياء وبدم بارد.

ألم يكن المجرم عمر صديقي متين الذي قام بقتل خمسين برئ وأكثر من هذا العدد كجرحى في أورلاندو في ولاية فلوريدا على قائمة مكتب التحقيقات الفدرالية الأمريكية ومن المشتبهين بهم الذين يتعاطفون مع داعش والأفكار الإرهابية المتطرفة؟؟. ولكن مع هذا كله لم تستطيع القوانين الأمريكية الإنسانية من إيقافه أو التحرك المسبق لإرتكابه الجريمة لأنه لم يرتكب أية مخالفة لهذه القوانين وبالتالي لم يكن للسلطات الأمريكية سند قانوني لإعتقاله. يقال بأن الإنسان يؤخذ بنواياه ولكن مع الأسف هذه القاعدة لا تنطبق على الألاف من المتطرفين الذين لهم نوايا شيطانية إرهابية ضد المجتمعات الديموقراطية المتحضرة. فالتحرك في هذه المجتمعات ضد الأرهابيين هو بعد أن يقع الفأس على الرأس وبعد فوات الأوان وهدر دماء المئات من الأبرياء. كان المجرم عمر صديقي متين مواطن أمريكي من حيث أوراقه الثبوتية وكذلك المحامي روبرت وليم قليتا هو مواطن أمريكي ولكن ليس من حيث أوراقه الثبوتية فحسب بل من حيث عمله ومثابرته للبلد الذي مد له يد العون وفتح له طريق المستقبل والإستقرار المهني والفكري والإجتماعي وبالتالي كانت خلفيته الحضارية ومن جميع جوانبها التاريخية والثقافية والفكرية والدينية تلزمه أن يكون مخلصاً ووفياً للبلد الذي أحتضنه ومنقذاً للألاف الذين كانوا يبحثون عن الحياة المستقرة في الولايات المتحدة الأمريكية. على العكس منه تماماً، فبالنسبة للمجرم عمر صديقي متين فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية وفرت له ولوالديه كل المستلزمات الضرورية للحياة المستقرة والمضمونة التي لم تكن إطلاقاً متوفرة في موطنه الأصلي (إفغانستان) إلا أنه خان الأمانة بخسة ورذيلة وقتل أبرياء ليس لسبب غير خلفيته الحضارية والثقافية والفكرية وحتى الدينية. المحامي روبرت وليم قليتا، حامي  الناس من الذبح والتهجير والإضطهاد والباحثين عن الحياة، ينتمي إلى حضارة عظيمة عمرها أكثر من سبعة ألاف سنة، حضارة بلاد مابين النهرين (السومرية الأكدية البابلية الآشورية الكلدانية) التي أعطت للإنسانية كثير الكثير من مقومات الحضارية المعاصرة ويؤمن بمعتقدات دينية عمرها أكثر من ألفين سنة كلها محبة وتسامح وتعظيم لإنسانية الأنسان إينما كان. بينما ينتمي المجرم عمر صديقي متين، قاتل الأبرياء، إلى حضارة القتل ونحر الرقاب وتفخيف السيارات وتكفير الإنسان عمرها بضعة سنوات وبعمر تنظيم القاعدة وداعش وغيرهم من المنظمات الإرهابية. المحامي روبرت أعتمد على القوانين الإمريكية ليمارس حياته في الولايات المتحدة الأمريكية وأعتمد عليها بإخلاقية ونزاهة في حياته اليومية وفي علاقته مع الغير. أما المجرم عمر فقد إستغل نفس القوانين ليمارس عمله الإرهابي ويقتل الأبرياء. لقد وفرت هذه القوانين فرصة للمحامي روبرت ليقتني معارفه وعلومه من الجامعات الأمريكية في حين أستغل القاتل عمر القوانين الأمريكية التي وظفته في شركة للخدمات الأمنية ويستغل خدماته فيها ويستخدم خبرته القتالية في قتل الأبرياء. فهذه الخبرة هي التي كانت السبب الرئيسي في أن يستطيع شخص واحد وبسلاح خفيف أن يقتل خمسين شخصاً ويجرح أكثر من هذا العدد ويحتجز العشرات كرهائن وهو أكبر حدث إجرامي من هذا النوع في تاريخ الولايات المتحدة، أي شخص واحد يقتل عدد كبير من الناس.

 شتان بين حامي حياة الناس وبين قاتل الناس. شتان بين الحضارة الإنسانية العظيمة التي ينتمي إليها المحامي روبرت والتي كانت وأصبحت مصدراً للحضارات الأخرى وبين الصناعة الثقافية الإجرامية للقاعدة وداعش في خلق تبريرات دينية لذبح الناس الإبراء والتي ينتمي إليها المجرم عمر. أليس من الظلم والإجحاف أن يكون في هذه الأيام المحامي روبرت قليتا الإنسان النزيه والمخلص للأرض التي أحتظنته مدان بتهمة تزوير أوراق، أن صح ذلك،  لم يكن الغرض  من عمله إلا أنقاذ حياة الناس الأبرياء ولكن مع الأسف اصبحت هذه التهمة مصدر قلق وإنزعاج لعائلته وأصحابه وأبناء أمته. أليس من الظلم والإجحاف أن يكون المجرم عمر في نظر أهله وأقاربه بطلاً وفي مصادر إنتماءه الإرهابي شهيداً... هذا الفرق الشاسع بين هاتين الحالتين ليس سببها النصوص القانونية بل ما هو خلف هذه النصوص وكيفية فهمها وتطبيقها، فليس من الإنصاف أن تطبيق هذه القوانين الإنسانية بالتساوي على الإنسان المتمسك بإنسانيته المقرة دنيوياً وسماويا من جهة، وعلى الإنسان المتجرد كلياً من إنسانيته المقرة شيطانياً وجهنمياً من جهة أخرى. فإلى متى لا تسطيع السلطات الرسمية في الدول الديموقراطية المتحضرة فهم هذه الحقيقة وأن تكف عن الإنصاف بين الإنسان النزيه الباني للقيم الحضارية وبين الإنسان المدمر لها. مضى على مذابح المسيحيين على أيدي الأتراك وحلفاؤهم المسلمين قبيل وأثناء الحرب الكونية الأولى وما بعدها أكثر من مائة سنة ولا يزال البعض عاجزاً كلياً عن فهم هذه المذابح المعروفة بـ "سيفو وخلفياتها الحضارية والفكرية والدينية.  فإستمرار عجز الفهم الحضاري بين هذا المحامي وذاك المجرم سيؤدي بالنتيجة إلى المزيد من إستغلال القوانين الإنسانية للمجتمعات المتحضرة من قبل الإرهابيين وبالتالي إستمرار عدم الإستقرار وزيادرة الأعمال الإرهابية. فهناك الألاف من أمثال المجرم عمر قابعين في "خلايا نائمة" متلحفين بلحاف الجنسية الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية لا يكفيها إلا حجة سخيفة لا علاقة لها بهذه الدول أو بمواطنيها الأبرياء، حتى وأن كانت هذه الحجة تصرف من مجنون في الدانمارك أو في إيطاليا أو في القمر قام بإهانة نبي الإسلام أو حرق الكتاب المقدس "القران" إلا وأن تثور ثائرتهم ويركب الشيطان رأسهم فيلجأون إلى الأعمال الإرهابية وقتل الأبرياء وبدم بارد.

وأخيرا أود التأكيد بأن المشكلة ليست في المجرم عمر وتقف عند حده بل في الفكر السائد والمبرر لمثل هذه الأعمال الإرهابية في القتل والتدمير. للنظر ونسمع إلى والد المجرم عمر كيف يبرر تصرف أبنه الإجرامي. يعتقد هذا الوالد بأن باعث عمل أبنه الإجرامي لم يكن ديني بل إخلاقي. فهو كمسلم مؤمن يرى في الشذوذ الجنسي تصرف غير إخلاقي ولا ديني ويخالف شريعة الله حسب معتقده الديني لذلك قام بهجومه المسلح على النادي الليلي للمثليين الجنسيين وقتل وجرح أكثر من مائة إنسان برئ. تبرير سخيف جداً ويجرم أبنه أكثر فأكثر لأنه لا يجوز إطلاقاً أن يأخذ أي شخص في العالم القانون بيده ويطبقه على الناس فالسلطات الرسمية هي المخولة بتطبيق القوانين خاصة وأن النادي الليلي كان مجازاً قانونياً وأن تصرف المثليين الجنسيين مقر قانونياً ولا يخالف القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الملاحظ بأن مثل هذا التبرير في كون الباعث إخلاقي وليس ديني يتناقض مع الإتصال الذي أجراه المجرم عمر مع الشرطة الأمريكية، حسب تصريحات مكتب التحقيقات الفدرالية، حين قال بأنه ينتمي إلى داعش ثم قال أنه ينتمي إلى القاعدة ثم إلى صحوة فحزب الله اللبناني... وهكذا ليؤكد إنتماء الفكري الإرهابي لكل التنظيمات الأرهابية التي تعاد الولايات المتحدة ومجتمعها المتحضر. 

صحيح هو أنه من حق أي إنسان أن يؤمن بما يؤمن به ويدافع عنه وكان من حق المجرم عمر أن يرفض مثل هذه السلوكات الشاذة ولكن ليس بقتل الأرواح. فكان الأجدر به أن يتنازل عن جنسيته الأمريكية ويهاجر إلى أي بلد إسلامي لا يقر قانونياً بالشذوذ الجنسي وهي الحالة السائدة في  جميع الدول الإسلامية والعربية من الناحية الرسمية والقانونية ولكن من الناحية الفعلية فمثل هذا الشذوذ سائد وبشكل واسع في أكثر الدول إسلامية ومنها المملكة العربية السعودية حيث ظاهرة الشذوذ الجنسي بين النساء المعروفات بـ "السحاقات" سائدة وموضوع مطروح للمناقشة في الكثير من الفضائيات العربية. لو كان الأمر محصوراً في والد المجرم عمر في تبرير عمله الإجرامي لهان الأمر بإعتبار سلوك طبيعي للوالد تجاه ولده ولكن من الملاحظ بعد الحادث الإجرامي لعمر أنطلقت الأخبار والمقابلات على بعض الفضائيات العربية والإسلامية وبنفس المنحى في تبرير العمل الإجرامي لعمر من قبل بعض المفكرين الإسلاميين على أن ما قام به عمر ليس عمل إرهابي بل بواعثه إخلاقية ورفضه لسلوكيات الشذوذ الجنسي. فإذا كان هذا تبرير لبعض المفكرين الإسلاميين المتشددين، فلا أدري كيف سيبررون نكاح داعشي للحمير؟ أفهل هناك من يقتله لأنه مارس شذوذ جنسي مع حيوان وليس إنسان؟.

نعيد ونكرر مرة أخرى بأن المحامي روبرت وليم قليتا برئ وفق القوانين الأمريكية عندما يفهم مشرعيها ومطبيقها الحضارة العظيمة الإنسانية التي ينتمي إليها ويفهمون إيمانه المطلق بإنسانية الإنسان، جوهر المبادئ الأمريكية والديموقراطية التي تقوم عليها دولة الولايات المتحدة الأمريكية.  وأن عمر صديقي متين هو ومن يسانده ويدعمه مجرمون بحق الولايات المتحدة الأمريكية وبحق الإنسانية جمعاء لأنهم ينتمون إلى ثقافة القتل والنحر والتكفير والتهجير ورفض الآخر وأنهم متجردون من إنسانيتهم. فإذا عجز المشرعون والمطبقون للقوانين الأمريكية عن فهم هذا الفرق الحضاري فأنه لا محال من إستمرار أعمال العنف والإرهاب في معظم الدول الديموقراطية ولا ضمان لتجنب مثل هذه الأعمال الإرهابية إلا بفهم هذا الفرق وأخذه بنظر الأعتبار عند تطبيق القوانين الإنسانية في هذه الدول.             

144
المدرسة الآشورية في إستراليا
فكرة وإجتماع... فجهود وإصرار... ثم إنجازات عظيمة
=======================================
أبرم شبيرا
كلمة لا بد منها:
----------

كلما أقرأ خبراً عن المدرسة الآشورية في أستراليا وما لحقها من أنجازات أخرى في تأسيس الكلية الآشورية ومدرسة تعليم اللغة الآشورية وغيرها من المؤسسات الإنسانية والإجتماعية، أنبهرُ كثيراً لا بل أستغرب من هذه الإنجازات الإستثنانية لمجتمعنا في بلد المهجر أستراليا، فتقفز إلى رأسي أفكار وتصورات عن هذا الحدث العظيم الذي يستحق كل التقدير والتثمين والشكر والإمتنان للقائمين على شؤونها، فلا أجد سبيلا لهذا إلا كتابة بعض السطور عنها لكي أبينها كنموذج  لبقية مجتمعاتنا في بلدان المهجر الأخرى يحتدى بها للتحرك نحو أنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل زوال هذه اللغة نهائيا من ألسنة أطفالنا في مجتمعات الضياع والإنصهار. والأغرب من كل هذا وذاك الذي يمتزج بنوع من الأمتعاض هو أن هذا الحدث العظيم في الحفاظ على لغتنا القومية في المهجر، رغم سعة إنتشار أخباره خاصة من خلال الموقع الألكتروني لإخبار كنيسة المشرق الآشورية ورغم أهميته العظيمة إلا أنه لم يهز ضمائر وقلوب وأقلام مثقفي وكتاب أمتنا لا بل وحتى أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية التي تغني ليل نهار بضرورة الحفاظ على لغتنا القومية، ولم تتحرك ببنت شفة لكتابة بعض سطور التثمين والتقدير والتقييم وحتى النقد. لا لوم عليهم "الله يساعدهم" فشغلهم الشاغل هو التناطح والإنتقادات والتهجم بعضهم على البعض خاصة وأحزابنا السياسية مشغولة جداً باللهوث وراء الكراسي والمناصب فلا وقت لهم للإهتمام باللغة القومية وبتدريسها لأن عند البعض هي لغة لا توكل الخبر. هذا الأمر يذكرني باللغوي المشهور والمؤرخ الكبير المرحوم الشماس كوركيس بنيامين أشيتا طيب الله ذكراه، عندما قال، وهو يحاضر في النادي الثقافي الآشوري في بغداد في بداية السبعينيات من القرن الماضي عن اللغة القومية الآشورية: البعض يقول بأن تعلم اللغة الآشورية لا توكل الخبر... ثم أردف غاضباً ومنفعلاً وقال صارخاً: (خيلا كيبا دبستا)

أي بما معنا (أكل حصى بستا – وهو نوع من الحصى الصلد الذي يتراكم بجوانب الأنهر- كما أعتقد)

فكرة وإجتماع :
----------

كل عمل عظيم أو إنجاز كبير لا يبدأ إلا بفكرة أولية قد تكون بسيطة في بدايتها، لا بل قد تبدو في أحيان أخرى ساذجة ومستحيلة ولكن عندما يسندها إيمان راسخ وإرادة قوية وتصميم جدي ويؤازرها دعماً جماعيا فالإحتمال كبير جداً أن تتحول هذه الفكرة البسيطة إلى عمل مثمر ويحقق إنجازات ربما قد تكون غير متوقعة في بداية الفكرة. هكذا فيما يخص تأسيس المدرسة الآشورية في أستراليا. فقد كانت مجردة فكرة بسيطة ولكن بطموح كبير وإيمان قوي، فكرة راودت نيافة الأسقف مار ميلس زيا، حاليا مطرابوليت كنيسة المشرق الآشورية والوكيل البطريركي لأبرشيات أستراليا ونيوزلنده ولبنان، وشغلت باله وأحتلت قمة إهتماماته. فخلال حديث غبطته أثناء الإحتفال باليوم العالمي للغة الأم في شهر شباط الماضي 2016 ذكر "أنه خلال فترة 30 عاماً التي تواجد فيها خارج العراق فإن المؤشرات كانت تشير دوماً إلى أنه هناك تباعدا للشباب عن العمل القومي والإجتماعي وقلة تفاعلهم بسبب ضعف روابط الصلة بينهم وبين الأمة لفقدان عامل اللغة الذي يشكل أهم عامل في المحافظة على الأصالة والتواصل معها". هذه كانت  فكرة عكست الواقع الصعب لأبناء أمتنا في أستراليا والذي كان يهدد وجودهم القومي بفقدان لغتهم القومية وتناقص أو إضمحلال الشعور القومي والإنتماء الحقيقي لهذه الأمة خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة والأطفال. وفي حينها أدرك غبطة المطرابوليت بأن مثل هذه الفكرة العظيمة يستوجبها مساندة جماعية من أبناء الأمة ومنظماتهم في أستراليا مدركاً بأن اليد الواحدة لا تستطيع التصفيق وأسماع الصوت لهم ، فما كان من غبطته إلا أن يلجاً إلى أبناء أمته لمناقشة الفكرة وتحقيقها على أرض الواقع.
 
في عام 1995، وأعتقد كان في بدايته، عقد غبطته إجتماع مع بعض المؤسسات والأحزاب الآشورية في أستراليا وكانت أجندة الإجتماع عن مدى إمكانية تأسيس مدرسة آشورية خاصة في أستراليا. وفي حينها نشر خبر هذا الإجتماع في صحيفة "الآشوري التقدمي" التي كان يصدرها حزب بيت نهرين الديموقراطي – العراق في إستراليا وتحت عنوان " خطوة في طريق الصواب" فأثار موضوع الإجتماع وهدفه النبيل إهتمامي الكبير وحفزني لأبني بعض التصورات والأفكار عن النظرة المستقبلية والنتائج الإستراتيجية لوجودنا القومي في المهجر متخذا من بادرة تأسيس المدرسة الآشورية حالة للدارسة فكتبت موضوعاً تحت عنوان "أفاق إستراتيجية للوجود القومي الآشوري في المهجر" ونشر في حينها في عدد شباط 1995 من الصحيفة أعلاه ومن ثم نشرتهَ مع بعد التعديلات والإضافات في كتابي المعنون: الآشوريون في السياسية والتاريخ المعاصر الذي أصدره إتحاد الأندية الآشورية في السويد عام 1997 . وفي حينها أخذتُ فكرة تأسيس المدرسة الآشورية بنوع من الجدية لكونها بدأت بداية صحيحة وعلى طريق الصواب، ومن خطى ومشى على الطريق الصواب لا بد أن يصل إلى نهايتها ويحقق الأهدف فيما إذا أسندت بجهود إستثنانية وأستمدت عوامل نجاحها من الإيمان والإصرار والإرادة القوية. فمنذ الوهلى الأولى، وكأنسان قومي مهتم بهذه المسائل، أدركت ومن دون عناء وعسر الأهداف النبيلة للفكرة وأبعادها الإستراتيجية القومية التي تخدم أبناء أمتنا في بلدان المهجر لهذا أندفعت لأكتب بما يجود كوامني الغائرة من أفكار وطروحات عسى أن نساهم من موقعنا في أبراز المعالم العظيمة لهذه الفكرة وأهميتها في إستمرار وتواصل الوجود القومي الآشوري المتميز في بلدان المهجر. وهذه السطور ما هي إلا أمتداد لفترة تزيد عن عقدين من الزمن واكبت منذ بدايتها حتى هذا اليوم كل ما تحقق من إنجازات كبيرة على هذا المستوى، خاصة بعد أن تبرعمت الفكرة والإجتماع وجني ثمارها وتجسدت في المدرسة الآشورية وكلية مار نرسي  وغيرهما من المؤسسات التي تديرها كنيسة المشرق الآشورية في أستراليا.

جهود وإصرار... ثم إنجازات عظيمة:
--------------------

نظرة بسيطة ولكن ثاقبة إلى واقعنا القومي سوف نستدل منها بأن للكثير من أبناء أمتنا أفكار خلاقة ومبدعة ولكن مما يؤسف له بأنها في معظمها تكون عاجزة عن إختراق حدود الفكرة ومن ثم العمل لأنزالها إلى الواقع العملي وتطبيقها وبالتالي تتطاير في الهواء وتختفي. من المؤكد الكثير من قراءنا الأعزاء يدركون عندما تكون المسائل القومية حديث يجمع أثنين أو أكثر من أبناء أمتنا ويشحن حديثهم بالحماس والإنفعال، خاصة عندما يكون "الكأس" وقودا لهذا الحماس، تصبح مسألة تحرير آشور وإعادة بناء الإمبراطورية الآشورية قاب قوسين. ولكن ما أن ينتهي لقاءهم بالوداع حتى تتطاير كل الأفكار من رأسهم وكأن شيئاً لم يكن. لقد شبهت هذا الأمر في السابق في كون لأمتنا هيئة تشريعة قوية ولكن لا تمتلك هيئة تنفيذية. كم من الأفكار المبدعة والطروحات المفيدة لهذه الأمة عرضت ونوقشت ولكن لم تنال حقها من العمل والتنفيذ... لماذا؟؟ لأن لو تفحصنا في كوامنها لنجد بأنها تفتقر إلى مبادرات في بذل الجهود المدفوعة بالإصرار والإرادة القوية والإيمان بالفكرة وإمكانية تحقيقها ومن دون إحباط أو تردد أو تراجع من أول عثرة. والمدرسة الآشورية في إستراليا وما لحقها من إنجازات أخرى مثال في هذا السياق. فمن المؤكد عندما بادر غبطة المطرابوليت مار ميلس زيا عام 1995 بفكرة تأسيس المدرسة كان يتصور الكثير بأنها فكرة صعبة التحقيق أن لم نقل خيالية ومستحيلة خاصة في مجتمعات كمجتمعنا في المهجر حيث الإستقرار غير مضمون والتكامل مع ظروف المهجر ضعيف وصعب التحقيق والموارد المالية والمعيشية ضئيلة والوقت في معظمه مخصص للهوث الفرد وراء المتطلبات المعيشية الصعبة، هذا ناهيك عن الموارد المالية الضخمة التي يتطلبها تأسيس مدرسة خاصة في مجتمع يكون الغلاء سيد الموقف مضافاً إليه ضعف دخل الفرد الذي يتحكم في قراراته الخاصة والعامة. غير أنه يظهر في يومنا هذا، بأن الفكرة الأولية في تأسيس المدرسة تمخض عنها إنجازات كبيرة ولم تأبى للعثرات والصعوبات التي اعترضت طريقها، لأن الإيمان الصميمي بالفكرة و بالإرادة القوية والمثابر وتحمل الصعاب والتغلب عليها عوامل كلها ساعدت على نقل الفكرة إلى الواقع العملي والتطبيقي وبإنجازات لا مثيل لها في مجتمعاتنا في بلدان المهجر. 

فمنذ ولادة فكرة تأسيس المدرسة الآشورية في إستراليا عام 1995 وحتى يومنا هذا تم تحقيق إنجازات تعتبر بمقايس ظروف مجتمعنا في بلدان المهجر إنجازات عظيمة. فيخبرنا الموقع الألكتروني لكنيسة المشرق الأشورية في إستراليا الذي يديره وبإقتدار الشماس سامي القس شمعون  بأن المؤسسات التربوية التي تديرها الكنيسة هي:
•   مدرسة القديس ربان هرمزد الابتدائية، للفئة العمرية ( 5 – 12 ) سنوات.
•   دار رعاية الاطفال – النعمة – للفئة العمرية ( 2 – 4 ) سنوات.
•   مركز القديس ربان هرمزد للتعليم المبكر للأطفال ( 4 – 5 ) سنة.
•   كلية مار نرساي الآشورية للفئة العمرية ( 12 – 18 ) سنة.
•   كلية اللغة الاشورية للاعمار 18 فما فوق.
•   اضافة الى بناء قرية القديسة مريم العذراء النموذجية والتي تضم 52 وحدة سكنية لكبار السن والمرضى.
•   كما للكنيسة مدرسة مار كوركيس لتعليم اللغة الآشورية في مدينة ملبرون الإسترالية
العلم الآشوري وأحرف اللغة الآشورية تزين جدران أحدى صفوف مدرسة مار كوركيس لتعليم اللغة الآشورية في مدينة ملبرون
--------------------------------------------------

فمن المؤكد بأن هذه الإنجازات لم يكن أمر تحقيقها وتواصلها نحو آفاق مستقبلية أبعد إلا بوجود خلفها إيمان قوي بهذه الكنيسة وبالأمة مقروناً بجهود مضنية وممارسات فاعلة على طريق الصواب وإصرار وبإرادة قوية على مواصلة السير نحو الأمام من دون تردد أو تلكئ امام العثرات والصعوبات. ليس هذا فحسب فإن توفر كل هذه الصفات والمميزات لتحقيق الفكرة ليست بكافية مالم يسندها ويغذيها تمويل دائم ومستمر قادر على تحريك وتسير هذه الإنجازت لتحقيق أهدافها، كما تفعل الوقود في تحريك سيارة فخمة. صحيح هو أنه كمدرسة وكغيرها من المدارس الخاصة تعتمد في جانب ما على أجور الدراسة التي يدفعها الطلاب والتي في كثير من الأحيان تكون غير كافية ولا تلبي جميع المتطلبات لتكون المدرسة نموذجية. غير أنه من المعروف أن الحكومة الإسترالية لها نظام تمويل ممتاز وفريد من نوعه في تمويل المدارس الخاصة ولكن رغم أهمية هذا، فأنه ليس "بيت القصيدة" بل الأهم هو كيفية فهم هذا التمويل والإستفادة منه بالشكل القانوني والأمثل في تحقيق إنجازات كبيرة لأبناء أمتنا. فغبطة المطربوليت مار ميلس زيا مع القائمين على شؤون المدرسة الآشورية في أستراليا وما لحقها من مؤسسات أخرى أستطاعوا الإستفادة القصوى من هذا التمويل وتسخيره لخدمة أبناء الأمة من خلال تأسيس هذه المؤسسات التربوية والإجتماعية. ففي هذه الأيام أعلن الموقع الألكتروني لكنيسة المشرق الآشورية عن المباشرة ببناء المبنى الضخم لكلية مار نرسي الذي ستكون كلفته الإجمالية بحدود 32 مليون دولار، ليكون بذلك إضافة إخرى إلى الإنجازات السابقة. وتمويل المدارس الخاصة ليس نظام حصراً في إستراليا بل هناك أنظمة تمويل للمدارس الخاصة في بقية بلدان المهجر في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا قد تكون مقاربة أو أقل "كرماً" من التمويل الإسترالي،  ولكن من المؤسف له بأن كنائسنا ومؤسساتنا المدنية، بإستثناء قليل في دولة السويد، عاجز تقريبا عن الإستفادة الكلية منها أو تسؤ إستخدامها فتتلاشى فائدتها في ترسيخ وتطوير مقومات وجودنا القومي في بلدان المهجر، فهذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي لا نجد مدارس ومؤسسات تربوية لمجتمعاتنا في الولايات المتحدة أو في أوربا كما هو الحال في إستراليا. وهنا أقول بأنه لا يكفي أن يكون مسؤول الأبرشية مؤمن وورع ومتنسك فحسب  بل عليه أن يكون أيضا (Managing Director) أو (CEO) لأننا لسنا في عصر العزلة وزمن حيكاري، والإ ستغوض كنيستنا صراعاً مريراً مع الزمن من أجل البقاء. والقارئ اللبيب يفهم من هذه الإشارة القصد منها.

 

نموذج لمشروع كلية مار نرسي الذي هو قيد التشييد
---------------------------------
إن الإنجازات العظيمة والجهود المبذولة لإستمرارها كثيرة وعرضها يطول كثيراً، وإختصاراً أقول لمن يرغب المزيد عليه الدخول على الموقع الألكتروني لكنيسة المشرق الآشورية في إستراليا وسيجد كثير الكثير من هذه الإنجازات ويتأكد لجزء مما ذكرناه في أعلاه.

الأبعاد الإستراتيجية القومية للمدرسة الآشورية في إستراليا
-------------------------------

للوهلة الأولى قد يبدو بأن مسألة المدرسة الآشورية وما تبعها من أنجازات أخرى في أستراليا حالة فريدة وإستثنانية وأن أمر المحافظة على لغة الأم في بلدان المهجر صعب جداً أن لم يكن مستحيلاً خاصة على المدى البعيد ونحن نعرف بأن قانون صراع اللغات لايرحم لغة الأقليات حيث تكون في نهاية المطاف الغلبة للغة الأكثرية السائدة والرسمية خاصة في المجتمعات الديموقراطية التي تكون أبوابها مفتوحة على مصراعيها أمام كل الثقافات واللغات لدخول حلبة الصراع الثقافي واللغوي. من هذه البديهية فأن اللغة الآشورية وبمدرستها في إستراليا كان عليها أن تغوض صراعاً مريراً  مع غيرها من اللغات خاصة الإنلكيزية، اللغة التعليمية والرسمية السائدة في كل مناحي الحياة، من أجل البقاء وإستمرارها على ألسنة أطفالنا. كما أن التعليم بالمناهج الرسمية المقررة وباللغة الإنكليزية مع تعليم اللغة الآشورية كلغة فقط أمر آخر يصُعب مهمة الحفاظ عليها لأجال بعيدة. من هذا المنطلق يجب أن نكون واقعيين وغير مبالغين في تحمسنا وأندفاعنا القومي وأن نتصور بأن المدرسة الآشورية في أستراليا في سياقها الزمي (الألفية الثالثة وعصر العولمة) والمكاني (مجتمع المهجر المنفتح) تسطتيع أن تضمن تخرج طلاب نابغين في اللغة الآشورية وأن يجاري طلابها طلاب المدارس السريانية في وطن الأم الذين يدرسون كل المناهج التدريسية بلغة الأم، ولا أن نتصور بأنها قادرة على خلق عباقرة التاريخ في اللغة أمثال برديصان ومار نرسي وقاشا يوسب قليتا ولا أن يتخرج منها إختصاصون في اللغة أمثال الدكتور عوديشو ملكو والدكتور روبن بيت شموئيل وبينامين حداد والمرحوم  يونان هوزايا وميخائيل ممو مروكي وأمثالهم كثر في أرض الوطن. نعم من المؤكد بأن المدرسة الآشورية لا تستطيع أن تحقق هكذا "معجزات" في هذا العصر وفي بلدان المهجر. ولكن بالمقابل نستطيع التأكيد بأنها ستكون قادرة على أن تجعل تلاميذها قادرين على الحفاظ على لغتهم القومية والتحدث بها ومحاولة صيانتها وحمايتها من الضياع والإنصهار وليس من المستبعد أن يظهر بينهم مهتمين ومختصين بلغتهم القومية خاصة إذا لعبت عوائلهم دوراً إيجابيا وفاعلاً وشجعتهم على الإستمرار في هذا الحقل والتخصص فيه.
ليس هذا فحسب، أي اللغة القومية، فأنه من الإجحاف أن نحصر نشاط المدرسة الآشورية في هذا الحقل فقط بل لها أبعاد إستراتيجية قومية تساعد الحفاظ على كياننا القومي في المهجر ومواجهة تحديات عوامل الإنصهار والضياع. ففي تقرير نشره الموقع الألكتروني المذكور يقول فيه " تعتبر مدرسة القديس ربان هرمزد الابتدائية، اول مدرسة ينشئها شعبنا في بلاد الغربة ذات منظور استراتيجي ديني وقومي قائم على جمع ابناء وبنات الجالية معاً لترسيخ نمو الوعي والشعور الديني والقومي فيهم، ليتأصل بهم على مر الزمن من اجل حماية طلابنا من مفردات الانصهار والمحافظة على خصوصيتنا الثقافية والحضارية المتميزة التي ورثناها من اجدادنا...". إضافة إلى هذا الأمر القومي المهم فأن لطلاب المدرسة مكانة متفوقة بين المدارس الإسترالية الآخرى ويشيد لها بالبنان من حيث حسن إدارتها ورفعة سياستها وسعة إنفتاحها للطلاب الآخرين خاص ما حدث في السنوات الأخيرة حيث تم قبول الكثير من طلاب العائلات المهجرة من أرض الوطن إلى إستراليا وتقديم المساعدات المادية والمعنوية لهم. ويكفي أن نشير هنا، على سبيل المثال لا الحصر، أحتفال المئات من طلاب المدارس الآشورية بذكرى يوم الشهيد الآشوري في العام الماضي، فمثل هذه النشاطات من المؤكد سوف تزرع في ضمائرهم وعقولهم بذرات الفكر القومي و ترسخ فيهم عظمة التاريخ الآشوري، وسيتعزز وجودهم القومي حتماً وسيتضاعف أكثر عندما تحصل إدارة المدرسة على الموافقات الرسمية لتدريس مادة تاريخ الاشوريين.
   

 


طلاب المدارس الآشورية في إستراليا يقفون دقيقة واحدة أكراماً لشهداء أمتنا في يوم الشهيد الآشوري
---------------------------------------------------
وأخيرا أوكد للقارئ الكريم بأن هذا الموضوع ليس معرفياً ولا إستعراضيا للمدرسة الآشورية في إستراليا وما لحقها من من تأسيس مؤسسات تعليمية وإنسانية وإجتماعية فهذا الأمر يتطلبه عشرات الصفحات المطولة، ولكن هذا الموضوع هو تأكيد للدارسة التحليلية ذات البعد المستقبلي التي كتبتها في عام 1995 عن فكرة تأسيس المدرسة الآشورية في إستراليا التي أطلقها غبطة المطرابوليت مار ميلس زيا وتتأكد في هذه الأيام من خلال هذه المنجزات الإستثنانية. وفي حينها ذكرت: تبقى فكرة تأسيس المدرسة نفسها كخطوة فكرية أولية في مسيرة العمل القومي الصحيح والواقعي لضمان مستقبل وجود الأمة الآشورية في المهجر كأساس وكمجال حيوي لدعم وإستمرار نضال الآشوريين في بيت نهرين حتى يتم تحقيق مصيرهم القومي بأنفسهم ... وهو الأمل الذي ناضل أجدادنا في السابق، ويناضل في هذه الأيام أبناؤنا في الوطن من أجل الصمود والبقاء على أرض الأباء والإجداد، وسيناضل أطفالنا من أجله حتى يتم تحقيقه.

145
كيف نسيطر على سهل نينوى ونديره
وأحزابنا السياسية "الكلدانية السريانية الآشورية" متخاصمون؟
=================================
أبرم شبيرا

يعرف الجميع بأنني ليست عضواً في "نقابة" الذين يردون على المقالات المنشورة في موقع عنكاوه العزيز، فلا أرد على الردود ليس إستخافاً منها إطلاقاً بل على العكس فإنني أقرأها بتمعن وأستفاد منها كثيرا وأراجع بها أفكاري وكتاباتي معتمدها كأسلوب علمي لتطوير ثقافتنا وتوسيع مداركنا، حتى وأن كان البعض منها مقروناً بالشتائم والإتهامات غير المنطقية. وهنا لا أرغب أن أبين رأيي في مجمل هذه الردود، فالأستاذ الفاضل شوكت توسا كتب موضوعاً ممتازاً ووافياً عن أنواع وطبيعة هذه الردود الذي نشر في موقع عنكاوه فمن يريد معرفة المزيد عليه البحث عنه وقرائته. ولكن للحق أقول هناك بعض الردود التي ترد على ما أكتبه فتلهم مشاعري وتتفاعل مع أفكاري وتدفعني للكتابة عما ورد فيها خاصة الردود العلمية الرصينة وذات الفائدة لتطوير الفكرة وتوضيحها أكثر والتي يكتبها كتاب محترمين وواضحي الرأي وملتزمي الفكر خاصة فيما يتعلق بالمسائل الحساسة التي تخص أمتنا في هذا الزمن العصيب. من بين هؤلاء الكتاب أنتقي الأخ عدنان آدم 1966!! لماذا:
أولا: لأنه ملتزم ألتزاماً كاملاً وواضحاً ومبدأياً بفكر سياسي معين يتمثل في الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) وهو الإلتزام الذي يدفعني إلى أن أخمن بأن الأخ عدنان هو أما عضو قيادي في زوعا أو هو الناطق الرسمي والفكري لها، وهذا شرف كبير له يجب أن يفتخر به كما كنت أفعل أنا عندما كان البعض يصفني بالعضو القيادي المختفي "السري" في زوعا أومنظر لها. فالمعلومات الواسعة التي يملكها الأخ عدنان عن زوعا وسياستها وتصريحاته وأراءه كلها تصب في نفس تيار زوعا وهذا هو الذي يؤيد تخميني في هذا السياق ليصبح بحكم المؤكد. لي معرفة واسعة ليس بفكر وسياسة زوعا فحسب وإنما تقريباً بمعظم قادتها وكوادرها ولي أيضاً مع بعضهم صداقة طويلة ودائمة لحد هذا اليوم ولكن لم أسمع إطلاقاً بأسم عدنان آدم. فإما أن يكون إسماً مستعارً، فإذا كنت على خطاً فيستطيع الأخ عدنان أثبات ذلك بوضع صورته بجانب أسمه كما يفعل كل الكتاب الموضوعيين، او أن عدنان آدم هو أسمه الحقيقي وأنه من جيل الشباب المولودين عام 1966 وأنا لا أعرفه رغم زيارتي المتكررة لمقر زوعا سواء في عنكاوه أو دهوك كلما أزور الوطن. على كل  فهذا شأنه الخاص ولكن للنصيحة نقول لو وضع صورته بجانب أسمه لخلق نوع من الثقة عند القراء ومصداقية أكثر حينما يعرف القراء من هو الكاتب.
ثانيا: أن معظم ردود الأخ عدنان تأتي من ضمن صلب الموضوع الذي أكتبه رغم أن بعض الأمور يظهر بأنه لم يفهمها بشكل صحيح أو ربما إلتزامه الفكري والحزبي يصبح غطاءاً يصعب عليه فهم مضمون بعض الأفكار الواردة في الموضوع الذي أكتبه والتي لا تتسق مع نهج زوعا السياسي. ولكن مع كل هذا فالإحترام واجب علينا عندما يحترم الكاتب نفسه بألتزامه بإخلاقية الكتابة ورصانة مخاطبة الآخر وهذا ما نشاهده في ردود الأخ عدنان على ما أكتبه.
ثالثا: يورد الأخ عدنان بعض المعلومات عن زوعا وكأنني لا اعرفها في الوقت الذي كتبت الكثير عن زوعا ومسيرتها وسياساتها وإنجازاتها وأيضا أنتقدت إنتقاداً علمياً موضوعياً عن بعض جوانبها وممارساتها والتي ظهرت فيما بعد بأنها كان بعضها مقبول لدى عدد من قادتها ولم أهاجم شخصياً أي منهم غير الموقع أو المنصب الذي يشغله وسوء إستخدامه. من هذا المنطلق فإن إحترامي لزوعا ولنضالها التاريخي ولبعض قادتها المخلصين أستوجب عليهم بالمقابل إحترامهم لي. فكلما أزور مقرها في عنكاوه أو دهوك أتلقى إستقبالاً كبيراً وترحيباً واسعاً. وهذا لا يقتصر على زوعا فحسب بل أيضاً على كيان أبناء النهرين والحزب الوطني الآشوري (أترنايا) والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (المجلس) وغيرهم لأنهم جميعاً يعرفون بأنني أنتمي إلى هذه الأمة وليس إلى أي حزب من هذه الأحزاب. فهناك فرق كبير بين هاذين الإنتمائين وهو، أي الفرق، مصدر الإختلاف في الأراء والأفكار وهذا موضوع شيق وطويل سنسرد له تفاصيل أكثر في مناسبة لاحقة.على العموم وإنطلاقاً مما ورد أعلاه سوف لا نرد على الأخ عدنان على ما كتبه من رد اوملاحظات على الموضوع الذي كتبته بعنوان (أين موقف المسيحيين "الكلدان السريان الآشوريين" من الإرهاصات السياسية الحالية في العراق" الذي نشر في موقع عنكاوه. للمزيد أنظر الرابط في أدناه مع التعليقات، بل سأبين بعض الملاحظات التي فاتت عليه أو لم يفهما بالأساس أو لا تتطابق أو تتماشى مع نهج وسياسة زوعا خاصة فيما يتعلق بوجود ممثليها في البرلمان المركزي والأقليمي.

أستغرب أكثر على إستغراب الأخ عدنان على تكرار مطالبتي إستقالة "ممثلي" أمتنا من البرلمانين المركزي والإقليمي مع العلم بأن لحزبه أو قائمته عضوان فقط من خمسة أعضاء من "المكون" المسيحي في كلا البرلمانين. فممثلي القوائم الأخرى، وهي المجلس الشعبي والوركاء الديموقراطية وكيان أبناء النهرين  لم يثير هذا الأمر حفيظتهم ولم يردوا على فكرة الإستقالة في هذا الموضوع ولكن زوعا أو قائمة الرافدين ممثلة بالأخ عدنان ثارت ثائرته ولا ندري سببها هل هو خوفاً على فقدان الكراسي أم حرصا على أن يكون لهما موقع قوة وهما داخل البرلمان أكثر مما هما خارجه. ولكن إذا أفترضنا بأنه الحرص والحفاظ على موقع القوة والتأثير فأن تبرير الأخ عدنان لهذا الحرص لا يملك حد أدنى من المنطق والواقعية، خاصة عندما يشير إلى موضوع تحرير سهل نينوى. فهو يقول (يطلب كاتبنا المعروف أبرم شبيرا بأن ينسحبوا ممثلين شعبنا من البرلمان العراقي والإقليم، وقد تسألنا سابقا ماذا بعد تحرير سهل نينوى، والجميع يعلم أن السهل يحتسب أحد من الأراضي المتنازع عليها بين المركز وبين الإقليم، فكيف سوف يكون موقف شعبنا أن لم يكن متواجد في التفاوظات حول السهل بين المركز والإٌقليم بإعتبار إن إنسحاب ممثلينا يعطي أريحيا لآخرين ومثال على ذلك إنسحاب وزير في الإقليم جونسون سياويش ولم يتم تعيين أحد من شعبنا محله فيما شعبنا المهاجر من سهل نينوى تواجد في الإقليم وكان ينفعهم بقاء الوزير في حكومة الإقليم أكثر من إنسحابه... أنتهى الإقتباس).

أستغرابي الشديد هو أن ما يذكره الأخ عدنان لا يقوم على أي أساس منطقي وواقعي في فهم واقع الحال لشعبنا ولسياسات وتوجهات الفئات الحاكمة في العراق تجاه شعبنا ويتجاهل طبيعة العلاقة الشاذة والفاترة، أن لم نقل علاقات متوترة، بين أحزابنا السياسية خاصة الذين لهم ممثلين في البرلمانين. كان من المفترض على الأخ عدنان أن يعرف موقفي من هذه المسائل التي كتبت عنها كثيراً التي من المؤكد سوف كانت لا تزرع فيه حالة من الإستغراب. فبالنسبة لإستقالة السيد جونسون سياويش، سبق وأن أكدنا بأن الإستقالة الفردية لا تعطي نتائج ولا تعكس ردود فعل على مستوى واسع تفيد أمتنا بل دعوتنا كانت لإستقالة جماعية وسبق بينًا نتائجها الإيجابية المحتلمة. كما أن كون السيد جونسون من منتسبي المجلس، غريم زوعا في البرلمانين وخارجها، خضع موضوع إستقالته إلى تأويلات حزبية وأستخدمت للمناطحات السياسية، وأعتقد لو كان السيد جونسون من أعضاء زوعا لكان قد أختلف موقف الأخ عدنان من أستقالته وفسرها بما يتوافق مع سياسة زوعا. وهنا يتجاهل الأخ عدنان وبقصد موضوع عدم تعيين وزير بديل من "المكون" المسيحي ملقياً اللوم على الحكومة الإقليمية ناسياً بأن عدم إتفاق أحزابنا السياسية على شخص معين للتوزير هو سبب رئيسي لكي تبرر السلطات الكردستانية عدم تعيين وزير جديد والحال نفسه بالنسبة للسلطات المركزية في بغداد.

أما بالنسبة لتحرير سهل نينوى وما بعد التحرير ومدى تأثير "ممثلي" أمتنا في البرلمانين على مجريات الأمور، أقول بأن السيد عدنان ومن خلال معلوماته يظهر بأنه يعيش في قلب الأحداث السياسية في الوطن وربما هو كادر حزبي متفرغ للتعامل مع هذه الأحداث فإذن المفروض أن يكون سيد العارفين بكل ما يجري هناك داخلياً (قومياً) وخارجياً (وطنياً). فهو ليس مثلي فأنا شخص أو كادح أعمل ساعات طويلة لأكسب خبزي اليومي وبعيد أعيش في بلاد المهجر وغير متمرس لا في السياسة ولا في الشؤون الحزبية ولا أنتمي لأي حزب سياسي وإنما أنتمي إلى هذه الأمة التي من خلالها أنظر للواقع بمنظار قومي واسع وبما يتوافق مع مصلحة الأمة. في حين الأخ عدنان ينظر إليها بمنظار حزبي ضيق وبما يتوافق مع مصلحة حزبه قبل مصلحة الأمة. من هذا المنطلق أقول بأن تحرير سهل نينوى وإدارتها بعد التحرير ومشاركة أبناء أمتنا فيها ليست مسألة حزبية ومهمة حزب سياسي واحد بل هي مسألة قومية حساسة تهم الجميع ومن المؤكد تهم جميع أحزابنا السياسية خاصة الذين لهم تشكيلات عسكرية. فمثلما لزوعا تشكيل عسكري كذلك لأترنايا و لتحالف إتحاد بيت نهرين الوطني وحزب بيت نهرين الديموقراطي تشكيل عسكري ونحن والجميع وعلى رأسهم الأخ عدنان يعرف جيداً التجاذبات السياسية القائمة بين هذه التنظيمات السياسية وقواتها العسكرية نحو القوى المتصارع في العراق كنتيجة للصراع الدائرة في المناطق المتنازع عليها ومنها سهل نينوى. إذن كيف نتصور أن يكون لشعبنا دوراً فاعلاً في إدارة سهل نينوى بعد التحرير وأحزابنا السياسية في خصام ونزاع؟؟ كيف نتصور بأن "ممثلي" أحزابنا السياسية في البرلمانين سيكون لهم دور مؤثر وهم لا يستطيعون الإتفاق على أبسط الأمور، ومنها طلبي في نشر صورة في المواقع الألكترونية وهم متكاتفين لكي تكون بشرى أولية لتضامنهم رغم بساطته لا بل وسذاجة الطلب. لقد قال السيد مسعود البرزاني رئيس الإقليم بأن حدود كردستان سيحددها الدم وهذا ليس بعيدا أبداً عن سهل نينوى والذي نعرف عنه بأنه كان حتى قبل أحتلاله من قبل قوات داعش الإجرامية منطقة هيمنة للكورد والبيشمركة وكان العلم الكردستاني يرفف فوق معظم بلدات سهل نينوى ومن المؤكد بأن الصراع الدموي في منطقة سهل نينوى بين داعش المجرمة والقوى العراقية من العرب والكورد والتركمان سينتقل إلى صراع عراقي – عراقي أو عراقي – إقليمي أو إلى صراع عربي – كردي فأين سيكون موقعنا من هذا الصراع وما ماهو تأثير أحزابنا السياسية وتشكيلاتها العسكرية من هذه الصراعات ونحن غير متفقين على الحد الأدنى. من المؤسف أن أكون هنا متشائماً بأن الوضع سيكون أسؤ بكثير مما نتصروه طالما هذا التشائم قائم على الخلافات والنزاعات القائمة بين أحزابنا السياسية وعدم الإتفاق على الحد الإدنى لحماية وجود شعبنا في سهل نينوى.
أن موضوع طلب الإستقالة ليس عمل سلبي بل يتبعه عمل إيجابي مهم قد يكون مؤثراً في الأحداث ويشكل وزناً قوميا في موازين القوى السياسية المتصارعة في سهل نينوى وهو تشكيل مجلس أعلى للـ "الكلدان السريان الآشوريين" من الأعضاء البرلمانين العشرة مع ممثل أو أسقف من كل فرع من فروع كنيسة المشرق. فمثل هذا التشكيل من المؤكد سيكون عامل تأثير يخشاه غيرنا وسيحسب لأمتنا حساب آخر. وحتى أكون مرناً في هذه المسألة وأطمئن "ممثلي" أمتنا في البرلمانين على موقعهم البرلماني وعلى "راتبهم" ربما يستطيعون التفاهم والإتفاق على فكرة تشكيل المجلس الأعلى، أو لنقل كتلة برلمانية موحده، ولكن من دون إستقالتهم... أفهل هذا ممكن؟؟ سؤال موجه لهم. أما بخصوص فساد الهيئات البرلمانية والحكومية سواء في المركز أو الإقليم فهذه الحقيقة لا تحجبه لا الغربال ولا تأويلات الخائفين على كراسيهم، فالموضوع السابق فيه تفاصيل كثيرة ولا نريد الإطناب أكثر.

الموضوع أعلاه له أهمية كبيرة ولكن مع هذا سنحاول بقدر الإمكان الإكتفاء به تجنباً للإطالة لأن الكثير من الأمور الأخرى التي أغفلها الأخ عدنان موجودة في الموضوع السابق أو المواضيع الأخرى ذات الصلة والتي كتبتها ونشرت في موقع عنكاوه. ولكن مع هذا أشير بإختصار وأقول بأنه يظهر بأن الأخ عدنان لم يقرأ الموضوع جيداً، فموضوع عدم توحد "ممثلي" أمتنا في البرلمانين ذكرته بشكل واضح في كون السبب هو عدم تفاهم وإتفاق أحزابهم السياسية على الحد الأدنى. أما بالنسبة للتشيكلات العسكرية لأحزابنا فقد كتبنا موضوعاً خاصة بهم وأشرت بالتفصيل إليه في الكثير من اللقاءات مع أبناء أمتنا في دول المهجر. وأقول وأكرر هنا النقطة الأساسية والجوهيرية والخطيرة في هذه المسألة وهي أن إنتقال خلاف ونزاع قوى المجتمع المدني بما فيها الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية من المستوى المدني إلى المستوى العسكري هو أمر خطير جداً لا بل مسبب رئيسي لصراعات عسكرية قد تكون دموية وممية. فالمجتمعات مثل هذا القبيل، أي التي يتحول وينتقل نزاع أو صراع مدني فيها إلى نزاع وصراع عسكري هي مجتمعات غير مستقرة ولا تتوفر فيها الأمن والإستقرار ويسودها الفوضى السياسية والأمنية والإجتماعية والإقتصادية وهي الحالة السائدة في العراق. والعكس صحيح، فالمجتمعات التي تضع حواجز صلدة وتسن قوانين تحول دون إنتقال أي نزاع أو صراع مدني إلى المستوى العسكري هي المجتمعات المستقرة والمتطورة والمتمتعة بالإستقرار والأمن، وهي الحالة التي تسود في المجتمعات الديموقراطية حيث يمنع منع باتاً تدخل الجيش والقوات المسلحة في المسائل السياسية فتكون حصراً تحت قيادة الحكومة المركزية.

أما بالنسبة لبعض الأمور التي يذكرها الأخ عدنان التي لها علاقة بزوعا وسياستها وشهداءها، يظهر بأنه أما لا يقرأ ما نكتبه أو يتجاهلها أو لايعلمها لأنه ربما كان في مقتبل العمر أثناءها خاصة فترة تأسيس زوعا وإعتقال بعض عناصر قيادتها في عام 1984 من قبل نظام البعث الإستبدادي وأستشهاد آخرون عام 1985. هنا لا أرغب التفصيل فيها بل أقول إذا كانت الحالة الشخصية تسمح لك أن تسأل الأخ رعد إيشايا أسحق أو الأخ أمير أوراها أو الأخ رمسن أبرم بنيامين وغيرهم من المعتقلين الذين أعتقلوا أن تسألهم عن موقفي في تلك الفترة وكيف كان معظم أقاربهم وأصدقائهم قد فروا وأختفوا خوفاً من سطوة النظام الإستبدادي في تلك الفترة وأسألهم من كان أول من زارهم، من غير الأهل، وهم مسجونون في سجن أبو غريب؟ فطبعاً سيذكرون أسماء الأخ نوئيل داود توما والمرحوم المناضل إيشايا يونان والأخ شاؤل شاهين وأبرم شبيرا وهؤلاء جميعاً كانوا معروفين للسطات الأمنية وأزالمهم فيما يخص مواقفهم تجاه زوعا وقادتها. وهنا أزيدك معلومة يا أخ عدنان إذا لا تعرفها، فأنا لست مثل الذين يمدحون بزوعا وينافقون ويمسحون الأكتاف بل الكثير يعرفونني وحتى بعض قادة زوعا بأنني لست من هذا النوع بل إنا إنسان موضوعي وقومي أحب وأقدر أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية ولكل حسب فكره وعمله وإخلاصه وإنتجازاته. أتمنى أن كنت قد قرأت موضوع كتبته عن مسيرة زوعا وكيفية فمه تطورها على أساس (خطواتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء) وفي بعض الأحيان وحسب الظروف والمستجدات يكون الأمر معكوساً أي (خطوتان للوراء وخطوة للأمام) فهذه سنة التطور وفهمه. أما بالنسبة لشهداء زوعا والذين أعتبرهم أبطال وشهداء لهذه الأمة فأقول إذا سنحت الفرصة لك أن تزور قرية بليجانه ومقبرتها أبحث في تراب قبر الشهيد يوسف توما الزيباري لعل تجد القلم الذي دفنته في ترابه معاهداً بتسخير قلمي وفكري طيلة حياتي على نفس الطريق الذي ازقه دمه الزكي من أجل هذه الأمة.

وأخيراً أكتفي بهذا القدر وفي خاتمه أقول شكراً على تفعيل وتجديد بعض من أفكاري من خلال ردك على الموضوع السابق. وعلى الجانب الآخر أعاتبك لأنك سببت لي أن أترك عملي قبل نهاية الدوام الرسمي حتى أكتب هذه السطور وأخشى أن مديري سيقطع جزء من راتبي وأنت تعرف بأنني لست كادر حزبي متفرغ أو عضو برلمان في العراق الذين لا يحضرون الإجتماعات ولكن يقبضون روابتهم بالتمام والكمال... (اللي يجب نقش عوافي)...         
=====================================================
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=809920.0

146
أين موقف المسيحيين "الكلدان السريان الآشوريين"
من الإرهاصات السياسية الحالية في العراق ؟؟
============================
أبرم شبيرا

حاولت بكل الوسائل والمناهج والطرق العلمية والفكرية والنفسية والقومية والإخلاقية وحتى الشخصية المستخدمة في كل العلوم خاصة العلوم السياسية لأجد مكان وموقف لـ "ممثلي" أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" في مجلس النواب العراقي في الإرهاصات والنزاعات والصراعات التي تفعل فعلها المشين تحت قبة البرلمان فلم أجد أي مكان أو موقف أو تفسيرا لوجودهم  في مجلس النواب فتعبت وعجزت عن الإجابة للأسئلة الكثيرة التي يوجهها بعض الأصدقاء من أبناء أمتنا عن موقف "ممثلي" أمتنا من هذه الإرهاصات والنزاعات التي في مجملها طائفية ومصلحية وشللية هدفها الأساسي السلطة ولا غيرها والتحكم من خلالها برقاب مئات الألاف من العراقيين الذين تظاهروا في بغداد. المتتبع لأعمار هؤلاء المتظاهرين سوف يرى بأن معظمهم من الشباب الذين تقل اعمارهم عن الخمسة والثلاثين سنة، أي أنهم جيل الحروب العراقية المستمرة منذ عام1980، جيل بلا إستقرار ولا عمل ولا منظور مستقبلي في ظل الظروف السائدة في العراق. لهذا السبب فأن كل الترقيعات الوزارية الأخيرة لم تقنعهم فكان غضبهم أشد عندما أقتحموا مبنى مجلس النواب وحطموا محتوياته وأعتدوا على بعض النواب. أين ... ثم ... أين نحن المسيحيون من الكلدان والسريان والآشورين من هذه الإرهاصات وهل لـ "ممثلي" أمتنا مكان لهم في هذه  الخزعبلات التي لم يشهدها العراق طيلة تاريخه السياسي المعاصر.

هناك مصطلح بالإنكليزية هو (Dilemma) ويمكن ترجمته إلى معضلة أو ورطة وهي الحالة الفكرية التي يكون الشخص على مفترق طرق يصعب أن لم نقل يستحيل عليه اللجوء إلى أي منهما، فأحلاهم مر. وقد دلت التجارب التاريخية لأمتنا بأن البقاء على هذه الحالة والمعضلة تتحكم فيها ويستحيل إختيار أي من الطريقين سيصبح، عاجلا أم آجلا، وجود الأمة معرض للتعفن والإنحلال ثم الفناء. أما إختيار اي من الطريق فلا محال فهو حل مر ونتائجه مأساوية ومدمرة قد تهدد وجود الأمة إلى التشتت والضياع، وسيؤدي بالنتيجة الحتمية إلى فناء الأمة وضياع مقوماتها ما لم تحدث معجزة، ونحن نعرف جيداً لسنا في عصر المعجزات، أو قد يظهر لها رجال شجعان مستعدين للتضحية حتى بحياتهم للخروج من هذه الورطة ومن نتائجها المساوية بأقل الخسائر الممكنة. في عام 1915 فرضت ظروف الحرب الكونية الأولى معضلة على أمتنا ووضعتهم أمام خيارين مميتين أحسنهم كان بنتائج مهلكة ومأساوية. فإما الوقوف على الحياد والخضوع لسطوة الدولة العثمانية أو الميل للحلفاء، روسيا القيصرية وبريطانيا، ودخول الحرب إلى جانبهما ضد الدولة العثمانية، وكلاهما مميتان ونتائجها مأساوية، فإختارت القيادة الآشورية، التي تمثلت في الشهيد البطريرك مار بنيامين شمعون وزعماء "ماليك" العشائر، الخيار الثاني ونتائجه معروفة على مستوى المذابح والتشرد والضياع. غير أن بوجود رجال شجعان في الأمة في الفترة اللاحقة، أمثال مثلث الرحمات البطريرك مار شمعون إيشاي وماليك ياقو إسماعيل وأغا بطرس، تمكنوا رغم الخسائر الفضيعة والمأساة التي ألمت بأبناء الأمة، تمكنوا من حمل الراية القومية والتي في ظلها نمت وسارت الحركة القومية الآشورية نحو أجيال لاحقة.

واليوم ما أشبهه بالبارحة ولكن بألوان وأطياف وممثلين مختلفين ولكن كلها بنفس النتائج المأساوية في وضع أبناء أمتنا على محك القلع من الجذور وهضم الحقوق والتشرد والتهجير والضياع والسير على الطريق المجهول. اليوم يتصارع ويتقاتل السياسيون العراقيون وحالهم كحال أفلام "الوسترن" الكابوي، فبعد أن تسرق العصابة المصرف وقبل البدء بتقسيم المال المسروق بين أفراد العصابة تبدأ المؤمرات والصراعات والإقتتال من أجل الحصول على الحصة الكبرى أو الحصة كلها من قبل أكبرهم قوة وأكثرهم عنفاً وجرماً. اليوم في العراق تجاوز الصراع الطائفي إلى صراع شللي، من الشلل،. فلم يعد الصراع شيعي – سني ولا كردي- عربي أو تركماني بل صراع داخلي بين المستحوذ على كل شيء والمفقر من كل شيء. أليس هذا إستمراراً لصراع وتقاتل بين أبناء تكريت والعوجة بعد أن أستحوذوا على السلطة برمتها في العراق أثناء العقد الأخير من حياة نظام البعث العراقي؟؟ مرة أخرى يظهر بأن صدام حسين وحسين كامل وعلي الكيمياوي والسبعاوي ووطبان وعدي قد عادوا للحياة ليس بآدميتهم بل بأفعالهم وتعطشهم للسلطة والجاه. الصورة والمشهد يتكرر اليوم كما كان البارحة وليس هناك ومضة أمل أن نقول بأنه سوف لا يستمر نحو المستقبل.

أين نحن المسيحيون من الكلدان السريان الآشوريين من هذه الإرهاصات ونيرانها تحوم حولنا من جميع الجهات... أين "ممثلي" أمتنا في البرلمان العراقي من هذه الصراعات؟ ما الذي ينتظرونه أو يتأملون من هذه الصراعات التي ليس لنا فيها لا ناقة ولا جمل. دعني قارئ العزيز أن أضع بعض النقاط على الحروف في هذا الموضوع. قبل يوم واحد من كتابة هذه السطور كنت أقرأ كتاباً عن تاريخ حركتنا القومية وتحديداً عشية إنتهاء الحرب الكونية الأولى وبداية تحرك بعض الشخصيات القومية من أبناء أمتنا، سواء فرادياً أو جماعياً، نحو المطالبة بالحقوق القومية لأمتنا خاصة قبيل وبعد تشكيل الكيان السياسي العراقي حيث ذكر بأن العقبة التي واجهت مطاليب هذه الأمة لم تكن فقط من جانب رفض ومقاومة السلطات العراقية لها ولا من أهمال وعدم إكتراث الدول الكبرى لها، خاصة بريطانيا وفرنسا، بل كانت العلة الكبيرة في عدم إتفاق قادة الآشوريين وبمختلف طوائفهم على هدف محدد وواضح ومنطقي فالإختلاف كان سيد منهجهم في المطالبة بالحقوق القومية. ولعل المثال التاريخي المتمثل في مسعى حضور مندوبين مختلفين لمؤتمر السلام في فرساي بفرنسا عام 1919 ومن طوائف مشرقية "نسطورية" و كلدانية وسريانية لا بل من بلدان مختلفة من العراق وتركيا وإيران والولايات المتحدة ومن دون أي تنسيق وتفاهم بينهم مثال جيد في هذا السياق حيث لم يُسمع صوتهم من قبل مندوبي الدول العظمى المنتصرة في الحرب لأنه لم يكن أكثر من ضجيج ومطاليب غير واضحة فلم يسمح لهم حتى الوصول إلى عتبة قصر فرساي. ولماذا نذهب بعيداً، ألم تكن الوزارة الخارجية الأمريكية تقول لممثلي وقادة الأحزاب الآشورية الذين كانوا يطرقون أبواب الوزارة طاليبن مساعدتها، أذهبوا ووحدوا كلمتكم ثم تعالوا حتى نسمع مطاليبكم؟؟!!.

الحال نفسه نفسه لم يتغير إطلاقا، البارحة شغر كرسي وزير النقل والمواصلات في حكومة إقليم كردستان والغيت الوزارة التي كان يستوزها "مكون" مسيحي في الحكومة المركزية، فطبقاً (للسياقات) بين الكتل السياسية في العراق في تحصيص الكراسي الوزارية، فمن حصة "المكون" المسيحي وزارة في الإقليم ووزارة في المركز ولكن لحد البارحة لم يشغل مسيحي كرسي لأي من الوزارتين والسبب كما يقول رجال الحكم والسياسة في بغداد وأربيل بأن الأحزاب المسيحية غير متفقة على شخصية معينة لإشغال كرسي الوزارة. ومن يدري ربما عدم تحصيص كرسي وزاري للـ "المكون" المسيحي  في الوزارة التي تمر بمرحلة المخاض والتي ستسمى بـ "تكنوقراط" هو لنفس السبب، أي عدم الإتفاق بين أعضاء الكتلة المسيحية البرلمانية.  هناك مثل سبق وأن ذكرناه في مناسبات سابقة وهو: من يتعثر بحجر مرتين فهو جاهل، أي بما معناه من لا يتعلم من الماضي أو التاريخ فهو جاهل وحتماً سيسقط في نفس المطب السابق. يظهر بأن "ممثلي" أمتنا لا يقرأون التاريخ ولا الحاضر أيضاً. فالسلسلة للأمثلة التاريخية التي ذكرناها في أعلاه تؤكد بأنه كان صحيحاً بأن رجال الحكم والسياسة في العراق لا يكترثون للحقوق القومية لأمتنا ويتجاهلونها بقصد أو بغيره ولكن الأصح من كل هذا وذاك في غبن وهضم هذه الحقوق هو عدم إتفاق أبناء أمتنا، وتحديداً القصد هنا هو "ممثلي" أمتنا في مجلس النواب العراقي وأيضا الكردستاني، على كلمة موحدة يستطيعون بها مواجهة المتصدين لمطاليبهم. الجميع يعرف بأن لأمتنا خمسة نواب في مجلس النواب العراقي، إثنان من قائمة الرافدين التابعة للحركة الديموقراطية الاشورية (زوعا) وإثنان لقائمة المجلس الشعبي التابعة للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري وواحد من قائمة الوركاء الديموقراطية التابعة للحزب الشيوعي العراقي وأيضاً لأمتنا خمسة نواب في البرلمان الكردستاني، إثنان من قائمة الرافدين وإثنان من قائمة المجلس الشعبي وواحد من قائمة كيان أبناء النهرين. فأحزاب هذه الكتل البرلمانية أصلاً هي في عدم إتفاق وتفاهم وفي خصام مستمر فمن المنطق إذن أن لا يتفاهم ولا أن يتفق وكلاءهم في البرلمان طالماً أحزابهم غير متفاهمة ومتفقة. إذن العلة هنا في أحزابنا السياسية وهو موضوع طويل نتركه لفرصة أخرى.

ليل نهار نلوم النظام الطائفي في العراق ونلعن الأحزاب الطائفية التي تعمل بكل جهدها من أجل مصلحتها الطائفية الخاصة، وهذا منطق مقبول  في نظام طائفي فيما إذا فهما بأن السياسة هي مصلحة بالتمام والكمال وأن قادة هذه الأحزاب الطائفية ولدوا من أرحام طائفية لأمهاتهم فمن المنطق أن يعملوا لصالحهم من دون إكتراث لمصالح الآخرين. والحال يجب أن يكون نفسه بالنسبة لقادة أحزابنا السياسية و "ممثلي" أمتنا في البرلمان العراقي والكردستاني فوفق هذا المنطق في فهم السياسة في كونها مصلحة بالتمام والكمال يجب أن يعملوا لمصلحة الأمة التي ينتمون إليها لأنهم ولدوا من أرحام مسيحية كلدانية سريانية آشورية. فكما يفعل الآخرين ويعملون لمصلحتهم فعلى أحزابنا السياسية و "ممثلي" أمتنا أن يعملوا أيضا مثلما يفعل الآخرون. أما الحديث عن الديموقراطية والمساواة والمواطنة في ظل هكذا نظام طائفي محاصصي فهو مجرد صرخة في وادي عميق لا نسمع منه حتى صداه خاصة ونحن نعرف بأن آذان المسؤولين الحكوميين والحزبيين في العراق مغلقة كلياً ولا تسمع صرخاتنا ومطاليبنا المشروعة.

واقع الحال يقول وبكل وضوح غير قابل للنكران بأنه ليس لا هنا ولا هناك إتفاق بينهم خاصة على القضايا المصيرية التي تهدد وجود أبناء أمتنا ومن دون إستثناء تسموي أو طائفي أو مناطقي. أنا شخصياً أتحدى جميع "ممثلي" أمتنا في البرلمانين المركزي والإقليمي إذا إستطاعوا أن يبرهنوا عكس ما أقوله حول عدم إتفاقهم أن يظهروا في صورة جماعية وهم متكاتفي الأيدي وينشرونها في المواقع الألكترونية تعبيراً عن إتفاقهم وتضامنهم بعضهم مع البعض. أفهل هذا أمر صعب ويستحيل تحقيقه لكي يثبتوا بأنني كنت على باطل ولا أقول الحق؟؟ هذا مطلب بسيط وأنا متأكد كل التأكيد وربما يشاركني الكثير من القراء بأن مثل هذا المطلب سيكون مدخلاً لتفاهمات أكثر وتضامنات أقوى بينهم وسيكون منظاراً مبهراً للنظر إلى الواقع المزري لشعبنا من جراء السياسات الإستبدادية والإرهاصات التي تتحكم في شؤون الدولة العراقية وسيفهمون بأن وجودهم بين اللصوص والحرامية غير مقبول لأن مثل هذا الوجود سيلوثهم بجراثيم اللصوصية والفساد ونحن نتمنى مع الكثير من أبناء أمتنا أن يكون ممثلوا أمتنا أنقياء ومتحصنين ضد هذه الجراثيم لكي حينذاك يمكن أن يصدق العالم بأنهم فعلاً أحفاد حمورابي وآشور بانيبال ونبوخذنصر بناة حضارة بلاد الرافدين.

أقولها بلمئ الفم إن إستقالتكم من كراسيكم البرلمانية خاصة في هذه الظروف التي يتقاتل فيها اللصوص والحرامية فرصة جيدة للخروج من هذا الورطة ومن ثم اللجوء إلى أحضان أمتنا من خلال تشكيل مجلس أعلى يتولى تمثيلنا في المواجهات والصراعات الدائرة على الساحة العراقية ومن المؤكد بأن النتائج التي ستحققونها، حتى وإن كان في أدنى مستويات الطموح القومي، فهي خير مليون مرة من جلوسكم بجانب اللصوص والحرامية ومن دون نتائج مثمرة. أفهل تملكون الشجاعة الكافية للقيام بمثل هذا التحدي الذي فعلاً سيدخلكم في تاريخ أمتنا المعاصر ومن ثم نصفكم بالفرسان الشجان.

_________________________________
 وضعت كلملة السياقات بين قوسين لأنها فعلاً حالة غريبة وعجيبة في الفكر السياسي والنظم السياسية. ففي العراق تستخدم هذه الكلمة لتحصيص الكراسي الوزارية والمناصب الكبرى المدنية والعسكرية وهي مخالفة صريحة وواضحة جداً لمواد الدستور العراقي الذي يؤكد على المساواة في الحقوق والواجبات وبدون أي تفرقة عنصرية أو دينية أو...



147
المحامي روبرت قليتا على طريق نينوى ... بين الأمس واليوم


+++++++++++++++++++++++++++++++++
أبرم شبيرا

بالأمس وتحديداً في عام 1994 سار المحامي روبرت وليم قليتا على طريق نينوى وجال وصال في أروقة تاريخ الحركة القومية الآشورية عبر بحث علمي وموضوعي طويل عن تاريخ الحركة القومية الآشورية  تحت عنوان (على طريق نينوى – تاريخ مختصر للحركة القومية الآشورية 1892 – 1990) ونشر في حينها في المجلة العلمية (Journal of The Assyrian Academic Society, Vol. VII, No. 1, 1994).
ونال في حينها أعجاب الكثير من القراء ولا يزال الموضوع بأهميته وسعته وفصاحته يعتبر من المواضيع المهمة في دراسة تاريخ الحركة القومية الآشورية. واليوم يسير المحامي روبرت وليم قليتا على نفس الطريق ولكن بظروف خاصة ومحاكاة ملئها مأساة الماضي وكوارثه... بالأمس طرد الظالم والمستبد أبناء شعبنا من وطنه الأم ولكن مع كل المأساة والفواجع أستمر أبناء شعبنا بأحزابهم السياسية ومنظماته القومية في السير على طريق نينوى رغم صعوبته ومهالكه وظل شعبنا الأبي بكل تسمياته وطوائفه صامتاً متحدياً ظلم إقتلاعه من أرض أباءه وأجداده. واليوم يظهر أن إدراك نهاية طريق نينوى ومحطاته التاريخية في بغديدا وبرطله وتلكيف وتلسقف وغيرها ليس بالأمر السهل، محطات يجثم المجرم داعش على صدورها، لا بل هو أمر صعب جداً ويتطلبه تضحيات جسيمه ومن كل واحد من أبناء شعبنا وكل من موقعه الخاص وبأساليبه المتاحة.
 

ما أشبه اليوم بالبارحة... بين مخيم اللآجئين في بعقوبة 1918 ومخيم اللاجئين في عنكاوة 2014 طريق طويل من المأساة والفواجع... أهل يدرك الظالمون وأذنابهم هذه الحقيقة التاريخية المنقورة في قلوبنا التي يناضل أبناء شعبنا من أجل التخفيف من مأساة هذا الطريق؟
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
بالأمس ناضل أبناء أمتنا وكل من موقعه الخاص لتحقيق العدالة والإنصاف بحق هذا الشعب الحضاري العريق، ناضل أمير الشهداء مار بنيامين والمطران الشهيد توما أودو وشهيد الفكر القومي التقدمي الدكتور فريدون أتورايا وجنرال الأمة أغا بطرس وغيرهم كثر، فقدموا كثير الكثير حتى حياتهم من أجل هذه الأمة. بالأمس وفي بلدان المهجر سار على نفس الطريق، طريق نينوى المنقور في قلوب أبناء شعبنا أمثال معلم الفكر القومي الوحدوي نعوم فائق والصحافي الثائر فريد نزها والمفكر القومي ديفيد برصوم بيرلي فعانوا معاناة شديدة من أجل التخفيف من هذه المأساة والفواجع. واليوم أبناء شعبنا في وطن الأباء والأجداد يقاوم جبروت الشيطان ويصمدون أمام محاولات إقتلاعه من جذوره التاريخية. ما أسخف وما جهالة وما إبليسية البعض عندما يقولون بأن معاناة المسيحيين هي كغيرهم من المسلمين فالجميع كعراقيين يعانون نفس المعاناة من قبل الفكر التكفيري والإرهابي... يعتبر مثل هذا التصريح  قمة الجهالة والغباء أو هو بالأصح قمة النذالة والتجريم بحق المسيحيين في العراق لأن الفكر التكفيري الإرهابي لا يأتيهم من داعش الإرهابي فحسب بل من جميع الجهات والكل يهدف إلى قلع المسيحيين من وطن أباءهم وإجدادهم... نعم الكل يهدف إلى تحقيق هذا الهدف الإجرامي سواء أكان بسلاح داعشي في طرد المسيحيين من أراضهم أو بالقوانين الجائرة للنظام العراقي وأحدثها قانون الهوية الوطنية الموحدة الذي يجرد أطفالنا من دينهم المسيحي.

اليوم يقف روبرت وليم قليتا أما محكمة فدرالية أمريكية لتعاود النظر في التهمة الموجهة إليه على أساس أن المسيحيين في العراق غير مضطهدين على أيدي المتطرفين الإسلاميين في العراق، وأن المحامي روبرت قليتا قدم أوراق مزيفة لبعض المسيحيين الذين طلبوا اللجوء في الولايات المتحدة الأمريكية والهاربين من نيران جهنم داعش. في الوقت الذي يعرف كل العالم مدى تعرض المسيحيين في العراق إلى الظلم والإضطهاد ونتيجة ذلك تهجروا الكثير منهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأخرى التي تؤمن لهم الأمن والسلام من خلال طلبهم للجوء وقيام روبرت قليتا وجميع الموظفين العاملين في مكتبه في شيكاغو بمساعدتهم في هذه المسألة الإنسانية ووفقاً للقانون الأمريكي للهجرة.



المحامي روبرت قليتا يخطو خطواته بثقة وثبات نحو المحكمة الفدرالية
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

اليوم يقف المحامي روبرت قليتا أمام محطة أخرى من محطات تاريخ شعبنا اللاجئ إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويقف خلفه الألاف من  أبناء شعبنا في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بعض دول العالم بحملة واسعة لمساندة روبرت قليتا ومطالبة المدعي العام بتبرأته من هذه التهمة. فقد ألهب هذا الظلم بحق روبرت قليتا حماس أبناء شعبنا في الولايات المتحدة الأمريكية فقاموا عبر وسائل الإتصال الألكترونية والتواصل الإجتماعي حملة شعبية واسعة تحت عنوان (standwithrobert) لمساندة روبرت قليتا وتبرئته من هذه التهمة الباطلة.

++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
ففي اليوم الأول للنظر في القضية في يوم الأثنين الماضي المصادف 18 نيسان 2016 تجمع الألاف من أبناء شعبنا أمام المحكمة الفدرالية يرفعون أيادهم تأييدا لروبرت ومن بينهم شخصيات دينية وقومية معروفة وعقد إجتماعات وتظاهرات تدعوا إلى إسقاط التهمة عنه وحضر أيضا قناة ANB لنقل الحدث، وفي أدناه بعض الصور لأبناء شعبنا متضامين مع روبرت قليتا أما المحكمة الفدالية وأعتقد أنها تكفي لبيان مدى الدعم والإسناد الذي وفره أبناء شعبنا لهذا الإنسان الآشوري القومي المخلص والمتفاني لقوميته.




أبناء شعبنا وبالألاف في شيكاغو يرفعون أياديهم أمام المحكمة الفدرالية دعماً لروبرت قليتا والتي شاكر فيها معظم تنظيماتنا القومية وأحزابنا السياسية المختلفة 
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++



نيافة مار بولص بنيامين أسقف كنيسة المشرق الآشورية وكهنتها يقفون أمام المحكمة الفدرالية دعماً لروبرت قليتا. وكان نيافة مار كوركيس أستقف الكنيسة الشرقة القديمة في شيكاغو قد حضر أيضا جلسة المحاكمة دعماً وإسناداً للأبن البار للكنيسة والأمة.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
وأخيراً، كما سبق وأن ذكرنا في مناسبة أخرى،  لم يبقى في هذه السطور القليلة إلا أن أقول بأنني عرفت المحامي روبرت وليم قليتا عن كثب ولمست غزارة ثقافته وطيبة قبله وتأثرت بحماسه في العمل القومي والإنساني وبشجاعته في خوض أصعب القاضايا وأعقدها من أجل مساعدة شعبه المضطهد من دون أي تميز بين طائفة وأخرى أو عشيرة وأخرى فكان في قلوب جميع أبناء شعبنا وسيبقى كذلك رغم كل التهم الباطلة الموجهة له... أنه حقاً أمراً غريباً أن يصدر من الهيئات القضائية في الولايات المتحدة الإمريكية تصاريح تقول بأن المسيحيين في العراق غير مضطهدين... أليس هذا غريباً وعجيباً؟؟؟  وهنا لا يسعنا غير أن نقول بأننا نقف وبكل صلابة وإصرار مع المحامي روبرت قليتا في محنته هذه، ونأمل أن يعود إلى حياته الطبيعية وعمله بعد إسقاط التهمة عنه ويستمر عمله القومي والإنساني بهمة ومثابرة أقوى تجاه الشعب الذي يعاني أقسى أنواع الظلم والإضطهاد في هذه الدنيا.

هنا أيضا أكرر ما سبق وذكرته،  حيث عُرف عن المحامي روبرت وليم قليتا بهدوء طبعه وسمو أخلاقه وسعة أفاق تفكيره وغزارة ثقافته القومية والقانونية وإتقانه لحرفيته مهنته في الحقل القانوني وتقدسيه لها كمحامي محترف يعرف حدود القانون وكيفية إستخدامه وبإتقان ودقة ليس في خدمة زبائنه فحسب بل لأي إنسان يعوزه المشورة القانونية والمساعدة الإنسانية. هكذا عرف الناس المحامي روبرت قليتا ليس في الولايات المتحدة الأميركية فحسب بل في جميع مجتمعاتنا المسيحية الكلدانية السريانية الآشورية المنتشرين في أنحاء العالم. لا بل وأكثر من هذا بكثير، فقد عرف عنه في كونه من أكثر الناشطين في الحقل القومي يخدم وبكل أخلاص وتفاني أبناء شعبه في الولايات المتحدة الأمريكية أو في أي مكان كانوا خاصة أبناء شعبنا المحتاجين والهاربين من ظلم الأنظمة الإستبدادية في وطننا العراق وسوريا، فإنشغاله بمهنته لم يحول ذلك للتضحية بالوقت والجهد وحتى المال لمساعدة أبناء شعبه. كما لروبرت قليتا مواقف جريئة وشجاعة ومشاركة مستمرة في نشاطات قومية وسياسية كثيرة وسافر إلى شمال الوطن بيت نهرين ليشارك ويعايش وبشكل مباشر أوضاع شعبنا هناك ويسعى بكل ما أمكن من مساعدتهم للتخفيف من الظلم الذي عانوه على يد المتطرفين والأرهابين، لذلك عرف عنه في كونه محامي مختص في قضايا الظلم والإضطهاد الذي يتعرض له شعبنا في وطنه التاريخي.




148
أضواء على مقترح إستقالة "ممثلي" أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" من هياكل النظام العراقي
---------------------------------------------------------

أبرم شبيرا
يبدو إنني كنت مقصراً ومترددا في الإطالة أكثر في الموضوع السابق (إلى متى يظل "ممثلو" أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية" يقبلون المذلة والإهانة) الذي نشر في موقعنا الغراء عنكاوه دوت كوم ، خاصة وأن بعض قراءنا الأعزاء يملون من قراءة المواضيع الطويلة وهذا حق شخصي لا دخل لأحد فيه. أو قد يبدو بأن بعض القراء الأعزاء لم يستطيعوا هضم الموضوع السابق فجاءت ردود فعلهم عليه طبقاً للأفكار والمبادئ والإنتماءات سواء أكانت هذه الردود متوافقة مع موضوع الإستقالة أو رافضة له. لا بل من المؤسف القول بأن بعض القراء لم يقرأوا الموضوع أصلاً ولكن علقوا عليه وهي الحالة التي نشاهدها في ردود وتعليقات بعض القراء على المواضيع المنشورة في الموقع. من هنا أقتضى الأمر أن نضيف إضاءات أخرى على موضوع الإستقالة ونأمل أن نوفق في إنارة الطريق ليكون الموضوع أكثر وضوحاً. على العموم يمكن تحديد هذه الإضاءات الإضافية وعلى شكل نقاط وكما يلي:
•   عندما نتكلم عن فساد هياكل النظام العراقي وإستبداده، خاصة البرلمان الذي يمثل فيها خمسة من أبناء أمتنا في المركز ومثلها في الإقليم،  تجاه أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية"، فإن البرلمان هنا مأخود بصفته كتنظيم أو منظمة وليس بالضرورة أن يكون جميع أعضاءه فاسدين وإستبداديين. فالصفة الشخصية للإعضاء تختلف عن الصفة التنظيمية للبرلمان. فهذه الصفة الأخيرة تُعرف بقراراتها وسياساتها وتوجهاتها المكتسبة لرسميتها و شرعيتها من تأييد غالبية أو جميع أعضاء البرلمان. فعندما يصوت البرلمان  بالإجتماع على قرار فاسد وظالم تجاه أمتنا بالإجتماع عندذاك من حقنا أن نقول بأن جميع أعضاء البرلمان فاسدين وظالمين وإستبدادين وبالتالي فأن البرلمان هو أيضا فاسد وظالم ومستبد. أما إذا صوت أعضاء البرلمان على مثل هذا القرار بأغلبية فإن البرلمان هو فاسد وظالم ومستبد وليس بالضرورة أن يكون جميع أعضاءه فاسدين خاصة الذين لم يصوتوا عليه. ولكن طالما القرار يكون صادرا من البرلمان ومصادق عليه فأن مشاركة الأقلية غير المصوتة على القرار في مثل هذا البرلمان سينسحب عليها صفة الفساد والظلم والإستبداد وهي الحالة التي تنظبق نظريا على "ممثلي" أمتنا حتى إذا كانوا غير فاسدين وظالمين بصفتهم الشخصية. وبأختصار فأن البرلمان بصفته الرسمية فاسد والمشاركين فيه بصفتهم الرسمية هم أيضاً فاسدين عندما يتعلق الأمر بأمتنا.
•   من يقرأ الموضوع السابق ولو بشكله السطحي سيرى بأن مسألة طرح إستقالة "ممثلي" أمتنا من الهيئات البرلمانية والحكومية جاءت تسمية "ممثلي" بصفة الجمع وليس المفردة. فإستقالة "ممثل" واحد أو أكثر لأمتنا في البرلمان لا يعطي النتائج المرجوة بل تكون لها إنعكاسات سلبية تخلق حالة من هرولة بقية الكيانات الإنتخابية لإمتنا نحو الكرسي الفارغ لإقتناصه وبالتالي البدء في التراشق وزيادة المعاداة بينهم. إذن وبالتأكيد المشدد نقول بأن الإستقالة يجب أن تكون جماعية وبدون إستثناء وهو الأمر الذي يجب أن يسبقه الجلوس بينهم وبروح من الود والتفاهم واضعين مصلحة الأمة فوق مصلحة الكرسي.
•   كيف نفهم الإستقالة الجماعية من البرلمان؟؟ من المؤسف له أن نقول بأن بعض المعنيين مباشرة بالموضوع، وأقصد "ممثلي" أمتنا في البرلمان الذين نحترمهم ونقدر جهودهم لكنها مبذولة ومستهلكة في غير محلها ولا تأتي بأية نتائج إيجابية أن لم تكن سلبية، نقول مع الأسف بأنهم نظروا إلى موضوع الإستقالة من منطلق مصلحي حزبي وشخصي صرف، لا بل البعض منهم عبر عن رأيه في هذا الموضوع كأنه لا يعيش في عراق اليوم وتحت حكم إستبدادي طائفي محاصصي أقر العالم كله بصفاته هذه. والآخر يظهر بأنه لم يقرأ الموضوع تماماً أو ربما سمع مضمونه من غيره. وإليكم البعض من هذه الأراء التي سأحصرها بالمعنيين بموضوع الإستقالة، أي أعضاء البرلمان الذين حاورهم موقع عنكاوه دوت كوم:
o   يرى النائب جوزيف صليوا عن قائمة الوركاء الديمقراطية أن معالجة المشاكل او التعامل معها لا يكمن في الأستقالة كوننا جزء من العراق وشعبه. لا يا أستاذنا العزيز، فالأمر ليس بالكلام المنمق بل بالفعل والممارسة على أرض الواقع. "الكلدان السريان الآشوريين" أو ما يعرف سياسياً بـ "المكون المسيحي" ليس جزء من الشعب العراقي وفق سياقات النخبة الحاكمة في العراق.  وهذا ثابت بالدليل والعمل وبالقرارات والسياسيات التي يمارسها البرلمان وبقية رجال الحكم والسياسة في العراق... فلو كانوا شعبنا جزء من الشعب العراق لما أصدر البرلمان قانون الهوية الوطنية ... فلو كانوا فعلاً جزء من الشعب العراق لكان لهم تمثيل في الحكومة التي تسمى تكنوقراط المزمع تشكيلها والتي سميتها في الموضوع السابق بحكومة "تكنوحرامية" وشروطها لا تنطبق على أبناء أمتنا، هذه أمثلة جديدة وغيرها كثر ولا مجال لذكرها. "الكلدان السريان الآشوريين" جزء، لا بل جزء مهم وأصيل وحضاري رغم أنف جميع الفاسدين والدكتاتوريين والإقصائيين، من الشعب العراقي عندما يكون هناك فعلاً من له فكر منفتح ويقبل المختلف ويتعامل مع حقوقه لا منافقين ودجالين يتمشدقون بأصالة المسيحيين ثم يديرون ظهورهم وتبدأ أستبداديتهم تجاه أمتنا... "ممثل" أمتنا في البرلمان هو سيد العارفين بهذه الممارسات الإستبدادية ولا يستوجبها الإطناب.
o   أما النائب رائد إسحاق عن قائمة المجلس الشعبي فهو يرفض الإستقالة لأنها ليست الحل وتعني قطع أصوات ممثلي شعبنا عن مسامع مؤسسة البرلمان... يظهر سيدي العزيز من هذا الكلام بأنك غير متواجد أبدا في البرلمان لأنه كما نعرف جيداً بأن البرلمان وأعضاءه لا يسمعون أصواتنا  أما لأن ليس لهم آذان أو لهم آذان ولكن مغلقة بالمصالح الطائفية التي أساسها الفساد واللصوصية... ثم يتابع النائب رائد أسحاق معارضته لفكرة الإستقالة  ويتسائل عن البديل الافضل ما بعد خطوة الاستقالة!، منوها إلى أن الإستمرار في البرلمان أفضل حل طالما لا يوجد بديل مطروح أو مقترح من الجهة الداعية إليها... من هذه الجملة يظهر سيدي العزيز بأنك لم تقرأ الموضوع إطلاقا، أو لم تقرأه حتى النهاية وأكتفيت بالعنوان. وأليك ما أقترحته وكما في الموضوع السابق كبديل للإستقالة وأدرجه هنا كما هو:
(إذن نؤكد مرة أخرى إن إستقالة "ممثلي" أمتنا من البرلمان ونبذ الكرسي الوزاري هي الخطوة الأولى في مسيرة خريطة الطريق. ومثل هذا الأمر، كما ذكرنا سابقا، لا يتحقق إلا بنكران الذات والمنصب وببذل الجهود المضنية ووضع مصلحة الأمة نصب أعينهم قبل كل شيء ومن ثم الإنطلاق نحو الخطوة التالية، بعد تصفية القلوب وتكاتف الأيدي، وهي البدء بوضع أسس وركائز تشكيل مجلس أعلى للـ "الكلدان السريان الآشوريين" مؤلف من الأعضاء الخمسة في المركز والأعضاء الخمسة في الإقليم مع أربعة ممثلين من فروع كنائسنا الكلدانية والسريانية والآشورية والشرقية القديمة بدرجة مطران أو أسقف ومن ثم توالي الخطوات نحو وضع آليه للعمل وتشكيل لجان متخصصة من شرفاء و"تكنوقراط" حقيقيين وأكفاء ليس في إختصاصهم فحسب بل في ضميرهم ووعيهم وإستعدادهم للعمل والتفاني من أجل خدمة هذه الأمة... أفهل هذا أمر صعب ومستحيل؟؟؟ كلا وألف كلا.  كم أتمنى أن يتحقق هذا الحلم... ولكن نحن نعلم بأن الأحلام القومية لا يحققها إلا الأبطال القوميين). فأرجو يا سيدي العزيز قراءة الموضوع السابق وحتى نهايته وخاصة هذا المقترح.
o   أما النائب (مقرر البرلمان) عماد يوحنا عن كتلة الرافدين (زوعا) فهو الآخر لا يختلف رأيه إطلاقاً عن رأي بقية "ممثلي" أمتنا في موضوع الإستقالة... يا لها من سخرية الأقدار... "ممثلي" أمتنا مختلفون ومتخاصمون على الكثير من الأمور التي تتعلق بأمتنا ولكن متفقين كل الإتفاق على أيديولوجية الكرسي ويناضلون وفقها من أجل تحقيق الأهداف. في هذا السياق وإلتصاقا بالكرسي يذكر النائب عماد (نحن ممثلي الشعب واتينا بالانتخابات ولسنا مخيرين في اختياراتنا وهناك اصوات ثبتتنا في مجلس النواب لندافع عن حقوق المواطن العراقي بشكل عام وأبناء شعبنا بشكل خاص اما الذهاب الى الاستقالة فهذا خيار اسميه بحالة من الضعف والانهزام من الواقع الذي نمر به ولكن التأكيد والإصرار والبقاء في مجلس النواب وإعلاء الصوت والكلمة وتمثيل هذا الشعب الاصيل احسن تمثيل والإصرار بالمطالبة والمطاولة لحين نيل الحقوق كما شاهدنا كثير من الشعوب والقوميات في العراق مارست هذه الممارسة وحصلت على بعض حقوقها وان لم تكن 100% , ونحن ايضا حاولنا جاهدين وحصلنا على بعض المكتسبات لكن بالتأكيد الغيمة السوداء التي اتت مؤخرا بخروج ابناء شعبنا من مدينة الموصل وسهلها الحبيب جعلتنا نبدو وكأنه لم نحصل على أي حقوق منذ عام 2003)... لا ياسيدي العزيز... لا ... هذا الكلام لا يصلح حتى للجرائد الهابطة ... ولا أعتقد حتى موقع زوعا الألكتروني المحترم أو جريدة بهرا أن تقبل نشر مثل هذه الفقاعات الهوائية... وأعجبني أكثر القول: التأكيد والإصرار والبقاء في مجلس النواب وإعلاء الصوت والكلمة وتمثيل هذا الشعب الأصيل أحسن تمثيل والإصرار بالمطالبة والمطاولة لحين نيل الحقوق كما شاهدنا كثير من الشعوب والقوميات في العراق مارست هذه الممارسة وحصلت على بعض حقوقها وإن لم تكن 100% ... أستغرب عن أي شعوب يتحدث الإستاذ النائب عماد، هل يقصد الكورد ونحن نعلم بأنهم نالوا حقوقهم قبل هذا البرلمان وغيره، نالوا حقوقهم بنضال أحزابهم السياسية وبالكفاح المسلح وليس بالكلام الفارغ في البرلمان... أما الحديث عن الإصرار والمطالبة لنيل الحقوق من خلال البرلمان يؤسفني أن أشبه هذا الحديث مرة أخرى بحروب الدونكوشتية. يا أستاذنا الفاضل، أن فكرة الإستقالة المطروحة ليست حالة من الضعف والإنهزام من الواقع كما تسميها بل خطوة شجاعة أولية نحو خطوات نضالية جادة. فأنا لم أطرح الفكرة لكي يستقيلوا "ممثلي" أمتنا من البرلمان ... وبس.. ويذهبون إلى بيوتهم للراحة، بل أقترحت عليهم سبيلاً نضاليا آخر أكثر جدية وفاعلية ومحترماً لدى أبناء شعبنا لا بل وأكثر خطورة في مواجهة التحديات التي تضرب بمصير أمتنا في الوطن وهو تشكيل المجلس أعلى للـ "الكلدان السريان الاشوريين" كما بينت في نهاية الموضوع السابق وذكرته أيضا في أعلاه. 
وفي مكان آخر يذكر النائب الإستاذ عماد داعياً (الكتاب والمثقفين من أبناء شعبنا في دول المهجر إلى التحرك وتشكيل لوبي قوي من المثقفين والكفاءات وإستخدام طاقاتهم وعلاقاتهم مع حكومات وسياسي ودول المنطقة لإجراء تغيير سياسي في العراق وعدم الإكتفاء بكتاب المقالات التي تبقى مجرد حبر على ورق)... نعم رفيقنا عماد أويدك كل التأييد بأن المقالات التي نكتبها نحن الذين نصبنا خيمتنا في المهرج هو مجرد حبر على ورق لأنه كلام غير مرضي لزوعا. أما إذا كانت المقالة كلام منمق ونفاق ومدح بزوعا، (الذي هو هجمان بيت لزوعا) فأنه كلام علمي وموضوعي... الله يكون في عون أمتنا؟؟. يا أستاذنا المقرر للبرلمان أرجو المعذرة أن أقول بأن كلامك بخصوص تشكيل لوبي (جماعة ضغط) في المهجر يفتقر إلى أبسط معرفة في الأبجدية السياسية. أن تشكيل أي لوبي في العالم ولأي مجموعة بشرية يرتبط بالأساس بقضية هذه المجموعة في الوطن. فعندما يكون هناك حركة سياسية نشطة وفاعلة ومتميزة في الوطن يمكن حينذاك أن يقام لوبي في المهجر ويكون فاعلاً ومؤثراً بمدى فاعلية الحركة في الوطن وتأثيرها على المجريات السياسية. والعكس، طبعاً صحيح، فعندما تكون الحركة في الوطن باهتة ومتلكئة وضائعة في أروقة الفساد والمظالم والمصالح الشخصية عندذك لا يمكن أن نتصور قيام لوبي فاعل ومؤثر في الخارج. هكذا هو حال أمتنا وحركتها السياسية في الوطن وبالتالي وعلى أساسها هو حال تشكيل لوبي في المهجر الذي هو صورة ناطقة للعمل السياسي لأحزابنا السياسية والبرلمانيين في الوطن. في مدينة شيكاغو وغيرها من المدن الأمريكية كان هناك عدد كبير من الأندية والمؤسسات كانت تنشط عىل مختلف الأصعدة القومية وتحقق بعض النتائج لأن الحركة القومية في الوطن كانت نشطة وتحقق نتائج مثمرة. اليوم في شيكاغو، على سبيل المثال لا الحصر، نادي آشوري واحد لمئات الألاف من الآشوريين يتهرب منه خيرة مثقفي أمتنا رغم أن أبوابه مفتوحة للجميع. وحتى المجلس القومي الآشوري في شيكاغو الذي ينشط ناشطاً ملموساً على المستوى القومي سواء في الولايات المتحدة أو حتى بمساعداته السخية لأبناء شعبنا في الوطن فأن رئيسه لم يسلم من النكاية به وتخوينه وإتهامه بشتى التهم وتوريطه في قضايا قانونية. كل هذا هو إنعكاس لما يجري على ساحتنا القومية في الوطن. وهل ننسى الجمعية الخيرية الآشورية... فشتان مقارنتها بين الأمس واليوم.  ففي الأمس لا نقول غير أن لولا مساعدتها السخية لنشاطات شعبنا في الوطن لما تمكن التعليم السرياني، أعظم إنجاز في تاريخ أمتنا، من القيامة والصمود والإستمرار لمراحل متقدمة، ولكن اليوم مسيرة الجمعية متعثرة في المهجر وحالها كحال حركتنا القومية في الوطن.
هنا يستوجب أن أشير إلى قانون "تحرير العراق" لعام 1998 الذي أصدرته الإدارة الأمريكية وخولت الرئيس الأمريكي تسمية المنظمات المستحقة للمساعدة المالية التي قدرت بـ (79) مليون دولار وكانت الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) من بين المنظمات المعترف بها كمنظمة ديموقراطية تحارب النظام الديكتاتوري في العراق. فلا أدري يا أستاذنا الفاضل، مقرر البرلمان، فيما إذا كنت عضوا في زوعا في عام 1998 أم لا، ولكن دعني أقول بأن هذا الإعتراف من قبل الإدارة الأمريكية ورئيسها كان فعلاً نتيجة نضال زوعا وتضحية قادتها وتقديمها الشهداء والذي أنعكس على أبناء أمتنا في المهجر لتفعيل مؤسساتهم وأنديتها للتحرك كلوبي مؤثر. أما اليوم فالأمر مختلف ومأساوي ولا نريد التطرق إليه ونزيد على مأساتنا مأساة أخرى من البكاء على الماضي.

هنا أرغب في أعادة ما سبق وأن ذكرناه في مناسبات سابقة، أن أمتنا في العراق لم تنجني ثمار "الكوتا" الكوميدية المعرضة للسرقة من قبل الآخرين ولا من جود أبناء أمتنا في البرلمان أو مؤسسات الدولة الأخرى، وهذا ثابت بالدليل المجرب والقاطع. أن وجود أبناء أمتنا في البرلمان ومشاركتهم مع الفاسدين والسراق ليس هم المستفيدين وحدهم فحسب بل أيضا النظام الحاكم في العراق. فعندما يجلس "ممثل" أمتنا أمام هيئة رئاسة البرلمان كمنسق إلى جانب زميله التركماني فهو أمر مقصود وكديكور لتبيان للعالم المتمدن بأن الأقليات في العراق حالهم كحال بقية القوميات الأخرى حقوقهم مضمونة في الوقت يحرقون بقوانينهم حتى الحد الأدنى من حقوق أمتنا ولا يخجلون من تجريد أطفالنا من دينهم وهم براء من أي دين. وأخير يجب على القارئ اللبيب وفي مقدمتهم "ممثلي" أمتنا في البرلمان المشار إليهم في أعلاه أن يفهم بأن ما عرضناه من إنتقاد ومعارضة هو ليس لصفتهم الشخصية بل لموقعهم البرلماني الذي يندمج ويتناسق مع بقية المواقع البرلمانية للمستبدين والطائفيين والمحاصصيين الذين يجلسون تحت نفس القبة. فإحترامنا لصفتهم الشخصية لا غبار عليها ولكن إنتقادنا لصفتهم البرلمانية ولصفة الفساد الذي هو أساس قيام البرلمان ونشاطه وقوانينه ستبقى قائمة وفاعلة أكثر فأكثر لحين إنتزاع "ممثلي" أمتنا عباءة الفساد التي ألبسها لهم البرلمان والإنتقال إلى برلمان أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" حينذاك سنكتب كلمة "ممثلي" أمتنا بحروف كبيرة ومن ذهب.

   


149
الذكرى السنوية الأولى لإنتقال قداسته إلى الأخدار السماوية
----------------------------------
مار دنخا الرابع: وحدة شعبنا القومية هي التي تحقق وحدة كنيستينا
أبرم شبيرا
========================================================

 
================================================================
توطئة: العلاقة بين الوحدة القومية والوحدة الكنسية:
-----------------------------
أثناء زيارة غبطة مار لويس روفائيل ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية  لمثلث الرحمات قداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية، طيب الله ذكراه، في قلاية البطريركية في شيكاغو في منتصف شهر حزيران من من عام 2014، جرى بين الحبرين أحاديث كثيرة ومهمة ركزت عن إمكانية الوحدة بين الكنيستين. وما يخص موضوعنا هذا نقتبس بعض السطور التي نشرت في الموقع الألكتروني لكلا الكنيستين وغيرهما:

(رحب قداسة البطريرك مار دنخا الرابع بهذه الزيارة الأخوية المميزة، وشدد على الروابط التي تجمع كنيستنا وشعبنا. وأكد البطريرك ساكو على أهمية هذه الزيارة، التي يأمل منها مؤمنو كنيستينا خطوات عملية في اتجاه تحقيق وحدة كنيسة المشرق، هذه الوحدة التي هي ضرورة قصوى في ظروفنا الراهنة، لا سيما نحن في العمق كنيسة واحدة إيمانيا وطقسيا وتاريخيا وجغرافيا. ما نحتاج اليه هو مبادرة جريئة لتحقيق وحدة الرئاسة الكنسية، واقترح غبطة البطريرك ساكو ان يتم عقد مجمع يضم أساقفة الكنيستين للحوار وإعداد خارطة طريق تحقق هذا المشروع المصيري ، وتجاوز العقبات بروح مسيحية .
فأجاب قداسته (البطريرك مار دنخا الرابع) : نحن واحد، ونحن نعمل من اجل وحدة كل المسيحيين، لكن من وجهة نظرنا ان وحدة شعبنا القومية هي التي تحقق وحدة كنيستينا . وقد أشار الى بعض الإشكاليات التي عثرت مشروع الحوار نحو الوحدة، الذي كان قد بدأ في تسعينيات القرن الماضي .
فرد عليه غبطة البطريرك ساكو: ان الوحدة القومية مسؤولية العلمانيين بالدرجة الأولى، بينما وحدة كنيستينا هي مسؤوليتنا، وان وحدة شعبنا ستأتي لاحقا. وعلق المطران مار ابراهيم أبراهيم  قائلا: ان كنيسة المشرق كانت تضم شعوبا وقوميات عديدة فما الضرر ان تضم اليوم أقواما مختلفين لان الكنيسة جامعة. ونتضرع الى الروح القدس ان يقودنا جميعا الى هذه الوحدة التي صلى من اجلها الرب يسوع).

من خلال السطور القليلة أعلاه نستطيع أن نستنتج ثلاثة توجهات في سياق علاقة الوحدة القومية بالوحدة الكنسية:

الأول: العلاقة القوية والعضوية بين الجانب القومي والكنسي وضرورة ترابط بينهما كسبيل لتحقيق الوحدة القومية والكنسية التي ينشدها شعبنا، وهو التوجه الذي يتمثل في قداسة البطريرك مار دنخا الرابع، طيب الله ذكراه.
الثاني: الفصل بين الكنيسة والقومية كسبيل لتحقيق الوحدة الكنسية والتأكيد على كون العلمانيون هم المعنيين بالوحدة القومية بينما الأكليريون هم المسؤولين عن الوحدة الكنسية ويتمثل هذا التوجه في غبطة البطريرك الجليل مار لويس روفائيل ساكو.
الثالث: هو التوجه الفاتيكاني الكاثوليكي الرافض للفكر القومي وربطه بالكنيسة والذي يؤكد على وحدة كنسية العابرة لكل الحدود القومية، كنيسة تضم شعوب وقوميات مختلفة ومن دون حصرها في قومية أو شعب واحد، وهو التوجه الكاثوليكي التقليدي تجاه الفكر القومي والقوميات ويمثلها هنا نيافة المطران إبراهيم إبراهيم.
 

على العموم مثل هذه التوجهات الثلاثة قد تم التطرق إليها وبشكل مفصل في السابق ولكن الذي يهمنا هنا هو رأي قداسة البطريريك الراحل في إعطاء أولوية للوحدة القومية على الوحدة الكنيسة وإعتبارها سبيلا لتحقيق الوحدة بين الكنيستين والذي قد يبدو للوهلة الأولى، من حيث الشكل غريب بعض الشيً. من هذا المنطلق نرى بأنه من المناسب فتح حوار عن هذا الموضوع ومناقشته بكل واقعية وموضوعية  سواء أتفقنا مع هذا الطرح أم لا . نرى أيضاً أن المنطق يقضي البدء بهذا الموضوع عن تساؤل لماذا يعطي قداسته، وهو رجل دين وعلى رأس كنيسة، يعطي أهمية على الوحدة القومية وهو سيد العارفين بأهمية وحدة فرعي كنيسة المشرق وخاض قداسته تجربة طويلة في هذا السياق؟؟ فهل هو قومياً أكثر من دينياً؟؟ تساؤل يفرض علينا التمعن في فكر قداسته وإدراكه لجدلية الربط العضوي بين المفهومين الكنسي والقومي في مجتمعنا ومراجعة المصادر التي أستمد قداسته فكره القومي منها ووضع الوحدة القومية لشعبنا في المقدمة وهو رجل دين تدرج من كاهن إلى سدة البطريركية.
الخلفية الفكرية القومية:
------------- 
صحيح هو أن قداسته لم يكن يحمل شهادات عليا في اللاهوت أو في الفلسفة ولكن كان واسع الثقافة وعميق الفكر وموضوعي جداً في كلامه وأفكاره وفي مختلف المجالات والحقول خاصة الكنسية والقومية، ومن جالسه وإجتمع معه أو أستمع إلى كرازته أو قرأ رسائله إلى أبناء أمته يدرك هذه الحقيقة التي لا جدال فيها ولا مجاملة. بغنى عن الجوانب الدينية لفكره  فأن تركيزنا هنا سينصب على الجانب القومي ومن خلال الظروف الموضوعية التي عايشها قداسته وتطبعت فيه وأنعكس تأثيرها على فكره القومي، وهي الظروف التي يمكن تقسيمها إلى مرحلتين:

المرحلة الأولى: في إيران - من 1957 لغاية 1976:

------------------------------- 
في نهاية العقد السادس وبداية العقد السابع من القرن الماضي كانت أيران منبعاً لتطور الفكر القومي الآشوري وتجسده في تنظيمات معاصرة ثقافية وسياسية وفكرية كرد فعل للتطورات السياسية التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط منها قيام الثورة الكردية في العراق وتوسع إنتشار الفكر القومي الناصري خاصة في سوريا فساعدت كل هذه العوامل الموضوعية على خلق البدايات الأولى لنشؤ وتأسيس الإتحاد الآشوري العالمي عام 1968. في عام 1957 رسم قداسته كاهن للكنيسة في عبدان – إيران حيث كان هناك عدد كبير من الآشوريين الذين كانوا يعملون في الشركات البترولية. وفي عام 1962 رسمه مثلث الرحمات مار شمعون إيشاي أسقفاً ليشغل كرسي الأسقفية في إيران الذي كان شاغرا منذ عام 1915. وفي عام 1976 أختاره المجمع السنهادوسي المقدس للكنيسة بطريركاً على الكنيسة. فخلال هذه السنين أستطاع قداسته تنظيم وإدارة أمور الكنيسة بشكل جعل أبرشيته من أكثر أبرشيات الكنيسة إستقرارا ونشاطاً بعد أن كانت التيارات الكنسية الأخرى تفعل فعلها في المجتمع الآشوري وتفتته إلى طوائف وممل. لا بل وأكثر من هذا فقد أنخرط سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في النشاطات والأمور الثقافية والفكرية والقومية واضعاً نصب عينه المسألة القومية في مقدمة أهتمامه من دون أي أعتبار أو مانع كنسي أو طائفي لتطور الفكر القومي الآشوري ودفعه نحو أفاق أبعد. ويذكر بأن قداسته كان من أكثر المؤيدين لقيام الإتحاد الآشوري العالم، لا بل البعض يقول بأنه كان عضواً فيه. ومن الجدير بالذكر بأن هذا الإتحاد تبنى منذ السنة الأولى لتأسيسه أهداف تمثلث في ثلاثة شعارات وهي:   (1) – أمة واحدة وتسميتها هي الآشورية (2) لغة واحدة أشورية بشقيها العامية والأدبية (3) قيادة واحدة عالمية تتمثل في الإتحاد الآشوري العالمي. وتأثير هذه الشعارات الثلاثة واضح وبشكل جلي في فكر وممارسات قداسته خاصة بعد تسنمه سدة البطريركية والتي تظهر في تأكيده وبإستمرار على كون وحدة أمتنا وتحت التسمية الآشورية وفي إعتبار بقية التسميات الأخرى طائفية وتشكل جزء من الأمة الآشورية. وعلى نفس المنوال كان يؤكد قداسته على كون لغة أمتنا هي الآشورية ولا غيرها. أما بالنسبة للقيادة الموحدة لأمتنا، فكان أكثر موضوعية ومنطقياً حيث في معظم لقاءاته مع السياسيين كان يؤكد على ضرورة توحيد جهودهم كسبيل لنيل الحقوق القومية لا بل كان لقداسته أفكار ومشاريع خلاقة نقل جانب منها من إيران إلى المجتمعات الآشورية في المهجر خاصة فيما يتعلق بموضوع تأسيس منظمات وجمعيات ذات طابع عمومي وشامل لجميع الآشوريين مثل المجلس القومي الآشوري في ولاية ألينوي في شيكاغو الذي يعتبر من أنجح المؤسسات الآشورية وأكثرها فاعلية وأستمراراً.

المرحلة الثانية: في العراق والمهجر – من عام 1976 لغاية إنتقاله إلى جوار ربه عام 2015.
-------------------------------------------------------
تذكر موسوعة بطاركة الشرق – تاريخ وحضور، أعداد جان دارن أبي ياغي، من منشورات تيلي لوميار (نور سات)، ط1، سنة 2010، ص180، تذكر بخصوص إنجاز قداسته للكنيسة بالقول بأنه "قام بزيارات راعوية ودورية لجميع أبرشيات كنيسة المشرق ومنها أرمينيا وروسيا التي كانت قد أنقطعت عن الإتصال مع كنيسة المشرق منذ قرن تقريباً.. وفي عهده حقق الكثير من الإصلاحات وبعث النشاط في الكنيسة ونظم إنعقاد مجمعها السنهادوقي دوريا.. كما رسم عدد من المطارنة والأساقفة إضافة إلى تشييده الكنائس... فأهتم بتعليم الكهنة وأرسل الكثير منهم للدراسة في الجامعات الأوربية المختصة (ولأول مرة في تاريخ الكنيسة أرسل مجموعة من الكهنة للدراسة في المؤسسات اللاهوتية الكاثوليكية في الفاتيكان  كما أجاز للأشوريين الدراسة في المعهد الكهنوتي للكلدان الذي كان في منطقة الميكانيك في بغداد)... أقام علاقات حوار مع مختلف الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية ... كما قام بعدة زيارات إلى الفاتيكان حتى أثمرت بصدور البيان المسيحاني المشترك بين الفاتيكان وكنيسة المشرق حول التوافق العقائدي بين الكنيستين وحول مفهوم سر التجسد". هناك واقعة مثير ومهمة عن مدى ذكاء وحنكة قداسته في الحفاظ على وحدة الكنيسة وتفهم مشاعر مؤمنيها يستوجب ذكرها. في عام 2010 عقد مجمع سنهادوسي للكنيسة في الهند وهو الأول من نوعه في تاريخ الكنيسة لإنتخاب أسقف واحد للأبرشية التي هي برعاية المطروبوليت مار أبرم موكن حيث كان في السابق يتم رسامة الأساقفة في بيت نهرين ثم إرسالهم إلى الهند. فعند بدء إجراءات الإنتخاب ترشح كاهنان هنديان، هما (مار يوحنا ومار أوكن) وبعد فرز الأصوات فاز مار يوحنا على مار أوكن بصوت واحد فقط وقبل إقرار هذا الفوز أدرك قداسته بأن مؤمني الكنيسة منقسمان إلى قسمين متساويين تماماً  ولضمان وحدة الكنيسة ومؤمنيها قرر إختيار كلا الكاهنين بدلا من كاهن واحد وتكليهما بالرتبة الأسققية وخصص لكل واحد منه عدد من الكنائس لإدارتها وخدمة مؤمنيها وبهذا ضمن وحدة المؤمنين في أبرشية الهند.

لا نريد أن نطنب أكثر من هذا في المسائل الكنسية فهي معروفة، ولكن الذي يهمنا هو الجانب الفكري القومي الذي كان السبب الرئيسي ليدفع قداسته ويؤكد على ضرورة الوحدة القومية كسبيل للوحدة الكنسية. كبطريرك على كنيسة مؤمنيها بأكثريتهم كانوا في العراق ومن ثم في بلدان المهجر، كان واجبه يفرض عليه القيام بزيارات لهم والتعايش والتفاعل معهم والإطلاع على أوضاعهم ومشاكلهم خاصة في البلدان التي كانت تحكمها أنظمة إستبدادية ظالمة تجاه تطلعات الآشوريين وتحديداً في العراق في السبعينيات من القرن الماضي. ففي تلك الفترة شرع نظام البعث العراقي في تطبيق سياسته الإستبدادية في "إعادة كتابة التاريخ" التي بموجبها أعتبر التسميات الحضارية للأقليات كالآشورية والكلدانية والسريانية من أضاليل الإستعمار وأن التسمية القومية لهم هي العربية... موضوع طويل وشائك سبق وأن تطرقنا إليه ولا داعي للإطناب فيه (أنظر كتابنا المعنون: الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر، دراسة في العقلية العراقية تجاه الأقليات، دار الساقي، بيروت، 2001) غير أن نشير بأن في مثل هذه الظروف الإستبدادية كان قداسته يزور العراق، سواء بدعوة رسمية أو غير رسمية، وكان كعادته وواجبه الديني والقومي يزور أبناء أمته وخاصة المؤسسات الثقافية والقومية الأكثر نشاطاً وفاعلية وتأثيرا في المجتمع الآشوري كالنادي الثقافي الآشوري في بغداد. ففي كل زيارة للعراق لم يكن قداسته يتوانى إلا ويزور هذا النادي ويحضر بعض نشاطاته بمناسبات قومية ويطلع عليها خاصة مسألة تعليم اللغة الآشورية في النادي فكان قداسته ينبهر من الأسلوب المتبع في تدريس هذه اللغة والتي تخرج منها كبار شعراء وكتاب أمتنا في الوقت الحاضر وإختصاصيون فيها ورجال دين لا بل وحتى مؤسسي وقادة أحزاب سياسية وتنظيمات قومية. وهنا أود أن أزيد القارئ العزيز بمعلومة عن أسلوب النادي في تعليم اللغة الآشورية، فعندما وصل عدد أعضاء النادي إلى 1000 عضو (طبعاً كان من شروط العضوية أن يكون طالب العضوية حاملا على الأقل شهادة الثانوية) وضع النادي شرط آخر وهو أتقان طالب العضوية لللغة الآشورية قراءة وكتابة وإلا عليه الإنتساب إلى أحدى دورات تعليم اللغة الآشورية المقامة في النادي والتخرج منها كشرط لقبول عضويته. هذا النشاط وغيره من النشاطات القومية كالإحتفال برأس السنة البابلية – الآشورية والسابع من آب وغيرهما من الأعياد القومية والتراثية التي لم تكن مرضية لنظام البعث وأزلامه خلقت للنادي تحديات خطيرة لمواجهة موانع حزب البعث في إستمرار نشاطات النادي القومية. (موضوع تم التفصيل فيه في كتابنا المعنون: (النادي الثقافي الآشوري، مسيرة تحديات وإنجازات، ألفاغراف، شيكاغو، 1994)

ضمن هذه الظروف الصعبة والماحقة كان قداسته لا يخشى أبداً من زياته للمؤسسات القومية ولقاءه بشخصيات قومية وسياسية آشورية والتطرق إلى أحاديث حساسة ومهمة تخص أبناء أمتنا في الوطن الأم رغم أداركه الكامل بأن مقر أقامته في بغداد كان ملغماً بأجهزة التنصت من قبل رجال الأمن وبعض من أزالمهم من حثالة مجتمعنا بحيث وصل الأمر إلى رفع  أحد هؤلاء الحثالة تقريرا إلى الجهات الأمنية متهماً قداسته كجاسوس يعمل لصالح إيران والولايات المتحدة الأمريكية ولكن تبين فيما بعد بأن هذا التقرير لا أساس له. مع هذا  لم يكن امام الجهات الأمنية من مندوحة إلا التخلص من قداسته  بطريقة هادئة وسرية وعن طريق تسميمه وقتله وبنفس الطريقة التي قتل المناضل التاريخي ماليك ياقو ماليك إسماعيل وعالم الآشوريات فرد تميمي وعن طريق وضع نوع من مركبات الزئبق البطيئة التسمم في طعامه. غير أن الشخص المكلف بإرتكاب هذه الجريمة بحق قداسته غلب عليه ضميره النقي وحبه وتقديره لقداسته فتردد ولم يقم بما أمر به من قبل الجهات الأمنية فكان عليه أن يدفع الثمن غاليا... لا بل غالياً جداً ... فأصبح مصيره مجهولاً وإلى الأبد. هذا الأمر، لكونه حساساً ومؤلماً خاصة لعائلة هذا الشخص الكريمة والنبيلة أصبح نشره بحدود ضيقة جداً إحتراماً وتقديراً لهذه العائلة وإحتراماً وتقديساً لمكانة قداسته قبل إنتقاله إلى الأخدار السماوية.

أسردنا أعلاه الظروف الموضوعية التي عاش فيها قداسته والتي منها أستمد فكره القومي وتأثر بها الى درجة إداركه التام وتفهمه العميق لمغزى وأهمية الوحدة القومية بين أبناء شعبنا والتي فرضت على قداسته أن يعطي أولية لها وسبيلا لتحقيق الوحدة الكنسية. ولكن ما هو هذا الإدارك وتفهم هذه الحقيقة الموضوعية ليعطي لهذه الوحدة أهمية تضاهي أهمية وحدة الكنيسة.
 
لماذا وحدة شعبنا القومية هي التي تحقق وحدة الكنيستين الآشورية والكلدانية؟؟:
-------------------------------------------
لو أخذنا  المعايير الفكرية والقومية وحتى السياسية المعتمدة في حياتنا ونشاطنا السياسي والقومي كمقياس لقياس الفكر القومي لقداسته وتفهمه للواقع القومي لأمتنا سنجده فعلاً بأنه "سياسي" وقومي من الدرجة الأولى. كان يعرف قداسته حق المعرفة بأن معظم، لا بل جميع أحزاب وتنظيمات أمتنا سواء أكانت آشورية أو كلدانية أو سريانية تجمعهم في التحليل الأخير أهداف مشتركة لا بل موحدة ويشكلون قومية واحدة. فلا إختلافات ولا تناقضات فكرية وأيديولوجية بينهم فكل ما في الأمر هو إختلاف في المواقف والتوجهات التي بعضها محكومة بالمصالح الضيقة والتأثيرات العشائرية والقروية وحتى الطائفية. لهذا كان قداسته ووفق منظاره الفكري القومي يرى في جميع مؤمني فروع كنائسنا الثلاثة  أبناء أمة واحدة وأن أمر السير على طريق الوحدة بينهم سيكون أسهل بكثير عندما يتجردون من اللهوث وراء المصالح الشخصية والحزبية والتأثيرات العشائرية والقريوية لأن ما يفرقهم هو ليس ثوابت عقائدية تاريخية بل عوامل هشة يمكن أزالتها بمجرد توفر الوعي القومي الصحيح. على العكس من هذا، ما يفرق بين الكنيستين الآشورية والكلدانية، رغم كونهما من أصل واحد وإيمان واحد ولغة واحدة وتقليد واحد، هو ثوابت عقائدية تاريخية وتنظيمية يصعب جداً أن لم يكن مسيتحلاً تجاوزها أو تجاهلها كأساس لتحقيق الوحدة الكنسية خاصة فيما يتعلق بمسألة الإدارة والسلطة من جهة وإستقلالية الكنيسة من جهة أخرى. فبالنسبة للكنيسة الكلدانية لا يمكن إطلاقاً، لا بل مستحيل أن تضحي بروابطها القوية والمصيرية مع الفاتيكان وإلا فقد صفتها الكاثوليكية، فظهورها منذ منتصف القرن السادس عشر كان على هذا الأساس  ولا يمكن حتى التفكير في قطع الصلة مع الفاتيكان كشرط لتحقيق الوحدة. وعلى الجانب الآخر من كنيسة المشرق الآشورية فأساس وجودها وإكتسابها لخصائصها المتميزة قائمة بالأساس على إستقلاليتها التاريخي. فعلى الرغم من الفواجي والمأساة والمذابح التي تعرضت إليها هذه الكنيسة طيلة قرون طويلة إلا أنها بقيت مستقلة ومن دون أن تفرط بإستقلاليتها رغم كل هذه الظروف القاسية والتأثيرات الماحقة عليها فحافظت على إستقلاليتها حتى بقت الكنيسة المستقلة الوحيدة في التاريخ وحتى يومنا هذا. وهناك حديث (غير مؤكد من جانبي) لقداسته يذكر بأنه قال "طالما أنا على قيد الحياة فلا تفريط في إستقلالية الكنيسة أو تغيير أسمها) وحتى بعد إنتقاله إلى جوار ربه فأن الدلائل الحالية في توجهات أحبار كنيسة المشرق الآشورية يتأكد نفس توجه قداسته في الحفاظ على إستقلالية الكنيسة وإستحالة إخضاعها للفاتيكان أو تغيير أسمها وخصائصها القومية.

كان قداسته مدركاً جيداً لهذه الحقيقة والثوابت العقائدية التي تحول دون تحقيق الوحدة بين فرعي كنيسة المشرق. فالتجارب التي خاضعها قداسته وبشكل مباشر خاصة بعد عام 1994 والمباحثات والإتصال والإجتماعات خلال الأعوام التي تلت عام 1994 سواء مع الفاتيكان أو مع الكنيسة الكلدانية سارت على خطوات عملية متقدمة وفاعلة ومنطقية جعلت من الوحدة أن تكون وشيكة وقاب قوسين إلا أنها في نهاية الأمر أصدمت بالجدران الصلدة للثوابت العقائدية (التبعية للفاتيكان والإستقلالية) فإنهارت تماماً خاصة بعد تدخل تأثيرات من داخل الكنيستين وخارجهما ساعدت بشكل فاعل ومباشر على أفشال مساعي الوحدة بين فرعي الكنيسة. هذه المسائل سبق وأن تطرقنا إليها بشكل مفصل وأكدنا إستحالة تحقيق الوحدة في ظل هذه الثواب العقائدية فقلت: ضيعنا الممكن (وهو التفاهم والتقارب والعمل المشترك بين فرعي الكنيسة) من أجل غير الممكن (وهو الوحدة بين فرعي الكنيسة).

ليس هذا فحسب، فإن قداسته كان يدرك تمام الإدراك بأنه مالم تتوفر ظروف مناسبة وموضوعية تتمثل في الإستعداد الفكري والوعي الكنسي والقومي بين المؤمين فأمر الوحدة بين الكنيستين سيكون صعباً جداً أو مستحيلاً. والدلائل التاريخية والمعاصرة تؤكد هذه الحقيقة. فعلى سبيل المثال لا الحصر كان هناك في القرن الثالث عشر الميلادي أكبر محادثات كنيسة بين المجموعة الأرثوذكسية (القسطنطينية) والكاثوليكية (روما) لقيام الوحدة بينهما "غير أنها سرعان ما تراخت وزالت لأنها تمت ... من دون تهيئة للأجواء الكنسية والشعبية"، هذا ما يؤكده نيافة المطران سرهد جمو في بحثه الموسوم (كنيسة المشرق بين شطريها، مجلة بين النهرين 1996، ص181).  كما أن محاولات الإتحاد مع الفاتيكان منذ منتصف القرن السادس عشر الميلادي وصاعدا لم توفق بالتمام والكمال في الإتحاد الكامل لكنيسة المشرق مع الفاتيكان وذلك بسبب الإفتقار إلى الإستعداد الشعبي والفكري والجمعي لمؤمني كنيسة المشرق فكانت النتيجة ظهور الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. ومن تاريخنا المعاصر، نرى بأن تبني كنيسة المشرق الآشورية للتقويم الغريغوري بدلا من اليوليالي في بداية العقد السابع من القرن الماضي تسبب في إنشقاق الكنيسة وظهور الكنيسة الشرقية القديمة وسبب ذلك هو أيضاً الإفتقار إلى التوافق الشعبي والإستعداد الفكري الجمعي (القومي) الذي كان يتآكل بفعل النزعات العشائرية والشخصية. حتى أبان المحادثات والإجتماعات حول تحقيق الوحدة بين فرعي كنيسة المشرق (الآشورية والكلدانية) كان هناك نوع من "الطرطمة" والتذمر بين مؤمني كنيسة المشرق الآشورية والتخوف من الوحدة  معتقدين بأن مسعاها الأخير هو الخضوع للفاتيكان. وعلى الجانب الآخر كان يرى البعض، حتى بعض الكهنة من الكنيسة الكلدانية، بأن الوحدة مع كنيسة المشرق الآشورية سيجلب الويلات والمصاعب وغضب السلطات الحكومية على الكنيسة الكلدانية لأن الكنيسة الآشورية هي مسيسة ورجالها يتدخلون في السياسة. ومن واقعنا المعاصر الأقرب نذكر بأنه قبل سنتين، أكثر أو أقل، قرر قداسة مار أدي الثاني بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة تبني التقويم الغريغوري الجديد للأحتفال بعيد الميلاد غير أن مجموعة من مؤمني الكنسية متسلحين بالنزعات العشائرية والشللية والمواقف المتصلبة أنتفضوا ورفضوا هذا القرار وتمسكوا بالأحتفال بعيد الميلاد حسب التقويم القديم اليوليالي.

كل ما تقدم أعلاه في إستحالة تحقيق الوحدة أو أي نوع آخر من التقارب المؤدي إلى الوحدة كان سببها الرئيسي عدم توفر الإستعداد الفكري بين المؤمنين وإفتقارهم إلى الوعي الجمعي أو القومي أو تدني مستوى هذا الوعي الذي هو بالنتيجة مصدراً مهماً في تحقيق الوحدة القومية وهو من مهمات العلمانيين وأحزابهم السياسية وتنظيماتهم القومية. وهذا الأمر الذي كان قداسته يعرفه حق المعرفة وعلى أساسه أكد:
وحدة شعبنا القومية هي التي تحقق وحدة كنيستينا
(طيب الله ذكراه ورحمه في جناته الواسعة)

150
إلى متى يظل "ممثلو" أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" يقبلون المذلة والإهانة؟
=======================================================
أبرم شبيرا
كلمات في غير محلها... ولكن!!:
----------------
يلاحظ القارئ العزيز بأنني كتبت كلمة "ممثلو" بحروف صغيرة تعبيراً عن إحتجاجنا وإمتعاضنا وتصغيراً لهم في مهماتهم البرلمانية رغم إعترافنا بأنهم قانونياً وسياسياً يمثلون أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" لأنهم وصلوا إلى الكراسي البرلمانية عن طريق الإنتخابات، المعيار الوحيد المتاح لإكتساب هذه الصفة في هذا الزمن "الديموقراطي" جداً. ويلاحظ القارئ العزيز أيضاً بأنني كتبت "الكلدانية السريانية الآشورية"  بحروف كبيرة تكبيراً وتمجيداً لهذه الأمة العظيمة بكل تسمياتها الحضارية رغم أنها أضحت بفعل العقلية الطائفية المهيمنة على مقدرات البلاد "مكون مسيحي". كما أنه من الضروري للقارئ اللبيب أن يفهم أنه لا محال إلا أن نذكر هذه التسمية الوحدوية لكونها الطرح السياسي الأضمن في الوقت الحالي من التسمية المفردة في مواجهة التحديات المصيرية المشتركة والمطالبة بحقوقنا القومية، وهي الحالة التي تفرض علينا أن نضعها دائماً بين هلالين لتعطي نوع من التحفظ على هذه التسمية الوحدوية. أما ذكر كلمات كـ "المذلة والإهانة" التي تأتي ضمن الظروف الإعتيادية والمستقرة والتي تسودها الألفة والمحبة والتسامح ونكران الذات، وهي الظروف التي يفتقر إليها المجتمع العراقي بشكل عام ومجتمعنا بشكل خاص، تأتي ككلمات غير مقبولة ومستهجنة ولكن ذكرها ضمن الظروف القاسية والتكفيرية والسياسات الإستبدادية التي تمارسها النخب الحاكمة في العراق تجاه أمتنا و أيضا تجاه "ممثليها" تفرض علينا وتجبرنا على أن نجعل مثل هذه الكلمات مقبولة بعض الشيء خصباً عنًا رغم أن ذكرها يحز في عقولنا ويؤلم قلوبنا لأن الكثير منهم أصدقاء لنا لا نرغب إطلاقاً أن يتعرضوا للمذلة والإهانة وأنهم جميعاً أبناء أعزاء لأمتنا ولا نشك في إمكانياتهم الفكرية والسياسية والتي مع الأسف الشديد، تتطاير وتتلاشى في هذه الأيام من جراء الرياح الطائفية العاتية التي تضرب وبقوة بأمتنا وبالتالي يتعرضون إلى الإنتقادات والمهانات من قبل أبناء أمتنا من جراء عجزهم عن القيام بأي شيء مفيد لهذه الأمة.
 
لماذا نطالب بإستقالة "ممثلي" أمتنا ؟؟:
منذ سنوات عديدة طالبنا وطالب غيرنا من أبناء أمتنا بإستقالة "ممثلي" أمتنا من المراكز البرلمانية والحكومية وأجرى موقع عنكاوه الألكتروني الموقر إستفتاء حول الموضوع وكان أكثرية أبناء أمتنا يؤيد الإستقالة، ولكن "في المشمش" كما يقول أخوتنا المصريين. لماذا نطالب بهذه الإستقالة؟ فالجواب واضح وضوح الشمس لأنه كما هو معلوم وبشكل جلي بأنه منذ عام 2003 لنا ممثلين في الهيئات البرلمانية والحكومية ولكن لم يستطيعوا تحقيق أي شيء إطلاقاً لأبناء أمتنا، بل الواضح والجلي هو أن حياتهم في تدهور مستمر وفضيع وكأنها راكبة على جناح عفريت سائر نحو المجهول وبدون وجهة محددة. أفهل هذه الحالة المزرية التي نعيشها في الوطن موضوع يستوجبه التوضيح أكثر والإطناب فيه؟ فبنظرة بسيطة على الواقع المزري لأبناء أمتنا تكفي للتوقف عن الشرح المفصل. أليس لـ "ممثلي" أمتنا عيون سليمة قادرة على النظر على هذا الواقع المزري؟؟ أفليس لهم أحاسيس يحسون بما يتعرض له أبناء أمتنا من  مأساة وفواجع بسبب السياسيات الإستبدادية للنخب الحاكمة في العراق ومنتوجهم الدعشي؟ نعم ... ونعم مرة أخرى... لهم عيون سليمة وأحاسيس مرهفة ولكن لا يستجبون لنداء أبناء الأمة بالإستقالة... لماذا:
الأول يقول: نعم لهم عيون ويشاهدون الواقع بكل وضوح ولكن مصالحهم الخاصة والتحزبية المقية تعميهم وتصبح غشاء سميك يغطي عيونهم لذلك يرفضون الإستقالة ويبررونها بشتى التبريرات الباهتة. فإذا كان هؤلاء خائقون على جيوبهم، فأنا أقترح أن نؤسس جمعية خيرية لمساعدتم في إعادة ملئ جيوبهم من تمويلات أبناء أمتنا الفقراء التي ستكون مصدرا أكثر حلالاً  بكثير من تمويل والرواتب المدفوعة من سرقات الفاسدين في النظام العراقي. وهنا أود أن أكد تأكيداً قاطعاً لهم بأن في حالة إستقالتهم يجب أن لا يخشوا على فقدان هيبتهم وسلطانهم المستمد من فساد وتخلف النظام السياسي في العراق بل سينالون عوضاً عنه مركزاً محترماً وهيبة مبجلة أساسها حب وإحترام وتقدير أبناء أمتنا وليس اللصوص والفاسدين ومن المؤكد حينئذ سيكون تكريس قابلياتهم في خدمة الأمة وعبر قنواتها القومية الشرعية ذو فائدة وتصبح إمكانيتهم  في مكانها الصحيح و يظهر "نضالهم"  على مساره السليم.
 
الثاني يقول: لا .. لا .. لا يجب أن يستقيلوا لأن على "ممثلي" أمتنا أن "يناضلوا" من داخل الهيئات البرلمانية والحكومية ويواجهوا التحديات وهم جالسون جنباً إلى جنب مع اللصوص والفاسدين حتى ينتزعوا منهم حقوق أمتنا... جواب يذكرني بحروب دون كيشوت الذي كان يحارب الشياطين المتجسدة في طواحين الهواء كما حاربنا القانون الشيطاني للبطاقة اللاوطنية، آخر معاركنا ولكن ليست الأخيرة فالحرب مستمرة على ساحة المشاركة في الحكومة التكنوقراطية "غير الفاسدة" والتي خرجنا منها بدون حمص. ألا يعتبر عدم إختيار أي "تكنوقراطي" من "المكون المسيحي" أهانة لكل المسيحيين ولأصحاب الأرض الحقيقيين؟؟؟ ربما معايير تحديد التكنوقراطي عند النخبة الحاكمة هي السرقة والفساد والخيانة والتأمر وهي معايير "تكنوحرامية" حتماً غير موجودة عند "المكون المسيحي" لا في الماضي ولا في الحاضر، ولا نستغرب بأن الحرامي والفاسد والخائن والمتأمر لا يريد أن يجلس الصادق والنزيه والمخلص والمتفاني معه وتحت قبة واحدة لعل ينكشف أمره أكثر فأكثر.

الثالث يقول: حتى لو أستقالوا من الهيئات البرلمانية والحكومية فأن هناك بعض الحثالة الذين يقتاتون من فتات الخبر الساقطة من موائد الحرامية والفاسدين ومستعدون لإنتهاز فرصة أستقالة "الممثلين" الحالين لأمتنا للوثوب على كراسيهم المهلهة، أي بما معناه الرجوع إلى المرجع الأول ومن دون نتيجة، لا بل بنتيجة أسوء. فمثل هؤلاء لا تكون الإنتخابات بعلاتها وعيوبها مصدر وصولهم إلى الكراسي بل يكون اللصوص والفاسدين والمتحذلقين مصدر "شرعيتهم". وإذا حسبنا البعض من هؤلاء "اللكامة" - حسب اللهجة العراقية - موجودون بين أبناء أمتنا، حالنا كحال غيرنا من الأمم، إلا أنهم في حساباتنا القومية هم منبوذين وحالهم سيكون كحال يهوذا الإسخريوطي المنبوذ.

ما الحل بعد إستقالة "ممثلي" أمتنا:

في معظم المناسبات التي تجمعنا مع أصدقاءنا والمهتمين بشؤون الأمة يطرحون، بعد نقاشات مستفيضة عن المأساة والفواجع التي يعانيها أبناء أمتنا في وطن الأم والحالة التشاؤمية التي تسيطر على عقولنا ومن دون الخروج بحل بحده الإدني لتخليص أبناء أمتنا من هذه المأساة والفواجع، يطرحون تساؤل .. ما الحل؟ ...صحيح لا أحد في هذا العالم، خاصة أمتنا الفقيرة، يملك عصا سحرية وبضربة واحد يحل كل المشاكل. ولكن على الجانب الآخر نقول لا مستحيل على الأرض فلكل داء دواء. أطلب السماح من القارئ الكريم لكي أروي له هذه الحكاية. لي صديق عزيز مهتم جداً بالشؤون السياسية والقومية لأمتنا ويتمتع  بنوع من روح الفكاهة وبأسلوب إنتقادي حاد جداً حيال المسائل الكنسية والقومية. في السنوات الأخيرة طغى على تفكيره نوع من التشاؤم وفقدان الأمل في إيجاد أي حل لخلاص أبناء أمتنا من المأساة والفواجع التي تفعل فعلها فيهم وتدفعهم نحو المجهول والموت. ولغرض التخفيف من تشاؤمه كنتً أقول له: أنظر يا صديقي العزيز... السرطان مرض خطير وقاتل وسنوياً يقضى على الألاف من الناس في العالم ولا علاج له. ولكن بالمقابل العلماء يعملون ليل نهار لإيجاد الدواء الشافي للمرض. فكان يردُ ويقول محلفاً: "والله... العلماء سيجدون الدواء لمرض السرطان ونحن مستحيل أن نجد الدواء لمشاكل أمتنا". فكنت أرد عليه وأقول: "أنظر يا صديقي العزيز كيف العلماء يعملون بجد ويكرسون الوقت والجهد والمال من أجل إيجاد دواء لمرض السرطان وقد أثمر عملهم هذا بإيجاد أدوية تخفف أو تمنع من إنتشار هذا المرض في جسم الإنسان فبمرور الزمن سيأتي اليوم الذي سيجدون العلاج الشافي والكامل للمرض... هكذا يجب أن نكون في تعاملنا مع مشاكل ومأساة أمتنا". فبالعمل الجاد ونكران الذات والتضحية بالوقت والمال وتصفية النيات والقلوب سنرسم خارطة الطريق وحتماً سيكون لهذا الطريق خطوات عملية طويلة جداً يتطلبها الصبر والتأني.  والمنطق يقول لضمان نجاح الوصول إلى نهاية الطريق هو البدء بالخطوة الأولى. أنظر عزيزي القارئ كيف فشلت كل محاولات الوحدة أو التقارب سواء بين فروع كنيستنا المشرقية أو أحزابنا السياسية؟ لأن في معظمها جاءت عفوية وبعضها للمزايدة الكنسية والقومية ومن دون خطة أو رسم لخارطة الطريق لا بل من دون خطوة أولى. فمعظم المحاولات كانت تتجاهل، بقصد أو جهل، الخطوة الأولى وتقفز من فوق الواقع إلى النهاية من دون المرور بالمحطات الضرورية والثانوية  للوصول إلى المحطة الأخيرة... مسألة طويلة وشائكة نتجنبها هنا ونتركها لفرصة أخرى حتى لا نخرج من صلب موضوعنا هذا.

كيف نبدأ الخطوة الأولى؟؟ لنأتي بمثل آخر: كل شخص عندما يبدأ بتشييد بناء أو بيت أو بناية، أولى الخطوات الأساسية والضرورية التي يشرع بها هي تنظيف الأرض من النفايات والقاذورات والأنقاض ومن ثم وضع السياج حول الأرض وتسويتها لتكون ملائمة لدك الركائز والأساسات ثم تشييد البناء. هكذا الحال أيضا مع "ممثلي" أمتنا في الهيئات البرلمانية والحكومية. لا أحد في العالم يستطيع أن ينكر بأن النظام السياسي في العراق فاسد حتى النخاع وكل الإصلاحات التي تأتي من رجال هذا النظام لا تستطيع الإفلات من فساد النظام طالما تنطلق من نفس النظام وممثليه هم من نفس النظام. ومن المؤسف القول بأن مشاركة أبناء أمتنا في هذا النظام الفاسد سينتقل مرض الفساد إليهم وبالتالي لا مفر من أن ينعتوا بالفساد أيضا. من هذا المنطلق وقبل الشروع بخدمة أبناء أمتنا يجب قبل كل شيء الخلاص من هذا المرض عن طريق تجنب الإختلاط والتعاطي مع المصابين به وإكتساب نوع من الحصانة ضده فبدون هذا الخلاص تكون كل جهودهم مضيعة للوقت ومصدر للفشل والتعرض للنقد والتهجم من قبل أبناء أمتنا الذي ينتظرون نتائج ملموسة منهم. هذا الخطوة الأولى المهمة جداً، أي ترك الهيئات البرلمانية والحكومية المبوءة بأمراض الفساد والنفاق والسرقات والأحقاد، لا يمكن رسمها وتنفيذها إلا بإرادة نزيه ووضع مصلحة الأمة فوق مصلحة الشخص والحزب الذي ينتمي إليه وبنكران الذات والتضحية بالمنصب والمال وتشابك أيادي "ممثلينا" الخمسة في البرلمان وشدها بقوة بعضها بالبعض وإطلاق أعلان إستقالتهم ليكون إطلاقه كإطلاق قنبلة ذرية مدوية تخرس ألسنة بعض رجال الحكم والسياسية في العراق المنافقين والكذابين الذين ما أن يختموا لقاءهم مع بعض من رجال كنيستنا أو أحزابنا ونفاقهم في التأكيد على الأصالة العراقية للمسيحيين وضمان حقوقهم المشروعة حتى يديروا ظهورهم ويذهبون إلى مكاتبهم البرلمانية والحكومية ليشرعوا قوانين ظالمة وممارسات إستبدادية بحق أمتنا. صدقنوني معظم الذين ألتقوا برجال كنيستنا وأحزابنا وأكدوا على أحقية أمتنا في حقوقها الدينية والقومية المشروعة صوتوا في البرلمان تأييدا لقانون البطاقة اللاوطنية وغير الموحدة. محافظ نينوى ... أي نينوى نتكلم عنها وأي محافظ والأمر كله بيد داعش.. في وقت قريب زار هذا المحافظ شخصيات من أبناء أمتنا في أربيل ليؤكد مساندته لهم في محنتهم وتفهمه لمعاناتهم، فما أن عادة بعد أيام إلى مكتبه حتى نكر وأحتج على قرار الإتحاد الأوربي في أعتبار المسيحيين في العراق يتعرضون للإبادة الجماعية؟؟!!  ليس هذا فحسب بل إن إستقالة "ممثلي" أمتنا سيكون له دوياً صاروخياً عابر للمحيطات ويصل آذان الدول المتقدمة والديموقراطية حينذاك سيتساءل رؤساء هذه الدول عن سبب الإستقالة هذه ... حينذاك سيصدقون بأن الإبادة الجماعية ليسب داعشية فحس بل هي أيضا طائفية مقيتة يمارسها الفاسدون والتكفيريون القابعون في أروقة البرلمان والحكومة العراقية ويستخدون أسحلة مختلفة عن أسلحة داعش ولكن بالنتيجة النهائية هي القضاء النهائي لوجود أمتنا في أرض أباؤنا وأجدادنا، حينذاك يستطيع "ممثلي" أمتنا الجلوس مع رؤساء هذه الدولة ويطلبون منطقة آمنة وحماية دولية على أسس منطقية مقبولة.

شغر الكرسي الوزاري اليتم في المركز والأقليم المخصص للـ "مكون المسيحي" ولم يتم إشغاله رغم مرور وقت طويل... لماذا؟؟؟ يتحجج المسؤولون في المركز والإقليم بالقول بأن الكتل البرلمانية لهذا المكون غير متفقين على شخصية معينة لإشغال منصب الوزير... من حيث الشكل يظهر بأنها حجة مقبولة ومنطقية والمذنب فيها هو "ممثلي" أمتنا في البرلمانين المركزي والإقليمي. فشهوة اللهوث وراء هذا الكرسي لإقتناء إمتيازاته غير المشروعة والملوثة بالفساد ومال الحرام أمر مسيطر على عقولهم وسلوكهم، وهو الأمر الضروري والجوهري الذي يجب التخلص منه والتطهر من أمراض الكرسي وجزء من الخطوة الأولى في خارطة الطريق. واليوم هناك معارك علنية أو خلف الستار والتباكي على عدم وجود كرسي لهم في حكومة التكنوحرامية المزمع تشكيلها... في الحقيقة أمر  تشكيل ما يسمى بحكومة تكنوقراط لا أفهمه رغم إمتلاكي قدر بسيط من أبجدية العلوم السياسية، فرئيس البرلمان سني طائفي ورئيس مجلس الوزراء شيعي طائفي وحصة الكراسي في البرلمان ومجلس الوزراء قائمة على أسس طائفية فمن الذي سيختار التكنوقراطيين لإشغال المناصب الوزراية؟ هل الناس البسطاء المتظاهرين أمام بوابة منطقة الخضراء... طبعاً كلا. أن أصحاب الكراسي الطائفية هم الذين سيرشحون أعضاء وزارة التكنوحرامية والتصويت عليهم. فالمنطق والحقيقة والممارسة الفعلية والخلفية الفكرية والعقلية تؤكد بأن لا يمكن أن نتصور شيعي يصوت لمرشح سني والعكس صحيح أيضا. إذن ما لنا ونحن وهذه اللعبة القذرة التي ليس لنا فيها لا ناقة ولاجمل؟ إذاً كل هذه الأوضاع والقاذورات يجب التخلص منها أولاً بإستقالة "ممثلي" أمتنا من هذه الأروقة المظلمة كخطوة أولى حتى نستطيع تشييد الخطوة التالية. كما هناك أمر مهم أثبته الواقع والممارسة السياسية وهو أن مثل هذه الكراسي سواء البرلمانية أو الحكومية واللهوث للحصول عليها تلعب دوراً كبيرا في تسعير حدة الخلافات والصراعات بين أحزابنا المتمثلة في البرلمان. فنبذها وطرحها خارج عقليتهم الحزبية من المؤكد سيساهم هذا في التقارب والتفاهم بينهم وسيظهرون لأبناء أمتنا بأنهم ليسوا عبدة الكرسي بل جاءوا لخدمة هذه الأمة.

إذن نؤكد مرة أخرى إن إستقالة "ممثلي" أمتنا من البرلمان ونبذ الكرسي الوزاري هي الخطوة الأولى في مسيرة خريطة الطريق. ومثل هذا الأمر، كما ذكرنا سابقا، لا يتحقق إلا بنكران الذات والمنصب وببذل الجهود المضنية ووضع مصلحة الأمة نصب أعينهم قبل كل شيء ومن ثم الإنطلاق نحو الخطوة التالية، بعد تصفية القلوب وتكاتف الأيدي، وهي البدء بوضع أسس وركائز تشكيل مجلس أعلى للـ "الكلدان السريان الآشوريين" مؤلف من الأعضاء الخمسة في المركز والأعضاء الخمسة في الإقليم مع أربع ممثلين من فروع كنائسنا الكلدانية والسريانية والآشورية والشرقية القديمة بدرجة مطران أو أسقف ومن ثم توالي الخطوات نحو وضع آليه للعمل وتشكيل لجان متخصصة من شرفاء و"تكنوقراط" حقيقيين وأكفاء ليس في إختصاصهم فحسب بل في ضميرهم ووعيهم وإستعدادهم للعمل والتفاني من أجل خدمة هذه الأمة... أفهل هذا أمر صعب ومستحيل؟؟؟ كلا وألف كلا.  كم أتمنى أن يتحقق هذا الحلم... ولكن نحن نعلم بأن الأحلام القومية لا يحققها إلا الأبطال القوميين ... أفهل لنا فعلاً أبطال قوميين؟؟؟. كم أتمنى أن تتحقق هذه الخطوة الأولى حتى أهرع إلى صديقي العزيز وأزرع فيه بذرة أمل وأقول له: أنظر لنا علماء يعملون بكل جدية من أجل إيجاد الدواء الذي سيخفف من معاناة أمتنا، فبالعمل المضني والتفاني سوف يكتشفون عاجلاً أم آجلا الدواء الذي سيقضي على أمراض أمتنا أن لم يكن في عصرنا الحالي فمن المؤكد سيكون ذلك للأجيال القادمة فهكذا تستمر أمتنا وتتواصل نحو أماد أبعد حينذاك سوف نتفاخر وتتفاخر الأجيال القادمة في كونهم أحفاد حمورابي وآشور بانيبال ونبوخذنصر ومار شمعون برصباي ومار بنيامين ومار توما أودو وفريدون أتورايا وأغا بطرس ونعوم فائق وفريد نزها فيتعاظم بريق هؤلاء النجوم ويضئ طريق مناضل أمتنا نحو نيل حقوقنا المشروعة في أرض الأباء والأجداد.     

151
كلمات متأخرة عن الأديب المبدع والصديق الراحل يونان هوزايا
==================================
أبرم شبيرا
أمام محكمة الضمير:
-------------
كلما أقراً موضوعاً عن الأديب المبدع والصديق الراحل يونان هوزايا وأستطلع الإنجازات الأدبية والفكرية والثقافية التي برع فيها وأسردها أصحابه في كتاباتهم خاصة الذين زاملوه في مسيرته الثقافية والسياسية كما فعل مؤخراً الإستاذ يوسف شكوانا في موضوعه المعنون (رابي يونان أسم تخلده الأجيال) والتعليقات التي وردت عليه خاصة من زملاءه القدامى كالإستاذ كوركيس أوراها منصور وغيره، أجد نفسي واقفاً في قفص الإتهام في محكمة الضمير بتهمة التقصير في تسخير ولو بضعة اسطر في رحيل هذا الأديب المبدع والصديق المخلص لأكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد من الزمن. وفي دفاعي عن هذه التهمة "الضميرية" كنت ألجأ إلى حجج مفادها بأن العديد من زملاء المرحوم قد قاموا بالواجب وبأحسن وجه ومن دون أي تقصير فتطرقوا بالتمام والكمال إلى شخصيته الفريده وابداعاته العديدة إلى درجة لم أجد مجال آخر للتطرق إليه أو ضرورة لإعادة ما كتبه زملاءه في هذه الساحات الفسيحة من حياته وأبداعاته الثقافية والأدبية والفكرية والسياسية من جهة، والصدمة العنيفة التي تلقيتها عند سماع خبر رحيله وتركتني في حالة من الذهول والتساؤل عن الفراغ الذي سيترك رحيله على الساحة الثقافية لأمتنا من جهة أخرى  كان ربما سبب آخر لهذا التكاسل. ولكن مع كل هذا لم تكن هذه التبريرات كافية لتريح ضميري من التقصير تجاه صديقنا الراحل فضلت ذكراه توشوش فكري وتؤنب ضميري خاصة عندما أقرأ موضوعاً كتبه أحد زملاءه أو أتصادف مع أحدى كتبه الأدبية أو قاموسه اللغوي وأنا غائص بين محتويات مكتبتي الصغيرة. لذا لم أجد مندوحة ولا مفر إلا أن أسطر بعض السطور عن هذا الصديق المخلص والمبدع والفريد من نوعه لعل قد تريح جانب من ضميري وتضمن إستقرار فكري بهذه السطور القليلة لشخصية عظيمة وإن جاءت متأخرة من حيث سياقها الزمني وبعد ثلاثة أشهر من رحيله لكن ليست كذلك في سياقها الفكري حيث سيظل "أبو نينوس" في ذكراه وإبداعاته مأطراً بإطار سرمدي طالما بقيت كتبه تحتل رفوف المثقفين وطالما بقية "السريانية" منطوقة بألسنة أبناء أمتنا الذي كان فارسها الثائر وسيظل هكذا حتى ولو رحل عنَا.     

يونان هوزايا بين الثقافة والسياسة:

-------------------
هناك ظاهرة إجتماعية وربما فكرية وسياسية أيضا وهي إنخراط المثقف، بكل معنى لهذه الكلمة الواسعة والتي تشمل حقول الفكر والأدب والفن، في السياسة وبكل ما تعني هذه الكلمة من إنخراط في النشاط السياسي وخاصة الإرتباط بتنظيم سياسي أو التحزب المفرط له. فتقاطع العالمين الثقافي والسياسي أمر معقد يصعب جداً ضبط التوازن بينهما من دون الإخلال به وتغليب جانب لصالح الجانب الآخر. فالمثقف الذي يتعرف الناس على إنتماءه من خلال نشاطه الثقافي والفكري والأدبي الشامل المرتبط بالأمة التي ينتمي إليها يصعب جداً أن لم يكن مستحيلاً أن يحافظ على شمولية نشاطه وإستقلاليته عند إنتماءه إلى حزب سياسي معين. فإلتزامه الحزبي يفرض عليه أن يكرس كل نشاطه الفكري والثقافي والأدبي بما يتماشى أو على الأقل بما لا يتعارض مع فكر ومنهاج وتوجهات الحزب السياسي الذي ينتمي إليه وهو الأمر الذي يسبب فقدان شمولية وإستقلالية نشاطه الفكري والثقافي والأدبي وبالتالي صعوبة أو إستحالة وجود توازن بين العالمين الثقافي والسياسي. ومن يعرف الراحل يونان هوزايا كما أنا عرفته من خلال العالمين الثقافي والسياسي، يعرف جياً بأنه يشكل حالة فريدة وإستثنائية في هذا السياق. فإنتماءه السياسي والتنظيمي إلى الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) ومن ثم تدرجه حتى وصوله إلى مراكز قيادية ومن ثم تسنمه منصب وزير الصناعة في حكومة إقليم كردستان لم يؤثر إطلاقاً على شمولية وإستقلالية نشاطه الفكري والثقافي والأدبي فظلت مسيرته على نفس الخط من دون الإخلال بها أو التأثير عليها بسبب إنتماءه الحزبي. كما أن نشاطه المفعم بالحيوية والتوجه القومي الصميمي لم يؤثر إطلاقاً على إلتزامه الحزبي فبقى، رغم كل الظروف مرتبطاً فكرياً وتنظيمياً بزوعا وبالتالي أستمر نشاطه ضمن العالمين الثقافي والسياسي في تناسق عجيب وغريب قلما شاهدنا مثيلاً له. عندما ألتقيت بصديقنا الراحل في دمشق في النصف الثاني من تسعينيات من القرن الماضي وهو بصحبة الأستاذ يونادم كنا عمت الفرحة والمسرة قلوبنا من هذا اللقاء بعد سنوات عديدة فتم خلالها إستعراض شريط الذكريات في بغداد وخاصة نشاطاتنا في إتحاد الأدباء والكتاب لـ "لناطقين بالسريانية" في بغداد ثم أستغرب صديقنا الراحل بشدة من عدم إنتمائي إلى زوعا فقال للأستاذ يونادم: أرجوك أعطي لأبرم إستمارة الإنتماء لكي يملئها ويستكمل إنتماءه لزوعا. فأجابه الإستاذ يونادم قائلاً وبنوع من المزحة: "أنه مشاغب ولا نريده في زوعا... فالأحسن أن يكون خارج زوعا". وعندما عرفت من خلال أحاديثنا قصة إنتماء صديقنا الراحل إلى زوعا أندهشت وتحفظت على هذا الإنتماء فدخلنا في نقاش حامي الوطيس فيه نوع من الإعتراض مجبولاً برفضي إنتماءه إلى زوعا خشية من تأثير هذا الإنتماء على نشاطه القومي الشامل. غير أنه بمرور السنين ظهر بأنني كنتَ مخطئاً فالعكس كان هو الصحيح. فبعد إنتماءه إلى زوعا تعاظم وتوسع نشاطه وعلى مختلف الأصعدة وظهرت له نتاجات أدبية ولغوية وثقافية عديدة وأنتشرت بشكل واسع فكان فارساً شهماً مع غيره من فرسان أمتنا في تثبيت وترسيخ التعليم السرياني وإستمراره نحو مراحل متقدمة بفضل ما بذله من جهود مضنية في إعداد وترجمة معظم مناهج التدريس إلى اللغة السريانية. ولو تمعنا النظر في العوامل التي ساعدت صديقنا الراحل في تعاظم وتوسع نشاطه الثقافي والفكري والأدبي واللغوي بعد إنتماءه إلى زوعا نجد بأن هناك عاملان:
الأول: توفر هامش من الديموقراطية وحدود معينة من الحرية في إقليم كردستان بعد عام 1992، حيث كانت تنشط زوعا بشكل علني، فأتيحت للقوميات غير الكردية منهم "الكلدان السريان الآشوريين" فرصة الإنطلاق وبزغم أقوى نحو تكثيف النشاطات السياسية والفكرية والثقافية والأدبية، فظهرت مجلات وجرائد وتأسست أحزاب وجمعيات ومراكز ثقافية لأبناء شعبنا وبدأت قنوات تلفزيونية بالبث ومحطات إذاعية فكانت كلها ساحات رحبة لصديقنا الراحل ليكون اللاعب الأساسي والفاعل فيها. فالقيود الإستبدادية التي كانت تكبل نشاطه المفعم في بغداد تكسرت عند إنتقاله إلى منطقة الحكم الذاتي فتعاظم وتوسع نحو مجالات فسيحة ومختلفة برع في جميعها وأصبح نجماً ساطعاً في سماء عالمنا الثقافي واللغوي والفكري.
الثاني: كانت التوجهات السياسية القومية للحركة الديموقراطية الآشورية وتجسيد جوانب منها على أرض الواقع عاملاً مهماً لصديقنا الراحل ليركب الأمواج الهائجة في بحر الثقافة والأدب والفكر ليكون أحد ربان سفينة زوعا ويقودها نحو إنجازات قل مثيلها في تاريخنا المعاصر وتحديدا في مجال التعليم السرياني. فلا أحد يستطيع أن ينكر في هذا العالم بان زوعا، سواء أتفقنا معها أم أختلفنا، كانت "مؤسسا" ورائداً في ولادة التعليم السرياني وتواصله نحو مراحل متقدمة وتحقيق أهدافه فكانت هذه الصفحة الجديدة في حياة أمتنا هي التي  جذبت صديقنا الراحل نحوها ويكون جزء منه من خلال إنتماءه إلى زوعا ليكون أكثر قرباً من عملية صنع القرار فيما يخص التعليم السرياني، أعظم إنجاز قومي في تاريخنا الغابر والمعاصر.
وقبل أن أنهي هذا الباب في تأكيد الترابط العضوي والقوي بين النشاطين الثقافي والسياسي لصديقنا الراحل أود أن أقول بأنه لم يكن مبدعاً وخلاقاً في المجالي الثقافي والفكري والأدبي فحسب بل كان مبدعاً ورائعاً في سلوكه الهادئ وأخلاقه الدمثة ورصانة فكره ومرونة كلامة وصلابة صداقته مع الجميع وربما من دون إستثناء. فلا أعتقد أحد يخالفني الرأي بأن المرحوم رغم إنتماءه إلى زوعا، ونحن نعرف جيداً بأن لزوعا منتقدين ومخالفين ومناهضين سواء لها أو لبعض قادتها، ولكن للحقيقة أقول لم أسمع أو أقرأ أي كلام أو نقد أو معارضة أو مناهضة لصديقنا الراحل من أي شخص كان حتى ولو كان من ألد أعداء زوعا، فالكل من أبناء شعبنا كان يحترمه رغم كونه في قيادة زوعا. أما من ناحية إنتماءه إلى عالم الثقافة والأدب فأنا شخصياً لم أقرأ أي معارضة أو رفض لنشاطاته الثقافية والأدبية، وقد يكون هناك نوع من هذا الرفض أو النقد ولكن من المؤكد هو بسبب نقص الوعي أو صعوبة فهم ما كتبه صديقنا الراحل. وهنا لا يسعني إلا أن أذكر الندوة التي أقامها في شيكاغو قبل سنوات وسأله أحد السائلين "الآشوريين" عن سبب تسمية القاموس الذي ألفه بالتشارك مع رفيقه وزميله الشماس أندريوس يوخنا (بهرا – عربي – سرياني) بالسرياني وليس بالآشوري وبين رفضه لهذه التسمية فأجابه صديقنا الراحل بقوله: لماذا تهتمون بالشكل أو بقشرة الجوز وتتركون لب الجوز أنظر في داخل القاموس وسترى بأن لغته هي اللغة التي يتكلم بها الجميع سواء كانوا آشوريين أم كلدان أم سريان؟؟؟ 

يونان هوزايا بين بغداد وعنكاوه:

-----------------
مرحلتان في حياة صديقنا الراحل وعلى مختلف الأصعدة الشخصية والفكرية والثقافية والأدبية...

مرحلة بغداد: وملئها نشاطات ثقافية وفكرية وأدبية ولكنها مقيدة بقيود إستبدادية النظام ومقرونة بنوع من الخشية والخوف من بعض عملاء النظام البعثي العراقي المندسين في مؤسساتنا الثقافية والأدبية والإجتماعية. من المؤكد الكثير من زملاء صديقنا الراحل الذين شاركوه في نشاطات الجمعية الثقافية وإتحاد الأدباء والكتاب للـ "الناطقين بالسريانية" في بغداد يتذكرون أكثر مما أتذكر أنا. فمن جانبي وبإعتباري كنتُ عضواً في إتحاد الأدباء والكتاب أتذكر بأن كلا المؤسستين كان مقرهما في دار قديم في منطقة السعدون تابعه للراهبات الكلدان وبقيا هناك حتى دمجهما عنوة بالإتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين. ففي عام 1972 عندما تأسس بعض المؤسسات الثقافية للـ "ناطقين بالسريانية" منها الجمعية الثقافية واتحاد الأدباء والكتاب حيث بتشجيع من بعض العناصر الحكومية شارك رجال الدين وبعض المطارنة من الكلدان والسريان والآشوريين في تأسيس هذه المؤسسات وإدارتها في سنواتها الأولى ولكن بمجرد أن بدأ بعض العناصر القومية لأبناء أمتنا المشاركة في نشاطات هذه المؤسسات وتحويل نشاطها نحو المسار الثقافي القومي الصحيح ومن ثم تحقيق بعض الإنجازات الثقافية واللغوية المهمة، بدأ وجود رجال الدين بالاختفاء والتلاشي فأدركت السلطات الحكومية والحزبية خطورة هذه المؤسسات فلجأت إلى إغلاقها ودمجها مع الاتحاد العام (الرسمي) للكتاب العراقيين فأصبحت بحكم المنتهي، فكان صديقنا الراحل مع بعض من زملاءه فرسان شجعان في مواجهة التحديات وتحقيق بعض الإنجازات ضمن تلك الظروف الصعبة. أتذكر في عام 1981 عندما قامت الحرب العراقية الإيرانية أصبح تقريباً معظم مؤسساتنا بحكم المشلول ومن دون نشاطات تذكر خاصة بعد إستدعاء بعض العناصر الفاعلة لخدمة الإحتياط في الجيش العراقي وأعتقد كان صديقنا الراحل أحدهم. ولكن كانوا دائماً  يزرون الجمعية أو الإتحاد ويشاركون في نشاطاتهما. لم يكن أمر إخماد نشاط هذه المؤسسات مرضياً للسلطات الرسمية والحزبية لذلك طلب من جميع مؤسسات وأندية أبناء شعبنا تنظيم نشاطات ثقافية كمهرجان للشعر وغيرها حتى يتم بيان بأن الحياة طبيعية رغم ظروف الحرب القائمة.  وفعلا  ولتحقيق هذا الطلب عقدت عدة إجتماعات لممثلي هذه المؤسسات والأندية بما فيها الجمعية الثقافية وإتحاد الأدباء والكتاب وكان صديقنا الراحل يشارك فيها مع بعض من زملاءه إلى جانبي وبعض من زملائي من النادي الثقافي الآشوري. هنا أتذكر أمران في مواجهة التحديات أثناء هذه الإجتماعات. الأول هو إعداد منهاج المهرجان الشعري الذي كان يصر صديقنا الراحل أن يكون باللغتين العربية والسريانية في حين كانت العناصر المعادية والمندسة تصر على أن يكون باللغة العربية فقط. والثاني هو راعي المهرجان حيث كانت العناصر المندسة والمرتبطة بالجهات الأمنية والحزبية تصر على أن يكون المهرجان برعاية وزير الداخلية، وكنًا ومعنا صديقنا الراحل وزملاءه نواجه هذا الإصرار بإصرار أقوى في أن يكون المهرجان برعاية وزير الثقافة لكون المهرجان نشاطاً ثقافيا. غير أن الأمر كان يحسم بـ "خسارتنا" في هذه المعركة بحجة أن نشاط جميع المؤسسات والأندية مرتبطة بمحافظة بغداد وبوزارة الداخلية لذلك يجب أن يكون المهرجان برعاية وزير الداخلية أو من ينوب عنه.  هنا أطلب من القارئ الكريم السماح لي بأن أسرد قصتين قصيرتين بهذا الشأن: الأولى: كتب المجرم (و. ش) الذي كان رئيس أحدى الأندية الإجتماعية، حالياً يسرح ويمرح في شوارع مدن ولاية كاليفورنيا رغم الجرائم التي أرتكبها بحق أبناء شعبنا في العراق، والذي كان يشارك في هذه الإجتماعات، كتب تقريراً إلى الجهات الأمنية ذكر فيه بأن أبرم شبيرا وجماعته "العنصريين" ويقصد صديقنا الراحل وزملاءه، قالوا في الإجتماع بأن وزير الداخلية جاهل ولا يعرف شيئاً من الشعر فلماذا يكون المهرجان الشعري برعايته؟. وللتحقيق في صحة الأمر وقبل قيام الجهات الأمنية بأجراءاتها، طلبت من السيد (ش. ت) طيب الله ذكراه، الذي كان يحضر الإجتماعات بصفة ممثل عن "اللجنة المركزية للطائفة الآثورية في العراق!!!!" والذي هو الآخر كان مرتبطا أو بالأحرى موظفاً في مديرية الأمن العامة غير أن الحق يقال بأنه كان إنساناً نزيهاً ومرحاً ولم يكن ليئماً ولا متأمراً على أبناء أمته بل كان دائماً مستعد للمساعدة وإحقاق الحق وإظهار الحقيقة من دون مجاملة ورياء، طلبت منه بيان رأيه حول تهمة المجرم (و. ش) ضدنا بخصوص غباء وزير الداخلية. غير أنه رفضها رفضاً قاطعاً وذكر الحقيقة كما وردت في الإجتماع المذكور فتغاضت الجهات الأمنية عن الموضوع. أما القصة الثانية التي ترتبط بالقصة الأولى والتي لها نوع من روح الفكاهة التي كان يتمتع بها السيد (ش. ت)، ففي أحدى الإجتماعات ذكر وقال: طلبنا أن يكون المهرجان برعاية وزير الداخلية فطلب هذه الأخيرة أن يكون برعاية محافظ بغداد ثم هذه الأخيرة كانت تطلب أن يكون برعاية المدير العام للجمعيات في محافظة بغداد وهكذا تقوم هذه الأخيرة بطلب من مديرية الجمعيات في مديرية الأمن العامة لرعاية المهرجان ومن بعده تقوم هذه الأخيرة بطلب من ضابط شعبة شؤون المسيحيين في الأمن العامة برعاية المهرجان... وهكذا ثم يردف السيد (ش. ت) فيقول: أعتقد أننا سنصل إلى اليوم الذي نطلب من "الجايجي" جاسم أن يرعى المهرجان، وجاسم كان الشخص الذي يبيع الشاي أمام بوابة مديرية الأمن العامة في منطقة السعدون.

مرحلة عنكاوه: إذا كنت قد أطنبت بعض الشيء في مرحلة بغداد لأنني كنت مشاركاً فيها بشكل مباشر ومعاشراً لنشاطات صديقنا الراحل، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لمرحلة عنكاوة لأن الكثير من زملاءه كانوا لأخر يوم من حياته في تماس مباشر معه وكتبوا الكثير عنه وعن نشاطاته الإبداعية فأقتصرت علاقتي به بشكل غير مباشر أما عن طريق التراسل أو التخابر أو خلال زيارتي إلى شمال الوطن أو إلى الدول المجاورة واللقاء به. ولما كان التعليم السرياني الشغل الشاغل لصديقنا الراحل وركز معظم جهوده على إستقراره وتواصله وتحقيق أهدافه، أرى من الضروري أن أعيد المقابلة التي أجريته معه في عنكاوه في شهر شباط عام 1999 ونشرت ضمن موضوع عن التعليم السرياني في شمال العراق. ذكر وقال (منذ إقرار البرلمان لحق أبناء أمتنا في التعلم في المدارس بلغتهم القومية بدأنا مع تشكيلات التعليم السرياني في المديرية العامة للتربية ثم مع مديرية التعليم السرياني والمركز الثقافي وغيرهما من المؤسسات الثقافية والإجتماعية والمختصين في شؤون اللغة والمشرفين التربويين، بدأنا بمراقبة ومتابعة عملية التعليم السرياني مراقبة دقيقة ويومية وخطوة فخطوة من أجل معرفة مسيرتها الصحيحة وتذليل عقباتها وتوفير مستلزماتها بهدف إنضاج هذه التجربة وإنجاحها لتكون قاعدة لمرحلة متقدمة أخرى. وفعلاً بعد أن قطعت نصف الراحلة وأمضت ثلاث سنوات، أي في عام 1995 من مسيرتها تأكد لنا نجاحها وبشكل ملفت للنظر، ليس  وحدهم وإنما لغيرهم أيضا بما فيهم المسؤولين في الدوائر والوزارات المعنية، بل تأكد لنا جميعاً بأنه لا محال من إستمرار مسيرة التعليم السرياني حتى وصول محطتها الأخيرة، أي الصف السادس الإبتدائي وإجتيازها بثقة عالية، ولكن كنا مترقبين وحرصين أشد الحرص على التحرك وعلى مختلف الجبهات وفي الوقت والظرف المناسبين وقبل وصول مسيرة التعليم السرياني محطته الأخيرة بفترة معقولة ومناسبة. لهذا شرعنا في البدء مرحلة تهيأ الأجواء الفكرية والثقافية والفنية من خلاق عقد مجموعة من الندوات والحلقات الدراسية واللقاءات من أجل الإستعداد لطرح موضوع مواصلة التعليم السرياني نحو المرحلة الثانونية على المسؤولين المعنيين). شخصياً لاحظت جزء من هذه التحديات وعايشت ظروف القائمين عليها لفترة معينة وخاصة مسألة أستكمال ترجمة الكتب وإعدادها وشاهدت وأنا في دمشق في عام 1998 كيف كان أستاذنا وأديبنا الراحل يونان هوزايا يسهر الليالي حتى بزوغ الفجر وهو منكب على ترجمة الكتب التعليمية إلى السريانية، وفي حينها كنت أوبخه على عدم الإهتمام بصحته ولكن كان يقول: يجب عليً إكمال ترجمة هذه الكتب حتى تكون في متناول طلاب الصف الأول المتوسط قبل مباشرة الدوام الرسمي وإلا فأن التعليم السرياني سينهار برمته... وفعلاً يمكن أن أكد بأن الأستاذ يونان هوزايا وغيره من اللذين ناضلوا نضالاً مستمياً لإنجاح التعليم السرياني ومواصلة رحلته حتى النهاية هم أبطال مجهولون في هذه المعركة ورواد الإنجازات التي تحققت لهذه الأمة في التعليم باللغة السريانية. وأخيراً لم يبقى في هذا السياق إلى أن أذكر بعض الكلمات التي أعتبرها خالدة ورنينها لا يزال يرن في آذاتي وتتفاعل مع فكري والذي من خلالها كان يظهر مدى إهتمام وتضحية بعض من قادة زوعا ومنهم صديقنا الراحل بالتعليم السرياني. ففي أحدى لقاءاتي معهم في شمال الوطن سألتهم ما الذي سيحدث للتعليم السرياني لو أكتسحت قوات صدام حسين المنطقة فقالوا:(صحيح البعض من قادتنا يستسلم والآخر يلجاً إلى المناطق الأكثر أمناً ولكن نعتقد لا تستيطع قوات صدام حسين أن تنتزع لغتنا القومية من ألسنة تلاميذنا الذين تعلموها في المدارس السريانية). وفي المراحل الأولية للتعليم السرياني وتزايد طلابها والمدارس السريانية أصبح أمر تمويلها صعباً للغاية مما أضطرت قيادة زوعا في حينها إيقاف رواتب ومخصصات بعض كوادرها الحزبية وتخصيصها لدعم الحاجات المطلوبة للتعليم السرياني الخارجة عن الدعم الحكومي، وفي حينها أتذكر الكلمات الخالدة التي ذكرها صديقنا الراحل وقال (سأبيع هذا الجاكيت – قمصلة كان المرحوم يرتديها دائما – من أجل أن يستمر التعليم السرياني.
 
 

 




صور لبعض النشاطات والزيارات للمدارس السريانية مع الصديق الراحل

الزيارة الأخيرة
--------       
كان من المستحيل أن أزور شمال الوطن ومن دون أن ألتقي بصديقنا الراحل وندخل في حوارات ثقافية وفكرية وسياسية ونتبادل الآراء في الكثير من الأمور السياسية والثقافية وكثير من الأحيان نسترجع ذكرياتنا من مرحلة بغداد. ولم يكن يبخل إطلاقاً على عرض مشاريعه الثقافية والأدبية طالباً رأيي فيها. كانت آخر زيارتي له مع الصديق توما روئيل يوخنا في نهاية شهر أيلول من العام الماضي، أي قبل رحيله بثلاثة أشهر، وفي بيته في عنكاوه رغم مرضه الشديد وصعوبة الحركة والكلام تبادلنا الكثير من الأراء والأفكار وإستمتعنا بهذا اللقاء الشيق وعرض علينا بعض النشاطات التي يقوم بها في البيت ومنها كانت ترجمته لقصيد بدر شاكر السياب المشهورة (أنشودة المطر) من العربية إلى السريانية الذي كان يأمل أن ينشرها. وهنا أتجاسر وأنشرها نيابة عنه إن لم تكن منشورة سابقا. رحل عنا الشاعر والأديب والمثقف واللغوي والسياسي والمفكر يونان هوزايا... رحل عنا يونان هوزايا الآشوري والكلداني والسرياني ... رحل عنًا من هذا العالم ولكن للحقيقة أقول بقى وسيبقى طالما هنا شاعر وأديب ومثقف ولغوي وسياسي ومفكر في هذه الأمة حيث نجد صورته في كل نشاط نزيه ومثمر من هذه الأنشطة ... رحل وترك خير وريث يورثه في هذه الحقول... أم نينوس زوجته الإستاذة جاندارك التي من المؤكد ستجعل من يونان هوزايا حياً يرزق من خلال إستمرار حياته الثقافية والفكرية واللغوية والأدبية وقيادتها نحو أجال أبعد بكثير.
أخيراً أطلب من القارئ الكريم قبول أعتذاري عن بعض الأخطاء اللغوية والقواعدية التي قد تكون وردت في هذا الموضوع والسبب في ذلك ليس إلا إنفعالي ومن ثم إستعجالي وأنا أكتب هذه السطور.



   





 



الزيارة الأخيرة  لصديقنا الراحل في بيته مع الصديق توما روئيل يوخنا









152
مراجعة نقدية للثوابت المبدئية والمواقف الفكرية
في
لقاء مع الإستاذ أبرم شبيرا – حاوره: سعيد لحدو

------------------------------------
أبرم شبيرا
تقديم: بينما كنت في الأسبوع الماضي منهمكاً في البحث وتصفية أرشيف مكتبتي الصغيرة في منزلي اللندني المكتضة بعشرات الكتب والمجلات والمقالات والبحوث والكراسات وقصاصات الصحف والمجلات التي تغطت بلحاف من الأتربة وتشربت برطوبة الأجواء اللندنية، عثرت على ما لم أكن أتوقعه أو أتذكره  من مواضيع مهمة وحساسة متعلقة بأمورنا القومية والسياسية التي كتبتها قبل أكثر من عقدين من الزمن والتي لبعضها طعم خاص ذوقها أو مضمونها لا زال فاعلاً حتى يومنا هذا، خاصة ما كنت أكتبه في مجلة "حويودو – الإتحاد" التي كان يصدرها إتحاد الأندية الآشورية في السويد، ومن بين هذه الأكوام عثرت في أحدى أعداد هذه المجلة لقاء معي أجراه الصديق ملفونو سعيد لحدو ونشر في عام 1998. فوجدت في أعادة نشره مادة تصلح للمراجعة الفكرية ومقارنة نقدية لبعض من الأفكار والأراء الواردة فيها عند النظر إليها من قبل القارئ العزيز من خلال الظروف القومية والسياسية التي تحيط بأمتنا في هذه الأيام في الوطن وفي المهجر، خاصة بعد البركان الهائج والمدمر لعام 2003 الذي خلط الحابل بالنابل وأضاع علينا رأس خط مسيرة حركتنا القومية وتخبطت أحزابنا السياسية في إرهاصات الساحة السياسية العراقية وخضعت لبعض التجاذبات السياسية والمصلحية خاصة بعد توفر فرص إقتناء كرسي برلماني أو وزاري وبالتالي إنحرافها في جوانب معينة من توجهاتها القومية المعروفة قبل عام 2003. وكان بروز "الكلدان" الجزء الأكبر من أبناء أمتنا وتجسيد وعيهم في أحزاب وتنظيمات سياسية عاملاً قوياً ومؤثراً على مسيرة حركتنا السياسية والمطالبة بالحقوق القومية فجاءت التسمية الوحدوية "الكلدان السريان الآشوريين" كطرح سياسي شامل تبنته معظم أحزابنا السياسية ومثقفي أمتنا للدخول وبقوة في معركة المطالبة بحقوقنا القومية المشتركة لكل أجزاء وأبناء أمتنا بعد أن كانت التسمية "الآشورية" هي الطاغية على السطح السياسي لحركة أمتنا القومية قبل عام 2003. من هذا المنطلق، إذا كُنًا نرغب أن نكون سياسيين بالمعنى العلمي والصحيح علينا أن ننظر للأفكار والمواقف ونقارنها بين الأمس واليوم بنظرة موضوعية وواقعية حتى نصل إلى نتائج مرضية وهو الغرض الأساسي من أعادة نشر هذا اللقاء  ومن دون أي تغيير.     
==================================================================
لقاء مع الإستاذ أبرم شبيرا – حاوره: سعيد لحدو
-----------------------------------
بعد المشاركة في المؤتمر الثاني للجبهة السريانية الثقافية الذي أنعقد في بيروت في الأول من شهر أيار 1988 وتحت شعار(الآشورية حضارة ولغة وهوية شعب)، كانت للكاتب القومي المعروف أبرم شبيرا إطلالة حب للوطن، فهناك مع عبق ترابه المقدس أينعت فكرة اللقاء والحوار حول همومنا وآمالنا وتطلعاتنا المشتركة. فكان هذا الحوار، صميمياً، صادقاً، ينبض بأحاسيس القلب وخفقاته.

حويودو: عالم الكاتب محيط لا حدود له.. أعماقه العذراء أبعد من أن تكشف فمن أي جانب يمكننا الإمساك بعالم الكاتب القومي الملتزم أبرم شبيرا؟
أبرم: لست غامضاً إلى هذا الحد وعالمي يمكن الإمساك به بسهولة ويسر. فأنا قبل أن أكتب أتاكد من الطرف الذي أتوجه إليه في كتابتي، أدقق في قارئي لأعرف إتجاهات إهتماماته ليكون المخاطب أقرب إلى فهم الموضوع لأنه موجه إليه بالأساس. فغرضي تجاه الآشوري هو إنماء الوعي القومي من خلال إبراز الحقاق الواقعية التاريخية. أما إذا كان القارئ عربي، مثلاً، فإنني أبتعد عن المشاعر الفياضة وإثارة العواطف إذ في هذه الحالة أكون أكثر موضوعية وهدوءاً في طرح الفكرة حتى يكون الموضوع أقرب إلى الفهم والتعاطف.
حويودو: أنت اليوم زائر في أرض الوطن، تشم رائحة ترابه وتستنشق عليل نسيمه... نحن الآن في القامشلي، ونينوى شاغلة الدنيا والأنبياء على مرمى حجر من مجلسنا هذا، فأي شعور يغمرك وأي إحساس يطغي عليك؟
أبرم: لا غرابة إطلاقاً أن كنت أشعر بالبنوة تجاه هذه الأرض. فأنا حقيقة أبنها وهذا الشعور طبيعي بالنسب لي وإن كان يبدو غريباً لأبن المهجر لكنه بالنسبة لي إعتيادي رغم بعدي عن الوطن، لكنه في قلبي دائماً ومحور نشاطي الفكري والقومي.
حويودو: أبرم شبيرا الإنسان يحمل ذاته كحقيبة سفر متجولة عبر مطارات العالم. أين يجد نفسه ... في المهجر أم في الوطن أم في رحلة سفر أبدية؟
أبرم: أجد نفسي مع أبناء أمتي أينما كانوا ومتعة المجالسة والمناقشة وتبادل الأفكار معهم متعة لا تضاهيها متعة أخرى مصدرها الأساسي الوطن وليس المهجر. فالبرغم من أنني أشعر بأنني في سفر طويل ومتواصل، إلا أنه لا يستقر بي المقام في نهاية المطاف إلا على تربة هذا الوطن فهو محور كل نشاطاتي وأهتماماتي وتتعاظم قوة الانفعال والتقاعل مع هذا الوطن عندما يجمعني واجبي القومي بأبناء أمتي على تربته ونتسامر سوية حول همومنا المشتركة ومصيرنا المشترك.
حويودو: الآشورية تنضح بمقالاتك متى وحيثما كتبت. ألهذا مدلول خاص عندك؟
أبرم: بالطبع... مادمت أحمل في ذاتي ذلك الهم القومي. فالقضية مرتبطة بصورة أو بأخرى بتسخير كل إمكانياتي الفكرية بالشكل الذي يلبي حاجات أسعى كما سعى غير من أجلها ويخدم المنحى العام للقضية الآشورية التي هي قضيتي الأولى والأخيرة.
حويودو: "الفصل بين الكنيسة والسياسة في المجتمع الآشوري" كان عنوان محاضرتك القيمة التي قدمتها في مؤتمر الجبهة السريانية الثقافية في بيروت مؤخراً. وعلى أهمية هذا الموضوع وحساسيته بالنسبة لنا، أترى أن محاضرة واحدة أو حتى عدة محاضرات يمكن أن تفيه حقه؟
أبرم: ما قدمته في المؤتمر كان صورة مختصرة جداً لهذا الموضوع. في الحقيقة فإن هذا العنوان هو مشروع كتاب لي فيه شرح وإستفاضة كبيرين وأمل أن يصدر في القريب العاجل (!!!!؟؟؟؟ - العلامات من أبرم). أنه موضوع حساس ومثير ومفيد للجانبين الكنسي والقومي السياسي ويعالج مسائل ملحة تهم كنائس المشرق بتفرعاتها الثلاثة (المشرقية – السريانية – الكلدانية)، التي تناولها الموضوع، كما تهم وبالدرجة ذاتها منظماتنا القومية والأحزاب السياسية الآشورية.
حويودو: بالرغم من مشاغلك الكثيرة فإنك تجد الوقت الكافي للإطلال على السياسة من باب الثقافة الواسع. ألا تشعر بالتعارض أو الإحراج بين هذه الجانبين من حياتك العملية؟
أبرم: نعم يوجد تعارض وأحياناً إحراج ذلك لأن الحقل الذي أعمل فيه لإستحصال مصدر قوتي والذي يستهلك كل ساعات يومي يختلف كلياً عن إختصاصي الأكاديمي وأهتمامي الفكري. ولكن مع هذا أحاول جل جهدي أن أخفف من هذا التعارض والتناقض وأن أجد فسحة مناسبة من الوقت أنفذ من خلالها إلى عالم الكتابة. إضافة إلى ذلك فإن الثقافة، وأقصد الثقافة الفكرية التي ألتزم شخصيا بها إلتزاما قوميا، هي شكل من أشكال السياسة، لا بل وأكثر فاعلية، فيما إذا أستثمر في خدمة قضايا أمتنا استثماراً صحيحاً وهادفاً.
حويودو: قبل فترة كنت في شمال العراق، وأطلعت عن كثب على الواقع المستجد هناك وبخاصة واقع شعبنا. والآن أنت في سورية تعاين وترى، نود أن توضح لنا الصورة التي كونتها عن هذا الواقع وأين تكمن أوجه المقارنة برأيك؟
أبرم: الواقع الذي لا يخفي على أي بصير هو إصرار الشعب الآشوري على الارتباط بالوطن رغم كل التحديات السياسية والاقتصادية والنفسية التي يواجهها. ومثل هذا الاصرار  لمسته لمس اليد من خلال نضال الحركة الديموقراطية الآشورية في العراق والمنظمة الآثورية الديموقراطية في سورية. وأوجه المقارنة  تكمن في هذا الاصرار مثلما تكمن في قوة التنظيم ووضوح الرؤية السياسية المعبرة عن هذا الاصرار الذي شاهدته بين أعضاء هذين التنظيمين. ولكن أيضا لهذه المقارنة جوانب مختلفة تكمن في اختلاف الظروف السياسية الموضوعية في شمال العراق عن تلك في سورية، أي بمعنى آخر: تشارك في الظروف الذاتية وإختلاف في الظروف الموضوعية المحيطة بكلى الحالتين. فبسبب اختلاف هذه الظروف الموضوعية تمكنت الحركة الديموقراطية الآشورية بفعل قوة التنظيم ورقي الوعي من التفاعل الإيجابي معها ومن ثم التعامل الذكي مع هذه الفرصة الاستثنانية لتحقيق إنجازات ملموسة. وقمة هذه الإنجازات تتمثل في إمكانية إجلاس خمسة آلاف تلميذ آشوري على مقاعد الدراسة للمناهج الرسمية المقررة وباللغة السريانية كما يتمثل الجانب الآخر لهذه الإنجازات في تصاعد ونمو الوعي القومي الصحيح بين جميع أبناء الشعب الآشوري وبمختلف إنتماءاتهم الطائفية والعشائرية وفي إمكانيتهم للتعامل مع أخطر التحديات التي تواجهها أمتنا في وطنها التاريخي بيت نهرين. وأنا واثق لو توفرت مثل هذه الفرصة لمطكستا لأصبح لنا موضوع يشابه هذا الحديث في الإنجازات القومية المتعددة.
حويودو: من خلال كتاباتك وأبحاثك نجد أنفسنا مدعوين إلى إعادة تقييم لمجمل أوضاعنا وتوجهاتنا سواء في الوطن أم في المهجر. أيمكنك توجيه أهتماماتنا في المنحى الذي يخدم هذا الطرح؟
أبرم: من هي الجهة التي تقوم بالتقييم؟ أجيب قائلا: الأحزاب السياسية لأنها من المفترض أن تكون أرقى أشكال التنظيم في المجتمع المعبرة عن الوعي الجمعي للأمة. ولكن هل أحزابنا السياسية هي فعلاً أرقى أشكال التنظيم في المجتمع الآشوري حتى تقوم بهذه المهمة؟ الجواب قطعاً لا فيما يخص المهجر. لأن بعض هذه الأحزاب موجودة  منذ مدة طويلة على الساحة الآشورية ولكن – مع الأسف الشديد- لم تستطيع تحقيق إنجازات ملموسة ومفيدة لأبناء شعبنا الآشوري في المهجر فالخط البياني للوعي القومي الصحيح والواقعي في المهجر في إنحدار مستمر ويمكن تلمسه من خلال النزاعات التحزبية والطائفية والعشائرية التي لا معنى لها غير المزيد من التمزق والتشرذم. فالأحزاب السياسية ليست فقط أسماء وشعارات بل يجب أن تكون أفعال وإنجازات. فتقلص شعبية الأحزاب الآشورية وضمور نشاطاتها دلائل تؤكد ما ذهبنا إليها. وعلى العكس من هذا، أرى أن الأحزاب السياسية القائمة في أرض الوطن جديرة بمثل هذا التقييم. لا بل تكون أكثر جدارة لو تم التنسيق والتعاون فيما بينها بشكل أفضل مما هو عليه الآن. ومن هذا المنطلق أوجه إهتمامي نحو المنحى الذي يخدم هذا التعاون والتنسيق وهو المنحى الذي أسلكه في نشاطي الفكري والسياسي بحكم علاقتي الجيدة مع معظم الأحزاب السياسية وخاصة الموجودة على أرض الوطن وتحديداً زوعا ومطكستا.
حويودو: هل هناك أسس توجه لعمل مشترك بين طوائف شعبنا؟
أبرم: الأساس المشترك للعمل بين الطوائف يتمثل في هذه الأيام في الحوار القائم بين الكنائس والذي يعد الأول من نوعه في تاريخنا. فنحن كعلمانيين أو كقوميين، أن صح التعبير، علينا أن نشجع مثل هذه الحوارات التي لو تحققت مقاصدها النبيلة لأثمرت بنتائج إيجابية كبيرة في المستقبل المنظور على المستوى القومي وتحقق ما نصبو إليها في وحدة شعبنا الآشوري بكل طوائفه المختلفة. وهو الهدف الذي يبتغيه كل إنسان نزيه، سواء أكان رجل دين أم علمانياً. كما ويجب أن لا ننسى إطلاقاً دور الأحزاب السياسية والمنظمات القومية وأهمية هذا الدور في هذا المجال. وإذا كان دور زوعا ومطكستا معروفاً وملموسا للبصير فأنه من الضروري أن نشيد بدور بعض المنظمات القومية وبالخصوص إتحاد الأندية الآشورية في السويد والذي يعد في إعتقادي من أنجح المنظمات القومية الآشورية في المهجر ومن أكثرها قدرة على التعامل الإيجابي والمثمر مع التعدد الطائفي في مجتمعنا، أنه نموذج يستوجب على بقية المنظمات أن تحتذي به في التعامل مع الواق القومي الآشوري الذي تمزقه نزعات طائفية وعشائرية وتحزبية وأنانية.
حويودو: أنت سياسي من حيث الاهتمام والتخصص، ولست مسيساً من حيث الإنتماء، هذا  ما يعطيك فرص الحكم بحيادية تجاه تنظيماتنا القومية عامة فكيف ترى الحال.. وما هو الذي يستحق الانتقاد برأيك؟
أبرم: من منطلق حيادي وموضوعي أقول إنني لا أحبذ إطلاقاً هذا التكاثر العبثي في عدد الأحزاب السياسية الآشورية. فهذا ليس دليل وعي قومي وإنما دليل تخلف سياسي. فنحن الآشوريون ليس لنا عمق فكري وأيديولوجي أو تناقضات فكرية محددة تدفعنا أن نجسدها في تنظيمات سياسية. فمن يدعي اختلاف حزبه الآشوري عن حزب آشوري آخر على أسس أيديولوجية وعقائدية هو إدعاء باطل. فاختلاف احزابنا لا يقوم إلا على أساس اختلاف المواقف السياسية والشخصية وهي أسس غير علمية وصحيحة في قيام الاحزاب السياسية وبالتالي هي العلة التي تعيق تطور هذه الاحزاب وإستمرار نشاطها. من هذا المنطلق نقول لو قل عدد الأحزاب بشكل منطقي وبالقدر الذي يسمح ممارسة اللعبة الديموقراطية فان هذا سيعكس حتماً نوعاً من الرقي والتطور في الوعي القومي وفي قدرة الآشوري المنتمي إلى الحزب السياسي على نبذ الاختلافات السياسية الجانبية القائمة على التباين في المواقف أو على الاختلافات الشخصية وبالتالي انكار الذات من اجل العمل القومي المشترك الذي لا بد ان يثمر بنتائج إيجابية وملموسة. فما يستحق الانتقاد الموضوعي هو هذا العدد غير المنطقي في كثرة الاحزاب الآشورية، لا بل ما يستحق الانتقاد أكثر وأكثر هو عجز هذه الأحزاب من التفاهم والتقارب أو الاندماج والتوحد بينهم طالما يحملون كلهم قضية واحدة ويعملون، في التحليل الأخير، من أجل هدف واحد ولا يختلفون عن بعضهم إلا في التفاصيل وهو إختلاف مشروع وصحي لا غبار عليه لو قبلناه كأساس في احترام الرأي والرأي الآخر، إلا أنه اختلاف يجب أن يبقى في حدوده هذا ولا يجب أن يرتقي إلى مستوى القطيعة لكي يكون أساس لتشكيل حزب سياسي مستقل. ويحق لنا أن نتسائل ضمن هذه الظاهرة الحزبية وضمن تاريخنا الطويل المليئ بالإنشقاقات والإنفصالات: هل شاهدنا يوماً حزبين أو أكثر توحدا؟ في حيث العكس هو الحاصل، فهناك إنشقاقات مستمرة في احزابنا بحيث أصبح كل شق أو فرع، أو حتى ذراع، بحكم الواقع حزباً مختلفاً قائما بذاته يصعب إعادة توحيده مع الشق الآخر. فهذه دعوة صادقة من هذه النافذة لاحزابنا السياسية للتفكير ملياً في مدى إمكانية الاتحاد بينهما أو الدمج من اجل خلق عدد معين ومعقول من أحزاب قومية وناشطة تستطيع تحقيق المفيد والملموس لهذه الأمة. ترى من الذي سيحقق هذه السابقة التاريخية في مجتمعنا الآشوري لكي يدخل قلوب الآشوريين ويسترجع بعض من الثقة المفقودة بأحزابنا عند الجماهير الآشورية. بهذه المناسبة أسعدني جداً سماع أخبار في هذه الأيام عن محاولات توحيد شقي حزب بين نهرين الديموقراطي ونتمى من صميم قلنا أن يوفق القائمون على شؤونه في مهمتهم هذه. ومن المواضيع التي تستحق الانتقاد أيضاً هو الطرح الرومانسي والخيالي لبعض الأحزاب الآشورية والمنظمات القومية التي تضر أكثر مما تنفع. فالأمر في الحقيقة محير لا بل ومثير للاستغراب عن كيفية إثارت بعض من هذه الأحزاب أو الشخصيات في المهجر الكثير من الضجيج والخزعبلات في "تحرير آشور" والدفاع والمطالبة بحقوق الآشوريين في العراق في الوقت الذي لم تطأ قدمهم أرض آشور ولا يعرفون عن أحوال أبناء أمتهم البائسة في أرض الوطن إلا قليل القليل وعن طريق الصحف والأخبار والأقاويل. فهذا أمر يستوجب المراجعة والتقييم من هذه الأحزاب والشخصيات نفسها وجعل نشاطها يتناغم تناغماً قومياً ومنطقياً مع نشاط الحركات والمنظمات الموجودة على أرض آشور فهي أدرى بالأحوال العامة لأبناء هذا الوطن.
حويودو: لإبناء شعبنا في المهجر مؤسسات مختلفة وعديدة، من أندية إجتماعية ثقافية إلى محطات إعلامية – إذاعات – تلفزيونات - صحف – دور نشر.. وغيرها، أهذا برأيك دليل صحوة أم هو شكل آخر من أشكال التفرق والتشرذم متخذاً سمة حضارية؟
أبرم: هذا دليل قدرة أبناء شعبنا على مواكبة التطوريات التكنولوجية الحاصلة في هذا المجتمع وامكانية استخدامها وتوجيهها توجيهاً جماهيرياً. أما تقرير فيما اذا كان هذا الدليل مؤشر صحة أو شكلاً من أشكال التمزق فهذا يمكن الحكم عليه من خلال الاهداف التي تجتمع عليها هذه المؤسسات والافكار التي تبثها وتعمل من اجلها. فإن دعت إلى الوحدة والعمل الصالح لابناء أمتنا وتمكنت من توضيح الذات الآشورية وأوصلتها بسلامة ووضوح  إلى الآخرين وناصرت القضية الآشورية مناصرة علمية وواقعية فهذا هو دليل صحو ورقي في الوعي. أما إذا شغلت نفسها بالنزاعات الطائفية والانانية والعشائرية والتحزبية وألبستها لباساً قومياً وسياسياً أو أنسرحت في عالم الخيال والعمل القومي الرومانسي (غير الواقعي) فهو دليل مرض وتمزق وتشرذم وعبث لا طائل منه إطلاقاً. وقد ضربنا مثلاً ممتازاً كما سبق الحديث عن إتحاد الأندية الآشورية في السويد ومجلته الممتازة "حويودو"  في هذا المجال.
حويودو:  قراء المجلة لا شك مطلعون على جوانب كثيرة من شخصيتك من خلال كتاباتك، ما هو الجانب الخفي من شخصيتك والذي لم يتح لقرائنا الإطلااع عليه بعد؟
أبرم: ينعتونني بأنني كاتب آشوري، ولكن في الحقيقة ليست لي أية صفة كاتب بالمعنى الفعلي لهذه الكلمة. فالكتابة ليست حرفتي بل هي بالنسبة لي مجرد وسيلة للعمل القومي فمن خلالها أحاول إيصال أفكاري إلى الناس. فكثير منهم يعتقد بأنني أعمل في حقل الصحافة أو في المجال الثقافي أو الاكاديمي ولكن في الحقيقة عملي بعيد جداً عن هذه الحقول فأنا وجدت في الكتابة، مثلما وجد الآشوري الآخر في حزبه أو منظمته أو مجلته، طريقاً للعمل القومي.
حويودو: لن نودعك.. لأننا في لقاء دائم على صفحات "حويودو" والتي هي مجلة كل آشوري، لكن الا ترى من المناسب أن تقول لنا كلمة لنفترق مؤقتاً على أمل اللقاء القريب؟
أبرم: أستعير أسم هذه المجلة والروح القومية التي تفوح من بين صفحاتها وأناشد أبناء أمتي للتمثل برسالتها القائمة على الوحدة. الوحدة الآشورية، حتى في حدودها الدنيا، شعار دائم في حياتي أستمد منه مصدر كل السطور التي أكتبها لابناء أمتي فأودعكم بهذا الشعار على أمل اللقاء مرة أخرى بهذا الشعار لأنه هو الجامع الوحيد الذي يجمعنا ويحقق ذاتنا بكشلها المطلوب لكل آشوري يستحق أن يحمل هذا الأسم هوية له.

حويودو عدد – شهر تموز – آب 1998 (6748) ص 45 -47

153
صرخة غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو ... سمعتُ فأستجبتُ
----------------------------------------------------------------------------------------------------------

أبرم شبيرا

ليس أصعب وأشق من الدخول في حوار ومناقشات مع بعض من أبناء أمتنا الملتزمين وبحدة بالتزمت الحزبي والطائفي والعشائري والذي قد يصل في بعض الأحيان إلى نوع من "الزعل". ولكن نحمد ربنا فإحترامنا لهم وصداقتنا المتينة مع البعض الأخر  تجعل مثل هذا "الزعل" أن يكون لفترة قصيرة ومن ثم  يزول.  فهؤلاء  ذوي "البعد الواحد" يصعب عليهم جداً أن ينظروا إلى الأمور العامة بنظرة أوسع فيما يتعلق بالمصلحة القومية والوسائل المتاحة والممكنة لتحقيقها والمطروحة من أشخاص منتمين إلى هذا الأمة من جهة وغير متزمتين فكرياً وتنظيمياً وكنسياً من جهة أخرى. فعندما نضع مصلحة الأمة فوق جميع الإعتبارات تصبح بقية المكونات السياسية والبنى الإجتماعية والكنسية والعشائرية إداة لتحقيق هذ المصلحة وتشكل إجزاء من الكل الشامل الذي يحوي هذه المكونات والبنى. في حين نرى بأن أصحاب "البعد الواحد" يرون المسائل العامة المتعلقة بمصلحة الأمة من زاويتهم الخاصة ويجعلون من  حزبهم السياسي هو الكل في الكل وفوق جميع الإعتبارات الأخرى. فإذا كان هذا أمراً طبيعياً في الحياة السياسية والحزبية، أي أن ينظر الحزبيون إلى الواقع ومصلحة الأمة من خلال فهمهم وأفكارهم وأيديولوجيتهم، لكن قبول "طبيعية" هذا الأمر متعلق بالأساس عندما يكون الحزب أداة ووسيلة وليس الهدف بحد ذاته وتكون أهدافه على أرض الواقع وليس على الورق جزء مهم من أهداف الأمة. وهذا ما نشاهده في بعض أحزابنا السياسية، فمصلحة الأمة وأهدافها  هي دائماً وأبداً في قمة جدول أولوياتها كما هو مدرج في برنامجها السياسي ونظامها الداخلي، ولكن في الواقع العملي وأهداف الحزب على أرض الواقع لها الأولية وهي المتحكمة في سلوكهم. وما نشاهده من لهوث حميم وراء كراسي البرلمان والحكم وعدم الإتفاق المنطقي على الحد الأدني من مصلحة الأمة والعجر في نقل البيانات والإستنكارات والإحتجاجات من الورق إلى ساحة العمل الواقعي والمنتج شواهد في هذا السياق.

الكل يعرف جيداً، لا خلاص لنا إلا بوحدتنا، وأي فكرة أو مشروع أو دعوة نحو هذه الوحدة وهذا الخلاص، خاصة عندما تأتي من أشخاص معروفين في أمتنا بنقاء سجلهم الشخصي وبجديتهم في عملهم وتحملهم للمسؤولية والتزامهم بالمبادئ التي تصب في التحليل الآخير في هذه الوحدة وهذا الخلاص، هو أمر مفروض على كل واحد من أبناء أمتنا، مهما كانت طائفته أو إنتماءه الحزبي أو العشائري أو الشللي، دعمها بكل ما يملك من إمكانيات وكل حسب قدراته وموقعه إذا كان فعلاً مؤمنا بأهمية وحدة أمتنا في خلاصها خاصة في هذه المرحلة التي تتطلب جهود الجميع دون إستثناءات أو تبريرات. فعندما نؤمن بأننا أمة واحدة مهما أختلفت تسمياتنا وطوائفنا وكنائسنا وعشائرنا فإن أي جهد أو محاولة أو فكرة او مشروع من أية قسم من تقسيمات أمتنا، تسموياً أو كنسياً أو طائفياً أو حزبياً أو عشائرياً، يجب أن يكون مقبولا من المومنين بوحدة أمتنا وخلاصها طالما تصب كل الروافد في النهر الجاري نحو وحدتنا وخلاصنا، فلنكن أقل طموحاً ونقول يصب في ساحة المصلحة العامة لأمتنا. وهنا يتبادر إلى ذهبي الموضوع الذي كتبته قبل فترة من الزمن ونشر في موقع عنكاوه عن تشبيه حالة أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية"  بالأواني المستطرقة ذات القنوات الثلاثية. فمن المعروف عن هذه الأواني بأنها موضوع فيزيائي لا يدرس في المرحلة الإبتدائية بل في المراحل المتقدمة، المتوسطة والثانوية، لأنه موضوع فوق مستوى طلاب الإبتدائية ويصعب عليهم فهمه. هكذا هو حال بعض من أبناء أمتنا كحال تلاميذ المرحلة الإبتدائية يصعب عليهم فهم وحدة أمتنا بروافدها الثلاثية لأن مستوى وعيهم السياسي والقومي لم يصل إلى مستوى طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية في فهم حتمية وحدة أمتنا.

من هذا المنطلق، ولأنني أؤمن إيماناً صادقاً وعميقاً بخلاص أمتنا عن طريق وحدتنا، خلقت لي أكثر من أذنين فسمعت صراخ غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو وبالتالي أستجبت له بما جاد قلبي وقلبي وفكري فأيدت من موقعي الخاص دعوته لإيجاد مرجعة مسيحية موحدة في العراق. وهنا يجب أن لا يفوتني أن أذكر تأييد الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا)  لدعوة غبطة البطريرك هذه والذي جاء على لسان ممثلها في البرلمان السيد عماد يوحنا لتعطي هذه الحركة إنطباعاً جيداً عن فكرة إيجاد مرجعية مسيحية موحدة كسبيل لتوحيد خطاب المسيحيين في العراق ودفعه بزخم قوي ربما سيكون أكثر قدرة على إختراق آذان المتربعين على كراسي الحكم في العراق وقادة الأحزاب السياسية المهيمنة.

يخطئ من يظن بأن إستماعي إلى صرخة غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو وإستجابتي لها من خلال الكتابة عنها تأتي من إعتبارات خاصة ومحددة، بل أستمعت إليها وأستجبت لها بكتابة بعض السطور عنها تأتي من إعتبارات عامة قومية منطلقة من إيماني القومي بوحدة أمتنا كسبيل لخلاصنا، وليس هي أول صرخة أسمعها وأستجيب إليها فقد سبق وفي كل كلمة أو لقاء أو كرازة لمثلث الرحمات البطريرك مار دنخا الرابع الراحل إلى جنات الخلد التي لم تكن تخلو أبداً من دعواته للوحدة القومية والكنسية كنت أخلق لي أكثر من أذنين وأستمع إليها بشغف وأستجيب لها ببعض السطور.  وفي المستقبل القريب أيضاً وعلى نفس النهج أستمعنا وبشغف وعن قرب إلى صرخات قداسة البطريرك مار كوركيس الثالث صليوا أثناء مراسيم التكريس في عنكاوه الى دعوته في "شراكة حقيقية بين الجميع ومع الجميع ومن أجل الجميع" مضيفاً قداسته "نجدد التزام كنيسة المشرق الاشورية تجاه شقيقاتها الكنيسة الكلدانية والسريانية بالعمل من اجل التقارب او الوحدة وتوحيد الجهد اليوم وغدا اكثر من أي وقت لنكون بمستوى ما يواجهه شعبنا من تحديات وجودية وانني وباسم كنيسة المشرق الاشورية ادعو اخوتي بطاركة الكنائس المشرقية، وبخاصة السريانية والكلدانية، الى التزام الية عمل مشتركة بل وبلغة اليوم اقول غرفة عمليات مشتركة"  فإستجبت لها من موقعي الخاص وبإمكانياتي المحدودة ببعض السطور. والحال نفسه مع غبطة المطربوليت مار ميلس زيا عندما وجد في التسمية الوحدوية لأمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" نهجاً وسبيلاً للعمل الوحدوي القومي والكنسي فأستمعنا إليها وبشغف وكتبنا عنها بعض السطور لأنه أول كاهن على مستوى عال في كنيسة المشرق الآشورية ينهج نهجاً وحدوياً من خلال هذه التسمية الوحدوية.

ربما ينبري أحد من أبناء أمتنا ويقول: أنا آشوري ومن أتباع كنيسة المشرق الآشورية ما لي وصرخة البطريرك الكلداني في إيجاد مرجعية مسيحية موحدة فغبطته دائماً يعمل لصالح طافئته وليس لغيرها. والآخر من يقول: أنا كلداني من أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ما لي ودعوات رجال الكنسية "النسطورية"  - المشرق الآشورية – في الوحدة الكنسية والقومية، فهم معروفين بـ "عنصريتهم" ومحاولاتهم في "بلع" الكلدان في القومية الآشورية. والحال نفسه لا يختلف عن سرياني، سواء من أتباع الكنيسة الأرثذوكسية أو الكاثوليكية في مثل هذه المواقف تجاه دعوات إلى الوحدة القومية والكنسية المنطلقة من كهنة بقية فروع كنيسة المشرق. هذا هو الواقع "المر" السائد في الكثير من أبناء أمتنا، فواقعيته نابعة من النزعة الطائفية التي تهيمن على عقولهم وإفتقارهم إلى الوعي القومي الشامل وأهمية وحدة فروع كنيسة المشرق كسبيل أولي لخلاصنا، فحالهم كحال تلاميذ المرحلة الإبتدائية في عجزهم عن فهم نطرية الأواني المستطرقة. فإذا كان الأمر هكذا ونظرنا للأمر الواقعي بنظرية طائفية ضيقة، فماذا بشأن دعوات نحو إيجاد مرجعية مسيحية موحدة من خارج الإطار الطائفي أو من غير الفروع الثلاث لكنيسة المشرق؟ كتنظيم لقاء مسيحيي المشرق. فهذا اللقاء هو تنظيم يجمع كبار رجال الكنائس المختلفة وشخصيات فكرية وثقافية تأسس في لبنان عام 2010 وأولى إهتماماً كبيراً بأوضاع المسيحيين في المشرق وخاصة العراق. ففي بداية عام 2015 وضع "مشروع تثبيت الوجود المسيحي في العراق كخطة عمل في هذا السياق وقدم المقترح إلى رؤساء الكنائس في العراق. ثم أثناء زيارة رئيس الهيئة التنفيذي المطران سمير مظلوم، المعاون البطريركي لبطريرك الكنيسة المارونية مع المنسق العام الدكتور فؤاد ناظر وغيرهما من الأعضاء للعراق في شهر أيلول من عام 2015 عقدوا عدة إجتماعات مع رجال الكنيسة الكبار وزعماء أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية وكان أهمها الإجتماع المشترك في عنكاوة – أربيل بتاريخ 26/09/2015 مع أعضاء تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية وعدد من الأطراف والشخصيات المعروفة من أبناء شعبنا وخرج المجتمعون ببيان نشر في المواقع الألكترونية، وهنا أجد من المفيد أن أدرج البيان نظراً لأهميته وصلته بموضوعنا هذا:
"بيان مشترك"
   
 بدعوة من الهيئة التنفيذية للقاء مسيحيي المشرق برئاسة سيادة المطران سمير مظلوم ممثلا عن غبطة البطريرك مار بشارة الراعي بطريرك الكنيسة المارونية
"وانطلاقا من مضمون الحقيقة التي تقول لا شعبا بلا قضية ولا حقوقا بلا نضال سياسي مشترك مبني على جوهر الوحدة الوجدانية "
     عقد اجتماع تمهيدي لتجمع الأحزاب السياسية وعدد من الشخصيات من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري (المسيحي) في العراق بكافة اتجاهاته لتوحيد الرؤى والأهداف المشتركة ومسيرة الشعب في إطار وحدوي يشمل كل الجهود السياسية، الكنسية، الثقافية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات من ذوي المؤهلات الفكرية والخبرات العلمية باتجاه الاتفاق على آلية موحدة للعمل السياسي المشترك للوصول الى تحقيق أهداف شعبنا ودعم صموده وتأمين مستقبله على أرضه التاريخية في الوطن .
وتم الاتفاق على مايلي:
1-   دراسة مسودة مشروع يخص مصير شعبنا.
2-   الاتفاق على توسيع مساحة القيادة الموحدة كما ورد أعلاه.
3-   وضع دراسة متكاملة لإلية العمل والشروع بها.
4-   تم تشكيل لجنة متابعة لدعم هذه المبادرة وتجسيدها.
إنها دعوة لشعبنا من أجل الاصطفاف معا لدعم هذه المبادرة وتجسيدها في هذا الزمن الصعب من تاريخ أمتنا.
ومن الله التوفيق
الاجتماع المشترك للهيئة التنفيذية للقاء مسيحيي المشرق
و
تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية وعدد من الاطراف وشخصيات أبناء شعبنا
اربيل – الأحد 26/9/2015
                       
وعقب هذه الأجتماع هرع رئيس وأعضاء لقاء مسيحيي المشرق إلى وضع خطة أو منهاج أو الترجمة العملية لهذا الإجتماع متكونة من عدة مراحل وخطوات عملية لتحقيق ما ورد في البيان أعلاه... ولكن مع الأسف الشديد ظهر فيما بعد ولحد هذا اليوم بأن المعنيين من "زعماء" كنائسنا وأحزابنا وتنظيماتنا لا يقرأون ولا يسمعون أو أن سمعهم ثقيل جداً أن لم نقل هم بدون آذان قادرون على سماع مثل هذه الصرخات نحو الوحدة الكنسية والقومية.. لقد لمست وسمعت وبشكل مباشر من أعضاء لقاء مسيحيي المشرق أثناء زيارتي لهم في بيروت في منتصف شهر تشرين الثاني 2015، بناء على طلب من غبطة المطربوليت مار ميلس زيا، إستغرابهم الشديد من اللامبالاة وعدم الإستجابة للمقترح وكأنها صرخة في واد عميق مقفر لا صدى له فبقى البيان المشترك أعلاه مسجون في الورق غير قادر على إستنشاق الهواء من أرض الأباء والأجداد!!! لا بل وعلمتُ منهم أيضا بأن كتابة البيان أعلاه وتسطيره على الورق كانت في الحقيقة ولادة قيصرية وذلك من شدة الإختلافات حتى على الورق؟؟. وأكتفي بهذا ولا أرغب في سكب المزيد من الخل على جراحنا العميقة والحطب على نيراننا، ولكن قبل الختام أود أن أذكر مايلي:
1.   البعض من أبناء شعبنا، خاصة المتحزبين والقومانيين، لايزال غارق في جهل عميق عن تاريخ كنيستنا المشرقية مغطياً هذا الجهل بالمفهوم الغربي في فصل الكنيسة عن السياسة وعن تدخل الكنيسة في السياسة. فكنستنا المشرقية ليس ببعدها الإيماني واللاهوتي بل في كونها مؤسسة تاريخية عرقية كانت دائماً وأبداً وعبر التاريخ الطويل الإطار المؤسساتي الذي من خلاله كانت تمر هويتنا القومية ويتعرف بها العالم ولا زالت حتى اليوم في خضم التحديات الدينية المؤسسة الرئيسية الفاعلة، سواء قبلنا هذا الواقع أم رفضناه. على أن هذا الفهم في الطبيعة المؤسساتية للكنسية ودورها الفعال يفرض علينا أن نعرف إختلاف وسائها عن الوسائل السياسية والحزبية من جهة وعن تقاطع دوائر ساحة العمل المشترك الكنسي والقومي السياسي من جهة أخرى، أي هناك وسائل عمل مختلفة ولكن بأهداف مشتركة، وهو موضوع سبق وأن كتبنا عنه بشكل مختصر. لنأخذ أمثلة على هذا، مار أبرم أثنيل، أسقف كنيسة المشرق الآشورية في سوريا من وسط نيران الأرهاب والتشرد والإختطاف يعمل ويخاطر بحياته من أجل إخلاء سبيل أبناء شعبنا المحتجزين من قبل داعش الإرهابية، أليس هذا، تخليص شعبنا من أنياب الذئاب المفترسة، من مهمات أحزابنا السياسية الذين يشكلون قوات عسكرية للقيام بهذه المهمة؟؟؟ (وسائل مختلفة وهدف واحد). أليس العمل المضني والشاق للمطران مار بشار متي ورده، راعي أبارشية أربيل للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في حماية أبناء شعبنا المشرد وتوفير مستلزمات الحياة لهم إلى درجة تحول إلى "مفوض سامي للاجئين" عملاً قومياً صميمياً يسعى إليه أيضا أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية ولكن كل بوسائله الخاصة ؟؟؟. أليس قيام أبرشية إستراليا ونيوزلندا لكنيسة المشرق الآشورية برعاية المطربوليت مار ميلس زيا ببناء المدارس والكليات الآشورية في سدني لحماية لغتنا القومية وتراث أجدادنا من المهمات الأساسية لأحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية والتي يدرجونها في مقدمة أهدافهم؟؟؟ لكي نفهم كل هذه الحقائق التي تصب في نهاية المطاف في المصلحة القومية الجامعة، علينا الإنتظار حتى نتخرج من مرحلة الدراسة الإبتدائية وننتقل إلى مرحلة الدراسة الثانوية لكي نفهم كيفية عمل الأواني المستطرقة.
2.   من طبيعة المجتمعات البشرية في العالم، هناك أفراد يعملون وآخرون لايعملون. لا بل لا يعملون وأيضا يهاجمهون من يعمل كأسلوب لتغطية كسلهم وهذا شكل من أشكال تخلف المجتمعات. ومجتمعنا الكلداني السرياني الآشوري ليس بعيدا عن هذا التخلف. ما العيب في صرخة نحو وحدة كنسية وقومية إذا كنا ليل نهار نتكلم عنها ونحلم بها؟ ماشاء الله... لدينا "زعماء" كثر على المستويات المختلفة، خاصة الكنسية والقومية ولكن القليل يعمل والكثير لا يعمل. لي صديق عزيز له مواقف إنتقادية حادة تجاه رجال الكنيسة، يقول: رجال كنيستنا لهم أطول عطلة نهاية الآسبوع في العالم ستة أيام، ولا يعملون إلا يوم واحد – يوم الأحد!!! فبغنى عن إتفاقنا مع صديقنا هذا أو إختلافنا فالملاحظ  له جانب من الحقيقة... اليوم تقريباً تشترط معظم فروع كنيسة المشرق شرط حصول الكاهن على شهادة جامعية عليا لكي يستطيع تسنم درجة أسقف أو مطران... شيء جيد، ولكن ما فائدتها إذا كانت عطلته الآسبوعية ستة أيام ويعمل يوم واحد المخصص للقداس الألهي؟ لذلك ليس له وقت لعمل شيء آخر، يكرسها ويستخدم شهادته، على الأقل، في البحث والكتابة والتحقيق في تاريخنا العريق. فعلى هؤلاء الذين لا يعملون أن يدعو الآخرين ليعملون. أما إذا حاولنا أن نبطق نظرية صديقنا في عطلة نهاية الأسبوع على بعض من "زعماء" أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية فإنني أخشى أن أعمل ذلك لعل سنكشف بأن لهم عطلة نهاية الأسبوع متكونة من سبعة أيام. أكتفي بهذا القدر تجنباً لـ "زعل" بعض "زعماء" كنائسنا وأحزابنا، فأغلبهم أصدقاء أعزاء لا نتحمل زعلهم.       

 

154
صرخة غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو ... فمن له آذان فليسمع
---------------------------------------------

أبرم شبيرا

تأكد لنا  وبالدليل الواقعي والقاطع بأنه ليس للمسؤولين العراقيين سواء في الحكومة أو في الأحزاب السياسية المهيمنة على مقدارت العراق آذان يسمعون الصرخات المدوية لغبطة بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، لا بل وأكثر من هذا  حيث ظهر بأنه ليس لهم أيضاً قلوب وعقول يشعرون ويدركون مضامين هذه الصرخات المأساوية النابعة من شخص يتألم من تألم أمته لأن قلوبهم وعقولهم فاسدة وكريهة أكثر من فساد البيض ورائحتها الكريهة، وبالتالي ضمن هذا الفساد العفن أنشأوا نظامهم السياسي والحزبي الفاسد والعفن.

والأنكى من كل هذا والأسوء ألماً وحسرتاً هو أن لا يكون أيضاً لمعظم قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية آذان يسمعون هذه الصرخات المدمعة للعقول والقلوب أكثر من غيرهم لأنهم أقرب إلى غبطته ويشعرون بقلوبهم ويدركون بعقولهم نفس المأساة التي يعانيها شعبنا في وطن الأم ويعانيها غبطته. ولا أشك إطلاقاً بإنسداد آذان "ممثلي" أمتنا في البرلمانين "المركزي والإقليمي"  بشمع المصالح الحزبية والشخصية الضيقة وبغبار خشب الكراسي المتطاير من أوكار البرلمان والحكومة.

لكن في الحقيقة وإنطلاقاً من مشاعر وأحاسيس متألمة أتردد أن أجزم بأن قلوبهم وعقولهم فاسدة وقد تكون الصداقة التي تربطني ببعضهم سبباً آخر لعدم الإقرار بفساد قلوبهم وعقولهم. مع هذه المشاعرة والصداقة هناك واقع ماحق وحقائق مأساوية تدفعنا لأن نميل إلى أن نتهمهم بفساد قلوبهم وعقولهم.

فهناك منطق قوي جداً كشاهد يشهد في محكمة ضمير أمتنا ويدعم مثل هذا الإتهام. كل العراقيين، بإستثناء الفاسدين والحرامية، وكل العالم يشهد ويقر بأن النظام السياسي في العراق فاسد حتى النخاع ورجالاته فاسدين وحرامية. وهناك أيضاً إقرار واضح وصريح بهذا الشأن من أبناء أمتنا المكتويين بنيران هذا الفساد، لا بل هو تصريح واضح في كثير من الأحيان من قبل جميع "ممثلي" أمتنا بهذا الفساد. ومن لا يقر بفساد النظام وأزلامه ليخطو خطوة نحو الظهور والتصريح بنزاهة النظام وعدم فساده، حنينذاك سنعتذر لهم ولأزلام النظام أيضا. هذه الشهادات في الفساد واللصوصية هي التي تجعل مواقع "ممثلي" أمتنا تطفو على السطح وتظهر فساد كراسي النظام المتربعين عليها وبالتالي تضعنا في زواية ضيقة لا محال من النظر من خلالها على مجمل الفساد بما فيه فساد "ممثلي" أمتنا.

إذا كنًا جميعاً وبالأخص "ممثلي" أمتنا في البرلمان وفي الحكومة (ممثل أمتنا في الحكومة أصبح في خبر كان سنشير إليه لاحقا) نقر ونعترف بفساد النظام السياسي وبرجالاته في العراق.  إذن من هذا المنطلق  فالفساد سوف يشمل "ممثلي" أمتنا في هذا النظام الفاسد، فهم جزء من الكل... من يجلس إلى جانب الفاسدين والحرامية تحت نفس القبة ويشاركهم في أقامة هذا النظام الفاسد وتسير آلياته ولجانه... أليس المنطق الواقعي وبعيداً عن المشاعر الأخوية والصداقة التي نكنه لهم، أن تنتقل عدوى الفساد واللصوصية إلى "ممثلي" أمتنا؟. ما الذي يعني لنا جميعاً وللعالم أجمع مصافحة "ممثل" أمتنا في البرلمان كبار الفاسدين والحرامية ويصور معهم كتف بكتف وتعرض صورهم في وسائل الإعلام... أين المنطق والعقل والشعور والإحساس؟؟؟ عندما نلعن الفساد والفاسدين في العراق وفي نفس الوقت نعيش معهم ونعمل جنباً إلى جنب وبـ "الحضن والبوس".!!! أنا شخصياً أحب أصدقائي وأحترمهم خاصة الذين دفعتهم أمواج الإنتخابات أن يعتلو كراسي برلمانية وحكومية ولكن حبي وأحترامي لهم ليس بالكلام المنمق والنفاق والمديح بل بالنقد البناء وبالتحذير من الإنزلاق في متاهاة الفساد واللصوصية، فتلوث سمعتهم من خلال إنتقال عدوى الفساد إليهم يهمني جداً ويقلقني.  لهذا لم أجد خلاص لهم إلا بترك كراسيهم المهلهة واللجوء إلى شعبنا الذي صوت لهم والإلتصاق به لينالوا شرفاً على شرف من خلال التنازل عن المصالح الخاصة والإنانية والحصول على وسام الأمة. هذا الموضوع سبق وأن تطرقنا إليه وعرضنا فكرة إستقالة "ممثلي" أمتنا من الهيئات البرلمانية والحكومية كرد فعل إحتجاجي على الممارسات السياسية الإرهابية التي تمارس بحق أمتنا وتكون سبيلا لوصول صدى إستقالة الممثلين المسيحيين من البرلمان والحكومة إلى البلدان الغربية التي نستجدي منها المساعدة في إنقاذ أمتنا وكنيستنا من الإنقراض.

كل الوقائع المأساوية الماحقة التي فرضت على أبناء شعبنا من قتل وتهجير وسلب ونهب وخطف، ليس للأحياء فقط بل الأمر وصل إلى موتانا ونبش قبورهم، لم يتحرك "زعماءنا" قيد أنملة نحو التخفيف من هذه المأساة المميتة. فتحركهم لم يتجاوز الإدانة والإحتجاح والنبذ التي لا قدرة لها للخروج من الورقة التي كتبت عليها نحو الواقع العملي... لماذا؟؟ لأن هدم أسوار الطائفية الحصينة بضربها بالرأس لا تهتز وتنهار، ومقاتلة الديناصور الإستبدادي بالكلام يضر أكثر مما ينفع. لنلقي نظرة على كرسي الوزير الوحيد والمخصص لشعبنا والشاغر من فترة ليست بالقصيرة في المركز والأقليم... فرجال النظام يبررون عدم ملئ الكرسي الوزاري على عدم إتفاق أحزابنا على شخصية معينة لتولى هذا المنصب وفي عين الوقت فأن أحزابنا وكتلنا البرلمانية يتصارعون للحصول على هذا الكرسي في المركز وذاك الكرسي في الإقليم على أساس الإستحقاق السياسي وليس على مبدأ إستحقاق الأمة،  وهنا يلتقي فساد الآثنين، فساد النظام وبالنتيجة فساد "ممثلي" أمتنا. وليس أبسط الحلول لهذه المعضلة إذا وضعوا مصلحة الأمة فوق المصلحة الحزبية، إلا أن يتم إختيار شخصية مستقلة إحترافية تكنوقراطية بعيدة عن التحزبية لتتولى هذا المنصب ... والسلام عليكم... ولكن أين المفر من جشع المصالح الحزبية والفردية الضيقة التي نمت وتبرعمت وأزهرت في مستنقع الفساد واللصوصية.
 
قرأت على موقع عنكاوه ليوم 05/02/2016 نكتبة من طراز خاص جداً... نكت لا تضحك بل تدمع دموع مريرة وحارقة... نكتة مأساوية عن لهوث أحزابنا السياسية وراء كراسي البرلمان وبينما شعبنا يحترق بنيران الإرهاب والفساد والتشرد والقتل. تذكرني هذه النكتة المأساوية بقصة الرجل الذي كانت لحيته تحترق وصاحبه يقول له دعني أشعل سجارتي من نيران لحيتك. هذه النكتة المأساوية تقول (قدمَ كيان "أبناء النهرين"، مؤخراً، طعناً في صحة عضوية عضو مجلس النواب العراقي عن قائمة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري النائب لويس كارو بندر الذي فاز بعضوية المجلس ممثلاً لكوتا شعبنا عن محافظة دهوك في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت عام 2014). أن ذكر أسم كيان أبناء النهرين لا يعني إطلاقاً التقليل من شأنهم الشخصي أو نبذ توجهاتهم خاصة وهم أصدقاء مقربين لي، ولكن حالهم يعكس وبكل وضوح الحالة العامة السائدة في أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية. بالله عليكم يا قراءنا الأعزاء ... يا قادة أحزابنا "المناضلة" أين المنطق القومي وأين المصلحة القومية من وراء هذا الطعن... المصلحة القومية التي يتغنى بها "زعماءنا" ليل نهار. أسألوا شعبنا المشرد في الخيم والكرافان والنائمين على قارعة الطرقات والناجين من الغرق في البحار... هل يهمهم أن يكون سركون أم آشور أم نبوخذنصر عضو في البرلمان ويمثلنا؟؟؟ الجواب القطع لا... لماذا ... لأن أي واحد كان ومهما كانت قدرته الفكرية والسياسية والثقافية وخبرته فأنه لا يستطيع من تحقيق ذرة من الإنجازات لشعبنا طالما هو داخل معركة مع دايناصور الإستبداد ونتائجها خاسرة من البداية. هل يهمهم أن يكون جميع الأعضاء الخمسة في المركز والإقليم كلهم من الكلدان أم السريان أم الآشورين؟؟؟ طبعاً الجواب قطعاً هو لا أيضاً. لماذا؟؟ لأن مستنقع الفساد الذي سيسبحون فيه هو نفسه كما إن الإرهاب المميت لا يفرق بينهم فالكل سواسية عنده... هل يهمهم أن يكون عدد ممثلي أمتنا في البرلمان خمسة عشر عضواً ... طبعاً لا... لماذا؟.. لأن النظام بالأساس لا يعترف بوجودنا وبحقوقنا فكيف يستطيع خمسة عشر عضوا أو حتى أكثر مواجهة جحافل الغدر والتعسف الجالسين على كراسي البرلمان؟؟ أفهل يدرك زعماء أحزابناء السياسية وكنائسنا هذه الحقيقة... نعم والله ...نعم يدركونها... وهذه هي المصيبة الكبرى لنا في هذا العصر... يعلمون ولا يعملون.

تذكرني صرخة سيدنا البطريرك مار لويس روفائيل ساكو بصرخة شهيد الأمة والكنيسة مار بنيامين شمعون عندما حُوط شعبه بالمأساة والمذابح عشية الحرب الكونية الأولى وما بعدها فلم يسمعها لا المستبدون العثمانيون ولا "المسيحيون" الذين كانوا بالأمس حلفاء له وتعهدوا بحماية المسيحيين من المذابح العثمانية فتركوه هو وشعبه بين فكي الذئاب المفترسة والجائعة. واليوم يصرخ غبطته، ونفس الحال لا أحد يسمعه لا المستبدون القابعون في بغداد وأربيل ولا أخوتنا في الإيمان في الفاتيكان ومن يتبعها من الدول الكبرى وغيرها فتركوه وحده في الساحة أمام ذئاب الطائفية والأرهاب.  كان في زمن تصاعد حدة مساعي التقارب والإتحاد بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الكاثوليكية سواء بشكل مباشرة مع الفاتيكان أم عن طريق الإتحاد مع كنيستها الشقيقة الكلدانية الكاثوليكية يبرر مثل هذا الإتحاد في كون كنيسة المشرق الآشورية كنيسة صغيرة وضعيفة ووحيدة في العالم من دون قوة ولا سند وعلى هذا الأساس تحتاج إلى سند دولي قوي من الفاتيكان والدول الكاثوليكية الأخرى. ولكن الوقائع الحالية تبين بأن مثل هذا التبرير هو خاطئ لأن اليوم الكلدان يذبحون ويشردون ولا من مستجيب لصرخاتهم وصرخات بطريركهم فجميعها تقع على آذان صماء أغلقت بمصالح دولية لا تقر ولا تعترف لا بالدين ولا بأخوتهم في الإيمان.

قد يكون ... نعم قد يكون من الطبيعي أن كل الدول في العالم تعمل لمصالحها الخاصة وتضعها فوق جميع المصالح والإعتبارات الأخرى ولا تريد أن تسمع صرخات الآخيرين التي لا تصب في سلة مصالحها الخاصة. فإذا كان الأمر هكذا طبيعياً مع هؤلاء فكيف الحال مع أبناء أمتنا وأحزابنا وتنظيماتنا القومية والكنسية؟ أليس من الطبيعي أيضا أن يعمل الكل من أجل مصلحة شعبنا كنسياً وقومياً؟؟ فإذا كانت صرخة غبطته لا تسمع من قبل الآخرين أمراً طبيعياً وفق مصالحها الخاصة، فأنها جريمة أن لا تسمع من قبل أبناء شعبنا وأحزابنا وتنظيماتنا. ليس هذا فحسب بل اليوم هناك من يهاجم غبطته لأنه يتدخل في السياسة وهم لا يعرفون حتى معنى السياسية وسعة مساحتها في بلدان الشرق أوسطية معتمدين على مفهوم فصل الكنيسة عن السياسة السائد في الفكر السياسي الغربي. في شرقنا الأوسطي كل شيء سياسة خاصة عندما يكون الحال كحال شعبنا الذي هو نقطة صغيرة في محيط شاسع يختلف عنه، لا بل يتناقض معه تاريخياً وحضاريناً وقوميا ودينيا وحتى فكرياً ونفسيا فمن الطبيعي جداً أن تتدخل الدوائر السياسية مع الدوائر الأخرى الكنسية والدينية والثقافية والفكرية. مجرد مثال واحد من الواقع الحالي: أليس العمل لضمان عودة شعبنا المشرد إلى بيوته وعيشه بأمان وإستقرار في موطنه التاريخي من الواجبات الأساسية والمهمة لكلا الجانبين الكنيسة والأحزاب السياسية؟؟ نعم الساحة واحدة والأهداف واحدة ومشتركة ولكن الوعي والواجب يفرض إدارك ومعرفة وسائل كل واحد منهم المختلفة ... موضوع طويل وشائك أتمنى أن تتاح الفرصة لنا للتفصيل فيه في المستقبل القريب.

يعلق البعض على فكرة إستقالة "ممثلي" أمتنا من الهيئات البرلمانية والحكومية الفاسدة، ويقول: ما الفائدة وما الحل فإذا إستقالوا فهناك غيرهم من الذين تسيل لعابهم للروائح المنبعثة من كراسي البرلمان والحكومة مكتفين بالفتات المتساقطة من موائد الفاسدين والحرامية وضاعين مصلحة الأمة تحت أحذيتهم. قد يكون هذا صحيحاً، ولكن وصولهم إلى هذه الكراسي سيكون بدون شرف وعزة لأن موج الفساد هو الذي سيدفعهم للوصول إلى هذه الكراسي وليس أصوات شعبنا. فالحل من إستقالة "ممثلي" أمتنا ليس إلا خطوة أولى والتي يجب أن يتبعها خطوة مهمة وأساسية في تمثيل شعبنا تمثيلاً حيقيقا يتمثل في اللجوء إلى كراسي الأمة من خلال تشكيل كل المستقلين العشرة مع الوزير في المركز والإقليم هيئة عليا أو جبهة قومية أو مجلس قومي ويبدأون بالعمل مكتسبين شرعية مصدرها الأمة وليس قبة البرلمان وأروقة الحكومة القائمة على أسس الفساد والإرهاب. أما على مستوى الكنسي، فقد سبق وأن طرحنا فكرة تشكيل مجلس أعلى لبطاركة كنيسة المشرق التي لم يكن في مضمونها أي مساس بمذهب ولتروجية وإثمان وطبيعة كل فرع من فروع الكنيسة، بل كان جوهر مضمونها العمل سوية من أجل الهدف الواحد المشتركة في العمل على حماية المسيحيين من الإرهاب والقتل وبصرخة واحدة مدوية تكون قادرة على أن تصل إلى مسامع أقصى بلدان العالم. ضمن هذا السياق نضم وبقوة صوتنا إلى صرخة سيدنا البطريرك مار لويس روفائيل ساكو في تشكيل مرجعة موحدة للمسيحيين... فمن له آذان فليسمع ومن له ذرة ضمير من هذه الأمة والكنيسة فليعمل. 

 

155
إذا كنَا نريد التقدم ... فلنتحد
في ذكرى وفاة معلم الفكر القومي الوحدوي نعوم فائق

--------------------------------------------------------




 

أبرم شبيرا
نعوم فائق... وفاة أم إستشهاد:
--------------
ولد معلم الفكر القومي الوحدوي نعوم إلياس يعقوب بالاخ والذي عرف بـ "نعوم فائق" في شهر شباط من عام 1868 في مدينة أمد، درة تاج بلاد ما بين النهرين، والتي سميت فيما بعد بديار بكر، وأنتقل وهو في المهجر (أميركا) في الخامس من نفس شهر شباط عام 1830 إلى سجل الخلود القومي لأمتنا وعن عمر ناهز 62 عاماً. أفهل كان إنتقاله إلى العالم الآخر وفاةً عادياً كغيره من البشر أم كان إستشهاداً من أجل أمته؟ في بحثنا المنشور سابقا عن مفهوم الإستشهاد الآشوري والذي سبق وأن  وضعنا بعض المنطلقات المبدئية لتعريف بسيط ومختصر للشهيد: الذي هو كل من يضحي بحياته من أجل مبدأ معين، أي بهذا المعنى فأن التضحية بالحياة في سبيل أشياء مادية لا يمكن اعتباره استشهاداً، إذن من هذا المنطلق نعرف الشهيد الآشوري بأنه هو كل من يضحي بحياته من أجل مبدأ آشوري وبكل ما يعنيه هذا المبدأ من مضامين قومية ودينية وحضارية وإنسانية يؤمن بها الآشوريون باعتبارها جزء من كينونتهم ووجودهم في مرحلة تاريخية معينة من تاريخهم الطويل. أما من يضحي بنفسه بمبدأ غير آشوري ولا يرتبط بصلة أو علاقة بكينونة الآشوريين فهو لا يمكن اعتباره شهيداً آشورياً. فهناك، على سبيل المثال، العشرات بل المئات من الآشوريين الذين ضحوا بحياتهم من أجل بعض المبادئ فهم في علاقتهم بهذه المبادئ شهداء ولكن ليسوا كذلك في سياق المبدأ الآشوري. 

أما من حيث شكل وأسلوب التضحية بالحياة فهذا يختلف من شهيد إلى أخر باختلاف الظروف التي ناضل فيها الشهيد وبالتالي فرضت عليه، سواء فرضاً إجبارياً أو اختياراً تطوعيا، التضحية بحياته من أجل مبادئ أمته وخدمة شعبه. فظروف بلاد ما بين النهرين، موطن الآشوريين، بما فيها من تناقضات فكرية وسياسية وحضارية ودينية عميقة لم تخلق فرص مساومات متوازنة أمام الآشوريين للحفاظ على وجودهم لذلك فرضت تحديات صعبة وماحقة أمامهم لم يكن من سبيل للتخلص منها إلا، إما بالضياع والانصهار أو التضحية بالحياة والتي أوجبت هذه الأخيرة مواجهة التحديات الماحقة عبر أشكال اتخذت طابع النضال القومي الآشوري مقرون بأسلوب تراجيدي ومأساوي  تمثل عند وصوله إلى الحافات القصوى في التضحية بالحياة وبشكل مباشر. وهي الحالة التي يتصف بها استشهاد معظم الشهداء الآشوريين الذين أصبحوا بفعل هذا الأسلوب أكثر معروفين من غيرهم في هذه الأيام ومن ثم أصبحوا رموزاً للنضال والاستشهاد في سبيل الأمة أمثال البطريرك مار شمعون برصباي والبطريرك وما توما أودو ومار بنيامين شمعون ويوسف ويوبرت ويوخنا وغيرهم كثر. في حين على العكس من هذا، ففي المجتمعات الآشورية في بلدان المهجر تضمحل أو تختفي حدة  هذه التناقضات وتنتقل طبيعتها إلى طبيعة أخرى ترتبط بتناقضات داخلية وتفرز تحديات داخلية أيضاً لا تقوم على مواجة لضغوط خارجية يستوجبها التضحية بالحياة من أجل المبدأ الآشوري وإنما يتطلبها وبالدرجة الأولى مواجهة المؤثرات الداخلية النابعة من صميم المجتمع نفسه التي تفرضه الظروف الجديدة ، كالطائفية والعشائرية والأنانية والتمزق القومي والتشتت والضياع وغيرها من الأمراض الاجتماعية التي تتفشى في المجتمعات الآشورية في المهجر. أي بعبارة أخرى، إن هذه الأمراض الاجتماعية تحل محل شاهبور الثاني ومير بدر خان والسلطان عبد الحميد وسمكو وأنور باشا  وكمال أتاتورك وبكر صدقي وحجي رمضان والأنظمة الاستبدادية في بلاد ما بين النهرين وغيرهم من الجزارين والمجرمين بحق الأمة الآشورية، وبالتالي تحل التحديات الداخلية محل التحديات الخارجية والتي يستوجب مواجهتها، ليس التضحية بالحياة وبشكل مباشر من أجل المبدأ القومي الآشوري الذي يتناقض تناقضاً كلياً مع هذه الأمراض الاجتماعية، وإنما التضحية بالحياة وبشكل غير مباشر وعن طريق التضحية أولاً بمستلزمات الحياة الضرورية كالراحة والصحة والسعادة والوقت والمال والضمان والطمأنينة والهدوء … إلخ من أجل محاربة هذه العلل. وعندما يضحي الفرد  بمثل هذه المستلزمات الضرورية  للحياة ويتطهر من الأنانية والمصالح النفعية ويتحلى بالنبالة والكرامة وبنكران الذات من أجل خدمة أمته فان هذا لا يعني إلا تضحيته بالحياة نفسها، وهو الاستشهاد بعينه والذي سبق تعريفه.

ومعلمنا الأول نعوم فائق الذي هاجر الوطن إلى الولايات المتحدة الأمريكية عاش ونضال حتى وفاته هناك مضحياً بكل مستلزمات الحياة الضرورية ومن ثم بحياته من أجل المبدأ الآشوري وبالتالي تنطبق عليه معايير الاستشهاد ويستحق إكليل الشهيد الآشوري؟ ومثل هذا الإستحقاق العظيم لا يأتي إلا من الظروف التي عاش فيها والمبدأ الذي ناضل من أجله حتى مماته. لقد عمل وجهد وناضل المعلم الأول من أجل وحدة أمته ومات وهو على فراش المرض يعاني من مرارة الحسرة بسبب تمزق أمته إلى طوائف وملل ومهما حاولنا التعبير عن معاناته ومرارته  التي اقترنت وبشكل دائم ومستمر بمراحل نضاله لعجزنا عن ذلك وفشلنا في الوصول إلى كوامنها الداخلية الحقيقية لأن مثل هذه المهمة لا يمكن للمرء أن يقوم بها ما لم يكن قد عاش نفس ظروف ومعاناة المعلم الأول وأمتلك نفس ضميره وإحساسه في فهم هذه الظروف، فكان بعض الذين نشئوا على تربيته ومفاهيمه في القومية وساروا على نفس طريق الخلاص من التشتت والتمزق في الأمة، كانوا وبحق تلاميذ أوفياء وأصدقاء مخلصين في نقل رسالته نحو الأجيال اللاحقة كما كانوا خير من يستطيع فهم المعاناة والمآسي التي واجهها الملفان نعوم فائق في سبيل خدمة أمته. وخير ما فعل هؤلاء الأصدقاء الخيرين هو تكليفهم الأستاذ الأديب مراد فؤاد جقي تأليف كتاب عن حياة المناضل نعوم فائق في ذكراه السنوية الأولى للذكرى. ففي عام 1936 أصدر الأستاذ مراد وبمساعدة لجنة تأبين الفقيد في دمشق كتاباً عن حياته تحت عنوان (نعوم فائق – ذكرى وتخليد، ألفه مراد فواد جقي ، دمشق – 1936). ذكر الاستاذ مراد جقي في كتابه هذا (بأن المرحوم نعوم فائق كان ذلك المربي الكبير والكاتب القدير الذي صرف أكثر من أربعين سنة من سني حياته في خدمة بني قومه، بهمة جبارة لا تعرف الملل وبصبر عجيب يضارع صبر أيوب الصديق فكان كالشمعة التي تحرق نفسها لتضئ على غيرها فعاش في سبيل أمته ومات من أجلها بعد أن هذب شبيبتها وخطب في منتدياتها وخدم في كنائسها وأسس جمعياتها وصحفها ووضع لها مؤلفاتها وأناشيدها، ولكن مضى مجاهداً فقيراً شريفاً لا يملك من حطام هذه الدنيا شيئاً، شأن سائر العظماء النابغين الذين يقفون مواهبهم وجهودهم في حياتهم على تحقيق فكرة نبيلة سامية أو عقيدة شريفة عالية … عاش نعوم فائق لأمته ومات في سبيل أمته وما استطاع أن يكون إلا ذلك الرجل...) ويذكر أيضا بأنه كان يأخذ من راتب أبنته ليصرف على مجلته الشهيرة "بيت نهرين" ليستمر إصدارها. وفي هذا الكتاب شرحاً مطولاً عن نضال المعلم الأول ومعاناته في سبيل أمته يصعب علينا أدراجها في هذه الصفحات القليلة ومن يريد من قراءنا الأعزاء الإستزادة عليه مراجعة كتابنا المعنون (نعوم فائق – معلم الفكر القومي الوحدوي، من منشورات دار سركون للنشر – السويد، 2000)، فهو جهد بسيط جداً ووفاءاً لمعلمنا الكبير في الفكر القومي الوحدوي الذي هو دين على أعناقنا.

 
إذا كنا نريد التقدم ... فلنتحد
-----------------
تحت هذا العنوان كتب الشهيد المعلم الأول في الفكر القومي نعوم فائق عام 1910 بالتركية " ترقي ايسترسه ك  اتحاد ايتملي يز" وترجمته إلى العربية هو  "إذا كنا نريد التقدم فلنتحد". ثم في عام 1928 وفي رده على أحد أبناء طائفته السريانية الأرثوذكسية في الموصل الذي أنتقد فكرة نعوم فائق في الوحدة القومية أعاد معلمنا الأول فحوى هذه المقالة وبالعربية وأكد على نفس المرتكزات الفكرية التي كان يؤمن بها في وحدة الطوائف المذهبية على أساس قومي، يقول فيه:
(نحن السريان، رغم كوننا متساوين لغة وجنساً مع السريان الكاثوليك والكلدان والموارنة والنساطرة تفرقنا لأسباب عرضية. ألا يشكل بقاؤنا على هذه الحالة هماً كبيراً لكل فرد من شعبنا؟ أن هذه الحالة بالنسبة لي شخصياً تسبب لي هماً كبيراً ومصيبة كبرى. أن روح الأنانية المتمثلة في القول العامي "الفروة يجب أن تكون لي"  والهوس الذي فرق أمتنا، والمنفعة الشخصية التي أخلت بوحدة شعبنا، هذه المنفعة الشخصية التي تميز بها بعض رؤساءنا المتسترين بالدين والذين لا يفكرون بما تخفيه السياسة العالمية بين طياتها، دفعتهم إلى تحويل الاختلافات العرضية التي لا تمت بأية صلة إلى حقيقة الدين إلى تعصب مذهبي مفرق. لهذا فقد آن الأوان لأن تتمكن مدنية عصرنا وروح الاتحاد المنتشرة في كل مكان من أن تمحو هذا التعصب الذي خلفته لنا عصور الجهل والتخلف وتسعى جاهدة إلى توحيد قلوب الأشقاء المختلفين.  ألا يكفينا الخراب والملاشاة اللذان أورثنا إياهما هذا الخلاف القديم العهد؟ ألم يضع من بين أيدينا، بسبب هذا الخلاف، تراث أجدادنا العظيم، ومؤلفاتهم وأثارهم النفيسة؟ لقد أنشغل أجدادنا بمواضيع جدلية كالتالية: هل للمسيح طبيعة واحدة أم طبيعتان وهل الروح القدس منبثق من الأب أم من الأب والابن. أحتدم الخصام وثارت الحروب وتعالت أصوات اللعنات والشتائم واشتدت التعييرات بالكفر والهرطقة وهي لا تليق بشرف المسيحية. ألم يأمرنا السيد المسيح أن نحب أعداءنا ونبارك لاعينينا، ونحن نبغض أخوتنا؟ ألم يقل السيد المسيح من قال لأخيه (راقا) أي حقير فقد استوجب الدينونة ونحن نكيل لبعضنا البعض تعييرات : يعقوبي، نسطوري، بابوي؟ هل هذه العلاقات الموجودة بين الأشقاء المتحدرين من أصل واحد هي علاقات مسيحية أم شيطانية؟ استيقظوا أيها الاخوة!! فأنتم أمام محكمة كبرى وعادلة. لا تنخدعوا أن الله الذي لبس جسدنا البشري لن يحبنا أكثر لأننا نحب البابا لاون ونلعن برصوما أو العكس. أن سيدنا المسيح لن يكون أرأف بنا إذا لعنا سويريوس وديوسقورس وباركنا نسطورس أو بالعكس. سيكون حكم الله لنا أو علينا حسب مطابقة أعمالنا للروح المسيحية الصافية المطهرة من ادارن التعصب .

أيها الاخوة الآشوريون المثقفون، أبناء القرن العشرين، يا شباب أمتنا، ها إنني أقرع ناقوس الخطر أنصتوا إلى تحذيري واستيقظوا من رقادكم وبادروا، يوماً قبل يوم، وساعة قبل ساعة، إلى نبذ التعصب المذهبي البغيض، واتفقوا واتحدوا فالتعصب يسد طريق التقدم ويورث الذل، وهو سبب ضعفنا وتخلفنا وذلنا. ها إنني أرسم أمام أعين فتياننا وفتياتنا صورة الحالة المزرية، راجياً إياهم أن يتدارسوا هذا الأمر بجدية واهتمام وأن يسعوا إلى تحقيق الوحدة. أن عيني متشوقتان إلى رؤية هذه الوحدة، وأعتقد أنكم جميعاً تواقون إلى رؤية هذا الاتحاد إذا ما تطهرت القلوب من أدران التعصب المقيت. نحن جميعاً سريان وسريان كاثوليك وكلدان وموارنة ونساطرة أبناء أمة آثورية واحدة ولنا تاريخ واحد نير ومشرف. لذلك يتوجب علينا، نحن الذين يوحدنا الاسم الآشوري، وهنا أضم إلى الطوائف التي ذكرتها سابقا: السريان الملكيين (الروم الكاثوليك) والسريان الانجيليين، يجب أن ننبذ الخلافات المذهبية من بيننا ونتحد تحت راية القومية. وإذا نحن لم نحقق هذا الاتحاد فمستقبلنا قاتم جداً ومصيرنا الفناء. نحن جميعاً، رغم تفرقنا إلى طوائف مذهبية، نتحدر من أصل آثوري واحد، لغتنا واحدة، جنسيتنا واحدة، أمتنا واحدة، وأبونا واحد.
هذه خاطرة أجهر بها، فإذا كنت على صواب أرجو أبناء طوائفنا المذهبية التي لغتها هي اللغة السريانية، لاسيما الشبيبة النيرة، المثقفة أن يهتموا جاهدين بتحقيق الاتحاد فيما بينهم على أساس القومية).

الفكر القومي الوحدوي... ما أشبه البارحة باليوم:

----------------------------
إذا كنا نريد التقدم ... فلنتحد... ما أشبه هذه الكلمات الخالدة بكلمات المثلث الرحمات مار روفائيل الأول بيداويد بطريق الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الأسبق عندما صرخ صرخته المدوية قبل سنوات أمام جمع غفير من أبناء شعبنا في شيكاغو (ليتن خلاص إلا بخوياثا... أي ليس لنا خلاص إلا بالإتحاد) ... ما أشبه البارحة باليوم بأن معظم أبناء أمتنا وخاصة رؤساء كنائسنا المشرقية وأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية يعرفون ويدركون جيداً بأن في الإتحاد قوة وفي تقارب وتوحيد طوائفنا سبيلا لخلاص أمتنا من الإنقراض وإنقاذا لكنائسنا من التلاشي... ولكن الطامة الكبرى والمصيبة القاتلة هي أنهم يعرفون هذا ولكن لا يعملون ولا يتحركون ببنت شفة للخلاص من هذا الوضع المأساوي الماحق بأمتنا وكنائسنا... إلى متى ستظل مسألة الكنيسة والوحدة القومية تكتوي بجمرات الصفيح الساخن جداً... هل ستستمر نيران الطائفية والإنانية والتشرد والضياع تفعل فعلها في أمتنا وكنائسنا ... هل ننتظر شهر شباط القادم ليسجل إستشهاد أمتنا كما أستشهد في هذا الشهر شهداءنا الأبرار أمثال البطريرك مار بنيامين شمعون والجنرال أغا بطرس ومعلمنا الأول نعوم فائق و أبطال أمتنا يوسف ويوبرت ويوخنا... لتصبح أمتنا أمة الشهداء كما هي كنيستنا كنيسة الشهداء... يا لا سخرية الأقدار!!! 


156
من أرشيف الفكر القومي الآشوري:
----------------------
الكنيسة والوحدة القومية ... مسألة على صفيح ساخن
=================================

أبرم شبيرا

قبل سنوات عديدة كنت أبحث في "الرفوف العالية" للمكتبة البريطانية في لندن، التي لا يضاهيها في كبرها إلا مكتبة الكونغرس الأمريكي، كنت أبحث في المئات إن لم تكن الألاف من الكتب والمراجع والوثائق والتقارير التي لا تعد ولاتحصى عن شعبنا بمختلف تسمياته القومية والكنسية، الآشورية والكلدانية والسريانية واليعقوبية والنسطورية والمشرقية ...إلخ، والعجب والدهشة وحتى الغرابة كانت تلاحقني كلما أغوص أكثر فأكثر في هذه المراجع ليس لكثرتها وقدمها وتاريخيتها بل لأهمية بعضها في معالجة قضايا قومية وكنسية حساسة ومصيرية لازالت بعضها منبسطة على صفيح ساخن تلتهب تحتها في أيامنا هذه الكثير من النقاشات والخلافات الحادة وحتى النزعات والصراعات الفكرية والسياسية، ومنها موضوع الكنيسة والوحدة القومية الذي نشر في أحدى هذه المراجع، وهي مجلة بيت نهرين الجديدة (THE NEW BETH-NAHREEN) التي وجدتها وأوراقها قد أصفرت وتيبست وظهر من "سجل الإستعارة" بأن لا أحد إستعارها وقرأها منذ صدورها في عام 1947.

قبل أن أغوص في هذا الموضوع، فإنه من الأهمية الكبرى أن نسطر بعض السطور عن هذه المجلة الفكرية والقومية خاصة وأنها غير معروفة لجيل عصرنا هذا والتي كانت تجمع قبل ما يقارب سبعة عقود من الزمن، كبار المفكرين القوميين من أبناء أمتنا. فغلاف المجلة يشير إلى أنها كانت من عام 1913 حتى عام 1930 تصدر شهرياً وبلغة الأم بأسم مجلة بيت نهرين من قبل محررها الخالد البرفسور نعوم فائق. منذ عام 1938 أصبحت مجلة "بيت نهرين الجديدة" تحت الإدارة الجديدة فكانت تصدر شهريا حتى عام 1940،  ثم بسبب ظروف الحرب (العالمية الثانية) أصبحت تصدر كل شهرين وباللغة الإنكليزية. وفي تعريف هيئة تحرير المجلة (عدد VIII – أذار – نيسان 1947) وهو العدد الوحيد واليتيم الذي وجدته في المكتبة، عن أسمها تقول "أن الأسم يشير إلى وطن أجدادنا في البلاد الواقع بين النهرين العظيمين، دجلة والفرات. فهذا الأسم يعتبر مصدراً تاريخياً وروحياً لنا  حيث كان وطن الملكة سميراميس (شميرام) وفيه قصر الملك سنحاريب المعروف بالقصر الملكي في منطقة قوينجيق (نينوى) فكان حجم هذا القصر تقريباً خمسة أضعاف حجم قصر بيكنغهام الملكي في لندن". كانت هذه المجلة تصدر من قبل جمعية بيت نهرين الجديدة الآشورية (Assyrian New Beth Nahreen Association) وليس لدينا معلومات عن المصير الذي آلت إليه هذه المجلة ومتى كانت نهايتها، ولكن للتاريخ ولتمجيد عظمة أسماء الذين كانوا يقفون وراء إصدار هذه المجلة العظيمة نذكر: صموئيل شمسي (رئيسا) و روز شمسي (إدارة التحرير)  أما هيئة التحرير فكانت تتكون من نوري خوري و سايمون كركني و عمانوئيل بيرج و حنا سلمان و إسحاق داراكجي (بيروت) و السيدة باباجان سعدي شافور. وكان مقرها في ولاية نيو جيرسي الأمريكية. وللعلم كان سعر المجلة 50 سنتاً والإشتراك السنوي 2 دولار أمريكي. وأخيراً، إذا كنت قد بررت ذكر أسماء هيئة تحرير المجلة بالتمجيد لذكراهم فأنه من جهة أخرى هو تأكيد على حقيقة تاريخية وموضوعية في مسيرة حركتنا القومية والفكرية في كون أبناء شعبنا من أتباع الكنيسة السريانية الأرثذوكسية الرواد البارزين والمفكرين المشهورين في البناء الفكري والوحدوي للحركة القومية الآشورية منذ منتصف القرن التاسع عشر. وأسماء فطاحل الفكر القومي الوحدوي أمثال آشور بيت هربوت وبرصوم بيرلي ونعوم فائق وفريد نزها وديفيد برصوم بيرلي وفريد تميمي وأعضاء هيئة تحرير هذه المجلة كلها مشاعل مضيئة في سماء الحركة القومية الآشورية وشواهد في هذا السياق.

إذا كان عرض أهمية المجلة نابعة من قدمها وشخصية أصحابها المفكرين ومواضيعها المهمة والحساسة فإن الأهم من كل هذا هو إتصاف وتميز المواضيع المطروح في المجلة وكتابها بالجرأة والصراحة والشجاعة الفائقة في الكتابة وطرح الأفكار وبشكل مباشر من دون تملق أو رياء لأحد، و لم يسثنوا  حتى رؤساء الكنائس والجمعيات القومية وبعض المسائل الدينية المتخلفة التي ترسبت في عقول أبناء شعبنا. ففي عدد المجلة، موضوع البحث، فيها مواضيع من هذا القبيل لا يجرئ أكثر كتاب ومفكري عصرنا على طرحها بشكل مباشر وعلمي. فتجنبا للإطالة سوف أستغنى عن ذكر كل المواضيع المنشورة وسأكتفي بالموضوع الذي طرحته هيئة التحرير للمناقشة وطلبت من القراء طرح الإفكار حوله وتحت عنوان "أفكار على وحدة الكنيسة". ففي هذا العدد وبخصوص هذا الموضوع تشير هيئة التحرير إلى ملاحظة وتقول "بأن المقال التالي يحتوي على أفكار مثيرة حول موضوع الكنيسة والوحدة القومية كتب من قبل قارئ مهتم وبدورنا نحث قراءنا على التعبير عن رأيهم والكتابة عن هذه المسألة الملتهبة (Burning Problem)". ونحن لم نترجم هذه العبارة كما هي بل أعتبرناها مسألة على صفيح ساخن ليكون عنوان الموضوع أقرب إلى فهم القارئ في هذه الأيام من الترجمة الحرفية.

يقول كاتب الموضوع، أعتقد من أسلوب الفكر والكتابة هو المفكر الكبير المحامي ديفيد برصوم بيرلي الذي تبدو روحه ونفسيته بادية على صفحات المجلة بشكل جلي، يقول:
في العدد الماضي قرأءت موضوع هيئة التحرير المعنون بـ "الكنيسة والوحدة القومية" (The Church and National Unity) فكان له إنعكاسات إيجابية وواعدة جداً لما أحتواه من أفكار وأراء عديدة وجريئة مما دلً على أن هناك بيننا رجال لا يعرفون الخوف والتملق ولهم الشجاعة والجرأة على كتابة ونشر مثل هذه الأفكار البناءة وهم عارفين بأن الكتابة عن هذا الموضوع  ونشره سوف يثير إستياء وإنتقاد العديد ممن يسمون أنفسهم بزعماء الأمة وتحديدا بعض القادة الكنسيين الذين قادوا الآشوريين لعقود كما لو أنهم قطيع من الخرفان. أن طرح هذا الموضوع يبرهن وبوضوح بأن أشورييي العصر الحديث يرفضون أن ينقادوا وبشكل أعمى ومن غير معنى أو سبب. فالموضوع يشير بشكل بناء وواضح بأن لهم أراؤهم وأسبابهم الخاصة ويجب أن يعرفوا ويقال لهم إلى أين سينقادوا ولماذا وما هي الأسباب قبل أن يتبعوا". ثم يتابع الكتاب ويقول: " أمل بأن مزيد من مقالات المثقفين والمفكرين العلمانيين حول موضوع الكنيسة والوحدة القومية ستظهر على صفحات مجلة بيت نهرين الجديدة لتعطي إلهاماً وغذاءاً لأفكار الآخرين.

ويستمر كاتب المقالة بقوله "أن فشل قادة الكنيسة في بذل جهود فعلية لتحقيق وحدة الكنيسة لا يشمل جميع الأكليريين، فحسب معرفتي الشخصية هناك بعض قادة الكنيسة الذين فعلاً يرغبون وحدة الكنيسة ولكن هم قلة وغير قادرين على العمل في هذا المجال فالدعم الفعال من قبل المؤيدين للوحدة مسألة مطلوبة وبإلحاح". وبخصوص الوحدة القومية يقول: "أن شأن الوحدة القومية مرتبط وبقوة بالوحدة الطائفية، فنقول وبدون خوف أو تردد وبدون إنكار بأن أحد الأسباب الرئيسية الذي جعل الوحدة القومية عند الآشوريين صعبة هو إنقسام الكنائس القومية الرئيسية وعدم مبالاة بعض قادة الكنيسة بالمصير الكئيب للقوميين المسيحيين". ثم يتابع ويقول: "دعنا كأخوة مسيحيين أن تتشابك أيدينا ونعمل سوية نحو وحدة الطوائف الآشورية الرئيسية ودعنا كقوميين نناضل جنباً إلى جنب نحو الوحدة القومية".

من خلال قراءة الموضوع نرى بأنه بالأساس مركز على الكنيستين، الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكنيسة المشرق الآشورية والعلاقة بينهما ومدى إمكانية توحدهما. فالكاتب بهذا الشأن يقول: " رغم أن موضوع الكنيسة والوحدة القومية هو واسع ومعقد ويستوجبه الكثير من الدراسة والبحوث إلا أنه من حيث المبدأ سنمعن النظر في موضوع وحدة الكنيستين الشقيقتين الآشوريتين وهما الكنيسة اليعقوبة (حسب المفهوم الخاطئ للغربيين) وكنيسة المشرق للأشوريين (والتي في بعض الأحيان يطلق عليها خطاً بالنسطورية) حيث كانا في زمن ما كنيسة واحدة وليس هناك أسباب منطقية لعدم إعادة توحدهم مرة أخرى ... فالإختلافات بينهما هم من صنع الإنسان... و بطريركا كلا الكنيستين لهما صلاحيات واسعة في إزالة هذه الإختلافات وتعديل بعض من معتقدات الكنيسة...".
 
أن عرض هذا الموضوع الحساس وفي مجلة قومية معروفة لا يمكن أن يكتمل ما لم يفهم كلاهما، أي الموضوع والمجلة ومن كان يقف خلفها، ضمن السياق الزمني لمراحل تطور الفكر القومي الآشوري والحركة القومية والمواضيع التي تخصها كموضوع الكنيسة والوحدة القومية. فمنذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين قادة أبناء شعبنا من الكنيسة الأرثوذكسية الحركة الفكرية والقومية فأسسوا مجلات ومنظمات فكرية وقومية عديدة وأشهرها الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي (الفدريشن) ووقفوا خلف البطريرك مار إيشاي شمعون، بطريرك كنيسة المشرق، وساندوه في مطاليبه القومية المقدمة إلى المنظمات الدولية. فكان من الطبيعي أن تخلق هذه المواقف الجريئة والتحركات الشجاعة والإشهار بالإنتماء القومي الآشوري ردود فعل قوية على المستوى الطائفي والكنسي، خاصة في قمة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وتحديدا بعد مذبحة سميل في آب لعام 1933 وإعتلاء مار أبرم برصوم الآثوري سدة البطريركية في كانون الثاني لعام 1933 فأصبح معروفا بـ "البطريرك مار إغناطيوس أفرام الأول برصوم". فلم تعد تذكر كنيته القومية (الآثوري)، في الوقت الذي كان من رواد المدافعين عن حقوق شعبنا عشية الحرب الكونية الأولى وحضر بعض المؤتمرات الدولية مطالباً بالحقوق القومية أسوة ببقية شعوب المنطقة، فبدأ حملة معادية لكل القوميين الآشوريين وقادتهم فكان ينعت البطريرك مار شمعون إيشاي بـ "الإقطاعي المتخلف"، فأنقلب من قومي آشوري إلى قومي عربي مدافعاً عن العروبة إلى درجة لقب بـ "قس العروبة". كما أنصب جام غضبه على القوميين من أبناء كنيسته وخاصة على الصحافي الجرئ فريد نزها حيث كان يصفه بـ "بالزنديق والشيطان الكافر والملحد" فوصل الأمر إلى درجة وضع الحرم الكنسي عليه. للمزيد عن هذا الموضوع أنظر كتابنا المعنون (عقدة الخوف من السياسة في المجتمع الآشوري، مطبعة ألفا غرافيك، شيكاغو، الولايات المتحدة، 1998، ص99) وكتابنا الآخر (نعوم فائق – معلم الفكر القومي الوحدوي، دار سركون للنشر، السويد، 2000، ص 93).

ضمن هذه الظروف والسياق الزمني والمكاني لمسألة الكنيسة والوحدة القومية كان صدور المجلة أعلاه وما أحتوتها من مواضيع حساسة وملتهبة حول هذه المسألة... المسألة التي لا زالت النيران الفكرية والسياسية والطائفية تشتعل تحتها ومستمرة ومن دون أن تصل إلى مرحلة النضوج... المسألة التي تضيف مزيداً من النيران على نيران الإجرام الداعشي والإرهاب الديني وتحرق أبناء شعبنا في موطنه الأصلي وزعماء أمتنا وكنائسنا حامون حولها يتدفئون بها ومن دون أن يعملوا حتى الممكن البسيط على طريق تقارب كنائسنا وتفاهم أحزابنا القومية حول المصير المجهول المشترك.. قابعون في صوامعهم ناطرون اليوم الذي تحترق فيه كنستنا المشرقية ودفنها بعد 2000 سنة وضياع امتنا في متاهات التاريخ وإنقراضها بعد عمر ناهز 7000 سنة... أفهل نحن بصدد موت أمة وكنيسة؟؟... أمل أن يكون الجواب بالنفي.       

157
المجلس الأعلى لبطاركة كنائس المشرق في العراق... أمل ورجاء
=========================================
أبرم شبيرا

في عام 1915 وبينما كانت سيوف جنود العثمانيين تفعل فعلها في رقاب جميع المسيحيين في الولايات العثمانية، سأل أحد المبشرين الغربيين الضابط العثماني وقال له "لماذا تذبح الآشوريين أيضا في حين أن فرمان السلطان هو ضد الأرمن؟" فرد عليه الضابط العثماني وقال له "أنا لا أفرق بين الروث الجاف والروث اللين فكلاهما روث قذر ورائحتهما كريه" هكهذا جاءت مذابح سيفو ضد جميع المسيحيين من دون أن تفرق بين أرمني أو سرياني أو آشوري أو كلداني، فالوحدة المسيحية الصلدة كانت قائمة وراسخة في الفكر الإسلامي العثماني المتطرف ومن دون أي تمييز بين هذه الكنيسة وتلك، فالكل سواسية عنده طالما الإختلاف هو سداً عاليا ومنيعاً يمنعه من فهم الإختلاف الطبيعي للإنسان لكون مثل هذا الفكر خارج أطار الإنسانية لا يعترف بالآخر المختلف. والسلسلة  أستمر عبر مراحل طويلة ومأساوية ... سميل... صورية ... أنفال... داعش.. اليوم عندما إجتاحت قوى داعش الظلامية الموصل وسهل نينوى وقرى الخابور في سوريا لم يكن في أعتبارها أي تميز طائفي أو كنسي،  فالكل عندهم "روث قذر وذو رائحة كريهه" كما قال جدهم العثماني المستبد قبل قرن من الزمن عندما كان يذبح المسيحيين من دون تفرق طائفية أو كنسية. التساؤل المثير للذهن والعقل البشري هو إذا كان الآخر الغريب يرى في كل المسيحيين وحدة واحدة لا فرق بينهما فلماذا نحن بعقولنا نرى بأننا مختلفين بعضنا عن البعض؟؟؟.. لماذا لا يشكل العامل الوحدوي عند الآخر تجاه المسيحيين رد فعل وحدوي عند قبل المسيحيين.؟؟؟

في الأسابيع القليلة الماضية، أحتفلنا نحن الذين ذُبح أجدادنا في أرضهم التاريخية بالذكرى المئوية لمذابح سيفو.. ومن المؤسف له أن تنقضي هذه الإحتفالات بعد أن أكتفينا ببعض التجمعات والمحاضرات والندوات والقصائد والصور والقصص ورويات مأساوية عن هذه المذابح... وهكذا ... والسلام عليكم... والى اللقاء في العام القادم مع سيفو آخر... يقول الأستاذ ميشال أده، وزير لبناني سابق ورئيس الرابطة المارونية للإنتشار ورئيس سابق للرابطة المارونية ولإتحادات الرابطات اللبنانية المسيحية، بمناسبة المذابح والمأساة التي ألمت مسيحيو الشرق خلال القرون الماضية يقول "أما الذاكرة فليس من أجل أن لا ننسى وحسب، بل من أجل ألا تعاد مآسيه – أورده الملفونو أفرام حبيب في كتابه المعنون (مسيحيو الشرق: خيار البقاء وإرادة الرجاء) المذكور في أدناه. ولكن يظهر بأن ذاكرتنا قوية بخصوص مأساتنا، لا بل كانت أكثر قوة ووقعاً ونحن نتذكر مأساة القرن لمذابح سيفو. ولكن من المؤسف أن تعاد خلال قرن من الزمن هذه المأساة وتستمر، وواقع الحال يؤكد بأن إستمرارها على نهج الذبح والتشريد والإقتلاع من الأوطان وتجريد الشرق من مسيحييه سائر وبوتيرة أكثر مأساوية مما مضى ويهدد تهديداً خطير الوجود المسيحي في الشرق، بدءاً بالعراق ثم سوريا ومن يدري قد يكون في الغد لبنان والأردن وربما مصر. أن الوهن الذي أصاب الكنائس المشرقية جميعاً  وعدم قدرتها على مواجهة التحديات المستمية هي أنها تعمل هنا وهناك من أجل بقاءها ككنيسة لوحدها، أي أن كل فرع من فروع كنيسة المشرق يعمل لوحده من دون وجود قاعدة أو هيكلية مشتركة لجميع فروع كنيسة المشرق وتحديداً التي تجمعهم طقوس من التقليد السرياني المشرقي لتكون ولو في حدها الأدنى محاولة من الجميع في مواجهة التحديات المستمية التي تفعل فعلها من دوت تمييز او تفرقة كنسية أو طائفية.

مما لا شك فيه أن إستمرار هذه المأساة لفترة طويلة تُرجع أسبابها إلى عدة عوامل خارجية وداخلية وهي عوامل ليس أمر تشخيصها ومعرفتها بالأمر الصعب بل الصعوبة الكبرى التي تحوم حول هذه المأساة الكبرى هي في التعامل معها والحيلولة دون وقوعها أو التخفيف منها. فإذا كانت العوامل الخارجية من القوة بحيث يصبح أمر التعامل معها خارج إرادة جميع مسيحيي الشرق وتحديداً مسيحيي العراق، طالما بقينا مؤمنين ومخلصين لمقولة "هذا العالم ليس من مملكتي، والآخر المستبد والسارق يستمر في سرقة عالمنا ونهبه وتستمر المأساة والنكبات تلاحق المسيحيين في الشرق لحين إقتلاعهم من جذورهم وتشتتهم في زوايا العالم. أما بالنسبة للعوامل الداخلية فأمر التعامل معها مأساوي أكثر ولكن التعامل معها وخلق قواعد مشتركة لجميع فروع كنيسة المشرق تمتلك إحتمالات وإمكانيات معقولة لمواجهة التحديات والتخفيف منها وذلك لكونها مرتبطة بالإرادة الداخلية وبالقرارات القيادية المتجاوزة لكل الخصوصيات والثوابت التي جعلت من كل فرع لكنيسة المشرق كنسية مستقلة بذاتها وغير قادرة على مواجهة تحديات العصر وهو الأمر الذي يؤكده الواقع الحالي للمسيحيين في المشرق.

 من المؤسف حقاً، ونحن نتذكر محاولات رجال الكنيسة في جهودهم ومباحثاتهم  نحو وحدة فروع كنيسة المشرق أن نقول بأنهم ضيعوا الممكن من أجل غير الممكن، وبالتالي وصلوا إلى طريق مسدود وذلك بسبب تمسكهم المشدد بالثوابت المبدئية التي تحدد وجود كل فرع من فروع كنيسة المشرق، وهو أمر معقول إلى حد ما. ولكن غير المعقول هو أن يضيع الممكن بين طيات غير الممكن وبالتالي تذهب جميع محاولاتهم وإجتماعاتهم المشتركة نحو أدراج الرياح وهو الأمر الذي يزيد من إحباط وتشاؤم أبناء فروع كنيسة المشرق ويمحو أي أمل نحو الوحدة والتقارب وبالتالي فقدان أو تناقص مصداقية المؤمنين بكل ما تجهد به الكنيسة من أجل ترسيخ الإيمان بالكنيسة وبالوطن والحيلولة دون تركه والهجرة إلى الخارج. لننزل كلنا، نحن العلمانيين والأكليريين، إلى الأرض والواقع ونمعن جيداً وبنظرة موضوعية على واقع الكنيسة وإنشقاقاتها فسوف نجد وبسهولة بأن إنقسام كنيسة المشرق إلى فروع لا وجود له بين المؤمنين أو الإهتمام به قليل، فهناك زيجات وعائلات وصداقات وجيرة وأمنيات مشتركة لا بل ومآسي مشتركة ...و ... و، بين السرياني الآرثوذكسي والكاثوليكي وبين الكلداني والآشوري وهكذا بحيث نصل في بعض الأحيان إلى صعوبة معرفة الإنتماء الكنيسي أو الطائفي لكل واحد منهم إذا نظرنا للأمر بنظرة إيمانية مسيحية بعيدين عن التعصب الطائفي والمصلحي. فالواقع الموضوعي يقول بأن الإنقسام موجود في هيكلية وأكليرية كل فرع من فروع كنيسة المشرق وليس في أبناء هذه الفروع، ومن المؤسف القول بأن مثل هذا الوضع يضعف موقف الكنيسة بشكل عام بعد أن يبدأ إيمان المؤمنين بها وبرجالاتها يضعف ويتقلص وهو الأمر الذي نلاحظه جميعاً وفي مقدمتهم رجال الكنيسة نفسهم، فهذا هو السبب الذي يجعل كل دعوات رجال الكنيسة للمؤمنين بالتمسك بأرض الوطن وعدم هجره تذهب أدراج الرياح.

معادلة بسيطة نستمد منها ونقول بأنه يجب أن لا نضيع الممكن من أجل غير الممكن. فإذا كان أمر وحدة فروع كنيسة المشرق غير ممكنة في العصر الراهن فأن هناك الكثير من الممكنات التي يمكن تحقيقها وبسهولة فيما إذا نظرنا للأمر بنظرة مسيحانيه حقيقية. يشبه أحد مفكري أمتنا ملكوت السموات بالقصر الذي ليس له إلا طريقاً واحدا وهو يسوع المسيح له المجد ولكن للقصر مداخل وأبواب متعددة يمكن الدخول إلى القصر من خلالها... يسأل هذا المفكر العظيم ويقول ... هل سيرفض الأب الخالق أو أبنه يسوع المسيح له المجد محاولة الأبناء دخول القصر من أي من أبوابه؟؟ فالجواب قطعاً هو كلا... فلا يمكن الإعتقاد عكس ذلك ... ولا يمكن تصور ذلك حتى بالنسبة للأب الدنيوي أن يفعل شيئاً من هذا القبيل تجاه أبناءه. ... وأذا حاولنا وضع النقاط على الحروف ونقول بأن الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكنيسة المشرق الآشورية والكنيسة السريانية الكاثوليكية والكنيسة الشرقية القديمة جميعها تسير على طريق واحد، وهو ربنا يسوع المسيح له المجد، نحو القصر (ملكوت السموات) فمن المؤكد سوف تصل إلى القصر رغم دخولهم من أبوابه المتعددة ولكن من المؤسف القول بأن واقع الحالي يبين بأن كل فرع من فروع كنيسة المشرق تسير عىلى طريقها الخاص ومن المؤكد في هذه الحالة سوف لا تصل إلى القصر ما لم تجد الطريق الوحيد المؤدي إلى القصر. ولهذا الطريق محطات ليس السير عليه بالأمر السهل بل يتطلبه التضحيات والمشقة ونكران الذات. ونحن نرى بأن ضمن الممكنات يكون تأسيس مجلس أعلى لبطاركة كنيسة المشرق في العراق محطة أولى على هذا الطريق ليس للوصول إلى ملكوت السموات فحسب بل أيضا كمحطة أولى للسير على الطريق  للوصول إلى ملكوت الأرض التي يعيش عليها أبناء كنيستهم. أن تحقيق فكرة المجلس الأعلى لبطاركة كنيسة المشرق في العراق لا علاقة لها بمسألة تحقيق الوحدة بين هذه الفروع بل تقوم على أساس إحترام إستقلالية هذه الكنائس وعن طريق فهم وحدة صخرة بطرس وملكوت السماء ووحدة ربنا يسوع المسيح له المجد. ويمكن تشبيه هذا المجلس، كما شبهه مفكرنا العظيم ديفيد برصوم بيرلي، المتكون من الفروع الخمسة لكنيسة المشرق بأصابع الخمسة في اليد الواحدة التي تتصل براحة اليد وتعمل سوية. فلا يمكن إطلاقاً أن يعملوا ضد بعضهم البعض فذلك مخالف لطبيعة اليد ... فيناشد هذا المفكر الكبير ويقول أنه يجب أن تضم الأصابع الخمسة وبقوة في قبضة ونربطها بحزام الإبهام لنسدد للعالم ضربة دون أن نصيب أنفسنا برضة (أورده يوسف مالك في كتابه خيانة بريطانيا للأشوريين).

ومما تقد/ أرغب هنا في التأكيد على مايلي تجنباً لسؤ فهم هذا الموضوع:
1.   أن فكرة دعوة بطاركة فروع كنيسة المشرق الأجلاء إلى تأسيس مجلس أعلى لا يمس إطلاقاً إستقلالية كل فرع ولا علاقة له بموضوع وحدة الفروع التي هي من غير الممكنات في هذا العصر. والمجلس بمفهومه العلمي هو تنظيم هيكلي ونخبوي وليس جماهيري فهو الأطار الذي يتخذ فيه القرارات المهمة والحاسمة التي تخص المصير المشترك لأبناء هذه الفروع وتبقى مسألة تنفيذها مرتبطة بهيكلية أو تنظيم كل فرع من فروع كنيسة المشرق، أي المطارنة والأساقفة وبقية رجال الدين.
2.   بمجرد إنعقاد مثل هذا الإجتماع ولو بحده الأدنى، كما وصفناه في السابق ... على فنجان قهوة، أي ببساطة وبدون التطرق الى ما يفرقهم من ثوابت لاهوتية وكنسية، وأعلان مثل هذا الإجتماع والتأسيس على الملئ سوف يترك تأثيراً إيجابيا على أبناء فروع كنيسة المشرق ويعطي إنطباعاً عن مدى جدية رجال الكنيسة في مسألة التقارب والتفاهم من أجل توحيد الجهود للحفاظ على وجود الكنيسة في العراق خاصة إذا أكتسب مثل هذا الإجتماع البسيط صفة الديمومة والإستمرارية حيث نحن نعرف بأن تراكم المسائل البسيطة سوف تؤدي إلى تحقيق مسائل مهمة وتغييرات نوعية . فليس من المستبعد أن تتراكم هذه اللقاءات وتأسيس المجلس قد تؤدي إلى السير على الطريق الصحيح نحو وحدة فروع كنيسة المشرق ويتحول في المستقبل من أمر غير ممكن إلى ممكن.
3.   الجغرافية... عامل غائب في تعاملنا مع المسائل القومية وحتى الدينية وتأسيس مجلس أعلى للبطاركة في دولة العراق هو أخذ هذا العامل بنظر الإعتبار نظراً للظروف المأساوية التي يمر بها أبناء الكنيسة في العراق والتي تتشابه كثيراً ظروف أبناء الكنيسة في سورياً وهو الأمر الذي يجعل مسألة تأسيس مثل هذا المجلس للفروع الخمسة للكنيسة في سوريا أمراً وارداً أيضاً.
4.   هناك محاولات جادة في مثل هذا السياق نحو توحيد جهود كنائس المشرق، وفي مقدمتها (لقاء مسيحي الشرق) الذي تأسس في بيروت سنة 2010 كجمعية مسجلة ومعترف بها في لبنان من قبل مجموعة خيرة من المطارنة والكهنة ورجال العلم والمعرفة وبرئاسة نيافة المطران سمير مظلوم المعاون البطريركي لبطريرك الكنيسة المارونية مار بشارة الراعي. وتهدف هذه الجمعية على قيام التعاون بين جميع كنائس المشرق وإيجاد مساحة تعاون وتنسيق دائمة ليس فقط بين رجال الدين، بل أيضا مع العلمانيين والشخصيات المهتمة بمصير المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط. ومن يرغب المزيد وبالتفصيل عن لقاء مسيحي الشرق عليه الدخول على الموقع الألكتروني (info@ecassembly.org). لقد تجلت أهتمام هذا التنظيم بالمسيحيين في العراق عندما قدم مقترحاً إلى رؤساء الكنائس في العراق حول تثتبيت الوجود المسيحي في العراق ووضع خطة لهذا الغرض وفصل فيها المتطلبات المطلوبة على مختلف الأصعدة وأليات تنفيذ هذه الخطة. غير أنه من المؤسف له يظهر بأنه لحد هذا اليوم لا نرى إستجابة إيجابية وواقعية من قبل رؤساء الكنائس في العراق والخشية هو أن يبقى هذا الطموح مجرد كلمات جميلة وتأملات على ورق.
5.   شرفني، وأنا في بيروت، أهداء الملفونو حبيب أفرام لي كتابه المعنون (مسيحيو الشرق: خيار البقاء وإرادة الرجاء – من مطبوعات دار سائر المشرق بالتعاون مع المركز الثقافي السرياني للنشر والتوزيع – الطبعة الثانية 2014) فوجدته يأتي ضمن سياق هذا الموضوع بما فيه من تفصيل لمعاناة شعبنا المسيحي في المشرق وتأملات ومشاعر وطموحات تخلق في القارئ نوع من الرجاء للبقاء في الوطن وعدم تركه... فقراءته مسألة مهمة في فهم الحاجة الملحة والمطلوبة لتعاون وتنسيق جميع فروع كنيسة المشرق من أجل البقاء في أرض الوطن. ونأمل أن تتاح لنا فرصة للتفصيل في هذا الكتاب القيم وتحليل محتوياته. ويمكن الحصول على نسخة من الكتاب من الموقع الألكتروني للناشر  www.entire-east.com.
6.   من المؤكد بأن طرح مثل هذا الموضوع الكنسي من قبل شخص علماني مثلي مهتم بالشؤون القومية وبالأحزاب السياسية يطرح تساؤل عن أسباب "دس أنفي" في هذه المسألة الكنسية ونحن نعرف بأن مسألة تثبيت الوجود المسيحي في أرض الوطن وضمان إستقراره وتقدمه قد يدخل في دائرة السياسة والجميع يدعو الكنيسة ورجالاتها إلى الإبتعاد وعدم التدخل في السياسة كما هو مطلوب من منًا نحن العلمانيين والسياسيين عدم التدخل في المسائل الدينية والكنسية... أن موضوع تدخل الكنيسة في السياسة أو العكس، تدخل العلمانيين في شؤون الكنيسة أمر يستوجبه الكثير من التفاصيل والتحليلات إلا أنني أقول هنا وبإختصار بأن معظم الأراء والأفكار الواردة في هذه العلاقة هي مقتبسة من المجتعات الغربية والتي لا يمكن تطبيقها في العصر الراهن على المجتمعات الشرقية وتحديدا مجتمعنا المسيحي. ففي هذا العصر عندما تكون مهمة الكنيسة تثبيت وجودها في أرض الوطن والحيلولة دون هجرة مؤمنيها إلى المهجر هي نفس مهمة السياسيين وأحزابنا وتنظيماتنا القومية. فتقاطع دوائر العمل الديني الكنسي والسياسي القومي ظاهرة طبيعية في بلداننا المشرقية خاصة عندما نعرف بأن المؤسسة الكنيسة كانت ولا زالت من أعرق وأقوى وأوسع وأكثر نشاطاً وجماهيرية من أي مؤسسة سياسية أو علمانية في مجتمعنا المسيحي المشرقي. ولما كانت تحديات العصر الحالية هي تحديات ذات طابع ديني مسعاها قلع المسيحيين جميعاً من وطنهم ومن دون تفرقة كنسية أو طائفية فأن الإستجابة لمثل هذه التحديات ومواجهتها يجب أن تتوافق مع طابعها الديني وهذا التوافق هو الذي يجعل أمر تأسيس المجلس الأعلى لبطاركة كنيسة المشرق في العراق أمراً ضرورياً. وهنا من الضروري أن نؤكد وبشكل مشدد بأن الطابع الديني الكنسي للإستجابة لهذه التحديات الدينية لا يعني إطلاقاً إلغاء دور أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية من إداء دورها في مواجهة التحديات القومية التي تسعى أيضاً إلى إلغاء الوجود القومي التاريخي لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري في وطن الأم، فكلا العالمين الديني الكنسي والقومي السياسي أن يعملا بوسائلهما وتنظيماتهما الخاصة بهما ولكن من أجل الهدف الكنسي والقومي المشترك.
7.   وأخيراً، قد يبدو طرح فكرة تأسيس مثل هذا المجلس مجرد فكرة وكلمات على ورق حلم شعبنا به منذ زمن بعيد أن يتحقق بشكل أو بآخر، ولكن نحن جميعنا نعرف بأن تحويل الفكرة إلى واقع والحلم إلى حقيقة يتطلبه زعماء وقادة حقيقيين يعرفون جيداً بأن مثل هذه الحلم والرجاء والأمل لا تتحقق بالحياة السهلة بل بالهمة وعزيمة وأصرار ومثابرة في مواجهة التحديات. أفهل نستطيع القول بأن مثل هذا الحلم والأمل لم يتحقق في الماضي بسبب إفتقارنا إلى زعماء وقادة حقيقيين لفروع كنائسنا المشرقية؟؟؟ أفهل سيظهر مثل هؤلاء القادة في عصرنا الحالي ويحولوا الحلم إلى حقيقة والأمل إلى واقع أم سيستمر التاريخ في تفتيت صخرة بطرس وتشريد شعبنا نحو المجهول؟؟؟
   


 



158
أين معضلة المسيحيين في العراق 
في المادة 26- ثانيا من قانون البطاقة الوطنية أم في الفكر الإسلامي السياسي؟؟؟
=================================================
أبرم شبيرا

في السابق كتبنا وقلنا مراراً وتكراراً وهنا أعيد ما كتبته لعل يكون في االإعادة إفادة. أستغرب إستغراباً شديداً يصل في بعض الأحيان إلى حالة من الذهول الشديد والهذيان الفكري عندما أرى بعض من أبناء شعبنا المسيحي - الكلداني السرياني الآشوري وبالأخص السياسيين وكبار رجال الكنيسة  الذين من المفترض أن يكونوا في قمة الوعي السياسي والقومي بما فيه الكنسي يتفاجئون عندما يتحرك نظام الفساد والتطرف الديني الإستبدادي في العراق ويبدأ العمل سواء بسيوفه البتارة أو بقوانينه العفة بحق أبناء أمتنا وكنيستنا. فتبدأ الإحتجاجات والإستنكارات والمظاهرات والمعارك الهوائية والورقية ضد الظلم والإستبداد والتي كلها  فقاعات هوائية لا تأثير ولا قوة لها أمام سطوة سيف التطرف الإسلامي. لقد سبق وذكرنا مقولة فكرية تقول بأن الإنسان الواعي يكون متحصناً من المفاجأت ومتهيء لتجنب أو التقليل من نتائجها المؤلمة. غير أنه مع كل هذه المأساة والفواجع يجب أن لا ننسى الجهود العظيمة التي يبذلها أبناء أمتنا وخاصة رجال الفكر والسياسة والكنيسة في محاولاتهم لازالة الغبن الذي ألحق بأبناء أمتنا وكنيستنا بفعل ممارسات اللاإنسانية لرجال الحكم والسياسة في العراق. ولكن مع الأسف الشديد نقول بأن الأسلحة المستخدمة في مثل هذا الصراع بين المسالم والمحب للعدل والأمان والإستقرار وبين الفكر الإستبدادي الظالم والمتحجر تؤدي بنهاية المطاف أن تكون المعركة خاسرة فنخرج منها بخسائر تضاف إلى الخسائر السابقة.

قامت قيامتنا عندما شرع قانون البطاقة الوطنية الموحدة وخاصة مادته ألـ (26- ثانياً) التي تفرض فرضاً قسرياً على الإطفال غير المسلمين إعتناق الدين الإسلامي وأستند الجميع في محاربتهم لهذه المادة على كونها مخالفة لمواد الدستور خاصة المواد التي تؤكد على المنهج الديموقراطي وحرية الفرد والمعتقدات وعلى المبدأ الإسلامي في "لا أكراه في الدين". فهذه المادة، حسب الأسلحة المستخدمة في هذه المعركة، تخالف الفقرة (ب) من أولاً من الدستور العراقي التي تؤكد (لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديموقراطية) وفي الفقرة (ج) أيضاً تؤكد (لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور). والمادة الثانية تقول (... يضمن – هذا الدستور -  كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين والأيزديين والصابئة المندائيين). هذا هو الأساس القانوني الذي أستخدمناه في هذ المعركة. وبالمقابل دافع أصحاب الفكر الإسلامي المتشدد عن المادة 26 وأعتبروها تشريعها موافق للديموقراطية ولدستور العراق طالما (الإسلام هو دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع) حسب المادة أولاً. لا... والأكثر من هذا يذهب أصحاب الفكر المتشدد إلى تبرير صدور هذه المادة وضرورة تطبيقها إلى كونها ليست بجديدة بل هي منصوصة في المادة 21 / 3 من قانون الأحوال المدنية رقم 65  لسنة 1972  المعدل الذي أصدره نظام البعث المقبور، ولكن يتجاهلون وبعمد كتاب وزارة العدل تحت رقم 4103  في  8/10/1988 المتعلق بهذه المادة والذي بموجبه تم منح الصغير الذي تغير دينه إلى الإسلام تبعا لإسلام احد أبويه ويريد العودة إلى دينه السابق, حق إقامة الدعوى على دوائر الأحوال المدنية خلال سنة من بلوغه سن الرشد لتغيير قيده في سجلاتها. يالها من سخرية الإقدار وعجب العجائب أن يكون نظاماً إستبداداياً ظالما أكثر رحمة وتفهما لأوضاع المسيحيين في العراق من النظام الذي يدعي بالديموقراطية والتعددية والشفافية...  يا له من تبرير قائم على منطق إنتقائي وإنتهازي يستمد من الأنظمة القانونية الإستبدادية السابقة ما يفيد ويدعم إستبداديته ويرفض ما لا يتوافق مع فكره المتطرف. النظام السابق الذي حاربه ورفضه أصحاب الفكر الإسلامي المتطرف المتسلطين هذه الأيام على السلطة في العراق كان مرفوضاً بالكامل وبالتالي منطقياً تكون جميع ممارساته وقوانينه مرفوضة بالكامل أيضاً، لأن أذا كان الأساس والمبدأ مرفوض فأنه بالحتم والنتيجة تكون تفاصيله وأساليبه مرفوضة أيضا. ولكن يظهر بأن الفكر الإسلامي المتطرف الذي يقبع على عقلية رجال الحكم والسياسة في العراق وجد في الأسلوب الإنتهازي والنفعي طريقاً لتبريد إستبداديته في المادة المذكورة.

دستور العراق الحالي، لو أقول كلمة بسيطة عنه فلا تكون ألا أنه أغرب دستور في العالم قائم على تناقضات صارخة يدركها أبسط إنسان لا يملك حتى أدنى معرفة قانونية أو سياسية لكي يكتشف هذه التناقضات. حتى نكون أكثر دقة في هذه المسألة وبعيدين عن التخمينات والتكهونات والإستنتاجات المسبقة، ندرج في أدناه المادتين الأولى والثانية ومن دون الدخول في التفاصيل الأخرى، يذكر الدستور في هاتين المادتين مايلي:

اولاً :ـ الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر اساس للتشريع:
أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.
 ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور.
ثانياً :ـ يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والايزديين، والصابئة المندائيين.


بالله عليكم يا قرائنا الأعزاء... هل يستوجب لأدراك هذه التناقضات الواضحة والصارخة في هاتين المادتين معرفة قانونية أو دستورية أو سياسية؟؟؟ الكل يعرف وفي مقدمتهم أصحاب الفكر الإسلامي السياسي بأنه كل جوانب هذا الفكر يتعارض تعارضاً تاماً مع مفهوم الديموقراطية في الحكم والسياسة وخاصة في مسألة ضمان الحقوق الدينية وحرية العقيدة والممارسة الدينية لغير المسلمين. فمما لا شك فيه أن صدور أي قانون يضمن هذه الحقوق لغير المسلمين على أساس ديموقراطي سيكون وبشكل مباشر متعارض مع المصدر الأساسي للتشريع وهو الإسلام ومع ثواب أحكام الإسلام. ونفس الحال مع سن قانون وفق ثواب أحكام الإسلام وطبقاً للمصدر الأساسي للتشريع سيكون وبشكل مباشر متعارضاً ومتناقضا مع المبادئ الأساسية للمديموقراطية في ضمان وحماية الحقوق الدينية لغير المسلمين. فالمادة 26 التي سنت وفق ثواب أحكام الإسلام هي في تناقض صارخ مع ضمان وحماية الحقوق الدينية والممارسات الدينية لغير المسلمين كما هو واضح وبشكل جلي في المادتين أعلاه. لقد حاول المشرع العراقي تلبيس فكره الإسلامي السياسي الطاغي على مواد الدستور بلحاف ديموقراطي شفاف لم يكن كافيا إطلاقا لإخفاء إستبداده الفكري من جهة ولإظهار "دموقراطية النظام" للقوى العظمى التي حملته كالرضيع الصغير الجائع ووضعته على مهد الحكم من جهة أخرى

أكتفي بهاتين المادتين فقط لأعرض التناقضات العميقة لمواد الدستور التي في غلبتها هي للجانب الفكر الإسلامي السياسي المستبد تجاه غير المسلمين، فهناك كتاب أعزاء من أبناء شعبنا المختصين في القانون عرضوا وحللوا مثل هذه التناقضات لا بل وذهب زميلنا الجامعي المحامي أفرام فضيل البهرو إلى تأكيد عدم جدوى من الأعتراض لتغيير هذه المادة في موضوعه المنشور في موقع عنكاوه بتاريخ 03/11/2015 تحت عنوان (طالما كون إسلام القاصرين من ثواب الإسلام، فلا جدوى من الإعتراض) فيقول: لا جدوى من الاعتراض والاحتجاج والاستدلال بالفقرات الأخرى من نفس المادة والتي تنص على عدم جواز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور, وعدم جواز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، لان هذه الفقرات كافة تنحني بخشوع أمام الفقرة الأولى المتعلقة بثوابت الإسلام، وان فقرات هذه المادة هي فقرات حدباء لأنها تتناقض مع بعضها  وهي ليست سوى فقرات تجميلية و تزويقية لدستورنا الديمقراطي ليظهر للعالم بأنه متكامل ويصون حقوق العراقيين كافة دون تمييز.

وهنا من الضروري أن نفرق بين الدين الإسلامي كبعبادة وبين الفكر الإسلامي السياسي، وأساس هذه التفرقة قائمة على تشكيل المتدينين أحزاب أو حركات سياسية ووضع برامج سياسية وسعيها للوصول إلى السلطة لتحقيق فكرها الديني على نطاق الساسية وإقامة الدولة الدينية وعلى ضرورة تُحكم الدولة بالشريعة الإسلامية. أن أعظم إنجاز حققته السلفية وتحديدا جماعة الأخوان المسلمين هو تأثيرها القوي والواضح على حكام الدول العربية عند تأسيسها وإستقلالها قبل أكثر من نصف قرن وتبني فكرة "الإسلام دين الدولة" في معظم دساتيرها سواء أكانت الجماعة سنية أو شيعية. يرى معظم الباحثين بأن الدين مسألة إيمانية تخص الإنسان كشخصية طبيعية ولا يمكن أن تنطبق على الدولة بإعتبارها شخصية معنوية أو قانونية إعتبارية، إلا عندما يكون جميع مواطني هذه الدولة مسلمين. فالدولة بمفهومها العام هي كيان سياسي – قانوني ترتكن على مجموعة من الناس (مواطنون) يعيشون على بقعة معينة ومحددة من الأرض (الأقليم) وتنظم أمورهم من قبل سلطة سياسية (الحكومة). فالوقائع التاريخية والمعاصرة تؤكد بأنه لا توجد دولة في كل العالم يعتنقون سكانها دين واحد، بل كل دول  العالم تضم شعوبها أقليات مختلفة دينيا وأثنياً. وعلى العكس من هذا نرى بأن مفهوم "الإسلام دين الدولة"، أي الدولة هي مسلمة، لا يعني إلا بأن جميع سكان هذه الدولة يدينون بالإسلام كدين وحيد لا غيره، وهو متناقض مع الواقائع والحقائق. من هذا المنطلق فإن الفكر الإسلامي السياسي لا يرى في غير المسلمين إلا كخوارج  والدولة يجب أن يكون لها دين مثلما للناس دين وهو الدين الإسلامي وشعبها كلهم هم مسلمون. هذه هي الحقيقة الجوهرية للحكم في العراق التي تظهر وبشكل واضح في ممارسات رجال الحكم والسياسة وأحزابهم الدينية. من هذا المنطلق فكل التصريحات والمقابلات التي يؤكد فيها هؤلاء على أعتبار المسيحيين شعب العراق الأصيل وعلى ضرورة حمايته والحلولة دون هجرته للوطن وضمان حقوقه المشروعة ... كلها كلام معسول لا يقوى أبدى أمام أفكارهم الدينية المتطرفة وممارساتهم الإستبدادية تجاه المسيحيين في العراق.

ضمن هذا الفكر الإستبدادي شرع قانون البطاقة الوطنية وفي الغد سيشرع تحريم الخمور وليس مستبعداً من الفكر الإسلام السياسي المتطرف أن يسير على خطى "أسلمة" الدولة العراقية وشعبها إن لم يكن بشكل مباشر بتغيير دين الشعوب غير المسلمة إلى الإسلام سيكون بشكل غير مباشر وعن طريق منعهم وتحرميهم من ممارسة العادات والتقالية ونمط الحياة والثقافة والفكر واللغة التي كلها ترتبط بشكل أو بآخر بدينهم ومعتقداتهم. شخصياً سوف لا أستغرب ضمن هذا الوعي بالفكر السياسي الإسلامي المتطرف، أن يصدر النظام الديني السياسي في العراق قوانين تفرض على المرأة غير المسلمة الحجاب أو البرقع وتمنع الإختلاط في الأماكن العامة والمدارس وتحرم المرأة من قيادة السيارة وإغلاق الأندية الثقافية والإجتماعية وإزالة الصليب من على الكنائس حتى تتحقق الدولة الإسلامية بكاملها، حينذاك سيصبح شعبنا المسيحي في العراق على مفترق طرق: أما التخلي عن كل مقومات وجوده المسيحي في العراق وبالتالي أسلمته أو الهجرة. فالواقع والتجربة أثبتا بأن كل الأساليب الإحتجاجية والإتصالات القائمة على سياق وقف أو منع تسلط الفكر الديني الإسلامي على المسيحيين وقلع جذورهم من أرضهم التاريخية قد ذهبت أدراج الرياح وأن صرخات رجال الكنيسة والسياسة قد وقعت على آذان صماء. إذن ما الحل؟؟؟ هل يكفي أن نعرض الحالة كما هي من دون حل مثلما يصف الطبيب الداء من دون دواء ونحن جميعاً نعرف جيداً مدى قوة تمسك المسيحيين بدينهم حتى في أصعب الظروف وأهلكها وأن حل الهجرة مرفوض على الأقل من الناحية الرسمية من قبل رجال الكنيسة وأحزابنا السياسية. هذه المعضلة سوف تجعل شعبنا المسيحي أن يبحث عن مخرج له للحفاظ على كيانه الديني والقومي في أرض أبناءه وأجداده مهما كلف الأمر من تضحيات حتى أن أقتضى ذلك ترك بيوتهم ومناطقهم وإنتقالهم إلى مناطق أكثر آمنة وأكثر محصنة من الأفكار الدينية المتطرفة وفيها أساليب للحكم أكثر علمانية ولا تستخدم الدين لإقصاء المسيحيين من الوطن، هكذا يصبح أحلى الأمرين مراً ويصبح إقليم كردستان في العراق بديمقراطيته الهامشية وعلمانيته السياسية وإستقراره الأمني كلها عوامل تخلق، رغم العوائق والمشاكل الديموغرافية وبعض الأفكار التسلطية، ضوء في نهاية النفق الضيق الذي حُشر المسيحيين فيه، وإلا فأن الوجود المسيحي في العراق سيتلاشى خلال عقدين أن ثلاثة في أكثر إحتمال فيما إذا أستمر الفكر الإسلامي السياسي مسيطر على مقدرات البلاد السياسية، حينذاك سيكون كل العراقيين وبجميع أطيافهم أول الخاسرين وليس المسيحيين وحدهم وهو أمر يعرفه حتى أكثر الناس تطرفاً دينياً ولكن صخرة هذا التطرف يحجب عنهم الشجاعة للإدلاء بهذه الحقيقة وقبولها، لماذا؟؟ لأن الإنسان المتخلف والغبي والمتحجر لا يستطيع العيش مع الإنسان المتحضر والنابغ والمنفتح.


159

ثقافة الحوار والإعتذار ... أين نحن منها؟؟
=======================

أبرم شبيرا
================================================
ثقافة الحوار والإعتذار
===============

الحوار والإعتذار توأمان قدر تعلقهما بحرية التعبير وأدبيات الإختلاف. لهذا فهما ينتسبان إلى جذر ثقافي وحضاري واحد. والجرأة على الإعتذار تعبر عن فائق في الثقة بالنفس وليس العكس كما يتصور البعض وهم على الأرجح مصابون بالعصاب.

لكن هذا النمط من الثقافة ليس ميسوراً أو مرمياً على قارعة الطريق، أن له تكلفة تربوية أولاً، ويتطلب إستعدادات نفسية، ونضجاً في فهم ثنائية الذات والآخر. وأول ما تتطلبه ثقافة الحوار هو تدريب الذات على الإصغاء، وقد لا يدرك الثرثارون كم هي فوائد وقيمة الإصغاء، لأنه يحرر النفس من الإرتهان لأصدائها، ويذكر "نرسيس" بأن هناك ما يستحق أن يراه في هذا العالم غير صورته.

وفي غياب ثقافة الحوار والإعتذار معاً يكون البديل ما نشاهده على الفضائيات من كوميديا تبكي ولا تضحك. فهناك من أستبدلوا الكلمات باللكمات أو ما يسمى لغة البدن بالأحذية وأكواب الماء. وما نلاحظه في الحوارات المتوترة والتي تدور بين طرشان هو أنها من نمط الحب من طرف واحد، وبالتالي الحوار من طرف واحد، فهي رقصة تانغو عرجاء، يمارسها الراقص مع نفسه وعلى إيقاعات صراخه.

في الحوار مجال رحب لمراجعة الذات ونقدها. وللإضافة أيضا لأن الآخر ليس دائماً هو النقيض. فقد يؤدي الحوار المعافي وغير المشوب بالعمى النرجسي إلى تكامل وإئتلاف في وجهات النظر، رغم إختلاف الزوايا والمقتربات. ولا سبيل للوصول إلى ثقافة الإعتذار إلا بالإدراك التام بأن الذات ليست معصومة وليست محور هذا الكون، وأن الشمس لا تشرق فقط من أجلها.

وحين تحول المكابرة بين من تأخذهم العزة بالإثم وبين الإعتذار فإن الخطأ حتى لو كان عابراً يصبح خطيئة. لكن الإعتذار أيضا له طرفان، وعلى الطرف الآخر الذي يُعتذر إليه ألا يسيء الفهم ويتوهم بأن ذلك يعبر عن خوف أو تزلف وإسترضاء ... أن الإعتذار كالحوار أيضاً رقصة تانغو بين طرفين متكافئين ثقافياً وأخلاقياً.
----------------------------------------------------
قد يستغرب القارئ الفاضل من قوة أسلوب هذا الموضوع ورصانته وعمق معانيه وفصاحة لغته وعمومية معالجته للإنسان ككل، وهي كلها تقريباً صفات وإمتيازات لا يجدها القارئ الفاضل في كتاباتي المعهود بها التي الكثير منها يعتريها جوانب من الضعف أو قصور في لغة الكتابة (العربية) التي أكتب بها وصعوبة التعبير عن كل ما يجول في فكري وخواطري ومشاعري. والأكثر من هذا هو إنحصار كتاباتي وإقتصارها على مساحة معينة تحدها حدود الأمة والكنيسة اللذان أنتمي إليهما، وهي الساحة التي تشغل كل إهتماماتي ومن دون أن أتجاوزها لأن قدراتي الفكرية محدودة وبالكاد تكفي لهذه الساحة التي أستمتع كل الإستماع عندما أجول فيها مع بقية أبناء أمتي الأعزاء.

وحتى أمحي إستغراب القارئ الفاضل أقول بأن الموضوع أعلاه ليس من تأليفي ولا كلمة واحدة من جعبتي، أقول بأن هذا الموضوع هو للكاتب والمفكر خيري منصور نشرته جريدة الخليج الإماراتية بتاريخ 24/09/2015 في صفحة رأي ودراسات وتحت زاوية أفق آخر، ووجدت في إقتباسه ونشره بالكامل وكما هو، إطاراً نظرياً مهماً ومفيداً جدا للتطرق لهذا الموضوع في ثقافة الحوار والإعتذار وطرح تساؤل عن موقعنا من هذه الثقافة، وهل فعلاً نعتمدها كأسلوب وفكر في الحوار في قضايانا القومية وأمورنا الكنسية؟؟؟ وهل الإعتذار مسلكاً معتمداً عندنا عندما نخطئ تجاه الآخر؟. من المؤسف القول بأن سبب فشل وإخفاق، لنكن أكثر مرونة ونقول، عدم تقدم الحوار بين فروع كنيستنا المشرقية هو الإفتقار إلى ثقافة الحوار لدى المتحاورين. والحال أسوء بكثير لدى أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية فمعظمهم، إن لم نقل جميعهم، يحكمهم جهل مطبق في ثقافة الحوار. وهي أمور نأمل أن تتاح لنا الفرصة للتفصيل عنها في مناسبة لاحقة.

أما بالنسبة للإعتذار، فلو حاولنا وبجهد مضني البحث في قاموسنا القومي فلا نجد مثل هذا المصطلح ولا مفهوما عنه إطلاقاً لأنه بحسب عقليتنا الشرق أوسطية الإعتذار هو عيب وإهانة للذات التي تعتبر نفسها معصومة من الخطأ وأنها محور العالم كله، الذات أو الأنا التي تمس "مناخيرها" قمة السماء ولا تزل إلى الأرض. في حين على العكس من هذا تماماً فالإعتذار عن خطاً ينبع من شجاعة ومن قوة الثقة بالنفس والألتصاق بالأرض والموضوعية وتقبل الحقيقة كما هي بعيدة عن الإنانية والتبختر، وهنا ونحن بصدد الإعتذار وقبل أن أنهي هذه السطور القليلة ... أعيد التأكيد القليلة... أقول بأن أعتذار الصديق العزيز أنطوان الصنا عن ما كتبه بخصوص تهمة السيد سركون لازار صليوه والمنشور حالياً في موقع عنكاوه الألكتروني يسجل سابقة تاريخية، حسب وجهة نظري، فإعتذاره أدخل هذا المصطلح إلى قاموسنا القومي ... فشكراً على هذه الأضافة القيمة لقاموسنا القومي في التعامل مع الآخر. 





160
مطالبة بطريرك الكلدان محكمة دولية لمحاربة قانون أسلمة الأطفال المسيحيين في العراق ...هل يجوز ذلك؟؟؟
--------------------------------------------------------------
أبرم شبيرا 
تساؤل:
-----
في أكثر من مكان ومناسبة صرح غبطة مار لويس روفائيل ساكو بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالم  بأنه في حالة تطبيق الفقرة الثانية من قانون البطاقة الوطنية الموحد وتحديداً الفقرة الثانية الخاصة بأسلمة أطفال غير المسلمين سينقل موضوع شكواه بهذا الخصوص إلى المستوى الدولي وتحديداً إلى المحكمة الدولية في حالة عدم إلغاء هذه الفقرة أو تعديلها بما يعطي الحرية للأطفال لإختيار دينهم عند بلوغهم السن القانوني. ففي تصريح غبطته لموقع آسيا نيوز، والذي نشر في موقع عنكاوه بتاريخ 12/11/2015، ذكر وقال " نود أن نعلق مرة أخرى بشكل قاطع أنه في حال تم تطبيق هذا القانون فإننا سنعلي الصوت ليُسمع على المستوى الدولي وسنضمن إستجابة مجلس النواب على هذا قبل الإنتقال إلى المحكمة الدولية". وفي تصريح وأثناء مقابلة أجرته تلفزيون أسيريا (Assyria TV) مع غبطته صرح نفس الشئ وأكد بأنه في حالة فشل مجلس النواب العراقي من تعديل أو إلغاء الفقرة الثانية من القانون أعلاه سيلجأ إلى القضاء الدولي لإحقاق حق الشعوب غير المسلمة في ديانتهم وتحديداً المسيحيين منهم وذلك لكونه الرئيس الأعلى لأكبر مجموعة مسيحية في العراق، الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. هكذا كما عرفنا غبطته بإصراره وتمسكه  بالدفاع عن أبناء رعيته وعن كافة المسيحيين من دون كلل أو ملل خاصة في هذه الظروف الإستثنائية والمأساوية والمهدد لمصير شعبنا المسيحي في المنطقة كلها واللجوء إلى كل الوسائل حتى الصعبة منها لرفع الغبن عنهم.

وهنا يأتي السؤال: هل يحق لغبطته أن يقدم شكوى إلى القضاء الدولي إو المنظات الدولية التي تعني بشؤون حماية حقوق الأقليات؟ ونحن نعرف بأن الدول هي أعضاء هيئة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها ومنها المنظمات الخاصة بحماية حقوق الإنسان والأقليات والشعوب الأصلية وفي حالة تقديم أي شكوى لهذه المنظمات يجب أن يتم من خلال الدولة المعنية نفسها. غير أنه في العقود الخمسة الأخيرة وتحديداً في الستينيات من القرن الماضي تطور القانون الدولي بشكل كبير وتوسع نحو مجالات عديدة لحماية حقوق الإنسان والأقليات وصدر عن الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها العديد من الإعلانات والقرارات والدراسات والبلاغات بهذا الخصوص وألزمت معظم دول الأعضاء نفسها بتنفيذها ومنها دولة العراق بحيث فسحت المجال للأشخاص المنتمين للأقليات القومية والدينية والأثنية ولمنظماتهم تقديم وبشكل مباشر البلاغات والشكاوى إلى المنظمات المعنية بحماية حقوق الأنسان والأقليات في حالة تعرض حقوقهم إلى إنتهاكات من قبل الدولة المعنية.

تشريعات دولية في حماية الأقليات:
-------------------
من أهم الصكوك في هذا الميدان هو العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي أعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966. وفي عام 1976 دخل هذا التشريع حيز التنفيذ وأصبحت له قوة القانون حيث صادق عليه 87 دولة (حتى عام 1987) ومنها دولة العراق. وتنص المادة 27 من هذا العهد على مايلي ( لايجوز، في الدول التي توجد فيها أقليات أثنية أو دينية أو لغوية، أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وأقامة شعائرهم أو إستخدام لغتهم، بالإشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعاتهم).

ففي كانون الأول من عام 1992 أعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها المرقم 47/134 الأعلان الخاصة بحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو دينية وإلى أقليات دينية ولغوية وهو من أهم القرارات الخاصة بحماية حقوق الأقليات.  ففي مادته الأولى جاء فيها (على الدول أن تقوم، كل في إقليمها، بحماية وجود الأقليات وهويتها القومية أو الأثنية، وهويتها الثقافية والدينية واللغوية، وبتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية). والحال نفسه في المادة الثانية – أولاً، التي تؤكد على حق الأقليات التمتمع بثقافتهم الخاصة، وإعلان وممارسة دينهم الخاص وإستخدام لغتهم، سراً وعلانية، وذلك بحرية ودون تدخل أو أي شكل من أشكال التمييز. وهذا الأعلان فرض على الدول المعنية إلتزامات في حماية حقوق الأقليات. ففي المادة الرابعة أكد على الدول إتخاذ التدابير اللازمة لضمان ممارسة الأقليات لجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية الخاصة بهم، ومنها الدينية، دون أي تمييز وبالمساواة التامة أمام القانون. لا بل أكدت هذه المادة أيضا على ضرورة إتخاذ الدول التدابير اللازمة لتهيئة الظروف الموأتية لتمكين الأشخاص المنتمين إلى أقليات من التعبير عن خصائصهم ومن تطوير ثقافتهم ولغتهم ودينهم وتقاليدهم وعاداتهم... أما في المادة الثامنة فقد أكدت على ضرورة وفاء الدول بإلتزاماتها الدولية فيما يتعلق بالأشخاص المنتمين إلى أقليات، وعلى الدول بصفة خاصة أن تفي بحسن نية بالإلتزامات والتعهدات التي أخذتها على عاتقها بموجب المعاهدات والإتفاقات الدولية التي هي أطراف فيها.
على العموم يمكن التأكيد بأن على أي شخص أو مجموعة أشخاص أو أقلية قومية أو دينية لهم الحق وفق هذه التشريعات تقديم شكوى إلى الهيائات الدولية في حال تعرض حقوقهم إلى الإنتهاكات وفق هذه المواثيق الدولية. وهناك مجموعة من الإجراءات أعتمدتها الأمم المتحدة التي تُمكن الأشخاص والأقليات من اللجوء إليها لتقديم شكواهم، ونذكر أهمها: 

الإجراءات المتعلقة بالشكاوي:
-----------------
أي شخص في العالم يستطيع أن ينبه الأمم المتحدة بمشكلة أو خرق لحقوق الإنسان. فهناك وفي كل سنة يقدم الألاف من الأشخاص شكاوى بهذا الشأن إلى الأمم المتحدة . فاللجان الأممية العاملة في هذا الحقل أستلمت خلال الفترة من 1972 لغاية 1988أكثر من 350,000 شكوى عن خروقات حقوق الإنسان و حقوق الأقليات القومية ومن المؤكد بأن هذه الشكاوى إزدادت في السنوات الأخير وبشكل مذهل.  ولكن ما هي إجراءات تقديم هذه الشكاوى؟. لقد أتاحت الأمم المتحدة إجراءات سرية يمكن أن يستخدمها أفراد الأقليات الذين يرون أن حقوقهم وحرياتهم الأساسية تعرضت للإنتهاك ونشرت هذه الأجراءات في الصحيفة الدورية للأمم المتحدة برقم (7) وتحت عنوان "الإجراءات الخاصة بالرسائل" أو "الإجراءات الخاصة بالشكاوي" وأهم هذه الإجراءات هي:

1 - الإجراء رقم 1503 المتعلق بالنمط الثابت في الإنتهاكات:
وضع هذا الإجراء بموجب القرار رقم 1503 للمجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع للأمم المتحدة، وتتلقى اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات بموجبه البلاغات التي تكشف عن حالات تمس عدداً كبيراً من الناس.
2 – إجراء البروتوكول الإختياري:
هذا الإجراء مقرر بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المشار إليه في أعلاه حيث يجوز للأفراد الذين يدعون أن الدولة أنتهكت حقوقهم تقديم شكواهم إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة للنظر في شكواهم.
 وهنا أرى من الضروري أن نميز بين الإجرائين أعلاه، فالأول محكوم بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ويتعامل مع حالة أو وضع قائم منتهك لمواثيق منع التمييز وحماية حقوق الأقليات. أما الثاني فيتعامل بشكوى الشخص الذي أنتهكت حقوقه من قبل الدولة. كما إن الإجراء الأول ينطبق على جميع الدول من دون إستثناء. أما الإجراء الثاني فينطبق على الدول التي ألزمت نفسها بمصادقتها على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ومنها العراق.   

وحتى تكون الشكاوى مقبولة من الجهات الأممية، فأن اللجنة الفرعية الخاصة بمنع التمييز وحماية الأقليات وضعت قواعد خاصة بهذا الشأن، ومنها: أولاً: أن لا تكون الشكوى متضارية مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة أو الأعلان العالمي لحقوق الإنسان أو بقية المعاهدات والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان. ثانياً: يجب أن يكون للشكوى أسباب وأرضية معقولة ولها مصداقية. ثالثا: الشكوى تكون مقبولة عندما تأتي من أشخاص، أفراد أو مجموعات، الذين يدعون بأنهم ضحايا خرق حقوق الإنسان. كما يمكن أن تكون مقبولة إذا قدمت من أشخاص أو مجموعة أشخاص الذين لهم معرفة وإطلاع وبشكل مباشر عن خرق حقوق الإنسان. وعندما تقدم الشكوى من قبل منظمة غير حكومة فأن ذلك يجب أن يكون بنوايا صادقة وطبقاً لمبادئ حقوق الإنسان المعترف بها دوليا ولها أيضا إثباتات معتمدة ومقبولة عن هذه الخروقات. رابعاً: يجب أن تكون الشكوى مقدمة في أول الأمر إلى الجهات الداخلية الوطنية المعنية وأذا لم تجد حل لها حينذاك ينظر في الشكوى من قبل اللجنة الفرعية الأممية بعد بيان بأن إجراءات الجهات الوطنية، أي الدولة، في معالجة الشكوى لم تكن فعالة أو أن معالجتها مددت لفترات طويلة وغير معقولة. خامساً: وأخيراً ولي آخراً، أن يكون مقدم الشكوى، سواء أكان فرداً أم مجموعة أم منظمة، مواطن الدولة التي أنتهكت حقوقهم المشروعة أو توكل أحد الإختصاصين في هذا المجال لتقديم الشكوى نيابة عنهم.
على العموم في حالة وجود خرق لمبادئ حقوق الإنسان ومنع التمييز وحماية الأقليات يمكن تقديم الشكوى إلى العنوان التالي:

Centre of Human Rights
United Nations Office at Geneva
1211 Geneva 10, Switzerland.

من كل ما تقدم وطبقاً للتشريعات الدولية أعلاه فأنه يحق لغبطة مار لويس روفائيل ساكو بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالم أن يقدم شكواه بخصوص مشكلة أسلمة الأطفال غير المسلمين إلى الجهات المعنية في الأمم المتحدة سواء بصفته الفردية أو بصفته الرئيس الأعلى للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، ومن المؤكد بأن مثل هذه الشكوى سيكون لها وقعاً مؤثراً فيما إذا حصلت على دعم جهات معنية بحقوق الإنسان وعلى إسناد من الفاتيكان أو المجمع العالمي للكنائس أو من مجمع كنائس الشرق الأوسط أو من الكنائس الأخرى في المنطقة. وهذا الأمر الذي يتطلبه دعم وإسناد وتحضير وتوليف وتقنين من قبل المختصين في مثل هذه القوانين والتشريعات... فهذا حق شرعي لغبطة البطريرك ولجميع المسيحيين في العراق ومنظماتهم، حق أقرته القوانين والتشريعات الدولية التي تلتزم بها الدول المتحضرة، ولكن ... ولكن هل فعلاً يمكن إعتبار العراق دولة متحضرة حتى تلتزم بهذه التشريعات؟؟؟ شخصياً أشك في ذلك وهناك الكثير من القرائن والحقائق على أرض العراق تشكل عوامل حاسمة في نقل هذا الشك إلى الأمر اليقين ويجعل من العراق دولة غير متحضرة.   


161
سؤال: لماذا نطالب بإستقالة "ممثلي" شعبنا من  البرلمان والهياكل والحكومية في العراق؟؟
الجواب: حتى لا يتهم سركون لازار وغيره من أبناء شعبنا بالفساد ويدخل السجن

=======================================================
أبرم شبيرا

أستغرب إستغراباً شديداً يصل في بعض الأحيان إلى حالة من الذهول الشديد والهذيان الفكري عندما أرى بعض من أبناء شعبنا المسيحي - الكلداني السرياني الآشوري وبالأخص السياسيين منهم الذين من المفترض أن يكونوا في قمة الوعي السياسي والقومي يتفاجئون عندما يتحرك شيطان الفساد واللصوصية ويبدأ العمل سواء بسيوفه البتارة أو بقوانينه العفة بحق أبناء أمتنا. لقد سبق وذكرنا مقولة فكرية تقول بأن الإنسان الواعي يكون متحصناً من المفاجأت ومتهيء لتجنب أو التقليل من نتائجها المؤلمة. ألا يعي "ممثلي" شعبنا في الهياكل البرلمانية والحكومية في العراق الفساد المستشري في أروقة البرلمان والحكومة وفي عقول رجال الحكم والسياسة وأن المسيطرين على مقدرات البلاد هم لصوص من الدرجة الممتازة وفاسدين حتى النخاع؟؟ ألا يعرفون بأن البرلمان والحكومة هما أوكار لهؤلاء اللصوص والفاسدين وعبدة الدولار؟؟؟ نعم .. والله نعمة الوكيل... يعرفون حق المعرفة بطبيعة هؤلاء اللصوص والفاسدين وهذا ما يصرحون به علناً وليل نهار ولكن لماذا ... ثم لماذا يشاركونهم ويجلسون معهم في أوكارهم اللصوصية وهم يعرفون الطبيعة الإجرامية والعقلية الفاسدة لهؤلاء؟؟. يقال من عاشر قوماً أربعين يوماً صار منهم. ونحن بدورنا نقول من عاشر اللصوص وعاش معهم في أوكارهم صار منهم مع إعتذاري الشديد لـ "ممثلي" أمتنا المشاركين في هياكل الدولة العراقية على هذا التشبيه الذي ليس له نهائيا وبشكل مطلق أية غاية تصب في الإهانة الشخصية لهم بل أن التشبيه هو في سياق بيان مدى خطورة هذه المشاركة على أمتنا لأن حتى وإن كانوا كملائكة أبرياء من المفاسد والسرقات فأن هذه المشاركة لا محال ستلصق بهم صفات اللصوص والفاسدين.

هذه الحالة تنطبق على السيد سركون لازار وزير البيئة السابق ومن المؤكد ستنطبق على غيره من المشاركين مع اللصوص والفاسدين فيما إذا أستجدت ظروف أخرى وشحذ هؤلاء اللصوص والفاسدين أنيابهم لإلتهام أبناء أمتنا والسعي للحط من كرامتهم وسمعتهم النزيهة المعروفة في تاريخ العراق الحديث خاصة عندما تنكشف طبيعتهم الفاسدة ويحاولون إيجاد كبش فداء لتغطية سرقاتهم وجرائمهم. أصدرت محكمة جنايات النزاهة في الرصافة حكماً وجاهياً بالحبس الشديد لمدة سنتين بحق وزير البيئة الأسبق سركون لازار صليوه عن تهم فساد وهنا نحن لسنا بصدد تبرئة السيد سركون من التهم الموجهة إليه فهذه من مهماته الخاصة والجهة التي ينتمي إليها وهي الحركة الديموقراطية الآشورية، ولكن من حقنا أن نقول بأن السيد سركون بريء وليست براءته عندنا مستندة على وثائق ومستندات وشهادات تثبت براءته بل أن أساس براءته قائمة على طبيعة الجهة التي أصدرت قرار الإدانة وهي محكمة جنايات "النزاهة" في الرصافة برئاسة القاضي جمعة الساعدي... يا لها من نزاهة !!! ويا له من قاضي !!! أليست هذه المحكمة جزء من النظام الفاسد والمتعقف في العراق؟؟؟ إذن كيف ستكون نزيهة وتصدر قرارات نزيهة بحق الناس... المشكلة في العراق الكل فاسد، أي الأفراد بشكل عام، مع إستثناء قليل جداً لايحسب له أي حساب أو تأثير بين العدد الهائل من السراق واللصوص والفاسدين، وأيضا نظام الحكم هو فاسد بكل مؤسساته التنفيذية والتشريعية والقضائية. وقمة فساد هذه المحكمة وقاضيها هو التغاضي عن اللصوص الكبار والفاسدين المتعفنين وتركهم يمرحون ويسرحون في داخل العراق وخارجه بحرام المليارات المسروقة من قوت الشعب العراقي. أين عدالة هذه المحكمة ونزاهتها وهي تغطي على جرائم أباطرة الفساد والنهب والسرقات بقرار سخيف لا أساس قانوني له... أن قرار المحكمة صدر بحق السيد سركون لازار لأنه مسيحي وليس له عصابات وميليشيات وسراق المليارات، كما قال بهذا المعنى أحد الإعلاميين العراقيين الشجعان في أحدى القنوات الفضائية، فلو كان له "ظهر" من هؤلاء "الشكولات" لما تجرأ القاضي بأصدار قراره الفاسد لأنه يعرف حق المعرفة لو صدر قرار بحق أحد أباطرة الفساد والمال الحرام فإن نتائجه ستكون وخيمة وستكون نهايته محتملة إما بتفخيخ سيارته وتفجيرها أو إمطاره بوابل من رصاص مليشيات اللصوص والفاسدين لهذا يعرف حق المعرفة بأن السيد سركون والجهة والأمة التي ينتمي إليها ليس من خصالها ولا شيمها مثل هذه الأساليب الإجرامية.... وبإختصار أقول عندما تصدر ذميمة من فاسد بحق شخص فهذا ليس إلا نزاهة لهذا الشخص وسطر مشرف في سجله الشخصي والجهة التي ينتمي إليها... فالفاسد لا يصدر قرارات إلا  قرارات فاسدة. وقرار إدانة السيد سركون هو فاسد بكل معنى الكلمة وليس له أساس قانوني وأخلاقي لأنه صدر من جهة تعبتر جزء من النظام الفاسد ككل. ونأمل أن نجد ذرة نزاهة في محكمة التمييز عند الطعن فيه.

كل هذا يجب أن يفهم بأن هذا ليس دفاعاً عن شخص سركون لازار، فبراءته وإدانته أمر آخر ليس لنا شأنا فيهما في هذا السياق، فالكثير من القراء يعرف حق المعرفة بأننا أنتقدنا إنتقاداً بناءاً للجهة التي ينتمي إليها وإلى بعض من قادتها على الأخطاء التي أرتكبوها وعلى مشاركتهم في نظام الفساد واللصوصية، وهو أمر طبيعي. ولكن هذا الأمر جاء من ضمن سياق رفض الفساد واللصوصية المستشرية في رجال الحكم في العراق ورفضنا رفضا قاطعاً أستخدام أحد أبناء أمتنا، يكون من يكون، ككبش فداء لتغطية جرائم اللصوص والفاسدين (يرون القشة في عيون أبناء أمتنا ولا يرون النخلة في عيون السراق واللصوص). أن السيد سركون، بغنى عن شخصه وتصرفاته، هو أحد قيادي الحركة الديموقراطية الآشورية،  وهذه الأخيرة هي من الأحزاب الرئيسية الفاعلة على ساحتنا القومية والوطنية وأستطاعت خلال عدة عقود من الزمن أن تطفو على السطح السياسي لتمثل جانب من جوانب أبناء أمتنا، ولا أحد يستطيع أن ينكر دور (زوعا) في إنماء الوعي القومي وتعميمه لا بل وتعميقه بين أبناء شعبنا بحيث سمع من لم يكن بسامع من غير أبناء أمتنا وحركاتهم السياسية بأن هناك شعب له مطامح مشروعة. من هذا المنطلق نقول ونؤكد بأن تداعيات قرار الفساد بحق السيد سركون لازار لا يترتب عليه شخصياً بل على الحركة التي ينتمي إليها بشكل مباشر وعلى أمتنا بشكل غير مباشر لتعطي نتيجة مفادها بأن هنا في المسيحيين فاسدين وسراق أيضاً حالهم كحال غيرهم من الفاسدين والحرامية. من هذا المنطلق يستوجب إدانة قرار المحكمة ليس دفاعاً عن شخص سركون ولا عن زوعا بل عن أمتنا، هكذا يجب أن يفهم البعض الذين يهلهلون ويرقصون بدخول السيد سركون السجن و ينظروا إلى المسألة من زاوية ضيقة تحزبية شخصية مقيتة لأن الإساءة هي لهم بإدانة السيد سركون فيما إذا فعلا أعتبروا أنفسهم أبناء هذه الأمة.

ولم يبقى في الأخير إلا أن أشير إلى موضوعين:
الأول: هل يعرف قاضي المحكمة بأن سجل المسيحيين في العراق أنصع السجلات من حيث الإخلاص والنزاهة والتفاني من أجل تربة العراق، ليس على مستوى دولة العراق وإنما على مستوى معظم الدول العربية... فالتاريخ العراقي، على الأقل منذ تأسيس كيانه السياسي عام 1920 لم يسجل أية سرقات للمال العام أو تصرفات فاسدة أو خيانة في سجل المسيحيين في العراق فهذا أمر مشهود به من قبل شرفاء العراق. فجاء قرار محكمة جنايات النزاهة في الرصافة الفاسد كمحاولا إفساد هذا السجل الناصع لأن هذه المحكمة وغيرها من الهياكل الحكومية الفاسدة لا "يستهظمون" أو يتقبلون مثل هذه السجلات الناصعة لكونها تكشف عورتهم وفسادهم وسرقاتهم.

الثاني: الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) التي ينتمي إلى قيادتها السيد سركون، أكدنا في السابق مراراً وتكراراً عن دورها الفاعل والنشط على الساحة القومية والوطنية ولكن هذا لم يمنعنا من توجيه النقد البناء إليها وإلى قادتها. هناك أمر يتعلق بشرعية زوعا في هذا التقييم. وبإختصار نقول: هناك عدة مصادر للشرعية وما يهمنا هنا نذكر الشرعية الثورية والشرعية القانونية أو الرسمية. تكتسب الحركات القومية والأحزاب السياسية شرعيتها الثورية من نضالها المستمر ضد الطغيان والإستبداد وتقديم الشهداء على ساحة النضال، فتلتف الجماهير حولها وتساندها أو تتعاطف معها وهذا ينطبق على زوعا في مرحلة النضال السلبي منذ تأسيسها وحتى بداية التسعينيات من القرن الماضي وأكثر تحديداً حتى عام 2003. أما الشرعية القانونية أو الرسمية فهي تأتي من خلال فوز الحزب أو الحركة في إنتخابات رسمية برلمانية أو تعيينات حكومية التي تجري بعد زوال النظام المستبد والظالم الذي كان الحزب أو الحركة يقاومها. فزوعا أكتسبت شرعيتها القانونية من خلال فوزها في الإنتخابات العامة البرلمانية وتعيينات وزارية أو حكومية أخرى. وتكون الشرعية القانونية للأحزاب في كثير من الأحيان مستمدة أو مستندة على شرعيتها الثورية وتأييد الجماهير لها ولكن مع هذا هناك أحزاب لا تأتي شرعيتها القانونية من الشرعية الثورية بل من مصادر أخرى كالمال والتحالف مع الأحزاب الكبيرة والفاعلة لأنها تفتقر إلى الشرعية الثورية بسبب إفتقارها إلى مرحلة النضال السلبي ومقاومة النظام المستبد وهي الأحزاب التي في معظمها تأسست أو ظهرت أو نشطت بعد سقوط النظام الإستبدادي، وهو الحال الذي ينطبق على بعض من أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية التي تأسست بعد سقوط نظام البعث عام 2003.

ولكن من المؤسف له القول بأن زوعا بمشاركتها في نظام الحكم الفاسد والمتعف في العراق بدأت تدريجياً تفقد شرعيتها القانونية ويتقلص تأييد الجماهير لها وبالتالي تقلص عدد الكراسي البرلمانية التي كانت تحوز عليها في السابق وهذا وبشكل فاعل وقوي يؤثر على شرعيتها الثورية وتبدأ الجماهير بالنظر إلى هذه الشرعية من خلال الشرعية القانونية المتدنية ومن ثم الشروع بنسيان نضالها السابق وتضحياتها. والأكثر من هذا قد تصبح الكراسي والمناصب التي توفرها الشرعية القانونية للحركة سبباً لكي يدب الخلاف والإنشقاق فيها مما يزيد من تضائل شرعيتها. من هذا المنطلق كنًا في السابق وكذلك في الوقت القريب وحتى هذه اللحظة طالبنا ممثلي أحزابنا ومنهم زوعا بترك كراسيهم في البرلمان والحكومة وأجهزتها، أي التخلي عن الشرعية القانونية التي أصبحت فاسدة بفساد نظام الحكم في العراق والركون إلى الشرعية الثورية وإعادة ترتيبها بالشكل الذي يؤمن تقاربها مع الجماهير والإلتصاق بها أكثر من الإلتصاق بالكراسي والمناصب وبالتالي سيكون تحقيق ذرة من مصالح أمتنا أكثر نفعاً ونزاهة من تحقيقها عبر نظام فاسد ومتعفن. والدليل على ذلك أن ما حققته زوعا عبر نضالها قبل عام 2003 (التعليم السرياني قمة هذه الإنجازات) أكثر بكثير مما حققته بعد عام 2003، أن كان هناك ما تحقق فعلاً لصالح أمتنا. وما يؤكد مسألة إستقالة "ممثلي" أمتنا من البرلمان والمناصب الحكومية بأنها ليست مطلباً شخصيا أو فرديا، فالمتابع للإستفتاء التي تجريه موقع عنكاوة الألكتروني حالياً بخصوص إستقالة ممثلي شعبنا من البرلمان والهيئات الحكومية يؤكد بأن مثل هذا المطلب أصبح جماهيرياً حيث حتى تاريخ هذا اليوم 09/11/2015 هناك ما يقارب ثلاثة أرباع المصوتين يؤيدون الإستقالة ومثل هذا الإستفتاء والنسبة يمكن الركون إليها لأنها تأتي من موقع ألكتروني جماهيري وواسع الإنتشار ويصلح ليكون معياراً لمعرفة حقيقة هذا الأمر. ومثل هذا المطلب أيضا ينطبق على ممثلي المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري وعلى ممثل قائمة الوركاء الديموقراطية. ففي الغد صوت أبناء شعبنا لصالح هؤلاء واليوم يطالبونهم بالإستقالة، فالمطلب بإتجاهين، صعودا ونزولا، هو جماهيري لا غبار عليه. واليوم أحسن من الغد حيث من الممكن أن يكون قانون البطاقة الوطنية المتعفن والفاسد قد يتماشى ويتفاعل مع مسألة القرار المتعفن والفاسد بحق السيد سركون لازار ويعطي زخماً جماهيرياً قوياً ومؤيداً وتبريرا منطقياً لمسألة الإستقالة... قلنا في السابق ونقول مرة أخرى... خسرنا كل شيء... أرضنا مستقبلنا وأيضا حياة الكثير من أبناء أمتنا فلا أعتقد سوف نخسر أكثر من هذا عندما يستقيل "ممثلي" أمتنا من البرلمان والهيئات الحكومية.               



162
بين مذبحة كنيسة سيدة النجاة و قانون البطاقة الوطنية حلقات مترابطة لسلسلة فولاذية
=================================================


أبرم شبيرا

قبل بضعة أيام مرت الذكرى الخامسة لمذبحة سيدة النجاة  في بغداد. وقبل يومين صادق ما يسمى بالبرلمان العراقي على قانون البطاقة الطائفية... أقصد الوطنية. وبين الحادثين حلقات متعددة من سلسلة من الفولاذ المتزنجر مترابطة وبأحكام وأن أختلفت شكل ونوعية وأسلوب كل حلقة من هذه الحلقات القذرة، سواء أكانت بالسيف والقنابل والذبح أو كانت بتشريع قوانين إستبدادية، إلا أنها جميعها وبدون إستثناء تهدف إلى هدف واحد لاغيره وهو القضاء على الوجود المسيحي في العراق، ومن لا يستطيع ملاحظة وملامسة هذه الحلقات فهو أقل ما يقال عنه بأنه أعمى إن لم نقل بأنه خائن من الدرجة الأولى وحتى النخاع. أتحدى وبقوة وصلابة كل من يتجرأ من أبناء شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين وغيرهم أن ينبري نحو الأمام وأمام الملئ ويقول بأن النظام في العراق نظام ديموقراطي. طبعاً لا يتجراً أحد في هذا القول لأن الجميع ليس الخيريين من العراقيين فحسب وإنما في العالم كله يعرف بأن النظام في العراق هو نظام فاسد وطائفي وطاغي بحق الآخر المختلف. فإذا كان الأمر هكذا، أي نظام العراق هو طائفي وإستبدادي، إذن لماذا نشارك بممثلين عن شعبنا في هياكله البرلمانية والحكومة؟ ألا تعطي لنا مشاركتنا مع الطائفيين والإستبداديين المتربعين على عرش العراق صفة الرضى والقبول عن هذا النظام. كيف نستيطع أن نقنع الرأي العام العالمي ويسمع صرخاتنا ويشعر بمعاناة ومأساة شعبنا المطرود من أرضه ونطلب حمايته وممثلي أمتنا جالسون بجانب الإستبداديين والظالمين وتحت سقف واحد؟ أن وجود ممثلي أمتنا في الهياكل البرلمانية والحكومية  يظهر كأنه ديكور يستفيد منه الظالمون والمستبدون القابعون على كراسي البرلمان والحكومة ليظهروا للعالم بأن النظام في العراق تعددي وديموقراطي. ولكن  عندما يستقيل ممثلي شعبنا من الهياكل البرلمانية والحكومية سوف يسحبون البساط من تحت أقدام الظالمين والإستبدادين وحينذاك سيكون إحتمال بروز تساؤل لدى الرأي العام العالمي عن سبب إستقالتهم ومن ثم تظهر موجبات لتوفير الحماية الدولية لأمتنا في الوطن. لقد سبق وتطرقنا عن هذا الموضوع مرات ومرات عديدة ولكن "لمن تتلوا مازميرك يا داود؟؟!!.

في السابق قُلنا والآن نؤكد القول مرة أخرى بأن الإنسان الواعي والمتسلح بالوعي العلمي والموضوعي سواء أكان مثقفاً أو سياسياً يكون متحصناً ضد المفاجئات الصادمة، وهنا يهمني أمر أبناء أمتنا خاصة السياسيين منهم. ولكن من المؤسف أن نرى بأنه كلما صدمتنا أحدى هذه الحلقات الإستبدادية يتفاجئ الجميع وتحديداً السياسيون والمفكريون والكتاب من أبناء شعبنا فتبدأ الإحتجاجات والإستنكارات والمعارك الهوائية والورقية ضد الظلم والإستبداد والإنسحابات الإحتجاجية من الهياكل البرلمانية والحكومية والتي كلها ليست إلا فقاعات هوائية لا تأثير وقوة لها أمام سطوة التطرف الإسلامي. إذا كان الأمر هكذا إذن لا حل أمامنا في مواجهة هذه الحلقات الإستبدادية المتواصلة للقضاء على وجودنا في الوطن إلا بإستخدام سلاح الإستقالة من هذه الهياكل البرلمانية والحكومية. نحن خاسرون كل شيء، فقد جردنا الإستبداد والتطرف من الأرض والمال والحلال والمستقبل فلم يبقى لنا شيء ولا أعتقد أن الإستقالة ستكون خسارة لأمتنا وأكثر أهمية من خسارة الأرض والمستقبل وضياع بيت الأباء والإجداد. أن الذي لا يملك أي شيء وخسر أعز الأشياء عنده فلماذا يخاف من نتائج خطوة أخرى إلى الأمام طالما ليس لديه ما يخسره. هل يتجرأ ممثلي شعبنا في الهياكل البرلمانية والحكومية أن يستقيلوا وثبتوا بأن ما يقال عنهم عن كونهم المستفيدين الوحيدين من جلوسهم على الكراسي بأنه قول غير صحيح؟. لقد أظهرت كل الحقائق والوقائع منذ عام 2003 بأننا كمسيحيين أول وأكثر الخاسرين في الوطن وكل الدلائل والمؤشرات المستقبلية تؤكد تأكيداً قاطعاً بأن الإستبداد والظلم بحق أمتنا في تصاعد مستمر وجالس على كف عفريت من دون رقابة أو وازع إخلاقي وسياسي وقانوني، إذن فما الذي ننتظر منه ونحن جالسون بجانب جلادي أبناء امتنا نتفرج ونحتج ونلعن والعفريت ماضي في ظلمه وطغيانه وغيه. ماالذي جنى شعبنا في أرض الوطن من البيانات الإستنكارية والمؤتمرات الإحتجاجية وغيرها عندما أستشهد المطران فرج رحو ودمرت كنيسة سيدة النجاة والتغيير الديموغرافية لقرانا في شمال الوطن جارياً على قدم وساق غير المزيد والمزيد من هذه السياسات الإستبدادية والمظالم بحق شعبنا. سئمنا وأمتلئت آذاننا من أخبار صدور بيانات إستنكارية ومؤتمرات إحتجابية التي أصبحت مضحكة ومثيرة للسخرية للسطات الإستبداية الحاكمة في العراق وأصبحت كالضحك على ذقون أبناء شعبنا المكتوي بنيران هذه المظالم.

  إلى متى نظل نستنكر ونحتج على المذابح التي ترتكب بحق أمتنا، أليست كافية الدماء الطاهرة التي أزهقت في كنيستنا "سيدة النجاة" لكي نترك كراسي الدماء والجريمة في العراق ونبرئ أنفسنا من المشاركة في هذه الجريمة، ودماء شهدائنا لازالت تفور على أرض الكنيسة والمنطقة المحيطة بها. لنترك مهزلة اللعبة السياسية التي نشارك فيها في الوقت الذي يذبح أبناء أمتنا المسالمين لأننا نحن الخاسرين وهم، سواء أكان الأرهابيون الذين نفذوا مذبحة سيدة النجاة أم حكومة الشبح والقوى المسيطرة على مقدرات العراق، هم الرابحون أولاً وأخيرا. واليوم صورة مذبحة كنيسة سيدة النجاة تظهر في قانون الهوية الوطنية و بأسلوب وبشكل آخر ولكن بنفس الهدف ومن دون تغيير. يقول البعض بأن هذا ليس حلاً لوضع حد لهذه المأساة والمذابح... هذا صحيح، ولكن أقولها صراحة بأنه لم يعد هناك حلا لمأساتنا في العراق طالما هناك من سيطر على مقدرات العراق لا يؤمن بالإختلاف المشروع ولا يقر حقاً للغير والمختلف فلماذا نجلس مع هذا الذي لا يعترف بنًا فهذا هو أقل الإيمان وأفضل بكثير من المشاركة مع الملطغين أياديهم بدماء شهداءنا؟؟. والبعض الآخر يقول أنه خير لنا أن نكون في البرلمان والحكومة من أن نكون في خارجهما فلعل قد يستطيع ممثلينا من التأثير على أعضاء البرلمان وتحقيق جزء من مطالبنا المشروعة؟؟؟ لا أدري أذا كان ممكناً أعتبار مثل هذا الإعتقاد نكتة او مزحة أو تبرير لبقاء من هو في البرلمان أو الحكومة من أبناء أمتنا؟؟؟ وحتى ندحض مثل هذا الإعتقاد وأنه خاطئ نشير إلى جلسة مجلس النواب العراقي الذي صوت على قانون الهوية الوطنية حيث ساند 51 عضو برلماني طلب ممثلي أمتنا الخمسة في البرلمان لإلغاء ما هو مجحف بحق أمتنا ولكن لم يحقق أي نتيجة بسبب تصويت 137 عضو برلماني على أبقاء النصوص المجحفة بحق أمتنا فكيف يستطيع 5 أعضاء من مقاومة أعضاء الظلم والإستبداد المهيمنين على البرلمان؟.

إن إستقالة ممثلي أمتنا من البرلمان والهيئات الحكومية سيترك أثراً على المستوى الداخلي والخارجي ويثير الرأي العام العالمي وتصبح قضيتنا أكثر إثارة وإهتماما وكذلك تصبح دماء شهدائنا أكثر إشراقاً وزكاءا وسنبرئ أنفسنا من المشاركة في العملية الطائفية القذرة التي تتحكم في الأمور وتضع الحدود والسدود بين أبناء شعب العراق الذي هو في التحليل الأولي والآخير ضحية هذه الممارسات ونحن بأعتبارنا الحقلة الأضعف بين أبناء هذا الشعب فأن المصائب والويلات تأتينا من كل صوب وجهة... من كل طائفة أو حزب أو منظمة إرهابية في العراق وتهدد وجودنا في الوطن.
يا ممثلي أمتنا في البرلمان والهيئات الحكومية نناشدكم مرة أخرى ونحن نعرفكم جيداً ونعرف تضحياتكم ونضالكم ومعاناتكم من أجل هذه الأمة، فكروا في هذا النداء وأنا يقين بأن إستقالتكم من دوائر الخدر والظلم في العراق سوف يزيدكم إحتراماً وتقديراً لدى أبناء أمتنا في الداخل والخارج ... يا بطاركة ومطارنة وكافة رجال كنائسنا الإجلاء... نحن نعرفكم حق المعرفة في تضحياتكم في سبيل رعيتكم ومعاناتكم الشديدة من أجل بقاء وصمود الكنيسة في العراق ولكن كفانا أن ندير الخد الآخر لكي تصفعنا أيادي الجريمة والخدر. إن الكنائس المسيحية في الغرب لم تبنى على "صخرة بطرس" بل على دولة قوية هي الضامن الحقيقي والفعلي لبقاء وإستمرار الكنيسة. إن الدعوات المرسلة من كنائس الغرب وبالأخص الفاتيكان، ونحن نحترق بنيران الإرهابين وتدعو بالصمود والتحلي بالصبر والإيمان لم تعد تفي بالغرض الإساسي في إيقاف جرائم الإرهابين بحق أبناء كنائسنا في العراق. فاليوم كالغد تماماً. فإذا كان السيف هو أداة أسلمت شعبنا في العراق فإن اليوم بما يسمى "القانون" هو أداة تحقيق هذا الهدف في إزالة وجود المسيحيين في العراق. قلنا في مقال سابق عن كنيسة المشرق بأن البيان الختامي للسينودس من أجل مسيحيي الشرق الذي أنعقد في الفاتيكان قبل بضعة سنوات كان مخيب للإمال فلم يكن بقادر على صد أو منع الفعل الإجرامي للإرهابين بحق أبناء أمتنا فلم تمضي أيام معدودة على البيان الختامي حتى أرتكبت أبشع جريمة في العراق في كنيستنا سيدة النجاة. لقد تفتت صخرة بطرس ولغرض إعادة تجميعها حتى تبنى عليها الكنيسة التي لا يقوى عليها شياطين الجحيم نحتاج إلى بنائين ماهرين لا  إلى  إستنكارات لا تجدي نفعاً ولا تصبح فعلاً.

في السابق عندما كتبنا عن موضوع الإستقالة كأسلوب لرفض الظلم والإستبداد زعل البعض من أبناء شعبنا  وأتهمنا نحن القابعون في المهجر من دس أنوفنا في مسائل بعيدة عنا بألاف الأميال، ولكن نقول لهؤلاء نحن أبناء هذه الأمة أينما تواجدنا ولنا ضمائر حية لا نستطيع أن نسكت عن المظالم التي يتعرض لها أخوتنا في أرض الوطن ويجب أن نعمل سواء بالكتابة أو أي نشاط آخر للتأثير والضغط على القابعين على السلطة السياسية في العراق وأن نقترح أو نحاول الإرشاد من موقعنا الخاص لـ "ممثلي" أمتنا ونحن نعرفهم معرفة جيدة سواء بسبب علاقاتنا الشخصية معهم أو بمستوى كفاءتهم السياسية والفكرية ولعل قد يستفيدون من هذه المقترحات والأراء وبالنتيجة قد تستقيم جهودهم وعلى الطريق الصحيح في خدمة شبعبنا في الوطن. لأن لنا ضمير حي، ولدنا وترعرنا وكبرنا في أرض الوطن وعانينا الكثير من مثل هذه المظالم، فأن الواجب يطلب منا أن نشارك أبناء أمتنا في الوطن ولو حتى بالقليل من الكتابة وزيارتهم ولو مرة واحدة في السنة والتفاعل مع أمانيهم والتحسس بمعاناتهم وبشكل م

163
نكتة كردية في يوم عظيم:
--------------

115 بطريرك كنيسة المشرق الآشورية كانوا كورد؟؟!!
===================================
بطريرك جديد وحدث تاريخي:
-----------------
قبل كل شيء والأهم من كل شيء والأعظم من كل شيء في التاريخ المعاصر للآشوريين والمسيحيين وفي كنيسة المشرق الآشورية وفي إقليم كردستان أيضا هو إنتخاب غبطة المطرابوليت مار كوركيس صليوا كبطريرك إلـ (121) لكنيسة المشرق الآشورية في أربيل من قبل أعضاء المجمع السنهادوسي المقدس للكنيسة. وكل هذه الأهمية والعظمة لهذا الحدث التاريخي تأتي من سيامة قداسته في أربيل عاصمة إقليم كردستان، المدينة المقدسة التي كانت قبل قرون عديدة مقراً للإلهة الأربعة عند الآشوريين القدماء لذلك كانت تسمى أربائيلوا – أي الآلهة الأربعة ومنها جاء أسم مدينة أربيل، وكانت أيضا من زمن بعيد مركزاً لكرسي بطريرك كنيسة المشرق وبهذه السيامة تعود مرة أخرى لتصبح مركزاً للكرسي البطريركي في القرن الواحد والعشرين. لقد سبق وأن بينًا في مقال سابق وتحت عنوان (سوابق تاريخية في كنيسة المشرق الآشورية) عن الأسباب التي تجعل هذا الحدث سبقا تاريخياً. أنظر الرابط :
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,792566.0.html   

لا أحد يستطيع أن ينكر أي من كان آشورياً أم غيره، مسيحياً أم غيره بأن مراسيم تنصيب غبطته كبطريرك في يوم الأحد المصادف 27 أيلول 2015 في كنيسة مار يوحنا المعمذان في عنكاوه كانت من العظمة والأبهة والمعبرة عن قيم وتراث هذه الكنيسة العظيمة مثيرة في نفوس الجميع سواء الحاضرين منهم للمراسيم أم الذين شاهدوها عبر شاشات وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي العديدة خاصة إجراءات وحركات وممارسات وقراءات للتراتيل والصلوات من قبل أحبار الكنيسة ألـ (13) مع عدد كبير من القساوسة والشمامسة أثناء عملية تكريس قداسته على كرسي البطريركية. وتأتي عظمة وأثارة هذه المراسيم في كونها لأول مرة في تاريخ الآشوريين وأبناء كنيسة المشرق يشاهدون وبشكل مباشر ومنذ عقود طويل مثل هذه الإجراءات في رسامة بطريرك جديد للكنيسة ومن ثم ترأسه للقداس وتقديم القربان المقدس للحاضرين. ولا أحد يستطيع أن ينكر أيضا بأن حضور العديد من المسؤولين الرسميين والحزبيين والدبلوماسيين وعلى رأسهم عناية السيد نجرفان بارزاني رئيس مجلس وزراء إقليم كردستان لها أهمية أضافت عظمة وأثارة أخرى لهذا الحدث التاريخي في كنيسة المشرق الآشورية وفي إقليم كردستان. وفي تصريح للسيد نيجرفان بارزاني بعد إنتهاء المراسيم وصف عودة كنيسة المشرق الآشورية إلى العراق وكردستان بأنه "يوم تاريخي"، وقال: إن "كردستان مكان للتعايش السلمي بين كافة الأديان والأطياف، خرجت هذه الكنيسة من العراق منذ 80 عاما، وهاهي تعود إلى أربيل، وهو حدث يشكل بحد ذاته أهمية كبيرة بالنسبة لنا في الإقليم".

 وما زاد من عظمة وأبهة وفخامة هذه المراسيم هو حضور عدد من بطاركة كنيسة المشرق ومطارنتها، منهم قداسة مار إغناطوس أفرام الثاني بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وغبطة مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وغبطة المطران سمير مظلوم المعاون البطريركي للكنيسة المارونية وأيضا ممثل عن قداسة البابا وعدد من ممثلي مختلف الكنائس والطوائف. ولم يكن ينقص هذه الصورة الجماعية الجميلة إلا غياب قداسة مار أدي الثاني بطريريك الكنيسة الشرقية القديمة أو من ينوب عنه ليترك غيابه العديد من علامات الإستفسار المقلقة لأبناء الكنيستين، فرسالة التهنئة المرسلة من قبل قداسته إلى قداسة البطريرك الجديد لم يكن لها أي فاعلية لسد النقص الظاهر في هذه الصورة الجميلة.

بشائر العظمة والأبهة لهذه المراسيم المقدسة للبطريرك الجديد لم تنتهي لا بل إزدانت بزيارة سيادة مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان لقداسة البطريرك مار كوركيس الثالث صليوا وأعضاء المجمع السنهادوسي المقدس في مقرهم في مبنى كنيسة مار يوحنا المعمذان في عنكاوه في اليوم التالي للمراسيم لتهنئته، حيث تبادلا الأحاديث وبحثا في مسائل عديدة تخص كنيسة المشرق الآشورية بشكل خاص والمسيحيين بشكل عام وقد أشاد سيادة رئيس الإقليم بالدور الكبير الذي لعبه المسيحيون في إقليم كردستان وعظم أيضا دور الشهداء المسيحيين في ثورة أيلول. ويظهر من خلال تصريح سيادته لوسائل الإعلام بأن موضوع إكمال بناية البطريركية في عنكاوه قد تم مناقشته والوصول إلى قرار لإكمالها وهذا ما أكده قداسة البطريرك مار كوركيس الثالث صليوا عندما ذكر لوسائل الإعلام بأن موضوع إكمال بناية البطريركية يمكن أعتباره منتهياً. الحقيقة تقال بأن ما قام به الشعب الكوردي وقيادته وعلى رأسها سيادة مسعود بارزاني ورئيس مجلس الوزراء السيد نيجرفان بارزاني وغيرهم من المسؤولين في تسهيل مهمة إنتخاب وسيامة البطريرك الجديد وتوفير كل المستلزمات المطلوبة لذلك كان عظيماً وأكثر من المتوقع وعليه فأن الكرة الآن هي في ساحة أحبار كنيسة المشرق الآشورية لرد الجميل بالتي هي أحسن. 





نكتة كردية ووسائل الإعلام:
-----------------
في مثل هذا الحدث التاريخي لم يكن يمر من دون أن تعج الكنيسة وساحتها يوم تنصيب البطريرك الجديد بالعشرات من الصحفيين والمحررين والمراسلين لوسائل الإعلام المختلفة وللقنوات الفضائية التي نقلت الحدث وبشكل مباشر مؤكدين عظمة وأهمية سيامة بطريرك جديد لكنيسة المشرق الآشورية وعودة الكرسي البطريركي إلى موطنه التاريخي. حيث عبر معظمها عن الأهمية القصوى لهذا الحدث في هذه الأيام العصيبة وغطت تفاصيل مراسيم أجراء تنصيب البطريرك الجديد ونقلها البعض وبشكل مباشر وحي عبر الشاشات الفضائية. غير أنه كما يقال بأن لكل قطيع غروف أسود يشذ عن المجموع ويظهر كأنه مختلف عن الآخرين ويسكل سلوكاً لا يتوافق مع الحدث. هكذا ظهر في التقرير الإخباري المباشر من ساحة كنيسة مار يوحنا المعمذان للسيد هيفدار أحمد مراسل قناة رووداو الفضائية الكردية التي تبث من أربيل عاصمة إقليم كردستان حيث ذكر (بأن بطريرك الكنيسة الشرقية الآشورية يتم إنتخابه من قبل مجمع المطارنة وعددم 15 شخصاً وعن طريق التصويت وهي أول كنيسة في العالم تأسست عام 92 الميلادي بالقرب من بغداد ومن مجموع 121 بطريرك لهذه الكنيسة هناك 115 بطريرك هم من كورد) هذه ترجمة غير رسمية للنص الكردي للفقرة الذي ورد في التقرير وأكدته مذيعة قناة روودار الفضائية ونشر في موقعها الألكتروني:
پەترییاکی کەنیسەی رۆژهەڵانی ئاشووریەکانە لە رێگەی ئەنجوومەنی مەترانەوە کە ژمارەی 15 کەس دەبێ، بەدەنگدان هەڵدەبژێردرێ. یەکەم کەنیسە لە دنیا ساڵی 92 میلادی لە نزیک بەغدا دروستکراوە و لەکۆی 121 پاتریارکی ئەو کەنیسەیە نزیکەی 115 پاتریارک کورد بوونە.
نص التصريح منشور على موقع القناة الفضائية
http://rudaw.net/sorani/kurdistan/27092015

ليس لنا تعليق على هذا التقرير غير أن نقول، ونحن بصدد السوابق التاريخية التي سجلتها كنيسة المشرق الآشورية عند إنتخاب وتنصيب مار كوركيس الثالث صليوا كبطريرك لهذه الكنيسة، بأن السيد هيفدار أحمد قد سجل سابقة تاريخية أيضا في تحريف وجهل بتاريخ هذه الكنيسة العظيمة التي كُتب عنها ألاف الكتب والمجلات والبحوث ومن المؤسف لم يصل ولا واحد منها إلى يد السيد هيفدار ليغني معلوماته عن هذه الكنيسة ببعض الحقائق البسيطة ومنها أصل البطاركة الذين تسنموا كرسي البطريريكة. فتاريخ هذه الكنيسة سواء الذي كتبه الآشوريون وأتباع الكنيسة أم غيرهم وما أكثرها، لم تشر إطلاقاً إلى وجود بطريرك واحد من أصل كوردي فكيف توصل وأثبت وبث السيد هيفدار عبر قناته الفضائية إلى وجود 115 بطريرك كوردي في هذه الكنيسة؟؟ تاريخ هذه الكنيسة يؤكد وجود بطريرك واحد من أصل مغولي وهو البطريرك يهبالا الثالث (1281 – 1317) وقد تم إختياره أثناء إجتياز المغول لبلاد الرافدين والسيطرة عليها لكونه يجيد لغتهم ويستطيع التفاهم معهم. وقد يكون هناك عدد آخر قليل من البطاركة ومن أصول فارسية أو إغريقية أو عربية ولكن ذابت هذه الأصول في حضارة وثقافة مؤمني كنيسة المشرق ولم يعد التاريخ يُرجع أصولهم إلى هذه الأمم.

صحيح هو أن بعد أن وصلت رسالة ربنا يسوع المسيح له المجد إلى مدينة أورهي شمال بلاد ما بين النهرين (حاليا أورفه في تركيا) عن طريق الرسل مار توما ومار أدي ومار ماري ثم بدأ التبشير وبشكل واسع من قبل مبشري الكنيسة من مدينة أربيل نحو الجنوب فتأسس في القرن الأول الميلادي أول كرسي بطريركي في مدينة ساليق قطيسفون عاصمة الفرس الأكاسرة، حالياً المدائن بحدود 35 كم جنوب بغداد، وأستمر الكرسي البطريركي فيها حتى منتصف القرن التاسع الميلادي ثم أنتقل إلى عاصمة الدولة العباسية بغداد وبقى فيها حتى غزو المغول لمدينة بغداد في القرن الثالث عشر فلجاً البطريرك إلى المناطق الشمالية لبلاد النهرين فبدأ بالترحال والتنقل من مدينة مراغة (بلاد فارس) وأربيل وكرمليس وموصل وألقوش وقوجانس وهكذا إلى أن نفي من بغداد في الربع الأول من القرن الماضي إلى بلدان الإغتراب: قبرص، بريطانيا ثم الولايات المتحدة، واليوم عاد الكرسي مرة أخرى إلى موطنه الأصلي. فمن الملاحظ تاريخياً بأنه عندما وصل الدين المسيحي إلى المناطق الشمالية وشعوبها الآرية ومنهم الكورد التي كانت تعتنق الديانة الزاردشتية لم تلتف إلى هذه الدين الجديد ولم يثير أهتمامها لا بل كان غريباً عنهم ولم تفهم مغزاه لذلك لم تنتشر المسيحية بينهم ولم تححق نجاجاً كبيراً فيهم فبقوا كشعوب وأمم وحكام ودول وأمبراطوريات محافظين على عقيدتهم الزرادشتية حتى مجئ الإسلام، وهذا ما أكده المؤرخ الكوردي الكبير محمد زكي أمين في كتابه الموسوعي "تاريخ الكورد وكردستان" المطبوع في القاهرة عام 1931, ولا أدري كيف يمكن أن يكون 115 بطريرك كردي من بين 121 بطريرك والشعب الكوردي لم يكن مسيحياً. ألم يتسائل السيد هيفدار من الذي أنتخب هؤلاء البطاركة 115 وفي أي زمن كان؟؟؟ أفهل كان الكورد مسيحيون حتى يكون البطاركة كورد بهذا العدد الكبير ونحن نعرف بأن الزرادشتية كانت ديانة غالبية الشعب الكوردي وعرف عنهم بتمسكهم الشديد بها حتى مجئ الإسلام وظلوا متمسكين بديانتهم الجديدة ومدافعين عنها ومضحين في سبيلها وظهر بينهم أبطال بارزين أمثال صلاح الدين الأيوبي.

على العموم مهما كانت طبيعة هذا التقرير القائم على الجهل بتاريخ هذه الكنيسة فأن مثل هذا الأمر لا يعكر من عظمة الحدث ولا يقلل بشئ من أهميته التاريخية الذي جاء ليؤكد طبيعة العلاقة الطيبة والتفاهم الإيجابي القائم بين الآشوريين خاصة والمسيحيين عامة مع الكورد والسلطات الرسمية والحزبية فيها. ففي الأجواء الآمنة والهامش الديموقراطي السائد في إقليم كردستان يمارس الآشوريون حقوقهم القومية والدينية والتي هي، وبكل صدق وأمانة، موضوع حسد وغيره من غيرهم من الشعوب في دول الجوار وبلدان الشرق الأوسط. لا أدري إذا كنت مخطئاً في القول بأنني شاهدت لأول مرة في التاريخ والحاضر المعاصر رئيس وكبار المسؤولين الرسميين والحزبيين وهم مسلمون ملتزمون بكل إمان بدينهم الإسلامي يحضرون مراسيم تنصيب بطريرك مسيحي ويزورونه للتهئنة؟؟؟ على أن الذي أريد قوله هو أن مثل هذا التقرير للسيد هيفدار لم يشكل أي تأثير إطلاقاً على الوضع القائم بين الآشوريين والمسيحيين والكورد في الإقليم وإنما ما أخشاه هو تناقل خبر هذا التقرير بين الآشوريين في بلدان المهجر والبعض منهم هم من المتصدين في المياه العكرة (نحمد الله هم قلة قليلة جدا) فيستغلونه لفتح بعض صحفات التاريخ الأسود الذي سطره مير بدرخان وإسماعيل أغا (سمكو) ويقارنوه بالسياسات الإستبدادية لنظام البعث المقبور في حملته المشؤومة في إعادة كتابة التاريخ وفي تعريب الآشوريين. ولكن من المؤكد بأن مثل هذه الأفكار والتصورات سوف تصدم بالجدران الصلدة التي أكدها هذا الحدث التاريخي والذي كان أطرافه كنيسة المشرق الآشورية وبكل أحبارها وكهنتها ومؤمنيها من جهة والشعب الكوردي والمسؤوليين الحكوميين والحزبين في إقليم كردستان من جهة أخرى. أنا شخصياً من جانبي، رغم معرفتي القليلة بتاريخ كنيسة المشرق الآشورية وببطاركتها، فأن مثل هذا التقرير لا أعتبره إلا نكتة كردية... لا بل نكنة بايخة!!.         


         

164
في ضوء أنتخاب البطريرك الجديد:
---------------------
سوابق تاريخية في كنيسة المشرق الآشورية
============================
أبرم شبيرا
السابقة التاريخية:
-----------
السابقة التاريخية، هو حدثُ يحدثُ في مجتمع معين ولأول مرة في تاريخه، أو يظهر كأنه يحدث لأول مرة بعد أن مضى عليه زمن طويلاً وطواه النسيان  ولم يسجل في صفحات التاريخ أو تلاشى من ذاكرة المجتمع أو فقد تأثيره بفعل تقادم الزمن عليه. وفي كنيسة المشرق سوابق تاريخية سجلت منعطفاً في مسيرة هذه الكنيسة الرسولية طيلة عمرها المديد فالبعض منها أصبح منطلقا مبدئياً إيمانياً للكنيسة في مسيرتها وتاريخها وتراثها فدخل الكثير منها في معتقد الكنيسة وأصبح جزء من ليتروجيتها، هكذا قيل بأن في إيمان كنيسة المشرق الآشورية الكثير من الممارسات التراثية التاريخية وحتى القومية فتطبعت بها وأصبحت جزء من هويتها الإيمانية والمؤسساتية. فبعد سنوات أن لم تكن قرون طويلة تعود كنيسة المشرق الآشورية لتسجل جملة سوابق تاريخية عند إنعقاد المجمع المقدس الإستثنائي في أربيل  للفترة من 17 -  18 أيلول 2015 بهدف إنتخاب بطريرك جديد للكنيسة بعد رحيل مثلث الرحمات البطريرك مار دنخا الرابع إلى الأزمان السرمدية.

من يشتهي كرسي البطريركية؟
-----------------
في زمن الماضي وفي الوقت الذي كان سيف الظلم والإستبداد يفعل فعله في رقاب أبناء كنيسة المشرق ويضعها على حافة الدمار والفناء شغر كرسي البطريرك ولم يكن يتجرأ أحد أن يتولى مسؤولية إدارة الكنيسة. وعندما طلب من أحد الأساقفة تولي كرسي البطريركية قال كلمته الشهيرة "من يشتهي كرسي البطريركية". واليوم وبعد قرون طويلة تعود إلى أذهاننا هذه المقولة وسيف الظلم والإستبداد يعود ليفعل فعله في تشريد وقتل وإختطاف أبناء الكنيسة ليخلق ظروف صعبة وماحقة تجعل من مسألة إدارة دفة الكنيسة نحو الأمان والإستقرار أمراً  صعب للغاية أن لم نكن متشائمين ونقول أنه أمراً مستحيلاً. ولكن كما تعلمنا من التاريخ فإن مثل هذه الظروف الصعبة والماحقة هي التي تدفع الشجان والأبطال نحو الظهور والتطلع نحو الأمام رغم درايتهم بالمسؤولية المهمة والخطيرة التي ستلقى على عاتقهم والمخاطر التي ستكتنف مهمتهم. وقد تجلى جانب من هذه الصفات في أعضاء المجمع المقدس للكنيسة المجتمعين في أربيل وظهرت في رغبتهم الجامحة والإصرار على حضور جميع المطارنة والأساقفة من بقاع مختلفة من العالم، من إستراليا شرقاً مروراً بالهند وإيران والعراق وسورياً فأوربا حتى أميركا غرباً لكي يلتأم شملهم في المجمع المقدس ومن ثم إنتخاب بطريرك جديد للكنيسة. وقد يتهمني البعض بالمجاملة والمديح والتملق ولكن للحقيقة أقول بأنه منذ سنوات مضت كان هناك همس ووشوشة، خاصة عند المتصيدين في المياه العكرة وضعفاء النفوس والإيمان، عندما خيم على أجواء الكنيسة غمامة سوداء وأربك عقول بعض من أبناءها فقيل في حينها بأنه إذا رحل البطريرك مار دنخا الرابع إلى جوار ربه فأن الخلاف سيشب بين مطارنة وأساقفة الكنيسة ويحتدم الصراع بينهم من أجل الكرسي والسلطة عندئذ لا محال من إنشقاق آخر في الكنيسة. ولكن ظهر بأن هذه الغمامة لم تكن إلا سحابة صيف إنقشعت وفقاعة هوائية أنفجرت عندما ألتأم شمل جميع مطارنة وأساقفة الكنيسة في مجمع مقدس متضامنين ومصرين على المضي قدماً لإنتخاب بطريرك جديد للكنيسة كوتد أساسي للخيمة التي سيتظلل تحتها جميع أبناء الكنيسة. وقد تجلى هذا التضامن وبكل وضوح وأمام الملئ أثناء المؤتمر الصحفي للمجمع بعد ختامه وإنتخاب البطريرك الجديد معبرين عن وحدة الكنيسة وصلابة مواقفهم في السير نحو الأمام والإتفقاق على إختيار الأصلح لهذا الكرسي ولهذه الظروف. فجاء إنتخاب المطربوليت مار كوكيس صليوا كبطريرك للكنيسة تعبيراً عن هذا التضامن.

البطريرك الجديد ومقر كرسي البطريركية:
-----------------------
قد يكون لأول مرة يعلن أحبار الكنيسة الشروط الواجب توفرها في المرشح للكرسي البطريركية وأعلانه للملئ عبر الصحافة ووسائل الإتصال.  ومن دون شك كان شرط إنتخاب المرشح  للكرسي  في إعادة مقر البطريركية إلى موطنه الأصلي في بلاد مابين النهرين له دلالات كنسية تاريخية وتراثية ومعنوية تعكس مدى إرتباط الكنيسة بأرض الوطن وإلتصاقها بأبناءها بعد غياب طويل دام قرون طويلة ليكون رأس الكنيسة بالقرب من أبناءه معايناً الظروف الحياتية الصعبة التي يمرون بها في هذه الأيام ليسجل بذلك سابقة تاريخية في تاريخ الكنيسة خاصة عندما أختار أحبار الكنيسة أربيل مكاناً لمجمعهم ومن ثم لتكون مقراً للبطريركية بعد أن كانت، قبل المسيحية وبعدها مدينة المقدسة، لا بل كانت مهداً للبدايات الأولى لإنتشار المسيحية في بلاد آشور. وهنا أتذكر المثلث الرحمات قداسة مار دنخا الرابع في وصفه وبيانه لأسباب تسمية الكنيسة بـ "الآشورية" حينما كان يقول بأن الكنيسة، كنيسة المشرق، بدأت من آشور وأنتشرت في أصقاع العالم الشرقي ثم بعد قرون طويلة عادة مرة أخرى إلى آشور.. وها هنا، بإنتقال مقر البطريريكة إلى قلب آشور، يتحقق الوصف وتثبت الأسباب.

للحقيقة وبكل موضوعية وبعيداً عن التحبب والمجاملة نقول بأن شرط نقل مقر البطريريكية من المهجر إلى العراق خاصة في هذه الظروف الصعبة والمميتة ليس، ولن يكن بالأمر، السهل وشعبنا أكثر من نصفه خارج الوطن والقسم الآخر في محطات الإنتظار نحو المجهول والباقون معرضين للتشريد والخطف والقتل. فمن يشتهي كرسي البطريركية ويدير أمور شعب يعاني معاناة مستمية غير المؤمن بكنيسته وبحبه لأبناءه، فكان إنتخاب غبطة المطربوليت مار كوركيس صليوا ليتولى مسؤولية هذا الكرسي المقدس قراراً صائباً وحكيماً بكل معنى الكلمة، ليس لأنه يحمل شهادة البكلوريوس في آداب اللغة الإنكليزية وكان مدرساً في أحدى المدارس العراقية ويجيد بطلاقة اللغتين العربية والإنكليزية وأنه واسع العلم والثقافة والفكر وعليماً بمكونات الشعب العراقي ومؤسساته الحكومية والمدنية ووثيق العلاقة مع الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية لشعبنا والأكثر من هذا فله علاقات وإجتماعات مستمرة مع أحبار بقية فروع كنيسة المشرق، ليس هذا فحسب بل لغبطته سوابق في تحمل مسؤولية الكنيسة في مثل هذه الظروف الصعبة. ففي عام 1981 أختاره المثلث الرحمات البطريرك مار دنخا الرابع ورسمه مطراناً للعراق (كان لي الشرف أن أكون حاضراً هناك في تلك الفترة) في الوقت الذي كانت نيران الحرب العراقية الإيرانية تتوهج، فترك غبطته الولايات المتحدة الأمريكية والعيش الرغيد والسلم والأمان فأرتحل إلى عراق الحرب والدمار  ليتولى المسؤولية التي أوكلت إليه ويعاني ما عاناه أبناء الكنيسة وجميع العراقين من أثار هذه الحرب المدمرة التي تلتها أيضا حروب أخرى وأستمرت حتى يومنا هذا وغبطته لم يبارح أبناء الكنيسة في العراق فظل قريباً منهم وسيظل أكثر قرباً خاصة بعد إنتخابه ليتولى مسؤولية كرسي البطريركية وينتقل مقره إلى أربيل. حقاً إن إنتقال رجل دين بمستوى مطران أو أسقف من المهجر إلى الوطن تشكل سابقة في التاريخ المعاصر لكنيسة المشرق الآشورية. وهنا يجب أن نذكر بأن إختيار غبطته كبطريرك وبمسمى "مار كوركيس الثالث صليوا" يأتي  من باب التأكيد على تواصل هذه الكنيسة ولقرون طويلة، حيث سبق غبطته الجاثيليق مار كوركيس الأول في القرن السابع الميلادي ثم البطريرك مار كوركيس الثاني في القرن التاسع الميلادي واليوم في القرن الحادي والعشرين الميلادي ونحن بصدد مار كوركيس الثالث.       

البطريرك الجديد وإنهيار النظام العشائري:
-----------------------
كل نظام وقيم وعادات وتقاليد وأعراف لها مكانها وزمانها فقد تصلح في زمان ومكان معينين ولا تصلح في زمان ومكان آخرين. المتابع للنظام الإجتماعي الذي كان قائماً في المجتمع الآشوري في منطقة حيكاري قبل الحرب الكونية الأولى كان نظاماً يقوم على وحدات إجتماعية متكونة من عدة عشائر بعضها مستقلة والبعض الآخر شبه مستقلة إو محسوبة كـ "رعية" حسب التصنيف العثماني في تلك الفترة، وكان البطريرك رئيساً كنسياً وقومياً أعلى لهذه الوحدات الإجتماعية. وهنا من الضروري أن نفرق بين العشائرية كنظام إجتماعي وبين النزعة العشائرية التي هي مرض إجتماعي ناتج من الخلل الذي يصب هذا النظام. وطبقاً لهذا النظام الإجتماعي كان يقوم تقسيم العمل الإجتماعي والديني والأدوار في المجتمع الآشوري. فكان كرسي البطريرك قاصراً على عشيرة معينة وبقى هكذا لأكثر من 500 عاماً ضمن عائلة أبونا الألقوشية وهكذا الحالة نفسه مع المطارنة والأساقفة، ليس هذا فحسب بل أيضا تقسيم العمل بجانبه العسكرية والحربي وحتى الإستشاري والفكري والتعليمي كان قائماً على أساس هذا النظام الإجتماعي، هذا موضوع طويل يستوجبه صفحات طويلة ولكن الذي أرغب في القول هو ان المثلث الرحمات البطريرك مار شمعون إيشاي (1920 – 1975) كان آخر بطريرك يقوم على أساس هذا النظام الإجتماعي الذي أنهار عقب الحرب الكونية الأولى وما أعقبه من مأساة وتشريد لأبناء الكنيسة. وعندما أختير المثلث الرحمات مار دنخا الرابع عام 1976 كبطريرك للكنيسة كانت تلك الفترة البداية الأولى للخروج من هذا النظام الإجتماعي، الذي لم يعد يصلح في مكان وزمان الثلث الأخير من القرن العشرين.  فإختياره لم يكن من ضمن نفس العائلة، حسب نظام ناطر كرسي الوراثي للبطريركية، بل من خارجها ولكن مع هذا بقى هذا الإختيار ضمن نفس الوحدات الإجتماعية شبه المستقلة أو المحسوبة كرعية.

واليوم يأتي إنتخاب غبطة المطربوليت مار كوركيس صليوا لكرسي البطريركية كتغيير كامل للنظام الإجتماعي السابق ومحو لكل تقسيمات المناصب والأدوار التي كانت سائدة في المجتمع الآشوري، فجاء هذا الإختيار من وحدة إجتماعية (عشيرة) تعتبر من العشائر المستقلة في تلك الفترة التي لم يكن لها إطلاقاً أية حصة أو منصب من المناصب الكنسية وطبعاً منها كرسي البطريرك. فهذا يشكل بحد ذاته نقلة نوعية في تطور كنيسة المشرق الآشورية التي من المؤكد ستعطي لها زخماً قوياً للسير نحو الأمام والتطور ومحاولة جريئة للموالمة بين الأصالة والمعاصرة وتشكل فعلاً وحقيقة سابقة فريدة من نوعها في تاريخ الكنيسة. وأطلب العذر من القارئ الكبير عن تجنب ذكر أسماء العشائر وتقسم المناصب والأدوار بينهما لأنها معروفة وبشكل جيد لمعظم القراء.

أحبار المجمع المقدس الإستثنائي:
-------------------
في زمن الماضي، زمن قمة إزدهار الكنيسة وتوسعها كان لها أكثر من 40 أسقفاً ومطراناً يحضرون المجاميع المقدسة للكنيسة، وعقب تقلص نفوذ الكنيسة ومؤمنيها نتيجة للمذابح التي أرتكبت بحق أبناءها طيلة قرون طويلة تقلص عدد الأساقفة والمطارنة في الكنيسة بحيث لم يكن يصل عددهم إلى بضعة من الأساقفة والمطارنة وجلهم في بلاد مابين النهرين وفي منطقته الشمالية العاصية خاصة بعد إجتياح تيمورلينك المغولي للبلاد في القرن الرابع عشر الميلادي والمذابح التي أرتكبت بحق المؤمنين ورجال الكنيسة وتواصلت هذه المذابح والتشريد خاصة أثناء الحرب الكونية الأولى وما بعدها. ففي العراق وقت إختيار مار شمعون إيشاي عام 1920 كبطريرك للكنيسة لم يكن لها غير مطرانين، أحدهما في العراق والآخر في الهند وأسقف في بغداد والآخر في شمال الوطن ولا أدري إذ كان أسقف آخر في سوريا، ثم بعد الإستقرار النسبي للكنيسة تم رسامة أساقفة جدد منهم لإيران والآخر للبنان ولأميركا وفي حينها لم نكن نسمع بإنعقاد وبشكل جدي مجاميع مقدسة للكنيسة وإن كانت تعقد فأنها لم تكن تعلن أو معروفة لأبناء الكنيسة حتى مجئ المثلث الرحمات مار دنخا الرابع كبطريرك للكنيسة  فكان من أولى مهماته في تطوير الكنيسة هو رسامة عدد من الأساقفة والمطارنة وإنعقاد مجاميع مقدسىة للكنيسة. واليوم هناك 3 مطارنة مع 11 أسقفاً هم من نتاج الجهود المضنية لقداسة البطريرك الراحل وفي عهده عقد عدة مجاميع كنيسة مهمة وكان قداسته هو المخطط والرامي لعقد المجمع المقدس في أربيل ولكن مشيئة ربنا الخالق في أن يكون إلى جانبه قد ترك هذه المهمة لبقية أحبار الكنيسة فأنعقد المجمع المقدس الإستثنائي بحضور جميع المطارنة الثلاثة والأساقفة الأحدى عشر ولأول مرة في تاريخ الكنيسة، وعلى الأقل خلال مائة سنة الماضية، ينعقد مثل هذا المجمع وبهذا العدد من المطارنة والأساقفة ليسجلوا بذلك سابقة تاريخية للكنيسة.

المؤتمر الصحفي للمجمع المقدس:
-------------------
 للحق أقول بأنني لأول مرة، على الأقل، في حياتي أن أرى كنيسة، لنقل كنيسة المشرق وبفروعها المعروفة، تنظم وتعقد مؤتمراً صحفياً بعد إنتهاء أعمال المجمع المقدس. وللحق أقول أيضا بأن إنعقاد المؤتمر الصحفي لأحبار الكنيسة بعد إنتهاء جلسات مجمعهم المقدس كانت بادرة عظيمة ورائعة ومؤثرة في نفوس أبناء الكنيسة وغيرهم ونحن نعرف بأن الكثير من أجتماعات الكنيسة وقراراتها تكون "سرية" ولا تعلن نتائجها بشكل مباشر وعلى الهواء. لا بل والأكثر من هذا كان المؤتمر الصحفي عظيماً ورائعاً عندما فتح باب الحوار للأسئلة والإجابة عليها ونحن نعرف أيضا بأن الكنيسة دائماً كانت تتجنب المواجهة مع الجمهور والدخول معه في نقاشات أو الأجابة على تساؤلاتهم. وكان غبطة مار ميلس زيا مطرابوليت أستراليا ونيوزلندا ولبنان أكثر من رائع في إدارة المؤتمر الصحفي والإجابات الواضحة والصريحة على الأسئلة المطروحة له وأعجبني جداً طرحه لفهم كنيسة المشرق الآشورية آلية تحقيق الوحدة بين فروع كنيسة المشرق على شكل مراحل طويلة من اللقاءات والمناقشات، وهي الموضوع الذي سنأتي إليه في مناسبة لاحقة، ولكن من المؤسف له كان تصريح غبطته في فشل محاولات الوحدة مع الكنيسة الشرقية القديمة محبط للجميع لا بل ومؤلم أيضا.  وللحق أقول مرة أخرى وبدون تردد بأنني شخصياً تأثرت بطريقة ظهور جميع المطارنة والأساقفة وهم بزيهم الكنسي التراثي وطريقة وقوفهم متراصين معبرين عن وحدة الكنيسة وصلابتها ولنا كل الأمل في أن تستمر هذه الصورة في دعم البطريرك الجديد.

بالله عليكم، يا قرائنا الأعزاء إلا يشكل الموتمر الصحفي لأحبار المجمع المقدس سابقة تاريخية فريدة من نوعها في تاريخ كنيسة المشرق الآشورية إن لم نقل في تاريخ فروع كنيسة المشرق أو في تاريخ بقية كنائس العالم.



وأخيرأً... ليس لنا ونحن أقل إيماناً أن نصلي ونتضرع لربنا المخلص يسوع المسيح له المجد أن يكلل رسامة غبطة مار كوركيس صيلوا كبطريرك للكنيسة ببركته ونعمته وأن يزخره بالقوة والصبر والأصرار في رفد الكنيسة بمزيد من التطور والسير نحو الأمام لتستمر وتتواصل الكنيسة على ما أرساه من سبقه من الأحبار والقدسين خاصة في هذه الظروف الصعبة. كما نشد أيدينا وبقوة على أيادي أحبار المجمع المقدس الإستثنائي على أصرارهم على إنعقاد المجمع في الوقت والزمان المحددين وإتخاذهم قرارات صائبة التي من المؤكد ستزيد من قوة الكنيسة وتواصلها نحو أماد أبعد.. والله يكون في عون الجميع.

 

لغبطته إهتمام كبير ومثير للإنتباه فله مكتبة عامرة بالكتب والمجلدات والمخطوطات النادرة.. وهذه صورة لزيارة إلى المطرانية في بغداد في حزيران عام 2003 ونحن نتطلع في بعض المخطوطات الكنسية النادرة جداً والتي تم إنقاذها من دير في شمال الوطن الذي حرقه نظام البعث في العراق... واليوم يستمر داعش الأكثر إجراماً ووحشية في تدمير وحرق المزيد من الكنائس والأديرة.


 

وأيضا للمطرانية في بغداد مطبعة ذات فعالية متميزة في طبع الكتب باللغات السريانية/الآشورية والعربية والإنكليزية والوثائق والتقاويم وأعادة طبع وترتيب العديد من المخطوطات القديمة. صورة لزيادة مطبعة المطرانية في بغداد في حزيران 2003.


مع غبطته في أحدى الصفوف المخصصة لتعليم الكومبيوتر في المطرانية في بغداد – حزيران 2003 ليدل على مدى إهتمام غبطته بأبناء الكنيسة.
 

لغبطته إهتمام كبير بالأثار والمتاحف والمأثورات الكنسية فقبل سنوات زار نصب (مسلة) كنيسة المشرق، المعروف ب المسلة النسطورية، في مقاطعة شين _ سي في منطقة سي – نفان - فو  في الصين وبعض الأديرة هناك. وفي تشرين الثاني عام 2011 زار غبطته مع عدد من الآشوريين المقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة أثار دير قديم لكنيسة المشرق (حوالي نهاية القرن السابع الميلادي) يعرف بدير الراهب يوحنان في جزيرة صر بني ياس في الخليج العربي جنوب مدينة أبو ظبي بحدود 250كم.





165
دفاعاً عن حقوق القوميتين الشقيقتين التركمانية والآشورية – بقلم جلال طالباني
==============================================
للتذكير ... والتساؤل
أبرم شبيرا
إفتتاحية جريدة الإتحاد:
-------------
في عام 1992 كتب الأستاذ جلال طالباني، رئيس حزب الإتحاد الوطني الكردستاني، ثم فيما بعد رئيس جمهورية العراق للفترة من 09/04/2005 لغاية 24/07/2014، مقالة إفتتاحية في جريدة الإتحاد، الصحيفة المركزية لحزب الإتحاد الوطني الكردستاني في عددها الصادر بتاريخ 19/كانون الأول/ 1992 تحت عنوان (دفاعا عن حقوق القوميتين الشقيقتين التركمانية والآشورية). وجدت هذه المقالة المهمة لمام جلال في أرشيفي القديم ووجدت في إعادة نشرها في هذا الأيام تذكيراً للمعنيين بها من الشعب الكوردي وبجميع أحزابهم السياسية لكونها مهمة وتتضمن معاني سياسية وفكرية مرتبطة بحاضر ومستقبل إقليم كردستان العراق وبمصير القوميات غير الكوردية...  ونظراً لأهمية الموضوع في سياق الزمن الحاضر نعيد نشره في أدناه دون أي تغيير، وذلك لغرض التذكير وطرح بعض التساؤلات ... والعبرة يفهمها القارئ اللبيب.

نص المقالة:
-------
يؤلمني كأي كردي تقدمي أن لا أرى الحقوق القومية الإدارية والثقافية للقوميتين الشقيقتين التركمانية والآشورية مجسدة ومصاغة في قوانين وأنظمة كردستانية ويؤسفني أن لا أرى مثلا مديريات خاصة تهتم بحقوقهم الثقافية والإدارية والقومية. فالقوميتان الشقيقتان للشعب الكردي، القومية الآشورية والقومية التركمانية تعيشان منذ قرون عديدة مع الشعب الكردي على أرض واحدة مشتركة وتقاسما الشعب الكردي الضراء والسراء فقد تعرضتا مع الشعب الكردي إلى مظالم الغزاة والطغاة في الماضي البعيد وإلى الفظائع العفلقية الشوفينية وجرائم الإنفالات وحملات التهجير والتشريد والتبعيث والتعريب القسرية وأختلطت دماء المناضلين الآشوريين والتركمان مع دماء أشقائهم المناضلين الكرد في ساحة الكفاح المشترك ضد الدكتاتورية ومن أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان. والآن قد تحرر حوالي نصف كردستان العراق من الدكتاتورية وأنتخب المجلس الوطني الكردستاني وتشكلت حكومة إقليم كردستان فما الذي يجب عمله لضمان تمتع أخوتنا وأشقائنا الآشوريين والتركمان بجميع حقوقهم القومية والإدارية والثقافية والإجتماعية وغيرها.

يقيناً أن ضمان المساواة التامة لجميع العائشين في كردستان وتحت ظل الحكومة الكردستانية الإقليمية عمل جيد ولكنه ليس كافياً أبداً. ويقيناً أن إشراك الأخوة الآشوريين في البرلمان والوزارة أمر جيد ولكنه ليس كافياً مطلقا. فعدا توفير الحريات الديموقراطية للأشقاء الآشوريين والتركمان وإعطائهم حريات العمل الحزبي والثقافي والسياسي والقومي يجب توفير الحقوق التالية لهم:
أولا:   إصدار قوانين ملزمة من المجلس الوطني الكردستاني لضمان جميع حقوقهم القومية والإدارية والثقافية وتحريم الإضطهاد والتمييز وتجريم الإعتداء على أراضيهم وأمورهم الخاصة ومعتقداتهم وألخ.
ثانيا:   تأسيس مديرية الثقافة التركمانية العامة وتأسيس مديرية الثقافة الآشورية العامة لضمان حقوقهم الثقافية وتدريس لغتهم وتاريخهم في المدارس.
ثالثا:   إعادة الفلاحين الآشوريين والتركمان إلى قراهم فوراً وإعادة أراضيهم لهم حالا وإستخدام قوة القانون والبوليس والبيشمركة لضمان ذلك دون تردد.
رابعاً:   إعتبار يوم أول نيسان عيداً قومياً لإشقائنا الآشوريين وإعتباره عطلة رسمية في كردستان.
خامساً:   ضمان الحقوق الدينية لإخوتنا المسيحيين عامة وضمان حرية العبادة وإحترام الأعيادة المسيحية وإعتبارها أعياداً رسمية وكذلك تقديم المساعادات الممكنة لإعادة تعميير الكنائس والمعابد الأخرى.
سادساً:   تعيين الموظفين الإداريين في النواحي والأقضية ذات الأكثرية التركمانية أو الآشورية من أخوتنا التركمان والآشوريين. وتعيين الموظفين التركمان والآشوريين في جميع الدوائر والمؤسسات لا حسب كفاءتهم ودرجاتهم فحسب بل وأيضا حسب ضمان حقوقهم الإدارية وتجاوزاً على المعمول به أحيانا ولصالحهم.
سابعاً:   يجب إحترام الممثلين المنتخبين للآشوريين وكذلك ممثلي الأحزاب التركمانية والتشاور معهم في التعيينات وكل ما يتعلق بحقوقهم القومية والإدارية والثقافية وألخ.

هذه هي بعض المطاليب العاجلة والعادلة لإشقائنا التركمان والآشوريين يجب على المجلس الوطني الكردستاني وعلى مجلس وزراء حكومة إقليم كردستان أن يقوما فوراً ببذل الجهود لضمانها وضمان تمتع أشقائنا بها.

إنني أكرر ماسبق لي بيانه وهو أن مصداقية الحركة التحريرية الكردية في تقدميتها وديموقراطيتها تتجسد في الموقف من أشقائنا التركمان والآشوريين ولا يجوز أبداً السماح بأي تباطؤ أو تلكؤ أو حتى إسترخاء في تجاهل الحقوق القومية والإدارية والثقافية وغيرها لإشقائنا الآشوريين والتركمان.

إنني أجدد وأكرر تضامن الإتحاد الوطني الكردستاني المطلق مع القوميتين الشقيقتين للشعب الكردي التركمانية والآشورية وأدعو جميع المخلصين من أبناء وبنات كردستان إلى الوقوف بحزم ووضوح معهما ولضمان تمتعهما بحقوقهما المشروعة في ظل كردستان المحررة وإلا لن يكون تحررنا ناجزاً ولن تكون ديموقراطيتنا حقيقية وكاملة ولن نكون أوفياء للمقولة الخالدة بأن شعبا يستعبد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً.

والسلام على من أتبع طريق النضال المتواصل لضمان حقوق أشقائنا الآشوريين والتركمان كاملة غير منقوصة في كردستان الفيدرالية الإقليمية... أنتهت.

للتذكير نقول:

-------
صحيح القول بأن ماذكره مام جلال في عام 1992 قد تحقق البعض منه خلال الأعوام اللاحقة. ولكن أعيد نشر هذه المقالة كما ذكرت لغرض تذكير السياسيين العراقيين عموماً ونحن نعرف بأن بعضهم  مصابون بضعف الذاكرة السياسية وأمل أن لا يكون الشعب الكوردي وخاصة بعض من قادته مصابين أو أنعدوا بهذه الداء الخطير، فبلاء هذا المرض يصيب الجميع الكورد والآشوريين والتركمان دون تمييز ونتذرع إلى الله أن يبعد الجميع عنه. ولكن مما يؤسف له بأن بعض المعنيين الكورد قد أصابهم هذا المرض الخطير في ضعف الذاكرة ونسيان تضحيات الآشوريين بدماءهم من أجل هذه التربة العزيزة على الجميع. نعم بعض من هؤلاء الذي أستطاعوا التغلغل وبأقنعة مختلفة إلى أروقة هيئات الحكم والبرلمان وبغفلة من قادة الكورد الطيبين يحاولون قضم الحقوق البسيطة التي يتمتع بها الآشوريون في الإقليم وهضمها كما كان يفعل الدكتاتوريون في تاريخ العراق المعاصر. أنسحبت الدكتورة الإستاذة منى يوخنا ياقو من لجنة إعداد دستور الإقليم رفضاً وإحتجاجاً على تصرف ومحاولة هؤلاء المصابون بمرض الزهايمر السياسي في قضم وبلع الحقوق التي مارسها الآشوريون في الإقليم منذ أكثر من عقدين من الزمن ورفضوا تثبيتها كمبادئ أساسية وجوهرية في دستور الإقليم لضمانها وبشكل معزز بمبادئ دستورية صعب المساس بها. للحق أقول بأنني لم أسمع طيلة حياتي بأن دولة شرعت حقوق مشروعة لفئة معينة ومارستها طيلة فترة طويلة ثم بعد فترة أو زمن معين تأتي بتشريع لتلغي هذه الحقوق. صحيح هناك أنظمة سياسية قد تمنح مثل هذه الحقوق وبعد فترة أو زمن قد تهملها ولا تطبق وتصبح بحكم الملغي ولكن لا تصدر تشريع بإلغاءها أو تجاهلها، كما كان الحال مع نظام البعث المقبور في العراق عندما منح الحقوق الثقافية والإدارية للأقليات التي لم يلغيها أبداً بل جعلها بحكم الميت. أوكد بأنه لو نجح هؤلاء المصابين بمرض الزهايمر السياسي في قضم وبلغ حقوق الآشوريين لدخلوا موسوعة غينس للأرقام القياسية أو أعتبرها البعض "نكتة" كردية. وحتى يثبتوا هؤلاء بأنهم غير مصابين بمرض ضعف الذاكر وأنني مخطئ في أتهامهم بهذا المرض الخطير عليهم النظر في موضوع تثبيت حقوق أمتنا في الدستور كضمان راسخ لممارستها عندما تصدر القوانين الخاصة بها.

ومن باب هذا التذكير نقول لكل المصابين بمرض الزهايمر السياسي في الإقليم: إذا جفت دماء الشهداء هرمز وماركريت ومار يوآلا وكييو وطليا وفرنسو وفرنسيس شابو وأبو نصير والمئات غيرهم على تربة الإقليم دفاعاً عن حريتها ومقاومة للظلم والإستبداد فأن هذه الدماء لن تجف في تاريخ المنطقة ولا في تاريخ الحركة القومية الكردية فإن جفت ونسيت فأن هذا لا يعني إلا نسيان ومحو جزء مهم ومثير وناصع من تاريخ هذا المنطقة العزيزة على الكورد وعلى الآشوريين الذين يؤمنون إيماناً لا نهاية لها بأنها آشور موطن أبائهم وأجدادهم يعتزون به إينما كانوا وفي كل الأوقات والأزمان.

للتساؤل نقول:
--------
تساؤل مهم ومثير يطرح نفسه عبر سنوات الفترة الزمنية التي تبدأ عام 1992، سنة كتابة المقالة أعلاه من قبل مام جلال، وحتى يومنا هذا في عام 2015، سنة كتابة هذه السطور. في عام 1992 كتب الإستاذ جلال طالباني عن حقوق القومية الآشورية مؤكداً تأكيداً قاطعاً من دون لبس وتردد على التسمية الآشورية حيث ذكرها 19 مرة في مقاله الإفتتاحي أعلاه،  والأهم من هذا أعتبرها كقومية لا كأقلية أو كمكون مسيحي كما هو سائد في هذه الأيام. لا بل فوق ذلك أكد تأكيدا مشددا على القومية الآشورية وجعل الأمر منه أن يفرق بين الحقوق القومية للآشوريين وحقوق المسيحيين واضعاً فاصلاً بين القومية والدين، أمر لا يتجرأ الكثير من السياسيين في العراق على مثل هذا التصريح لمثل هذا الفهم في الفرق بين الحقوق القومية للآشوريين والحقوق الدينية للمسيحيين.

أمر آخر مهم يثير التساول مصدره هو تأكيد مام جلال على التسمية الآشورية وهو في عام 1992، ولكن نحن في هذا العام 2015 هناك تأكيدات على أعتمادة تسمية قومية مركبة كـ "الكلدان السريان الآشوريين" كما جاء في مسودة دستور إقلم كردستان وعند معظم الأحزاب الرئيسية للكلدان والسريان والآشوريين... أفهل كان مام جلال يهدف من خلال تركيزه على التسمية الآشورية تهميش الكلدان وهضم حقوقهم كما يبرر ذلك في هذه الأيام بعض الأحزاب الكلدانية فشلهم على الساحة السياسية والجماهيرية وفي الإنتخابات العامة. أم كان مام جلال في تأكيده على التسمية الآشورية هو تضمين الكلدان والسريان ضمن هذه التسمية وأعتبارهم قومية واحدة وتسمية واحدة كما تزعم بعض الأحزاب الآشورية؟؟ أم أن إشارته إلى ضمان حقوق المسيحيين كان يقصد بهم الكلدان والسريان وكانت الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والكنيستين السريانيتين الأرثوذكسية والكاثوليكية خير ممثلين للكلدان والسريان في تلك الفترة؟؟ أم الحقيقة هي أنه في تلك الفترة لم تكن هناك أحزاب سياسية كلدانية ولا سريانية فكان على مام جلال أن يتعامل مع الواقع السياسي ويؤكد على القومية الآشورية التي كان يمثلها أحزاب سياسية على الساحة وبعضها، وأقصد الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا)، كانت عضواً في الجبهة الكردستانية ومشاركة في نشاطات المعارضة ضد النظام البعثي وحاصلة على أربعة كراسي برلمانية في برلمان الإقليم  وكرسي وزاري  في مجلس وزراء الإقليم. هذه المواضيع عميقة وحساسة وللبعض تسبب الدوران وضغط الدم نتيجة تهربهم من الواقع السياسي السائد في هذه الأيام وعدم قدرتهم الذهنية على تحملها، وقد تعرضنا إلى بعضها في السابق خاصة موضوع عدم تأسيس الكلدان للأحزاب السياسية القومية قبل عام 2003 فلا داعي لأعادة التذكير بها مرة أخرى تجنباً لإطالة الموضوع وتسهيل الأمر لبعض القراء الأعزاء الذين يرغبون قراءة المواضيع القصيرة فقط... الله يكون في عون الجميع. 
   

166
هل وعدت بريطانيا الآشوريين بكيان قومي مستقل ؟؟
------------------------------
أبرم شبيرا
مختصر في الديموقراطية والمصلحة القومية:
--------------------------
في الموضوع السابق عن (الديموقراطية في العقلية وليست على الأوراق) أثيرت بعض التساولات والإنتقادات اللطيفة والمحفزة للبحث والمراجعة والكتابة أكثر فأكثر، خاصة من صديق العمر المخضرم المهندس خوشابا سولاقا الذي يصاحبني ويلاحقني منذ أيام نشأتنا على الفكر القومي الآشوري الأصيل في أزقة منطقة تل محمد في نهاية الستينيات من القرن الماضي ومن ثم في النادي الثقافي الآثوري في بغداد وحتى يومنا هذا وعلى صفحات موقعنا الموقر عنكاوة دوت كوم خاصة عن موضوع الديموقراطية وكيفية فهمها وممارستها وبيان الإختلافات الكبيرة جداً بين المجتمعات المتقدمة سياسياً وإجتماعية وإقتصادياً وغيرها المتخلفة في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً الدول العربية ومنها العراق التي وردت في الموضوع السابق والتي يستوجبها بعض الزيادة والتفصيل.

الديموقراطية منهج للحياة، بل الأصح منهج لمارسة الحياة على مختلف الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والفكرية والثقافية وعلى كل مناحي حياة المجتمع. وعندما نتحدث عن المجتمع فهذا يعني مجتمع دولة أو بلد أو وطن معين، أي مجتمع إقليم معين وحكومة معينة ونظام سياسي لبلد معين. فالديموقراطية بالفكر والممارسة هي نظام داخلي لدولة لا علاقة لها بالنظام الدولي أو العلاقات الدولية. لهذا نرى بأن أعرق الدول الديموقراطية كبريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا كانت أكثر الدول إستعمارية ومضطهدة لشعوب والبلدان التي أستعمرتها وإستغلتها من إجل مصالحها الوطنية، فلا ديموقراطية في السياسية الخارجية والعلاقات الدولية. هل إحتكار حق الفيتو للدول الكبار الخمس، على سبيل المثال لا الحصر، في مجلس الأمن للأمم المتحدة هو أسلوب ديموقراطي أم حالة فرضها الواقع السياسي الدولي للدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وذلك لضمان الأمن والسلام الدوليين طبقاً لمصالحهم الخاصة؟ فعلى المستوى الدولي هناك أنظمة تحكمها مبادئ وتشريعات "إنسانية" كحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها والتحرر من الظلم والإستبداد والمساواة  بين الدول وغيرها من المفاهيم الإنسانية وهي في أغلب الأحيان توصيات تصدرها المنظمات الدولية والإقليمية لا يكون لها إلزام قانوني غير لبعض الدول المتحضرة في هذا العصر التي أقرت وصادقت عليها وألزمت نفسها بها بقانون داخلي كما هو الحال مع مجموعة الإتحاد الأوربي.

عندما تتقاطع المصالح الوطنية مع المبادئ الإنسانية والتشريعات أو التوصيات الدولية فأن الغلبة دائماً وأبداً هي للمصالح الوطنية وهذا ما أثبته التاريخ والحاضر. لهذا قيل بأن السياسة برمتها هي المصلحة. من هذا المنطلق نقول بأنه لا وجود للديموقراطية إطلاقاً في السياسية الدولية سواء من حيث المبدأ أو الممارسة وأن السياسة الخارجية هي إمتداد للسياسة الداخلية ولا يمكن إطلاقاً لصانع القرار السياسي أن يسلك سلوك منافي أو لا يتطابق مع المصلحة الوطنية. واليوم كما في الماضي، أمثلة كثيرة في هذا السياق. ففي الوقت الذي يتمشدق الكثير من الدول الكبرى ذات الأنظمة الديموقراطية بمبادئ حقوق الإنسان وحرية الشعوب في تقرير مصيرها نرى من جانب آخر، جانب مصلحتها الوطنية، تهين هذه الحقوق وتستبد الشعوب وتسحق حركاتها التحررية وهو السلوك الذي عرف بـ "الإزدواجية في السياسة". جاءت الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفاءها إلى العراق لإزاحة النظام الدكتاتوري وإحلال محله نظام ديموقراطي ولكن طبقاً لمصالحها الوطنية خلقت الفتنة وعدم الإستقرار وبلاد بلا جيش ولا حدود. ففي الوقت الذي تحارب الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الديموقراطية أنظمة الحكم الفردي والدكتاتوري والعنصري نرى من جانب آخر تدعم وتتحالف مع أنظمة أخرى ذات نظام فردي ودكتاتوري وعنصري لأن مصالحها الوطنية تقضي بذلك. فالأمثلة في زمن الماضي والحاضر كثيرة في هذا السياق ومعروفة للقارئ اللبيب ولا داعي لسردها. من هذا المنطلق سوف نعرف كيف تعاملت بريطانيا، معقل الديموقراطية والحرية، مع القضية الآشورية في الربع الأول من القرن الماضي.

وعود بريطانيا للآشوريين ... كيف نفهمها؟
------------------------
الأدب السياسي العراقي إبتداءا من الثلث الأول من القرن الماضي فصاعداً حول المسألة الآشورية التي طغت على السطح السياسي في تلك المرحلة مليء بالكتب والدراسة والبحوث والتقارير تؤكد أعطاء بريطانيا وعود للآشوريين بتاسيس كيان قومي مستقل لهم. ولو حاولنا البحث في الخلفيات الفكرية لهذه البحوث والكتب نرى بأن في معظمها جاءت لتضيف أضافات أخرى من التهم الموجهة إلى الآشوريين مثل الخيانة والتعاون مع الأجنبي والإرتماء في أحضان الإستعمار البريطاني وتعريض الوطن إلى المخاطرة وتهديد أمنه وسلامته وعن طريق محاولاتهم تأسيس دولة آشورية لهم في شمال العراق وبمساعدة بريطانيا. ومن الملاحظ أيضا بأن بعض الكتاب والمثقفين الآشوريين ينحون نفس المنحى في الآشارة إلى هذه الوعود البريطانية وعن كيفية نكوث بريطانية عنها وخيانتها للآشوريين وتركهم بدون حول ولا قوة بعد تأسيس دولة العراق وذلك بهدف رش الحبر في وجه بريطانيا وإلقاء لوم الفشل، كل الفشل، عليها من دون إلقاء اللوم، ولو القليل منه، على الآشوريون وقيادتهم.

لا شك فيه أن بريطانيا أعطت لبعض قادة الآشوريين في تلك الفترة وعود بضمان حقوقهم أو أقامة كيان قومي لهم أو أعادة الآشوريين الحيكاريين إلى موطنهم الأصلي في حيكاري وأشهر هذه الوعود هو الوعد الذي أعطاه الكابتن غريسي من المخابرات البريطانية في نهاية عام 1917 إلى القادة الآشوريين في إجتماع مع غيره من ممثلي الدول الأجنبية كروسيا وفرنسا. وهناك العديد مثل هذا الوعد صدرت من شخصيات بريطانية حكومية وكنسية ذكر الكثير منها في كتاب (مأساة الآشوريين – The Assyrian Tragedy) صدر في عام 1934 رغم أن أسم المؤلف مجهول إلا أنه من المؤكد هو البطريرك الراحل مار إيشاي شمعون، وجميعها تنحو نفس المنحى الذي ذهب إليه الكابتن غريسي. وعندما نتمعن النظر في هذه الوعود ونحللها من الناحية القانونية نرى بأن جميعها صدرت من شخصيات لم تكن فعلاً قانونياً ولا رسمياً مخولة بإعطاء مثل هذه الوعود كما أنها كانت في معظمها شفهية غير مكتوبة وموقعة من قبل الطرفين ومختومة بالختم الرسمي لهما كما هو معتاد في المواثيق الدولية. هذا ناهيك عن الشخصيات التي وعدت بهذه الوعود والنوايا الخفية والحقيقية التي أعطيت من أجلها. فالشخصيات السياسية، مثل الكابتن غريسي وهو رجل مخابراتي يعمل في ظروف حرجة وغير مستقرة يسودها الحرب والعدواة بين شعوب المنطقة وما يتطلبه من تحالفات وتوازنات بين القوى المتحاربة سوف تكون أساليب عمله مثل أساليب عمل أي رجل مخابراتي قائمة على المناورة والتملق والإغراءات وحتى الخداع والحيل والكذب ووعود فارغة غير ملزمة من أجل كسب حلفاء إلى جانبه وإخلاله بموازين القوى لصالحه خاصة لدولة مثل بريطانيا في تلك الفترة وفي تلك المنطقة، شمال شرقي أيران وجنوب شرقي تركيا، التي كانت ساحة حرب جديدة لبريطانيا تسعى أن تكون اللاعب الأساسي فيها لتحقيق مصلحتها الوطنية الخاصة التي كانت الهدف الرئيسي أو الغاية الأساسية لغريسي وغيره من أعطاء مثل هذه الوعود الفارغة ولم يكن هدفه الحقيقي مساعدة الآشوريين لتأسيس كيان قومي خاصة بهم. والحال لم يكن يختلف بالنسبة للوعود الصادرة من رجال الكنيسة الإنكليكانية في بريطانيا إلا من حيث الأسلوب القائم على التعاطف مع الوضع المأساوي للآشوريين وخاصة على كنيستهم المشرقية ليس حباً بهم وإهتمامهم بأقدم كنيسة في العالم ولا إيماناً بالمسيح بل تشجيعاً لهم للوقوف بوجة المبشرين اللاتين وعدم الإرتماء في أحضان المجموعة الكاثوليكية أو الحيولة دون الميل إلى الأرثوذكسية الروسية وإلى روسيا بالذات.



الصفة الإلزامية القانونية والإخلاقية للوعود البريطانية:
--------------------------------
مركز الوثائق العامة، وبالإنكليزية: (Public Records Office) البريطاني الكائن في منطقة كيوي في لندن، يعتبر أعظم مركز للوثائق الرسمية البريطانية وفيه الملايين من قرارات وقوانين ودراسات ومراسلات وبرقيات السفراء والقناصل والرحالة والجواسيس ورجال المخابرات البريطانية، وعندما تمضي ثلاثون سنة على صدورها تفك الحكومة البريطانية أسرارها وتعرضها الباحثين وعلى القراء المنتمين لهذا المركز. فيما يخص الآشوريين وكنيستهم المشرقية هناك كميات هائلة لا تعد ولا تحصى من الوثائق والدرسات ورسائل القناصل ورجال الدبلوماسية البريطانية وغيرهم. ومن المعروف دولياً عن هذه الوثائق والمراسلات رغم كونها تعبر عن وجهة نظر الحكومة البريطانية الرسمية إلا أنها تتصف بالدقة الكاملة والتفاصيل الدقيقة. وقد لا يصدق القارئ اللبيب بأنني وجدت في هذا المركز أحدى الوثائق التي تخص الآشوريين مفصلة عن سفر سرمة خانم إلى بريطانيا في أيلول عام 1919 وحتى فيها رقم تذكرة السفر وكلفتها. ومن المؤسف أن لا يستفيد الآشوريون خاصة الباحثين وطلبة الدراسات العليا من هذا المركز الذي لا يبتعد إلا بمسافة قصيرة عن منطقة سكن الآشوريين في إيلنك – لندن. على العموم، قبل بضعة سنوات بحثت كثيرا في بعض وثائق المركز عن الوعود البريطانية للآشوريين فلم أجد في أي واحد منهم له صفة قانونية ملزمة للحكومة البريطانية بل كما سبق وأن ذكرنا بأن في أكثريتها شفهية لا يتوفر فيها صفة الألتزام القانوني. ولكن مع كل هذا فإن مثل هذه الوعود رغم إفتقارها إلى الصفة الإلزامية القانونية إلا أنها تمتلك صفة إلزامية إخلاقية وأدبية تكون ملزمة للجهة التي أصدرتها رغم إفتقارها إلى الأساس القانوني لأن الذي أعلنه كان أما موظفاً في الحكومة البريطانية أو في كنيستها الرسمية.

ولكن ما الفائدة من الحديث والبحث والذكر لهذه الوعود مالم يستفيد الآشوريون منها؟ الجواب يمكن في مدى إمكانية تطوير الإلتزام الإخلاقي ونقله إلى الإلتزام القانوني وبالتالي إلزام بريطانيا بالتحرك لتحقيق إلتزامها الإخلاقي والقانوني معاً تجاه الآشوريين. هناك أبحاث ودراسات عديدة تؤكد بأن بريطانيا أرتكبت خطاً فاضحاً، ليس من جانب مصلحتها الوطنية، بل من جانب مصلحة شعوب بلاد مابين النهرين وخاصة الآشوريين منهم. فأول هذه الأخطاء هو تشكيل دولة العراق من الولايات الثلاث، بغداد وموصل وبصرة، من دون إي إعتبار للإختلافات والتناقضات القومية والحضارية والفكرية والإقتصادية وحتى النفسية التي كانت قائمة بين شعوب هذه الولايات. والخطأ الأكبر بحق الآشوريين الذين كانوا حلفاء لهم وساعدوهم في دحر القوات العثمانية وضمان إستقرار حدود العراق الشمالية، هو تركهم تحت رحمة النخبة الحاكمة المستبدة في العراق من دون أي ضمانات حقيقية لضمان أمنهم وسلامتهم في ظل نظام الحكم الجديد في العراق. ولكن كيف يمكن تطوير ونقل الإلتزام الأخلاقي إلى الإلتزام القانوني؟ هناك عاملان أساسيان يلعبان دوراً مهماً في هذا السياق:
الأول: من المعروف أن الدول العظمى، ومنها بريطانيا، نادراً إن لم نقل مستيحلاً أن تقدم إعتذارا للشعوب الأخرى عن أخطاء ينسب أرتكابها إليها خاصة للشعوب الصغيرة منها والضعيفة أو قليلة التأثير أوالتي لا تملك كيان سياسي خاص بها حيث ترى في هذا الإعتذار تقليل من سيادتها ومكانتها كدولة عظمى لا بل وربما إضرار بمصالحها الوطنية خاصة عندما يتعلق الأمر بدولة أخرى لها علاقات جيدة ومصلحة معها. من هنا نقول بأن دول كبرى مثل بريطانيا حتى وأن لم يسمح كبرياءها وحساسية سيادتها الوطنية الإعتذار فأنها قد تظهر بعض التعاطف والألتزام تجاه ما أرتكبته في الماضي فيما إذا رأت بأن مثل هذا الفعل يخدم مصالحها الوطنية أو إذا تعرضت لتأثير خارجي فرأت من مصلحتها الوطنية الإستجابة له، وهو التأثير الذي يتمثل في العامل الثاني وهو: وجود تنظيمات سياسية قومية فاعلة وقوية ونشطة للشعب الذي تعاملت معه بريطانيا وغبنت حقه ولم تحقق وعودها تجاهه. فبالنسبة للعراق فبعد منحه الإستقلال وإكتسابه لعضوية عصبة الأمم عام 1932 أنتفت حاجة بريطانيا للآشوريين فأصبحوا في تلك الفترة أضعف الشعوب العراقية يفتقرون إلى إدنى حد من القوة والتأثير وإلى تنظيم قومي سياسي وإلى من يتحدث بأسمهم ويمثلهم في الأوساط العراقية والبريطانية فسادت فيهم الفوضى والضياع والنزعات الطائفية والعشائرية فوجدت بريطانيا مع الحكومة العراقية فرصة للتخلص منهم ومن مطاليبهم فأرتكبت بحقهم مذبحة سميل في عام 1933. وحتى كنيستهم التي كانت ممثلهم الوحيد في تلك الفترة كانت في حالة يرثى لها خاصة بعد هذه المذبحة ونفي البطريرك ما شمعون إيشاي وعائلته إلى خارج العراق. فلو أفترضنا بأنه كان للأشوريين تنيظم سياسي قومي فعال وأستطاع إستخدام قوتهم العسكرية وقدرتهم على القتال للضغط على بريطانيا فالإحتمال كان وارداً بأن تستجيب بريطانيا لمطاليبهم القومية وتحقق بعض من الوعود وتحول الإلتزام الإخلاقي والمعنوي إلى إلتزام قانوني واجب التطبيق. ولعل أشهر وعد سياسي في هذا السياق الذي لعب التأثير في سلوك بريطانيا هو وعد بلفور الذي قطعته بريطانيا لليهود في تأسيس دولة يهودية.

وعد بلفور البريطاني لليهود:

-----------------
نذكر هذا الوعد ونحن بصدد الوعود البريطانية للآشوريين ليس إطلاقاً من باب المقارنة والتشبيه بل هو نموذج لبيان تأثير العوامل الخارجية المتناسقة مع مصحلة الدولة البريطانية في الإستجابة وتحقيق وعودها للشعوب الأخرى. هذا الوعد الذي سمي بأسم وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور صدر في الثاني من شهر تشرين الثاني 1917 على شكل رسالة موجهة إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد والتي جاء فيه (إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة كيان قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر). ثم في عام 1922 أصدر الكونغرس الأمريكي قرارا أيد فيه وعد بلفور بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. وعندما تأسست الدولة اليهودية (إسرائيل) في فلسطين عام 1948 كان الإتحاد السوفياتي أول دولة في العالم تعترف بها. السؤال يُطرح هنا لماذا أعطت بريطانيا هذا الوعد لليهود وما هي القوى المؤثرة عليها وعلى بقية الدول التي أعترفت وساندت إسرائيل ودعمتها في جميع حروبها ضد العرب.
الأول: كان حاييم وايزمان اليهودي (1877 – 1952) الروسي المولد والبريطاني الجنسية، عالماً فيزياويا مشهوريا تمكن من إكتشاف طريقة لإنتاج مادة الأسيتون وهي المادة الأساسية التي تستخدم في المتفجرات وصنع الأسلحة وكان رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية ثم بعد قيام دولة إسرائيل أصبح أول رئيس لها. أستطاع وايزمان أن يستغل إكتشافه العلمي ويساوم الحكومة البريطانية فحصل منها وعد بلفور مقابل منح بريطانيا سر الإكتشاف لها.
الثاني: الوعد قدم إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد (1868 – 1937) وليس بخاف على الكثيرمن القراء معلومات عن عائلة روتشيلد اليهودية التي تعتبر إغنى عائلة في العالم ويقال بأنها تملك نصف ثروة العالم وتعتبر وبحق أمبراطورية الإعلام فتمتلك وسائل إعلامية هائلة ومؤثرة جداً حتى يومنا هذا ويكفي أن نشير إلى سي أن أن (CNN) والكثير من الأقمار الصناعية وسيطرة كاملة على عالم السينما في هوليوود، فمثل هذه القوة الإقتصادية الجبارة كانت يرتعب منها أكبر دول في العالم وتستجيب لمطاليب أصحابها.
ثالثا: كان لليهود قوة عسكرية قتالية وتنظيمات سياسية ودينية قوية جداً تدعمها الوكالة اليهودية العالمية المسنودة من أغنى أغنياء العالم تمكنت في جميع حروبها الإنتصار على العرب لا بل مقاومة بريطانيا التي كانت تحتل فلسطين والدخول في الحرب معها والتي سميت بحرب الإستقلال. وهنا نتسائل لماذا قاوم المنظمات اليهود القوات البريطانية في فلسطين وهي التي أعطت وعداً بإقامة دولة يهودية لهم في فلسطين؟؟ الجواب هو لأن بريطانيا أعتقدت بأن اليهود لم يطبقوا البنود الوارد في الوعد والتي تقضي بإحترام وعدم إنتقاص من الحقوق المدنية والدينية  التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين.

وأخيراً أعيد التأكيد المشددة بأن ذكر وعد بلفور ليس من باب المقارنة والتشبيه بالوعود البريطانية للآشوريين، بل الغرض الأساسي من ذكره هو بيان العوامل والقوى المؤثرة على الدول لتحقيق وعودها وتحديداً بريطانيا موضوع بحثنا... فالوعي القومي والديني لليهود الذي تمثل في كلا الجانبين السياسي (تنظيمات سياسية ودينية قوية) والعسكري (قوات قتالية قوية ومنظمات ثورية متطرفة) ثم الإقتصاد والمال المستخدم في القضية القومية هي عوامل أساسية وفعالة جداً منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا.

تساؤلات ... وتساؤلات:

--------------
وهنا يأتي التساؤل: أين نحن الآشوريين، سواء في الماضي أو الحاضر من هذه العوامل القوية والمؤثرة على عملية صنع القرار السياسي الهادف إلى تحقيق مطاليبنا القومية؟ فالوعي بكلا الجانبين السياسي والعسكري مفقود (الرأس فارغ)، والإقتصاد والمال المؤثر مفقود أيضا (الجيب فارغ)، فعندما يمتلئ كلا البوتقتين حينذاك سيكون هناك تنظيمات قومية قوية ومؤثرة وسيستجيب الطرف الآخر لمطاليب الآشوريين ويكون الطريق سالكاً لتحقيق الحقوق القومية المشروعة لهم.
ولم يبقى ألا أن أقول وبصراحة، ما الفائدة من هذه الدردشة التاريخية الطويلة وعن أحداث أكل الزمان منها وشرب. أقول هنا كما قلت في السابق أن الأمة التي لا يدرس أبناؤها تجارب الماضي وييستفيدوا من نجاحاتها وإخفاقاتها سوف يستمرون في الحاضر المراوغة في مكانهم والتعثر بنفس العثرات والعوائق. قال المثل: "الجاهل هو من يتعثر بالحجر مرتين". فالتجربة التاريخية في تحالف الآشوريين مع الحلفاء في الحرب الكونية الأولى وتحديداً مع روسيا وبريطانيا أمر يجعلنا أن ننظر في موضوع إستراتيجية  تحالفاتنا السياسية في هذا العصر، وهو موضوع عميق وطويل نتركه لفرصة أخرى. وأيضا لم يبقى هنا إلا أن أتسائل في ضوء ما تقدم في أعلاه خاصة علاقة الآشوريين ببريطانيا في الربع الأول من القرن الماضي، هل كان الآشوريون "عملاء" لبريطانيا في تلك الفترة وهل فعلاً تعاونوا معهم في تهديد أمن وسلامة أراضي العراق وتعريض إستقلال البلد إلى المخاطر كما يدعي معظم كتاب ومؤرخي العراق؟؟ أم على العكس من هذا كان الآشوريون مخلصون لأرض العراق وبمساعدة القوات البريطانية تمكنوا من ضمان حدود العراق وإستقلاله؟؟؟ مواضيع سبق وأن تطرقنا إليها في السابق وقد تتاح الفرصة في المستقبل القريب لإعادة صياغتها ونشرها مرة أخرى لتكون إجابة لمثل هذه التساؤلات التي في ضوءها يمكن تحديد إستراتيجية تحالفات أحزابنا السياسية والمنظمات القومية في الوضع الراهن.   




167
في ضوء إنسحاب  وتعليق الإستاذة الدكتورة منى يوخنا ياقو جلسات لجنة إعداد دستور الأقليم – العراق
-----------------------------------------------------------
الديموقراطية في العقلية وليست على الأوراق
===========================
أبرم شبيرا

في بريطانيا وقبل بضعة سنوات تقدم بعض  الأنكليز من ممثلي الحكومة المحلية لمقاطعة إيلينك في لندن التي غالبية الآشوريون يسكنون فيها وطلبوا من المؤسسات الآشورية أن يطالبوا ويمارسوا حقوقهم القومية المشروعة في الدولة البريطانية خاصة في فترات الإنتخابات البرلمانية والمحلية لأن القانون البريطاني يحمي ويضمن حقوق جميع البريطانيين بغنى عن عرقهم أو قوميتهم أو دينهم أو معتقدهم أو رأيهم، فالكل متساويون أمام القانون. وكمثال على ذلك، وهو الحدث الذي عايشته شخصياً، طلبوا ترجمة الطرق والأصول المتبعة للتسجيل والتحضير للإنتخابات المحلية في منطقة إيلينك إلى لغتهم القومية ليكون الآشوريون ملمين بها ومستعدين للتصويت في الإنتخابات بمعرفة ودراية، علما بأن نسبة الآشوريين إلى الإنكليز أو بقية القوميات القاطنة في هذه المنطقة هي أقل بكثير من 1%  وإن إكتسابهم لصفة المواطنة جاءت بسبب إقامتهم على الأراضي البريطانية قبل بضعة أو عدة سنوات (أنظر الأعلان باللغة الإنكليزية والسريانية الشرقية في نهاية الموضوع)، لأن الكل متساويون أمام القانون وفي الحقوق والواجبات دون أي تميز وهي الصفة أو الميزة الأساسية التي تجعل من الفرد أن يكون مواطناً لدولة ما. أما إذا أنعدمت هذه الصفة وبالتالي حرم الفرد من الحقوق الأساسية ومنع من القيام بواجباته الوطنية فأنه لا محال سوف يصبح بحكم الممارسة والواقع غير مواطن فيعيش على هامش المجتمع أوالهجرة تكون أحدى الوسائل المتاحة للخلاص من هذا الوضع. ليس هذا فحسب، ففي مجلس العموم البريطاني 650 عضواً منتخباً وطبعاً فيه مختلف الأعراق والأجناس ومن دون أن يوجد فيه عضو آشوري واحد أو مسيحي من العراق ولكن مع هذا فهناك العشرات من أعضاء العموم البريطاني يعملون وبحماس للدفاع عن حقوق الآشوريين والمسيحيين العراقيين ويعقدون الندوات بهذا الشأن ويعاضدون الأحزاب والمنظمات الآشورية ويطرحون مطاليبهم في مجلس العموم لأن هذا العمل هو جزء من إيمانهم وأساليبهم في الممارسة الديموقراطية التي ترسخت في عقولهم منذ قرون طويلة ومصدرها ليس الأوراق أو القوانين أو الدستور، فبريطانيا أصلاً ليس لها دستور مكتوب بل تعتمد على السوابق التي تخدم مصالح الشعب البريطاني ومبادئه الإنسانية.

طبعاً عندما أذكر الديموقراطية في بريطانيا كمثال فهذا ليس من باب المقارنة والتشبيه بمفهوم الديموقراطية في بلدان الشرق الأوسط ومنها العراق فهذا حرام، فشتان بين الأثنين، وإنما أعرضها لكي نفهم المعنى الحقيقي للديموقراطية وكيفية ممارستها ونحن نتغنى بها ليل نهار. ففي العراق وحتى في معظم الدول العربية، فإن الحكام الحاليين لم يرثوا من الماضي أية نوع من الديموقراطية أو أفكار وممارسات متعلقة بها، بل كل ما ورثوه هو الإستبداد والظلم والتعالي على الآخرين وهي الأساليب التي ترسخت في عقولهم وأنعكست على ممارساتهم السياسية على أرض الواقع. فالقصد بالديموقراطية هنا ليس حكم الأكثرية فحسب، بل هي نظام إجتماعي في المقام الأول ينظر إلى الآخرين بنظرة قبول المختلف وضمان حقوقه. ومثل هذه الديمقوراطية ليست  وليدة اللحظة وتسطيرها على الأوراق والقوانين والدستور بل هي نتاج تطور حضاري وفكري وعبر قرون طويلة وتواصل تدريجي تاريخي لمراحل تطور المجتمع نفسه، وهي المراحل التي لم تمر بها بلدان الشرق الأوسط وتحديداً العراق منها. فالظروف الموضوعية وحتى بعض المفاهيم الدينية لهذه البلدان خلقت عقلية مختلفة كلياً عن مفهوم الديموقراطية التي تُعرف وتمارس في هذا العصر، خاصة الظروف الجغرافية وطبيعة الإنتاج الزراعي والرعوي لهذه البلدان وهي الظروف التي درسها كارل ماركس في القرن التاسع عشر عندما طرح مفهوم الإستبداد الشرقي لفهم التطورات الحاصلة في هذه المجتمعات وطبيعة نظام الحكم فيها والتي تم تطويرها أو تلطيفها في السنوات اللاحقة من قبل غيره من الكتاب والمفكرين ومن ثم تأطيرها في مفهوم "الحاكم المستبد العادل" الذي يسود في بعض الأنظمة العربية والإسلامية، خاصة الأنظمة الملكية.
في دراسة نشرتها مجلة (الإكونومست – The Economist) بعددها الصادر في شهر حزيران 1997 تحت عنوان (الحكم العربي الأوتوقراطي (الفردي) إلى الأبد – Arab Autocracy For Ever) تطرقت إلى أنظمة الحكم في البلدان العربية التي تدعي بالديموقراطية حيث ذكرت بأن معدل بقاء الحاكم في الحكم هو 22 سنة ولا يوجود حاكم عربي سابق على قيد الحياة، طبعاً بإستثناء لبنان. والتاريخ السياسي للدول العربية، بإستثناء دول ذات النظم الملكية، لم يسجل موت حاكم عربي موتاً طبيعياً وهو في السلطة غير أنه قتل في إنقلاب عسكري أو نفي خارج البلد. وتُرجع الدراسة أسباب هذا الحكم الفردي غير الديموقراطي إلى عدة أسباب منها إفتقار هذه الدول إلى المؤسسات الديموقراطية الحقيقية، شكلاً وممارسة، وإلى إعتماد الدين الإسلامي مصدراً للتشريع والممارسات السياسية والذي يعتبر المصدر الحقيقي لشرعية الحكومة والنظام السياسي وقوانينه والذي لا يقبل النقاش والجدل. والأنتخابات الشكلية التي تجري في هذه البلدان ما هي إلا غطاء للحكم الفردي والدكتاتوري في هذه البلدان. لقد دلت التجارب السابقة بأنه إذا رشح رئيس الدولة أو رئيس الوزراء نفسه للإنتخابات فالفوز له محتوما وبنسبة تزيد عن 95%، فإذا لم يكن الفوز له فمن المؤكد سيكون للحزب الحاكم الذي ينتمي إليه. وتفسير معمر القذافي للديموقراطية في قوله بأنها مصطلح عربي يتكون من مقطعين (ديمو) و (كراسي) أي إستمرار جلوس الحاكم على كرسي الحكم نموذج واضح لديموقراطية العرب والمسلمين.

هذا هو فهمي للديمقراطية، وقد يكون رأياً شخصياً لكنه مستمد من الحقائق والوقائع للبلدان التي تدعي بالديموقراطية والتي دساتيرها لا تخلو من مصطلح الديموقراطية ولكن في الحقيقة والواقع والممارسة هي أنظمة إستبدادية وبعيدة كل البعد عنها، والنظام السياسي في العراق مثال حي وصارخ على هذا التناقض لأن المحاصصة الطائفية ومفهوم "الديموقراطية التوافقية" والإستبداد الفكري تجاه المختلف والتجني على حقوق الأقليات كلها عناصر متناقضة تماماً مع مفهوم الديموقراطية. ففي العراق برلمان قائم على أسس طائفية واضحة وتحصيص المناصب العليا كرئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء ورئيس البرلمان مخصصة طائفياً والحال أيضا مع المناصب الوزارية وحتى العسكرية لا بل وحتى الأحزاب السياسية والمليشيات كلها تقوم على أسس طائفية. إذن ضمن هذا النظام الطائفي المحجوز مراكزه المهمة لبعض الطوائف المهيمنة ما الذي تستطيع، على سبيل المثال الأقليات المسيحية منها شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"، أن تفعل وتحقق ولو جزء ضئيل من طموحات أمتنا رغم وجود كوتا مخصصة لهم والذي هو الآخر مخترق من قبل الكبار. فإذا كانت الغالبية العظمى في البرلمان لا يؤمنون بالديموقراطية وينفون فعلياً وواقعياً الآخر المختلف فما الذي ننتظره من "ممثلي" شعبنا في البرلمان والمجالس الحكومية والمحلية أن يعملوا في هذه الأجواء المظلمة. يقال بأن الواعي بالأمور يكون محصناً من المفاجاة والحالات الطارئة فيكون متيقضاً تجاها للرد عليها. ولكن لا أدري هل أن "ممثلي" أمتنا في البرلمان غير واعين بالفكر الإستبدادي الذي يتعشش في عقول معظم أعضاء البرلمان ورجال الحكم في العراق، فنراهم يتفاجئون عندما تواجه طلباتهم بالرفض أو الإنكار من قبل هؤلاء؟؟؟ أمر محير أكثر مما هو مستغرب.

لا أحد يستطيع أن ينكر بأن هناك هامش من الديموقراطية في إقليم كردستان العراق وأستطاع أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" أن يستفيد من هذا الهامش ويمارس بعض من نشاطاته السياسية والقومية. ولكن من المؤسف أن نقول بأن هذا الهامش بدأ يتقلص بفعل تمادي بعض من حاملي الفكر الإستبدادي المتزايد والموروث من الماضي تجاه الأقليات ومحاولتهم قضم الإمتيازات والحقوق التي سطرت في دستور الإقليم. أقولها وبملئ الفم بأن وقفة الأستاذة الدكتورة منى يوخنا ياقو عضو لجنة أعداد دستور إقليم كردستان هي وقفة بطولية تستحق أن نرفع قبعاتنا أكراماً وتقديراً لها... صحيح أن الأستاذة منى لا تملك سلاحاً حقيقياً في مواجهة الأخطار التي يواجهها أبناء أمتنا في هضم حقوقه المشروعة في الإقليم غير أن تحتج وترفض الجلوس مع الظالمين والمستبدين و "بلاعي" حقوقنا المشروعة في أرض أبناؤنا وأجدادنا، وهو السلاح المتاح الذي تملكه وتستطيع أن تستخدمه وحسناً فعلت ونتمنى أن يتعض بقيت "ممثلي" أمتنا في الهيئات البرلمانية والحكومية والمحلية من هذا الموقف البطولي وأن يحذوا حذوها. صحيح أن الإستاذ جونسون شياويس قد سبقها في هذا المجال وأستقال من منصبه كوزير للمواصلات في حكومة إقليم كردستان إحتجاجاً على تقاعس الجهات الحكومية في الأقليم في معالجة الوضع المأساوي لأبناء أمتنا الناجم من إحتلال داعش الأرهابي لمناطق شعبنا إلا أنه من المؤسف أن يفسر موقفه هذا بتفسيرات حزبية ضيقة وبالتالي لم يترك أي صدى على الصعيد السياسي والقومي، وأرى أن موقف الإستاذة منى لم يستوعبه معظم سياسيو وحزبيو أمتنا لكي يتحركوا في نفس الإتجاه ويخلقوا إحتاجاً آخر مضاف إلى أحتجاجها.

ما الذي تحقق على الواقع الملموس لأبناء أمتنا غير كلمات منمقة وخطابات معسولة منذ أن شاركت أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية في العملية السياسية العراقية وجلوس ممثليهم على الكراسي البرلمانية والحكومية لأكثر من عقدة من الزمن. فالتجاوزات على حقوقنا سواء في المركز أو الإقليم تزداد عنفاً وتتسع بحث لم يعد بالإمكان إحصاءها فأصبح أمر المطالبة بتصحيح الأوضاع مضيعة للوقت والجهد وأصبح صراخنا كالنفخ في قربة مثقوبة. لقد أصبح أمر وضعنا القومي والمصيري في الوطن كالدود الذي يأكل بشراسة جسم الإنسان حتى يقضي عليه ولا يبقى منه غير العظم. فإذا كان مجرموا العصر يحطمون الأحجار الصلدة فليس من الصعب أن يمحوا حتى العظام الباقية... هذا الأمر واضح وضوح النهار للجميع ومن المؤكد أنه ملموس وبشكل مباشر عند سياسيي أبناء أمتنا وخاصة الجالسون على الكراسة المخصصة لهم من قبل الدكتاتورين والمستبدين. فإلى متى يظل الوضع هكذا ونحن نشاهد أمتنا تنكمش في أرض الوطن سواء بالموت أو بالتهجير؟؟؟  فما الحل؟؟؟  هل بإستمرار المشاركة مع القابعين على السلطة في النظام السياسي المتهري وهم يمارسون أبشع أنواع السياسة تجاه أبناء أمتنا وحقوقها؟؟؟ خلال العقد الماضي ثبت بالدليل القاطع بأن المشاركة في مثل هذا النظام الإستبدادي لا يجدي نفعاً إطلاقاً ولا يحقق غرضاً إلا المصالح الخاصة الضيقة سواء للأشخاص أو الأحزاب المنتمين إليها. لقد سبق وأكدنا مراراً وتكراراً بأن لا حل لإثارة قضية شعبنا وجلب إنتباه المجتمع الدولي إليها إلا بتقدم "ممثلي" أمتنا إستقالتهم أو تجميد عضويتهم من البرلمان والهيئات الحكومية والمحلية لأن المستفيد الوحيد من هذه المشاركة هو النظام نفسه وليس أمتنا، فوجود "ممثلي" أمتنا في هذه الهيئات هو مجرد ديكور للمستبدين والطائفيين لتجميل صورتهم في الخارج. كيف يصدق الرأي العام العالمي دعواتنا ويسمع صراخنا عندما يرى "ممثل" أمتنا أو وزيرنا يقف خلف أكبر دكتاتوري حاكم في العراق وسارق قوت الشعب والمال العام؟؟؟ إلا يحسب بأنه جزء ... الجزء الأصغر من هذه الصورة الدنيئة؟؟؟ أو يشارك مع وفد من النظام المستبد في العراق لتمثيل البلد لدى الدول الأخرى ... مسيحي بين أباطرة الطائفية والدكتاتورية في العراق !!! كيف سيحسب الرأي العام العالمي هذا الموقف طبقاً لمبادئ الديموقراطية الصحيحة؟ حتى أغبى إغبياء البشر يعرفون هذا الوضع فلماذا نستمر عليه ... فالدواء الوحيد المتاح لهذه العلة هو إستقالة "ممثلي" أمتنا من البرلمان والهيئات الحكومية والمحلية ... فلنجربه ونرى النتيجة فخسارته أقل بكثير من خسارة المشاركة في الدهاليز المظلمة لهذا النظام. أن طرح هذا الموضوع ليس من باب الإشارة إلى قدرات وإخلاص "ممثلي" أمتنا في الهيئات الحكومة الذين أنتخبهم غالبية أبناء أمتنا ولا هو موضوع مساءلة هنا ولكن نقول بكل تأكيد بأنه مهما كانت قدراتهم وإمكانياتهم وأخلاصهم لهذه الأمة فأن تعاملهم مع جبروت الطائفية المستبدة والدكتاتورية العفنة تقزم كل أمكانياتهم وقدراتهم وبالتالي تتلاشي وتصبح كل نشاطاتهم بدون نتيجة ويصبح إخلاصهم لهذه الأمة موضوع مساءلة وشك لدى أبناء الأمة وبالتالي تتقلص مصداقيتهم ومصداقية الأحزاب التي ينتمون إليها وهذا هو حال اليوم.
 
الكثير من القراء طبعاً سيقولون بأن ما أقوله بخصوص الإستقالة هو (في المشمش) كما يقول المصريون، وأن الجالسين على كراسي البرلمان والحكومة يمسكون بها بأسنانهم ولا يتركونها، فليس هناك من سامع طالما آذانهم مملوءة بالشمع الخاص بالمصالح الشخصية والحزبية فكل ما يطرح بهذا الشأن هو مضيعة للوقت والجهد. قد يكون هذا صحيح ولكن علينا ومن أي موقع كنًا في مكان هذه الأمة أن نقول الحقيقة ونطرح ماهو موضوعي ومفيد لها فلعل يكون هناك من سامع وفاعل في هذه الأمة يسعى هو الآخر الخير والإستقرار والسلام لها. أن الوضع العام في العراق فلتان ونظامه السياسي متهري وكل فئة أو مجموعة أو قومية أو حزب يعمل لصالح ويحاول بكل قوته إقتطافه ما يمكنه لخدمة مصالحه فلماذا لا نعمل نحن نفس الشي... إلى متى نظل "وطنيون" حتى العظم ويستغل غيرنا إخلاصنا وتفانينا ونخسر في عين الوقت كل حقوقنا المشروعة ووجودنا في أرض الوطن... من هذا المنطلق أطرح مشروعاً قد يقارب الحلم:
إستقالة الأعضاء الخمسة في البرلمان العراقي والخمسة الآخرين في برلمان الإقليم وإستقالة الوزير وكل أعضاء المجالس المحلية والتضامن  لتشكيل هيئة عامة تمثل أمتنا ولتكن تحت تسمية (الهيئة العليا لشؤون المسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين) على أن ينظم إليها ممثل عن كل فرع من فروع كنيستنا المشرقية وعلى مستوى أسقف.... ألم أقل بأن هذه الفكرة تقارب الحلم... ولكن لنعلم بأن الأحلام والأماني القومية لا يحققها إلا الأبطال... أفهل يوجود أبطال حقيقيين في أمتنا؟؟؟ ليخطو إلى الأمام كل من يعتقد بأنه بطل لهذه الأمة ويثبت ذلك حتى ننحت له تمثالاً ونسجل أسمه من ذهب في سجل تاريخها القومي.     





168
كيف نفهم إستشهاد الآشــوريين المسيحيين في الماضي والحاضر
===========================================================
أبرم شبيرا
توطئة:
الأمر المحير لمتابع التاريخ هو كثرة ظاهرة الاستشهاد عند الآشوريين المسيحيين منذ أقدم الأزمنة، في الوقت الذي لم يكن لهم من ماديات الحياة شيئاً كما لم يكن لهم كيان سياسي خاص معبر عن روحيتهم ونفسيتهم ومعتقدهم يستحق الاستشهاد كسبيل للدفاع عنه أو تخليصه من الكوارث والفواجع. إذن ما هي العوامل أو الأسباب التي أودت بالآشوريين ودفعتهم  نحو الاستشهاد؟؟. وما هو الشيء الذي يستحق مثل هذه التضحية العظيمة؟؟. الإجابة لمثل هذه الاستفهامات التي لانهاية لها تبدأ قبل كل شيء عندما نعرف بأن معنى الاستشهاد هو التضحية بالحياة أو الموت في سبيل المعتقد أو المبدأ سواء أكان المعتقد أو المبدأ دينياً أو قومياً. من هذا المنطلق فأن الموت أو التضحية بالحياة في سبيل أشياء مادية لا يمكن اعتباره استشهاداً، أي بعبارة أخرى لكي نفهم المعنى الحقيقي للاستشهاد  يتطلب وجود معتقد أو مبدأ وحتى ندرك مغزى هذا الأخير يتطلب أيضا معرفة العوامل أو الأسباب التي تدفع الفرد أو أبناء الأمة إلى التضحية في سبيل ذلك المبدأ. فمن خلال هذه العوامل يفهم أهمية المبدأ وقوته وعمق تأثيره في نفسية الأمة والذي استوجب ترخيص أرواح أبناؤها من اجله.

عوامل إستشهاد الآشوريين المسيحيين:
-----------------------
على العموم ومن عجالة استقراء تاريخ الآشوريين المسيحيين يمكن أن نستخلص منه بعض العوامل التي كانت السبب في اندفاع الآشوريين نحو الاستشهاد.
1 ـ قوة الإيمان بالمبــدأ والمعتقد:
-------------------
يشكل المبدأ أو المعتقد جوهر وأساس موضوع الاستشهاد، وبمدى قوة إيمان الفرد بالمبدأ بمدى ذلك يظهر استعداده للتضحية في سبيل الحفاظ عليه والدفاع عنه. هناك عاملان أساسيان يلعبان دوراً رئيسياً في مدى قوة الإيمان بالمبادئ والمعتقدات:
الأول: مصادر المبدأ والمعتقد: إن  كل مبدأ أو معتقد لأمة معينة ينشأ من منابع معينة. فقوة أو أهمية هذه المنابع أو المصادر تنعكس في قوة المبدأ والإيمان به. فبالنسبة لمبادئ أو معتقدات الأمة الآشورية نشأت من مصدرين، الأول هو الحضارة الآشورية وبكل ما تعنيه كلمة الحضارة من سعة لها امتدادات فكرية وسياسية واجتماعية ودينية وتراثية وحتى نفسيه وهي مسائل لا يستوجبها الإطناب والتفصيل، سواء هي بحد ذاتها وبإسهاماتها في الحضارة الإنسانية قاطبة أو باعتبارها الوريث الشرعي وحامي الحضارات التي سبقتها في بلاد ما بين النهرين من سومرية وأكدية وبابلية، لأن الحضارة الآشورية معروفة للداني والقاصي، وإنما ما يتسوجبه الإشارة هو وجود شعور أو هاجس نفسي لدى الآشوريين بانتماءهم الحضاري والفكري والنفسي إلى هذه الحضارة والذي تواصل عبر قرون طويلة سواء من خلال اكتساب مقومات هذه الحضارة وممارستها أو من خلال الوعي بهذا الإنتماء في الفترات اللاحقة. أما المصدر الثاني فهو المسيحية وبالأخص كنيسة المشرق بكل معتقداتها وتعاليمها وعاداتها التي تتداخل وتندمج اندماجاً عضوياً، لا بل وتتكامل أيضا، مع الجوانب القومية والاجتماعية للآشوريين. وسـر قوة الإيمان بالمبادئ والمعتقدات المنبعثة من هذين المصدرين هو عضوية ترابط أحدهما بالآخر وتكامل بعضهما للبعض. فمن الأخطاء التاريخية التي زرعها اليهود عبر التوراة وغيرها من التقاليد العبرانية والتي تناقلتها الشعوب الأخرى بما فيهم بسطاء الآشوريين، هو وجود تناقض صارخ بين الحقبتين الآشورية والمسيحية وان الآشوريين كانوا وثنيين ويعبدون عدة آله وانهم بعد اعتناقهم المسيحية هجروا وأنكروا ماضيهم الوثني وحقروه .. وغيرها من الأكاذيب والخزعبلات التي لعبت دورها في تخلف الفكر الآشوري القومي وجموده في الفترات اللاحقة. في الوقت الذي، لو تحلينا بقدر قليل من المناهج العلمية في دراسة علم التاريخ والاجتماع وجبلت بنسائم من الروح الآشورية لعرفنا على الفور مدى ترابط المسيحية مع الحضارة الآشورية وتوافقهما، وهي مسائل سبق شرحها في مناسبة سابقة، فالمهم هو أن قوة وعظمة الحضارة الآشورية بكل جوانبها المادية الواقعية مع قدسية وسمو الديانة المسيحية والتي أطرت بالنسبة للآشوريين في كنيستهم المشرقية، وبكل جوانبها الروحية والمثالية شكلتا مصادر قوية وعميقة لمبادئ ومعتقدات الآشوريين والتي تقولبت في جملة من عوامل قومية ودينية من لغة وتقاليد وتاريخ ومعتقدات وسلوكيات ترسخت وبعمق في نفسيتهم وأصبحت جزء من وجودهم بحيث وصلت عند البعض منهم إلى درجة جعلت من الحياة لا معنى لها بدونها واصبح الاستشهاد في سبيلها خير من إنكارها. وهذا هو الذي يجعلنا أن نفهم مغزى الظاهرة التاريخية في الاستشهاد ليس عند كبار رجال الدين وزعماء الأمة فحسب بل حتى البسطاء منهم خاصة عند النساء والبنات الآشوريات عندما كانوا يرمون أنفسهن في الوديان والأنهر والانتحار وتفضيلهن الموت على اختطافهن وسبأهن من قبل الأعداء عبر التاريخ الآشوري الدامي بدماء الأبرياء والأطهار .
الثاني: قدم المبادئ والمعتقدات واستمرار تواصلها: فقدم الحضارة الآشورية يزيد عن خمسة آلاف سنة مضافاً إليها تداخل قدم الإيمان الآشوري بالمسيحية الذي يزيد عن آلفي سنة وما يفرز هذا القدم من تراكمات في الذكريات والممارسات والسوابق والعادات والأماني المشتركة واستمرار تواصلها لقرون طويلة رغم  الفواجع والمآسي، كلها عوامل ساهمت مساهمة مباشرة في ترسيخ المبادئ والمعتقدات التي يؤمن بها الآشوريون. وهناك تناسب طردي بين قدم المبادئ والمعتقدات واستمرار تواصلها وبين عمق الإيمان بها والتضحية في سبيلها. فليس من المنطق والمعقول أن يؤمن إنسان إيمانا عميقاً بمبدأ ظهر لتوه أو حديث المنشأ ويستحق التضحية بالحياة والاستشهاد في سبيله.  كما وان قدم المبادئ والمعتقدات تساهم أيضا في تعميق الإيمان بها والتضحية في سبيلها من خلال فرز حالة السوابق التاريخية عبر تواصلها واستمرارها لفترات طويلة. والسوابق التاريخية لكل مجتمع تصبح له بمثابة أعراف وقوانين ملزمة يستوجب اتباعها، وهكذا كان الحال مع الآشوريين المسيحيين فيما يخص الاستشهاد في سبيل المبادئ والمعتقدات والذي أصبح من إحدى السوابق التاريخية المتبعة في أسلوب المحافظة وصيانة الذات وبكل ما يتجسد فيها من مبادئ ومعتقدات. فاستشهاد ربنا يسوع المسيح، له المجد، على الصليب من اجل خلاص الإنسان شكل نقطة ارتكاز في نفسية الآشوريين للانطلاق منها كسابقة تاريخية واقتفاء أثرها في الاستشهاد من اجل المبادئ والمعتقدات. فهكذا كان الحال مع مار شمعون برصباي ومار قرداغ ومار بهنام وشقيقته ساره مروراً ببقية جحافل شهداء الكنيسة والأمة بما فيهم شهداء مجازر المجرم مير بدرخان ومن ثم شهداءالحرب العالمية الأولى وسيفو وعلى رأسهم أمير الشهداء مار بنيامين ومار توما أودو وآشور يوسف بيت هربوت وبرصوم بيرلي وهكذا  نفس الحال مع شهداء مذبحة سميل ومذابح أذربيجان عام 1947 وصولاً حتى لشهداء الأجيال المعاصرة : يوسف توما ويوبرت بنيامين ويوخنا إيشو، الذين اقتفوا آثار اجدادهم في الاستشهاد وفضلوا مشانق نظام البعث الفاشي على التنازل عن مبادئهم ومعتقداتهم. هكذا فمن خلال استقراء مراحل تطور التاريخ الآشوري وعلاقته بالاستشهاد يظهر بأن طبيعة كل مرحلة من مراحل هذا التطور انعكست في نوعية الشهداء، فالمرحلة المسيحية أعطت شهداء من رجال الدين مثلما أعطت مرحلة نضوج الحركة القومية الآشورية شهداء من رجال علمانيين، وهذا ما يؤكد ترابط وتواصل جميع مراحل تطور المجتمع الاشوري وبأشكاله المختلفة . 
وأخيرا بقى أن نقول بأنه ليس المقصود بقدم وتواصل الحضارة الآشورية والديانة المسيحية هما نفسهما استمرا كما كانا في السابق وحتى اليوم، فالمقصود بذلك هو استمرارهما وبأشكال مختلفة بما فيها أشكالها المعنوية والروحية التي تكون الإطار العام لما سميناه في السابق بالروح الآشورية، فيكفي في هذا الصدد أن يشعر الفرد بانتمائه لهذه الحضارة وأيمانه بالمعتقد المسيحي ليتحقق التواصل والاستمرار .

2 – عمـق التناقضـات :
على الرغم من كون قوة إيمان الفرد بالمبدأ يشكل العامل الأساسي في استعداده للتضحية والاستشهاد في سبيله فانه إلى جانب ذلك هناك عامل آخر يرتبط به وهو عمق تناقض هذا المبدأ مع المبادئ والمعتقدات الأخرى المختلفة عنه والتي تعايشت معها عبر تاريخ طويل. فمن المعروف أنه بعد سقوط الإمبراطورية الآشورية عاش الآشوريون في ظل أنظمة سياسية وبين شعوب مختلفة عنهم اختلافاً حضارياً ودينياً وتاريخياً واجتماعياً وفكرياً وحتى نفسياً شكلت صعوبة التوافق بينهم إلى بروز تناقضات عميقة لم يكن من السهل حلها أو التوفيق بينها أو الوصول إلى تسويات مرضية تتوافق مع معتقداتهم. فالمجوسية وعبادة النار، على سبيل المثال، كديانة كانت سائدة في الإمبراطورية الفارسية وكانت في تناقض صارخ مع معتقدات البطريرك مار شمعون بارصباي وعمق إيمانه المسيحي لذلك أسلم رأسه لسيف الملك شاهبور الثاني في الربع الأول من القرن الميلادي الرابع من دون أن يتنازل عن معتقداته وإيمانه. وهو نفس الحال، ولكن بأشكال مختلفة باختلاف العصور فيما يخص ماليك إسماعيل، زعيم عشيرة تيارى العليا، عندما فتح صدره وهو أسير ومثخن بجراح أمام سيف المجرم مير بدرخان في منتصف القرن التاسع عشر ويستشهد من دون أن يتنازل عن معتقده ويحقق رغبة هذا المجرم في تبني الإسلام وتزويجه ما يرغب من النساء. وحال اليوم لا يختلف عن الأمس من حيث الجوهر والمضمون القائم على الاستشهاد في سبيل القضية والمبدأ. فالسياسات الاستبدادية للأنظمة المتعاقبة على السلطة في العراق ومحاولة نظام حزب البعث الحاكم في صهر الآشوريين وإفنائهم ودمجهم في القومية العربية صورة أخرى من صور التناقض الصارخ بين معتقدات الأمة الآشورية وبين هذه السياسات والمحاولات. فمن أجل هذا الرفض تقدم أبناؤها الأبرار أمثال يوسف توما ويوبرت بنيامين ويوخنا إيشو وغيرهم من الشهداء الآشوريين الخالدين إلى الأمام مفنين حياتهم من أجل المعتقدات والمبادئ التي آمنو بها لأنها كانت بالنسبة لهم مقومات يقوم عليها أساس وجود الأمة واستمرارها. واليوم يتشرد شعبنا ويطرد من موطنه التاريخي في سهل نينوى... لماذا؟؟ لأن إيمانه بربنا يسوع المسيح ، له المجد، وبمعتقداته الدينية والحضارية والفكرية والنفسية كلها في تناقض صارخ من المعتقدات والممارسات الإجرامية لداعش ولا يمكن إطلاقاً تصور تنازله عن هذا الإيمان إلا بنكرانها وتلاشي وجوده كشعب مسيحي في المنطقة.
وحتى لا يتهمنا البعض بالتطرف والتجني على الواقع من خلال إبراز عمق هذه التناقضات والمبالغة فيها نؤكد بأن التأكيد الذي ذهبنا إليه لا يعني بأنه لم يكن هناك تسويات بين الآشوريين وغيرهم من الشعوب والحكومات التي تتبنى معتقدات متناقضة لمعتقداتهم، فمثل هذه التسويات كانت ممكنة وقائمة إلا إن النتيجة التي  يمكن استخلاصها منها كانت إما الإفناء والموت أو الذوبان في هذه الشعوب . فملايين الآشوريين ومن أتباع كنيسة المشرق ذابوا في الشعوب الإسلامية العربية والكردية والفارسية والتركية من جراء قبول تسويات غير منصفة معهم في حين القلة الباقية من هذه الملايين لحد هذا اليوم هي نتيجة لصمود وإصرار الآشوريين وقدرتهم على تقديم الشهداء من اجل البقاء والتواصل. وعلى نفس المنوال نقول بأن الحركة القومية الآشورية المعاصرة وبكل تنظيماتها السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى الدينية هي مدينة لدماء الشهداء الذين أزهقت أرواحهم في آب عام 1933 من اجل  استمرار وتواصل الأمة وبكل معتقداتها ومبادئها. ومن يستطيع أن ينكر بأن دماء يوسف ويوبرت ويوخنا وحتى فرنسيس وبيرس وغيرهم كانت وقود لمشاعل النور في دروب الحركة الديمقراطية الآشورية، باعتبارها أول حركة سياسية قومية معاصرة تقدم هذا العدد من الشهداء، وتنير طريقها المزدحم بالتناقضات والتحديات المصيرية التي يواجهها شعبنا في أرض أبائه وأجداده.
ولكن ما السبيل للخروج من هذه التناقضات وتخليص امتنا من  تقديم شبابها كقربان في سبيل استمرارها وتواصلها؟ وأين تكمن العلة أو ماهي "الجريمة" التي يقترفونها الآشوريون حتى يستلزمها إيفاء جزاؤها بدماء أبناؤهم؟؟  إن كل هذه التساؤلات تدور حول "جريمة" واحدة يقترفها الآشوريون وهي انهم يريدون أن يعيشوا كآشوريين ومسيحيين على ارض آباؤهم وأجدادهم منعمين بحرية تحقق لهم حدود معقولة لممارسة ما يؤمنون به. ومصدر كل التناقضات وعمقها واستحفالها نحو صراعات دامية هو إصرار البعض على اعتبار هذه المطاليب فعلاً جريمة ويستحق الآشوريون عليها عاقباً قوامه الموت والفناء. فمتى ما يؤمن هذا البعض بأحقية الآشوريين بهذا المطلب الإنساني حينذاك تبدأ التناقضات بالتقلص والاختفاء. من هذا المنطلق نقول طالما بأن مثل هذه التناقضات والتحديات غير موجودة أصلاً في المجتمع الآشوري في المهجر إذن فإن إمكانية الاستشهاد في سبيل القضية الآشورية غير واردة. أي ان التضحية بالحياة من أجل المعتقد والمبدأ غير واردة في هذه البلدان. في حين هناك امكانية كبيرة في التضحية بالمال والجهد والوقت والمقتنيات الاخرى في سبيل المبدأ او القضية الآشورية الا انها لا تصل الى مستوى الاستشهاد، لان هذا الاخير كما سبق وذكرنا هو التضحية بالحياة من اجل المبدأ او المعتقد. في حين على العكس من هذا تماماً فطالما مثل هذه التناقضات موجودة في أرض الوطن وبعضها وصلت إلى مستوى التحديات والمواجهات فأن إمكانية الاستشهاد في سبيل القضية الآشورية واردة جداً، وهي المسألة التي يجب على الآشوريين، وبالأخص القوميين منهم وتنظيماتهم السياسية، في المهجر إن يضعوها نصب أعينهم وأن يقدروها حق تقدير ليس في السابع من آب من كل عام فحسب بكل في كل يوم من أيام حياتهم .

3 – اختلال توازن الكيانات :
ما يثبت استمرار عيش الآشوريين في موطنهم الأصلي وضواحيه بعد سقوط إمبراطوريتهم هو تعايشهم في كيانات صغيرة يمارسون معتقداتهم وتقاليدهم ضمن أطر اجتماعية بعضها وصلت حتى اليوم ومنها ظاهرة الزعامة العشائرية المعروف بـ "ماليك" فهو موضوع طويل لا نريد التفصيل فيه وإنما المهم هو أن الميزة الأساسية التي تميزت به هذه الكيانات هي وقوعها في مناطق هامشية وفي أراض تتقاطع فيها دوائر الصراع بين الإمبراطوريتين الفارسية والإغريقية أوالفارسية والإسلامية أو الإسلامية والبيزنطينية أو العثمانية والصفوية وهكذا تعاقباً حتى العصر الحديث حيث يعيشون في مناطق التقاء الحدود العراقية التركية الإيرانية السورية. هذه الميزة جعلت من هذه الكيانات أن تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي وان تكون في نفس الوقت كيانات صغيرة ومعزولة وهزيلة ومهددة وعلى الدوام سواء من قبل هذه الجهة أو تلك. أي بعبارة أخرى كانت هذه الدويلات ساحة وغى للقتال والحروب، بحيث لم يكن يستقر الاستقلال الذاتي بها مقاماً طويلا،  فكانت ما أن تنشأ كمنطقة أو إمارة تشكل كدويلة حاجزة (Buffer State) بين المتحاربين حتى كانت وبعد سنوات قليلة تزول من الوجود أو تحتل من قبل الطرف الآخر. ومن سخرية القدر، حتى في يومنا هذا فأن سهل نينوى الذي هو مطلب شعبنا في الحكم الذاتي أو تشكيل محافظة يقع ضمن دائرة التنافس والصراع بين الكورد في الشمال والعرب في الوسط والجنوب. وهكذا. هذه الصفة جعلت من التوازن السياسي والعسكري والاقتصادي والديموغرافي مفقوداً بالتمام بين هذه الكيانات الآشورية وبين هذه الإمبراطوريات الكبيرة  وهي نفس الحالة التي جعلت من أية تسوية بين الآشوريين وبين هذه الإمبراطوريات غير مرضية  لأنها كانت، وعلى الأرجح، على حساب الآشوريين والقضاء على ما يملكونه. ولما كان الاشوريون في تلك الفترة فقراء بكل معنى الكلمة فيما يخص العالم المادي والواقعي، فلا كانت دويلتهم واسعة الأراضي أو غنية بالثروات لكي يتنازلوا عنها من اجل الحفاظ علي كيانهم ومعتقداتهم ولا كانت لهم تيجان أو عروش يمكن التخلي عنها من اجل الحفاظ على حياتهم واستمرار تواصلهم، بل كل ما كان يملكونه هو حياتهم فكانت الخيار الأوحد الذي يمكن تقديمه والتضحية به في سبيل البقاء والاستمرار وتواصل معتقداتهم ومبادئهم.
هنا من الضروري جداً الإشارة والتأكيد بأن المسيحية بما فيها استشهاد ربنا يسوع المسيح، له المجد، على الصليب، من اجل الإنسان كمثال في التضحية بهذا العالم من اجل العالم الآخر، أثر تأثيراً كبيراً وعميقاً في مفهوم الاستشهاد الآشوري واصبح موضوع التضحية بالحياة الزمنية من اجل الحياة الأبدية منهجاً في تقديم الآشوريين حياتهم قرباناً من اجل ماآمنوا به والذي ترسخ في نفسيتهم وتواصل عبر مراحل طويلة، وهو المنهج الذي يفسر لنا سبب ضعف الطموحات السياسية الآشورية عبر قرون طويلة مجسدة في دولة كبيرة أو كيان سياسي مستقل وهو نفس السبب الذي يفسر لنا أيضا لماذا لم يكن هناك حاكم أو سلطان أو دولة آشورية مسيحية في الوقت الذي كان عددهم يتجاوز الملايين وانتشروا في بقاع واسعة من العالم المشرقي، وهي الحقيقة التي تؤكد بان العالم الزمني لم يكن يساوي شيئاً عندهم قياساً بالعالم الأبدي. هذه الرمزية في استشهاد اليسوع والتمثل به في التضحية بحياة اليوم من اجل حياة الأمس أضفت أن يتأطر الاستشهاد الآشوري بهالة مقدسة وان يكتسب طبيعة ميتافيزيقية مؤثرة  في نفسية الآشوريين وفاعلة في سلوكياتهم مشكلة بذلك دافعاً قوياً لاندفاع الآشوريين نحو الاستشهاد في سبيل معتقداتهم .

صحيح أن نذكر بان قدسية الاستشهاد الآشوري واندفاعه نحو التضحية بحياته من اجل المعتقد في هذه الأيام ليست كما كانت في أيام مار شمعون برصباي ومار قرداغ ومار بهنام وحتى مار بنيامين وغيرهم من شهداء الحروب والمذابح والتي اكتسبت طابعاً دينياً لاهوتياً بحسب طبيعة العصر ومرحلة تطور المجتمع الآشوري، وهي حقيقة التي يجب أن نقبلها جميعاً سواء أكنًا علمانيين أم رجال دين. ولكن مع قبول هذه الحقيقة يجب أن نقبل حقيقة أخرى وهي أن تناقضات اليوم غير تناقضات الأمس وتحديات العصر غير تحديات الماضي، أي بعبارة أخرى لو وصلت حدة  تناقضات وتحديات اليوم إلى مستوى تقارب عما كانت عليه في الماضي لتأطر الاستشهاد الآشوري بحالة من القدسية كما كان في التاريخ.  كما لو إن  حدة هذه التحديات وصلت إلى مستوى يشعر الآشوريون فيها تعرض كيانهم القومي والديني إلى الفناء والموت المحتم لبرزت مثالية استشهاد ربنا يسوع المسيح، له المجد، ومار شمعون برصباي ومار قرداغ وغيرهم وتمثلت في مناضلي اليوم وهرعوا للدفاع عن معتقدات ومبادئ أمتهم وهي الحالة التي يمكن أن نتلمسها من ظروف استشهاد بعض مناضلي الحركة القومية الآشورية في وطن الأم خاصة في هذه الأيام الصعبة حيث تتصاعد التحديات والمواجهات. فبتصاعد هذه التحديات والمواجهات تتصاعد إمكانيات تقديس الاستشهاد الآشوري ويصبح الخيار الأوحد للحفاظ على الوجود وكل المعتقدات والمبادئ التي تتجسد فيه. فعندما يهتف الأطفال الآشوريون في المسيرة الجماهيرية الضخمة في الأول من نيسان في نوهدرا ( دهوك )  ويصرخون (إما الوجود أو الموت ) فإن لهذه الصرخات إشعاعات نابعة من الروح الآشورية التي هي نفس الروح التي كانت مبعث فهم الشهداء الآشوريين عبر التاريخ الطويل للعلاقة القائمة بين الوجود والموت .

وإذا كنًا  نبجل ونعظم الشهيد الآشوري في يومه الخالد في السابع من آب من كل عام، وهو أقل ما يمكن عمله تجاه، أفليس ضميرنا أيضا يدعونا، لا أن نبجل أو نعظم فحسب، بل أن نحترم ونقدر أولئك المناضلين وأبناء شعبنا الذين ارتضوا البقاء والصمود في أرض الوطن وقبلوا التحديات والموجهات من اجل الحفاظ على جذورنا مغروزة وبعمق في تربتها الأصلية، لأن بقبولهم هذا يقبلون بالظروف التي قد تدفعهم نحو الاستشهاد في سبيل المبدأ الذي أمنوا به، وأجرهم الأبدي، سواء في اليوم أو في الأمس، أي في نضالهم وصمودهم أو في استشهادهم، أمن وأسرع وصولاً إلى قلب وضمير الأمة والى الأجيال اللاحقة وحتى إلى خالق السماوات والأرض. فصمودهم في أرض الأباء والأجداد هو أيضا من أجلنا نحن الذين تركنا أرضنا وبيوتنا ونصبنا خيامنا في المهجر وانشغلنا بالثرثرة  وتسطير السطور عن "أمتنايوتا" في الجرائد والمجلات والمواقع الألكترونية من دون رضاء أو استعداد لقبول أي تحدي يخدش جسمنا أو نفسيتنا النرجسية.. من أجلنا نحن حتى نستطيع أن ندعي بإنتماءنا إلى هذه الأمة وإلى تربتها المقدسة.
 



169
إعادة إنتاج أفكار وتأملات عن يوم الشهيد الآشوري: 7 آب 1933 - 2015
============================-================
أبرم شبيرا
حلقات تاريخية من الإضطهاد والإستشهاد:
========================
أعتقد بأن الكثير لم يسمع أو يقرأ عن مفهوم "إعادة إنتاج" لكونه من المفاهيم الفلسفية المعقدة والمستخدمة في الفكر الإقتصادي السياسي خاصة من قبل المفكرين التقدميين واليساريين في دراساتهم عن الدوررات الإقتصادية للمجتمعات البشرية. وحال هذا المصطلح كغيره أستعير وأستخدم في الكثير من الدراسات الإنسانية ومنها في الفكر السياسي ليعيد عرض ودراسة وتحليل بعض الأفكار التي طرحت في الماضي ثم إعادتها أو صياغتها وإستعمالها للتعامل مع الوقائع المعاصرة وربما المستقبلية أيضا لتشكل حلقات متواصلة من التاريخ نحو الحاضر. هكذا أجد الكثير من الأفكار والكتابات والأحداث عن تاريخ أمتنا تتواصل وتستمر وتتطور مع تواصل وتطور المجتع . شخصياً  في بداية شهر آب من كل عام أغوص في الأوراق والكتب والمصادر التي تجمعت لدي عن الحركة القومية الآشورية والمذبحة التي رافقتها في سميل عام 1933 والنتائج المأساوية السياسية والإجتماعية والديموغرافية والفكرية التي أصابت الآشوريين من جراء ذلك، أغوص فيها ساعات طويلة باحثاً ومستقصياً ومحللا بهدف الوصول إلى فكرة أو نتيجة تليق بموضوع يتناول هذا الحدث من جوانب جديدة يصلح للنشر محتفلاً بذلك على طريقتي الخاصة بيوم الشهيد الآشوري ... فبين آب من عام 1933 وآب من عام 2015 أكثر من ثمانية عقود من الزمن الظالم والمستبد بحق الآشوريين فهو ليس إلا حلقة من حلقات تاريخية طويلة عانى الآشوريون الكثير الكثير وأستشهدوا من أجل إيمانهم الديني والقومي ومن أجل البقاء والإستمرار.

فبين ططيانوس أتورايا (حوالي سنة 120 ميلادية) و فريدون أتوريا (1891 – 1926) أكثر من ثمانية عشر قرناً، أي أكثر من 1800 سنة من سنين تاريخ الآشوريين، ذلك التاريخ الذي شهد فواجع ومأساة ومذابح وتشريدا قلما وجد مثيل لها في تاريخ الشعوب الأخرى في التاريخ والحاضر ... ذلك التاريخ الذي شهد إنبثاق حضارات وإختفاءها ونشؤ إمبراطوريات وسقوطها وظهور ديانات ومذاهب ونسيانها ونهوض أمم وإخفاقها ... ذلك التاريخ الذي فرض قسوته على الآشوريين وأخضعهم إلى حكم الفرس والإغريق والرومان والعرب المسلمين والمغول والترك والإنكليز والعرب، وسُلبوا من كل شيء وأضاعوا الكثير الكثير إلا من شيء واحداً ظل لصيقا بهم ... آشور. الأسم الذي كان بالنسبة لهم إلاهاً وديناً ووطناً وإقليماً ومدينة مقدسة والأبن الثاني لسام بن نوح  التي كلها أمتزجت إمتزاجاً قوياً وفاعلاً مع إيمانهم المسيحي وبكنيستهم المشرقية لتخلق لهم أسس صلدة لهويتهم القومية. فبين ططيانوس، الذي لقب نفسه بالآشوري في منتصف القرن الميلادي الثاني تمييزاً قومياً وحضارياً عن الإغريق ... وبين فريدون الذي لقب نفسه بالآشوري أيضا في بداية القرن الماضي تأكيداً قومياً وحضارياً عن الإرهاصات السياسية والفكرية والطائفية التي أنبثقت عشية إنتهاء الحرب الكونية الأولى... بين هذا البطل وذاك المبدع خيط رفيع جداً  لكنه متين جداً أيضاً لا يتحسسه إلا من عانى معاناة ططيانوس في حروبه الفكرية مع الإغريق ومن تعذب بعذابات فريدون... بين هذا وذاك كلمة ظلت هي هي وصمدت وتواصلت وتناقلت عبر قرون طويلة من المأساة والفواجع والتضحيات من جيل إلى آخر حتى وصلت إلى يومنا هذا ونحن على عتبة القرن الحادي والعشرين ولم يكن وقود تواصل هذا الأسم الصامد أمام كل التحيات إلا دماء أبناء أمتنا. لقد كان الكاتب والمؤرخ شارلس هنري لوك في كتابه المعنون (موصل وأقلياتها – لندن – 1925) محقاً عندما نطق الحقيقة وقال (أن الآشوريين فقدوا موقعهم المتميز في التاريخ ولكن لم يفقدوا قدرتهم على تقديم الشهداء). 

الإرهاب هو هو.. من شاهبور الثاني وتيمورلينك ومير بدرخان و سمكو وحجي رمضان وصدام حسين وحتى داعش:
======================================================== 
عندما نتطرق إلى الحلقات التاريخية للإرهاب والظلم والإستبداد الذي عانى الآشوريون منها عبر تاريخهم الطويل وقدموا تضحيات جسيمة من أجل البقاء والتواصل فهذا ليس من باب الإطناب والمجاملة والتحيز لهذه الأمة التي لنا شرف الإنتماء إليها بل هي حقائق تاريخية لا يستطيع أن ينكرها إلا من كان من مدرسة هؤلاء المجرمين... هؤلاء المجرمين الذين بكل جبروتهم وحقدهم لم يستطيعوا أن يقضوا على هذه الأمة ويمحوا تاريخها ويسحقوا حاضرها، واليوم بعض من صبيان هؤلاء المجرمين يحاولون محوا تاريخ هذه الأمة بمجرد تبديل حرف (الشين) بحرف (الثاء) كأنهم يحاولون هدم ومحو جبل ضخم شامخ بأبرة صغيرة.
قصة إستشهاد مار شمعون بار صباي في القرن الميلادي الرابع معروفة ومؤثرة عندما رفض التخلي عن إيمانه القويم والسجود لشمس المجوس بعد أن هدده الملك الفارسي شاهبور الثاني بقطع رأسه هو مع عدد كبير من المطارنة... فكان جوابه للملك الفارسي ... هذه الشمس التي تسجدها خجلت وأختفت عندما مات ربي يسوع المسيح على الصليب فكيف تريد مني أن أسجد لها؟؟؟ فكان دماءه الزكية ثمناً لتمسكه بإيمانه المسيحي. والقليل منًا يعرف قصة ماليك شليطا الذي كانت له دويلة صغير في شمال بيت نهرين التي ورثها عن أجداده الآشوريين وهي القصة المتعلقة بإحتفالات (كالو سولاقا – عيد الصعود) ففي هذا العيد كانت أبنته الرائعة الجمال تحتفل مع غيرها من البنات في مروج أراضيهم حين أجتاحها المغول فدمروا كل الحضارة التي ورثوها عن أجدادهم  وقبل أن يأخذ المغول  بنت ماليك شليطا مع غيرها من البنات كسبايا رموا أنفسهمن في الوادي الوهاد فأستشهدن ... هذا الحادث هو سبب من أسباب عديدة جعل الآشوريين من بين معظم الأمم المسيحية أن يكون لهذا العيد خصوصية دينية وقومية عندم رغم كون عيد الصعود عيداً مسيحياً للجميع.
عندما قام مير بدرخان أمير منطقة بوتان والجزيرة في شمال بيت نهرين بغزواته البربرية للفترة من 1945 إلى  1948 ضد القبائل الآشورية المستقلة في حيكاري قاومه الآشوريون رغم قلة عددهم في مقارنة مع جيشه الجرار فتمكن هذا المجرم من تدمير معظم القرى الآشورية وسلبها وحرقها وقتل الألاف منهم. ففي موقعة تمكن من فرض الحصار ولعدة أيام على مجموعة من عشيرة تياري العليا بقيادة ماليك إسماعيل (الجد) الذي كان مصاباً بجروح خطيرة أستطاع مير بدرخان في نهاية المطاف أسر ماليك إسماعيل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة فطلب مير بدرخان منه أن يترك دينه المسيحي ويعتنق الإسلام ووعده بأن يزوجه إجمل بنات الكورد فكان رد ماليك إسماعيل: لو زوجتني كل نساءك فلن أترك ديني فثار هذا الرد غضب وهيجان مير بدرخان فما كان منه إلا أن يستل سيفه ويطعن ماليك إسماعيل في قلبه ويستشهد في الحال.
أما بالنسبة لجرائم المجرم سمكو أغا وأسطورة إستشهاد مار شمعون بنيامين عام 1918 فهي حكاية بطولية جعلت هذا الشهيد أن يعتلي قائمة شهداء أمتنا... المقولة الخالدة التي قالها أمير الشهداء مار شمعون بنيامين عندما هددوه العثمانيون  بقتل أخيه الأصغر هرمز الذي كان يدرس في أسطنبول إذا لم يتنازل عن مقاومته للسلطات العثمانية لا مثيل لها في معظم شعوب العالم. هذه هي الحقيقة وليست مجاملة أو تحبب لهذا الشهيد... فلنبحث جميعاً في تاريخ الشعوب فسوف نرى بأنه من الصعب جداً أن نرى مثل هذه التضحية ونكران الذات من أجل الأمة عندما قال كلمته الخالدة (إني قائد أمتي وأبناؤها كأولادي كثيرون، هرمز هو أخي ولكنه واحد منهم فقط، فلتكن حياته قربانا لأمته) فجلب هرمز إلى الموصل وعلق على المشانق كوسيلة لإرهاب بقية أبناء شعبنا.

حجي رمضان قائد الفرقة التي تولت مهمة ذبح الآشوريين في سميل في السابع من آب عام 1933 الذي كان الرجل الثاني بعد المجرم بكر صدقي قائد قوات المنطقة الشمالية في تلك الفترة... كتب الكثير عن هذه المذبحة وعن إستشهاد الألاف من أبناء أمتنا ليس لأنهم كانوا مقاتلين ومقاومين للسلطة السياسية في تلك الفترة بل قتلوا لسبب بسيط جدا ولكن عظيم جدا في مضمونه وهو كونهم آشوريون فالقتل تطاول البسطاء والنساء والأطفال وحتى بعض الموالين للسلطة. هذا التعميم في القتل على الهوية هو الذي يعطي للحدث صفة المذبحة أو الإبادة الجماعية.... حتى لا أطنب كثيراً في هذا الموضوع المعروف للكثير من القراء النجباء أود أن أسرد هذه القصة الحقيقية المتعلقة بهذا الحدث وعمومية القتل والإستشهاد. في بداية عام 2000 قمنًا أنا والأديب المعروف المرحوم سعدي المالح بزيارة المؤرخ عبد المجيد حسيب القيسي في بيته في أبو ظبي – الإمارات العربية المتحدة وهو مؤلف كتاب "التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق" والذي عايش أحداث مذبحة سميل. فدخلنا معه في حوارات ومناقشات عن كتابه وعن أحداث مذبحة سميل فمن بين الأشياء التي ذكرها قال بأنه كان موظفاً مدنياً في وزارة الدفاع وفي بنفس الفرقة التي كان يقودها حجي رمضان وفي ذات يوم من بداية الأحداث كان بمعية حجي رمضان يقوم بجولة في المنطقة وأثناءها جلب بعض الجنود العراقيين إليه فلاحان آشوريان من القرى المجاورة وهم مقيدان من الخلف وتكسوهما ملابس رثة لا يحسد حتى الشحاة على حالهم فسأل حجي رمضان الجنود: ماذا فعلوا هؤلاء؟ فقالوا: سيدي أنهم جواسيس للإنكليز!!! فعلى الفور سحب حجي رمضان مسدسه وأفرغه في رأسيهما وأردهاما قتلا على الفور. هذا المشهد الدراماتيكي المأساوي حدث في الوقت الذي كان مع حجي رمضان أثنان من المستشارين الإنكليز لوزارة الدفاع... هذه رواية من مؤرخ ومفكر عايش الأحداث مباشرة وكتب كتابه بنوع من الأنصاف تجاه المسألة الآشورية في العراق... بالله عليكم ... من هو جاسوس الإنكليز ... الفلاحان الآشوريان أم حجي رمضان وفرقته؟؟؟ فمن المؤكد بأن هذين الفلاحين أكثر وطنية وإخلاصاً من حجي رمضان نفسه وأسياده المجرمين الذين شقوا أنهر الدماء في العراق.
أما عن شهداءنا المعاصرين أمثال الأبطال يوسف ويوبرت ويوخنا... فهم شهداء الأمة قبل أن يكونوا شهداء الحركة الديموقراطية الآشورية... لقد سبق وكتبنا عن هؤلاء الشهداء والأقاويل التي كانت تتناقل عن قول صدام حسين أنها المرة الثالثة التي يعملها الآشوريون وهذه المرة سأكسر خشمهم (أنفهم)... فإذا كان مثل هذا القول صحيح فأنه لا يعكس إلا عن إستشهاد الآشورين ليس لمرات ثلاثة بل لعشرات المرات وعبر حلقات من التضحية والفداء من أجل الأمة. الموضوع كتب عنه كثيراً ويكفي أن أعرض هنا لوحتان للفنان المبدع آرم أوراها اللتان تغنيان عن المئات من الصفحات في هذا الموضوع... لوحتان معبرتان رغم إستشهاد الأبطال يوسف ويوبرت ويوخنا فإن هذا لا يمنع من الجري والتواصل على طريق النضال إلى مالا نهاية.
 
 



أما بخصوص داعش وجرائمها بحق شعبنا فهو أمر لا نستطيع أن نعبر عن هول هذه الجرائم لأن الوقائع الحالية كلها تبين بوضوح هذه الجرائم والمعاناة التي يعانيها شعبنا من التشرد والضياع والإستشهاد..

كيف نفهم الاستشهاد عند الآشـوريين ؟
=======================
الأمر المحير للمتابع في تاريخ الآشوريين هو كثرة ظاهرة الاستشهاد عند الآشوريين منذ أقدم الأزمنة، في الوقت الذي لم يكن لهم من ماديات الحياة شيئاً كما لم يكن لهم كيان سياسي خاص معبر عن روحيتهم ونفسيتهم ومعتقدهم يستحق الاستشهاد كسبيل للدفاع عنه أو تخليصه من الكوارث والفواجع. إذن ما هي العوامل أو الأسباب التي أودت بالآشوريين ودفعتهم  نحو الاستشهاد. وما هو الشيء الذي يستحق مثل هذه التضحية العظيمة ؟؟ . الإجابة لمثل هذه الاستفهامات التي لانهاية لها تبدأ قبل كل شيء عندما نعرف بأن معنى الاستشهاد هو التضحية بالحياة أو الموت في سبيل المعتقد أو المبدأ سواء أكان المعتقد أو المبدأ دينياً أو قومياً وعندما يتحول هذا المبدأ على هوية للجميع. من هذا المنطلق فأن الموت أو التضحية بالحياة في سبيل أشياء مادية لا يمكن اعتباره استشهاداً، أي بعبارة أخرى لكي نفهم المعنى الحقيقي للاستشهاد  يتطلب وجود معتقد أو مبدأ وحتى ندرك مغزى هذا الأخير يتطلب أيضا معرفة العوامل أو الأسباب التي تدفع الفرد أو أبناء الأمة إلى التضحية في سبيل ذلك المبدأ. فمن خلال هذه العوامل يفهم أهمية المبدأ وقوته وعمق تأثيره في نفسية  الأمة والذي استوجب ترخيص أرواح أبناؤها من اجله. وعلى العموم ومن عجالة استقراء تاريخ الآشوريين يمكن أن نستخلص منه بعض العوامل التي كانت السبب في اندفاع الآشوريين نحو الاستشهاد وهو الأمر الذي سنعالجه في الأيام القليلة القادمة وذلك تجنباً للإطالة في موضوعنا هذا.


170
لماذا لم يؤسس الكلدان أحزابهم القومية قبل عام 2003 ؟؟!!
===================================
أبرم شبيرا
"شيلك شغله بهل جنجوليجية" ... أنت بعدك عايز تهجم وإنتقادات....:
===========================================
قبل كل شيء أرجو من القارئ الكريم قبول أعتذاري وأسفي على ذكر العبارة الفجة أعلاه والتي  كانت جواب أحد أصحابي عندما قلت له بأنني بصدد كتابة موضوع عن عدم قيام الكلدان وتحديداً النخبة السياسية المثقفة والمهتمة بالشأن القومي الكلداني بتأسيس أحزاب سياسية قومية كلدانية قبل عام 2003، عام سقوط النظام البعثي في العراق. وسبب ذكري لهذه العبارة الفجة التي قد لا تتسق مع المنهج العلمي في البحث الموضوعي، هو لأنني وجدت فيها مضمون لحالة تسود في الكثير من أبناء أمتنا مثل التسيب والتهرب من الواقع المعايش خاصة المتعلقة بالمسائل القومية والسياسية المستعصية والحساسة والتي تلحقها العديد من علامات الإستفهام والتعجب لأن عند تناولها والبحث فيها يتطلبها الكثير من الشجاعة الأدبية والجرأة الفكرية والمنطق والعقلانية والتسلح بالحصانة الفكرية اللازمة لقبول الإنتقادات بجميع أشكالها البناءة والهدامة وعدم الإنفعال والإرتباك بل تقبلها وإستيعابها لتكون مادة مضافة لمثل هذه المسائل القومية والسياسية وبالتالي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في إزالتها أو التخفيف من حساسيتها وتعقيداتها... من هذا المنطلق يأتي هذا الموضوع الحساس والواقعي جداً. فالتساؤل عن عدم قيام الكلدان بتأسيس أحزابهم القومية السياسية قبل عام 2003 هي مسألة ليست من إبتكاراتي الخيالية بل هي حقيقة واقعية لا مبرر لإنكارها وتجنبها والخوف من تناولها، فالفائدة تأتي من عرضها والبحث فيها وليس من تجاهلها وكأنها غير موجودة.

لماذا... ثم لماذا؟؟!!
===========
التساؤل مشروع والبحث فيه مطلوب:
أولاً - شخصيا:ً هذا الموضوع هو منطلق من ثوابتي المبدئية في كون الكلدان جزء، لا بل الجزء المهم، من الفسيفساء الحضارية التاريخية والواقعية لأمتنا إلى جانب الأجزاء الأخرى من سريانية وآشورية ولا يهمني إذا و ضعنا ملايين (الواوات) بين هذه الأجزاء أم لم نضع، فنسجها في تركيبة منطقية ومعقولة واحدة تشمل جميع الأجزاء وتعكس وحدتهم الحضارية والقومية كما هي في صيغة (الكلدان السريان الآشوريين) أمر فرضه علينا الواقع المحسوس وقد أثبته ذلك وسانده معظم أو أكثرية أبناء شعبنا عندما صوتوا في الإنتخابات العامة في المركز وفي الأقليم لأحزابنا السياسية المتبنية لهذه التسمية الوحدوية بينما لم يصوتوا للأحزاب والتكتلات المتبنية للتسمية المفردة والجزئية وبالتالي فشلوا ولعدة مرات في هذه الإنتخابات مبررين فشلهم ببعض الأوهام والخزعبلات التي لا يصدقها غيرهم فهذا تأكيد قوي لرغبة أبناء أمتنا في وحدة جميع مكوناتها الحضارية. ولما كان الكلدان يمثلون الأكثرية من أبناء شعبنا فهذا لا يعني إلا رغبتهم الجامحة في وحدة جميع مكونات أمتنا... موضوع سبق وأن تطرقنا إليه ولا يستوجبه التفصيل غير أن نشير إلى مقولة تقول بأن المنطق والواقع  متطابقان  عندما يكون هذا الواقع حقيقة مقبولة. فإذا كان مثل هذا الواقع واضحاً وساطعاً لرغبة أبناء أمتنا في لم شمل جميع أجزاء الأمة في وحدة واحدة ومطروحة في صياغة موحدة متمثلة في (الكلدان السريان الآشوريين) فإن هذا هو المنطق بعينه. أما طرح الصيغ المفردة، كلدانية أو سريانية أو آشورية، وفشل دعاتها وفقاً للإنتخابات، المعيار الوحيد المتاح والمتوفر في الوقت الحالي، فأنه أمر لا يعكس واقع ورغبة أبناء أمتنا وبالتالي ليس له أي منطق، فهو بعيد عن الواقع والمنطق معاً. حقاً أنه من المؤسف أن يظل البعض بعيدين عن الواقع والمنطق ويصروا على الإقتتال من أجل قشرة الجوز وليس من أجل لبه، فالقارئ اللبيب تكفيه هذه الإشارة. هذا المنطق والطرح الوحدوي في التسمية الوحدوية يجعل من البعض أن يعتقد بأنه طرح ضد الكلدان وأيضا ضد الآشوريين أو السريان ويشوه أسمهم التاريخي. وأساس إعتقادهم هذا نابع من كونهم لا وحدويين. فإذا كان طرح المتمسكين بالتسمية الكلدانية المفردة طرحاً وحدوياً وهادفاً إلى تحقيق وحدة أجزاء الأمة الثلاثة فأنه لا محال عاجلاً أم آجلاً سوف يلتقي مع طرح التسمية الوحدوية (الكلدان السريان الآشوريين) على طريق الوحدة المؤدية إلى وحدة النضال نحو تحقيق أهداف الأمة بجميع أجزاءها، حينئذ سيكون لنا موقف آخر عندما تنزل إلى ساحة الإنتخابات بأسمها الكلداني الوحدوي وتفوز برضى وأصوات غالبية أبناء شعبنا الراغبين في وحدة أمتنا. من هنا أقول بأن وجود أحزاب كلدانية وحدوية فاعلة أمر يهمني ويهم معظم أبناء أمتنا.
ثانياً: موضوعياً: التساؤل مشروع ومطروح وبقوة، وهو:
للكلدان، مقارنة مع بقية أجزاء أمتنا، بنية تحتية قوية وشاملة، إجتماعية وثقافية وعلمية وإقتصادية، لا بل والأهم من هذا لهم بنية تحتية صلدة ديموغرافية وجغرافية تشكل عوامل موضوعية مهمة في تحديد هويتهم الأثنية. فللكلدان سواء بصفتهم الكنسية أوالأثنوغرافية يشكلوا الغالبية الكبرى من أبناء أمتنا، ويقال بأنهم يشكلون 80% من مسيحيي العراق، فلهم وحدات سكانية وجغرافية متجانسة ومترابطة بحيث تشكل قرى سهل نينوى أكبر مجموعة سكانية متجانسة تاريخياً لأبناء أمتنا، هذا ناهيك عن قرى في شمال الوطن التي هي كلدانية برمتها. ومن الملاحظ أيضا بأن معظم القرى والقصبات في سهل نينوى لها عمق تاريخي حضاري تؤكد الوقائع التاريخية جذورها الآشورية القديمة (أنظر بهذا الخصوص كتاب الشماس يوسف هرمز جمو – والد المطران سرهد جمو – المعنون آثار نينوى أو تاريخ تلكيف) الذي كتبنا عنه وحللنا محتوياته... أنظر الرابط التالي:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=492163.0

هذه العوامل الموضوعية هي التي تشكل مقومات أساسية لنشؤ وعي قومي يتمثل في منظمات قومية وأحزاب سياسية ولكن لأسباب داخلية وخارجية لم يحدث ذلك.  يؤكد أساتذة علم السياسة والفكر القومي بأنه عندما يجتمع حجم الجماعة مع تركزها الجغرافي التاريخي في منطقة معينة تكون هذه الجماعة مؤهلة لأن ينشأ فيها وعي قومي ويكون هناك إحتمال كبير في تحولها إلى حركة قومية تطالب بحقوقها القومية الخاص بها للحفاظ على وجودها المتميز. ولكن من الملاحظ بأن هذه العوامل لم تفعل فعلها لتنشأ حركة قومية كلدانية تتمثل في أحزابهم السياسية القومية خاصة في مقارنتهم مع أخوتهم الآشوريين الذين كانوا ولا يزال يفتقرون إلى مثل هذه المقومات ولكن نشأت فيهم حركة قومية آشورية وأسسوا أحزاب سياسية قومية منذ مطلع القرن الماضي وأصبحت فاعلة على الساحة السياسية حتى أيامنا هذه. أليس مثل هذا التساؤل مشروعاً ومحيراً؟؟؟ أليس الإجابة عليه يتطلبه البحث العلمي الموضوعي والغوص في الخلفية التاريخية وعلاقة كل جزء من أجزاء أمتنا بالمؤسسات الآخرى غير السياسية والقومية والتقصي فيها عن مدى علاقتها بالحركة القومية وبالأحزاب السياسية. لا بل البحث ضروري جداً في العوامل الخارجية المؤثرة سواء سلباً أو إيجاباً بالعوامل الفكرية والموضوعية لنشؤ أية حركة قومية. أن أهم وأكبر وأعرق وأقوى وأرسخ مؤسسة في مجتمعنا قاطبة هي الكنيسة وهنا طبعاً أقصد كنيسة المشرق بكل فروعها. من هنا يتطلب البحث في علاقتها بالمسألة القومية وتأثيرها في نشؤ حركة قومية.
كنيسة المشرق دينياً وقومياً :
=================
تاريخياً كانت كنيسة المشرق ومنذ عهود طويلة المؤسسة الروحية والقومية لأبناء أمتنا. مرد هذا الترابط العضوي بين الكنيسة والقومية يرجع بالأساس إلى خضوع أمتنا كأقلية دينية وقومية إلى دول أو أكثريات تختلف عنهم دينياً وقومياً وعبر مراحل تاريخية طويلة وحتى ليومنا هذا، وبالتالي كان من المنطق والواقع أن تطرح الكنيسة نفسها كمؤسسة دينية وقومية في مواجهة دين وقومية الأكثرية المتسلطة فكانت الكنيسة المؤسسة الوحيدة والأطار التنظيمي المتاح للتعبير عن هوية الأمة الدينية والقومية معاً والمصدر الأساسي والوحيد لإنتماءها الديني والقومي. هذا الترابط العضوي هو الذي جعل من التسمية القومية (سورايا أو السريان – أو أسريان – لام الشمسية لا تلفض) أن تكتسب صفة دينية لتعني المسيحي وبالتالي أصبح الأنكليز والفرنسيون والروس (سورايه) في نظر أباؤنا وأجدادنا والكورد والتركمان والعرب موشلمانه (أي المسلمين). غير أنه منذ منتصف القرن التاسع عشر وصاعداً هبت إلى المنطقة عواصف فكرية هوجاءة مؤثرة فخلخلت المعادلة الدينية - القومية، فوصلت إلى المنطقة من أوربا أفكار التحرر القومي ومبدأ حق تقرير مصير الشعوب ونشؤ حركات قومية وتأسيس دول وكيانات سياسية على أساس العامل القومي. ومن الملاحظ بأنه رغم فقر أو ضعف العامل الفكري في أتباع كنيسة المشرق "الآشورية"،  وإنعزال أتباعها في مناطق عاصية نرى بأن الحركة القومية الآشورية الناشئة نسبت إليهم وتسمت بالأسم القومي الآشوري وسبب ذلك يعود إلى أولاً: فقدان إستقلالهم النسبى وتدمير بنيتهم التحتية وتكالب المظالم والإضطهادات عليهم أكثر من أي مجموعة أخرى وتشريدهم من أوطانهم الأصلية سواء قبل الحرب الكونية الأولى أو بعدها. ثانيا: قدوم الفكر القومي الحديث من خارجهم ومن مناطق أكثر إنفتاحاً نحو العالم الخارجي ونحو الأفكار القومية والسياسية الجديدة، وتحديداً من أتباع الكنيسة السريانية والروسية الأرثذوكسية والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وحتى من الكنيسة الإنكليكانية. ومن يريد الإستزادة في هذا الموضوع  عن قدوم الوعي من خارج الجماعة وتفاعل العوامل الفكرية مع العوامل الموضوعية في خلق وعي الجماعة عليه أن يقرأ ما كتبه ماركس وأنجلز وبشكل مفصل في هذا الموضوع. 
كان معظم رواد الفكر القومي الآشوري والكتاب والشعراء المبدعين من أتباع الكنائس المذكورة أعلاه وعلى أثر تفاعل الفكر القومي مع العوامل الموضوعية  نشأت الحركة القومية الآشورية منذ بداية القرن الماضي وصاعداً على سواعد هؤلاء أو بمبادرة أو مشاركة منهم. مضافاً إلى ذلك كون بطريرك كنيسة المشرق "الآشورية" الزعيم الروحي والقومي وتمثلت الحركة القومية الآشورية بشخصه وقيادته، ويكفي أن نشير إلى المجلس القومي في أورمي (شمال إيران) والحزب الآشوري الإشتراكي (جورجيا) والإتحاد القومي الآشوري الأمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة خيت خيت ألب (الحبانية – العراق) والمنظمة الأثورية الديموقراطية في سوريا والإتحاد الآشوري العالمي وحتى بالنسبة للحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) يجب أن لا ننسى الدور الفكري والروحي للمعلم أبرم عما في تأسيسها ودور المناضل الخالد توما توماس (أبو جوزيف) وكلاهما من (يمت مثواته – ألقوش) في إرشاداته وتوجيهاته في سبل وطرق الكفاح المسلح، كنماذج لما ذهبنا إليه.
الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والمسألة القومية:
===========================
أما موقف الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية من المسألة القومية فأن هذا الموضوع سبق وأن تناولناه بشكل مفصل ومطول وفي مناسبة سابقة وأرى من الضروري الإشارة إلى بعضه لكون له علاقة بموضوعنا هذا. فمن الملاحظ تاريخياً، منذ نشوء الفكر القومي وقفت الكنيسة الكاثوليكية والفاتيكان وبشكل عام موقفاً مضاداً للأيديولوجية القومية وحاربت كل حركات التحرر القومي. ففي عام 1894 عقد مجمع كنسي من خمسة وثلاثين أسقفاً في فينا عاصمة النمسا حول التحرر القومي والفكرة القومية الداعية إلى انفصال الأقاليم الخاضعة للإمبراطورية الواحدة وتشكيل الدول القومية منها على أساس اللغة والثقافة والتاريخ. ففي بداية اجتماعهم صلوا وتضرعوا لله ليحفظ الإمبراطور فرانز جوزيف (1830 – 1916) إمبراطور النمسا والمجر، الذي  "أستلم نعمة من السماء في حماية وتقوية وتوحيد الشعوب في إمبراطورية واحدة" وفي ختام اجتماعهم أعلنوا بأن " اختلاف الشعوب في اللغة، وهو الأساس الرئيسي للفكرة القومية، هو نتيجة خطيئة ومعصية الإنسان ودليل على غضب الله على عليه".
كان من الطبيعي جداً أن تتأثر الكنيسة الكلدانية بهذا التوجيه العام والرسمي للكنيسة الكاثوليكية وأن تتحدد مصالحها واهتمامها ونشاطها بالأمور الكنسية والطائفية فحسب من دون شيء آخر. ولكن عندما وصلت الفكرة القومية وأفكار التحرر القومي، ومنها حق تقرير المصير إلى الناطق العثمانية، وألهبت الشعوب المحبة للحرية والاستقلال بدأت الأمور بالتغير، كما بدأ موقف الكنيسة الكاثوليكية بشكل عام بالتغير أيضاً وعدم معارضتها لهذه الحركات بل تأييد بعضها خاصة حركات التحرر في بلدان أميركا الجنوبية والتي شارك أو قاد البعض منهم رهبان وقساوسة لاتين تابيعن لفاتيكان وحتى كان البعض منهم يساريين وماركسيين. أما بالنسبة لموقف الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية فلم يتغير أبداً فبقت بعيدة عن المسائل السياسية والقومية. ولو حاولنا البحث بين طيات تاريخ الكنيسة الكلدانية خلال النصف الأول من القرن التاسع العشر لوجدنا جواباً على هذا الموقف السلبي للكنيسة الكلدانية من المسائل القومية. فخلال تلك الفترة مرت الكنيسة بمصاعب جمة ومشاكل عويصة  بسبب الصراع الذي كان قائماً بين البطريركين مار نيقاديموس زيا المدعوم من قبل غالبية أبناء الطائفة ومار يوسف أودو المدعوم من قبل الفاتيكان والفرنسيين والقاصد الرسولي السيء الصيت تريوجي الذي وصلت وقاحته إلى درجة ترشيح نفسه لكرسي البطريركية. أستطاع الفاتيكان أن يرجح كفة ميزان القوى لصالح مار يوسف أودو الذي رغم إصراره وتفانيه للحفاظ على الروح القومية والحضارية لكنيسته وإستقلاليتها إلا أنه لم يتمكن من الإستمرار ومواجهة القوى العظمى في تلك الفترة المتمثلة في الفاتيكان وبعض الكرادلة المعروفين بحقدهم للكنائس الشرقية.  فإذعن مار يوسف أودو لهم وسلم كل مفاتيح الإرادة والسلطة إليهم بعد أن سلبوا منه سلطاته على أتباعه في الهند فأصبحت "عقدة مالبار" تلاحق الكنيسة حتى يومنا هذا. لقد كانت الكنيسة الكلدانية وبإخلاص تام وفي شركة كاملة وبإيمان مسيحي خالص مع الفاتيكان إلا أن هذا لم يكن كافياً للفاتيكان التي لم تسلب الإرادة الكنسية من الكلدان بل أيضاً سلبت منهم الإرادة القومية والحضارية والفكرية، فسلسلة الإضطهادات التي تعرضت لها الكنيسة منذ القرن الخامس عشر والسادس عشر على يد البرتغاليين اللاتين في الهند وحرق مأثوراتهم وكتبهم والقضاء على لغة الكنيسة السريانية وحتى المجمع الفاتيكاني الأول الذي أنعقد بين عامي 1869 و 1870 هي سلسلة طويلة من الإضطهادات التي تعرضت لها الكنيسة الكلدانية التي كانت في شركة مع الفاتيكان ولكن لم تكن في شركة حضارية وقومية وثقافية معها مما تكالب عليها الفاتيكان والبروبوكندا (مجمع الكنائس الشرقية فيما بعد) والدبلوماسيون الفرنسيون حتى سلبوا منها أساس وجودها القومي والحضاري. فخلال السنوات التي لحقت هذه الأحداث  تم لتنتة (من اللاتين) الكثير من الطقوس الشرقية الأصيلة للكنيسة الكلدانية.
على العموم، ففي منتصف القرن التاسع عشر تحددت المعالم الرئيسية للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية واستقرت أمورها القانونية والرسمية وتحديداً في شهر كانون أول من عام 1847 عندما ثبت الفاتيكان مار يوسف أودو بطريركاً على الكنيسة وهو مسلوب الإرادة الكنسية والقومية وأطلق عليه ولأول مرة أسم بطريرك الكلدان في بابل وطرد منافسه مار نيقاديموس زيا الذي رفض الخضوع للفاتيكان وتسليم سلطات البطريرك على أتباعه خارج بلاد مابين النهرين، ثم اعترفت السلطات العثمانية بها وشملتها بنظامها المعروف بـ "نظام ميليت" الذي كان ينظم العلاقة بين المسلمين الحاكمين والمسيحيين الخاضعين. فمنذ تلك الفترة بقيت الكنيسة الكلدانية دائماً وبشكل مستمر موالية للسلطات المركزية والمحلية ولم تتدخل في المسائل السياسية إطلاقاً  ولم تطالب بحقوق سياسية أو قومية ولا ادعت بأنها تشكل قومية معينة أو اثنية خاصة بأتباعها منفصلة أو مختلفة عن بقية أتباع فروع كنيسة المشرق وتحديدا أتباع كنيسة الأم، الكنيسة النسطورية أو كنيسة أباؤنا وأجدادنا كما يسميها نيافة المطران سرهد جمو، التي كانت هرطقية بالنسبة للفاتيكان في تلك الفترة.
هكذا في كل الأماكن والأزمان بقيت الكنيسة الكلدانية، ككنيسة مسيحية من دون مواقف سياسية قومية، وظل أكليريتها، باعتبارهم أكثر المؤمنين ثقافة ودراية في كنيسة المشرق بجميع فروعها، مخلصين لكلمة الله ومتابعين لتعاليم ربنا يسوع المسيح بأسلم الطرق وأدقها. ففي فترة الحكم البريطاني المباشر للعراق (1917 – 1921)، أجرى مكتب المفوض البريطاني المدني في العراق استفتاءا شعبياً حول طبيعة ونوعية الحكم الواجب أقامته في العراق بين جميع فئات وطبقات وطوائف وملل وعشائر الشعب العراقي، فكان جواب الطائفة الكلدانية كما يلي "نحن جماعة الطائفة الكلدانية الكاثوليكية، نحي إمبراطورية بريطانيا العظمى التي حررتنا من عبودية الأتراك ومن السخرة التي مورست ضدنا. نتوسل لعنايتكم أن نبقى تحت ظل الإمبراطورية البريطانية حتى نكون مثل بقية الشعوب نعيش في دولة متقدمة ومزدهرة، ونصلي دوماً لجلالة الملك جورج الخامس الجالس بسعادة على العرش – موقع من قبل البطريرك الكلداني مع 30 شخصية معروفة من الكلدان الكاثوليك في الموصل" (أنظر وثيقة – تقرير المصير في العراق – مكتب المفوض المدني  1914 – 1917، المكتبة البريطانية – رقم الوثيقة ST. 48/14). في عام 1921 تأسست الحكومة المدنية العراقية وفي عام 1932 رفع الانتداب البريطاني على العراق وأعلن كدولة مستقبلة وقبلت عضواً في عصبة الأمم بدون إلزام هذه الدولة الفتية بأية ضمانات أو مسؤوليات تجاه حماية الأقليات في العراق، في الوقت الذي كانت الحركة القومية الآشورية في قمة غليانها، فكان نتيجة ذلك مذبحة الآشوريين في سميل في صيف عام 1933 التي ارتكبت من قبل الجيش العراقي وبدأت المناهج القديمة-الحديثة العثمانية الفاشية تنتعش في عقول الباشاوات والجنرالات العراقية وتطبقها على الآشوريين. فكل هذه الأحداث المأساوية أثرت وبشكل عميق على أوضاع الأقليات المسيحية في العراق فجعلت الخوف والإبتعاد من المسائل السياسية والقومية مهيمناً على عقولهم ومشاعرهم تجاه الحكام المسلمين والذي أدى بالنهاية إلى تأكيد الكلدان ولاءهم للحكومة الجديدة وإخلاصهم لها مع بقاءهم أكثر عزلة عن السياسات القومية أو المطالبة بأية حقوق قومية أو أثنية وعلى أثر هذه المواقف المرضية للحكومة تم تعين البطريرك الكلداني مار عمانوئيل يوسف كممثل للمسيحيين في مجلس الأعيان. هكذا بقي الكلدان مخلصين وبشكل مستمر لجميع الحكومات التي تعاقبت على حكم المنطقة من الأتراك والإنكليز والعرب ومن دون أن يتدخلوا في السياسة ويتورطوا في السياسات القومية ويؤسسوا أحزاب قومية خاصة بهم.

بعد الحرب العالمية الثانية كانت هناك هجرات جماعية من القرى والبلدان الكلدانية في شمال العراق إلى المدن العراقية الكبيرة وخاصة إلى بغداد وشملت هذه أيضا نقل البطريرك مار يوسف غنيمة (1947 – 1958) كرسي البطريركية الكلدانية من الموصل إلى بغداد، حيث أنخرطوا في الأعمال التجارية الخاصة وفي أعمال الخدمات المدنية وفي الوظائف الحكومية، فكان ذلك بداية مرحلة جديدة وواضحة من انسجام وتكامل وانصهار الكلدان في المجتمع العراقي خاصة في المدن الكبيرة والذي استمر حتى يومنا هذا. وخلال مرحلة الحكم البعثي العراقي  أصبح الكلدان،  سواء بالترغيب أو الترهيب، أكثر مخلصين للسلطة السياسية وأكثر ابتعاداً عن السياسة القومية وحساسية تجاهها. أنه من الإطناب الحديث عن هذه المرحلة ذلك لأنها مرحلة معاصرة ومعروفة للكثير. بالتأكيد أن تجنب السياسة وعدم المطالبة بحقوق قومية أو أثنية مستقلة واستمرار موالاة السلطات الحكومية سوف يترتب عليه منافع جمة على الجوانب غير السياسية لتلك الفئة، كما كان الحال مع الكلدان في العراق حيث استقرت وازدهرت كنيستهم بشكل كبير في بغداد والمدن العراقية الكبيرة الأخرى وحقق الكلدان تقدماً على مختلف الأصعدة، خاصة في الفترة الطويلة لخدمة مار بولص شيخو (1958 – 1988) كبطريرك للكنيسة الكلدانية، حيث بنيت في عهده عدد كبير من الكنائس ورسم كهنة ومطارنة جدد وحصل معظمهم تقريباً على تعليم عال، وكانت المدارس الكاثوليكية من أحسن المدارس في العراق وفي عهد مار بولص زاد عددها وتوسعت أكثر كما أسست معاهد كهونتية وطورت بعضها بشكل تنسجم مع التطورات الجديدة ولا ننسى هنا كلية بابل اللاهوتية في منطقة الدورة في بغداد. وعلى المستوى العلماني والمدني،  فقد حقق الكلدان أكبر تقدماً بين العراقيين قاطبة، فكانوا أكثر تعليماً وثقافة فالكثير منهم كانوا أساتذة ومحاميين وأطباء وصحافيين مشهورين ومؤرخين وكتاب وشعراء. ويكفي أن نذكر بأن أول فتاة عراقية دخلت الكلية الطبية لجامعة بغداد ثم تخرجت كأول سيدة تمارس الطب كانت كلدانية. وعلى مستوى الأعمال والاقتصاد، فقد ساهم الكلدان مساهمة كبيرة في الاقتصاد العراقي حيث كانوا في كل مكان، في البنوك وفي دوائر الدولة وفي الصناعة والتجارة وفي الأعمال الحرة، وفي مرحلة ما سيطروا سيطرة تامة على الأعمال الفندقية والسياحية وتمكنوا من خلق نمط جديد ومتمدن للحياة الاجتماعية في العراق. وعلى المستوى الاجتماعي فقد أسسوا أشهر الأندية في العراق منها نادي العلوية والهندية والمشرق والأنوار والتي كانت أندية الطبقات الراقية والشخصيات المهمة في بغداد، ولكن كانت بدون أية نشاطات ثقافية متعلقة بالكلدان، حيث كانت أندية عربية من حيث اللغة والثقافة والتقاليد.

بعد إصدار الحكومة العراقية قرارها الخاص بما يسمى "الحقوق الثقافية للنطاقين بالسريانية من الآثوريين والكلدان والسريان" في عام 1972، تأسس عدد كبير من الأندية الكلدانية بحيث يمكن القول بأن كل قرية أو بلدة كلدانية أسس لها نادي اجتماعي في بغداد وتسمت بتسميات تاريخية مثل سومر وأكد ونينوى والرافدين وكانت هذه الأندية في الحقيقة ذات مستوى أقل من مستوى الأندية السابقة،  ولكن سرعان ما أصبحت مراكز لتعاطي الكحول ولعبة البنكو فقط وأصبحت أبوابها مفتوحة لكل واحد من دون اعتبار للانتماء الديني أو القومي فلم تكن تمارس أبداً أية نشاطات ثقافية تذكر خاصة بالكلدان باستثناء نادي بابل الكلداني (غالبية مؤسسها وأعضائها من بلدة ألقوش) ونادي الإخاء الأهلي (غالبية مؤسسها وأعضائها من بلدة زاخو) اللذان مارسا بعض النشاطات الثقافية وعرضا بعض المسرحيات من قبل بعض أعضائها الواعيين أو الذين كانوا أعضاء أو أصدقاء النادي الثقافي الآشوري في بغداد. وطبقا لنفس القرار، كان بعض المؤسسات الثقافية للناطقين بالسريانية قد تأسست أيضا في بغداد منها الجمعية الثقافية واتحاد الأدباء والكتاب حيث بتشجيع من بعض العناصر الحكومية شارك رجال الدين وبعض المطارنة من الكلدان والسريان إضافة إلى الآشوريين في تأسيس هذه المؤسسات وإدارتها في سنواتها الأولى ولكن بمجرد أن بدأ بعض العناصر القومية  الكلدانية والآشورية المشاركة في نشاطات هذه المؤسسات وتحوليها نحو المسار الثقافي القومي الصحيح والذي نتج عنه تحقيق بعض الإنجازات الثقافية واللغوية المهمة، بدأ وجود رجال الدين بالاختفاء والتلاشي فأدركت السلطات المعنية خطورة هذه المؤسسات على فكرها الإستبدادي فلجأت إلى إغلاقها ودمجها مع الاتحاد العام (الرسمي) للكتاب العراقيين فأصبحت بحكم المنتهي.

على أية حال، كان إزاء هذا التقدم الهائل للكلدان في العراق ثمناً باهظاً يستوجب دفعه على حساب الهوية القومية والأثنية،  حيث بدأ تدريجياً بزوال المقومات الأساسية لهويتهم في المدن الكبيرة. فاللغة والتاريخ والثقافة والعادات، والتي هي أسس تحديد الهوية، بدأت تفقد معناها عندهم. فالكلدانية بالنسبة لهم كانت كنيسة أو طائفة مسيحية وأية معنى قومي أو أثني معطى لهذه التسمية ويجعلهم في شركة مع نفس الهوية القومية للآشوريين كانت حالة غير مرغوبة ولها نتائج وخيمة، ذلك لأن الآشورية بالنسبة للكدان كان تعني السياسة وأن تجنب السياسة والمسائل القومية هو تقليد كلداني قديم يستجوب التمسك به وعدم التدخل في السياسة وعن طريق ربط الكلدان بالآشوريين. وحتى إلى وقت قريب، كان يرى بعض رجال الدين الكلدان بأن خطوات التقارب والوحدة بين الكنيستين الكلدانية والآشورية سوف لا تنجح لأن الكنيسة الآشورية هي قومية ومسيسة في حين الكلدانية هي بعيد عن هذا التوجه. فأية وحدة أو تقارب بين الكنيستين سوف يجر الكلدان نحو مشاكل سياسية غير محمودة العواقب لهذا السبب فأن الابتعاد عن الآشوريين مسألة مهمة في تجنب غضب وهيجان السلطات العراقية وفي الحفاظ على الإنجازات الكبيرة التي حققها الكلدان في العراق وحماية وضعهم المتقدم من الانهيار، مثل ذلك الانهيار والتشتت الذي أصاب الآشوريين وكنيستهم من جراء تدخلهم في المسائل القومية والمطالبة بحقوقهم. في مثل هذه الأجواء الإستبداية لو كان عربي قد سأل أحد الكلدان في بغداد أو في إحدى المدن الكبيرة كالموصل أو البصرة عن هويته القومية فعلى الأرجح كان سيقول بأنه مسيحي أو مصلاوي (من الموصل) وينكر أو يشعر بنوع من الخجل أو الخوف من القول بأنه كلداني من بلدة تلكيف أو تلسقف أو بطناية أو أية قرية كلدانية عظيمة. فبالنسبة للكثير من هؤلاء أصبحت اللغة السريانية العظيمة، لغة سيدنا المسيح، مجرد "كلام فليحي"، أي لغة الفلاحين، أوطئ وأحقر الطبقات الاجتماعية في العقلية العراقية.

من خلال ما تقدم من تاريخ مختصر حول نظرة أو موقف الكنيسة الكلدانية  من السياسة القومية أو الفكر القومي يمكن أن نستخلص بكل جزم بأن الكنيسة الكلدانية بقت مؤمنة بمبادئها ومخلصة في إرشاد مؤمنيها نحو الطريق الصحيح في فصل الكنيسة عن السياسة، فالكنيسة لم تتدخل في السياسة ولا في المسألة القومية ولا طالبت بحقوق قومية ولا ادعت بأن لإتباعها قومية أو أثنية متميزة ومستقلة وذلك لسبب بسيط جداً وهو لأنها كنيسة، الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، والتي كانت ولازالت تمثل الكلدان ومصالحهم تمثيلاً ناجحاً ومخلصاً. لهذا السبب لم يكن هناك أبداً حاجة للكلدان لتأسيس أحزابهم السياسية أو منظمات قومية خاصة بهم طالما كانت هويتهم الكلدانية ومصالحهم العامة محددة بالكنيسة والتي كانت كانت تمارس واجبها بكل نجاح في تمثيل هذه الهوية. على أية حال،  كان من الطبيعي جداً على أتباع الكنيسة الكلدانية الواعيين سياسياً أن يكون لهم طموحات قومية وسياسية لهذا فقد ألتحق بعضهم بالحركة القومية الآشورية في بداية عهدتها كما التحقوا فيما بعد بالاتحاد الآشوري العالمي (خويادا) وبالحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا). والبعض الآخر ألتحق بأكثر المنظمات والأحزاب ثورية في العراق التي تبنت الكفاح المسلح في مقاومة الحكومات العراقية، كالحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني. من هذا المنطلق يمكن الجزم والقول بأنه مغالطة كبيرة عندما يقول البعض بأن سبب عدم تأسيس الكلدان أحزاب سياسية أو منظمات قومية خاصة بهم هو استمرار خضوعهم للسياسات الاستبدادية التي مارستها الحكومات العراقية والإبتعاد عن شرور هذه الحكومات. ولكن من الملاحظ أن الكرد والتركمان والآشوريين وحتى الأرمن كانوا قد تعرضوا إلى اضطهاد الحكومات العراقية أكثر بكثير من الكلدان ولكن في عين الوقت أسسوا لهم أحزاب سياسية قومية لأن كل واحد منهم كان يتحرك كقومية أو أثنية مستقلة عبرت أحزابهم عن طموحاتهم القومية. في حين كانت الكنيسة بالنسبة للكلدان خير من يمثلهم ولم تكن هناك حاجة لتأسيس أحزاب سياسية أو منظمات قومية خاصة بهم. من هذا المنطلق والسرد التاريخي الوجيز في علاقة الكنيسة الكلدانية بالمسائل القومية السياسية يعطي لنا جواب شافي وواضح عن عدم تأسيس الكلدان لأحزاب سياسية قومية خاصة بهم قبل عام 2003 وهو الموقف الذي نشأ من جراء  سرقة الفاتيكان لإرادتهم القومية وتحديد هويته الجمعية في الإطار الكنسي فقط.

ماذا بعد عام 2003:
===============
مما تقدم في أعلاه تبين لنا بأن الكلدان لم يؤسسوا أحزاب سياسية قومية خلال فترات الحكم العثماني والبريطاني والعراقي بل كانوا مطيعين لهذه الأنظمة ولم يطالبوا بأي حقوق قومية وسياسية خاصة بهم. ولكن التساؤل يطرح نفسه لماذا بدأ الكلدان بتأسيس أحزاب سياسية خاصة بهم بعد عام 2003؟؟؟. هناك حالتان متشابهتان قد تعطي بعض الأجوبة على هذا التساؤل، وهما،
الأولى: بعد خسارة الدولة العثمانية الحرب عام 1918 وأنهيار كيانها الإمبراطوري  و تفتت أراضيها، بدأت الدول المنتصرة في الحرب  تتسابق لإقتناء حصتها من هذه الأراضي فعقدت مؤتمرات دولية حول تقرير مصير أراضي الدولة العثمانية والشعوب التي كانت خاضعة لها فهبت هذه الشعوب بتقديم طلباتها للمؤتمرين مطالبة بحقوقها القومية وتشكيل دول خاص بها. ففي تلك الفترة أنظم الكلدان والسريان مع الآشوريين للمطالبة بوطن قومي لهم في شمال العراق. ففي إستفتاء أجرته لجنة (كينك – كرين) الدولية حول المصير السياسي لشعوب المنطقة ومنها العراق طالب الشخصية الكلدانية المعروفة يوسف غنيمة بوطن قومي للكلدان والآشوريين والسريان في شمال بيت نهرين. كما أنظم الكلدان إلى الوفود الآشورية والسريانية القادمة من الولايات المتحدة لحضور مؤتمر السلام في فيرساي في فرنسا  للمطالبة بإنشاء وطن قومي لهم في بلاد ما بين النهرين ولكن لم يسمح لهم بالوصول إلى عتبة قاعة الإجتماعات. وبعد تأسيس دولة العراق عام 1921 من قبل بريطانيا وإستقرار الأوضاع السياسية بشكل عام، بدأ الكلدان بالتراجع عن مواقفهم السابقة وتخلوا عن المطالبة بأية حقوق قومية خاصة بهم وبالتالي أصبح يوسف غنيمه أول عضو مسيحي منتخب في مجلس النواب العراقي ووزير للمالية فيما بعد. كما أن مار أبرم برصوم الآثوري، مطران، ثم فيما بعد بطريرك للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، الذي كان ضمن الوفد السرياني من الولايات المتحدة المنظم إلى الوفد الكلداني والآشوري لحضور مؤتمر السلام تحول من مفكر قومي آشوري إلى "قس العروبة" بعد أن أصبح بطريركاً ومدافعاً عن العروبة والفكر القومي العربي خاصة بعد أحداث مذبحة سميل حيث بدأ بمهاجمة الحركة القومية الآشورية والبطريرك الآشوري مار إيشاي شمعون بسبب إستمرار مواقفه المناهضة للإستبداد والمطالبة بالحقوق القومية لأبناء أمته.   
الثانية: يعيد التاريخ نفسه في العراق وينهار النظام السياسي ويعم الفوضى على جميع الأراضي عام 2003 على أثر سقوط النظام البعثي في العراق ومن ثم بداية ظهور مجموعات كلدانية وشروع تأسيس أحزاب سياسية ومنظمات كلدانية ودخلت بعضها في منافسة أو تعاون وتنسيق مع بقية الآحزاب السياسية الآشورية المتواجدة على الساحة السياسية وأستمر حالها حتى أيامنا هذه التي تعم فيها الفوضى وضعف السلطة السياسية وهشاشة النظام السياسي في العراق وكأن التاريخ يعيد نفسه.

حالتان متشابهتان، تاريخية ومعاصرة،  تؤكدان بأن الكلدان يبتعدون عن السياسة القومية ولا يطالبون بأية حقوق قومية عندما تكون الأنظمة السياسية مستقرة وفارضة قوانينها وأنظمتها على الكل. وبعكس هذا، يبدأ الكلدان بالتدخل بالسياسة وتشكيل أحزاب سياسية ومنظمات قومية تطالب بالحقوق القومية كلما أنهار النظام السياسي وضعف سطوة الحكومة على الشعب. فهل هذا الإبتعاد عن السياسة القومية يعني الخوف والرهبة من السلطة الإستبدادية ؟؟؟  هل كانت المذابح والمآسي الناجمة من مذبحة سميل  تأثيراً كبيرا على الكدان  فولدت فيهم مخاوف شديدة من السياسة والمسائل القومية وبالتالي أبعدهم وبمسافات كبيرة عن هذه المسائل ؟؟؟  هل كانت الأحداث المأساوية لعام 1933 نذر شؤم لكل نشاط سياسي أو قومي وأصبح الخوف العنصر الأساسي لأي نشاط قومي وأدى ذلك إلى إنفصال أكبر وأعمق بين أبناء الكلدان والسريان عن الآشوريين.. يقول الأكاديمي والباحث جون جوزيف في بحثه الموسوم (العلاقات الإسلامية – المسيحية و التنافس المسيحي الداخلي في الشرق الأوسط) يقول (على عكس الزعامة الآشورية في العراق، فإن زعماء الطوائف السريانية والكاثوليكية أعلنوا ولاءهم وتضامنهم مع الحكومة العراقية وشددوا التأكيد على أنهم لا يطلبون إطلاقاً بأية سلطات أو أمتيازات زمنية خاصة بهم. فعندما أعطى الدستور المؤقت للعراق فرصة تمثيل الأقليات غير المسلمة في مجلس النواب، عارض رجال الدين السريان والكااثوليك ذلك مؤكدين بأنهم لا يسعون إلى حقوق متميزة بل يفضلون وضع الثقة، وبشعور من الود والمحبة، في أبناء وطنهم من المسلمين) وهناك آخرون  يؤكدون القول بأن زعماء هذه الطوائف كان يعتقدون بأنه مجرد التفكير والتدخل في المسائل السياسية القومية سيهدد وجودهم ويعرض إستقرارهم للخطر كما حدث للآشوريين.

خلاصة وإستنتاج:
من كل ما تقدم نستنتج مايلي:
1.   أن سبب إبتعاد الكلدان عن السياسية والمسألة القومية أساسها هو سرقة الفاتيكان لإرادة الكلدان منذ عهد مالبار –  جنوب الهند في القرن السابع عشر الميلادي وما أعقبها من نتائج غير محمودة على سلطة البطريرك خارج بلاد ما بين النهرين. السرقة التي لم تكن كنسية فحسب بل كانت غزوة قومية وحضارية وتراثية ولغوية. فدمروا البرتغاليون الكاثوليك الذين كانوا الكلدان في شركة وإيمان معهم وتدمير أركان الكنيسة الكلدانية التراثية واللغوية في الهند ومن إستمرار هذه السرقة في السنوات اللاحقة إلى درجة جردت الكلدان من كل إرادة قومية وتراثية.
2.   لا أحد يستطيع أن يضع كل الأحزاب والمؤسسات القومية الكلدانية التي تأسست بعد عام 2003 في سلة واحدة. فهناك أحزاب ومنظمات كلدانية إستطاعت أن تفلت بعض الشيء من "عقدة ملبار" وتستعيد ما سرقه الفاتيكان من أراداتهم القومية فتدخلوا في السياسة وعلى نهج التعاون والتوحد والعمل المشترك مع الأحزاب الآشورية والسريانية وتجلى جانب من هذا النهج في التجمعات والتحالفات المشتركة مثل تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية  وأيضا المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري منطلقين من إيمانهم بوحدة جميع أجزاء أمتنا وبالمصير المشترك. أما الأحزاب والمنظمات الأخرى التي تحدد وجودها بالإطار الكداني الضيق فحاولت أن تنشط وتعمل في الحقل السياسي و "لحسابها الخاص" إلا أنها لم تخطو خطوة واحدة على الساحة السياسية والقومية فظلت تتخبط وتلجأ إلى خزعبلات مثل خلق "شيخ للكلدان" حتى تثبت وجودها أو تحصل على كرسي في البرلمان. أن فشل هذه الأحزاب على الساحة السياسية القومية وأبتعادهم عن المنطق والواقع المعايش هو مصدر "هضم حقوق الكلدان" و "تهميش الكلدان" وليس الأحزاب السياسية لأمتنا الفاعلة والناشطة على الساحة السياسية.
3.   من الملاحظ أيضا حتى الجهود المبذولة لخلق تنظيمات كلدانية واسعة لتعمل على المستوى العالمي لم تستيطع أن تفلت من الدائرة الكنسية فجاء تأسيسها بمبادرة من رجال الكنيسة أو بمشاركتهم المباشرة كالرابطة الكلدانية وقبلها مؤتمرات النهضة الكلدانية. وإذا أخذنا الرابطة الكلدانية التي تتصف بنوع من الجدية والمثابرة للعمل من أجل الكلدان نرى ضعفاً أو تردداً أو نوع من الخجل في الإفصاح القومي للوجود الكلداني وبيان مقومات هذا الوجود خاصة عندما أهمل في أهدافها أهمية الحفاظ على اللغة والتاريخ والتراث التي هي المقومات القومية للكلدان. أما بالنسبة للمؤتمرات النهضة الكلدانية التي حملة شجاعة دون كتشوت وسلاحه الأسطوري  فأن هذه النهضة لم تكن بقادرة على تجاوز الأوراق التي كتب عليها مقرراتها. ومثل هذا الأمر من دون يشك سيرضي مجمع الكنائس الشرقية وفارسانها طالما يظل الكلدان كنيسياً وقوميا قيد الأقامة الفاتيكانية الجبرية.
4.   وأخير لم يبقى إلا أن أقول بأن مثل هذا الموضوع الحساس لا يمكن أن يعالج ببضعة صفحات فهو موضوع تاريخي طويل وتتداخل فيها عوامل دينية وسياسية وقومية وحضارية يتطلب أعطاء ولو جزء من حقه مجلدات من البحث والتقصي ونحن نعرف بأن لكثير من أبناء شعبنا الكلداني قدرات علمية هائلة يستطعيون تكريسها للبحث أكثر فأكثر في العوامل التي جعلت من الكلدان بعيدين عن المسألة القومية حتى يجدون العلة أولاً ثم الدواء ثانية حينذاك سنرى معظم الكلدان بكنيستهم وقوميتهم المتحررة من عقدة ملبار يتكاتفون مع أخوتهم الآشوريين والسريان ويحققون الآماني المشتركة. 

 

171
الولادة القيصرية للرابطة الكلدانية
=====================
أبرم شبيرا
أكرر التأكيد المشدد على الثوابت المبدئية التي ذكرتها في موضوع سابق عن الرابطة الكلدانية في كوننا نحن الكلدان والسريان والآشوريون أمة واحدة وشبهتُ حالها بالأواني المستطرقة التي مهما تغير شكلها وحجمها فإن محتوياتها تبقى على نفس المستوى متساوية وأي تأثير صعودا أو نزولاً في محتوى أي منهما سوف يبقى المستوى متساوياً  في جميع الأواني. وحال أمتنا هو هكذا فأي تأثير سلبي أو إيجابي على أي مكون أو تسمية من تسميات أمتنا فأنه بالحتم والنتيجة سيكون نفس التأثير على المكونين الآخرين. وفي ضوء هذه الثوابت المبدئية كنت قد كتبت موضوعاً عن الرابطة الكلدانية وتحت عنوان (إلى الرابطة الكلدانية العالمية ... مع التحيات) ونشر في موقعنا الغراء عنكاوة دوت كوم مبيناً ترحيبي الحار بمبادرة أبينا السامي غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو ومبيناً بعض الملاحظات والمقترحات على النظام الداخلي لمسودة الرابطة.  وللمزيد راجع الرابط التالي:   
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,784586.0.html

من هذا المنطلق فأن موضوع تأسيس الرابطة الكلدانية يهمنا جداً منطلقين من إيماننا بأنها ستكون رافداً غزيراً متضامنا مع بقية روافد أمتنا في دفع مسيرتنا القومية نحو الأمام خاصة في الظروف الحالية الصعبة والحرجة جداً التي تتطلب تضامن جميع مؤسساتنا وأحزابنا من أي وقت مضى في تاريخ أمتنا. غير أن إيماننا بأهمية وجود هذه الرابطة لا يمنعها من بيان بعض العيوب والعثرات التي نعتقد بأنها ستواجهها بعد إقرار تأسيسها وإصدار نظامها الداخلي ومن ثم نزولها إلى ساحة العمل خاصة عندما نلاحظ بأن المؤتمر التأسيسي للرابطة، الذي أنعقد في أربيل أبتداً من يوم الخميس 2 تموز حتى يوم السبت الموافق 4 تموز، لم يأخذ بعين الإعتبار الكثير من الملاحظات والأراء والإنتقادات التي وجهة إلى مسودة النظام الداخلي فصدرت صيغته النهائية من دون تغيير يستحق الذكر خاصة في مسألة إفتقاره إلى الحبكة القانونية المطلوبة والمتلائمة مع طبيعة النظام السياسي والقانوني في العراق وكذلك خلوه من المنطق المطلوب لتطبيق بنوده على أرض الواقع. من هنا نقول بأن ولادة الرابطة لم تأتي بشكل طبيعي بل كانت ولادة قيصرية لم تكتمل مقوماتها الأساسية والتي يتطلبها الكثير من العناية والإهتمام حتى تصل إلى المستوى الملطوب لتفعيل نظامها الداخلي. وما يؤكد الولادة القيصرية للرابطة هو عدم قدرة المؤتمر التأسيسي للرابطة إنتخاب الهيئة العليا الدائمة حسب النظام الداخلي بل أكتفى بالهيئة العليا الموقتة ولمدة سنة واحدة.  وقد يكون مرد الولادة القيصرية للرابطة إلى جملة أسباب وعوامل ذاتية فكرية وموضوعية واقعية. فإذا تجاهلنا العوامل الأولى (الذاتية والفكرية) ولأسباب قد تحشرنا وتضطرنا إلى الخوض في مسائل شخصية لا رغبة لنا فيها،  فأن العوامل الموضوعية الواقعية مطلوب بيانها لأنها كانت أكثر فاعلية في الإستعجال وتأسيس الرابطة قبل إستكمال المقومات الضرورية لها كمنظمة متكاملة قادرة على أن تكون فاعلة ومؤثرة على أرض الواقع. وتجنب للإطالة نتكتفي أن نشير إلى عاملين أساسين:
العوامل الخارجية: وهي العوامل المرتبطة بالواقع المأساوي لأمتنا في أرض الوطن وضرورة إيجاد سبل للتخفيف من هذه المعاناة التي أثرت تأثيراً كبيراً على أبينا السامي غبطة مار لويس روفائيل الأول ساكو بأعتباره رأس أكبر كنيسة مسيحية في العراق وما لاحظه من فشل وإخفاق المؤسسات والأحزاب الكلدانية في مواجهة التحديات الماحقة التي ألمت كثيراً على أبناء شعبنا المسيحي في العراق مما دفعت هذه الظروف غبطته إلى ضرورة إيجاد مؤسسة كلدانية شاملة وأكثر فاعلية وأخراجها إلى النور بأسرع ما يمكن.
العوامل الداخلية: وهي العوامل المرتبطة بالعلاقة السلبية القائمة بين قلاية البطريركية في بغداد و أبرشية مار بطرس الرسول في ساندياكو في الولايات المتحدة وقيام غبطته بتأسيس منظمة (رابطة) تربط معظم الكلدان في العالم والتي  قد تعوض بعض الشيء عن سلطات البطريرك الكلداني على أتباعه في بلدان المهجر المسلوبة من قبل مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان وذلك عن طريق رابطة علمانية لا سلطة للمجمع عليها وهذا ما نلاحظه في النظام الداخلي عند تعريف الرابطة مؤكداً بأنها "رابطة مدنية عالمية ..."

على العموم، فإنه من الطبيعي أن تكون الولادة القيصرية للرابطة أو العجالة في تاسيسها ولملة مؤتمرها التأسيسي في ساعات قليلة أن يتسبب ذلك بعض النواقص والإرتباك والأخطاء في نظامها الداخلي والقرارات المتخذة في المؤتمر التأسيسي. فبدأ بالمادة الثانية من النظام الداخلي المعدل نرى بأن مركز الرابطة محشوراً في هذه المادة في حين يستوجب أن يكون للمركز مادة مستقلة وواضحة لأن للمركز أهمية قانونية ينظم نشاطها قانون البلد الذي تأسست فيه. صحيح ذكرت هذه المادة بأن (مقرها الرئيسي في العراق) ولكن هذا غير كاف إطلاقاً لأن المدينة أو أية مكان آخر تأسست فيها الرابطة يجب أن يذكر وهو الأمر المطلوب لكل المنظمات والمؤسسات في العالم من صغيرها إلى كبيرها، فالكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كانت القلاية في الموصل وفي الخمسينيات من القرن الماضي أنتقلت إلى بغداد رغم كون كلا المدينتين في العراق والحال أيضا مع هيئة الأمم المتحدة فأن مقرها في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية... وهكذا مع جميع المنظمات والجمعيات في العالم عدا الإرهابية والشاذة طبعاً. في حينها، وفي الموضوع السابق، كنًا قد أقترحنا أن تكون مدينة أربيل المركز الرئيسي للرابطة وبينًا أسباب ذلك ومن حق الرابطة أن تفتح لها فروع في المدن العراقية الأخرى وفي دول المهجر ولكن تم تجاهل مثل هذا الإقتراح.

هناك نقص كبير وإغفال واضح للكثير من البنود المطلوبة لأي نظام داخلي خاصة للمنظمات والمؤسسات العلمانية، منها أن الرابطة الكلدانية لم توضح بشكل كافي عن كونها جميعة خيرية (Charity Organization)  كما لم تحدد رسوم إشتراكات المنتسبين... هذا نزر من الكثير من النواقص في النظام الداخلي ناهيك عن الإرباك الواضح والتداخل المتشابك بين هيئات هيكلية الرابطة مما قد يؤدي عند الممارسة إلى تضارب الصلاحيات وضياع المسؤوليات وبالتالي الإخفاق في تحقيق الأهداف. وما يثير الإنتباه والإستغراب هو في المادة الرابعة عشر (لجان الرابطة الكلدانية) حيث ذكر عشر لجنة مع إمكانية إستحداث لجان أخرى، فمثل هذا الكثر في اللجان لا نجده في أية منظمة أخرى مهما كان سعتها وحجمها فمثل هذا الأمر ولرابطة فتية وتجربة جديد للكلدان سيربك نشاط اللجان وتتداخل صلاحيات ومسؤوليات بعضها بالبعض حيث كان من الممكن تحديد هذه اللجان بخمس لجان ودمجها بعضها بالبعض لكون النشاطات متشابه. فمثلا لا نجد فرق في نشاط لجنة العلاقات العامة ولجنة الإعلام ولا في لجنة الشؤون الإجتماعية ولجنة المرأة والطفل ولجنة الشباب ... ليس هذا فحسب بل أن تقوم هذه اللجان بنشاطها على أكمل وجه يتطلبها أعضاء نشيطين ولهم إلمام بحده الإدنى في نشاط كل لجنة وهذا أمر يصعب تحقيقه حتى في السنوات القليلة القادمة لأن الحقيقة تقال بأن هناك بشكل عام في معظم أبناء أمتنا نوع من التسيب وعدم المبالات بالشأن القومي والإجتماعي خاصة في أرض الوطن حيث الحياة مهددة والحفاظ عليها لها الأولية القصوى فهي ناموس طبيعي للإنسان.

علاقة الرابطة بالكنيسة موضوع تطرق إليه الكثير من الكتاب ورجال الكنيسة. فعلى الرغم من أن فكرة الرابطة من  بوادر أبينا السامي مار لويس روفائيل الأول ساكو وبمساعدة المطارنة الأفاضل ومن المؤكد هم اللذين صاغوا النظام الداخلي ولعبوا الدور الرئيسي أن لم يكن الوحيد في التهيء لعقد المؤتمر التأسيسي وشكلوا نسبة كبيرة بين الحاضرين للمؤتمر وعلى الرغم من أعلان النظام الداخلي في كون الرابطة مدنية إلا أنها لم تستيطع الإفلات من الصفة الكنسية للرابطة بل ظهرت بوادر هذه الصفة بين طيات النظام الداخلية وبنوع من التردد والحساسية. فمثلاً يقول النظام الداخلي ( ولا ينبغي أن تتعارض نشاطها – الرابطة – مع توجهات الكنيسة العامة).. فمثل هذا التأكيد والإشارة لا معنى له إطلاقاً طالما أهداف الرابطة واضحة ولا تتعارض لا بل تتماشى في معظمها مع توجهات الكنيسة الكلدانية بشكل عام. والأكثر غرابة هو حشر القديس مار توما الرسول في شأن الرابطة وأعتبار (عيد مار توما الرسول في 3 تموز من كل عام عيداً رسمياً للكدان وللرابطة) لا بل ووضع هذا العيد ضمن الفقرة الثانية الخاصة بتعريف الرابطة عاكساً بذلك مدى أرتباك وتخبط مواد النظام الداخلي. القديس مار توما الرسول مبشر المشرق هو شفيع الكنيسة ولها الحق بتحديد يوماً للإحتفال بعيده ولكن ما علاقة الرابطة المدنية العلمانية بالقديس؟ فالثالث من شهر تموز يمكن أعتباره عيدا أو يوماً لتأسيس الرابطة لأنه من أحد أيام تأسيسها ويستوجب الإحتفال به من دون حشر أسم القديس ضمن تعريف الرابطة.

أما بالنسبة لأهداف الرابطة الواردة في المادة الثالثة فأن كثرتها (10) أهداف مسطورة تعكس الرغبة الجامحة لمؤسسي الرابطة لخدمة الكلدان وعلى جميع المستويات المختلفة ولكن من جهة ثانية هذه الكثرة تضع الرابطة تحت طائلة ثقلية من المسؤوليات وبعض هذه الأهداف لا نقول عنها بأنها مستحيلة التحقيق بل صعبة للغاية ويتطلبها الكثير من الجهود المضنية والمال والوقت خاصة وأن مساحتها تتجاوز الوطن الأم إلى بلدان المهجر. وهنا ونحن في خضم المادة الثالثة الخاصة بالأهداف أن نشير إلى الفقرة التاسعة منها والتي تقول (تسعى الرابطة لفتح مكاتب لها في المحافل الدولية كهيئة الأمم المتحدة كعضو مراقب)!!!! أمر حقاً مثيل للإستغراب والتساؤل عن مدى معرفة مؤسسي الرابطة عن شروط قبول المنظمات كالرابطة الكلدانية كمراقب في الأمم المتحدة أو غيرها من الهيئات الدولية، يؤسفني أن أقول أن معرفتهم هي (صفر)، فهناك شروط صعبة جداً لقبول أي منظمة كمراقب في هذه الهيئات الدولية وليس بالأمر السهل إطلاقاً ولا ممكن للرابطة الكلدانية. لهذا السبب لم يكن هناك أي مبرر لإدراج هذه الفقرة في أهداف الرابطة غير عدم الإلمام بشروط قبول المنظمات كمراقب في الهيئات الدولية. هناك نقطة أخرى أرى من الضرورة الإشارة إليها في أهداف الرابطة وهي الفقرة الأخيرة (العاشرة) حيث تقول (تعنى الرابطة بالشؤون الإنسانية والإجتماعية والثقافية والقومية والسياسية، ولن تتحول إلى حزب سياسي)!!!. هذه الفقرة تعكس وتؤكد مدى حساسية الكنيسة والمؤسسين من التورط مع الأحزاب السياسية وتضع نفسها في حالة من التناقض، إذ كيف تعنى الرابطة بالشؤون السياسية من دون أن تمارس نشاط سياسي مشابه لنشاط الأحزاب السياسية أو تساند هذا النشاط وهذا الحزب أو ذاك من دون أن تورط نفسها في هذه المسائل السياسية والحزبية؟ فالغرابة هو تخوف الرابطة من التحول إلى حزب سياسي في حين النظام الداخلي وأهدافه لاتسمح بذلك إطلاقاً لكونها رابطة مدنية وخيرية فإكتفاء عناية الرابطة بالشؤون القومية سوف يسمح لها النظام بأن تتدخل في المسائل السياسية الخاصة بالكلدان لأن المسائل القومية والسياسية خاصة في وطننا الأم مترابطان لا فرق بينهما وبالتالي ستضطر الرابطة إلى مساندة هذا الحزب أو ذاك وبشكل غير مباشر، من هنا نقول بأنه ليس هناك موجب لذلك "العناية السياسية" أو "التحول إلى حزب سياسي".

 وأخيراً وتجنباً للإطالة المملة، أعود مرة أخرى إلى قرار المؤتمر التأسيس للرابطة الخاص بإنتخاب أو إختيار الهيئة العليا المؤقتة ولمدة سنة الذي يعكس بشكل واضح الولادة القيصرية للرابطة وعدم إكتمال مقوماتها الأساسية المطلوبة لتفعليل نشاطها حسب النظام الداخلي. بإعتقادي النابع من الحقيقة الواقعية ومعرفتي بهذا الخصوص أقول بأن الرابطة بهذا القرار وضعت الخشبة في عجلة تقدمها نحو الأمام بإنتخابها أثنى عشر عضواً وبضمنها الرئيس من الوطن الأم ومن شتى بلدان المهجر. أولا وقبل كل شيء تقنياً، دائماً وفي معظم المنظمات والمؤسسات يكون عدد أعضاء الهيئات العليا ولجانها التنفيذية فردياً وليس زوجياً كوسيلة لتجنب التساوي في الأصوات عند التصويت وتحقيق الأغلبية. هذا من جهة، أما تشتت أعضاء الهيئة العليا في شتى بقاع العالم فهو أمر آخر يجعل من مسألة إنتخاب أعضاء هذه الهيئة شكلية فقط ولا تسيتطع إتخاذ قرار حقيقي وفاعل وبمشاركة جميع الأعضاء أو أغلبهم بسبب توزعهم وإقامتهم في بلدان متباعدة ومختلفة فكان من الأجدر بالمؤسسين أن يستفيدوا من تجارب سابقة مثل مؤتمرات النهضة الكلدانية والإتحاد العالمي لكتاب الكلدان التي لم تستطيع تحول الكلمات على الأوراق ونقلها إلى الواقع بسبب تشتت أعضاءها في مختلف بلدان العالم.
 لقد شكلت الهيئة العليا المؤقتة للرابطة لمدة سنة من صفاء صباح هندي من كركوك (العراق) رئيسا وجمال قلابات من أمريكا نائبا له ودمنيك كندو من سويسرا سكرتير الرابطة والدكتور أمانج فرنسيس من أربيل (العراق) أمينا للصندوق والاعضاء ظافر نوح من بغداد (العراق) ومعن شليمون من دهوك (العراق) وليلى أمير من الاردن ويوحنا بيداويد من استراليا ومنير هرمز من كندا واديب توما من المانيا وبيفن نوري من بلجيكا وسلام مرقس من فرنسا، أي ثلاثة أعضاء من العراق و تسعة أعضاء من بلدان المهجر. لا شك فيه أن إنتخاب المؤتمرون لهذه الشخصيات الفاضلة هو معرفتهم بهم وبنشاطهم وبإخلاصهم وخدمتهم للكدان ولكن لا أدري كيف سيتم الإجتماع بينهم والتباحث لإتخاذ قرار ما. فالرئيس في العراق ونائبه في أميركا وسكرتيره في سويسرا وبقية الأعضاء في بلدان أخرى، أين المنطق والمعقولية في عقد إجتماع وإتخاذ قرار لا سيما أمامهم سنة واحدة لتحقيق المهمات الصعبة التي ترغب الرابطة في تحقيقها. فمن المؤكد بأن الصفة العالمية التي تتصف بها هذه الهيئة العليا هي نابعة من رغبة المؤسسين لإعطاء الصفة العالمية للرابطة ولكن ما الفائدة إذا تصبح هيئة عليا بالأسم وليس بالفعل. صحيح من يقول بأن هناك ثورة في الإتصالات والتواصل الإجتماعي ولكن لنكن يقينين بأن هذه الوسائل  قد تساعد للتباحث وتبدال الأراء ولكن لا تستطيع التعويض أبداً عن عقد إجتماع  والتباحث وجهاً لوجه لإتخاذ قرار سليم.

وأخيراً نقول بأن الرابطة الكلدانية ولدت كما كان مخطط لها ومحققة لرغبة الكثير من أبناء شعبنا وعلى رأسهم أبينا السامي مار لويس روفائيل الأول ساكو، ولكن ولدت ولادة قيصرية ناقصة من جوانب عديدة يتطلبها في السنوات القادمة تجاوزها وبجهود مضنية وصعبة وهي من مسؤولية أبناء هذه الأمة الشرفاء لتصبح الرابطة رافداً مهماً في مسيرة حركتنا القومية جنباً إلى جنب مع بقيت تنظيمات شعبنا في الوطن والمهجر.   
 

172
إلى الرابطة الكلدانية العالمية ... مع التحيات
============================
أبرم شبيرا
ثوابت مبدئية:
---------
لي مبادئ ثابتة وراسخة تتحكم في سلوكي القومي والسياسي والإجتماعي والأدبي وأتخذ منها منهجاً قويماً في  كتاباتي وأحاديثي لا بل وفي حياتي كلها، وأولها وأرسخها وأقواها هو إيماني المطلق بأننا نحن الكلدان والسريان والآشوريين أمة واحدة تجمعنا مقومات مشتركة مهما تنوع وتغير الشكل في التسمية ومهما أصر البعض بأننا أمم مختلفة وتسميات قوميتنا مختلفة فهذا كله لا يزعزع من ثوابتي المبدئية إطلاقاً. من هذا المنطلق فكل ما يحقق الكلدان من إنجازات ومكاسب فهي بالحتم والضرورة إنجازات ومكاسب آشورية وسريانية وأيضا كلما تعرض الكلدان إلى المآسي والفواجع فهي مآسي وفواجع آشورية وسريانية. والحال نفسه بالنسبة للإنجازات والمكاسب التي يحققها الآشوريون والسريان والفواجع التي يتعرضون إليها هي بالأساس إنجازات ومكاسب تصب في الحقل الكلداني وفواجع توجع الكلدان مثلما يتوجع بها الآشوريون والسريان. وكثيراً ما أشبهُ وضع أمتنا هذا بالأواني المستطرقة التي درسناها في مادة الفيزياء في المدرسة والتي نعرف عنها بأنها أنابيب مختلفة الأحجام والأشكال وعمودية الشكل ولكن متصلة بعضها ببعض بقاعدة أفقية، فإذا وضع سائل في إحداها توزع إلى بقية الأواني متخذا مستوى أفقياً واحد. فإنكسار أو إنفصال أي من هذه الأواني سوف يؤدي ذلك إلى إنهيار النظام برمته. هكذا نحن الكلدان السريان الآشوريين قاعدة أفقية لثلاثة مجموعات كلدانية وسريانية وآشورية نتساوى في السراء والضراء وفي الحقوق والواجبات وأي إنكسار أو إنفصال عن القاعدة التي تقوم على مجموعة مقومات من لغة وعادات وتاريخ وأرض سوف ينهار النظام ولا تقوم قيامة لبقية المجموعات. من هذا المنطلق المبدئي كنت قد كتبت بعض المقترحات والإيضاحات عن الرابطة الكلدانية تحت عنوان (مرحى بالسينودس الكلداني والرابطة الكلدانية) وأرسلتها إلى الموقع الألكتروني للكنيسة الكلدانية وأنا لا يسعني هنا إلا أن أشكر القائمون على إدارة الموقع لا لأنهم أخذوا أو لم يأخذوا بنظر الإعتبار ما كتبته بل أشكرهم من الأعماق لأنهم بلغوني بإستلام رسالتي وشكروني لمراسلتي لهم وهذا أمر لا أجده في معظم المؤسسات والأحزاب التي أراسالها حيث يتجاهلون كلياً ما نكتبه إليهم رغم فائدته لهم.

مرحى بالسينودس الكلداني والرابطة الكلدانية:
--------------------------
كتبت للموقع المذكور وقلت: أخوتي في الإيمان والأمة، (هذه بعض الملاحظات البسيطة القانونية والشكلية التي أرى بأنها ستكون مفيدة لوضع مسودة النظام الداخلي للرابطة الكلدانية ولم أتطرق إلى التفاصيل الأخرى. هذه هي مجرد أراء مستندة على خبرتي ومعرفتي في هذا المجال، وإني على إستعداد تام لإبداء المساعدة التي قد تطلب في هذا السياق) وهنا أدرج ما كتبته لعل قد يطلع عليها من يشارك في المؤتمر التأسيسي القادم وقد يستفاد منها في تطوير النظام الداخلي للرابطة، وهذا ماذكرته نصاً وقبل أن ينشر المقترح الأخير للنظام:

المسودة تفتقر إلى الحبكة القانونية المطلوبة لكل نظام داخلي لأي تنظيم، جمعية، رابطة، إتحاد ...إلخ فالصياغة القانونية مطلوبة لتكون الرابطة ضمن إجراءات ونظم وقوانين البلد الذي تؤسس فيه وتسجل طبقاً للإجراءات المتبعة كجمعية معترف به من قبل الجهات الرسمية. وهذا أمر كان يتطلبه محاميين وقضاة من أبناء شعبنا ذوي الخبر في هذا المجال. فمن صياغة المسودة يظهر بأنهم أستبعدوا عن هذه المهمة وحتى إذا كان من ساهم من المحاميين أو القضاة في صياغة المسودة فأنها تعكس قلة خبرتهم وعدم إلمامهم بالقدر الكافي لإخراج المسودة بشكلها القانوني المتعارف عليه. هذا الأمر قاد إلى إفتقار المسودة إلى النسق والترتيب في مواد النظام الداخلي للرابطة فتشابكت وتداخلت بعضها بالبعض لدرجة فقدت بعض المواد معانيها وبالتالي تظهر كأن هناك تكرار وإطناب وهو الأمر الذي أدى إلى تجاوز تفاصيل المواد وشرحها إلى الإطالة في النظام الداخلي مما أربك بعض القراء. لقد دلت وأثبت تجارب العالم بأن المثل القائل "خير في ما قلً ودلً" هو صحيح ومصدر لتطبيق القوانين والأنظمة ونجاحها وتقدمها من دون الضياع في متاهات الروتين. وهو أمر يجب أن يتبع في الصياغة النهائية للنظام الداخلي، أي إختصاره بالقدر الممكن حتى يكون سلسلاً وسهل الفهم والتطبيق. أما من حيث اللجان المقترحة في مسودة النظام الداخلي للرابطة، هناك مفهوم في بلدان العالم الثالث والمتخلفة ومنها العراق وبعض الدول العربية وهو: إذا تريد أن تُفشل وتُعرقل تنفيذ أمر أو قرار أو معالجة مسألة معينة شكل لها لجان!! فهذا صحيح مائة بالمائة لأن كثرة اللجان سيؤدي لا محال إلى الدخول في دهاليز الروتين وضياع المسيوليات والواجبات ومن ثم الخروج من دون نتيجة، وهذا أمر آخر مطلوب في الصياغة النهائية للنظام الداخلي للرابطة.

من منطلق ما تقدم، وطبقاً للسياقات القانونية والتنظيمية المطلوبة للنظام الداخلي وتسلسل مواده، نذكر مايلي:
في الأول يتم البدء بالمقدمة أو بالديباجة التي يشرح فيها وبإختصار أهمية تأسيس الرابطة والأهم من الكل هو الأسباب الموجبة لتأسيسها. ثم يأتي الأسم: فالأسم المقترح هو الرابطة الكلدانية، وأنا شخصياً أرى من الضروري وطبقاً للوقائع والطبيعة الديموغرافية للكلدان أن يكون الأسم (الرابطة الكلدانية العالمية). وذكر المركز، او المقر الرئيسي للرباطة مهم جداً غير أنه غير مذكور في المسودة. فأقترح مايلي:
المركز
: يكون مركز الرابطة الكلدانية العالمية مدينة بغداد – جمهورية العراق ولها الحق في فتح فروع  في بقية المدن العراقية وفي مدن دول المهجر طبقاً للقوانين والأنظمة المتبعة في كل دولة(أنتهى المقترح).
في كل ميدنة سواء في العراق أم في دول المهجر عندما يكون هناك كاهن كلداني معناه هناك كنيسة كلدانية وعندما تكون هنا كنيسة كلدانية في مدينة معينة معناه وجود عدد لا بأس به من الكلدان في هذه المدينة فهذه التدرجية أذكرها لتكون مرشداً ومسلكاً لتأسيس فروع للرابطة يتبع الكلدان إينما كانوا. الطبيعة القانونية: لم تذكر المسودة الطبيعة القانونية للرابطة وبشكل واضح ومبين، هل هي خيرية غير ربحية (Charity ) أم دينية أم ثقافية أم إجتماعية. هنا من الضروري أن نفهم بأن قانونية الرابطة مهما كانت لا يمنعها من ممارسة نشاطات ثقافية أو إجتماعية أو فنية أو أدبية أو خيرية..إلخ. أما مسألة الممارسات السياسية أو مساند حزب معين أو مرشح للإنتخابات فهذا يجب أن لا يذكر في النظام الداخلي بل يكون مثل هذا الموقف وفقاً لقرار تصدره الهيئة العليا للرابطة وطبقاً لظروف كل مرحلة، وهذا الأمر سيبعد النظام الداخلي عن السياسة. وهنا أود أن أكد وأذكر بأن النظام الداخلي هو مبادئ وأسس وليس تفاصيل وشروحات فحاله كحال دستور أية دولة فالأمور التفصيلية وإضفاء الصفة الرسمية والقانونية لنشاطات الرابطة تكون بقرارات إدارية تصدرها الهيئة العليا، وهذا الأمر هو الذي يستجوب أن يكون النظام الداخلي مقتصراً على المبادئ الاولية والأسس الرئيسية فقط. الأهداف: باب مهم ويجب أن تكون واضحة ومختصرة ومنطقية وقابلة للتحقيق.  ثم بعد ذلك تأتي العضوية والتي تحدد شروطها حسب ما ترتأيه وتقره الهيئة المؤسسة. وهنا أرى أن تحديد العمر بثلاثين سنة لطالب العضوية في المسودة أمر يحول دون إنضمام ومشاركة الشباب في الرابطة من دون سن الثلاثين وهي خسارة لطاقات كثيرة يملكها الشباب الكلداني في عصر هذا الزمان، خاصة إتقانه لآخر التقنيات في العالم والمطلوبة للرابطة ونحن نعرف سعة إنتشار الكلدان في العالم وضرورة ربطهم والإتصال بهم بالوسائل التقنية الحديثة.

أما بالنسبة لـ "هيكلية الرابطة"، فمن المتبع في تأسيس مثل هذه التنظيمات هو أبتدءاً من العضو، ثم اللجنة أو الفرع الذي ينتمي إليه ثم إدارة الفرع، ثم إدارة المركز ثم الهيئة العليا ومن ثم رئيسها والهيئة العامة للرباطة، صاعداً من الأسفل إلى الأعلى وأمام كل واحد منهم يجب بيان كيفية الإنتماء و الترشيح والإنتخاب والأهم بيان مسؤوليات ووجبات كل واحد منهم والمدة المحددة لعضوية في هذه الهيئات وإمكانية العضو ترشحه لأكثر من دورة من عدمها.... وهكذا تستمر مواد النظام إلى أن تنتهي بمادة، او مواد عامة، منها كيفية حل الرابطة والطرق الواجب إتباعها لحلها وتحديد الجهة التي ستحول أموال وممتلكات الرابطة إليها.

هناك نقطة أساسية ومهمة في المباشرة بعمل الرابطة يتعلق بالهيئة التأسيسية التي يجب أن تذكر أيضا في النظام الداخلي. فالعادة الجارية في تأسيس مثل هذه التنظيمات هو أن أعضاء الهيئة التأسيسية يتكونون من مجموعة أفراد، عادة 11 أو 15 فرد له خبر وإلمام في هذه المسألة والإيمان بالأهداف التي تأسست من أجلها وتكون عادة هيئة توافقية مختارة وغير منتخبة تكون مسؤولة عن وضع النظام الداخلي للرابطة بصيغته النهائية فتقوم خلال فترة محددة، عادة سنة أو سنتين، بمقام الهيئة العليا أو الهيئة الإدارية المركزية وبنفس وظائفها ومسؤولياتها فيما يخص قبول الأعضاء وغيرها وخاصة التحضير للإنتخابات العامة لإنتخاب الهيئة العليا أو الهيئة الإدارية المركزية. وبعد إجراء الإنتخابات تنتهي مسؤولية أعضاء الهيئة التأسيسية. ومن الطبيعي يحق لأي عضو من أعضاء الهيئة التأسيسية الترشيح للهيئة العليا. وفي حالة الرابطة الكلدانية أقترح أن تكون الهيئة المؤسسة برئاسة أبينا السامي البطريرك مار روفائيل ساكو الأول مع عدد من الإساقفة الأفاضل إضافة إلى عدد أقل من العلمانيين ذوي الخبرة والثقافة العالية والمعروفين بإخلاصهم وتفانيهم من أجل مجتمعهم الكلداني.

هذا بشكل مختصر من دون الدخول في تفاصيل أخرى. ولكم كل الموفقية.

مقترحات وملاحظات أخرى:
---------------- 
هذه بعض الملاحظات على مسودة النظام المقترح المنشور على موقع البطريركية بعد أن أرسل المقترحات أعلاه إلى موقع الكنيسة:
1- ضرورة وضع ديباجة والأسباب الموجبة لتأسيس الرابطة.
2- الأسم: يكون الأسم  (الرابطة الكلدانية العالمية). فقط ولا يستوجب ذكر شيئ آخر كما هو مذكور في المقترح.
3- فيما يخص التعريف فأن ما ذكر في باب الأسم ... . هويتنا هي: كنيسة كلدانيّة كاثوليكيّة جامعة، شاهدة ومبشرة بفرح الانجيل لعالم اليوم، ولا تُقحم نفسَها بالانقياد الحصري وراء عملٍ قوميٍّ أو سياسيٍّ أو حزبيٍّ يُفقدها زخم هويتها الكنسيّة! يجب أن يكون ضمن باب التعريف. أما الفقرات الآخرى الخاصة بالتعريف والواردة في المفترح يجب أن تكون من ضمن أهداف الرابطة.
4 – الأهداف يجب أن تكون في مقدمة الفقرات أي بعد الأسم والمركز.
5 – أغفل المقترح طريقة التصويت والنسبة المطلوبة لإتخاذ القرارات فيما إذا ستكون بالأغلبية البسيطة أو بالأغلبية المطلقة أو بنسبة الثلثين... إلخ، وكل نسبة تكون بحسب أهمية القرار والتي يجب ذكرها منها مثلاً تعديل النظام الداخلي، التي لم يذكرها المقترح، النسبة عادة تكون ثلثي المجتمعين.
6 – لم يبين المقترح طريقة وكيفية إنتخاب الرئيس واللجنة العليا واللجان الأخرى ومرد ذلك هو أن المقترح لم يذكر الهيئة العامة للرابطة التي عادة تكون هي المسؤولة عن إنتخاب اللجنة العليا ومن ثم إما إنتخاب المؤتمر العام للرئيس أو قيام اللجنة العليا المنتخبة بإنتخاب رئيس للرابطة من بينهم.
7- ترتيب وتنسيق تركيبات هيكل الرابطة ضروري لفهمه فمن المفروض أن يبدأ أولاً بالعضو وطريقة الإنتساب للرابطة ثم اللجان ثم الفروع ثم اللجنة العليا ثم المؤتمر العام المتكون من جميع أعضاء الرابطة.
8- لأضفاء المنطقية والعملية على قيام الرابطة أرى أن يكون المؤسسون والهيئات العليا من الكلدان المتواجدين في الوطن دون المهجر ثم يتم تأسيس فروع في بلدان المهجر. 
8 – ذكرموقع البطريركية بأن المؤتمر العام لتأسيس الرابطة سيكون في أربيل في الأيام الأولى من شهر تموز القادم والمعروف أن مكان إنعقاد مؤتمر التأسيس لأي تنظيم يكون مركزه. المقترح يذكر بأن بغداد ستكون مركز المؤتمر ولكن لأسباب أمنية وتوفر هامش من الحرية والديموقراطية وتواجد عدد أكبر للكدان في إقليم كردستان أرى من المفضل أن يكون مركز الرابطة مدينة أربيل، على الأقل في الوقت الراهن، وهذه الأسباب هي نفسها التي أدت إلى أن ينعقد المؤتمر في أربيل وليس في بغداد.
9 – وأخير وليس الأخير، مسألة علاقة الرابطة بالكنيسة مهمة جداً ويتطلبها أكثر توضيحاً. فحسب الفقه القانوني هناك  منظمات منظمَة ومنظمات تابعة. فالمنظمات المنظمَة تكون جزء من المنظمة الرئيسة وضمن هيكليتها. أما المنظمات التابعة فهي مستقلة في شؤونها وأموالها وإدارتها ولكن في إستراتيجتها وأهدافها تكون متسقة ومكملة لأهداف المنظمة الرئيسية التي لا تستطيع هذه الأخيرة القيام بها أو لا يسمح نظامها الداخلي بذلك. فالخطوط العريضة والمتشابكة لمقترح النظام الداخلي للرابطة توحي بأنها منظمة تابعة وليست منظمة منظمَة وهذا الأمر يستوجبه توضيح أكثر.
10 – نقطة مهمة أخرى أوردها وهي ذكر المقترح في الفقرة السابعة الخاصة بالتعريف مايلي (عيد مار توما الرسول في 3 تموز من كل عام، يعدّ عيداً رسميًا للكلدان وهو بالتالي عيد الرابطة). موضوع برأي لا علاقة له إطلاقا بتعريف الرابطة كما أنه موضوع كنسي بالتمام والكمال وتستطيع الكنيسة الكلدانية إقرار ذلك من دون إقحام الرابطة في هذا الموضوع.

نكرر تمنياتنا القلبية بنجاح المؤتمر التأسيس ونأمل أن تكون المقترحات أعلاه فائدة لجميع المشاركين فيه وهو المسعى الذي أبتغيناه من نشر هذه الملاحظات في موقعنا العزيز عنكاوه دوت كوم ونتمنى بكل جوارحنا أن تكون الرابطة محطة كلدانية مهمة تزيد وتقوي من روابط وحدة أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية.   

 


173
أفكار إستبدادية لمفكر عربي في تشريد الآشوريين
===============================
أبرم شبيرا

قرأت العشرات أن لم تكن المئات من الكتب والبحوث والدراسات لكتاب وباحين ومؤرخين عرب في الشأن الآشوري وفي معظمها، إن لم تكن جميعها، لم يرى في الآشوريين إلا طائفية نسطورية غرباء عن العراق وفد إليها من تركيا وهم غير سكان البلاد الأصليين ولم يكونوا يوما ما من العراقيين وإنما جلبهم الإستعمار الإنكليزي من تركيا إلى العراق.... أنهم فئة طاغية ومسلحة تسليحاً قوميا غرضهم تأسيس دولة آشورية لهم وقاموا بتمرد ضد الحكومة العراقية في عام 1933 مطالبين تأسيس دولة آشورية في نينوى... وأن تسميتهم الحقيقة هي النسطورية وأن الإنكليز خلقوا هذه التسمية لمأرب إستعمارية، لا بل وأكثر من هذا فجميع هؤلاء ينكرون الصلة التاريخية لأشوري اليوم بالآشوريين القدماء الذين بنوا أعظم حضارة في التاريخ دام حكهم السياسي ما يقارب ألف عام. وأكثر من هذا يحاول البعض إمحاء هذا التاريخ المديد للأشوريين بمجرد تحويل الشين إلى الثاء والإصرار على التسمية الآثورية مدعين بأن الآثوريين هم غير الآشوريين القدماء، وحزب البعث العراقي كان رائداً لهذا التزيف التاريخي. على أية حال مواضيع قديمة وخزعبلات للفكر العربي الإستبدادي لم تستطيع زحزحة إيمان الآشوريين بقوميتهم وتاريخهم المديدة وحضارتهم التي وضعت الأسس الراسخة للحضارة الإنسانية الحالية، وهي مواضيع سبق وأن تطرق إليها الكثير من الكتاب الآشوريين وأثبوا فجاجة هذه الأكاذيب بحق الآشوريين ولا يستوجب الإطالة والإنطاب فيها مرة أخرى.

على أن الذي يهمنها في هذا السياق هو نموذج آخر في الفكر الإستبدادي بحق الآشوريين غريب في طرحه وفريد من نوعه لا بل وأكثر من هذا فله تطبيقات على أرض الواقع وبأسلوب قائم على الدعوة لتشريد الآشوريين وتفتيتهم في مناطق مختلفة لكي لايشكلون فئة أو جماعة لها قوة وتأثير على مجريات الأمور يحول ذلك إلى فساد الفكر القومي العربي وعدم تحقيق الإستقرار والوحدة الوطنية المطلوبة. مثل هذه الأفكار نجدها في كتاب (دستور العرب القومي) للشيخ الدكتور عبدالله عثمان العلايلي (1914 – 1996)، وهو عالم لبناني ومفكر ولغوي وأديب موسوعي وفقيه له العشرات من الكتب اللغوية والفكرية والفقهية ولقب من قبل بعض الكتاب بـ (جاحظ العصر) وكانت بداية دراسته في كتاتيب بيروت وأستمرت دراسته اللغوية والفقهية والدينية مع العديد من الشيوخ وفي الآخير تلقى علومه في جامعة الأزهر في القاهرة. معظم كتبه مثيرة للجدل والإنتقاد منها كتابه (دستور العرب القومي) الذي طبع عام 1996 من قبل دار الجديد في بيروت وقبل وفاته في 3 كانون الأول من نفس السنة ويوصف هذا الكتاب من قبل البعض بـ (إنجيل العرب)!!! ولم يتجرأ هؤلاء ليقولوا (قرآن العرب) لأن القرآن عندهم واحد ولا يجوز التشبه به.


 الشيخ عبد الله العلايلي – جاحظ العصر كما يوصف

أن ما جاء في كتاب (دستور العرب القومي) هو تعبير عن تخوفه من الأقليات كخطر على الفكر القومي العربي وعلى الأماني القومية العربية ويتخذ من العلويين والآشوريين واليهود نموذجاً لهذه الأقليات التي تعكر الفكر العربي والوحدة الوطنية العربية، فهو يقول: (كل تجمع ملي أو عنصري يعتبر جريمة قومية، فمثلاً تجمع العلويين تجمع ملي يجعلهم على الدوام محتفظين بعنعنات خاصة فلا يذوبون أبدا في بوتقة القومية، وتجمع الآشوريين تجمع عنصري، وكذلك تجمع اليهود في موضع كفلسطيين.. ومن ثم أرى، مداواة لهذا الداء القومي الفضيع، أن يعمد إلى توزيع التجمعات بتبديل السكان، واليهود بدل أن يتجمعوا في فلسطين ينثرون في بلاد العرب بحيث لا يتسنى لهم إيجاد تجمع في إقليم ما أو منطقة ما، وكذلك العلويون ينثرون في بلاد العرب، وكذلك الآشوريون ومن أشبههم ممن يشكل أقلية تورث تذبذباً وتكسراً في الروح القومي  وأرى ضرورة مثل هذا التوزيع لأن لدينا طبقات ملية وعنصرية كثيرة تؤلف أقليات، هي أشد ضرراً من الطبقات الإجتماعية التي نتناصر على هدمها، وكل منها يجتمع على نفسه ويتكتل تكتلا إنفراديا بحيث لا يتم للوطن كيان مع موجودها كعوالق طفيلية وأعتقد بأنه لن يتسنى إيجاد الكيان القومي مع هذا الداء الإجتماعي الوبيل إلا بأحدى وسيلتين: أولا، ترحيلهم، وهذا ما عمدت الدول إلى تطبيقه حتى اليوم، كألمانيا مع اليهود والعراق مع الآشوريين. ثانياً:  توزيعهم بتبديل السكان في جهات مثنائية تضعف من شوكة تجمعهم وتجعلهم أكثر ميلاً إلى الذوبان في البوتقة القومية، وهذه الوسيلة التي ندل عليها ونشير بها، لعلها تحقق الغاية وتكفل الهدف من دون إضرار للوطن (ص 178).



 


غلاف كتاب دستور العرب القومي

==========================

طبعاً أن مثل هذا الفكر الإستبدادي والمتوحش مرفوض بالتمام والكمال تجاه أي مجموعة بشرية سواء أكانت علوية أو يهودية التي يشير إليهما العلايلي في كتابه السالف الذكر، لكن الذي يهمنا هنا هو أشارته إلى الآشوريين كأقلية أو بالأحرى كداء خطير في تكسير الروح القومي العربي. فإذا كان تخوف الشيخ من العلويين قائماً على تكتلهم وإمتلاكم لقوة سياسية وعسكرية وبالتالي سيطرتهم على الحكم في سورياً ومن اليهود في بناء دولة إسرائيل في فلسطين، فلماذا يتخوف من الآشوريين ويعتبرهم عنصر خطير على الفكر العربي الوحدوي وهم أقلية صغيرة لا حول لهم ولا قوة ولا من مساند أو داعم لمطاليبهم المشروعة؟؟ هذا الأمر يكشف لنا بأن فكر الشيخ العلايلي لم يكن إسلامياً متطرفاً رافضاً لليهود والآشوريين المسيحيين فحسب بل كان أيضا فكراً طائفياً رافضاً للعلويين الشيعة لهذا نرى بأن الشيخ لم يتطرق إلى الكورد الذين في غالبتهم من الطائفة السنية رغم كون له حركة قومية ناشطة في تلك الفترة ومؤثرة على السلطة المركزية في بغداد ومهددة للوحدة الوطنية حسب مفاهيم الشيخ التي طرحها في كتابه السالف الذكر في الوقت الذي كانت الحركة القومية الآشورية لعام 1933 بمطالبيها البسيطة غير مهددة للوحدة الوطنية العراقية ولكن الشيخ أدرجهم من ضمن الأقليات الخطيرة للفكر العربي القومي.

  قد نجد في الخلفية العقلية للشيخ تجاه الآشوريين وحقيقة مطاليبهم والسياسيات الإستبدادية التي مورست ضدهم من قبل السلطات العراقية أساساً لفكره. ففي الثلث الأول من القرن الماضي عندما طغت الحركة القومية الآشورية على السطح السياسي في العراق كان الشيخ العلايلي في تلك الفترة (من 1924 لغاية 1936) في جامعة الأزهر في القاهرة يتلقى علومه الإسلامية ومن المؤكد بأنه تأثر تأثيراً بالغاً بالإفكار الإسلامية المتطرفة التي نظرت بنظرة دونية للأخر المختلف وتعامل مع  قضاياه بأساليب الرفض ونفيه وتشريده عندما يشير ويقول بأن هناك دول عمدت إلى تطبيق سياسية تشريد الأقليات وتفتيتهم ويضرب مثلاً على ذلك ألمانيا مع اليهود والعراق مع الآشوريين. وقد يكون الشيخ قد أستمد فكره تجاه الآشوريين من السياسات الإستبدادية التي مارستها الحكومة العراقية تجاه مطالب الآشوريين وفهمها ضمن فكره الإسلامي المتطرف.. وإستبدادية هذا الفكر وتطرفه وأساليبه الوحشية تظهر جلياً عندما يؤيد ضمنا السياسة الألمانية النازية تجاه اليهود في طردهم وتشريدهم والسياسة العراقية في تشريد الآشوريين وتفتيتهم وهو الأمر الذي تم تطبيقه في العراق تجاه الآشوريين عندما ألتفت الحكومة العراقية وبمساندة بريطانيا في تلك الفترة على قرار الجلسة الرابعة عشر لعصبة الأمم المؤرخ في 15 تشرين الأول 1932 القاضي بإسكان الآشوريين المهجرين من منطقة حيكاري في مجموعات متجانسة واحدة فلجأت الحكومة العراقية إلى إسكان العوائل والعشائر الآشورية في وحدات مختلفة بين الكورد لغرض تفتيتهم وإضعافهم للحيلولة دون توحدهم وقيامهم بحركات أخرى مطالبين بحقوقهم القومية. ويرى بعض الكتاب الذين درسوا وأنتقدوا أفكار الشيخ العلايلي في تشريد الأقليات كضمان للوحدة الوطنية قد أصيبوا بعض من هذه الأقليات بعدوى هذه الأفكار ويذكرون الكورد كمثل على ذلك في تعاملهم مع السكان الأصليين من الآشوريين والتركمان ( تركي علي الربيعو – جريدة الحياة، عدد 2 نيسان 2000 ص 19). وهذا ما نلمسه في تجاوز الكورد على أراضي الآشوريين والإستيلاء عليها وخلق ظروف قاهرة لتهجيرهم وتشريدهم أما نحو المدن العراقية الكبيرة أو إلى بلدان المهجر.

من المؤكد أن الشيخ عبدالله العلايلي نموذج من بين العديد من نماذج الفكر الإستبدادي تجاه الأقليات لكتاب عرب ومسلمين ومن المؤكد بالمقابل أيضاً هناك نماذج فكرية لكتاب عرب ومسلمين منفتحين ينظرون ويعالجون مسألة الأقليات بنظرة موضوعية وتقدمية. ولكن هناك بوناً شاسعاً بين الفريقين. ففكر الفريق الأول الإستبدادي هو السائدة والطاغي على الحياة السياسية في الكثير من الدول العربية التي فيها أقليات ومنها العراق وينشط بشكل فعال ومؤثر في مجريات الحياة. واليوم تنظيم داعش الأرهابي نموذج تطبيقي لمثل هذه الأفكار. أما فكر الفريق الثاني فهو خامل وغير جدي ولا يتجاوز حدود الكلمات العاجزة من الى الساحة التطبيقية فهو مجرد كلام معسول منافق لبعض السياسيين ورجال الحكم والسياسة، والعراق نموذج على ذلك.

 


174
نظرة من ثقب الباب على المجمع المقدس لأساقفة كنيسة المشرق الآشورية
=============================================
أبرم شبيرا
كلمتان لابد منهما:
-------------
الأولى، أكرر مرة أخرى استخدام عبارة "نظرة من ثقب الباب" والذي لا يعني بأي حال من الأحوال إستقراء النظر أو الترصد او التطفل على الموضوع وتحديداً موضوعنا عن المجمع المقدس لإساقفة كنيسة المشرق الآشورية الذي أنعقد في نوهدرا – دهوك للفترة من 2 لغاية 5 حزيران 2015، بل مقصد العبارة هو النظر عن بُعد وعبر المساحة الضيقة المتاحة تجاه الموضوع ومن خلال شحة أو قلة المعلومات والأحاديث والمناقشات التي جرت في المجمع المقدس والتي تنشر في وسائل الإعلام وعبر إطارها الرسمي كبيانات وأخبار عن المجريات الشكلية لإجتماع المجمع المقدس، خاصة ونحن نعرف بأن مثل هذه الإجتماعات المقدسة تكون حصراً على الأكليريين ولا يحضرها العلمانيون، كإستشاريين أو معاونيين، كما كان في سابق عهد كنيسة المشرق.

أما الثانية، والتي تثير الكثير من الإستغراب وتفرز مئات علامات الإستفهام، هي موضوع نقد الكنيسة ورجالاتها. وهنا عندما أشير إلى الكنيسة أضع خطوط حمراء أمام لاهوتيتها وطقسها وإيمانها فهي ثواب إيمانية لا يمكن تجاوزها إطلاقاً والتعرض عليها مهما كان إيماننا بها فهي مسألة روحية لا دخل لنا بها ولا شأن فيها إلا ما يتعلق بإيماننا المسيحي وبكنيسة المشرق حاملة هذا الإيمان والمعبرة عن الجانب الروحي للمؤمنين بها. فعبارة الكنيسة التي أقصدها هنا والتي قصدتها أيضاً في مناسبات أخرى سابقة هي كمؤسسة تاريخية وحضارية وثقافية حالها  كحال أية مؤسسة مديدة تؤثر وتتأثر بمختلف المؤثرات الخارجية والداخلية وعبر مراحلها التاريخية الطويلة والتي بالحتم والضرورة تكون أسسها المادية وبناءها التحتي خاضعة للتغير ومن مرحلة إلى أخرى لتساير  تطور المجمع وإلا ستظل هيكل جامد غير قابل للإستجابة لمتطلبات العصر ولا محال لمصيرها غير الفناء. أما بالنسبة لرجال الكنيسة، أي أكليريتها وخاصة الدرجات الكهنوتية العليا، فالحديث عنهم مجرد تماماً من درجاتهم الكهنوتية المحاطة بهالة من القدسية التي لا نهاية لها إلا بالموت، القوة الوحيدة القادرة على إنتزاعها منهم، خاصة بالنسبة لكنيسة المشرق الآشورية التي تعطي الأولوية لسر الكهنوتية وتضعه في قمة أسرار الكنيسة. فالحديث عنهم هو عن طبيعتهم البشرية وكونهم بشر يخضعون لمبدأ الخطأ والصواب وحالهم كحال إي إنسان آخر من دون صفة كهنوتية. من المؤسف، وبسبب عجز بعض من أبناء شعبنا عن فهم هذه الحقيقة عن طبيعة الكنيسة المؤسساتيه وأكليريتها الناسوتية، يعتقدون بأنهم معصمون من الخطأ والتطرق إليهما أو إنتقادهما إنتقاداً بناءاً وعملياً الذي قد يساهم في أزالة مخلفات الماضي ويفسح الطريق لتقدمها وتطورها لذلك نرى بأنهم يلجأون إلى أساليب التملق والمديح والإطناب، وهو الأمر الذي يضر الكنيسة وأكليريتها أكثر مما يضر غيرهم. إذن من هذا المنطلق القائم على الصفة المؤسساتية للكنسية وعلى ناسوتية كهنتها يأتي هذا الموضوع. 

هدف المجمع المقدس:

------------
ماذا كان هدف إنعقاد المجمع المقدس لإساقفة كنيسة المشرق الآشورية في مقر أبرشية نوهدرا – دهوك في شمال بيت نهرين (إقليم كردستان) للفترة من 2 إلى 5 حزيران، 2015؟. طبعاً يبدوا السؤال ساذجاً وجوابه بسيط جداً خاصة بالنسبة للمطلعين على أخبار الكنيسة ولمؤمنيها. فكل البيانات التي أصدرتها كنيسة المشرق الآشورية على موقعها الرسمي الألكتروني واللقاءات والإجتماعات التي عقدت بين المطارنة والأساقفة الأجلاء أكدت وبشكل قاطع الهدف الوحيد لإنعقاد المجمع المقدس وهو (إختيار بطريرك جديد، لكنيسة المشرق الاشورية في العالم، خلفاً لقداسة البطريرك الراحل مثلث الرحمات، مار دنخا الرابع). ففي المرسوم الرسمي الصادر عن اعضاء المجمع المقدس لكنيسة المشرق الآشورية، بخصوص أربعينية قداسة البطريرك الراحل، وانعقاد سينهودس جديد والصادر بتاريخ 11 نيسان 2015 من مورتو كروف – أيلينيوس – الولايات المتحدة الأمريكية ، أكد غبطة مار أبرم موكن مطرابوليت الهند والقائم بالأعمال الزمنية للجاثليق البطريرك قائلا: (سوف يعقد أعضاء المجمع المقدس للكنيسة وحسب القوانين السينهادوسية، بعد أربعين يوماً من مواراة البطريرك الراحل، الثرى، لانتخاب الاب الاعلى الجديد وراعي الكنيسة، الجاثليق البطريرك في 2 من حزيران 2015 في العراق في مدينة أربيل). هكذا أستمرت التأكيدات المشددة على هدف المجمع المقدس في إنتخاب بطريرك جديد في كل البيانات والأخبار الخاصة بهذا المجمع المقدس وفي أخبار وصول المطارنة والأساقفة الأجلاء إلى شمال الوطن لغرض المشاركة في المجمع المقدس الخاص بإنتخاب بطريرك جديد للكنيسة. وتأتي أهمية إنعقاد المجمع المقدس، خاصة الأهمية القصوى لمحضر هذا المجمع المتكون من فقرة واحدة فقط، وهي إنتخاب بطريرك جديد للكنيسة، تأتي هذه الأهمية القصوى في حضور جميع مطارنة وأساقفة الكنيسة للمجمع وبهذا العدد الكبير هو حضور فريد من نوعه في تاريخ الكنيسة ومنذ قرون طويلة ويحدث لأول مرة حيث حضر المجمع ثلاثة مطارنة وأحدى عشر أسقفا من العراق وسوريا وإيران وبلدان المهجر.

البيان الختامي للمجمع المقدس:
------------------
بعد إنتهاء المجمع المقدس جلساته الرسمية التي عقدت في مقر الإسقفية لكنيسة المشرق الآشورية في نوهدرا – دهوك أصدر بتاريخ 5 حزيران 2015 بيانه الختامي المطول بعض الشيء والمتكون من تسع فقرات تناول أمور دنيوية وحتى سياسية وإجتماعية والظروف المحيطة بأبناء شعبنا في العراق وسوريا. أما في المسألة الدينية والكنسية  فقد جاء ذلك في فقرة واحدة، "السادسة" حيث ذكر (في الشأن الكنسي لكنيسة المشرق الأشورية، وتحديدا بأنتخاب ورسامة بطريرك جديد لكرسي ساليق طيسفون الرسولي، فأن المجمع والتزاما منه بوصية الرب “لكي يكونوا كلهم واحدا” (يوحنا 17: 21) ولأجل منح المدى الزمني الكافي والمتوازن لحوار وتوحيد شطري كنيسة المشرق بفرعيها، المشرق الاشورية والشرقية القديمة، ومع اعادة هذا الحوار الذي كان قد توقف قبل عدة سنوات، فأن المجمع ارتأى وبالاجماع تاجيل انتخاب البطريرك الجديد الى 16 ايلول 2015 القادم وتتم الرسامة في يوم الاحد 27 ايلول 2015، داعيا اكليروس وابناء الكنيستين للصلاة من اجل انجاز توحيد الكنيسة وانتخاب ورسامة البطريرك الجديد الذي يختاره الروح القدس من بين مطارنة واساقفة المجمع الذي سينعقد في ايلول 2015 والذي تلتزم الكنيسة بذل كل مساعيها ان يكون مجمعا واحدا وموحدا من اجل مجد اسم الرب وصالح كنيسته المقدسة وشعبه المؤمن.)

قرار صائب وشرعي صادر من أعلى جهة في كنيسة المشرق ولكن ما يجدر الإشارة إليه هو عدم إنتخاب بطريرك جديد للكنيسة رغم كونه الهدف الوحيد من إنعقاد المجمع المقدس، والأنكى من هذا هو تخصيص فقرة واحدة فقط من بين تسع فقرات للبيان الختامي وهو الأمر الذي لم يتسق مع الهدف الوحيد والمهم للمجمع المقدس الذي أنعقد من أجله. أي بهذه العبارة ان المجمع لم يحقق الهدف المبتغاة من إنعقاده وقد تم أرجاع سبب عدم إنتخاب بطريرك جديد إلى إعطاء فرصة لإكمال الحوار الجاري مع الشطر الآخر للكنيسة، أي الكنيسة الشرقية القديمة التي يترأسها قداسة البطريرك مار أدي الثاني بهدف توحيد شطري الكنيسة في كنيسة واحد تمحو الإنقسام الذي ألم بجسم الكنيسة ومؤمنيها منذ ما يقارب نصف قرن. لا أحد يستطيع أن ينكر أهمية وحدة شطري الكنيسة إلا الإبليس وأتباعه. فهو حلم وأمل أنتظره المؤمنون طويلاً  ويأملون بكل جوارحهم أن تتحق هذه الوحدة خاصة في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها أبناء شعبنا في الوطن. ولكن رغم الأهمية القصوى لهذه الوحدة الكنسية التي لم تكن ضمن الأهداف المعلنة لإنعقاد المجمع المقدس فأنها لم تأتي متسقة ومتوازنة مع أهمية إنتخاب بطريرك جديد الذي من أجله ألتأم شمل جميع المطارنة والأساقفة الاجلاء في المجمع المقدس. لقد جاء غبطتهم ونيافتهم من أقاصي العالم ليجتمعوا ويختاروا بطريرك جديد للكنيسة وليس للتداول في شؤون الوحدة الكنسية. فالجميع يعرف بأنه لايمكن إختيار بطريرك جديد للكنيسة إلا من قبل المجمع المقدس أما إقرار وحدة الكنيسة فهو أمر آخر وله إجراءات ووسائل مختلفة عن عملية إختيار بطريرك جديد للكنيسة حيث يسبقه لقاءات وحوارات ومراسلات لحين الإتفاق نهائياً على الأسس التي ستقوم عليها وحدة الكنيسة ومن ثم إقرارها في المجمع المقدس لإضفاء الشرعية عليها. أي بهذه العبارة وحسب تقديري الشخصي لم يكن المجمع المقدس موفقاً في تبرير عدم إنتخاب البطريرك الجديد بحجة إنتظار جواب من الشطر الآخر للكنيسة حول وحدة الكنيسة ومن ثم يتم إجراء إنتخاب البطريرك الجديد في 16 من شهر أيلول 2015 و رسامته في يوم الأحد المصادف 27 من نفس الشهر، لأن الظاهر هو عدم وجود علاقة مباشرة بين الحدثين أي إنتخاب البطريرك الجديد ووحدة الكنيسة ما لم تكن هناك أعتبارات وأسباب أخرى لايمكن التأكيد عليها من خلال المعلومات الشحيحة التي ينظر إليها عبر فتحة الباب والتي تعطي لنا أحتمالات وإنطباعات يمكن على ضوئها بيان بعض الأراء حول الموضوع، وأولها هو أن تأجيل إنتخاب البطريرك الجديد بسب إنتظار نتائج الحوار حول الوحدة يعطي إنطباعاً بأن إنتقال قداسة البطريرك مار دنخا الرابع إلى جوار ربه في جنات الخلد فتح باب الحوار مع الشطر الآخر للكنيسة بعد أن كان قد توقف منذ سنوات مضت ويظهر كأنه كان عائقاً، لا سمح الله، أمام إستكمال هذه الوحدة، ولكن الأمر غير ذلك تماماً فمثلث الرحمات مار دنخا الرابع كان منذ تولي قداسته سدة البطريريك قد دأب على العمل المضني والمتواصل مع جميع فروع كنيسة المشرق وتحديداً مع الكنيسة الشرقية القديمة لتحقيق الوحدة.

غياب البطريرك عن المجمع المقدس:
--------------------
من الجدير بالذكر وحسب قوانين كنيسة المشرق الآشورية فأن البطريرك هو الذي يترأس المجاميع المقدسة للكنيسة ولا يمكن أن تنعقد وتصدر قرارات شرعية نافذة إلا بحضوره وترأسه للمجمع بإستثناء في حالة وفاته أو عجزه الكامل عن الحضور وتوكيله لمن ينوب عنه لترأس المجمع، فبهذه الحالة تكون جميع قرارات المجمع شرعية ونافذة، وهي الحالة التي تنطبق على المجمع المقدس المنعقد مؤخراً من دون حضور البطريرك. صحيح هو أن البطريرك قداسة مار دنخا الرابع غاب جسدياً عن المجمع المقدس برحيله إلى جنات الخلد ولكن من المؤسف جداً أن يُغيب روحياً وفكرياً ومنهجياً عن هذا المجمع المقدس الذي خطط له وأقره قبل إنتقاله إلى جوار ربنا. أبسط مؤمن بهذه الكنيسة والأمة يعرف جيداً الفكر القومي والنهج الوحدوي الذي كان قداسته يتبناهما في عمله وخطبه ولقاءاته وفي كل يوم من أيام حياته. فلم تكن تمر مناسبة أو لقاء  إلا وكان قداسته يوضح دوماً فهمه وإدراكه للعلاقة بين الكنيسة والقومية أو بين الدين والسياسية مؤكداً بأن الكنيسة لا تتدخل إطلاقا في المسائل السياسية فهناك أحزاب سياسية ومنظمات قومية هي المعنية بهذه المسائل أما قداسته كآشوري يهمه جداً مسألة نجاح هذه الأحزاب والمنظمات في تحقيق أهدافها لأن نجاحهم هو فائدة للأمة وإخفاقهم خسارة لها فدوره كبطريرك يقتصر على الصلاة والدعاء لهم للنجاح في مهمتهم وتحقيق الصالح العام ولم يكن ينسى قداسته أيضاً الإشارة إلى ضرورة التتفاهم بين هذه الأحزاب والمنظمات كسبيل لتحقيق النجاح. من المؤسف حقاً أن تغيب مثل هذه الروح القومية عن المجمع المقدس ولا يشير البيان الختامي إليها لا شكلاً ولا ضمناً، لا بل ويبخل حتى عن سطر أو سطرين للصلاة والدعوة إلى المحبة والتفاههم بين أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية لتحقيق الصالح العام لأبناء الأمة الذين هم في معظمهم أبناء هذه الكنيسة المقدسة. والأنكى من كل هذا وذاك فأن البيان الختامي للمجمع المقدس المتكون من تسع فقرات لم يذكر أو يشير إلى تسميات شعبنا ومؤمني كنائسنا المقدسة، فلم ترد فيه لا بالإشارة ولا بالورادة  أية تسمية قومية أو كنسية سواء أكانت آشورية أو كلدانية أو سريانية، بإستثناء الفقرة السادسة المتعلقة بالهدف الوحيد لإنعاقد المجمع، في الوقت الذي كرس البيان الختامي معظم فقراته على مسائل عامة  سياسية وإجتماعية عن الظروف الحالية التي تحيط بأبناء شعبنا بشكل خاص وعن البقية بشكل عام، ويظهر عجز المجمع المقدس عن إتخاذ قرارات بهذا الشأن فأقتصرت مستخرجاته بـكلمات مثل ناقش وتوقف وأكد ودعى وتوجيه... ألخ. ومثل هذه الأساليب نجدها في كل يوم في بيانات الأحزاب العراقية الفاشلة والمتملقة وفي خطب وكلمات المسؤولين العراقيين التي ليست إلا كلمات هوائية لا فعل واقعي لها على الأرض. ومن المؤسف القول بأن أعضاء المجمع المقدس كانوا عراقيين بكل معنى الكلمة في بيانهم الختامي.

حوار الوحدة بين فروع كنيسة المشرق:

---------------------
 كتب الأرشمندريت عمانوئيل بيتو يوخنا كتابا صغيراً في حجمه وكبيرا في معلوماته عن موضوع الحوارات التي كانت تجري بين شطري الكنيسة، كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة حول الوحدة والأسباب التي أدت إلى توقفها ليؤكد، وهو من موقع قريب ككاهن في الكنيسة، الوقائع المعروفة بانه لا يوجد أدنى فرق وإختلاف بين الشطرين من الناحية اللاهوتية والطقسية إطلاقاً بل كله إختلاف إداري وإجرائي وفي قمة هذا الإختلاف هو الكرسي البطريركي الذي كان عائقاً رئيسياً أمام تحقيق الوحدة... أي بعبارة أوضح: من سيكون البطريرك بعد تحقيق الوحدة، قداسة البطريرك مار دنخا الرابع أم قداسة البطريرك مار أدي الثاني؟؟ وفي حينها طرحت عدة إقتراحات لحل هذه العقدة الماثلة أمام تحقيق وحدة الكنيسة ومنها، ومايتعلق بموضوعنا هذا، هو أن يكون للكنيسة الموحدة بطريركان: مار أدي الثاني للكنيسة في العراق والمشرق ومار دنخا الرابع للكنيسة في المهجر والعالم  لحين أن ينعم الله رحماته الواسعة على أحدهما وينقله إلى جواره فيصبح الآخر بطريركا على الكنيسة كلها، في الشرق والغرب. ومثل هذا المقترح كان قد قدم من قبل كنيسة المشرق الآشورية ورفض من قبل الكنيسة الشرقية القديمة كغيره من المقترحات السابقة التي رفضت أيضا ومنها إجراء إنتخابات أو إستفتاء عام على البطريركين والفائز يكون بطريركاً على الكنيسة الموحدة. غير أنه من الملاحظ لا المقترح الأول كان ممكنا بسبب عدم منطقيته وتداخل الولاءات بين البطريركين وأتباعهما ولا الثاني كان قانونياً وشرعياً لأنه لا يجوز حسب قوانين كنيسة المشرق والأعراف التقليدية تنازل البطريرك أو إستقالته من منصبه.

أنتقل قداسة البطريرك مار دنخا الرابع إلى جوار ربه وأصبحت كنيسته خلال هذه الفترة بدون رأس في حين بقى البطريرك مار أدي الثاني، أطال الله من عمره، في منصبه كبطريرك للكنيسة الشرقية القديمة وهو الأمر الذي فتح المجال واسعاً للنظر في إمكانية تحقيق المقترح السالف الذكر الخاص بوجود بطريركين للكنيسة الموحدة حتى إنتقال أحدهما إلى جوار ربه. ولكن ما يشوب تحقيق هذا المقترح هو إنتقال قداسة البطريرك مار دنخا الرابع إلى جوار ربه قد تم في فترة لا زالت الكنيسة منقسمة إلى شطرين وليست متوحدة. أفهل سيراهن المطارنة والأساقفة الأجلاء ومن شطري الكنيسة على هذا الحل لليتوحد الشطرين في كنيسة واحدة ويكون لها بطريرك واحد؟ أم أن قداسة البطريرك مار أدي الثاني سيتنازل عن الكرسي البطريركي ويفسح المجال لكلا الطرفين لإنتخاب بطريرك جديد؟؟ يبدو أن أمر التنازل غير وارد قانونيا وحسب قوانين كنيسة المشرق ولكن ليس مطلقاً فالإستثناء قد يكون وارداً. ولكن هناك عامل إجتماعي قوي ومؤثر في مسألة توحيد شطري الكنيسة وهو الزعة العشائرية السائدة في المجتمع الآشوري والذي سنتطرق إليها وبأختصار في السطور القادمة. هناك أمر غريب ومثير للإستغراب في البيان الختامي للمجمع المقدس وهو عدم الإشارة بتاتاً إلى مسألة الحوار والإجتماعات الطويلة واللقاءات المستمرة بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية من أجل التقارب نحو تحقيق الوحدة المنشودة بينهما. أن مسألة الوحدة بين شقي الكنيسة والعائق المؤثر فيها معروف وهو "السلطة والولاية" وهو أمر كنسي وقد يكون أيضا لاهوتي ولكن الأمر الذي يهمنا ويهم معظم أبناء شعبنا هو إستمرار بناء مفاهيم في التفاهم والمحبة والتنسيق بينهما التي من المؤكد ستنعكس على المستوى القومي والإجتماعي لأبناء أمتنا جميعا وبكل إنتماءاتهم الكنسية لأن هذا الإنقسام الكنسي ومنذ قرون طويلة يطرح مشاكل على المستوى القومي والإجتماعي في الإنتماء والتسمية القومية ويجعل أبناء أمتنا كلدانا وآشوريين وكأنهما قوميتان أو مجتمعان مختلفان رغم وحدة مقوماتهم القومية. لهذا السبب فأن التأكيد على الحوار واللقاء بين فرعي كنيسة المشرق، الكلدانية والآشورية، يهم الجميع وعلى كافة المستويات الدينية والقومية وهذا ما يؤسفنا عدم تطرق المجمع المقدس إلى هذا الموضوع الحساس، أملاً وبكل جوارحي أن لا يكون هذا التغيب نابعاً من الحساسية المفرطة تجاه الكاثوليكية التي ورثناها من زمن حيكاري التي زرعها المبشرون الغربيون في نفسية أباؤنا وأجدادنا.

أما بالنسبة للحديث عن مسألة الوحدة بين الشطرين، كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة فمن الملاحظ  بأنه بعد نصف قرن من الإنقسام تقلصت تأثيراته في السنوات الأخيرة على المستويات القومية والفكرية والإجتماعية ولم يعد لها تأثير يذكر في المجتمع الآشوري حيث نرى الكثير من أتباع هذه الكنيسة يتقدسون وينالون البركة من الكنيسة الآخرى من دون أي مانع أو إحراج. كما لم يعد لهذا التقسم تأثير في تأسيس أو الإنتماء إلى الأحزاب السياسية أو الجمعيات أو الأندية  أو أي نشاط آخر وأصبحت الأجيال الجديد غير معنية إطلاقاً بهذا الإنقسام الذي أنحصر تأثير في بعض من "المحاربين القدماء" من الطرفين. لهذا نرى بأن أهمية هذه المسألة هي أقل بكثير من مسألة الحوار مع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. ولكن هناك من يقول بأنه يجب في أول الأمر أن تكون الوحدة بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة فهو أسهل ثم بعد ذلك يصار إلى الحوار مع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. هذا أمر صحيح لا غبار عليه ولا أعتراض ولكن كان يجب على المجمع المقدس أن لا يبخل على سطر أو سطرين للإشارة في بيانه الختامي إلى الحوار مع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كمدخل أو تهيء وإستعداد معنوي وفكري لإنتقال إليه بعد إستكمال الوحدة مع الكنيسة الشرقية القديمة.

قبل الإنتقال إلى القسم الآخر من الموضوع، أود هنا أن أشير على الملئ بعض الملاحظات على التسمية الكنسية لفرعي الكنيسة، أولها بالنسبة للتسمية الرسمية للكنيسة الشرقية القديمة، لا أدري إلى متى ستصبح قديمة ونحن في منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة؟، أليس من المفروض عن هذا القديم أن يتجدد وأن لا يبقى قديماً في العصور الحديثة ويعطي إنطباعاً غير صحيح عن تاريخ الكنيسة؟؟. أما بالنسبة لكنيسة المشرق الآشورية، فعلى الرغم من إنني ضعيف في اللغات وفي الترجمة من لغة إلى أخرى، فهناك خطاً في ترجمة أسم هذه الكنيسة. فباللغة العربية هي كنيسة المشرق الآشورية وباللغة الإنكليزية هي (Assyrian Church of the East) أي بهذا المعنى إن الكنيسة آشورية بخصائصها وبموطنها ولغتها وتراثها وتاريخها وهذا أمر صحيح. أما باللغة الآشورية أو السريانية فالتسمية هي: (ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ ܕܐܬܘܪܝܐ) وترجمتها إلى العربية هي (كنيسة المشرق للآشوريين) أي بهذا المعنى بأن الكنيسة هي حصراً للآشوريين فقط دون غيرهم من القوميات وهذا مخالف للواقع وتاريخ الكنيسة. هذه المسألة طرحتها شخصياً عدة مرات على أكليريي الكنيسة ومنهم الراحل إلى جنات الخلد البطريرك مار دنخا ووعد في حينها أن ينظر في الموضوع أثناء إنعقاد المجمع المقدس ونأمل من أعضاءه الأجلاء النظر فيه بمجمعهم المقدس القادم وبما يفيد الكنيسة.

دور العشائرية في إنقسام الكنيسة وصعوبة توحدها:
-----------------------------
أن الهدف من الإشارة إلى  تأثير العشائرية على كنيسة المشرق الآشورية هو للتأكيد بأن الإنقسام الذي حدث فيها في منتصف الستينيات من القرن الماضي لم يكن له أية علاقة إطلاقاً لا بالدين ولا باللاهوت وأن تبني التقويم الغريغوري من قبل مثلث الرحمات البطريرك مار شمعون إيشاي بدلا من التقويم اليوليالي لم يكن إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقول المثل. فالصراع الكنسي عقب إنقسام الكنيسة لم يكن إلا شكليا وإنعكاساً لصراع عشائري في المضمون والمحتوى وله إمتدادات بدأت عقب إنهيار النظام العشائري- الكنسي من جراء الحرب الكونية الأولى وما أعتقبها من مأساة وفواجع للأشوريين وظهر بشكل أوضح على السطح السياسي عقب نشؤ الحركة القومية الآشورية في الربع الأول من القرن الماضي وتحديداً أثناء الحركة القومية الآشورية لعام 1933 وأستمر ليظهر على شكل إنقسام كنيسي في منتصف القرن الماضي. ويكفي أن نشير هنا بأن لا ماليك خوشابا, زعيم أكبر العشائر التيارية أثناء الحركة القومية الآشورية، كان من أتباع كنيسة المشرق ولا أبنه المرحوم ماليك يوسف ماليك خوشابا الذي ورث زعامة أبيه على عشيرته والعشائر المتحالفة معها أثناء الإنقسام الكنسي والذي تولى فعليا قيادة حملة نشؤ الكنيسة الشرقية القديمة وإختيار البطريرك لها فأستمر دوره الفعال والمعروف لكثير من أبناء شعبنا بعد أن أصبح "رئيس المجلس المركزي ورئيس مجمع شيوخ الطائفة للكنيسة الشرقية القديمة.

واليوم، مهما كانت النوايا والجهود فعالة في محاربة النزعات العشائرية في المجتمع الآشوري إلا أنها لم تستطيع القضاء عليها نهائياً، فتأثيرها لا زال قائما في أروقة الكنيسة. ففي نهاية التسعينيات من القرن الماضي وما بعده جرى محادثات ولقاءات وإجتماعات بين شقي الكنيسة، المشرق الآشورية والشرقية القديمة للتباحث في شأن الوحدة، فشن فرسان النزعات العشائرية حملات شعواء ضد قداسة البطريرك مار أدى الثاني متهمة أياه بالخيانة ونكث العهود لأنه ألتقى قداسته بـ "الخونة الشمعونيين" وتباحث مع "الأعداء الشمعونيين" – نسبة إلى مار شمعون -  كما كان المرحوم ماليك يوسف يوصف رجال كنيسة المشرق الآشورية في رسائله الموجه إلى قداسة البطريرك واللجنة المركزية للكنيسة الشرقية القديمة. وليس ببعيد، فقبل سنتين أو أكثر تبنى قداسته إستفتاء للإحتفال بعيد الميلاد وفق التقويم الغريغوري ليكون متوحداً مع كنيسة المشرق الآشورية فظهر بعض من "المحاربين القدماء" لبعض العشائر الآشورية ليرفضوا هذه الخطوة ويصروا على إستمرار الإحتفال بعيد الميلاد حسب التقويم اليوليالي، معتقدين بسبب جهلهم وعقليتهم العشائرية بأن هذا التقويم هو تاريخياً للأباء والأجداد. أما على جانب كنيسة المشرق الآشورية فإنها لم تكن بعيدة عن تأثير النزعات العشائرية وتقسيم المناصب الكنسية وفقاً للنظام العشائري الذي كان سائداً في حيكاري رغم كل الجهود المبذولة والنوايا الطيبة في تصفية الكنيسة من مثل هذه النزعات الهدامة فأن تأثيرها بقى قائماً من خلال  تعيين الكهنة والأساقفة وتخصيص الأبرشيات. هذا الموضوع طويل جداً ولنا بحث موضوعي عنه نأمل أن يجد طريقه للقارئ الفاضل في المستقبل القريب. على العموم، أن الغرض من هذه الإشارة وبيان تأثير الزعة العشائرية في المجتمع الآشوري هو التساؤل والإستفسار... هل ستكون مثل هذه النزعة عائقاً أمام إختيار مار أدي الثاني كبطريرك للكنيسة الموحدة وهو من عشيرة غير العشيرة التي تولت هذا المنصب تقليديا وتاريخياً، ونحن نعرف أيضاً كغيرنا من أبناء مجتمعنا بأن قداسته هو بطريرك لكنيسة عدد أتباعها قد لا يتجاوز ثلث أتباع كنيسة المشرق الآشورية؟؟ وهل أتباع هذه الكنيسة الأخيرة سيقبلون به كبطريرك لكنيستهم خاصة وهناك معارضة له من أتباعه نفسهم يمثلهم بعض من المحاربين القدماء؟؟؟  وتساؤل أخر عن تأثير النزعات العشائرية... هل سيختار أعضاء المجمع المقدس لكنيسة المشرق الآشورية بطريركا جديداً من خارج الأطر "الحيكارية". أي من خارج العشائر التي كانت توصف بـ "الرعية" في زمن حيكاري ويختارون بطريرك من العشائر المستقلة؟؟؟ وأخيرا يستوجب الذكر وبكل حزم وإصرار بأنه مهما كان تأثير العشائرية في المجتمع الآشوري فأنه سيتآكل مع مرور الزمن وتطوره ولن يكون لها أي تأثير كلما أرتقى الوعي القومي والإجتماعي والإيمان بربنا يسوع المسيح عليه السلام الذي حتما سيزيد من بركاته ونسمات روح القدس على المطارنة والأساقفة الأجلاء في إختيار البطريرك الجديد بعيد عن هذه التأثيرات الضارة للكنيسة والمجتمع. ولا يسعنا في الأخير إلا زيادة وإستمرار تذرعنا لصلواتنا إلى ربنا الخالق أن ينور طريق المطارنة وأساقفة الكنيسة لينعموا ببركات ربنا يسوع المسيح ويسهل أمرهم في إختيار البطريرك الجديد ليسيروا على نفس النهج الذي تركه لنا الراحل إلى جنات الخلد البطريرك مار دنخا الرابع ويستمروا في إحتضان الكنيسة والأمة كروح وجسد في كيان واحد.


175
في ضوء تناقضات وصراعات العراق المستديمة - 3
============================= 
إعادة تأسيس دولة العراق
أبرم شبيرا
إزدواجية الشخصية العراقية السياسية وإغتراب النظام السياسي:
-----------------------------------
كان العالم والباحث الإجتماعي الدكتور علي الوردي "رحمه الله" رائداً في شرح التناقضات التي عان منها العراقيون وفسرها وفق نظرية "إزدواج الشخصية" وهي الحالة التي تنطبق بكل حذافيها وبشكل خاص على المفكرين والسياسين العراقيين. هناك غرائب وعجائب في عالم السياسة لا نجد مثيلاً لها إلا في تاريخ العراق السياسي، ولعل أغربها هو  في أيلول من عام 1965 كان عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء في عهد الرئيس العراقي عبد السلام عارف الذي كان في المغرب يحضر مؤتمر القمة العربي الثالث وكان عارف عبد الرزاق أيضا قائم بأعمال رئيس الجمهورية غير أن هذا لم  يكن كافياً لطموحاته السلطوية الجنونية وهو في قمة السلطة فقام بأنقلاباً غير أنه فشل. أفهل هناك رجل سياسة وحاكم في السلطة يعمل إنقلاب عسكري ضده نفسه ويفشل؟. أن معاناة العراقيين المستديمة ما هي إلا نتاج مثل هذه الممارسات الجنونية لحكام العراق  والتي تنشأ وتنمو في أجواء إنعدام الديموقراطية في ممارسة الحكم والحياة العامة وإغتراب النظام السياسي عنه. فالعداء السافر  المتوارث عن المرحلة العثمانية في التعامل مع "المختلف"، أحتل المقام الأول في أسلوب معالجة التناقضات والاختلافات القائمة بين أهل العراق وانعكس ذلك بشكل مباشر في الأنظمة الاستبدادية التي تعاقبت على السلطة القائمة على المركزية الفاحشة وارتبطت بها بشكل عضوي بحيث جعلت من الصعوبة جداً رسم حدود فاصلة بين السبب والمسبب ومن ثم استحالة الإجابة على سؤال فيما إذا كانت الأنظمة الاستبدادية من خلق زمرة قليلة من متعطشي السلطة والجاه أم هي المحصلة النهائية لطبيعة العراقيين الغارقين في التناقضات والصراعات.  فلا يختلف اثنان في هذه الدنيا بأن الأنظمة الاستبدادية والفردية في العراق دمرت، من خلال سوء إدارة  الصراع، الإمكانيات الحضارية والجغرافية والتاريخية والفكرية والإبداعية الهائلة للعراقيين.

الديموقراطية  شعار ينادي بها أعتى الدكتاتوريون في العالم ويدرجونها في دساتيرهم ولكن شتان بين المناداة بهذه الشعارات وتسطيرها في الدساتير وبين تطبيقها على أرض الواقع. والعراق منذ تأسيس كيانه السياسي ولحد هذا اليوم لا تخلوا دساتيره من كلمة الديموقراطية وحتى دستور عام 2005 ينص في مادته الأولى من الباب الأول (المبادئ الأساسية) على أن (جمهورية العراق دولة إتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري (برلماني) ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق) ولكن الواقع الفعلي والعملي غير هذا تماماً بل متناقض تناقضاً صارخاً مع هذه المادة التي تقر بديموقراطية نظام الحكم. فالطائفية ونظام المحاصصة وتشكيل الأحزاب السياسية والكتل الإنتخابية على أساس طائفي كلها حقائق تؤكد وبقوة إزداوجية الشخصية العراقية السياسية، وهي الإزدواجية التي تنعكس بشكل مباشر وواضح في النظام السياسي العراقي. إن مرض الفصام الشيزوفرينيلدى الساسة العراقيين واضح ومؤثر جداً. فهم من جهة لهم  دعوات وطنية ووحدوية مثالية ومن جهة أخرى لهم ممارسات وسلوكيات تجزيئية طائفية يمارسونها على صعيد الواقع. فهذه الثنائية الإزدواجية في الشخصية العراقية السياسية حقيقة واقعية ومسألة عقلية ذهنية وفكرية وليست سياسية فحسب. ليس هذا فحسب بل حتى تأكيد المادة الأولى من الدستور أعلاه على كون العراق دولة إتحادية ونظامها برلماني فأن الحساسية المفرطة والتخوف من تداعيات هذا النظام تتمثل في التعابير الواردة في هذه المادة مثل " دولة إتحادية واحدة" أو "وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق". فالأعتراف بهذه الحقوق شيئ وتطبيقها على أرض الواقع  شيئ آخر.  كل هذه الوقائع جعلت من النظام السياسي في العراق مغترباً عن العراقيين إغتراباً فضيعاً وبعيداً عن تطلعاته في الأمن والإستقرار والرفاهية وأصبح أمر الأنتماء إلى الوطن من خلال الطائفة أو الحزب أو من خلال السطلة وليس من خلال الهوية الوطنية العراقية . فالطائفية السياسية التي أقيم عليها الحكم في العراق كان بمثابة قنبلة موقوتة بدأت بالإنفجار وتدمير كيان العراق وإنهيار مقومات قيامه.


إنهيار كيان العراق السياسي وإمكانية أعادة تأسيسه:
------------------------------
لا يختلف اثنان  بأن الديموقراطية هي أنسب نظام للتعامل مع اختلافات وتناقضات العراقيين المستديمة، ليس بمفهومها الغربي الكلاسيكي، وإنما بمفهوم قبول الاختلاف المشروع وإتاحة الفرصة له للتعبير عن اختلافه وتطلعاته السياسية ومثل هذا التعبير لا يمكن أن يتم إلا ضمن أطر سياسية وأنظمة متطابقة مع الظروف القومية و الجغرافية والتاريخية لكل مجموعة من مجموعات العراقيين، أي بعبارة أخرى يأتي النظام الفدرالي القائم على الأقاليم ذات الحكم الذاتي  في المقام الأول أن لم يكن الوحيد لضمان الأسلوب الأمثل في الإستقرار والأمن لكل قومية أو طائفة أو أثنية في العراق. لقد دفع العراقيون طيلة ما يقارب قرن من الزمن ثمناً غالياً جداً ومتواصلاً من الدماء والتضحيات والحرمان من أبسط مقومات الحياة وفي وطن زاخر بخيراته الطبيعية والجغرافية والحضارية، في بلد يعتبر من أغنى بلدان العالم ولكن في عين الوقت يعتبر من أفقرها في الإدارة والتنظيم والحكم ليس ذلك إلا لأسباب عديدة ولكن أهمها هو النظام السياسي القائم على المركزية الفاحشة في الحكم الذي أسسه البريطانيون في العراق بما يتوافق مع مصالحهم الخاصة وليس مع مصالح العراقيين. يمكن تشبيه تأسيس بريطانيا لدولة العراق بتشييد عمارة متكونة من عدة طوابق بنيت على أسس وقواعد خاطئة وغير مطابقة للمواصفات الهندسية المطلوبة فمن الطبيعي أما أن تنهار هذه البناية أو ستظهر عاجلاً أم آجلاً العيوب والشقوق في جدرانها وبالتالي سيعاني سكانها من خطر إنهيارها. هكذا أسس البريطانيون كيان دولة العراق على أسس خاطئة ومتناقضة ومتصارعة وأنعكس هذا الكيان في أنظمة سياسية لم تكن قادرة إطلاقا على التخفيف من تناقضات العراقيين ومنعها من إستفحالها نحو صراعات دموية مستديمة أو تأطيرها ضمن أطر سياسية وتنظيمية قادرة على ترويض هذه التناقضات وعلى التخفيف من معاناة العراقيين المستديمة.

 الأركان الأساسية من إقليم وشعب وحكومة وسيادة التي تشكلت بموجبها دولة العراق أنهارت وجعلت من العراق ساحة صراع بعيدة عن أن تكون دولة بكل معنى الكلمة. اليوم يقال بأن تنظيم داعش الإرهابي يحتل ما يقارب 40% من أراضي العراق التي تفتت إلى أجزاء بحيث محت الحدود السياسة لدولة العراق. والعراقيون منقسمون إلى طوائف ومللم وأصبحوا شعوباً متقاتلة أكثر مما هم شعباً واحداً قادر على أن يكون مقوم أساسي لقيام الدولة. أما الحديث عن الحكومة والسيادة فهو حديث بدون تخوم لأن لا الحكومة ولا السيادة بقى لهما أي تاثير على الساحة العراقية خاصة وهناك العديد من الميليشيات والقوات المسلحة خارج سيطرة الحكومة. هكذا أنهار كيان العراق السياسي بإنهيار مقومات قيامه. من هنا ووفق هذه الحالة المزرية  يستوجب أعادة النظر في مسألة تأسيس دولة العراق على أسس قويمة ومطابقة لظروف العراقيين الجغرافية الديموغرافية كأساس لضمان الأمن والإستقرار.   



العراق بين المركزية الفاحشة والفدرالية:
----------------------   
أن موضوع النظر في النظام المركزي الفاحش للحكم في العراق وإعادة تأسيسه بما يتوافق مع مكونات العراقيين الدينية والطائفية واللغوية والجغرافية والديموغرافية وضمن أطر جديدة تحل محل المركزية الفاحشة وفي عين الوقت تبقي على الصلة الحضارية والتاريخية والجغرافية والسياسية التي تربط العراقيين ببعضهم، هي مسألة فكرية وذهنية قبل أن تكون سياسية. فالعراق وحدة واحد لا تقبل التقسيم القاطع ولكن من الممكن جداً أن يتم تحصيص هذه الوحدة الواحدة وإعادة تأسيسها طبقاً لمكونات العراقية المختلفة والمتناقضة ووفق عقلية منفتحة وقابلة على قبول الغير المختلف. أن تطبيق الفدرالية التي ينادي بها معظم العراقين سواء دستورياً أو فكرياً أو سياسيا لها شروطها يستوجب قبل كل شيء توفرها في العقلية العراقية قبل نقلها إلى الواقع الفعلي. فالنظريات التي تناولت موضوع الدولة الفدرالية معظمها تتفق على:
أولا: وجود عدة أقاليم ومناطق يكون لشعوبها روابط تاريخية ومصلحية وثيق ببعضها حتى تصبح كعوامل مهمة في بناء هوية وطنية عامة وشاملة.
ثانيا: رغبة حقيقية وعقلية منفتحة لشعوب الأقاليم والمناطق على أقامة النظام الفدرالي وإستقلالية هذه الأقاليم ضمن الإتحاد الفدرالي.
أي بهذه المعنى يجب توفر عامل واقعي موضوعي كما هو في الأول أعلاه مع عامل فكري ومعنوي كما هو في الثاني أعلاه. ولو حاولنا البحث عن هذه العوامل المهمة في قيام الدولة الفدرالية سنجد بأن العامل الأول ينطبق على العراق بوجود عدة أقاليم ومناطق ولا أعتقد بأن أحد سينكرها إلا أن يجانب الحقيقة الواقع. أما بالنسبة للعامل الفكري المعنوي فمن المؤسف بأن ظروف العراق وتحكم التناقضات والصراعات في العراقيين جعلت من هذا العامل بعيداً وغائبا عن العقلية السياسية العراقية، فالوقائع والممارسات السياسية كلها تؤكد على غياب هذا العامل المهم. ولكن الإستثناء يبقى فارضاً نفسه على هذه البديهية عندما نشير إلى الفدرالية الحالية القائمة بوجود إقليم كردستان العراق وتمتعه بكافة الصلاحيات والسلطات المطلوبة لممارسة الحكم في هذا الأقليم. غير أن مع هذا الإستثناء نرى بأنه لا يفسد البديهية القائمة على ضرورة وجود العامل الفكري المعنوي في إقامة الفدرالية لأن الحقيقة التاريخية تؤكد بأن تمتع إقليم كردستان بنظام الفدرالية لم يكن بسبب وجود عامل فكري ومعنوي قابل على تقبل الفدرالية الكردستانية بل هو نتاج صراعات طويلة ومسلحة بين شعب الأقليم والحكومات المركزية وحتى أيامنا هذا فأن هذا التناقضات والصراعات، وأن كانت غير مسلحة في معظمها، فأنها لا تزال تتحكم في العلاقة بين الأقليم والمركز.

العراق، شئنا أم أبينا كان منقساً فعلياً منذ العهد العثماني إلى ثلاث مناطق أو ولايات تحكمها عوامل أثنوغرافية وثيولوجية وجغرافية وسوسيوإجتماعية وإقتصادية وإدارية وبعد دمج كل هذه العوامل في وحدة إدارية وإقامة الكيان العراقي من قبل بريطانيا وتأسيس نظام سياسي قائم على المركزية لم يكن قادرهاً على أزالة أو التخفيف من هذه الإختلافات المتنوعة للعراقيين. فالبصرة تمثلت كمركز أو عاصمة للجنوب الشيعي وبغداد كمركز للوسط والغرب السني والموصل كمركز للشمال الموزائيكي الأثني وبأكثرية كردية. صحيح أن الحراك الإجتماعي عبر عقود من الزمن خلخل هذا التقسيم وتداخلت أهالي هذه المناطق ببعضها إلا أن قوة الإختلافات والتناقضات خاصة المذهبية والقومية بينهم لم تستطيع أن تمحي أو تخفف الفوارق القديمة القائمة بينهم. لا بل يظهر بأن مثل هذا الحراك الإجتماعي والتداخل بين العراقيين عقد الأمور أكثر فأكثر خاصة عندما أرتقت الإختلافات بينهم إلى صراعات دموية قلما عان العراقيون مثلها في السابق. لا أعتقد أن نجانب الحقيقة عندما نقول بأن العراقيين كانوا يعيشون في العهد العثماني أكثر أمناً وإستقراراً من العهد الحالي وأن كان يبدو التصريح بهذه الحقيقة أمر غير مقبول في القرن الحادي والعشرين إلا أن الوضع المزري لحياة العراقيين ومن جميع الجوانب يفرض علينا هذه المقارنة وأن إخفاءها أو تجاهلها أخطر بكثير من التصريح بها والبحث فيها. هذا الوضع المزري للعراقيين يذكرني بقانون الإصلاح الزراعي الذي صدر عقب قيام النظام الجمهوري عام 1958 وإستلاء أراضي الإقطاعيين وتوزيعها على الفلاحين ومن ثم تدهور القطاع الزراعي وبشكل كارثي رغم التسهيلات التي منحتها الحكومة للفلاحين مما أستوجب على الحكومة إستقدام خبراء في الزراعة من الإتحاد السوفياتي لبحث المشكلة وإيجاد السبل لحلها وتطوير القطاع الزراعي. بعد فترة من البحث والتقصي في المشكلة من قبل الخبراء وجدوا الحل!! سألوا الحكومة عن مالك الأرض قبل توزيعها للفلاحين. فقالت الحكومة للإقطاعيين. فأجاب الخبراء إذن رجعوا الأراضي للإقطاعين حتى تعود الزراعة إلى سابق عهدها!!. قد يبدو في جوانب هذا المثال نوعية من الفكر الرجعي والقهقري ولكن إذا كان مثل هذا المثال يخدم الشعب فلا قيمة لأي فكر سواء أكان رجعي أو تقدمي طالما مصحلة الشعب هي الأهم.

هكذا أيضا نقول إذا كانت العودة إلى التقسيم العثماني لبلاد ما بين النهرين إلى ثلاث ولايات ويحقق طموحات العراقيين من جميع الجوانب فلا ضير أن يقسم العراق إلى ثلاثة أقاليم ضمن وحدة فدرالية والذي هو في الحقيقة والواقع  مقسم فعلياً ولكن الإفتقار إلى الشجاعة الكافية للتصريح بهذا الواقع والإستمرار في الشعارات الطنانة حول الوحدة الوطنية في الوقت الذي تنخر الطائفية والتحزبية بجسم العراق هي المعادلة الشيزوفرينية للساسة العراقيين التي تحول دون إستقرار الوضع وضمان الأمن والسلام لجميع العراقيين. شئنا أم أبينا فأن الطائفية التي تحدد إنتماء معظم العراقيين إلى الطائفين الشيعية والسنية إلى جانب الإنتماء القومي الكوردي يجعل منهم فحوى وضمون للأقاليم الثلاث، أي بصريح العبارة، الواقع يقول أن الأقليم الجنوبي للشيعة وإقليم الوسط للسنة والإقليم الشمالي للكورد والمكونات القومية والدينية التاريخية التي يجب أن يكون لطموحاتها وحقوقها مكانة خاصة في الأقليم الشمالي مع بقاء بغداد بوضعية خاصة كوحدة إدارية مركزية للأقاليم الثلاث، كما هو الحال مع واشطن دي سي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. صحيح أن الأمر ليس بهذه السهولة ولكن تحقيق الإستقرار والأمن والرفاهية للعراقيين يتطلبها تضحيات جسيمة من الجميع وأولها هو بناء منظومة فكرية قادرة على قبول الواقع وتفهمها  وإشاعة مفهوم "الاختلاف المشروع" في العقلية العراقية الذي سيجعل من الفسيفساء القومي والديني والفكري والحضاري والجغرافي في العراق نعمة وإغناء حضاري وفكري، في حين على العكس من هذا تماماً، أن "العداء السافر" الذي تحكم في العقلية العراقية لعقود طويلة من الزمن تجاه هذا التنوع يجعله نقمة وإفقار حضاري. ولكن وحسرتاه… فأن أحداث السنين الماضية والحالية تدل بأن العداء السافر، هو الرحم الذي ولد فيه نظام سياسي فاسد ومتخلف وطائفي في العراق الذي لا يزال يفعل فعله في زيادة  نقمته وإفقاره لخيرات العراق البشرية والطبيعية وأنه في تصاعد مستمر بحيث أصبح هو المهيمن على عرش الساحة السياسية العراقية ومن دون منازع جدي ومؤثر، مؤكداً وبالبراهين القاطعة بأنه أكثر عداءاً ووحشية من هولاكو وتيمورلينك في تدمير العراق، مهد الحضارات البشرية في العالم وأغنى بلد بالثروات الطبيعية والحضارية ولكن أفقر بلد في العالم من حيث الإستقرار والأمن. لقد جاء داعش بجرائمه الوحشية فاتحاً صفحة جديدة في تاريخ العراق قد تكون درس للساسة العراقيين لقبول الواقع والعمل على ضمان الأمن الإستقرار للعراقيين جميعاً ووفق نظام يتوافق مع طموحات وتطلعات جميع العراقيين بمختلف طوائفهم وأديانهم وقومياتهم.

176
في ضوء تناقضات وصراعات العراق المستديمة - 2
============================= 
إعادة تأسيس دولة العراق
أبرم شبيرا
الشعب مقوم أساسي للدولة العراقية:
------------------------------------
في القسم الأول تطرقنا إلى المقومات الأساسية في تأسيس الدولة العراقية من قبل بريطانيا. أن الذي يهمنا في موضوعنا هذا هو الشعب كمقوم أساسي وجوهري وحاسم في تأسيس الدولة. والحديث عن الشعب ليس باعتباره عدد من الناس أو قطيع من البشر فحسب وإنما الأهم في إضفاء صفة الشعب على هذا العدد أو القطيع هو وجود شبكة من علاقات اجتماعية متشابكة ومترابطة بينها وهادفة إلى خلق المصلحة العامة المعبرة عن الإرادة الجمعية، أي الهوية الوطنية، والتي تتجسد سياسياً في شكل الدولة أو في سلطتها أو في حكومتها وطبقاً للنظريةالسياسية المعروفة في هذا السياق والتي تعرف بـ (العقد الإجتماعي) في تأسيس الدول. لهذا السبب قيل بأن الشعب هو مصدر السلطات والسيادة، أي بعبارة أخرى، الشعب هو المقوم الأساس والجوهري بالنسبة لبقية المقومات، فبدون شعب بالمفهوم الإجتماعي السياسي القادر على التعبير عن الإرادة الجمعية، أي بدون الإنتماء للهوية الوطنية، لايمكن قيام دولة ولا سلطة أو حكومة مستقرة قادرة على ضمان الأمن والسيادة على الأرض. والسؤال هو  هل كان هناك شعب في العراق وبالمعنى السياسي والاجتماعي عند تأسيس كيان العراق السياسي ويمتلك مقومات مشتركة من قومية ودينية وتاريخية واقتصادية واجتماعية، أو عوامل فكرية أو نفسية متقاربة توفر أواصر مشتركة بين العراقيين؟؟، أي بعبارة أخرى هل كان هناك تجانس بين العراقيين قادر على خلق إنتماء حقيقي للهوية الوطنية العراقية  وعلى خلق جمعُ من الناس لهم إرادة بشرية موحدة أو إرادات متقاربة مؤهلة للدخول في "عقد اجتماعي" بمفهوم الفكر السياسي في خلق الدولة أو قبول بمثل هذه الفكرة؟ .

في الدراسة السالفة الذكر للمعهد الملكي البريطاني (ص 40) تذكر بأن العراق كان يفتقر إلى التجانس الجغرافي والعرقي والإقتصادي حيث العرب أنفسهم كانوا منقسمين إلى طائفتين، السنة والشيعة وكان هناك مجموعة من الأقليات كالكورد والآشوريين والمسيحيين من مختلف الطوائف والقبائل واليهود والمسلمين الناطقين بالتركية واليزيديين والصابئة. وعلى نفس المنوال،  يقول الباحث حنا بطاطو في كتابه الموسوعي "الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية في العراق- 
The Old Social Classes and Revolutionary Movements in Iraq والمترجم من الإنكليزية إلى العربية من قبل عفيف الرزاز في ثلاثة أجزاء، والمنشور من قبل مؤسسة الأبحاث العربية في بيروت عام 1990، يقول "في مطلع القرن الحالي، (يقصد القرن العشرين) لم يكن العراقيون شعباً واحداً أو جماعة سياسية واحدة. وهذا لا يعني الإشارة فقط إلى وجود الكثير من الأقليات العرقية والدينية في العراق، كالأكراد والتركمان والفرس والآشوريين والأرمن والكلدانيين واليهود واليزيديين والصابئة وآخرون. فالعرب أنفسهم الذين يؤلفون أكثرية سكان العراق كانوا يتشكلون، إلى حد بعيد من جملة من المجتمعات المتمايزة والمختلفة في ما بينها والمنغلقة على الذات، بالرغم من تمتعهم بسمات مشتركة" (ص 31 من الكتاب الأول). لم يكن حنا بطاطو الأول ولا الوحيد الذي أشار إلى التطرف الشديد في التنوع القومي والاجتماعي والديني في العراق، بل هناك الكثير من الكتاب والباحثين الذين أكدوا  على هذه الحقيقة من دون مجاملة أو مبالغة، وكان العالم الاجتماعي الكبير الدكتور علي الوردي في دراساته وأبحاثه عن طبيعة المجتمع العراقي رائداً في هذا المضمار.

أما فيما يخص معاينة واقع أهل العراق ومن موقع مسؤول والتحسس بالتناقضات والصراعات التي كانت تفعل فعلها في العراقيين، فأن رأي الملك فيصل الأول في هذا السياق يشكل أهمية كبيرة في فهم هذا الواقع ويغنينا عن الإطناب والإسهاب في بقية الآراء. ولرأي الملك فيصل أهمية كبيرة جداً في فهم طبيعة التناقضات التي تحكمت بأهل العراق، وهذه الأهمية متأتية من، أولاً:  أنه كان قد عانى مرارة هذه الانقسامات وهو في موقع الراعي لها والمسؤول عن حكمها، والثاني: في كونه ينحدر من بيئة خارجة عن هذه الانقسامات سهلت له مهمة معاينتها والتحسس بها وبنوع من الموضوعية والواقعية. لقد بين الملك فيصل الأول رأيه في العراقيين بكل وضوح في صفحات مطولة نقتبس منها ما يلي: "أن البلاد العراقية… ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية ذلك هو الوحدة الفكرية والملية والدينية، فهي والحالة هذه مبعثرة القوى مقسمة على بعضه يحتاج ساستها أن يكونوا حكماء مدبرين … ففي العراق أفكار ومنازعات متباينة جداً وتنقسم إلى أقسام  مثل الشباب المتجددون بما فيهم رجال الحكومة، المتعصبون، السنة،الشيعة، الأكراد، الأقليات غير المسلمة، العشائر، الشيوخ والسواد الأعظم الجاهل المستعد لقبول كل فكرة سيئة بدون مناقشة أو محاكمة. والعراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية مؤسسة على أنقاض الحكم العثماني وهذه الحكومة تحكم قسما كردياً أكثريته جاهلة… وأكثرية شيعية جاهلة. إلا أن الاضطهادات التي كانت تلاحقهم من جراء الحكم التركي الذي لم يمكنهم من الاشتراك في الحكم وعدم التمرن عليه والذي فتح خندقاً عميقاً بين الشعب العربي  المنقسم إلى هذين المذهبين. كل ذلك جعل مع الأسف هذه الأكثرية الذين لهم مطامع، خاصة الدينيون منهم وطلاب الوظائف، بدون استحقاق والذين لم يستفيدوا مادياً من الحكم الجديد يظهرون بأنه لم يزالوا مضطهدين لكونهم شيعة… أخذت بنظري هذه الكتل العظيمة من السكان بقطع النظر عن الأقليات المسيحية التي يجب أن لا نهملها نظراً للسياسة الدولية التي لم تزل تشجعها للمطالبات بحقوق غير هذه وتلك ..... أن الضرائب على الشيعي والموت على الشيعي والمناصب للسني. ما الذي هو للشيعي؟ حتى أيامه الدينية لا اعتبار لها … أقول هذا على سبيل المثال وذلك للاختلافات الكبرى بين الطوائف التي يثيرها المفسدون وهناك حساسيات مشتركة بين أفراد الطوائف الإسلامية… وهناك غير هذا دسائس آشورية وكلدانية ويزيدية والتعصب للتفرقة بين هؤلاء الجهلاء توهن قوى الحكومة تجاه البسطاء. كما أن العقول البدوية والنفوذ العشائري الذي للشيوخ وخوفهم من زواله بالنسبة لتوسع نفوذ الحكومة فكل هذه الاختلافات وكل هذه المطامع والاحتراسات تشتبك في هذا الصعيد وتصطدم وتعكر صفو البلاد وسكونها … وفي هذا الصدد أقول وقلبي ملآن أسى أنه في اعتقادي لا يوجد شعب عراقي بعد بل توجد كتلات بشرية خالية من فكرة وطنية مشبعة بتقاليد وأباطيل دينية لا تجمع بينهم جامعة… فنحن نريد والحالة هذه أن نشكل من هذه الكتل شعباً نهذبه وندربه ونعلمه. ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف يجب أن يعلم أيضاَ عظم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل. هذا هو الشعب الذي أخذت مهمة تكوينه على عاتقي وهذا نظري فيه". ثم يذكر الملك فيصل الأول السلاح الناري الذي كان يملكه العراقيون في تلك الفترة ( عام 1933) كمعيار للصراعات التي تفعل فعلها فيهم وهو العام الذي قام فيه بعض من قطاعات الجيش العراقي بقيادة الجنرال بكر صدقي وبمساندة بعض العشائر البدوية والكردية بالمذبحة المعروفة ضد الآشوريين المسيحيين العزل في بلدة سميل القريبة من مدينة دهوك في شمال العراق في شهر آب من عام 1933، إذ ذكر بأنه "يوجد في المملكة ما يزيد على المائة ألف بندقية يقابلها 15 ألف حكومية. ولا يوجد في بلد من بلاد الله حالة حكومة وشعب كهذه. هذا النقص يجعلني أتبصر وأدقق وأدعو أنظار رجال الدولة ومديري دفة البلاد للتعقل وعدم المغامرة".(نقلاً عن كتاب تاريخ الحركة الديمقراطية في العراق للمؤرخ العراقي عبد الغني الملاح، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، ص31-34 ).

لهذا السبب ليس غريباً أن معظم الذين عاصروا فترة موت الملك في أيلول عام 1933 كانوا قد أكدوا بأنه مات ألماً وحسرة من الواقع المرير لتناقضات وصراعات أهل العراق، خاصة بعد القمع الوحشي للآشوريين المسيحيين في بلدة سميل في شهر آب من نفس العام من قبل بعض قطاعات الجيش العراقي خلافاً لأوامره بضرورة التعامل السلمي والهادئ مع مطالبهم القومية والدينية، وهو الحادث الذي أثر كثيراً على نفسيته وأدى إلى تفاقم وتدهور صحته فدفع بالنتيجة حياته ثمناً لأصالته العربية والإسلامية في التسامح والتفاهم مع الآخر المختلف. ولكن مع ذلك، فأن هذا لا ينفي ذكر بعض الكتًاب والمؤرخين بأن الملك مات مسموماً بهدف التخلص من مواقفه الحيادية والسلمية تجاه القوى المتصارعة على السلطة في العراق وإفساح المجال لأبنه غازي المعروف بمواقفه المتطرفة لاعتلاء العرش. وإذا تأكدت هذه التوقعات فأن مخاوف الشريف حسين الهاشمي (شريف مكة) والد الملك فيصل الأول تكون قد وقعت وتحققت فعلاً، تلك المخاوف التي ذكرها في رده على طلب بعض الشخصيات العراقية منه أن يرسل أبنه فيصل إلى العراق عام 1921 لتنصيبه ملكا على البلاد، حيث يروي السيد علي آل بازركان (الوقائع الحقيقية في الثورة العراقية – ص 230) في عام 1921 الذي كان في ضيافة الملك حسين في مكة، ويقول: عندما وصلت إلى الملك برقية من بعض رؤساء العراق يطلبون منه أبنه فيصلاً لتنصيبه ملكا في العراق، وقد سأل الملك (الشريف حسين) ضيفه "ولكني أخشى ياشيخ (علي آل بزركان) أن يعامل أهل العراق فيصلاً كما عاملوا جده الحسين من قبل" (يقصد الإمام حسين). (نقله الدكتور علي الوردي في كتابه: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي،إنتشارات المكتبة الحيدرية، ط2، 1998 ص 369)، وهي المخاوف التي تحققت فعلاً عندما مات الملك فيصل الأول والشكوك قائمة في كون وفاته مؤامرة مدبرة للتخلص منه ونفس الحال بالنسبة لوفاة أبنه الملك غازي في حادث سيارة وقيل في حينها بأنها كانت مدبرة. وفي الرابع عشر من تموز من عام 1958 تحققت مخاوف الشريف حسين بصورة أكثر دموية عندما حدثت مجزرة قصر الرحاب الملكي وقتل الملك فيصل الثاني وجميع المتواجدين معه من أفراد العائلة المالكة وحاشيتها وسحل بعضهم في شوارع بغداد خلف السيارات وبأسلوب وحشي لا يمت بإي صلة لا بالسياسة ولا بالثورية. 

هذا الواقع المتناقض والمتصارع لأهل العراق، هو الذي جعل من عالم اجتماعي كبير كالدكتور علي الوردي (رحمه الله) الذي عايش معايشة حقيقية لهذا الواقع، كإنسان عراقي عادي وكباحث اجتماعي، أن يؤكد مقولة الحجاج بن يوسف الثقفي (ت 95 هـ/714 م ) الذي خاطب أهل العراق بكلمته المشهورة " يا أهل الشقاق والنفاق" وأعتبرها صفة لاصقة بهم حتى يومنا هذا (نفس الكتاب ص 365)، وفي مكان آخر يشير العلامة على الوردي إلى مقولة الجاحظ (عمرو بن بحر الجاحظ في البيان والتبين – ج2 ص 94) في تعلقيه على قول الثقفي إذ يقول" أن العلة في عصيان أهل العراق على الأمراء هي أنهم أهل نظر وفطنة ثاقبة، ومع النظر والفطنة يكون التنقيب والبحث، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الأمراء... ومازال العراق موصوفاً بقلة الطاعة وبالشقاق على أولي الرئاسة" (نفس الكتاب ص 366).  وفي خاتمة الكتاب يستخلص العلامة علي الوردي بحثه بالقول "بأن الشعب العراقي منشق على نفسه وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي أكثر مما في أي شعب عربي آخر وليس هناك طريقة لعلاج هذا الإنشقاق أجدى من تطبيق النظام  الديمقراطي فيه، حيث يتاح لكل فئة منه أن تشارك في الحكم حسب نسبتها العددية...ينبغي لأهل العراق أن يعتبروا بتجاربهم الماضية، وهذا هو أوان الإعتبار... فهل من يسمع؟!" (نفس الكتاب ص 383).

مصلحة بريطانيا في تأسيس الدولة العراقية:  
مما تقدم يمكن القول بأن عندما بدأت بريطانيا في تأسيس دولة في العراق لم يكن هناك أهم مقوم، وهو الشعب وبالمفهوم السياسي والاجتماعي، من مقومات قيام مثل هذه الدولة. لقد ورثت بريطانيا عن الدولة العثمانية تركة ثقيلة جداً من التناقضات كان يتطلبها إقامة نظام سياسي كآلية للتعامل مع الواقع بجميع تناقضاته وصراعاته ضمن نسق يتلاءم ويتناسب مع طبيعة أهل العراق ويحول دون تصاعد التناقضات نحو مرحلة الصراعات وتفاقمها إلى درجة يصعب أو يستحيل إيجاد حل لها أو التخفيف من حدتها المدمرة، ولكن لم تنظر بريطانيا إلى مثل هذا النظام المناسب إلا من خلال المصلحة العليا لها من جهة، كما وأن ضمان تحقيق هذه المصلحة، من جهة أخرى، كان يستوجبه نوع من الاحتواء للتناقضات ضمن نظام سياسي "وطني". أي بعبارة أخرى، كانت مصلحة بريطانيا في تأسيس كيان سياسي في العراق تأتي في المقام الأول، وهي مسألة تبدو طبيعية في ضوء سياسة وضع الدول مصالحها فوق جميع الاعتبارات. لهذا السبب رفضت بريطانيا معظم الحلول لمسألة الحكم في العراق لكونها لا تتفق مع الشرطين السابقين، فرفضت فكرة إقامة نظام جمهوري كما رفضت مشروعات تأسيس كيانات سياسية مختلفة في كل ولاية من الولايات الثلاث العثمانية السابقة، بصرة وبغداد والموصل. أي بعبارة أخرى، كما يقول السياسي العراقي مهدي كبه في مذكراته والذي عاصر تلك الفترة، “كان مشروع تأسيس الكيان السياسي في العراق يهدف إلى التوفيق بين المصالح المتضاربة بين بريطانيا والعراقيين وذلك عن طريق إيجاد نوع من الحكم الأهلي له بعض مظاهر الاستقلال ليطمئنوا به مشاعر العراقيين الوطنية مع تحقيق مصالحهم وضمان سيطرتهم ونفوذهم في ظل الحكم الوطني” ( أورده الباحث لطفي جعفر فرج في كتابه " عبد المحسن السعدون، دار الرشيد للنشر- بغداد، 1979، ص 52).

لقد جاءت فكرة تأسيس كيان سياسي في العراق على شكل نظام ملكي شامل لجميع أراض الولايات الثلاث ومن ثم نصب الأمير فيصل بن الحسين شريف مكة ملكاً على عرشه محققا لمصلحة بريطانيا السياسية والتي تمثلت في:
1 –  كان الحكم المباشر للعراق يكلف الخزينة البريطانية مبالغ طائلة والتي كانت بالأساس منهكة وضعيفة بسبب الحرب لذا كان على بريطانيا أن تجد وسيلة أخرى في الحكم غير المباشرة وعن طريق تأسيس دولة في العراق وإقامة نظام سياسي مركزي واحد وربطه بمعاهدة حماية خاصة ولفترة مناسبة، نظام لا يقر بالفروع أو الهوامش أو يتكون من عدة أنظمة سياسية صغيرة، لهذا كان من مصلحة بريطانيا أن يكون في العراق نظام قادر على سحق ثورات الشيعة والأكراد والآشوريين وضمان الاستقرار المنشود بدلا من أن تقوم قواتها بهذه المهمة وتكلف الخزينة البريطانية مبالغ طائلة أخرى يصعب عليها تحملها في ظروف الكساد العالمي الذي ساد في الثلث الأول من القرن العشرين.
2 – لم يكن من مصلحة بريطانيا تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي، والذي لم يكن بالأصل تغييره ممكناً، والموروث عن الدولة العثمانية وبكل قوالبه العشائرية والطائفية والطبقية الصلدة، ذلك الواقع الذي تمثل في هيمنة نخبة سنية المذهب وعثمانية الفكر والمنهج في السياسة والحكم وتعطشها الشديد للسلطة والجاه واستمتاعها باللعبة السياسية في تشكيل الوزارات وإسقاطها ضمن نظام عرف بالنظام الملكي الدستوري والملائم من حيث الشكل، للمبادئ الديمقراطية والسياسية لنظام الحكم الذي كانت بريطانيا تدعي بتبنيه وتطبيقه في العراق كمحاولة لتحقيق التزاماتها طبقاً لبنود نظام الانتداب في مساعدة البلد المنتدب عليه عن طريق النصح والإرشاد وتطويره نحو مراحل سياسية متقدمة حتى يتمكن شعبه من تولي إدارة الدولة بنفسه. .
3 – ثمن جاء إكتشاف النفظ وبكميات تجارية في بداية عام 1920 في المنطقة الشمالية عاملاً مهماً في تأسيس دولة واحدة وبنظام سياسي مركزي يشمل هذه المنطقة والمناطق الأخرى التي كان إحتمال إكتشاف النفط فيها كبيراً ليكون العراق بذلك وبولاياته الثلاث بحراً نفطياً واحداً لبريطانيا. وهنا يجب أن لا ننسى أيضاً رغبة بريطانيا الجامحة في إقامة كيان سياسي واحد في العراق ليكون معبراً أمناً واحداً إلى محمياتها في الخليج العربي ومن ثم جسراً مفتوحاً نحو الهند، تاج المستعمرات البريطانية. هكذا أسست بريطانيا النظام السياسي في العراق وبما يتناسب مصالحها وأيضاً يتوافق من حيث الشكل  مع نظام ملكي دستوري، أما من حيث المضمون والجوهر فأن الكيان السياسي كان قد أنشأ على بركان من تناقضات وصراعات يهيج ويلفظ حممه الحارقة ويزداد حدتها بمقدار زيادة حدة اغتراب النظام السياسي وابتعاده عن تناول هذه التناقضات ضمن الاختلاف المشروع والبعيد عن العداء السافر.

تناقضات وصراعات العراقيين الإستثنائية:
وتجنباً لسوء الفهم من قصد بيان تناقضات العراقيين، فالإشارة هنا تستوجب التأكيد بأن حالة العراق لم تكن فريدة من نوعها في مرحلة تأسيس الدولة، فهناك شعوب أخرى كانت تناقضات  تشبه في بعض جوانبها تناقضات أهل العراق وعانت منها عبر سنين طويلة قبل وأثناء فترة تكوين كياناتها السياسية ولكن تمكنت وعلى الأغلب وعبر سنين طويلة من خلق آلية مناسبة لحل تناقضاتها أو تهدئتها ومن ثم ضمان استقرار دولها. أما العراق، فالاستثناء الغريب فيه هو استمرار هذه التناقضات واستفحالها نحو صراعات مدمرة استمرت لعقود طويلة وعلى شكل اضطرابات وانقلابات ومؤامرات وحروب داخلية وخارجية وممارسات عنف قل مثيلها في تاريخ دول العالم. (راجع بهذا الخصوص كتاب باقر ياسين المعنون تاريخ العنف الدموي في العراق، دار الكنوز الأدبية، بيروت – 1999 وكتابه الآخر المعنون شخصية الفرد العراقي – ثلاث صفات سلبية خطيرة... التناقض. التسلط. الدموية، الطبعة الثانية، 2012، دار آراس للبطاعة والنشر، أربيل، إقليم كردستان العراق). فالإستثناء الفريد من نوعه لأهل العراق هو التناقضات الطائفية والمذهبية بين السنة والشيعة والمتجذرة فيهم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن والمتصاعدة نحو صراعات طائفية مستديمة والمتداخلة مع تناقضات مذهبية إقليمية وما يترتب عليها من تناقضات سياسية وإجتماعية وفكرية وثقافية تراكمت عبر قرون طويلة وأصبحت العلة المستعصية في العراقيين. هذا ناهيك عن التناقضات القومية، خاصة بين العرب والكورد والمكونات القومية والدينية الأخرى، وهي التناقضات والصراعات التي لامكن إطلاقاً إخفاءها أو تجاهلها بدعوات وطنية وديموقراطية مالم يتم تناولها وبمنظور قائم على قبول الآخر المختلف بعيداً عن التجاهل والإلغاء.
 
واليوم، وحتى لو تجاهلنا ذكر الصراعات المذهبية ونكتفي بالسياسية منها نرى بأن العنف والإرهاب والفساد وعدم الإستقرار على الحياة السياسية برمتها تعزز هذا الإستثناء الغريب في طبيعة العراقيين، وهي تناقضات وصراعات ليست وليدة سقوط النظام البعثي في العراق فحسب بل هي مستديمة ضاربة في عمق التاريخ. فعلى جانب السياسي، يكفي هنا أن نشير بأن انقلاب بكر صدقي عام 1936 كان أول انقلاب عسكري في الوطن العربي والذي أصبح فاتحاً لسلسلة انقلابات في العراق وفي الوطن العربي أيضا. كما وأن انقلاب تموز 1958 والمجازر الدموية التي رافقتها في قتل العائلة المالكة وحاشيتها وسحلهم في الشوارع وتعليقهم على أعمدة الكهرباء تضاهي المجازر التي أعقبت الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر وثورة أكتوبر الروسية 1917 في روسيا. وهناك رواية تناقلها بعض الكتاب والمؤرخين تقول بأن عقب إنقلاب 14 تموز عام 1958 سافر عبد السلام محمد عارف الذي كان نائباً لرئيس الوزراء عبد الكريم قاسم على رأس وفد إلى مصر للمشاركة في إحتفالات ثورة يوليو المصرية والتباحث في شؤون الوحدة العربية وعند مقابلتة لجمال عبد الناصر قدم له "هدية تذكارية" متكون من علبة صغيره وعندما فتحها عبد الناصر وجد فيها أحدى أصابع البشر المقطوعة فقال عبد السلام له هذا أصبع نوري السعيد فأثار ذلك إشمئزاز عبد الناصر وغضبه وهيجانه الشديدين من هذا الأسلوب الوحشي في التعامل مع الخصوم السياسيين رغم أن نوري السعيد كان من أشد خصوم عبد الناصر. مثال مقرف عن الأساليب الوحشية لحكام العراق في التعامل مع الخصوص السياسية.

بعد عام 1958 لم يعد هناك قوات بريطانية محتلة ولا نظام ملكي "فاسد ومتخلف وبائد"، كما يصفه الثوريون في العراق، أو برلمان وصل أعضاؤه إليه بانتخابات مزورة أو وزارات تتواتر على السقوط والتشكيل لاعتبارات شخصية وعائلية ومصلحية، والتي اعتبرت في حينه مصدرا للشرور والتناقضات والصراعات وعدم الاستقرار أو التقدم في العراق فكان من المفترض أن يكون الحكم بعد قيام النظام الجمهوري أكثر جماهيرية وتعبيراً عن التنوع القومي والديني والطبقي في العراق وبالتالي أكثر ضماناً للاستقرار والتقدم وأوفر قدرة على حل أو تهدئة التناقضات والصراعات، غير أن الأمر كان على العكس من ذلك تماماً فالتناقضات أرتقت إلى أعلى مستوياتها من الصراعات والانقلابات الدموية وظهرت أساليب جديدة في الاضطهاد والتعسف وقمع الحريات والتعذيب خاصة بعد وصول حزب البعث للسلطة في شباط عام 1963 وما صاحب ذلك من أساليب وحشية في تصفية الخصوم السياسيين. فقتل الزعيم عبد الكريم قاسم والتمثيل بجثته وقيام جندي عراقي ببصق في وجه وهو جهة هامدة وعرض ذلك على شاشة التلفزيون العام ومن ثم رمي جثته في نهر ديالي يعتبر نموذجاً بشعاً لمثل هذه الممارسات الوحشية.  ثم مرة أخرى جاء حزب البعث على السلطة عام 1968، وهو حزب صاحب تجربة قاسية ودموية أكتسبها من خلال فقدانه للسلطة عام 1963 ثم عودته إليها مرة أخرى عام  1968 حيث يعتبر أول حزب من نوعه في المنطقة العربية، وربما في العالم  أجمع، يستطيع أن يستحوذ على السلطة وأن يعود إليها مرة أخرى وخلال فترة خمس سنوات وبانقلابين عسكريين وبتحالفات مريبة. وبسبب هذه الخبرة والتجربة لحزب البعث تمكن من إستغلال تناقضات العراقيين إستغلالاً بشعاً مكنته من الإستمرار في السلطة لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن فاخترع أساليب جديدة في شرعنة سلطته الاستبدادية وإضفاء عليها نوع من القبول القسري وصلت إلى درجة أن يلجأ الأب إلى قتل ابنه بحجة كونه خائناً للحزب والثورة. 

معايشة حقيقية شخصية يمكن أن تكون نموذجاً فاضحاً لتناقضات الشخصية العراقية. كان أبو علي جاري وهو ضابط شرطة متقاعد قُتل أبنه من قبل المقاومة الكويتية أثناء إحتلال قوات نظام البعث للكويت وعند قيام إنتفاضة آذار 1991 كان أبو علي يخرج من بيته وفي يده مسدس ويبدأ بإطلاق النار على الجدارية التي عليها صورة "صدام حسين" والمنصوبة على رأس الشارع العام  ويصرخ غاضباً وبصوت عالي متمنياً أن تكون رصاصاته تخترق صدر صدام حسين وليس الجدران الصماء. لا يلام أبو علي لأن أبنه الشاب ذهب هباءاً بسبب طيش وجنون صدام حسين في إحتلاله للكويت. ولكن بعد أن مهدت القوات الإمريكية الطريق لصدام حسين للعودة إلى سلطته وإستبداده وفشل الإنتفاضة في إسقاط النظام  بدأت تظهر مظاهرات في الشارع تأييداً لعودة صدام وسيطرته على الوضع ولم تكن تصدق عيوننا أن نرى أبا علي وهو في مقدمة المظاهرة مرفوعاً على الأكتفاف ويهتف "بالروج بالدم نفديك يا صدام". هذا نموذج واحد وهناك الملايين من مثل أبو علي يمثلون الطبيعة التناقضية للشخصية العراقية.

والعراق ربما يكون من بين القلة القليلة جداً من بلدان العالم يتم تغيير نظامها السياسي عن طريق تدخل الجيوش الإجنبية. فبسبب التناقضات والصراعات التي كانت تتحكم في العراقيين لم يتمكنوا من تشكيل قوة موحدة تستطيع إزاحة نظام الإستبداد والظلم بل أستمر لفترة طويلة لحين تدخل العامل الخارجي المتمثل في القوات الأمريكية. ففي شهر نيسان 2003 عندما أزيح النظام البعثي من السلطة من قبل القوات الإجنبية توفرت للعراقيين فرصة للتحرر وإقامة نظام متمدن قابل لاستيعاب التناقضات المتعددة الوجوه وبناء العراق الجديد القابل للتعويض عن التاريخ الدموي الطويل الذي عاشه العراقيون. غير أن واقع الحال يؤكد تأكيداً قاطعاً عكس ذلك. فلم  يكن بين القوى العراقية المعارضة لنظام البعث حد أدنى من الإتفاق على برنامج يساعد على حل أو التخفيف من تناقضات العراقيين وإعادة بناء العراق غير إزاحة حزب البعث من السلطة وعندما تحقق ذلك على أيدي القوات الأمريكية دخلت هذه القوى وبكل تناقضاتها وصراعاتها إلى الساحة العراقية بعد أن أمتلكت أسلحة سلطوية ومالية جديدة أستخدمت في التعامل مع هذه التناقضات بحيث أدى ذلك إلى وصول العنف والتفجيرات والصراعات الدموعية إلى أقصى حدودها. فاليوم بمجرد نظرة بسيطة لتاريخ العراق السياسي منذ فترة قيام النظام الجمهوري وحتى اليوم نسكتشف وبسهولة بأن عمق هذه التناقضات والصراعات والعنف والحروب الداخلية والخارجية هي في تفاقم مستمر وانفجارات مستديمة بحيث وصلت إلى مدى لا يمكن التخمين بنهاية لها في ظل الظروف الراهنة ويظهر بأنها راكبة على ظهر عفريت غير قابل للكبح والقضاء عليها. هذا ناهيك عن توريط نظام البعث للعراقيين في حربين مدمرين خلقت منذ عام 1980 ولحد زواله في عام 2003 أجيال حرب ولدت وعاشت وترعرت في ظروف جعلت منهم إضافة أخرى للعقلية العراقية المبنية على التناقضات والصراعات المستديمة والحروب المدمرة وهي الحالة التي أوصلت العراقيين إلى مرحلة أخرى من الصراعات الدموية تمثلت في ظهور داعش كأكبر تنظيم إرهابي في التاريخ المعاصر.

ولكن ما الحل لخلاص العراقيين من هذه التناقضات والصراعات المدمرة أو التخفيف عنها ليضمنوا لهم الإستقرار والطمأنينة والأمن والسلام؟؟؟ هل تقسيم العراق هو الحل أم الفدرالية أو الكونفدرالية أم أعادة تأسيس العراق بشكل يضمن الإستقرار والأمن والسلام ويحقق إنسانية العراقيين من خلال نظام سياسي قابل على فهم وإستيعاب التناقضات والصراعات ضمن مفهوم الإختلاف المشروع وقبول التعددية بعيداً عن الإطلاق والشمولية والعداء السافر... هذا ما نبحثه في القسم الثالث من هذا الموضوع.



177
في ضوء تناقضات وصراعات العراق المستديمة - الجزء الاول
=========================== 
إعادة تأسيس دولة العراق
أبرم شبيرا


توطئة: ذكريات أكاديمية:
--------------------------
في عام 1977 عندما شرعت بإختيار موضوع لأطروحتي لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية من كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد أخترت أكثر من موضوع منها "الحركة الأثورية لعام 1933 في المنظور السياسي والقانوني للعراق". وحسب الأصول المتبعة قدمت نبذة مختصرة عنه إلى إستاذي المشرف، طيب الله ذكراه، فكان جوابه "تريد تهدم بيتنا ويخلونا بالسجن... أستر على خبزنا يارجل". ثم قدمت غيره من المواضيع فكان موضوع "دور المثقفين في التحولات الإجتماعية" من نصيب أطروحتي الذي نلتُ عنه درجة إمتياز والتي كانت أول درجة من نوعها تمنح لطالب في قسم العلوم السياسية. وهذا الموضوع هو دراسة مقارنة بين الفكر الماركسي والرأسمالي حول المثقفين وعلاقتهم بالطبقات الإجتماعية والسلطة السياسية. وهو الأمر الذي شجعني أكثر للتقديم  لنيل شهادة الدكتوراه في نفس الحقل. قدمت أكثر من مرة إلى دائرة البعثات وحصلت أكثر من قبول للدارسة من جامعات في بريطانيا والولايات المتحدة ولكن في كل مرة كانت تجرى مقابلة لي من قبل اللجنة المختصة للبعثات الدراسية كان أول سؤال يطرح لي هو "مو بعثي ها..." فكنت أُجاوبهم: "أنا عراقي وطني" ثم يبدأ السائل بهز رأسه. وبعد فترة من الزمن كنت أراجع دائرة البعثات في وزارة التعليم العالي لأجد النتيجة محسومة بقرار (لم تحصل موافقة الجهات العليا) !!!. وعلى العموم كنت أشكر دائماً ربنا الخالق لأن ما حصلت عليه من تعليم كان بجهود مضية وتحديات صعبة في ظل نظام مستبد عنصري لم يكن من السهل مواجهاتها والإفلات منها وأنت "عراقي وطني".  في تلك الفترة أي من الثمانينيات وصاعدا من القرن الماضي  تكون في جعبتي عدد من المواضيع التي كنت أطمح أن يكون أحدهم موضوع لرسالتي الجامعية للدكتوراه. وخلال الأيام الماضية كنت أغوص في دفاتري القديمة فوجدت من بين هذه المواضيع موضوع عن تأسيس كيان سياسي في بلاد مابين النهرين من قبل بريطانيا والذي سمي بـ "دولة العراق" فوجدت فيه الكثير من التطابق بين ما كتبته قبل ثلاثون عاماً وما يجري في العراق في أيامنا هذه فأعدت النظر في بعض من جوانبه وبما يتلائم لقراءته وفق الوضع الحالي للعراق لأصل إلى إستنتاج بأن ما يجري في العراق ليس وليد السنوات القليلة الماضية بل له جذور تواصلت وأستمرت منذ تأسيس كيان العراق السياسي، فوجدت من المفيد أن أنشره قبل أن يلتهمه النسيان ويدخل في عالم الغيب، ولكن بسبب طول الموضوع، وكأي بحث أكاديمي لا يستوعبه المواقع الألكترونية، وتحديداً موقعنا الغراء "عنكاوه دوت كوم" أختصرت  الموضوع بقدر الإمكان وقسمته إلى أكثر من قسم حتى يسهل قراءته وأضفت عليه ما أستجد وما يستجد على الساحة السياسية العراقية من أحدات تخص صلب الموضوع، علماً بأنه نادراً ما أكتب في المواضيع السياسيىة العامة لأني خصصت كل قلمي للكتابة عن المسائل التي تخص شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري".




بريطانيا تؤسس كيان سياسي في بلاد مابين النهرين:

-----------------------------
أفرزت ثورة العشرين في بلاد مابين النهرين عام 1920 نتائج مؤثرة ساهمت بشكل مباشر في إرساء الخطوط الرئيسية لمستقبل كيان العراق السياسي، كان من بينها إخلال موازين سياسات حكم بريطانيا لبلاد ما بين النهرين "ميسوبيتيميا" وإقرار سياستها النهائية واختيار شكل الحكم المناسب لمصالحها والذي تمثل في الأسلوب غير المباشر للحكم وعن طريق حكومة "وطنية" ترتبط معها بمعاهدة ضامنة لمصالحها السياسية والاقتصادية وتخفف من عبئ الخزينة البريطانية الناجمة من الاحتلال المباشر، وهو الأسلوب الذي أرتبط باسم "السير برسي كوكس" المعين كمندوب سامي لحكومة جلالة الملك البريطاني في العراق والذي كان بالضد من مدرسة سياسية بريطانية أخرى في الحكم، عرفت بالمدرسة الهندية او الإمبريالية ومثلها "ارنولد ولسن" نائب الحاكم البريطاني في العراق، والتي كانت قد دعت إلى الإدارة العسكرية المباشرة للعراق وربطها بالحكومة البريطانية في الهند. وفعلاً، ما أن وصل السير كوكس إلى بغداد في 11/10/1920 طلب من السيد عبد الرحمن النقيب، نقيب الأشراف القادرية، قبول رئاسة مجلس حكومة مؤقتة. واستجابة لهذا التكليف تم في 20/10/1920 تشكيل أول وزارة عراقية.

بريطانيا تختار ملكاً على عرش دولة العراق:
------------------------------------------
بعد إرساء الخطوة الأولى في إقامة الكيان السياسي العراقي، بدأت الحكومة البريطانية البحث عن الخطوة الثانية واختيار الشخص المناسب ليتولى عرش الدولة الفتية، فطرحت على الساحة العراقية عدة أسماء، منها الأمير برهان الدين نجل السلطان عبد الحميد الثاني وطالب النقيب وعبد الرحمن النقيب والشيخ خزعل أمير عربستان وعبد الهادي العمري وآغا خان ويوسف السويدي وأمين الجليلي وأحد أعضاء الأسرة الخديوية في مصر. كان كل واحد من هؤلاء يطمح في أن يكون ملكاً على العراق، غير أن الأمير فيصل بن الحسين شريف مكة كان من أبرز المرشحين، خاصة بعد اندحار قواته في معركة ميسلون في الشام أمام القوات الفرنسية وطرده من عرشها. ثم جاء قرار مؤتمر القاهرة (أذار 1921) الذي عقد برئاسة وزير المستعمرات المستر ونستن تشرشل فاصلاً في تخصيص العرش للأمير فيصل. وتحقيقاً لهذا الغرض غادر الأمير فيصل مدينة جدة في 12/6/1921 على ظهر سفينة بريطانية متوجهاً إلى العراق وعن طريق البصرة. وبناءً على طلب المندوب السامي البريطاني أنعقد مجلس الوزراء جلسة بتاريخ 11/7/1921 أقر فيه ترشيح الأمير فيصل ملكاً على العراق ثم تم تتوجيه رسميا في 23/8/1921. وبهذا يكون قد تأسس كيان العراق السياسي، ولو من الناحية الشكلية، وظهرت على الخريطة السياسية كدولة جديدة ولكن خاضعة للإنتداب البريطاني حسب قرارات عصبة الأمم.

أسباب إختيار بريطانيا الأمير فيصل ملكاً على العراق:
-----------------------------
كان لبريطانيا أسباب خاصة تخدم مصحلتها بالدرجة الأولى في إختيار الأمير فيصل على رأس هذا النظام منها:
  أولا: لبريطانيا خلفية سياسية في التعامل مع الأمير فيصل خاصة مع والده الشريف حسين والعائلة الهاشمية قبل وأثناء الثورة العربية الكبرى لعام 1916 في الحجاز، حيث قاد الأمير فيصل الجيوش العربية في شمال الجزيرة العربية وبلاد الشام ضد القوات العثمانية أثناء الحرب الكونية الأولى.
ثانياً: يحقق إختيار الأمير فيصل ملكا على العراق هدف بريطانيا في الإيفاء بجزء من وعودها للعرب وللعائلة الهاشمية بتأسيس دولة عربية في المشرق العربي لقاء خدمات الشريف حسين والد الملك فيصل المقدمة لبريطانيا في دحر القوات العثمانية.
ثالثا: لم يكن امام بريطانيا من خيار غير إستمرار السياسة العثمانية السابقة في بلاد مابين النهرين القائمة على هيمنة الطائفة السنية على شؤون الحكم وإدارة ألأمور السياسية خاصة وأن معظم النخب السياسية التي كانت تخدم في المؤسسات العسكرية والمدنية العثمانية، ومنهم الأمير فيصل الذي كان عضواً في مجلس المبعوثين العثماني، قد أنتقلت إلى العراق بعد الحرب العالمية الأولى  وتولت مناصب وزارية في الحكومة أو في قيادة الجيش، لا بل البعض من هؤلاء عمل مع الأمير فيصل أثناء ثورة عام 1916 وكذلك أثناء حكمه القصير في سوريا. فقبل منح العراق الإستقلال عام 1932 وتقديم طلب الإنضمام إلى عصبة الأمم أعد المعهد الملكي للشؤون الدولية في بريطانيا دراسة في عام 1932 ذكر فيها أن النخبة السياسية العراقية التي كانت معظمها من طائفة السنة لم يكن يتجاوز عدد أعضاءها 300 شخص  ولم تكن كفوءة ومتدربة للحكم كذلك لم تكن تمثل الشعب العراقي وبقاءها في السلطة كان مقروناً بالدعم البريطاني  لها وكان الملك فيصل الأول على قمة هذه النخبة السياسية السنية ولم يكن أمام بريطانيا إلا أن تختاره لعرش العراق.
(Royal Institute of International Affairs, Memorandum on The Termination of The
Mandatory Regime in Iraq, 1932, British Library Ac 2773D – P. 40)
 

رابعاً: لكون الأمير فيصل من عائلة مسلمة معروفة بانتسابها الهاشمي لأصل النبي محمد (ص) ولكونه أيضا من خارج التناقضات الطائفية والعشائرية التي كانت تفعل فعلها في العراقيين فقد جاء تنصيبه ملكاً عليهم غير مخل بموازين الصراعات القائمة فيه، وبالتالي كان أكثر ضماناً لاستمرار الواقع القائم. فالعراق كان يختلف عن البلدان العربية الأخرى التي هيمن النظام العشائري والقبلي على البينة الاجتماعية والنظام السياسي، فلم يكن في العراق عشيرة أو قبيلة تنفرد بالقوة والهيمنة والسيطرة وقادرة على التحول إلى نظام سياسي وإدارة شؤون الدولة،  بل كانت  الطوائف والعشائر والقبائل في العراق في قتال وصراعات مستمرة لم تثمر بنتيجة حتمية تفضيلية لأي واحد منهم حتى تتمكن من الانتقال إلى مرحلة سياسية لاحقة تتجسد في نظام سياسي والمعروفة بمرحلة إنتقال السلطة من البداوة إلى الدولة، كما هو الحال في بلدان الخليج العربي. لهذا السبب لم يكن ممكنا أمام بريطانيا اختيار أي مرشح من هذه التكوينات الطائفية والعشائرية العراقية من دون أن يخل هذا الاختيار بموازين القوى القائمة بينها، فجاء اختيارها من خارجها حفاظاً على التوازن العشائري في العراق.

مقومات الكيان العراق السياسي:
------------------
هل كانت المقومات المطلوبة لإقامة دولة متوفرة أثناء تأسيس بريطانيا لكيان العراق السياسي؟؟؟ سؤال يستوجب البحث ولو بشكل مختصر في هذه المقومات الأساسية في إقامة الدول..  من بديهيات العلوم السياسية، أن الكيان السياسي، أي الدولة، لا يكتمل إلا بوجود أربعة مقومات وهي الإقليم، الشعب، الحكومة ثم السيادة، تجتمع جميعاً لتخلق ما يعرف بـ "الدولة". والدولة العراقية لا تستثنى منها منذ تأسيسها وحتى اليوم، باعتبارها كياناً سياسياً قائماً بحد ذاته. أما الإخلال أو الانتقاص من أي مقوم من هذه المقومات، فهي مسألة قانونية وسياسية عويصة تتضارب الآراء حولها ولا نريد التفصيل فيها حرصاً على حدود موضوعنا، ولكن الذي يهمنا هو القول بأن طبيعة هذه المقومات تختلف بعضها عن البعض من حيث التطور والتغير أو الإخلال بها أو الانتتقاص منها أو اختلاف مضامينها. ومثل هذه الطبيعة من الممكن تلمسها أكثر في المقومين "الحكومة والسيادة" واللذان يمكن إدراجهما مجازاً ضمن "المقومات المعنوية" أو السياسية. على العكس من المقومين "الإقليم والشعب" اللذان يكونان أكثر رسوخاً وثباتاً باعتباريهما مرتبطان بعنصري الجغرافيا والديموغرافيا، ويمكن درجهما ضمن"المقومات الموضوعية". وبغنى عن الصراع الفلسفي الدائر حول العلاقة بين الذات والموضوع، أو بين العوامل الذاتية والعوامل الموضوعية وأولية كل منهما في خلق الظاهرة، فأن الحقائق التاريخية في تكوين الدول تؤكد بما لا تقبل الشك، بأن العوامل الموضوعية من إقليم وشعب تسبق، لا بل يجب أن تسبق، العوامل الذاتية السياسية من حكومة وسيادة في خلق الدولة، وبالتالي يمكن اعتبار هذين المقومين، الحكومة والسيادة، نتاج للمقومين الأخرين، أي بعبارة أخرى وجود الإقليم والشعب يسبق الحكومة والسيادة ويعتبران عنصران أساسيان لا بديل عنهما في خلق الدولة، فهي تشكل البنية التحتية لقيام الدولة وتمثيل إرادتها في الحكومة وسيادتها على الإقليم. وإذا كانت الحكومة والسيادة أكثر عرضة للتغير والتطور بحكم كونهما "مقومات معنوية"، أو بنية فوقية، فأن هذه الصفات لا يتجرد منها "الشعب والإقليم" رغم كونهما "مقومات موضوعية"، فهما أيضاً يتصفان بنوع من التغيير والتطور ولكن بشكل بطيء جداً ونسبي في مقارنتهما مع المقومين الآخرين. أي بعبارة أخرى، الثبات والرسوخ هما حالة طبيعية والتغير هو حالة استثنائية. ولكن حتى هذا التغيير والتطور في المقومين، الشعب والإقليم، يشترط أن يكون للمقومين الأولين، وتحديداً الحكومة، قدرة عالية على التفاعل مع المقومات الأخرى،  ومثل هذه القدرة لا يمكن اكتسابها إلا بامتلاك آلية فاعلة تتناسب مع طبيعة الشعب والإقليم، أي وجود نظام سياسي قادر على القيام بهذه المهمة يمتلك الوسائل المختلفة من عسكرية وسياسية واقتصادية لديمومة استقرار نظام الحكم (الحكومة ومؤسساتها) وفرض سيادتها على إقليمها وتطبيق قوانينها على شعبها.

وطبقاً لهذه البديهية، نتساءل: هل كان للعراق تلك المقومات التي يمكن أن يخلق منه كياناً وبالمعنى السياسي المعروف بالدولة عند تأسيس بريطانيا لهذا الكيان السياسي في بداية القرن العشرين؟ الإجابة بسيطة وواضحة جداً ومعروفة سلفاً فيما يخص الحكومة والسيادة طالما كانت بريطانيا متحكمة في مقدرات البلاد وتخضع مثل هذه الحكومة والسيادة لحكومة بريطانيا وسيادتها ضمن نظام دولي عرف بـ "الإنتداب" والذي تم إلغاءه في عام 1932 ومنح العراق الاستقلال وعضوية في عصبة الأمم. أما بخصوص الأرض أو الإقليم الذي تأسست دولة العراق عليه فبمراجعة بسيطة إلى صفحات تاريخ تأسيس دولة العراق نجد أن بريطانيا، سيدة الموقف في تلك الفترة، قد لعبت دوراً أساسياً إن لم يكن الوحيد في تحديد معالم هذا الإقليم سواء من خلال المفاوضات وتسويات الحدود مع دول الجوار أو مع فرنسا حسب إتفاقية سايكس بيكو وتعديلاتها  ونظام الإنتداب الذي تبنته عصبة الأمم بعد الحرب الكونية الأولى أو من خلال الإنتصارات التي حققها الجيش البريطاني في إنتزاع أو ضمان بعض المناطق الحدودية وضمها إلى العراق خاصة في المنطقة الشمالية. ودور بريطانيا الفاعل والحاسم في ضم ولاية الموصل إلى العراق بدلا من تركيا واضح وجلي حيث كان من صميم مصلحتها بضم ولاية الموصل إلى العراق وفي رسم حدود الأقليم العراقي ولم يكن ذلك لإعتبارات قومية ودينية وديموغرافية وثقافية وتاريخية وإجتماعية تخص العراقيين بل تجاهلتها وكبستها ضمن أقليم وكيان سياسي محدد بمصالحها.

ولكن ماذا بشأن الشعب كمقوم أساسي وجوهري في تأسيس كيان سياسي في العراق؟؟؟ هل كان هناك في بلاد مابين النهرين فعلا شعب بالمفهوم الإجتماعي السياسي لكي يمكن تأسيس دولة بكل معنى الكلمة... هذا ما سنتطرق إليه في القسم الثاني من هذا الموضوع.



178


في الذكرى المئوية لمذابح سيفوا (1915-2015)
============================


تركيا: خائن بيننا = الآشوريون: بطل بيننا
==========================
أبرم شبيرا
في المقال السابق ونحن نستذكر هذه الذكرى المئوية لمذابح شعبنا، عقدنا مقارنة بين هذه المذابح مع مذابح الأرمن. ولكن يظهر بأنها كانت مقارنة غير منصفة بحق شعبنا عندما تجاهلنا وبغير قصد عمق وقوة تأثير هذه المذابح على واقع شعبنا ومصيره المستقبلي. فالأرمن بضحاياهم المليون ونصف المليون وبقاء أجزاء من أراض أرمينيا الشرقية محتلة من قبل تركيا وجزء آخر من قبل إذربيجان إلا أنهم في نهاية المطاف تمكنوا من بناء دولتهم الأرمنية المستقلة. في حين بقى شعبنا من دون أي كيان قومي خاص به ومتشتت بين أجزاء وطنه التاريخي في العراق وسوريا وتركيا وإيران وفي دول المهجر لا يجمع أبناءه جامع قانوني أو سياسي يأطر كيانهم القومي الخاص بهم غير بعض المقومات التي هي أيضا مهددة بالزوال والإنقراض.  لا بل والأكثر من هذا فأن مذابح الأرمن أصبحت جزء من التاريخ في حين مذابح شعبنا هي الماضي والحاضر  وربما ستكون المستقبل أيضا طالما هي مستمرة وبدون أنقطاع ولأكثر من قرن من الزمن. فلتاريخنا المعاصر الدامي محطات مؤلمة ومأساوية تسبق مذابح سيفو بسنوات طويلة. فجرائم المجرم مير بدرخان البشعة وقتله لعشرات الألاف من أبناء شعبنا في منتصف القرن التاسع عشر وتشريدهم من أراضيهم في منطقة هيكاري محطة كبرى في تاريخنا الدامي ثم أكملها تلاميذه أمثال المجرم إسماعيل (سمكو) أغا أثناء مذابح سيفو فهاجم في عام 1915 القرى الآشورية ومنها قرية قوجانس مقر بطريرك كنيسة المشرق الآشورية ودمرها عن بكر أبيها وشرد شعبنا نهائيا محققاً طموحات المجرمين حكام الترك أمثال السلطان عبد الحميد  والباشاوات جمال وأنور ومدحت المعروفين بتعطشهم لدماء الأبرياء ولم تكتمل جرائم هذا المجرم إلا بإغتيال أمير الشهداء البطريك مار بنيامين شمعون عام 1918. ثم أنتقل الإستبداد التركي إلى العراق بعد تأسيس كيانه السياسي عام 1921 فورثه مجرمين أمثال حكمت سليمان وبكر صدقي والملك غازي فكرروا مذابح الأتراك والكورد بحق شعبنا في مذبحة سميل عام 1933. ولم يكن نظام البعث الطاغي وأزلامه أقل كفاءة وخبرة في تنفيذ مذابح ضد شعبنا، فمذبحة صوريا 1969 وتشريد شعبنا من مناطقه التاريخية وأعتقال وإعدام بعض من قادة الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) عام 1984-1985 نماذج لهذه المحطات الدامية في تاريخ شعبنا فمهدوا هؤلاء المجرمين الطريق لتأتي داعش بنماذج أكثر وحشية في ذبح شعبنا وتشريده من مناطقه التاريخية في الوطن.

أن إستمرار المذابح والإبادة الجماعية بحق شعبنا لم تقتصر على قطع الرقاب وبقر البطون بل كان لها جوانب أخرى تمثلت في كبت الحريات وتكميم الأفواه والتجريد من مقومات وجودنا القومي في وطننا التاريخي. وإذ نحن نواصل الحديث عن الذكرى المئوية لمذابح سيفوا، نرى بأن تركيا قد صرفت ولا زالت تصرف الملايين من الدولارات للقيام بحملات واسعة لإنكار هذه المذابح، لا بل أصبح التطرق إليها وإستذكارها كمذبحة بحق الشعب الأرمني وشعبنا خيانة وجريمة يعاقب عليها القانون. وحتى أسوق نموذجا في هذا السياق أذكر بهذه المناسبة تصريح البطل الشجاع الأب يوسف أقبولت راعي كنيسة القديسة مريم للسريان الأرثوذكس في دياربكر – تركيا في شهر تشرين الأول لعام 2000.


كنيسة القديسة مريم للسريان الأرثوذكس في دياربكر – تركيا  وتاريخها يعود للقرن الثالث الميلادي دمرت عدة مرات ثم أعيد بناءها.
==================================================================
في نهاية عام 2000 كانت اللجنة الفرعية للكونغرس الأمريكي قد أقرت وأعترفت بمذابج الأرمن بعد أن طالبت فرنسا والمجتمع الأوربي تركيا بالإعتراف بهذه المذابحة فقامت قيامة تركيا فشنت حملة واسعة لتبرئة نفسها من هذه المذابح وإنكارها. وضمن هذه الحملة أجرى أثنان من مراسلي جريدة (حريات) التركية الواسعة الإنتشار لقاء مع الأب يوسف أقبولت عن مذابج الأرمن ذكروا له بأن اللقاء هو مجرد نقاش بينهم وليس لإغراض النشر. ففي حديثه ذكر الأب يوسف "بأنه خلال تلك السنوات ليس الأرمن وحدهم قتلوا في هذه الإبادة من قبل الأتراك العثمانيين وبمساعدة الكورد بل السريان الآشوريين أيضا وذلك لكونهم مسيحيين وهي حقيقة تاريخية لا يمكن نكرانها... فبغنى عن قرار الكونغرس الإمريكي سيكون لنا صوت نسمعه للعالم أجمع" وذكر الأب يوسف أيضاً " كان العثمانيون الترك  يوعدون الكورد الذين كانوا يعيشون بالقرب من مناطق الأرمن والسريان بأن في حال قتلهم لسبعة مسيحيين سوف يذهبون إلى الجنة، فالكورد الذين آمنو بهذه الوعود شاركوا في المذبحة" – ما أشبه البارحة باليوم.  لم يكن يعلم الأب يوسف بأن الحديث سينشر في الجريدة. ففي يوم الرابع من شهر تشرين الأول 2000 نشرت الجريدة هذا اللقاء وتحت عنوان (خائن بيننا) مع صورة الأب يوسف فتم أعتقاله من قبل الشرطة السرية التركية وأتهم بتهمة "تحريض الجماهير ونشر البغض والحقد العنصري" وتم إحالته لمحكمة أمن الدولة، وهي تهمة يعاقب عليها القانون التركي بالسجن لمدة لا تقل عن سنة.
وعلى الفور شن النشطاء السريان الآشوريين في مختلف بلدان العالم، خاصة في السويد وألمانيا حملة واسعة ضد إعتقال الأب يوسف وقادت المنظمة الآثورية الديمقوراطية ووكالة الأنباء الآشورية العالمية (AINA ) هذه الحملة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية بعث ستة نواب من الكونغرس الأمريكي بينهم الناشطة عضو الكنغرس أنا إيشو رسالة إحتاج إلى الرئيس التركي طالبين إطلاق صراح الأب يوسف وضمان حرية الأقليات في تركيا. وفي حينها ومن موقعنا الخاص والشخصي كتبنا في نهاية عام 2000 موضوعاً في نفس السياق وتحت عنوان (شجاع بيننا) تحدياً ولو معنوياً لعنوان جريدة (حريات) التركية وتضامنا مع الأب يوسف فنشر في بعض وسائل النشر وترجم إلى اللغة الإنكليزية أيضا. وندرجه في أدناه ليكون نقطة مضيئة على سلسلة المذابح الجسدية والفكرية التي فرضت على شعبنا طيلة قرون طويلة.. المذابج التي يتلألئ من قطرات دم شهداء شعبنا أشعاع النور الذي يخلد أمتنا ... النور الذي لم يستطيع أعتى عتاة الدكتاتورية من حجبه طيلة مئات السنين ومن المؤكد سيكون مصير داعش نفس مصير اسلافه السفاحين.


=====================================================

شجاع بينَنا  A BRAVE AMONG US
أبرم شبيرا
إذا كانت صحيفة "حريات" التركية ومن يقف وراءها من سلطات عسكرية وحكومية تعتقد بأن الأب يوسف أقبولت هو "خائن بينهم" كما جاء في عنوانها الرئيسي، فنحن نقول لا ولا وألف لا …  فالأب يوسف عندنا هو بطل وشجاع ومناضل حقيقي بينَنا. وإذا كانت تركيا تختلف عنًا من حيث كونها دولة كبيرة وقوية في المنطقة وتتحكم في رقاب شعوبها غير التركية وتحرمهم من أبسط حقوقهم القومية، فنحن الآشوريين قومية صغيرة لا نملك كيان سياسي مستقل خاص بنًا ولا محاكم نحاكم الناس ونسجنهم. ولكن … ولكن  لا نختلف عنهم إطلاقاً من حيث كوننا بشر ولنا حقوق مشروعة مثلما لهم، كما ولنا صوت ورأي يمكن أن يُرفع ويُسمع للرأي العام العالمي إذا انتهكت حقوقنا، ولنا أيضا أجهزتنا ومؤسساتنا و "أنترنيتنا" يمكن من خلالها إيصال صوتنا إلى الشعوب المحبة للحرية والسلام وإلى منظمات حقوق الإنسان. أن عصر السلطان عبد الحميد  والباشاوات جمال  وأنور ومدحت المعروفين بتعطشهم لدماء الأبرياء  قد ولى بدون رجعة وأن استمرار تركيا في الرجوع إلى الوراء وتقليد الممارسات العثمانية يجعلها هي الخاسر الوحيد في عصر هذا اليوم ويجرها نحو خلف الركب الحضاري السائر نحو الأمام.

ما هو الجرم الذي أقترفه الأب الشجاع يوسف أقبولت لكي يتهم بالخيانة ويحال إلى المحكمة، هل أسس حزب سياسي أو منظمة قومية سياسية ؟، هل قاد مظاهرة شعبية ضد استبداد السلطة، وإن كان من حقه كإنسان أن يقوم بهذه الأفعال التي تقرها الشرائع المتحضرة، لكن الجميع يعرف بأنه لم يقم بها بل كل ما أقترفه هو إعطاء تصريح صحفي عن واقع وتاريخ شعبه. ترى ما الذي صرح به لصحيفة اللا "حريات" حتى يصبح عند الحكومة التركية خائناً يحال إلى محكمة أمن الدولة ؟، وهو نفس الكلام الذي قاله وجعله عندنا بطلاً شجاعاً ملئت أخباره الصحف ومواقع الانترنيت وحرك ضمائرنا ودخل قلوبنا. أنه لم ينطق إلا بشيء واحد وهو "الحقيقة"، أي ما معناه الحق والصحيح وكما هو في الواقع، والأب يوسف كرجل دين له التزامات وواجبات تجاه الله والرعية وأبسط هذه الواجبات هو قول الحقيقية من دون خوف أو تردد. لقد أكد الأب الشجاع في تصريحه وقال بأن المسيحيين في تركيا غير مضطهدين ولهم كل الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية، وهو أدرى منًا جميعاً بهذه الحقيقة باعتباره كاهناً يمارس شعائر كنيستنا السريانية الأرثوذكسية في تركيا. وهذه الحقيقة معروفة لدينًا أيضاً، ولكن من الناحية السياسية، إذ أنه من طبيعة الأنظمة أو الشعوب المتشددة عنصرياً وقومياً لا تعير اهتماماً كثيراً للدين أو تشدداً نحوه بل تحاول استغلاله في تعزيز أيديولوجيتها العنصرية القومية واستيعاب كل الأديان فيها، كما هو الحال مع تركيا والعراق وغيرهما من دول الشرق أوسطية. ولكن هذه الحقيقة الواقعية لم تمنع الأب المناضل من الإفصاح بحقيقة أخرى عندما ذكر بأنه ليس الأرمن وحدهم تعرضوا للمذابح التركية وإنما السريان الآشوريين أيضاً، وهي حقيقة تاريخية لا تلغيها الحقيقية المعاصرة بل يجب الإفصاح عنها لأن الساكت عن الحق هو  شيطان أخرس ؟؟ !!

يا لها من سخرية الأقدار، حقيقية تقال وتدخل الأب يوسف السجن وتعرضه للمحاكمة والعقوبة وتجعله خائناً، ونفس الحقيقية تدخل الأب يوسف قلوب الآشوريين الشرفاء وتجعله شجاعاً وبطلاً. وإذا كنًا نعرف السبب من وراء الحالة الأولى، وهو أن تركيا دولة عنصرية بمعنى تحرم شعوبها من غير عنصر الترك، ومنهم طبعاً الآشوريين، حقوقهم القومية المشروعة بما فيه حق بيان الرأي بشأن حال الأمة وتاريخها وتخشى وتعارض كل حقيقية تقال بهذا الشأن، فأن الحالة الثانية هي أكثر حيرة ومثيرة للتساؤل يرتبط سببها، وهو السبب الذي جعل من الأب المناضل يوسف بطلاً شجاعاً، بالحالة المأساوية التي يعيشها مجتمعنا الآشوري في عصر هذا اليوم. أنه الزمن الغادر الذي جعل من الآشوريين أن تنقلب القاعدة عندهم إلى استثناء وأن يتحول الاستثناء إلى قاعدة. أن قول الحقيقة، سواء أكانت معاصرة أم تاريخية، حالة أو قاعدة عامة ومن ينكرها هي حالة خاصة أو استثناء ضمن هذه القاعدة. فمثل هذه المعادلة المحكومة بـ "لكل قاعدة استثناء" لا تثير أي موضوع للاهتمام أو الانتباه ومن ثم نعت وإضفاء على من نطق بها صفات الشجاعة والبطولة والثناء. أي بعبارة أوضح، لو كان مجتمعنا متعافيا قومياً وشافياً من "عقدة الخوف من السياسة والمسائل القومية" وفيه أكثر من يوسف أقبولت وأكثر من شجاع وبطل لما ملئنا صحفنا وانترنيتنا بصفات الشجاعة والأقدام التي ننعت بها الأب يوسف. ولكن … وحسرتاه … هناك يوسف أقبولت واحد … نعم أوكد وأقول مرة أخرى …  واحد فقط لا غيره. وربما قد أكون مخطئاً، وأرجو من الله أن أكون كذلك، ولكن أعرف، كما يعرف غيري، الواقع هو غير ما نرجوه أو ما نطمح إليه. تصوروا لو أجريت صحيفة واسعة الانتشار كـ "حريات" التركية أو قناة تلفزيونية أو محطة إذاعية تتبنى فكر شوفيني معادي لتطلعات الآشوريين القومية والسياسية أو خاضعة لنظام سياسي يستبد قومياً وسياسياُ بأبناء أمتنا، أجريت مقابلة مع إحدى الشخصيات الآشورية، سواء أكانت دينية أم علمانية، حول مسألة قومية وسياسية تخص تاريخ أو واقع أمتنا، تصورا ما الذي سيقوله في هذه المقابلة … أعتقد بأنه من المستحسن أن لا أشرح وأطنب في الجواب ضمانا لوقتنا لأنه معروف، فالتاريخ البعيد والقريب المليء بهذه التجارب يغنينا عن هذه المهمة.

ربما يقول البعض، ما العمل ؟ فاليد تحت الحجر، وإننا نعيش في ظل أنظمة استبدادية لا ترحم فلو نطقنا بالحقيقة لتعرضنا إلى ما لا يحمد عواقبه، فالأحسن نُمشي الأمور ونكون "عقلاء" والأمر على الله. ولكن نحن نقول لهؤلاء ماذا بشأن بعض الذين يعيشون في المهجر ويستمتعون بحرية الرأي وبالأجواء الديمقراطية وهم بعيدين عن سطوة هذه الأنظمة ولكن مع هذا نراهم يتمشدقون بالأنظمة الاستبدادية ويمسحون أكتاف أزلامها. ربما يجيب هؤلاء ويقولوا : لنا بعض أفراد عائلتنا أو أقاربنا في الوطن نخاف عليهم من ظلم السلطة فضماناً لسلامتهم نترك هذه الأنظمة ونولي وجهتنا عن مسائلنا القومية والسياسية. ولكن نحن نختم حديثنا العقيم مع هؤلاء ونقول : الكلاب لا تنبح ولا تجري إلا خلف الخائف والهارب المهلوع، أما من يقف في وجهها ويصمد أمامها فإنها سرعان ما تكف عن نباحها وجريانها وتتراجع عن استمرار المطاردة. أنها عبرة ومن يريد أن يتعظ فليتعظ.
 
ضمن هذا الواقع المأساوي، نعود ونقول بأنه يجب أن نعرف الأمور على حقيقتها من دون مبالغة وتهويل. من هذا المنطلق نقول يجب أن لا نعتقد أو نتصور بأن الأب يوسف مناضل قومي وثوري بمعاييرنا السياسية وأنه كان قاصداً من تصريحه الصحفي إثارة المشاعر والعواطف القومية في أبناء أمته، ولكن بالمقابل نقول وبملء الفم بأن الأب يوسف أقبولت شجاع ومناضل وبطل بالمعايير السماوية والإنسانية لأنه أدى واجبه في قول الحقيقة والمفروض عليه كرجل دين ينتمي إلى أمة وكنيسة عريقتين والذي أدى ذلك إلى أن ينال رضى أبناء أمته وبالتأكيد والحتم نال رضى الله أيضاً. من هنا يجب علينا أن نحني بكامل قامتنا أمامه حتى يصل رأسنا للأرض احتراماً وتقديراً لبعض الكلمات التي قالها عن حقيقة أمته والتي تبدو بسيطة في شكلها ولكنها عظيمة في مضمونها، وهي الكلمات التي جعلته خائناً عند الأتراك وبطلاً عند السريان الآشوريين. كما يفرض ضميرنا وواجبنا في أن نرفع قبعاتنا في الهواء احتراماً وإجلالاً لكل الشخصيات والمنظمات التي وقفت مع شجاعة الأب يوسف، وخاصة الذين حضروا وقائع محاكمته ونذكر منهم العالمة  الألمانية الفذة الشجاعة كبريلا يونان وممثل المنظمة الأثورية الديمقراطية المناضلة وشخصيات برلمانية من السويد وألمانيا وغيرهم الذين لا تتوفر أسماءهم عندنا. كما نثمن عالياً كل الأشخاص والصحف الآشورية والمواقع الالكترونية التي كتبت ورفعت الشكاوي عن اعتقال الأب الشجاع يوسف أقبولت وأخص بالذكر وكالة الأنباء الآشورية العالمية (AINA ) أنها كانت وبحق في مستوى المسؤولية القومية، فمن أعماق القلب نقول لهم لقد أديتم الواجب وبأمان. أنها فرصة نقولها لجميع هؤلاء وعبر هذه السطور البسيطة أنهم بوقفتهم الشجاعة هذه ترتب على أعناق أبناء أمتنا الآشورية، أو على الأقل الشرفاء منهم، ديناً ثقيلاً يستوجب الوفاء به، إن لم يكن بالمال والجاه والمناصب، لأننا لا نملكها لكوننا أمة فقيرة، ولكن ليكن بالشكر والعرفان والكلام الطيب والجميل. كما أنها فرصة نقولها للأنظمة التي تتحكم في رقاب أبناء أمتنا ، كما سبق وأن قلناه في مناسبات سابقة، صحيح إننا أمة صغيرة ومتشتتة في عصر هذا اليوم ولكن إيماننا أقوى من صخر جلمود ولا يفنى بالسجون والمحاكمات وأن يوم خلاصها آت لا محال سواء أكان غداً أم بعد ألف عام.
------------------------------
ملاحظة: أرجو من القارئ اللبيب أن يعرف بأن الموضوع أعلاه كتب في نهاية عام 2000 وكان نظام البعث الدكتاتوري في العراق يسلط سيفه على رقاب أبناء أمتنا في الوطن ولم يكن ممكناً إطلاقاً التصريح بمثل تصريح الأب يوسف الشجاع من قبل رجال الدين أو حتى العلمانيين.

جميع هذه الصور مأخوذة من موقع وكالة الأنباء الآشورية العالمية (AINA )

179
نظرة مقارنة بين مذابح الأرمن و"الكلدان السريان الآشوريين"
===================================
أبرم شبيرا

لو كان بالإمكان إجراء مسح وتدقيق للكتب والدراسات والمقالات التي كتبت عن تاريخ شعبنا لوجدنا بأن ما كتب عن المذابح التي سبقت الحرب الكونية الأولى وأثناؤها وما بعدها تشكل رقماً كبيرا لا يضاهيه أي موضوع آخر كتب عن تاريخ شعبنا. ولكن من جهة أخرى نلاحظ بأن هذا الكم الهائل من الكتابات في معظمها هو تأريخ (بوضع الهمزة على الألف) لأحداث المذابح التي فرضعت على شعبنا وسرد لوقائعها المأساوية من دون دراستها وفق علم التاريخ (من دون همزة على الألف) لبيان أسبابها والعوامل المؤثرة فيها والنتائج ومقارنتها مع غيرها من المذابح التي أقترفت بغيرهم من المسيحيين خاصة الأرمن منهم. ومن الملاحظ، ونحن على عتبة الذكرى المؤية (1915 – 2015) لمذابح سيفو التي أقترفها الأتراك العثمانيون وبعض من حلفائهم الكورد، بأن معظم الأحاديث والنشاطات والكتابات تتمحور حول مذابح الأرمن وشعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" وفي بعض الأحيان يضاف اليونانيين أيضا إلى قائمة القوميات المسيحية التي تعرضت لهذه المذابج كمسيحيين بشكل عام ولكن من دون أجراء مقارنة بين هذه القوميات من حيث الأسباب والنتائج المختلفة التي ألت من جراء هذه المذابح على كل مجموعة من هذه المجموعات خاصة بين الأرمن وشعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" رغم أن الجزار العثماني لم يكن يفرق بين مسيحي وآخر. وهنا من الضروري أن أعيد التذكير بحوار جرى بين أحد المبشرين الغربيين وقائد عسكري عثماني أثناء المذابح المعلنة رسمياً ضد الأرمن عام 1915 عندما قال المبشر للقائد العثماني "أن الفرمان هو ضد الأرمن... فلماذا تذبحون الآشوريين أيضاً؟؟؟ فرد عليه القائد العثماني قائلا "أنا لا أفرق بين الروث الجاف والروث الطري فكلاهما روث وسخ  وذو رائحة كريهة".

ولكن مع خضوع رقاب كل المسيحيين للسيف العثماني والنخر بهم من دون تفرقة، نرى بأن الأرمن حققوا نجاحاً منقطع النظير في الإعتراف بالمذابح المقترفة بحقهم ومن قبل منظمات دولية وأقليمية ودول عديدة وتطالب تركيا بتحمل مسؤولية هذه المذابح في الوقت الذي نرى بالكاد تخطو منظمات شعبنا خطوات بسيطة للحصول على مثل هذا الإعتراف. ومرد نجاح الأرمن في هذا السياق في مقارنته مع محاولات شعبنا للحصول على الإعتراف بالمذابح التي أقترفت بحقهم  يرجع إلى عدة عوامل مختلفة، نذكر منها:
1-    ديموغرافياً، شعب الأرمن أضعاف شعبنا بجميع مكوناته وطوائفه كما أن ضحايا الأرمن في هذه المذابح قدرت بمليون ونصف المليون في حين قدرت ضحايا شعبنا بسبعمائة ألف، أي النصف في مقارنة مع ضحايا الأرمن وهذه أرقام تقديرية يختلف تقديرها من جهة إلى أخرى. كما يجب أن لا ننسى بأن للإنتماء الأرمني مصدر واحد رغم تعدد طوائفه الكنسية ليظهروا للعالم كقومية واحدة. في حين نرى بأن المصادر الرئيسية لإنتماء شعبنا متعددة تبني حواجز فكرية طائفية تحول دون ظهورنا للعالم الخارجي كقومية واحدة رغم وحدة مقوماتها الأساسية.
2-    جغرافياً، كانت أراض موطن الأرمن أكثر تجانساً وترابطاً وأكثر وضوحاً لمعالمها القومية والتاريخية وأرتبط وطنهم بتسمية قوميتهم "أرمينيا" فعرفها العالم بهذه التسمية كوطن للأرمن. في حين كانت أراض موطن شعبنا مبعثرة بين أقطار وبلدان مختلفة سياسياً وقانونياً ومتباينة جغرافياً ولم تكن معروفة وعلى نطاق واسع كوطن قومي وحتى هذه الأراضي كانت تتداخل مع أراض قوميات أخرى كالكورد والفرس والترك.
3-   كنسياً: كان لكنيسة الأرمن الأرثوذكسية في الدولة العثمانية وجود بارز وفاعل وكان مقر كرسي بطريركها في العاصمة أسطنبول يتمع بمكانة خاصة عند السلطات العثمانية. وحتى الكنيستين الأرمنية الكاثوليكية والبروتستانية، اللتان كانتا أقل رعية وشأنا، كان لهما علاقة وثيقة وخاصة مع كنيسة الأم الأرثوذكسية ويتعاونون على إنشاء مدارس أرمنية ومعاهد رعاية الأيتام ومشاريع كنسية ومسكونية فكان الأرمن يتبعون بجميع طوائفهم لسطلة دينية ودنيوية واحدة تتمركز في كرسي بطريريك الأرمن في أسطنبول الذي كان المرجع الرسمي الديني والقومي لجميع الأرمن في الدولة العثمانية وكانت  كنيسة الأرمن الأرثوذكسية بما فيها الكاثوليكية والبروتستانية، كنائس قومية بكل معنى الكلمة. أما مقارنة كنائس شعبنا في تلك الفترة مع الكنائس الأرمنية ومن الناحية القومية فهو حديث مؤلم ومأساوي. فلو أخذنا الكنائس الرئيسية الثلاث، الكلدانية الكاثوليكية والسريانية الأرثوذكسية والشرقية "النسطورية" نرى بأن كرسي بطريرك كل كنيسة كان في منطقة مختلفة ومتباعدة وبعضها معزولة تماماً ولم يكن لهم إتصال يذكر مع الباب العالي أو السطان العثماني إلا من خلال والي منطقتهم، فكان الإتصال ببعضهم شبه معدوم أيضاً أن لم نقل بأنهم كانوا في صراع لاهوتي كنسي متفرقين غير متوحدين وفي وضع متهر سياسياً وقومياً عجزوا عن التعبير عن وحدة الأسس القومية والحضارية لرعيتهم فكانت هويتهم تظهر من خلال الكنيسة التي ينتمي إليها كل مجموعة من مجموعات شعبنا وحسب نظام "المليت" العثماني. علما بأن كلمة "مليت" التركية تعني الشعب أو القومية، بمفهوما الحديث، وهو الأمر الذي زاد من تأطير تشتت شعبنا بأطر قانونية رسمية مختلفة ومنفصلة بعضها عن البعض.
4-   دولياً: كان للأرمن حصة كبيرة من المعاهدات الدولية التي قيدت الرجل المريض (الدولة العثمانية) ومنها معاهدة سفير لعام 1920 والتي قضت بتقسيم أراض الدولة العثمانية وأقامة دولة أرمينيا الكبرى. غير أن هذه المعاهدة لم تخرج إلى التطبيق حيث أنتعش الرجل المريض وإستعاد نشاطه السياسي والعسكري بقيادة كمال أتاتورك فحل محلها معاهدة لوزان لعام 1923 التي قضت على فكرة قيام دولة أرمينيا الكبرى فأسترجعت تركيا المناطق الشرقية من أرمينا وأنحصر حدود الكيان الأرمني في موطنه الأصلي في جنوب روسيا فضلت الجمهورية الأرمنية السوفياتية كيان سياسي معورف ضمن الإتحاد السوفياتي. بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي أستقلت أرمينياً بالكامل وأصبحت عضواً كاملاً في منظمة الأمم المتحدة. أما بالنسبة لشعبنا فلم يكن لهم أي ذكر كقومية متميز في هذه المعهدات الدولية تستحق كيان خاص بها، فحتى الوفود التي سعت إلى الحضور إلى مؤتمر باريس للسلام عشية إنتهاء الحرب الكونية الأول أو المؤتمرات التي تلته كان تمثيلها كنيسياً وطائفياً ولم يحققوا خطوة واحدة نحو نيل حقوقهم وأثبات كيانهم القومي، بل زادوا تشتتاً وضياعاً بعد تقسيم أراض الدولة العثمانية وقيام دول حديثة في المنطقة. وحتى "الكرم" الذي أنعم عليهم القوى الكبرى في هذه المواثيق في حماية الأقليات أو تصريحات بعض رجال السياسية الغربية في ضمان حقوق شعبنا فأنها لم ترى النور.
5-   حزبياً: كان للأرمن أحزاب سياسية إشتراكية قومية وديموقراطية قوية وحسن التنظيم والتمويل والمساندة من قبل أكثرية الشعب الأرمني وحتى من قبل رجال الكنيسة أمثال حزب الطاشناق (الإتحاد الثوري الأرمني) و حزب الهنشاك الديموقراطي الإشتراكي وكان بعض الآشوريين من جورجيا منتسبين لهذه الأحزاب لكونها أحزاب ثورية ديموقراطية تقارع ظلم الإستبداد العثماني. أكتسبت الأحزاب الأرمنية تجارب نضالية ثورية وتقدمية من خلال تعاملها في مراحل معينة مع الأحزاب الروسية خاصة مع الحزب الإشتراكي الديموقراطي الروسي ثم مع الحزب الشيوعي السوفياتي فكان لهذه الأحزاب إنتشاراً في دول عديدة حيث الكثافة الأرمنية بارزة مثل سوريا ولبنان ودول المهجر. ثم جاء تأسيس الجيش الأرمني السري عام 1973 الذي قام بنشاطات عسكرية وأتبع أساليب المقاومة المسلحة ضد المصالح التركية فإستطاع من إغتيال 37 دبلوماسي تركي في مختلف دول العالم، كل هذا ساعد وبشكل قوي على أبراز الوجود الأرمني على الساحة الدولية. أما بالنسبة لشعبنا ففي مراحل نشؤ الفكر القومي خاصة قبيل أو مباشرة بعد الحرب الكونية الأولى لم يكن له أحزاب أو منظمات قومية فاعلة وأن كان هناك حزب في بداية مشواره فأنه لم يكن بتلك القوة القادرة على الإستمرار وتواصل مسيرته وإبراز قضيته على المستوى الأقليمي والدولي ولم يحضى بمساندة شعبية كبيرة ولا بتأييد من الكنيسة. وحتى الحزب الآشوري الإشتراكي الذي أسسه الشهيد المناضل الدكتور فريدون آتوراياً وبنيامين أرسانس وغيرهما من القوميين فإن بعض رجال الكنيسة تأمروا ضده وقضوا على هذا الحزب بعد أن قضت السلطة الستالينية على الشهيد فريدون أتورايا بتهمة التجسس لصالح الإنكليز. والحال لم يكن يختلف مع مجلس آورمي القومي وغيره من التنظيمات القومية التي كان مصيرها الفشل إما بسبب النزعات العشائرية أو الصراعات الطائفية. وهنا تجدر الإشارة إلى المشروع الذي أطلقه الشهيد الدكتور فريدون أتورايا في بيانه المعروف بـ "مانفستو أورمي" الذي دعا إلى إنشاء دولة لشعبنا والإنضمام إلى الإتحاد السوفياتي فلو نجح وطبق على الأرض لكان لشعبنا كيان سياسي ودولة مستقلة إستقلالاً كاملاً بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي حالها كحال الدولة الأرمنية المستقلة.
 
6-   هناك  نقطة أخرى تخص المسعى أو الهدف من الحملات التي يقوم بها الأرمن بخصوص مذابح سيفو في مقارنتها مع هدف الحملات التي يقوم بها أبناء شعبنا ومنظماته القومية والكنسية. الهدف لكلا القوميتين هو حصول إعتراف أكبر عدد ممكن من الدول بهذه المذابح والضغط على تركيا لتتحمل مسؤوليتها والتي تتهرب منها بحجج مختلفة. فمعظم الكتاب والمفكرين ورجال السلطة في تركيا ينكرون وجود مذبحة جماعية منظمة ضد الأرمن والآشوريين السريان ويدعون بأن حالهم كحال الإتراك والكورد وغيرهم من القوميات والأديان فأنهم كانوا مجرد ضحايا حرب كبرى وهي مسألة عادية ومحتملة في جميع الحروب من حيث وجود ضحايا، وهو إدعاء باطل وغير قادر على إنكار وجود مذبحة منظمة جماعية، فالوثائق الرسمية وغير الرسمية والأفلام والأحاديث المسجلة لشهود عيان، لا بل طرد وتشريد المسيحيين من الأرمن والكلدان السريان الآشوريين من أراضيهم وإحتلالها من قبل الأتراك والكورد كلها حقائق مادية تثبت وجود مذبحة جماعية منظمة. كما أن تركيا لا تستطيع أن تنكر كدولة لها كيان سياسي معترف بها مسؤوليتها عن جرائم أرتكبها أسلافها العثمانين لأن المسؤولية لا تقع على الأشخاص ولا على النظام السياسي بل على الدولة نفسها ككيان له شخصية قانونية وهذا لا يعفيها من هذه المسؤولية كما كان الحال مع الإبادة الجماعية لليهود من قبل النظام النازي في ألمانيا والجرائم التي أرتكبها نظام البعث في العراق ضد دولة الكويت، فكلا الدولتين ألمانيا والعراق  تحملا المسؤولية والنتائج المترتبة عليها. ولكن السؤال يبقى: هل تركيا كدولة إسلامية يتحكم في نظامها حزب ذو توجهات إسلامية ستقبل في نهاية المطاف مسؤولية هذه المذابح بحق شعبنا وبحق الأرمن؟؟؟ وما هي نتائج قبول هذه المسؤولية؟؟؟. لا يظهر في الوضع السياسي الحالي ولا في المستقبل القريب بأن تركيا ستقبل هذه المسؤولية لأنه ليس للعقلية الإسلامية قدرة على قبول الإعتذار وتحمل مسؤولية إضطهادات وعذابات الآخيرين. ولكن لو أفترضنا مجازاً بأن تركيا أعترفت بمسؤوليتها لهذه المذابج فإن لهذا الإعتراف سيكون له حتماً نتائج يمكن تلخصيها في: الأول: هي مسؤولية معنوية، أي الأعتذار الرسمي للأرمن والآشوريين والسريان والكلدان على المذبحة التي أرتكبتها بحقهم ومثل هذه المسؤولية سيترتب عليها المسؤولية الثانية وهي المسؤولية القانونية التي تلزم تركيا بالتعويض المادي للشعب المنكوب، سواء بالمال أو باسترجاع الأراضي المستولى عليها وهي مسألة عويضة ومعقدة يلزم إدارتها وتقدير التعويض جهود دولية كبيرة وأتفاقيات بين الطرفين. ولما كان للأرمن دولة عضوة في المجتمع الدولي فالأمر سيكون أسهل بكثير من أمر شعبنا المشتت الذي لا دولة له أو كيان قومي خاص به يستطيع تمثيله في هذا الأمر، ولكن الإفتقار إلى كيان تمثيلي لشعبنا يجب أن لا يثني منظماتنا القومية وأحزابنا السياسية وكنائسه المختلفة ومفكرينا وكتابنا من المضي قدماً في حملاتهم التوعوية والإعلامية عن المذابح المرتكبة بحق شعبنا للحصول، على الأقل في المرحلة الأولى، على إعتراف أكبر عدد من الدول بهذه المذبحة والضغط على تركيا لتحمل مسؤوليها المعنوية والأخلاقية لهذه المذبحة وإننى أرى بأن التلميحات التي تطرحها تركيا وبعض الجهات الرسمية بخصوص إسترجاع الكنائس والأديرة والأراضي في تركيا إلى أصحابها الشرعيين الذين هجروها تأتي في هذا السياق.     

هذه هي، وبإختصار، بعض النقاط التي جعلت من الأرمن، ومن خلفهم دولتهم المستقلة، أن يكون لهم صوتاً مسموعاً على المستوى الدولي وأن تعترف دول عديدة بالمذبحة التي أرتكبت بحقهم من قبل العثمانيين الأتراك مقارنة مع المذبحة، بل مذابح التي أرتكبت من قبل العثمانيين الأتراك بحق شعبنا ومن ثم تواصل المذابح وعلى أيد رجال أنظمة الحكم في العراق وخاصة مذبحة سميل لعام 1933 ليظهر السلطان عبد الحميد ومدحت باشا وأخيه حكمت سليمان وبكر صدقي وحجي رمضان في صورة أبو بكر البغدادي وغيره من مجرمي داعش لتستمر سلسلة معاناة شعبنا المميتة في الوقت الذي لا يزال المجتمع الدولي يصم أذانه أمام صرخات أطفالنا ونساؤنا وشيوخنا وهم يتعرضون يومياً لسلسلة من المذابح التي لم تشاهد الإنسانية مثيلاً لها.     
 
   

       



180
بمناسبة صدور قرار منح الحقوق الثقافية "للناطقين بالسريانية"
---------------------------------------

المفهوم الإستعماري الكولونيالي "للناطقين باللغة...."
==========================
أبرم شبيرا
قرار منح الحقوق الثقافية "للناطقين بالسريانية" :
-------------------------
في مثل هذا اليوم، السادس عشر من شهر نيسان عام 1972، أصدر مجلس قيادة الثورة (المقبور) قراره الخاص بمنح الحقوق الثقافية للمواطنين "الناطقين باللغة السريانية من الآثوريين والكلدان والسريان" والذي جملة ما جاء فيه هو أعتبار اللغة السريانية لغة تعليم في المدارس الإبتدائية و تدريس هذه اللغة في المدارس المتوسطة والثانوية التي غالبيتها من الناطقين بهذه اللغة وكذلك تدريسها في كلية الآداب بجامعة بغداد كإحدى اللغات القديمة إضافة إلى إستحداث برامج خاصة باللغة السريانية في الإذاعة ومحطتي تلفزيون كركوك ونينوى وإصدار مجلة شهرية باللغة السريانية من قبل وزارة الإعلام وإنشاء جمعية للأدباء والكتاب الناطقين باللغة السريانية وضمان تمثيلهم في الإتحادات والجعيات الأدبية والثقافية ومساعدة المؤلفين والكتاب والمترجمين ماديا ومعنوياً ونشر إنتاجهم الثقافي والأدبي إضافة إلى تمكين المواطنين الناطقين باللغة السريانية من فتح النوادي الثقافية والفنية وتشكيل الفرق الفنية والمسرحية لإحياء التراث والفنون الشعبية وتطويرها.

من الناحية الشكلية والتشريعة يعتبر القرار الأول من نوعه في تاريخ العراق السياسي فهو نموذجاً جيداً ومثالياً في معالجة موضوع حقوق المجموعات الأثنية ضمن الدولة الواحدة  ويشكل إطاراً قانونياً في الإهتمام بلغتهم والحفاظ عليها من الإنقراض حيث كان له إمكانية عملية لتطبيق بنوده على أرض الواقع على أساس كونه لا يتعلق بالسياسة، على الأقل من الناحية الشكلية، ولا يوثر على الإستراتيجية الفكرية والسياسية للجهة الصادر منها، لا بل ربما يخدمها ويعزز من مكانتها ويحسن من سمعتها في مجال حماية حقوق الأقليات. ولكن من المستغرب أن يصدر مثل هذا القرار الإنساني بحق أقلية مختلفة عن رجال الحكم وعن حزب البعث الحاكم المستبد ومن قبل نظام دكتاتوري لا يقر بالإختلاف ولا بحق الغير في التمتع بحقوقه القومية. يقول المثل "النمر لا يستطيع أن يغير رقطه"، هكذا الحال كان مع حزب البعث العراقي حيث خلال فترة لم تدم طويلاً كشف النظام عن أنيابه الصفراء وأفترس كل "الإنجازات" التي تحققت من تطبيق هذا القرار، حيث ظهر بأن هذا القرار كان بالنسبة له طعماً لإصطياد "الناطقين بالسريانية" وتحديداً الآشوريين منهم لغرض تحقيق أهداف سياسية تكتيكية لكسب الآشوريين إلى جانبه وزجهم في إستراتيجيته الساعية إلى الإنقضاض على الحركة الكوردية ومحاولة إبعادهم او تحويل تعاطفهم مع الحزبين الشيوعي العراقي والديموقراطي الكردستاني إلى جانبه، وفعلاً نجح في سياسته هذه حيث بدأ عدد من الآشوريين ينتمون إلى حزب البعث سواء طوعاً أو خوفاً، وهو موضوع سبق وأن تطرقنا إليه في مناسبات سابقة.

في حينها رفض القوميون الآشوريون صيغة إصدار القرار وجاءت حجج رفضهم على أساس كونه أسلوباً تكتيكياً للتعامل معهم كطوائف مختلفة لا يجمعهم إلا اللغة السريانية التي ينطقون بها،  ولكن بقدر ما كانت تسمح به الخطوط الحمراء التي طوق بها الحزب مسألة تطبيق بنود هذا القرار فقد أستطاع عدد من المثقفين التغلغل بين سطور هذا القرار والمضي قدما لتطبيق بعض من بنوده وتحقيق نتائج كانت جيدة في سياقها الزماني والمكاني حيث تم تأسيس إتحاد الأدباء والكتاب للناطقين بالسريانية والجمعية الثقافية والجمعية الفنية كما تأسس مجمع اللغة السريانية التي ألحق بالمجمع العلمي العراقي حيث تمكنت هذه المؤسسات من أن تخطو خطوات إيجابية في تطوير الثقافة والتراث والفن واللغة السريانية كما تم إصدار مجلات دورية وزيادة في ساعات البث الإذاعي باللغة السريانية. أما من حيث تدريس اللغة السريانية في المدارس المقررة فأنها منذ البداية بدأت بخطوات متعثرة ولم تحقيق ما كان يطمح  إليه المهتمين بهذه اللغة والمتكلمين بها. غير أن بعد إستنفاذ غاية النظام البعثي المقبور من صدور هذا القرار وبدأ بتشريع سياسته الإستبدادية المعروفة بـ "إعادة كتاب التاريخ" أصبح جميع هذه "الإنجازات" في خبر كان ولم تعد اللغة السريانية بالنسبة له إلا لهجة محلية لللغة العربية الأم ومردها الإختلاف الديني فقط ولا غير، لا بل أصبح عند بعض من مفكري حزب البعث تسميات مثل الآثورية والكلدانية من أضاليل الإستعمار.

مفهوم الناطقين بالسريانية تحت المجهر:
-----------------------
كان من الممكن، لو توفرت النية الحسنة، لنظام البعث المقبور، أن يصدر القرار كالآتي (قرار منح الحقوق الثقافية للآثوريين والكلدان والسريان) من دون أن يذكر "الناطقين بالسريانية" لأن فحوى القرار وبكل مواده يبين بأن السريانية هي اللغة القومية لهذه الأقلية العراقية. غير أنه إنطلاقا من سياسته الفكرية الإستبدادية في تجريد (الآشوريين والكلدان والسريان) من لغتهم القومية ومن تاريخهم القومي المشترك وقطعهم عن جذورهم الحضارية الممتدة في أعماق التاريخ لبلاد مابين النهرين، أستمد فكره في صياغة هذا القرار من القاموس الإستعماري الكولونيالي فجعلهم ناطقين بهذه اللغة والتي تظهر في شكلها كأنها لغة مكتسبة من الغير وليست لغتهم القومية. وقد يستغرب القارئ الكريم من إستخدام مصطلح (الإستعمار الكولونيالي) وعلاقته بالموضوع وهو إستغراب وارد. ولإزالت مثل هذا الإستغراب نقول في القرنين الماضين وما بعدهما، أحتلت القوى الإستعمارية البريطانية والفرنسية والإسبانية مناطق شاسعة من بلدان مختلفة في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية وكان شعوب بعض هذه الدول تعيش في إنماط حياتية بدائية على مختلف الأصعدة الإجتماعية والثقافية وكان لهم لغة محلية أو قبلية بدائية شفهية لم تكن في حينها بمستوى يمكن كتابتها أو قراءتها. وعندما جاء الإستعمار الكولونيالي أعاق تطور هذه اللغة لكي تصبح لغة قومية لجميع القبائل وفئات الشعب، فكان من الطبيعي أن يفرض الإستعمار لغته عليهم لتكون وسيلة الإتصال بهم والتفاهم معهم. وخلال المراحل القادمة أصبحت لغة المستعمر هي اللغة "القومية" لهذه الشعوب أو اللغة السائدة والمهيمنة فتمكنت من أزاحة اللغات المحلية البدائية من ألسنة شعبونها أو أنزواءها في مجالات ضيقة جداً غير قادرة على مواجهة لغة المستمر التي أصبحت رسمية في الدول التي نالت إستقلالها. من هنا ظهرت مصطلحات مثل "الناطقين بالفرنسية" أو الدول الناطقة بالفرنسية (Franco Phon ( والشعوب أو الدول الناطقة بالإنكليزية  (Commonwealth)والشعوب أو الدول الناطقة بالإسبانية ((Spanio وعلى هذا الأساس تأسست أيضا منظمات سياسية  لدول هذه الشعوب كوسيلة لضمان إستمرار العلاقة بينهم. أي بهذا المعنى أن اللغة الفرنسية أو الإنكليزية أو الإسبانية التي نطقت بها هذه الشعوب لم تكن لغتهم القومية ولم تكن لهم لغة قومية بل أصبحوا ناطقين بالفرنسية أو بالإنكليزية أو الإسبانية. وعلى نفس السياق يأتي مفهوم الناطقين بالسريانية على أساس أن الآشوريين والكلدان والسريان ليس لهم لغة قومية بل يتكلمون لغة سريانية أكتسبوها من خلال كنيستهم المشرقية والتي كانت السريانية لغتها فأستعملوها في طقوسهم وتكلموا بها بسبب إنتماؤهم الطائفي والكنسي.
   
الناطقين بالسريانية كتسمية قومية:
------------------------
 مما تقدم نقول بأن مفهوم "الناطقين بالسريانية" لا يصلح إطلاقاً كتسمية قومية لأبناء أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" كما كان قد أقترحها صديق العمر المهندس خوشابا سولاقا في أحدى كتاباته الرائعة والذي جاء مقترحه من باب "حرقة القلب" والحماس المتقد ليرى أمتنا متوحدة تحت تسمية قومية واحدة وبأي شكل من الإشكال للخروج من التخبطات التي نعانيها في التسمية القومية والتي يعتبرها البعض قمة مشاكلنا القومية في هذا العصر. في حين شخصياً أرى بأنه ليس هناك مشكلة في التسمية القومية، فلكل جزء من أمتنا يستطيع أن يسمى قوميته بالتسمية التي يؤمن بها سواء أكانت كلدانية أو آشورية أو سريانية فالمهم هو أن يكون إيمانه قوياً  في كوننا أمة واحدة ولها لغة واحدة وتاريخ واحد وحضارة واحدة ومصير واحد. أما التسمية "الكلدانية السريانية الاِشورية" فهي ليست إشارة أو خلق قومية جديدة لا وجود لها وأنها تسمية تمسخ جمالية أسمنا القومي التاريخي ومضامينه الحضارية بل على العكس من هذا، فعندما تشمل هذه الصياغة الوحدوية للكلدان والسريان والآشوريين فأنه إغناء حضاري لجميع مكونات أمتنا في إطار قومي شامل للجميع وهو الإطار الذي لا يتعارض مع الكلدانية أو السريانية أو الآشورية بل يعززها ويقوي وجودها وعددها ويضع مسألة تحقيق حقوقها القومية على طريق أسهل وأضمن  لتحقيق هدفنا القومي من الطريق الذي يضعنا على مفترق ثلاث طرق غير سالكة نحو تحقيق طموحات شعبنا. وقد بينت الإنتخابات البرلمانية والحكومية في المركز وفي الإقليم بأن شعبنا يؤيد هذه التسمية الوحدوية عندما صوت للأحزاب التي تبنت هذه التسمية ويرفض التسمية المفردة التي تبناها الأحزاب السياسية وبالتالي فشلت في الإنتخابات. فهذا خير دليل أو معيار متاح حالياً على وحدة شعبنا وقبول هذه التسمية الوحدوية.

وفي الأخير، أقول بأن هذا الموضوع أو جزء منه كنت قد كتبته كتعليق لموضوع صديق العمر المهندس خوشابا سولاقا غير أنه لم أوفق في إكماله ونشره في حينه ليس بسبب ضيق الوقت فحسب بل، أقولها صراحة، بأن كل ما يكتبه صديقنا خوشابا يبعث في نفسي فيض وهيجان من العواطف والذكريات التي ستقارب نصف قرن من الزمن، ذكريات حتى المر منها يصبح طعمها كالعسل عند إستذكارها خاصة تلك الذكريات القومية السياسية أن صح التعبير ونحن في المراحل الأولية للفكر القومي الآشوري نواجه تحديات بعثية وشيوعية وكردستانية وحتى التسيبية. نعم كنًا نواجه التحديات خاصة البعثية منها المستقوية بسلطة النظام وأزلام حزب البعث المقبور وبالمقابل لم يتوانى بعض من شحاتين حزب البعث أمثال المجرم (و. ش) الذي كان يهددنا بكتابة تقارير إلى السلطة وإتهامنا بأننا نحن القوميين الآشوريين متورطين في تفجيرات أنابيت النقط في محافظة كركوك. عندما يفتح صديقنا خوشابا ملفات هذه الذكريات وأقرأها أشعر كان التاريخ لم يتغير إطلاقاً وأن الزمن قد أصابه الجمود، فالإفكار القومية النزيهة والعمل القومي السياسي على الطريق الذي آمنا به منذ عقود هو نفسه ولم تتغير في جوهرها غير الأساليب والأطر والطروحات التي تغييرت في شكلها بسبب تقدم العصر وتطوره أساليبه، فأزقة منطقة كراج أمانة وحداتئق شارع 52 و أسواق ببلا البلاتي والشوارع التي كنًا نسلكها من النادي الثقافي الآشوري إلى منطقتنا تغيرت إلى عنكاوة دوت كوم والإيميلات والمواقع الإتصال الإجتماعي ولكن الأمة الأمة الآشورية  ومعاناتها وطموحاتها بقيت كما هي في جوهرها دون تغيير. ربما يتذكر صديقي خوشابا الأستاذ تيادورس يوحنا، رحمة الله، الذي كان من خيرة مثقفي أمتنا ويكبرنا من حيث العمر بسنوات وبنضوج الفكر، كان يقول المرحوم أثناء نقاشاتنا الحماسية معه في الشأن القومي "أنتم لا زلتم في مقتبل العمل القومي متحمسين جداً ولكن في الغد القريب عندما تكبرون وتتزوجون ويصبح لكم عائلة سوف نرى كيف أن حماسكم هذا سيخفت وقد يختفي كما كان الحال مع الكثير من القوميين الآشوريين". رحمة الله إستاذنا تيادورس وكم كنت أتمنى أن يكون باقياً في هذه الحياة حتى نثبت له بأنه كان مخطأ في تصوره عن مستقبلنا الفكري القومي ونحن تجاوزنا العقد السادس من عمرنا.
أرجو المعذرة من القارئ الفاضل من الولوج في هذه المسائل التي قد تكون شخصية ولكن من جانب آخر أقولها صراحة أنها تجارب ... تجارب بين الماضي والحاضر لإشخاص بقوا على الساحة القومية لزمن طويل من دون الحيدة عن الطريق القومي الصحيح وذكريات مرتبطة بهذا الحدث في منح الحقوق الثقافية لأمتنا بمختلف تسمياتها الحضارية الجملية. 

181
نظرة أوسع لموضوع نقل مقر كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية
=========================================
أبرم شبيرا

من قال بأنني أدعو إلى بقاء مقر كرسي البطريرك في المهجر وأن لا ينقل إلى وطن الأباء والأجداد؟؟،

هل فعلاً دعوت إلى بقاء كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في المهجر وعدم إنتقاله إلى وطن الأباء والإجداد في الموضوع السابق وتحت عنوان (نظرة من ثقب الباب على موضوع نقل كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية)... أنظر الرابط أدنا ؟ هذا ما أعتقده بعض القراء الأفاضل وبينوا أرائهم حول الموضوع  وبكل ممنونية قبلت أرائهم سواء أتفق معها أم. ولكن من جانب آخر أقول بأن معظمهم لم يفهموا مغزى الموضوع الذي كتبته رغم وضوح معالمه وإنطلاقه من الحقيقة التاريخية والواقع الحالي للموضوع وأثباته بببعض الواقع التاريخية المعاصرة والظروف السياسية المحيطة بالكنيسة والأمة، سواء في الوطن أم في المهجر. إن عدم فهم مغزى هذا الموضوع يكون إما بسبب : (1) تم قراءته وبسرعة وبمرور الكرام وبناء تصور معين قائم على بعض المنطلقات الشخصية والفكرية، و (2) أعتماد على العواطف والأحاسيس المفرطة والفياضة في القومية متغاضيا الوقائع السياسية المأساوية التي تفعل فعلها المؤثر في واقعنا القومي والكنسي.

كلنا نتمنى، وخاصة المعنيين بالأمر الكنيسي والقومي، أن ينتقل مقر كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية من المهجر ويستقر في وطنه التاريخي، ولكن التمني يبقى في عالم الفكر والطموح ما لم يقترن بفعل قادر على إنزاله من عالم الفكر إلى عالم الواقع وعبر ممارسة فعلية على الواقع (Praxis) القابلة للتطبيق. أن العمل القومي الناجح والمثمر، سواء في جانبه السياسي أو الديني لا ينتج من الأفكار والمعتقدات فحسب بل من دراسة الواقع دراسة موضوعية ومعرفة مدى فاعلية وواقعية العمل القومي وجديته وإلا سنبقى محصورين في عالم المثالية والميتافيزيقية البعيد عن الواقع الموضوعي. فإنطلاقاً من الظروف السياسية الواقعية والموضوعية المحيطة بكنيسة المشرق الآشورية وتحديدا موضوع مقر كرسي البطريرك بحثنا في هذا الموضوع. أنه من البديهيات المعروفة لكل مسيحي بأنه يجب على رأس الكنيسة أن يكون بالقرب من أتباعه ويلتصق بهم ويعايش أفراحهم وأتراحهم ويكون من أول المضحين والمتفانين في سبيل كنيسته ورعيته... أنظر عزيزي القارئ ماذا قلت بهذا الخصوص في الموضوع السابق (فلو أرتكنا إلى عالم الدين والإيمان المسيحي الذي يفرض على رجل الدين التضحية وتحمل الصعاب من أجل خدمة أبناء كنيسته، فعليه إذن أن لا يأبى لا بالظروف السياسية ولا بمفاهيمها في الديموقراطية والإستبدادية بل عليه أن يكون مع شعبه في السراء والضراء وأن يكون بقربه ليشكل عاملاً معنوياً قوياً لصمود شعبه والإلتصاق بتربة وطنه وتحمل ظروفه الصعبة والماحقة وعدم هجره. لا جدال إطلاقاً في صحة هذا القول إطلاقاً من الناحية المعنوية والإيمانية). ولكن لنكن واقعيين حتى نعرف الواقع والحقيقة التي قد تحجب بعض جوانبها بسبب الحدود الضيقة التي توفرها لنا الكنيسة في كشف الحقيقة والواقع سواء أتفقنا مع هذا الواقع أم رفضناه فإن الكشف عنه لا يعني أي منهما، أي رفضه أو تأييده. هناك في العراق لكنيسة المشرق الآشورية مطربوليت واحد وأسقف واحد، مع أسقف واحد في كل من سوريا وإيران. أما في بلدان المهجر (عدا الهند) فهناك مطربوليت واحد في إستراليا وثلاثة أساقفة في الولايات المتحدة مع أسقف آخر ترك أبرشيته في بغداد منذ عدة سنوات وأستقر في الولايات المتحدة الأمريكية من دون أبرشية، وأسقف واحد في كل من كندا وأوربا. وكل هؤلاء عاشوا في بلدان المهجر لسنوات طويلة وتطبعوا بأسلوب حياتها وألتصقوا برعيتهم إلتصاقاً رعوياً وإجتماعياً وإدارياً وحتى شخصياً، والأكثر من هذا فأن معظمهم أن لم يكن جميعهم قد حصلوا على جنسية بلد المهجر. فالسؤال "الجرئ" هنا هو هل سيأتي إلى العراق أي واحد من هؤلاء الأباء الأفاضل فيما إذا أنتخب بطريركاً للكنيسة ويجعله مقرا لكرسي البطريرك؟ ونحن نعرف حسب نظام الكنيسة أنه يجب أن يتم إنتخاب البطريرك الجديد بعد أربعين يوماً من شغور الكرسي البطريركي ولكن كلنا يقينين بأن الأمور لن تهداً في العراق بعد هذه الفترة ولا بعدها بسنوات طويلة. طبعاً من الصعب جداً الإيجابة على مثل هذا التساؤل "المحرج" ولكن للخروج من مأزقه ورغبة في أن يكون مقر كرسي البطريرك في الوطن وينتقل إليه بطريقة مضمونة وواقعية بعيدا عن المثالية والإنزلاق نحو الرومانسية في الفكر القومي، وجدنا خارطة طريق له يؤدي في نهاية المطاف إلى الوطن وقد تبينت هذه الخارطة عندما ذكرنا في موضوعنا السابق مايلي (وإنطلاقاً من هذه الواقع والحقيقة وبعيدا عن المجاملة والعواطف، أرى شخصياً  بأن الظروف السياسية الحالية تسمح بأن تكون دولة لبنان مقرا مؤقتا... أكرر مؤقتاًً لكرسي البطريرك كخطوة أولى ليكون أقرب إلى شعبه وتراب وطنه من بلدان المهجر ولحين إستقرار الأوضاع في العراق ومن ثم النظر في أمر تنفيذ قرار المجمع السينودي في بغداد حول نقل مقر الكرسي البطريركي إلى العراق، سواء إلى بغداد أم أربيل). هل هذه  هي دعوة إلى بقاء كرسي البطريرك في المهجر ؟؟ ومن قال بأنني أدعو إلى بقاء مقر كرسي البطريرك في المهجر وأن لا ينقل إلى وطن الأباء والأجداد؟؟، فلو قرأ القراء الأعزاء المنتقدين هذه الفقرة لأدركوا على الفور المغزى من موضوع مقر كرسي البطريرك والطريق الصحيح والعملي لإنتقاله من المهجر إلى الوطن.

أن أغرب وأكثر أثارة للعجب هو محاولة تشبيه بعض القراء كنيسة المشرق الاِشورية ببقية الكنائس في العراق وتحديداً الكنيسة الشقيقة الكبرى، الكلدانية الكاثوليكية وخاصة موضوع وجود كرسي البطريرك في الوطن من عدمه. فالكرسي البطريركي الكلداني كان منذ عقود طويلة في العراق وتسنم هذا الكرسي ستة بطاركة منذ تأسيس كيان العراق السياسي وكان مؤمنيها يشكلون النسبة الكبرى للمسيحيين، وهي كنيسة جامعة في شركة مع الفاتيكان والكنائس الكاثوليكية العالمية، كلها كانت عوامل قوة وثباتاً وإستقراراً وتطور للكنيسة ولرعيتها. في حين لم يكن مقر كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في دولة العراق بعد تأسيسها عام1921 والذي لم يتسنمه غير بطريركان فقط وكلاهما كانا من دون جنسية عراقية ولم يستقرا في العراق بل ظلا لعقود طويلة في بلدان المهجر وبقت الكنيسة طيلة زمنها الغابر مستقلة غير مرتبطة لا بكنيسة جامعة أخرى أو بدولة من دول العالم أو كانت كنيسة ضمن عائلة كنسية حسب تصنيف مجمع كنائس الشرق الأوسط.  كما إن البطريرك الكلداني لم يطالب بحقوق قومية للكلدان ولا أعتبر نفسه زعيماً قومياً لهم ولا داعياً قومياً ومطالباً بالحقوق القومية لاتباعه، كما كان الحال بالنسبة لبطريرك كنيسة المشرق الآشورية لهذا لم يتعرض البطريرك الكلداني إلى مضايقات جسيمة من قبل سلطات نظام الحكم ولا إلى محاولات الإغتيال أو التسمم أو التجريد من الجنسية العراقية والنفي خارج العراق كما تعرض بطريرك كنيسة المشرق الآشورية، هذا ناهيك عن تعرض أتباعها بسبب مطالبتهم للحقوق القومية وتشكيل تنظيمات سياسية قومية إلى المطاردة والسجن وحتى الإعدام. فمن السذاجة الفكرية أن نغفل هذه الخلفية التاريخية لمسألة تحديد مقر كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية من دون أن نضعها وبأهمية بالغة بنظر الإعتبار عند الحديث عن إنتقال كرسي البطريرك من المهجر إلى وطن الأباء والأجداد. صحيح هو من يقول بأن نظام البعث الإستبدادي والأنظمة الفاسدة والإستبدادية السابقة له قد ولت ولم يعد لها وجود بعد عام 2003 ولكن من جانب آخر أن العقول والأفكار الفاسدة والرافضة للآخر المختلف قد بقت هي نفسها للنخبة الحاكمة والسياسية ولم تتغير بتغير نظام الحكم، هذا الأمر يذكرنا بقول المفكر القومي يوسف ماليك عندما قال (أن تغيير الفيسة (القبعة التركية) إلى السدارة (القبعة العراقية) لا يعني تغيير الأفكار والعقول.

أنا كإنسان علماني وقد أتجرأ وأصف نفسي كقومي يحب قوميته مهما كانت تسميتها مفردة أم مركبة ويهمني جداً كغيري من القوميين من أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" لا بل أحلم أن أراها متوحدة أو سائرة على طريق الوحدة والتفاهم من أجل تحقيق المصلحة القومية العامة. وكل عمل أو نشاط أو فكر أو دعوة أو حديث يأتي ضمن هذا المسلك فأنه سيكون موضوع تقدير كبير وتثمين عالي من قبلي ومن قبل غيري من القوميين. فلو لاحظنا نشاط بطريرك كنيسة المشرق الأسبق المثلث الرحمات مار إيشاي شمعون نرى بأنه كان في معظمه يأتي ضمن هذا السياق. والحال لم يكن يختلف مع المغفور له قداسة البطريرك مار دنخا الرابع أسكنه الله في جناته منذ تسنمه كرسي البطريركية وحتى آخر رمق من حياته فكل أحاديثه وخطبه وفي جميع المناسبات والتجمعات كانت وحدة أمتنا والتذرع لتقدمها تشكل جزءأً مهماً منها إلى جانب دعواته الكنسية والدينية، لا بل كان البطريرك الوحيد الذي دعا وأيد الحكم الذاتي لأبناء شعبنا في سهل نينوى. أن هذه الإشارة إلى هذه الوقفة القومية لمثلث الرحمات مار دنخا الرابع لا يعني إطلاقاً بأنه ليس لبقية بطاركة فروع كنيسة المشرق مواقف قومية تصب في وحدة أمتنا وكنيستنا، بل المغزى من هذه الإشارة هو أن قداسته كان يعيش في أجواء ديموقراطية تتيح له مساحات شاسعة من الحرية لإطلاق ما يؤمن به من دون قيود قانونية أو سياسية أو فكرية أما بقية بطاركتنا الأجلاء فأنهم عاشوا ويعيشون في أجواء جلها الطائفية الحاقدة وتسودها سياسات الكره ورفض الآخر والعقول العفنة التي لا تريد أن تسمع طموحات وصرخات ومعاناة المختلفين عنهم... وهل هناك عقول عفنة أكثر من عقول رؤساء العراق الثلاثة الذين غادروا قاعة المؤتمر الخاص بالمسحيين في العراق بمجرد قيام قداسة مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية لإلقاء كلمته؟ ألله يكون في عون بطاركتنا الأجلاء مع مثل هذه العقول!!!.           

أن كنيسة المشرق وعبر زمانها الغابر كانت المؤسسة الرئيسية الوحيدة والفاعلة في مجتمعنا ومن خلالها كانت تمر الهوية القومية لأبناء شعبنا ولازالت في أيامنا هذه تتصف بهذه الصفة في بعض جوانها. وأنا كعلماني يهمني الجانب القومي من كنيسة المشرق وصفتها الموسساتية التاريخية والتراثية... أما جانبها الديني والمسيحاني فأنه من الممكن أن أجده في أي بلد من بلدان المهجر. من هذا المنطلق يجب أن ننظر إلى مسألة نقل كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية إلى العراق، فإذا فقدت صفتها القومية وعجز بطريركها عن التعبير عن أفكاره القومية وعن مساندته لشعبه لنيل حقوقه القومية حينذاك سيكون لموضوع نقل كرسي البطريرك إلى العراق شأناً آخر قاصراً على جانبه الديني، وهو أمر لا يعنيني إلا بقدر إيماني المسيحي وبربنا يسوع المسيح له المجد، وهو الإيمان الذي أستطيع أن أجده إينما كنت في العالم لأن المسيح واحد سواء أكان في المشرق أم في المغرب.  فمن هذا الإيمان وأنا قابع في خيمتي في المهجر أتذرع إلى ربنا يسوع المسيح له المجد أن يلهم أعضاء المجمع السينودي المقدس لكنيستنا المشرقية الآشورية بروح القدس وبالحكمة والمحبة في إنتخاب بطريرك جديد للكنيسة وتقرير مقر كرسي البطريركية يكون قادراً ومستعداً للسير على نفس الطريق الذي سلكه بطريركنا الراحل قداسة مار دنخا الرابع رحمه الله وأسكنه إلى جانب القديسين والأبرار والشهداء. 

http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=776698.0





182
"نظرة من ثقب الباب" على موضوع نقل مقر كرسي بطريركية كنيسة المشرق الآشورية
===============================================

أبرم شبيرا
كتب إستاذنا الفاضل الباحث الأكاديمي الدكتور عبدالله مرقس رابي وكعادته موضوعاً شقياً ومفيدا جداً بعنوان "عودة كرسي كنيسة المشرق الآشورية من الإغتراب إلى الوطن... الحكمة والمبررات" فاتحاً بذلك ساحات فكرية للكثير من القراء والمهتمين بالشؤون الكنسية والقومية لبيان رأيهم وتعليقاتهم على الموضوع معززين الموضوع بمعلومات وإيضاحات لتكتمل فائدتة وأهميتة بفائدة أكبر وأهمية إضافية مطلوبة في هذه الأيام العصيبة التي وضعت أعضاء المجلس السينودي لكنيسة المشرق الآشورية أمام موضوع حاسم يتعلق بإنتخاب بطريرك جديد للكنيسة بعد رحيل مثلث الرحمات مار دنخا الرابع إلى الأخدار السماوية السرمدية ومن ثم إتخاذ قرار بخصوص مقر كرسي البطريرك و(تنفيذ) هذا القرار. لقد وضعت كلمة تنفيذ بين قوسين لأثارة إنتباه القارئ الفاضل إليها لأنها سيكون لها شأناً في السطور القادمة.
أستخدمت في السابق في بعض المواضيع التي كتبتها عبارة (نظرة من ثقب الباب) ليس من باب التصنت وإستقراء النظر وحب الفضول، بل من جهة شحة المعلومات المفصلة عن الموضوع من جهة وبقاء خلف الباب بعيدا وبمسافات وحواجز عن صلب هذا الموضوع الكنسي والديني من جهة أخرى متخذا منه كأسلوب في عدم التدخل المباشر في شؤونه إلا بقدر ما تسمح به الصفة المؤسساتية للكنيسة بأعتبارها أهم وأكبر مؤسسة في أمتنا طيلة تاريخها الطويل. من هذا المنطلق وعبر ما يوفره لنا ثقب الباب من بعض المعلومات عن الموضوع سأحاول وبشكل مختصر  بيان ما يتوفر لي من هذه المعلومات وأراء بهذا الشأن والتي تعرف بالإنكليزية بـ (Hints) أي التلميحات:
1)- الكنيسة، وتحديداً كنيسة المشرق بكل فروعها كانت وعلى الدوام، بإستثناء أثناء الظروف الصعبة والماحقة، كان مقر كرسي بطريركها في عاصمة الدولة وذلك لكي يكون لرئيسها إتصال سهل ومباشر مع سلطات الدولة. هكذا ففي العصور الحديثة أنتقل كرسي بطريرك الكنيسة الكلدانية من الموصل إلى بغداد وأنتقل كرسي بطريرك السريان الأرثوذكس من دير الزعفران في تركيا إلى حمص ثم أستقر في دمشق عاصمة سوريا، أما كنيسة المشرق الآشورية فالظروف الصعبة والماحقة التي ألمت بها وببطريركها حالت دون أن يستقر مقر كرسي بطريركها في العاصمة فأصبح صورة ناطقة لإغتراب وتشرد وإنتقال مؤمني هذه الكنيسة من بلد إلى آخر.
2)- كنيسة المشرق الآشورية هي الكنيسة الوحيدة في التاريخ والعالم المعاصر مستقلة غير تابعة لأي مجموعة أو عائلة كنسية معينة ولم تكن طيلة زمانها كنيسة حاكم معين ولا كان معتقدها المذهب الرسمي لدولة معينة، فكان هذا الإستقلال والحفاظ عليه أمرا صعبا بل مستحيل أن تتعايش الكنيسة أو تنشط في ظل ظروف إستبدادية ظالمة التي سادة في الوطن الأم مالم تخضع لهذه الظروف وتفقد إستقلاليتها وحريتها في ممارسة نشاطها خاصة عندما نعرف الترابط العضوي لهذه الكنيسة بين الدين والقومية وظهور بطريركها كزعيم قومي مطالب بحقوق قومية لأبناء أمته وتعرضه لأستبداد السلطة ومقاومته والتخلص منه. فمحاولات إغتيال  المثلث الرحمات البطريرك مار إيشاي شمعون من قبل عناصر في الحكومة العراقية  ومن ثم إسقاط الجنسية العراقية عنه ونفيه خارج الوطن في الثلث الأول من القرن الماضي يأتي في هذا السياق  مما جعل أمر إستقرار الكرسي البطريركي للكنيسة في العراق صعباً بل مستحيلاً.
3)- بناء على دعوة الحكومة العراقية أثناء حكم حزب البعث زار في بداية السبعينيات من القرن الماضي المثلث الرحمات البطريرك مار إيشاي شمعون العراق ومن جملة ما عرض عليه  هو  أمر نقل كرسي البطريرك من الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق . غير أن قداسته وبحكمته المعروفة وخبرته الطويلة في التعامل مع السلطات العراقية أدرك بأن هذا "الكرم" من الحكومة العراقية هو ضمن السياسة الخبيثة التي كان يخطط لها النظام لتوريط الآشوريين وبطريركهم في الصراع الدائر مع الكورد في شمال الوطن، فعاد إلى مقره في الولايات المتحدة من دون أية خطوة تذكر نحو نقل الكرسي إلى العراق.
4)- قبل تسنم المثلث الرحمات مار دنخا الرابع كرسي البطريرك في منتصف السبعينيات من القرن الماضي كان يحمل الجنسية الإيرانية ونيران التوتر والحساسية المفرطة بين العراق وإيران كانت ساخنة تحت الرماد لتلتهب بعد سنوات قليلة في حرب مدمرة دامت ثمانية سنوات. لذلك لم يكن بالإمكان لبعض لقداسته الحصول على الفيزا للقدوم إلى العراق وتكريسه كبطريرك للكنيسة مما أضطر أعضاء المجمع السينودي أجراء مراسيم التكريس في إنكلترا. وتباعاً لهذا الأمر، في عام 1981 عندما تم ترشيح نيافة مار كوركيس لدرجة المطرانية للكنيسة في العراق رفضت السلطات العراقية منح قداسة البطريرك الفيزا للسفر إلى العراق وإجراء مراسيم التكريس لمار كوركيس في بغداد فأضطر إلى إجراء هذه المراسيم في شيكاغو. وشخصياً وأنا في إنكلترا وصلتني معلومات عن تقارير قدمت من قبل بعض "حثالة شعبنا" إلى السلطات الأمنية تتهم قداسته بالعمالة لإيران غير أنه بعد إجراء التحقيق السري والإستئاس برأي أحد المعتمدين لديها من أبناء شعبنا لم تثبت هذه التهمة لذلك أهملت السلطة هذه التقارير لأن توجيه مثل هذه التهمة لرجل دين يرأس كنيسة مسيحية أمر حسب النظام له ألف حساب، خاصة وهو متورط في حرب دامية مع دولة إيران الإسلامية. ليس هذا فحسب بل من عايش وعن قرب فترات زيارة قداسة البطريرك المغفور له للعراق  يعرف كيف كان مقر إقامته ملغوماً بأجهزة التصنت من قبل رجال الأمن للتجسس عليه وعلى زواره. هذا ناهيك عن قصة إغتياله بالتسمم عن طريق فتاة عائلتها مقربة لقداسته غير أن رفضها لهذا العمل الإجرامي أدى إلى إختفائها وإلى الأبد.  فمثل هذه الظروف الصعبة والقاسية المحيطة بالكنيسة ورجالاتها جعلت موضوع نقل كرسي البطريرك إلى العراق والخضوع إلى إستبدادية السلطة أمر غير مقبولا لا بل ومستحيلا.
5)- بعد خمود نيران الحرب العراقية – الإيرانية في عام 1988  وعقب تورط نظام صدام حسين في إحتلال الكويت ومن ثم طرده منها من قبل قوات التحالف الدولي أستقرت الأمور بعض الشيء في التسعينيات من القرن الماضي وبعد حصول المثلث الرحمات البطريرك مار دنخا للجنسية الأمريكية، عقد المجمع السينودي لكنيسة المشرق الآشورية في بغداد برئاسة البطريرك مار دنخا الرابع وكان من أهم قرارات المجمع هو نقل كرسي البطريرك من الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق، ولكن تواصل الظروف الصعبة وتصاعد عدم الإستقرار وضياع الأمن في العراق حال دون تنفيذ قرار المجمع بنقل الكرسي البطريركي إلى العراق فأصبح حبراً على ورق.
6)- في السنوات القليلة الماضية وأثناء زيارة السيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان لواشنطن ألتقى المغفور له قداسة البطريرك مار دنخا الرابع به وتناولت أحاديثهم العديد من المواضيع المهمة منها دعوة لزيارة قداسته لشمال الوطن كما بحث موضوع نقل كرسي البطريركي إلى أربيل وتخصيص مبالغ ضخمة لبناء مقر للبطريركية في عنكاوه. وفعلاً قام قداسته بعد ذلك بزيارة شمال الوطن والإلتقاء بالمسؤولين هناك ثم خصصت مبالغ لبناء مقر للبطريركية كخطوة أولى لنقل الكرسي البطريركي إلى هناك. غير أنه بسبب سوء الإدارة والإهمال وصرف الأموال المخصصة في غير المكان الصحيح من البناء نفسه  وتردد حكومة الإقليم في تخصيص مبالغ أخرى لإتمام المشروع حال كل ذلك إلى عدم إكتمال البناء وبقاء ما تم بناءه معرضاً للتآكل المناخي ومن عدم إستخدامه وصيانته فأصبح أمر أكمال مشروع بناء البطريركية معلقا ومن دون مخرج كما أصبح أمر نقل كرسي البطريرك إلى هناك معقداً وصعباً ومرفوعاً من أجندة المجمع السينودي للكنيسة خاصة وأن الأوضاع غير المستقر وفقدان الأمن في العراق زادت من الطين بلة.
7)- في شهر تشرين الثاني من عام 2014،  ذكر نيافة مار ميلس زيا مطربوليت كنيسة المشرق الآشورية في أستراليا ونيوزلندا ولبنان أثناء لقاءه مع الإعلامي المعروف ولسن يونان، أكد بأن هناك إجماع بين جميع أعضاء المجمع السينودي للكنيسة وعلى رأسهم قداسة البطريرك مار دنخا رحمة الله على ضرورة إنتقال كرسي بطريرك الكنيسة إلى (المشرق) وشدد على هذه الضرورة من خلال توضيح رأيه الشخصي الذي سيطرح على المجمع السينودي وهو أعتبار نقل كرسي البطريرك إلى المشرق أو بلاد ما بين النهرين كشرط أساسي وجوهري لكل من يترشح لسدة البطريركية في حال إنتقال البطريرك مار دنخا إلى  جوار ربه وإختيار بطريرك جديد. أن مثل هذا التصريح الواضح وعبر وسيلة إعلامية معروفة ويشاهدها الألاف من أبناء شعبنا يأتي من جانب وجود رغبة قوية لتنفيذ قرار المجمع السينودي السابق الذي عقد في بغداد قبل سنوات،  خاصة وأن هذا المقترح أتى من شخصية كنسية معروفة بموقعها المهم في الكنيسة والذي قد يكون من أحد المرشحين لكرسي البطريرك. ومن المهم للقارئ النبيل أن يرى بأنني وضعت كلمة المشرق أعلاه بين قوسين، فنيافته لم يذكر نقل الكرسي البطريركي إلى العراق أو إلى شماله ولا ذكر أسم بغداد أو أربيل بل قال إلى بيت نهرين و المشرق، وهذا المشرق قد يشمل بلدان مثل سوريا ولبنان وإيران حيث هناك مؤمنين للكنيسة. وبمقارنة بسيطة بين بلدان الشرق الأوسط  نرى بأن لبنان تتمع نسبياً بنوع من الإستقرار والديموقراطية وبنظام طائفي قانوني يقر رسمياً بكل الطوائف ومنها "الطائفةالأشورية" والتي حالياً نيافة المطربوليت مار ميلس هو رسمياً رئيسها. أي بعبارة أخرى إن إحتمال أن تكون بيروت أو زحلة مقر كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية وارد طالماً غياب الإستقرار والأمن والإنفتاح الفكري ورفض الآخر المختلف وسيادة العنف والإرهاب كلها عوامل تجعل من قرار نقل كرسي البطريرك إلى العراق أو سوريا أو إيران قرار صعب التنفيذ أن لم يكن يقارب المستحيل. صحيح يقال بأن عدد مؤمني الكنيسة في لبنان قليل مقارنة مع بقية بلدان الشرق الأوسط ولكن من جهة ثانية، وهي الأهم، فإن لبنان توفر مساحات واسعة من الديموقراطية وحرية الحركة وضمان نشاط الكنيسة وقدرتها على التواصل والإتصال مع بقية مؤمني الكنيسة في البلدان الأخرى.
8)- قد تطرح مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان الذي يتمتع بنوع من الإستقرار وهامش من الديموقراطية كمقر للكرسي البطريركي وهو أمر وارد أيضا، خاصة ونحن نعرف بأن الموطن الأصلي لمؤمني الكنيسة هو ضمن هذا الإقليم وأن عددهم أكثر بكثير من الموجودين في بغداد، ولكن الظروف الإستثنانية المحيطة بالأقليم وعدم الإستقرار السياسي البادي في أفق الإقليم والأطماع السياسية لدول الجوار والتجاذب السياسي القومي للقوى الكوردية نحو أبناء شعبنا وأحزابهم ومنظماتهم مضافاً إليها تهديدات داعش الإرهابية وبعض التوجهات المتطرفة لبعض القوى الإسلامية الكوردية كلها عوامل تجعل الظروف غير مناسبة ولا ملائمة ليكون إقليم كردستان مقرا للكرسي البطريركي في المنظور القريب.
9)-على العموم وبأختصار نقول عند الحديث عن نقل كرسي البطريرك إلى الوطن يجب أن نأخذ بنظر الإعتبار بعض النقاط المهمة وهي (1) إستقلالية الكنيسة و(2) إرتباطها بالجانب القومي الآشوري وتعاطف رجالاتها مع الطموح القومي لأبناء الكنيسة و(3) الظروف السياسية: ديموقراطية أم ديكتاتورية إستبدادية. فهذه االنقاط الثلاث يجب أن تؤخذ بنظر الإعتبار عند الحديث عن مقر كرسي البطريرك لكنيسة المشرق الآشورية. فموضوع نقل كرسي البطريرك إلى المشرق لا يتم بقرار المجمع السينودي ولا برغبة شخصية أو جمعية، بل يتحتم أمر تنفيذه بالنقاط الثلاث المذكورة في أعلاه. ولكن مع كل هذا، فلو أرتكنا إلى عالم الدين والإيمان المسيحي الذي يفرض على رجل الدين التضحية وتحمل الصعاب من أجل خدمة أبناء كنيسته، فعليه إذن أن لا يأبى لا بالظروف السياسية ولا بمفاهيمها في الديموقراطية والإستبدادية بل عليه أن يكون مع شعبه في السراء والضراء وأن يكون بقربه ليشكل عاملاً معنوياً قوياً لصمود شعبه والإلتصاق بتربة وطنه وتحمل ظروفه الصعبة والماحقة وعدم هجره. لا جدال إطلاقاً في صحة هذا القول إطلاقاً من الناحية المعنوية والإيمانية ولكن لو تطرقنا إلى عالم الواقع والفعل فإن هذا سيقودنا إلى تساؤل مشروع ليقول ما فائدة أن يكون رأس الكنيسة مع شعبه وهو مقيد بظروف مأساوية إستبدادية تحد من حرية حركته ونشاطه ويصبح دوره قاصراً على الساحات الدينية والإيمانية وهو الدور الذي يمكن أن يؤديه إينما كان قريب أم بعيد عن شعبه، خاصة وأن أبناء الكنيسة في المهجر أصبح عددهم أكثر بكثير مما هو عليه في وطنهم الأم. وهنا أود أن أشير وبإختصار شديد إلى مسألة مهمة متعلقة بهذا الموضوع، حيث أن التحديات التي يواجهها شعبنا في بلدان المهجر تهدد وجوده القومي وتدفعه نحو الإنصهار والضياع في مجتمعات المهجر هي  من الخطورة بحيث يتطلبها مؤسسات نشطة وفاعلة وقوية لمواجهة هذه التحديات والواقع الحالي يبين  بأن الكنيسة، بكل فروعها وتحديداً كنيسة المشرق الآشورية هي المؤسسة الرئيسية الأكثر فاعلية من غيرها من المؤسسات في الحفاظ على الوجود القومي الآشوري في بلدان المهجر، ولعب البطريرك الراحل مار دنخا الرابع دوراً رئيساً في هذا المضمار. في الوقت الذي نرى المؤسسات الآشورية الأخرى (المدنية) هي في تراجع خطير ومستمر بحيث وصل الأمر، مثلاً، في مدينة شيكاغو حيث هناك أكبر تجمع للآشوريين في المهجر، وصل إلأمر إلى إختفاء معظم الأندية الإجتماعية وإفتقارهم إلى أية مؤسسة ثقافية أو فنية.
وأخيرا، وحتى أزيل سوء الفهم من قراءة هذا الموضوع ومن ثم توجه التهم لي وإعتباري من مؤيدي أن يصبح كرسي البطريرك في بلدان المهجر وليس في الوطن، أقول بأن وجود الكرسي البطريركي خارج الوطن لم يكن إختيارياً بل كان منذ فترة طويل إجبارياً فرضت الظروف المأساوية التي ألمت بالكنيسة وبأتباعها أن يكون خارج الوطن، وسيستمر وجود كرسي البطريرك في الخارج مالم تزول هذه الظروف المأساوية. كذلك أوكد القول بأن حتى الأتفاق الجماعي الذي ذكره غبطة مار ميلس حول ضرورة كون مقر البطريرك في بلاد بيت نهرين أو المشرق سيكون مقروناً بتوفر الظروف السياسية والأمن والإستقرار للعراق أو أي بلد آخر في الشرق الأوسط،. وإنطلاقاً من هذه الواقع والحقيقة وبعيدا عن المجاملة والعواطف، أرى شخصياً  بأن الظروف السياسية الحالية تسمح بأن تكون دولة لبنان مقرا مؤقتاً لكرسي البطريرك كخطوة أولى ليكون أقرب إلى شعبه وتراب وطنه من بلدان المهجر ولحين إستقرار الأوضاع في العراق ومن ثم النظر في أمر تنفيذ قرار المجمع السينودي في بغداد حول نقل مقر الكرسي البطريركي إلى العراق، سواء إلى بغداد أم أربيل. ولا يسعنا في هذه السطور القليلة إلا أن نتذرع إلى ربنا يسوع المسيح ليلهم أعضاء المجمع السينودي المقدس للكنيسة بالحكمة ووضوح الرؤية وإنفتاح العقل عند إنتخاب بطريرك جديد للكنيسة وتقرير مصير مقر كرسي البطريرك.


183
العلاقة الجدلية بين الكنيسة والقومية في فكر قداسة مار دنخا الرابع  الراحل إلى الأخدار السماوية
=====================================================
أبرم شبيرا
الإنفتاح الفكري لقداسته:
===============

رحل المثلث الرحمات مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية من العالم الزمني الزائل إلى الأخدار السماوية  السرمدية، نعم رحلت روحه الطاهرة عن هذا العالم ولكن كل أعمال وأفكاره وذكرياته ستجعل قداسته عائشاً معنا ولدهور طويلة نتور بها ونحن سائرين على طريقنا القومي والكنسي. رحل وترك أثراً كبيراً وعميقاً في نفوس معظم أبناء الكنيسة والأمة لما كان يتحلى به من صفات قلمنا عرفناها في من سبقه، خاصة إنفتاحه الفكري ليس على بقية الكنائس وأكليرتها بل على الجميع من دون إستثناء خاصة المثقفين ومسؤولي منظماتنا القومية والسياسية. صحيح هو أن قداسته لم يكن يحمل شهادات عليا في اللاهوت أو في الفلسفة ولكن كان واسع الثقافة وعميق الفكر وموضوعي جداً في كلامه وأفكاره وفي مختلف المجالات والحقول خاصة الكنسية والقومية، ومن جالسه وإجتمع معه يدرك هذه الحقيقة التي لا جدال فيها ولا مجاملة. والأكثر من هذا فقد عرف بهدوء طبعه ومنطقية كلامه وإتزان أفكاره فخلال أربعين سنة التي عرفت قداسته لم أجده يوماً متعصباً أو غاضباً إطلاقاً فكان دائماً مرحباً بكل زواره ومستمعاً لهم بهدوء ومن دون إنقطاع.  ففي كل زيارة للعراق كان لايتردد إطلاقاً في قبول دعوة النادي الثقافي الآشوري في بغداد لزيارته والإطلاع على نشاطاته والإلتقاء باعضاء الذين كان له مكانة خاصة عند قداسته:
 

صورة تعكس إهتمام قداسته بالثقافة والمثقفين وتبين أيضا الدور الكبير الذي لعبه النادي الثقافي الآشوري في مختلف حقول الأمة والكنيسة، ففي الصورة يظهر مع قداسته السيد نينوس بثيو السكرتير السابق الحركة الديموقراطية الآشورية والإستاذ إيشو القس عوديشو الذي أصبح راعي الكنيسة في سرسنك واالسيد عمانوئيل يوخنا الذي نال درجة الأرشميندرت الكهنوتية وحاليا راعي الكنيسة في ألمانيا، والدكتور روبين بيت شموئيل أول آشوري من العراق ينال شهادة دكتوراه دولة في اللغة السريانية وغيرهم الذي أنخرطوا في العمل السياسي والكنسي والثقافي.
======================================================================

 وهناك أمثلة عن مقابلاته وإجتماعته لا تعد ولا تحصى في هذا السياق حتى وأن كان وقت قداسته محكوماً بالإنشغال الدائم أو بظروفه الصحية فالأولية كانت دائماً الألتقاء بأبناء كنيسته وأمته والإستماع إليه بكل شغف وإهتمام. وقد يكون لقائي مع قداسته في صيف العام الماضي في شيكاغو خير مثال على ذلك. ففي الوقت الذي كان في فترة النقاهة بعد السقطة التي ألمت به وهو في زيارة كنسية لموسكو وحددت، لا بل منعت، الزيارات لقداسته لم يتردد إطلاقاً طلبنا أنا والإعلامي المعروف ولسن يونان من زيارته في القلاية البطريركية في شيكاغو والدخول معه كعادتنا في مناقشات جدية مهمة حول مختلف القاضايا وبالأخص القومية منها رغم صعوبة الحركة والوهن الذي كان بادياً عليه ولكن إهتمامه بحديثنا كان بالنسبة لقداسته الدواء الشافي له والعامل القوي في أبداء الصلابة والقوة للتغلب على وضعه الصحي.

وعود لم تتحقق:
=========

في بداية شهر كانون الثاني من هذا العام تسنى لي فرصة زيارة قداسته في القلاية البطريريكة في شيكاغو وكعادته في الإنفراد عند الحديث عن مجمل القاضيا القومية وحتى السياسية، ظهر من بين أحاديثنا بأن هناك بعض الوعود والخطط التي وضعها قداسته في أجندته، وأهمها كان تركيزه المشدد على المجمع السينودي المزمع عقد في نهاية شهر نيسان وبداية شهر مايس من هذا العام في دهوك وما يتضمنه من قرارات مهمة وحاسمة في تاريخ كنيستنا المشرقية وفي الوقت الذي تمر أمتنا بظروف ماحقة وصعبة للغاية أثقلت كاهل الكنيسة والأمة معاً. أما الوعد الثاني الذي يخصني شخصياً فكان قبول دعوتنا له لزيارة أثار دير الراهب يوحنان لكنيسة المشرق من القرن السابع الميلادي في جزيرة صير بني ياس في جنوب مدينة أبو ظبي بحدود 350 كلم والتي كانت ستكون الزيارة الثالثة له لدولة الإمارات العربية حيث سبق لقداسته وأن زارها في عام 2001 ومن ثم في عام 2011 وأقام قداديس ولقاءات مع أبناء امتنا الآشورية ومع عدد هائل من الهنود من رعية كنيسة المشرق، غير أن ربنا الخالق ذكره وطلبه إلى جناته قبل أن تتحق هذه الإمنيات والتي وأن لم تتحق فأنها ستبقى في ضمائرنا وعقولنا على مدى الدهر.
 

صورة لقداسته أثناء زيارته لدبي في عام 2001 وبجانبه نيافة الأسقف مار أبرم خامس ويظهر في الصور اللواء قرياقوس (أبو جوني) مع عدد من أبنا أمتنا المقيمين في دبي
==============================================================


 

صورة نادرة لقداسته وهو بدرجة أسقف للكنيسة في إيران أثناء زيارته للهند مبعوثاً من قبل البطريرك السابق مار إيشاي شمعون رحمة الله للإجتماع برجال الكنيسة ورعيتها والتباحث معهم لردع الصدع الذي أصاب الكنيسة في منتصف الستينيات من القرن الماضي من جراء تغيير التقويم الكنسية من اليوليالي إلى الغريغوري. كانت في نيتنا تأطير هذه الصورة النادرة في إطار جميل وتقديمها لقداسته أثناء زيارته المرتقبة لدبي في شهر مايس من هذا العام، ولكن مع الأسف الشديد المنية سبقتنا فلم تتحق هذه الأمنية.
=====================================================================

العلاقة الجدلية بين الكنيسة والقومية:
======================

منذ أزل ظهور كنيسة المشرق كان بطريركها زعيماً دينياً وقوميا لأبناء أمته وأنعكس هذا الترابط على جدلية العلاقة بين الكنيسة والقومية وأستمرت لقرون طويلة رغم كل الإرهاصات والظروف المميتة التي لحقت بالكنيسة وبشعبها، فكان المثلث الرحمات مار إيشاي شمعون آخر بطريرك يربط كلا الحقلين بعلاقة جدلية تجعل منه زعيماً دينياً وقومياً للآشوريين لحين جاءت ظروف متغيرة ومختلفة عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية بحيث لم يعد بالإمكان الإبقاء على هذه العلاقة مما حدا بالبطريرك مار شمعون فك الرباط بين الكنيسة والقومية والإبتعاد عن تمثيل أبناء رعيته من الناحية السياسية وأكتفى بالركون إلى الأمور الكنسية والدينية منسحباً تاركاً الساحة للعلمانيين للقيام بهذه المهمة، فنشأ من جراء ذلك تأسيس الإتحاد الآشوري العالمي. وعندما تسنم قداسة البطريرك مار دنخا الرابع الراحل إلى الأخدار السماوية وإلى جنات ربنا أدرك  حقيقة العلاقة الجدلية بين الكنيسة والقومية وضرورة صياغتها بشكل تتلام مع الظروف الحالية التي تمر بها الكنيسة. فهو من جهة شخص آشوري قومي نشأ وعمل في إيران التي كانت مركز الأشعاع الفكري والثقافي والقومي الآشوري فتنور بهذا الإشعاع وأرتوى بالأفكار القومية الآشورية ثم جاء إنتقاء ربنا الخالق له كبطريرك على الكنيسة ليضع الكنيسة جنباً إلى جنب مع القومية ممثلة في شخص البطريرك الجديد. فمن جهة كإنسان آشوري قومي لم يكن بالإمكان إطلاقاً التنازل عن آشوريته وأفكاره القومية لصالح الكنيسة وبالمقابل لم يكن بالإمكان عزل الكنيسة عن الأمة التي نشأت فيها وأستندت على أبناء هذه الأمة. فمن هذه العلاقة المصيرية بين الأثنين تمكن قداسته من صياغة معادلة جديدة أنعكست في كل كلماته وخطبه الكنسية والقومية. ففي أحدى خطبه ذكر وقال بأن الزمن الماضي، زمن هيكاري الذي كان البطريرك يقود الأمة وجيوشها ويترأس المفاوضات السياسية ويشارك المطارنة والأساقة في الحروب قد مضى ولا يمكن الرجوع إليه  فنحن في زمن آخر يختلف كلياً عنه تحكمه قوانين الدول التي نعيش فيها وعلينا ان نطيعها. هذا الموقف كان يتأكد عندما يقول بأن الكنيسة لا تتدخل إطلاقا في المسائل السياسية فهناك أحزاب سياسية ومنظمات قومية هي المعنية بهذه المسائل أما قداسته كآشوري يهمه جداً مسألة نجاح هذه الأحزاب والمنظمات في تحقيق أهدافها لأن نجاحهم هو فائدة للأمة وإخفاقهم خسارة لها فدوره كبطريرك يقتصر على الصلاة والدعاء لهم للنجاح في مهمتهم وتحقيق الصالح العام ولم يكن ينسى قداسته أيضاً في الإشارة إلى ضرورة التتفاهم بين هذه الأحزاب والمنظمات كسبيل لتحقيق النجاح.

كان قداسته يؤكد أن هناك فرق بين التدخل في السياسة والإهتمام بها. فالتدخل ينشأ عن فعل مؤثر في العملية السياسية وفي أحزابها السياسية بينما الإهتمام هو تعبير عن موقف من هذه السياسة. من هذا المنطلق فقداسته لا يتدخل في السياسة القومية ولا يعمل بفعل يتعلق بشؤون الأحزاب السياسية وإنما، باعتباره فرد من أفراد هذه القومية، فأن أمرها يهمه ويعبر عن إهتمامه بها من خلال كلماته ودعواته. فالعلاقة العضوية والجدلية بين الكنيسة والأمة الغير قابلة للإنفصال، تجعل أن يظهر بأن كل أهتمام بأمر الكنيسة هو إهتمام بالأمة نفسها. أن هذاالترابط العضوي لا يعني بأنه غير ممكن التمييز بينهما، فلكل جانب له حدوده وعوامله الخاصة ولكن من جانب آخر لكل واحد منهما تأثير ضمن العلاقة الجدلية المتبادلة طالما هناك عوامل ومقومات مشتركة بين الأثنين لايمكن فصلهما عن أي طرف من المعادلة، مثلما لا يمكن فصل الروح عن الجسد إلا بالموت. فاليوم الذي تنفصل مقومات أمتنا من لغة وتقاليد وتاريخ عن أبناءها فلا محال من موت الأمة والحالة أيضا بالنسبة للكنيسة فإذا فقدت لغتها وتاريخها ولتروجيتها زالت من الوجود ككنيسة مشرقية معروفة. ففي معظم الأحيان كان قداسته يؤكد ويقول "أنا كفرد آشوري منتمي إلى الأمة الآشورية من حقي أن أعبر عن أفكاري وإيماني القومي وبإنتمائي لهذه الأمة، وكذلك من واجبي كرجل دين على رأس الكنيسة أن أصلي وأدعوا ربنا الخالق إلى أن ينعم أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية بالموفقية والنجاح والوحدة"، ومثل هذه الدعوات والمواقف نلاحظها دائماً أثناء مقابلة قداسته للكثير من قادة وممثلي أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية. لا بل وقد وصلت دعوات قداسته إلى تأييده أن يكون لأمتنا منطقة حكم ذاتي أو إدارة مستقلة ضمن دولة العراق، وهو التأييد الوحيد من بين بطاركة ورجال الدين لكنيسة المشرق بكل فروعها.

كتبنا كثيراً عن مواقف قداسته تجاه القومية وعلاقتها بالكنيسة ودوره كراعي لها من جهة وآشوري قومي من جهة أخرى، وهو موضوع طويل شغله عدة مقالات بعضها لم تنشر لحد الآن. وهنا ونحن في ظروف صعبة فقدت كنيستنا رجل عظيم حفرت أفكاره ومواقفه وسمو أخلاقه ورفعة روحه حفراً عميقاً في قلوبنا وعقولنا التي ترتكن في هذه الأيام  في حالة من المواساة والرحمة على روحه الطاهرة ولا يسعنا الإستزادة أكثر من التذرع إلى ربنا الخالق أن يرحم روحه برحماته السرمدية وأن ينور الطريق لمطارنة وأساقفة الكنيسة لينعموا ببركات ربنا يسوع المسيح ويسهل أمرهم في إختيار البطريرك الجديد ليسير على نفس النهج ويستمر في إحتضان الكنيسة والأمة كروح وجسد في كيان واحد.




184


المنظمات الإرهابية حسب تصنيف دولة الإمارات العربية المتحدة
==================================
أبرم شبيرا

نشر في نهاية العام الماضي على بعض المواقع الألكترونية الكاتب والمحلل السياسي الإستاذ مجدي خليل، الوجه المعروف على الشاشات التلفزيونية في المناظرات الفكرية والسياسية حول الحركات الإسلامية المتطرفة، موضوعاً مهماً عن قانون دولة الإمارات العربية المتحدة الخاص بتصنيف المنظمات الإسلامية الإرهابية وتحت عنوان (أهمية التصنيف الإماراتي للمنظمات الإرهابية) مبيناً أهمية هذا التصنيف الصادر من دولة إسلامية تعتلي قائمة الدول العربية والإسلامية في التقدم والتطور والإستقرار والأمن بحيث أصبحت نموذجاً للدولة الحديثة التي جعلت من شعبنا أسعد شعب في العالم ... يعجبني جداً أن أرى شعارات تصدرها المؤسسات الإعلامية في هذه الدولة وأحد هذه الشعارات يقول: (إذا شفتني مبتسم وفرحان ومرتاح فأعرف إنني إماراتي)، وبالمقابل يحزنني جداً أن أفبرك شعار للعراق وأقول (إذا شفتني حزين وكئيب وقلق فأعرف إنني عراقي)، مع الإعتذار لكل الشعب العراقي عدا لهؤلاء الذين جعلوا من العراقي أن يكون حزيناً وكئيباً وقلقاً. أن السبب الرئيسي الذي يكمن في ضمان الأمن والإستقرار في هذا البلد الصغير هو معالجة الحدث الإرهابي والقضاء على مصادره من جذوره قبل وقوع الحدث، وهي الصفة التي لا يتصف بها معظم الدول العربية تقريباً التي جميع سياساتها هي رد فعل وليس فعل. فبعد أن يقع الفعل الإرهابي وتظهر نتائجه المدمرة تبدأ برد فعل يكون في معظم الأحيان متأخراً. فداعش وعملها الإرهابي الوحشي لم يأتي من فراغ بل من ظروف فكرية وسياسية وإقتصادية سادت في العراق وأصبحت التربة الخصبة لنمو وتطور وظهور داعش كلاعب رئيسي مدمر للعراق ولشعبه وبالتالي فأن العمليات العسكرية قد تحرر المناطق التي أحتلتها داعش وتزيح سيطرتها منها ولكن تبقى عاجزة عن إزاحة الفكر الإرهابي من عقول عناصرها المنظمين إليها أو المتعاطفين معها، فنتائج هذه العمليات العسكرية تشبه محاولة قتل الأفعى بالضرب على ذيلها وليس على رأسها. فبقاء نفس الظروف الفكرية والسياسية والإقتصادية التي أنجبت داعش ستجعل الطريق سالكاً لظهور داعش آخر وأن أختلف الأسم أو الشكل ولكن يبقى الفكر الإرهابي هو المسير الرئيسي والفاعل لفعلها الإجرامي. إذن من هنا نقول بأن الحرب الناجح ضد الإرهاب يبدأ أولا من الساحة الفكرية قبل إنتقاله إلى ساحة المعركة وضرورة تصنيف وتحديد اللاعبين الأساسيين للساحة الفكرية وكشفهم ومن ثم لجمهم والقضاء على فاعليتهم في التحول من الفكر الإرهابي إلى العمل الإرهابي.  ومن الجدير بالإشارة بأنه في الوقت الذي تجيش الولايات المتحدة الأمريكية طيرانها الحربي  وخبراءها العسكريين لمحاربة داعش نرى بالمقابل تنظيمات إسلامية تسرح وتمرح وتحت حماية القانون الأمريكي وتجيش أفكارها المتطرفة للشباب المسلم وتعززها بـ"تبرعات الخييرين" قد صنفتها دولة الإمارات العربية "المسلمة" كتنظيمات إرهابية لم يرضي الولايات المتحدة على تصنيف "تنظيماتها الإسلامية" كتنظيمات إرهابية، وهو الأمر الذي يطرح أكثر من علامة إستفهام على مدى جدية الولايات المتحدة الإمريكية في القضاء على داعش والفكر الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط. على العموم نعود مرة أخرى إلى موضوع الإستاذ مجدي يعقوب الذي فيه الكثير من التفاصيل فنعيد نشره في أدناه وكما هو:

أهمية التصنيف الإماراتى للمنظمات الإرهابية
=============================
مجدى خليل
رئيس منتدى الشرق الأوسط للحريات بواشنطن


أتخذت الأمارات فى شهر نوفمبر 2014 خطوة شجاعة، وغير مسبوقة، فى الدول الإسلامية بتصنيف 85 منظمة راديكالية إسلامية على أنها منظمات إرهابية. هذا التصنيف الإماراتى هو أشجع وأهم تصنيف للمنظمات الإرهابية فى العالم، وهو أفضل من تصنيف الولايات المتحدة والأتحاد الأوروبى والأتحاد الروسى والأمم المتحدة، والسؤال لماذا هو أفضل تصنيف فى العالم؟.

اولا: تعاملت الأمارات مع أصول المشكلة، بمعنى الفكر الإرهابى يسبق الفعل الإرهابى، ومن ثم شملت القائمة المنظمات التى تدعو للفكر الإرهابى أو تسعى لتجنيد المسلمين بطريقة سرية وتجهيزهم كوقود لمنظمات الفعل الإرهابى.

ثانيا: تعرف الإمارات لغة الإسلاميين المزدوجة والكذب الحلال والتقية، فالإمارات دولة إسلامية تعرف ذلك جيدا، ولهذا لم تقف كثيرا عند المنظمات التى تدعى أنها ضد الإرهاب فى تصريحاتها الباهتة فى حين أن كل سلوكها هو تنمية السخط لدى المسلمين ليسهل تجنيدهم فى المنظمات الإرهابية، وأبرز مثال على ذلك منظمة كير الإسلامية بأمريكا.

ثالثا: لأول مرة تصنف منظمات إسلامية فى أوروبا وأمريكا على أنها منظمات إرهابية، وهذه المنظمات تتلقى معظم تمويلها من الدول العربية البترولية بحجة الدفاع عن حقوق المسلمين فى أوروبا وأمريكا، ولكن حقيقة عملها هو أنها جزء من شبكة الجهاد العالمى، فدورها الرئيسى حشو عقول المسلمين فى الغرب بكل الأفكار المتطرفة لتسهيل أنضمامهم إلى شبكات الجهاد العالمى ضد الكفار، كما أن هذه المنظمات عملت بكل نشاط على عزل المسلمين ومنعهم من الإندماج فى مجتمعاتهم الجديدة فى الغرب، بل أن هذه المنظمات كانت وراء كراهية الكثير من المسلمين فى الغرب لأوطانهم الجديدة، ونشرت ثقافة أن الولاء لهذه الأوطان يتعارض مع الولاء للإسلام ويتعارض مع كراهية ومحاربة الكفار، ومن هذه المنظمات التى جاءت فى التصنيف الإماراتى منظمة كير الإسلامية بأمريكا، والجمعية الأمريكية الإسلامية ماس، وأتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا، والرابطة الإسلامية فى ايطاليا وفنلندا والسويد والنرويج والدنمارك وبلجيكا، ومؤسسة قرطبة بلندن، والتجمع الإسلامى فى المانيا.

رابعا: كذلك شملت القائمة الأماراتية المنظمات التى تتخفى وراء العمل الإنسانى والخيرى وهى فى الواقع تخفى دورها الرئيسى فى تمويل المنظمات الإرهابية مثل منظمة حماس ومنظمات إرهابية أخرى، ومن هذه المنظمات، منظمة الإغاثة الإسلامية بلندن، ومنظمة الإغاثة الإسلامية الدولية التابعة لتنظيم الاخوان المسلمين الدولى.

خامسا: كسرت القائمة الإماراتية كذلك التقسيم الوهمى بين منظمات إسلامية معتدلة ومنظمات إسلامية متطرفة، فكل منظمات الإسلام السياسى التى تسعى للحكم وتتدخل فى السياسة وتروج للفكر الاصولى وتساند الإرهاب بطريقة غير مباشرة، هي فى الواقع منظمات إرهابية خطيرة، فمنظمة داعش هى فى الواقع حفيدة تنظيم الاخوان المسلمين، فالقاعدة هى أبنة تنظيم الاخوان وداعش هى أبنة تنظيم القاعدة، ومن ثم فأن داعش هى حفيدة تنظيم الاخوان، ولهذا دافع القيادى الاخوانى يوسف القرضاوى عن داعش وأعلن أن أبو بكر البغدادى كان عضوا فى تنظيم الاخوان، وأصدر القرضاوى بيانا يرفض فيه ضرب التحالف الدولى لداعش.

سادسا: كانت خطوة شجاعة من الإمارات كذلك ضم "الأتحاد العالمى لعلماء المسلمين" ضمن المنظمات الإرهابية، فهذا الأتحاد هو في الواقع الأتحاد العالمى لعلماء الاخوان المسلمين والاصوليين المتطرفين، وهو أداة الاخوان وقطر من آجل هيمنتها على الشأن الإسلامى.

سابعا: أثبتت الإمارات كذلك بهذا التصنيف أن الدول التى شاركت فى صناعة المشكلة من الصعب أن تكون جزءا من الحل، فهذه المنظمات الإرهابية هى نتاج ما تسمى بـ"الصحوة الإسلامية" التى بدأت من سبعينات القرن الماضى، والدول التى ساهمت فى صناعة هذه الصحوة هى: مصر (السادات)، والسعودية (فيصل)، والسودان (النميرى)، وباكستان (ضياء الحق)، وإيران (الخومينى) وأمريكا (كارتر وبريجنسكى)، وقطر (حمد) فى السنوات العشر الأخيرة، وتركيا (إوردغان) فى السنوات الخمس الأخيرة، وهذه الدول التى صنعت الصحوة الإسلامية الإرهابية من الصعب أن تصدر تصنيفا شاملا وهاما مثل التصنيف الأماراتى، وأتحدى أن تتبنى مصر مثلا التصنيف الأماراتى وتعلن نفس المنظمات كمنظمات إرهابية، أما السعودية فقد اصدرت قائمة هزيلة هى فى مجملها تضم المختلفين مع السعودية سياسيا والذين يهددون حكمها، أما المفاجئة غير السارة فهى رفض أمريكا لتصنيف منظمة كير والجمعية الإسلامية الأمريكية كمنظمات إرهابية، كما رفضت كذلك تصنيف الاخوان المسلمين كمنظمة إرهابية.

ثامنا: أسقطت الإمارات كذلك المتاجرة بالإسلاموفوبيا فى الغرب، فهذه المنظمات الإسلامية التى صنفتها الإمارات كمنظمات إرهابية فى أوروبا وأمريكا هى فى الواقع التى اخترعت وروجت وتاجرت بالمصطلح الوهمى المعروف بالإسلاموفوبيا، فالمسلمون فى الغرب يتمتعون بحريات أفضل بكثير مما يتمتعون به فى دولهم الإسلامية، وإلا فليفسر لنا أحد لماذا يتقاتل المسلمون فى الدول الإسلامية للهجرة والمعيشة فى دول الإسلاموفوبيا هربا من الحرية والنعيم والإيمان والتقوى فى بلاد الإسلام؟.

تاسعا: رفعت الإمارات كذلك الغطاء عن المنظمات الإسلامية الإرهابية التى تدعى أنها حركات مقاومة وتحرر، مثل منظمة أبو سياف فى الفلبين، ومنظمة إمارة القوقاز الإسلامية (الجهاديين الشيشانيين)، والحركة الإسلامية بأوزبكستان، فهذه المنظمات الإرهابية الخطيرة كانت تتلقى أموالا من دول البترول وتجد تعاطفا بين الكثير من المسلمين يجعلها تجند مسلمين متطرفين من العالم كله، وقد صنعت خيرا الإمارات برفع الغطاء عن هذه المنظمات وكشف وجهها الإرهابى الحقيقى.

وأخيرا: لعل النقص الوحيد فى القائمة الإماراتية هو عدم إداراج منظمة حماس كمنظمة إرهابية، رغم أنها كذلك، وربما يرجع ذلك لحساسية الموضوع الفلسطينى عند الرأى العام العربى، فحماس هى الى أنشأت منظمة أنصار بيت المقدس الإرهابية في سيناء، حتى من الأسم يتضح أنها صناعة حمساوية، فرغم كثرة المنظمات الإرهابية المصرية إلا أنها لم تستخدم بيت المقدس أسما لأى منها من قبل، ولكن لأن حماس هى الضالع الرئيسي فى تأسيس أنصار بيت المقدس فقد جعلت أسمها يتوافق مع قناعات حماس بالإشارة إلى بيت المقدس، فحماس تتلقى التمويل من عدة دول ومن التنظيم الدولي للاخوان وهى تقوم بالتدريب والتجنيد والتسليح لمنظمة أنصار بيت المقدس.

لقد أدركت الإمارات أن الصحوة الإسلامية، التى أنتجت كل هذه المنظمات، هى صحوة خراب ودمار، للشرق الأوسط وللعالم، وليست صحوة دينية بريئة، ولهذا رفعت عنها الغطاء ليظهر وجهها الحقيقى أمام العالم كله.
******************************************



185

وثيقة عهد وأمان من الرسول العربي ( ص) إلى بطريرك كنيسة المشرق الآشورية
======================================================================
أبرم شبيرا
مختصر في كنيسة المشرق وإسهاماتها في الحضارة العربية الإسلامية:
=======================================

تعتبر كنيسة المشرق الآشورية، والتي عرفت من قبل الغير  بـ "النسطورية" نكاية بها، من أقدم كنائس العالم والتي تأسست منذ بداية القرن الأول وعلى يد رسل السيد المسيح له المجد في منطقة شمال بلاد ما بين النهرين (العراق  حالياً) وأنتشرت من هناك إلى أصقاع مختلفة من العالم الشرقي حتى وصلت إلى الصين ومنغوليا،  وكان لها أتباع وأبرشيات في مناطق متعددة من الخليج العربي، في قطر والبحرين وعمان والإمارات العربية المتحدة وحتى اليمن إضافة إلى أتباعها من بعض القبائل العربية المنتشر في مدن الجزيرة العربية وجزر الخليج. كان مقر كرسي بطريريك هذه الكنيسة في مدينة المدائن (سلمان باك حاليا) في العراق التي كانت عاصمة الفرس الاكاسرة،  وزاد إنتشار وتطور هذه الكنيسة مع توسع حدود الدولة الإسلامية فكان لبطريركها مقاماً خاصاً عند الخلفاء المسلمين طيلة مراحل تاريخية مختلفة وتمتع بإمتيازات متعددة. ففي عهد خلافة علي بن أبي طالب (رض) أتخذت طبيعة العلاقة مع كنيسة المشرق وأتباعها طابعاً فكرياً وثقافيا. ففي دراسة مقارنة أعدها أحد الكتاب الآشوريين بين كتاب نهج البلاغة للأمام علي (رض) وكتاب أخيقار الحكيم الذي كان مستشاراً للملك الآشوري سنحاريب (705-681) ق.م. أستنتج وجود تشابه وتقارب كبيرين بين أفكارهما وأمثالهما الفلسفية مؤكداً على إمكانية إطلاع الأمام علي (رض) على أفكار هذا الحكيم وعلى الحضارة الآشورية والمسيحية خاصة بعد أن نقل عاصمته إلى مدينة الكوفة في وسط بلاد مابين النهرين والتي كانت مركزاً مهماً لكنيسة المشرق وتعرف بـ (عاقولا) وفيها عدد من الكنائس والأديرة وكان بعضها مراكز ثقافية وفكرية مهمة تزخر بأمهات الكتب وبلغات مختلفة ولازال بقايا أثار هذه الكنائس والأديرة قائمة في هذه المنطقة التي تعرف بـ "بحر النجف".

يعتبر عهد الخلافة العباسية أكثر المراحل التاريخية توثيقاً وتفصيلاً عن دور أتباع كنيسة المشرق في ترسيخ الدعائم العلمية والفكرية للحضارة لعربية الإسلامية حيث حظي مفكريها وفلاسفتها وأطبائها بمكانة علمية مرموقة لدى الخلفاء العباسيين قاطبة وذلك بفضل ألمامهم الواسع باللغات السريانية والعربية والإغريقية والفارسية فترجموا أمهات الكتب الفسلفية والعلمية والطبية الإغريقية إلى السريانية ثم إلى العربية أو إلى العربية مباشرة والتي أنتقلت فيما بعد وفي مراحل لاحقة إلى الشعوب الأوربية. وبرز في هذا المضمار الكثير من رجال العلم والطب والفسلفة وأشهرهم الطبيب والفيلسوف أسحق بن حنين وأبنه حنين بن أسحق وعائلة بختشوع التي توارثت علم الطب من جيل إلى آخر فلم يكن يخلو ديوان الخليفة من فيلسوف أو طبيب من أتباع كنيسة المشرق.
ففي عهد الخليفة العباسي الثالث المهدي (745-785) عرف بالأنفتاح على الفكر المسيحي ودخوله في مناقشات فلسفية مثولوجية وفكرية مع كبار رجال العلم والدين وقد وصلنا عدد ضخم من هذه المناقشات التي كانت تجري في بغداد بين الخليفة والبطريرك الآشوري مار طيماثايوس الأول وعرفت بـ "رسائل طيماثايوس" حيث قام بترجمة  جزء من هذه الرسائل من السريانية إلى العربية من قبل الأب اليسوعي ه. بوتمان في الثلاثينيات من القرن الماضي  وأعيد طبعها ونشرها من قبل دار المشرق في بيروت -  لبنان. كما كتب المثلث الرحمات مار روفائيل الأول بيداويد بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الأسبق أطروحته الجامعية للدكتوراه عن هذه الرسائل. وفي عهد الخليفة المأمون (786-833) ساهم المفكرون من أتباع كنيسة المشرق في تشييد دار الحكمة التي كانت في زمانها مركزاً علمياً وفكرياً عالميا ومقراً للباحثين  ومن مختلف بلدان العالم حيث شملت خزائنها على أمهات الكتب العلمية والفكرية والطبية إضافة إلى مرصد لمراقبة حركة الأجرام السماوية ورصد الأنواء الجوية.

ولقصة بناء مدينة بغداد (762) من قبل الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور (714-775) حكاية طريقة لها علاقة بكنيسة المشرق، فعندما كان يبحث عن منطقة ملائمة من حيث المناخ والأجواء الصحية وبعيدة من المدن الكبيرة التي تزدحم بالسكان ويكثر فيها المشاكل والثورات، ليبني عاصمته الجديدة،  وصل إلى منطقة "بيت غديده" والتي تعني بالسريانية "منطقة المراعي" التي كان يكثر فيها الأشجار والمروج الخضراء والواقعة على الجانب الغربي من نهر دجلة والتي منها جاء أسم (بغداد)، وهي المنطقة التي يقترب فيها النهران دجلة والفرات قبل لقاءهما في شمال البصرة،  وجد بأنها تعود لأديرة مسيحية تابعة لكنيسة المشرق. يذكر المؤرخ جون كلوب في كتابه "هارون الرشيد والعباسيون العظماء" المطبوع في لندن عام 1976، ص 100، بأن الخليفة طلب المشورة من أحد رهبان الدير يسأله عن أحوال المنطقة فقال الراهب له: مذكور في كتب كنيسته المشرقية بأن مدينة عظيمة ستبنى في هذه المنطقة من قبل ملك بخيل يوصف بـ "أبو فليسات"، فصاح المنصور وعلى الفور وقال أنا "أبو فليسات" وهذا كان فعلاً الوصف الذي  ينطبق عليه حيث عرف ببخله الشديد". ثم بدأ المنصور ببناء عاصمته في منطقة كرخا، الكرخ حاليا، والتي تعني بالسريانية "الضاحية" أو المدينة.   
غير أنه منذ فترة نهاية الخلافة العباسية وتقلص نفوذ العرب في الحكم لصالح القبائل التركو – المغولية تقلص نفوذ هذه الكنيسة أيضا وأستمر تناقص أتباعها، خاصة بعد أجتياح تيمورلينك المغولي (أسمه الحقيقي تيمور خان وأضيت كلمة لينكً إلى أسمه والتي تعني بالسريانية الأعرج لأنه كان مصاباً بكسر في ساقه من جراء سقوطه من على ظهر حصان) في النصف الأول من القرن الرابع عشر الميلادي لمعظم المناطق في بلاد النهرين، فأنحصر وجود هذه الكنيسة في المناطق الشمالية وأستمر وجودها حتى عصر هذا اليوم وأتباعها منتشرون في موطنهم الأصلي العراق وإيران وسوريا ولبنان وفي بعض بلدان المهجر. وكنيسة المشرق الآشورية هي كنيسة رسولية، أي أسست على أيد الرسل، وهي الوحيدة في العالم التي لا تتبع كنائس عالمية أخرى، إذ هي كنيسة مستقبل إدارياً ومالياً وطقسياً عن الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية ولها طقس كنسي خاص بها تعتمد الأرامية ( السريانية الكلاسيكية) لغة لها، وهي نفس اللغة التي تكلم بها السيد المسيح له المجد وعلم تلاميذه الصلاة الربانية (أبنا الذي في السموات) بهذه اللغة وكتب تلميذه متي أنجيله بهذه اللغة.

وثيقة عهد وأمان:
============

أما بالنسبة للوثيقة موضوع البحث، فأن الكتب الآشورية التاريخية تخبرنا كما وأن مخطوطات وتقاليد وتواريخ كنيسة المشرق الآشورية تعلمنا بأنه في يوم الاثنين الأخير من الشهر الرابع لسنة 630 ميلادية  عقد اجتماع في مدينة يثرب (المدينة المنورة) ترأسه الرسول العربي محمد (ص) للتداول في شؤون أهـل الكتاب وبالأخص الآشوريين المسيحيين منهم وأتباع كنيستهم المشرقية والبحث في أمور تنظيم أحوالهم الاجتماعية وضمان ممارسة طقوسهم الدينية في ظل الدولة العربية الإسـلامية الناشئة. وقد حضر عن جانب المسلمين كل من أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب  وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب (رض). وتذكر هذه المصادر أيضا بعض أسماء الصحابة وكبار القوم وقادة المسلمين الذين حضروا الإجتماع كما حضره بعض الشخصيات الإسلامية أشير إليهم بكنيتهم فقط مثل أبو أو أبن..الخ. أما عن جانب كنيسة المشرق فقد حضره بطريرك كنيسة المشــرق مار إيشوعياب الجدالي الثاني (628-644) الى جانب عدد من المطارنة. وفي ختام الاجتماع الذي دام يومين تمخض عنه صدور وثيقة عرفت بوثيقة عهد وأمان  من الرسول العربي (ص) قام معاوية بن أبي سفيان بكتابتها ومن ثم ختمت بختم الرسول (ص) وقدمها الى البطريرك، وتذكر هذه الوثائق أيضا بأن النبي (ص) قد قام بإهداء مديته الخاصة (خنجر) إلى البطريرك تعبيرا عن التفاهم العميق الذي ساد أجواء اللقاء.

والوثيقة التي وسمت  بـ "كتاب عهد من محمد سلام الله عليه ومن أمته الى الأمة الآشورية المسيحية" وبعض المصادر تشير إلى الأمة أو ("ميلت) المسيحية النصرانية أو النسطورية، تكونت من ديباجة (مقدمة ) تضمنت أهمية الحفاظ على هذا العهد الذي قطعه الرسول العربي (ص) نحو أتباع كنيسة المشرق وضرورة تطبيق بنودها والعواقب الناجمة عن خرقها. وأحتوى فحوى الوثيقة على وجبات والتزامات المسلمين تجاه الآشوريين وكنيستهم والضمانات والحقوق الممنوحة لهم في ممارسة شعائرهم الدينة كما شمل الفحوى على مجموعة من واجبات والتزامات المسيحيين حيال المسلمين والإسلام في أوقات السلم والحـرب. أما الخاتمة فقد جاء فيهــا:  "هــذا الكتاب منح من محمد رســول الله عليه السلام كوثيقة عهد وأمان الى الآشوريين المسيحيين ليكون عند رؤسائهم الدينيين وهو يصادق عليه بقـوة الله الخالق وبحضــور المؤمنين من الأمراء والحكام والقادة المسلمين الذين يشهدون ويصادقون عليه أيضا". والنص الكامل لهذه الوثيقة منشور باللغة الآشورية الحديثة (السريانية الشرقية) في كتاب ماليك ياقو اسماعيل المعنون (الآشوريون والحربان العالميتان) المطبوع في ايران عام 1960، كما هناك ترجمة لها بالعربية في كتاب الشماس عزيز برخو المعنون (الاشوريون) المطبوع في الســويد عام 1977 كما نشر البروفسور جورج داود ماليك نص هذه الوثيقة وباللغة الفارسية وترجمها الى الانكليزية في كتابه المعنون ( تاريخ الامة السريانية وكنيسة المشرق الرسولية ) المطبوع في مين  في الولاات المتحدة الامريكية عام 1910 (ص222 - ص227 ).

ويذكر المؤرخون بانه بعد انقضاء الاجتماع  قام بطريرك الكنيسة بنسخ الوثيقة وترجمتها وتعميمها على ابرشيات كنيسته المنتشرة في مناطق انتشارها في بلاد مابين النهرين وبلاد فارس واطراف الجزيرة العربية. اما النسخة الاصلية فقد بقيت محفوظة في خزائن المقر البطريركي في المدائن ثم انتقلت مع انتقال المقر البطريركي نحو المناطق الشمالية لبلاد مابين النهرين وبقيت محفوظة ولقرون طويلة مع بطاركة الكنيسة الذين توارثوا على كرسي بطريركية الكنيسة، وهو الأمر، أي ثوارث كرسي البطريرك وإقتصاره على عائلة واحده، الذي ساعد على الحفاظ على الكثير من الوثائق  وحفظها ضمن مقتنيات العائلة البطريركية.  ويذكر البروفسور جورج ماليك في كتابه السالف الذكر (ص 221 ) بانه عندما فتح السلطان سليم العثماني مدينة بغداد عام 1517 ميلادية وأكتمل سـيطرة الدولة العثمانية على بلاد مابين النهرين وعلى معظم مناطق انتشار هذه الكنيسة زاره البطريرك مار شمعون الرابع و كشف له الوثيقة النفيسة، ربما طلبا لضمان حماية اتباع كنيسته بموجب الامتيازات المذكورة في الوثيقة بعد الاستقرار الذي ساد في المنطقة عقب زوال الحقبة المغولية، فقال السلطان له، أن الوثيقة في غاية الاهمية والمغزى لذلك يجب حفظها في الخزينة الملكية في مدينة القسطنطينية فما كان من البطريرك الا التنازل عنها وقبوله نسخة مصدقة منها  بتوقيع وختم السلطان. و يرى الكاتب هاري ديوك بهذا الشأن في كتابه الموسوم ( ولاية موصل وأقلياتها ) المطبوع في لندن عام 1925 ( ص 68 )  بان نسخة من هذه الوثيقة كانت قد ترجمت و نشـرت عام 1630 في فرنسا من قبل جبرييل ســايونيتا، وهي المرحلة التي كانت تتسم باهتمام كنيسة روما الكاثوليكية اهتماماً كبيراً بكنوز وتراث كنيسة المشرق والتي الكثير منها حالياً محفوظة في خزائن مكتبة الفاتيكان. في حين يذكر البروفسور ابراهام يوهنان استاذ اللغات الشرقية في جامعــة كولومبا في الولايات المتحدة في كتابه المعنون ( موت أمة) المطبوع عام 1910 في الولايات المتحدة بان الوثيقة المذكورة بقيت محفوظة ولقرون طويلة مع بطاركة كنيسة المشرق  حتى عام 1843 عندما قام  مير بدرخان زعيم عشائر ( الجزيرة وبوتان ) الكوردية  في شمال بلاد ما بين النهرين باجتياح المناطق الاشورية في منطقة حكاري, حاليا جنوب شرقي تركيا, وتدمير قراهم وتشريدهم وسلب ممتلكاتهم ومن ضمنها مقر البطريرك في قرية قوجانس حيث دمر تدميرا كاملا بعد ان نهبت خزائنه الدينية والتراثية بما فيها الوثيقة والمدية المذكورتين. اما البروفسور قسطنطين ماتفيف عضو الاكاديمية الروســية فيذكر في كتابه المعنون (الآشوريون ) المطبوع في الاتحاد السوفياتي عام 1967 بان الوثيقة قد فقدت عام 1915 عندما قامت بعض العشائر الكوردية المتحالفة مع الدولة العثمانية  عشية الحرب الكونية الاولى بمهاجمة ونهب القرى الاشورية في منطقة حكاري  وتدمير كتدرائية  القديس (مار زيا) في مقاطعة جيلو  حيث كانت الوثيقة محفوطة فيها. ومن المرجح ان تكون الوثيقة قد نهبت في الفترتين حيث أعيدت في الفترة الأولى  بعد أنهيار حركة مير بدرخان من ضمن الممتلكات والخزائن المنهوبة والتي أعيدت الى الآشوريين بعد عودتهم وأستقرارهم في قراهم عام 1849 بفعل أجراءات الدولة في ضمان إستقرار الأمور للأشوريين وبفعل الضغط البريطاني على الحكام العثمانيين، ثم أعيد نهب الوثيقة مرة أخرى أثناء الحرب العالمية الأولى وفقدت منذ تلك الفترة. غير أن البروفيسورين ماليك وماتفيف يتفقان على استحواذ السلطات العثمانية على الوثيقة و حفظها بشكل خاص في إحدى متاحفها، ومن المتعقد أن يكون متحف دار المعارف الاسلامية في أسطنبول. ومثل هذا الافتراض قد يكون وارداً وكأسلوب من أساليب السياسة العثمانية تجاه رعاياها المسيحيين بشكل عام وتجاه الآشوريين بشكل خاص، في تجريدهم من السند الشرعي للحماية من المذابح وأعمال النهب والتدمير لقراهم وكنائسهم والمخالفة لتعاليم الاسلام ووصايا النبي (ص) و حسبما كانت مدونة في الوثيقة المذكورة.  كما وقد ويأتي اخفاء هذه الوثيقة من قبل هذه السلطات ايضا كوسيلة لتهرب السلطان من واجباته في حماية أهل الذمة الملزمة له دينياً .
 
ألف المؤرخ والكاتب الآشوري (بنيامين ارسانس) كتابا باللغة الآشورية الحديثة (السريانية) عن هذه الوثيقة وتحت عنوان "كتاب عهد للنبي محمد (ص)" والذي طبع في طهران عام 1950،

 


نسخة من الصفحة الأولى لكتاب بنيامين أرسانس
=====================================
أستمد معلوماته من وثائق تاريخية وكنسية قديمة مكتوبة باللغة الآشورية القديمة (الأرامية) وشرح وبتفصيل هذه الوثيقة وعلاقة كنيسة المشرق الآشورية بمختلف مراحل تطور الدولة العربية الإسلامية. أما السيدة سورمة خانم  (1883-1975)، والتي كانت بحكم كونها من نفس عائلة البطريرك (أخت للبطريركيين مار بنيامين (1887-1981) ومار بولس (1893-1920) وعمة البطريرك مار إيشاي شمعون(1908-1975) وعايشت الأحداث الماضية لهذه الكنيسة يوماً بيوم، فقد أرخت تفاصيل وأحداث هذه الوثيقة قبل قيام الحرب العالمية الأولى، حيث ذكرت في مذكراتها التي طبعت على شكل كتاب باللغة الإنكليزية في لندن عام 1920 والمعنون بـ "تقاليد الكنيسة الآشورية واغتيال مار شمعون"، ذكرت بأنها كانت مطلعة وعارفة بتفاصيل وثيقة العهد والمدية اللذان منحهما نبي الإسلام محمد (ص) إلى بطريرك الكنيسة واللتان كان لهما تأثيراً كبيراً في العلاقات الإسلامية المسيحية. فقد ذكرت بأن الكورد في قضاء جولامارك في جنوب شرقي تركيا كانوا يختارون أحد الملالي البارزين لحضور ديوان البطريرك للإطلاع على الوثيقة وقرأتها على الكورد الذين كانوا يتجمعون للإستماع إليها وكان يذكرهم بضرورة الإلتزام بمضامينها. كما ذكرت بأن الكورد لم يكن يترددون إطلاقاً من أكل لحوم الحيوانات المذبوحة من قبل أي فرد من أفراد عائلة البطريرك معتقدين بأن المدية الممنوح من قبل الرسول (ص) إلى البطريرك هي بمثابة تخويل شرعي في ذلك. فكان هذا التقدير والتمييز لمكانة البطريرك وعائلته ينعكس على احترام استقلاليته والاعتراف بسلطته الدينية والدنيوية على أبناء رعيته مما كان يثير ذلك حقد وهيجان بعض زعماء الكورد المتطرفين، فمذابح مير بدرخان ( 1843 – 1848) ومذابح عام 1915 وأغتيال سمكو أغا للبطريرك مار بنيامين عام 1918  وتشريد الآشوريين ونهب ممتلكاتهم كلها تأتي ضمن سياق التخلص من تأثير البطريرك على الكورد وانهاء استقلاليته وتأثيره عليهم.

قام بعض الكتاب الآشوريين بترجمة الوثيقة من العربية أو من الفارسية إلى الآشورية الحديثة/السريانية، وإنطلاقاً من إيمانهم ونزعاتهم القومية، نرى بأنهم في ترجماته لجؤا إلى إستخدام التسمية الآشورية بدلا من النسطورية على أساس كون أتباع هذه الكنيسة من الآشوريين المسيحيين. والترجمة التالية التي ترجمة من الفارسية إلى السريانية تأتي في هذا السياق وهذه بعض السطور من الوثيقة:
( الوثيقة التي وسمت بـ "كتاب عهد من محمد سلام الله عليه ومن أمته إلى الأمة الآشورية المسيحية"... جاء فيها بأن هذا الكتاب هو وثيقة أساسية وواجب على كل مسلم العمل بموجبه لحماية كل آشوري مسيحي أينما كان سواء في المشرق أم المغرب، قريباً عن قومه أم بعيداً، فهذا الكتاب وثيقة عهد وأمان يستوجب على مسلم لضمان البركة تطبيقه وتعميه وتعليمه والحفاظ على بنوده فذلك إسناد ودعم للدين الإسلامي، وكل من يخالف ماورد في الوثيقة أو أبدى عدم الرضا أو يحاول إتلاف الكتاب أو تجاهله فلعنة الله ستصيبه مهما كانت منزلته، سواء أكان من أبناء الرعية أو كان حاكماً مسلماً.... أذكر أنا وبأمر الله آمرت أن يقر هذا الميثاق على أساس من الإيمان القوي، حيث لم يسبق نبي من الأنبياء أن أقر مثله أو قام بتنفيذه، لذلك على كافة المسلمين تنفيذ الوصايا التي وردت فيه تجاه المسيحيين ويوفر الحماية اللازمة لهم من كل مكروه يجابهم وأن تعملوا على الحفاظ على ممتلكاتهم وكنائسهم وأدرتهم ومدارسهم أينما كانوا في السهول أم في الجبال في المشرق أم في المغرب على اليابسة أم في البحر وعلى مساعدة أبناء كنيسة المشرق الآشورية الذين هم تحت حمايتنا من كل ظلم وإضطهاد يصيبهم وهذا هو من أجلنا نحن ومن أجل تقوية ديننا... فعلى المسلمين أن يتركونهم أحرارا في صلواتهم وفي ممتلكاتهم الدينية والدنيوية وبالطريقة التي يرغبونها... على المسلمين تجنب هدم كنائس المسيحيين وأن لايدخلوا بيوتهم بالقوة إلا برضائهم وكل من عمل عكس ذلك فأنه سيقع تحت نقمة الله ورسوله، وكل من خالف الإلتزامات الواردة في هذه الوثيقة يكون قد خالف وصايا نبي الله. على المسلمين ضمان المساعدة للمسيحيين في تشييد كنائسهم وأديرتهم وبالطريقة المناسبة لهم ولا تعتبر هذه المساعدة رحمة أو صدقة من المسلمين إلى المسيحيين ذلك لأنهم طلبوها وهم تحت حمايتنا لذلك يجب مساعدتهم ومساندتهم في كل ما يحتاجونه وإذا قام من بينهم كاهناً لتنظيم أمور حياتهم الخاصة فعلى المسلمين كافة عدم منعه من القيام بواجبه ومن خالف ذلك يعتبر مخالفا لوصايا رسول الله... ومن جهة ثانية ... على الآشوريين المسيحيين أن لا يقدموا العون والمساعدة للكفرة الذين يحاربون المسلمين سواء أكان ذلك في السر أو الظاهر وأن لا يفسحوا الطريق أمام أعداء الإسلام وأن لايعملوا على إيوائهم في بيوتهم أو كنائسهم لكي لا تسنح لهم الفرصة للإنتصار على المسلمين كما أن لا يعملوا على تعليم أعداء الإسلام إستعمال السلاح وركوب الخيل وأن لا يقبلوا أملاك الكفرة أمانة عندهم.. فعلى المسيحيين المحافظة على المسلم وإيواءه لمدة لا تزيد عن ثلاثة أيام وعليهم حمايتهم من كل مكروه قد يصيبه من أعداءه الكفرة، كما يجب عليهم عدم تسليم نساء وأطفال المسلمين بيد الكفرة وكل من خالف إطاعة نصوص هذا الكتاب فأنه سيكون منبوذا عند الله ورسوله ويصبح من أعداء المسلمين...
هذا الكتاب منح من محمد رسول الله عليه السلام كوثيقة عهد وأمان إلى الآشوريين المسيحيين ليكون عند رؤسائهم الدينيين، وهو يصادق عليه بقوة الله الخالق وبحضور المؤمنين من الأمراء والحكام والقادة المسلمين الذين يشهدون ويصادقون عليه"  ثم ختم الكتاب بختم الرسول (ص). 

لقد أشار معظم الكتاب والمؤرخين الذين تناولوا هذه الوثيقة بأن امتيازاتها استمرت أيضاً نافذة خلال فترات خلافة الراشدين والأمويين والعباسين، لا بل وفي أحيان أخرى أضيف إليها ملحقات أو صدرت وثائق أخرى بهذا الشأن تستجيب للمتطلبات التي استجدت، خاصة في فترة خلافة عمر بن خطاب (رض) والذي في عهده اكتملت فتوحات جميع مناطق أتباع هذه الكنيسة وحررهم من ظلم الفرس والروم، لذلك أطلقوا عليه لقب " الفاروق"، والذي يعني باللغة الآشورية/السريانية بـ "المنقذ". ومن المعتقد بأن يكون الخليفة العباسي المكتفي الثاني ( خلافته من 1136 إلى 1160) أخر خليفة مسلم يمنح مثل هذه الوثيقة لبطريرك الآشوريين المسيحيين، وهي الوثيقة التي حقق فيها الباحث المشهور وأستاذ اللغة العربية في جامعة مانشيستر (أي . مينكانا) والذي عثر على صورة طبق الأصل منها في مكتبة (جون رايلاند) وكتب عنها بحثاً نشره في مجلة هذه المكتبة ( عدد 1- مجلد 10 – كانون الثاني/1926) وتحت عنوان (وثيقة حماية منحت إلى الكنيسة "النسطورية" في عام 1138 ميلادية من قبل المكتفي الثاني خليفة بغداد) مع ترجمة لنصها الأصلي إلى اللغة الإنكليزية التي جاء فيها بأن الخليفة يمنح هذه الوثيقة  للبطريرك الجاثيليق عبد يشوع الثالث (1138-1147) ألحاقا لنفس خطوات الخلفاء الذين سبقوه. وتبين المخطوطة بأن سكرتير الخليفة (أبو نصر)، المتوفي عام 1150 هو الذي قام بصياغتها. ويرى هذا الكاتب بأنه من الممكن أن يكون أجزاء لهذه الوثيقة موجودة في بعض المكتبات العامة في أوربا إلا أن أكثر النسخ وضوحاً وإكتمالا وقدماً هي النسخة المحفوظة في المتحف البريطاني والتي استنسخت عام 1596.



نسخة من صفحة كتاب الخلفية العباسي المكتفي الثاني
==============================

وأخيراً، يبقى التساؤل قائماً عن سبب منح الإسلام هذه الوثيقة لكنيسة المشرق الآشورية واعطاؤها الأفضلية والرئاسة والادارة على بقية الكنائس المسيحية الأخرى، والجواب قد يكمن في النقاط التالية :
1 ) -  سعة انتشار هذه الكنيسة في المناطق العربية قبل الإسلام وخاصة في أطراف الجزيرة ووجود شخصيات وقبائل عربية مشهورة من بين أتباعها، لا بل ووجود مطران لها كان يلقب بـ "مطران العرب" .
2 ) – وجود شخصيات عربية بارزة ومن قبيلة قريش أو من غيرها مقربين إلى بطاركة هذه الكنيسة. ويذكر المؤرخون بأن سعد أمير نجران في جنوب الجزيرة كان من أتباع هذه الكنيسة وهو الذي توسط عند الرسول (ص) وقدم البطريرك إيشوعياب الجدالي الثالي له والذي منحه الوثيقة المذكورة.
3 ) – وجود أفراد من عائلة النبي (ص) مقربين لرجال هذه الكنيسة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تذكر تواريخ هذه الكنيسة، كما هناك شواهد تاريخية في المنطقة، تؤكد مثل هذه العلاقة. ففي مدينة بصرى الشام التاريخية في جنوب سورية كنيسة قديمة تعرف بـ "دير الراهب بحيرا النسطوري"،  وأسمه الحقيقي هو سركييوس وقد لقب بـ "بحيرا" او "بهيرا"  ويعني باللغة الآشورية/السريانية المتنور او العارف بعالم الغيب والمستقبل، والذي كان من رجال هذه الكنيسة ومعروف بسعة علمه ونباغة عقله، وتروى تواريخ هذا الدير بأن عم الرسول ( أبو طالب) كان يصحب النبي (ص) معه وهو صبياً يافعاً أثناء رحلته التجارية إلى الشام وكان في الكثير من الأوقات يتركه عند الراهب بحيرا تجنباً لزحام السوق في الشام وتفرغاً لإنجاز مهماته التجارية. وتروى التقاليد بأن الرسول (ص) كان يدخل في نقاش عميق مع الراهب بحيرا في مختلف أمور الدنيا والآخرة ويثير اعجاب ودهشة الراهب، لذلك كان يوصي عم الرسول (أبو طالب) بالتيقظ وحماية محمد (ص) من العدوان لأنه سيكون له شأن عظيم في المستقبل  (أنظر أيضا الدليل السياحي للأماكن الآثرية في بصرى المطبوع في سوريا عام 1995) الذي أشارة إلى هذا الأمر.

 

صورة فوتوغرافية لدير الراهب بهيرا في بصرى الشام
================================
4 ) – ومن الناحية العقائدية، قد يكون معتقد كنيسة المشرق الآشورية أقرب بكثير إلى مفاهيم الإسلام عن المسيحية من غيرها من الكنائس، مثل اعتبار مريم العذراء أم المسيح وليس بأم الله وعدم أستخدامهم الصور والأيقونات في كنائسهم وغيرها من المعتقدات.
5 ) – كون كنيسة المشرق الآشورية، التي كان مقر كرسي بطريركها ومعظم أتباعها تقريبا ضمن أراض الدولة العربية الإسلامية، كنيسة مستقلة وغير مرتبطة بغيرها من الكنائس العالمية وهي الحالة التي كان يطمئن إليها القائمون على شؤون الحكم في الدولة العربية الإسلامية ويشجعها لتوفير الحماية اللازمة لهذه الكنيسة ومنحها الإمتيازات والأفضلية على غيرها .
6 ) – وأخيرا، وليس الآخر، مساهمة أبناء هذه الكنيسة في بناء وتدعيم الأسس العلمية للحضارة العربية عبر مراحل تاريخية طويلة، إضافة إلى المساعدة التي قدموها إلى الجيوش العربية أثناء الفتح الإسلامي، خاصة في بداية فتح العراق وفي معركة القادسية التي أندحر الفرس فيها وتخليص أبناء هذه الكنيسة من الظلم الذي كان يفرضها الفرس عليهم طيلة قرون طويلة وعاشوا في ظل ظروف وفرت لهم الدولة الإسلامية العربية الحرية والأمان في ممارسة عقائدهم وفسحت لهم المجال لنشر رسالة هذه الكنيسة نحو الشرق ثم بدأ إنتشارها بالتقلص مع تقلص نفوذ العرب في حكم الدولة الإسلامية وانتقال الخلافة إلى القبائل المغولية والتركية والمملوكية.

وكنيسة المشرق الآشورية كما سبق وأن ذكرنا تعتبر أقدم كنيسة في التاريخ بقيت منذ تأسيسها في السنوات الأولى لرسالة المسيح له المجد على الأرض مستقلة غير مرتبطة بدولة معينة ولا بحاكم معين ولا بمجموعة كنائسية عالمية كالكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية، وبالتالي فهي كنيسة فقيرة فيما يخص عالم السياسة والاقتصاد ولهذا السبب تعرض أتباعها إلى الكثير من المذابح والتشريد والظلم وإلى حملات التبشير من قبل المجموعات الكنسية الأخرى ولكن رغم كل هذا بقيت الكنيسة أصيلة محافظة على تراثها القديم متمسكة بإيمانها وتقاليدها العريقة رغم تقلص أتباعه إلى الحد الأدنى لتصبح أصغر كنيسة في العالم في هذا العصر الراهن  تصارع الزمن عبر محاولات صعبة في الحفاظ على الأصالة وقبول المعاصرة من أجل البقاء والاستمرار.
ولكن:
=====

أين الإسلام المتطرف، خاصة الذي يرفع شعار (الله ... محمد رسوله) من وصايا النبي محمد (ص) في حماية المسيحيين بشكل عام والآشوريين بشكل خاص؟؟؟. ماالذي فعله الآشوريون للإسلام وللدول الإسلامية وخاصة في العراق وسوريا غير الإخلاص والتفاني من أجل الوطن وشعبه بجميع أديانه وقومياته. فبالرغم من الإستبداد السياسي والفكري لأنظمة الحكم المتعاقبة على السلطة في العراق تجاه الآشوريين، فأنهم ظلوا طيلة حياتهم مخلصين للوطن متفانين في سبيل خدمته. لقد كانوا وعلى الدوام رواد الإبداع الفكري والثقافي والفني واللغوي والرياضي فأسماؤهم وأبداعاتهم لا تكفيها مجلدات لسردها ويكفيهم فخراً وإعتزازا بأنه طيلة تاريخ العراق لم ينظموا إلى منظمات إرهابية أو تجسسية معادة لوحدة تربة العراق بل كانوا وعلى الدوام جزء أصيل وتاريخي وحضاري من الشعب العراقي. 
 


أشوري عراقي يغرس العلم الآشوري في تربة العراق رمزاً للصمود والتحدي

186
التعليم السرياني في الوطن
مرحلة تاريخية من نضال وتحديات وإنجازات

=============================================
أبرم شبيرا
تقديم:
=====
في كل زيارة كنت أقوم بها إلى شمال الوطن "إقليم كردستان العراق"  لم يكن يشغلني أي شيء ويمنعني من زيارة المدارس السريانية والأقسام الداخلية للطلبة والطالبات لأنها في الحقيقة والواقع وبعيداً عن أية مجاملة أو عاطفة يعتبر تحقيق التعليم السرياني في الوطن أعظم إنجاز تحققه أمتنا في تاريخها الطويل خاصة في مجال تعليم اللغة والتي هي أحدى الراكز الأساسية والمهمة في وجودنا القومي، وهي الأهمية التي جعلت من بعض المفكريين على اعتبارها روح الأمة، فبموتها تموت الأمة أيضا. هذه الأهمية لللغة نجدها لدى معظم كتابنا ومثقفينا وفي برامج معظم تنظيماتنا القومية السياسية والإجتماعية والثقافية بحيث لاتخلو صحيفة أو برنامج حزبي من التأكيد على أهمية اللغة وضرورة الحفاظ عليها. على العموم فإن هذه التأكيدات المشددة على أهمية اللغة هي بحد ذاتها ظاهرة إيجابية في مجتمعنا  والتي تنم عن حرص أبناءه وقلقهم على مستقبل أمتهم. على أن الأهم من كل هذا هو مدى أمكانية ترجمة هذا الإهتمام والحرص والقلق على مستقبل اللغة القومية إلى واقع ملموس وحقيقي وفعلي يساهم في تحقيق ما يأملون من هذا الإهتمام ويزيل قلقهم من فقدان لغتهم القومية. إنطلاقاً من هذه الأهمية جاء التعليم السرياني لينقل هذا الحلم إلى واقع ملموس عبر مراحل من الكفاح الصعب والطويل والمضني لمواجهة التحديات الصعبة، إن لم تكن مستحيلة، وتحقيق الإنجازات القومية العظيمة والفريدة من نوعها في تاريخ أمتنا. فلأول مرة في تاريخنا الطويل تدرس العلوم الطبيعية والإنسانية بلغتهم القومية ضمن مدارس خارج نطاق الكنيسة، مرحلة يجب أن لا تمر علينا بالبساطة والنسيان، بل علينا تقديرها وتثمينها في كل مناسبة، خاصة بمناسبات إفتتاح مدارس التعليم السرياني في الوطن.

التعليم السرياني في شمال العراق – حقائق وأرقام:
===========================
من الصعب جداً على أي إنسان له ذرة ضمير ووعي بهذه الأمة أن لا ترتجف أبدانه وتغرق عيونه بالدموع وينهذل ذهنه عند دخوله إلى احدى صفوف التعليم السرياني ويشاهد التلاميذ بين جدران رطبة وسقف متهري وهم جالسون على رحلات متكسرة ملئهم الثقة والهمة والإصرار وكلهم صور معبرة عن التحدي نجدها في عيونهم البريئة لمواصلة التعليم بلغتهم القومية مهما كانت االصعوبات... أن الشعور الذي ينتابه الإنسان المؤمن بخلود هذه الأمة لا يمكن له أن يوصف مشاعره عند الدخول إلى أي صف من صفوف التعليم السرياني ويشاهد ويسمع التلاميذ وهم يدرسون مواد علمية كالفيزياء والكيمياء والرياضيات والأحياء والتاريخ بلغتهم القومية، مشاعر تجعل الإنسان واثقاً كل الثقة بخلود هذه الأمة وتواصيلها نحو أجيال طويلة قادمة. كانت بداية التعليم السرياني عام 1992-1993 ومع إنتهاء مرحلة التعليم الإبتدائي في السنة الدراسية 1997-1998 تكون هذه المرحلة قد أكتملت وأصبح التلاميذ مؤهلين للإلتحاق بالدراسة الثانوية مبتدأين بالصف الأول المتوسط. فبعد جهود مضنية وتجاوز المعوقات المختلفة تم إفتتاح أول مدرسة متوسطة بأسم "مدرسة نصيبين" في مدينة دهوك وبدأوا الطلاب دراستهم فيها للسنة الدراسية 1998-1999.
في تلك الفترة زرت بعض المدارس ومنها مدرسة نصيبين وقابلت طلابها ومعلميها والمسؤولين التربويين والإداريين فشهادة ولمست أعظم إنجاز تاريخي في يتحقق لأمتنا على الواقع، لم أكن في حينها قادراً أن أصف مشاعري الفياضة تجاه هذا الإنجاز العظيم  فمهما كانت تفاصيله مؤثؤة فسوف يعجز أي إنسان عن توضيحها ويعطي الحق الكامل لهذا الحدث الججل والعظيم، فما كان مني إلا أن تراودني فكرة تجسيد هذا الحدث العظيم من خلال قلمي في كتاب يفصل بعض من هذا الإنجاز العظيم لأمتنا، فكانت مساعدات وإرشادات ودعم كل من الإستاذ داود هيدو داود المشرف التربوي للتعليم السرياني في دهوك والإستاذ أكد موشي مراد المشرف التربوي للتعليم السرياني في أربيل والإستاذ نزار حنا مدير التعليم السرياني في وزارة التربية والأستاذ الأديب يونان هوزايا والإستاذ الشماس أندريوس عضوا لجنة الترجمة والتأليف المناهج السريانية والإستاذ رعد إيشايا إسحق مسؤول فرع دهوك للحركة الديموقراطية الآشورية أنذاك خير دعم لتجسيد جزء من هذا الإنجاز العظيم في كتاب. فأثمر دعم وإسناد هؤلاء الأساتذة عن إصدار كتاب تحت عنوان (التعليم السرياني في شمال العراق... حقائق وأرقام) والذي صدر عام 2001 وبجهود ومثابرة الإستاذ يوسف شكوانا الذي كان في حينها يعتلي وبشرف مسؤولية الحركة الديموقراطية في الولايات المتحدة.
في هذا الكتاب الذي قسمناه إلى عدة أقسام منها (أهمية تعليم لغة الأم، تجارب تدريس اللغة السريانية، أسباب فشل التجارب السابقة، بداية تجربة جديدة في التعليم بلغة الأم، لماذا التسمية السريانية للغتنا القومية، طموح يتحقق: التطبيق العملي لقرار التعليم السرياني، أنواع وعدد طلاب المدارس السريانية، مناهج التعليم السرياني، مدرسة نصيبين المتوسطة: تواصل التعليم السرياني نحو مراحل متقدمة، الأقسام الداخلية لمدرسة نصيبين، تحديات وصعوبات، تقييم التعليم السرياني، ماهو المستقبل، خاتمة وإستنتاج). طبعاً ليس في النية الدخول في تفاصيل هذه المواضيع تجنباً للإطالة، حيث في تقرير الإستاذ داود هيدو داود عن هذه التجربة العظيمة بعض من هذه التفاصيل لذلك أدرجته في أدناه ضمن الملاحق لكي يطلع القارئ المهتم ما أورده شخص كان جزء من هذه التجربة وعايش أحداثها بشكل مباشر ويومي، ولكن لبيان بعض المعوقات والتحديات التي واجهة هذه التجربة والجهود العظيمة التي بذلت لتجاوزها أود أن أسطر بعضمنها وكما يلي:
1)-  تنص الفقرة الرابعة من المادة الخامسة لقانون وزارة التربية في الإقليم رقم 4 لسنة 1992 على مايلي (جعل لغة الأقليات لغة التعليم في المرحلة الإبتدائية في المناطق التي تقطنها على أن يكون تدريس اللغة الكردية إلزامياً). صدر هذا القرار في شهر أيلول فكان من المفترض بدأ الدراسة باللغة السريانية للعام الدراسي 1993-1994 لغرض توفير الوقت اللازم لتهيئة جميع الأمور الفنية والتعليمية والمادية والكوادر لأن العام الدراسي 1992-1993 كان على الأبواب ولم يكن بالإمكان المباشرة بالتعليم السرياني في ذلك العام. غير أن تعليمات وزارة التربية قضت بتطبيق الفوري للتعليم السرياني فوضعت المعنيين بالأمر في موقف محرج ومقلق جداً فلم يكن ممكناً تجاوزه إلا بالجهود العظيمة التي بذلت من قبل المخلصين لهذه الأمة من معلمين ومؤسسات وأحزاب ونخص بالذكر منها المركز الثقافي الآشوري والحركة الديموقراطية الآشورية، فأفتتحت شعب للصف الأول بتاريخ 06/03/1993 في مركز محافظة دهوك وأعتبر التاريخ الرسمي لإفتتاح المدارس السريانية. ولكن الإشارة تجدر هنا في القول بأنه كان هناك مدرسة سريانية أخرى في سرسنك ترعى من قبل القس شليمون إيشو حيث تأسست عام 1992 وليس لنا الكثير من المعلومات عنها فيما إذا كانت قد أفتتحت طبقاً لقرار وزارة التربية السالف الذكر أم كانت بمبادرة شخصية وكنسية.
2)- كان من المفترض أن يكون التعليم باللغة السريانية إلزامي حسب الصفة الإلزامية للقانون، غير أنه فسر من قبل المعنيين في وزارة التربية وبتأثير من بعض عوائل مجتمعنا الذين وقفوا بالضد من التعليم السرياني، فسر على أساس إعتباره إختياري وترك عوائل شعبنا حرية الإختيار بين التعلم باللغة السريانية واللغة الكوردية. غير أنه بسبب ضعف الوعي القومي وقلة إهتمام العوائل باللغة وفقر معرفتهم بأهميتها لجأؤا الكثير منهم إلى المدارس التي تعلم بالكوردية، خاصة في أربيل. غير أن الغيارى من عوائل شعبنا تحدوا الأمر خاصة في محافظة دهوك فأرسلوا أولادهم إلى المدارس السريانية وهم كلهم ثقة بنجاح هذه التجربة الفريدة رغم المخاطرة وعوامل العرقلة والفشل التي أحيطت بها، وفعلاً كانت هذه المواقف الجليلة والشجاعة عاملاً في إنجاح التعليم السرياني ومواصلة مسيرته حتى وصوله إلى المرحلة الثانوية.
3)- تواصل التعليم السرياني نحو مراحل متقدمة – مدرسة نصيبين المتوسطة: في صيف من عام 1998 تخرج طلاب المدارس الإبتدائية السريانية وأصبحوا أمام وضع محرج ومقلق وغامض في مسيرة تعلمهم باللغة السريانية للمرحلة القادمة لا بل وضع التعليم السرياني برمته في وضع سيمهد الطريق لإفشاله وتلاشي الأماني المرجوة منه في حالة عدم مواصلته نحو مرحلة الدراسة الثانوية. تمثل هذا الوضع المقلق بما يلي:
أ) – المشكلة الفنية والعلمية: عدم وجود بالأساس مدرسة سريانية في هذه المرحلة والمستلزمات العلمية من مناهج وكوادر وأبنية وتجهيزات مطلوبة لتأسيس مثل هذه المدرسة.
ب)- المشكلة القانونية: لم يكن هناك تشريع خاص يقر بالتعليم لمرحلة الثانوية ذلك لأن القانون أعلاه ينص فقط على المرحلة الإبتدائية.
على هذا الأساس كان يستوجب على القائمين بشؤون تعليم لغة الأم مواجهة هذه المشكلة عن طريق توجه الإهتمام والجهود لخوض "المعركة" وعلى مستويين:
المستوى الأول- فكري وثقافي: ليس غير الإستاذ الأديب يونان هوزايا عضو لجنة الترجمة وتأليف المناهج بقادر على ألقاء الأضواء على هذه "المعركة". ففي مقابلة شخصية أجريتها معه بتاريخ 21/02/1999 في عنكاوه ذكر وقال (منذ إقرار البرلمان لحق أبناء أمتنا في التعلم في المدارس بلغتهم القومية بدأنا مع تشكيلات التعليم السرياني في المديرية العامة للتربية ثم مع مديرية التعليم السرياني والمركز الثقافي الآشوري في دهوك  وغيرهم من المؤسسات الثقافية والإجتماعية والمختصين في شؤون اللغة والمشرفين التربويين، بدأنا بمراقبة ومتابعة عملية التعليم السرياني مراقبة دقيقة ويومية وخطوة فخطوة من أجل معرفة مسيرتها الصحيحة وتذليل عقباتها وتوفير مستلزماتها بهدف إنضاج هذه التجربة وإنجاحها لتكون قاعدة لمرحلة متقدمة أخرى. وفعلاً بعد أن قطعت نصف الرحلة وأمضت ثلاث سنوات، أي في عام 1995 من مسيرتها تأكد لنا نجاحها وبشكل ملفت للنظر، ليس للآشوريين وحدهم وإنما لغيرهم أيضا بما فيهم المسؤولين في الدوائر والوزارات المعنية، بل تأكد لنا جميعاً بأنه لا محال من إستمرار مسيرة التعليم السرياني حتى وصول محطتها الأخيرة، أي الصف السادس الإبتدائي وإجتيازها بثقة عالية. ولكن كنا مترقبين وحرصين أشد الحرص على التحرك وعلى مختلف الجبهات وفي الوقت والظرف المناسبين وقبل وصول مسيرة التعليم السرياني محطتها الأخيرة بفترة معقولة ومناسبة. لهذا شرعنا في البدء مرحلة تهيأ الأجواء الفكرية والثقافية والفنية من خلال عقد مجموعة من الندوات والحلقات الدراسية واللقاءات من أجل الإستعداد لطرح موضوع مواصلة التعليم السرياني نحو المرحلة الثانوية على المسؤولين المعنيين – أنهت المقابلة). شخصياً لاحظت جزء من هذه التحديات وعايشت ظروف القائمين عليها لفترة معينة وخاصة مسألة أستكمال ترجمة الكتب وإعدادها وشاهدت وأنا في دمشق في عام 1998 كيف كان الإستاذ الأديب يونان هوزايا يسهر الليالي حتى بزوغ الفجر وهو منكب على ترجمة الكتب التعليمية إلى السريانية، وفي حينها كنت أوبخه على عدم الإهتمام بصحته ولكن كان يقول: يجب عليً إكمال ترجمة هذه الكتب حتى تكون في متناول أيدي طلاب الصف الأول المتوسط قبل مباشرة الدوام الرسمي وإلا فأن التعليم السرياني سينهار برمته... وفعلاً يمكن أن أكد بأن الأستاذ يونان هوزايا وغيره من اللذين ناضلوا نضالاً مستمياً لإنجاح التعليم السرياني ومواصلة رحلته حتى النهاية هم أبطال مجهولون في هذه المعركة ورواد الإنجازات التي تحققت لهذه الأمة في التعليم باللغة السريانية.
المستوى الثاني- سياسي وقانوني: بعد عقد عدد كبير من الندوات واللقاءات والحلقات  وتوضيح خارطة الطريق نحو المرحلة الأعلى للدراسة أنتقلت المعركة من مجالها الفكري والثقافي إلى السياسي والقانوني. ففي نهاية عام 1995 عقدت ندوة موسعة في المركز الثقافي الآشوري في دهوك تحت شعار (لغتنا وجودنا، واجب علينا أن نحافظ عليها) حضرها عدد كبير من المسؤولين والإختصاصين فأقروا العديد من القرارات والتوصيات ومنها توصية بخصوص تطوير التعليم السرياني وضرورة إستمراره نحو مراحل ما بعد الإبتدائية. ثم أستمر أصدار التوصيات بهذا الشأن في الندوات والحلقات الدراسية اللاحقة وأقرت نفس توجيهات حول مواصلة التعليم السرياني للمرحلة الثانوية ورفعها إلى الجهات الرسمية المعنية وتحديدا وزارة التربية التي قامت بتحويل التوصية إلى مجلس الوزراء ثم أنتقلت الوصية بين الوزارات ورئاسة مجلس الوزراء والبرلمان غير أنه لإسباب سياسية تفاعلت مع التطورات التي سادت في المنطقة في تلك الفترة لم يتخذ قرار بهذا الشأن مما أدى إلى قيام الكتلة الآشورية مع عشرين عضواً من أعضاء البرلمان بالتوقيع على الوصية ورفعها إلى رئيس البرلمان. مرة أخرى المسألة تأخرت في مجلس الوزراء وبشكل لم تكن أبداً بعيدة عن التأثيرات السياسية والتي غلفت بحجة عدم توفر الكوادر اللازمة بهذه المرحلة وغيرها من الحجج التي لم تصمد أمام إصرار جميع الخيرين من أبناء شعبنا على ضرورة تحقيق هذا المطلب القومي. وفعلاً وفي نهاية الجولة تم حسم المسألة فقامت رئاسة مجلس الوزراء وفي بداية شهر تشرين الثاني، أي بعد أن كان الموسم الدراسي مستمراً وتجاوز الشهر، بإصدار قرارها المؤرخ في 02/تشرين الثاني 1998 والقاضي بالموافقة على فتح مدرسة أهلية في دهوك للراغبين بالدراسة السريانية وبإشراف وزارة التربية وطبقاً لنفس مناهج الرسمية للمدارس الأخرى. وعقب إستكمال الإجراءات الروتينية مع وزارة التربية وبعد أسبوع من إصدار القرار تم في العاشر من تشرين الثاني 1998  إفتتاح المدرسة رسمياً في مركز مدينة دهوك وسميت بأسم مدينتنا التاريخية الخالدة "نصيبين" وعين الإستاذ بهمود حنا مديراً لها. والمدرسة كانت متكونة من الصف الأول المتوسط ومن ستة شعب وكان عدد طلابها 136 طالب وطالبة. وهكذا أستمرت رحلة التعليم السرياني وتصاعدت نحو مراحل أخرى من خلال فتح الصفوف والشعب في المدارس الأخرى وفي مناطق مختلفة حتى إكتمال المرحلة الثانوية وتهيئ الطلاب لدخول الجامعة وهم متسلحين تسليحاً علمياً كاملا بلغتهم القومية.
4)- وأخير لم يبقى إلا أن نشير بخصوص مرحلة التحول والتطور الكبير الذي حصل في التعليم السرياني بانتقاله وبنجاح من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة إلى الدور العظيم والوقفة الشجاعة التي وقفها معظم العائلات وأولياء أمور الطلبة الذين أنهوا المرحلة الابتدائية. فهؤلاء جميعاً خاطروا بمستقبل أطفالهم من أجل إنجاح تعليم لغة الأم نحو مراحل متقدم وحققوا بعد صمود وشد الأعصاب من تحقيق هدفهم في استمرار أبنائهم الدراسة في المرحلة المتوسطة رغم تأخر افتتاح مدرسة نصيبين . فبعد أن تخرج هؤلاء من المرحلة الابتدائية في بداية صيف عام 1999 وانقضت العطلة الصيفية وشارفت على انتهائها وأستعد الطلاب للذهاب إلى المدارس في الأول من تشرين الثاني أصبح موقف هؤلاء محرج للغاية إذ لم تكن هناك مدرسة سريانية متوسطة لاستيعاب خريجي التعليم السرياني الابتدائي ولم تفتح أبواب هذه المدرسة، أي مدرسة نصيبين، إلا في العاشر من كانون الأول 1999 وبعد حصول الموافقة اللازمة لافتتاحها، كما سبق وأن نوهنا عنها. فطيلة هذه الفترة الحرجة والمقلقة لأولياء الأمور رفضوا إرسال أبنائهم إلى غير التعليم السرياني وأبقوهم في بيوتهم منتظرين افتتاح المدرسة المتوسطة حتى أثمر صبرهم وصمودهم بشروع أبواب مدرسة نصيبين واستقبال طلابها. أنه حقاً موقفاً مشرفاً وقفه الجميع وقفة مسؤولة شجاعة لعبت دوراً كبيرا في إثمار مسيرة التعليم السرياني بثمار انعكست في الهمة والنشاط الذي بادر بها الجميع حيال إنجاح هذه المدرسة . فألف تحية وتحية لجميع العائلات ولأطفالهم على هذا الموقف الشجاع فلولا هذا الموقف لما كانت مدرسة نصيبين قائمة في هذا اليوم . أما بعض العائلات القليلة جداً والتي لم تستطيع الانتظار طويلاً خوفاً على مستقبل أطفالهم، وهو خوف مشروع لا غبار عليه، فقد أرسلوا أطفالهم بعد تخرجهم من الابتدائية إلى المدارس المتوسطة الأخرى واستمروا الدارسة فيها لسنة واحدة، أي الصف الأول المتوسط، ولكن سرعان ما أن نجحوا إلى الصف الثاني حتى أرسلوهم إلى مدرسة نصيبين مقتنعين كل الاقتناع بأن التعليم السرياني في المرحلة المتوسطة قد نجح واجتاز الصعوبات والتحديات وسوف يستمر حتى نهايته الأخيرة المقررة له.
5)- الحق يقال لولا وجود الأقسام الداخلية لإيواء الطلبة لما نجح التعليم السرياني في مرحلة المتوسط، فهذا العامل الحاسم يستوجبه بعض التفصيل وسنحاول بقدر الإمكان إختصار مما ورد في كتابنا المذكور في أعلاه.
حق التعليم بلغة الأم في أرض الوطن حق مشروع لا غبار عليه ولكن نقله وتحويله من المبدأ إلى الواقع يستوجبه توفر مستلزمات لتحقيقه، منها وجود عدد كافي أو مناسب من الطلاب والمدرسين والاختصاصيين والمشرفين التربويين لفتح المدارس واستمرار التدريس فيها ووجود بنايات مناسبة تصلح أن تكون مدارس. وبقدر تعلق الأمر بعدد الطلاب الذين تخرجوا من الدراسة الابتدائية والمطلوب لفتح مدرسة متوسطة لهم لم يكن هذا العدد كافياً حتى في أكثر المناطق كثافة كمدينة دهوك وذلك بسبب التشتت الديموغرافي والجغرافي لشعبنا في المنطقة الشمالية فلم يكن أمام القائمين على شؤون التعليم السرياني حل لهذه المشكلة عندما تقرر فتح مدرسة نصيبين الأهلية المتوسطة في دهوك إلا عن طريق اللجوء إلى الأسلوبين التاليين :
الأول: توفير وسائط نقل كبيرة كالباصات لنقل الطلاب يومياً من مناطق داخل مدينة دهوك والبعيدة عن مكان المدرسة وأيضا من القرى والقصبات المحيطة بالمدينة كمنصورية وسميل وغيرهما ومن ثم إرجاعهم إلى بيوتهم بعد أنتهاء الدوام المدرسي فكان هذا الأمر يتطلبه أما شراء  باصات أو تأجيرها مخصصة لنقل الطلاب وكل هذا الأمر كان متوقفاً على توفر الأموال اللازمة لتحقيقه.
الثاني : فتح أقسام داخلية للطلاب الذين يعيشون في قرى وقصبات بعيدة عن مركز مدينة دهوك كسرسنك وعقرة وشقلاوة وديانا وصبنا وديرلوك وزاخو وعمادية وعقرة وغيرها للمبيت فيها حتى يتسنى لهم الدوام في مدرسة نصيبين في دهوك ذلك لأنه يستحيل على طفل أو أي من كان السفر يومياً من وإلى المدرسة من مناطق بعضها تبعد أكثر من مائة كيلومتر. والأقسام الداخلية لمدرسة نصيبين في دهوك ظاهرة فريدة من نوعها في المنطقة وفي تاريخ أمتنا ومن عدة أوجه منها :
أولاً : أنها لأول مرة في المنطقة وفي تاريخنا  يفتتح أقسام داخلية لطلاب يدرسون معظم موادهم العلمية باللغة السريانية في المرحلة المتوسطة وأعمارهم لا تتجاوز الثانية عشر أو الثالثة عشر من العمر أو أكثر بقليل، فمثل هذه الأعمار يتطلبها رعاية خاصة وعناية فائقة ليست من الأمور السهلة ما لم يخصص لها جهود مكثفة وأموال طائلة لتعيين المشرفين والاداريين عليها .
ثانياً : أنها ظاهرة فريدة في المنطقة لأنه ليس هناك تجارب سابقة في فتح أقسام داخلية لمرحلة الدراسة المتوسطة لا لأبناء أمتنا ولا لغيرهم .
ثالثاً : أنها لا تعتمد على مصادر مالية ثابتة ومستمرة بل أعتمدت كليا على مصادر ذاتية وفرتها اللجنة الخيرية الآشورية وبعض الخيرين من أفراد ومؤسسات أمتنا في المهجر، فهي لم تستلم مساعدات لا من أية دولة أو حكومة معينة، والحكومة الاقليمية غير ملزمة بمساعدتها لأنها تعتبرها خارج العملية التربوية كما وأن مدرسة نصيبين هي مدرسة أهلية وليست حكومية. هذه الأسباب وغيرها جعلت من إدارة هذه الأقسام الداخلية مهمة صعبة وشاقة للغاية فلم يكن يكتب لها النجاح والاستمرار إلا بجهود مضنية وتضحيات كبيرة لأنها لم تكن توفر النوم للطلاب فقط بل كانت أيضا توفر لهم وجبات الغذاء والعناية الصحية والرعاية الإجتماعية مما كان يتطلب ذلك توظيف أطباء وأخصائيين في هذه المجالات.
6)- الصعوبات والتحديات: ذكر الإستاذ داود هيدو في تقريره آنف الذكر هذه الصعوبات ولكن هنا أود أن أذكر صعوبات أخرى منها سياسية ونفسية وإجتماعية.  كان يدرك الجميع في تلك الفترة بأن منطقة فوق خط عرض 36 كانت غير خاضعة للحكومة العراقية المركزية يسودها نوعاً من التوتر السياسي والقلاقل المقرونة بخوف اجتياح قوات النظام العراقي للمنطقة وما يترتب على هذا الاجتياح من متابعة ومعاقبة الذين ساهموا في إنشاء المؤسسات الرسمية والشعبية أو المشاركة في نشاطاتها أو دعمها، والحالة هذه تنطبق على بعض أبناء شعبنا في المنطقة فهم كانوا يعتقدون، بأنه طالما التعليم السرياني ومؤسساته ومدارسه نشاطات وظواهر لا تتفق مع نهج الحزب الحاكم في بغداد وقد لا يرضى أو يوافق عليها، بل يمنعها أو يزيلها من الوجود ويعاقب كل من شارك فيها خاصة وهي مدعومة من أحزاب سياسية آشورية كالحركة الديمقراطية الآشورية المحسوبة على المعارضة العراقية، لذلك كانوا يعتقون بأن مساهمتهم فيها أو دعمها أو حتى إرسال أطفالهم إلى مدارس التعليم السرياني سوف يعرضهم للمسائلة والمعاقبة من قبل النظام العراقي عند قدوم قواته إلى المنطقة . هذه الحالة المقرونة بنوع من الخوف السياسي خلق نوع من التردد والسلبية تجاه التعليم السرياني. ولكم من الملاحظ أن استمرار مسيرة التعليم السرياني وبنجاح رغم كل المخاطر والمخاوف المحيطة بالمنطقة أثر بشكل كبير على تناقص مثل هذه الحالات وبالتالي اقتصارها على عدد قليل جداً بحيث لم يعد لها أي وزن يذكر في التأثير على المسيرة المستمرة للتعليم السرياني نحو مراحل متقدمة، وهذا ما أنعكس على تزايد عدد طلاب المدارس السريانية وتعاظم ثقة الطلاب وأولياء أمورهم بها. إذ من الملاحظ بأن بعض العائلات ترددت في إرسال أطفالهم الذين تخرجوا من المدارس السريانية الابتدائية إلى مدرسة نصيبين بل أرسلوهم إلى المدارس الكردية المتوسطة، ولكن بعد رسوخ التعليم السرياني في المرحلة المتوسطة واجتيازه السنة الأولى نحو السنة الثانية وتعاظم ثقة القائمين على شؤونه في الاستمرار حتى نهاية المرحلة ترك ذلك انطباعاً إيجابيا بناءا في نفوس هذه العائلات تجاه التعليم السرياني وبدأت مخاوفهم بالتبدد والزوال فبدءوا بنقل أطفالهم الذين نجحوا من الصف الأول في المدارسة الكوردية إلى الصف الثاني في مدرسة نصيبين.
أما بالنسبة للصعوبات الإجتماعية والعائلية فمن المعروف بأن العائلة في مجتمعنا في المنطقة، هي كغيرها من العائلات الشرقية، محافظة بطبيعتها، خاصة في المناطق الريفية والزراعية، فلها أواصر عائلية حميمة بين أفرادها يصعب عليهم الفراق أو الغياب الطويل بينهم، وهي حالة معروفة للكثير  ولا يستوجبها التفصيل، ولكن الذي يهمنا من هذه الإشارة هو كيف سيكون الحال مع طفل عمره بحدود 12 إلى 13 سنة أن يفارق أهله لمدة قد تطول أشهر؟ وكيف تثق العائلة بالجهة التي تأوي هذا الطفل وهو بعيد عن بيته ؟؟  وكيف تطمئن إليه وهو محروم من حنان الأم ورعاية الأب ؟؟ أسئلة وأسئلة كثيرة كانت تثار حول طلاب مدرسة نصيبين الذين جاءوا من مناطق بعيدة ويقيمون في الأقسام الداخلية في دهوك. الجواب الوحيد والشافي لهذه الأسئلة، لا بل والحل الأمثل لهذه المشكلة كان يكمن في الجهود العظيمة والمثالية التي وفرتها اللجنة الخيرية الآشورية في الأقسام الداخلية (أربعة أقسام داخلية للطلاب والطالبات) التي تشرف عليها. فقبل كل شيء يجب الاعتراف بأن هذه اللجنة والمنظمات والأحزاب الآشورية الفاعلة في المنطقة والمساندة للتعليم السرياني استطاعت أن توفر، من خلال إخلاصها لأبناء شعبنا وصدقها في عملها القومي، ظروف فكرية ونفسية واجتماعية كانت قادرة على خلق أجواء اتسمت بالثقة والمصداقية بين عائلات الطلاب وصلت إلى حدودها المثالية عندما وضعت هذه العائلات كل الثقة بهذه المؤسسات وأتمنتهم بوضع أطفالهم بين أيديهم وتربيتهم ورعايتهم ومن دون أن يشعروا التلاميذ بأية غربة أو انزعاج بسبب فراق أهلهم وبعدهم عنهم طيلة فترة الدراسة. في أحدى زياراتي الى هذه الأقسام الداخلية ومقابلتي للطلاب والطالبات أكدوا لي جميعاً بأن ما يلقونه من رعاية وإشراف في المدرسة وفي القسم الداخلي ممتاز جداً، فذكروا بأنهم يتلقون ثلاث وجبات طعام صحية وبكميات تفي حاجتهم وبزيادة كما أن ملابسهم تغسل وعلى الدوام وغرفهم وافرشتها نظيفة جداً مثلما هي في البيت وفي كل قسم داخلي عاملة تقوم بتنظيف كل شيء كما هناك مشرفة  إجتماعية ترعي شؤونهم وتنظم أمورهم الشخصية والدراسية أيضاً، وهناك بعض المشرفين هم بالأصل وفي نفس الوقت مدرسين في مدرسة نصيبين وهذا ما يجعل الأمر أسهل إليهم في استمرار المطالعة والدرس في القسم الداخلي والتي قد تكون تجاوزتهم في المدرسة بسبب إدراك الوقت فهذا ساعدهم كثيراً في إداء واجباتنا البيتية بشكل صحيح وتحت إشرافه". أما بخصوص بعدهم عن أهلهم ذكروا بأن ما توفره لهم المدرسة والأقسام الداخلية من رعاية خاصة وعناية كبيرة تعوض الكثير عن هذا البعد كما وأن أهلهم في كثير من الأحيان يأتون إلى دهوك لقضاء بعض الحاجيات فيزورونهم في القسم الداخلي ويقضون  معهم ساعات طويلة وفي أحيان أخرى يقضون معهم بعض الليالي عندما يبقون في دهوك عند بعض أقربائهم، كما أن المشرفة كان تسمح لهم في بعض أيام العطل، وخاصة في عطلة نهاية الأسبوع، أن يزوروا أقاربنا في دهوك بعد أن يرافقهم  مرافق. أما في أيام العطل الطويلة والأعياد فإنهم كانوا يذهبون إلى بيوتهم ويبقون مع أهاليهم حتى نهاية العطلة وهذا كله كان يرتب وينظم ويصرف عليه من قبل اللجنة الخيرية الآشورية.... أفلا تستحق اللجنة الخيرية الآشورية أن نرفع قبعاتنا لها تقديرياً وأحتراماً وتثميناً لهذه الأعمال الجبارة التي قامت بها؟؟.
هذه بعض الصعوبات والتحديات التي واجهها التعليم السرياني وهناك صعوبات ومشاكل آخرى تتعلق بالمواقف المخزية والجبابة للبعض من المحسوبين على مجتمعنا ومحاولة وضع الصخر في عجلة التعليم السرياني وإفشالها وذلك سواء لسبب أو غرض في نفسيتهم المريضة أو خوفاً من الآخرين المعادين لمسيرة أمتنا نحو الأمام. ومن المضحك والمحزن في آن واحد أن نرى اليوم البعض من هؤلاء يتبجحون بفكرهم القومي ويسعون أن يكونوا في مقدمة الساحة القومية السياسية مظهرين أنفسهم كأبطال ومنقذين لأمتنا ولكن ماضيهم أسود ملطخ بتاريخهم المخزي، أمر لا يستوجبه غير بضعة كلمات فقط والإشارة تكفي اللبيب.

أكتفي بهذا القدر وأطلب العذر من القارئ الكريم على الإطالة لأن مثل هذه المسألة والإنجاز العظيم الذي تحقق لأمتنا من التعليم السرياني يستحق أكثر بكثير من هذه الصفحات، فالذي ذكرته في هذه الصفحات من الصعوبات والتحديات والإنجازات للتعليم السرياني كله كانت للفترات الماضية الممتدة للسنوات من 1992 ولغاية 2000 وربما أكثر بقليل، ولكن مما نلاحظه بعد هذه السنين نوع من التحول في مسار التعليم السرياني لذلك أطلب من القارئ الكريم تمديد هذا العذر لأذكر مايلي:
1)- نلاحظ بعد عام 2003 وما نتج من إرهاصات وتخرصات وتخبطات على مختلف الأصعدة سواء في المجتمع العراقي عموما أو في مجتمعنا خصوصاً قلة الإهتمام بالتعليم السرياني من قبل أحزابنا وتنظيماتنا القومية والسياسية وبإعتقادي الخاص أرى بأن سبب ذلك هو تحول الإنتباه وتكريس معظم الجهود نحو الكراسي البرلمانية والوزارية وتغليب المصالح الحزبية الخاصة على المصلحة القومية العامة.
2)- لعبت الهجرة دوراً كبيراً ومؤثراً على التعليم السرياني وتناسب تصاعد وتيرة الهجرة تناسباً عكسياً مع تقلص عدد الطلاب والمدرسين وبالتالي توجه أنظار العوائل نحو أبواب الهجرة أكثر من توجهها نحو المدارس السريانية.
3)- الظروف المأساوية والمميتة المحيطة بمجتمعنا وتعرضه إلى حالة من التردد والقلق والخوف من تصاعد عمليات الإرهاب عوامل مهمة وخطيرة في مسيرة التعليم السرياني فأصبح ضمان الحياة بأمن وسلام من أوليات أبناء مجتمعنا متجاوزاً وبخطوات كثيرة أهمية التعليم السيرياني.
4)- وأخيرا نتسائل ما مصير التعليم السرياني في عصر داعش وإرهابه المميت؟ أين أبناء امتنا من التعليم السرياني والإرهاب يطرق أبوابهم ليل نهار. أين سيكون التعليم السرياني وما مصيره عندما يكمل داعش إجتياحه لبقية مناطق شعبنا؟؟؟ أسئلة تشاؤمية كثيرة يحق لنا أن نطرحها وقد لا نجد لها أجوبة مقنعة في الوقت الحاضر ترضي أبناء شعبنا. ولكن كل هذا يذكرني بحديث ماضي مع الصديق رعد إيشايا أسحق البازي، الذي كان مسؤولا لمكتب الحركة الديموقراطية الآشورية في دهوك عندما دخلت معه في نقاش في التسعنيات من القرن الماضي حول الموضوع فقلت له: ما مصير التعليم السرياني إذا إجتاحت قوات صدام حسين المنطقة وسيطرت عليها؟ فقال هذا ممكن حيث سيقوم بقتل وإعتقال أعضاء الأحزاب المعارضة ومنهم أعضاء زوعا والبعض الآخر قد يهرب مرة أخرى إلى الجبال، وقد يقوم بهدم أو إغلاق المدارس السريانية ويحرق الكتب التعليمية ويطرد أساتذتها ولكن... نعم ولكن... لا يستطيع صدام ولا غيره من عتاة الدكتاتورية والإستبدادية  أن ينتزع لغة الأم من لسان بضعة ألاف من أطفالنا الذين تعلموها في هذه المدارس سواء بقوا هؤلاء في الوطن صامدين مكملين مسيرة أمتنا نحو الأمام أو هاجروا إلى بلدان المهجر وهم حاملين معهم لغتهم القومية.     





الملاحق:
==========

ملحق رقم 1: تقرير الإستاذ داود هيدو داود المشرف التربوي للتعليم السرياني في دهوك

=================================================
بتاريخ 14/2/1999 كتب الإستاذ داود هيدو داود المشرف التربوي للتعليم السرياني في دهوك وبخط يده تقريراً طويلاً عن بداية ومسيرة التعليم السريانية ولكونه مفصلا عن مسيرة التعليم السرياني وجاء من شخص عايش يومياً أيام هذه المسيرة أرى عرضه ولو بشكل مختصر فائدة لإعطاء صورة أوضح عن مسيرة التعليم السرياني:
البداية:
=====
كانت البداية بعد صدور قرار مجلس قيادة الثورة الخاص بمنح الحقوق الثقافية للناطقين بالسرياني "كما سماهم نظام بغداد" لأبناء شعبنا الآشوري بكل طوائفه، إلا أن التعليم كان مجرد شكليات ولإغراض الدعاية والإعلام الذي أعمى العالم بأسره حيث أن مواقف النظام وسياسته تجاه القوميات الأخرى في العراق كانت على عكس ما يدعي به. وعلى ضوء ذلك كانت مجالات المبادرة والتطور معدومة في مجال التعليم بلغة الأم وأن المناهج والبرامج التي وضعت كانت مشلولة ومجرد دروس ثانوية لا قيمة لها ... أستمر هذا الوضع بضعة سنوات ومن ثم ألتف عليه إلتفافاً تاماً ووضع على الرفوف العالية. بقى الوضع هكذا إلى ما بعد الإنتفاضة الجماهيرية التي عمت معظم مناطق العراق عام 1991 فكان من أفرازاتها إنبثاق المجلس الوطني (البرلمان) الكردستاني بعد إنتخابات عام 1992 تلته تشكيل حكومة الإقليم والهيئات والمؤسسات الإدارية لملئ الفراغ الذي أحدثته الحكومة المركزبة بعد سحب الدوائر الحكومية الرسمةي من شمال العراق، فعقب ذلك سن قوانين خاصة لكل وزارة من وزارات الإقليم لتمشية الأمور الرسمية ومن تلك القوانين قانون وزارة التربية رقم 4 لعام 1992 وبموجبه بدأ التعليم السرياني في محافظتي دهوك وأربيل.

الإنطلاقة:
========
كانت تلك نقطة البداية والإنطلاق في مسيرة عظيمة وهائلة نحو بناء مستقبل مشرق زاهر لأبنائنا التلاميذ للتعليم بلغة الأم التي هي الفرصة الأولى التي أتيحت لأبناء شعبنا في تاريخ النضالي الطويل. فبعد صور القانون المذكور أعلاه بدأت نشاطات مكثفة لتطبيقه وإخراجه إلى الوجود الفعلي فعقدت عدة ندوات مع المعلمين وأولياء أمور التلاميذ في دهوك وأربيل فشكلت عقب ذلك لجنة متابعة من عدد من المعنيين حيث قامت بعقد عدة إجتماعات ومؤتمرات تربوية وأهمها مؤتمر موسع في أربيل بتاريخ 04/01/1992 وعلى مستوى رئاسة الوزراء برئاسة السيد رئيس الوزراء (أنذاك) الدكتور فؤاد معصوم وبحضور السيد وزير التربية ووكلاء وزارات التربية والصحة والشؤون الإجتماعية وأعضاء برلمانيين من القائمة الآشورية ورئيس أساقفة أربيل ووفد يمثل محافظي أربيل ودهوك وعدد كبير من المختصيين والخبراء. خلال الجلسة تم مناقشات وحوارات للوصول إلى حلول وأسس وأنظمة الخاصة بتطبيق وتعميم تدريس مادة اللغة السريانية. ثم بعد التوصل إلى آلية لتطبيق النظام تم تشكيل ثلاث لجنان وهي اللجنة العليا للدارسة السريانية في وزارة التربية واللجنة الفرعية في كل أربيل ودهوك. وعلى أثر ذلك بدأت اللجان فوراً بإعداد المناهج وطبعها وفي وقت قصير جداً وقياسي وقد تحملت الحركة الديموقراطية الآشورية جميع النفقات اللازمة لوضع الكتب الدراسية بين أيدي التلاميذ وهذه كانت حقاً أعظم هدية لهم. ومن جملة النشاطات التي قامت بها اللجنة الفرعية في دهوك هو حصر أو أجراء تعداد لكافة التلاميذ الآشوريين في مدارس المحافظة وتحديد مراكز تجمعهم وقدمت قوائم بأسماء المدارس وأسماء التلاميذ إلى المديرية العامة للتربية.
إفتتاح المدارس وبدء الدراسة السريانية:
==========================
على أثر ذلك صدرت أوامر إدارية من المديرية العامة للتربية في دهوك فتح شعب للدراسة السريانية في المحافظة ويمكن أن نقول أن التاريخ الرسمي لإفتتاح المدارس الرسمية للتعليم السرياني في محافظة دهوك هو 06/03/1993 حيث تم إفتتاح ستة مدارس في مركز المحافظة في كل من سميل ومجمع المنصورية وبيرسفي وزاخو وكواني وديرلوك وعقرة، علماً بأن مدرسة سرسنك كانت قد فتحت في شهر تشرين الثاني 1992 وأن هذه المدارس كانت في البداية تشمل على شعبة واحدة فقط للصف الأول الإبتدائي حسب قرار وزارة التربية لتستمر الدراسة بالإنتقال إلى الصف الذي يليه وهكذا إلى أن وصلت الدراسة في العام الدراسي 1998-1999 إلى الصف الأول المتوسط حيث شهدت مسيرة التعليم السرياني تطورات هامة ومثيرة وجديرة بالفجر والإعتزاز بها.
من الجدير بالذكر هو أن مدارس المحافظة خضت أعظم تجربة في مسيرتها التعليمية ألا وهي الإشتراك في الإمتحانات العامة (البكالوريا) الوزارية في العام الدراسي 1997-1998 في الصف السادس الإبتدائي وقد دلت نتائج الإمتحانات على النجاح الباهر للعملية التعليمية في المحافظة بالتعليم بلغة الأم لكافة المواضيع حيث كانت نسبة النجاح تزيد على 76% في الدولة  وهذه أعلى نسبة حصلت عليها المدارس الإبتدائية في مثل هذه الإمتحانات وأن معظم مدارسنا حصلت على نسبة نجاح 100% وحصلت على المركز الأول أو المراكز المتوفقة على مستوى المحافظة. كان التعليم السرياني في بدايته في شُعب مذابة ضمن صفوف المدرسة التي تقع في مراكز تجمع أبناء شعبنا، في مركز المدينة والتجمعات والقرى لكن بعد إستمرارية الدراسة وتعدد الشُعب ضمن تلك المدارس أصبح من الضروري  فصل تلك الشُعب السريانية وجعلها مدارس سريانية مستقلة فكانت أول مدرسة سريانية مستقلة بملاكها وتلاميذها هي مدرسة ديرسم السريانية التي تم إفتتاحها في 18/11/1995 في منطقة حي الأسرى في مركز المحافظة (دهوك) تلتها مدرسة بهرا السريانية في 02/12/1995 في مركز قضاء سميل مكونة كل منها من ستة صفوف والدراسة فيها باللغة السريانية لجميع المواد بالإضافة إلى دراسة اللغة الكردية والعربية والإنكليزية وحسب الإنظمة. توالت بعد ذلك إفتتاح مدارس سريانية مستقلة في مركز المحافظة والأطراف حيث تم فتح مدرسة نوهدرا في 25/10/1997 في منطقة حي الجمعية في مركز المحافظة ثم مدرسة سرسنك السريانية في سرسنك في نفس السنة وأخيراً مدرسة أورهي في منطقة بروشكي في مركز المحافظة في 21/10/1998. ومن الجدير بالذكر أن في المحافظة (دهوك) حاليا (وقت كتابة هذا التقرير في 14/02/1999) يوجد 17 (سبعة عشر) مدرسة سريانية (يذكر الإستاذ هيدو أسماء المدارس في جدول مرفق بتقريره... ويذكر بأن بعض هذه المدارس تدرس فيها جميع المواد التدريسية باللغة السريانية وبعضها الآخر يدرس فيها السريانية كلغة إضافة إلى التعليم المسيحي... لماذا: يقول الإستاذ هيدو: لأن هذا كان إختيار أولياء أمور التلاميذ وبتأثير من جهات معينة لا تومن بأن تكون لغة التعليم هي اللغة السريانية وهذا أثر سلباً على مسيرة التعليم في مناطق تواجد هذه المدارس... ومن جانب آخر المعاكس يقول الإستاذ داود:  أن أوليات أمور التلاميذ أستمروا على رفد المسيرة التعليمية السريانية وتشجيعها في كافة المجالات وكان الإسناد الأعظم هو إستمرار إرسال أبنائهم إلى المدارس السريانية بالرغم من بعدها من مناطق سكناهم وتعرض التلاميذ إلى الكثير من المشاكل والمصاعب لكن بالرغم من ذلك أستمر التحدي عند بعض الذين يعانون من عقدة الخوف كما يسميها الكاتب القدير أبرم شبير، الخوف من شيء لا يعرفونه أو جعل بعض الأوهام التي تراودهم من العقد نفسها).

وفي ذكر بعد المدارس عن سكن التلاميذ، حريُ بنا أن نذكر دور الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) واللجنة الخيرية الإجتماعية الآشورية اللذين كانتا سنداً دائماً منذ بداية الخطوة الأولى في التعليم ولحد الآن وقد كانت الحركة الديموقراطية الآشورية السند الأوحد لعملية التعليم السرياني مستغلة موقعها السياسي وثقلها في المجتمع والأوساط السياسية متمثلة بالكتلة البرلمانية الآشورية والتمثيل الوزاري التي لم تبخل في بذل الجهود المضنية لجعل المدارس السريانية وعملية التعليم السرياني حقيقة ثابتة وموجودة ومستمرة وبنجاح منقطع النظير بالرغم من الحملات العادية لها منذ البداية لا لشيء إلا من أجل إفشال هذه المشروع الوطني والقومي الهائل الذي أعمى بصائر المعادين. أما اللجنة الخيرية الآشورية  فقد قامت بالدعم المالي للعملية منذ البداية فقد صرفت أموال طائلة في طبع الكتب المدرسية من السنة الأولى ولحد الآن وكذلك مكافأة المعلمين والمحاضرين وأجور نقل التلاميذ في الكثير من المدارس نذكر منها على سبيل المثال نقل تلاميذ مدارس بهرا ونوهدرا من بيوتهم إلى المدرسة وبالعكس وكذلك صرف نثريات إلى لجنة التعليم التي تغطي جانب من مصاريف المدارس كشراء الأوراق واللوازم المدرسية الأخرى وصرف مكافاة للمحاضرين شهريا بمعدل ثلاثمائة دينار لكل محاضر ويتراوح عدد المحاضرين بين 14-17 محاضراً أو أكثر أحيانا في مدارس محافظة دهوك فقط.
الكتب المدرسية (المنهجية) المعتمدة في مدارسنا السريانية هي ترجمة يمكن أن نقول بأنها حرفية لكتب المناهج التربوية الرسمية المعتمدة في المدارس الرسمية في الإقليم والعراق. وقد قامت لجنة الترجمة المشكلة في وزارة التربية بترجمتها تباعاً وحسب المراحل حيث تم ترجمة وطبع كتب الصف الأول الإبتدائي في بداية السنة الدراسية 1992-1993 وأثر إقرار التعليم السرياني وقبل إفتتاح المدارس بوقت مناسب حيث كانت الكتب المدرسية في متناول أيدي التلاميذ في بداية إفتتاح المدارس. وقد تولت اللجنة الخيرية الآشورية توفير الأموال اللازمة لتغطية مصاريف تلك الكتب ولحد الآن وتساهم كذلك مطبعة وزارة التربية في توفير بعض المستلزمات اللازمة للطباعة وكذلك ساهمت منطمة (SC) البريطانية في طبع كتب الصف السادس وإعادة طباعة كتب القراءة السريانية للصفوف الثاني والثالث والرابع. والآن وبعد أن وصلت الدراسة السريانية إلى الصف الأول المتوسط تم ترجمة وطبع كتب الصف المذكور وهي الآن بين أيدي طلابنا وفي متناولهم. نؤكد ونقول بأن لولا الدعم المالي المنقطع النظير الذي وفر من قبل الحركة الديموقراطية الآشورية واللجنة الخيرية الآشورية لما كانت الدراسة على وضعها الحالي ولكان الفشل الذريع للعملية بأجمعها ولكانت نكسة في مسيرة التعليم السرياني.
الكادر التعليمي والدورات:
==============
كما هو معروف لدى الجميع بأنه لم تتح الفرصة لأبناء أمتنا التعلم بلغتهم بسبب الأنظمة الفاشية التي حاولت دائماً صهرنا وطمس حضارتنا وأن القلة القليلة التي تعلمت اللغة وأصولها وآدابها كانت ضمن محاولات شخصية أو في الكنائس والأديرة مما أدى إلى صعوبة توفير الكادر التعليمي الماهر الملم باللغة وآدابها. لقد دأبت اللجان المشرفة على التعليم السرياني والجهات المختصة وبالتعاون مع وحدات التدريب في وزارة التربية وبمساندة اليونيسيف إلى فتح عدة دورات قصيرة الأمد أقصاها لمدة شهر وقد تم تدريب وإعداد المئات من المعلمين والمعلمات في تلك الدورات ليحملوا على عاتقهم مسؤولية التعليم باللغة السريانية في مدارسنا. ومن جانب آخر حصلت الموافقة على تدريس اللغة السريانية في معاهد إعداد المعلمين والمعلمات وبواقع حصتين في الأسبوع من خلال دروس الدين. وبالرغم من عدم كفاية هذه الحصص لإعداد المعلم ذات الإمكانيات العلمية ليكون معلماً في المدراس السريانية إلا أنه مع هذا فأن هذه الدورات كانت تعطيه الأسس والمبادئ الأولية في التعليم السرياني ومن ثم يتم تدريبه وإعداده في حياته العملية بعد تعيينه ونقله إلى المدارس السريانية. (ثم يذكر الإستاذ هيدو العشرات من الدورات التي أقيمت في إعداد وتدريب المعلمين المرشحين للتعليم في المدارس السريانية إضافة إلى العديد من الحلقات الدراسية للوقوف على مشاكل التعليم السرياني وطرق تطويره والتي شارك فيها العديد من المختصيين ورجال العلم والمعرفة إضافة إلى بعض المسؤولين في الإقليم... ويتابع الأستاذ هيدو ذكر هذه الحلقات ويركز على الحقلة الدراسية الثالثة حيث يؤكد في القول بأن هذه الحلقة الدراسية كانت بمثابة إنتقالة نوعية في مسيرة التعليم السرياني حيث توصل المتحاورون إلى ضرورة تواصل التعليم السرياني في نحو مرحلة المتوسط والمراحل الأعلى منها وتم رفع توصية بهذا الشأن إلى وزارة التربية وبدورها إلى مجلس الوزراء....)
المعوقات والمشاكل:
===========
من خلال الندوات والإجتماعات والحلقات الدراسية والدورات الخاصة بالتعليم السرياني ومن خلال متابعتنا اليومية الميدانية للمدارس توصلنا إلى نقاط مشتركة لأهم المشاكل والمعوقات التي تصادف عملية التعليم السرياني في المحافظة (دهوك) منها فنية وتقنية ومنها تتعلق بأبنية المدارس والوضع المعاشي للمجتمع الذي نعيش فيه والظروف الصعبة التي نمر بها. وفيما يلي بعض تكل النقاط المهمة:
1)- بنايات المدارس: لكون أبناء شعبنا منتشرون في جميع أنحاء المحافظة وبكثافات متباينة ومختلفة فإننا نلاقي صعوبات كبيرة لتجميع الطلاب في صفوف أو مدارس خاصة بالتعليم السرياني، وبسبب التوسع والإنفجار السكاني أدى إلى إتخاذ بنايات المدارس لتداوم فيها أكثر من مدرسة أو أكثر من دوام واحد (دوام مزدوج).
2)- بُعد سكن التلاميذ من المدارس:  لكون التلاميذ منتشرين في جميع أحياء المحافظة فذلك يكون من الصعب جمعهم في مدارس خاصة إلا إذا توفرت سيارات خاصة لنقلهم وهذه تتطلب أموال طائلة (للباص والسائق والبترول والصيانة... إلخ).
3)- الوضع الإقتصادي: حرم الكثير من التلاميذ الانخراط في صفوف الدراسة لعدم إمكانية العائلة من توفير المستلزمات اللازمة للطلاب كالدفاتر والحقائق وحتى الملابس وغيرها من اللوازم.
4)- جهل أولياء أمور التلاميذ لغة الكتب المنهجية (المطبوعة بالسريانية... لكونها كتب علمية مصطلحاتها غير معروفة لأولياء الأمور) ويمكن أعتبارهم أميين (بهذا الشأن) بالرغم من حصولهم على شهادات عليا في لغات غير لغتهم.
5)- طبع الكتب وخاصة العلوم والرياضيات باللونين الأسود والأبيض فقط مما يؤدي إلى عدم الإيفاء بالغرض أو الإستفادة منها بصورة صحيحية وجيدة وأن الطباعة الملونة تكلف أضعاف الطباعة الحالية وكذلك نوعية وجودة الورق المستعمل في الطباعة.
الواقع والطموح:
============

187
من أرشيف الحركة القومية الآشورية:
----------------------

فشل إشراك بطاركة كنيسة المشرق في العمل السياسي
================================
أبرم شبيرا
مختصر في الأرشيف القومي:
ليس قصدنا من البحث في بعض من صفحات أرشيف الحركة القومية الآشورية سرد الوقائع التاريخية السياسية لمجتمعنا المعاصر بل هو عرض جوانب من هذه الوقائع التي الكثير منها غير منشورة ولا معروفة لأبناء شعبنا وقد تكون بعضها ذات قيمة يستفاد منها في معرفة التاريخ  وإشتقاق الدروس والعبر منها، فالمقولة القائلة بأن من ليس له تاريخ ليس له حاضر ومن ليس له حاضر ليس له مستقبل صحيحة بالتمام والكمال. من هذا المنطلق يجب علينا جميعاً، وتحديدا المهتمين بشؤون أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" وأحزابها السياسية وتنظيماتها القومية، أن تكون على دراية ومعرفة بالخلفيات التاريخية لحركتنا القومية تجعل منها مساراً مستنيراً لهم في مسيرتهم على طريق النضال القومي لكي تستفاد منها، فتأخذ المفيد منها وتتجنب العثرات والسلبيات التي واجهها من سبقهم في هذا المضمار وبالتالي تتجنب التعثر بنفس الحجر مرتين. وهنا أرى أنه من المفيد ونحن نتكلم عن الأرشيف أن نفرق بين مصطلحين وهما: الأول: التأريخ (بوضع الهمزة على الألف) والذي يعني تدوين الأحداث التي مضى عليها زمنا معينا. والثاني هو التاريخ (بدون همزة على الألف) والذي يعني  تحليل وفهم للأحداث التاريخية عن طريق منهج يصف ويسجل ما مضى من وقائع وأحداث و يحللها و يفسرها على أسس علمية صارمة بقصد الوصول إلى حقائق تساعد على فهم الماضي والحاضر و التنبؤ بالمستقبل (حسب موقع وكيبيديا)، وهو من أهم مواضيع علم السياسة والإجتماع. أي بهذا المعنى فأن الأحداث المدونة التي مضى عليها زمناً تعتبر المادة العلمية لموضوع التاريخ، فعلى أساس هذا الفهم للتاريخ نكتب هذه السطور في موضوع (فشل إشراك بطاركة كنيسة المشرق في العمل السياسي) رغم قلة المراجع في هذا الشأن والتي قد تؤدي إلى عدم إمكانية تغطية الموضوع بكل جوانبه المطلوبة لفهم هذا الموضوع المهم لاسيما في الوقت الحاضر الذي يدور حوله الكثير من المناقشات عن دور الكنيسة ورجالاتها في المسألة القومية السياسية.
فعلى الرغم من الفقر الذي نعانيه في الوثائق والأرشفة عن مختلف مناحي حياة أمتنا خاصة السياسية منها وتحديدا الحركة القومية، فأن هذا لا ينفي وجود بعض الوثائق المهمة بهذا الشأن، رغم قلتها، ولا أدري أن أصف نفسي بالشخص المحظوظ في إقتنائي القليل جداً من هذه الوثائق إن لم أنسب كل الفضل إلى كرم وفضل بعض أصدقائي الذين تكلفوا وزودوني بنسخة منها، ومنها رسالة مهمة بهذا الشأن وبعض الوثائق الأخرى المتعلقة بموضوعنا هذا التي زودها لي صديق عزيز وكريم منذ سنوات وبقت على الرفوف العالية لمكتبتي الصغيرة وأرى الآن قد حان الوقت لنفض الغبار عنها

دعوة لتأسيس قيادة آشورية عالمية بإشراك بطاركة كنيسة المشرق:
====================================== 

لأسباب موضوعية وذاتيه، منها جغرافية وفكرية وثقافية وسياسية، كان أبناء شعبنا في إيران من أوائل المبادرين إلى تأسيس منظمات ثقافية وفنية وسياسية. وحتى المنظمات والجمعيات التي تأسست في العراق وفي المهجر كان معظم مؤسسيها ورؤسائها من أبناء شعبنا من إيران. ولعل من أشهرها الجمعية الأدبية للشباب الآشوري في طهران التي طبعت وأصدرت العديد من الكتب في تاريخنا القومي إضافة إلى نشاطات قومية وسياسية أخرى. ففي عام 1966 وبالتعاون مع الجمعية الخيرية الآشورية في طهران وبكتابها المؤرخ في الخامس من شهر شباط لعام 1966 وجهت دعوة الى جميع بطاركة كنيسة المشرق وزعماء الجمعيات الآشورية والشخصيات التقليدية والفكرية والثقافية لعقد مؤتمر وتأسيس قيادة عالمية للأمة تحت تسمية "مجلس الاتحاد الآشوري العالمي" واقترحت أن تكون برئاسة مثلث الرحمات مار شمعون إيشاي، بطريرك كنيسة المشرق وطالبت منه أن يتولى مسؤولية الإتصال ببقية الأسماء المقترحة لعضوية القيادة العالمية. ومن أسماء البطاركة وغيرهم الذين يهمنا الإشارة إليهم في هذا الموضوع والدور المقترح لكل واحد منهم، نذكر:
•   غبطة مار إيشاي شمعون، كاثيليكيوس بطريرك كنيسة المشرق – كليفورنيا، الولايات المتحدة - رئيسا
•   قداسة مار إغناطيوس يعقوب الثالث –  دمشق، سوريا - بطريرك الكنيسة "الآشورية"  (اليعاقبة) – رئيس مساعد. (ذكروا الأشورية بدلا من السريانية)
•   قداسة مار عمانوئيل  بطريرك الكلدان –  بغداد، العراق – رئيس مساعد !!!!
•   قداسة بطريرك الكنيسة المارونية – بيروت، لبنان – رئيس مساعد !!!!
•   السيد كميل شمعون المحترم، رئيس لبنان السابق،  بيروت، لبنان – رئيس مساعد
•   السيد ياقو ماليك إسماعيل، قائد عسكري سابق في الجيش الآشوري، كندا -  مستشار ميداني
•   السيد يوسف ماليك خوشابا،... (الأقامة والوظيفة مجهولة)، مستشار ميداني
•   السيد ماليك لوكو شليمون تخوما، (الوظيفة مجهولة)، الحسكة، سوريا – مستشار ميداني
•   السيد ديمتري (أغا) بطرس إيلوف- تولوز، فرنسا – سكرتير للمراسلات الفرنسية
•   السيد أبرم دي كليتا، لندن، المملكة المتحدة – مستشار سياسي
•   البرفسور أبرم إسحق، جامعة أوكسفورد، المملكة المتحدة – مستشار عام وللأمم المتحدة.
أضافة إلى شخصيات إجتماعية وثقافية وعلمية ورؤساء مؤسسات آشورية معروفة في الولايات المتحد الأمريكية وفي إيران جاوز عددهم عشرين شخصية فأكتفيت بالشخصيات المذكور أعلاه لكون لهم صلة مباشرة وأكثر بهذا الموضوع.

 والأسباب الموجبة التي بينتها اللجنة التحضيرية لدعوة تأسيس قيادة آشورية عالمية تلخصت بما يلي:
1-   وصول جمال عبد الناصر إلى السلطة في مصر وإشتداد حكمه وقيام الوحدة بين مصر وسوريا وما صاحب ذلك من تصاعد نزعة العروبة وتصاعد تعصب القوميين العرب والناصريين وظهور تهدادات لأمن دول المنطقة كلبنان وإسرائيل وتعرض وجود الأقليات في الشرق الأوسط كالآشوريين والكورد والشيعة إلى التهديد والوعيد من قبل الأكثرية العربية المتشددة.
2-   قيام الثورة الكردية في شمال العراق ودخولها في صدامات مسلحة مع الحكومة العراقية وتعرض المنطقة، والتي هي قلب موطن الآشوريين، إلى الحركات المسلحة والإجتياحات العسكرية مما سبب ذلك هجرة أبناء شعبنا وبأعداد كبيرة إلى المدن الكبيرة.
3-   إزدياد نفوذ وتأثيرات الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية كبريطانيا وفرنسا وحتى إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط وبالتالي دخول العامل الدولي في رسم أو التأثير على سياسات المنطقة، لهذا نرى في تقارير اللجنة التحضيرية أعطاء أولوية كبيرة لمنظمات وشخصيات من أبناء أمتنا في الولايات المتحدة الأمريكية وإعتمادها كلياً عليهم وعلى قدرتهم للتأثير على الإدارة الأمريكية لمساندة القيادة الآشورية المقترحة.

في كتابه المؤرخ في الثاني عشر من شهر شباط لعام 1966 رد المثلث الرحمات مار شمعون إيشاي على الدعوة الموجبه إليه والطالبه منه الإتصال بالأشخاص المعنيين لتشكيل القيادة العالمية، رد بشكل يصعب جداً على قارئ الكتاب أن يفهم موقفه من هذه الدعوة فهو، بذكائه وفطنته المعروفة لم يرد لا بالسلب ولا بالإيجاب بل كل ماذكر فيه هو إمتنانه الكبير لمرسلي الدعوة ومباركته لهم بالروح القدس طالباً لهم كل الموفقية في خدمة أمتنا الآشورية. إلا أنه خلال زيارة قداسته لإيران في عام 1967 رفض وبشكل مباشر  فكرة تولي مسؤولية زعامة التنظيم المقترح لا بل رفض الفكرة من أساسها حينئذ أدركت اللجنة التحضيرية  تخلي البطريرك عن رغبته في البقاء كزعيم للأمة الآشورية  فأضطروا إلى اللجوء إلى شخصية آشورية أخرى تكون معروفة على المستوى القومي فوجدوا ضالتهم في السيد ديميتري أبن الجنرال أغا بطرس الذي كان يعيش في تولوز في فرنسا. وعند مفاتحته بالفكرة وافق عليها ومن ثم بدأت التحضيرات للمؤتمر الأول التأسيسي للإتحاد الآشوري العالمي الذي أنعقد في منتصف شهر نيسان من عام 1968 في مدينة باو في فرنسا  ومن دون مشاركة أي من البطاركة وعدد كبير من الشخصيات التي وجهت الدعوة لهم، وبالتالي يمكن القول وبجزم بأن محاولة إشراك بطاركة كنيسة المشرق في تأسيس قيادة سياسية عالمية آشورية قد فشلت، لا بل ماتت وهي في مهدها، خاصة عندما نعرف بأن البطريرك مار شمعون إيشاي الذي كان اللاعب الأساسي والقائد "الأوحد" للحركة القومية الآشورية في الثلث الأول من القرن الماضي لم يعد مهتماً بالسياسة ولا بالتدخل في الشؤون القومية، وهذا ما سنأتي عليه في السطور القادمة.

تقييم دعوة تأسيس قيادة آشورية عالمية:
========================

ولو حاولنا تقييم فكرة وجهود الشخصيات والمنظمات التي بادرت بهذه الفكرة، نقول بأن قراءتها للعوامل الخارجية التي دفعتها لهذه المبادرة كانت صحيحة، غير إن فقر المعرفة أو ضعف الوعي بالعوامل الداخلية المتعلقة بشؤون أمتنا خاصة في العراق وبطبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين أجزاء كنيسة المشرق وبطاركتها وأيضا ببعض الشخصيات المدعوة للمشاركة في هذه القيادة كانت عوامل حجبت النور عن هذه الفكرة ولم تخطو خطوة واحدة غير تأسيس الإتحاد الآشوري العالمي ومن شخصيات لم تكن كما كان مقترحاً. لا ننكر بأن النية الطيبة والحماس القومي كإستجابة للوضع السياسي في تلك الفترة كان من وراء فكرة تأسيس القيادة الآشورية العالمية ولكن هذا الإندفاع والحماس غطى أو  تجاهل حقائق لم تكن ظاهرة لأصحاب الدعوة أو تم إستصغارها مقابل عظمة ومثالية الفكرة وبالتالي لم تظهر إلى النور كما كان مطلوباً لذلك فشلت محاولة إشراك بطاركة كنيسة المشرق في العمل السياسي بل فشلت الفكرة الأساسية برمتها. ويمكن إرجاع أسباب الفشل إلى مايلي:
 
1)-الشخصيات المدعوة للتأسيس والقيادة:
الشخصيات الكنسية:
 يظهر بشكل جلي جهل أو عدم معرفة اللجنة التحضيرية لطبيعة الشخصيات المدعوة للتأسيس، ربما لأسباب تتعلق بقلة المعلومات عن الكنائس وعن بطاركتها. وهذا يتجلى، على سبيل المثال، في كنية البطريرك مار شمعون إيشاي حيث أن كنيته حسب تقليد كنيسة المشرق هي قداستة  (His Holiness) وليس غبطتة  (His Beatitude) فهذه الكنية تطلق على المطارنة. والأنكى من هذا هو إدارج أسم المثلث الرحمات مار يوسف عمانوئيل الثاني بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ضمن المدعوين للتأسيس ومنحه منصب نائب رئيس للقيادة في الوقت الذي كان قد غادر إلى الأغدار السماوية في عام 1947 وكان المثلث الرحمات مار بولس الثاني شيخوا هو بطريرك الكنيسة في عام 1966 . نعتت اللجنة التحضيرية الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بالآشورية وهذا نموذج للفكر الآشوري القومي التقليدي في تأطير جميع كنائس المشرق بالتسمية الآشورية، كما يفعل حتى يومنا هذه بعض الآشوريين ومؤسساتهم. فالآشورية ليست التسمية الرسمية والواقعية للكنيسة فهي تسمية  بالأساس غير مقبولة لها. تجاهلوا من قائمتهم قداسة مار اغناطيوس ميخائيل تبوني (توفي عام 1968) الذي كان بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية في تلك الفترة وهو من الشخصيات الكنسية المعروفة في تاريخ كنيسة المشرق وأول كاردينال كاثوليكي من الشرق وكان مدافعاً قوياً عن أبناء شعبه لذلك أعتقلته السلطات العثمانية في حلب عندما كان مطرانا ولم يطلق سراحه إلا بعد حملة عالمية شارك فيها ملك النمسا في تلك الفترة. ذكروا قداسة بطريرك الكنيسة المارونية ولكن بسبب جهلهم لأسمه لم يذكروه ولكن منحوه منصب نائب رئيس للقيادة. كان مار بولس بطرس الثاني المعوشي هو بطريرك الكنيسة في تلك الفترة وأول بطريرك ماروني ينال لقب الكاردينال.
الشخصيات العلمانية:
أدرجت اللجنة التحضيرية العديد من الشخصيات العلمانية ولكن للإختصار ذكرنا سبعة منهم، ثلاثة منهم من الزعماء التقليدين، ماليك ياقو (المهجر – كندا) و ماليك يوسف (العراق) وماليك لوكو (سوريا) وأربعة منهم شخصيات سياسية وعلمية. فإذا كان بعضهم معروفين للقراء مثل كميل شمعون وديمتري أبن أغا بطرس فلا أعتقد بأن الآخرين معروفين خاصة بالنسبة للـ (أبرمين)، فالسيد أبرم دي كليتا كان نائب القنصل البريطاني في العراق غادرها إلى إنكلترا بعد ثورة 14 تموز عام 1958 وكان ملما بالأمور السياسية لذلك كان منصب مستشار سياسي للقيادة الآشورية العالمية ممنوحاً له، ولا ينكر بأنه رغم قلة نشاطه القومي في لندن إلا أنه بقى حتى آخر أيامه آشورياً قومياً فكان يحب أبناء شعبه ودائم الإرشاد والنصح للجيل الجديد. أما أبرم إسحق فكان بروفسوراً في الإقتصاد في جامعة أوكسفورد ومعروفاً على الساحة البريطانية وفي حينها قيل بأنه كان يساهم في إعداد الميزانية العامة للحكومة البريطانية. أصله من منطقة أورمي في أيران فعندما زرناه قبل عدة سنوات في بيته في مدينة أوكسفورد كانت هناك قطعة على المدخل الخارجي لبيته مكتوب عليها "أورميا"، لكن رغم كفاءته العلمية العالية وشهرته إلا أن مساهماته في المسائل القومية الآشورية لم تكن بمكان حتى تستحق الذكر، حتى أنه رفض ذات مرة دعوة النادي الآشوري في لندن لإلقاء محاضرة في النادي. لم تدرجه اللجنة التحضرية في قائمة القيادة الآشورية العالمية ومنحه منصب مستشار للشؤون العامة والأمم المتحدة إلا بسبب شهرته العلمية الواسعة. أما بالنسبة لماليك يوسف ماليك خوشابا (تصورا الشخص الوحيد من العراق من بين العشرين أسماء المقترحة والأمر برمته كان يتعلق بالوطن القومي للآشوريين في العراق حتى أن اللجنة التحضيرية لم تكن تعرف مكان إقامته ووظيفته)، كان ماليك يوسف يعيش في العراق وضابط متقاعد من الجيش العراقي برتبة عقيد وقد أدرج أسمه في قائمة القيادة ومنح منصب مستشار ميداني لا لكونه ملماً بالشؤون العسكرية فحسب بل في تلك الفترة كان المسؤول الأول عن أتباع الكنيسة الشرقية القديمة لأنه لم يكن لهم بطريركاً حتى عام 1968 حين تم إختيار مار توما درمو مطران الهند لكنيسة المشرق بطريركاً على الكنيسة الجديدة/القديمة لحين وفاته في عام 1969 ثم خلفه  قداسة مار ادي الثاني في عام 1970.

2)- تقليد التنظيم اليهودي العالمي:
من خلال القراءة المتمعنة في كتاب اللجنة التحضرية وبعض الوثائق التي أصدرتها بهذا الشأن نرى بأنها تحاول تقليد نموذج التنظيم اليهودي العالمي في تأسيس المنظمات العالمية التي لعبت دوراً فاعلاً في قيام دولة إسرائيل. فإذا كانت المقارنة تصح في البحوث العلمية مأخوذاً جميع العوامل الموضوعية والذاتية بنظر الإعتبار لكل أمة فأن التشبيه أو التقليد في البحث والدراسة أمر لايمكن أن يؤدي إلى نتائج مقبولة وذلك بسبب إختلاف ظروف كل أمة عن  الأخرى وتباين العوامل الموضوعية والذاتية. كان هناك عاملان أساسيان في نجاح التنظيم اليهود العالمي في مهمته لتأسيس دولة لليهود، وهما (1) -  الوعي القومي المتعمق والمتزاوج مع المعتقد الديني بضرورة تحقيق حلم اليهود التوراتي في قيام دولة إسرائيل و (2) – التمويل وتكريس كل الإمكانيات المادية في سبيل تفعيل التنظيم اليهودي وتحقيق الحلم التوراتي، وكلا العاملين لعبا الدور الأساسي والفاعل في التأثير على حكومات الدولة الكبرى وعلى الرأي العام فيها في تحقيق الحلم اليهودي. عاملان مهمان جداً وأساسيان لكل تنظيم يسعى لتحقيق هدف معين، وهما العاملان الغائبان عن مجتمعنا وسبباً في فشل أو تعثر تحقيق أي تنظيم قومي لهدفه، خاصة الهدف الأسمى في تأسيس كيان مستقل للأمة. فواقع أمتنا كان ولايزال يبين فقرنا المدقع في التمويل والإمكانيانت المادية، وحتى لو توفرت بحدودها الدنيا فأن تكريسها للمسألة القومية أمر غائب عن واقعنا القومي. أما بالنسبة لعامل الوعي القومي المتعمق والصحيح فإن التناقضات الطائفية والعشائرية والقريوية والصراعات الشخصية كلها عوامل غيبت الوعي القومي وشلت فعالية أي تنظيم قومي من تحقيق هدفه. وهذه التناقضات والصراعات كانت واضحة بين الأسماء المقترحة لتأسيس القيادة الآشورية العالمية، ولازالت مثل هذه التناقضات المستميتة تنخر في جسم أمتنا حتى يومنا هذا وتشل فاعلية تنظيماتنا وأحزابنا.         

3)- التناقضات الفكرية والصراعات الشخصية:

نظرة بسيطة إلى الأسماء المقترحة لتأسيس القيادة الآشورية العالمية والمناصب المقترحة لكل واحد منهم سيظهر على الفور عمق التناقضات الدينية والفكرية والصراعات الشخصية التي كانت سائدة بينهم. فمن الناحية الكنسية والدينية ليس منطقياً ولا مقبولاً إطلاقاً أن يكون بطريرك كنيسة المشرق "النسطورية" مار إيشاي شمعون رئيساً وقائداً وفي مستوى أعلى في التنظيم والقيادة من بقية بطاركة فروع كنيسة المشرق، خاصة عندما نعرف بأن هذه الكنيسة هي أصغر فرع من فروع كنيسة المشرق وكانت بالنسبة لهم كنيسة هرطقية. صحيح أن قيادة الحركة القومية الآشورية كانت قد أرتبطت بأسم البطريرك مار إيشاي شمعون خلال سنوات النصف الأول من القرن الماضي وعمل على هذا الأساس والصفة وهذا هو الذي دفع اللجنة التحضيرية على وضعه في قمة القيادة المقترحة إلا أنه من الملاحظ بأن آخر نشاط قومي قام بها البطريرك مار إيشاي شمعون كان عام 1945 عندما قدم بالتشارك مع الإتحاد القومي الآشوري في الولايات المتحدة طلباً إلى مؤتمر السلام العالمي المنعقد في مدينة سان فرنسيسكو عام 1945 طالباً ضمان حقوق الآشوريين في وطنهم التاريخي ثم طلباً آخر عام 1947 إلى هيئة الأمم المتحدة والخاص بالمذابح التي أرتكبت بحق الآشوريين عقب إنهيار جمهورية مهاباد الكردية في إذريبيجان الإيرانية، وبعد هذا التاريخ غاب عن الساحة القومية السياسية ولم يعد يهتم أو يتدخل في الأمور السياسية فأنكفأ نحو المسائل الكنيسة والدينية والشخصية، وهذا الأمر كان أكثر وضوحاً عند زيارته للعراق عام 1972 حيث رفض كل مخططات نظام البعث في العراق وتجنب التدخل في المسائل السياسية والقومية. فهذه المسائل السياسية والقومية التي كانت شغل الشاغل للبطريرك في الماضي لم تعد تعني له شيئاً لذلك رفض دعوة تأسيس القيادة الآشورية العالمية، كما أن مثل هذه المسائل لم تكن تعني أيضاً بشئ إلى بقية بطاركة فروع كنيسة المشرق. هذا ناهيك عن السيد كميل شمعون الذي كان ثاني رئيس للبنان وقائدا لحزب الوطنيين الأحرار، أحد الأحزاب القوية والفاعلة على الساحة اللبنانية الذي لايمكن أن نتصور ولا في حدود المنطق أن يقبل ليكون نائباً لشخص لاحول له ولا قوة وربما لم يسمع عنه إطلاقاً.

أما بالنسبة للتناقضات الفكرية والصراعات الشخصية التي كانت تتحكم في العلاقة القائمة بين الأسماء المقترحة للقيادة فهي كثيرة ولا يمكن إطلاقاً تصور قيام مثل هذه القيادة والتناقضات العميقة تتحكم في تفيكرهم وسلوكهم. فالبطريرك مار إيشاي شمعون وماليك ياقو من جهة و ماليك يوسف من جهة أخرى كانوا في صراع فكري وشخصي أن لم نقل عشائري في تلك الفترة من عام 1966، وهو الصراع المتوارث من السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى وتحديداً أثناء الحركة القومية الآشورية لعام 1933 والذي تداخل وتفاعل مع الإنقسام الكنسي في بداية الستينيات من القرن الماضي عقب تبني كنيسة المشرق للتقويم الغريغوري وتزعم ماليك يوسف التيار المناهض والذي بقى على التقويم الغريغوري ومن ثم ظهور الكنيسة الشرقية القديمة. أما بالنسبة لماليك لوكو شليمون زعيم عشيرة تخوما الذي كان حليفاً قوياً للبطريرك ولماليك ياقو أثناء حركة عام 1933 فأنه بعد رحيله إلى سوريا وما أعقب ذلك، خاصة في الأربعينيات من القرن الماضي من أزمات إقتصادية من جراء الجفاف وتلف المحاصيل الزراعية وظهور بوادر المجاعة بين أبناء شعبنا هناك ومن ثم طرح مشروع تهجريهم إلى البرازيل، وقع ماليك لوكو في خصام شديد مع البطريرك بخصوص هذا المشروع وتجلى ذلك في رسائله الذي أتهم البطريرك في كونه غير مبالي بشعبه المتذرع جوعاً في سوريا ووصفه بالدكتاتور لأنه رفض مشروع تهجير الآشوريين إلى البرازيل.

ضمن هذه التناقضات العميقة التي كانت سائدة بين الشخصيات المقترحة لتشكيل القيادة الآشورية العالمية لا تسمح لنا أن نتصور حتى في الخيال قيام مثل هذه القيادة التي كان يتطلبها وبالدرجة الأولى تفاهم وتعاون وتنسيق، وهي الأمور المهمة التي غابت عن اللجنة التحضرية وبالتالي فشلت الفكرة ولم ترى النور لحين قيام الإتحاد الآشوري العالمي وبشخصيات وفكرة مختلفة بعض الشيء، والتي سنأتي عليها في مناسبة أخرى. فالمثل الذي يقول "حسابات البيت تختلف عن حسابات البيدر" كان ينطبق على أعضاء اللجنة التحضرية وهو المثل الذي لا يزال ينطبق على الكثير من أبناء شعبنا وخاصة السياسيين منه.

خاتمة وإستنتاج:
==========

ليس من الصحيح في البحوث والدراسات العلمية أن يكون الإستنتاج واضح ومستنبط منذ البداية، كما هو الحال في موضوعنا هذا حيث من العنوان يظهر بأن إشراك بطاركة كنيسة المشرق في العمل السياسي هو عمل فاشل. ولكن أشارتي إلى هذا الفشل إبتداءاً من العنوان هو من باب التأكيد المتشدد على فشل مثل هذا الإشراك خاصة في عصرنا الحالي. كثيرا ما يحتج العلمانيون خاصة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية على ما يعتقدونه بأنه تدخل من رجال الكنيسة في الأمور السياسية حتى وأن كان تصريح أو رأي عن مسألة قومية معينة أو مباركة منهم لأحزابنا ومنظماتنا بالتوفيق والنجاح. والعكس صحيح أيضا فأن الكثير من رجال الكنيسة يعتقدون بأن بيان رأي مثقف أو كاتب من أبناء أمتنا رأيه في مسألة دينية أو كنيسة هو تدخل في شؤون الكنيسة. وإذا كنا قد أكدنا بفشل إقحام رجال الدين في العمل السياسي فأنه بالمقابل والتأكيد المشدد سيكون الفشل أيضا مصير أي تدخل من أحزابنا السياسية في الشؤون الكنسية لا بل نتائج هذا الفشل كثيراً ما تكون مهلكة وسلبية على طبيعة العلاقة العضوية التاريخية بين كنيستنا وأمتنا. والقصد من العلاقة العضوية هو أنه لايمكن لطرف أن يتواجد ويعيش إلا بتواجد وعيش الطرف الآخر من العلاقة. بعبارة أخرى لا يمكن لكنيستنا المشرقية بكل فروعها أن تتواجد وأن تستمر بدون تواجد وإستمرار أمتنا والسبب معروف وهو الإشتراك في مقومات وجود وإستمرار كل طرف من طرفي العلاقة. فكل ضرر وتعسف وظلم على طرف هو بالنتيجة ضرر وتعسف وظلم على الطرف الآخر، وهكذا أيضا فكل تقدم وإزدهار على طرف من طرفي المعادلة هو بالنتيجة تقدم وإزدهار على الطرف الآخر، هذه العلاقة العضوية يجب أن تكون في مقدمة تفكير وسلوك رجال أمتنا الكنسيين والعلمانيين وهي الأساس الذي يبنى عليه الإحترام المتبادل والعمل كل في حقله الخاص من دون تدخل من الآخرين. هذه العلاقة العضوية الترابطية بين الطرفين لا يعني إطلاقاً تداخل بعضهما بالبعض وإختلاط حدودهما ومن ثم فقدان طبيعة وجود كل طرف وخواصه الفكرية والرسالة التي يسعى لتحقيقها، فحال أمتنا في هذه العلاقة العضوية بين الطرفين هي شبيه بطبيعة الماء المتكونة من الأوكسين والهايدروجين العنصران اللذان يشاركان وبنسب معينة ومعروفة في تكونين الماء ولكن من دون فقدان خواصهما. نكتفي بهذا القدر لأن موضوع العلاقة بين الكينسة والأمة طويل جداً ومعقد وحالة قد تكون نادرة لا تكفي هذه الصفحات للتفصيل فيها، فأكتفي بالهمس في إذا أبناء شعبنا وتحديداً الكنسيين والسياسيين منهم، بأن أي تدخل في شؤون الطرف الآخر هو أمر محكوم بالفشل المحتوم وضررُ للأمة والكنيسة ويعرقل مسيرة الطرفين نحو تحقيق رسالتهما.
"ليس أحد أشد صمماً من أولئك الذين لا يريدون أن يسمعوا"




188
عندما يفلس التاجر يبحث في أوراقه القديمة ... د. حبيب تومي نموذجاً
=========================================
أبرم شبيرا
إفلاس الكاتب كإفلاس التاجر:
-----------------

في الحقيقة أقرأ كل الردود والإنتقادات التي ترد على المواضيع التي أكتبها مهما كانت خاصة تلك التي تختلف مع ما أكتبه، لأنني أعتبرها مهما كانت سلبية مصدر مهم للإلهام الفكري وتطويره وتحسين منهجي في الكتابة وتجاوز الإخطاء التي قد تعترض الهدف الذي أسعى إليه من وراء كتاباتي. لذلك أعتبرها نوع من "النقد البناء" لأنني أعتبر نفسي منفتحاً فكرياً  وبالتالي أستفاد من كل ما يكتب. من هذا المنطلق لا أصرف أي وقت في الرد عليها لأنني أخصص كل وقتي لتطوير أفكار ومنهجي في الكتابة خاصة وأن مثل هذا الوقت ثمين جداً لي لأن في معظمه وبحدود تسعة ساعات مكرس للعمل الذي هو مصدر رزقي ورزق عائلتي وهو الأمر الذي جردني من الحلم الذي كنت أحلم به في أن أكون كاتب أو باحث متفرغ. هذا من جانب، وهناك جانب آخر يفرض عليً أن أرد على البعض الذي يقحمني في مواضيع ليست لي بها أية صلة مباشرة، مواضيع بعيدة كل البعد عن الواقع والحقيقية مما يلزمي أدبياً أن أوضح الأمور ليس من باب النقد والتهجم بل من أجل توضيح وتفسير أمور غائبة عن الشخص المعني خاصة عندما لا يملك أي سند أو مصدر أو حقيقة عن الموضوع فيظل يدور في دائرة مفرغة ويحوم حول معلومات وتفسيرات وقصص أصبحت من زمن الماضي فيصبح حاله كحال التاجر الذي أفلس من جراء أعماله الفاشلة والخاسرة مما يضطر إلى اللجوء إلى دفاتره القديمة والبحث فيها لعل يجد ما ينقذه من ورطته ولكن من دون جدوى. ويعتبر كاتبنا د. حبييب تومي في معظم كتاباته خاصة في موضوعه الأخير المعنون (هل ساهمت زوعا بتفريق صفوف شعبنا؟) والمنشور في موقع عنكاوه بتاريخ 22/01/2014. وهنا تجدر الإشارة إلى أن عنوان الموضوع لا يمت بصلة بمتنه وهي الصفة التي تتصف بها معظم كتاباته مظهراً تخبطه وضياعه بين عنوان الموضوع ومتنه. وإذا كان هذا الموضوع قد أشبع نقداً وتوضيحاً وتصحيحاً من العديد من القراء ولم يعد هناك مجال آخر جديد غير أدلو بقلمي وأعرض ما خصني به وببعض المواضيع التي طرحها والتي فيها الكثير من المغالطات والتجني على الواقع والتاريخ.

أوراق د. حبيب تومي القديمة:
=================

معظم ما يكتبه يتركز على معاداته المستميتة لوحدة شعبنا والتسمية الأشورية وحتى للتسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الاشورية" وإصراره العنيد على تفريق شعبنا وتمزيقه معتمداً على أسس خاطئة ومفاهيم لا وجود لها إلا في ذهنه أو إهانته لأحزابنا السياسية خاصة الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) وجعلها شماعة لتعليق كل أعماله الفاشلة خاصة الإنتخابية منها وحتى لو واجه أي كلداني أو مؤسسة كلدانية أو الكنيسة الكلدانية أية مشكلة فليس سبب ذلك إلا زوعا والأحزاب الآشورية أو يونادم كنا، وهذا هو الذي يجعل من كل كتاباته أن تفقد مصداقيتها، فبأسلوبه هذا لا يضر نفسه فحسب بل يضر الكلدان أيضاً ويشوه أسمهم أكثر مما يفيدهم ومن خلال وضعهم في حقل معادي لبقية أخوتهم ليس من الآشوريين فحسب بل من الكلدان المتنورين والمدافعين عن كلدانيتهم وبأسلوب علمي ومقنع. يهاجم د.حبيب زوعا هجوماً وبأسلحة من غير بارود معتمداً على ذهنيته المتكلسة الغير القادرة على فهم السياسة والأمور المتعلقة بها. ويسند حروبه على ثلاثة مصادر أو دلائل لعنصرية زوعا وإقتتالها من أجل التسمية الآشورية المفردة.

أولاً: كتاب أبرم شبيرا:
لا أدري إذا يقبل د.حبيب إمتناني وشكري له لمنحه لي لقب "منظر الزوعا والفكر الآشوري" وهو فخر وشرف لي أن ألقب بهذا اللقب والذي طبعاً لا أستحقه وليس لي الحق في مثل هذا اللقب وأنا غير جدير به لأنه بعيد عن الواقع والحقيقة... والأنكى من كل هذا فأنه يجزم بأن أبرم شبيرا هو من المؤسسين الأوائل لحركة زوعا؟؟!!! ويظهر أن هذا الكرم الهائل في منحي هذه الألقاب السامية لهو أكثر بكثير مما يمنحني زوعا والذي لا يتجاوز كلمة "رابي" الشائعة الإستعمال في شمال الوطن مع (إستكان جاي) كلما أزور مقراتهم في الوطن.  بالله عليكم يا قراء ويا قيادة وأعضاء زوعا أين الحقيقة من هذا القول... سيدي العزيز يظهر أنك بعيد ... لا بل بعيد جداً عن زوعا ولا تعرف شيئاً عنها وأنت صاعد نازل (حدرا) بها... أخي العزيز... أنصحك أن تقراْ أولاً تاريخ تأسيس زوعا وهو متوفر في موقعه الألكتروني أو أن تطلبه، إذا تجرأت، من أحد أعضاءها وسوف تحصل على تفاصيل كاملة عن تأسيس زوعا والشباب الذين ساهموا في تأسيسها فإذا وجدت إسمي بينهم حينئذ سوف أعتذرك لك وأوافقك الرأي وأعترف بجهلي في شأن أحزابنا السياسية خاصة زوعا، ولكن مع هذا فأن لزوعا وغيرها من التنظيمات القومية لشعبنا لها مكانة خاصة في تفكري وإحترامي الكبير لهم وهذا لا يمنعني أن أنتقد ممارستهم الخاطئة فأنا أؤمن إيماناً قوياً بأن الأمة التي ليس لها أحزاب سياسية نشطة تكون إرادتها القومية مرهونة بل خاضعة لإرادة الأمم الأخرى، وهو موضوع سبق وأن كتبنا عنه كثيراً.

هذا من ناحية، في محاولة تهجم د. حبيب على زوعا من خلال إتهامه لها بالعنصرية والتمسك بالتسمية الآشورية يعتبرني مصدراً أساساً في دعم إتهامه هذا معتمداً على ما ذكرته في كتابي المعنون "الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة في العقلية العراقية تجاه الأقليات"، ويصفه من باب التصغير بـ "الكراس" في الوقت الذي هو كتاب يقع في 112 صحفة من القطع الكبيرة ونشرته دار الساقي في بيروت ولندن عام 2001 وهي أكبر وأوسع دار للطباعة والنشر في الشرق الأوسط تهتم بشؤون شعوب وتراث هذه المنطقة. فالكتاب هو دراسة موضوعية معتمدة على مراجع مهمة وأساسية في الموضوع، فلو كان كراساً كما تقول لما نشرته هذه الدار المشهورة ولا كان له مكاناً في بعض المكتبات في بيروت وفي شارع أجوير في قلب لندن ولا في بعض المعارض الدولية للكتاب مثل الشارقة  والقاهرة وبيروت، ولعلمك لا زالت هذه الدار تتصل بي وتطلب مني المزيد من البحوث لنشرها.  صحيح هو ما ورد في هذا الكتاب من إشارة إلى التسمية الآشورية ولكن هذه التسمية لم ترد إعتباطاً ونحن نتكلم عن زمن عمره أكثر من عقد ونيف. إستاذنا الفاضل، يظهر بأنه لا تعرف حتى أبجدية السياسة التي هي  فكر وممارسة وبهذه الممارسة يتطور الفكر عبر مراحل زمنية فإذا لم يتطور يصبح دوغما وفكر جامد لا مكان له على الواقع. وكما نحن نعرف أيضا بأن السياسية هي فن الممكن. وهذا الممكن لا وجود له في الخيال والذهن  بل في الواقع المنظور إليه بحالة حركة وتطور فمن المفروض أن تكون هذه المفاهيم معلومات أولية وإبتدائية لك لأنها جزء من الفلسفة الماركسية وأنت كنت شيوعياً يجب أن تكون ملماً بها ولكن يظهر، بالرغم من تاريخك الماركسي الشيوعي، بأنك لم تطلع عليها ولا تعرف عنها شيئاً. 

قبل عام 2003 من كان يجرأ أن يقحم أسم الكلدان في السياسية القومية أو تضمين التسمية الكلدانية كقومية في الفكر القومي ؟؟؟ كم حزب سياسي كلداني كان موجوداً قبل تلك السنة؟؟؟ وهل يستوجب أن نشير إلى إحصاء نفوس العراق لعام 1977 عندما كتبوا معظم الكلدان "عربي أو كردي" في حقل القومية في إستمارة الإحصاء وأولهم بعض من إقربائي الذين كنت ألح عليهم أن يكتبون كلدان أو الناطقين بالسريانية وليس أثوري،  ولكن كان ردهم "خلينا مستورين على خبزنا". واقع الحال في تلك الفترة كان يفرض على كل إنسان وكاتب موضوعي أن يتناول التسمية الكلدانية كما كانت معروفة كتسمية طائفية بل كان عليه إحترامها كما هي وكما كان يرغب أتباعها أن توصف ومن دون "توريطها" في السياسة. يؤسفني أن أقول يا إستاذنا الكريم بأن أعتمادك على أفكار ومفاهيم طرحت قبل أكثر من عقد ونيف وضمن ظروف مختلفة وتحاول معاملتها وسحبها إلى واقع الحال في هذا الزمن وضمن ظروف أخرى مختلفة هو نوع من التكلس الفكري أن لم نقل رجعي ويظهر بأنك لم تعد تعرف شيئاً من هذا الواقع لذلك تحاول أن ترجع إلى الماضي وتبحث ما يسعفك من الأوراق القديمة. الكلدان يشكلون الأكثرية من أبناء شعبنا واليوم هناك فكر قومي كلداني وأحزاب سياسية كلدانية فالجاهل وحده ينكر مثل هذا الواقع الذي يفرض قوته على تفكرينا ونعتبره كل الإعتبار في عقولنا وكتاباتنا وسلوكنا ونجد تأطير لهذا الواقع بالتسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الأشورية" طرحاً مقبولاً للجميع. في عملية إحصاء لعام 2000 كنت من أشد المعارضين للتسمية المركبة التي أعتمدتها السلطات الأمريكية أشوري/كلداني/ سرياني لحقل الأثنية بعدما كان هذا الحقل تحت مسمى آشوري فقط في الأحصاء السابق لعام 2000 حيث كانت الكلدانية والسريانية ضمن الحقل الآشوري وكان رواد ومتحمسوا هذه التسمية المركبة الكثير أو معظمهم من  الكلدان في الولايات المتحدة وفي مقدمتهم نيافة المطران مار سرهد جمو. ولكن الواقع تغير بعد أكثر من عقد من الزمن وعلى ألإنسان الواعي والمتطور أن يعي هذا الواقع ويتغير معه فأصبح هذا الواقع معروفاً للجميع حيث ربحتُ شخصياً مع الكثير من أبناء شعبنا المتنورين خطوتين إلى الأمام بتبني التسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية" في حين خسر الآخرون خطوتين وتارجعوا نحو التسمية المفردة "الكلدانية" وتقوقعوا فيها.

 البعض ينبذ التسمية الوحدوية ويرفضونها ولكن الإنتخابات البرلمانية في المركز والإقليم التي أفرزت فوز الأحزاب السياسية المتبنية للتسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية أكثر من مرة وهزيمة الأحزاب المتبنية للتسمية المفردة الكلدانية أو الآشورية أكثر من مرة لهو دليل قاطع على قبول شعبنا لهذه التسمية الوحدوية ونحن نعرف بأن هذه الإنتخابات هي المعيار الوحيد المتوفر حالياً في العراق في معرفة شعبية أحزابنا سواء قبلنا ذلك أم رفضنا فهذا لا يغير من الواقع شيئاً... أنا أقول بكل صراحة وبفخر وإعتزاء مثلما كنت أقرأ الواقع قبل عقد من الزمن ونيف وأستخدم التسمية الآشورية فإنني بنفس الصراحة وبنفس الفخر والإعتزاز وربما أكثر إنني أقرأ واقع اليوم وأستخدم التسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية" فهذه التسمية هي إغناء قومي وفكري وحضاري أما التسميات المفردة فهي إفقار بكل معنى الكلمة. إنني أعيش في قلب هذا الواقع ولكن أنت يا حبيبنا العزيز تعيش في خارجه وبعيد جداً عنه تعيش في الماضي إن كان لك فكر ماضي له صلة بفكر كلدانيتك الذي تطرحه اليوم. أن الإنتقال من التسمية المفردة (الآشورية أو الكلدانية أو السريانية) إلى التسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية" هو إنتقال داخل الحدود التي تحدد وجود أمتنا ضمن مقوماتها القومية المعروفة وهو ونوع من التطور وإستيعاب الواقع، أما الإنتقال والتحول من أيديولوجية ماركسية شيوعية إلى التطرف القومي الضيق مقرونً بالطائفية المقية فهو أمر قد يوصف بالإنتهازية.


ثانياً:عنصرية زوعا وآشوريتها:
ليست بمحامي دفاع عن زوعا فغيري من أعضاء زوعا ومؤيديها أكفئ مني بكثير للقيام بهذه المهمة، ولكن لغرض أستبيان الجوانب العلمية والموضوعية في دراسة زوعا كنموذج جيد للحزب السياسي ألزمني للكتابة في الموضوع الذي يظهر فيه وبشكل جلي بأن أستاذنا الكريم د. حبيب يجهل جهلاً مطبقاً مفاهيم كثير في السياسة والفكر ورغم ذلك فهو يورط نفسه فيها بإجتراره للقديم والتخبط فيه وبالتالي يصبح حاله كحال من ينطمس في رمال متحركة فيزداد إنطماسه كلما تخبط في حركاته محاولاً الخروج منها. فمن أكثر الأمور إستغراباً هو أنه يحاول أن يفرق بين مفهوم الحركة ومفهوم الحزب بقوله بأن زوعا بدأت أولاً كحركة ثم تحولت إلى حزب. غير أنه في أبسط مفاهيم علم السياسة التي يجهلها د. حبيب لا يوجد مثل هذا التفريق. فالحزب السياسي مهما كانت تسميته حزب أو حركة أو منظمة أو عصبة، أو جبهة أو حتى جمعية ونادي ومجلس فأن معرفته لا تتم من حيث الأسم والممارسة بل من حيث المقومات المكونه له. فـ (1) عدد من أفراد و (2) فكر أو أيديولوجيا و (3) نظام داخلي و (4) وهو الأهم: السعي للوصول إلى السلطة لتحقيق الأهداف فهذه هي المقومات أو الأركان الأساسية التي تجعل من أي تنظيم أن يكون حزباً سياسياً بغنى عن تسميته. وتاريخ زوعا يبين بأنه تأسس من إندماج عدد من المنظمات والمجموعات الشبابية التي كانت هي بحد ذاتها تشكل حزب بالمفهوم العلمي له.  كما أن الحزب ليس الغاية أو الهدف بحد ذاتيه بل هو وسيلة أو أداة لتحقيق الأهداف لهذا السبب ليس بالضرورة أن يكون أسم الحزب مطابقاً للأهداف التي يعمل من أجلها... فالحزب الشيوعي العراق، الذي من المفروض أن تكون أنت سيد العارفين عنه، ليس هدفه خدمة الشيوعيين العراقيين فقط بل كل العراقيين. وحزب العمال البريطاني لا يعمل من أجل العمال فحسب بل للبريطانيين جمعياً، وهكذا الحال مع بقية الأحزاب السياسية في العالم ومنهم زوعا. 
فعلى الرغم من تسميته بـ "الحركة الديموقراطية الآشورية" فأن هدفه هو العمل لصالح جميع أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآِشوري وليس للآشوريين فقط وهو الواضح وبشكل جلي في جميع أدبياته الحديثة. ويظهر من سطحية تفكير د. حبيب تومي في التاريخ إصراره على كون هذه التسمية عنصرية غير أن الكثير من علماء الأثار والتاريخ وعلم الآشوريات أثبتوا بالدليل القاطع بأن الآشوريين لم يكونوا يشكلون عنصراً أو عرقاً مستقلاً بحد ذاته بل أن تسميتهم الآشورية هي تسمية حضارية مرتبطة بتاريخ حضارة بلاد مابين النهرين، وهي الحضارة التي كانت تشمل عدد من الشعوب والأعراق، ونظرة بسيطة إلى أدبيات زوعا سوف نعرف كتفية أستقاق وجود أمتنا من الحضارات التي ولدت في بلاد مابين النهرين. فعنصرية التسمية "الآشورية" عند الدكتور حبيب تذكرني عندما كان رجال الأمن وأزلام البعث يحاربون النادي الثقافي الآثوري في بغداد (1970 – 1980) بحجة كونه يستخدم مصطلحات عنصرية كـ "الآثوري". شخصياً عندما كنت عضواً في هيئته الإدارية تم إستدعائي مع أثنين من أعضاء الهيئة الإدارية إلى دائرة الأمن وتوجيه تهمة العنصرية إلى النادي طالباً حذف كل كلمة "آثوري" الواردة في النظام الداخلي للنادي لأنها كلمة عنصرية وعندما عرضنا عليهم النظام الداخلي فلم يجد فيه أي كلمة "آثوري" بل وجد بأن أهداف النادي المدرج فيه تشمل ثقافة وفنون جميع العراقيين فإنحرج موقفه ثم لجأ إلى أسم النادي قائلاً: أليس أسم النادي آثوري فيجب إلغاء هذا الأسم من النادي وطبعاً رفضنا ذلك حيث عاش النادي ومات بنفس الأسم. أشك في أن د. حبيب تعلم منهم هذا الأسلوب في نعت الآشورية بالعنصرية لكونه شيوعياً في تلك الفترة وأيديولوجيته مغايره لأيديولوجية البعث، ولكن تواتر الخواطر والأفكار ممكن دائماً خاصة في تلك الفترة التي كان الشيوعيون  في غرام سياسي مع حزب البعث العراقي ويتبادلون القُبل ضمن جبهتهم المشؤومة في بداية السبعينيات من القرن الماضي.

يتهم د. حبيب زوعا بكونه مخترع التسمية المركبة "كلدو أشوري" ثم "الكلدان السريان الآشوريين" في مؤتمر بغداد لعام 2003، وهذا قمة الجهل في التاريخ القومي السياسي لأمتنا. فصفحات هذا التاريخ تبين بأن رواد الفكر القومي الوحدوي والذين كانوا معظهم من أتباع الكنيسة السريانية الأرثذوكسية كانوا من أوائل من أستخدموا التسمية المركبة لأمتنا أمثال نعوم فائق وفريد نزها وغيرهم كثر فكانوا في كثير من الأحيان يطلقون عليها الأمة السريانية الآشورية الكلدانية البابلية الأرامية وهي أطول بكثير من التسمية الثلاثية المستخدمة في أيامنا هذه ولكن كل هذا لم يفرقوا بين هذا الجزء من الأمة عن ذاك بل كانوا مناضلين في سبيل وحدة الأمة وماتوا من أجلها. وفي خضم النضال القومي من أجل تقرير المصير عقب الحرب العاليمة الأولى كانا الجنرال أغا بطرس وماليك قمبر ماليك بنيامين وهما من أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية يستخدمون التسمية المركبة لأمتنا مثل كلدو وآشور أو آثور وكان مقاتليهم يقاتلون تحت هذه التسمية. وهناك العشرات من الكتاب من الكلدان والسريان والآشوريين أستخدموا هذه التسمية المركبة في كتاباتهم سواء فرقوا التسمية المركبة بحرف الواو أو بدونها ولكن كل إشاراتهم لهذه التسمية كانت إشارة إلى شعبنا كأمة واحدة. أن السياسي والقومي والمتفحص في تاريخنا القومي يدرك على الفور بأن الغرض من هذه التسمية المركبة ليس خلق أمة جديدة، كما يتوهم البعض، بل كان بالأساس وفي ظروف عصيبة وصعبة للغاية حشد جماهيري وجمع طاقات الأمة بمختلف طوائفها وأقسامها في وحدة واحدة وكسبيل لتحقيق الأهداف المنشودة وحقوق الأمة. هكذا جاءت التسمية المركبة "الكلدانية السريانية الآشورية" في عام 2003 كتسمية توحيدية بهدف حشد الجماهير وتجميع طاقات الأمة كوسيلة لضمان حقوقها خلال الإرهاصات التي أعقبت هذا العام ولازالت هذه الإرهاصات ونتائجها المدمرة في تصاعد مستمر والتي يتطلبها بالمقابل حشداً جماهيرياً لجميع إمكانيات وطاقات أبناء شعبنا في وحدة واحدة ضامنة لحقوقنا القومية في الوطن وليس بالتشتيث وتقسيم الأمة في وحدات صغيرة غير قابلة للإستمرار والتعايش مع الوضع السياسي الحالي.       

أن زوعا كحزب سياسي يصلح للدراسة والتحليل والنقد أيضا كنموذج لأحزابنا السياسية في مجتمعنا وبهذه الصفة فهو يمتلك مقومات التطور وقد سبق وأن فسرنا تطوره هذا في مناسبات سابقة وبمفهوم (خطوتان للأمام وخطوة للوراء) وفي ظروف معينة وقاسية وإستثنانية قد ينقلب هذا المفهوم ليصبح (خطوتان إلى الوراء وخطوة إلى الأمام) ولكن في كلا الحالتين فأن حركته كحزب يمتلك عنصر التطور، وهو الظاهر في منهاجه السياسي ونظامه الداخلي عن كيفية تطوره من حيث التسمية المفردة "الآشورية" إلى التسمية الموحدة "الكلدانية السريانية الآِشورية" وهو نفس التطور القائم على فهم الواقع المتطور والذي سبق الإشارة إليه في أعلاه ولا يستوجب التفصيل فيه حيث قام الأخ يوسف شكوانا بهذه المهمة وبشكله المفصل والشامل في رده على مقالة د. حبيب موضوع البحث والذي نشر أيضا في موقع عنكاوه، لم يبقى هنا فيما يخص زوعا وإتهامه بالعنصرية إلا أن أشير إلى موضوع نقد زوعا وإدعاء د. حبيب برفض ومحاربة زوعا لمنتقديها وهو الموضوع الذي خصني بشكل غير مباشر لأنني كثيرا أنتقد زوعا فالمعروض في وسائل الأعلام بهذا الشأن قليل جداً بالنسبة لما أكتبه إليهم مباشرة أو أثناء مقابلتي مع قادتها فصداقتي معهم لم تمنعني أبداً من الإستمرار في النقد وفي بعض الأحيان نقد لاذع وصميمي ولكن في كل الأحوال الحقيقة تقال سواء قبلناها أم لا فإني شخصياً لم أجد أي محاربة من قبل زوعا بسبب إنتقادي لها بل على العكس من هذا تماماً، فعندما أتواجد في الوطن أزور يومياً مقرات زوعا ولا ألقى منهم غير الترحيب الحار والإحترام اللائم أبتدءاً من قمة قيادتها حتى أسفل قاعدتها ولكن هذا لا ينفي إطلاقاً بأن يكون عضو في زوعا أو في قيادتها شحيح الفكر وضيق التفكير فلا يقبل النقد، ولكن برأي تبقى هذه المسألة شخصية صرفة متعلقة بالفرد نفسه وليس بزوعا كحزب سياسي. وأخير، وحتى نكون أكثر علمية وموضوعية في شأن الأحزاب السياسية، يجب علينا أن نفرق بين الحزب السياسي وقيادته... فالقيادة كأعضاء متقدمين في الحزب هم جزء من الحزب وليسوا كله، فالدراسة العلمية تشمل الحزب وكل مقوماته ونشاطه وإنجازاته وليس جزءاً منه كالقيادة. وعندما تيشخصن الحزب بشخصية القائد أو عدد معين من أعضاء القيادة ويصبحون هم الحزب عندذاك يكون لنا أمر آخر ودراسة أخرى لسنا بصددها هنا، وقد سبق وأن فصلنا عنها في مناسبات سابقة.

ثالثا: المناضل توما توماس وحصار ألقوش 1933:        
لم يستطيع كائن من كان وحتى المجرم صدام حسين أن ينكر بأن المرحوم توما توماس (أبو جوزيف) كان مناضلا صنديداً صلباً قضى شبابه وشيبه حتى مماته شيوعياً مخلصاً لمبادئه وأميناً للحزب الذي أنتمى إليه. وعندما يتعرض د. حبيب إلى مواقفه تجاه شعبنا فأنه لا ينصفه كاملاً بل يحاول أن يضفي على مواقفه نوع من الطائفية مظهراً كانه كان كلدانياً طائفياً ويعادي الآشورية وأحزابها السياسية خاصة زوعا. صحيح هو ما ذكره المناضل أبو جوزيف عندما قال: "لايمكن تبدل أسم الكلدان بجرة قلم إلى آشوريين كما يحلو للأخوة الآشوريين" وهو أمر مرفوض بالتمام والكمال ولكن لنعلم ليس كل الآشوريين فالمتعصبين منهم والمتخلفين منهم فقط يحلو لهم ذلك. ففي التسعينيات من القرن  الماضي وفي كل زيارة إلى دمشق كنت أجتمع مع المناضل أبو جزيف في مقر زوعا وبحضور المناضل الشيوعي الآخر المرحوم سليمان يوسف (أبو عامل) وكان كل أحاديثنا على تشكيل هيكلية أو منظمة من عدد من نخبة مثقفي أمتنا غير الحزبيين ومن جميع الأقسام والطوائف لغرض السعي لتوحيد الأمة، ولم أجد لا فيه ولا في أبو عامل أي نوع من أفكار وتوجهات للتفرقة بين الكلدان والآشوريين والسريان بل كانوا من الأنصار المتحمسين لوحدة شعبنا وتحت تسمية جامعة ومشتركة ولكن مع الأسف الشديد حالت المنية دون تحقيق كلا البطلين أحلامهم.

أما بالنسبة لحصار الجيش العراقي لقصبة ألقوش في صيف عام 1933 بعد لجوء الآشوريون النساطرة إليها طلباً للحماية ووقوف أبناء ألقوش الأبطال سداً منيعاً أمام الجيش العراقي ورفضهم لتهديده في تدمير ألقوش بالمدافع في حال عدم تسليم الآشوريين اللاجئين إليها، فهذه الملحمة البطولية لأبناء ألقوش تعتبر من أكثر أوراق د. حبيب تكراراً وقدماً لا بل مع الأسف الشديد بتناولها أفقد مغزاها البطولي والقومي الرابط بين الآشوريين النساطرة وأبناء ألقوش لدرجة التسفيه والتبسيط. فهو يرى بأن لجوء الآشوريين إلى ألقوش وطلب الحماية ووقوف أبناء ألقوش وقفة البطولة إلى جانبهم كان بسبب وجود رابطة مسيحية دينية بينهما في الوقت الذي نعرف بأن هناك وفي نفس المنطقة عشرات من القرى المسيحية الكلدانية لم يلجاً إليها الآشوريون طلباً للحماية. سيدي العزيز، سمعت هذه الملحمة من جدتي الألقوشية التي ولدت قبل الحرب الكونية الأولى وعاشت أكثر من مائة عام ومات في السبعينيات القرن الماضي فكانت تروي لنا هذه الملحمة التي عايشت أحداثها بموضوعية أكثر من روايتك. أن صمود أبناء ألقوش لم يكن بسبب الرابطة الدينية وبغرض حماية المسيحيين فحسب بل كان نوع من رد الجميل للأشوريين النساطرة من قبل أبناء ألقوش الأبطال. ففي بداية العشرينيات من القرن الماضي كان الحاكم العثماني صقيلي يفتك بأبناء وبنات ألقوش وعندما سمع بعض من القوات الآشورية المنتسبة للجيش المعروف بـ "الليفي" بجرائم هذا المجرم تقدموا إلى ألقوش وقبضوا عليه وقتلوه شر قتلة ويقال، حسب رواية جدتي، بأنه ربطوه من رجليه بالحبل وهو حي وسحلوه إلى أعلى جبل ألقوش ثم دحرجوه من هناك إلى أسفله ثم سحلوه مرة أخرى إلى الجبل ودحرجوه من هناك إلى أسفله، وهكذا حتى أصبح كتلة حمراء من اللحم والعظام. فعندما أشدت الأزمة وقاربت هلاك الآشوريين النساطرة وهم في عهدة وحماية أبناء ألقوش الأبطال عام  1933 هبوا ليدافعوا عنهم رغم المخاطر والنتائج المهلكة التي كانت تنتظره فردوا الجميل كما يفعل الرجال الشجعان والشرفاء.

أكتفي بهذا القدر وأختم هذه السطور بالهمس في أذان د. حبيب تومي وأقول له بأنني لم أتجاهل ولم أقلل من كنيته العلمية بوصفه دكتور ولا يهمني فيما إذا كانت شهادتة في الدكتوراه من سوق مريدي أو من جامعة هارفرد ولكن الذي أريد أن أقوله هو أن الشهادة العلمية خاصة العليا منها التي تؤهل حاملها أن يوصف بالدكتور ويضع حرف (د) أمام أسمه ليس للمهاترات وتجاهل الحقائق التاريخية وتغييب الموضوعية من الواقع والحقيقة بل أن مثل هذه الشهادة هي مسؤولية علمية وإخلاقية في البحث الرصين والدراسة الموضوعية لمسائل في الحياة والمجتمع وتكريسها لخير جميع الناس، وحبذا لو كانت شهادتك بهذه الصفات وتسير على نفس الخطى الذي يسيرون عليه أبناء الكلدان الأصلاء أمثال د. ليون برخو ود. عبدالله رابي، وغيرهم كثر الذين يحملون شهادات علمية حقيقية ويخدمون جميع أبناء أمتنا من خلال خدمتهم لكلدانتهم... صدق المثل القائل: "الإناء ينضح بما فيه".   


189
تشكيل القوات المسلحة لشعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"
بين النزعة الحزبية والمصلحة القومية

============================================
أبرم شبيرا
الأحزاب وتشكيل القوات المسلحة:
==================

أعلن أكثر من حزب من أحزابنا السياسية "الكلدانية السريانية الآشورية" تشكيل قوات مسلحة لغرض "تحرير" وحماية الأراضي التي أحتلتها المنظمة الإرهابية (داعش) وهجرت شعبنا منها إلى المناطق الشمالية الأكثر أمنا. ويظهر على الساحة السياسية القومية بأن الأحزاب الرئسية كالحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) والحزب الوطني الآشوري (أترنايا) والتحالف القائم بين إتحاد بيت نهرين الوطني وحزب بيت نهرين الديموقراطي (تحالف) وكل على حد وبدون تنسيق بينهم شكلوا قواتهم الخاصة بهم ودعا كل جانب منهم أبناء شعبنا إلى التطوع فيها. هذا من جانب الأحزاب السياسية أما من جانب شعبنا فإن العديد من كتابنا ومثقفيها أبدوا خشية وقلقاً وتخوفاً من تشكيل هذه القوات بسبب إفتقارها إلى المقومات الضرورية والمطلوبة للقيام بواجباتها العسكرية كمصادر التسليح والتمويل والتدريب والمعلومات الإستخباراتية. وذهب البعض الآخر إلى إتهام هذه الأحزاب بإستخدام موضوع تشكيل القوات المسلحة لأغراض الإستهلاك السياسي والدعاية الحزبية وإعتباره كرد فعل للشلل الذي تعانية وإنعدام قدرتها على المواجهة الحقيقية للتحديات الماحقة التي تحيط بأبناء شعبنا، لا بل كان تخوف البعض الآخر أكثر بكثير حيث ذهب أبعد من هذا إلى وضع أحتمال المواجهة المسلحة بين هذه القوات أو تورطها في صدامات جانبية سيؤدي ذلك إلى تعميق الجروح وتعظيم الكارثة التي يواجهها شعبنا حالياً خاصة وأن هناك تجاذبات سياسية نحو القوى السياسية والحزبية والحكومية (بغداد وأربيل) المهيمنة على الساحة السياسية أو محاول تأطيرها ضمن الأطار الحكومي أو الحزبي سواء أكان ذلك في المركز أو في الإقليم. على أن هذا لا ينفي وجود بعض من كتابنا ومثقفينا المنتمين لهذه الأحزاب أو الموالين لها في تأييد مبادرة تشكيل القوات المسلحة الخاصة بشعبنا كسبيل لأثبات وجودنا في العملية العسكرية الهادفة إلى تحرير أراض شعبنا من المنظمة الإرهابية وتوفير الحماية الأمنية اللازمة لها بعد تحريرها.
دعوات للتنسيق العسكري:
===============

من الملاحظ، رغم الصفة الحزبية لكل تشكيل عسكري التي شكتلها أحزابنا السياسية، فإن كل واحد منهم دعا في نفس الوقت أو أظهر "إستعداده الكامل للتنسيق والتعاون مع الجميع لتوحيد الصفوف من أجل ضم جميع القوات العسكرية وتأسيس قوة عسكرية موحدة خاصة بأبناء شعبنا ضمن السياقات القانونية"، وهذا ما جاء في بيان قيادة قوات سهل نينوى التابعة للتحالف الصادر بتاريخ 14 كانون الثاني 2015.. وزوعا أيضا لم يخفي " إستعداده للتنسيق مع القوات العسكرية المتواجدة في سهل نينوى والتعاون من أجل تحرير هذه المناطق وعودة أهلنا المشردين إلى مساكنهم وأراضيهم وإعادة الحياة إليها، بما يضمن توليهم مسؤولية الإدارة الذاتية ..."  (أعلان تشكيل وحدات حماية سهل نينوى الصادر من قبل لجنة الجهد العسكري التابعة للحركة الديموقراطية الآشورية 25 تشرين الثاني 2014). والحال أيضا لم يختلف مع أترانايا، الذي كان أول من بادر إلى تشكيل قوات مسلحة، فيما يخص دعوته للتنسيق والتعاون مع غيره من القوات المسلحة التي شكلتها الأحزاب السياسية. ثم جاء صديقنا المخضرم الكاتب الكبير خوشابا ومن منطلق قومي شامل لا تحزبي في مقالته المعنونة "دويخ نوشي والواجب القومي لتنظيمات أمتنا لتحرير الأرض والإنسان" ليلمل هذه الدعوات ويختصرها في تأكيده على ضرورة عدم ربط القوة العسكرية  بهوية حزبية سياسية لكيان سياسي بعينه أو هوية مذهبية لمذهب معين لأي مكون ، بل أن تكون هويتها قومية خالصة... ويكون ذلك معياراً في اختبار مدى مصداقية وجدية نوايا ومقاصد أحزابنا السياسية التي شكلت مثل هذه القوات". هكذا وعلى نفس المنوال جاءت دعوات بعض كتابنا ومفكرينا في ضرورة "قومنة" هذه الإجزاء المسلحة في وحدة قومية واحدة وكوسيلة لإكتساب تشكيل هذه القوات مصداقية وثقة لدى أبناء شعبنا. وجاء ت مثل هذه الوحدة الشاملة للقوات المسلحة في البلاغ الصادر من قيادة كيان أبناء النهرين بتاريخ 9 كانون الثاني الذي دعا إلى "الإسراع بتشكيل هيئة سياسية عليا تضم ممثلين عن أكبر عدد ممكن من أحزاب وفعاليات شعبنا السياسية العاملة في الوطن، تتولى مسؤولية تأسيس مجلس عسكري من الاختصاصيين يكلف بمهمة تشكيل قوات عسكرية نظامية من أبناء شعبنا للمشاركة في تحرير ومن ثم حماية قرى وقصبات شعبنا في سهل نينوى بالتعاون والتنسيق مع القيادة العسكرية الموجودة في المنطقة، ولمسك الأرض فيما بعد. ... وبغير ذلك فإن أية صيغة أخرى لهكذا قوات لن تعدو أن تكون إلا أداة لمشاريع حزبية تنافسية على الصعيد الداخلي، وأداة لتنفيذ أجندات ومصالح من خارج الإطار القومي، مع إمكانية تحولها لأداة مضافة في مصادرة قرارنا المستقل والاستمرار في إفقاد شعبنا الثقة بضمان حقوقه واحترام إرادته الحرة القائمة على قاعدة الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة بين المكونات".

وقبل أن نعلق على هذه الدعوات التوحيدية، أولاً وقبل كل شيء على القارئ اللبيب أن يلاحظ بأن إشارتنا إلى أحزابنا السياسية "الكلدانية السريانية الآشورية" هي إشارة بصغة الجمع والتملك المربوطة بـ (نا) بعد كلمة الأحزاب للدلالة والتأكيد على أعتبار هذه الأحزاب هي أحزابنا، أحزاب أمتنا، مهما كان موقفنا معها ومهما كان فشلها ونجاحها فإن واجبنا القومي يفرض علينا تقديرها وإحترامها ليس بالتملق والمديح الأعمى لها بل بتقييمها موضوعياً والبحث عن سلبياتها وإيجابياتها وبيان ما هو الأصلح لها لأن مثل هذا التقيم لايضر أحزابنا السياسية بل سييسر مهمتها الشاقة وبالتالي يسهل عليها السير وبخطوات ثابتة وراسخة نحو تحقيق أهداف أمتنا. من هذا المنطلق سيأتي تقييمنا لدعوات أحزابنا السياسية نحو التنسيق والتعاون بين القوات العسكرية التي شكلتها أو نحو تشكيل مجلس عسكري قومي لجميع التشكيلات العسكرية الحزبية أو نحو أبعاد صفتها الحزبية وتضمينها في إطار قومي بعيداً عن التحزب ومن ثم معرفة مدى قدرتها على توفير حد أدنى من المصداقية لدى أبناء شعبنا لتكون قوات عسكرية قومية مقبولة ومدعومة من قبل الجميع. وحتى نعرف هذه حقيقة ومصداقية هذه الدعوات ومدى جديتها وواقعيتها، اي القابلية على تطبيقها على أرض الواقع، علينا أن لا نغفل واقع وحقيقة أحزابنا السياسية من حيث عملها القومي والتعاون أو التنسيق القائم بينهم خارج نطاق التعاون والتنسيق العسكري. فهذا الواقع لا يبشر أمره بالخير، فالإشارة إليه يعد من باب الأطناب  والتكرار لأنه معروف تقريباً لجميع أبناء شعبنا المهتمين بشؤونه القومية أو غيرهم ولكن مع هذا أوكد وأقول بأن الواقع يبين وبكل وضوح بأنه من الصعب جداً أن لم نقل المستحيل أن نجد تعاون وتنسيق مثمر وجاد بين أحزابنا السياسية في الأمور الإعتيادية والبسيطة جداً فكيف نتصور أن يكون هناك تعاون وتنسيق، ولا نقول توحيد، في الأمور العسكرية الأكثر حساسية والأكثر تعقيداً وإرتباطاً بمصير ومستقبل شعبنا المطرود من أرضه.

وحتى نكون أكثر واقعية وإثباتاً لما ذهبنا إليه في أعلاه، فنظرة واحدة إلى واقع ووجود ونشاط تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية (تجمع) قد يكفي لأثبات ذلك. فالكيانات التي شكلت قوات مسلحة (زوعا وأترنايا والتحالف) هم أعضاء رئيسيين في التجمع والجميع يعرف مدى عجز هذا التجمع من التحرك خطوة إيجابية واحدة غير إصدار بلاغات أو بيانات وحتى هذه، رغم بساطتها وعدم قدرتها على تجاوز حدود الكلمات إلى الفعل الواقعي،  فأنها في معظم الحالات تفتقر إلى الإجماع أو التفاهم أو الحد الإدنى من الإتفاق، لا بل وأكثر من هذا ففي معظم الأحيان تقريباً نرى رفض حضور عضو من أعضاء التجمع للإجتماع أو خروجه من الإجتماع وهو "زعلان" ولا يطفي حرارة موقفه هذا إلا بإصدار بيان توضيحي أو بلاغ يبرر عدم حضوره للإجتماع أو رفضه للبيان أو البلاغ الصادر من التجمع. وحتى بالنسبة للبلاغ الصادر من كيان أبناء النهرين ودعوته إلى تشكيل مجلس عسكري وقوات نظامية لجميع أبناء شعبنا من دون إرتباطها بحزب معين، فعلى الرغم من كونه أكثر منطقياً ومقبولا لكون الكيان لم يشكل قوات عسكرية خاصة به مثل بقية الأحزاب، فإن منطقية هذا البلاغ أو صدقيته أو حسن نيته سوف يصطدم بالواقع المرير لأحزابنا السياسية ولا يستطيع تجاوزه نحو التطبيق أو الإستجابة لهذه الدعوة خاصة ونحن نعرف بأن زوعا، احدى الأحزاب الرئيسية المشكلة للقوات المسلحة، لا تريد أن تسمع أسم هذا الكيان ولا تعترف به وفي السابق رفضت كل دعوات ردع الصدع في تنظيمها فكيف نتصور أن تستجيب لدعوه غاية في الحساسة والتعقيد والخطورة، خاصة ونحن والجميع يعرف بأن الثقة معدومة تقريباً بين أحزابنا السياسية بشكل عام وليس بين زوعا والكيان فحسب. أن أمر هذه الدعوات في "قومنة" القوات المسلحة تشبه كثيرا الشخص الذي يدعو إلى إقامة مشروع ضخم وهو "مفلس" لا يملك التمويل الذي هو أساس كل مشروع وأنها تشبه أيضاً من يريد أن يشيد بناية ضخمة من دون أساسات. إذا فالأساس لإنجاح هذه الدعوات وتأسيس المجلس العسكري أو القيادة العسكرية القومية الشاملة لجميع الأحزاب وبالتالي ضمان المصداقية والثقة والدعم من قبل أبناء شعبنا هو قبل كل شيء أن تجلس هذه الأحزاب مع البعض من دون شروط مسبقة وخالية تماماً من النزعة التحزبية، حينذاك يمكن النظر في مثل هذه الدعوات ومدى مصداقيتها أو قدرتها للتطبيق على الواقع العملي.

هذه الأمور البديهية في عالم السياسة من المفروض أن تكون واضحة ومعلومة ولها قوة إلزامية وإخلاقية لقادة أحزابنا السياسية لأنها تتعلق بمصير الأمة ومستقبلها خاصة في الظروف المميتة التي تحيطة بأبنا أمتنا في هذه الأيام، ولكن من المؤسف له أن مثل هذه البديهية غائبة كلياً عن أفكار وممارسات قادة أحزابنا السياسية... لماذا؟:
1.   هيمنة النزعة الحزبية تماماً على الأفكار والممارسات وغلبتها على المصلحة القومية والسعي الحثيث والركض الملهث نحو منصة تزيد من علوية الحزب ووزنه في الإستقطاب السياسي الفارض سطوته على الساحة السياسية العراقية والفاعل فعله على أحزابنا السياسية أو بالأصح على بعض من قادتها.
2.   غياب الحد الأدنى للمصلحة القومية من الأجندات العملية لأحزابنا والمطلوب للجلوس معاً وبناء الثقة والعمل سوية.
3.   الإفتقار الكلي لمعظم أحزابنا السياسية لأساليب العمل الحزبي المشترك خاصة ما يتعلق بكيفية المباشرة والدعوة للدخول في تحالف أو جبهة. فليس، وفق النزعة الحزبية المهيمنة على العقول والممارسات، أن يقبل حزب دعوة حزب آخر للدخول أو الإشتراك في عمل سياسي مشترك أو جبهة أو الإنضمام إلى القوة العسكرية، موضوع بحثنا هذا، وسبق لهذا الحزب أن شكلها أو أسسها. فمثل هذه الدعوة و القبول لا ينظر إليه إلا من باب الإهانة والخضوع لهذا الحزب.
4.   شحة المعرفة السياسية والثقافة الحزبية لمعظم قادة أحزابنا السياسية وهو أمر قد ينطبق على الكثير من قادة الأحزاب السياسية الأخرى وقادة الدول ولكن أمرهم يختلف حيث أن الكثير من قادة أحزابنا يعتبرون أنفسهم فلاسفة وعباقرة في عالم السياسة ولا يحتاجون إلى مشورة أحد من أبناء أمتنا العارفين  بهذه الحقول في حين نرى على العكس من هذا فإن معظم الأحزاب السياسية في العالم المتقدم يعتمدون على مراكز بحوث ومثقفين ورجال فكر مضطلعين بالأمور السياسية تكون مصدر معلومات قادة هذه الأحزاب في عملها السياسي... بالله علكم... هل سمعتم يوما ما بأن قادة حزب من أحزابنا السياسية قد دعت أحد مفكري ومثقفي أمتنا سبق وأن كتب مقترحات وقدم أفكار مفيدة لأحزابنا السياسية للتباحث معه عن مقترحاته وأفكاره المطروحة لتطوير الحزب ؟؟؟؟ شخصياً قدمت الكثير من هذه المقترحات والأفكار ولم أتلقى بالمقابل غير التخوين والتجريح والإهانة وفي بعض الأحيان فتور أو إنقطاع علاقة الصداقة التي تربطني ببعض من قادة هذه الأحزاب... الله يكون في عون هذه الأمة!!! 

على العموم وإنطلاقاً من هذا الغياب في المعرفة السياسية خاصة في مسألة الأحزاب السياسية وتشكيلها للقوات المسلحة سنحاول بقدر الإمكان البحث في نظرية من النظريات أو فلسفة من الفلسفات التي قد تفيد جوانب منها في إعطاء صورة أوضح لهذه المسألة.

تأطير فكري لتشكيل القوات المسلحة:
======================

سعياً للإختصار وإبتعاداً عن التفاصيل في النظريات والفلسفات التي تعالج مثل هذا الموضوع والتي قد تكون مملة للبعض، أبدأ وأقول بأن كل مجتمع من مجتمعات العالم يقوم على بنى إجتماعية وهذه البنى تنقسم إلى بنية تحتية وبنية فوقية. كان كارل ماركس أول من تطور فلسفة البنى الإجتماعية في نظريته عن المادية التاريخية ثم جاء المفكر أنطونيو غرامشي، مؤسس الحزب الشيوعي الإيطالي، فأضاف إليها مفاهيم جديدة وتطورها بشكل تتلائم مع الظروف المستجدة للمجتمع. المجتمع المدني عند ماركس كان يتطابق مع البنية التحتية (قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج) والتي أعتبرها مسرح التاريخ ولها الدور الفاعل في المجتمع. جاء غرامشي وبعد دراسة مستفيضة للظروف الإجتماعية في البلدان الأوربية، فلم يختلف عن ماركس في إعطاء الدور الفاعل للمجتمع المدني إلا أنه قسم البنية الفوقية إلى مستويين أثنين من مستويات البناء الفوقي. الأول "المجتمع المدني" الذي يشمل جميع الأجهزة الإيديولوجية من أحزاب ومنظمات سياسية وحقوقية ومعاهد فكر ومدارس والمؤسسات الثقافية المختلفة. والثاني هو "المجتمع السياسي" والذي يشمل على الجهاز القمعي المتمثل في الجيش والشرطة والأمن والسجون، أي بعبارة أخرى كل ما يتعلق بالقوة المسلحة.
وعلى الرغم من شمول البنية الفوقية للمستويين: المجتمع المدني والمجتمع السياسي، إلا إن هذين المستويين لا يختلطان مع البعض رغم وجودهم ضمن إطار البنية الفوقية بل تبقى هناك حدود تفصلهما وتميزهما بعضهما عن البعض. مثلاً الإشارة إلى الأجهزة الأيديولوجية للمجتمع المدني هي بصيغة الجمع، أي هناك عدد معين من هذه الأجهزة في حين الإشارة إلى جهاز القمع للمجتمع السياسي هو بصيغة المفرد أي هناك جهاز واحد فقط. تتصف الأجهزة الأيديولوجية بنوع من الإستقلالية بعضها عن البعض وبحرية معينة في التحرك والنشاط ضمن إطار وطني قومي يعرف بالمصلحة القومية العليا.  في حين يتصف الجهاز القمعي بالصرامة والحزم ويتحرك في إطار محدود ومغلق. من هذا المنطلق نقول بأن كل مجتمع من مجتمعات العالم المستقرة والمتطورة سياسياً يكون لها عدد من الإجهزة الإيديولوجية (المجتمع المدني) مع جهاز قمعي واحد (المجتمع السياسي). من هذا المنطلق يبقى الجيش والقوات المسلحة لمثل هذه المجتمعات بعيداً عن السياسة ولا يتدخل فيها ولا ينتمي منتسبيها إلى الأحزاب السياسية وإذا أنتمى أو تدخل في العمل السياسي عليه الإستقالة من القوات المسلحة. وهذا هو حال معظم الدول الديموقراطية.  أما في المجتمعات التي يكون فيها أكثر من جهاز قمع (الجيش والقوات المسلحة) فهذا ليس إلا دليلاً على عدم إستقرار مثل هذه المجتمعات وسيادة الفوضى والإضطرابات والحروب فيها. والعراق الحالي نموذج جيد في هذا السياق.

ومن المعلوم بأن القوات المسلحة أو الجيش في الدول الديموقراطية والمستقرة ليس بتابع إلى أي حزب أو جهة إلا للحكومة بأعتبارها ممثلة الشعب، ولكن عندما تتعرض المصلحة القومية العليا إلى خطر داهم، خاصة أثناء الحروب، فإن المجتمع المدني بكل أجهزته الأيديولوجية من أحزاب ومنظمات يتكثف وجودها في وحدة صغيرة مكثفة تلعب دوراً رئيساً في تحريك المجتمع السياسي (القوات المسلحة) نحو ضمان المصلحة القومية العليا وحمايتها من المخاطر الناجمة عن الحرب. أما في المجتمعات المتخلفة سياسياً والتي يتحكم في سلطتها وفي مجتمعها السياسي (القوات المسلحة) حزب سياسي واحد أو فرد دكتاتوري فإنه في وقت الأزمات والحروب تهتز لا بل تتلاشى المصلحة القومية العليا وذلك بسبب عدم قدرة الحزب المهيمن على السلطة أو الدكتاتور للتعاون والتضامن مع الأحزاب السياسية وتضمينها في عملية صنع القرارات التي تخص المجتمع السياسي (القوات المسلحة)، لهذا تظهر معارضة الأحزاب السياسية للسلطة أو للحرب وتشتد أكثر وقد تلجاً إلى التعاون من الطرف الآخر للحرب. وهناك أمثلة كثير في في هذا السياق ولكلا الحالتين. أثناء الحرب العالمية الثانية كان حزب المحافظين البريطاني في السلطة ولكن أشرك جميع الأحزاب المعارضة البريطانية معه في تشكيل "غرفة حرب" لتكون القيادة الموجهة للقوات المسلحة البريطانية ولا زالت هذه الغرفة موجودة في مقر الحكومة كرمز للوحدة الوطنية في مواجهة الأخطار. في حين نرى بأن الحزب النازي ألماني أنفرد بقيادة الجيش فواجه معارضة من غيره من الأحزاب السياسية وبالتالي خسرت ألمانيا الحرب. 

ولو حاولنا تطبيق هذه المفاهيم على مجتمعنا "الكلداني السرياني الاشوري" نقول إذا قبلنا ظاهرة تعدد الأجهزة الأيديولوجية (الأحزاب السياسية والمنظمات القومية) كوسائل لممارسة السياسة الديموقراطية فإن أمر وجود تعدد في الجهاز القمعي، أي القوات المسلحة، أمر غير مقبول وشاذ يعبر عن عدم إستقرار المجتمع وسيادة الفوضى فيه ومرد ذلك يعود إلى عدم توفر لأحزابنا السياسية الحد الأدنى للمصلحة القومية العليا لتكون قاعدة للتعاون بينهم. فإذا كانت هذه الأحزاب تتحرك ضمن الحد الأدنى من إطار المصلحة القومية وبشكل ديموقراطي واضعين هذه المصلحة في أولويات أجندتهم العملية فأنه بالنتيجة مثل هذا التحرك يطرح جهاز قمعي (قوات مسلحة) واحد فقط يكون معبراً عن إستقرار المجتمع . غير أن الأمر يظهر عكس ذلك فالواقع الفكري والعملي المزري لأحزابنا السياسية وإفتقارهم إلى الحد الأدنى من المصلحة القومية هو الذي يعكس وجود قوات مسلحة عديدة، أو بالأحرى مليشيات أو عصابات مسلحة، وهو الأمر الذي يعرض المجتمع إلى مخاطر قد لا تحمد عواقبها ولا يستطيع مجتمعنا تحملها في مثل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها.

وحتى نكون أكثر واقعية وأيضا وحتى لا يتهمنا البعض بأننا "نتفلسف" ونحن قابعون في "قصور" الرفاهية في المهجر نقول بأن لدينا على الساحة القومية في الوطن تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآِشورية (تجمع) رغم كل عيوبه وفشله في تحقيق خطوة نحو الأمام إلا أنه نقول: هذا الموجود... وأحسن من لا شي... فأنه من الممكن أن يكون الإطار المراد لتشكيل مثل المجلس العسكري الذي دعا إليه كيان أبناء النهرين ويسعى هذا المجلس إلى توحيد شرذمات القوات المسلحة التابعة للأحزاب، خاصة ونحن نعرف بأن الأحزاب (زوعا وأترنايا والتحالف) التي شكلت هذه القوات هم أعضاء فاعلين في هذا التجمع ولهم مكانة على الساحة السياسية القومية. أنه عمل بسيط جداً لو وضعت أحزابنا السياسية مصالحها الحزبية الضيقة جنباً وتبنت المصلحة القومية، حينذاك فأن هذه المصلحة ستسهل كل الأمور لهم وتعبد طريق هذه الأحزاب إلى قلوب أبناء مجتمعنا، حينذاك سنتوقف عن "التفلسف" ونغلق أفواهنا ونبدأ بتشييد تماثيل لهم وتسجيل أسماؤهم في سجل المناضلين الشرفاء. أمر بسيط جداً حتى الطفل البريء يدرك فائدته لمجتمعنا فكيف بالنسبة لقادة أحزابنا في عدم الإدراك والعمل على إفادة هذا الشعب البسيط المنهك تحت وطأة ظلم الزمان والإنسان. 


190
سِفرُ الخروج الكلداني
=============
أبرم شبيرا
لقاء فكري في ديترويت - مشيكان:
شرفني كثيرا اللقاء بعدد من مثقفي وكتاب ونشطاء قوميين من أبنا شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"  في ديترويت - الولايات المتحدة الأمريكية خلال أيام أعياد الميلاد والسنة الجديدة ومناقشة قضايا قومية وسياسية  وتبادل الأراء بروح أخوية وموضوعية وصولاً إلى ترسيخ التقارب والتفاهم حول القضايا المشتركة والمصيرية التي يواجهها شعبنا في أرض الأباء والأجداد وفي بلدان المهجر أيضاً، هذا من جهة ولكن من جهة أخرى أدهشني، لا بل وحيرني كثيرا تخوف البعض من المحسوبين على المثقفين والمهتمين بالشؤون القومية والسياسية لأمتنا من مثل هذه اللقاءات الفكرية ولم أجد لحيرتي  تفسيراً إلا في خشية وتخوف هؤلاء من لوم أو عقوبة يفرضها عليهم مسؤولهم الحزبي بسبب اللقاء بأبرم شبيرا الذي أنتقد حزبهم وزعيمهم أو من "مقاطعة" أبرم شبيرا لكونه لا يتفق مع توجهات طروحاتهم أو إيديولوجياتهم الحزبية... الله يكون في عون هذه الأمة.

 على العموم، أعيد وأقول شرفني شرفاً عظيماً اللقاء بالسادة  عصمت كرمو - رئيس منطمة كاسكا في امريكا /علاء منصور - ممثل كيان ابناء النهرين في مشيكان/ خالد كجوجا - ممثل حزب بيت النهرين الديمقراطي في مشيكان/ مسعود بريخو - ممثل اتحاد سورايا القومي/ انطوان الصنا - ممثل المجلس الشعبي في مشيكان/سام كساب - ناشط قومي ورجل اعمال /حبيب حنونا - باحث وكاتب مستقل /داود برنو - ناشط قومي وكاتب وباحث مستقل/ عبد فرنسي - ناشط قومي وحقوقي وعضو لجنة المجلس الشعبي في مشيكان. وكان في قمة تشريفي كون جميع هؤلاء الأفاضل من توجهات فكرية مختلفة وإنتماءات متعددة كلها شكلت مصدراً للإغناء الفكري لي وبالتأكيد لهم أيضا وعززت الصداقة بيننا وتعاظم الأحترام المتبادل كأسلوب لللقاء والتباحث والتناقش في مسائل تهم مصلحة الأمة ومصلحة الجميع. ولا يسعني في الأخير إلا أن أشكر الأخ والأستاذ أنطوان الصنا على قيامه بتدبير وتنسيق هذا اللقاء.

شذرات فكرية على كتاب "سفرُ الخروج الكلداني":
خلال اللقاء قام الباحث الأستاذ حبيب حنونا بإهداء لي كتابه المعنون "سفرُ الخروج الكلداني" . والكتاب، كما هو مذكور على غلافه الأول، هو دراسة تاريخية في التهجير القسري للكلدان من موطنهم كلديا في جنوب العراق من قبل الملوك الآشوريين وتوطينهم في آثور خلال عهد الإمبراطورية الآشورية (912-612) ق.م. وهجراتهم بسبب الإضطهاد الديني من قبل الساسانيين وبعض الخلفاء العباسيين والمغول. وهو من منشورات المنبر الديموقراطي الكلداني الموحد في ديترويت لعام 2013. كان الأستاذ حبيب حنونا قد طلب مني أن أبين أو أكتب بعض الملاحظات والتعليقات على الكتاب، وإستجابة لطلبه وبكل رحابة صدر وإنفتاح فكري قرأت الكتاب أكثر من مرة وخلال قراءته توقفت أكثر من مرة لا بل تعثرت في بعض من معلوماته التاريخية الواردة فيه ليس بسبب صعوبة أسلوبه بل لأنها وضعتني في موقف متناقض ومحير، في موقف مؤيد تأيداً كاملاً لبعضها من جهة ومختلفاً ومتسائلاً عن البعض الآخر من جهة أخرى، مما وجدت بعض الصعوبة في كتابة هذه السطور خاصة وأن معلوماتي التاريخية في هذا الموضوع شحيحة ولا تسعفي كثيراً للخروج من هذا المأزق، ولكن ليس في الأمر حيلة، فالوعد الذي قطعته للأستاذ حبيب أصبح ديناً ثقيلآ على رقبتي ولن أتحرر منه إلا بكتابة هذه السطور.

الكتاب، أن صح التعبير هو تقرير أو بحث تاريخي مفصل عن تاريخ الكلدانيين وعلاقتهم بالآشوريين القدماء، يصلح أن يكون أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ وهذا كان فعلاً ما يمطح إليه الإستاذ حبيب حنونا ولكن يظهر أن ظروفه الخاصة لم تسمح بتحقيق هذا الطموح. وجرياً على الأسلوب المتبع في تقييم وعرض الكتب، أبداً أولاً من حيث الشكل وبإقتضاب شديد أقول مرة أخرى بأن شكل الكتاب يوحي بأنه تقرير أو بحث أو أطروحة جامعية أكثر مما يبدو شكله ككتاب. فهو يقع في 82 صفحة من القطع الكبيرة، أفتقر إلى فهرس لفصوله وأقسامه وهو الأمر الذي كان يجب أن يدرج في مقدمة الكتاب ليسهل على القارئ متابعة مضامينه. على العموم فالكتاب بالإضافة إلى المقدمة يقع في خمسة فصول مع خلاصة و ثلاثة ملاحق مع جدول بالمصادر العربية والإنكليزية المعتمدة ونبذة عن سيرة المؤلف. الفصل الأول هو عن (الكلدان في التاريخ: المماليك الكلدانية، الأمبراطورية الكلدانية، دور الكلدان في تطور الحضارة الإنسانية، الديانة الكلدانية القديمة، لغة الكلدان، الكلدان في الكتاب المقدس، التواجد الآرامي في الدولة البابلية وتعايشهم مع الكلدان، الكلدان والبابليون والكاشديم). أما الفصل الثاني فهو عن (الآشوريون في التاريخ: عواصم الدولة الآشورية، الآشوريون بعد سقوط الدولة الآشورية...). الفصل الثالث معنون بـ (الكلدان في البلاد الآشورية – تهجير الكلدان قسراً من قبل الملوك الآشوريين وتوطينهم في آثور... مع ملاحظة تقول بأن المقصود بآثور هو شمال بلاد النهرين والتي تشمل كردستان الحالية، جنوب شرق تركيا، شمال غرب إيران وشمال شرق سوريا). الفصل الرابع معنون بـ (سياسة التهجير الجماعي في الدولة الآشورية – أهدافها ونتائجها) أما الفصل الخامس فهو عن (هجرة الكلدان إلى المناطق الآشورية نتيجة الإضطهادات الدينية، ويقسمها الكاتب إلى مرحلة حكم الفرس ومرحلة حكم الخلفاء ومرحلة التتار والمغول) ويختم الفصول بموضوع (شاهد عيان على النساطرة الكلدان) ثم الخاتمة. أما الملاحق الثلاثة فهي، الأول عن (كنيسة المشرق – عيتدا د مدذخا، نشوها، أثنيتها، وظهور المذاهب في الكنيسة الجامعة ...) والثاني عن (إنشقاق كنيسة المشرق وإنبثاق الكنيسة الكلدانية) والثالث عن (أسماء بطاركة الكنيسة الكلدانية منذ إنبثاقها إبتداءاً بمار سولاقا يوحنان وإنتهاءاً بغبطة مار لويس روفائيل الأول ساكو). وتشمل هذه الملاحق على معلومات وأحداث تاريخية عامة ومتداولة في الأدب والتراث وتاريخ كنيسة المشرق ومعروفة لأبناء شعبنا فتبدو وكأنها إطناب وتكرار لها ولم تكن هناك ضرورة لضمها إلى الكتاب. ولكن يظهر بأن الإستاذ حبيب ألحقها بالكتاب بنوع من أسلوب البحث العلمي ليصل إلى مبتغاه في ربط التاريخ القومي بالتاريخ الكنسي ومعرفة طبيعة المكونات الأثنية والإيمانية لشعبنا (الكلدوآشوري) منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا وهو الأمر الذي حققه في كتابه.

أما من حيث المضمون، فقبل كل شيء أقول بأن الإستاذ حبيب عمل بحثاً وتدقيقاً مضنياً في المراجع الخاصة بالموضوع ليصل إلى الهدف الذي كان يسعى إليه وتبين بأنه خزين من المعلومات والخبرات التي يحسد عليها أي كاتب أو باحث في هذا الحقل خاصة وأنه يمتلك أسلوباً علمياً ومنطقياً في طرح الأفكار وإسنادها بالمراجع القيمة لتأكيدها وترسيخها حتى تكون قراءتها وفهمها سهلاً للقارئ ويحقق الهدف المراد من بحثه هذا. زد على ذلك بأن ما يساعد على تقبل وتفهم أراءه وأفكاره هو رفعة إخلاقه وسمو فكره وهدوء طبعه وإنفتاح عقله للإستماع إلى الآخر حتى ولو كان مختلفا عما يؤمن به، وهذا ما لمسته شخصياً من خلال لقاءي به ومناقشة الموضع معه. فهذه الصفات النبيلة هي التي شجعتني أن أقرأ الكتاب وأكتب هذه السطور سواء أتفقت معه أم لا. على العموم، نقول بأنه كان من الصعب على الإستاذ حبيب أن يتناول تاريخ ما يزيد عن خمسة ألاف سنة في بضعة صفحات ويحقق الهدف المبتغاة من بحثه وهذه الصعوبة أجداها أكثر في تلخيص مضمون بحثه ولكن مع هذا فإنني سأقتصر على المفاهيم والأفكار العامة التي تناولها في هذا الكتاب.

يقول الإستاذ حبيب بأن "الهدف من هذه الرسالة أو الأطروحة هو الإجابة على التساؤلات ... هل إن العنصر الكلداني أختفى من التاريخ بإنتهاء الدولة الكلدانية، وهل تمكن الفرس القضاء عليهم في القرن الرابع الميلادي في عهد شابور ومن تلاه؟ وهل أنصهر الكلدان جميعاً في الموجات العربية القادمة إلى العراق في القرن السابع الميلادي وجحدوا عقيدتهم المسيحية؟ وهل أستطاعت كل هذه الأحداث  بدأ من سقوط الدولة الكلدانية عام 539 ق.م. وصولاً إلى غزوات المغول في القرن الثالث عشر الميلادي أن تفني الكلدان عن بكرة أبيهم ولم يبقى لهم أثراً؟ أم أن الكلدان تواصلوا خلال المعايشة في المهاجر مع سكان شمال بلاد النهرين بما فيها المنطقة الآشورية نتيجة التهجير القسري من قبل الملوك الآشوريين ونتيجة الإضطهادات العرقية والدينية بسبب إعتناقهم المسيحية؟ وهل حقاً أن جميع رعايا الكنيسة الكلدانية وكنيسة المشرق الآشورية هم آشوريون فقط وليس بينهم العنصر الكلداني؟ إن الذي حدث للكلدان عبر التاريخ حدث للقوميات الأخرى في المنطقة، لا بل الذي حدث للآشوريين من مآسي وإضطهادات بدءاً من سقوط دولتهم في 612 ق.م. وصولاً إلى أحداث الحرب العالمية الأولى 1914-1918 أكبر بكثير مما حدث لأخوتهم الكلدان"  ثم يتساءل الإستاذ حبيب ... "وهل حقاً أن الكلدان إندثروا ولم يبقى لهم أثر؟؟؟ هذا هو السؤال الصعب الذي نستخلص من خلال هذه الدراسة الإجابة عليه". (ص4).

إذن من خلال هذه الأسئلة التي يطرحها الكاتب ويبحث عن جواب لها سوف يظهر من خلال بحثه بأنه رد وبشكل غير مباشر على الفكر القومي التقليدي عند بعض الآشوريين إن لم يكن عند غالبيتهم والقائل بأن الكلدانيين القدماء ما هم إلا طبقة إجتماعية أمتلكوا معرفة واسعة في التنجيم والفلك وأنهم تمكنوا من أن يصوا إلى الحكم في بابل ولم يستطيعوا أن يحكموا أكثر من 87 سنة ومن ثم بعد سقوط دولتهم تلاشت هذه الطبقة (الكلدانيون) وأنصهرت في الشعوب الأخرى للمنطقة الوسطى والجنوبية من بلاد مابين النهرين واختفت من الوجود ولم يعد لها وجود يذكر. أما بالنسبة للكلدان الحاليين من أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية فما هم إلا آشوريين تكثلكوا في منتصف القرن السادس عشر الميلادي وأطلق الفاتيكان عليهم أسم الكلدان وعلى كنيستهم أسم "الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية" لكي يتم فصلهم وتميزهم عن الآشوريين وعن أتباع الكنيسة النسطورية "الهرطقية". فيقول الإستاذ حبيب "إن غالبية أبناء ورجالات كنيسة المشرق بشقها الآشوري يتنكرون للتسمية الكلدانية كتسمية قومية، ولا يقرون بوجود الكلدان أصلاً، لا بل يدعون أن الكلدان التاريخيين قد أندثروا وذابوا في الموجات القادمة إلى العراق وبالأخص العربية منها في مطاوي القرن السابع الميلادي ولم يبقى منهم أثر!! وأن ما يطلق عليهم الكلدان حالياً هم آشوريون أقحاح وتسميتهم الحالية لا تعدو كونها تسمية كنسية وطائفية محضة ولا علاقة لكلدان اليوم بالكلدان التاريخيين إطلاقاً". ولكن بالمقابل وبأسلوب موضوعي غير إنحيازي يقول الكاتب "أما الطرف الآخر – رعايا الكنيسة الكلدانية – فلا يقل تزمتاً وتمسكاً بتسميته الكلدانية عن الطرف الآشوري، ومرد ذلك إعتزازهم بالأمة الكلدانية التي تسمت كنيستهم بأسمها منذ قرون عديدة، وترسخت هذه التسمية في وعيهم وعقولهم وأصبحت أمراً واقعاً وجزء لا يتجزاً من هويتهم القومية" (ص 2). ولكن أيضا أضيف وأقول: يقلد بعض الكلدان من هذا الفريق "المتزمت" الفكر الآشوري "المتزمت" في القول بأن الآشوريين الحاليين لا علاقة لهم بالآشوريين القدماء وأنهم مجرد طائفة نسطورية أطلق الإنكليز عليهم تسمية الآشوريين لإغراض سياسية بحته.

 إنطلاقاً من هذا الجدل الدائر بين الطرفين عن الهوية القومية لرعايا كنيسة المشرق بشقيها الكلداني والآشوري يبحث الكاتب في الجذور الأثنية للشعوب والأقوام التي أعتنقت المسيحية في بلاد النهرين منذ القرون الأولى للميلاد... فيتساءل: "هل كانوا آشوريين فقط أم كانوا خليطاً من الكلدان والآشوريين والآراميين"؟. ينطلق الأستاذ حبيب في بحيث عن الأجوبة للأسئلة أعلاه إلى قاعدة أساسية مهمة يعتمد عليها للوصول إلى الهدف المبتغاة من بحثه هذا فيقول"أما الذين يدعون أن الآشوريين قد أنمحوا من وجه الأرض إثر سقوط دولتهم (612 – 609 ق.م.) وأن الكلدان قد أندثروا وإنصهروا بالكامل مع الموجات العربية في القرن السابع الميلادي وما بعده، فذلك محظ إدعاء باطل، فالشعوب لا تموت مهما كان قهرها كبيرا، فلا الفرس ولا العرب ولا المغول ولا العثمانيون أستطاعوا قلع جذور الكلدان والآشوريين، ولن تستطيع قوة أخرى، لا الآن ولا في قادم الأزمان". من هذا المنطلق يجول الإستاذ حبيب في التاريخ معتمداً على مصادر ووثائق كثيرة ليصل إلى نتيجة مفادها بأن الكلدان كأقوام سامية تواجدوا منذ أقدم العصور في المنطقة الجنوبية والوسطى والتي كانت تسمى "كلديا"، الموطن الأصلي للكلدان. وخلال فترة بروز قوة الأمبراطوية الآشورية ودخولها في صراعات وحروب مع شعوب هذه المنطقة تابع الآشوريون سياسة تهجير الشعوب المغلوبة، بضمنهم الكلدان، من أوطانهم إلى بلاد آشور وإسكانهم في مناطق متعددة. فخلال مائة سنة ونيف أستطاع الآشوريون من تهجير مئات الآلاف من الكلدان من الجنوب إلى الشمال، فيورد الإستاذ حبيب أسماء الملوك الآشوريين الذين قاموا بتهجير الكلدان وأعدادهم والمناطق الآشورية التي أسكونهم فيها (ص46-ص54).

سقطت الأمبراطورية الآشورية نهائياً عام 609 ق.م. على أيدي الجيوش الكلدانية المتحالفة مع الميديين فتقاسموا أراض الأمبراطورية الآشورية بينهم ثم في السنوات اللاحقة أنسحب الميديون وتركوا الأراضي الآشورية في آشور، خاصة شرق نهر دجلة، إلى الكلدان. سقطت دولة الكلدان عام 539 ق.م. على أيدي الأخمينين الفرس وبقيادة ملكهم المسمى قورش وبمساعد اليهود السابئة في بابل والذين كان يؤمنون بأنه "المسيح المخلص" الذي سوف يأتي ويخلصهم من أسرهم في بابل ويرجعهم إلى موطنهم وهم الذين أطلقوا هذا الأسم "قورش" على هذا الملك والذي يعني قم وأنهض باللغة الأرامية التي كان يهود يتكلمون بها، هذا حسب تفسير الباحث لوقا زودو. بدأت الإضطهادات للكلدان بعد هذا التاريخ وزادت من هجراتهم نحو شمال البلاد وتعاقبت هذه الإضطهادت والنزوح في الفترات اللاحقة في عهود الفرس والخلفاء المسلمين والمغول والتتار وقبائل التركو-المغولية التي سيطرت على البلاد إلى درجة لم يعد أي وجود للكلدان في هذه المناطق الجنوبية والوسطى غير الذين دفعوا الجزية فبقوا في هذه المناطق ومن ثم وبمرور الزمن ذابوا في المجتمعات العربية الإسلامية.

كل هذه الإضطهادات لم تستطيع أن تفني الكلدان عن بكرة أبيهم، كما يقول الباحث، بل  تواصل وجودهم خلال المعايشة مع سكان شمال بلاد النهرين بما فيها مناطق بلاد آشور. والحال نفسه كان بالنسبة للآشوريين فبعد سقوط أمبراطوريتهم وأن العديد من مدنهم المشهورة ومنها نينوى قد سويت بالأرض وأن الكثير من أفراد السطلة الحاكمة قد قضي عليهم ولكن لم تحدث بحقهم إبادة جماعية شاملة وإن أزالة الشعب الآشوري من الوجود بكاملة أمر غير وارد إطلاقاً. "غير أن العديد من أبناء الشعب الآشوري تمكنوا من الفرار والإلتجاء إلى أماكن بعيدة خاصة الجبلية منها ومن ثم عادوا بعد حين إلى قراهم ومدنهم مثل نينوى وأربيل وكرملش وسنكار وغيرها وعاشوا عيشة طبيعية مع بقية الأقوام الأخرى التي وفدت وحلت بالديار الآشورية بعد سقوط إمبراطوريتهم" (ص 24). ويورد الباحث العديد من الأدلة والبراهين على بقاء الآشوريين في موطنهم بعد سقوط دولتهم، وهو الأمر الذي أكده الكثير من الباحثين في تاريخ المنطقة وفي مصير الآشوريين بعد سقوط إمبراطوريتهم.
 
هناك حقيقة أكدتها الوقائع التاريخية فيما يخص تهجير الشعوب خاصة المهجرين قسراً أو بسبب الظلم والإضطهاد وهي أنه بعد زوال الأسباب المؤدية للتهجير فإن الكثير من هذه الشعوب المهجرة عادت إلى أوطانها رغم مرور زمن طويل خاصة الشعوب التي تختلف من نواحي عديدة عن الشعوب التي هجرتها وأستوطنتها في مناطق أخرى غريبة عنها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، بعد سقوط الإمبراطورية الآشورية عاد معظم أو أكثرية اليهود الذي سباهم الآشوريون إلى أوطانهم ونفس الحال بالنسب لعودة يهود السبأ البابلي الذي سباهم ملوك الكلدان. وهكذا أستمرت هذه العودة في الفترات اللاحقة التي كان اليهود يتعرضون إلى الظلم والإضطهاد حتى بعد عام 1968 عقب وصول حزب البعث إلى السلطة في العراق وتعرض اليهود إلى شتى أنواع التهم والظلم والحرمان فوجدوا في العودة إلى إسرائيل سبيلاً للإنعتاق من أوضاعهم المزرية في العراق. والحال أيضا كان ينطبق على الآشوريين بعد سقوط أمبراطوريتهم حيث عاد الكثير منهم إلى قراهم ومدنهم بعد إستقرار الأوضاع، وهو الأمر الذي أكده الإستاذ حبيب وغيره من المؤرخين. ولكن من الملاحظ بأن مثل هذه البدهية في عودة الشعوب المهجرة إلى أوطانها الأصلية لم تنطبق على الكلدان الذين سباهم الآشوريين من وطنهم كلديا إلى بلاد آشور ولا على الكلدان الذين هربوا من ظلم الفرس والخلفاء المسلمين والمغول وأحتموا في المناطق الجبلية في شمال بلاد النهرين، وهو الأمر الذي لم يتطرق إليه الإستاذ حبيب بل أكد على تعايش الكلدان مع شعوب بلاد آشور وإستمرار تواجدهم في تلك المنطقة البعيدة عن كلديا وحتى يومنا هذا. وعندما نحاول أن ندقق أكثر في حيثيات وإرهاصات تواريخ تلك الأزمان لا نجد تفسيراً لهذا الأمر إلا بالقول:
أولا: أن سبأ الآشوريون لليهود يختلف عن سبأهم للكلدان. فاليهود هُجرو من وطن بعيد مرتبط بمعتقدات توراتية يختلف ومن نواحي عديدة عن بلاد آشور الغريب عنهم. في حين أن تهجير الآشوريين للكلدان من كلديا إلى بلاد آشور كان إنتقالا وترحالاً من منطقة إلى أخرى ضمن بلاد مابين النهرين موطن أباءهم وأجداهم الأكديين والسومريين والبابليين فلم يكن غريباً عنهم خاصة ونحن نعرف بأنه كان هناك علاقات وتزواج وإختلاطات بين البابليين والكلدانيين والاشوريين ولم يكن هناك مانع طبيعي يحول دون ترابط وتواصل أجزاء ومناطق بلاد ما بين النهرين وسهولة التنقل بين مناطق البلاد.
ثانياً: رجع اليهود من السبأ الآشوري والبابلي إلى موطنهم لأن الآشوريين والكلدانيين كانوا يختلفون عنهم من نواحي عديدة دينية ولغوية وإجتماعية وحتى نفسية وعنصرية وبالتالي لم يكن بالإمكان إستمرار العيش معهم وظلوا ينتظرون الفرص للعودة إلى موطنهم. في حين أن الكلدان المهجرين إلى بلاد آشور لم يكن يختلفون عن الآشوريين لا من حيث اللغة ولا الثقافة ولا الديانة لذلك كان أمر التعايش بعضهم بالبعض سهلاً  لكونهم من أصول تاريخية واحدة وحضارة مشتركة  لهذا لم يكن أمر العودة إلى موطنهم الأصلي كلديا وارداً طالماً وجودوا في آشور موطناً لهم،  ولعل ترك الميديون بلاد آشور للكلدان بعد إسقاط الإمبراطورية الآشورية تفسيراً يأتي ضمن هذا السياق.
ثالثا: أرتبط غزو الآشوريين والكلدانيين لبلدان اليهود بأمور إلهية وتوراتية فجاء قلعهم من أرضهم وسبأهم إلى بلاد آشور وبابل الغريبة عنهم كعقاب من الله حسبما ورد في التوراة، أي بعبارة أخرى كانت حروب خارجية، دينية وحضارية أن صح التعبير. في حين أن الحروب والإجتياحات التي كان يقوم بها الاِشوريون إلى المناطق الجنوبية من بلاد ما بين النهرين وإلى كلديا لم تكن مرتبطة بتفسيرات ميتافيزقية وتوراتية بل كانت بهدف الهيمنة والسيطرة على معظم أراض بلاد ما بين النهرين وإخضاعها للإمبراطورية الآشورية وهكذا كان الحال مع الكلدان في غزوهم لبلاد آشور، أي بعبارة أخرى كان حروب داخلية أهلية إقليمية لشعب بلاد ما بين النهرين.

أن الهدف الذي سعى إليه الباحث من الإشارة إلى هجرة الكلدان لموطنهم كلديا إلى المناطق الشمالية وإستقرارهم في بلاد آشور وتعايشهم مع الآشوريين هو للتأكيد والقول بأن غالبية شعب شمال بلاد ما بين النهرين هو مزيج من الآشوريين والكلدان وعندما جاءت المسيحية أطرتهم ضمن أطار إيماني ومؤسساتي تمثل في كنيسة المشرق. وفي خلاصة بحثه يقول "لقد أختلط الشعبان على كل الصعد ثقاقياً ولغوياً وإجتماعياً ودينياً آصرهم المصير المشترك والسيف الذي طالهم بدون تمييز بسبب عقيدتهم المسيحية... فمن المؤسف حقاً أن توحدهم المسيحية وتفرقهم مذاهبها... أن في عروق كل آشوري دم كلداني، وفي عروق كل كلداني دم آشوري ولا تستطيع أن تميز بينهم لولا إنتمائه لهذه الكنيسة أو تلك..... أن الرعايا الحاليين لكنيسة المشرق بشقيها الكلداني والآشوري هم خليط من أحفاد الآشوريين التاريخيين الذي أستمر تواجدهم في وطنهم التاريخي، ومن أحفاد الكلدان التاريخيين الذين رحلوا قسراً من موطنهم كلديا وأستقروا في آثور أيام الدولة الآشورية ... إضافة للكلدان الذي أجبرهم الظروف أن يتركوا مدنهم في جنوب العراق نتيجة الإضطهادات الدينية بسبب عقيدتهم المسيحية وإحتموا في مدن شمال ما بين النهرين.." (ص 64). وهنا من الضروري أن أقول بأنه ليس قصد الإستاذ حبيب عند الإشارة إلى مصطلحات مثل الدم والعنصر والعرق وغيرها من المفاهيم البايولوجية في كونها عوامل مشتركة بين الكلدان والأشوريين ومقومات أساسية في تحديد هويتهم، بل أن الإشارة إليها تأتي من جانب تعظيم قوة ربط العوامل المشتركة التي تجميع بينهم من حضارية ولغوية وتاريخية وإجتماعية وحتى نفسية ودينية ذلك لأن جميع النظريات التي تعتمد على الدم أو العرق في تحديد هوية الشعوب والأقوام  والقوميات قد أصابها الكثير من السخف والبطلان ولم تعد مقبولة إطلاقاً في عالم يسوده ثقافات وحضارات وأثنيات متعددة ومختلفة. وهذا يتأكد عندما يشير الأستاذ حبيب إلى أثنية كنيسة المشرق فيقول: أن كنيسة المشرق لم تكن كنيسة كلدانية ولا كنيسة آشورية بحتة، كما يريدها البعض، فلقد كانت أممية مسكونية متعددة الأثنية، تجمعها العقيد المسيحية الواحدة، وتأصرها اللغة الأرامية حيث كانت لغة التفاهم المشترك بين الجميع، إلا أن الكلدوآشوريين كانوا الغالبية فيها منذ البداية، أي أن العنصر الكلداني الآشوري كان هو المسيطر في كنيسة المشرق، فالنقاوة في العرق ضرب من الخيال.

ولكن إذا أتفقنا مع الأستاذ حبيب في الإقرار بالتاريخ السحيق للكلدانيين وإمتلاكهم مقومات قومية وحضارية ودينية ومن ثم عدم تلاشهم بين الأمم الآخرى لا بل بقاءهم وتعايشهم مع الآشوريين في المناطق الشمالية لبيت نهرين – موطن الآشوريين القدماء فكل هذا يفرض علينا سؤالاً محيراً وهو: لماذا لم تظهر حركة سياسية قومية مستقلة للكلدان في أعقاب ظهور مبادئ التحرر القومي وحق تقرير المصير للشعوب أبان الحرب الكونية الأولى وما قبلها؟ في حين ظهرت مثل هذه الحركة في الآشوريين وتسمىت بالتسمية القومية لهم وأستمر على الساحة السياسية لأكثر من قرن من الزمن... سؤال سبق وأن بحثنا عنه في أحدى المواضيع السابقة عن الكلدان والسياسة القومية وأرى من المفيد أن نعيد صياغته ونشره مرة أخرى في مناسبة أخرى. 

وأخيراً، سواء أتفقنا أو لم نتفق مع الأستاذ حبيب في هذه الحقيقة التاريخية فإن هناك واقع حال يحكم وبموضوعية تامة بعيداً عن التأويلات والتفسيرات... واقع حال ينطق بكل وضوح ويقول بأننا نحن الكلدان والسريان والآشوريين شعب واحد تجمعنا مقومات حضارية وتاريخية وقومية وحتى نفسية ودينية مهما كان حقيقتنا التاريخية سواء تطابقت مع هذا الواقع أم لا... ومهما كانت تسميتنا القومية أكانت مفردة أو مركبة فالأمر سيان أمام الضرورة الملحة لوحدتنا التي هي السبيل الأول والأساسي لنيل حقوقنا القومية في وطن الأباء والأجداد والسلاح الذي يرتبط بالبندقية في ساحة المعركة... فالوحدة القومية ورفع السلاح أمران متلازمان ضمن علاقة عضوية لا مفر منها لتحقيق الأهداف، وهو الموضوع الذي سنتاوله في مناسبة لاحقة. 
 
   



191
الشخصية القومية المحامي روبرت قليتا يتعرض لتهمة غادرة
=====================================
أبرم شبيرا

عُرف عن المحامي روبرت وليم قليتا بهدوء طبعه وسمو أخلاقه وسعة أفاق تفكيره وغزارة ثقافته القومية والقانونية وإتقانه لحرفيته مهنته في الحقل القانوني وتقدسيه لها كمحامي محترف يعرف حدود القانون وكيفية إستخدامه وبإتقان ودقة ليس في خدمة زبائنه فحسب بل لأي إنسان يعوزه المشورة القانونية والمساعدة الإنسانية. هكذا عرف الناس المحامي روبرت قليتا ليس في الولايات المتحدة الأميركية فحسب بل في جميع مجتمعاتنا المسيحية الكلدانية السريانية الآشورية المنتشرين في أنحاء العالم. لا بل وأكثر من هذا بكثير، فقد عرف عنه في كونه من أكثر الناشطين في الحقل القومي يخدم وبكل أخلاص وتفاني أبناء شعبه في الولايات المتحدة الأمريكية أو في أي مكان كانوا خاصة أبناء شعبنا المحتاجين والهاربين من ظلم الأنظمة الإستبدادية في وطننا العراق وسوريا، فإنشغاله بمهنته لم يحول ذلك للتضحية بالوقت والجهد وحتى المال لمساعدة أبناء شعبه. كما لروبرت قليتا مواقف جريئة وشجاعة ومشاركة مستمرة في نشاطات قومية وسياسية كثيرة وسافر إلى شمال الوطن بيت نهرين ليشارك ويعايش وبشكل مباشر أوضاع شعبنا هناك ويسعى بكل ما أمكن من مساعدتهم للتخفيف من الظلم الذي عانوه على يد المتطرفين والأرهابين، لذلك عرف عنه في كونه محامي مختص في قضايا الظلم والإضطهاد الذي يتعرض له شعبنا في وطنه التاريخي.

أنه من المؤسف حقاً، أن تتعرض مثل هذه الشخصية النشطة والنبيلة إلى مؤامرة غادرة وإلى تهمة بعيدة جداً عن أخلاقه وسلوكه وإخلاصه لمهنته كمحامي وإلتزامه التام بقانونية أعماله. ففي 23 من هر أيلول 2014 كان المحامي روبرت قليتا والدكتور آدم بنيامين الذي يعمل كمترجم معه إلى الأعتقال بتهمة ضمان وحصول على اللجوء السياسي للمسيحيين العراقيين، تهمة قائمة على أساس كاذب ومزيف بأن المسيحيين في العراق غير مضطهدين على أيدي المتطرفين الإسلاميين في العراق، في الوقت الذي يعرف كل العالم مدى تعرض المسيحيين في العراق إلى الظلم والإضطهاد ونتيجة ذلك تهجروا الكثير منهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأخرى التي تؤمن لهم الأمن والسلام من خلال طلبهم للجوء السياسي وقيام روبرت قليتا وجميع الموظفين العاملين في مكتبه في شيكاغو بمساعدتهم في هذه المسألة الإنسانية ووفقاً للقانون الأمريكية للهجرة.

من جانب آخر، أنه لأمر يشار إليه بالبنان أن يقوم أبناء شعبنا في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بعض دول العالم بحملة واسعة لمساندة روبرت قليتا ومطالبة المدعي العام بإسقاط التهمة عنه وعن الدكتور آدم بنيامين. فقد ألهب هذا الظلم بحق روبرت قليتا حماس أبناء شعبنا في الولايات المتحدة الأمريكية فقاموا عبر وسائل الإتصال الألكترونية والتواصل الإجتماعي حملة شعبية واسعة تحت عنوان (standwithrobert) لمساندة روبرت قليتا وتبرئته من هذه التهمة الباطلة حيث تم جمع أكثر من ثلاثة ألاف توقيع من مختلف الأماكن. ففي خبر نشر على الموقع الألكتروني لـ (AINA) – الوكالة الآشورية العالمية للأنباء – ذكر بأنه في يوم الأحد الماضي (07/12/2014) عقد تجمع شعبي واسع في قاعة المجلس القومي الآشوري في شيكاغو حضره أكثر من 1500 آشوري أمريكي ومن بينهم شخصيات معروفة لدعم ومساند المحامي روبرت قليتا في التهمة الموجهة له حيث ألقيت كلمات عديدة كلها تدعوا إلى إسقاط التهمة عنه. فكان من بين الحاضرين السيد شيبا مندو رئيس المجلس القومي الآشوري في شيكاغو والسيدة ماركريت خمو رئيسة اللجنة الخيرية الآشورية في شيكاغو ونيافة الأسقف مار كوركيس يونان والأب الفاضل كوركيس سليمان وكان أيضا بينهم المحامي روبرت قليتا والدكتور آدم بينامين ومعهم أفراد عوائلهما حيث ألقى روبرت قليتا كلمة مؤثرة جداً شاكراً الحاضرين على دعمهم المستمر له في هذه المسألة. وفي حديث لمحامي بيل مورفي الذي وُكل في هذه القضية للدفاع عن روبرت قليتا قائلاً: إنني فخور جداً لتمثيلك في هذه القضية. ثم أستدعي روبرت قليتا للحضور على المنصة فوقف الحاضرون وبحماس شديد قوبل بالتصفيق والهتافات حيث ألقى كلمة مؤثرة جداً وشاكراً للحاضرين والمساندين لقضيته.
 

المحامي روبرت قليتا واقفا على المنصة يلقى كلمته (الصورة منقولة من (AINA)
==========================================

ففي كلمة حماسية ومؤثرة عبرت السيدة ماركريت خمو عن قلقها وقلق مجتمعنا في الولايات المتحدة الأمريكية  خاصة فيما يتعلق بقرار أصدره القاضي الفدرالي للهجرة قبل أسبوعين مصرحاً ومؤكداً بأنه ليس هناك أي إضطهاد للمسيحيين في العراق !!! ثم أشارت السيدة ماركريت عن غضب وإستياء الحاضرين من مثل هذا التصريح حيث قالت بأن القضايا الأثنى عشر التي تولاها روبرت قليتا ودافع عن أصحابها والتي أتهم بهما هم مسيحيون عراقيون هربوا من العراق بسبب الظلم والإضطهاد لهم من قبل الجهات الإسلامية المتطرفة. وقالت أيضا بأن روبرت قليتا محامي مشهور لقضايا الهجرة فهو من القلائل المختصين في قضايا المسيحيين العراقيين فوصفته بأنه المحامي الذي يعرف بالضبط وبدقة المعاناة والظلم الذي عانوه ويعانوه المسيحيون في العراق وسوريا، محامي يعرف الوضع المأساوي لشعبنا في وطنه فهو ليس غريباً عنه حيث يعتبر بالنسبة لهم الضوء في نهاية النفق المظلم والطويل. وقالت أيضا بخصوص الدكتور آدم بنيامين بأنه من الناشطين المحبوبين في الحقل القومي عمل مع روبرت قليتا لسنوات عديدة فكلاهما سافراً إلى العراق في الماضي لتقديم دعمهم ومساندتهم شعبهم وتقييم الوضع هناك وأن عملهم القانوني تجاوز قاعات المحاكم إلى الأعمال الإنسانية ومشاريع مفيدة لشعبنا.  ثم قدم أبناء شعبنا في الولايات المتحدة إلتماس إلى المدعي العام طالبين بسحب التهمة ضد المحامي روبرت قليتا والدكتور آدم بينامين.   
 


السيدة ماركريت خمو تلقي كلمتها المؤثرة في الحاضرين
(الصورة منقولة من (AINA)
==========================================

وأخيراً لم يبقى في هذه السطور القليلة إلا أن أقول بأنني عرفت المحامي روبرت قليتا عن كثب ولمست غزارة ثقافته وطيبة قبله وتأثرت بحماسه في العمل القومي والإنساني وبشجاعته في خوض أصعب القاضايا وأعقدها من أجل مساعدة شعبه المضطهد من دون أي تميز بين طائفة وأخرى أو عشيرة وأخرى فكان في قلوب جميع أبناء شعبنا وسيبقى كذلك رغم كل التهم الباطلة الموجهة له... أنه حقاً أمراً غريباً أن يصدر من الهيئات القضائية في الولايات المتحدة الإمريكية تصاريح تقول بأن المسيحيين في العراق غير مضطهدين... أليس هذا غريباً وعجيباً؟؟؟  وهنا لا يسعنا غير أن نقول بأننا نقف وبكل صلابة وإصرار مع المحامي روبرت قليتا والدكتور آدم ميخائيل في محنتهما هذه، ونأمل أن يعودا إلى حياتهم الطبيعية بعد إسقاط التهمة عنهما ويستمر عملهما القومي والإنساني تجاه شعبهم الذي يعاني أقسى أنواع الظلم والإضطهاد في هذه الدنيا.

192
من أرشيف الحركة القومية الآشورية:
---------------------

خيت خيت ألب ـ محبة وإتحاد آشوري
 
================================================
أبرم شبيرا
توطئة:
======

جانب من الأزمة الفكرية والثقافية التي يعاني شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" يتمثل في ندرة الوثائق التي تتناول تاريخ شعبنا خاصة السياسية والقومية وتحديداً عن أحزاب ومنظمات الحركة القومية الآشورية فلا نجد كتاباً علمياً موثقاً لأحداث الكثيرة والكبيرة التي مر بها شعبنا غير بعض الورقيات متناثرة هنا وهناك وقد يكون هنا كراس أو كتيب كتب وطبع ونشر بشكل محدود والكثير منها أصبحت من المقتنيات الشخصية لأفراد جعلوا منها مجرد ديكور لرفوف بيوتهم أن لم تكن متروكة في صناديق مهملة. وإستشعاراً بهذا النقص وإستجابة للحاجة غصتُ في أرشيف الرفوف العالية لمكتبتي الصغيرة أرتب مقتنياتها وأبحث عن شيء يسد هذا النقص ولو قليلا فوجدت مقالاً عن أول تنظيم سياسي قومي آشوري في العراق المسمى ( ) والذي يعني (حب أو محبة وإتحاد آشوري وتحت عنوان (خوبا وخويادا آتورايا ولد في الصحراء) وكتبه باللغة الإنكليزية السيد ميخائيل بيوس وكان قد نشر في مجلة نينوى، مجلد 22، عدد 3 لسنة 1999 ثم أعيد نشره في موقع بيت نهرين الألكتروني لعام 2001). الموضوع هو أكثر من مقالة بل يمكن أعتباره بحثاً تاريخياً موضوعياً أعتمد كاتبه على الوقائع والأحداث والتواريخ والشخصيات التي أستمد منها معلوماته وجلها من المقابلات التي أجراها مع الأفراد الذين عاصروا تلك المرحلة أو اللذين شاركوا في هذا التنظيم وأنظموا إليه ونشطوا في مجلات قومية متعددة والتي من خلالها يظهر بأن السيد ميخائيل قد بذل جهداً كبيراً ووقتا طويلاً في توثيق مرحلة من مراحل الحركة القومية الآشورية وهو أمر يستحق عنه كل الشكر والإمتنان للجهود الكبيرة التي بذلها في أخراج هذا الموضوع عن هذه المنظمة التي الكثير من أبناء شعبنا وتحديداً السياسيين منهم لا يعرفون عنها شيئاً غير أسمها ومؤسسها. وهذا الموضوع الذي أكتبه هو تذكير وتثمين لجهود السيد ميخائيل وتخليدا لذكرى مؤسسة الحركة أوسطه موشي وتعميماً لفائدته. أخذت معظم معلوماتي من بحثه ولكن بعد ترجمته وإعادة ترتيب معلوماته وأحداثه وتبويبها ليكون قراءته أسهل على القارئ اللبيب.

تأسيس الحركة:
==========

البذور قد زرعت (The Seed is Sown): هكذا يبدأ السيد ميخائيل بحثه، فيقول: في عام 1942 كانت قد ولدت حركة قومية آشورية جديدة، حركة خُبا وخوياد آتورايا والتي عرفت أختصاراً بـ (خيت خيت ألب) الأحرف السريانية الأولى لـ (خُوبا وخوياد آتورايا). كانت بذور الفكر القومي قد زرعت أولاً في مجموعة من الموظفين الآشوريين في قاعدة القوة الجوية الملكية البريطانية في جنوب العراق (الشعيبة) قرب البصرة ثم كانت أكثر إنتشاراً وتوسعاً ونمواً في المجمع المدني لقاعدة هذه القوة في الحبانية في وسط العراق. كانت الحركة نتاج فعال لمجموعة من الأشوريين القوميين الشجعان التي أستمر نشاطها الفعال لحين واجهة بعض الإنتهازيين والأنانيين فبأيديهم الغادرة توقفت الحركة وأنتهت بعد أن أستمر نشاطها لمدة تقارب خمس سنوات. تأسست الحركة وأنتظمت على يد موشي خوشابا وعرف شعبياً بأسم (أوسطه موشي) الذي كان يعمل نجاراً في قاعدة الشعيبة للقوة الجوية الملكية البريطانية حيث بدأ نشاطه من هناك بين الآشوريين الذين كان يتراوح عددهم بضعة مئات من الموظفين المدنيين والحرفيين من مختلف المهن، أي بعبارة أخرى بدأ أوسطه موشي نشاطه أولا بين الطبقات البرجوازية الصغير التي كانت تمتلك قدراً معيناً من الوعي القومي والثقافة العامة.  ثم أنتقل مع غيره من رفاقه إلى قاعدة الحبانية وهناك تكثف نشاطه وتوسع تنظيم الحركة أكثر بين الآشوريين في الحبانية التي عرفت في حينها بأجوائها الإجتماعية والتقارب بين العوائل وتشكيل مجموعات إجتماعية وفرق فنية ورياضية عديدة فكانت هذه الأجواء مناسبة جداً للقومي المتحمس أوسطه موشي ليشارك هذه التجمعات ويطرح فكرة تأسيس المنظمة. فبعد مناقشاته الطويلة والمثمرة مع عدد من القوميين ذوي الخبرة والفكر النير الذين كان يثق بهم أسس حركة خيت خيت ألب والتي كانت بشكل أو بآخر تشبه أسلوب ونظام حزب طاشناق (الحزب القومي الأرمني) الذي كان أوسطه موشي عضواً فيه لمدة 15 سنة عندما كان في روسيا.

من هو أوسطه موشي؟:
=============

إستناداً للمعلومات المستمدة من أبنه أونر عام 1995، ولد موشي خوشابا في (صوليز) في بلاد فارس عام 1876 فكان الأبن البكر للسيد خوشابا والسيدة سًنام وهي أرمنية. في عام 1885 هاجرت عائلة أوسطه موشي إلى أرمينيا وكان عمره حينذاك تسع سنوات. عاش وترعرع في أرمينا لمدة 26 سنة حيث درس وخدم كضابط في الجيش وأنضم إلى حزب طاشناق الأرمني قبل أن يعود إلى مسقط رأسه (صوليز) عام 1911. وأثناء الحرب الكونية الأولى خدم كضابط في قوات الجنرال أغا بطرس القائد العام للقوات الآشورية التي كانت تحارب جنباً إلى جنب مع القوات الروسية والبريطانية ضد الأتراك وبعض العشائر الكوردية المتحالفة معهم. وبعد مأساة وفواجع الحرب والتشرد من الأوطان وصل أوسطه موشي مع عائلته إلى بلاد مابين النهرين (العراق فيما بعد) عام 1918 مع أكثر من خمسين ألف مهاجر من أورمي وهيكاري. كان هو وشقيقيه (سايمون) و (يوسب) يعملون كنجارين في الحبانية وكان متزوجاً من السيدة (راخه – راشيل) أبنه السيد يوسب بادل وكان لهما ولدان: أرام و أونر وبنت أسمها يوليه. عاش أوسطه موشي حياة هادئة وبسيطة جداً حتى وفاته في عام 1951 وعن عمر ناهز الخامسة والسبعون. 

يتساؤل السيد مخيائيل بيوس: أي نوع من الأشخاص كان أوسطه موشي النبيل والمتواضع لكي يمتلك القوة في تأثير والقيادة والسيطرة وإكتسابه لمحبة وأحترام رفاقه في الحركة؟؟  كان أوسطه موشي مثقفاً وكثير القراءة والإطلاع وقرأ العديد من الكتب المعروفة في السياسية والفكر والإجتماع ويقال بأنه كان أيضاً لغوياً يقرأ ويكتب باللغات الآشورية والأرمنية والروسية والإنكليزية والفارسية والتركية والكوردية وبعض الشيء من العربية. كان أوسطه موشي خطيباً بارعاً وفناناٌ مبدعاً في فن الرواية والحديث حيث كان يتحدث ويروي للتجمعات الآشورية في الحبانية قصص وروايات عن التاريخ الآشوري فكانت له براعة فائقة في جلب إنتباه المستمعين الذين كانوا في البداية عدد قليل ثم أصبحوا بالعشرات. كان أوسطه موشي يعرف فنون الرواية والحديث الشيق بحث عندما كان يصل إلى حدث مهم ومثير كان يقطع الحديث ويوعد مستمعيه بأن يكمله في اليوم التالي كما هو الحال بالنسبة للمسلسلات التلفزيونية الحالية. ومن خلال هذه القصص والروايات كان أوسطه موشي تدريجياً يبدأ الحديث عن المحبة والإتحاد والقومية وغيرها من المواضيع المتعلقة بالمصلحة القومية وذلك لغرض يهدف إليه في إنماء الوعي والمحبة والإتحاد بين الآشوريين كسبيل وطريقة لضمهم إلى الحركة.
كان أوسطه موشي جذاباً وذو شخصية كرازماتية ليس في مظهره وملبسه بل في فكره ومصادره الثقافية وفي صوته وأسلوبه ومضامين حديثه وكان بكل معنى الكلمة شخصاً ذكياً ومثقفاً فكان يوصف بالمتواضع والمحتشم و "جينتلمان". فكان يتحدث لمستمعيه مستعملاً أسلوب لغة العيون (Eye Contact) ويتكلم بهدوء وببطئ ليجعل معاني حديثه ذات مصداقية ومفهومة ومؤثرة على مستمعيه بحيث كانوا يشعرون بأنه فعلاً في حضور شخص ذو معرفة عميقة وثقافة عالية. كما عرف عن أوسطه موشي بقوة ذاكرته وإمتلاكه لموهبة في ربط كلمة بكلمة وجملة بجملة وفي إتساق تام ويربطها باحاديثه السابقة مما كان يسلب إنتباه مستمعيه. ولم يكن أوسطه موشي بعيداً عن موهبة الشعر وتأليف الأغاني القومية ومنها أغنية (جونقا زخما – الشاب الشجاع) التي كان يرددها الكثير من الشباب في تلك الفترة. وعرف أيضاً عنه بأنه كان ينبذ العنف ووسائل القوة في مواجهة الخصوص فكان رجل مسالماً خاصة مع أبناء شعبه الآشوري. ففي الكثير من الأحيان كان يطرح له بعض من الأعضاء الشباب المتحمسين فكرة مواجهة خصوص الحركة الذين يسببون المشاكل لهم وتصفيتهم بالقوة والعنف غير أنه كان يغضب كثيراً ويقول : لا نريد أن نقتل... "لقد جئنا لنوحد شعبنا ولا نريد أن تأتي قطرة دم من أنف أي واحد منهم ... ولكن عندما يتلطب أمر قضيتنا فإننا سنقوم بكل مايلزم وضروري في مواجهة هؤلاء اللذين يقفون ضدنا".

هل كان أوسطه موشي شيوعياً:
===================

ليس غريباً على شخص عاش وترعرع في روسيا وسافر إلى الإتحاد السوفياتي وزار الكثير من مدنها ومعالمها ومعاهدها أن لا يتأثر بالشيوعية خاصة وأن ثقافته الواسعة وفكره النير وأسلوبه الشيق في الحديث كانت من سمات الكثير من الشيوعيين الآشوريين ولا نستبعد أن يكون قد ألتقى أو أجتمع بالآشوري الثائر الآخر بيتر (بطرس) فاسيلي الأب الروحي للحزب الشيوعي العراقي الذي جاء من نفس المنطقة وعاش فيها وعاصر نفس الزمن وأحداثه المأساوية رغم عدم وجود مصادر تؤكد هذه الفرضية. من هذا المنطلق لم يكن غريباً أن يتهم أوسطه موشي في كونه شيوعياً. كان أحد الأعضاء السابقين للحركة قد سمع فيما بعد بأن أوسطه موشي كان شيوعياً ولكن آخرون من أعضاء الحركة رفضوا هذه التهمة وأكدوا بأن أوسطه موشي كان قومياً ويكفي أنه كان لفترة طويلة عضواً في حزب طاشناق الأرمني وهو الحزب القومي المتشدد والمعروف عنه بمعاداتة للشيوعية. وكانت تهمة الشيوعية ضد أوسطه موشي قد وصلت للحكومة العراقية والسلطات البريطانية وعلى أساس هذه التهمة أستدعي من قبل مفوض مركز الشرطة في الحبانية فوجه إليه تهمة الشيوعية والتي كانت في حينها أخطر التهم بالنسبة للسلطات العراقية والبريطانية، فما كان من أوسطه موشي وبشجاعته المعروفة إلا أن يلعن مفوض الشرطة ويقول له: ربما أنت شيوعي وليس أنا، ثم أردف قائلاً: على حكومتك أن تأتي وتُقبل أرجلنا لأننا نحن ضد الشيوعية غرضنا هو توحيد شعبنا وصد الشيوعيين من التغلل بيننا. ويذكر بأن الضابط البريطاني المسؤول في المجمع المدني في الحبانية كان أيضا قد أستدعى أوسطه موشي مع عدد من رفاقه إلى مكتبه في مقر القيادة البريطانية فقام الضابط وهددهم بالسلاح واضعاً مسدسه على طاولته قائلاً: إذا كان صحيحاً بأن شعبكم له حركة شيوعية فإنني سأطلق الرصاص عليكم من هذا المسدس؟.
على العموم يمكن القول بالإستناد إلى المعلومات البسيطة والمتضاربة بأن أوسطه موشي كان ماركسي المنهج والعمل السياسي ولكنه كان قومياً آشورياً متحمساً ومخلصاً لشعبه في عمله القومي وعلى هذا الأساس فأن خيت خيت ألب وبتنظيمها ومنهجها كانت تخلق نوع من الفكرة عن النظام الشيوعي. يتسائل السيد ميخائيل بيوس: هل كانت خيت خيت ألب نوعاً من الشيوعية للقومية الآشورية؟ ونحن بدورنا نؤكد مرة أخرى بأن أوسطه موشي كان ماركسي المنهج والتنظيم وقومي الفكر والعمل السياسي، ولم يكن شيوعياً لأن هناك فرقاً كبيراً بين الشيوعية كنظام سياسي وإقتصاي والماركسية كفكر وفلسفة ومنهج عمل سياسي.

هيكلية تنظيم خيت خيت ألب:
=================

مهما كان تهمة الشيوعية الموجهة لأوسطه موشي صحيحة أو غير صحيحة فإن هذا لا ينفي إطلاقاً تأثره بالفكر الماركسي وبالأسلوب الماركسي اللينيني في العمل السياسي والتنظيمي، فإذا لم يكن شيوعياً فأنه بالتأكيد كان ماركسياً من حيث المنهج السياسي وأسلوب عمله الحزبي وهذا يظهر جلياً في هيكلية تنظيم خيت خيت ألب الذي أتبع الأسلوب اللينيني في تأسيس الحركة كما أنه من المؤكد بأن وجوده كعضو في حزب طاشناق الأرمني لفترة طويلة تأثر بأسلوب تنظيم هذا الحزب الذي كان من المؤكد يعتمد أيضا على الأسلوب اللينيني في النظام الداخلي وهيكلية الحزب وهو الأسلوب المعتمد في الأحزاب اليسارية واليمينية خاصة التي تنشط في الأجواء السياسية الإستبدادية والتي تكون في غالبيتها أحزاب سرية مقاومة للأنظمة السياسية.
كانت الحركة قد تأسست وقادت من قبل أوسطه موشي ونشطت في المجتمع الآشوري في الحبانية وجند وأنظم إليها عدة مئات من الموظفين المدنيين الآشوريين وخاصة القوميين منهم خلال خمس سنوات من عمر الحركة التي كانت حركة سرية لأن النشاط القومي السياسي الآشوري كان ممنوعاً ومحرماً من قبل السلطات البريطانية والعراقية ويعاقب كل من يقوم بمثل هذا النشاط السياسي حيث كانت هذه السلطات قد أجبرت كل من يوظف لديها عليه أن يوقع على وثيقة تنص على حماية سرية عمله والولاء لمستخدميه من السلطات البريطانية. لذلك طبقاً لهذه الظروف التي كان يتطلبها نوع من السرية في العمل السياسي كان تنظيم خيت خيت ألب هرمي الشكل يبدأ من القاعدة وينتهي في القمة قائم على أساس الخلايا واللجان والفروع ومن ثم اللجنة المركزية. كان تنظيم خيت خيت ألب يتكون من عشرات الخلايا وكل خلية تتكون من ستة أعضاء أوأكثر وكان يعطى لكل عضو أسم حركي حفاظاً على سرية أسمه الحقيقي فكان لا يعرف أعضاء الخلايا الأخرى بل يعرف فقط رفاقه في نفس خليته. كان لكل خلية مسؤول عنها يشكل مع مسؤولي الخلايا الأخرى لجنة ويكون لكل لجنة مسؤول وهو بدوره مع مسؤولي اللجان الأخرى يشكلون جمعية أو فرع التي يكون لها رئيسا فهو الذي يكون له حق الإتصال باللجنة المركزية أو برئيسها أو بأحد أعضاءها. هكذا كان التسلسل الهرمي للتنظيم وطريقة الإتصال الذي يشبه كثيراً أسلوب لأحزاب الماركسية وبعض أحزاب العالم الثالث ومنها بعض من أحزابنا "الكلدانية السريانية الآشورية" السياسية في هذه الأيام.
كان للحركة قًسم مفروض على العضو الجديد أن يتلوه أمام أحد المسؤولين في الحركة أو أمام أوسطه موشي نفسه كشرط لقبول عضويته في الحركة وكان القسم يتضمن التعهد على الولاء وقبول الأوامر الصادرة من القيادة أو اللجان العليا والحفاظ على سرية الحركة والدفاع عن أهدافها والأخلاص لها. يروي أحد الأعضاء السابقين في الحركة بأنه عندما أصبح عضواً فيها أخذه مسؤوله المباشر إلى منزل أوسطه موشي الذي جلب الكتاب المقدس وسيفاً وطلب منه أن يركع وأن يضع يده اليمنى على الكتاب المقدس ثم وضع أوسطه موشي السيف على كتف المرشح  للعضوية وبدأ  بتلواة القسم الحزبي طالباً منه أن يردده من بعده وبعد ذلك يعطى له الأسم الحركي. ومن الغريب أيضا كان أوسطه موشي يجلب سكيناً وشوكة ويضعهما على الطاولة، ولا أحد من الأعضاء السابقين للحركة الذين قابلهم السيد ميخائيل بيوس أستطاع ذكر نص القسم تماماً ولا مغزى السكين والشوكة. ولكن لا أدري إذا كان يصح لنا أن نحزر بأن مغزى السكين والشوكة اللذان يرمزان كأدواة لأكل الطعام هو بأن الشراكة في التنظيم من خلال إكتساب العضوية هو كالمشاركة على المائدة الواحدة في أكل الطعام. كانت اللجنة المركزية، وكما هو معروف لدينا، هي القيادة العليا التي تصدر القرارات والأوامر وكانت تتكون من الأعضاء المؤسسين والقدماء إضافة إلى البعض الآخر المنتخبين، وقد عرف فيما بعد بعض من هذه الأسماء وغيرهم من الأعضاء النشطاء منها أوسطه موشي وأخوه سامسون وديفيد أسحق وبولس أودا وإيوان وردا ورابي أبرم بنيامين وبنيامين كاندلو و شاول سليمان و روفي ميخائيل وسركيس مايكل وأويقم يونان وديفيد كوركيس وهناك أسماء أخرى لم تذكر من قبل الذين قابلهم السيد ميخائيل بيوس. ومن الجدير بالذكر بأن بعض من هؤلاء الأشخاص بقوا نشطين في الحقل القومي والإجتماعي حتى بعد زوال تنظيم خيت خيت ألب.

كانت أجتماعات كل خلية وكل لجنة أو اللجنة المركزية تعقد بشكل سري في أمكان مختلفة عادة في بيوت الأعضاء أو في أماكن معزولة وبعيدة عن السلطات الحكومية. ولكن من المؤسف له لم نستطيع أن نعرف فيما إذا كانت الحركة تعقد إجتماعات للمؤتمر العام او الكونفراس وفيما إذا كان لها نظام داخلي ومناشير ولكن عرفنا بأن الأعضاء كانوا يدفعون إشتراكات عضوية بسيطة قدرها 100 فلس عراقي كانت تجمع وتحفظ في صندوق الحركة وبشكل سري خوفاً من أن ينكشف غرضها السياسي للسلطات البريطانية ومن ثم أحالته إلى السلطات العراقية. وفي نهاية عمر هذه الحركة كان في صندوقها مبلغ قدره 300 دينار عراقي، أي تقريباً 100 دولار أمريكي وقد أقترحوا بعض الأعضاء تبرعها لأوسطه موشي الذي كان في نهاية أيام خيت خيت ألب يعاني من مشاكل إقتصادية ومالية غير أن بعضهم رفضوا هذا المقترح لكي لا يفسر على أنه تفضيل مصلحة أوسطة موشي على غيرها من الأمور لذلك فقد تم التبرع بهذا المبلغ إلى كنيسة مار كوركيس لكنيسة المشرق في الحبانية.

أهداف الحركة:
===========

كان المجتمع الآشوري في الحبانية قائماً على مزيج من عشرات العشائر والطوائف التابعة لمختلف الكنائس المسيحية، مثل كنيسة المشرق والكنيسة الكلدانية وكنائس الروم الأرثوذكس وعدد قليل من أتباع البروتستانتية فكان بينهم نوع من التحامل والتحيز بين المجموعات التي جاءت من مناطق مختلفة (أورميشنايه، شابطنايه، طورايه) من جهة وبين العشائر والطوائف لمختلف الكنائس من جهة أخرى والذي كان يتزاوج مع التعصب الأعمى والإستياء والغيض والشعور المعادي وحتى الصراعات النفسية بين هذه المجموعات. ضمن هذه الأجواء كان عمل أوسطه موشي ومنظمته يهدف إلى توحيد هذه المجوعات المتصارعة في وحدة من الأخوة والمحبة. يقول أحد الأعضاء السابقيين للحركة بأن هدف أوسطه موشي من تأسيس خيت خيت ألب كان لغرض محاربة الإختلافات والنزعات العشائرية والشللية والطائفية وتوحيد الشعب بمحبة وبقيادة واحدة وكانت هناك شواهد عديدة وأفعال تؤكد غرضه في تحقيق هذه الأهداف. من هذا المنطلق يظهر بأنه كان للحركة في منظورها البعيد هدف قومي سياسي من خلال توحيد الشعب وزرع المحبة بين أفراده والعيش بتجانس وفي نفس الوقت نشر هذه الرسالة في المجتمع الآشوري إينما كان. ذكر أحد الأعضاء السابقيين للحركة بأن الغرض الرئيسي لأوسطه موشي من تحقيق المحبة والوحدة بين أبناء شعبه وتطوير الروح القومية الآشورية ومساعدة بعضهم للبعض بكل الطرق الممكنة كان بهدف بعيد المدى قائم على ضمان وطن قومي للأشوريين وتحقيق الهوية القومية في الوطن الشرعي للأباء والأجداد.
لقد كان صدى خيت خيت ألب قد أخترق وتسرب إلى المجتمعات الآشورية في بغداد وكركوك والبصرة وحتى إلى سوريا وإيران. ويقال بأن رسالتها كانت قد قوبلت بحماس خاصة من قبل الآشوريين في عبدان وطهران ومن قبل الموظفين الآشوريين العاملين في محطات ضخ البترول لشركة نفط العراق حيث كانت الرسائل ترسل إلى سوريا وإيران بيد أعضاء موثيقين بهم وبشكل خاص رسائل لأغراض تنظيمية وفكرية. قال أحد الأعضاء السابقين بأن صوت الحركة كان قد وصل حتى إلى المجموعات الآشورية في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال إرسال رسائل بيد طيار آشوري أمريكي كان يزور الحبانية.  ولكن السؤال يبقى قائماً وهو هل حقق أوسطه موشي ومنظمته خيت خيت ألب أهدافها؟؟ هذا ما سنبحثه وبإختصار في السطور القادمة.

خيت خيت ألب وعلاقتها بالإضرابات العمالية:
=========================

هل كان لخيت خيت ألب علاقة بالإضرابات العمالية في عام 1948 في كركوك التي قام بها عمال شركة نفط العراق (IPC) وفي الحبانية في عام 1952 أو كانت بفعل تأثيرها بشكل أو بآخر أو بمشاركة بعض أعضاؤها السابقون في هذين الأضرابين.  فيما يخص الإضرابات العمالية في كركوك فالجواب هو قطعاً لا. فالكثير من أعضاء الحركة يؤكدون عدم وجود علاقة خيت خيت ألب بالإضرابات التي كانت قد نظمت وقادت من قبل الشيوعيين العراقيين الذين تعرضوا للإعتقال والقتل والجرح والبعض الأخر للإعدام، خاصة ونحن نعرف بأن خيت خيت ألب أنتهت، على الأقل تنظيمياً، في عام 1947 ولكن فكرياً لم تكن قد أنتهت نهائياً بل بقى تأثير فكرها في أعضاءها السابقين ولسنوات طويلة. من هنا نقول، رغم هذا النفي في عدم وجود علاقة خيت خيت ألب بالإضرابات، فأنه بإعتقادي ليس من المستبعد أن يكون بعض الشيوعيين الآشوريين الذين شاركوا في إضرابات كركوك كانوا سابقاً يخدمون في المؤسسات العسكرية أو المدنية البريطانية في الحبانية وكانوا ربما قد تأثروا بأفكار أوسطه موشي خاصة بمنهجه الماركسي في العمل السياسي وشاركوا في إضرابات كركوك العمالية. حيث يذكر المناضل التاريخي المرحوم توما توماس في أوراقه التي نشرت في موقع ألقوش دوت كوم الألكتروني بأنه كان يعمل في الحبانية منذ عام 1942 كضابط في القوات البريطانية وأنه هو والعديد من الضباط الآشوريين وغيرهم في الحبانية كانوا قد تأثروا بالأفكار الديموقراطية، خاصة بعد الإنتصارات التي حققها الإتحاد السوفياتي في الحرب الكونية الثانية وإنضمامهم فيما بعد إلى الحزب الشيوعي العراقي ثم  تسرحوا من الخدمة في القوات البريطانية وبدأوا العمل في شركة نفط العراق، ومنهم المناضل توما توماس  فمن المحتمل جداً أن يكون هؤلاء الضباط، خاصة وهم خيرة مثقفي شعبنا في الحبانية في تلك الفترة قد تأثروا بفكر خيت خيت ألب وبدعوات أوسطة موشي في الوحدة والعمل السياسي وبالتالي ليس من المستعد أن يكونوا قد شاركوا في إضرابات كركوك بشكل مباشر أو غير مباشر.

أما بالنسبة للإضرابات العمالية في الحبانية في عام 1952 فأن الأراء أختلفت وتضاربت حولها، حيث يعزوا بعض الأعضاء السابقيين للحركة حدوثها إلى هاجس خيت خيت ألب أو على الأقل إلى فكرها وروحها في حين يعتقد البعض الآخر بأن هذه الإضرابات كانت مؤامرة مدبرة ضد الآشوريين من قبل المجموعات الكوردية أو عناصر غير آشورية في الحبانية من أجل وضع اللوم على الآشوريين وجعل سبعة من أعضاء الحركة السابقين كبش الفداء والذين تم سجنهم لمدة عشرة أشهر وبدون محاكمة. أما البعض الآخر من الأعضاء السابقين فيعتقدون بأن هذه الإضرابات لم تكن مسبقة التدبير بل حدثت بشكل عفوي وكرد فعل لقيام القوات البريطانية المسلحة بغلق مدخل المجمع المدني بعد أعتقال أحد عشر آشوري في يوم قبل حدوث الإضرابات. على أية حال مهما كانت علاقة خيت خيت ألب من خلال أعضائها السابقيين بهذين الإضرابين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر فأنه ليس مستبعداً إطلاقاً أن يكوف فكر هذه الحركة محركاً لأعضائها السابقين للمشاركة في الإضرابين.

نهاية تنظيم خيت خيت ألب:
==================

أستمرت الحركة في نشاطها الفعال لحين واجهة بعض الإنتهازيين والأنانيين فبأيديهم الغادرة توقفت الحركة وأنتهت بعد أن أستمر نشاطها لمدة تقارب خمس سنوات وكان توقفها فجائياً بعد أن كشفتها سلطات القوة الجوية الملكية البريطانية، ولكن لا يزال الأمر غير واضحاً عن كيفية إكتشاف أمر هذه الحركة من قبل السلطات. فالبعض يعتقد بأنه كان بسبب الصراع من أجل السلطة والقيادة في الحركة. أحد الأعضاء السابقين المشهورين في الحركة أدعى بأن أوسطه موشي كان منقاداً من قبل المتملقين والأقارب. آخرون نكروا هذا وأكدوا وبحزم بأن أوسطه موشي كان محبوباً ومحترماً كقائد ولم يكن له خصوم ومناوئين لأنه كان متواضعاً ولم يتعالى أبداً على أحد. البعض الآخر من الأعضاء السابقين يعتقدون بأنه كان هناك أيادي آشورية غادرة تسلسلت إلى الحركة وكشفت أمرها للسلطات لكسب حضوة الموظفين البريطانيين. أحد القياديين السابقين للحركة أدعى بأن أحد الأعضاء أراد الأنتقام لنفسه بسبب السخط الذي إنتابه من جراء تنزيل درجته الحزبية ففشى أمر الحركة للمسؤول البريطاني عن المجمع السكني. لايزال أحد الأعضاء يعتقد أنه بسذاجة وضحالة بعض الأعضاء أفشوا سر الحركة عندما كانوا يتحدثون بحسن نية إلى الموظفين البريطانيين والذين بدورهم بلغوا المراجع المخابراتية البريطانية. ونفس العضو يقول بأنه شاهد تقرير بالغ السرية عن الحركة تم تسريبه من مكتب ضابط بريطاني رفيع المستوى من قبل موظف مدني آشوري. لهذه الأسباب كان الكابتن لوفيت كامبل قائد السرية البريطانية والمسؤول عن المجمع المدني قد أستدعى أوسطة موشي مع عدد من رفاقه وتوجيه تهمة الشيوعية لهم، كما سبق وذكره في أعلاه. وعضو قيادي آخر في الحركة ذكر بأن الكابتن كامبل كان يعتزم طرد 150 عضواً من أعضاء الحركة خارج المجمع المدني. نفس العضو السابق في الحركة يقول بأن شخصين من المقربين إلى الضباط البريطانيين أخذوا القضية من أمام الكابتن كامبل وبسرية سربوها إلى قادة خيت خيت ألب لحل الحركة قبل أن يتفاق الوضع وينكشف الأمر إلى السلطات العراقية.
أنه من الثابت بأن سلطات القوة الجوية البريطانية في الحبانية كانت خائفة من أن تكون الحركة شيوعية ولكن بعد التحقيق المكثف أدركوا بأن أوسطه موشي أنسان مثقف وله قابلية القيادة ولكن لم يكن له نوايا سيئة تجاه البريطانيين أو الحكومة العراقية وأن هدف الحركة كان وطنياً وقومياً لخلق المحبة والوحدة والرفقة في المجتمع الآشوري، وهذه الأهداف في الحقيقة لم تكن أسنان قادرة على العض، حسبما ذكر الكاتب. ولكن من جانب آخر من المحتمل أن السلطات البريطانية أدركت بأن أوسطه موسي ربما سيكون مشكلة لهم لا تحتمل لهذا السبب طرد من وظيفته كنجار، وقيل في حينه بأنه كان مراقب وكان بين حين وآخر يستدعى من قبل قائد الشرطة العراقية لإستجوابه، وهذا حدث خلال الفترة 1947-1948. ويعتقد عضو آخر سابق في الحركة بأنها لم تمت الحركة بل أن روحها بقت فاعلة وإن الإضرابات العمالية في الحبانية لعام 1952 كانت قد دبرت بهاجس من حركة خيت خيث ألب وبفعل روحها. ويختم هذا العضو حديثه بالقول بأنه إذا كانت روح الحركة لازالت حية وفاعلة حتى بعد التهديد المميت للكابتن كامبل فإن فشل الإضرابات العمالية في الحبانية هي التي قتلتها بالفعل وما نتيج عن ذلك من أعتقالات. على أية حال فإن أوسطه موشي لم يعتقل ولم يطرد من القاعدة الجوية في الحبانية لقد تُرك أن يعيش مع عائلته في أحدى البيوت البسيطة جداً، ربما كان رهن الإعتقال المنزلي. على الرغم من أن أبنه الأصغر أرم كان ذو مورد عيش كبير إلا أن أحد رفاق أوسطه موشي يقول بأن مؤسس الحركة وقائدها عاش في ظروف إقتصادية صعبة للغاية.
   
هل حققت خيت خيث ألب أهدافها:
===================

يذكر أحد أعضاء الحركة السابقين ويقول: في الحقيقة بعد تأسيس الحركة في الحبانية تحسنت الظروف كثيراً وبالنتيجة ظهرت أجواء ومشاعر من الأخوة وخفت الفروقات العشائرية والطائفية فكانت هناك خلافات أقل مما كانت عليها في السابق والناس أصبحوا أكثر وديةً ومحبة. يقال أيضا بأنه عندما كانت تظهر أية مشكلة فكان أعضاء الحركة يتدخلون لحلها وتلطيف الأجواء وتحسينها بين العوائل: بين الأصدقاء، بين الزوج والزوجة، وبين الوالدين والأبناء ويخففون من المشاعر والمواقف الصلبة ساعين إلى الهدوء والسلم بينهم. لا وبل حتى كان أعضاء الحركة قادرون على أعطاء المشورة والنصائح للفتيات للإستقامة والعفة. ويذكر عضو سابق آخر ويقول بأنه حتى لو فقد أي شخص عمله أو كان مريضاً أو هو بحاجة فكانت الحركة وبأسلوبها الهادئ والمرن تعرض له مساعدة بسيطة من صندوق الحركة.
على العموم، مهما كان الجواب بالنسبة لتحقيق خيت خيت ألب لأهدافها، إلا أنه برأي الشخصي أقول لا أحد يستطيع أن ينكر بأن المجتمع الآشوري في الحبانية، وبفعل نشاط خيت خيت ألب من جهة والإحتكاك بالبريطانيين من جهة أخرى كان من أكثر المجمعات الآشورية تقدماً وإنفتاحاً وتحضراً أن صح التعبير عن غيره من المجتمعات الآشورية في المدن الأخرى وعلى مختلف المستويات الإجتماعية والفنية والرياضية وحتى السياسية والقومية إضافة إلى المجتمع الآشوري في كركوك الذي هو الآخر كان متقدماً من نواحي عديدة وبفعل إنتقال الكثير من الآشوريين من الحبانية إلى كركوك والعمل في شركة نفط العراق. كانت الحياة الإجتماعية في الحبانية في أوجه قمتها تتمثل في التجمعات والأندية والحفلات والسفرات ولا ننسى بأن خيرة لاعبي كرة القدم العراقية كانوا قد نشأؤا وترعروا في الحبانية أمثال شيخ المدربين المرحوم عمو بابا وأرم كارم ويورا إيشايا وعمو سمسون و إديسون إيشايا و هرمز جبرائيل ودكلس عزيز وشدراك يوسف وعمو يوسف وعشرات غيرهم. ومن الحبانية كان الأغنية الآشورية الأصيلة تصدح بأصوات مطربين معروفين في التراث الغناء الآشوري، ولو دققنا في بيلوغرافيا مؤسسي وقادة أحزابنا السياسية لوجدنا الكثير منهم ولدوا في الأجواء القومية للمجتمع الآشوري في الحبانية ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر سركون داديشو عن حزب بيت نهرين الديموقراطي و يونادم كنا عن الحركة الديموقراطية الآشورية وغيرهم كثر. كما لو دققنا في تواريخ تأسيس الأندية الآشورية المعروفة في تاريخنا المعاصر، مثل النادي الرياضي الآشوري في بغداد وفرعه في كركوك والجمعية الخيرية الآشورية في بغداد وفرعها في كركوك والنادي الآشوري في لندن وغيرها كثيرة في بلدان المهجر، نرى بأن أبناء الحبانية كانوا من مؤسسيها وروادها في إدارتها.
ليس هذا فحسب، بل شخصياً أتذكر في بداية السبعينيات من القرن الماضي ومن المؤكد الكثير من أصدقائي يتذكرون أيضا بأنه كلما كنًا نلتقي بشخص له أفكار قومية كنًا على الفور نقول بأنه من جماعة خيت خيت ألب مما يؤكد بأن فكر الحركة لم يكن قد زال بل كان راسخاً في فكر الكثير من القوميين الآشوريين في تلك الفترة.   

نظرة عامة للوحدة الآشورية:
==================

بعد كل هذا أعجبني أكثر ختام موضوع السيد ميخائيل بيوس الذي ختمه بالإشارة إلى النظرة العامة للوحدة الآشورية فيقول:
أن القوميين الآشوريين في الماضي خاطروا بحياتهم وبعوائلهم وأيضا بأمن حياتهم من أجل العمل لرفاهية ووحدة شعبهم. ما هي فرص وحدتنا القومي في هذا اليوم وبواسطة قادتنا خاصة في الغرب الذين لا يتمتعون بالراحة وعدم المخاطرة وبحياة الرفاهية فحسب بل أيضا بالحرية والأمن السياسي. أن شعبنا الآشوري متوق للمحبة والوحدة تحت قيادة واحدة متوحدة، ولكن يبدو بأنه حلم محير لأنه من الواضح بأن محبتنا هي الغدر والكراهية وأن وحدتنا ممزقة ومتشرذمة بإتجاهات مختلفة. ربما ما نحتاج إليه بالحقيقة هو أن نخلق رجل حكيم وحليم ومنكر الذات وغير أناني، رجل سلام ونيات طيبة... قائد كأوسطه موشي حتى يجلب كل هذه الشرذمات في وحدة وقيادة تحت علم واحد.... هل هناك رجل أو مجموعة رجال في المستقبل القريب أو إننا ننشأ ونحلم بأمل كاذب؟؟ 
صورة وحديث:
=============


 
صور لفرقة بابليون الموسيقية في الحبانية ويظهر فيها عاز الساكسفون السيد إسخريا عوديشو إسخريا الذي كان من مؤسسي النادي الآشوري في لندن ومن المؤتمين عليه. والصورة الأخرى تظهر جانب من الحفلات والنشاطات الإجتماعية التي كان يقوم بها الآشوريون في الحبانية... هذا كان قبل أكثر من ستة عقود وفي بلدة صغيرة – الحبانية – وبإمكانيات ضعيفة ولكن الآن ونحن في القرن الحادي والعشرين... أين الآشوريين في شيكاغو على سبيل المثال من مثل هذه النشاطات، فاليوم لا يوجد هناك غير نادي واحد لا يفتح أبوابه إلا في يومي الثلاثاء والجمعة... أليس هذا ما يسمى بالتأخر ... الأجتماعي على الأقل. (الصور من ألبوم السيد أسخريا عوديشو أسخريا).
=======================================
صور منقولة من مجلة (بوخرا أتورايا – المراقب الآشوري) التي كان يصدرها المرحوم أندريوس ماما (الأول من اليمين – الجالسون في الصورة السلفى) في لندن ويظهر فيها مدى نشاط وتفوق الآشوريون في الحبانية من خلال الفرق الرياضية، خاصة في كرة القدم والسلة والهوكي حيث كانوا أبطال في الكثير من المواسم الرياضية.. وفي الصورة ألعليا يظهر شيخ المدربين عمو بابل ويورا وإيدسون وهرمز كوريل. أتذكر في السبعينيات من القرن الماضي كان الفريق العراقي لكرة القدم بعهدة المدرب السوفياتي يوري وكان أكثر من ثلثي الفريق من الآشوريين، وجلهم من الحبانية،  فتدخل إتحاد الكرة العراقي متسائلاً ومحتجاً على كثرة الآشوريين في الفريق، فقال يوري لهم مستغرباً : من هم الآشوريين... أهل هم ناس غرباء وغير عراقيين... أنا أعرف بأن كل أعضاء الفريق هم من العراق!!


193

ألف مبروك لشعبنا على هذا الإنجاز العظيم.
على ضوء إجتماع تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الاشورية

=============================================

أبرم شبيرا

قبل كل شيء أود أن أعتذر ومن كل أعماق قلبي على إتهامي لأبناء شعبنا وتحديداً أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية تهمة تقليدهم للعرب في السياسة والفكر وتناول الأوضاع القومية وتغليب المصالح التحزبية والخاصة على المصلحة القومية وعجزهم عن طرح الحلول المناسبة والممكنة للأمور المستعصية لحلها كطريق لأسعاد شعبنا وتخليصه من المعاناة والمأساة الكرونيكية. بل على العكس من هذه التهم فإن أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية يمثلون قمة الديموقراطية ونموذجاً عالمياً رائعاً في ممارسة الديموقراطية وطرح الحلول الشفافة والموضوعية لمعالجة أو تخفيف من هذه المأساة والفواجع التي يعانيها شعبنا في الوطن بعيداً عن المهاترات والكلام الفارغ الذي لايشبع ولا يغزر. ومثل هذا النموذج الرائع للديموقراطية والفكر النير والموضوعي نشاهده دائماً في إجتماعات تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية (تجمع) وكان آخرها الإجتماع المنعقد في يوم السبت المصادف 22 تشرين الثاني 2014 في مقر حزب بيت نهرين الديموقراطي في أربيل نموذجاً رائعاُ في هذا السياق الذي في ختامه صدر بلاغاً تضمن مواضيع مهمة جداً بحيث عند قرائتي له "خجلت" من نفسي على إستعجالي في توجيه تهم باطلة لأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية المناضلة – أقرأ البلاغ على الرابط أدناه:
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,759908.0.html

في بداية الإجتماع أكد المجتمعون على الواقع المزري الذي يعيشه أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" المهجرين من مناطقه التاريخية في سهل نينوى على أيدي تنظيم داعش الإرهابي وأعتبره بمثابة إبادة جماعية لمكون أصيل من مكونات الشعب العرابي ... والله كلام مضبوط وجميل وغيرهم لم يذكروه أبداً، جرأة إيما جرأة... ولمعالجة هذا الوضوع المأساوي لشعبنا المهجر أكد أحزابنا القومية على مواجهة هذه الهجمة الإرهابية والتصدي لهذا الواقع المرير وعدم الإستسلام لما يفرض على شعبنا من محاولات قلع جذورنا من أرض الأباء والأجداد.... لا بل وأكثر من هذا بكثييييييييييير ... فقد أكد الإجتماع على التواصل والإستمرار في النضال من أجر تحرير كامل مناطقنا ومدننا في سهل نينوى وإعادة شعبنا إلى أرضه ومسكنه وتحقيق كامل حقوقه القومية العادلة والمشروعة من خلال الشراكة الوطنية الحقيقية ... فعلا تعجبني هذه الشراكة الحقيقية مع اللصوص والنصابين القابعين على السلطة ومراكزها في الدولة العراقية.... ولم يقتصر نضال أحزابنا والتصدي لهذا الواقع المرير بل أكدوا على ضرورة أن يكون لشعبنا وقواه السياسية الدور الواضح في تحرير مناطقه في سهل نينوى ... كيف يكون هذا الدور ؟؟؟ والله لا أدري ... فلربما هو سر من أسرار السياسة والإستراتيجية العليا لأحزاب التجمع وأمل أن يتجسد هذا الدور في تحرير مناطقنا التاريخية في القريب العاجل وضمن فترة زمنية قادرة على إقناع شعبنا بالثبوت والصمود والبقاء في أرض الوطن وعدم هجره إلى الخارج.

شجاعة أخرى أظهرها أحزاب التجمع عندما أنتقدوا وبشجاعة كاملة وواضحة تفوق شجاعة البطل الآشوري الآسطوري (قاطينه) وبدون أي خوف أو تردد دور الأمم المتحدة والحكومة في الإقليم والعراق في التعامل مع أزمة المهجرين من ناحية تقديم الحاجات الإنسانية الضرورية وإنشاء مراكز الإيواء التي تضمن للمهجرين العيش الكريم لحين التحرير والعودة إلى بيوتهم ومساكنهم وتعويضهم ... وناشدوا هذه الجهات للإسراع في تقديم الدعم الكامل للمهجرين خصوصاً وأن الشتاء قد حل ... بعد وكت...  ونأمل أن لا ينقضي الشتاء والدعم المطلوب محمول على ظهر سلحفاة حيثئذ تصل المساعدات "الشتوية" في عز الصيف الحار... ولكن نحن نؤمن بقدرة قادر بأن هذه المساعدات الشتوية ستتحول إلى مكيفات هواء وثلاجات ومجمدات ولربما قد يستفيد منها شعبنا ويحملها معه وهو على طريق الهجرة نحو الخارج، حينذاك ستكون هدايا من أحزابنا يتذكرون بها إنجازتهم العظيمة. وفي الختام عاهد الإجتماع شعبنا بالبقاء على العهد ومواصلة النضال ... الله يساعدكم ... وعدم الإستسلام للواقع المرير حتى نيل الحقوق المشروعة في الوطن أرض الأباء والأجداد ... ماشاء الله ... عفارم عليكم ... والله زلم حقيقيين من أبناء آشور وكلدو وحمورابي وسنحاريب ونبوخذنصر... خير خلف لخير سلف!!!

هنا ونحن في الختام يجب أن لا ننسى قمة من قمم الديموقراطية والشفافية لأحزابنا التي يمارسونها ليل نهار وهي أن كل حزب أو تنظيم منضوي تحت المظلة المخرومة للتجمع له كامل الحرية في الحضور أو عدمه وأبداء رأيه بكل صراحة وحرية من دون خوف وإرهاب ... من هذا المنطلق الديموقراطي لم يحضر الإجتماع كل من الحزب الديموقراطي الآشوري وحركة السريان المستقلة ومنظمة كلدو آشور للحزب الشيوعي الكردستاني... لماذا؟؟؟ لا.. لا.. ليس لأسباب شخصية أو تحزبية ولا لأن فلان لا يعجب فلان وكان قبل قرن من الزمن قد صرح تصريحاً منافي لهذا الحزب أو التنظيم ... بل السبب الرئيسي لعدم الحضور هو الإختلاف على وسائل النضال وكيفية الإستماتة في الكفاح لتحرير مناطق شعبنا المهجر وتباين في أساليب الصمود والتضحية من أجل البقاء في الوطن وعدم هجره نحو الخارج... هذه هي السياسة وإلا فلا... الإختلاف المشروع وارد خاصة ونحن نعرف بأننا أمة تحمل فكر وحضارة تزيد عن سبعة قرون وليس عيباً أن يكون إختلاف بين أحزاب هذه الأمة التاريخية..... من هذا المنطلق كان من حق ... بل كل الحق... للحزب الوطني الآشوري، العضو الفعال في التجمع الذي لم يحضر الإجتماع، أن يصدر تصريحه 
(أنظر الرابط: http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,759945.0.html ) حول الظلم الجائر لإجتماع التجمع والبيان الصادر عنه لأن كاتبي البلاغ  تناسوا عن عمد "دويخ نوشا" الذين وقفوا في جبهة القتال بأسم شعبنا ... وضحوا بأرواحهم من أجل إعلاء الشأن القومي والوطني ويعكسوا الرؤية الفعلية بتواجدهم الفعلي في القتال وليس ضمن الأحلام أو على الورق أو الإستعانة بالآخر لبناء قوة بأسم أماتنا وشعبنا ...(لا أدري إذا كان هناك فرقاً بين أمتنا وشعبنا أم هو تكرار لكلمات أم هنا فرق بينهما ونحن لا نعرفه).... هكذا يمارس الحزب الوطني الآشوري حقه الديموقراطي الكامل في بيان رأيه .. ولم لا ... وأن قواته "دويخ نوشا" المناضلة تتعرض للتجاهل والإهمال من قبل أخوتهم في الدم، ونحن بدورنا رغم بعدنا عنهم بألاف الأميال فأننا أكدنا ونؤكد مرة أخرى في عدم القول بأن تشكيل هذه القوات هو لمزايدة سياسية وقومية أكراماً للحزب ومناضيله وجلهم أصدقاء ومعارف لنا ولكن هناك أسئلة كثير تحوم حولها من حيث عددها وتمويلها ماليا ولوجستيكياً ومدى إستعدادها وقدرتها على مواجهة جبروت أرهاب داعش. شاهدت هؤلاء المناضلين وكان عددهم يتجاوز العشرة أشخاص على بعض شاشات التفلزيون والأنترنيت بملابسهم الحربية وأسلحتهم اليدوية (رشاشات) في قرية الشرفية القريبة من قصبة ألقوش يصرحون عن أستعدادهم للقتال والدفاع عن الأرض. بصراحة تأثرت كثيراً بكلامهم وصمودهم رغم قلتهم وضعف تسليحهم فلمست فيهم الأصرار للدفاع والحفاظ على أراضيهم.  وعلمت حينها بأن بعض من قوات داعش في مركبتين كانوا قد تقدموا نحو الشرفية لإحتلالها إلا أنهم تراجعوا قبل أي يصلوا إليها، ولا أدري .. ربما خوفاً من هولاء "دويخ نوشا" أم رهبة من مناضلي أبناء ألقوش البطلة التي هي الأخرى نظمت بعض من أبناءها، خاصة من الحزب الشيوعي، في مجموعة مسلحة لمقاومة إرهاب داعش... ومن يدري، ربما كانت قوات داعش قد سمعوا أو قرأوا عن التاريخ البطولي لأبناء ألقوش في مقاومة الظلم والإستبداد فخوفاً منهم لم يتقدموا نحو الشرفية ولا نحو ألقوش.

وهنا يجب أن لا يغيب عن بالنا التنافس الشريف والمضني بين أحزابنا في الكفاح والنضال من أجل الأمة والركض نحو ساحة القتال لتلبية نداء الأمة، فما أن بادر الحزب الوطني الآشوري (أترنايا) تشكيل قوات "دويخ نوشا" حتى هرع الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) وحزب بين نهرين الديموقراطي (كبا) لدخول ساحة التنافس في النضال وحرب التحرير وأعلنوا رغبتهم في فتح مراكز للتطوع وتشكيل قوات خاصة بشعبنا إستعداداً للنزول إلى جانب "دويخ نوشا" إلى ساحة القتال وتحرير أراض شعبنا ولكن المشكلة الكبرى لن تكون في تمويل هذه القوات المشتركة ولا في تجهيزاتها العسكرية والإستراتيجية والإستخباراتية وإنما مشكلتها الحقيقة والكبرى ستكون في تولي قيادة هذه القوات، أفهل سيكون قائدها من زوعا أم كبا أم أترنايا ... أمر يستوجبه إجتماع مهم وصدور بيان عنه قبل أن تنزل هذه القوات الساحة وتبدأ بالصدام المسلح بينها وتصبح فرجة للجيران.

لم يبقى إلا أن أشير بأن "الأخوة الأعداء" الأعضاء في عائلة التجمع أكدوا على أخويتهم الصميمة وأتفقوا جميع المجتمعين على إصدار البلاغ،  وبأعتقادي الخاص أعتبر هذا إنجازاً عظيماً لشعبنا أكثر بكثير من عظمة كراسي البرلمان أو كرسي مهلهل في مجلس الوزراء الذي كانوا يتقاتلون عليه وفرطوا به لأنه ليس ذات أهمية يملئ الجيوب، فالبلاغات هي أكثر أهمية لأنها مصيرية متعلقة بمستقبل شعبنا في الوطن. كان بعض من أبناء شعبنا قد طرحوا مقترحات وأفكار لأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية حول ضرورة تشكيل غرفة عمليات أو لجنة إغاثة أو مجلس "حرب" أن صح لنا التعبير ونحن محترقين بنيران الحرب الطائفي في الوطن ولكن كل هذا وذاك هو لاشيء ولا أهمية له في مقاييس أحزابنا السياسية بل المهم جداً هو أن يجلسوا في إجتماع وينثروا أوراق نضالهم وصمودهم في هذه الحرب اللعينة فهو أسلم وأضمن في رفع معاناة شعبنا وتخليصه من الظلم والإستبداد، لأن داعش وأمثالها من الحاقدين على البشرية يرتعبون من أوراق النضال والكفاح أكثر من أي شيء آخر... هذا كان آخر إكتشاف أكتشفوه أحزابنا السياسية وسجلوا به براءة أختراع في عالم السياسة والنضال القومي ... مبروك. 

وأخيرأ أود أن أعير أنتباه القارئ اللبيب إلى ظاهرة فريدة جداً في معظم المناسبات والبلاغات التي تخص شعبنا، فحالنا كحال العرب. فعندما يصدر بلاغ أو بيان عن إجتماع معين ولو كان من بضعة سطور نرى بأنه يرفق بعدد كبير من الصور عن الإجتماع، وهذا ما نشاهده في بلاغ إجتماع المجلس حيث أرفق بخمس صور ولنفس الأشخصاص الذين حضروا الإجتماع دون أي إختلاف غير وضعية جلوس الشخص وهذا ما نشاهده أيضا عند زيارة أحدى الشخصيات المعروفة في مجتمعنا، سواء أكان زعيم حزب أن مطران أبرشية معينة، لأبناء شعبنا حيث يرفق الخبر بعدد كبير من الصور. أستغربت عن هذا الموضوع فلجأت إلى صديق لي مختص في علم النفس للإستفسار عن هذه الظاهرة، فقال بأن إرفاق عدد كبير من الصور وتكرار نفس المشهد فيها ليس إلا دليلاً على شعور بالنقص تجاه مضمون موضوع الإجتماع أو الزيارة لأن المعني به هو أضهار للقارئ أو المشاهد مدى أهمية هذا الإجتماع أو الزيارة من خلال الصور العديد المنشورة مع الموضوع. ولكن رغم إحترامي الشديد لرأي صاحبي النفساني فإنني لا أتفق معه فيما يخص أحزابنا وإجتماعاتهم وبلاغاتهم لأنهم فعلا لا يشعرون بالنقص عندما يصدرون بيانهم ويرفقوه بالصور، فهم ممتلئين بشعور العظمة والنضال والكفاح والصمود فالصور التي ينشرونها هي مجرد للتذكير فقط لأبناء شعبنا بأن نضالهم مستمر وإن كان عبر كلام  أو صور أو على ورق... فهذا هو نضال أحزابنا منذ زمن ولا أعتقد أنهم سيتخلون عنه. فمرة أخرى نقول ألف مبروك لشعبنا على هذا النضال المستميت لأحزابنا وتنظيماتنا المناضلة... وأيضا نقول عود بعين الحسود لأن هناك الكثير يترصدون طرق نضال أحزابنا ويحسدونها.

وقبل أن أختم عرض صور نضال وكفاح أحزابنا هذه، اعترف بأنني سبق وأن ظلمتهم بتهمة تشبيه أساليب عملهم السياسي بالعرب وبالأحرى بالعرب العراقيين، ومن المؤسف له أن أعترافي هذا لم يثنيني عن الإستمرار في توجيه التهم لهم، وها أنا قابع – بطران -  في خيمتي في المهجر أنتقدهم وهم مستمرون بالنضال والكفاح على أرض الوطن معرضين حياتهم للخطر والموت... وليس لنا ألا القول: الله يكون في عونهم، فأن عجزنا من مجازاتكم على علمكم القومي البطولي هذا فأن الزمن القادم سيخلدكم وستضع صوركم إلى جانب أبطال أمتنا مثل أمير الشهداء البطريرك مار بنيامين وتوما أودو وفريدون آتوريا وأغا بطرس... نعمة لا تفرطوا بها ... أستمروا في النضال حتى يصيب بلاغاتهم وتصريحاتكم قلب داعش ويمحوها من الوجود.   

194
نظرة علماني على مقابلة غبطة المطرابوليت مار ميلس زيا مع SBS الإسترالية
=============================================


أبرم شبيرا

 

أجرى الأعلامي ولسن يونان المعروف بجرأته وصراحته في طرح أسئلة مهمة ومباشرة وحساسة، وبعضها محرجة، على ضيوف برنامجه التلفزيوني “وجهاً لوجه” الشيق في إذاعة وتلفزيون SBS الإسترالية في سيدني، أجرى مقابلة مهمة وحساسة مع غبطة مار ميلس زيا مطرابوليت أستراليا ونيوزلندا ولبنان لكنيسة المشرق الآشورية التي عرضىت أيضاً على شاشة موقعنا العزيز عنكاوة دوت كو كما تكرر عرضها على شاشة فضائية ANB في كاليفورنيا. ونظراً للأهمية القصوى لهذه المقابلة وما تضمنتها من تصريحات وأفكار قد تكون جديد على كنيسة المشرق الآشورية خاصة جانبها العلماني، وتحديداً القومي منها الذي يهمنا جداً ويتسق مع ما نؤمن به في هذه المرحلة المهمة التي يمر بها شعبنا المسيحي "الكلداني السرياني الآشورية" في العراق. إذن من هنا نؤكد بأن نظرتنا على هذه المقابلة ستقتصر على جانبها العلماني من مسائل قومية ولغوية وإجتماعية التي تضمنتها المقابلة ولا يشمل جانبها الديني واللاهوتي والطقسي إلا إذا وجدنا فيها علاقة مباشرة ومهمة ومؤثرة على هذه المسائل حينئذ سنضطر إلى الإشارة إليها.

يعاتبني بعض الأصدقاء والقراء عند إشارتي إلى قداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في بعض من كتاباتي كـ "البطريرك الآشوري"، فيقولون وبنوع من الحماس مقروناً بنفحات من التعصب: أليس بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية آشورياً أيضاً أو أليس بطريرك الكنيسة السريانية الآرثوذكسية وشقيقتها الكاثوليكية آشوريون أيضا، فلماذا تحصر صفة "الآشوري" على بطريرك واحد دون غيره؟؟؟. فالجواب هو بسيط و واضح لو نظرنا للأمر من دون تعصب وحماس لهذه التسمية. فقداسة البطريرك مار دنخا آشوري القومية ولكنيسته تسمية آشورية فهذه تسميته القومية ولا يرغب في أن يتسمى بتسمية أخرى. وعلى العكس من هذا فبقية البطاركة الإجلاء ليست تسميتهم ولا تسمية كنيستهم آشورية ومن المؤكن بأن قداستهم لا يرغبون بأن يتسموا بهذه التسمية بل بالتسمية الكلدانية أوالسريانية التي عرفو بها ولايمكن أن نفرض عليهم تسمية أخرى. وحتى نكون موضوعيين وصادقين في كتابتنا علينا الإعتماد كلياً على الواقع في بناء أفكارنا وليس على ما نتمناه. لا بل ويزيدون من عتابهم لي عندما أكتب موضوعاً أو تعليقاً على خطب أو رسائل قداسة البطريرك مار دنخا الرابع خاصة المرسلة إلى أبناء الكنيسة بمناسبة أعياد الميلاد أو القيامة ويتهمونني بنوع من المحباة والمجاملة لقداسته وهو أمر منافي للحقيقة والواقع، لأنه ليس لي علاقة عائلية أو عشائرية مع قداسته من جهة كما إنني ليست من المسيحيين المتعصبين لهذا الفرع من كنيستنا المشرقية أو ذاك، فإيماني المسيحي لا يتعدى ما أمرنا به ربنا يسوع المسيح له المجد. ولكن على الجانب الآخر من الأمر، عندما أرى بأن قداسته يشير ويؤكد على وحدة أبناء أمتنا المنتمين إلى جميع فروع كنيسة المشرق مهما كانت تسميتهم كلدانية أو سريانية ويعتبرهم أبناء قومية واحدة ويفضل أن يطلق عليها التسمية الآشورية، سواء أتفقنا مع هذه التسمية أم لا، فإن الفكر القومي الوحدوي لقداسته وفي أعتبار جميع أبناء فروع كنيسة المشرق قومية واحد يجمعهم اللغة التاريخ والحضارة هو الذي يثير أهتمامنا ويستوجبه التقدير والثمين والإشادة به. حبذا لو بقية بطاركة فروع كنيستنا المشرقية الأجلاء صرحوا بمثل هذا الفكر القومي الوحدوي، بغنى عن التسمية التي يفضلها قداستهم، لكنًا رفعنا قبعاتنا أمامهم وعظمنا هذا الفكر القومي الوحدوي وأشدنًا به كثيراً.

أسوق هذه المقدمة كمدخل لألقاء الضوء على مقابلة غبطة المطرابوليت مار ميلس زيا لأكشف بعض من الجوانب القومية والإجتماعية والتراثية وحتى المصيرية التي تهم شعبنا خاصة في الوطن الأم. تابعت بعض التعليقات وردود أفعال لبعض الأصدقاء عن هذا اللقاء وما تضمنه من مواضيع مهمة جداً وجديدة على كنيسة المشرق الآشورية. فالبعض أعتبارها إنقلاباً على مواقف الكنيسة ومفاهيمها المعروفة والآخرون أعتبروها إستدارة 180 درجة (U Turn) والأكثر من هذا وذاك قال البعض "شكراً لداعش" فإن جرائمها بحق شعبنا هي التي خلقت ردة فعل لدى غبطته ليطلق مفاهيم جديدة في الوحدة كحل للخلاص من المأساة والفواجع التي تضرب بقوة بأبناء شعبنا. في حين أعتقد البعض بأنها مجرد نوع من المجاملة والدبلوماسية لتلطيف الأجواء مع الكنيسة الكاثوليكية وتحديداً الكلدانية التي شابها بعض الإشكاليات في الآونة الأخيرة، خاصة عندما أشاد بمواقف قداسة مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وتثمينه لجهوده العظيمة تجاه شعبنا المسيحي ومعاناته الحالية في وطن الأم.

ولكن لو نظرنا ودققنا وبنظرة موضوعية لمضامين هذه المقابلة لوجدنا بأنها إستجابة للواقع الموضوعي الذي يعانيه شعبنا بكل جوانبه القومية والكنسية سواء في أرض الوطن أم في المهجر لتؤكد بأن هناك نوع من الإصرار على المضي قدماً في مسألة الحداثة والموالاة للعصرنة من خلال فهم التطورات السريعة والراديكالية التي تجتاح العالم وتؤثر على حال شعبنا أينما كان. فإنطلاقاً من هذه النظرة الموضوعية، اعتقد بأن المتنورين والمحدثين من رجال الكنيسة قد أدركوا بأن الأصالة التي تتمع بها كنيسة المشرق لا تكفيها في هذه الأيام مالم تتزاوج مع المعاصرة لتكتمل مسيرتها نحو المستقبل. فبدون المعاصرة لا يمكن للأصالة أن تدوم وتبقى ضمن المستجدات السريعة والتطورات الهائلة لهذا العصر كما وإن المعاصرة من دون الأصالة ستضع أبنا الكنيسة في مهب الريح ويفقدون كل مقواتهم التاريخية والثراثية واللغوية المشتركة مع الكنيسة، كمؤسسة حضارية تراثية وتاريخية. فالموازنة الدقيقة والحساسة بين الأصالة والمعاصرة مطلوبة في هذا الزمان وهو أمر ليس بالسهل والهين بالنسبة لمؤسسة تاريخية عريقة ككنيسة المشرق التي تشبعت بأصالتها الحضارية والتراثية وحتى القومية، لا بل وتزمتت في بعض من جوانبها. ومثل هذا الموضوع كنًا قد تناولناه قبل أكثر من عشرين سنة عقب توقيع الوثيقة المسيحانية بين قداسة البطريرك مار دنخا الرابع والقديس الراحل يوحنا بولص الثاني عام 1994 والتي من خلالها توسعت أبواب الحوار مع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، وفي حينها ذكرنا بأن كنيسة المشرق الآشورية تعمقت وترسخت في أصالتها وبالنتيجة كانت قد فقدت قدرتها على المعاصرة والحداثة في حين أن الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ذهب بعيداً في المعاصرة والحداثة وأبتعدت عن أصالتها، من هنا تصبح وحدة الفرعين لكنيسة المشرق مصيرية ومهمة جداً في الجمع بين الأصالة والمعاصرة كسبيل لإستمرارها نحو أجال بعيدة ومستقبلية، ومثل هذا التزاوج بين الأصالة والمعاصرة وجدناه في ثلاثية شعار قداسة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو في الأصال والوحدة والتجدد واليوم نجدها في مضامين مقابلة غبطة المطرابوليت مار ميلس زيا.       

 كانت إفتتاحية المقابلة حول اللقاء الآخير لوفد من كنيسة المشرق الآشورية برئاسة قداسة البطريرك مار دنخا الرابع مع قداسة البابا فرنسيس الأول في الفاتيكان في بداية شهر تشرين الأول 2014. قد يكون التطرق إلى هذا الموضوع شأناً دينياً كنسياً ولاهوتيا خاصة فيما يخص النقاش الدائر منذ فترة ليست بقصيرة حول توحيد الأسرار الكنيسة السبعة ووحدة الإيمان المسيحي الذي ينشده كل كنائس العالم ولكن من جانب آخر جاء هذا الموضوع ليوضح غبطته ويزيل الغشاء والضبابية التي تغطي عقول بعض من أبناء الكنيسة في أن التباحث مع الفاتيكان وإزالة الفوارق البسيطة في أسرار الكنيسة لا يعني إطلاقاً ذوبان كنيسة المشرق الآشورية في الكنيسة الكاثوليكية، بل إن إستقلالية الكنيسة ستبقى وإن السطلة والولاية وعصمة البابا لا تحول دون التباحث والتقارب مع الكنيسة الكاثوليكية والوحدة في إيماننا المسيحي الذي أمرنا به ربنا يسوع المسيح. وأكد غبطته بأنه لم يبقى غير أمور بسيطة جداً في توحيد الأسرار والتي سيتم التوقيع عليها في السنة القادمة، حينذاك سيكون للموضوع تفاصيل أكثر. ومن الملاحظ بأن هذه العقبة، أي السلطة والولاية، يتمسك بها كل جانب ولكن هناك حلول وسطية مطروحة منذ سنوات عديدة تتمثل في مفهوم "القدم" أو الأولية في الكراسي الأسقفية، ونحن نعرف هناك كراسي أسقفية في العالم ومنذ زمن بعيد كان لبعض الكراسي الأولية لذلك من الممكن أن تتوحد الكنيستين بإعتراف بأولوية كرسي (روما) الفاتيكان مع احتفاظ كنيسة المشرق بشقيها الآشوري والكلداني بإستقلايتهم في السطلة والولاية.

جوانب التحديث والتجدد والأصالة ظهرت واضحة في مقابلة غبطته وتمثل بعضها في تقصير مدة القداس ومراسيم الدفن الطويلة والمملة وفي تحديث الطقس وإمكانية إقامته باللغة التي يفهمها الناس وفي المستوى الثقافي والتعليمي للكهنة ورجال الدين خاصة ضرورة حمل شهادة الماجستير لكل من يرسم أسقفاً في الكنيسة. وموضوع ضرورة وجود كرسي البطريركية في بيت نهرين، أو في الشرق الأوسط، كما ذكر غبطته هو من المواضيع الحساسية والمتداول على ألسنة الناس الذي تطرق غبطته إليه مؤكداً بأن هناك إتفاقاً وإجماعاً على ضرورة أن يكون كرسي البطريرك القادم في الشرق الأوسط، أطال الله من عمر البطريرك الحالي مار دنخا الرابع، وهو موضوع مهم سيتم التطرق إليه مع غيره من المواضيع المتعلقة بتحديث الكنيسة في المجمع السينودي الذي سينعقد في أربيل بعد عيد القيامة القادم. وهنا أود أن أعلق وبإختصار على موضوع وجود كرسي البطريرك خارج بلاد بيت نهرين - العراق لغرض توضيح بعض الأمور والأسباب التي جعلت من هذا الكرسي أن يكون خارج وطن الأم. أولاً يجب أن نفهم بأن وجود الكرسي البطريركي لم يكن إختيارياً بل كان منذ فترة طويل إجبارياً فرضت الظروف المأساوية التي ألمت بالكنيسة وبأتباعها أن يكون كرسي البطريرك خارج العراق. فبعد مأساة وفواجع الحرب الكونية الأولى وما أعقبها من جراء تأسيس دولة العراق وتربع رجال الفكر الإستبدادي على السلطة ومأساة مذبحة سميل لعام 1933 أودت بالنتيجة إلى طرد البطريرك المثلث الرحمات مار شمعون إيشاي ونفيه خارج الوطن وتجريده من جنسيته العراقية. وحتى بعد إستدعائه من قبل سلطة النظام البعثي في العراق في بداية السبعينيات من القرن الماضي للعودة إلى العراق وإعادة جنسيته العراقيه له وتعينه "رئيساً للقومية الآشورية في العراق" ومنحه بعض الإمتيازات الأخرى إلا أن مواقفه القومية المعروفة وخلفيته التاريخية في التعامل مع  عقلية النظام السياسي في العراق لم يكن بإمكانه البقاء والإستقرار في العراق في ظل ظروف يسودها الإستبداد والظلم، فقفل راجعاً إلى مقره في الولايات المتحدة الأمريكية. والحال نفسه مع قداسة البطريرك مار دنخا الرابع المعروف بمواقفه القومية التي لم تكن مرضية للنظام البعثي في العراق، لذلك رغم زياراته المتعددة للعراق وإقرار أحدى المجاميع السنهودية للكنيسة بنقل كرسي البطريرك إلى العراق، إلا أنه لم يكن بالإمكان مسايرة النظام وأزلامه وإقامة البطريرك في العراق خاصة بعد إشتداد الظروف المأساوية في العراق وتورطه في حروب داخلية وخارجية. زد على ذلك الوضع القانوني للبطريرك حيث كان من الناحية القانونية والرسمية إيراني الجنسية يجعل موقفه ووجوده وممارسة نشاطه في ظروف كان العراق في حرب مع إيران أمراً بعيد الإحتمال، فبقى المهجر ساحة فسيحة للإفصاح والمجاهرة بمواقفه القومية، وحتى الأتفاق الجماعي الذي ذكره غبطة مار ميلس حول ضرورة كون مقر البطريرك في العراق أو الشرق الأوسط سيكون مقروناً بتوفر الظروف السياسية والأمن والإستقرار للعراق أو أي بلد آخر في الشرق الأوسط، فبإعتقادي الخاص إذا توفر حد أدنى من الأمن والإستقرار فإن مقر البطريرك الجديد، أطال الله من عمر البطريرك مار دنخا الرابع، سوف لا يكون في بغداد بل سيكون أما في أربيل أو في بيروت.

لعل، لا بل من المؤكد بأن أكثر المواضيع المهمة والحساسة التي ذكرها غبطته في هذه المقابلة هو موضوع التسمية القومية لشعبنا، وهو الموضوع الذي أعتبره البعض إنقلاباً كبيرا في المفاهيم القومية لرجال كنيسة المشرق الآشورية. حيث شدد غبطته التأكيد والقول: كفانا حروباً أنترنيتية حول التسمية ... آشورايا ... كلدايا ... سرينايا..  فأن لم نتوحد جميعاً فأن مصير الأمة هو الزوال ... إننا أمة واحدة بلغة واحدة وتاريخ واحد وتراث واحد ... أما بالنسبة للتسمية فأن الجواب متروك للزمن القادم... الزمن الماضي أستطاع أن يحمينا من الضياع فمن المؤكد إن توحدنا فأن الزمن القادم سيجد الجواب لهذه المعضلة في التسمية. وهنا تدخل مقدم البرنامج السيد ولسن وقاطع غبطته قائلاً: وماذا بشأن قداسة  مار دنخا الرابع، وهو بطريرك هذه الكنيسة الذي يؤكد على التسمية الآشورية ويعتبر أبناء الكنيستين الكلدانية والسريانية جزء من الأمة الآشورية؟ أعترف غبطته بأن السيد ولسن قد نال منه بهذا السؤال فكان جوابه مخرجاً لهذا السؤال فذكر بأن للبطريرك رأي خاص يؤكد بأننا جميعاً أبناء أمة واحدة وهي الآشورية ولكن رأيي الشخصي هو نحن ثلاث "أمم" سريان كلدان وآشوريون ... فلا أستطيع أن أفرض على غيري تسمية كلدان أو آشوريين أو سريان فهذا الموضوع يجب أن نتركه لأننا نريد أم لا نريد فنحن من أصل واحد وقومية واحدة ومصير بقاؤنا في أرض الوطن مقرون بتوحدنا أولاً ومن ثم العمل سوية من أجل البقاء والإستمرار كأمة واحدة في أرض الوطن.

زار غبطته مع عدد آخر من أساقفة الكنيسة شمال الوطن قبل بعضة أسابيع وهناك ألتقى بأبناء شعبنا المهجرين من بلداتهم وأراضيهم فسأله السيد ولسن عن مشاهداته هناك فأكد غبطته بأن الوضع سيء جداً ولم يعتقد بأنه سيستمر هكذا فإذا لم يضمن لهم الأمن والإستقرار وبناء الإقتصاد المنهار وتوفير المدارس والمستشفيات فأن معظمهم سيتركون الوطن ويهاجرون خارجه.. وعلق غبطته على طلب السيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق منه بأن يناشد المسيحيين بالبقاء في الوطن وعدم الهجرة خارجه فقال: لا نستيطع الطلب من شعبنا بعدم الهجرة طالما أن أبسط مقومات الحياة والعيش غير متوفرة له فعندما تفقد الأرض  جاذبيتها فأن الشعب لايستقر عليها بل يتركها ويهاجر. فداعش يطرق باب شعبنا المسيحي يومياً ويهدده. وفي لقاءه مع أمرأة وزوجها، أعتقد غبطته بأنهما من بلدة برطلة، ذكرا له بأنهم طردوا من بيتهم وهجروا لا من قبل داعش بل من جيرانهم الذين أدعوا بأنهم من داعش فهددوهم مما أضطروا لترك كل شيء والخروج نحو شمال الوطن، فكيف يرجعون إلى بيوتهم وهناك أكثر من داعش؟.  أما بخصوص الحكم الذاتي لشعبنا فذكر غبطته بأنه لا يعني إطلاقاً الإنفصال عن العراق، بل توفير مقومات أساسية لمناطق شعبنا التاريخية لكي يستطيع أن يدير نفسه بنفسه فهو الحل الوحيد لتطوير هذه المناطق وبقاء شعبنا المسيحي ومن أجل ذلك ناشد غبطته الحكومة العراقية بأن لا تقتصر المساعدات والتخصيصات المالية للكورد فحسب بل يجب أن تشمل شعبنا المسيحي أيضا.

هذه هي بعض الأضواء التي رأيتها ضرورية لتسليط ضوءها على المقابلة  التي تلتقي بالإفكار والمفاهيم التي أومن بها في وحدة أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية، والتي تجعلني عضو في العائلة "الوحدوية" التي يومن بها غبطته وغيره من رجال الكنيسة المنشدين لوحدة كنائسنا وأمتنا. هذه الأضواء ليس بكافة لإعطاء صورة واضحة عن الجوانب الأخرى للأفكار التي طرحها غبطته في المقابلة، فللإستزادة يمكن مشاهدتها على الموقع الألكتروني لأذاعة وتلفزيون SBS الإسترالية: www.sbs.au/assyrian .

195
المسيحيون العراقيون بين الهجرة والتهجير وموقف الكورد منهم
========================================

أبرم شبيرا

توضيح:
========

هذا الموضوع هو إستكمالاً للموضوع السابق الذي نشر تحت عنوان "إفراغ المسيحيين من مناطقهم التاريخية وفق نظرية الموامرة... لماذا تُرسل قوات البيشمركة إلى كوباني بينما مدن كردستان والمحيطة بها محتلة ومهددة من قبل داعش" –
أنظر الرابط أدناه:
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,757764.msg7330909.html

والغرض من هذا الإستكمال هو زيادة بعض التفاصيل عن الموضوع الذي كان من السعة والتفصيل يصعب توصيل المغزى إلى القراء الكرام كما وأنه يأتي إستجابة وتوضيحاً لبعض الردود التي وردت على الموضوع وأخص بالذكر وليس تحديداً الصديق المخضرم (صديق ما يقارب نصف قرن من الزمن) المهندس خوشابا سولاقا،. على أية حال يمكن تلخيص ماأسعى إليه هو في النقاط التالية:

أولا: نظرية المؤامرة:
===========
كل الوقائع والدلائل والشواهد تؤكد بأن هناك مؤامرة تحاك ضد دول المنطقة وتحديدا العراق، فبعض جوانب هذه المؤامرة قد تكون بفعل فاعل وبتخطيط مسبق والبعض الآخر هو بفعل الصراع الطائفي المستميت في العراق والدول المجاورة. فوصول داعش إلى هذا المستوى من القوة والسيطرة لم يكن متصوراً لا في الواقع ولا في الخيال كما أن القضاء عليها أو الحد من قوتها وسيطرتها، كما يرغب البعض بذلك، أمر لا يزال مجهولاً وورقة لعب غير مكشوفة في أيد اللاعبين الأساسيين في المنطقة والعالم، ولا نرغب في الدخول في تخمينات لأننا كما سبق وأن ذكرنا سابقا بأننا في موقع بعيد عن مصادر صنع القرارات السياسية والعسكرية وبالتالي تأكيد تفاصيل هذه المؤامرة مبنياً على التخمينات غير وارد لمسألة حساسة ومتعلقة بمصير شعوب المنطقة. من الطبيعي جداً أن يكون وقع النتائج المدمرة للزوبعة السوداء التي تعصف بالمنطقة على شعبنا المسيحي "الكلداني السرياني الآشوري" أكثر مأساوية ومميتة وذلك لكونه أضعف الحلقات الديموغرافية بين شعوب المنطقة ليس ذلك بسبت قلتة العديدية أو إفتقاره إلى قوة الحماية الذاتية فحسب بل بسبب التناقضات والإختلافات الحضارية والتاريخية والثقافية التي تحكم العلاقة بينه وبين بقية شعوب المنطقة، خاصة الدينية منها التي وصلت إلى درجة أن تحولت إلى منظار ينظر من خلاله إلى الواقع السائد في المنطقة. من هنا، لم يكن متاحاً أمامنا غير النظر إلى كل هذه المأساة والفواجع والتحرك غير الجدي والبطئ تجاهها إلا من خلال وجود مؤامرة  مرسومة تجاه المنطقة وشعوبها.

من حق بعض القراء أن يرفض مسألة وجود مؤامرة أو خطط شيطانية مرسومة مسبقاً تجاه المنطقة لأنه مع الأسف الشديد الكثير منهم تشبع بمفهوم نظرية المؤامرة السائدة في العقلية العربية التي تعتقد بأن كل صغيرة وكبيرة هو من تدبير الإستعمار والإمبريالية فحتى أنجاب حاكم عربي لعشرة بنات من دون ولد ليكون ورثياً له أو إصابته بالعقم فأن تفسير ذلك وفق هذه العقلية هو من تدبير الإستعمار والإمبريالية. في حين نرى على العكس من هذا تماماً فإن هناك وقائع وشواهد مبينة وواضحة  وممارسات على أرض الواقع ولها نتائج مؤلمة ومأساوية تسحق شعوباً بكاملها تشكل الأساس المادي لوجود مؤامرة، أو تخطيط مكبوت المضمون تجاه المنطقة وشعوبها.


ثانياً:المسيحيون بين الهجرة والتهجير:
============================

معظم الكتاب والقراء لا يفرقون بين ظاهرة الهجرة والتهجير لشعبنا المسيحي في العراق ويظهر هذا جلياً في التعليقات والردود التي وردت على الموضوع السابق. في منتصف التسعينيات من القرن الماضي كتبنا بحثاً مطولاً عن ظاهرة الهجرة وحاضرنا عنها لأبناء شعبنا في سوريا والعراق ضمن نشاطات نظمها قادة المنظمة الآثورية الديموقراطية والحركة الديموقراطية الآشوري والكثير من الحاضرين لم يسعدهم النتائج التي توصلنا إليها في حينها ولكن اليوم تظهر هذه النتائج على الواقع الذي توقعناه قبل أكثر من عقدين ونصف العقد من الزمن. وعلى العموم، أنه صحيح القول بأن نتيجة كل من الهجرة والتهجير هي واحدة تتركز على إرتحال أرض الوطن والإنتقال إلى بلد آخر ولكن هناك إختلاف كبير بينهما، وبأختصار نقول: الهجرة ظاهرة ديموغرافية تظهر ضمن ظروف تكون على الأغلب هادئة ومستقرة نسبياً تخضع لإرادة الفرد وتقرر من قبله وتتاح أمامه فرص إختيار الزمن والوقت للترحال وتصفية أموره خاصة المالية منها، كبيع العقار الذي يملكه وأثاثه وتحويل أمواله ومدخراته إلى الخارج أو حملها معه كما تتاح له فرص إختيار وسيلة الإنتقال، براً أو جواً، مباشرة إلى مقصده أو عبر دولة ثالثة وربما تتوفر له أيضا فرصة إختيار البلد الذي يرغب الهجرة إليه ويكون هدف الفرد من الهجرة في أغلب الأحيان هو البحث والسعي نحو ظروف أقتصادية أحسن مما كانت متوفرة لديه في الوطن وإلى وضع سياسي أكثر إستقراراً وأمناً أو تكون ضمن مفهوم جمع شمل العائلة وفي معظم الأحوال تكون الهجرة محكومة بقانون الطرد (من الوطن) والجذب (من بلدان المهجر). هكذا نفهم هجرة أبناء شعبنا في بداية السبعينيات من القرن الماضي طبعاً بإستثناء قليل جداً تمثل في المطاردين من قبل النظام السياسي.

أما التهجير، فهي ظاهرة ديموغرافية تكون مسبباتها عوامل سياسية وعسكرية وحربية لا تخضع لإرادة الفرد بل تفرض جوانبها المأساوية والمميتة فرضاً على الفرد لتقلعه من موطنه الأصلي وترميه خارجه، فهي تمثل جانب من قانون (الطرد والجذب) وهو الطرد. فالتهجير هي ظاهرة تظهر ضمن ظروف مأساوية وإستثنائية غير مستقرة ولا تتاح أمام الفرد أية فرص لتصفية أموره المالية وبيع عقاره أو تحويل أمواله ومدخراته أو أختياره للبلد المراد الإنتقال إليه وعلى الأغلب يكون هدف الفرد هو الهروب من الإستبداد والظلم المميت وضمانه حياته وحياة أسرته في مناطق أكثر أمناً وإستقراراً وفي معظم الأحوال تخلق ظاهرة التهجير حالة من التشرد والضياع واللجوء ومستوى متدني جداً من العيش مما قد يتطلب ذلك تدخل بعض القوى الإقليمية والدولية أو المنظمات الإنسانية لأن مثل هذا الوضع قد يكون مؤثراً على السلم والأمن للدول المجاورة. وهنا تنطبق المقولة القائلة بأن "الحفاظ على الحياة ناموس طبيعي". ففي هذا الوضع من التهجير لا يأبى الفرد لأية ألتزامات أكانت وطنية أو سياسية أو قومية أو دينية غير الحفاظ على حياته وحياة أسرته وإينما كان ذلك ممكنا. فالبلد الذي يوفر له مقومات العيش والحياة المستقرة يصبح بالنسبة له هو موطنه. فشعبنا عشية الحرب الكونية الأولى تعرض للتهجير من موطنه الأصلي في حيكاري وطور عبدين وماردين وأورمي وهكذا هو الحال من تهجير شعبنا من الموصل وسهل نينوى وغيرها من القصبات والبلدات في شمال الوطن والتي سبقتها تهجيره من البصرة وأحياء في بغداد كالدورة وغيرها.... نكتفي بهذا القدر ولنا الأمل أن تتاح الفرصة للتفصيل في هذا الموضوع الحساس في مناسبة لاحقة.

هذه الواقعية في فهم وضع شعبنا في العراق في هذه الظروف العصيبة  قد يعطي أنطباعاً للبعض بأنها تشجيع للهجرة ولكن الأمر ليس كذلك إطلاقاً بل هي نظرة واقعية لحقيقة الأمر المفروض على شعبنا والتي هي أس الإساس في فهم هذا الواقع ومعالجته بالوسائل المتاحة لتخليص شعبنا من هذه الفواجع وليس بالتمنيات وطروحات ميتافيزقية والتي قد يعتبرها غالبية شعبنا المبتلي بنيران المأساة والفواج كـ "بطر". فاليد التي في النار غير التي في الثلج. وقد نقول بأن يجب أن يتمثل شعبنا بالأبطال للحفاظ علىي أرضهم هذا صحيح حيث أن شعبنا أنجب أبطال تاريخيين ضحوا بحياتهم من أجل الحفاظ على أرضهم ولكن كانوا قلة قليلة جداً. ضحى  البطريرك مار بنيامين وغيره من الأبطال بحياتهم من أجل الحفاظ على أرض موطنه في حيكاري ولكن شعبه لم يكن بالمستوى الذي يمكن أن يحافظ على أرضه أمام التحديات المميتة فتركها نحو مناطق أكثر أمنا. فما أشبه اليوم بالبارحة وما أشبه موصل وسهل نينوى بحكاري وماردين وديار بكر لا بل أسوء من ذلك لأنه ليس لشعبنا أبطال ولا حتى أشباه أبطال في هذه الأيام.

ثالثاً: الكورد وموقفهم من تهجير المسيحيين:
==============================

الكورد، كقومية معروفة لها كل الحق أن يكون لها دولة مستقلة في المناطق التي غالبيتها من الكورد حتى وإن كانت هذه المناطق تاريخياً غير كوردية، فالأمر الواقع (fait accompli أو de facto) هو الذي يتحكم في الأمور السياسية والقانونية وليس الأمور التاريخية. من هذا المنطلق للكورد الحق في الدفاع عن أبناء جلدتهم المتواجدين في البلدان الأخرى خاصة المتاخمة لأقليم كردستان العراق التي تشكل في طموحهم النهائي جزء من "كردستان الكبرى"، وهكذا هو الحال معنا نحن "الكلدان السريان الآشوريين" فلنا كل الحق في الدفاع عن أي كلداني أو سرياني او آشوري إينما كان يعيش وفي أي بلد من بلدان العالم. ولكن هذا الحق يبقى مجرد حق مطلق ويؤخذ على أطلاقه ولا يتحول إلى حق واقعي إلا بالممارسة السياسية وربما العسكرية إذا تطلب الأمر لتنقله من حالة الإطلاق إلى حالة الواقع، وهو ما يحاول الكورد فعله من جراء إرسال قوات البيشمركة إلى كوباني لمساندة قوات الحماية الكوردية في حربها ضد تنظيم داعش الإرهابي. صحيح هو القول بأنها مجرد قوات رمزية لا يتعدى عددها 150 مقاتل ولكن بالمقابل فأن هذه القلة في العدد قابلها عامل نوعي تمثل في الأسلحة المتطورة  جداً التي تم تزويدها من قبل بعض الدول التي غيرت موازين القوى في مدينة كوباني وحالت دون أن تحتل برمتها من داعش ومن المحتمل جداً أن تندحر داعش وتنسحب من هذه المدينة في الأيام القليلة القادمة.

من المعروف بأن مقابل كل حق أو حقوق هناك مسؤولية أو مسؤوليات والتي تشكل العنصر المهم عند ممارستها في نقل الحق المطلق إلى الواقع. فحتى بالنسبة للفرد الواحد فأنه لا يستحق أي حق أو حقوق ما لم يكون له مسؤوليات وواجبات يجب إدائها لتحقيق التوازن المطلوب بين الحقوق والواجبات. فالحقوق الهائلة التي تتمتع بها القوى المتحكمة على السلطة في العراق ومنها الحكومة العراقية والهيئات الأخرى يقابلها مسؤوليات وواجبات وأهمها هو حماية الشعب العراقي، والمسيحيون جزء، لا بل الجزء المهم، من هذا الشعب يستوجب عليهم حمايتهم من أي إضطهاد او ظلم مهما كان نوعه. ولكن المثل يقول "فاقد الشيء لا يعطيه" الذي ينطبق بكل حذافيه على الحكومة العراقية لأنها هي نفسها ورجالاتها وغيرها من الهيئات الحكومية يفتقدون إلى الأمن والحماية وبالتالي من الطبيعي لا يستطيعون توفير أي نوع من الأمن والحماية للشعب العراقي ومنهم المسيحيين. أما في إقليم كردستان فمما لاشك فيه بأن حكومة الإقليم قامت بمسؤوليتها في توفير الأمن والإستقرار وقدر من الرفاهية والطمأنينة لشعب الإقليم بمسلميه ومسيحييه وهذا هو من صلب واجباتها الذي يشرعن ممارسة حكمها على الإقليم. فإذا تعرض أي مكون من مكونات شعب الإقليم إلى الظلم والإضطهاد فمن واجب حكومة الإقليم أن تهب للدفاع عنه وحمايته وبكل الوسائل.

أما بالنسبة لمناطق كمدينة الموصل وسهل نينوى والقصبات القريبة منه التي هُجر شعبنا منها، وإن كانت رسمياً خارج الحدود الحالية لإقليم كردستان إلا أنها كانت فعلياً تحت تأثير كبير لحكومة الإقليم وخاصة الحزب المهيمن، الديموقراطي الكردستاني (البارتي) سواء من خلال تواجد قوات البيشمركة فيها أو مقرات الحزب أو عبر نقاط السيطرة والتفتيش المنتشرة في أنحاء مناطق سهل نينوى، فالعلم الكردستاني كان يرفرف على سطوح عدة مباني في هذه المناطق. هذا الحق الواقعي الناجم من تواجد قوات البيشمركة في هذه المناطق فرض عليهم مسؤوليات وواجبات في حمايتها وحماية شعبها من أي إعتداء أو ظلم. ومما يزيد من هذه المسؤوليات والواجبات على الكورد  هو عنصر إخلاقي وإجتماعي ناجم من العلاقة التاريخية والسياسية والنضالية بين المسيحيين والكورد. لقد كان الكثير من الكلدان والآشوريين جزء مهم من الحركة القومية الكورية الحديثة وفي قيادتها وحتى في يومنا هذا هناك عناصر مهمة في قمة قيادة البارتي والعديد منهم ضحى بحياتهم وأريقوا دمائهم وأستشهدوا من أجل الحركة الكوردية. ويكفي هنا أن نشير إلى الشهيدة ماركريت جورج والشهيد هرمز ماليك جكو والشهيد فرنسو الحريري وهناك المئات منهم؟ ألم يكن آدم مسيحياً – كلدانياً أكان أو آشورياً أو سريانياً - الشخص الذي جعل جسمه درعاً لحماية الزعيم الكوردي المرحوم ملا مصطفى البرزاني من شذايا قنابل مؤامرة  إغتياله المدبرة من قبل المجرم ناظم كزار؟؟  من هذا المنطلق كان من أهم واجبات ومسؤوليات الكورد وقوات البيشمركة الدفاع عن سهل نينوى وأهلها وعدم إنسحاب البيشمركة وتركها لتكون لقمة سائغة لمتعشي الدماء من التنظيم الأرهابي داعش. فهذه الحماية ليست منية أو إستجداء المسيحيين من الكورد لحمايتهم بل هو واجب وطني وإنساني مفروض على الكورد وقوات البيشمركة وحكومةالإقليم. من هنا كان السؤال المحير عن عدم ممارسة الكورد لمسؤولياتهم في حماية المسيحيين في هذه المناطق وعن إنسحاب البيشمركة منها  وطلب تسليم السلاح من أهالي بعض هذه المناطق وبالتالي لم يكن أمامنا جواب على هذا السؤال المحير إلا من خلال نظرية المؤامرة لإفساح الطريق لداهش ليحتل هذه المناطق وإفراغها من شعبها الأصيل وتشريده إلى مناطق هي بمثابة "ترانزيت" نحو التهجير إلى الخارج ثم يحين الوقت وينسحب منها قوات داعش فيأتي الآخرون ليسكونها.

لقد دفع البارتي المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري إلى الساحة السياسية القومية ليكون في مقدمة المنادين بالحكم الذاتي لمناطق تواجد شعبنا في سهل نينوى وخلق أسباب وعوامل وتأويلات لتفضيل ضم هذه المناطق إلى إقليم كردستان بدلا من المركز في الوقت الذي لم يتحرك البارتي ولا حكومة الإقليم قيد أنملة تجاه تحقيق مثل هذا الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية لمناطق شعبنا في الأقليم التي هي جغرافياً وديموغرافياً أكثر واقعياً لتطبيق الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية والمدعومة بمسودة دستور الإقليم الذي ضل يترنح في مكانه. فلا الدستور الحالي ولا قوانيه ولا قراراته الوزارية والإدارية أستطاعت إيقاف التجاوزات على أراضي شعبنا في الإقليم، فكل هذا يعطينا تصوراً بأن هناك فعلاً سلسلة متواصلة من مؤامرة لتجريد شعبنا من أرضه وتهجيره خارج وطنه التاريخي رغم التصريحات العسلية لبعض القادة في الإقليم في حماية المسيحيين وضرورة بقائهم في الوطن وعدم الهجرة إلى الخارج التي لا وزن لها على أرض الواقع خاصة في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها شعبنا.   

رابعاً: من يحمي مناطق المسيحيين:
======================

أستغربُ من بعض القراء عندما يلقون كل اللوم على أحزاب وتنظيمات شعبنا لعجزهم في مساندة شعبنا في الوطن وحمايته من المأساة التي يتعرض لها. أنه فعلاً لأمر أكثر إستغراباً مما نتصوره لأن هذه الأحزاب والتنظيمات لم تستطيع أن تفعل شيئاً لشعبنا في ظروف أقل قسوة ومأساوية وظلماً فكيف تستطيع أن تتحرك وتعمل وتأتي بنتائج مفيدة في هذه العاصفة الهوجاء التي أثارتها داعش وحلفاءها المكوشفين والمستورين؟؟؟. يقول البعض بأن حماية أراضينا هو واجب علينا وهذا صحيح ولكن ما هي الطريقة أو الأسلوب الذي يمكن القيام بهذه الحماية؟. المناطق المحتلة بالقوة العسكرية لا يمكن تحريرها إلا بالقوة العسكرية أو بوسائل أخرى مؤثرة تضعف قوة المحتل العسكرية. لا نقول بأن طرح مسألة تشكيل قوات من شعبنا هي مزايدة سياسية بل هي غير منطقية وواقعية فحالها كحال من يحاول قتل مجموعة ذئاب مفترسة بدبوس صغير. المسيحيون جزء مهم وأصيل من الشعب العراقي والعراق بشماله وجنوبه موطنهم الأصلي والدفاع عنه هو واجب وطني مقدس مفروض عليهم. ولما لا يملك أبناء شعبنا المقومات الأساسية للقيام بهذه المهمة وتشكيل قوات خاصة به لتحرير أراضيه فإن عليه الإنضمام إلى من يملك مثل هذه المقومات الأساسية لتشكيل القوات المطلوبة لتحرير أراضيه والحفاظ عليها، ولا يملك مثل هذه المقومات غير حكومة العراق المركزية وحكومة إقليم كردستان. الحق يقال ومثبوت بالبراهين والوقائع والحقائق بأن "اليد مغسولة" من حكومة العراق المركزية لأنه ثبت بأن جيشها متواطئ مع داعش في إحتلال الموصل وسهلها ومناطق أخرى من العراق. إضافة إلى ذلك هناك حقائق واقعية لا يمكن إنكارها أو تجاهلها إطلاقاً مهما عبرنا عن وطنيتنا. فالتناقضات التي تحكم العلاقة بين المسيحيين والأحزاب والقوى المتحكمة في شؤون العراق عميقة معظمها مرتبطة بالعقيد والمذهب خاصة وأن هذه الأحزاب والقوى هي طائفية دينية مغلقة لا يمكن أن نتصور عضو مسيحي فيها وبالتالي فإن أي تفاعل في هذه الحالة هو معدوم بين المسيحيين وهذه الأحزاب والقوى السياسية.

لم يبقى هنا إلا حكومة إقليم كردستان لنطرح إحتمال الإنضمام إليها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وعن طريق تحالفات أو تجحفل مقاتلون من شعبنا مع قوات البيشمركة أو غيرها ورسم خطط مشتركة لتحرير مناطق سهل نينوى. هذا الإحتمال نطرحه ومن موقع بعيد وغيرنا من أبناء شعبنا الناشطين على أرض الوطن أجدر منًا في النظر والبحث فيه وإمكانية تطبيقه. فهناك عوامل كثير تساعد في نقل هذا الإحتمال إلى الواقع والتطبيق. ففي الإقليم هامش ديموقراطي أستطاع أحزابنا التحرك ضم هذا الهامش ويحققوا بعض الإنجازات كما أن القوى السياسية وحكومة الإقليم أكثر علمانية مما هو موجود في المركز وبالتالي فإن أمكانية التفاعل والتفاهم معها يكون محكوماً بالمصالح السياسية والقومية وليس بالعوامل الدينية والطائفية. زد على ذلك هناك كوادر متقدمة في الأحزاب الكردية خاصة الرئيسية منها كالبارتي وفي هياكل الدولة وفي البيشمركة فكل هذا يفتح المجال للتباحث والوصول إلى نتيجة قد تؤدي إلى زحزحة الوضع المأساوي ويخفف من معاناة شعبنا بعد عودته إلى أراضيه في سهل نينوى. وقد يبدو من طرح هذا الأحتمال بأنني أوقعت نفس في تناقض واضح. فمن جهة الكورد يفسحون المجال لداعش ليحتل مناطق سهل نينوى ويغضوا النظر عن التجاوزات الديموغرافية على أراض شعبنا في الإقليم ولكن من جهة أخرى نطرح إحتمال التفاعل والتعاون معهم لتحرير أراض شعبنا والحفاظ عليها. أن مثل هذا التناقض لا يمكن أن ينظر إليه إلا من خلال السياسة وعبر موازين المصالح القومية التي تحكم طرفي التناقض. فإذا أمتلك أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية القوة اللازمة والتأثير الفاعل في العلاقة السياسية مع الكورد فأنهم يستطيعون أن يقلبوا الموازين لصالح شعبنا، وكلنا نعرف بأن أمتلاك مثل هذه القوة والتأثير يبدأ من توحيد الخطاب السياسي والفعل القومي. هنا رجعنا مرة أخرى إلى المربع الأول مكررين نفس "الإسطوانة" في ضرورة تضامن وتفاهيم بين أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية، وهي الدعوات التي لم تقع إلا على الإذان الصماء رغم  الإنفجارات المدوية للمدافع والصواريخ وهول الكارثة التي وقعت على شعبنا. كلنا نعرف بأنه لا أحد سيساعد شعبنا في هذه المحنة المميتة مالم يساعد أبناء شعبنا أنفسهم أولاً. فلا يمكن أن نتصور أن يهب الكورد لمساعدتنا ونحن نصرخ بأصوات ناشزة ومتعددة وغير مسموعة كما لا يمكن أن نتوقع حماية دولية لمناطقنا وكل حزب وتنظيم يهرع منفرداً  لعرض المطالبة بهذه الحماية ويعرض عضلاته على شعبنا المبتلي بمصائب هذه الدنيا. لقد أيقضت مجزرة سيد النجاة بعض من وعي قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية فألتموا خجولين تحت مظلة "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" واليوم يعاني شعبنا أكثر من مجزرة... مجزرة الإقتلاع من الأرض والتهجير والقتل والنهب والتشرد والضياع، أليس هذا كافياً ليوقض ضميرهم ويخطوا خطوة واحدة لتحقيق حلم أبناء أمتنا في هذه الأيام في العودة إلى أراضيهم ... ولكن نحن نعرف بأن """الأحلام القومية لا يحققها إلا الأبطال"""" أفهل لنا أبطال في هذا الزمن؟؟؟.       
     

196
أين نخوتكم يا قراء عنكاوه دوت كوم – 2
--------------------------

أبرم شبيرا

على ضوء الإستجابة  الضعيفة والمخزية لحملة تواقيع لمذكرة عاجلة الى الحكومة العراقية للمطالبة بمعونة مالية فورية لتوفير منازل مؤقتة للنازحين من محافظة نينوى والتي تبين مدى عمق التسيب وعدم المبالاة في مثل هذه المسائل المهمة والخطيرة في حياة أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية وهي المهمة التي لا يتطلبها تضحيات لا بالمال ولا بالحياة أو الوقت غير بضعة ثواني في كتابة بضعة كلمات. وحتى للذين يخشون من ذكر أسمائهم  كان بإمكانهم الكتابة بأسماء مستعارة غير حقيقة ولكن الأمر ليس في تقديم التضحيات حتى ولو كانت في أبسط صورها بل في النفوس والوعي. قد تتنوع أساب ممانعة الكثير ممن تجنوا الإستجابة المسؤولة عن هذه الحملة والرد عليها أو توضيح رسالة هذه الحملة ويتطلبها الكثير من السطور الطويلة التي لا يعجبه البعض ويملُ من قراءتها في الوقت الذي يقضي ساعات وساعات أمام المسلسلات التفزيونية التركية والعربية. على أية حال أرى بأن التعامل مع هذه الأسباب  والمبررات المانعة للتوقيع على هذه الحملة سيكون ببعض الأمثلة المفيدة في هذا السياق.
المثال الأول: قصة رقصة الثعلب:
تروى قصة رقصة الثعلب، أعتقد هي من روايات قصص "كليه ودمنه" بأن الثعلب أدعى لبقية الحيوانات بأنه راقص من الدرجة الأولى وطلب من ملك الغابة أن يسمح له بالرقص وعمل حركات بهلوانية ينافس القرد في هذه الموهبة. فسمح له ملك الغابة بذلك ونزل إلى الساحة وألتم حوله جمع غفير من الحيوانات. وعندما بدأ الثعلب بالرقص ألتف ذيله الطويل حول رجليه فسقط على الأرض فأهتزت الغابة من ضحك بقية الحيوانات على الثعلب فما كان منه إلا أن يبرر فشله في الرقص بالقول بأنه فعلاً راقص من الدرجة الأولى ولكن ما العمل فأن الأرض التي رقص عليها غير مستوية بل متموجة ومليئة بالصخور والأشواك.

هكذا هو حال بعض من أبناء شعبنا لهم مبررات لكل صغيرة وكبيرة وحتى لتوفير بضعة كلمات لحملة إنسانية مفيدة لشعبنا. ومن الملاحظ بأن معظم هذه التبريرات تنطلق من كوامن داخلية مستمدة من عدم الثقة بمؤسسات شعبنا حتى ولو كانت مؤسسات معروفة بنزاهتها وعملها القومي والخيري لأمتنا. فما الضرر من كتابة بضعة كلمات لحملة قامت بها عنكاوه دوت كوم وكوادرها وهي مؤسسة أو موقع معروف يخدم أبنا شعبنا ولسنوات طويلة. إذن فالمسألة ليست بنزاهة وصدقية مؤسساتنا فحسب بل في الطبيعة النفسية لبعض أبناء شعبنا وموقفهم السلبي تجاه هكذا حملات إنسانية.

المثال الثاني: هكذا أنتصرت إسرائيل على الدول العربية:
قلنا سابقاً ونكرر القول بأن شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" يقلد العرب في الكثير من الأمور خاصة السياسية منها والقومية. فالدول العربية بمئات الملايين من نفوسها لم تستطيع دحر إسرائيل ذات بضعة ملايين من النفوس والأنتصار عليها في أية معركة من معاركها المتعددة ضدها. صحيح القول بأن لإسرائيل قوة عسكرية هائلة وسلاح متطور ونووي أيضا وجيش منظم و "عقائدي" يحارب من أجل وطنه المهدد من قبل العرب. زد على ذلك بأن هناك قوة عظمى متمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية تقف مساندتة لها وبشكل مباشر وفاعل في حربها مع العرب ولها أيضا منظمات ضغط فاعلة وجبارة وقادرة على التأثير على صانعي القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، ليس هذا فحسب فهناك أغنى أغنياء العالم وعلماء يعتبرون نفسهم جزء من الشعب الإسرائيلي. كل هذا واضح ومبين في بيان أسباب إنتصار إسرائيل على الدول العربية ولكن يقف خلف كل هذا شيء مهم جداً هو تضامن بعضهم بالبعض والتضحية سواء بالمال أو الحياة أو الوقت من أجل أن تبقى إسرائيل قوية وأقوى من العرب. هناك أمثلة كثيرة في هذا السياق ولكن أسوق هنا مثال بسيط جداً يتسق مع الحملة التي تقوم بها عنكاوه دوت كوم والردود عليها ولكن من دون التشبيه أو حتى المقارنة.

يذكر بأن كولدا مائير (1898 – 1978) رئيس وزراء إسرائيل الأسبق ( 1969 – 1974) كانت في زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لغرض جمع التبرعات ومساندة إسرائيل، فنظم لهذا الغرض حفلة عشاء دعي إليها أكبر الشخصيات اليهودية وأغناهم وقيل في حينها بأن سعر العشاء كان خمسة ألاف دولار للشخص الواحد وحضرها ما يقارب خمسمائة شخص. عندما أعتلت كولدا مائير المنصة قالت في كلمتها بأنه يؤسفها القول بأن العشاء المذكور في Menu  - القائمة قد ألغي وأنه عوضاً عن ذلك سوف يكون صحن العشاء متكون من فطيرة خبر مع الزيتون الذي لم يكلف أكثر من دولار واحد، فبدلا من أن تذهب تكاليف العشاء المقرر إلى صاحب المطعم (وكان يهودياً أيضا) فأنها ستتحول إلى تبرعات من قبلكم لمساندة إسرائيل، فما كان من الحاضرين إلا أن هبوا واقفين يصفقون لكولدا مائير ويهتفون بحياة إسرائيل ثم أنهال عليها شيكات بملايين الدولارات كتبرعات أخرى لإسرائيل. بالله عليكم... تصورا لو كان الأمر مع العرب في مثل هذه الحالة لكان جميع الحاضرين قد أحتجوا وصرخوا في وجه رئيس الوزراء وضربوه بالصحون والكراسي وطلبوا إسترجاع فلوسهم أو قاضوه في المحاكم وفضحوه في الصحف باعتبار نصاب ومحتال أن لم يكن قد قتلوه.   
ليس هذا فحسب بالنسبة لأسرائيل، بل حتى في الدول الغربية التي أكثرية من أبناء شعبنا يعيشون فيها، حيث يلاحظون وجود المئات من الجمعيات الخيرية والمتبرعين والمتطوعين للأعمال الخيرية والإنسانية وكثير منهم ضحوا بحياتهم وهم يقومون بواجبهم الإنساني ليس لخدمة شعب بلدهم فحسب بل شعوب البلدان الأخرى. زد على ذلك حيث نسمع بين حين وآخر بعشرات أن لم يكن المئات من المشاهير الأغنياء ، بيل كيتس نموذج في هذا السياق، وكذلك الممثلين المشهوريين يتبرعون بالملايين للأعمال الإنسانية والخيرية ويؤسسون جمعيات في هذا المجال. أما في الدول العربية فإن وجدنا جمعية خيرية وإنسانية فأنها لا تعدوا أن تكون مسنودة أو شكل آخر لمؤسسة حكومية والكثير من أموالها أن لم يكن جميعها تذهب لمساعدة المنظمات الإرهابية... كم ممثل عربي سمعنا بأنه تبرع ببضعة مئات من أمواله الضخمة للحملات الإنسانية والخيرية لشعبهم ولا نقول لشعوب العالم الأخرى؟؟؟ فكلمة "تبرع" أو "متطوعون – Voluntaries لا وجود لها في القاموس الإنساني العربي.

هكذا حالنا نحن "الكلدان السريان الآشوريين" كحال العرب في هذا السياق الإنساني والقومي. ألم نقل سابقاً بأننا نقلد العرب كثيراً ... فكم جمعية إنسانية وخيرية لدينا غير الجمعية الخيرية الآشورية التي برغم من جهودها الكبيرة في محاولة مساعدة شعبنا بإمكانياتها الشحيحة فإن تهمة سرق الأموال حجة واردة دائماً لعدم التبرع لها. كم متبرع في مجتمعنا تبرع بأمواله أو الجزء الأكبر منها غير المرحوم آدم بنيامين في أميريكا وسيدة أخرى في لندن الذين تبرعوا بأموالهم إلى الجمعيات الخيرية الآشورية ولكن بعد وفاتهم. الحملة التي بادرها موقع عنكاوه دوت كوم وكوادره لا تطلب منًا التبرع بفلس واحد بل مجرد بضعة كلمات وليس أكثر من ذلك ... أفهل هذا كثير علينًا ونحن ليل نهار نتغنى ونطالب بحقوقها القومية ونريد إنتزاعها من أنياب المتربصين لتفريغ وطننا التاريخي من شعبه؟؟؟؟.
ليس لي في الأخير إلا أن أزيد مثل أو مثلين يخص هذا الموضوع:

الله يساعد أولئك الذين يساعدون أنفسهم
الصانع المهمل أو الفاشل يلقي باللائمة دائماً على أدواته.

197
إفراغ المسيحيين من مناطقهم التاريخية وفق "نظرية المؤامرة"
====================================

لماذا تُرسل قوات البيشمركة إلى كوباني بينما مدن كردستان والمحيطة بها محتلة ومهددة من قبل داعش ؟؟؟
أبرم شبيرا

بمباركة إقليمية وعالمية أرسلت القيادة الكردية قوات البيشمركه إلى مدينة كوباني (عين العرب) في شمال شرقي سوريا لمساند قوات الحماية الكردية في حربها ضد تنظيم داعش الأرهابي الذي يكاد يحتل المدينة برمتها في الوقت الذي هناك مدن وقصبات في سهل نينوى متاخمة لحدود إقليم كردستان العراق وبعضها كان تحت هيمنة وسيطرة قوات البيشمركة تركتها هذه القوات وهُجر سكانها إلى المناطق الشمالية نحو العراء وعلى طريق هجرة وطنهم التاريخي إلى الخارج... سؤال محير والإجابة عليه أكثر حيرة... يترك البيشمركة أراضيه في العراق محتلة من قبل تنظيم إرهابي مهدد لوجود الكورد في الأقليم ويتجحفل مع قوات الحماية الكردية في سورياً لمحاربة داعش، ومن المعروف عن قوات البيشمركة بأنها أكثر القوات العراقية المنظمة والمدربة والمجربة في الوقت الذي نرى بأنها تتجنب مواجهة داعش مواجهة فاعلة وجدية، وهو الأمر الذي زاد من حيرة هذا التصرف والإجابة على التساؤل المطروح.

من المؤكد بأن هناك غايات من وراء هذه الخطة تصب بالدرجة الأولى في مصلحة اللاعبين الأساسيين في هذه الزوبعة يطمحون من وراءها أهداف إستراتيجية، وهي أهداف وسياسات نجهلها ونحن في موقع بعيد عن مراكز ومصادر صنع القرار السياسي والعسكري لهذه العملية العسكرية. ولكن إنطلاقاً من نظرتنا للأمور الحالية والمفجعة التي ألمت بشعبنا المسيحي "الكلداني السرياني الآِشوري" في العراق يستوجب علينا أن ننظر إلى هذه العملية العسكرية برمتها، أي من حيث ترك البيشمركة لقوات داعش أن تحتل البيت وتذهب لمحاربتها خارج البيت، من منطلق لم يترك لنا خيار غير أن ننظر أليها من زاوية "نظرية المؤامرة"  الهادفة إلى تهجير المسيحيين من مناطقهم خاصة في سهل نينوى المتنازع عليها مع العرب والحكومة العراقية ومنع داعش من أحتلال مدن كردية (صافية من دون أقليات) في سوريا تشكل في المنظور البعيد جزء من كردستان الكبرى.

وفق سياق هذه الخطة يتبادر إلى ذهني تاريخ أكثر من قرن، عندما رسمت الدولة العثمانية إستراتيجيتها في بناء أمبراطورية جديدة، خاصة بعد إنحسار نفوذها في الغرب وتحرر بلدان البلقان وتوجهها نحو الشرق لبناء أمبراطوريتها الطورانية بقيادة حزب الإتحاد والترقي التركي. كان وضع الكورد في الإراضي العثمانية بالنسبة للأتراك مسألة يسهل إستيعابهم ضمن عملية التتريك لكونهم مسلمين ودمجهم في الإمبراطورية الطورانية بينما كان وضع المسيحيين معقداً ويصعب إستيعابهم في هذه الإمبراطورية لكونهم مسيحيين. زد على ذلك كون المسيحيون مختلفون عنهم حضارياً وثقافياً ولغوياً وحتى نفسياً. لذا لم يكن أمام الأتراك غير معالجة وضع المسيحيين إما بذبحهم أو تهجيرهم، وهذا ما تم فعلاً وبمساعدة فعالة من الكورد الذين أسكنوهم في مناطق المسيحيين بعد تهجيرهم منها.
 
  واليوم يأتي داعش ليعيد التاريخ ويطبق نفس السياسية الهمجية تجاه المسيحيين، والكورد يقفون متفرجين بعد أن هرب قواتهم وتركوا الساحة لقوات داعش لتفرغ هذه المناطق من سكانها المسيحيين ويلجأوا إلى مناطق في أقليم كردستان أكثر أمناً ولكن ليست إلا أماكن للإستقرار المؤقت فإما ستفتح لهم أبواب الهجرة إلى الخارج أو سيتوفر لهم الأمان للعودة إلى مناطقهم الأصلية وهو أمر أصبح صعب التصديق بعد أن أصبح وجود داعش في هذه المناطق أمراً واقعيا ويتطلبه جهود كبيرة جداً وفترة زمنية طويلة لتصحيح الوضع والعودة إلى حالته السابقة وهو الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى تسريع وتيرة الهجرة إلى الخارج وبالتالي خلو مناطق المسيحيين منهم أو إقتصارها على بضعة بيوت يصبح وضعهم كنقطة بحر بين المحتلين الجدد.

فلو وضعنا سيناريو لعملية إفراغ المسيحيين من مناطقهم وفق نظرية المؤامرة، فبإختصار سيكون كالآتي:

•   بقاء أحتلال داعش لمناطق المسيحيين لسنوات عديدة وعدم الجدية في مواجهتها لطردها منها كما يحدث حاليا. فعوضاً أن ترسل القيادة الكردية البيشمركة لتحرير هذه المناطق نرى بأنها ترسل هذه القوات إلى الخارج.
•   بقاء المسيحيين في مناطق أقليم كردستان العراق كلاجئين وبحالة مزرية وكـ منطقة "ترانزيت" للهجرة إلى المحطة الأخيرة في الخارج... (دفعت مردي ... كما يقول المثل الكوردي)
•   بعد سنوات طويلة، قدرها الأمريكان، بثلاث سنوات لتحرير مناطق المسيحيين من داعش سوف يتطلبها سنوات عديدة أخرى لأعادة تعميرها وتأهيلها للسكن فيها، فخلال هذه السنوات الطويلة سيزداد فقدان المسيحيين لأي أمل للعودة إلى مناطقهم والعيش فيها مرة أخرى والنزعات الإسلامية المتطرفة تحوم حلولهم وتنبعث من المناطق المجاورة لهم.
•   بعد تحرير مناطق المسيحيين من داعش سيخلق حالة من الفراغ في هذه المناطق وطبقاً لقانون الدفع والجذب سوف ينزح إليها غيرهم خاصة الكورد لملئ هذا الفراغ وهي بأصل مناطق تطمح إليها القيادة الكردية لضمها إلى كردستان العراق ويصبح حالها كحال مناطق حكاري وماردين ووان وأورمي وغيرها وبالتالي تكتمل مؤامرة التجاوزات على أراض المسيحيين ويصبح وضع المتجاوزبين وضعاً "قانونياً" بسبب عدم عودة سكانها الأصليين إليها، حجة أستخدمت سابقاً للإستلاء على أراضي المسيحيين في الإقليم.
•   البيشمركة يذهب إلى كوباني لمحاربة داعش ومنعها من السيطرة عليها لأنها مدينة كردية صرفه وجزء من الطموح الكردي لدولة كردستان الكبرى، بينما مناطق المسيحيين في العراق ليست كردية صرفة ولكن اللعاب الكردي يسيل لبلعها وضمها إلى دولة كردستان الكبرى، فالواجب الرفاقي يقضي على القيادة الكردية أن تشكر داعش لأنها تقوم بهذه المهمة نيابة عنها.
•   هناك أفكار وطروحات تطرح أيضا وفق نظرية الموامرة والتي تقول بأن بعض الدول الغربية ترغب وتعمل على تهجير المسيحيين من مناطقهم إلى هذه الدول على أساس كون المسيحيين أناس مسالمين وأكفاء يستفاد منهم لدمجهم في مجتمعات هذه الدول وهي مسألة ليست بتلك الصعوبة لأنهم دينهم هو نفس دين شعوب هذه الدول. هكذا يظهر ووفق هذه النظرية بأن  رياحها وعواصفها تهب على شعبنا المسيحين من جميع الجهات وتضعه في زوبعة أو دوامة يصعب جداً الإنفلات منها.

أنه من حق الجميع الذين نصبوا خيامهم في المهجر، وأنا واحد منهم، أن نصف مثل هذه التفسير بأنه تشاؤمي جداً، ولكن من يعرف الظروف المميتة المحيطة بشعبنا في وطنه سوف يرى بأنه ليس هنا نقطة أو حالة بسيطة تجعلنا أن نتفائل وأن نكون متفائلين وفق المنظور الحالي للوضع القائم. حقاً أنه لأمر مؤسف جداً أن يقسو علينا الدهر في هذا الزمان الغدار وتفرض الظروف المأساوية والسونامية علينا أن نلجأ إلى نظرية المؤامرة في تفسير وإستنتاج الوضع المأساوي الذي يعيشه شعبنا في وطنه التاريخي لأنه لم يبقى أمامنا أي حيلة أو ملجأ نلجأ إليه في تفسير الأمور بما يخدم مصلحة شعبنا في العراق ويضعنا في موقف أكثر تفائلاً بالمستقبل الغامض.

يقول ربنا يسوع المسيح عليه المجد:
"تعالوا إليً يا جميع المتعبين والرازحين تحت الأحمال الثقيلة، وأنا أريحكم"
(متى: 11-28)




198
أين نخوتكم يا قراء عنكاوا دوت كوم ؟؟؟
==========================
أبرم شبيرا

كثيراً ما أدخل في نقاشات عميقة مع صديق لي يعرفه الكثير من أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" بمواقفه القومية وتبرعاته السخية ومساندته لأحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية حول مصير شعبنا في الوطن والحلول المناسبة والممكنة للخروج من معضلته في العراق، هذا كان قبل إحتلال داعش للعراق. ولكن خلال السنوات القليلة الماضية تغير صاحبي كثيراً وأصابه الكثير من التشاؤم والقنوط واللامبالاة من جراء تصرفات معظم أحزابنا السياسية وسلوكهم الإناني الماضي نحو التشرذم والتخاصم لتحقيق مصالح حزبية ضيقة بعيداً عن المصلحة القومية. وبالمقابل كنت أجادله بمواقف إيجابية وواعدة من أجل التخفيف من هذه المواقف التشاؤمية وبث فيه نوع من التفاؤل وإستمرار تشجيع أحزابنا السياسية للمضي قدما والذي يتطلب وقتاً طويلاً لتحقيق أي إنجاز حتى ولو كان صغيرا لأن ما يحيط بشعبنا من ظروف صعبة ومميتة في العراق يجعل أمر تحقيق خطوة صغيرة إلى الأمام إنجاز كبير، وكنت أضرب له مثلاً وأقول: "أن مرض الأيدز – نقص المناعة، مرض خطير ولا دواء له في العصر الحالي ولكن العلماء لم يتوقفوا عن البحث والدراسة  والتحاليل ولسنوات طويلة من أجل إيجاد دواء لهذا المرض الخطير والمميت. وحال شعبنا هو كحال هذا المرض فلا دواء لمعضلته في العراق ولكن على أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية أن تستمر في عملها السياسي القومي ولسنوات طويلة حتى يتم إيجاد الدواء المناسب لمعضلته. فكان صديقي يرد وبنوع من الإستهزاء بهذا المثل الذي طرحته له ويقول: "والله ...العلماء سيجدون الدواء لمرض الأيدز ولكن نحن سوف لا نجد الحل لمرضنا أبداً لأننا أسوأ امة خلقها الله على هذه الأرض... أمة لا تعرف أسمها ولا تستطيع أن تخلق بسمة على شفاه أبناءها"!!!.

تذكرت هذا الحديث وأنا أقرأ حملة تواقيع التي طرحها موقع عنكاوه دوت كوم حول جمع التواقيع لمذكرة عاجلة إلى الحكومة العراقية للمطالبة بمعونة مالية فورية لتوفير منازل مؤقتة للنازحين من محافظة نينوى موجه إلى الدكتور حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء وإلى السادة الوزراء في الحكوم العراقية والمنشورة على قمة الصفحة الرئيسية ومنذ بضعة أيام فأصبت بصدمة كبيرة من جراء الردود  القليلة واللامبالات من هذه الحملة حيث لم يتجاوز عدد الموقعين على هذه المذكرة وقت كتابة هذه السطور أكثر من 442 توقيع وبعضها تواقيع مكررة، في الوقت الذي نجد القراء يدخلون على مواضيع وكتابات ومقالات منشورة في الموقع وبأعداد هائلة وكبيرة جداً ويقرأونها أو يردون عليها خاصة المواضيع الميهنة لرموز كنائسنا وقادة أحزابنا ورجالاتنا وغيرها كثيرة من المواضيع الهابطة والغوغائية ولا يستطيعون توفير أقل من عشرة كلمات لمساندة هذه الحملة النبيلة... أين مروءة أبناء شعبنا وموقفهم من النازحين والمشردين تحت أمطار الشتاء ونحن ليل نهار نلعن داعش والحكومة العراقية والبيشمركة على ما سببوه لأبناء محافظة نينوى وشردوهم إلى الخيم والعراء في عنكاوة ودهوك وغيرهما من المناطقة الآمنة... أين أقلامنا التي نكرسها وبصفحات طويلة ومملة في الوقت الذي لا نستطيع كتابة أقل من عشرة كلمات والتوقيع، فهذا أقل الإيمان... أين إيماننا بقضية شعبنا خاصة هؤلاء المتباهين بكراسيهم ومواقعهم وبأقلامهم وبشهاداتهم ؟؟ ... هذا الموقف اللامبالي من مسألة مهمة ومصيرية جعلتني أن أعيد التفكير في موقف صاحبي من كوننا "أسوء أمة خلقها الله" – مع التحفظ – وأن أتهئ وأحضر نفسي لمواجهته وأنا في موقف ضعيف من جراء الردود القليلة على هذه الحملة النبيلة.
من أعماق قلبي أشكر جميع الذين وضعوا تواقيعهم على هذه الحملة مهما كان إنتماؤهم القومي أو الديني أو الحزبي، فالمسألة الإنسانية كهذه لا يتطلبها الخلاف مهما أختلفنا في أمور أخرى، ولنا كل الأمل أن يهيئوا بقية أبناء شعبنا أقلامهم للمضي قدماً والتوقيع على هذه الحملة التي حتى لو لم تأتي بالنتيجة المطلوبة فأنها على الأقل ستبين للحكومة العراقية وشعبنا العراقي بأننا شعب لنا كلمة واحدة تجاه ما يعانيه أخوتنا في العراق.

199
برلمانيو شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" في العراق والسويد - نظرة مقارنة
============================================
أبرم شبيرا
توطئة:
في شهر نيسان الماضي (2014) أُنتخب خمسة من مرشحي قوائم شعبنا للبرلمان العراقي، أثنان من قائمة الرافدين العائدة للحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) ومثلهما من قائمة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (المجلس) وواحد من قائمة الوركاء الديموقراطية العائدة للحزب الشيوعي العراقي وفقاً لنظام "الكوتا" الذي خصص خمسة مقاعد للـ "المسيحيين" والتي هي ضمنا للـ "الكلدان السريان الآشوريين". وفي شهر أيلول الماضي (2014) أسفرت نتائج الإنتخابات البرلمانية العامة في السويد عن فوز خمسة من أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"  بمقاعد نيابية في البرلمان السويدي. ومن المفارقات الكبيرة بهذا الشأن هو أن نفوس العراق يزيد عن 36 مليون نسمة ويقدر عدد المسيحيين (في السنوات الأخيرة) بحدود 400 ألف ولهم خمسة ممثلين في البرلمان العراقي بينما نفوس السويد يقدر 9,4 مليون نسمة والتقديرات غير المؤكدة لنفوس أبناء شعبنا تتراوح بين 30-40 ألف ولهم أيضا خمسة ممثلين لشعبنا في البرلمان السويدي ولكن مغزى هذه المفارقة يكمن في كون السويد بلداً ديموقراطياً بكل معنى الكلمة وساحات العمل السياسي وهيئاته التمثيلية والحكومية مفتوحة بالكامل لجميع المواطنين حيث تحتل السويد المرتبة الأولى في العالم للديموقراطية حسب ترتيب الإكونوميست والسابع حسب ترتيب منظمة الأمم المتحدة للتنمية البشرية. أما العراق فالحديث عنه هو بلا حرج  فأنه يحتل المواقع الأخيرة من بين كل دول العالم من حيث فساد النظام السياسي وأبواب الهيئات التمثيلية والتنفيذية مغلقة في وجوه الكثير من المواطنين. من هنا قد تبدو المقارنة بين العراق الذي نظامه في قمة الفساد وعدم الإستقرار والسويد الذي نظامه في قمة الديموقراطية والأمن والإستقرار كأمر مفروغ منه كمن يقارن بين النار والثلج. ولكن على العموم أن معرفة مواقع ودور أبناء شعبنا في أي نظام سواء أكان دكتاتوري فاسد أم ديموقراطي حضاري أمر يهمنا في هذا العالم الصغير الذي يتشتت أبناء شعبنا فيه. من هنا نقول، إذا كان بين كل الفائزين (المجموعة العراقية والمجموعة السويدية) جامع مشترك من لغة وتاريخ وحضارة وعادات وآماني يجعلهم ينتمون إلى قومية واحدة وحصل كل واحد منهم على مقعد برلماني، إلا أن هذا لا يعطينا الحق في أن نضع كلا المجموعتين في حقل التشابهة والتطابق بينهما، بل أن المقارنة هي الفيصل الموضوعي في النظر إليهما ومن جوانب عديدة ومختلفة، منها:

1)- أسلوب الفوز بالمقاعد البرلمانية:

المجموعة العراقية وصلت إلى البرلمان العراقي عن طريق نظام الكوتا المخصص للمسيحيين. ولقد سبق وأكدنا مراراً وتكراراً في كون هذا النظام أسلوباً غير ديموقراطياً ضمن  نظام أو اجواء غير ديموقراطية. فالمقصود من الكوتا البرلمانية هو "ضمان" وصول مجموعة أو أقلية إلى البرلمان عن طريق تخصيص عدد معين من المقاعد لها لأنها لا يمكن لها التنافس في الإنتخابات العامة مع غيرها من الأحزاب الكبيرة والمهيمنة والفوز بأي مقعد برلماني، لماذا؟؟؟ ... لأن الأحزاب أو الأغلبية السائدة في العراق لا تعطي صوتها للمرشح المسيحي لكي يفوز في الإنتخابات البرلمانية العامة، فعقلية معظم السياسيين في العراق ورجال الحكم مكبلة بالطائفية المقيتة ونظام المحاصصة القائم عليها وهو نظام على النقيض تماماً من النظام الديموقراطي. فالديموقراطية ليست نظام على ورق أو كلمات مدرجة في الدستور بل قبل كل شيء يجب أن تكون العقول والأفكار ديموقراطية وتنعكس في التشريعات ومن ثم تنقل وتمارس وتطبق في الواقع الفعلي. فطالما مثل هذه العقول والأفكار لا تسمح للمسيحي أن يكون رئيس جمهورية أو رئيس مجلس وزراء أو يتولى منصب وزاري سيادي فأنه لا مكان للديموقراطية في الواقع الفعلي للعملية السياسية في العراق وكل حديث عن الديموقراطية والكوتا المسيحية هو هراء وتغطية لنظام لا ديموقراطي في المحاصصة الطائفية. وقد يظهر بأن الطائفية والمحاصصة مسألة تشريعية يقرها الدستور والقوانين غير أن الأمر ليس كذلك. فطالما الإسلام هو الدين الرسمي للدولة ومصدر أساسي أو وحيد للتشريع فإذن ليس للـ "الذمي" – إي غير المسلم - ولاية على المسلم. فالمسألة بالأساس هي دينية وليست تشريعية.

 ومن الملاحظ  بأن حتى الكوتا لا تسلم من النهب والسلب وبالتالي لا يمكن أن يحقق هذا الأسلوب ضماناً صحيحاً لحصول الممثلين الحقيقيين للمسيحيين على حصتهم من المقاعد البرلمانية. فعندما يكون المبدأ غير صحيح فكل التفاصيل القائمة عليه ستكون غير صحيحة أيضاً، أي بعبارة أخرى، حتى لو حصر حق تصويت المسيحيين لقوائم كوتتهم ومن دون غيرهم، كما يطالب بعض من أحزابنا السياسية، فهو أمراً لا يمكن تطبيقه والسيطرة عليه إطلاقاً. من هنا يظهر بأن تجاوز هذا الحق وقنصه سهل جداً وعن طريق دفع الأحزاب الأخرى "غير المسيحية" قوائم أو وجوه مسيحية لغوض الإنتخابات والتنافس مع الأحزاب المسيحية. فإذا كان مثل هذا الأمر مقبول بعض الشيء بالنسبة لأحزاب كالحزب الشيوعي العراقي والديموقراطي الكردستاني لكونها أحزاب تضمن حقوق المسيحيين في أجندتها فإن هذا الأمر من الناحية القانونية سيكون مقبولاً أيضاً على "داعش" أو أخوان المسلمين لو أفترضنا دفعهم بأحد المسيحيين لغوض الإنتخابات على أساس الكوتا المسيحية. فالكوتا هي مسيحية من الناحية الرسمية والشكلية فقط ولكن فعلياً  وواقعيا فإن بابها مفتوح مشرعاً للجميع ولغير الممثلين الحقيقيين للمسيحيين أيضا. وعندما نشير إلى عبارة "غير المسيحيين" فأن المقصد ليس دينياً، أي أنتماء المرشح لغير الديانة المسيحية، بل المقصد هو مدى تمثيلة، علناً وصراحة قانوناً وفعلاً، هو أو كتلته للمسيحيين.

أما المجموعة السويدية فإن فوزها بخمسة مقاعد في البرلمان السويدي جاء نتيجة للنظام الديموقراطي السائد في السويد وألأسلوب الديموقراطي المتبع في الإنتخابات العامة والطبيعة المنفتحة والسلسة للنظام الحزبي  في البلد. فخمسة من أبناء أمتنا لم يفوزوا بمقاعدهم البرلمانية بحسب كوتا مخصصة لهم في كونهم مسيحيين، كما هو الحال في العراق، بل جاء من خلال إنتمائهم إلى القوائم الإنتخابية للأحزاب الوطنية الكبيرة والفاعلة على الساحة السياسية. فثلاثة من الفائزين هم من قائمة الحزب الإشتراكي الديموقراطي والآخران من قائمتي الحزب الديموقراطي المسيحي وحزب الشعب الليبرالي. فالمساواة الحقيقية بين جميع المواطنين السويديين يجعل الطريق سالكاً لأي مواطن سويدي أن يرشح نفسه طبقاً للنظام السياسي وقواعد العملية الإنتخابية وأن يقترع كيفما يشاء وللمرشح المفضل لديه دون أي أعتبار ديني أو قومي أو عنصر تمييزي آخر. من هذا المنطلق فأن فوزهم لم يكن بفعل تصويت المسيحيين لهم بل بفعل تصويت السويديين لهم عموماً، وهذا يؤكد، بغنى عن أسلوب التصويت وكيفية الحصول على الأصوات المطلوبة للفور بمقعد برلماني والحزب الذي ينتمون إليه، يؤكد مدى فاعلية هؤلاء ومكانتهم المتميزة سواء في أحزابهم السياسية أم بين أبناء الشعب السويدي عموماً الذي أنتخبهم.

2 – مجال العمل السياسي:
صحيح هو أن العضو البرلماني في كلا البرلمانين العراقي والسويدي لا يمثل فئة أو مجموعة أو مقاطعة معينة بل يمثل  جميع المواطنين، إلا أنه بسبب إنتماء العضو البرلماني إلى قومية أو منطقة معينة وإلمامه بشؤونها فأنه في الكثير من الأحيان يظهر عند طرحه مسألة معينة للقومية أو الدين أو المنطقة أو الحزب الذي ينتمي إليها يظهر كأنه يمثله،  وهذا واضح في كلا البرلمانين، إذ يحق لعضو البرلمان أن يطرح مثل هذه المسألة ليس بصفتها الخاصة بل كجزء من مسألة وطنية عامة تهم الجميع وليس الفئة أو القومية أو الحزب الذي ينتمي إليه. فعندما يطرح العضو "الكلداني السرياني الآشوري" في البرلمان السويدي مسألة تتعلق بمذابح سيفو والضغط على تركيا للإعتراف بالمذابح المرتكبة بحق شعبنا عشية الحرب الكونية الأولى أو المطالبة بإسترجاع الكنائس في تركيا لأصحابها الشرعيين أو التعويض لهم أو طلب الحماية الدولية لأبناء شعبنا في العراق وسوريا، فإن هذه المسألة تعتبر مسألة عامة متعلقة بحقوق الإنسان والأقليات وضمان السلم والأمن في العالم وهي من المبادئ الأساسية والجوهرية للنظام الديموقراطي في السويد التي تهم الجميع وليس شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" فحسب. وعندما يطرح مثل هذا الموضوع للمناقشة والتصويت عليه، فإن معظم أعضاء البرلمان سوف يصوتون عليه بالإيجاب لأنهم يؤمنون بهذه المبادئ. والحال نفسه بالنسبة لممثلي شعبنا في البرلمان العراقي، فعندما يطرح موضوع متعلق بقضية مشروعة لشعبنا في العراق فأنها لا تطرح باعتبارها قضية خاصة بشعبنا فحسب بل على أساس كونها قضية وطنية تهم جميع أبناء الشعب العراقي وممثليهم في البرلمان لأن الشعب "الكلداني السرياني الآشوري" جزء صميمي من الشعب العراقي وبالتالي فقضيته من المفترض أن تهم جميع أعضاء البرلمان العراقي. غير أن الأمر ليس كذلك، فطبقاً للعقلية الطائفية التي تتحكم في معظم أعضاء البرلمان العراقي فأنهم سينظرون إلى مثل هذه المسألة كأنها مسألة ضيقة وخاصة تهم المسيحيين فحسب دون غيرهم فإما تفرفض من قبل غالبيتهم أو تؤيد من قبل بعضهم لا حباً بالمسيحيين بل لإغراض أخرى بعضها متعلقة بالتلاعب بموازين القوى في البرلمان أو بتصفية حسابات قائمة بين الأحزاب الممثلة في البرلمان.  من هذا المنطلق يكون مجال العمل السياسي للمجموعة السويدية رحباً واسعاً وشاملاً ومقبولا من أكثرية زملائهم في البرلمان وبالتالي يمكن أن يحققوا بعض الطموحات التي يطمح إليها شعبنا سواء أكان ذلك في السويد أم في موطنه الأصلي. والعكس صحيح بالنسبة للمجموعة العراقية فأن مجال عملهم السياسي سيكون ضيقاً ومحدوداً جداً أن لم يكن مستحيلاً يراوغ في مكانه من دون نتيجة وذلك بسبب تحكم العقلية الطائفية على مقدرات الأمور وعدم إستيعابها، جهلاً أو قصداً، لطموحات الجزء الآخر والمهم من الشعب العراقي الذي يختلف دينياً وطائفياً وقومياً وحتى حضارياً ونفسياً عن الأكثرية المهيمنة. وبالتالي يصعب جداً تصور تحقيق أية مطمح أو مصلحة لشعبنا من خلال وجود ممثلين له في البرلمان العراقي. فما الذي يستطيع خمسة نواب مسيحيين، حتى لو وحدوا خطابهم السياسي حول مسألة معينة أن يفعلوا أمام أكثر من ثلاثمائة عضو برلماني لا يؤمن أساس بالمسألة المطروحة.  من هذا المنطلق كنًا وأستمرينا في طرح مسألة إستقالة ممثلي أبناء شعبنا في البرلمان والحكومة طالما المستفيد من هذا التمثيل ليس شعبنا بل المستفيد هو أما النظام السياسي وعن طريق إضافة نوع من الشكلية الديموقراطية على النظام ومن خلال تواجد المسيحيين في البرلمان أو تكون الإستفادة شخصية بحتة للعضو البرلماني المسيحي.

3- الإنتماءات الوطنية والطائفية والحزبية وتأثيراتها الفكرية:
من الطبيعي جداً أن يكون ممثلي شعبنا في البرلمان العراقي من المواطنيين العراقيين وفي البرلمان السويدي من المواطنيين السويديين، وهو أمر ليس ذو أهمية في المقارنة بين المجموعتين، ولكن أصل الإنتماء إلى هذا البلد أو ذاك أو إلى طائفة من طوائفنا الكنسية أو إلى الحزب السياسي أمر يهمنا جداً في هذه المقارنة. فالمجموعة العراقية إنتماؤها للعراق هو بـ "الأصل". بينما المجموعة السويدية إنتماؤها للسويد هو بـ "المرجع". فمن الطبيعي أن تخضع وتتأثر المجموعة العراقية بكل العوامل السياسية والتاريخية والإجتماعية والدينية للعراق ولأكثرية شعبه. والحال نفسه بالنسبة للمجموعة السويدية هو خضوعها لكل مثل هذه العوامل في السويد ولأكثرية شعبه. وبين الحالتين بون شاسع يفصل الإستبداد والدكتاتورية والظلم والفواجع وعدم الإستقرار السائد في العراق عن التمدن والديموقراطية والمساواة والرفاهية وضمان الحريات والحقوق السائدة في السويد، وبالتالي ينعكس هذا في مساحات الحرية المتاحة لكل مجموعة وسلاسة العمل السياسي وضمان حريته وتحقيق نتائجه. لقد سبق وأن ذكرنا مراراً وتكراراً كون أبناء شعبنا، خصوصاً السياسيين منهم، مقلدين ومن الدرجة الأولى للعرب وتحديداً للعراقيين في الأمور السياسية وفي أساليب العمل السياسي والذي ينعكس في العمل السياسي للمجموعة العراقية.  بينما مثل هذا التقليد للعقلية العربية السياسية لا نجده في المجموعة السويدية لأن معظمها (اربعة من خمسة) هم أصلا من تركيا هاجروا وهم صغار السن إلى السويد أو هاجر أهلهم إلى السويد وولدوا فيه وبالتالي فإن تأثيرات العقلية الديموقراطية للسويد وغالبية شعبه ستكون أمراً طبيعياً عليهم.
أما من ناحية الإنتماء الطائفي أو الكنسي، نجد أن المجموعة العراقية تنتمي بشكل عام إلى الطائفتين الكلدانية الكاثوليكية والمشرقية الآشورية في حين تنتمي المجموعة السويدية (أربعة من خمسة) إلى الطائفة السريانية الآرثوذكسية، ولا يمكن النكران بأن لمثل هذا الإنتماء تأثير على العمل السياسي والوعي القومي. ففي دراسة سابقة في التركيبة الإجتماعية لشعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" ذكرنا بأن "المجتمع الآشوري" يقوم على وحدات إجتماعية رئيسية (بنية تحتية) تتكون من العشائر، والعشائرية هي نزعتها الفكرية (بنية فوقية). أما "المجتمع الكلداني" فأنه يقوم على وحدات إجتماعية رئيسية (بنية تحتية) تتكون من القرى، والقريوية هي نزعتها الفكرية (بنية فوقية). ولا أحد يستطيع أن ينكر مدى تأثير هذه النزعات الفكرية في العمل السياسي والوعي القومي وحتى في الأمور الإجتماعية والدينية والكنسية.  في حين يقوم "المجتمع السرياني" على وحدات إجتماعية رئيسية تتكون من المناطق والبلدات(بنية تحتية) والمناطقية هي نزعتها الفكرية (بنية فوقية). ولكن بسبب سعة هذه الوحدات الإجتماعية وتداخلها بعضها بالبعض وإنفتاحها على العالم الخارجي فإن تأثير نزعتها الفكرية هو أقل بكثير من التأثيرات العشائرية والقريوية للأشوريين والكلدان على العمل السياسي والوعي القومي، لهذا لا نستغرب أبداً أن يكون رواد الفكر القومي الوحدوي من أبناء السريان وأن تكون المنظمة الآثورية الديمقراطية أول تنظيم سياسي قومي في مجتمعنا المعاصر وأن يكون مجتمعنا "الكلداني السرياني الآشوري" في المهجر الذي غالبيته من السريان أكثر إستقراراً وتقدماً ووعياً ونشاطاً، والسويد نموذج في ذلك، ففريق أسيرسكا لكرة القدم ومجلة خويودو وإتحاد الإندية الآشورية و قناة سوريويو وعدد آخر من الأندية الإجتماعية الناجحة كلها نتاج هذا النشاط والإستقرار والتقدم والوعي القومي. في حين نرى على العكس من هذا في المجتمعين الكلداني والأشوري حيث تعشش العشائرية والقريوية في الكثير من الأحزاب السياسية والمؤسسات الإجتماعية وتجعلها دكاكين خاصة لأبناء عشريتهم أو عائلتهم أو قريتهم.

أما من حيث الإنتماء الحزبي لكلا المجموعتين، فأن زوعا والمجلس هما من الأحزاب القومية المسيحية "الكلدانية السريانية الاشورية" قد هيمنا على الكوتا المسيحية ومن يقول بأن هناك إختلاف فكري وأيديولوجي بين الأحزاب "الكلدانية السريانية الآشورية"  بما فيهم زوعا والمجلس فهو واهم ولا يعرف من دنيا السياسة والأحزاب شيئاً، فالإختلاف بينهم هو أسمي وشخصي ولا غيرهما وأحيانا هو إختلاف في التجاذب السياسي الخارجي. فهذا الأمر، أي عدم الإختلاف الفكري والأيديولوجي، كان من المفترض أن يوحد ويقوي العمل القومي المشترك بين ممثلي زوعا والمجلس في البرلمان العراقي ليظهروا فعلاً كممثلي شعبنا ولكن الأمر بخلاف ذلك تماماً فالصراع الشخصي والتحزبي بينهما وصل إلى حالة لا تطاق من قبل شعبنا، إلى حالة فقدان مصداقيتهما والثقة والأمل من تحقيق نتائج من خلال جلوسهم على الكراسي البرلمانية. وتخصيص مقعد وزارة العلوم والتكنولوجيا في الكابينة الجديدة برئاسة حيدر العبادي من غير مرشيحهما نموذج حي و"فريش" في هذا الصراع الحزبي.  في حين نرى بأن المجموعة السويدية تنتمي إلى ثلاثة أحزاب وطنية، لا قومية ولا دينية، تخص المسيحيين أو شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"  وبين هذه الأحزاب السويدية إختلاف لا بل تناقض فكري وإيديولوجي تاريخي كبير وواضح، ولكن فوق كل هذه الإختلاف والتناقض لهم جامع مشترك وقوي يرتكز على المصلحة الوطنية السويدية. فعندما تطرح مسألة تخص أبناء شعبنا سواء في السويد أم في خارجها بإعتبارها مسألة متعلقة بحقوق الإنسان والأقليات والحريات وضمان الأمن والإستقرار فإنها تطرح  كجزء من المصلحة الوطنية السويدية التي يستوجب على معظم الأحزاب السياسية وممثليهم في البرلمان الدفاع عنها فيكون شعبنا في نهاية المطاف هو المستفيد من هذه المسألة. من هنا يظهر بأن إنتماء أبناء شعبنا للأحزاب السياسية الكبيرة والفاعلة  في بلدان المهجر يحقق فائدة لأبناء أمتنا أكثر من إنتمائهم إلى أحزاب قومية أو دينية تخص شعبنا في المهجر. وقد تطرقنا إلى هذا الموضوع وبشكل مفصل في كتابنا المعنون (محطات فكرية على طريق العمل القومي الآشوري – نظرة مقارنة بين الوطن والمهجر – مطبعة ألفا غرافيك، شيكاغو، 2000) والذي بينًا فيه بأن الأحزاب السياسية والمنظمات القومية الآشورية في المهجر والتي تتخذ من "آشور" أو بيت نهرين، - وطن وأرض كجوهر ومضمون لنشاطهم القومي والسياسي وهذا الوطن بعيد عنهم بألاف الأميال جعلهم يدورون في فلك الخيال والرومانسية ولم يستطيعوا من تحقيق أية خطوة تفيد آشور أو شعبنا في بيت نهرين وأصبح حالهم قيد الضمور أو الجمود، فكان الأجدر بهم أن يتخذوا من وطن المهجر ساحة عمل لهم من خلال إنتمائهم إلى الأحزاب السياسية ومحاولة الترشيح والفوز بمقاعد تقربهم من مراكز صنع القرار السياسي لكي يستطعون من خلالها خدمة أبناء أمتنا في وطنهم آشور، كما فعل ممثلو شعبنا في السويد والتي هي حالة يستوجب الإقتداد بها.

200
على نفس طريق النضال القومي للأب ... رحل الأبن نورا زيا بوبو (د. هرمز)
==============================================================
أبرم شبيرا

حاولت من خلال البحث في مراجعي وإستذكار أفكاري ومعرفتي بالتاريخ القومي المعاصر لأمتنا لم أجد كهونتاً، بإستثناء المثلث الرحمات مار شمعون إيشاي بطريرك كنيسة المشرق السابق، ناضل من أجل أمته وواجه الكثير من المعاناة والصعاب وتشرد من بيته ووطنه مثل الخورأسقف زيا بوبو دوباتو الذي كان يعيش في الموصل وظل هناك طيلة عقود عديدة يخدم أبناء كنيسته ككاهن جليل ومحترم بينهم. فلم يمنعه الجلباب الكهنوتي وصليبه المقدس من أن يخوض غمار النضال القومي الصعب. فقد عُرف بنضاله القومي العنيد ومواقفه الصلبة الثابة خاصة في عهد النظام البعثي العراقي حيث قاوم كل ضغوط وتهديدات وإغراءات النظام البعثي بتسليم أبنه "الهارب" د. هرمز أو إرشاده على الطريق الدال إليه وطلب العودة إلى الموصل، مما أضطر في بداية الثمانينيات من القرن الماضي اللجوء الى إيران مع عائلته هرباً من ظلم وأستبداد النظام له ولأبنائه وعائلتــه. وفي حينها أهتمت بعض الهيئات الدولية والمنظمات المعنية بحقوق الأنسان بقضيتــه وتناولتها وسائل الاعلام الدولية فقدمت شــكوى الى الحكومة العراقية بهذا الشـأن.  وكانت المعارضة العراقية حينذاك قد أعتبرته من العناصر البارزة فيها خاصة وأنه كان أول كاهن مسيحي يعارض علناً النظام الإستبدادي في العراق. وفي 23 أيول من عام 1989 أنتقل الى جوار ربه فكان مثواه الآخير في أورمــي شمال إيران. وهناك الكثير من المفارقات في حياته وهو على طريق النضال والحرية منها ولادة حفيده في مقر الكفاح المسلح للحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) في قرية زيوا وكذلك إجراء مراسيم زواج (بوراخا) لأبنة المناضل المرحوم توما توماس لأحد أعضاء الحزب الشيوعي العراقي وفي مقر الحزب في نفس القرية. وهناك الكثير من هذه المفارقات المجبولة بالمعانات والعبر المثخنة بالجراح على طريق النضال القومي والمراحل الأولية لتأسيس زوعا سطرها أبنه المرحوم د. هرمز كذكريات والتي نشرها في الأعداد السابقة لموقع عنكاوه دوت كوم.


عرفتُ المرحوم المناضل د. هرمز منذ زمن طويل ولي ذكريات كثيرة معه ولعل أهم ما أذكره وبكل التفاصيل هو اللقاء الذي تم في بيت السيد زيا بتيو ججو (ميخائيل) في الموصل في خريف من عام 1981 والذي دار فيه نقاشات سياسية حادة عن الكثير من الأمور السياسية ومنها القومية وتحديداً عن زوعا وتأسيسها وفكرة الإلتحاق بركب الكفاح المسلح وفي وقتها قدم كلاهما ميخائيل ود. هرمز لي نسخة من نشرة كانت تكون من صفحة مطوية ومطبوعة بآلة الطابعة على ورق باهت ورث وبإخراج بسيط جداً يظهر بأنها كانت قد أنتقلت بين أيادي كثيرة وبسرية تامة والتي تتطورت فيما بعد لتصبح  جريدة بهرا لسان حال زوعا، وذكرا بأنها مبعوثة بطرق سرية من قبل الرفيق ياقو (يونادم) كنا. وكان الحديث يجري معهما بأعتبارهما من قيادي زوعا ومؤسسيها وكان هذا واضحاً من التفاصيل الدقيقة والمكثفة التي طرحوها لمرحلة تأسيس زوعا والخطة الرامي للإلتحاق بركب الكفاح المسلح والتي لم يكن من الأمان طرحها وكشفها لأي واحد غيري لأن معرفتهم بي وموقفي من المسائل القومية كان مضموناً عندهم خاصة وأنه كان لي معرفة قديمة مع السيد ميخائيل ججو وبعائلته ومنذ مرحلة الصبا في مدينة كركوك. أن مثل هذا التاريخ، أي عام 1981 وتحديداً في الخريف وعلى الأرجح كان شهر أيلول لا يمكن أن أجادل أحد في مدى صدقيته لأنه مرتبط ببعض الأمور الشخصية التي لا تنسى، منها إنني تزوجت في شهر تموز عام 1981 وبعد عودتي من شهر العسل بفترة قصيرة تم نقل خدماتي في الشركة التي كنت أعمل فيها إلى الموصل التي شاركت في الأعمال التصميمة والإستشارية لسد الموصل. وخلال وجودي في الموصل كنت كثير التردد إلى بيت السيد ميخائيل ججو واللقاء معه ومع المرحوم د. هرمز ولم يستمر بقائي في الموصل بضعة أشهر حتى رجعت إلى بغداد في بداية شتاء عام 1981.

ألتقيت الكثير من المرات بالمرحوم د.هرمز سواء في الوطن أوفي سوريا وكنت معه كعادتي مع الكثير من قيادي زوعا صريحاً ومن دون مُراء او مجاملة وفي بعض المرات أغلف إنتقادي لهم بنوعة من الفكاهة والنكتة لأنهم يعرفون جيداً ليس لي مطامح شخصية و "كرسية" او مناصبية من وراء إنتقاداتي. ففي أحدى لقاءاتي مع المرحوم في دمشق في التسعينيات من القرن الماضي قلت له وهو في طريقه للسفر إلى إستراليا لزيارة بعض أفراد عائلته، قلت "هينئاً لكم يا قيادي زوعا... ليش لا... يومياً مسافرين إلى بلدان العالم والحركة تدفع تكاليف سفركم.. خوش مناضلين!!!"  كان من الطبيعي أن يثور المرحوم غضباً وهيجاناً على قولي هذا ولكن بخصاله المعروفة في الهدوء وحفة صوته أخفى غضبه الجامح ورد بهدوء مقرون بالبسمة وقال: ما هذا القول... أن كل تكاليف سفري من جيبي الخاص وإن ذهابي إلى إستراليا هي زيارة شخصية لعائلتي... ثم أردف وقال: لماذا لا تنتمي إلى زوعا وتسافر أنت على حسابها؟" كان فعلاً، رغم ثوريته وحماسه في العمل القومي، قليل الكلام ولا يتدخل إلا عند الضرورة وقد لاحظت شخصياً بأنه لم تكن له مطامح "كرسية" فهو من بين القلائل من قيادي زوعا الذين لم يستلموا مناصب رسمية وأعتقد أيضا بأنه لم يطالب بها رغم كونه في قمة قيادة زوعا طيلة سنوات طويلة.

في السنوات القليلة الماضية، لم تكن زياراتي السنوية لشمال الوطن إلا وأن ألتقي به ويدعوني إلى بيته لتناول العشاء خاصة الأكلة الشعبية المعروفة بـ "دوخوا". في ذات مرة وبينما هو منزعجاً نفسياً ومرتبكاً فكريا بسبب "الخصام" مع قيادة زوعا قمنا بزيارته في بيته مع الصديقين العزيزين شليمون صبنيا وشقيقه سامي صبنيا فكان بادياً عليه نوع من الإنشراح والبهجة من زياتنا له، وبعد مغادرتنا بيته قال الصديق سامي: "يعتقد د. هرمز بأنك مبعوث من قيادة زوعا له لمفاتحته لردع الصدع والعودة إلى صفوف قيادة زوعا" ولكن رغم أن الأمر لم يكن هكذا ولا كان الهدف من الزيارة الشروع بمبادرة التصالح إلا أن ما لمسته وبشكل مباشر وعميق هو حب المرحوم، لا بل عشقه المميت أن صح التعبير، لزوعا ومعاناته من الإشكاليات التي كانت قد بدت تظهر في قيادة زوعا لأنه كان يؤمن إيماناً لا جدال فيه بأن زوعا هو بيته وعائلته ولا يمكن أن يغادره إطلاقاً وقد تجلى مثل هذا الإيمان في غيره من رفاقه الذين غادروا قيادة زوعا ولم يؤسسوا حزباً آخر بديلا عن زوعا ولكن يظهر بأن الأمر كان يأخذ مساراً آخر بعد القطيعة الكاملة مع قيادة زوعا.  فكانت بوادر تأسيس كيان خاص من قبل القادة السابقين لزوعا ظاهرة وأصبحت ملموسة بعد تأسيس كيان أبناء النهرين وأصبح المرحوم في قمة قياته.

لا أريد أن أطيل أكثر لأن لقاءاتي ومناقشاتي وذكرياتي كثيرة مع المرحوم، غير أن أشيد بظاهرة نادرة وفريد تتصف بها الحركة الديموقراطية الآشورية وهي إستمرار مسيرة النضال بين الأب والأبن... فبالأمس أستشهد المناضل يوسف توما هرمز سائراً على طريق النضال القومي الذي سار عليه والده المرحوم توما هرمز، واليوم يموت المناضل نورا زيا بوبو على نفس طريق النضال القومي الذي سار عليه والده المرحوم زيا بوبو دوباتو... وهكذا ففي هذه الأيام أرى بعض الشباب في الوطن سائرين على نفس طريق نضال والدهم في الحركة الديموقراطية الآشورية فمثل هذا التواصل في العمل القومي هو ضمان لإستمرار النضال القومي في الوطن.

أنتقل المرحوم نوراً من هذا العالم وهو بعيداً عن الوطن مثلما أنتقل والده البطل الخورأسقف زيا وهو بعيداً عن الوطن أيضا. ونحن بينما نواسي ألمنا الشديد بمغادته الأبدية وفقداننا لمناضل معروف، أقترح أما أن يكون مثوى المرحوم د.هرمز إلى جانبه مثوى والده في بلدة أورمي في شمال إيران أو أن تنقل مثوى والده ويدفن إلى جانب أبنه في أحدى بلداتنا العريقة في شمال الوطن، وبهذا تستمر المسيرة على نفس طريق النضال القومي في كلا العالمين الدنيوي والسرمدي. فألف رحمة على روح المرحوم نورا زيا بوب دوباتو ونطلب من ربنا يسوع المسيح أن ينعم عائلته بالرحمة والصبر وأن يستمر نضاله ويتجسد ويكتمل في بقية رفاقه السائرين على دروب النضال القومي نحو آفاق أبعد.



   

201
الحماية الدولية للمسيحيين العراقيين ... نعمة أم نقمة ؟؟؟
====================================
أبرم شبيرا

توطئة: يؤسفي القول بأن الكثير من أبناء شعبنا وفي مقدمتهم بعض من قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية بعيدين عن فهم السياسة ورسم إستراتيجية لمعالجة أمور شعبنا المسيحي "الكلداني السرياني الآشوري" وتقدير أبعادها المستقبلية ووضع الحلول المناسبة لها في حالة وقوع الكوارث والفواجع. ففي اللغة الإنكليزية مصطلح يعرف بـ (Contingency Plan) أي خطة للطوارئ والأمور غير المنتظرة للأحوال المضطربة أو المتوقع إضطرابها، وهل هناك حالة مضطربة أو متوقع إضطرابها أكثر فأكثر من أحوال شعبنا المسيحي في العراق والذي يتطلبه مثل هذه الخطة؟؟؟ يعيش الإنسان عشرات السنين وقد يصل عمره إلى مائة سنة، أما الأمم والدول فتعيش مئات بل ألاف السنيين. على هذا الأساس نقول بأن خطة معالجة أمور الإنسان أو شخص تختلف كلياً في أبعادها ومنظورها المستقبلي عن خطة معالجة أمور الأمم والدول. فأهداف الشخص قد تتحق في سنة أو بضعة سنيين ولكن تحقيق أهداف الأمة والدول يتطلبها فترات زمنية أكثر بكثير. فالأسف الأكبر هو أن معظم، إن لم يكن جميع، سياسات مجتمعنا هي قصيرة الأجل، فإما تكون لتحقيق أهداف تتلخص في المنفعة الشخصية والمصالح الخاصة للذين يمثلون شعبنا أو تكون بعد أن "يقع الفأس على الرأس" والذي شرحنا عنها في موضوع سابق، ولا نجد سياسات إستراتيجية في تخمين أو توقع الأمور المستقبلية ورسم خطة طارئة لها عند وقوعها، وهذا ما نشاهده اليوم في تخبط قادة وزعماء أمتنا في معالجة المأساة التي يتعرض لها شعبنا في الحاضر القائم من دون أن يكون لهم أية خطة طوارئ قائمة على دراسة الوقائع والتوقعات الممكنة أن تحدث في المستقبل لذلك جاءت هذه المأساة كفاجعة صاعقة وقعت على أبناء شعبنا.  هذا الموضوع الذي نعيد نشره، كتبناه في بداية عام 2011 عندما كان شعبنا المسيحي يُضطهد ويُطرد من مدينة الموصول وكنًا نتوقع الأسوء على أيادي متطرفة قذرة في نفس المدينة شكلت مدخلاً سهلاً لدخول داعش المجرمة للمدينة وإحتلالها. وفي حينها ذكرنا بأنه ليس للمسيحيين أمان في العراق غير الحماية الدولية. لذا أرجو من القارئ اللبيب أن يقرأ الموضوع في سياقه الزمني وقبل وقوع الأحداث الأخيرة الناجمة من أحتلال داعش المجرمة لأراضي واسعة من العراق وتشريد شعبنا وبالتالي تصاعد نداءات الحماية الدولية للمسيحيين وتوفير منطقة آمنة لهم... وهنا نعود ونقول مرة أخرى "منو يسمع منو يقرأ" فنزيد عليه ونقول أيضا "منو يعمل"... وحتى أن عملوا فالفائدة المرجوة من هذا العمل ستكون قليلة بعد أن خسر شعبنا الكثير الكثير، ليس في سلب بيته وأثاثه وإنما وطنه أيضا.   

أسئلة معقولة في زمن غير معقول:
بعد أن فقد المسيحيون في العراق الأمن والسلام والإستقرار، وبعد أن عجزت الحكومة العراقية وأي جهة أخرى من توفير الحماية اللازمة والضامنة لإستمرار حياتهم في العراق بشكل طبيعي تطرح  اليوم أسئلة تصبح في الزمن غير المعقول أسئلة معقولة لا بل مقبولة أيضاً. هذا الزمن غير المعقول الذي يصبح فيه أبن الوطن الأصيل غريباً ومنبوذاً... هذا الزمن غير المعقول الذي جعل من أغنى بلد بالبترول في العالم أن يقف أبناؤه ساعات طوال وفي طوابير طويلة من أجل الحصول على بضعة ليترات من البترول ... هذا الزمن غير المعقول الذي يجعل أبناء البلد ذو النهرين العظيمين عطاشا، هذا الزمن الذي جعل من أبناءه ألأصلاء محشورين في معضلة الخيار بين شرين أحلاهم مُر ... هذا الزمن الذي دفعنا أن نبحث في موضوع الحماية الدولية للمسيحيين العراقين ونتساءل فيما إذا سيكون ذلك نعمة عليهم تسترد أمنهم وسلامتهم في وطنهم الأم أم سيثير ذلك هيجان وغضب الحكومة العراقية والقوى السياسية الأخرى ويزيد الإرهابيون إرهاباً وقتلاً بالمسيحيين في العراق وتصبح نقمة عليهم؟ أسئلة وأسئلة فرضت علينا الظروف الحالية أن تطرح وتناقش في هذا الزمن غير المعقول.

معضلة  المسيحيين العراقيين:
المعظلة، وبالإنكليزية (Dilemma) تعني إكراه الشخص على إختيار واحد من خيارين وكلاهما صعب وفي غير مصلحته، أو كما يقال أحلاهم مُر. فمعضلة المسيحيين العراقيين في هذه الأيام هي إنجبارهم على مواجه خيارين لا يكفي أن نصف أي منهما بالصعب بل بالمهلك. فأمامهم أما خيار البقاء على أرض الوطن وتحمل الإرهاب ونتائجه المدمرة أو الهجرة إلى المجهول. يقال بأن ما يدفع المرء إلى المُر هو الأمرُ منه. تفيد كل الإحصائيات الدولية والأقليمية والمحلية لا بل حتى الواقع الفعلي لوجود المسيحيين في العراق بأنه في تناقص شديد ومثير للقلق والمخاوف. هذا الواقع الذي لا يعني إلا إختيار المسيحيين لخيار الهجرة رغم مرارته، خاصة في الظروف الحالية الصعبة، ليظهر بأنه أقل مرارة من مواجهة نتائج الإرهاب المدمرة والفانية للحياة، فحال المقتلعين والمطرودين من بيوتهم في المناطق الجنوبية والوسطى والموصل والإحتماء في المنطقة الشمالية، كما وإن المهجرين إلى تركيا وسوريا والأردن والدول الغربية كلها حقائق واقعية تثبت ما ذهبنا إليه. من هنا يمكن القول بأن إختيار مسلك الهجرة في الظروف المأساوية التي تسحق المسيحيين في العراق سحقاً يصبح أمراً غير مستغرباً في ظل غياب الأمن والسلام والإستقرار. فالعيش بأمن وسلام هما سُنة حياة الإنسان، وهي السُنة التي تدفع بالإنسان للبحث واللجوء إلى أي مكان من العالم يوفر له عناصر البقاء والعيش. لذا يمكن القول بأن المكان الذي يستطيع أن يوفر الأمن والسلام للإنسان يصبح هو الوطن بالنسبة له. أما المكان أو الوطن الذي لا يستطيع أن يوفر لأبناءه مثل هذه العناصر في العيش فأن مسألة الإنتماء إلى أرض الأباء والأجداد تتراخى تدريجياً وبمرور الزمن تفقد أهميتها في ظل ظروف الإرهاب والقتل والتشريد. قيل أن تكون غريباً في أرض غريبة هو أمراً طبيعياً أما أن تكون غريبا في وطنك ومرفوضاً فهو أمراً شاذاً وغير طبيعي.
وبينما هجرة المسيحيين لوطنهم في تصاعد مستمر، نرى على الجانب الآخر بأنه لا توجد أية جهة سواء أكانت عراقية حكومية أم مدنية ، مسيحية أم غير مسيحية، دولية أم إقليمية تؤيد هجرة المسيحيين من العراق بشكل علني وفصيح، رغم وجود مؤامرات وخطط إرهابية تسعى إلى تفريغ العراق من المسحيين سواء قتلاً أو تهجيراً لغرض إقامة الدولة الإسلامية، مثلما كان يفعل العثمانيون بالمسيحيين قبيل الحرب الكونية الأولى وأثناءها. من هنا نقول طالما الحكومة العراقية لا تستطيع توفير الحماية اللازمة للمسيحيين من جهة وترفض، على الأقل بالكلام والتصريحات، هجرتهم إلى أماكن أكثر أمناً وإستقراراً من جهة أخرى، إذن موضوع الحماية الدولية للمسيحيين العراقيين أو تدويل قضيتهم تصبح مسألة مشروعة للطرح والمناقشة.     

دعوات الحماية الدولية للمسيحيين العراقيين:
أكتسب موضوع الحماية الدولية أو الأجنبية للأقليات في بلدان الشرق الأوسط وتحديداً المسيحيين منهم سمعة  تاريخية سيئة للغاية وذلك بسبب إستغلال هذا الموضوع من قبل الدول الكبرى كحجة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ولإغراض تحقيق مصالحهم الخاصة ومطامعهم الإستعمارية. فقبيل الحرب الكونية الأولى أستغلت بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية هذا الموضوع كمعبر للتدخل في شؤون الدول العثمانية حتى تمكنوا من تفتيتها وتحقيق مطامعهم الإستعمارية من دون أن يتحقق للأقليات المسيحية من أتباع هذه الإمبراطورية شيء يضمن لهم أمنهم وإستقلاهم، بإستثناء قليل في لبنان. ويعتبر إستغلال بريطانيا للمسألة الآشورية في العراقية بعد الحرب العالمية الأولى نموذجاً واضحاً في هذا السياق، فأرشيف دائرة الوثائق العامة البريطانية في لندن زاخر بوثائق ومراسلات وتصريحات تخص موضوع حماية الآشوريين المسيحيين وضمان حقوقهم وتحقيق مطالبهم غير أنهم لم يحصلوا من كل هذه الضمانات الورقية في حمايتهم إلا مزيدا من المأساة والمعاناة.
 
واليوم وفي ظل الظروف المأساوية التي يعانيها المسيحيون في العراق، خاصة بعد مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد وما أعقبلها من هجموم على بيوت المسيحيين وقتل أعداد منهم، تطرح بعض دعوات الحماية الدولية للمسيحيين العراقيين من جهات غير رسمية يشوبها نوع من الخشية والخجل ولكن أكثر هذه الدعوات صراحة ووضوحاً كانت الرسالة المشتركة التي وجهتها كل من أيطاليا وفرنسا وبولندا والمجر بتاريخ 08.01.2011 إلى السيدة كاثرين أشتون الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي تطالب فيها بإدراج مسألة إضطهاد المسيحيين في الشرق الأوسط في جدول أعمال قمة مجلس وزراء الإتحاد الأوروبي المزمع عقده في نهاية الشهر الجاري، مؤكدين بأن الإتحاد الأوربي لا يمكن أن يبقى غير مبال بما حدث في الأشهر القليلة الماضية وإن إجراءات ملموسة يجب أن تتخذ بشأن حماية المسيحيين في العراق ومصر. لا بل كان وزير الخارجية الإيطالي أكثر وضوحاً عندما ذكر بأنه يجب عدم مساعدة الدول التي لا تستطيع حماية مواطنيها من المسيحيين.  ثم جاءت دعوة بابا الفاتيكان بضرورة حماية المسيحيين في الشرق الأوسط والتي أثارت غضب وهيجان جهات عربية عديدة منها مصر التي أستدعت سفيرها في الفاتيكان للحضور إلى مصر إحتجاجاً على تصريحات البابا.

عجز الحكومات ورد الفعل تجاه الحماية الدولية:
لا شك فيه بأنه بسبب الخلفية التاريخية السيئة لدعوات أو مشاريع الحماية الدولية للأقليات المسيحية في الشرق الأوسط، تركت إنطباعاً سيئاً وردود سلبية غاضبة تجاه هذه الدعوات والمشاريع سواء من جهات حكومية رسمية أو قوى سياسية أخرى. وجميع هذه الردود الرافضة للحماية الدولية للمسيحيين تستند على أنه تدخل في الشؤون الداخلية وإنتهاك لسيادة الدولة وإعتبار حماية أمن وسلامة مواطنيها من المسيحيين شأناً داخلياً وليس دولياً. ولو حاولنا معرفة الدوافع الحقيقية النفسية والسياسية في رفض الحماية الدولية للمسيحيين من قبل رجال الحكم في الدول العربية التي يُضطهد فيها المسيحيين نرى بأنها نابعة، أولا: من الحساسية المفرطة في موضوع السيادة والمبالغة فيه إلى درجة إنتهاك أبسط حقوق الإنسان. وثانيا: من الترسبات الماضية المتعلقة سواء بمفهوم الإستعمار أو الإحتلال الأجنبي. وثالثاً: تأتي كغطاء لتغطية عجز هذه الحكومات في حماية المسيحيين في أوطانهم وإظهار كأنها فعلاً قادرة على حماية جميع مواطنيها من دون الحاجة إلى حماية خارجية والتي تعتبرها إهانة سياسية تحط من هيبة وكبرياء الحكومة في قدرتها على القيام بأهم واجباتها وهي حماية مواطنيها. فلو أخذنا العراق نرى بأن حكومتها هي نفسها غير قادرة على حماية نفسها وموظفيها فكيف والحال مع حماية المواطنين العادين وخاصة الطرف  الآخر المختلف، ففاقد الشيء لا يعطيه، كما يقول المثل. فكيف توفر الحكومة الحماية للمسيحيين الذين لا حول لهم ولا قوة في الوقت الذي لا تسطيع الحكومة وأعضاؤها العيش بحياة طبيعية من غير أن يكونوا محاطين بأسوار بشرية وحواجز كونكريتية تحميهم من نيران الإرهابين والتي هي أيضا غير مجدية في كثير من الأحيان. كما إن عقدة التدخل الخارجي في الشأن الداخلي مرتبطة بعقلية معظم الماسكين على زمام الحكم في العراق وتتحكم في سلوكهم بشكل سلبي لأنهم جمعيهم لم يتمكنوا من إزاحة النظام الدكتاتوري البعثي في العراق الذي فتك بهم وبالشعب العراقي طيلة أكثر من ثلاثة عقود إلا بالتدخل الخارجي الأمريكي وإسقاط الصنم ومن ثم تربعهم على الحكم في العراق بفعل الدبابات الأمريكية. فهؤلاء يدركون كل الإدراك قابلية التدخل الإجنبي وإحداث التغيير، فخوفاً على أن ينقلب السحر على الساحر فأنهم يرفضون التدخل الخارجي في مسألة حماية المسيحيين.

للحكومة العراقية مشاريع في حماية المسيحيين إلا أنها لا تتجاوز حدود الكلام والتصريحات وردود فعل للمجازر التي أرتكبت بحقهم. صحيح أن هذه المجازر تعتبر كارثة ومصدر للهلع والخوف لكن مثل هذه التصريحات الفارغة والمعالجات العقيمة والأساليب "الدونكوشية" في تناولها للحيلولة دون وقوعها والإستقراء الخاطئ لأسبابها والطروحات الإستهلاكية في معالجتها هي الأكثر هلعاً وخوفاً لأنها بالتأكيد لا تضع اليد على الجرح بل سوف تزيده نزفاً وتدميراً. وطروحات تشكيل مجلس حماية المسيحيين وربطه برئاسة الجمهورية في العراق نموذجاً حديثاً لمعالجة عقيمة ومبتورة في هذا السياق.. فالحكومة العراقية ترفض لا بل تستنكر الحماية الدولية للمسيحيين وتدويل قضيتهم في العراق مؤكدة بأنها سوف تخلق رد فعل وبالتالي ستزيد من إرهاب الأرهابين ضدهم. هذا الإدعاء لم يتأكد أو يثبت بعد ولم ينفذ لحد هذا اليوم أي مشروع في الحماية الدولية للمسيحيين لكي نجزم تزايد الأرهاب ضد المسيحيين، لكن من المؤكد والواضح بأن معظم تصريحات رجال الحكم في القضاء على الأرهاب وحماية المسيحيين هي التي أفرزت ردود فعل قوية لدى الإرهابين وزادوا من أرهابهم إرهاباً ضد المسيحيين ولم يقلُ أو يتوقف عند حدود هذه التصريحات التي هي معروفة  لدى الإرهابين بأنها "كلام فارغ" أكثر مما هي معروفة لدى المواطن العراقي العادي. فالعمليات الإجرامية التي أرتكبها الإرهابيون بحق المسيحيين بعد مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد يثبت ذلك، ودلائل الوضع القائم تشير بأن العمليات الإرهابية ضد المسيحيين ستزيد عنفاً وقوة رغم كثرة تصريحات وإجراءات الحكومة العراقية فيما يخص حماية المسيحيين طالما الحكومة تتنصل عن المعالجات الجذرية للمسألة وقلعها من جذورها. 

نوعية الحماية الدولية للمسيحيين ومسؤولية الحكومات:
يتخوف الكثير من طرح أو قبول موضوع الحماية الدولية للمسيحيين بسبب تصورهم بأن مثل هذه الحماية ستكون عن طريق التدخل العسكري للقضاء على الإرهاب وفرض القوانين والإجراءات الخاصة في حماية المسيحيين. هذا الأسلوب الكولنيالي لم يعد له مكان في عالم اليوم، العالم الذي أصبح قرية صغيرة بفعل الثورة التقنية في وسائل الإتصالات والإعلام والتأثير متجاوزة كل الحدود السيادية التقليدية، العالم الذي أصبحت الدول فيه ملزمة لا محال منها بلعبة "العولمة" وقوانينها وبعكسه ستصبح خارج اللعبة معزولة ومقيدة بجملة من التشريعات الدولية المتجاوزة للقوانين المحلية. فقبل كل شيء فأن الأسلوب الكولينيالي المرتبط بظاهرة الإستعمار التقليدي لم يعد له وجود في عالم اليوم. كما أن مثل هذا الأسلوب الذي يتطلب التدخل العسكري مرتبط أساساٌ بجملة عوامل جغرافية وديموغرافية. فتمركز الكورد وبكثافة في المنطقة الشمالية سهل أمر حمايتهم دولياً حتى أمنت لهم الحكم الذاتي وبصلاحيات واسعة. في حين نرى بأن مثل هذه العوامل لا تتوفر في وضع المسيحيين العراقيين، فهم منتشرين في مختلف أرجاء العراق وغير متمركزين بكثافة في منطقة معينة يستوجب حمايتها. لذلك فإن موضوع الحماية الدولية بهذا الأسلوب مستبعد نهائياً في المرحلة الحالية مالم يكونوا ديموغرافيا متواجدين في منطقة معينة توفر لهم أولاً الحماية الذاتية وثانياً الحماية الدولية في حالة عجز الحكومة عن توفير مثل هذه الحماية، من هنا تأتي الأهمية المصيرية للمسيحيين في أن يكون لهم منطقة حكم ذاتي وإلا فمصيرهم سيتقرر بالخيارين المهلكين، أما مواجهة الموت على يد الإرهاب أم الهجرة نحو المجهول. 

الحقائق الواقعية أثبت بأن عملية القضاء على الإرهابين بشكل نهائي ومن خلال المواجهة العسكرية المباشرة أمر صعب ما لم يعالج الإرهاب والقضاء عليه من جذوره الذي نشأ منها. فالتصدي للمشاكل والتعقيدات الدينية والفكرية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية ومعالجتها أمر أساسي وأولي في القضاء على الإرهاب أو حصره في حدود ضيقة، وهي من المسؤوليات الإساسية والجوهرية للحكومة. فهناك خيط رفيع يوصل بين، على سبيل المثال لا الحصر، قرار منع بيع الخمور وغلق النوادي الإجتماعية في بغداد وبين مجزرة كنيسة سيدة النجاة والتي جميعها تصب في هدف أسلمة الدولة العراقية. فكيف تستيطع الحكومة العراقية من مكافحة الأرهاب في الوقت الذي هي تهيأ الأجواء لنشؤ وإستمرار هذا الأرهاب الذي له جذور وفروع تكمن في مثل هذا القرار وغيره. فالإرهاب يبدأ من الفكر والقرار وينتهي بالفعل الإجرامي في القتل والتنكيل. من هنا نقول، بأن الحكومة العراقية إن لم تكن قاصدة ومساهمة بشكل أو بآخر في هذا الإرهاب فهي جاهلة في فهم الواقع وفي أسلوب تحمل مسؤولياتها الإساسية في حماية مواطنيها وتحديدا المسيحيين منهم. فهذا القصد أو الجهل ليس بسبب لهث المسؤولين في الحكومة المستمر والمتواصل وراء مصالحهم الطائفية وتكريس كل إمكانيات الحكومة وأجهزتها في حماية هذه المصالح بحيث لم يعد لها وقت وإمكانيات كافية توفرها لحماية مصالح المواطن والوطن بشكل عام، بل أيضاً بسبب إفتقار معظم أعضاء الحكومة العراقية والمتولين لأمور السلطة الرسمية وغير الرسمية إلى خبرات وتجارب سياسية في الحكم والتعامل مع الآخر المختلف، والمختلف بنظر وعقيدة الإسلامي المتطرف، وما أكثرهم في الحكم، لا يعني إلا "الكافر" الذي لا يستوجب العيش والإختلاط معه في دولة الإسلام. من هنا نقول، لو تملكت الحكومة العراقية إمكانيات فكرية منفتحة ومناهج سياسية متمدنة في حل المشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي لأمكنت البدء في عملية القضاء على الإرهاب بشكل جدي ومنطقي. أليس الفعل الإجرامي بحق جمعية آشور بانيبال الثقافية في بغداد الذي أرتكبته الأجهزة الأمنية وبمباركة محافظ بغداد شكل من أشكال الإرهاب ويصب في نفس خانة مجزة كنيسة سيدة النجاة؟ فهذه المجزرة ما هي إلا قمة جبل الثلج في الفعل الإجرامي قائم على عدد هائل من القرارات والسلوكيات المتطرفة المتعفة في عقول رجال الحكم والسياسة في العراق.
من هنا نقول وبصريح العبارة بأن التدخل الدولي لحماية المسيحيين يصبح في مثل هذه الظروف أمرُ لا بد منه لتصحيح الأوضاع في العراق وتثبيت حق المسيحيين في البقاء في الوطن والقيام بواجباتهم وممارسة حقوقهم بشكل طبيعي. وعلى القابضين على السلطة في العراق أن يطمئنوا بأن شكل التدخل لن يكون بالتدخل العسكري لإزاحتهم من السلطة بل المطلوب من الدول التي تدعي بالديمقراطية وتدافع عن حقوق الإنسان أن تلجاً إلى الوسائل الأخرى في الحماية من إقتصادية وقانونية ودبلوماسية للتأثير على رجال الحكم في العراق بقصد تغيير سلوكهم الإرهابي حتى يتمكنوا من القضاء على الإرهاب الإجرامي وتوفير الحماية للمسيحيين. أي بعبارة أخرى ما لم يزاح  الفكر الإرهابي من عقلية رجال الحكم في العراق لا يمكن أن يقضى على العمل الإرهابي. وأولى هذه الوسائل القانونية في الحماية هو الفرض والضغط على الحكومة العراقية للإلتزام بالتشريعات والمعاهدات الدولية الخاصة بحماية الأقليات القومية والدينية والتي كان العراق ولا يزال طرفاً فيها. وأهمها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1977 الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة والذي فرض فيه على الدول التي توجد فيها أقليات إلتزامات بضرورة حماية حقوقها القومية والدينية. وفي عام 1976 دخل هذا العهد حيز التنفيذ وأصبحت له قوة القانون حين صادقت عليه 87 دولة حتى عام 1987 ومنها العراق. وبالنظر لتزايد إنتهاكات حقوق الأقليات في الكثير من البلدان وحرصاً من المجتمع الدولي في توفير الغطاء القانوني لحماية الأقليات القومية والدينية أصدرت الأمم المتحدة في نهاية عام 1992 أعلانها المشهور بهذا الصدد والمعروف بـ "إعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية وإلى أقليات دينية ولغوية" الذي أقر حق الأقليات بتمتع بكافة حقوقها القومية والدينية، لا بل فأن هذا الإعلان ألزم الدول المعنية على تعديل قوانينها بما تضمن هذه الحقوق. صحيح أن لهذه الإعلانات وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليس لها قوة قانونية ملزمة للدولة ولكن لها قوة إخلاقية ومعنوية يعكس الإلتزام بها تحضر الدول ورقي أخلاق رجالاتها، ولكن أين الحكومة العراقية من مثل هذه التشريعات الحضارية الإنسانية في الوقت الذي تمارس سياسات وسلوكيات كلها تصب في خانة الأرهاب وتحقق هدف الإرهابين في تفريغ العراق من المسيحيين؟؟ إذا كانت مثل هذه التشريعات ذات مغزى أخلاقي ولا يلتزم بها إلا الذين لهم إخلاقيات ديمقراطية، والحكومة العراقية بعيد كل البعد عن مثل هذه الأخلاقيات فأن الأمر يستوجب اللجوء إلى وسائل أخرى أكثر واقعية في التأثير على الحكومة العراقية وتغيير سلوكها نحو المسيحيين. ويبدو أن تصريح وزير الخارجية الإيطالي في عدم مساعدة الدول التي لا تستطيع حماية مواطنيها من المسيحيين هو نموذج في الوسائل الفعالة بهذا الشأن ولكن الأمر يبقى دائماً وأبداً في مدى مصلحة هذه الدول الكبرى في تنفيذ مثل هذه التصريحات والقرارت. أفهل يستطيع المسيحييون العراقيون من أن يكون لهم ثقلاً في هذه المصلحة حتى تلجاً حكومات الدول الكبرى إلى حمايتهم؟. في عام 1933 أنتهت مصلحة بريطانيا من إستخدام الآشوريين المسيحيين في تحقيق مشاريعها السياسية في العراق فتركتهم تحت رحمة سيف الحكومة العراقية حينذاك فأرتكبت بحقهم مذبحة سميل في شهر آب 1933. وبعد سبعة عقود، أي في عام 2003 لم يكن للأمريكان مصحلة مع المسيحيين العراقيين فتركوهم تحت رحمة سيف الأرهاب فكانوا أول الخاسرين من سقوط نظام البعث في العراق في الوقت الذي كان الكورد والشيعة أول الرابحين من سقوط هذا النظام... لماذا؟ لأن مصالحهم تطابقت مع مصالح الأمريكان في العراق، واليوم في هذا الزمن الغادر جعل من المسيحيون أن ينظر إليهم كـ "كفار وغرباء" لأنهم يدينون نفس ديانة المحتل في حين أصبح أرهابيو الفكر والممارسة أصحاب الوطن الشرفاء معادين لكل أجنبي وغريب... أليس هذا الزمن غير المعقول الذي قلب الشعب العراقي الأصيل إلى غريب يستوجب طرده؟؟

وأخيرا:
أفهل يدرك السياسيون المسيحييون وأحزابهم وممثليهم هذه الحقائق؟؟؟ نحن قلنا منذ البداية ونستمر القول بأن لنا الثقة بممثلي شعبنا لدى الهيئات الحكومية وبقدراتهم الفكرية والسياسية ولكن لعبة المشاركة السياسية مع أرهابي الفكر المتمثلين في الحكومة العراقية لعبة خاسرة لم يجني شعبنا منها إلا مزيدا من الإرهاب والتقتيل والتهجير وأصبحت كل الوسائل والتصريحات في حماية المسيحيين العراقيين نقمة عليهم. من هنا نعيد ونكرر بأن إستقالة ممثلي شعبنا في البرلمان ومجالس المحافظات والحكومة سيكون فعل يسحب البساط من تحت أقدام الحكومة العراقية التي تستغل مشاركة المسيحيين معها في العملية السياسية لتغيطة فكرها الإرهابي تجاه المسيحيين ولاشك فيه بأن إستقالة ممثلي شعبنا سيترك أثراً على المستوى الدولي لكي تلفت الدول الكبرى المعنية بحقوق الإنسان والأقليات النظر بشكل جدي وعملي في أوضاع المسيحيين العراقيين، حينذاك تكون البداية الأولى لإمكانية فتح باب للحماية الدولية للمسيحيين التي حتماً ستكون نعمة بعد أن أصبح عجز الحكومة العراقية في حمايتهم نقمة عليهم.


202
هل يستطيع الشيوعيون تمثيل المسيحيين في العراق ؟؟
 ===================================
أبرم شبيرا

توضيح:قبل كل شيء أود أن أوضح بخصوص أستخدام تسمية المسيحيين والتي في مضمونها وشكلها أعني بها بشكل عام الكلدان والسريان والآشويين ونفس الحال عند الإشارة إلى الأحزاب المسيحية. فالتسمية المسيحية فرضت علينا وبدت تطغي على التسمية القومية لأن في الحقيقة والواقع الحالي للعملية السياسية في العراق تسير برمتها وفق عوامل دينية وطائفية تستخدم كمعايير في تعامل القوى السياسية مع بعضها وتتسنم مناصب في هياكل الدولة على أساسها. فوفق هذا المعيار فالكوتا هي مسيحية وليست قومية كلدانية سريانية آشورية على الأقل من الناحية القانونية والرسمية، لذلك ليس غريباً وفق هذه المعايير أن نطرح موضوع الشيوعيين وتمثيلهم للمسيحيين في العراق ونحن نعرف مسبقاً موقفهم من الدين بشكل عام. وهذا ليس بعيدا عن العقلية العراقية في تقييم الأمور وقياسها بالمعايير الدينية، فالعقلية العراقية التقليدية تضع المسيحي العراقي مع المسيحي الإنكليزي أو البرازيلي أو جنوب أفريقي في خانة واحدة، فكلهم مسيحيون، إن لم يكونوا كفاراً حسب العقلية المتطرفة وما أكثرها في هذ الأيام. موضوع طويل سبق وأن فصلنا عنه في كتابنا المعنون (الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر- دراسة في العقلية العراقية تجاه الأقليات - من إصدارات دار الساقي، بيروت، 2001). من هنا أستوجب التوضيح والتأكيد بأن التسمية المسيحية هي في مضمونها إشارة إلى الكلدان السريان الآشوريين وألى أحزابهم السياسية القومية.
الحزب الشيوعي العراقي والكوتا المسيحية:في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة أستطاع الحزب الشيوعي العراقي التغلغل إلى الكوتا المسيحية عن طريق طرح قائمته "المسيحية" تحت مسمى  قائمة الوركاء الديموقراطية لتنافس بقية القوائم المسيحية، فأستطاعت قائمته أن تحصد مقعد برلماني كان من حصة السيد فارس يوسف ججو من بين خمسة مقاعد مخصصة ككوتا للمسيحيين، أما بقية المقاعد الأربعة فقد فاز بها بالتساوي كل من قائمة الرافدين التابعة للحركة الديموقراطية الاشورية (زوعا) وقائمة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (المجلس) وهما أكبر الأحزاب المسيحية في العراق.  ففي خضم المناقشات والتحديات وغموض التحالفات والبيانات والتصريحات المتناقضة  بين رؤساء القوائم المسيحية وأحزابها قبيل أختيار رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي أعضاء كابنته الوزارية، حصل ما لم يكن في الحسبان، حيث أختير السيد فارس يوسف ججو وزيراً للعلوم والتكنولوجيا ومن خارج ترشيحات زوعا والمجلس مما أثار ردود فعل تراوحت بين قوية وإحتجاجية وتحديداً من زوعا التي خسرت كرسي الوزارة الذي كان من حصتها في الكابينة السابقة و مترددة وحائرة وتحديداً من المجلس لأن إختيار السيد فارس للكرسي الوزاري لم يكن ضمن الأشخاص المرشحة من قبله رغم تحالفه مع قائمة الوركاء الديموقراطية.

أن وصول الحزب الشيوعي العراقي عن طريق ممثله المسيحي إلى البرلمان ثم إلى مجلس الوزراء، سواء باركه البعض  وهلهل له أو أنتقده البعض الآخر وهاجمه، فأنه من الناحية السياسية الموضوعية يعتبر إنجازاً كبيراً ونجاحاً باهراً للحزب الشيوعي العراقي من جهة وتراجع ونكسة للأحزاب المسيحية "لكلدانية السريانية الآشورية"، والمقصود بهم تحديداً زوعا والمجلس من جهة أخرى. ومرد ذلك وبشكل عام يعود إلى سببين:الأول: ذكاء وحنكة الحزب الشيوعي العراقي وخبرته الواسعة والطويلة في الأمور السياسية وقدرته العالية في تقدير الأمور ورسم سياسات خاصة في معالجتها وبالشكل الذي يخدم فكره وإستراتيجيته. فقد أستطاع الحزب الشيوعي العراقي من إستغلال الكوتا المسيحية والتغلغل من خلال العيوب والثغرات الموجودة فيه بحيث وأن كانت الكوتا مخصصة للمسيحيين إلا أن هذا قانونياً لا يمنع غير الأحزاب المسيحية من تشكيل قوائم يكون أعضاؤها من المسيحيين  لغوض الإنتخابات على أساس الكوتا المسيحية. لقد سبق وأن شرحنا بالتفصيل في نظام الكوتا وقلنا بأنه أسلوب غير ديموقراطي لنظام غير ديموقراطي ولا نريد الإطناب فيه حفظاً على مضمون موضوعنا هذا. لقد أدرك الحزب الشيوعي وبفطنته وذكاءه بأن الوصول إلى هياكل الحكم من برلمان وحكومة عن طريق الكوتا المسيحية أسهل بكثير من تشكيل كتلة إنتخابية خاصة به أو دفع مرشحين من أعضاءه إلى الإنتخابات  مباشرة لأن منافسة القوائم المسيحية سيكون أسهل وإحتمال الفوز بمقعد أو أكثر وارد جداً طالما لا يتطلب مثل هذا الفوز أصوات كثيرة بل يكفيه بضعة مئات من الأصوات ويمكن توفيرها من خلال تصويت أعضاء الحزب الشيوعي المسيحيون منهم وغيرهم، لقائمته المسيحية أو لمرشحه المسيحي. في حين لا يمكن أن يضمن الفوز عند منافسته للأحزاب الكبيرة الشيعية والسنية والكردية وغيرها التي نزلت إلى ساحة الإنتخابات. وطبقا للعيوب والثغرات الواردة في الكوتا، لم يكن الحزب الشيوعي العراقي وحده الذي أنزل قائمته المسيحية إلى الساحة بل أيضا عملها الحزب الديموقراطي الكردستاني (البارتي) حيث دفع بقائمته المسيحية إلى ساحة الإنتخابات ولكن لم يستطيع أي واحد من أعضاء هذه القائمة الفوز بمقعد في البرلمان لأن البارتي كان أحوج بكثير إلى أصوات أعضاءه لضمان فوزه بمقاعد أكثر في البرلمان وتجنب التفريط بها لصالح قائمته المسيحية التي كان يعتبرها ضمنا ورقة خاسرة في منافستها مع بقية الأحزاب والقوائم المسيحية. وربما أكتفى البارتي بحليفه (المجلس الشعبي) الذي أعتبره الورقة الرابحة في الإنتخابات وواثقاً من فوزه بمقعد أو أكثر.

الثاني: من قرأ أو سمع ما جرى بين الحزبين المسيحيين الكبيرين زوعا والمجلس قبيل أختيار السيد فارس ججو لمنصب الوزير لأدرك على الفور التصرف "الصبياني" – أن صح التعبير – الذي تصرفا به.  لقد تصرفا زوعا والمجلس كصبيان يتصارعون على دمية  ساحباً كل واحد منهما من طرفيها مستنجدا بهذا وذاك ومن دون أي إعتبار للمصلحة العامة التي من أجلها أختارهم أبناء شعبنا حتى أنفلت من أيديهم وأنكسرت. ليس هذا فحسب، بل التصرف الذي قاما به كلا الحزبين أثناء فترة الترشيح لمنصب الوزير لا يتسق مع المنطق ولا يقبلها العقل. فالمجلس أتفق مع قائمة الوركاء الديموقراطية (الشيوعية/المسيحية) فرشحوا ثلاثة أشخاص لهذا المنصب في حين نرى بأن هذا المنصب ذهب إلى السيد فارس ججو الذي لم يكن من بين هؤلاء الأشخاص وهو الأمر الذي أثار حنكة المجلس مبيناً سعيه ورغبته في أن يكون المنصب من نصيب أحد أعضاءه. أما الحديث عن سلوك زوعا في هذا السياق فأنه أمر أكثر غرابة وحيرة. فسعياً لهذا المنصب وترسيخاً لما كان له في الكابينة السابقة (وزارة البيئة في عهد المالكي) فلم يجد من يتحالف معه إلا مع ممثل اليزيديين الوحيد في البرلمان وهو ليس بالأصل محسوباً على الكوتا المسيحية فله كوتته الخاصة بملته. وحتى هذا الأمر، أي التحالف مع اليزيديين، احيط بكثير من الغموض والتناقض خاصة عندما أنكر ممثل اليزيديين وجود مثل هذا التحالف مع ممثلي زوعا في قائمة الرافدين. تصرف زوعا والمجلس لا يمكن أن يوصف إلا بالتخبط والضياع في متاهات الركض وراء منصب وزاري ضاربين عرض الحائط كل القيم المطلوبة في تحقيق المصلحة القومية لأمتنا ولو في حدها الأدنى. أين قيم ومبادئ وأفكار "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" (التجمع) من هذا السلوك المتخبط في عالم المصالح الخاصة والإنانية، أليس كلاهما زوعا والمجلس الأخوة الكبار في هذا التجمع ويتحملون مسؤولية أكبر؟ أفهل لديهما أجوبة على تساؤلات شعبنا في تضيع هذه الفرصة من بين أيدي "ممثلي" شعبنا من جراء أنانيتهما ولهوثهما المستميت من أجل مجرد كرسي.؟ إلا يثبت هذا بأن التجمع هو مجرد تنظيم مهلهل وكارتوني لا يتفق أعضاؤه إلا على إصدار بيانات وإستنكارات لا قيمة لها وتأثير. أما عندما تفوح روائح كراسي البرلمان والحكومة فالخلاف بينهم يتجاوز كثيرا التنافس السياسي المعقول والمشروع ويصل إلى حدود الصراع وبأسلحة التخوين والإهانات والتجريح  ... حقاً أنه لأمر محير ويطرح على ساحتنا القومية مئات الأسئلة والإستفسارات التي لا أجوبة لها وبالتالي تترك أجواء غامضة ومريبة تكون مصدر لزيادة فقدان أبناء شعبنا ثقتهم بأحزابنا السياسية. لذلك وكنتيجة لكل هذا التصرف المتهور خرجا كلاهما، زوعا والمجلس، من الموُلد بدون حمص، فكانت ملعقة من الحمص من نصيب الحزب الشيوعي العراقي وكل صحن الحمص من نصيب السيد حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء الجديد، حيث أستطاع أن يضرب عصفورين (المسيحيون والشيوعيون) بحجر (كرسي) واحد. لقد صدق المثل العراقي القائل "اللي ما يعرف تدابيره حنطته تأكل شعيره" مثل ينطبق بكل حذافيره على مشهد تنافس زوعا والمجلس على كرسي الوزارة.

الأحزاب السياسية وتمثيلها لإرادة الشعب: لقد سبق وأن أكدنا مراراً وتكراراً وفي كل مناسبة متعلقة بأحزابنا السياسية وبحقوقها القومية في وطننا الأم بأن الأمة التي لا توجد فيها أحزاب سياسية نشطة سيكون مصيرها القومي ومستقبلها السياسي مرهوناً بإرادة الأمم الأخرى. فالحزب السياسي، على الأقل من الناحية النظرية، هو تكثيف لضمير الأمة ومعبر لمطامح أبنائها، أو هو "مثقف جمعي" ، حسب تعبير الفيلسوف أنطوني غرامشي، للجماعة المعبر عنها.  أي بهذا المعنى لا يمكن لأي حزب يمثل مجموعة معينة أن يكون ممثلا ومعبراً عن مجموعة أخرى مختلف عنها في طبيعتها القومية أو الاجتماعية أو الفكرية أو مختلف عنها في المصالح والأهداف والمطامح. إذن أن تواجد الأحزاب السياسية ضروري جداً لكل أمة أو شعب لكي تكون معبرة عن مصالحها وداعية لحماية حقوقها. فالأحزاب المسيحية هي لوحدها لها الحق في التعبير عن المسيحيين وعن مصالحهم القومية ولا يحق لأي حزب آخر غيرهم أن يدعي بمثل هذا الحق. غير أن هذا لا يمنع أحزاب أخرى غير مسيحية الصفة من الادعاء بمثل هذا الحق التمثيلي، فهناك أحزاب وطنية أو إقليمية أو شيوعية أممية تدعي بمثل هذا التمثيل والحماية لكل أبناء الوطن أو الإقليم  بدون أي تمييز عرقي أو ديني أو طبقي. ولكن هذا الحق يبقى ضمن إطاره العام يتعامل بالحق المسيحي/لقومي  كجزء من الكل بحيث لا يمكن أن يعبر تعبيراً عاما عن هذا الحق المسيحي لأنه ليس هو الجوهر الحقيقي الكامل لمبادئه أو استراتيجيته بل هو جزء منه وما على هذا الجزء إلا أن يكون متناسقا ومتوافقاً مع الكل. أو بعبارة أخرى، أن يكون تابعاً للكل ويتوجب عليه عدم التناقض أو التعارض معه بل يجب أن يكون متوافقاً على المسائل الوطنية العامة.. فمن الناحية النظرية قد يكون مقبولاً المنادات بالمساواة  بين الجميع لكن من الناحية الفعلية والواقعية لايمكن أن تقوم لهذه المساوات قيامة إذا كانت أحدى هذه المجموعات قد عانت إضطهاداً وقمعاً من جميع النواحي مالم تزال هذه المعاناة ويرتقي وضعها إلى مستوى بقية المجموعات "المحظوظة والمستريحة" وتكون هذه المجموعات مستعدة ذهنية وسياسية لتقبل الآخر المختلف للمشاركة معها في النظام السياسي والتساوي معها في الحقوق والامتيازات، أي مواطنون متساويون وليس مواطنون من الدرجة الثانية أو أدناه كما كان الحال مع شعبنا في العراق. من هنا نقول  بأن عدم وجود أحزاب مسيحية (قومية) نشطة تعبر عن طموحات الأمة ستكون إرادة هذه الأمة مرهونة بإرادة الأمم الأخرى. فالحزب المسيحي "الكلداني السرياني الآشوري" يحمل معه كل الحق القومي والسياسي ويتعامل معه كاستراتيجيته المبدئية العامة ويمثل ضمير الأمة نفسها ومعاناتها وطموحاتها، فهو العام في الإطار السياسي الديمقراطي وليس الخاص كما هو الحال مع بقية الأحزاب. وضمن هذا الإطار القومي العام يقيم علاقته السياسية مع بقية الأحزاب ويبني منظوره الوطني الديمقراطي معها. أي بصريح العبارة لا يمكن أن يتحقق المطلب الوطني ما لم يتحقق المطلب القومي، والحزب هو الأداة في تحقيق مثل هذا المطلب القومي والوطني معاً، وهذا ما نجده في شعار (زوعا) الذي يقول: (عراق ديمقراطي حر... تعزيز وجودنا وضمان حقوقنا القومية). فكانت زوعا رائدة في سياق الربط العضوي بين الحقوق القومية والوطنية من بين معظم أحزابنا السياسية.

 من هنا نقول بأن انتماء شخص مسيحي (كلداني سرياني آشوري) إلى حزب غير الأحزاب المسيحية/القومية "الكلدانية السريانية الآشورية"، لا يمكن أن يكون ممثلا حقيقياً للمسيحيين ويطالب بحقوقهم القومية أو الدينية لأنه بالأصل تابع لحزب آخر ويعمل وفق أجندته وليس وفق أجندة الحزب المسيحي.، فإذا كانت له مطالبة بحقوقنا السياسية والقومية فإن هذه المطالبة لا تأتي إلا كجزء من مطالبته للحقوق الوطنية لجميع المواطنيين.  هذا من الناحية النظرية، والذي لا ينطبق  على الأحزاب القومية غير "الكلدانية السريانية الآشورية" وعلى الأحزاب الدينية والطائفية غير المسيحية،  بل ينطبق على الأحزاب الوطنية والإقليمية كالحزب الشيوعي العراقي والأحزاب الكردية أو "الكردستانية". فلو أخذنا الحزب الشيوعي العراقي، مضمون موضوعنا هذا، فهو حزب لا قومي ولا ديني. فهو يستمد فلسفته وإستراتجيته السياسية من الإيديولوجية الماركسية – اللنينية وتطبع بطابع أممي ولكن بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي تغييرت معظم الأحزاب الشيوعية في العالم  ومنهم الحزب الشيوعي العراقي، وأصبحوا أكثر "وطنيين" من كونهم أمميين فإنسجموا مع الحياة السياسية للبلد وبدأوا يشاركون في العملية السياسية ويسعون للوصول إلى السلطة عن طريق الوسائل المتاحة قانونياً، لا بل حتى أن بعضهم غير أسمه من الحزب الشيوعي إلى أسم آخر ينسجم من الوضع السياسي لبلده.  هكذا هو حال الحزب الشيوعي العراقي الذي أصبح "وطنياً" أكثر من كونه أممياً واضعاً موضوع النضال من أجل حقوق جميع العراقيين، ومنهم المسيحيين، في مقدمة أجندته. فلم يعد يحمل "المظلة عندما تمطر السماء في موسكو" بل أصبحت مظلته تكفي لتغطية مصالح وحقوق جمعيع العراقيين وتحديداً المظلومين منهم، وهل هناك مجموعة عراقية مضلومة وحقوقها مهضومة أكثر من المسيحيين الكلدان السريان الآشوريين؟؟ لذلك لا نستغرب أبداً أن نجد الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه فكرياً وتنظيمياً في العراق وحتى يومنا هذا مزدحماً باعضاءه المسيحيين، إبتداْ من أباء الحزب الأوائل  كبطرس فاسيلي (آشوري) و تلميذه يوسف سلمان يوسف – فهد (كلداني) مؤسس الحزب وأول سكرتير عام له، مروراً بالبطل التاريخي توما توماس (أبو جوزيف) و أبو عامل وأبو نضال، ووجدنا الروح الوطنية والقومية لهؤلاء في وجوه ونضال الكثير منهم أمثال هرمز الآشوتي و جونسون أغاجان وشميران مروكي وغيرهم كثر. عرفنا هؤلاء عن كثب ودخلنا معهم في نقاشات سياسية وقومية غنية ومفيدة ووجدنا فيهم بأن أفكارهم القومية لا تقل أهمية عن أفكارهم الوطنية والشيوعية... ولماذا نذهب بعيدا... ألم يكن المناضل التاريخي أبو جوزيف هو الذي أرشد زوعا على طريق الكفاح المسلح وهي في بداية مسيرتها القومية؟؟.

هل يستطيع الحزب الشيوعي تمثيل المسيحيين ومطالبة حقوقهم القومية؟إستناداً لما تقدم في أعلاه يأتي تساؤلنا: هل يستطيع الحزب الشيوعي العراقي  تمثيل المسيحيين (الكلدان السريان الآشوريين) ويطالب أو يدافع عن حقوقهم القومية والدينية عبر أحد أعضاءه المسيحيين الفائزين بمقعد في البرلمان أو المعينين في أحدى الوزرات من خلال الجزء الخاص (المسيحيون) من الإطار العام لسياسيته الوطنية والشيوعية (المواطنون). أي هل ستكون مطالبته ودفاعه عن حقوق المسيحيين من ضمن مطالبته العامة لجميع المواطنين العراقيين أم سيكون قادراً على التركيز على ماهو خاص بالمسيحيين. ومثل هذا التساؤل تأتي أهميته لأنه لا يملك الحزب الشيوعي أو ممثله في البرلمان أو الحكومة تجربة في هذا السياق لأنه لأول مرة في تاريخ العراق السياسي يصل شيوعي إلى أحدى هايكل الدولة العراقية ممثلاً عن المسيحيين. رسميا وقانونياً نعرف بأن هذا الكرسي هو لخدمة جميع أبناء الشعب العراقي وليس حصراً لخدمة المسيحيين ولكن رغم ذلك  نرى أن الممثلين المسيحيين في البرلمان كانوا يطرحون في أحيان كثيرة هموم ومشاكل شعبنا على البرلمان ويلتقون بأبناء شعبنا على أساس صفتهم الرسمية هذه. ولكن بالمقابل مالذي عمله هؤلاء لشعبنا المسيحي غير التباهي وملئ الجيوب وتعيين الأقارب كحاشية لهم... فالنظام السياسي في العراق كان فاسداً حتى العظم ومن شاركه أصبحت هذه الصفة لصيقة به سواء أكان ذلك حقيقة أم تهمة باطلة. وحتى بمجئ رئيس مجلس وزراء جديد (شيعي عربي) ورئيس جمهورية جديد (كردي سني) ورئيس برلمان جديد (سني عربي) فهذا لا يغير من النوع شيئاً طالما نظام المحاصصة قائم بكل حذافيره. فهذا النظام السياسي الطائفي والمحصص هو نتيجة طبيعية للنظام الحزبي الطائفي المهيمن على مقدرات البلاد  فهو بطبيعته المغلقة نظام فئوي لا مكان لبقية مكونات الشعب العراقي فيه أو للغير من الطوائف الأخرى. إذن ما الذي سيفعله كرسي يتيم لا حول له ولا قوة تجاه جبروت وإستبدادية نظام سياسي غارق في ظلام الطائفية والشللية؟؟ ماالذي يستطيع أن يفعله السيد فارس يوسف ججو وزير العلوم والتكنولوجيا في مجلس الوزراء أو أعضاء الكوتا المسيحية الفائزين بكراسي البرلمان؟؟ فهؤلاء رغم كل الجهود التي سيبذلونها فأنهم لا يشكلون غير موجة لقطرة ماء في بحر كبير هائج ملئه عقول طائفية وتحزبية لا تقر أصلاً بوجود المسيحيين في العراق وحقهم في نيل حقوقهم القومية. النظام الديموقراطي ليس بتوفير الكوتا للأقليات التي لا تستيطع الوصول إلى هياكل الدولة عن طريق الإنتخابات بشكل عام بل بوجود العقلية التي تمثل الأكثرية التي تقبل وتؤمن بحقوق الأقليات. في البلدان الديموقراطية الغربية الكثير من أعضاء البرلمان والحكومة يدافعون عن حقوق الأقليات من دون وجود ممثل لهم في هياكل الدولة.  فقبل سنوات عديدة جاء أعضاء من الحكومة المحلية في منطقة إيلنك في لندن إلى الآشوريين في النادي الآشوري وطلبوا منهم طبع الكراسات الخاصة بالإنتخابات المحلية والعامة في بريطانيا بلغتهم القومية (السريانية). وأيضا هنا العديد من أعضاء البرلمان البريطاني طرحوا معاناة شعبنا في البرلمان ودافعوا عنها. فهؤلاء ليسوا من أبناء شعبنا ولا ممثلين له وصلوا للبرلمان بالكوتا بل كانوا أنكليز يؤمنون بالديموقراطية وبحق الجميع في ممارسة حقوقه ؟؟ وهنا يجب أن لا نغفل السيد يلماز كريمو عضو برلمان السويد وكذلك السيدة أنا إيشو عضوة الكونكرس الأمريكي فلم يصلا إلى هذه المراكز عن طريق كوتا خاصة لشعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" بل أنتخبهما السويديون والأمريكيون الذين يؤمنون بحقوقنا ويؤيدونهما في مطاليبهم القومية الخاصة بشعبنا سواء في بلدهم أم في موطنهم الأصلي، فالفرق شاسع جداً ولا يصح المقارنة إطلاقا بين طريقة وصول هؤلاء لمراكز في هياكل الدولة وقدرتهم على العمل لصالح شعبهم وبين طريقة وصول أعضاء الكوتا المسيحية لبرلمان العراق. فالعقلية الديموقراطية هي أولاً وأخيرا العامل الحاسم في النظام الديموقراطي وليس بعض السطور في قانون أو دستور لا يؤمن بها أصلا أصحابها أو ممثليهم الذين شرعوها. لهذا السبب قلنا ونقول بأن الكوتا أسلوب غير ديموقراطي في نظام غير ديموقراطي.
وأخيراً:ضمن كل تعقيدات الكوتا المسيحية وإرهاصات النظام السياسي العراقي ومهاترات فرسانه الطائفيين ... نعود ونتسائل مرة أخرى هل يستطيع السيد فارس يوسف ججو المنتمي إلى الحزب الشيوعي العراقي والحاصل على مقعد في البرلمان العراقي ومن ثم توزيره بمنصب وزير العلوم والتكنولوجيا على أساس الكوتا المسيحية أن يمثل المسيحيين وينجح في مساعيه في رفع بعض من معاناة شعبنا في وطنه الأم... وهل يستطيع البرلمانيون المسيحيون من تحقيق بعض من أحلام شعبنا؟؟؟ من المؤسف القول بأنه إستنادا إلى التجارب السابقة وإلى طبيعة النظام في العراق، أشك في تحقيق خطوة واحدة في هذا السياق مالم تتحق معجز في العراق وأن يتحول الطائفيون إلى ديموقراطيون هو أمر سنتركه للسنوات الأربعة القادمة ولا نقول للألفية الرابعة. ولكن مع كل هذا الأسف والعجز فأن الأكثر أسفاً وألما هو أن نرى "ممثلي" أمتنا في البرلمان والحكومة، وهم نفر قليل جداً لايستطيعون أن يتكاتفوا أو حتى أن يبتسوا في وجوه بعضهم البعض. إننا لا نريد من ممثلي زوعا والمجلس في البرلمان ولا من السيد الوزير فارس ججو تحقيق المعجزات بل نطلب منهم ماهو أبسط بكثير وهو أن نراهم متكاتفين بعضهم بالبعض مرتبطين كالأصابع الخمسة لكف اليد ونشر صورة التكاتف هذه في وسائل الإعلام حتى يراه أبناء شعبنا وتبرد قلوبهم المكتوية  بنيران الظلم والإستبدادي وحتى تظهر صورة وحدة أمتنا في صورتهم... مطلب بسيط جداً وتحقيقه سهل جداً أيضا لو تجردوا من الإنانية والتحزبية... حققوا هذا الحلم وسوف نرفع قبعاتنا أحتراماً لكم.       

203
المسيحيون "الكلدان السريان الآشوريين"
أمة رد فعل وليست فعل

====================
أبرم شبيرا
تعلمنا من العرب أسوء عاداتهم السياسية:
من المؤسف أن نقول بأننا نحن "الكلدان السريان الآشوريين" أمة تعلمنا من العرب أسوء عاداتهم وسلوكهم وتفكيرهم السياسي، منها إننا أمة رد فعل وليست فعل كما هو حال العرب في حياتهم السياسية. ننتظر إلى أن "يقع الفأس على الرأس" ثم نبدأ باللغو والكلام والتحرك عن كيفية معالجة الوضع، وهذه صفة من صفات الأمم المتأخرة أو الأمم ذات الوعي المتأخر. في حين تكون الأمم المتقدمة والمستقرة أمم فعل أومبادرة مباشرة ناجمة عن دراسة موضوعية عميقة وواسعة  لأحوال الأمة والظروف المحيطة بها ووضع إستراتيجية طويلة الأمد يشكل تطبيقها على أرض الواقع مرحلة من مراحل تقدمها على مختلف مناحي الحياة، وهي الأمم ذات الوعي المتقدم. فالعرب ضيعوا فلسطين بسبب حروبهم ضد إسرائيل التي جاءت كرد فعل لحروب إسرائيل الإستباقية. وطبعاً العراقيون لا يختلفون عن هذه السياسة المنبعثة من رد فعل لفعل معين، فكل الحروب الخارجية والأهلية في العراق جاءت كرد فعل عشوائي كان أقل ما يقال عنها بأنها مدمرة للشعب والوطن معاً. أي بأختصار أن الأمم المتقدمة بهذا المعنى تملك حصانة ومناعة ضد المفاجأت في حين الأمم المتأخرة لا تملك مثل هذه المناعة بل تنصدم بأية مفاجئة حتى ولو كانت صغيرة. والحديث عن الحياة السياسية للأمة، تقدمها أو تأخرها، هو الحديث عن مدى فاعلية حكوماتها وأحزابها السياسية ومنظماتها وزعماءها ومفكريها ومدى إنعكاس هذه الفعالية على مستوى الفعل والمبادرة المباشرة.

أمتنا بين الفعل ورد الفعل:
عقليتنا وسلوكنا السياسي لا يختلف عن العرب، فتاريخ عقد من الزمن لأمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" المزدحم بالمأساة والفواجع والتشرد كان كله قائم على كوننا أمة رد فعل وليست فعل، أمة تتحرك بعد أن يقع "الفأس على الرأس" ويبدأ النزيف بغرق الأمة في دماء لا نهاية لها فيصبح كل رد فعل في معالجة هذه الحالة عقيم أو في أكثر الأحوال صعب السيطرة عليها والحد من نزيفها ما لم تتدخل ظروف خارجية للحيلولة دون إستمرار هذه الحالة المزرية والمميتة للأمة أو التخفيف عنها. فبين الفرمان العثماني قبل مائة سنة و(ن) داعش التكفيرية سلسلة طويلة من المأساة والفواجع شكلت في كل مراحلها المختلفة صدمات لأمتنا وزعامتها ولم يتم مواجهتها إلا بردود فعل متشجنة غير مجدية لأن الأمة بزعامتها ومؤسساتها لم تكن تملك الوعي المتقدم في إدارك الظروف المحتملة وإستنتاج الحلول ومن ثم إستحضار أفعال لمعالجتها قبل وقوعها، أي قبل أن يقع الفأس على الرأس.  وحتى لا نغور في الماضي الأليم سنكتفي بألام ومأساة أمتنا المتولدة من إنهيار دولة العراق قبل عقد ونيف من الزمن وتسنم ملوك الطائفية والتكفيرية كراسي الحكم في البلد ومن ثم إجتياز داعش لهم في ساحة سباق التطرف والتكفير وتربعها على العرش. ففي أعقاب الإضطهادات والإغتيالات والتشرد التي تعرض لها شعبنا خلال الأعوام القليلة الماضية في جميع أنحاء العراق أنطلقت شذرات فكرية هنا وهناك من قبل بعض مثقفي أمتنا يدعون إلى الحكم الذاتي لمناطقنا التاريخية كوسيلة لتحقيق التنمية والتطور لهذه المناطق وضمان حمايتها من التطرف والأرهاب، والأخر من المثقفين دعى إلى حماية دولية لأمتنا طالما دولة العراق نفسها عجزت عن حماتنا. قبل بضعة أعوام، وبينما كان أبناء أمتنا في الموصل وسهل نينوى يتعرضون إلى شتى أنواع الخطف والقتل والتهديد بقلعهم من أراضيهم، كتبت موضوعا مطولاً عن الحماية الدولية وتحت عنوان (الحماية الدولية للمسيحيين في العراق – نعمة أم نقمة) ثم قبل فترة وجيزة كتبنا موضوعاً آخر مضمونه مقارب للموضوع السابق وتحت عنوان(هل للمسيحيين العراقيين أمان غير الحماية الدولية) وكلاهما نشرا في موقعنا العزيز (عنكاوه دوت كوم) ونأمل أن ننشرة مرة أخرى توخياً للفائدة...  ولكن "منو يقرا ومنو يسمع" كما يقول العراقيون. لابل وأكثر من هذا، فمعظم أبناء أمتنا وتحديداً أحزابنا الكبيرة وبعض من المؤسسات سواء المدنية أو الدينية والكنائس ورجال الدين، رفضوا رفضاً قاطعاً مطلب الحكم الذاتي، بإستثناء قداسة البطريرك مار دنخا الرابع الذي أكد في معظم كلماته عن أهمية الحكم الذاتي لأمتنا كوسيلة لحمايتها وإستمرار وجودها في أرض الوطن. وحتى مبادرة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري في طرح مطلب الحكم الذاتي لسهل نينوى يجب أن لا يستبعد عن الطموح الكردي في ضم هذه المناطق إلى إقليمهم فهو الآخر تعرض إلى هجموم عنيف مشحون بشحنات العمالة للكورد.

 فقبل سنوات قليلة وبينما كان الأرهابيون يشحذون السكاكين والفؤوس ويشردون أبناء أمتنا من مناطقهم خاصة من مدينة الموصل وينشرون الرعب والخوف فيها وفي قرى سهل نينوى سواء عن طريق الخطف والإغتيال والتهديد أو عبر الخطب الملتهبة لأئمة الجوامع والمساجد، كانت الحكومة العراقية وغيرها من هيئات الحكم بعيدة كل البعد عن هذه التهديدات، سواء بالطرش أو القصد، ومشغولة في ترسيخ كراسيها في الحكم وسرقة الشعب ونهبه وأحزابنا السياسة ومنظماتنا القومية تشاركهم في هذه الجريمة تلهث وراء كراسي البرلمان والحكومة ويتناطح بعضهم بالبعض من أجل كرسي أو منصب وزاري. نهايك عن اللعنات التي كانوا يمطرونها على كل من يطالب بالحكم الذاتي لأبناء أمتنا في مناطقهم التاريخية. أما طرح موضوع الحماية الدولية فكان بالنسبة لهم كفر وإلحاد ويجب أن لا يصل إلى مسامع رجال السلطة والسياسة في العراق وإلا أتهمونا بالعمالة للأجنبي وطلب التدخل منه في شؤون العراق الداخلية بينما هم، أي رجال السلطة والسياسة في العراق، نتاج هذا التدخل الأجنبي وتحديداً الأمريكي وبفضله هم متواجدون ومستمرون في السلطة. وحتى بالنسبة لإقليم كردستان فإن أمنه وأستقراره هو بفضل هذا التدخل الأجنبي وحمايته، فضرب الطيران الأمريكي لقوات داعش الجاثمة على مشارف أقليم كردستان نموذج حي في هذه الأيام. إذن لماذا يحق طلب الحماية الدولية للعراقيين بشيعته وسنته وكرده ولايحق للمسيحيين الكلدان السريان الآشوريين فهم، بإعتبارهم أضعف حلقة في السلسلة الديموغرافية العراقية، أحوج من غيرهم لمثل هذه الحماية.

إنقلاب على الذات:
لا أدري هل نقول سبحان الله على مغير الأحوال أم نقول بأن كل الفضل يعود لداعش في تغير الأحوال.  فبعد أن وقع فأس داعش على رأس أبناء أمتنا أنقلب الرافضون إنقلاباً حاداً وبدأت ردود أفعالهم عليها في مطالبتهم ليل نهار لمناطق آمنة لأمتنا وحماية دولية لها وفي مقدمتهم أحزابنا الكبيرة وكنائسنا ورجالاتها الكبار، أمرُ كان يستوجب أن ينطلق حينما كان المتطرفون يخطفون أبناء أمتنا في الموصل ويدعون الملالي  في خطبهم إلى طرد المسيحيين منها و قبل وصول داعش إلى بيوتنا وطردنا منها. فكل هذا يدل على أننا لم نكن نملك وعياً بذلك المستوى حتى نستيطع دراسة الوضع دراسة عميقة وإستنتاج منه دروس أو خطط ومن ثم أستعداد للقيام بفعل في معالجة الحالة عند وقوعها أو قبلها. وحتى أكون أكثر منصفاً في كلامي هذا ولا أظلم أبناء امتي جميعاً في نعتهم بعدم تملك الوعي الإستباقي للحالة، نقول بأنه قد يكون صحيحاً بأن مثل هذا الوعي الإستباقي كان متوفراً لدى بعض من قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية وكلذلك لدى كبار رجال كنائسنا ولكن قوة المصالح الخاصة والشخصية بالنسبة لقادة الأحزاب الناجمة من خلال مشاركتهم في هيئات الحكم تغلبت وطغت على هذا النوع من الوعي. أما بالنسبة للكنائس ورجالاتها فأن "عقدة عدم التدخل في السياسة" والإمتثال لقوانين الدولة حتى ولو كانت إستبدادية لم يفسحا المجال للإفصاح عن هذا النوع من الوعي فيما إذا كان موجوداً بالأصل. جاءت داعش لتقلب الأمور رأساً على عقب فتهددت كراسي الحكم وأهتز وجود ممثلي أحزابنا في هيئات الدولة وأصبحت  على وشك الإنهيار وضعفت قوة قوانييها أو تلاشت وأصبحت مجرد ورق مما أدى كل هذا إلى الإنكشاف والإفصاح عن مثل هذا الوعي الذي أصبح متأخراً في طلب منطقة آمنة أو حماية دولية خاصة بعد أن خسر أبناء أمتنا كثير الكثير وأصبحوا مهددين في وجودهم وحياتهم،، لهذا سيصبح أمر تحقيقها من الأمور الصعبة جداً خاصة بعد أن تدخلت فيه مؤثرات خارجية وداخلية وخسر أبناء أمتنا كثير الكثير وحتى أن بعضهم فقدوا الثقة في رجوع الأمور إلى حالتها الطبيعية، سواء بحماية دولية أو بغيرها، وأخذوا يطرقون باب الهجرة إلى خارج الوطن.

ماذا بعد إندحار داعش؟:
لا شك فيه أن ما قام بها أبناء أمتنا الخيارى، سواء في الوطن أم في المهجر ورجال الكنيسة بكل أطيافهم خاصة بطاركة المشرق ومطارنتها وأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية تجاه مساعدة أبناء أمتنا من محنتهم المميتة أمر يستحق التقدير والتثمين حتى ولو كان كرد فعل لجرائم داعش فهو أمر لا نستطيع إنكاره ولكن الأمر الأهم هو بناء فعل للمرحلة القادمة خاصة بعد إندحار داعش وتحرير مناطقنا وعودة أصحابها الأصليين إليها. كان كل العالم  يتصور قبل بضعة أشهر بأن داعش هي مجرد عصابة أو منظمة إرهابية كغيرها من المنظمات المعروفة ولكن ظهر الأمر غير ذلك. فقد أمتلكت داعش أراضي واسعة من العراق وسوريا وأصبح لها زعيماً أو خليفة وأموال طائلة وجيش جرار كامل التسليح قادر على تهديد دول بحالها، أي بعبارة أخرى أصبحت داعش دولة تحارب دول قائمة منذ عقود طويلة، مما أصبح أمر دحرها وطردها من الأراض التي أحتلتها صعباً للغاية ويتطلبه وقتاً طويلاً. على أن الدلائل تشيير ولو ببطئ، خاصة بعد تدخل الطيران الأمريكي وإسناد السلاح الإيراني للكورد ومعاضدة الدول الغربية لقوات البيشمركة والجيش العراقي وتحرير بعض القرى والقصبات والمدن من سيطرة داعش، بأن البداية قد بدأت في إندحار داعش وطردها من مناطقنا التي أحتلتها. فإذا كان أمر دحر داعش صعباً للغاية ويحتاج وقتاً طويلاً فأن أمر عودة أبناء أمتنا إلى بيوتهم أصعب بكثير ويحتاج وقتاً أطول أيضا، وهو الأمر الذي يجب أن يرتقي إلى مستوى الوعي الإستباقي للقيام بفعل لغرض تحقيق هذا الأمر. الكل يتحدث عن نكبة هذه الأيام وربما يعمل على أن يعود أبناء أمتنا إلى بيوتهم ويطلبون الحماية الدولية لهم ولمناطقهم ولكن هذا ليس بالأمر الكافي فالمشكلة الكبيرة جداً سوف تبدأ بعد عودة أبناء أمتنا إلى بيوتهم وقراهم. فمن المعروف بأن معظم القرى والقبصات التي دخلتها داعش دمرت الكثير من بيوتها من أساسها ونهبت محتوياتها سواء من قبلها أو من قبل من كان وراؤها أو المرحب بها بحيث أصبحت غير قابلة للسكن والعيش فيها إطلاقاً ناهيك عن إفتقارها للخدمات العامة وتدمير بنيتها التحتية. فالعودة إليها ستكون كارثة أخرى يستوجب التنبه لها والعمل لها من الآن قبل وقوعها وإلا فأن أبواب الهجرة إلى الخارج سوف تنفتح بمصراعيها أو سيهجرون بيوتهم والسكن في المدن الكبرى وإفساح المجال للغير لإستمرار التجاوز والإستيلاء عليها، حينذاك لا يستطيع أحد أن يلومهم على ذلك.

من هذا المنطلق نقول فقبل أن يقع فأس هذه الكارثة على رأس أبناء أمتنا فإنه يستوجب على زعماءها الذين هم في مواقع متقدمة سياسية وحزبية وكنسية وإجتماعية أن يبدأوا بوضع خطة شاملة وطارئة للإغاثة تبدأ من عملية واسعة لنقل النازحين بوسائل نقل توفر لهذا الغرض ومن ثم أسكانهم في مخيمات سكن حديثة من البيوت الجاهزة (Pre-Fabricated ) السريعة التجهيز والنصب ملائمة للعيش قريبة من قراهم وبيوتهم متوفر فيها كل الخدمات العامة من مستشفيات ومدارس وعقب ذلك تبدأ حملة واسعة لأعادة إعمار البيوت والقرى والبنية التحتية. من المؤكد بأن مثل هذ الأمر هو أكبر بكثير من طاقة جميع أبناء أمتنا بكل تنظيماتهم وبكل المساعدات المالية للخيرين منهم، فالمسألة لم تعد مسيحية كلدانية سريانية آشورية بل إنسانية بكل معنى الكلمة وبالتالي فأن المجتمع الدولي معني بهذا الأمر وبشكل مباشر وهو الأمر الذي يجب أن يُعمل به لتقديم دراسة وافية عن مشروع إغاثة شاملة للمنطقة إلى الهيئات الدولية وتشكيل لجان خاصة للمتابعة من داخل الوطن وخارجه. وحتى يطمأن شعبنا على أمنة وسلامته بعد عودته فأن أمر الحماية الدولية وإرسال قواة دولية أو فرض عقوبات إقتصادية على المعتدي سيصبح أمراً مهماً للغاية وإلا سيظل شعبنا قلقاً وخائفاً من عودة داعش رقم (2) وما أكثرهم في هذه الأيام في العراق والبلدان الإسلامية المحيطة بشعبنا ووطنه.

وأخيراً:
 عندما أشاهد عبر شاشة قناة عشتار الفضائية، ألف شكر لها، مشاهد مطولة عن معاناة شعبنا المُهجر من بيوتهم ومن مختلف الطوائف والملل والقرى والقصبات تجمعهم معاناة مشتركة ... وعندما أشاهد قداسة بطاركتنا المشرقيين الأجلاء ومطارنتا الكرام متكاتفين وملتصقين بأبناء أمتهم وكنيستهم ويجتمعون مع قادة أحزابنا ومنظماتنا للتداول في شأن توحيد الخطاب ووضع خطة شاملة لمعالجة الوضع... عندذاك تفرض هذه المشاهد وبقوة علينا لنقول: لماذا توحدنا المأساة والفواجع وتجمعنا بعضنا بالبعض وتظهرنا كأمة وكنيسة واحدة؟... لماذا ننتظر حتى يقع الفأس على الرأس ونبدأ بالتحرك والتوحد؟... أسئلة محيرة جداً .. ولكن أسمحوا لي أن أكون جريئاً وأقول بأن المأساة والفواجع والدماء أصبحت إلى جانب اللغة والتاريخ  والتراُ والوطن أحدى المقومات الأساسية والمهمة المشتركة لوجودنا القومي والكنسي... ألم توصف كنيستنا بـ "كنيسة الشهداء"؟؟ ألا يشكل مذابح سيفو وسميل وصورية جزء من ذكرياتنا وكينونتا القومية ... أليس غريباً أن تكون المأساة والفواجع أكثر قدرة على توحيدنا من اللغة والتراث والتاريخ والأرض؟؟؟  كنتُ محقاً عندما قلتُ في السابق بأننا أمة الإستثناءات في التاريخ وعالم اليوم؟؟؟ إن أحزابنا وكنائسنا متوحدة ومتفاهمة ومتقاربة في خضم المعاناة والمأساة الحالية فمن المحتمل كثيراً بأنه لو أستمدوا تفاهمهم ووحدتهم من هذه المعاناة والمأساة وبفكر واحد وقلب واحد سوف يكون لفعلهم في إنقاذ الأمة أو التخفيف من معاناتها أمر ذا شأن ويسجل لهم التاريخ فعلتهم هذه في صفحاته الذهبية ولو لمرة واحدة وقبل أن يسحقها التاريخ ويطمرنا بين صفحاته المنسية.
يقول ربنا يسوع المسيح لبطرس الرسول:
"أنت صخر. وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وقوات الجحيم لن تقوى عليها"
 (متى:16-18).

204
أبرم شبيرا

قبل كل شيء أطلب المعذرة من قرائنا الأفاضل على هذا العنوان الذي قد يبدو بأنه لا يتسق مع المنطق الأدبي في الكتابة الرصينة ولكن أعتقد بأن العذر سيكون مقبولا لأن العنوان نتاج مأساة وعذابات تحرق قلوبنا وتدمر نفسيتنا على ما يعاني شعبنا في وطنه الأم على يد عصابات متوحشة تعيش خارج تاريخ هذا الزمن، وبالمقابل البعض الآخر من أبناء شعبنا في المهجر يعيشون في أجواء مخملية وتخمة. خلال تواجدي في مدينة شيكاغو خلال الأسابيع الماضية حضرت حفلتين للعرس ولكن للحق أقول لم أستمتع بهما إطلاقاً بل تعذبت كثيرا وعانيت من الإزدواجية المدمرة التي أستولت على عقلي وضميري عندما كنت أشاهد أبناء أمتي فرحين مستمتعين بأفراحهم ومسراتهم وعلى الجانب الآخر من البحار شعبنا يتشرد وينام في العراء ويقتله الخوف والجوع وتسلب منه أراض أبائه وأجداده والهروب نحو المجهول. يقال بأن الحياة يجب أن تستمر ولا أحد يستطيع أن يجبر الناس جبراً على عدم الإستمتاع بنعمتها ومسراتها، فهي مسألة شخصية متعلقة بعقل وضمير الشخص نفسه ولكن الأمر يختلف كليا مع المنظمات والمؤسسات التي أنشأت على مقومات قومية وتنشط بأسم الأمة وأبناؤها، ومنها الكثير في مجتمعنا في بلدان المهجر وأهم ما يجب ذكره في هذه الأيام هو "الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي" المعروف بـ "الفدريشن" الذي ينظم سنوياً مهرجانه المعروف بـ "الكونفينشن". وفي هذا العام سيقام في مدينة الملاهي والقمار لاس فيغاس في أميركا للفترة من يوم المخميس 28 آب حتى يوم الأثنين الأول من شهر أيلول 2014، سيقام هذا الكونفينشن وشعبنا في الوطن يواجه ظروف مأساوية ومميتة ويطرد من أرض أبائه وأجداده والأطفال والشيوخ يموتون جوعاً ومرضاً.

أقول وبإختصار لمن لا يعرف شيئاً عن الفيدريشن بأنه تنظيم فيدرالي متكون من عدد كبير تجاوز في بعض السنوات أكثر من ثلاثين منظمة آشورية في الولايات المتحدة الأمريكية. تأسس عام 1933 بعد مذابح سميل ومن ثم أقام مهرجانه "الكونفينشن" الأول لغرض جمع الأموال ومساعدة ضحايا شعبنا من جراء هذه المذابح. ومنذ تلك الفترة، إبتداءاً من آخر يوم الخميس من شهر آب حتى أول يوم الآثنين (عطلة عيد العمال في أميركا) أستمر وبشكل منتظم إقامة الكونفينشن كل عام متنقلاً من مدينة إلى أخرى. وخلال هذا المهرجان الذي يقام في أحدى الفنادق الفخمة أو المنتجعات السياحية ويحضره الألاف من أبناء شعبنا تنظم فعاليات ونشاطات مختلفة من إجتماعية وثقافية وسياسية وفنية. ومما لا شك فيه يتم من خلالها تحقيق أرباح لصالح الفيدريشن ونسبة من هذه الأرباح كان يتم أرسالها كمساعدات مالية للمحتاجين من أبناء شعبنا في الوطن، وهي الرسالة التي من أجلها تأسس الفدريشن.

شخصياً، إنني من المواظبين على حضور الكونفينشن كل عام لأنه في الحقيقة يعتبر أكبر وأوسع تجمع لأبناء أمتنا وملتقى الكثير من الأصدقاء وخاصة القدماء منهم ومن بلدان مختلفة. قبل بضعة أيام سألني صديق في شيكاغو وقال: يظهر بأنك ستحضر الكونفنشن لهذا العام. فكان جوابي بالنفي. أستغرب صديقي وهو يعرف بأن مثل هذه الفرص لا تفوتني أبداً فقال: لماذا؟ فقلت: لا أريد أن أضع نفسي في موقف متناقض كموقف حضوري لحفلتي العرس وأشاهد الناس فرحين مبتهجين يرقصون فرحاً ومرحاً ويقضون أوقاتنا في غاية البهجة والسرور في الوقت الذي شعبنا يحترق في وطنه الأم. ومثل هذا الموقف أوالشعور وجدناه في العديد من أبناء شعبنا في أميركا وفي الرسائل والمكالمات والإتصالات العديدة التي بعثت إلى الفدريشن وتحديداً إلى رئيسها الحالي السيد وليم يومارن تطلب منه إلغاء الكونفينشن لهذا العام إحتراماً وتضامنا مع ما يعاني شعبنا في الوطن الأم اوالتبرع بالتكاليف إلى الجمعيات الخيرية والتطوعية التي تساعد شعبنا في محنته هذه فهو أحوج من صرفها وهدرها في الكونفينشن. رد السيد يومارن على هذه الرسائل، وفي رده كان فيه جوانب من المنطق والدفاع عن الكونفينشن وإستمراريته. حيث ذكر بأن الكونفينشن مستمر في إقامته منذا 1933 وهي الصفة، أي الإستمرارية، التي يتصف وينفرد بها عن غيره من المنظمات والنشاطات لأبناء أمتنا، وهذا صحيح بالكمال والتمام حسب رأينا لأن معرفة الأمم والشعوب لا تتم إلا من خلال مؤسساتها ومنظماتها والنشاطات التي تقوم بها وإستمراريتها. كما أكد السيد يومارن بأن نسبة من الأرباح التي ستتحقق من الكونفينشن سيتم التبرع بها وإيصالها إلى أبناء شعبنا المحتاجين في الوطن مضيفاً بأن الفدريشن سبق وأن تبرع بخمسة عشر ألف دولار لهذا الغرض.


أن مثل هذا الشعور تجاه ما يحدث لأبناء شعبنا مطلوب من الجميع وهو ما لمسناه من تنظيم الكثير من مؤسساتنا القومية والكنائس للمظاهرات والمسيرات الإحتجاجية في عدد من مدن العالم والمقابلات مع المسؤولين في الإدارة الأمريكية والحكومات الأخرى ولكن من جهة ثانية يجب أن يكون هذا الشعور أو الفعل أو المسؤولية بمستوى حجم وعمق المأساة والكوارث التي يعانيها شعبنا في الوطن. أن "شعرة من جلد الخنزير" كما يقول المثل، لا تكفي لمثل هذه الظروف ولا تخخف من مثل هذه المعاناة المميتة. ما قيمة أن يتبرع شخص بحفة من الدولارات وهو يملك الملايين وما تأثير كلمة أو مظاهرة من مؤسسة قومية كبيرة وشعبية وكنيسة مؤثرة في الناس في حجم وعمق هذه المأساة ؟؟ كانت القديسة الأم تيريسا تقول "أن التبرع يجب أن يؤثر أو يؤذي المتبرع" وهو صورة من صور التضحية البسيطة وهذا هو المطلوب من أبناء  شعبنا ومؤسساته القومية والدينة المختلفة وتحديداً الكونفينشن الذي نحن بصدده في هذه الظروف المؤلمة. من هذا المنطق ومن حجم الفدريشن وتاريخه الطويلة وأهمية الكونفينشن وشعبيته وحضوره الواسع وإمكانية مساعدته لأبناء
شعبنا في الوطن بالحجم المناسب للمأساة التي يعانيها، أقترح مايلي:

1.   أن يتبرع بكافة الأرباح، بعد حسم التكاليف، الناجمة من واردات الكونفينشن ونشاطاته خاصة ونحن نعرف بأن تكلفة تسجيل كل شخص لحضور الكونفينشن هو 150 دولار ومن المؤكد بأن الحضور سيكون كبيراً لأن المنتجع الذي سيقام فيه الكونفينشن هو مكان ساحر ومغري للناس خاصة بكثرته لمناطق اللهو والترفيه والكازينوهات والقمار أيضا، كما أنه من المؤكد سيحقق الكونفينشن أرباح أخرى من النسبة التي يتقاضها من أجور غرف الفندق ومن النشاطات الأخرى خاصة من ليلة "العشاء الرئاسي" حيث يمكن التقليل من تكلفته والباقي يذهب للجمعيات الخيرية في الوطن.

2.   لا نطلب من الكونفينشن فتح باب التطوع لتجنيد الشباب والذهاب إلى الوطن لمحاربة وحوش تنظيم داعش بل نطلب منه فتح باب التبرع بالأموال خلال فترة إنعقاده وتشكيل لجنة بهذا الخصوص.

3.   على جميع الفنانين والمطربين الذي سيحيون الحفلات والأمسيات الغنائية أن يتبرعوا بأجورهم ويجسدوا الكلمات والمعاني القومية لأغانيهم ويقفوا وقفة صميمية صادقة مطلوبة في هذه الأيام في مساعدة أبناء شعبنا في الوطن الملتهب لعل قد تسد تبرعاتهم جوع طفل أو توفر الدواء لرجل مريض وتطفئ بعض من نيران المأساة والفواجع التي تلتهم وطنهم الأم ويثبتوا بأن مشاعرهم القومية ليست بزيارة الوطن والغناء هناك فقط بل بالتبرع أيضا بالأموال الناتجة من نشاطهم الفني في مثل هذه المناسبات الكبيرة والشعبية. يذكرني هذا المقترح بالوضع اللبناني حيث قبل بضعة أسابيع تكبد الجيش اللبناني خسائر بشرية وبينهم عدد من ضباط ومنتسبي الجيش من جراء دخوله في معركة مع تنظيم داعش في منطقة عرسان على الحدود السورية في الوقت الذي كان لبنان يتهئ ككل موسم صيف لإقامة مهرجاناته الفنية والغنائية ولأشهر مطربيها وفنانيها غير أنه قامت قيامة الصحافة والمعترضين لهذه المهرجانات طالبين إلغائها ترحماً بروح شهداء جيشهم غير أن الأمر سار بشكل مرضي للجميع حيث تقرر إقامة المهرجانات وتخصيص كل الأرباح وأجور الفنانين والمطربين المشاركين فيها لصالح شهداء الجيش وعوائلهم... مثال قريب يمكن الإهتداء به.   

4.    يقام في الكونفينشن بعض من النشاطات الثقافية والفكرية والسياسية والمحاضرات فمن المطلوب أن تكون في هذه السنة كلها مكرسة لطرح وبحث ومناقشة الحالة المأساوية المفجعة التي يعانيها شعبنا في الوطن وطرق التعامل معها أو التخفيف منها، كما أنه من الضروري أن تكون دعوة المسؤوليين الأمريكيين للحديث في الكونفينشن موجهة للذين لهم مواقف إيجابية تجاه ما يعاني شعبنا في الوطن.

5.   يجب أن يكون البيان الختامي للكونفينشن والمندوبين الحاضرين عن المنظمات المنظوية تحت لواء الفيدريشن أن يتطرق وبالكامل عن أوضاع شعبنا في الوطن وأن ينشر على نطاق واسع. كما أنه من الضروري توجيه رسائل بهذا الخصوص إلى رؤساء دول العالم وتحديداً الكبرى منها وإلى الأمم المتحدة والإتحاد الأوربي والفاتيكان وغيرهم.

6.   وأخيرا يجب مراعاة الظروف المميتة التي يواجهها شعبنا في الوطن عند إقامة الحفلات الساهرة ويكون هناك نوع من التنظيم والسيطرة عليها لكي لا تخرج عن نطاقها المعقول في هذه الظروف.

ولم يبق في الأخير إلا أن أقول، فإذا كان من حق بعض أبناء أمتنا في المهجر عدم حضور الكونفينشن مراعاة للحالة المأساوية التي يعانيها شعبنا في وطن الأم، فأنه من جانب آخر يجب عليهم أن يضيفوا لهذه المشاعر الطيبة وقفة طيبة وعن طريق التبرع بالمبلغ، أو بجزء منه، الذي كان مخصصاً لحضور الكونفينشن لكي يثبوا مشاعرهم الطيبة القومية تجاه أمتهم التي تحترق في بلاد آشور. وشخصياً لم أندم على عدم حضوري للكونفينشن ككل عام لأن عوضاً عن ذلك تبرعت بجزء يسير من المبلغ الذي كنت متوقعاً أن أبذره في الكونفينشن... والله وحبنا العظيم لأمتنا من وراء القصد. 

205
المنبر الحر / طوفان نينوى الثاني
« في: 22:21 11/08/2014  »
طوفان نينوى الثاني
===============
أبرم شبيرا

يذكر العهد القديم من الكتاب المقدس قصة طوفان طام إجتاح المدينة العظيمة نينوى (الموصل حاليا) والذي من المحتمل أن يكون قد حدث بين القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد وفي عهد الملك الآشوري  العظيم سنحاريب (705 – 681 ق.م) ودونت أحداثه في سفر يونان من العهد القديم  وهو المعروف عند العرب بأسم "النبي يونس". وهناك كنيسة قديمة على تل في الموصل مشيد عليها جامع يعرف بهذا الأسم ويعتقد بأن هذا الموقع كان معبداً آشورياً قديماً. قصة هذا الطوفان جاءت عندما طلب الرب من النبي يونان حمل رسالته إلى مملكة آشور التي كانت عاصمتها نينوى ليبشر أهلها بالخلاص من الطوفان الآتي إليها، ليبلغ أهلها وملكهم برسالة الرب قائلا " هيا أمض إلى نينوى المدينة العظيمة وبلغ أهلها لأن أثمهم قد صعد إليً"( يونان: 1-2). فبعد رفض النبي يونان رسالة الرب ومواجهته لسلسلة من الحوادث والتجارب أطاع الرب وحمل رسالته إلى هذه المدينة العظيمة. "فهب يونان وتوجه إلى نينوى بموجب أمر الرب. وكان نينوى مدينة بالغة العظمة يستغرق إجتيازها ثلاثة أيام، فدخل يونان المدينة ... وأبتدأ ينادي قائلا "بعد أربعين يوما تتدمر المدينة" (يونان: 3-3).

يستمر سفر يونان في سرد قصة ذهابه إلى نينوى وبعد تبلغ رسالة الرب إلى أهلها وملكها "آمن شعب نينوى بالرب، وأعلنوا الصيام وأرتدوا المسوح من كبيرهم إلى صغيرهم. ثم بلغ إنذار النبي ملك نينوى، فقام عن عرشه وخلع عنه حلته، وأرتدى المسح  وجلس على الرماد. وإذاع في كل نينوى مرسموماً ورد فيه  "بأمر من الملك ونبلائه، يمتنع الناس عن الأكل والشرب وكذلك البهائم والغنم والبقر، لا ترع ولا تشرب ماء. وعلى جميع الناس والبهائم أن يرتدوا المسوح، متضرعين إلى الله تائبين عن طرقهم الشريرة وعما أرتكبوه من ظلم، لعل الرب يرجع فيعدل عن أحتدام سخطه فلا نهلك... فلما رأى الله أعمالهم وتوبتهم عن طرقهم الآثمة عدل عن العقاب الذي كان ممعاً أن يوقعه بهم وعفا عنهم" (يونان 3-5/10) وهكذا كان خلاص المدينة العظيمة وشعبها.

هكذا تورد قصة طوفان نينوى في العهد القديم من الكتاب المقدس وخلاصها وشعبها من الدمار بعد صيامهم وتذرعهم إليه وتبين بأن ربنا كان رحيماً ورؤفاً مع الشعب الآشوري وملكه وكثير الإحسان فلم ينتقم منهم من جراء أثمهم بل رجع عن عقابهم بعد توبتهم. لا بل وتؤكد هذه القصة بأن عبادة الله الواحد ومخافته والتضرع إليه وطلباً للغفران والتوبة لم تكن حكراً على اليهود وحدهم في تلك الأزمة، بل شملت الشعوب الأخرى ومنها الشعب الآشوري، وهي القصة التي آمن بها الشعب الآشوري حتى بعد سقوط كيانه السياسي الآمبراطوري وإعتناقهم المسيحية حيث كان للكتاب المقدس وتأثيره في أحياء ذكرياتهم القومية التاريخية عن بلادهم ومدنهم وملوكهم وقعاً كبيراً  عليهم خاصة عن سحر وعظمة نينوى التي شكلت محور أساطير العهد القديم بما فيها قصة قدوم النبي يونان إليها وخشوع ملكها لإرادة الرب. وبسبب إرتباط تاريخ الآشوريين وكنيستهم بالمآسي والفواجع والتشرد وخضوعهم لشتى أنواع الإضطهاد، أرتبط هذا الطقس، أي الصوم للخلاص من الفواجع والكوارث، بهم طيلة تاريخهم الطويل وتتابعوا على ممارسته حتى إنتظامه سنوياً في العصور الحديثة بشكل ثابت ومستقر وأدرج في التقويم الكنسي لكنيسة المشرق وأعتبر من المناسبات الدينية المهمة للصيام والتضرع إلى الرب خالق الجميع. وصحيح القول بأن كان هناك شعوب وكنائس أخرى كانت تلتزم بهذا الصوم الرباني، مثل الأقباط، إلا أنه أصبح من ممارسات الماضي والمنسية ولم تعد لها أي وجود في طقوسهم الكنسية على العكس أتباع كنيسة المشرق الذين ألتزموا بهذا الصوم طيلة قرون طويلة لأنه كان جزء من تاريخهم القومي والديني.

هذا من الناحية التوراتية لقصة طوفان نينوى ولكن من الناحية الموضوعية والأركيولوجية لها آمر آخر مختلف بعض الشيء. فعندما تمت الإكتشافات الآثارية في المدن الآشورية في القرنين الماضين، أماطت اللثام عن بعض الغموض الذي كان يكتنف تاريخ الشعب الآشوري وأمبراطوريته فتم كشف جوانب من أسرار وإلتباسات بعض الوقائع التاريخية، فتأكدت بعضها التي دونت في التوراة ونفت أحداثاً آخرى بل وتناقضت مع بعضها الآخر. وبقد تعلق الأمر بقصة مجئ النبي يونان إلى المدينة العظيمة نينوى وتبليغ رسالة الرب إلى الآشوريين وتحذيرهم من دمارها فإن الآثار والرقم الطينية والإسطوانات الكتابية المكتشفة في خرائب نينوى وغيرها من المدن الآشورية والتي تعد أكثر تفصيلاً وتدويناً للأحداث التاريخية ووقائعها من أي آثار أخرى مكتشفة في بلاد ما بين النهرين وهي التي كانت مصدراً لنشؤ علم الآشوريات، خاصة علاقة الآشوريين وملوكهم باليهود وأنبيائهم، لا تحمل أي إشارة إلى النبي يونان وقدومه إلى نينوى لتبليغ قضاء الرب في تدميرها. بل على النقيض من ذلك، نرى أن فترة حكم الملك سنحاريب أتصفت، إلى جانب التفاصيل الدقيقة عن الحروب التي شنها ضد اليهود وغيرهم من الأقوام، بإنجازات كبيرة وأعمال ضخمة في البناء والتعمير خصوصاً في مجال الري وتنظيم السقي والسيطرة على المياة وخزنها وتوزيعها عن طريق بناء سدود وإنشاء أنظمة ري تعتبر إنجازاً عظيماً في سياقها الزمني. وهناك الكثير من الشواهد على هذه السدود والأنظمة التي لازالت بقاياها قائمة حتى اليوم في شمال العراق. أن أمر هذه الأنظمة في السيطرة على المياه وتنظيمها كان مطلوباً وضرورياً في بلاد آشور لأن الأنهار والجدوال كانت كثيرا ما تفيض في نهاية الشتاء وبداية الربيع وتشح ويجف بعضها في منتصف الصيف وبداية الخريف، مما يوحي بأن الفياضانات كانت عاملاً حاسماً في تهديد إستقرار الأوضاع الإقتصادية والسياسية في بلاد آشور. وتؤيد التواريخ الإغريقية بأن سقوط نينوى عام 612 ق.م. بيد الغزاة لم يكن ممكناً دون فيضان هائج دمر أسوارها العظيمة وهذا ما تأكد أيضا في التوراة حين أشارة إلى طوفان طام يخفي معالم نينوى (ناحوم: 1-8).

ذكرت في كتابي المعنون (الآشوريون في السياسية والتاريخ المعاصر – من منشورات إتحاد الأندية الآشورية في السويد – 1997 ص219 وما بعدها) عن قصة طوفان نينوى وصوم أهلها مايلي: تخبرنا المنحوتات الجدارية والإسطوانات الكتابية المكتشفة في قصر الملك سنحاريب في مدينة نينوى بأنه قام بأعمال بناء ضخمة جداً لضمان قصره والمدينة من الفيضانات التي كان يسببها نهر الخوصر أو "خو أصر" ويعني باللغة البابلية/الآشورية والسريانية عشرة أضعاف، مما يدل على أن هذا الرافد الذي كان يجتاز أسوار نينوى ويصب في نهر دجلة كان يفيض في مواسم الفيضانات أكثر من حجمه الطبيعي بعشرة أضعاف ويسبب أضراراً جسيمة للبلاد ويتلف محاصيلها الزراعية كما يسبب المجاعات وإنتشار الأمراض والأوبئة وبالتالي يهدد الأمن السياسي والإستقرار الإجتماعي نتيجة هذه الأضرار والفواجع. ففي مثل هذه الظروف المأساوية من الطبيعي جداً  أن يلجأ الناس إلى الصلوات والصوم والتذرع إلى الرب لتخليصهم من المأساة والفواجع التي تصيبهم ونحن جميعاً شاهدنا في عصرنا الحالي دعوات رجال الدين لأتباعهم  للصلاة والصوم لتخليصهم من مثل هذه المصائب خاصة أوقات الحروب والأزمات. وشخصيا كنت في الموصل في شهر نيسان من عام 1981 وشاهدت الفيضان الهادر لنهر الخوصر يمر من جانب أسوار بقايا مدينة نينوى يغطي الجسر الذي يربط بين طرفي النهر تجرف مياهه الطينة أوساخ وقاذورات وأنقاض وأغصان أشجار وحتى بقايا حطام لسيارات وعربات متكسرة والناس على طرفي النهر متخوفين من الأضرار التي سيسببه هذا الفيضان على بيوتهم ومزارعهم وبالتالي إرتفاع أسعار المحاصل الزراعية وتكلفة المعيشة والذي كان حديث الساعة في تلك الأيام. وعلى هذا الأساس قد تكون قصة النبي يونان ومجيئه إلى نينوى لتبليغها قضاء الرب في تدميرها متوافقة ومتزامنة مع فيضان وإعصار عصف بنينوى ومن ثم الجهود العظيمة التي بذلها الملك في السيطرة عليه ومعالجة نتائجه المدمرة، وبعد ذلك تم تدوينها في التوراة بما يتوافق مع المنهج التوراتي في تدوين الأحداث ومع التقليد اليهودي في تفسير الظواهر التاريخية.

على العموم مهما كان تفسير طوفان نينوى بجانبيه الديني والأركيولوجي فأنه كان بفعل عوامل طبيعية خارقة وخارجة عن إرادة الإنسان ولكن طيلة تاريخ هذه المنطقة عصفت بها طوفانات ومن نوع آخر كانت بفعل عوامل بشرية تمثلت في غزوات وتدمير أركان حضارة هذه المنطقة. واليوم عوضاً عن الزبالة والأنقاض والأوساخ والقاذورات وبقايا سيارات متكسرة التي جرفها نهر الخوصر لهذه المدينة العظيمة وسهلها الفسيح فأن وحوش داعش تجرف لهذه المنطقة أوساخ وقاذورات من نوع آخر لايمكن أن توصف بأنها من فعل إنسان في الألفية الثالثة بل هي من قبل مجموعات خارجة عن حاضر هذا العالم لا تعرف من رحمة الله وسماحته شيئاً. وإذا كان طوفان نينوى الأول موسمياً وبفعل ذوبان ثلوج جبال آشور وفيضان أنهار البلاد فأن الأمر هو كذلك مع الطوفان الثاني حيث من المؤكد سيكون موسمياً فبمجرد أن تشرق شمس الصيف الحارة سيحترقون بنيران جهنم الذي سيرسلها الله عليهم ويزيحهم من صدور شعبنا في سهل نينوى كما فعل الله في قضاءه لعوامل الطوفان الأول لأجدادهم قبل ألاف السنين.

وإذا كان الملك العظيم سنحاريب قد تواضع جداً وخضغ لإرادة الله وقام عن عرشه وخلع عنه حلته، وأرتدى المسح وجلس على الرماد يطلب من الرب الغفران ليخلص مدينته وشعبه من كوارث وفواجع الطوفان ويأمر شعبه بالصوم والصلاة، أفهل سيفعل حكام البلاد اليوم نفس ما فعله هذا الملك العظيم ويقومون من عرشهم الطاووسي ويركعون أمام الرب يطلبون الغفران عن الذنوب والجرائم والسرقات التي أرتكبوها بحق شعبهم ويتوحدون لكي يتخلصون من مأساة وفواج الطوفان الثاني. فداعش وطوفانها ما هي إلا نتيجة أثم وخطايا حكام البلاد ولا يتم الخلاص منها إلا بطلب الغفران ليس من الله وحده فحسب بل من الشعب الذي سرقوا منه كل شيء حتى رزقه اليومي. وبينما كنت أكتب هذه التمنيات "البريئة" لشعبي المتألم في وطنه التاريخي قفز إلى رأسي دستور العراق لعام 2005 وإلى ديباجته التي لا تعترف أطلاقاً بمثل هذه المعجزات في خلاص الشعب من كل الطوفانات التي أجتاحت بلاد ما بين النهرين وإلى إنتمائها لتاريخ العراق العظيم خاصة ما يخص شعبنا الأصيل وتواصل وجوده لقرون طويلة في موطنه التاريخي، فأين هذا الدستور وأصحابه من الفواجع والطوفانات التي دمرت الحضارة البابلية والأشورية والكلدانية والسريانية والأرامية وهو أمر لا أراه غريباً إطلاقاً لأنهم ليسوا من أحفاد بناة هذه الحضارات العظيمة بل هم غرباء عنها وعن أرض بلاد ما بين النهرين في مقارنتهم مع شعبها الأصيل من المسيحيين الكلدان السريان الآشوريين. فإذا كان الأمر هكذا مع هؤلاء الحكام الكارتونيين فكيف الأمر مع زعماء أمتنا وممثلي شعبنا في البرلمان والحكومة وهم يصرحون ليل نهار بأنهم أحفاد حمورابي وآشور بانيبال ونبوخذنصر وغيرهم من العظماء؟؟ أفهل هم قادرون على تقليد جدهم الأكبر سنحاريب في التواضع وقيامهم عن عرشهم المخملي ونزولهم من كراسيهم المهلهة إلى أرض الواقع متكاتفين بعضهم بالبعض متضرعين إلى الرب لكي يخلص شعبنا من فواجع الطوفان الثاني ؟؟. لقد كان سنحاريب ملكاً محارباً وقويا وشديد المراس ولكن في نفس الوقت كان مؤمناً بربنا الخالق وبقدراته الخارقة في تخليص شعبه من الفواجع والكوارث... فعلينا جميعاً، وفي المقدمة زعماء أمتنا ورؤساء منظماتنا ومؤسساتنا القومية والدينية أن نتمثل بهذا الملك العظيم كسبيل للخلاص من الطوفان الثاني.   

 

206
لقاء هام وظرف صعب:
 البطريرك مار دنخا الرابع يستقبل الإعلامي ولسن يونان والكاتب أبرم شبيرا

==========================================
في لقاء خاص وإستثناني أستقبل صباح اليوم (الثلاثاء 05/08/2014)  قداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في العالم في مقر إقامته في شيكاغو – الولايات المتحدة الإمريكية كل من الكاتب أبرم شبيرا من لندن – المملكة المتحدة والإعلامي ولسن يونان من سدني – إستراليا. ففي هذا  الظرف الصعب جرى حديث مستفيض وتبادل الأراء حول ما يجري في وطننا الحبيب بيت نهرين – العراق وسوريا من أحداث مأساوية وتداعيات خطيرة أثرت وتؤثر على أبناء شعبنا الآشوري وعلى كل المسيحيين وعلى مستقبل كيانهم القومي والديني في أرض أباءهم وأجداهم. وفي ختام اللقاء تمنى قداسته مع الزائرين أن يكون شعبنا وتحديداً الأحزاب السياسية والمنظمات القومية وغيرها من المؤسسات المدنية والدينية أن يكونوا بمستوى الحدث خاصة في بلدان المهجروأن يتحملوا مسؤوليتهم تجاه أخوتهم في الوطن من حيث أبداء المساعدات المعنوية والمادية لهم للتخفيف من معاناتهم والصعوبات التي يواجهونها في أرض الوطن.

207

هل للمسيحيين في العراق أمان غير الحماية الدولية؟؟؟

أبرم شبيرا

فشلت كل المراهانات على أقامة نظام ديموقراطي تعددي في العراق يقر بحقوق جميع مكونات الشعب العراقي ومنهم شعبنا المسيحي من "الكلدان السريان الآشوريين" لا بل أنهارت دولة العراق تماماً فجاءت داعش لتدق المسمار الأخير في نعش هذه الدولة فتحطمت المقومات الأساسية المعروفة في علم السياسة التي تقوم الدولة عليها من شعب وأرض وحكومة وسيادة. فمهما حاولنا التعبير عن وطنيتنا وقوة إنتماؤنا للعراق وللشعب العراقي فأن هذا لا يكفي أبداً لتغطية أو أزالة التناقاضات الصارخة والصراعات المدمرة التي تفعل فعلها في العراقيين لتجعل منهم شعوب مختلفة متناقضة ومتصارعة إنتماؤها الأساسي لطائفتها أو شلتها وليس للوطن الواحد وبالتالي إختفاء صفة الشعب بالمعنى الإجتماعي والسياسي للعراق وتلاشي الحد الأدنى من المسؤولية تجاه المصلحة الوطنية العليا للعراق. أما الأرض كمقوم أساسي وموضوعي فلم يعد موجوداً في الواقع والحقيقة غير شكله الرسمي على الخارطة حيث أرض العراق مقسمة واقعياً وفعلياً إلى عدة أقسام وكل قسم يسيطر عليها فئة أو طائفة أو حركة معينة ومن يقول عكس هذا فهو يجانب الحقيقة والواقع. أما الحكومة، وإن كانت هناك حكومة نتحدث عنها، فإن أمرها عجيب وغريب. فليس عجز أو صعوبة البرلمان الحالي من إختيار رئيس لها ورئيس جمهورية ورئيس مجلس الوزراء عامل في تلاشي الحكومة بالمعنى المعروف لها بل أن خلال السنوات الأربع الماضية لم تكن هناك حكومة مكتملة الجواب، فطائفة معينة كانت ولازالت هي الحكومة بعينها خاصة وأن مناصب مهمة بالإضافة إلى رئاسة مجلس الوزاء كوزارة الدفاع والداخلية أحتكرت من قبل هذه الطائفة وحصرت في شخصية السيد نوري المالكي. أين السيادة في العراق؟؟؟ فإقليم كردستان أصبح من حيث الواقع دولة مستقلة بكل معنى الكلمة وإن لم يكن ذلك معلنا رسمياً. وعشائر المنطقة الغربية من العراق والقوى الإسلامية المتطرفة تسيطر على مناطق كثيرة وعلى محافظات ذات إغلبية سنية ثم جاءت داعش لتقطع أجزاء  واسعة من العراق وتحتل مدن كبيرة وأصبحت تهدد بغداد أيضا. من هذا المنطلق فالواقع يظهر بشكل جليً بأنه لم يعد هناك دولة العراق بالمعنى السياسي والقانوني المعروف بل أصبحت ساحة تناقضات عميقة وصراعات مستديمة ومنطقة نزاع غير محددة المعالم.

ضمن هذا الوضع المأساوي لدولة يتداعى أسسها وتنهار ولا تسطيع حكومتها من حماية نفسها فكيف تستطيع حماية الآخرين خاصة الذين يشكلون رقم صفر في حساباتها الطائفية ومصالحها السياسية كشعبنا المسيحي "الكلداني السرياني الآشوري" فالرهان الذي راهن عليه بعض من أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية على إقامة النظام الديموقراطي في العراق وشاركت مع القوى المتحكمة في مقدرات البلد وجلها طائفية وإسلامية متطرفة فشلت فشلاً ذريعاً ولم يعد هناك أي مبرر لإستمرار مشاركتها في النظام الفاسد المنهار خاصة وأنه لم يبقى هناك أي بريق أمل لأمان وإستقرار تستطيع هذه الدولة من توفيرها لرعاياها المسيحيين. هذا الواقع المؤلم والمأساوي أجبرنا أن نقول بأنه لم يبقى أي ضمان لإستمرار وجود شعبنا المسيحي في العراق إلا الحماية الدولية له. وقد يقول البعض، خاصة المتنفعين من مشاركتهم في السلطة بأن هذه الأحوال المأساوية تفعل فعلها المدمر في الكثير من العراقيين ومن مختلف الأديان والأطياف وليست حصراً على المسيحيين، فإذا كان هذا صحيحاً من حيث الواقع ولكن مخطئ من حيث النتيجة المترتبة على المسيحيين من جراء هذه المأساة، ليس بسبب كونهم أقلية وأضعف حلقة في سلسلة حلقات العراقيين فحسب وإنما هذه المأساة تهدد وجودهم التاريخي في بلاد النهرين وتقلعهم من جذورهم وتتركهم للرياح الصفراء التي تدفعهم نحو المجهول. لقد سبق وأن فصلنا في هذا الموضوع عدة مرات وفي مناسبات سابقة ولا نريد الإستزادة فيه لأن المنافع الناجمة من مشاركة بعض من أحزابنا في النظام المنهار أصبحت كشمع تسد آذانهم وعمامة تغلق عيونهم وتمنعهم من تبصر الواقع وفهمه.     

أن موضوع المنطقة الآمنة للمسيحيين في العراق وحمايتهم الدولية ليس بالأمر الجديد فله خلفيات تاريخية تمتد إلى المرحلة العثمانية ثم تأسيس كيان العراق السياسي ومنحه الإستقلال عام 1932 من قبل الدولة المنتدبة بريطانيا، خاصة فيما كان يعرف بالمسألة الآشورية في العراق والتسويات الدولية العديدة التي طرحت لحلها. ومن الملاحظ بأن مسألة الحماية الدولية للمسيحيين في العراق أو في الدول العربية والإسلامية أكتسبت منذ البداية حساسية مفطرة ولا زالت قائمة لحد هذا اليوم لأنها من جهة تفسر وكأنها تدخل من الدول الخارجية في الشؤون الداخلية للعراق وتعريض سيادتها وأمنها للخطر، كما أنها تاريخياً مرتبط بالمرحلة الإستعمارية وإستغلالها من قبل القوى العظمى لتحقيق مآربها السياسية والإقتصادية من جهة أخرى خاصة عندما نعرف بأن جميع هذه القوى العظمى كانت مسيحية فكان توفير الحماية للأقليات المسيحية أمراً يزيد حساسية وتعقيداً في حين مثل هذه الحساسية لا نجدها عندما تدخلت هذه القوى العظمى المسيحية لحماية الأقليات غير المسيحية كما كان الحال مع الكورد والأقليات المسلمة في يوغسلافيا السابقة. ومن خلال القراءة التاريخية لموضوع الحماية الدولية للمسيحيين في العراق، سواء بمجرد التصريح به أو محاولة تنفيذه،  نرى بأن نتائجه كانت سلبية  جداً على المسحيين في العراق لا بل يمكن القول بأنها كانت ضارة ومؤذية فتتركت إنطباعات خطيرة في الفكر العراقي السياسي وفي عقلية النخبة الحاكمة والقوى السياسية الأخرى تجاه المسيحيين في العراق وخاصة الآشوريين منهم فرسمت تجاهم سياسات قانونية وفكرية أثرت على وضعهم كمواطنين عراقيين فحرموا من حقوقهم الوطنية والقومية ولكن مهما كانت خطورة طلب الحماية الدولية للمسيحيين ونتائجها السلبية فأنها ليست بتلك الخطورة والمأساة التي يتعرض لها المسيحيون في العراق.

لقد كانت الحساسية السياسية والفكرية المفرطة تجاه موضوع الحماية الدولية للمسيحيين في العراق وتوفير منطقة آمنة لهم مدركة ومستوعبة من قبل تنظيمات وأحزاب أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" خاصة تلك المشاركة في العملية السياسية أو المتحالفة مع القوى السياسية الحاكمة سواء في المركز أو الإقليم لذلك نرى في معظمها كانت تتجنب أو تعارض مثل هذه الفكرة لا بل كانت ترفضها وتقاومها، والبعض منها كان يرفض حتى فكرة الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية للمناطق التاريخية لأبناء شعبنا وذلك أما بأعتبارها فكرة غير منطقية لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع أو أن موضوع الحماية الدولية قد يثير ردود فعل سلبية تؤثرة على المشاركة في العملية السياسية ومن ثم فقدان الحضوة عند بعض القوى السياسية المتحكمة على أمور البلد وبالتالي فقدان المصالح التي تجنيها من المشاركة مع الأقوياء والمتنفذين. وكانت الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) بأعتبارها أكبر وأقوى الأحزاب السياسية لأبناء أمتنا المشاركة في العملية السياسية نموذجاً واضحاً في سياق رفض الحماية الدولية أو المنطقة الآمنة وحتى الحكم الذاتي.
إذا كانت مجزرة سيدة النجاة لم تترك ردود فعل لدى أحزابنا وتنظيماتنا السياسية والقومية غير ولادة عسيرة لتنظيم هزيل وهش وهو "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" فإن ما يجري على الساحة العراقية وأبطالها القوى الطائفية المتزمة وما صاحب ذلك من إكتساح داعش لأراضي واسعة من العراق وفي عرض دراماتيكي لا يصدقها أي عاقل في العالم  قد أثرت وبشكل مأساوي خطير وزادت من معاناة أبناء شعبنا وهزت كيانهم وقعلتهم من جذورهم ودفعتهم نحو المصير المجهول فأنه كان من المفترض أن يترك هذا الحدث المأساوي أثره الكبير والفاعل على أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية لا بل وحتى الدينية منها. غير أن الأمر غير ذلك فلم يخلق هذا الحدث المأساوي إلا إصدار بعض البيانات والتصريحات عن مدى خطورة هذا الحدث المأساوي ومن دون تحرك سياسي فاعل حتى يترك إنطباعاً إيجابياً لدى أبناء شعبنا المكتويين بنيران هذه الأحداث المأساوية. حسناً فعلت الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) عندما أصدرت لجنتها المركزية بتاريخ 27 حزيران 2014 بياناً عن الأوضاع العصيبة التي يمر بها العراق وعن تدارس الأوضاع السياسية والأمنية خاصة المحيطة بالمسيحيين وتحديداً في سهل نينوى وتأثيراتها على إستمرار بقاءهم وتحديداً الكلدان السريان الآشوريين في مناطقهم التاريخية. ولما كانت زوعا من أكبر التنظيمات القومية لأمتنا وذات خبرة ودراية في الأمور الوطنية والقومية وعملت وتعمل في ظروف قاسية وماحقة  إلا أنه من الملاحظ بأن هذا البيان ليس بالمستوى المطلوبة ويحقق الحد الأدنى من محاولة لمعالجة أو التصدي للوضع المأساوي المحيط بأبناء امتنا في الوطن، خاصة والوضع الحالي يزداد عنفاً ومأساوية. أن ماجاء في بيان زوعا أعلاه بخصوص دعوة القوى السياسية والوطنية والمجتمع الدولي بتحمل المسؤولية وجعل سهل نينوى منطقة آمنه أمر يثير نوع من الشفقة على تجاهل قيادة زوعا بقصد أو بدونه للوضع الراهن لهذه القوى السياسية بجميع أصنافها خاصة المتحكمة في مصير العراق التي لا ترى في المسيحيين "الكلدان السريان الآشوريين" إلا رقم صفر في حساباتها الإستراتيجية، فكيف تطلب زوعا الحياة من الميت ؟؟. كما أن مناشدة زوعا للمجتمع الدولي أمر يفتقد إلى المنطق والعقل، فهي لا تعدو إلا مناشدة في الهواء وعلى الورق لا تصل آذان الغير ما لم تكن هناك معرفة ودراية باللعبة السياسية الدولية التي تقوم على المصالح القومية  للدول خاصة القوية منها.

في الحقيقة يؤسفي جداً لا بل يولمني أيضا أن أرى حركة قومية سياسية كبيرة لشعبنا لازالت غير مدركة للكثير من الأمور والقوانين والتشريعات الدولية التي تدعم مطالبنا المشروعة. ففي بيانها المذكور توجه زوعا دعوتها إلى القوى السياسية والوطنية والمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياتها  طبقاً للأعلان العالمي لحقوق الشعوب الأصلية الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2007 من غير أن تدرك بأنه لا يحق لهذه الجمعية إصدار تشريعات ملزمة للدول الأعضاء بل هي مجرد توصيات أو مناشدات إخلاقية مثالية لا تقوى أمام مصالح الدول الخاصة. والأنكى من هذا فأن هذا الأعلان تحديداً، الذي هو حاصل تحصيل لسلسلة من البيانات والأعلانات للجمعية العامة بخصوص الشعوب الأصلية، لايخص أو ينطبق على شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" لأن المقصود بالشعوب الأصلية هي تلك المجموعات البشرية التي تعيش في ظروفها الدموغرافية والأنثروبوليجية الخاصة بها والشبه المعزولة عن العالم الخارجي وعن تأثيرات المدنية والحضارة الصناعية كقبائل الأمازون في أميركا الجنوبية وهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وسكان أستراليا الأصلية (الأبريجونيون) ونيوزلندا والجزر المحيطة بهما وبعض القبائل في دول جنوب شرقي قارة آسيا. لذلك نرى بأن دول مثل أميركا وكندا وإستراليا وبعض دول جنوب شرق آسيا يرفضون على الدوام الأعلانات والبيانات الخاصة بالشعوب الأصلية ولا يصوتون عليها كما فعلوا ورفضوا التصويت على الأعلان أعلاه. في حين هناك العشرات من القوانين الدولية والإعلانات الخاصة بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات القومية والدينية كان من الممكن جداً الإستزادة منها والإشارة إليها في موضوع الحماية الدولية للمسيحيين في العراق ولكن ما يزيدنا آسفاً وألماً هو أن معظم، أن لم يكن جميع، قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية تصد آذانها وتحجر عقولها ولا تريد أن تسمع أو تسفيد من خبرات أبناء أمتنا المختصين في مثل هذه المجالات ... لماذا؟؟؟ لأن ظاهرة التحزبية المقية التي تطغي على عقول الكثير من قادة أحزابنا تجعلهم أن ينظروا إلى أبناء أمتنا غير المنتمين إلى حزبهم أو المقربين إليهم أو المنتمين لعشيرة القائد بنظرة  شك وريبة عن كل ما يصدر عنهم حتى ولو كان لصالح الأمة ومسيرتها القومية.

على أية حال أننا لسنا بصدد إنتقاد أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية وأبناء أمتنا في الوطن يحترقون بنيران الأرهاب  فإيماننا قائم دائماً بأن بدون الأحزاب والنظيمات القومية لا يمكن أن يتم المطالبة بحقوق الأمة ونيلها. فالسياسة، خاصة السياسة الدولية، لاعبوها الأساسيين هم الأحزاب والتنظيمات وليس الأفراد, لذلك فالمسؤولية العليا فيما يخص وضع شعبنا في العراق تقع عليهم ويجب التحرك قبل أن يحترق وجودنا القومي والتاريخي في الوطن نهائياً ويتحول إلى رماد تتطايره الرياح الصفراء, والتحرك يجب أن لا يكون بالبيانات والإجتماعات بل بالأفعال المنطقية والجماعية والمجردة من الإنانية والتحزبية. أن ما يحيط بأبناء أمتنا في الوطن قد أزال كل المبررات والمخاوف التي كانت ترفض الحكم الذاتي أو تأسيس محافظة سهل نينوى أو الإدارة المحلية لمناطق شعبنا فالمبررات التي بررت هذه المخاوف أصبحت لا شي بالنسبة للمخاوف الناجمة من الأحداث المأساوية الأخيرة. كما أن الوضع المأساوي في العراق وتحديداً المحيط بأبناء شعبنا يفرض على أحزابنا وتنظيماتنا، بعد فقدان الثقة وإمكانية حماية الدولة لهم، اللجوء إلى منافذ أخرى طلباً للحماية والأمن والإستقرار، ولم يعد منفذ آخر إلا الحماية الدولية. هنا أود أن اشير إلى نقطة معينة وهي طرح بعض المعنيين من أحزابنا أو مفكرينا أو كتابنا موضوع ربط الحماية الدولية بمنطقة محددة لأبناء شعبنا وتوفير الحماية لها ويقولون بأنه لايمكن توفير الحماية الدولية مالم تكون هناك منطقة محددة وواضحة لأبناء أمتنا ويتساءلون كيف تتم الحماية الدولية وشعبنا مشتت في مناطق مختلفة ولايمكن القيام بفعل ميكانيكي بنقل جميع أبناء أمتنا في منطقة معينة وتوفير الحماية الدولية لهم لتكون منطقة آمنة. إذا كان مثل هذا الربط بين الأثنين منطقياً من حيث الواقع وأمنية يتمناه جميع أبناء شعبنا ولكن من الناحية الفعلية وتطبيق أو توفير الحماية الدولية ليس بالضرورة، خاصة في المرحلة الحالية وفي الوضع الديموغرافي لشعبنا أن يترابط الأثنين، أي المنطقة الآمنة والحماية الدولية. فإذا كان توفير الحماية الدولية لمنطقة آمنة يعطي إنطباعاً بأن توفير مثل هذه الحماية لا يتم إلا بالتدخل أو العمل العسكري، فأن مثل هذه الحماية الدولية يمكن توفيرها لشعبنا المبعثر في مناطق مختلفة بوسائل أخرى غير عسكرية وبوسائل الضغط سواء الإقتصادية أو الدبلوماسية أو ثقافية منها وهو الأمر الذي يجب التركيز عليه والعمل تجاهه من قبل أحزابنا وتنظيماتنا القومية. هناك حقيقة موضوعية ديموغرافية وسياسية لا يتجاهلها إلا الأعمى والغبي وهي أن معظم مناطق شعبنا التاريخية تقع في منطقة إقليم كردستان وأن حكومة الأقليم والقوى السياسية المتنفذة توفر الحد الأدنى من الديموقراطية والحرية لشعبنا ولأحزابه السياسية وتنظيماته القومية لممارسة نشاطاتها وضمن توجهات علمانية غير متطرفة في مقارنتها مع القوى المتحكمة على السلطة في بغداد وهو أمر ضروري جداً ويجب أن يضع بنظر الإعتبار خاصة عند الحديث أو المطالبة بالحماية الدولية لشعبنا. فالمنطق والواقع يفرضان أن تكون مثل هذه الحماية من خلال أو التنسيق مع حكومة إقليم كردستان التي وفرت الكثير من الوسائل في حماية شعبنا من إضطهاد الغير له. أن مجرد طرح هذا الموضوع، أي العمل مع أو التنسيق مع حكومة الإقليم في توفير الحماية لشعبنا، سيقفز فوراً على ساحة الأنترنيت بعض من أبطالها الكارتونيين ويبدأون بسرد صفحات التاريخ الأسود للعلاقة الكوردية المسيحية متغافلين بأن الوضع الحالي والمصلحة القومية لشعبنا ولضمان مصيره في مناطقه التاريخية يمحو وبقوة كل صفحات هذا التاريخ ويفتح صفحات جديدة ومثمرة لكل أبناء المنطقة. قرأنا الكثير عن جرائم بدرخان وسمكو الشيكاكي وغيرهم وعن التجاوزات على مناطقنا في الأقليم ولكن لواقع اليوم ضرورياته لا يفسح المجال إطلاقاً للتذكير بالماضي الأليم لأن ما يفرزه الواقع  الحالي من مأساة وفواجع مؤثرة على أبناء شعبنا في العراق يلزمنا إعطاء الأولية لمصلحة شعبنا ولمستقبله وهو الأمر الحاسم والمهم الذي يجب أن يكون في قمة جدول الأوليات لأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية. لقد قال السياسي الإنكليزي المخضرم ونستون تشرشل، بأنه ليس هناك صديق دائم أو عدو دائم  بل مصلحة دائمة، فهل يتعض أحزابنا السياسية من مثل هذه المقولات في السياسة التي تأكدت على الواقع وعلى الساحة السياسية الدولية؟

على العموم وحتى نختصر في هذا الموضوع الشائك والمثير للحساسية، نقول: على أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية أن تتحرك فوراً ووفق المعطيات الموجودة على واقع الحال لشعبنا ولعموم العراق وأن تفهم بأن الحماية الدولية لا يمكن توفيرها ما لم تكون مبررة بشكل منطقي ومدركة بشكل واضح من قبل الدول المعنية بتوفير هذه الحماية وأن يكون لها مصلحة في ذلك سواء أكانت مصلحة سياسية أم إقتصادية أم معنوية أخلاقية متعلقة بأمر حماية الأقليات وحقوق الإنسان. كما يجب أن تدرك أحزابنا السياسية وتفهم بأنه لا فعل مؤثر للأفراد في هذه العملية أو إنفراد حزب واحد بهذه المهمة فالأمر يتطلب عمل جماعي يكون له وقعاً مؤثراً على الدول أو المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بهذا الشأن. هنا أطرح شخصياً أربعة مرتكزات أساسية كخارطة طريق يسير عليها أحزابنا السياسية لتحقيق الحد الأدنى من هذه المهمة:1.   كيف ستصدق الدول والمنظمات المعنية بتوفير الحماية الدولية مطلب شعبنا في توفير هذه الحماية  و"ممثلي" أمتنا يشاركون النظام الفاسد والمساهم سواء بقصد أو بإهمال في معاناة شعبنا؟؟ ... كيف ستقتنع هذه الدول والمنظمات بجدية صراخ أبناء أمتنا من جراء المعاناة المأساوية التي يعانونها و"وزيرنا المسيحي" يقف مباشرة خلف رئيس مجلس الوزراء مسانداً له اثناء خطابه المتلفز الملئ بالحقد والكراهية والطائفية؟؟ وحتى نستطيع أن نخلق قناعة عند هذه الدول والمنظمات بجدية معاناة شعبنا ومطلبه في الحماية الدولية، على "ممثلي" أمتنا في البرلمان والحكومة تقديم إستقالتهم فوراً إحتجاجاً على عجز العراق بحكومتها وبرلمانها في توفير الحماية لأبناء شعبنا، حينذاك سيتوفر أساس منطقي لمطلبنا في الحماية الدولية وسيكون عاملاً مساعداً لهذه الدول والمنظمات في فهم معاناة شعبنا في العراق. وهو موضوع سبق وأن تطرقنا إليه في مناسبات عديدة ولكن المبررات التي قيلت في حينها عن ضرورة البقاء مشاركين في أجهزة الدولة العراقية كوسيلة ضامنة لتحقيق حقوق شعبنا في العراق قد أضمحلت ولم يعد لها وجود بعد أن أنهارت الدولة ولم يعد لحكومتها وبرلمانها سطلة للتحكم في إستقرار وضمان الأمن وتحقيق حقوق شعبنا في العراق.2.   على أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية خاصة المنضوية تحت المظلة المخرومة لـ "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" أن تعمل لإخراج هذا الكيان المريض من غرفة الإنعاش المركز وأن ترسم له خطة لتفعيله بشكل أكثر جدية فاتحة الأبواب لغيرهم من الأحزاب والتنظيمات للإنظمام إليه أو العمل سوية وأن يتحركوا من خلال الفسحة الديموقراطية المتوفرة في إقليم كردستان وأن يفتح باب الحوار مع حكومتها والأحزاب المتنفذة حول ضرورة توفير الحماية المطلوبة، الدولية والأقليمية، لأبناء شعبنا ليس في الأقليم فحسب بل أيضا في المناطق الأخرى المتاخمة لحدود إقليم كردستان خاصة المتنازع عليها.3.   في ظل الظروف المأساوية الراهنة لأبناء شعبنا في الوطن، لم يعد للتسمية القومية المركبة أو المنفردة أية أهمية في تقرير مصير شعبنا وإنفاذه أو التخفيف من معاناته، فكفانا مهزلة وسخرية في الإصرار على تسمية معينة وشعبنا يحترق بنيران الحقد والكراهية والتطرف. لا شك فيه أن طرح مسألة الحماية الدولية لشعبنا ونحن متفرقين وغير متفقين على مسائل ثانوية جداً في مقارنتها مع الوضع المأساوي الحالي لشعبنا أمر غير مفهوم ولا مقبول عند الدول والمنظمات المعنية بالموضوع. لهذا فإن الوضع المأساوي والمطالبة بالحماية الدولية يفرض علينا أن نطرح مسألة التسمية جانباً وأن يتم التركيز على الحماية الدولية للمسيحيين في العراق فهذه التسمية ستكون أكثر أثارة وإهتماما للدول والمنظمات المعنية. فالحركات الدينية المتطرفة كداعش لا تعرف ولاتفهم من هو كلداني أو سرياني أو آشوري فكلهم كفرة وخنازير وقردة لا فرق عندهم... هذا الفكر الديني المتطرف هو نفسه الذي كان يتبناه العثمانيون أثناء مذابحهم ضد المسيحيين، فأثناء عمليات الحرب الكونية الأولى قال أحد المبشرين الغربيين لقائد عثماني الذي كان ينفذ المذابح بحق المسيحيين: لماذا تذبح الآشوريين وأن الفرمان يخص الأرمن فقط، فقال له "أنا لا أستطيع أن أفرق بين الروث الجاف والطري فكلاهما روث وسخ ورائحته كريهة". 4.   يبقى موضوع دور شعبنا في بلدان المهجر أمر مهم آخر في مسألة توفير الحماية الدولية لشعبنا في الوطن. فعلى منظمات شعبنا المدنية وحتى الدينية، وأقصد الكنائس، في المهجر أن تنهض وتقوم بدورها في أثارة الرأي العام في هذه الدول عن الأحوال المأساوية المفجعة لأبناء شعبنا في الوطن وأن يتم التنسيق بينها وبين أحزابنا ومنظماتنا في الوطن من أجل توحيد التوجهات والسياسات وتوجهها نحو تحقيق مطلب الحماية الدولية للمسيحيين في العراق.

وأخيرا قد تبدو هذه المرتكزات كنوع من الأحلام الوردية خاصة ونحن نعرف المستوى الواطئ لتضحيات وإستعدادات أحزابنا ومنظماتنا من أجل مصلحة الأمة ومحدودية قدرتها وفعلها في هذا المجال، ولكن شعورنا وإحساسنا بالوضع المأساوي لأبناء أمتنا في الوطن فرض علينا أن نحلم بأماني لها صفات الأحلام الوردية، أحلام يمكن تحقيقها ولو بحدها الأدنى لو توفر الإستعداد لدى أحزابنا للتنازل عن بعض الشيء عن حزبيتها وأن تمد يدها لتتكاتف بعضها بالعض، وهي مسؤولية كبيرة تقع في المقام الأول على جميع أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية... أنهي هذا الموضوع وأقول أن طرح الحماية الدولية للمسيحيين في العراق لم يكن وارداً لطرحه في السنوات التي خلت بسبب حساسيته المفرطة والمخاوف الناجمة عنه ولكن كل شيء أصبح واردا ومقبولاً في ضوء  معاناة شعبنا في أرض أبائه وأجداده. فالمنطق يقول طالما الحكومة المعنية في العراق لم تعد ها قادرة على توفير الحماية لمواطنيها فإذن من حقنا أن نطرق أبواب أخرى لتوفير الحماية لشعبنا في العراق كضمان لإستمرار وجوده في أرضه التاريخية.   
   

208
بمناسبة زيارة قداسة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو لقداسة البطريرك مار دنخا الرابع
------------------------------------------------------

وحدة فروع كنيسة المشرق... بين الممكن وغير الممكن

أبرم شبيرا
أهمية للموضوع:
لاشك فيه بأن هناك مسائل تشكل قمة إهتمام أبناء أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" وتثير بشكل خاص أهتمام كتابها ومثقفيها وأحزابها السياسية ومنظماتها القومية لما لها من أهمية في تقرير مصير وجودنا الديني والقومي ومدى إستمراريته نحو المستقبل الغامض الذي يكتنف أمتنا من جميع الجوانب سواء في وطن الأم أم في المهجر، وليس هذا الإهتمام إلا إنعكاس لمدى أهمية هذه المسائل في تقرير هذا المصير، وتأتي مسألة وحدة فروع كنيستنا المشرقية، وتحديدا الكلدانية الكاثوليكية والمشرق الآشورية والسريانية بشقيها الأرثوذكسي والكاثوليكي  في قمة جدول الإهتمامات، وليس أدل على ذلك غير مشاهدة عدد القراء لمواضيع متعلقة بوحدة فروع كنيستنا المشرقية وبكلمات كبار رجالاتها ومؤمنيها. لم أتطرق هنا إلى فرع كنيسة المشرق: الكنيسة الشرقية الجاثيليقية القديمة لأنه ليس هناك أي إختلاف مبدئي وعقائدي وطقسي مع كنيسة المشرق الآشورية، فالخلاف هو إداري فقط يتمثل في رئاسة الكنيسة، خاصة بعد أن تم تسوية موضوع التقوم الكنسي وتوحيد تاريخ الإحتفال  بعيد الميلاد، إضافة إلى أن نشؤ هذا الفرع في بداية الستينيات من القرن الماضي لم يترك لحد هذا اليوم أية تداعيات على المستوى القومي والإجتماعي والتسموي أيضا، على أن هذا لا ينفي إطلاقاً وجود نزعات عشائرية وشخصية تعشعش خلف هذا الخلاف وإستمراره.  أكرر التأكيد هنا بأن تطرقنا إلى مثل هذا الموضوع الكنسي وإبراز أهميته لا علاقة له إطلاقاً بإيمان ومعتقدات وطقوس كل كنيسة، فأحترامها وسموها لدينا نحن العلمانين "الأقل إيماناً" نابع من الأهمية القصوى للكنيسة كمؤسسة تاريخية وحضارية وتراثية وإرتباط هذه المؤسسة إرتباطاً عضويا بالكيان القومي وإشتراكها بنفس مقومات الوجود وخضوعهما لفعل التأثير والتأثر بين الجانبين الكنسي والقومي في مجتمعنا منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا.     

وحدة الكنيسة وفنجان قهوة:
فإذا كان الأمر بهذه الأهمية، فأنه من دون شك أن يستغرب القارئ النبيل من عنوان هذه السطور عن حشر "فنجان قهوة" في موضوع مهم وحاسم في كنيستنا المشرقية وأمتنا مثل موضوع "وحدة فروع كنيسة المشرق. وقد يعتبره البعض نوع من المزحة أو الفكاهة ولكن الأمر  ليس كذلك إطلاقا ، بل لهذا "الحشر" جانبان: الأول: ظرفي; يعود إلى أواخر التسعينيات من القرن الماضي. ففي أحدى لقاءاتي مع قيادي وأعضاء المنظمة الأثورية الديموقراطية المناضلة، دار نقاش  حول مسألة وحدة فروع كنيستنا المشرقية خاصة بعد صدور االبيان المسيحاني في عام 1994 من قبل البابا الراحل (القديس) مار يوحنا بولس الثاني وقداسة الأب السامي مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية الذي أعتبر إيمان هذه الكنيسة إيماناً قويماً رسوليا صائباً وما أعقب ذلك من إتصالات وإجتماعات بين فروع كنيسة المشرق، الكلدانية والآشورية والسريانية الأرثوذكسية. وعندما سألتُ من قبل أحد المشاركين في الإجتماع عن السبل لهذه الوحدة فقلت على الفور "فنجان قهوة" فأثار ذلك أستغراب الحاضرين مما أستوجب توضيح ذلك، والذي هو الجانب الثاني من هذا "الحشر".

ثوابت مبدئية راسخة:
أن حشر "فنجان قهوة" في هذا الموضوع الحساس، والذي سنأتي على ذكره فيما بعد، هو موضوعي واقعي وفكري يتعلق قبل كل شيء بمعرفة طبيعة كل فرع من فروع كنيسة المشرق. فمن أبسط أبجديات المعرفة بحقيقة وطبيعة كل فرع هو أن هناك ثوابت مبدئية وتاريخية صلدة يصعب جداً أن لم يكن مستحيلاً تجاوزها أو المساس بها لأنها مرتبطة بكيان ووجود كل فرع من فروع كنيسة المشرق وبالتالي فأن أي تنازل أو المساس بها هو إخلال أو تهديد لوجود كل فرع، وهي الثوابت التي جعلت من كل فرع أن يتشكل هيكلها وشؤون إدارتها ككنيسة مستقلة بحد ذاتها ومعروفة بأسمها المتداول كنسياً وشعبياً ورسمياً.

 إبتداءاً، فالكنيسة الكلدانية الكاثوليكية هي كنيسة جامعة في شركة إيمان وترابط إداري ومسلكي مع الكنيسة الكاثوليكية في روما ولا يمكن بأي حال من الأحوال التنازل أو الإنقطاع عن هذا الإتحاد لأن أي مساس به سوف يفقد طبيعتها الكاثوليكية وبالتالي تفقد أس الأساس الذي قامت عليه. فتاريخ هذه الكنيسة يبين أفعال وإجراءات مستمية قام بها بعض من أباءها للحفاظ والبقاء في شركة مع الفاتيكان لأنهم كانوا، ولايزال أباء الكنيسة في هذه الأيام، يدركون بأن وجود الكنيسة وطبيعتها الإيمانية والإدارية مرتبط بهذا الإتحاد. ولتأكيد هذه الحقيقة نرى بأنه منذ البداية وتحديداً منذ أن أرسل الأساقفة الثلاثة مار يوحنان سولاقا عام 1553 إلى روما لم يكن القصد جحد إيمانهم المشرقي "النسطوري" بل ظلوا هؤلاء مؤمنين ومخلصين لعقيدتهم وهذا واضح من الكتاب الذي أرسلوه مع مار يوحنان سولاقا إلى بابا روما عندما يقولون في مقدمته "نحن خدامك النساطرة الشرقيين" فبقت هذه الكنيسة كنيسة أباؤهم وأجدادهم كما يصفها نيافة المطران مار سرهد جمو، بل كان القصد إدارياً وتنظيمياً وتعبيرا عن رفض نظام التوريث في كنيسة المشرق وحصر سدة البطريركية للكنيسة  بعائلة أبونا الألقوشية. وهذا ما يؤكده بالتفصيل فطاحلة الكنيسة الكلدانية أمثال الأب الراحل يوسف حبي والمطران مار سرهد جمو (للإستزادة: أنظر بحث الأب الدكتور سرهد جمو بعنوان كنيسة المشرق بين شطريها – مجلة بين النهرين – 90/96 (24) 1996، ص181 – ص 203). هذا الإرتباط الإداري والتنظيمي بقى جزء مهم جداً من كينونة الكنيسة الكلدانية ولحد هذا اليوم ولا يمكن التنازل أو المساس به. غير أن الأمر لم يستمر هكذا بالنسبة للإيمان المشرقي "النسطوري"، بل خلال القرون الخمسة الماضية تم لتنتة (من اللاتين) الكنيسة الكلدانية وأبتعدت عن "النسطورية" وأضحت هذه الأخيرة كنيسة هرطقية مرفوضة من قبلها.
 
أما الكنيسة السريانية الآرثذوكسية فإيمانها القويم والأساسي هو ضمن إيمان الكنائس المعروفة بـعائلة "الكنائس الشرقية الآرثوذكسية" أو اللاخلقدونية التي رفضت مجمع خلقدونيا (عام 451) ومنها الكنيسة القطبية الأرثذوكسية والأرمنية الآرثوذكسية والحبشية أيضا، وهي الكنائس التي كانت تعرف بـ "المونوفزتية" القائلة بطبيعة واحدة للمسيح، وموقفها معادي جداً لكنيسة المشرق الآشورية التي عرفت نكاية بها بـ "النسطورية" معروف وواضح لدرجة وقفت هذه العائلة الكنسية الأرثوذكسية وبقيادة الأقباط موقفا صارماً ورافضاً لقبول كنيسة المشرق الآشورية عضواً في مجمع كنائس الشرق الأوسط مالم تجحد هذه الكنيسة التعاليم النسطورية وتعلنها كهرطقة دينية، لا بل وصل الأمر إلى أن يعلن المرحوم البابا شنودا، البابا السابق للكنيسة القبطية الأرثوذكسية،  بأن الجنة محرمة على الآشوريين وسوف لا يدخلونها أبداً   رغم أن أكبر وأعظم مرجعي ديني في عالم اليوم، الفاتيكان، كان قد أقر عن أصالة إيمان هذه الكنيسة.

أما كنيسة المشرق الآشورية، وأن كانت منذ بداية إنتشار المسيحية في القرون الأولى مستقلة بشكل أو بآخر وطبقاً للأوضاع السياسية المتذبذبة بين الأمبراطورتين الفارسية والرومانية البيزنطينية غير أنها أضحت مستقلة تماماً إدارياً وسلطوياً منذ بداية القرن الرابع وتحديدا في عهد البطريرك مار داديشو عن الكنيسة الغربية، فبقت هي الكنيسة الوحيدة في التاريخ والعالم مستقلة لحد هذا اليوم بإدارتها وسلطتها وبإيمانها المشرقي القائم على طقس مار أدي ومار ماري وبعض من التعاليم التي تتشابه مع تعاليم نسطورس ومعلمه تيادورس المصيصي، كما أصبحت الكنيسة الوحيدة غير المرتبطة أو المتشاركة مع بقية الكنائس ضمن المجموعة العائلية للكنائس المعروفة كما هو الحال مع الكنيسة الكلدانية ضمن عائلة الكنائس الكاثوليكية الشرقية والكنيسة السريانية الأرثذوكسية ضمن عائلة الكنائس الأرثذوكسية الشرقية. ومن الواضح عن هذه الكنيسة بأنها ليست معروفة بإيمانها المشرقي فحسب بل إنه طيلة تاريخها الطويل تأثرت بكثير من التقاليد والعادات والمماسات التي تعود إلى عهود ما قبل المسيحية مستمدة من حضارة بلاد مابين النهرين خاصة من الحضارة  البابلية الآشورية التي توافقت وأنسجمعت مع معتقدها الإيماني وأصبحت جزء من الممارسات الكنسية. زد على ذلك فإن أباء ورعية هذه الكنيسة تأثروا بالإفكار القومية وبمبادئ التحرر القومي منذ نشؤها وقدومها من أوربا إلى موطنها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية قرن العشرين إلى درجة أصبح بطريركها زعيماً دينياً وقومياً لأبناء شعبه فتطبعت بالمقومات القومية الآشورية إلى درجة إكتسابها الصفة الرسمية الآشورية لتسميتها منذ منتصف الستينيات في إيران ثم في منتصف السبعينيات في العراق من القرن الماضي وإن كان مثل هذه التسمية القومية للكنيسة لها بدايات منذ منتصف القرن السادس عشر عندما دخلوا بعض من مؤمنيها في إتحاد وشركة مع الفاتيكان كما يذكر ذلك نيافة المطران مار سرهد جمو في بحثه المنوه عنه في أعلاه.

هل وحدة فروع الكنيسة ممكنة؟:
من الملخص أعلاه، نرى بأن كل فرع أو كنيسة من الكنائس الثلاث لها أسس راسخة وثابتة لايمكن تجاوزها أو حتى التفكير في التنازل عنها أو المساومة عليها لأنها كما سبق وأن ذكرنا تشكل أساس كيانها ووجودها. وعندما نتكلم عن الوحدة فلا معنى لها سواء إندماج أثنين أو أكثر في كيان واحد، أي إندماج الفروع الثلاثة في كنيسة واحدة وأي تفسير آخر للوحدة سوف يشذ لا بل لا يعكس مضمون هذه الكلمة في الإندماج، وهو الأمل الذي يتأمله معظم أبناء شعبنا المنتمين إلى هذه الكنائس الثلاث خاصة عندما تكون هناك تصريحات أو كتابات أو مراسلات أو لقاءات بين كبار رجال هذه الكنائس وتتحدث كثيراً عن هذه الوحدة. ولكن ماهو مضمون هذه الوحدة التي لم تحدد أبداً، خاصة بالنسبة للكنيستين الكلدانية والآشورية، هل هي إنضمام كنيسة المشرق الآشورية إلى الكرسي البابوي وفقدان إستقلاليتها وبالتالي تطابق مصدر الإنتماء لكلا الكنيستين وتحقيق الوحدة. أم هذه الوحدة هي تخلي الكنيسة الكلدانية عن إنتماءها إلى الكرسي البابوي ومن ثم توحدها مع كنيسة المشرق الآشورية؟. وطبقاً للحواجز المبدئية والعقائدية والتاريخية التي ذكرناها يبدوا بأن أمر مثل هذه الوحدة غير ممكن في الوقت الحالي ولا في المستقبل المنظور. ففي الوقت الذي كانت التحضيرات تتهيأ للقاء ومناقشة مسألة الوحدة بين الكنيستين نرى بأن الكنيسة الكلدانية في مجمعها السينودي في بيروت في شهر آذار من عام 1997 تقر وبشكل واضح وصريح بأنها لن تتخلى عن إنتماءها للكرسي الفاتيكاني. وبالمقابل، وبعد شهرين من الزمن، تبعه قرار كنيسة المشرق الآشورية في مجمعها السينودي المنعقد في شهر حزيران عام 1997 الذي أكد على تمسك الكنيسة بإستقلاليتها عن أي كرسي آخر. وهناك شواهد تاريخية ومحاولات سابقة تؤكد عدم إمكانية تحقيق الوحدة بين الكنيستين طالما تمسك كل واحد منهما بالأساس الجوهري لقيامها، ونذكر منها مايلي:

بمجرد صدور البيان المسيحاني لعام 1994 من قبل الفاتيكان وكنيسة المشرق الآشورية المنوه عنه أعلاه، أنبعث الضوء الأخضر للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية فبدأت الزيارات وأنطلقت اللقاءات والإجتماعات بين هذه الكنيسة وكنيسة المشرق الآشورية فكانت البداية الأولى لتنقية الأجواء وفتح القلوب، فبادرت كنيسة المشرق الآشورية بتقليم وتهذيب طقسها بحيث تم  إزالة الدخيل وكل رواسب الماضي وتحديثه بما يتلائم مع العصر الحديث ومن دون المساس بالأساسيات والمبادئ العقائدية المعروفة وبدأت بأرسال أبناء الرعية إلى كلية بابل التابعة للكنيسة الكلدانية في بغداد وإلى الفاتيكان للدارسة والتخرج منها ككهنة أو أساقفة. أما بالنسبة للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، فهي الأخرى بدأت بالنظر والإقتراب أكثر فأكثر من طقس وتقاليد كنيسة المشرق والإشتقاق من تاريخها الكثير من الممارسات العقائدية وأعتمادها رسمياً بحيث توقفت عن إطلاق على  تعاليم كنيسة المشرق الآشورية كتعاليم هرطقية، لا بل العكس من ذلك حيث بدأ فطاحل هذه الكنيسة بالبحث العميق والدراسات المستفيضة في تاريخ كنيسة المشرق فأضحى لهذه الكنيسة إمتدادات تاريخية تبدأ من القرون الأولى للكنيسة في بلاد مابين النهرين وليس من تاريخ إتحادها مع الفاتيكان في منتصف القرن السادس عشر الميلادي فأصبح التصريح في كون الكنيسة "النسطورية" كنيسة الأباء والأجداد أمراً مألوفاً عند البحث في تاريخ الكنيسة الكلدانية. ومما ساعد على ذلك وجود "فرسان" وحدة الكنيستين: المثلث الرحمات مار روفائيل الأول بيداويد البطريرك الأسبق للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وقداسة أبينا السامي مار دنخا الرابع بطريريك كنيسة المشرق الآشورية فتوالت اللقاءات والمراسلات  بينهما وكان أكثرها أثارة وإهتماماً اللقاءات والقداديس التي أقيمت مشتركة بينهما سواء في الوطن أم في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن حضر أو شاهد شريط الفيديو لحفلة إستقبال المثلث الرحمات مار روفائيل الأول بيداويد التي أقامتها كنيسة المشرق الآشورية في شيكاغوا في تسعينيات القرن الماضي لأستنتج على الفور بأن الوحدة بين الكنيستين لا محال منها فقد أصبحت قاب قوسين خاصة ما أثاره خطاب المثلث الرحمات مار روفائيل بيداويد في الوحدة من حماس وإنفعال الحاضرين لدرجة أصبحوا لدقائق واقفين يصفقون ويهتفون إستبشاراً بهذه الوحدة الكنسية الوشيكة التحقيق.
 
 وفي بيروت وتحديداً في اليومين 17 و 18 من شهر أيلول عام 1998 عقد قداستهما وعدد من مطارنة الكنيستين إجتماعاً مهما وفي أعقابه صدر البيان عنهما وأهم ماجاء فيه هو "أن هذا الإجتماع هو إستكمالا للحوار القائم من أجل الوحدة بين الكنيستين منذ سنوات... ثم يشكرون كل الذين عملوا لكي يتححق هذا الحلم الكبير في الوحدة الذي هو البدء جدًيا بإستعادة وحدة كنيستهما، كنيسة المشرق العريقة....  وتناولت المباحثات مفهوم الوحدة وتحديها كنسياً، والتركيز على ضرورة تحقيقها رغم كونها مسيرة ليست بالهينًة... فتدارسوا السبل الكفيلة للوصول إليها حثيثاً...لأنهما كنيسة واحدة في الأصل واللغة والتاريخ والثراث .." وكان من مقررات الإجتماع تشكيل أربع لجان عملية وهي 1 – لجنة التنشئة الكنسية، 2 – لجنة التعليم المسيحي، 3 – اللجنة الطقسية، 4 – اللجنة الرعوية ورسالة العلمانيين.... كما أقروا طبع كتب طقسية ووضع كتاب مشترك للتعليم المسيحي ... والبدء بمشروع موسوعة كنيسة المشرق للتعريف بتاريخ هذه الكنيسة وشخصياتها وأماكنها التراثية وآدابها وطقوسها وقوانينها، وإرساء حجر لموسسة تدعم مشاريع الكلدان والآثوريين المتعددة... وفي الختام ناشد المجتمعون مؤمني كنيستيهما وكل المحبين أن يضاعفوا الصلوات الحارة كي يتحقق تصميم الله ومشيئة المسيح فتكون هناك كنيسة واحدة تجمع بين الطرفين .... وتم التوقيع على البيان من قبل قداستي مار روفائيل الأول بيداويد بطريرك بابل على الكلدان و مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية. وعقب هذه اللقاءات تشكلت لجنان مشتركة للبحث في الخطوات العملية لتحقيق الوحدة بين الكنيستين.

لقد أسرفت بعض الشيء في ذكر بعض النقاط المهمة من هذا البيان الذي صدر بثلاث لغات، سريانية وإنكليزية وعربية  لأنه فعلاً وحقيقة كان من أهم الخطوات العملية والمنطقية التي أتخذت من قبل الكنيستين على طريق التقارب والتفاهم والوحدة، ولكن يظهر بأن صلاة المؤمين لم تكن شديدة الحرارة فأصطدمت كل هذه النيات الصافية والمخلصة لأباء الكنيستين بجدران وحواجز قوية غير قابلة للإختراق وتحقيق الوحدة وأهما مسألة الولاية والسلطة في الكنيسة الكلدانية وعلاقتها بإستقلالية كنيسة المشرق الآشورية. إلا أن هذا لا ينفي وجود أسباب أخرى في إنجماد هذه المباحثات واللجان العملية ولكن حتى لو كان بالإمكان تجاوزها ففي النهاية كان إصطدامها بالحواجز العقائدية الأساسية خاصة موضوع السلطة والولاية محتوماً. أتذكر بهذا الخصوص المقابلة التي أجراها موقع عنكاوه دوت كوم  في شهر تشرين الأول عام 2010 مع نيافة مارغريغوريوس يوحنا أبراهيم، مطروبوليت حلب للسريان الأرثوذكس (المخطوف منذ أكثر من  سنة مع نيافة المطران مار بولص اليازيجي مطران الروم الأرثوذكس في سوريا، نأمل من ربنا يسوع المسيح أن ينعمهم بالصبر والقوة وييسر أمر إطلاق سراحهم) بعد مشاركته في سينودس الأساقفة من أجل الشرق في الفاتيكان حيث كان قد قدم ثلاث إقتراحات ومنها كان مقترح فصل الشركة عن الولاية والسلطة حيث قال للبابا بندكتوس السادس: "ما هو المانع بأن أكون أنا السرياني الأرثوذكسي في شركة إيمان معك وأن لا تكون لك ولاية وسلطة عليً"، فكان جواب البابا "هذا أمر صعب جداً، ثم ضحك وضحكت معه، لأني أعلم بأن هذا الأمر يحتاج لجهود جبارة ليكون ضمن الأمور المقبولة" أي بهذا المعنى بأنه في الظرف الحالي والمستقبل المنظور لانرى أية خطوات يمكن أن تجعل مسألة الفصل بين الشركة في الإيمان ومسألة الولاية والسلطة من الأمور المقبولة.

أما بالنسبة للكنيسة السريانية الآرثوذكسية فعلى الرغم من كون إيمانها ولوتروجيتها الإنطاكي مختلف عن كنيسة المشرق الآشورية إلا أن الحس القومي المشترك والمرهف لبعض أباء ورعية هذه الكنيسة وللخلفية التاريخية في التعامل المشترك على المستوى القومي ومواجهة التحديات الخارجية جعل من كلا الكنيستين أن تبدأ بخطوات وإجتماعات لبحث مسألة التقارب والتفاهم بينهما فتشكلت بهذا الخصوص لجنة من المطارنة لكلا الكنيستين للبحث في هذه الأمور، خاصة اللقاءات والمباحثات التي تمت ضمن تجمعات (برو أوريانتل) في النمسا بين الكنائس التي تجمعهم التقليد السرياني. ففي الثاني من شهر أذار (مارس) عام 1998 عقد إجتماع بينهما في دير مار مارون في عناية بلبنان فتوصلوا بعد بحث مستفيض في المسائل  الكنسية واللاهوتية إلى توصيات مهمة، وبنظرتنا العلمانية كانت توصية تشجيع إستخدام اللغة السريانية/الأرامية في مختلف البرامج الأدبية والتعليمية من أهمها. وفي الختام تقرر رفع التوصيات للمصادقة عليها من قبل المجلس السينودي لكلا الكنيستين والذي كان من المؤمل أن يعقد في التاسع من شهر تشرين الأول 1988 في فينا – النمسا.

غير أنه لم يمضي أسبوع واحداً فقط ... أكرر مرة أخرى .. أسبوع واحد فقط، عن هذا الإجتماع حتى عقد بطاركة الكنائس الشرقية الأرثوذكسية الثلاث (القبطية والسريانية والأرمنية): البابا الراحل شنودا الثالث وقداسة الراحل مار أغناطيوس زكا الأول ومار أرام الأول، إجتماعا للفترة من 10-11 أذار (مارس) 1998 في دير بيشوي في وادي نطرون في مصر، فبعد تأكيدهم على إيمانهم القويم الأرثوذكسي وتعاليم قديسهم قورليس الذي وصف بالعظيم صدر عنهم مقررات عديدة منها التأكيد المطلق على رفض وإدانة كافة التعاليم "الهرطقية" لعدد من رجال الكنيسة ومفكريها ومنهم نسطورس فوصفوا أتباعه ومؤمنيه بالهرطوقين، وهي أشارة واضحة ومقصودة إلى كنيسة المشرق الأشورية ومؤمنيها. ليس هذا فحسب بل تقرروا أيضا بأنه لايمكن لأي كنيسة من كنائسهم الثلاث أن تقوم بمباحثات وأتصالات مع الكنائس الأخرى إلا بعد أن يتم البحث مثل هذه الأمور حصراً ضمن عائلة الكنائس الشرقية الآرثوذكسية وبموافقتهم، وهذا يبين ويقصد بكل وضوح الإجتماعات والمباحثات التي كانت تعقد بين الكنيستين السريانية الآرثوذكسية والمشرق الآشورية المنوه عنها في أعلاه مما حدا هذا الموقف بأن تتوقف نهائياً المباحثات بين هاتين الكنيستين. وأتذكر في حينها بعد هذا الإجتماع للكنائس الشرقية الأرثوذكسية كنت قد ألتقيت بمثلث الرحمات مار أسحاق ساكا مطربوليت الموصل وضواحيها للسريان الأرثوذكس فكان شديد الغضب ومحبطاً من نتائج هذا الإجتماع فقال نحن أبناء أمة واحدة (يقصد أبناء الكنيستين السريانية الأرثوذكسية والمشرق الآشورية) ولنا مقومات مشتركة من شعب ولغة وتاريخ وتراث وعادات ومصير واحد أما مع الأقباط  فلا يربطنا بهم غير العقيدة الدينية. وأضاف وقال "أعرف بأن هناك المئات أن لم تكن الألاف من الزيجات بين أبناء هاتين الكنيستين أما مع الأقباط  فلا أعلم فيما إذا كانت توجود زيجة واحدة بين أبناء كنيستنا والكنيسة القبطية". ومثل هذا الموقف الغاضب والمحبط كنا قد سمعناه من بعض أباء الكنيستين الكلدانية الكاثوليكية والسريانية الآرثوذكسية عندما أستخدم ممثلوا الكنيسة القبطية الفيتو ضد قبول كنيسة المشرق الآشورية عضواً في  مجمع كنائس الشرق الأوسط رغم إقرار جميع الكنائس الكاثوليكية خاصة بعد البيان المسيحاني المشترك لعام 1994 بأصالة ورسولية كنيسة المشرق الآشورية.

يجب عدم تضيع الممكن من أجل غير الممكن:
لو أمكن تجاوز الأمور والتعقيدات الشخصية والمخاوف من التأثيرات المعنوية على هيبة الكراسي الكنسية لوجدنا بأن هناك الكثير من الممكنات التي يسهل تحقيقها بين جميع فروع (كنائس) المشرق مهما كانت قوة وتأثير الحواجز الصلدة (غير الممكنات) التي ذكرناه في أعلاه. وأولها وأبسطها وأسهلها هو "فنجان قهوة"!! وما قصدته هنا هو أنه من الممكن جداً في كل سنة أن يجتمع قداسة بطاركة فروع كنيسة المشرق لمجرد اللقاء وإحتساء القهوة فقط من دون الدخول في أية مناقشات أو جدالات كنيسية ولاهوية في تحقيق الوحدة بينهما وتعميم مثل هذا الإجتماع في وسائل الأعلام العامة، والقصد من فنجان قهوة ليس بمعاناه المعروف بل أستخدمته كرمز للقاء والضيافة بين الناس. قد تبدو السذاجة في هذا الأمر ولكن من المؤكد بأن مثل هذا اللقاء البسيط والممكن جداً سيترك إنطباعاً إيجابياً مؤثراً وقوياً على نفسية رعية فروع كنيسة المشرق وعلى أبناء أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" أنطباعاً يعكس لقاء الأخوة في الإيمان والكنيسة والأمة. مثل هذا اللقاء وإيجابيته المؤثرة أفضل بكثير من الأحباطات التي يصاب بها أبناء الكنيسة والأمة من جراء الأحاديث والإجتماعات والمباحثات عن وحدة فروع الكنيسة ولكن من دون نتيجة تذكر مما يخلق نوع من اليأس وفقدان المصداقية حول أي محاولة نحو الوحدة. فلا سلطة ولا ولاية الفاتيكان ولا فيتو الأقباط ولا إستقلالية كنيسة المشرق الآشورية تكون حائلة أمام لقاء حول "فنجان قهوة" الأخوي اللا لاهوتي.

تمعنت النظر جيداً في البيان الختامي لإجتماع بيروت لشهر أيلول لعام 1998 بين الكنيستين الكلدانية الكاثوليكية والمشرق الآشورية فعلى الرغم من تأكيداتهم على وحدة الكنيستين التي قلنا عنها بأنها غير ممكنة إلا أنني وجدت فيه من كلمات وطموحات ممكنة جداً يمكن أن تتجاوز إجتماع "فنجان قهوة". لقد ذكر المجتمعون بأن التعددية ضرورة حياة وسمة حضارية، متحاشين التطابق الشكلي وساعون نحو وحدة الإيمان ومبادئ ومثل وقيم في التنوع الذي أصبح اليوم واقعاً بسبب إنتشار الآشوريين والكلدان في كل مكان... أن مثل هذه الأمور ممكنة جداً وبعيدة عن الحواجز المانعة للوحدة، فلماذا نضيع الوقت والجهد ونفقد المصداقية ونزرع أمال في نفوس أبناء أمتنا وهي بعيدة أو مستحيلة المنال من خلال اللهث والركض وراء غير الممكن ونترك الممكن، خاصة عندما نعرف بأن إيمان الكنيستين وطقسهما متطابق تقريباً ولا حدود بينهما إلا حد إداري ومن صنع الإنسان. أن هذا الممكن جداً نراه في سيماء أباؤنا القديسين مار دنخا الرابع ومار لويس روفائيل الأول ساكو وفي تطلعهم الشديد نحو التقارب والتفاهم وإزالت الحواجز بين الكنيستين خاصة عندما نعرف جميعاً بأن الهجرة تعصف بأبناء أمتنا عصفاً قويا نحو المجهول وتضع الكنيسة قبل الأمة في متاهات مجهولة لا تحمد عواقبها. ومن يدرك هذه الأمور ومصاعبها وتحدياتها الماحقة عليه أن يدرك بأن تجاوزها وحلها ليس بالأمر السهل بل يتطلبها جهود ضخمة وتضحيات من الجميع، كهنة وعلمانيون، وعبر مراحل زمنية قد تطويل وقد لا نحصد نحن في هذا العصر نتائجها بل يحصدها أبناؤنا وأحفادنا، فالمهم هو أن يبنى الأساس ومن ثم تأتي الأجيال القادمة لتشييد البناء. هناك نظرية فلسفية تقول "أن تراكم وإستمرار الكم سيؤدي بالنتيجة إلى تغيير في النوع، فلو إسترشدنا بهذه النظرية في القول بأن إستمرار وتراكم اللقاءات وبشكل منتظم وعبر مراحل زمنية  فأنه بالنتيجة والحتم ستؤدي إلى تغيير نوعي قد يتمثل في تغيير الأسس الصلدة المانعة للوحدة التي ذكرناها في أعلاه أو تعديلها أو تطبيعها لتستقر على الطريق المؤدي إلى وحدة الفرعين (الكنيستين)، لأنه (ليث طالن  خلاص إلا بخوياذا) – أي لا خلاص لنا إلا بالوحدة ... مقولة ذكرها مثلث الرحمات مار روفائيل الأول في اللقاء أعلاه. وأخيراً نسترشد بقول ربنا يسوع المسيح "طوبى لفاعلي السلام فإنهم أبناء الله يدعون (متي 5/9). والسلام هو مفاتح الوحدة. وإيماننا قوي بقداسة بطاركتنا الأجلاء بأنهم يملكون مفاتيح السلام وهم اللذين يستطيعون صنع السلام والوحدة وما علينا نحن العلمانيين إلا أن نتبعهم، ومن لا يتبع السلام وصانعيه فهو الشيطان بعينه.


209
لا يا سعدي ... يا أبن عنكاوه ... لا
====================
أبرم شبيرا
لا يا سعدي ... لا ... لم يكن الوقت مناسباٌ لكي تغادرنا وأنت في قمة نشاطك المعهود به.. لا يا سعدي ... لا لا.. فالسنين القادمة كانت أمامك  والمزيد من العطاء المبدع كان بإنتظارك لتخرجها إلى النور ليعزز طريقنا نحن الذين زاملناك منذ زمن طويل... الزمن الذي بدأ في بداية السبعينيات من القرن الماضي في النادي الثقافي الآشوري.. الزمن الذي لم يكن قد غزا الشيب شعر رأسنا فكنا في قمة النشاط الشبابي أنت ومن معك من الماركسيين والشيوعيين من جهة اليسار والبعثيين من جهة اليمين ونحن اللذين كنا معروفين بـ "القوميين المستقلين" في الوسط. تارة يحتدم النقاش مع هذه الجهة وتارة أخرى مع الجهة الأخرى... فإذا كان النقاش مع البعثيين يشوبه الكثير من التذبذب والمواجهة والتحدي، فالنقاش معكم كان فكرياً جدلياً وموضوعياً رغم أن العاطفة القومية كانت ديدننا الأول والأخير في مواجهة الأفكار الماركسية والشيوعية ولكن النتيجة كانت في صالحنا جميعاً... في تطوير أفكارنا ومناهجنا القومية السياسية في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ العراق المعاصر لأننا كنًا نتعلم منكم ومن رفاقك الشيوعيين الذين كانوا من خيرة مثقفي وسياسي أمتنا في تلك المرحلة نتعلم منهم أمور كثيرة في الفكر وأساليب العمل السياسي وضمن أجواء محمومة بالكبت والقهر الفكري، فكانت لجنة أصدقاء الأدب الآشوري في النادي من الأطر الأدبية والفكرية الرائعة التي عملت أنت ورفاقك من خلالها في أعلاء شأن هذا النادي وريادته في مسيرة تطوير الأدب والثقافة الآشورية.

صورة تعود لنهاية عام 1970 مستلة من كتابي (النادي الثقافي الآشوري – 1970 -198 – مسيرة تحديات وإنجازات) ويظهر في الصورة المرحوم سعدي المالح في  الأول من اليمين وهو لا يزال في ريعان شبابه ولكن بنشاط محموم ومبدع منذ تلك الفترة يشارك كبار الأدباء والمثقفين من أبناء أمتنا.
=======================================================================
عندما أستبد نظام البعث العراقي بسلطته وبدأ بمطاردة المعارضين له من السياسين والمثقفين والأدباء أرتحل سعدي وأختفى كبقية زملاءه وشخصياً لم أعد أسمع عنه شيئاً غير أنه غادر إلى الإتحاد السوفياتي للدراسة والحصول على شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن ومن ثم سمعنا بأنه بعد سنوات وتخرجه من الجامعة  بدأ العمل كأستاذ لللغة العربية وآدبها في أحدى الجامعات الليبية، هكذا بدأ الترحال به بين دول العالم متنقلاً بين لبنان وكنداً حتى أستقر به المقام في مدينة مونتريال في كندا ومن هناك بدأ بإصدار جريدة المرآة الآسبوعية للجالية العراقية والعربية فكانت ذات شهرة واسعة بين هذه الجاليات شكلت مصدر رزق له في حياة الغربة الصعبة.
عاد الزمن دورته لنلتقي مرة أخرى في بيروت حيث تليقنا دعوة من الدكتور عماد شمعون رئيس الجبهة السريانية الثقافية في بيروت لحضور مؤتمره الثاني تحت عنوان (الآشورية، حضار ولغة وهوية شعب) والذي عقد في الأول من شهر مايس عام 1998 وشارك إلى جانب سعدي وأنا العديد من المثقفين والمفكرين والكتاب منهم المرحوم هرمز أبونا وسعيد لحدو وكابي موشي (المعتقل حاليا من قبل النظام السوري) إضافة إلى مشاركة بعض رجال الدين منهم مثلث الرحمات مار نرسي دي باز مطربوليت كنيسة المشرق الأشورية،  فشارك سعدي ببحثه القيم (الجذور الآشورية للكلدان) وشاركت أنا بموضوع (فصل الكنيسة عن السياسة) وتكللت أيام المؤتمر بالعديد من الندوات واللقاءات والمحاضرات كانت في معظمها من تنظيم وإدارة بعض من قادة المنظمة الديموقراطية الآثورية اللذين حضروا إلى بيروت لحضور المؤتمر أو المشاركة فيه أو من قبل الجمعية الثقافية الآشورية في بيروت.
 

صور أثناء فترة الإستراحة لمؤتمر (الأشورية، حضارة ولغة وهوية شعب) في بيروت
==================================================

يظهر بأن الحظ كان إلى جانبنا أن نلتقي مرة ثانية وبعد بضعة أشهر في السويد حيث تلقينا دعوة للمشاركة في المؤتمر الأول لجمعية آشور في السويد الذي أنعقد للفترة من 24 – 30 تشرين الثاني 1998 إلى جانب عدد كبير من المثقفين والكتاب والشعراء والفنانين حيث أتحف سعدي الحاضرين للمؤتمر بمحاضرة تحت عنوان (مدخل إلى تاريخ عنكاوه وضواحيها في عهود قبل المسيحية) وشاركت أنا بمحاضرة (الزعامة القومية في المجتمع الآشوري) وكان إلى جانبنا من المشاركين كبار المثقفين والأدباء والشعراء والبعض منهم يظهر في الصورة أدناه:
من اليمين: الفنان المبدع سامي ياقو ثم الكاتب سليم مطر، أبرم شبيرا، البرفسور د. ميخائيل عبدالله، الأديب المعروف ميخائيل ممو، فالفنان المبدع شليمون بيت شموئيل، ثم د. سعدي المالح و د. محمد البندر.
======================================================================
عاد سعدي من مؤتمر آشور إلى مونتريال وهو مفعهم بالأفكار والمشاريع ومتأثراً بكل ما جمعه بأصدقاءه وكبار أدباء ومثقفي شعبنا فوجد في جريدته الأسبوعية المرآة لا تشفي غليل عطشه وحبه للعمل لهذه الأمة.. كيف يكون سعدي بعيداً عن أبناء أمته أمر لا يمكن تصوره ولايحتمله هو، لذا بدأت المشاعر القومية تدغدغ فؤاءه وتعشش أكثر فأكثر في عقله فلم يستقر به الأمر إلا أن يترك جريدة المرآة ويؤسس دار نينوى للطباعة والنشر في مدينة مونتريال فبدأ بأصدار مجلة فصلية بأسم عشتار كمجلة فصلية حضارية ثقافية فكانت بكل معنى الكلمة مجلة ذات مستوى راقي من حيث الشكل والطباعة ومحتوياتها والمساهمين فيها. فصدر العدد الأول في شتاء عام 1999 وأحتوت على مواضيع مهمة وقيمة جداً ولكتاب ومثقفين وأدباء وفنانيين معروفين. غير أن صدور مثل هذه المجلة الراقية والمكلفة من حيث تحريرها وطباعتها وتوزيعها أمر لم يكن من السهل لشخص واحد أن يتحمل عنانها خاصة في مجتمع كمجتمعنا المتخلف من حيث الوعي القومي وأدراكه لأهمية الصحف والمجلات والإعلام في تطوير ثقافته ووعيه القومي والسياسي فبدأت العثرات المالية تتصدى صدور المجلة وبشكل منتظم، كما هو الحال في تاريخ معظم الصحف والمجلات التي أصدرها أبناء أمتنا، لذا وجد صاحب هذه المجلة الراقية نفسه في نضال مستميت من أجل أن تبقى هذه المجلة في النور وتصل إلى أيادي أبناء أمتنا فبعد مشقة وتضحيات جمة صدر العدد الثاني والثالث – ربيع وشتاء عام 1999 مدموجاً فكان ذلك آخر المطاف لهذه المسيرة القصيرة لعشتار ولكن الصعبة والمثمرة جداً حيث جمعت بين كبار مثقفي وكتاب وشعراء وأدباء أمتنا قلما نجدهم أو وجدناهم في المجلات والصحف الآخرى. ونظرة بسيطة لغلاف وأسماء المشاركين فيها وفهرست المواضيع المنشورة في العدد الأول تعوض عن الشرح المطول وتؤكد ما ذهبنا إليه أعلاه في وصف المجلة في كونها راقية وعظيمة ومن جميع الجوانب.


 
 

وبهذا يكون سعدي قد سطر مرحلة عظيمة في تاريخ صحافتها وأن كانت قصيرة إلا أنها كانت نموذجاً رائعاً لمجلة لا نجد مثيلاتها في معظم الصحف التي تصدر باللغة العربية. ولكن مع الأسف الشديد وبسبب العجز المالي لم يستطيع سعدي متابعة المسيرة الصعبة. وفي أحدى إتصالاتنا الهاتفية علم سعدي بأنه تم نقل خدماتي في الشركة التي أعمل فيها في لندن إلى دبي فقال لي بأنه على وشك أن يغلق دار نينوى للطباعة والنشر ومجلة عشتار التي يصدرها لأنه أفلسته ولم يعد له مصدر رزق فأستغربت لهذا الخبر المحزن وعندما أستفسرت منه عن السبب فذكر كلمة لازالت محفورة في ذاكرتي فقال (هذا مصير الذي يعمل بإخلاص وتنفاني من أجل أمته) وطلب منيً أن أجد له عمل في الإمارات العربية يتلائم مع مؤهلاته فجاء الحظ مرة أخرى أمامنا ليلم شملنا في الإمارات حيث أبلغته بوجود وظيفة شاغرة كرئيس تحرير لمجلة شهرية معروفة فتقدم لها عبر الإنترنيت وتم مقابلته من خلالها فمن بين العشرات من المتقدمين إلى الوظيفة ومنهم كبار الصحفيين والأدباء العرب والأجانب تم إختيار سعدي وتعينه بمركز رئيس تحرير المجلة... هكذا مرة أخرى جنباً إلى جنب بدأنا مسيرة أخرى من الأفكار والنشاطات واللقاءات والزيارات... وأتذكر منها الزيارة التي قمنا بها إلى بيت الأستاذ عبد المجيد حسيب القيسي في أبو ظبي مؤلف الكتاب المشهور(التاريخ السياسي والعسكري للأثوريين في العراق) الذي طبع عدة مرات وكتبنًا عنه بعض التعليقات والردود. وسعدي مثله كمثلي كان يحب الإختلاط بأبناء أمته ويحضر مناسباتهم وأعيادهم فكنًا مع البعض نزور الأصدقاء وبعض من أبناء أمتنا المتواجدين في الأمارات أو نقوم برحلات بحرية أو صحراوية جعلتنا أن نقضي أيام ممتعة غير قابلة للنسيان...     

بعض الصور عن الزيارات للأصدقاء والسفرات خلال عام 2000
======================================
من الأخبار المثيرة التي كانت قد أثيرت إهتمامنا بشكل كبير في تلك الفترة هو نشر خبر في الصحف الإماراتيةعن إكتشاف أثار دير قديم لكنيسة المشرق في جزيرة صر بني ياس تابعة لإمارة أبو ظبي تبعد عن البر بحدود 7-10 كلم وعن مدينة دبي بحدود 400 كلم قيل بأن تاريخه يعود إلى نهاية القرن الثالث الميلادي، وفي أماكن أخرى قيل بأن تاريخ إنشاء الدير هو منتصف القرن السابع الميلادي وأنشأ من قبل الراهب يوحنان من رهبان هذه الكنيسة الذي قدم من جنوب بلاد مابين النهرين للتبشير بين صيادي الجزيرة. كان موضوع هذا الخبر هاجساً سيطر على عقلنا وشدً فينا رغب زيارة هذا الدير وبقينًا ننتظر الفرصة السانحة للقيام بهذه الزيارة حيث لم تكن مثل هذه الزيارة مسموحة لعامة الناس لأن الجزيرة كان محمية طبيعية وكانت جامعة نورويج البريطانية تقوم بالحفريات الأثارية في موقع الدير. في تلك الفترة أنعقد مؤتمر عن البيئة في أبو ظبي ودعي إليه الكثير من علماء البيئة والصحفيين ومنهم سعدي بأعتباره رئيس تحرير للمجلة وكان من ضمن برنامج المؤتمر زيارة هذه المحمية الطبيعية. خبر سار وعظيم جداً بلغني به سعدي وأدرج إسمي من ضمن الوفود الزائرة للجزيرة فكانت الزيارة يوماً رائعاً في مشاهدة المحمية غير أنها لم تكتمل بالكامل لأنه لم يسمح لنا بدخول موقع الدير غير أن نطل عليه من خلف السياج المحيط به. على العموم بعد عقد من الزمن وأكثر سنحت الفرصة لي مع بعض الآشوريين في الإمارات لزيارة موقع الدير ومعنا نيافة مار كوركيس صليوا مطربوليت كنيسة المشرق الأشورية في العراق.   

د. سعدي المالح  يناقش موضوع الدير القديم مع مسؤولة الملحقية الثقافية في السفارة الأمريكية في أبو ظبي والمستشارة الصحفية للسفارة المصرية في أبو ظبي أثناء الزيارة لمحمية جزيرة صر بني ياس في إمارة أبو ظبي.
=======================================================================
نشاطات وفعاليات سعدي خلال فترة تواجده في الإمارات كانت كثيرة ولم تقتصر على الصحافة فحسب بل شارك في الكثير من اللقاءات والندوات وألقى بعض المحاضرات ومن أههما المحاضرة التي ألقاءها في إتحاد الكتاب والأدباء في أبو ظبي في منتصف عام 2000  وحتى لا أطيل على القارئ الكريم من تكرار ما سبق وأن كتبنا عن هذه المحاضرة أقول بأن الصحف اليومية الكبرى في الإمارات نشرت خبر هذه المحاضرة ومنه نص ما نشرته جريدة الخليج اليومية.

أساطير كلكامش وتواريخ آشور وحكايات عنكاوا في محاضرة د. سعدي المالح
===========================================================
المثقف الملتزم الأصيل يبقى أصيلاً مهماً مهما تغيرت به الظروف المحيطة به، فهكذا هو حال بعض المثقفين الآشوريين الذين دفعتهم صعاب الحياة المعاصرة إلى الإنتقال من مكان إلى مكان ولكن ... نعم... ولكن مع ثبوت راسخ في القيم والمعتقدات والأفكار التي آمنوا بها وألتزموا بها في مناهجم الفكرية والعملية. فاذا كانت متطللات الخبز اليومي قد دفعت بعض المثقفين الآشوريين إلى العمل والإقامة في دولة الإمارات العربية المتحدة فإن هذا لم يحولهم إلى الابتعاد عن الساحة الثقافية والفكرية بل على العكس من ذلك ظلوا نشطين منتجين، ومن بين هؤلاء الكاتب والأديب الدكتور سعدي المالح .

ففي مساء يوم الإثنين المصادف 8/5/2000 نظم اتحاد الكتاب والادباء في أبو ظبي محاضرة للدكتور سعدي المالح تناول فيها تجربته الأدبية والظروف التي أثرت عليها من خلال معايشته لحياة الناس في قريته عنكاوا ومن ثم ترحاله عبر أقطار عديدة ومختلفة كما تضمنت المحاضرة قراءة لقصته الجديدة والتي تلتها قراءة نقدية أخرى لاستاذ النقد الادبي الدكتور سليمان قاصد، حضر الأمسية مجموعة من المهتمين بالأدب والثقافة كما حضرها عدد من المثقفين الآشوريين المتواجدين في دولة الإمارات العربية .

وقد تناول الصحف الرئيسية كالاتحاد والبيان والخليج هذا الحدث بالعرض والتحليل ولتعميم الفائدة نعيد ما نشرته جريدة الخليج اليومية بهذا الصدد .



بعد أقل من سنتين من العمل كرئيس لتحرير تلك الصحيفة ترك سعدي عمله وغادر إلى كنداً ليبدأ من هناك مشواراً آخر جديد يربطه بمدينته المفضلة بيروت فأصبح متنقلا بينها وبين مونتريال لوضع أسس جديد لكيان ثقافي وأدبي غير أن سقوط الصنم البعثي في العراق فتح الطريق أمامه ليعود إلى موطنه... إلى مسقط رأسه ليستمر من هناك مرة أخرى فواصل العمل حتى أستقر به المقام على موقع المدير العام للثقافة والفنون السريانية موقع مناسب لشخص مناسب غير أن المنية قطعت الطريق عنه ليكمل المسيرة فتركها من دون فارس يقودها نحو الأمام تاركاً لي شخصياً ذكريات جميلة وممتعة وربما بعضها مرة وخشنة ولكن كنًا قادرين على بلعها وهضمها من دون أن تؤثر على مسيرتنا الفكرية والثقافية... أتذكر بهذا الخصوص كنت أجادله عن لقبه (المالح) فكنت أقول له أما أحد أجدادك كان يعمل في جمع الملح وتجارتها أو كان أحد مستشاري الملك الآشوري في قلعة أربيل (قلا ليتا – التي جاء منها عائلة قليتا) وأن المالح مشتق من كلمة (مالوخا) أي المستشار بالسريانية وترجم خطاً إلى العربية بـ (المالح)  فكان يفضل التفسير الثاني على الأول وفي معظم الأحيان لم أكن أسميه بأسمه المعروف بل كنت أناديه أما (برت عنكاوه – أي أبن عنكاوه) أو (برت مالوخا ـ أي أبن المستشار) فكنا نضفي على مناقشتنا الجادة والمملة في بعض الأحيان نوع من المزحة والفكاهة لغرض تلطيف الأجواء بيننا.
هذا ما تسمح به هذه الصفحات القليلة للكتابة عن مسيرة الراحل عنا الدكتور سعدي المالح الطويلة ولكن رحيله لم يكن خاوياً بل ترك لنا أرثاً ضخماً وثميناً من الإنتاجات الأدبية والثقافية وكان الكثير في أنتظاره وهذا الذي جعلنا أن نصرخ عند سماع خبر وفاته أن نقول لا يا سعدي ... لا... فالوقت ليس مناسباً لرحيلك. رحمك الله وألهم عائلتك بالصبر والسلوان مفعمة برحمات ربنا يسوع المسيح.

210

المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري و الحركة الديموقراطية الآشورية
وجهة نظر مقارنة


أبرم شبيرا

كمراقب ومهتم بالشأن السياسي القومي لأمتنا "الكلدانية السريانية الاشورية" وبالنشطاء والفاعلين على الساحة القومية لايمكن أن نضع الأمور في نصابها الصحيح والمنطقي إلا أن نلتصق بالواقع ونكتشف منه، وبنظرة موضوعية لا إنحيازية، الحقائق كما هي لكي نمتلك الحد الأدنى من المنطق والقبول لوجهة نظر أو رأي في مسألة معينة خاصة المسألة القومية السياسية التي يحتدم فيها النقاشات والمناطحات الفكرية والتي بعضها تخرج عن أطارها العلمي وحتى الإخلاقي المعروف في تناول مثل هذه المسائل المهمة. خلال أيام القليلة الماضية أحتفل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (المجلس) بالذكرى السابعة لتأسيسه، وشأن ونشاط هذا المجلس خلال هذه السنوات القليلة في حياته السياسية مسألة لا يمكن أن تمر على المهتم بالشأن السياسي القومي لأمتنا إلا أن يتفحصها وبنظرة موضوعية مهما كان موقفنا منه إيجابيا أو سلبياً فهذا شأن فكري ذاتي وشخصي أما الوقائع التي تدخل في الدائرة الموضوعية فهي خارج النطاق الذاتي والشخصي وبعيدة بمسافات متعدة بتعدد الأراء والأفكار عن البحث العلمي الواقعي والرصين.

تأسس المجلس قبل سبع سنوات، أي في عام 2007 وفي منطقة الحكم الذاتي لكردستان العراق ولهذا التاريخ وما قبله مدلولات وإستنتاجات منها أن هذا التاريخ هو بعد سقوط الصنم البعثي في عام 2003 وما لهذا السقوط من تداعيات وإفرازات على المتسوى السياسي. وما يهمنا نحن هو تأسيس العديد من الأحزاب السياسية وظهور منظمات بمختلف توجهاتها السياسية والإجتماعية والثقافية وحتى الطائفية والعشائرية ومنها المجلس وبالتالي هيمنة التخبط وضياع الفكر السياسي القومي الرصين في النزاعات التي نشبت بين هذه الهايكل الجديدة والقديمة من أجل إقتناء كرسي برلماني أو حكومي واللهث وراء المصلحة الذاتية والشخصية من دون أعتبار للمصلحة القومية التي يتطلبها حد أدنى من التفاهم والتعاون وربما التحالف لتحقيق مثل هذه المصلحة خاصة في الظروف المأساوية الحالية التي يمر بها أبناء شعبنا. الملاحظ أيضا بأن هذه الأحزاب والتنظيمات بما فيها المجلس قد تأسسوا  في منطقة الحكم الذاتي حيث وفرت السلطة فيها هامشاً ديموقراطياً أتاحت الفرص لتأسيس الأحزاب والتنظيمات أو تزايد نشاط غيرها المتواجدون على الساحة السياسية قبل هذا التاريخ.  والظاهر للعيان أنه تقريباً معظم اللذين أسسوا هذه الأحزاب والتنظيمات بعد عام 2003 لم يكونوا معرفين على الساحة السياسية القومية ولم تكن لهم تجارب في هذا الحقل أو لهم علاقات وطيدة بالأحزاب والتنظيمات القائمة قبل 2003 أن لم نقل بأنهم كانوا يعادون قيام الأحزاب في أمتنا سواء خوفاً من النظام البعثي أو جهلاً بأهمية الأحزاب في حياة كل أمة، لا بل وكان البعض من هؤلاء أعضاء في أحزاب سياسية عراقية كالحزب الشيوعي العراقي أو الديموقراطي الكردستاني (البارتي) وحتى حزب البعث العراقي أو بقوا يحملون الإنتماء المزدوج بين الحزبين بعد تأسيس أو الإنتماء إلى الحزب الجديد. الأهم من كل هذا وذاك الذي يشترك به معظم الأحزاب والتنظيمات التي تأسست بعد عام 2003 مع المجلس هو أن هذا الأخير ينفرد بصفة فريدة ونادرة هي أن تأسيسه جاء على يد أو بتوجهات أو بإدارة أو بمبادرة شخصية تحتل منصباً حزبياً ورسمياً رفيعاً وهو السيد سركيس أغاجان الذي كان كادراً متقدماً في البارتي ووزيرا للمالية ونائباً لرئيس الوزراء ومقرب إليه. وقد يشارك مع المجلس هذه الصفة والإزدواجية الحزب الديموقراطي الكلداني الذي أسسه السيد عبد الأحد أفرام وهو أيضا كان من كوادر البارتي المتقدمة إلا أنه لم يستطيع تحقيق أية خطوة على الساحة السياسية القومية بعكس الحال مع المجلس وربما يكون سبب إخفاق الحزب الديموقراطي الكلداني على الساحة السياسية هو تبنيه للتسمية الكلدانية المفردة بعكس الحال مع المجلس الذي تبنى التسمية المركبة التي كانت صالحة ومفيدة في منافسة زوعا وكسب شعبية على جميع المستويات الكلدانية والسريانية والاشورية، كما أن وجود منافس واحد وقوي وفاعل في مواجهة زوعا أحسن وأكثر عملياً من منافسين وتشتيت الجهود، خاصة بعد ترك قيادة زوعا لمنطقة الإقليم وتوجهها نحو بغداد ودخولها في تحالفات مع القوى السياسية الفاعلة هناك فكان هذا أمراً مطلوباً لملئ الفراغ النسبي الذي تركته زوعا في الأقليم، ولربما جاء تأسيس المجلس في سياق ملئ هذا الفراغ.

وعلى المستوى الرسمي، جاء المجلس من بين كل الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية التي تأسست بعد عام 2003  ليبرز كلاعب كبير ومتميز وفاعل على الساحة السياسية القومية في حين لم تستطيع بقية الأحزاب والتنظيمات من مجاراته حتى الأحزاب السياسية العتيدة التي تأسست قبل هذه التاريخ ولها تاريخ سياسي طويل مثل حزب بيث نهرين الديموقراطي (كبًا) والحزب الوطني الآشوري (أترنايا) بإستثناء الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) الذي نافسها نداً بند وعلى مختلف الأصعدة الرسمية والشعبية. ففي الوقت الذي كانت زوعا وحدها على الساحة القومية حصلت عام 1992 أربعة مقاعد من 5 مقاعد المخصصة للكوتا "المسيحية" في برلمان إقليم كردستان والمقعد الآخر أقتنص من قبل البارتي عبر وجه "مسيحي" مع حصول  زوعا أيضا على مقعد في الوزارة  في حين نرى بأنه أصبح لها في إنتخابات عام 2010 مقعدين ومن دون وزارة بعد أن حصل المجلس على ثلاث مقاعد مع منصب وزاري. وفي الإنتخابات البرلمانية لهذا العام 2014 لإقليم كردستان أحتفظت زوعا بالمقعدين مقابل المجلس الذي تقلص مقاعده من ثلاث إلى أثنين وحصول المنافس الجديد الآخر لزوعا: كتلة أبناء النهرين على المقعد الآخر من الكوتا. والمنافسة محتدمة ولم تحسم بعد على كرسي الوزارة في الكابينة الجديدة لأقليم كردستان.أستمرت هذه المنافسة بينهما حتى في  إنتخابات البرلمان المركزي في نهاية شهر نيسان الماضي 2014 حيث حصل كل منهما على مقعدين والمقعد الخامس من الكوتا حصل عليه الحزب الشيوعي العراقي عبر ممثله المسيحي. وكان المجلس قد دخل الساحة القومية منذ تأسيسه بمطالب وإنجازات تظهر في شكلها العام كمواجهة ومنافسة لزوعا.. جاءت قناة عشتار الفضائية للمجلس مقابل فضائية آشور لزوعا التي أنقطعت خلال فتراتها حتى أختفت بسبب ظروفها المالية كما قيل، وجاء مطلب المجلس للحكم الذاتي مقابل مطلب زوعا في الإدارة المحلية لسهل نينوى ثم جاءت التسمية الشاملة والمركبة لأسم المجلس مقابل التسمية المفردة لزوعا... وهكذا حتى تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية لم ينجو من هذا التنافس الذي شله تقريباً. ولو أخذنا الإنتخابات والفوز بالمقاعد في البرلمان كمعيار لقياس مدى قوة الحزب سنرى بأن هناك تنازلاً وتقلصاً في المواقع البرلمانية لزوعا من عام 1992 لغاية عام 2014 فمن اربعة مقاعد ثم إلى إثنان في الأقليم ومن ثلاثة مقاعد إلى أثنين في المركز وبقاء نفس الوجوه تقريباً وعلى نفس الخط التنازلي وهو الأمر الذي يستوجب على قيادة زوعا النظر فيه بجدية وضخ مسيرتها بدماء جديدة وإلا فالخط التنازلي سيستمر في الإنتخابات القادمة وسيصبح حالها كحال رجل متقاعد طاعن في السن لا يعمل شيء غير إستذكار أيام شبابه المفعمة بالحيوية.     

لو أي باحث في الشأن السياسي القومي حاول مقارنة هذا التنافس المتوازن والند بالند بين كل من المجلس وزوعا مع الواقع والخلفية التاريخية والسياسية لكل منهما لوقع في حيرة من أمره ولا يخرج منها إلا بفرضيات غير مؤكدة.  فزوعا تأسست عام 1977 وبفعل عناصر قومية شبابية ومثقفة معروفة ضمن تجمعات صغيرة وعبر مراحل لم تكن من السهل العبور من خلالها حتى تم ولادة تنظيم زوعا من مخاض صعب وعبر ظروف قاسية ونظام إستبدادي. كما أن زوعا شاركت في النضال السلبي والكفاح المسلح وتحالفت مع المعارضة العراقية بهدف إسقاط النظام البعثي في العراق وقدمت شهداء كثر وتخرج من مدرستنا كوادر سياسية مثقفة سواء بقوا منضمين إليها أو تركوها كما أن زوعا عقدت عدة مؤتمرات حزبية عامة تعتبر بكل المقايس العلمية المعروفة في دراسة الأحزاب السياسية مؤتمرات قياسية في تاريخنا القومي السياسي سواء من حيث التحضير لها وحضور المندوبين وتشكيل اللجان المختصة وأساليب إتخاذ القرارات وإنتخاب القيادات وتوزيع المسؤوليات. وأخيراً وليس آخراً لا أحد يستطيع أن ينكر بأن لزوعا الفضل الكبير في نشر الوعي القومي الصحيح بين أبناء أمتنا وأبراز قضيتنا القومية على الساحة السياسية الوطنية والعالمية وأعتبرها الكثير من المثقفين والكتاب ظاهرة حزبية فريدة من نوعها في تاريخنا السياسي المعاصر.

أما المجلس الذي يعتبر فتياً (7 سنوات) في مقارنته مع زوعا (35 سنة) فقد تأسس في ظروف مريحة وتحت ظل نظام سياسي يوفر هامشاً من الديموقراطية لتأسيس الأحزاب السياسية وممارسة نشاطاتها ولم يمر قبل تأسيسه الرسمي بمراحل صعبة مختلفة حتى يولد المجلس بل ولد بقرار قطعي وحاسم  أتخذه بعض الشخصيات وقد يكون مثل هذا القرار مبادرة مباشرة من السيد سركيس أغاجان أو بتوجهات من الجهة التي ينتمي إليها (البارتي) وهذا ليس مستبعداً لأنه لا يوجد في العالم كله حزب يسمح لأحد كوادره أن يقوم بتأسيس تنظيم أو حزب من دون حصول موافقة الحزب الذي ينتمي إليه ويستوجب أن يكون فكر هذا الحزب الجديد غير متجاوز لحدود أجندة الحزب الآخر السياسية والأيديولوجية وإلا فصل من حزبه الأصلي. من هذا المنطلق  يصبح المجلس موضوع شك وريبة عند البعض من منتقديه ومهاجميه على كونه من صنيعة البارتي وأداته السياسية في التعامل مع الشأن "الكلداني السرياني الآشوري". ويميل هذا الشك أكثر فأكثر نحو تأكيد تبعية المجلس للبارتي مستنداً على الأموال الضخمة جداً التي توفرت للمجلس وإستخدمها في نشاطه السياسي والقومي المنافس لزوعا مثل قيامه بخدمات كثيرة وضخمة كإعادة بناء القرى وتوفير الخدمات الطبية ومساندة المؤسسات الدينية والثقافية وإنشاء محطة تلفزيونية (فضائية عشتار) والتي تعتبر لحد هذا اليوم من أنشط وأنجح الفضائيات في مجتمعنا والجميع يعرف بأن لا أحد من مؤسسي المجلس ولا من مناصريه يملك الملايين من الدولارات لكي تكرس لخدمة المجلس لهذا السبب بقى مصدر هذه الأموال الضخمة مجهولاً لحد هذا اليوم رغم كون هناك إشارات وتلميحات بأن مصدرها هو البارتي، خاصة في فترة كون السيد سركيس أغاجان وزيرا للمالية والتي تقلصت هذه المبالغ بعد إنتهاء مهمته كوزير، أو هي من جمعيات خيرية عالمية خصصت هذه المبالغ لمساعدة المسيحيين في العراق، هذا الغموض جعل الشكوك حول تبعية المجلس للبارتي تقترب من الحقيقة.

مهما كان مصدر تأسيس المجلس وأمواله الضخمة فإن هذه الحقيقة الموضوعية للمجلس يجب أن لا تجعلنا أن نغض الطرف عن الجانب الآخر من الحقيقية الموضوعية، فالواقع الظاهر للعيان، أتفقنا معه أو لا فهذه ليست مشكلة الحقيقة الموضوعية بل مشكلة الشخص الناظر إليها، أن المجلس أستطاع خلال فترة قصيرة من عمره السياسي أن يكتسب شعبية واسعة في مجتمعنا وهي المصدر الذي أهلته أن يدخل الإنتخابات البرلمانية بقوة وكثافة ويفوز بمقاعد منافساً بذلك الحزب العتيد زوعا  فأنحصرت المنافسة بينهما وكأنما أصبحنا أمام نظام الحزبين المعروف في العالم. أستطاع المجلس أن يستغل الأموال الصخمة المتاحة له في كسب ود ورضى الكثير من كبار رجال الدين كما  أستطاع أن يستغل الأموال في تعمير بعض القرى "المسيحية" والتي عجز زوعا عن القيام بهذه المهمة فترك بذلك إنطباعاً قوياً لدى أبناء أمتنا بأن المجلس فعلاً يعمل من اجلهم ويحقق إنجازات على الأرض. ولكن بالمقابل يظهر بأن الأموال الطائلة التي صرف في تعمير هذه القرى لم تقم على جدوى إقتصادية ففائدتها كانت محدودة جداً، أما بسبب العدد القليل الذي سكنها أو هي بيوت لعطلة نهاية الأسبوع للبعض الآخر الذي يعيش في المدن الكبيرة لأن هذه البيوت تفتقر إلى البنية التحتية وإلى مصادر عيش ساكنيها. فكان من المفترض أن تقام في أول الأمر بنى تحتية وإنشاء مشاريع إقتصادية تكميلية للمحاصيل الزراعية التي تزرع في هذه القرى تكون مصدر عيش لسكانها وضمان لإستقرارهم فيها. ولكن يظهر بأن هذه الموضوع، تعمير القرى، كان لغرض بناء شعبية واسعة للمجلس والقيام بمهمة عجز منافسه زوعا القيام بها وقد نجح فيها تقريباً. وقد يكون أيضا لهذه البيوت غير العملية نية سياسية مبيتة لبيان بأن الكرد عامة والبارتي خاصة يعملون المستحيل من أجل المسيحيين في المنطقة يعمرون قراهم ويبنون لهم البيوت ولكن لا يسكنوها بشكل كامل  ليظهر مثل هذا الإدعاء كغطاء للتجاوزات الواسعة على أراضي المسيحيين وتبرير التغيير الديموغرافي لمناطقهم التاريخية.   

على العموم لقد سبق وقلنا بأن الأمة التي لايوجد فيها أحزاب سياسية وتنظيمات قومية نشطة وفاعلة ومخلصة ستصبح إرادة هذه الأمة مرهونة بإرادة الأمم الأخرى... والحق يقال بأن المجلس مع زوعا نشط وفعل على الساحة القومية إلا أن رغم كل التهم الموجهة إليه في تبعيته للبارتي  فأنه في الظاهر لم تثبت هذه التبعية من خلال ممارسته لعمله السياسي وقد يكون هناك نوع من التعاون والتكامل مع البارتي، كما يفعل زوعا مع غيرها من القوى السياسية العراقية وهو أمر طبيعي في الحياة الحزبية من أجل تحقيق مصلحة معينة إلا أن هذا لا يكفي لإثبات تهمة التبعية. فعلى سبيل المثال لا الحصر لقد سمعنا وقرأنا بأن ممثلا المجلس في البرلمان المركزي المنتهي ولايته كانا قد غادرا جلسات المجلس عند طرح الموازنة العامة للمناقشة، وبرر المجلس غيابهما في كونهما في مهمة رسمية أو في إجازة،  فتعرض المجلس إلى إنتقادات شديدة من قبل البعض واصفين أياه بالتبعية للبارتي معتمدين على مغادرة أو غياب ممثلي الكتلة الكردستانية لهذه الجلسات لأن هذه الموازنة لم تكن منصفة لإقليم كردستان. ولكن بالمقابل كلنا نعلم بأن غالبية أبناء أمتنا موطنهم هو في هذا الإقليم إذن بعبارة أخرى كانت الموازنة غير منصفة بحق أبناء أمتنا أيضا ومن غادر جلسات البرلمان أو رفض الموازنة كان تصرفاً صحيحاً من منظور المصلحة العامة لأمتنا أما من نظر إلى هذا التصرف كأنه فعل خاطئ وأستخدم غياب ممثلا المجلس عن الجلسات لأقامة تهمة تبعية المجلس للبارتي فأنه، مع الأسف، نظر إليه من منظار ضيق شخصي أو حزبي، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على زوعا عند تحالفه مع القوى الشيعية أو غيرهم فيما إذا كانت مصلحة أمتنا من وراء هذا التحالف. في إنتخابات شهر نيسان الماضي، وضمن كراسي الكوتا "المسيحية" فاز المجلس بمقعد أربيل – عاصمة إقليم كردستان – وفازت زوعا بمقعد بغداد – عاصمة العراق -  افهل يمكن أن نفسر هذا الفوز بتبعية المجلس إو تحالفه مع الكورد والبارتي وكذلك بتبعية أو تحالف زوعا مع القوى الشيعية وعلى رأسها نوري المالكي؟؟.. ربما!!     

هناك نقطة مهمة جديرة بالمقارنة السياسية والحزبية بين المجلس وزوعا منظوراً إلى هيكلهم التنظيمي. فالمجلس يشبه كثيراً الأحزاب المعروفة بالهيكلية، أي التي لا تنشط إلا في وقت الإنتخابات والمناسبات العامة، فطبيعة هيكلها التنظيمي بعدم وجود خلايا وتنظيمات منتشرة في جميع أمكان تواجد أبناء شعبنا سواء في الوطن أم في المهجر تجعله أن لا ينشط جماهيريا وعلى الدوام غير وجود له فرع هنا وهناك. فحين على العكس من هذا فتظهر زوعا كحزب سياسي متكامل من جميع الجوانب التنظيمية إبتداءاً من لجنته المركزية وسكرتيرها العام إلى أصغر خلية أو منظمة أو فرع إضافة إلى تنظيمات وهياكل أخرى منظمة إليه أو تابعة له من خارج هيكلها التنظيمي كالإتحادات النسائية والطلابية والشبابية والخيرية وغيرها. أما من حيث الرئاسة أو القيادة فالمجلس ينفرد بحالة فريدة من نوعها ليس في مجتمعنا ولا في العراق وربما ولا في العالم أيضا وهو أن هيئة رئاسته تتكون من ثلاثة أشخاص محددين بالتسميات الثلاث (كلداني وسرياني وآشوري) ويتناوب كل واحد منهم على رئاسة المجلس لمدة ثلاثة أشهر فهذا أمر رغم صفة القيادة الجماعية الظاهرة فيه إلا أنه غريب جداً حيث أن فترة الأشهر الثلاثة لا تكفي إطلاقاً لممارسة أمور القيادة وخوض التجارب وإكتساب خبرتها كما أن أمر إنتقال هذه الخبرة من أحدهم إلى الآخر خلال هذه الفترة القصيرة تكون غير مكتملة ولا يمكن ضمانها لإستمرار نفس السياسية والنهج في التعامل مع الجماهير أو مع غيره من القوى السياسية. هذه الصفة في القيادة الجماعية وبفترتها القصيرة ستحجب إمكانية بروز زعيم أو قائد متمكن وبارز في القيادة ومن جانب آخر تحجب بروز القائد الأوحد أو الزعيم الكاريزمي وبالتالي ظهور الدكتاتور. وإذا ذهبنا مجازاً مع الشكوك القائلة بأن المجلس مصنوع من قبل البارتي وأن السيد سركيس أغاجان هو المؤسس الحقيقي ووكيل البارتي لهذا المجلس فإذن من مصلحة البارتي أن لا يبرز في المجلس زعيم مقتدر ذات صفة كرازميتة آخر قد ينافس السيد سركيس أغاجان على زعامته، ولربما يقول البارتي """ كفانا شرور يونادم كنا"""  أو قد يكون هذا الأسلوب الجماعي كسلاح في يد البارتي والمجلس لمحاربة غريمه زوعا لبيان أن زعامة السكرتير العام لزوعا هي قيادة فردية دكتاتورية وأن للمجلس قيادة جماعية. بعكس الحال في زوعا حيث أن أسلوب إنتخاب السكرتير العام من قبل الهيئة العامة للمؤتمر يخلق زعيم كاريزمي ويظهر كانه القائد الأوحد لا بل قد تتمادى سطلته لتتجاوز وتصل حدود الديكتاتورية وهو الأمر الذي عفى عليه الزمان وطلبنا في مقترحاتنا لزوعا عدة مرات تغيير النظام الداخلي وجعل إنتخاب السكرتير العام من قبل اللجنة المركزية المنتخبة وليس من أعضاء المؤتمر العام ولدورات محدودة مقطوعة بفترات زمنية محددة يتم خلالها التناوب في القيادة من دون أزاحة المجربين والمقتدرين خارج دائرة القيادة. ولا أدري إذا كان يصح لنا أن نقول بأن فوز المجلس بمقعدين في الإنتخابات البرلمانية المركزية لهذا العام بشخصتين جديدتين لهم صفة أحترافية تكنوقراطية أكثر من كونهما سياسيين محنكين كما أن تغيير المجلس للممثليه في هياكل الدولة وبقاء زوعا محتفظاً بنفس الوجوه, وربما تبادل الأدوار على المستويات البرلمانية والوزارية ليبقى (نفس الطاس ونفس الحمام) أن يفهم في هذا السياق أي تناوب السلطة في المجلس وإستمرارها في زوعا. ويبقى إنعقاد المؤتمرات العامة للمجلس وزوعا موضوع آخر يستوجب المقارنة. فزوعا كحزب سياسي متكامل تكون معظم مؤتمراتها قائمة على حضور المندوبين والكوادر المتقدم وأعضاء اللجان العليا ولا يحضرها غيرهم ويستمر المؤتمر أكثر من يومين أو ثلاثة أو أربعة وتتم فيه إنتخاب أعضاء اللجان المختصة لتدارس مختلف المواضيع المطروحة في جدول المؤتمر ويتم التحضير له قبل فترة ليست بقصيرة. أما مؤتمرات المجلس، وهذا ما شاهدناه وسمعناه من غيرنا، بأنه لا ينعقد إلا ليوم أو يومين ويكون أشبه بمهرجان خطابي ويحضرها عدد من غير أعضاء المجلس سواء كضيوف أو مستشارين أو بعض الشخصيات المعروفة في المجتمع وهذا أمر لا نستغربه كثيرا لأن هذا الأسلوب يتناسب مع الطبيعة التنظيمية للمجلس.

وأخيراً أكتفي بهذا القدر وأخلص إلى أن أعيد وأكرر ما سبق ذكره بأن الغرض من هذه المقارنة ليس تفضيل هذا الحزب على ذاك وإنما هو إستبيان كينونتهم وطبيعتهم التنظيمية ونشاطهم السياسي ومنافستهم ضمن أطر معينة مقبولة التي يجب أن لا تتجاوز الحدود المعروفة في التعامل بين الأخوة والسائرين على نفس الطريق الذي هو حتما طريق شائك وصعب يستوجب التضمان والتعاون من أجل الوصول إلى الحد الأدنى من المصلحة القومية فإذا كنا فعلاً نحب أمتنا ومصلحتها العامة يجب أن نكترث لتنظيامتنا القومية والسياسية وحتى الدينية لأن الغير لا يتعرف على أمتنا ولا يميز حقوقها المشروعة إلا من خلال هذه التنظيمات والأحزاب. من هذا المنطلق نرغب رغبة شديدة أن يكون لنا أحزاب سياسية نزيهة ومخلصة وتعمل من أجل هذه الأمة وليس من أجل مصلحتها الخاص. 


       


211
أين الفاتيكان والكاثوليكية العالمية من نكبة كنيستنا الكلدانية ؟؟؟
=============================================
أبرم شبيرا

جاءت صرخة أبينا السامي مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في وصفه لأوضاع الكنيسة المأساوية بـ "النكبة" والناجمة عن تناقص أعداد المؤمنين في موطنها الأصلي، بيت نهرين بسبب التهجير المفروض عليهم من الأوضاع المفجعة التي تحيط بهم من جميع الجهات وتدفعهم نحو ترك الوطن والهجرة إلى بلدان الإغتراب، جاءت هذه الصرخة المؤلمة والموجعة لتعكس المعاناة والمأساة المحيطة بهذه الكنيسة في وطنها التاريخي لتعبر وبعمق عن أصالة البطريرك وإلتصاقه بكنيسته وبأبناءها وبكل المعاناة والمشقات التي تواجهها ليتحملها ويستمر في تحملها ومن دون تردد أو تراجع... يذكرني هذا الموقف بالموقف الذي وقفه أحد أباء كنيستنا المشرقية عندما كانت المذابح تفعل فعلها في أبناءها في القرون المظلمة الماضية وطلبوا منه بعد فراغ كرسي البطريركية لعدة سنوات أن يتولى كرسي البطريركية فقال لهم "من يشتهي كرسي البطريريكة في هذا الزمان". نعم من يشتهي كرسي البطريركية في الظروف المأساوية المميتة المحيطة بالكنيسة وبعموم المسيحيين  في العراق غير الإنسان المؤمن والشجاع والنبيل.

أين الفاتيكان والكاثوليكية العالمية من مأساة ونكبات كنيستنا الكلدانية في العراق؟؟؟ أن مثل هذا التساؤل يجب أن نوجه بالدرجة الأولى إلى إنفسنا، إلى جميع أبناء أمتنا في وطننا الحبيب بيت نهرين قبل أن نوجه إلى الغير البعيد عنا وعن وطننا لأن معاناة الكنيسة ونكبتها هي معاناة أبناء أمتنا ومصدرها الأساسي هو تهجيرهم من أرض الوطن إلى أقاصي العالم المختلفة وتناقص عددهم بشكل دراماتيكي مخيف يهدد وجود الكنيسة في موطنها الأصلي. وإذا كان مثل هذا التساؤل الموجه إلى أبناء أمتنا يكتنفه نوع من المثالية فأننا نقترب أكثر من الحقيقة والواقع عندما نوجهه إلى "ممثلي" أمتنا في البرلمانين المركزي والأقليمي وفي الحكومتين وإلى جميع قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية التي تدعي تمثيلها لهذه الأمة بغنى عن التسمية القومية التي يفضلها هذا الحزب أو تلك المنظمة. ولكن مما يؤسف له أن قرع غبطة البطريرك لأجراس الخطر والنكبة وقعت على آذان صماء مشحونة بالركض واللهوث وراء كراسي البرلمان الذي لاشغل شاغل لهم في هذه الأيام إلا التناطح كالديك من أجل الوثوب على كرسي حتى ولو كان مهلهلا لا يقوى على عمل شيء غير ملئ الجيوب والبطون، وهذا ما أثبته تجارب السنوات الماضية في التعامل مع نظام سياسي لا يعترف فعلاً بوجود غيره خاصة عندما يكون هذا الغير مختلف عنه حضارياً ولغويا ودينيا/طائفيا وحتى نفسياً وإجتماعياً. كان من الواجب على جميع أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية المتصارعة في هذه الأيام على الكراسي البرلمانية والحكومية أن يفتحوا فسحة صغيرة في آذانهم ويسمعوا ناقوس الخطر الذي قرعه غبطة البطريرك ويحسوا بمعاناته ثم يتكاتف بعضهم بالبعض ويهرعوا مثلما يلهثون نحو الكراسي البرلمانية والحكومية إلى مقر البطريريكية ليعلنوا وقوفهم إلى جانب قداسته في محنته هذه والتي هي بالأساس محنة كنيستهم قبل أن تكون محنة غيرهم. صحيح أن مثل هذا "التمني" لا يحقق شيئا على أرض الواقع وقد لا يخفف من معاناة الكنيسة الناجمة من تقلص رعيتها ولا يسد أبواب الهجرة أمامها ولكن من المؤكد سيكون له مردود معنوي قوي ونفسي وسيقع مفعوله على نفوس أبناء أمتنا ويحسون بالتكاتف القائم بين كلا الجانبين الديني والقومي في أمتنا ويعطي زخماً قوياً لأباء الكنيسة وعلى رأسهم غبطة البطريرك على الصمود أكثر فأكثر في مواجهة المعاناة والمأساة التي تحيط بالكنيسة ويلمسون لمسة اليد بأن هناك من يقف خلفهم في هذه المحنة المميتة، لا بل والأهم من هذا سيكون مثل هذا الموقف العلماني والقومي والسياسي المتحسس والمساند لغبطة البطريرك عامل قوة له في أية خطوة يخطوها قداسته لتخليص الكنيسة من نكبتها أو التخفيف من معاناتها.

ولكن ما السبيل لتخليص الكنيسة من نكبتها أو التخفيف من أسبابها؟؟ للوهلة الأولى تبدو المسألة متعلقة بهجرة أعداد كبيرة لأبناء الكنيسة والأمة لأرض الوطن وتشتتهم في بلدان مختلفة من العالم وهو المرض الخطير الذي أشار غبطة البطريرك إليه والمسبب في وصف الكنيسة بالمنكوبة. لا شك بأن غبطته قد وضع الأصبع على الجرح، ولكن المشكلة تكمن في أن لا أحد من عالمنا الديني والقومي يستطيع أن يقف أمام سيل هذه الهجرة فهي كعاصفة هوجاء أو بركان هائج لا يقوى أحد لا من أباء الكنيسة ولا من قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية على الحد منها أو هم قادرون على إيجاد حلول لها طالما لا يملكون القدرات اللازمة لحل المسألة أو التخفيف منها، فهي خارج إرادتهم وفوق أمكانياتهم الشحيحة في مجال التأثير على أبناء الكنيسة والأمة وإقناعهم بالصمود والبقاء في أرض الوطن لأن الأرهاب والمأساة والفواجع المحيطة بهم والتي تدفعهم لترك الوطن أقوى بكثير من إمكانياتهم ومن النصح والإرشادات الموجهة إليهم سواء في عدم الهجرة أو العودة إلى الوطن... هذا موضوع طويل وحساس وسنتناوله في وقت لاحق.

صحيح جداً بأن المأساة والفواجع لا تخص أبناء كنيسة معينة بحد ذاتها بل تخص وتفرض قوتها على جميع المسيحيين لترك الوطن، ولكن بالمقابل صحيح جداً بأن نعرف أيضا طبيعة كل كنيسة من كنائسنا في الوطن وحدودها وإختصاص بطريركها في تمثيل أبناء كنيسته وإدارتهم ورعايتهم. فعندما يقرع غبطة البطريرك أجراس الخطر المهددة لكنيسته وتصل إلى حدود وصفها بالمنكوبة فأنه يفعل ذلك لكونه الرأس المدبر الأعلى للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في بلاد ما بين النهرين. وصحيح جداً بأن الإيمان المسيحي العميق والصلد لغبطته يجعله أن يكون أمر ومصير جميع المسيحيين في العراق بكل كنائسهم وطوائفهم في صميم قلبه وضميره لكن هذا أمر يختلف عن أمر إدارة  شؤون كنيسته التي لها حدودها الإدارية غير المتجاوزة لحدود إدارة الكنائس الأخرى. من هذا المنطلق قرع غبطته أجراس الخطر والزوال لكنيسته في موطنها الأصلي ولم يتطرق إلى الكنائس الأخرى.

ولكن لماذا هذه الخطورة والخشية من زوال وجود الكنيسة الكلدانية من موطنها التاريخي وهي كنيسة كاثوليكية وفي شركة وإيمان مع الفاتيكان ومع كل الكنائس الكاثوليكية في العالم.  فالإيمان المسيحي الكاثوليكي ليس له حدود أو وطن فبإمكان أبناء الكنيسة الكلدانية أن يجدوا إيمانهم الكاثوليكي في أميركا وأروبا  وأستراليا وحتى في الصين وجنوب أفريقيا. إذن الخشية والخطورة في زوال الكنيسة الذي أعلنه غبطته لا يتعلق بالإيمان الكاثوليكي لكنيسته لأن الإيمان المسيحي سرمدي وموجود في كل مكان من هذه الدنيا وخالد كخلود ربنا يسوع المسيح له المجد لا زوال له. ولكن الأمر يتعلق بـ "الكنيسة" بما تعينه وتحتويه هذه الكلمة من مضامين مؤسساتية وحضارية وتقاليد قومية ولغوية وتاريخية وتراثية وإجتماعية وحتى نفسية وفكرية تجعلها كنيسة مختلفة بكل هذه المضامين عن بقية الكنائس الكاثوليكية في العالم رغم شركتها معهم في الإيمان الكاثوليكي. ولما كانت كلمة "كنيسة" تعني الجماعة (من كنشيا بالسريانية) فإن هذه الجماعة هي التي تكون حاملة  لمضامين الكنيسة المذكورة ومتصفة بها وتعطيها صفتها أو تسميتها المعروفة – الكنيسة الكلدانية والتي تجعلها مختلفة عن بقية الكنائس "الجماعات" الكاثوليكية الأخرى. فخطورة زوال الكنيسة هو بسبب تناقص أفراد هذه الجماعة وهجرتهم إلى خارج موطنهم الأصلي، أي بعبارة أخرى تناقص كل المضامين التي تحملها الكنيسة (الجماعة) في موطنها الأصلي وليس هناك أي ضمان أو تأكيد بأن مثل هذه المضامين ستصمد وتتواصل في مجتمعات المهجر للعقود القليلة القادمة.

هذه الخطورة ونكبة الكنيسة الكلدانية واضحة في صرخة أبينا السامي مار لويس رفائيل الأول ساكو لكن النكبة الكبرى لا تتمثل فقط في هجرة أبناء الكنيسة موطنهم الأصلي بل ما تفرزه هذه الهجرة من نتائج خطيرة على وجود الكنيسة في بلاد مابين النهرين وهي فقدان سلطة البطريرك وولايته في إدارة أتباعه في بلدان المهجر وهم الأكثرية في هذه الأيام وعدم قدرته على بسط ولايته عليهم لتشملهم وهم خارج بلاد مابين النهرين بل أنتقلت هذه السلطة والولاية إلى الفاتيكان وعبر الأبرشيات التي تأسست في هذه البلدان  بحيث لم يعد للبطريرك الكلداني سلطة حتى في نقل ساعور كنيسة من أبرشية إلى أبرشية أخرى في بلدان المهجر فمثل هذه السلطة محصورة بالفاتيكان فحسب والتي تشمل صعوداً نحو الدرجات الكهنوتية العليا بما فيها المطارنة ورؤساء أساقفة. فبسبب الزخم الهائل والرغبة الجامعة في الهجرة وترك الوطن أهتز وأختل الوضع الديموغرافي بحث أصبح أتباع الكنيسة في بلدان المهجر أكثر منهم في الوطن وبمرور الزمن يظهر بأن هذا الخلل سيتمر أكثر فأكثر بحيث تنقلب وتتحول الهوامش في بلدان المهجر إلى مراكز رئيسية ويتقلص المركز في الوطن ليصبح هامش لا حول له ولا قوة خاصة في الظروف المأساوية الحالية لاسيما وهناك عوامل سياسية إقتصادية وأمنية من أستقرار ورفاهية تساهم مساهمة فعالة في هذا الخلل وفي ظاهرة الإنتقال بين المركز والهوامش.

معظم رجال الكنيسة الكلدانية الأجلاء يدركون هذه الحقيقة – سلطة وولاية البطريرك الكلداني -  ونحن كعلمانين لا نعرف إلا القليل عنها والمتمثلة في "نكبة ملبار" الهندية. فبعد الإضطهادات الوحشية والمذابح  التي أرتكبها قساوسة ومبشرون برتغاليون من أتباع الكنيسة اللاتينية الكاثوليكية بحق أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في مقاطعة ملبار – جنوب الهند في القرون الثلاث الماضية وتدمير كنائسهم ومآثرهم ومصادر تقليدهم الشرقي  جاء المجمع الفاتيكاني الأول الذي عقد بين عامي 1869و 1970 في عهد البابا بيوس التاسع ليقرر قراره الظالم بحق الكنيسة الكلدانية ويجرد البطريرك من سلطته وولايته على أتباع كنيسته في الهند. وكان المثلث الرحمات مار يوسف أودو البطريرك الكلداني حينذاك ( 1847 – 1878) قد حضر المجمع مع ما يقارب 800 أسقف ورجل دين من أنحاء العالم. ففي هذا المجمع ناضل مار يوسف نضالاً مستميتاً مدافعاً عن الحق الشرعي لكنيسته على أتباعها في الهند وسجل مآثر بطولية تاريخية في إستماته من أجل كنيسته غير أن بسبب سيطرة كاردينالات معينون من قبل البابا على مجريات أمور المجمع والمعروفين بصرامتهم وعنجهيتهم وظلمهم للكنائس الشرقية وجهلهم بتاريخها تعرض مار يوسف إلى التوبيخ والتحقير والإهانة بسبب إصراره على حق البطريرك على رعيته في ملبار وبالتالي لم يقوى على الإستمرار في نهجه الدفاعي غير أن يستسلم لهم فيضطر لقبول قرار المجمع في تجريده من سلطته وولايته على أتباع الكنيسة الكلدانية في ملبار وإخضاعها للفاتيكان، فكان هذا الإستسلام أمراً سهل تثبيته على كرسي البطريرك عند عودته إلى موطنه في مواجهته للبطريرك الكلداني الآخر المنافس له ومن ثم إعتراف السلطان العثماني به كبطريرك على الكلدان بفعل التأثير والضغط الفرنسي فكان أول من لقب بـ "بطريرك الكلدان في بابل".

بغنى عن ظلم وقسوة قرار المجمع الفاتيكاني الأول بحق الكنيسة الكلدانية والإهانة التي تعرض لها مار يوسف أودو، فلو نظرنا إليه بمنظار ذلك العصر لربما قد نجد لهذا القرار نوع من المنطق والواقع. فجغرافياً الهند بلد بعيد عن مقر رئاسة الكنيسة الكلدانية وقلة المواصلات والإتصالات في ذلك الزمان لضمان إدارة أتباع الكنيسة من بلد بعيد لم يكن بالأمر السهل في الوقت الذي كانت قوى الإستعمار وممثليه المبشرين اللاتين يجبون البحار والأمصار ويحتلوا البلدان الأخرى وتستغل كنائسها من أجل مصلحتها الخاصة ضاربة عرض الحائط كل القيم المسيحية والكنسية. إضافة إلى هذا كانت الكنيسة الكلدانية في ملبار الأبرشية الوحيدة لها خارج بلاد ما بين النهرين في ذلك الزمان. حضاريا، الهند وبحضارتها العريقة تختلف عن حضارة بلاد النهرين من جميع الجوانب ولا يخفى تأثير كلا الحضارتين على أتباع كنيسة كل بلد سواء من حيث اللغة والطقس والتقليد والممارسات الكنسية الأخرى. ولكن... ولكن... إذا كان الأمر هكذا قبل قرن ونصف القرن وأنحصر قرار المجمع الفاتيكاني الأول في تجريد البطريرك الكلداني من ولايته على أتباعه في الهند لهان الأمر ولكن تداعيات هذا القرار أنسحبت على البلدان الأخرى خارج بلاد مابين النهرين بحيث أخذت عقدة ملبار تعقد الأمور أكثر فأكثر لتجرد البطريرك من أية صلاحية وولاية على أتباعه خارج بلاد ما بين النهرين بما فيها أتباعه في الأبرشيات التي تأسست في هذا الزمان في أميركا الشمالية وأستراليا وأوربا فأنحصرت ولايته فقط ضمن موطنها الأصلي بلاد ما بين النهرين. فإذا كنًا قد أعطنا مجازاً صفة المنطق والواقعية لقرار المجمع الفاتيكاني الأول لأسباب جغرافية وحضارية فأنه بالمقابل ليس لتداعيات هذا القرار وإنسحابها على البلدان الأخرى في المهجر أي منطق أو واقعية لأن بالأساس والفعل أتباع هذه الكنيسة في المهجر ليسوا هنود أو قبارصة أو فرس بل هم كلدان من أبناء الحضارة البابلية الآشورية بكل ما تحمله هذه الكلمة من مضامين تاريخية وحضارية وثقافية ولغوية كما أن الجغرافيا لم يعد لها تأثير على مجتمعات هذا الزمان كما كان في الماضي خاصة بعد أن أصبح هذا العالم قرية صغيرة بفعل التطور المذهل لوسائل المواصلات والإتصالات وتوفرها وسهولة إقتناؤها. فليس من المنطق أن يكون الأب والأم في بلاد النهرين من ضمن ولاية البطريرك الكلداني ويكون الأبن والبنت في الولايات المتحدة أو أستراليا من ضمن ولاية الفاتيكان فهذا التناقض في وجود الكنيسة الكلدانية هو العامل الذي يزيد من نكبتها ويهدد زوالها ككنيسة بمفهوم الجماعة من موطنها الأصلي. هذا الأمر يذكرني بحديثي مع أحد مطارنة كنيستنا الأجلاء بخصوص الهجرة فقلت له لو سهل أمر الفيزا ومنحت لأبناء أمتنا لهاجر أكثر من 85% منهم فرد نيافته على الفور وقال أنت مخطئ فإن 100% سيهاجرون لأن أنا أيضا سأهاجر طالما لا يبقى لكنيستي أتباع في الوطن أو يكونوا قلة قليلة لا حاجة لهم لمطران!!

إذا كانت مقرارت المجمع الفاتيكاني الأول ظالمة ومجحفة بحق بعض الكنائس ومنها الكنائس الشرقية وتحديداً الكلدانية فأن مقرارات المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) الذي أنعقد في عهد البابا يوحنا الثالث والعشرون كانت عظيمة ومنصفة وأتسمت بالإنفتاح والتسامح ومعالجة الأخطاء والنواقص التي صدرت من المجمع الفاتيكاني الأول فكان من أهم قراراته أعطاء للكنائس الحق في إستعمال لغتهم القومية في طقوسهم عوضاً عن اللاتينية إضافة إلى قرار تطوير علاقات إيجابية للكنيسة الكاثوليكية مع الكنائس الأخرى والتأكيد على حقوق الإنسان وحرية الأديان والأهم من كل هذا وذاك هو التأكيد على الحقائق الأساسية للديانات الأخرى والكنائس غير الكاثوليكية وإصلاح الجوانب الروحية للكاثوليكية بما فيها السلطة والولاية الكنسية. فكان اللقاء التاريخي بين قداسة البابا يوحنا بولس الثاني وقداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية من ثمار هذه العقلية المنفتحة للفاتيكان فجاء البيان المسيحاني الموقع بين الطرفين والإعتراف بكنيسة المشرق الآشورية ككنيسة رسولة أصيلة متطابقة في إيمانها مع الكنيسة الكاثولية نموذجاً رائعاً في هذا المضمار. وليست مصادفة أن يعلن الفاتيكان في شهر نيسان الماضي قداسة كلاهما، البابا يوحنا الثالث والعشرون والبابا يوحنا بولص الثاني، بل هو تثميناً للدور التاريخي الذي لعبه كلاهما في إنفتاح الكاثوليكية نحو الديانات والكنائس الأخرى.

أتذكر بعض الأحاديث والأقوال التي كان يعتمد عليها بعض الأساقفة من كنيسة المشرق الآشورية أثناء فترة الإجتماعات في القرن الماضي بين هذه الكنيسة من جهة والفاتيكان والكنيسة الكلدانية من جهة أخرى وإندفاعهم الحماسي نحو الوحدة بين هذه الكنائس فكان يقولون "أنه بعد أقل من خمسة عقود – أكثر أو أقل – ستختفي كنيسة المشرق الآشورية وتزول من الوجود وستذكر في صفحات كتب التاريخ فقط لذا فالوحدة مع الفاتيكان سيكون سند قومياً عالميا لها والسبيل الوحيد لإنقاذ الكنيسة وإستمرار وجودها"!!! أمرُ لا يزال الواقع الحالي لا يؤيد مثل هذا الإختفاء وليس له دلالات واقعية على زوال هذه الكنيسة من الوجود في المنظور البعيد. واليوم الكنيسة الكلدانية التي هي كنيسة كاثوليكية في شركة وإيمان وضمن سلطة وولاية الفاتيكان ومنذ أكثر من 500 عام كيف سيكون الفاتيكان والكاثوليكية العالمية سنداً لها وتخلصيها من نكبتها وهي مكبلة بعقدة ملبار وتجعل من البطريرك مدبراً على أقلية من أبناء كنيسته في حين الأكثرية خارج سلطته وولايته؟؟؟ ماالذي فعله عملياً وعلى أرض الواقع سينودس الأساقفة من أجل الشرق الذي أنعقد في الفاتيكان عام 2010 من أجل بحث وضع المسيحيين وكنائسهم المشرقية غير النصح والوعض التي لا تقوى أبداً أمام قسوة وظلم الظروف المأساوية المحيطة بالمسيحيين في أوطانهم ؟؟؟ صحيح هو من يقول بأن الكنيسة الكلدانية كانت منذ عقود طويلة تحت سلطة وولاية الفاتيكان ومكبلة بعقدة ملبار ولم تصل إلى درجة وصفها بالكنيسة المنكوبة لأن هجرة أبناء هذه الكنيسة لم تكن بتلك الدرجة من الخطورة  في تلك الأزمان أما اليوم فأن مصدر نكبتها هو تزايد أعداد المهاجرين إلى خارج وطنهم وبقاء الأكثرية خارج سلطة وولاية البطريرك وليس الأمر متعلق بمسألة ملبار. فإذا كان الأمر هكذا وليس حل للحد من هذه الهجرة أو هناك منظور عملي لعودة المهاجرين إلى وطنهم يقول البعض بأن نقل كرسي البطريرك إلى الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار أكبر تواجد للكلدان هناك يكون حلاً معقول لضمان سلطة البطريرك وولايته على الأكثرية من أتباعه، كما هو الحال مع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية. أن مثل هذا الرأي ينقصه الكثير من الواقعية وفهم تاريخ وأساس وجود وقيام هذه الكنيسة كما وأن المقارنة غير واردة إطلاقاً ولا تصح بين الكنيستين. فالكنيسة الكلدانية منذ تأسيسها كان كرسي البطريرك في بلاد النهرين - حاليا العراق وأساس وجودها ونشاطها مرتبط بالأساس بوجود كرسي البطريرك في العراق، فلا وجود أو قيامة للمركز البطريركي خارج العراق في حين كان كرسي بطريرك المشرق ومن ثم المشرق الآشورية في تنقل مستمر من منطقة إلى أخرى بسبب المظالم والفواجع التي أنصبت على أبناءها ولم يستقر المقام بهذا الكرسي في العراق عند تأسيس الدولة العراقية وحتى يومنا هذا خاصة عندما نعرف بأن لهذه الكنيسة ورجالاتها توجهات قومية لا يمكن لها أن تتعايش في ظل أنظمة إستبدادية ظالمة التي توالت على الحكم في العراق. كما أن نقل كرسي البطريرك الكلداني خارج العراق سيجعل ذلك حاله كحال بقية المطارنة في خارج العراق خاضعين لسلطة وولاية الفاتيكان ويفقد حتى إستقلاليته المحدودة في تدبير شؤون رعيته في العراق في حين بطريرك كنيسة المشرق الاشورية مستقل في قراراته وإدارته لأبناء كنيسته أينما كانوا وله ولاية وسلطة كاملة عليهم سواء أكانوا في العراق أم خارجه.

وأخيرا وتجنباً للإطالة نكرر ونقول بأنه صحيح أن مصدر نكبة الكنيسة الكلدانية أساسها هو هجرة أبناؤها أرض الوطن وبقاء أقلية فيه مقارنة مع الأكثرية في بلدان المهجر وبقاء هذه الأكثرية خارج سلطة وولاية البطريرك، ولكن نحن جميعاً كنائس وأحزاب وتنظيمات عاجزين ليس لحل هذه المشكلة العويصة بل ولحد هذا اليوم لم نسمع بأن أحد من هؤلاء قد وضع خطة مدروسة عملية للحد منها غير الوعض والنصائح. فإذا كنًا عاجزين عن إيجاد الدواء لهذا الداء المميت فعلى الأقل علينا وخاصة على الكنيسة الكلدانية المعنية بهذه النكبة أن تجد ما يساعد على إيجاد الدواء حتى ولو كان الأمر يتطلب وقتاً طويلاً وجهود مضنية. أن التخلص من عقدة ملبار وبسط البطريرك الكلداني سلطته وولايته على الكلدان في المهجر سيكون سنداً قوياً له وللكنيسة في توحيد الولايتين في ولاية واحدة وبالحتم والنتيجة سيخلق ذلك وحدة كنسية كلدانية واحدة ومن جميع الجوانب الطقسية والإدارية ورابطاً وجسراً متيناً بين الوطن والمهجر حينذاك يمكن التحدث عن الهجرة أو عودة المهاجرين عبر هذا الجسر إلى الوطن والبحث عن الحلول المنطقية لها لا بل سيكون هذا التحرر من "عبودية" ملبار عاملاً مهماً يفتح الأبواب واسعة أمام الحديث عن الوحدة بين الكنيستين الكلدانية والآشورية الذي كان دائماً عائقاً مانعاً للقيام مثل هذه الوحدة، وهو الأمر الذي سنتطرق إليه في مناسبة قادمة.

من هنا أعيد وأكرر بأنه إذا خطى غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو هذه الخطوة في التحرر من عقدة ملبار وأستلهم روح الكفاح والإصرار من مار يوسف أودو في الدفاع عن حقوق كنيسته يستوجب على الجميع أكليريين وعلمانيين أن يقفوا خلفه في هذه المهمة النبيلة، ومن هنا أيضا يأتي دور "ممثلي" أمتنا في البرلمانين المركزي والإقليمي وفي الحكومتين وجميع قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية في الوقوف مع غبطته لفتح أفاق جديدة في كنائسنا نحو الوحدة الحقيقية ولنا آمل كبير وثقة عالية في أبينا السامي مار لويس روفائيل الأول ساكو ليكمل الخطوات الأول التي بدأها المثلث الرحمات مار روفائيل الأول بيداويد مع قداسة أبينا السامي مار دنخا الرابع نحو وحدة الكنيستين لتكون هي أيضا ضامنة لتخليص الكل، الكنيسة والأمة، من النكبات التي تتعرضا لها في موطنهم الأصلي بيت نهرين.       

           



212
كرسي الوزير المخصص "للمسيحيين" في حكومة إقليم كردستان
 هو إستحقاق قومي وليس غنيمة حزبية

=====================================================
أبرم شبيرا

في هذه الأيام لا شغل يشغل أحزابنا "الكلدانية السريانية الآشورية" ومؤيديها ومعارضيها غير الحملات الإنتخابية للبرلمان العراقي ومجالس المحافظات بشكل عام، حالهم كحال بقية الأحزاب والكتل العراقية مضافاً إلى ذلك العمل المضني الآخر لهم هو السعي و "النضال" من أجل الحصول على كرسي الوزارة في حكومة إقليم كردستان والذي حدد بوزارة يتيمة: وزارة النقل والمواصلات. فالمعروف للقارئ الكريم  بأن كتلة الرافدين التي تمثلها الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) وكتلة التجمع التي يمثلها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (المجلس) لكلا الكتلتين مقعدين من مقاعد برلمان إقليم كردستان والمقعد الآخر من خمسة مقاعد المخصصة "للمسيحيين" حازت عليه كتلة كيان أبناء النهرين (كيان) رغم حداثة وجودها ككيان جديد على الساحة السياسية، فخلق ذلك نوعاً من "الحيرة" لدى السيد نجرفان البرزاني المكلف بتشكيل الكابينة الجديدة في تخصيص هذا المقعد للجهة المستحقة، وهذا واضح من خلال اللقاءات التي عقدها مع هذه الكتل الفائزة بالمقاعد الخمسة. 

هذا التساوي في المقاعد البرلمانية بين الرافدين والمجلس وفوز أبناء النهرين بالمقعد الخامس خلق نوع من خلخلة التوازانات بين الكتلتين حيث سيلعب الكيان الدور الحاسم في قلب الموازين بينهما أو كما يقال ستكون "بيضة القبان". فالخلفية السياسية و "الشخصية" بين قيادة زوعا وكتلة أبناء النهرين التي تتسم بنوع من الخلافات الصلدة والمتجاوزة إلى التصريحات العدائية من جهة، وواقع الحال القائم على التقارب واللقاءات بين قادة المجلس أو قيادات مكون تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الاشورية (تجمع) مع أبناء النهرين من جهة أخرى تبين بأن هناك على الطريق نوع من التحالف بين المجلس وأبناء النهرين لتكوين كتلة نيابية تمثل الأكثرية (3 مقاعد من 5) كسبيل وضمان لإقتطاف كرسي الوزارة. ويحاول المجلس إيجاد له أساس قانوني ودستوري للحصول على هذا المنصب بالإعتماد على تفسير المحكمة الإتحادية العليا للمادة 76 للدستور العراقي لعبارة (الكتلة النيابية الأكثر عددا) بقرارها المرقم 25/2010 والمؤرخ في 25/3/2010 والقائل بأن الكتلة النيابية الأكثر عدداً إما هي الكتلة التي تتكون بعد الإنتخابات من خلال قائمة إنتخابية واحدة ... وحازت على العدد الأكثر من المقاعد أو الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الإنتخابية التي دخلت الإنتخابات بأسماء وأرقام مختلفة ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، أيهما أكثر. وقد جاء هذا التفسير للمحكمة عندما نشأ خلاف حول أحقية الكتلة النيابية في تشكيل الوزارة بعد الإنتخابات البرلمانية لعام 2010. ولما كان فوز قائمة دولة القانون بزعامة نوري المالكي بأصوات أقل بقليل من القائمة العراقية بزعامة أياد علاوي لجأ إلى التحالف مع بعض الفائزين بمقاعد البرلمان لجعل كتلته هي الإكثر عددا وبالتالي ضمن منصب رئيس مجلس الوزراء وتشكيل وزارته في الوقت الذي كانت القائمة العراقية هي الأكثر عدداً بالأصوات الفائزة في الإنتخابات إلا أن أياد علاوي خسر منصب رئيس مجلس الوزارة طبقاً لقرار المحكمة أعلاه. وهذا الأمر لا نستغربه إطلاقاً سواء أكان دستورياً أم لا، فترشيح رئيس دولة أو رئيس وزراء في بلدان العالم الثالث وتحديداً في الدول العربية فأن فوزه مضمون مائة بالمائة سواء بغطاء قانوني صحيح أم مزيف أم التلاعب بالأصوات والإجراءات. فتاريخ هذه البلدان تبين بأن لا رئيس دولة أو رئيس وزراء رشح نفسه وخسر الإنتخابات (طبعاً هناك إستثناء قليل جدا) وأحدث الأمثلة على ذلك هو إعادة وصول نوري المالكي لرئاسة مجلس الوزارة عام 2010 وسبقه أيضاً  أحمدي نجاد رئيس جمهورية أيران السابق كلاهما وصلا إلى منصبهما بطرق ملتوية تعرضوا إلى إنتقادات كثيرة باعتبارها غير قانونية. واليوم يقدم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقه نموذجاً رائعاً في هذا السياق حيث يعتبر ولأول مرة في تاريخ العالم رئيس جمهورية يعاد إنتخابه للمرة الرابعة ولا يستطيع بسبب المرض المشي أو الكلام أو حتى اعطاء تصريح بعد فوزه بالإنتخابات. 

لقد فصًل الصديق العزيز أنطوان صنا مسؤول المجلس في ولاية مشيغان في الولايات المتحدة في هذا الموضوع والذي سبق وأن نشر في موقع عنكاوه دوت كوم وأستند على قرار المحكمة أعلاه في شرعنة منصب الوزير ليكون من حصة التحالف القائم أو في طريقه للقيام بين المجلس والكيان. وزيادة في هذه الشرعنة أشارة إلى كون حصة الوزارة في الحكومة المركزية (وزارة البيئة) لزوعا هو بسبب فوزها بثلاثة مقاعد من خمسة في البرلمان المركزي وبالتالي كانت هي الكتلة الأكثر عددا. وهكذا على نفس المنوال فإن مقعد الوزير في حكومة الأقليم سيكون من حصة تحالف المجلس والكيان باعتبارهما شكلوا كتلة موحدة تعتبر الأكثر عدداً ضمن الكوتة المسيحية. ولكن فات على صديقنا العزيز أنطوان أن يدقق النظر في الفقرة أولا من المادة 76 من الدستور العراقي والتي تخص تحديداً وبشكل واضح منصب رئيس مجلس الوزراء ولا يخص الوزراء أو غيرهم. فهذه الفقرة من هذه المادة تقول (يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إنتخاب رئيس الجمهورية) وهذا واضح وضوح الشمس ولا لبس فيه وليس فيه أية سوابق أو تطبيقات فيما يخص الوزراء أو غيرهم بل هي حصراً برئيس مجلس الوزراء، وبالتالي لا علاقة تفسير المحكمة الفدرالية العليا للمادة 76 بتعيين الوزراء بل أن هذه المهمة هي حصراً ضمن صلاحيات الشخص المكلف بتشكيل الوزارة سواء في الحكومة المركزية أم في حكومة الإقليم. هذا ناهيك عن التزمت الحزبي السائد في أحزابنا السياسية الذي يخلق لدينا نوع من الشك في صعوبة دخول المجلس والكيان ضمن كتلة واحدة وبتسمية واحدة في البرلمان لتشكيل الكتلة الأكثر عدداً ومن ثم الحصول على الكرسي الوزاري اليتيم وكيفية الإتفاق للجلوس عليه.

أما على الجانب الآخر فأن زوعا تحاول وبشتى الطرق لضمان هذا الكرسي لها في وزارة الإقليم، فمرة تهاجم المجلس في إدعاء أحقيته بهذه الكرسي ومرة أخرى تستند على واقع فوز قائمتها الرافدينية بالعدد الأكثر من الأصوات في الإنتخابات الأخيرة لبرلمان الإقليم في مقارنتها مع بقية قوائم الكوتا المسيحية وأخذت تعمل وبشكل مستقل عن بقية القوائم وعن التجمع ولم تكن من ضمن الأحزاب والتنظيمات التي أجتمعت بالسيد نجيرفان حول تخصيص هذا الكرسي بل حاولت وتحاول أن يكون إجتماعها بشكل منفرد كسبيل لضمان الكرسي لها، لا بل وصل الأمر في خصومتها إلى درجة عالية من الحساسية والإثارة قاربت ووصلت لحدود الهجوم والتفنيد من أجل إزاحة المجلس والكيان عن طريقها للحصول على الكرسي الموعود به في وزارة الإقليم.

لقد سبق وقلنا، لا بل وبح صوتنا من الصراخ ونفذت أحبار أقلامنا من الكتابة للتأكيد والقول بأننا أمة صغيرة تفتقر إلى المقومات السياسية والإقتصادية والجغرافية التي تساعدها على النضال من أجل ضمان حقوقها المشروعة في أرض الوطن خاصة في هذه الأيام العصيبة. كما أننا أمة لها طموحات بسيطة وسلمية ومعروفة ومحددة لا تتعدى على حقوق الآخيرين ولا تتجاوزها. ففي هذه الأجواء المأساوية تأتي النزاعات والحروب الكلامية بين أحزابنا لتزيد الطين بلة وتصبح كالمصارعين على الحلبة يتصارعون من أجل الفوز بحزام البطولة والآخرين من حولهم كجمهور يهتف ويصرخ تشجيعاً لهذا المصارع وتحقيراً للآخر... هكذا أصبح حالنا القومي والسياسي منذ أن أنطلقت "الديموقراطية" في العراق عام 2013 وكل واحد يقفز على حلبة الصراع من أجل الفوز حتى ولو كان يعيش في أقصى منطقة في العالم حيث يظهر بأن روائح الشواء المزكية للنفوس والأنوف المنبعثة من كراسي البرلمان والحكومة قد وصلت إلى هذه المناطق وطيًرت البعض من هناك ليدخل حلبة الصراع وينافس الآخرين من أبناء الوطن !!. هكذا يظهر من خلال هذا النزاع القائم بين الكتلتين الرئيستين وبينهما كتلة أبناء النهرين بأن الكرسي اليتيم أصبح غنيمة يسعى و يتصارع كل واحد منهم من أجل خطف هذه الغنيمة كما كان يفعل البدو في حروبهم القبلية. لا أدري فيما إذا كان قادة أحزابنا المتصاعة من أجل هذه الغنائم وضاربين مصالح الأمة بعرض الحائط يدركون أم لا بأن نتيجة تصارعهم هذا خلق حالة من اليأس واللامبالاة لا بل وتعاظمت بين أبناء أمتنا خاصة بين المثقفين والمهتمين بشؤون الأمة بحيث أصحبوا من أعضاء "حزب الكنبة" الكلداني السرياني الآشوري، وليس المصري، ومن المؤكد بأن تصارع الأحزاب سيزيد وقوداً ولهبا لإثارة الكثير من أبناء أمتنا للإنتماء لهذا الحزب القديم الجديد. وأنا شخصياً وغيري كثر يحسون بأن هناك الكثير من أبناء أمتنا خاصة المثقفين منهم بأن اليأس بدأ يدب فيهم وأخذوا يبتعدون عن المسائل القومية ويخفت أهتمامهم بها وكل هذا بسبب الوضع الحالي لأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية المزري الذي يكشف لهم بأنهم يعملون لصالحهم الشخصي أو الحزبي وليس لصالح الأمة. وهناك ظاهرة مرتبطة بهذه الحالة وهي ترك الكثير من أبناء أمتنا للأحزاب أو التنظيمات التي كانوا ينتمون إليها وقلة أو عدم وجود إنتماءات جديدة لهذه لأحزاب والتنظيمات وهي حالة تعكس هذا الوضع المزري لهذه الأحزاب والتنظيمات وعلى قادتهم أن يخصصوا القليل من "نضالهم" من أجل الكراسي وتخصيصه لدراسة هذه الحالة والوصول إلى نتائج تحد منها.

قرأنا وسمعنا الكثير الكثير عن أسباب الخروج "التنظيمي" لأبناء النهرين من تنظيم زوعا، منها إن قيادة زوعا الحالية لم تلبي حاجيات الأمة ولم تفعل شيئاً في الكثير من مستحقات الأمة.. وهكذا فالأسباب كثيرة أختلطت بأسباب شخصية وعائلية وقريوية أيضا وقد جاء تنظيم أبناء النهرين لكي يحاول أن يقوم بهذه المهمات القومية التي عجزت عنها أو أغفلتها قيادة زوعا الحالية فمن أجل ذلك دخلت إنتخابات الإقليم وقطفت كرسي واحد وتحاول مع المجلس أن يكون لها مكان أيضا في كرسي الوزارة الموعود به كما تحاول أن تقطف كراسي أخرى في إنتخابات البرلمان المركزي في نهاية هذا الشهر. إن ذاكرة أبناء أمتنا للأسف شحيحة ومحدودة تنسى الماضي بسرعة ولكن تصريحات قادة أبناء النهرين بخصوص المهمات التي ستعى لتحقيقها هي حديثة العهد ويتذكرها أبناء أمتنا جداً لذا فهذا الكيان وضع نفسه أمام مسؤولية كبيرة وحاسمة. فإذا تمكن من تحقيق ولو الحد الأدنى من مشروعه الطموح فمن المؤكد فأن أكثرية أبناء أمتنا سيقبلون ويصدقون الأسباب التي جعلتهم خارج تنظيم زوعا أما إذا فشلوا أو عملوا من أجل مصالحهم الشخصية الخاصة وقلدوا السابقين منهم في البرلمانين فأنه من المؤكد أيضا سيكونون موضع رفض وإدانة من قبل أبناء أمتنا وسيظهر بأن أسباب خروجهم عن تنظيم زوعا كان مجرد تبريرات لتصفية حسابات شخصية وتقاتل من أجل المنافع الخاصة وليس من أجل مصالح الأمة.

من هذا المنطلق فعلى كيان أبناء النهرين وبكرسيه الوحيد أن لا يستخدم بيضته القبانية لإخلال التوازن بين الكتلتين الرئيسيتين وترجيح كفة على حساب كفة أخرى لأقتطاف الكرسي الوزاري في الإقليم بل عليه أن يقف في الوسط ويكون نقطة أرتكاز مركزي بين الكتلتين لخلق خط مستقيم يقف على جانبه الأيسر كتلة الرافدين وعلى جانبه الأيمن كتلة المجلس، رغم الصعوبة الشخصية والنفسية لهذا الموقف، ولكن التضحية ولو بأقل الممكنات ضروري جداً لإثبات "ممثلية" هذه الأحزاب لمصالح الأمة، عند ذاك سيتحول الكرسي الوزاري من غنيمة حرب إلى إستحقاق قومي. وتحقيق هذا الإستحقاق القومي ليس بالضرورة أن يكون من خلال الأحزاب والكتل هذه  بل من الممكن، بل الممكن جداً، أن يكون من خلال أحد أبناء أمتنا غير المرتبطين بهذه التنظيمات والمعروفين بنزاهتهم وكفاءتهم والصامدين في أرض الوطن والمهتمين بالمسائل القومية ويقف من خلفه أعضاء الكتلة "المسيحية" في البرلمان مساندين له لكي يستيطع تحقيق الحدى الأدنى الذي يطمح به أبناء أمتنا، عند ذاك سيثبتون بأنهم فعلاً يعملون لصالح الأمة وليس لصالح حزبهم ويستحقوق أن نطلق عليهم "ممثلي الأمة" في البرلمان والحكومة.

أكيد لا بل أكثر من أكيد سوف يقول بعض القراء أن هذا الأمر هو "في المشمش" كما يقول المصريون... أنه نوع من الحلم الوردي الذي بدأنا في السنوات الأخيرة أن نحلم الكثير مثل هذه الأحلام الوردية الخاصة بطموحاتنا القومية، وسبب الغرق في مثل هذه الأحلام هو العجز في تحقيق الأمال والطموحات على الواقع فتقفز إلى منطقة اللاوعي والأحلام... نشكر ربنا القدير على توفير هذه النعمة لنا وإبقاؤنا على  صلة بأبناء أمتنا ولو حتى عبر الأحلام الوردية...وسنشكر أحزابنا وتنظيماتنا القومية إذا إستطاعوا إيقافنا عن هذه الأحلام، وليس سبيلا إلى ذلك إلا عن طريق  تكاتفهم والسعي جميعاً وبيد واحدة لتحقيق ولو الحد الأدني من طموحاتنا القومية عند ذاك سنرفع قبعاتنا أحتراماً لهم وننحي أمامهم تقديراً لجهودهم وتضحياتهم في سبيل الأمة ويبدأ عدد أعضاء حزب الكنبة "الكلداني السرياني الآشوري" بالتناقص مقابل زيادة الإهتمام والإلتصاق بأحزابنا السياسية.

213
المسيرة النسانية – أكيتو  6764 بين الأحلام القومية الوردية والواقع الحزبي
==================================================
أبرم شبيرا
أتصل بي أكثر من صديق متسائلاً عن سبب عدم الكتابة عن المسيرة النيسانية – أكيتو عام 6764 كعادتي من كل عام بعد مشاركتي في المسيرة  وإنتهاء الإحتفالات بهذه المناسبة العظيمة في تاريخ أمتنا. هذا صحيح حيث كانت نيتي أن أكتب بعض السطور بعد مغادرتي أرض الوطن مباشرة ولكن ترددت كثيراً عندما عاينت موقع عنكاوه دوت كوم وهو مزدحماً بمواضيع شتى في معظمها ذات مضامين لا تسر القارئ اللبيب الذي يطمح أن يقرأ موضوعاً ينمي قدراته العقلية ويزيد من معارفه في موضوع جديد ويقوي وعيه القومي والسياسي، فجلها مناطحات عقيمة وتصفية حسابات شخصية أن لم نقل شتائم وإهانات لا علاقة لها سواء بالرسالة التي يحملها هذا الموقع الألكتروني الكريم أو بالموضوع المنشور الذي يرد عليه، وبشكل عام، ردود من هذه الأصناف والتي لا تمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد بأصل الموضوع، وهي حالة لا نستغربها خاصة في هذه الأيام عندما نفهمها من خلال النزعة الحميمة للحملات الإنتخابية التي تقوم بها تسع قوائم تتناطح على الكوتة المسيحية المحددة بخمسة مقاعد للبرلمان العراقي مع عدد آخر من المقاعد المخصصة لمجالس المحافظات.  ولكن عندما تذكرت الموضوع الذي كتبته قبل هذه المناسبة ببضعة أيام وتحت عنوان (إحتفالات الأول من نيسان – أكيتو بين المصلحة القومية والنزعة التحزبية) والذي نشر في الأعداد السابقة لموقع عنكاوه وجدت من المناسبة أن أكتب بعض السطور التي تعتبر تقريباً مكملة للموضوع السابق وإستنتاجاً له.

من خلال مشاركتي في مسيرات أكيتو للسنوات القليلة الماضية والتي كانت تنظم من قبل تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية (تجمع) أدرك معظم المشاركين في هذه المسيرات بأنها لم تكن بمستوى المسيرات السابقة التي كانت تنظم من قبل الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) لا من حيث تنظيمها ولا من حيث جماهيريتها والمشاركين فيها ولا من حيث متعتها وحماسها القومي فعجزها عن التعبير عن وحدة وتفاهم وتناسق مكونات التجمع كان واضحاً من خلال الشعارات التحزبية المرفوعة والحساسيات الناجمة من صراخ الهاتفات المتضاربة والأغاني والنشاطات الفنية الأخرى. وإيماناً منا بالتضامن والتعاون بين جميع أحزابنا السياسية وتنظيماتها القومية وضرورة تحالفهم وإنعاكس ذلك في نشاطات قومية، كنت في حينها طرحت  فكرة قيام التجمع نفسه، بأعتباره نموذج حي وقائم في التحالف المطلوب، بتنظيم إحتفالات متعددة لا تقتصر على المسيرة فحسب بل يليها في الأيام التالية نشاطات أخرى ثقافية وفنية وإجتماعية ورياضية. ولما كانت المسيرة ظاهرة جماهيرية شعبية فأن من المناسب أن تقوم زوعا بتحمل مسؤولية إدارتها وتوفير المستلزمات اللازمة لها لكونها أوسع جماهيرية وأكثرة قدرة وإمكانيات وخبرة في هذا المجال على أن تقوم بقية مكونات التجمع بالنشاطات الأخرى في الأيام التالية وكل حسب قدرته وطاقته وخبرته في أحدى من هذه النشاطات. غير أنه كالعادة، فأن ما يؤسف له أن معظم قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية لا أذان لهم يسمعون بل لهم أفواه واسعة لإطلاق التصريحات والتنديدات فقط..("العود في عين الحسود"). وبالرغم من ذلك فإن إهتمامي وإيماني بالتضامن بين أحزابنا وتنظيماتنا لم يتراجع بل بقى على حاله كما كان في المقال المنوه عنه أعلاه فأقترحنا مرة أخرى أن يقوم التجمع بتنظيم مسيرة عام 6764 ولكن من دون رفع شعارات وأعلام وهتافات حزبية بل يقتصر هذا على الأعلام والأناشيد القومية فحسب حتى تظهر وتبرز الجوانب القومية للمسيرة ويثبت التجمع هويته التضامنية، ولكن بقت أحزابنا وتنظيماتنا كالسابق بدون أذان حتى تسمع فظهر بأنه كنت أحلم أحلاماً قومية وردية أصطدمت بالواقع الحزبي الصلد الذي يتحكم في حياتنا ونشاطاتنا القومية فأستيقضت في مسيرات 6764 من هذه الأحلام ووجدت نفسي في مسيرات حزبية إنتخابية تراجعت المصلحة القومية وأحتمت خلف الأصوات الإنتخابية والتحزبية.
 
مسيرتان وحزبان:
1 -   مسيرة زوعا:

المسيرة النيسانية التي نظمتها زوعا في مدينة دهوك كانت أكبرها وأكثرها تنظيماً وجماهيرية. فالمشاركون فيها كان عددهم يتضارب بين 15 ألف إلى 20 ألف مشارك ومن مختلف الأعمال والأجناس. ليس هذا فحسب بل وبكل موضوعية نقول بأن المسيرة كانت ناجحة وحققت جانب من الرسالة التي ترمي إليها، فخط سير المسيرة في الشوارع الرئيسية لمدينة دهوك وإصطفاف أهالي هذه المدينة على جانبي الطريق وإطلال غيرهم من شرفات منازلهم كان أمراً مثيراً للإهتمام لا والإستغراب من العدد الهائل المشارك في المسيرة وبالأغاني والشعارات التي وقعت وبقوة على آذانهم وصدمت عقولهم والأكثر من هذا كان أصرار المشاركين خاصة كبار السن والأطفال وحتى الرضع وهم بمعية أمهاتهم وهم يواصلون السير صعوداً نحو نهاية خط المسيرة في منطقة سد دهوك البعيدة بحدود أربعة كيلومترات من منطقة إنطلاق المسيرة من المركز الثقافي الاشوري.


 

             

الكل الأطفال وكبار السن شاركوا في المسيرة
======================================

والأهم أيضا في هذه المسيرة هو تواجد الوفود القادمة من بلدان المهجر خاصة الشباب والشابات ومن دول الجوار سوريا وإيران ومشاركتهم فيها ككل عام خاصة من منظمة "كشرو" أي الجسر، التي أنشأت قبل بضعة سنوات من قبل بعض الشباب والشابات في الولايات المتحدة هدفها الأسمى هو تشجيع الشباب والطلاب على زيارة أرض الوطن خاصة  بمناسبة الأول من نيسان، وهو موضوع مهم وذات بعد إستراتيجي في التعامل مع موضوع الهجرة وسنأتي عليه في مناسبة قادمة. ولكن وبنفس الموضوعية نقول بأن المسيرة رغم هذا فقد كانت حزبية بكل أهدافها الأساسية حيث تمكنت زوعا من إستغلال هذا الحدث وهذا التجمهر الهائل للقيام بحملة إنتخابية واسعة والتعريف بالمرشحين في قائمتها، قائمة الرافدين. وهذا أمر لا نستغربه حيث في كل دول العالم تعمل الأحزاب السياسية على إستغلال المناسبات العامة للقيام بالدعاية لأفكارها أو لمرشحيها في الإنتخابات. وأخير لم يبقى ألا أن أذكر شيئاً آخر جديد نوعا ما وهو مشاركة معظم قيادة زوعا وأعضاءها في البرلمانين المركزي والإقليمي في هذه المسيرة كغير عادتهم في مسيرات السنوات السابقة ولا ندري فيما إذا كانت هذه المشاركة إستجابة لإنتقادنا لهم في عدم مشاركتهم في مسيرات السنوات السابقة أم هو القيام بحملة دعائية مكثفة لمرشحي زوعا للإنتخابات القادمة وأنا ومعي الكثير من القراء يميلون للإحتمال الثاني لكونه أقرب بكثير إلى الحقيقة والواقع.

 

سلاما لجميع أبناء أمتي ....متكاتفاً مع بهرم بهرامي وأزاد يونادم وأبرس أيوان في مسيرة أكيتو التي نظمتها زوعا في دهوك

2 - مسيرة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري:
ونفس الأمر وجدناه أيضاً في تنظيم المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (المجلس) لمسيرة وإحتفال بهذه المناسبة في سهل نينوى وبالقرب من دير مار متي ولا أستطيع أن أعطي لي حق الحديث المفصل عن هذه المسيرة لأنني لم أشارك فيها غير مراقبتها من خلال وسائل الإعلام وخاصة قناة عشتار الفضائية التي يملكها المجلس والذي أستفاد منها كل الإستفادة في حملته الإنتخابية والتعريف بالمرشحين لقائمته وهو أمر طبيعي في أن "يحتكر" مالك هذه الوسيلة لنفسه من دون غيره طالما يكون هذا الغير منافساً له ويسعى لحصول ما يسعى هو أليه من مقاعد في البرلمان أو مجالس المحافظات. وعلى العموم يمكن القول بأن مسيرة المجلس كانت إحتفالاً خاصة به ولم تصل إلى الطموح الذي نطمحه من رسالة المسيرة في الأول من نيسان وأهمها هو إيصال هذه الرسالة لغير من أبناء أمتنا، فتنظيم هذه المسير خارج المدن الكبيرة وفي مناطق أبناء أمتنا جعل منها مسيرة منك وإليك وإن حققت غرضها الخاص للمجلس إلا أنها عجزت عن إيصال الرسالة القومية والحضارية لعيد أكيتو لغيرنا.

3 – الأحزاب والتنظيمات القومية الآخرى والمسيرة:
ليس أكثر من القول بأن موقف ومشاركة بقية أحزاب وتنظيمات أبناء أمتنا كان سلبياً خاصة المنضويين تحت المظلة المخرومة لتجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية في تنظيم مسيرة خاصة بهم أو المشاركة مجاملة لأبناء شعبنا في أية من المسيرتين أعلاه ولكن ظاهرة التحزب جعلت لهم موقفاً سلبياً ولم يشارك أي واحد منهم في أي من المسيرتين من جهة كما يظهر عجزهم وعدم توفر الإمكانيات المطلوبة للقيام بتنظيم مسيرة جماهيرية بهذه المناسبة كما فعلت زوعا والمجلس فحال ذلك أن يكون موقفهم هكذا وربما يكونوا قد أرسلوا برقية تهنئة لأبناء شعبنا بهذه المناسبة أو نشاط آخر لكنه لم يصل إلى مستوى أن يكون معروفاً  للناس أو لوسائل الإعلام. أما الحديث عن الأحزاب والتنظيمات الكلدانية التي تعتمد على التسمية المفردة "الكلدان" فقد غابوا نهائياً وككل عام عن ساحة هذه المناسبة فكان الأجدر بهم أن يتكاتفوا وينظموا مسيرة خاصة بهم يحتفلون بالسنة الكلدانية الجديد 7314 ولكن يظهر بأن "أرض الكلدان" طارت وأصبحت في سان دياكو فأحتفلوا هناك بهذه المناسبة وبجمهور كبير ملئها الأفراح والتهاني والمسرات.
كيف نفهم هذا الواقع:
هذا يبين حقيقة ناصعة البياض يصعب على البعض من معاينة بريقها بسب قصر نظرهم للأمور الواقعية... لقد أسلفنا مراراً وتكراراً بأن السياسة تقوم على فهم الواقع والتعامل معه بأساليب مختلفة. فهذا الواقع للحقيقة  يبين بأن زوعا والمجلس حزبان أو تنظيمان رئيسيان في مجتمعنا وأن التسمية المركبة التي يعتمدونا هي أكثر قبولاً بين أبناء أمتنا ولا ينعكس ذلك في قدرتهم على تنظيم احتفال الأول من نيسان بل أيضا في فوزهم على كراسي برلمانية وحكومية والتي عجز عنها بقية الأحزاب سواء في تنظيم الإحتفال أو بفوز كرسي برلماني أو حكومي. ومن المحتمل أن يتكرر فوزهم في الإنتخابات القادمة أن لم يظهر كيان أبناء النهرين منافساً جاداً لهم. إن التصريح بهذه الحقيقة لا يضعنا في موقف مؤيد أو معارض لهذا الحزب أو ذلك التنظيم، لأنها مسألة موضوعية لا علاقة لها بالرأي الشخصي لذلك معاينة وفهم الواقع ضروري جداً للتعامل معه والوصول إلى نتائج موقفة ولكن لا زال البعض الذي بسبب قصر نظره للأمور الواقعية يصر على أن التصريح بهذه الحقيقة الموضوعية هو "بوق" لهذا الحزب أو ذاك التنظيم أو الدعاية له ومثل هؤلاء لايزال موجودون على الساحة السياسية ويقودن أحزاب وتنظيمات يدعون تمثيل الأمة .. مشاء الله
وأخيرا:
نعيد ونكرر بأن أسعد الأيام من حياتي الشخصية هي الأيام التي أزور بها أرض أبائي وأجدادي وأستمتع ليس بالمشاركة مع أبناء أمتي في المسيرة النيسانية فحسب بل زيارة قرانا الجميلة وأدرتنا التاريخية وما يزيد من سعادتي وأهتمامي هو اللقاء ببعض من قادة أحزاب وتنظيمات شعبنا ولكن مما يؤسف له بسبب قصر هذه الزيارة وتعدد الإهتمامات فأنها أقتصرت على زيارة مقرات زوعا في أربيل ودهوك واللقاء والنقاش مع بعض من قادتها كذلك زيارة مقر كيان أبناء النهرين في عنكاوه والذي لا يبتعد عن مقر زوعا إلا بضعة أمتار والدخول معهم في مناقشات جادة وحميمة حول الوضع الحالي وقيام الكيان ومستقبله التنظيمي والسياسي. وفي كل زيارة لأرض الوطن لا يفوتني إلا أن أحج إلى قرية بليجانه وأزور قبر الشهيد الخالد يوسف توما وأتلو صلاة ربانية بسيطة على قبره معاهدا أمام الله بأن لا أسلك غير الطريق الذي سلكه وأستشهد من أجله. وأخيرا تبقى زيارتي للنادي الثقافي الآشوري الحديث العهد في عنكاوه وإلقاء محاضرة فيه أمر مثير للإهتمام وسنترك موضوعه لمناسبة قادمة.

 

زيارة الوطن لا تكتمل إلا بزيارة قبر شهداء أمتنا في قرية بليجانه ومنها قبر الشهيد الخالد يوسف توما
 

زيارة لمقر زوعا في دهوك واللقاء أكثر من مرة مع السيد يونادم كنا وغيره من قادة زوعا... شكراً على إستضافتهم الكريمة لي في مقراتهم وتوديعي في مطار أربيل
======================================================

أحدى الزيارات لمقر كيان أبناء النهرين في عنكاوه واللقاء ببعض من قادته... شكراً لهم على توفير ساعات من وقتهم لمناقشة قضايا سياسية وقومية مختلفة...  وشكراً أيضاً على إستقبالهم لي في مطار أربيل

214
إحتفالات الأول من نيسان - أكيتو
بين المصلحة القومية والنزعة التحزبية

==================================
أبرم شبيرا

من المؤكد الكل من أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" يتفقون على أن عيد رأس السنة البابلية الآشورية - أكيتو والإحتفالات التي ترافقه هو ظاهرة قومية تاريخية حضارية عامة تتجاوز وتتخطى كل الظواهر الثانوية السائدة في مجتمعنا من الطائفية والتحزبية والشللية وغيرها وبالتالي لا يحق لأي من كان أن يخصخصه وينسبه لوحدة ويطبعه بطابعه الخاص مهما كانت قوته وجبروته وشعبيته. هذا من الناحية القومية، أما من الناحية الحزبية فقبل كل شيء يجب أن نفرق بين الحزبية، كظاهرة أو كنظام سياسي للممارسة السياسية والحكم في ظل تعدد الأحزاب في أنظمة تتسم بنوع أو آخر من الديموقراطية والتعددية وبين التحزب أو النزعة الحزبية والتي هي ظاهرة  يتصارع فيها الأحزاب لغرض تفرد وتسلط حزب واحد على الساحة السياسية ومحاولة هيمنته على بقية الأحزاب من دون مراعاة للمصلحة القومية، وهي من "مخترعات" العالم الثالث التي عرفت بنظام الحزب القائد. من هذا المنطلق نقول بأن أحتفالات أكيتوا يجب أن تكون ضمن إطار المصلحة القومية لأمتنا وليس ضمن النزعة التحزبية لحزب معين. ولكن السؤال هو: من يمثل المصلحة القومية؟

درس طلاب وأساتذة العلوم السياسية نظرية الأحزاب السياسية وظهر لهم بأن في معظم الأحوال بأن كل حزب سياسي يحاول أن  يمثل المصلحة القومية أو الوطنية أويدعي بتمثيلها مهما كان موقعه من السلطة أو حجمه أو تاريخه أو إمكانياته. بعبارة أخرى، يحق لكل حزب سياسي أن يدعي تمثيله للأمة التي ينتمي إليها وهكذا هو حال أحزابنا "الكلدانية السريانية الآشورية" فللكل الحق في الإدعاء بهذا التمثيل والتعبير. ولكن ما هو الأساس الشرعي الذي يشرعن مثل هذا التمثيل والتعبير؟ أنه الجماهير ولا غيرها. فالحزب الجماهيري هو الحزب المنتشر وبشكل واسع بين أبناء الأمة وله أعضاء كثر وتنظيمات وفروع عديدة وله وتأثيرات قوية على مجمل الساحة السياسية وله الأمكانيات في تحقيق بعض الأهداف، فمن هذه الأسس يكتسب الحزب شرعيته في تمثيل الأمة. ولكن الجميع يعرف بأن معظم العلوم خاصة الإنسانية منها لا تقبل بالمطلق والشامل بل تعتمد النسبية كأساس موضوعي في فهم الظواهر الإجتماعية ومنها دراسة الأحزاب السياسية. من هذا المنطلق فلو أعتمدنا الموضوعية، فأنه لا أساس شرعي لأي حزب يقوم على المطلق والشمول، أي 100% او 99.9% كما هو الحال مع الأحزاب الشمولية والدكتاتورية، فهذا هو الإستبداد بعينه وتزوير لإرادة الجماهير وتحريف لمصلحة الأمة. فسقوط مثل هذا الحزب الشمولي في الهاوية والتحديات الخطيرة  المدمرة والتمرد عليه والإنشقاقات الداخلية لا محال منها سيواجهها عاجلاً أم آجلاً. من هذا المنطلق كنًا قد سبق وأكدنا مراراً وتكراراً بأنه لا يوجد حزب واحد قادر على تمثيل مصلحة أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" بالكمال والتمام بل يتطلب تحقيق هذه المصلحة عدد معين من الأحزاب يتناسب عددها مع أمكانيات الأمة البسيطة وطموحاتها المشروعة.

معظم أبناء أمتنا يدركون بأن الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا)، حزب سياسي بكل المقايس المطلوبة في شرعنة إدعائه في تمثيل مصلحة الأمة لما تمتلكه من مقومات في مثل هذه الشرعنة ولكن كما سبق وأن قلنا بأن هذه الشرعية لا تصل إلى النسبة المطلقة او الكاسحة لذلك هناك أحزاب أخرى تمتلك مثل هذه المقومات في شرعنة إدعائها في تمثيل مصلحة الأمة وبنسب متفاوتة من حيث التأثير والإمكانيات. من هذا المنطلق ولغرض تمثيل مصلحة الأمة بنسبة عالية وكاسحة تدخل هذه الأحزاب في تحالفات من أجل تحقيق قدر أكبر من هذه المصلحة. والدخول في كذا تحالف لتحقيق المصلحة القومية لا يتم إلا بين أحزاب سياسية غير متساوية من حيث القوة والإمكانيات والشعبية ونسبة الشرعية، ولكن هم على مستوى متساوي من حيث الطموحات القومية ولو بحدها الأدنى وبالتالي من خلال هذا التحالف يتكامل بعضهم للبعض ويعملوا سوية لتحقيق مثل هذه المصلحة. في تاريخنا السياسي المعاصر نماذج من هذه التحالفات إلا أنها ومع الأسف الشديد لم تدرك آلية تشكيل هذه التحالفات وموقع كل حزب فيها، مسؤولياته وحقوقه، ولم تستطيع أن تنزل من الورق إلى الأرض لتحقق أبسط بسيطات مصلحة الأمة.

واليوم يتواجد تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية (تجمع) على الساحة السياسية والذي تشكل في عام 2010 من قبل أثنى عشر حزب وتنظيم مع عدد من شخصيات مستقلة، فهو، إستناداّ إلى التجارب السابقة في هذا الشأن ومقارنته بهم، يعتبر من أنجح التحالفات السياسية في مجتمعنا. فلو دققنا النظر في طبيعة تشكيل هذا التجمع نجد بأن العوامل أو التحديات الخارجية تمازجت وتفاعلت مع الوعي السياسي لقادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية المشكلة لهذا التجمع، أي تفاعلت العوامل الموضوعية مع الذاتية في تشكيله. وهو الموضوع الذي فصلنا فيه كثيرا في مناسبة سابقة. غير أن الواقع يقول ويثبت بأن مسيرة أكثر من ثلاث سنوات للتجمع تتسم بنوع من الخجل وفقدان الثقة بين أعضائه وبالتالي تعثر كثيراً في عمله بسبب عوامل داخلية أكثر من كونها عوامل خارجية وكل هذا يرجع إلى عدم وصول الوعي السياسي والقومي لدى بعض من قادة هذه الأحزاب إلى مستوى قادر على فهم طبيعة  هذه التحالفات وموقع كل حزب فيها وحدود مسؤولياته وحقوقه، أي بعبارة أخرى لم تستطيع هذه الأحزاب من الإنفلات من التحزبية وتفضيل المصلحة القومية على المصلحة الحزبية خاصة عندما تنبعث روائح الإمتيازات المغرية من مصادر كراسي البرلمان والحكومة والمناصب الأخرى فتزكم العقول وتخدر الوعي السياسي وبالتالي يضعف الوعي بالمصلحة القومية والعمل الجاد من أجل تحقيق الحد الأدنى منها. مثال بسيط وحي: المعلن عنه بأن هناك 13 كياناً أعلن أسمه عن خوضه لإنتخابات البرلمان العراقي المزمع إجراءه في شهر نيسان 2014 للتنافس على الكوتا المسيحية، وهو عدد كبير في مقارنة مع حجم أمتنا الصغير وطموحاتها البسيطة. فأين الوعي السياسي بالمصلحة القومية بين قادة هذه القوائم، أليس هذا التحزب بعينه وتجاهل لأدنى مطامح أمتنا التي يتطلبها عدد أقل بكثير من هذا العدد حتى تكون المنافسة مقبولة وديموقراطية وقادرة على السير في طريق تحقيق هذه المطامح من دون شرذمتها بين الكتل. والأنكى من كل هذا فهناك بعض من هذه الكيانات يدرك قادتها بأن فرص الفوز بمقعد في البرلمان العراقي ضئيل جداً أن لم يكن معدوماً ولكن التحزبية عملت فعلها المؤثر والقوي في دفعهم لدخول هذا المعترك محاولاً إثبات بأنه كبير وقادر على منافسة الكبار وهو لايعدو أن يكون إلا من بضعة أشخاص أو يحلم حلماً وردياً.

هذه السطور التي أطنبت بها بعض الشيء هي كمدخل لفهم الظاهرة القومية العظيمة المتمثلة في إحتفالات الأول من نيسان – عيد أكيتو ودور الزعة التحزبية فيها وتأثيرها في التقليل من عظمتها. لقد سبق وفي مقالة سابقة ذكرنا بأن المسيرات الإحتفالية للأول من نيسان كانت تنظم من قبل زوعا وكانت آخرها عام 2010 فكانت ناجحة بكل المعايير. وبعد هذا العام بدأ التجمع بتنظيم هذه المسيرات للأعوام التالية ولكن الحقيقة تقال بدون رتوش ومجاملات بأنها لم تكن بنفس المستوى السابق لا من حيث جماهيرتها (المشاركون) ولا من حيث تنظيمها وسبل توصيل رسالتها للآخرين، لا بل عبرت عن تشرذمنا وتحزبنا المقيت لهذا الحزب أو ذاك من خلال رفع الأعلام والشعارات الحزبية والطائفية بحيث لم يكن هناك شعارات كافية تعبر عن الوجه القومي والتاريخي والحضاري لهذه المناسبة. والأنكى من كل هذا كان قد غادر بعض قادة أحزاب وتنظيمات التجمع ساحة الإحتفالات أو عدم المشاركة في تنظيمها بحجج غير مقبول طبقاً للوعي القومي للمصلحة القومية المطلوبة في إنجاح هذه الإحتفالات القومية أو بحجة أن زوعا كانت هي المسيطرة عليها وفرضت وجودها على الإحتفالات مخالفة بذلك الإتفاقات المعقودة في التجمع بشأنها. وهذا صحيح بأن زوعا كانت هي المسيطرة وفارضة لوجودها على الإحتفالات وهذا أمر طبيعي جداً لو فهمنا طبيعة وقوة وشعبية وإمكانيات كل حزب أو تنظيم من أعضاء التجمع وهو الفهم والإدراك الذي يؤكد بأن قيام التجمع بتنظيم المسيرة النيسانية لم تكن إلا شكلية وكان تنظيمها فعلياً من قبل زوعا. وتأكد هذا من خلال الزيارات لمقرات زوعا سواء في أربيل أو دهوك ومشاهدة العدد الهائل من الزائرين لهذه المقرات والإحتفالات المقامة فيها ولبضعة أيام في الوقت الذي كانت مقرات الأحزاب الأخرى أما مغلقة أو فارغة دون أي إحتفال غير لافة على الباب بهذه المناسبة. من هذا المنطلق الواقعي والموضوعي كنًا بعد مسيرة عام 2013 قد أقترحنا في مقالة سابقة أن تقوم زوعا بتنظيم هذه المسيرة وأن تقوم بقية الأحزاب بنشاطات ثقافية وفنية وإجتماعية آخرى لتكتمل الحلقة الإحتفالية لعيد أكيتو الذي كان يستمر لعدة أيام وكل حسب إمكانياته وقوته وتأثيره في مجال معين دون غيره.

وحتى لا نقلد طير النعامة في السياسة وندس رأسنا في الرمال ونخشى روية الواقع كما هو، نقول بأن زوعا اليوم ليست كالأمس، خاصة بعد عام 2013، عام سقوط الصنم البعثي. فبالأمس كانت زوعا تستمد كامل شرعيتها من جماهير الأمة وموأزرتها وأستطاعت رغم الأمكانيات الشحيحة والتحديات الخطيرة أن تحقق أعظم الإنجازات في هذا العصر والمتمثلة في دعم وإسناد التعليم السرياني وعلى مراحل دراسية مختلفة، مضافاً إلى هذا كانت زوعا مصدر ألهام لأبناء أمتنا سواء في الوطن أم في المهجر وشحذ الهمم ودفع الوعي القومي الصحيح بخطوات ملموسة نحو الأمام، فشاركت كممثلة للأمة مع المعارضة العراقية والقوى الديموقراطية في إسقاط النظام، فكسبت إلى جانبها خيرة مثقفي أمتنا ناهيك عن المساندين والداعمين لها. ولكن من المؤسف له يظهر بأن مثل هذه الشرعية بدأت بالتراجع نوعا ما لحساب الكراسي البرلمانية والحكومية فأصبحت هذه الأخيرة مصدر آخر لقوتها وشرعيتها مبتعدة عن الجماهير وطموحاتها بخطوات ملموسة إلى درجة أصبحت القوائم الإنتخابية كدكاكين سياسية ليس لزوعا وحدها بل لمعظم أحزابنا وتنظيماتنا القومية بحيث سنصل قريباً خاصة عند دنو فترة الإنتخابات وحلم الفوز بكراسي برلمانية أو حكومية أن تحل هذه الدكاكين محل الأحزاب نفسها وهو ما نشاهده في هذه الأيام. هذا التحول النوعي الجزئي في شرعية زوعا كان من الطبيعي أن ينعكس على كيانها الداخلي وأن يتخلخل ويفرز أعضاء قياديين وكوادر متقدمة خارج التنظيم الرسمي لها. وجرياً على "موديل" تأسيس الدكاكين الإنتخابية أسس هؤلاء كياناً إنتخابيا تحت تسمية "قائمة أبناء النهرين" ونزلت إلى الساحة السياسية وبقوة وفازت بكرسي في برلمان إقليم كردستان وحالياً تعمل بهمة ونشاط أكبر لتفوز بأكثر من كرسي في برلمان العراق المركزي.

هذه الحالة الإستثنائية لتنظيم زوعا، من المؤسف الشديد لها أن يتجاهلها قادة زوعا ويصرون على أنها ظاهرة طبيعية في الأحزاب السياسية وقد مرت هي بها في السنوات السابقة عندما خرج "نفر أو نفرين" من قادتها وتركوا التنظيم، لكن الأمر ليس هكذا فالعدد الكبير من "الخارجين" وتشكيلهم كيان إنتخابي قابل لتحدي زوعا وغيرها من الأحزاب يجعلنا أن ننظر للمسألة بنظرة جادة مختلفة تماماً ويستوجب عدم تجاهلها إطلاقاً والهروب منها. نقول مرة أخرى، أنه من المؤسف الشديد جداً أن تتجاهل زوعا كل نداءات السلام والمصالحة  بين الطرفين التي صدرت من أقرب أصدقائها ومؤزريها ومحبيها وهو التجاهل الذي بالنتيجة والحتم سيضع مسألة شرعيتها المستمدة من هؤلاء موضوع شك وريبة وفقدان جوانب من مصداقيتها في مسألة المصلحة القومية والإقتراب بل الإلتصاق بالتحزبية أكثر فأكثر وصولاً إلى ظاهرة الشللية المقيتة التي تختزل الحزب في "نفرات" قليلة تصبح هي الكل في الكل. هذا الوضع الفريد من نوعه في تاريخ زوعا يجعلنا أن نعيد النظر في  مسألة تنظيم مسيرة أكيتو وأن نقترح تنظيم هذه المسيرة من قبل التجمع ولكن بشرط مطلق وحاسم وهو أن لا ترفع شعارات حزبية أو تجير اللافتات بأسم أي حزب أو تنظيم أو تطلق هتافات حزبية منرفزة ومهينة في بعض الأحيان للأحزاب الأخرى المشاركة في المسيرة كما شاهدناه في السنوات الماضية، بل يجب أن تكون جميعها شعارات وهتافات تعكس الجوانب القومية لهذه المناسبة وتبين بأن مصلحة الأمة فوق مصلحة الأحزاب وعلى هذا الأساس ستصل رسالة المسيرة إلى الآخرين وليس على أساس الحزب الأقوى صراخاً وتعلية للشعارات.

يقول العلماء بأن سنة واحد من قرن العشرين وما بعده تقابل مائة سنة من القرون الماضية من حيث تقدم البشرية ويرجعون سبب ذلك إلى عدة أسباب منها ظهور نظرية المنظمة أو تنظيم حياة البشر من جميع المناحي. وهذا ما نشاهده في المجتمعات المتقدمة ولا نجده في المجتمعات المتخلفة. إذن، حتى نعطي للمسيرة النيسانية طابعاً متقدماً وحضارياً يجب أن يكون التنظيم سيد الموقف في جميع الجوانب، ولكن لم يبقى على الأول من نيسان غير أسبوعين أو أقل ولحد هذا اليوم لم نسمع أو نقرأ أية تحضيرات لهذه الإحتفالات. أن التحضير المسبق للإحتفال مهم جداً خاصة لأبناء شعبنا في المهجر الذي في كل عام يشارك فيه عدد لابأس به خاصة القطاع الأهم، الشباب والطلاب. فأمر هؤلاء يختلف عن مشاركة أبناء الأمة في الوطن لأن معظمهم من الموظفين أو المرتبطين بأعمالهم أو كونهم طلاب جامعات وإن تقرير المشاركة في الإحتفال يتطلبه تخصيص الكثير من الوقت والمال وقطع المسافات الطويلة والقضاء بضعة أيام في الوطن وهو أمر صعب للغاية في المجتمعات الغربية التي يتطلبها إستعداد وتحضير مسبق. إن حضور ومشاركة هؤلاء خاصة الشباب والطلاب من بلدان المهجر أمر في غاية الأهمية لأنها أحدى الوسائل التي تجعلهم مرتبطين بأرض الوطن ويستذكرونه دوما عند عودتهم وهذا ما لاحظته في المؤتمر العام للإتحاد القومي الآشوري الأمريكي (كونفينشن) في شهر آب من العام الماضي في سان دياكو في ولاية كاليفورنا حيث عقد البعض من هؤلاء الشباب والطلاب ندوة عرضوا فيها مشاهداتهم ومشاركتهم في المسيرة النيسانية وزياراتهم لقرى وقصبات أبناء أمتنا في الوطن مدعوماً بسلايدات وأفلام فكان ذلك مثار أعجاب شديد من قبل الحاضرين وعاملاً مهماً في تشجيع أبناء أمتنا لزيارة الوطن خاصة أثناء الإحتفالات بعيد أكيتو فخلق ذلك ردة فعل قوية لديً مما حدا بيً أن أدخل في مداخلة معهم فيها نوع من الفكاهة والبهجة فقلت لهم "هنيئاً لكم لقد ضمنتم لكم دخول الجنة لأن من يزور أرض الوطن ويشارك في إحتفالات أكيتو سوف يدخل الجنة... وأشكر ربي لأنني ضمنت لي دخول الجنة بمشاركتي كل سنة في هذه الإحتفالات؟؟!!"

نأمل أن نراكم في مسيرة أكيتو القادم ولا يهمنا من سيكون المنظم لها فالمهم هو أن تعلو مصلحة الأمة عالياً وأن تكون هناك نشاطات ثقافية وفنية وأدبية وإجتماعية وأن نشارك فيها جميعاً والتي يجب أن ترافق مسيرة أكيتو كما كان يفعل أجدادنا البابلين والآشوريين قبل ألاف السنين... فلنكن جميعاً موضع ثقة عند أرواحهم ونسير على نفس دروبهم التي قادت البشرية إلى الحضارة والتقدم.
   
 

215
التغيير الديموغرافي للمناطق "الكلدانية السريانية الآشورية" في العراق
وجريمة التطهير العرقي

===============
أبرم شبيرا
مختصر في المفاهيم:
============
الديموغرافيا:
 يتفق معظم أساتذة وطلاب علم الإجتماع والجغرافيا على إرجاع مصطلح ديموغرافيا إلى اللغة اليونانية كغيره من المصطلحات  ذات الأصول الإغريقية، والذي يعني: ديمو – الشعب وغرافيا ـ الدراسة، أي بعبارة أخرى فهذا المصطلح يعني علم أو دراسة السكان من جميع الجوانب المختلفة  ولا أرى ضرورة في التفصيل في تعريفه اللغوي أكثر من هذا، ولكن هناك نقطة مهمة تتعلق بهذا الموضوع وهو أن السكان، وباللغة الإنكليزية (Inhabitants) يربتط إرتباطاً قوياً بالأرض لأن السكان (من فعل سكن) لا يمكن أن يمتلك مثل هذه الصفة إلا بوجود أرض يسكن عليها وبشكل دائم، لهذا السبب لا يمكن إطلاق صفة السكان على القبائل المتنقلة والبدو الرحل لأنهم لا يسكنون بشكل دائم على قطعة أرض معينة. وتظهر قوة الربط العضوي بين السكان والأرض من خلال التسمية التي يكتسها كل واحد من الأخر. فالكثير من الشعوب أكتسبوا تسميتهم من الأرض التي سكنونها وأعتبروه موطناً لهم والعكس صحيح أيضا فالكثير من الأراضي او الأوطان سميت بأسم السكان الذي يقطنها. وهناك أمثل كثيرة في هذا السياق، ويكفي هنا أن نشير إلى أرض الكلدان نسبة للكلدانيين وبلاد آشور نسبة للأشوريين، من هذا المنطلق يظهر مدى قوة الربط بين السكان والأرض وصعوبة الفصل بينهما.

من خلال هذا الربط العضوي تصبح الأرض مصدراً لحياة ومعيشة السكان الرئيسي وتنشأ بين أفراده علاقات خاصة ومتميزة تمارس من خلالها مجموعة من العادات والثقافة واللغة أو اللهجة والذكريات وتواريخ الأسلاف فتصبح بالنسبة لهم مصادر مهمة في تمييزهم ثقافيا وإجتماعية عن غيرهم من السكان. لهذا السبب تصبح العلاقة العضوية بين السكان والأرض ذات أهمية كبرى وحساسة إلى درجة يجعل مصير أو تقرير وجودهم المتميز متعلق بهذه القطعة من الأرض التي عرفت بشكلها الموسع في العلوم السياسية والقانونية بالإقليم أو الدولة وإن إي إنفراط في عقدة الربط العضوي بين السكان والأرض سيؤدي لا محال إلى ما عرف في العلوم الإجتماعية بالتغيير الديموغرافي.

التغيير الديموغرافي:
 ليس قصد موضوعنا هذا التغيير الديموغرافي الناجم من تغيًر سكان منطقة معينة من حيث حجم السكان وتوزيعه وكثافته ونسبة الولادة والوفيات والحالة الإقتصادية والإجتماعية ونسبة الأعمار وغيرها من المواضيع التي يدرسها علم السكان والجغرافيا البشرية وإنما القصد هو إرتحال أو ترك السكان لأراضيهم أو تهجيرهم إلى أمكان أخرى لأسباب تتراح بين الحرب والعنف والقوة أو التهديد بإستخدام القوة أو بقوانين جائرة أو بسبب قسوة الظروف الإقتصادية والسياسية التي تفرض على السكان الأصليين وتجبرهم على ترك موطنهم حتى يفسح المجال لسكان آخرين يحلون محهلم. ومثل هذه الإجراءات التعسفية في التغير الديموغرافي هي ممارسات غير قانونية لا بل جريمة ضد الإنسانية عالجها الكثير من القوانين والمنظمات الدولية وأقرت بصفتها الإجرامية والعقوبات الناجمة عنها. وقد عرف مثل هذه الجرائم في التغيير الديموغرافي بجرائم التطهير العرقي، وباللغة الإنكليزية بـ (Ethnic Cleansing)

التطهير العرقي - (Ethnic Cleansing):

إن الترجمة الحرفية لهذا المفهوم من الإنكليزية إلى العربية يشوه معناه ومضمونه المراد دراسته ككثير من المصلطحات الإنكليزية واللاتينية التي ترجمت إلى العربية بمعنى آخر لا ينطبق مع المضمون المراد دراسته. وكلمة (Ethnic) أو (Ethnicity) أو (Ethnical) والتي كثيرا ما تلفظ بالعربية كما هي في الإنكليزية بـ (الأثنية) لا تعني تحديداً ومضموناً بالعرق أو العنصر أو الدم بل لها معنى إجتماعي سوسيولوجي وأنتروبولوجي. فالأثنية تعني مفهوم يقوم على تحديد هوية جماعة معنية قائمة على أسس مشتركة من التجارب والإفكار والممارسات والأرث الثقافي واللغوي والأرض والتاريخ المشترك. أي بمعنى آخر هو نوع لفظي آخر لمصطلح القومية أو الأمة في الفكر السياسي المعاصر. ففي العربية (التطهير العرقي) يظهر بأنه يقوم على أساس العرق أو العنصر أو الدم ولكن في حقيقة الأمر مثل هذا التطهير يقوم على أساس فصم رابطة السكان عن أرضه وبالتالي تطهير وقضاء على كل المقومات التي تحدد أثنيته أو قوميته من خلال هذه الأرض. أي بهذا المعنى فالتطهير هنا هو تطهير أثني أو قومي وليس عرقي عنصري، ولكن جرياً على العادة فالإستخدام الشائع في القاموس السياسي هو التطهير العرقي.
 
تعرف الموسوعات التطهير العرقي كمصطلح الذي يطلق على عملية الطرد بالقوة لسكان غير مرغوب فيهم من إقليم معين على خلفية تمييز ديني أو عرقي أو سياسي أو إستراتيجي أو لاعتبارات ايديولوجية او مزيج من الخلفيات المذكورة. او من خلال السجن أو القتل او التهجير الذي تقوم به مجموعة مسيطرة تشكل الغالبية على مجموعة عرقية اخرى تشكل الاقلية من اجل الحصول على مناطق تقطنها المجموعة الاثنية التي تنتمي لها الاغلبية وقد تكون عمليات التطهير العرقي وفي حالات عديدة مرافقة لمجازر ترتكب ضد الاقلية المستهدفة عرفت بـ "الإبادة الجماعية".

التطهير العرقي ضد الكلدان السريان الآشوريين:
============================
الخلفية التاريخية:
سكن الآشوريون والكلدان والسريان منذ أقدم العصور في منطقة سماها الإغريق بـ (ميسوبوتميا)  (Mesopotamia) وباللغة السريانية (بيت نهرين) وترجمت إلى العربية بـ "بلاد ما بين النهرين" وهي ترجمة خاطئة فالصحيح هو بلاد مابين الأنهر أو الأنهار لأن في هذه المنطقة أكثر من نهرين (دجلة والفرات) كما أنه لا يوجد لا في اللغة السريانية ولا في اللاتينية أو الإنكليزية صفة التثنية، ففيها صفة المفرد و الجمع فحسب. وهو أمر يدركه اللغويون أكثر منًا بكثير. على العموم لكون هذه المنطقة غزيرة جداً بالمياه، مصدر نشؤ الحضارات، أصبحت أيضاً مصدر أطماع شعوب وقبائل يفتقرون إلى مثل هذه المصادر للحياة والحضارة لذلك تعرضت المنطقة إلى غزوات عديدة وعبر قرون طويلة من الزمن خاصة بعد زوال القوة السياسية والعسكرية لسكان هذه المنطقة من الآشوريين والكلدانيين فأحتلت أراضيهم وسكنها شعوب وأقوام جاءوا من خارج هذه المنطقة يختلفون عنهم إختلافاً كلياً ومن نواحي عديدة، حضارية ولغوية وتاريخية وحتى نفسية ودينية، فكان نتيجة ذلك أكبر وأوسع تطهير عرقي لهذه المجموعة البشرية في التاريخ فتحولوا من أكثرية بشرية إلى أقلية تسكن في مناطق معزولة أو شبه معزولة ومحاطة بهذه الشعوب والأقوام الغريبة التي أحتلت معظم أراضيهم وسكنوها حتى يومنا هذا. وشهد بداية القرن العشرين أوسع عملية تطهير عرقي وأثني وديني قامت بها سلطات الدولة العثمانية ضد الكلدان السريان الآشوريين وطرتهم بالقوة والقتل والتشريد والمجاعات من اراضيهم التاريخية ضمن سياسة عرفت بتتريك الأقوام غير التركية وغير المسلمة. وفي العراق منذ تأسيس كيانه السياسي عام 1920 لم تنقطع سلسلة التطهير العرقي للأصحاب الحقيقيين والتاريخيين لبلاد ما بين النهرين وأقصد تحديداً الكلدان السريان الآشوريين وعن طريق زحف الأقوام الأخرى من الكورد والعرب وغيرهما على أراضيهم التاريخية سواء بشكل طبيعي وبطيء أو بأساليب العنف والقوة والتهديد والطرد أو حرمانهم من المقومات البسيطة للعيش بحياة آمنة ومستقرة كالأمن والسلامة والطمأنينة. واليوم لايمكن فهم تجاوز الكورد على أراضي الكلدان السريان الآشوريين في إقليم "كردستان" ولا الإجراءات الجائرة التي يقوم بها بعض الموظفين والدوائر الرسمية في مناطق سهل نينوى وبحجج مختلفة إلا كحلقة من حلقات سلسلة التغيير الديموغرافي لأراض الكلدان السريان الآشوريين وتطهير المنطقة من مقومات وجودهم التاريخي فيها. ونظرة بسيطة على جغرافية المنطقة نرى بأن هناك مناطق كثيرة شكل الكدان السريان الآشوريين الأكثرية وضمن مناطق متجاورة ومتجانسة لكن بعد الحرب والعقود التي لحقتها تحولوا إلى أقلية بعد أن رحلو قسراً من مناطقهم التاريخية ولم تبقى منطقة متجانسة لهم إلا في سهل نينوى وفي بعض القرى الصغيرة المعزولة في جبال شمال العراق، وهي في هذه الأيام أراض معرضة للتغير الديموغرافي وتغيير معالمها التاريخية والتراثية.   

الوضع الإستثنائي وعلاقته بالتغيير الديموغرافي:
عاش ويعيش الكلدان السريان الاشوريين وضعاً ديموغرافياً وجغرافياً وجيوسياسياً إستثنائياً لا مثيل له، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب وإنما تقريباً في معظم أنحاء العالم. فهم أقلية بكل معنى الأثني والإجتماعي والديني والجغرافي والسياسي. جغرافياً فهم يعيشون على هوامش وحدود دول : عراق وتركيا وإيران وسوريا وحتى أرمينيا وروسيا، يشبه حالهم الجغرافي كحال الكورد ولكن من جهة دينية يختلفون عنهم في كونهم مسيحيون يعيشون في هذه الدول التي تدين بالإسلام الذي هو دين الكورد أيضا، أي هم كجزيرة صغير يعيشون وسط بحيرة إسلامية. وهنا يجب أن لا ننسى بعض الجهات الإسلامية المتطرقة التي لا تجد في هذه الأقلية المسيحية إلا ككفار وملحدين وعملاء للغرب المسيحي. إضافة إلى ذلك يختلفون لغوياً عن الأكثرية والدول المجاورة التي يتكلمون بلغات لا تمت بأية جذور لغوية، عدا العربية، إلى اللغة السريانية التي يتكم بها الكلدان السريان الآشوريين. هذا ناهيك عن الوضع السياسي الذي يحيط بهم إذ أنه ليس لهم أية إمتدادات سياسية أو دولة تشاركهم أثنياً ولغوياً ودينياً يمكن أن يشكل مثل هذا العامل السياسي دعماً لهم في مطاليبهم القومية والحفاظ على كيانهم وأراضيهم عند تعرضها للتجاوزات والإحتلال، كما هو الحال مع التركمان في العراق وحتى الأرمن. كل هذا الوضع الإستثناني للكدان السريان الآشوريين هو نتيجة مباشرة للتغير الديموغرافي لمناطقهم التاريخية فأصبح هذا الوضع الإستثناني عاملاً مشجعاً للطامعين بأراضيهم للتمادي في التجاوز عليها وإحتلال البقية الباقية وتغيير معالمها الديموغرافية. فهذا الوضع الإستثنائي الناجم من التغيير الدموغرافي شكل عاملاً من عوامل هجرة الكدان السريان الآشوريين وعلى المستويين: الهجرة الداخلية والهجرة الخارجية، وهو موضع آخر ويستوجب التفصيل عنه في مناسبة أخرى.

الغيير الديموغرافي والدستور العراقي:
=========================
النص الدستوري:
تطرقت المادة 23 من الدستور العراقي لعام 2005 بهذا الخصوص على مايلي:
أولا: الملكية الخاصة مصونة ويحق للمالك الإنتقاع بها وإستغلالها والتصرف بها في حدود القانون.
ثانياً: لا يجوز نزع الملكية إلا لأغراض المنفعة العامة مقابل تعويض عادل، وينظم ذلك بقانون.
ثالثا:   أ – للعراقي الحق في التملك في أي مكان في العراق، ولا يجوز لغيره تملك غير المنقول إلا ما
   أستثنى بقانون.
   ب – يحظر التملك لأغراض التغيير الديموغرافي.
وقد جرى العديد من التفسيرات والإجتهادات فيما يتعلق بالفقرتين (أ) و (ب) من ثالثاً أعلاه. والذي يظهر كأنه هناك تعارض بينهما، ذلك لأنه حاول البعض أعتماداً على الفقرة (أ) تفسير نص الفقرة (ب) لتحقيق أغراضهم من التملك والتي ينتج عنه تغييراً ديموغرافياً في بعض المناطق التي لها خصوصية أثنية وقومية ودينية ومذهبية. غير أن المحكمة الإتحادية العليا حسمت الموضوع بقرارها المرقم 65/إتحادية والمؤرخ في 23/07/2013 وأكدت على منع التملك لإغراض التغيير الديموغرافي حتى بوجود حق العراقي في التملك في أي مكان في العراق إذ أن الفقرة (ب) وردت في الدستور بعد نص الفقرة (أ). وقد جاء في قرارها "أن الدستور العراقي حظر تمليك أو تملك الأشخاص أفراداً أو جماعات للعقارات بكل أجناسها وأنواعها وفي أي مكان من أرجاء العراق سواء كان ذلك على مستوى القرية أو الناحية أو القضاء أو المحافظة وبأي وسيلة من وسائل التمليك أو التملك وذلك إذا كان وراء ذلك التمليك أو التملك هدف أو غاية للتغيير السكاني وخصوصيته القومية والأثنية أو الدينية أو المذهبية، حيث نص أن المادة (23/ثالثا/ب) من الدستور ورد مطلقاً في حكمه وهادفاً مع النصوص الدستورية الأخرى في الحفاظ على الهوية السكانية بمناطقها الجغرافية في العراق القومية منها والأثنية والدينية والمذهبية وشكل قيداً لنص المادة (23/ثالثا/أ) من الدستور التي أجازت للعراقي تملك العقار في أي مكان في العراق، لأن نص المادة (23/ثالثا/ب) من الدستور ورد بعد نص المادة (23/ثالثا/أ) من حيث الترتيب التدويني ولأنه كما تقدم ورد بصيغة المطلق والمطلق يجري على إطلاقه" وكان القرار قد صدر بإتفاق جميع أعضاء المحكمة العليا.

لاشك فيه أن هذا النص الدستوري وقرار المحكمة بشأن هذه المادة جاء إنتصاراً لمبادي العدل والإنصاف وهو نصراً، على الأقل قانونياً ونظرياً، على التجاوزات والتمليك المؤدي إلى التغيير الديموغرافي خاصة لأراض القرى والقصبات التي لها خصوصية تاريخية للكلدان السريان الآشوريين لذا فإن أي إجراء بهذا الشأن فهو باطل قانونياً. فوفق هذا النص لا يجوز تملك المسلمين الأراضي والعقارات في مناطق ذات أغلبية مسيحية إذا كان الهدف تغيير هوية المدينة السكانية أو بالنتيجة سيودي هذا التملك إلى تغيير ديموغرافي ولا يجوز لغير القوميات كالعرب والكرد والتركمان تملك أراض مهما كان نوعها في مناطق الكلدان السريان الاشوريين طالما ذلك يؤدي إلى تغيير ديموغرافي لهذه المناطق.

إفتقار القانون إلى الأرادة السياسية:
بالرغم من كون هذا النص في الدستور العراقي معززاً بقرار المحكمة الإتحادية العليا حماية للأقليات الأثنية والدينية، إلا أن تطبيقه يحتاج إلى إرادة سياسية وطنية للسلطات التنفيذية وهو أمر مشكوك فيه من خلال التجارب والممارسات الخاصة بالتجاوزات والتغيير الديموغرافي للمناطق الكلدانية السريانية الآشورية، خاصة عندما نعرف بان أسلوب المخاصصة الطائفية المقيتة تعشش في أروقة الأجهزة التنفيذية. صحيح ما قاله الشيخ همام حمودي رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراق أثناء جلسة إستماع أوروبية في بروكسيل في 16 أيولز 2013 ما مضمونه بأن المسيحيين يعيشون دستورياً عصرهم الذهبي ولكن ليس كذلك في الواقع. ولكن أخطاً كثيرا كما يخطئ عادة معظم العراقيين وبعض من سياسي الكلدان والسريان الآشوريين عندما يقولون بأن واقعهم لا يختلف عن واقع بقية العراقيين فالجميع مستهدفين على حد سواء. غير أن الأمر ليس كذلك إطلاقاً فإستهداف المسيحيين من الكلدان السريان الآشوريين في العراق هو إستهدافاً لوجودهم التاريخي في أرض أبائهم وأجدادهم وإقتلاعهم من جذورهم في حين أن إستهداف غيرهم من المسلمين من العرب السنة أو الشيعة أو الكرد هو إستهدافاً سياسياً وليس ديموغرافياً. وهذا أمر فصلنا فيه في مناسبة سابقة ولا يستوجب الإطناب فيه أكثر من هذه الإشارة. وبإختصار نقول بأن النص القانوني لا تكون له أية قيمة أو قوة على أرض الواقع مالم يطبق من قبل الهيئات التنفيذية وبإرادة سياسية وطنية وليس طائفية أو عشائرية أو تحزبية، فالديموقراطية وحماية الشعوب الأصلية للوطن ليست بالنصوص بل بالنفوس الطيبة والمنفتحة والمتمدنة.

وللإرادة السياسية المبنية على الطائفية قوة بحكم تحكمها في الهيئات التنفيذية في تفسير المواد الدستورية والقانونية بما يخدم مصالح الطائفة التي تمثلها. فمن السهول على الهيئات الإدارية للمحافظات والأقضية والنواحي إصدار قرارات في إنتزاع ملكية أرض بحجة المنفعة العامة كما يحدث في مسألة بناء مساجد أو حسينيات في مناطق كلدانية سريانية آشورية، كما حدث في ناحية برطلة وغيرها من القصبات في سهل نينوى والذي قد يظهر بأنه بناء مثل هذه المساجد والحسينيات لا يؤدي إلى تغيير ديموغرافي. ولكن الأمر ليس كذلك إطلاقاً لأن بناء هذه المساجد والحسينيات تبنى للمسلمين من الشيعة والسنة والتي حتماً ستكون نقطة جذب لهم من المناطق الأخرى إلى هذه المناطق والسكن فيها. كما أنه يجب أن نؤكد بأن التغيير الديموغرافي لا يحدث دفعة واحدة بل عبر مراحل وفترات مختلفة ومتعددة ومن المؤكد وجود مثل هذه المساجد والحسينيات هو نقطة بداية في التغيير الديموغرافي لتلك المناطق خاصة عندما نعرف بأن الفلتان الأمني الذي يضرب الأقليات قبل غيرهم يساعد كثيراً في تسريع عملية التغيير الديموغرافي.

أما في مناطق الكلدان السريان الآشوريين في إقليم "كردستان" فالتغيير الديموغرافي فيها رغم أنه يلتقي مع التغيير الديموغرافي القائم في مناطق سهل نينوى في الهدف إلا أنه ينحو منحاً آخر أكثر قوة وتأثيرا، ليس بسبب إفتقار هذه المناطق إلى الخدمات الأساسية فحسب بل أيضاً إلى تجاهل القوة العشائرية المتحكمة في بعض من هذه المناطق لكل قرارات وأنظمة السلطات المحلية لا بل هناك حالات ساعد أو تورط بعض من عناصر السلطات المحلية والعسكرية في تجاوز وإستلاء على الأراض الكلدانية السريانية الآشورية كما حدث مؤخراً في قرى منطقة نهلة وفي قرية كوري كفانه. فإن تغاض السلطات المركزية والمحلية عن مثل هذه الإجراءات التعسفية والممارسات اللا قانونية تشجع الطامعين في المزيد من الأراضي والبساتين على إستمرارهم في تجاوز وإحتلال والسكن في أراضي الكلدان السريان الآشوريين.

أخيراً نود أن نبين بأن الإعتماد على النصوص الدستورية والقوانين والأنظمة والقرارات الإدارية للسلطات التنفيذية قد تكون سنداً لسياسي أبناء أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية إلا أنها غير كافية إطلاقاً للحد من التجاوز على أراض هذه الأمة التاريخية، بل يتطلب هذا السند إرادة سياسية قومية فاعلة تجد لها الحياة على أرض الواقع. فكتابة الإحتجاجات والإستنكارات لا آذان صاغية لدى السلطات الرسمية ولا يخترق جدران هذه الأذان إلا بالنزول إلى الساحة السياسية وتسير إحتجاجات جماهيرية وتقديم إستقالات ممثلي الأمة من الهيئات الحكومية والبرلمانية أو تجميد عضويتهم وإيجاد السبل التي قد توصل هذه الإحتجاجات إلى الرأي العام العالمي وقد يكون التنسيق مع أحزاب ومنظمات أمتنا في المهجر عامل ضغط على السلطات العراقية المركزية والإقليمية لأخذ مسألة التجاوز على أراضي أمتنا بنوع من الجدية في معالجتها أو الحد منها والإ فمصير هذه المناطق سيكون كمصير المئات من القرى والقصبات التي أحتلت بالكامل من قبل الغير وبالتالي تفقد أمتنا أهم عنصر من عناصر وجودها التاريخي في أرض الأباء والأجداد ولا حل لهذه المعظلة وإيقاف التغيير الديموغرافي إلا أن يحكم ويدير أبناء أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية أراضيهم بأنفسهم سواء بالحكم الذاتي لمناطقهم أو بالإدارة المحلية والذي من الضروري أن يسبق ذلك إعادة ترتيب ورسم الحدود الإدارية لبعض المناطق لتكون ملائمة لمثل هذا الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية وهو أمر نعيده ونكرره مرات ومرات يتطلبه إرادة سياسية قومية وطنية فبدونها يبقى العمل السياسي هباء والجهود المذولة في هذا الشأن تدور في حلقة مفرغة لا جدوى منها، عند ذاك سيكون لنا شأناً أو موقفاً آخر من الهجرة التي تذبح بأمتنا وتقطعها أوصالاً.


 
             
 
     
 

216
تعرض الشخصية القومية المعروفة عمانوئيل قليتا إلى حادث سقوط خطير

ابريم شبيرا


تعرض قبل بضعة أيام الشخصية المعروفة والناشط القومي عمانوئيل قليتا إلى حادث سقوط خطير أودى به إلى نقله فوراً إلى المستسفى حيث تبين بأنه مصاب بكسر كبير في منطقة الحوض إضافة إلى مضاعفات آخرى تداخلت مع حالته الصحية الضعيفة مما أستوجب أجراء عملية جراحية له ومعالجة المضاعات الأخرى لتجعله طريح فراش المرض في أحدى المستشفيات الكبرى في دولة الإمارات العربية المتحدة. ومن المعروف عن السيد عمانوئيل بأنه من بين قلة قليلة من رجال الأعمال الناجحة الذين أنخرطوا في المسائل القومية والنشاطات السياسية والأعمال الخيرية ومن دون أن يستكين إلى الراحة والهدوء رغم عمره العتيد وتدهور حالته الصحية بشكل عام.
فقد كان من أنجح رؤساء النادي الآشوري في لندن في الثمانينيات من القرن الماضي حيث لعب دوراً كبير في هذا النادي ومن نواحي عديدة جعلته أن يتذكروا أعضاءه دوماً أيام رئاسته للنادي. كما كان عضواً نشطاً في الأتحاد الآشوري العالمي (AUA) ومسؤولاً ماليا عنه لسنوات طويلة وفي السنوات الأخيرة كان رئيساً للجمعية الخيرية الآشورية في بريطانيا. وبالنظر لمساهماته الكبيرة في الحقل القومي وتبرعاته السخية للجمعية الخيرية الأشورية وللكثيرمن المحتاجين وخاصة أبناء أمتنا المهجرين في سوريا والأردن فقد أختاره الأتحاد القومي الآشوري الأمريكي ((Federation في مؤتمره العام كرجل لعام 2010، ومن ثم تم تكريمه كشخصية قومية مرموقة من قبل الجمعيات الآشورية في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية.

رغم إغتراب السيد عمانوئيل عن وطنه لفترة تزيد عن نصف قرن إلا أنه لم ينقطع أبداً عنه فكان وعلى الدوام في أتصال مع أبناء أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" ليس من خلال إنضمانه أو مشاركته مع الأحزاب السياسية أو المنظمات القومية في بلدان المهجر بل من خلال زياراته المتكررة سواء لشمال الوطن أو إلى سوريا والأردن. فعلى الرغم من حالته الصحية المتدهورة وصعوبة المشي والتحرك إلا هذا لم يمنعه من مشاركته السنوية في مسيرة عيد أكيدو في الأول من نيسان من كل عام وأنخراطه في الفعاليات والزيارات إلى قرى وقصبات أبناء شعبنا في شمال الوطن.

نطلب من ربنا يسوع المسيح أن يفعم السيد عمانوئيل برحمته ونعمته ليشفى من هذا المصاب الأليم لنا جميعاً ونأمل أن نراه في مقدمة مسيرة أكيدو في الأول من نيسان من هذا العام كعادته المعهودة.  

217
ذكريات عن إعتقال وإستشهاد الخالدين يوسف ويوبرت ويوخنا
=====================================

صدام حسين: " للمرة الثالثة يعملها الآثوريون... وهذه المرة راح أكسر راسهم"

أبرم شبيرا

في هذه الشهر الذي تمر الذكرى (29) على  إستشهاد الخالدين يوسف توما ويوبرت بنيامين ويوخنا إيشو من  مؤسسي وقيادي الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) بعد إعتقالهم في صيف عام 1984 ومن ثم أعدامهم من قبل النظام البعثي المقبور في بداية شهر شباط من عام 1985، تكثر الأقلام والكلمات بهذا الحدث الحاسم في التاريخ المعاصر للحركة القومية لأمتنا لما وقفه هؤلاء الخالدين مواقف بطولية قل نظيرها سواء أثناء الإعتقال أو المحاكمة الصورية ومن ثم إرسالهم إلى مسرح الإستشهاد في سجن أبو غريب غربي بغداد. ومن حق، لا بل هو واجب، رفاقهم في الحركة وأصدقاءهم أن يعبروا بكل ما تجيش بها مشاعرهم وأفكارهم وترسخ مواقفهم وتؤكد سياساتهم تجاه هذه المسيرة البطولية لهؤلاء الشهداء ولكن في نفس الوقت ليس من حق أحد أي من كان أن يستغل هذا الحدث وأسم الشهداء لتأكيد وترسيخ بعض السياسات والمواقف التي لم تكن لا من قريب ولا من بعيد من ضمن السياسات والمواقف التي أستشهد هؤلاء الأبطال من أجلها، وأنه من المؤسف لا المغزي أن يستغل البعض ذكرى إسشهاد هؤلاء الأبطال للتناطح وكسب المكاسب. صحيح كان هؤلاء من قادة زوعا ومنضمين إليها ولكن إذا أعتبرنا زوعا الحركة الرئيسية والحزب الممثل لأمتنا فإذن هؤلاء هم شهداء الأمة قبل أن يكون شهداء زوعا لذلك فمن حق وواجب كل إنسان محب لأمته أن يثمن تثميناً عاليه هذه البطولة في التضحية والإستشهاد.  

على أية حال، أن تسطير هذه السطور ليس الغرض منها تأييد هذه السياسات والمواقف أو رفضها لأن قدسية الحدث لا يسمح لنا إطلاقا التطرق إلى مثل هذه المسائل التي تؤخر ولا تقدم ولكن الغرض هو أنعاش ذاكرتي عن الأيام التي سبقت إعتقال المجموعة التي تراوح عددها أكثر من 21 عضوا في زوعا والأيام التي قضوها في السجن وحتى آخر أيام إعدام الشهداء وما صاحب ذلك من اجواء مرعبة ومخيفة سادت بين معظم أبناء أمتنا في تلك الفترة. هذه هي بعض الحقائق عن تلك المرحلة الحرجة من مرحلة  إعتقال وإستشهاد مناضلي أمتنا ولكن من المؤكد ليست كلها لأنها مجرد ذكريات مر عليها ما يقارب ثلاثة عقود وربما تآكل جزء منها بالتقادم الزمني فهي عرضت بوجهة نظر شخصية معايشة لجوانب من الحدث ومن المؤكد العديد من أعضاء زوعا ومن أفراد عوائلهم وأصدقائهم لهم الكثير من الذكريات المؤلمة عن هذه المرحلة والتي هي من الضروري لزوعا أن تقوم بتوثيقها ونشرها لأنها مرحلة مهمة في سلسلة النضال القومي المعاصر لأمتنا.  

في ليلة من شهر تموز عام 1984 خرجنا من النادي الثقافي الآشوري في بغداد وكنا مجموعة زادت عن عشرة أشخاص وبينهم أعضاء وكوادر في زوعا وإنطلقنا إلى منطقة الدورة حيث كان مسكن أحد أعضاء زوعا وهناك قضينا ساعات طويلة دنت من طلوع الفجر في أحاديث ومناقشات حامية ووطيسة في السياسة والقومية والأحزاب جرت بين عدد من الذين كانوا معروفين بـ "المستقلين" وأنا واحد منهم وأعضاء من زوعا. لم يكن جوهر المناقشات الإختلاف على المسائل القومية وأهمية وجود تنظيم سياسي ومساعدته بقدر الإمكان خاصة بعد ألتحاق زوعا بركب الكفاح المسلح في شمال الوطن وما يتطلب ذلك من مساعدات مالية ومعنوية، لكن الإختلاف كان على أسلوب العمل الذي كان يسلكه بعض أعضاء زوعا المشاركين في هذه المناقشات والذي كان قائماً على الإندفاع والحماس في الفكر والعمل القومي والتنظيمي وعدم الإحتراس وتقدير المخاطر الناجمة من العمل شبه المكشوف في ظل نظام سياسي مستبد لا يقر ولا يعترف بمثل هذا التنظيم. وكان هذا الأسلوب يعكس أمرين: أولهما: إخلاص وتفاني هؤلاء من أجل أمتهم وإستعدادهم للتضحية من أجلها ومن دون خوف أو تردد. وثانيهما: قلة الخبرة والتجربة في العمل السياسي والتنظيمي حيث معظمهم كانوا من الشباب والطلاب اللذين كانوا في مقتبل حياتهم السياسية.
 
في اليوم الثاني من بعد مناقشات الليلة الماضية، جاء إلى مسكني أحد الكوادر من اللذين شاركوا في المناقشات وهو صديق عزيز وكان جاري ساكناً في نفس المنطقة في بغداد فأعترف بأن ما ذكرته في مناقشات الليلة الماضية هو صحيح وأن مثل هذا الأسلوب سيعرضهم إلى الإعتقال من قبل النظام حيث كانت هناك أخبار غير مؤكدة تأتي من كركوك بإحتمال قيام أزلام النظام البعثي بحملة إعتقالات ضد أعضاء زوعا... وفعلاً لم تمضي بضعة أيام حتى بدأت سلسلة الإعتقالات إبتداءاً من كركوك وموصل وحتى بغداد لا بل وطالت معسكرات الجيش حيث كان البعض من أعضاء زوعا في الخدمة العسكرية الإجبارية وشملت هذه الأعتقالات أيضا صديقي وجاري المنوه عنه أعلاه.  ومن يتابع حيثيات وتفاصيل الأيام السابقة لإعتقالهم والمحاذير أو التهديدات التي وجهت إلى البعض من المعتقلين من جهات أمنية أو غير أمنية كلها تؤكد حماسهم وعدم الخوف من الإستمرار في العمل السياسي من جهة وقلة الخبرة السياسية والتنظيمية والإفتقار إلى الحذاقة والفطنة في الإختفاء عن العيون الإستخباراتية والإبتعاد عن قبضة السلطة من جهة أخرى، وهو ما سبق وأن أكدناه في أعلاه.  

 أمضى مناضلوا زوعا ما يقارب ستة أشهر بين المعتقل والمحاكمة الصورية والسجن بعد أن حكم عليهم بالسجن المؤبد مع مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة. وبعد ورود أخبار عن الحكم عليهم وزجهم في سجن أبو غريب والسماح بزيارتهم في الأيام المحددة، كنت أنا والصديقان نوئيل داود توما والمرحوم إيشايا هرمز يونان أول من قام بزيارهم في سجن أبو غريب إضافة إلى أفراد من عوائلهم، ونحن الثلاثة لم تكن لنا أية صلة عائلية معهم بل مجرد علاقة صداقة وهذا ما أثار مخاوف البعض من المعتقلين على زيارتنا لهم لأنهم كانوا يعتقدون بأن من بين السجناء عملاء للنظام يراقبون زوار السجن وإننا بهذه الزيارة سنعرض حياتنا للخطر. لم يكن بين المعتقلين الشهداء الثلاثة يوسف ويوبرت ويوخنا وقد جاءت الأخبار بأنه حكم عليهم بالإعدام ولكن كان في السجن مجموعة من أعضاء حزب الدعوة الإسلامي الذين حكم عليهم أيضا بالإعدام ولكن عندما رفع قرار المحكمة إلى رئيس النظام البعثي المقبور صدام حسين للمصادقة عليه خفف الحكم من الإعدام إلى السجن المؤبد مع العلم بأن البعض من هؤلاء كانوا قد شاركوا في أعمال العنف والإغتيالات، وفي حينها ذكروا بأن الشهداء الثلاثة كانوا معهم وأنه من المؤكد عندما تحول المحكمة قرار الحكم بالإعدام إلى رئيس النظام للمصادقة عليه سوف يخفف الحكم إلى المؤبد كما فعل معهم لأن الإثباتات ضدهم ليس قوية وكافية لكي يحكم عليهم بالإعدام، وهذا الكلام زرع نوع من الأمل في قلوب أهل الشهداء بأنه في القريب سوف يلتقون بهم في السجن. وبعد مدة تم تبليغ عوائل الشهداء لزيارتهم غير أن الأمر لم يكن هكذا فتبين بأن تبليغهم هو لإستلام جثثهم التي وضعت في أكياس (كواني) ويقال بأن عيونهم كانت مقلوعة.

بعد إجراء المراسيم الكنسية وبنوع من التردد والخوف، تم دفن الشهيدين يوبرت ويوخنا في مقبر "الآثوريين" في منطقة الراشدية على طريق بعقوبة، أما جثة الشهيد يوسف فقد حملها والده المناضل توما الزيباري ليدفنه في قريته "بليجانه" في شمال الوطن. كنًا في بغداد نزور قبر الشهيدين لوضع بعض الزهور عليها وتبخيرها ولكن إستلمنا تحذيرات في حينها بأن حارس المقبرة هو مخبر للأمن العراقي يقوم بأخبارهم عن الزائرين لقبر الشهيدين ولا ندري فيما إذا كان مثل هذه المعلومات صحيحة أم لا ولكن من المؤكد بأن كل الزهور والمأثورات التي كانت تضع على القبرين كانت أما تسرق أو تتلف من "مجهول" والحارس ساكن هناك ليل نهار. لهذا كانت المخاوف والمحاذير سائدة في عدم تعمير وتزين القبرين والتقليل من زيارتهما. والحال أيضا نفسه مع قبر الشهيد يوسف في قرية بليجانه الذي زرته أيضا عدة مرات لم يتم تعميره مع قبر الشهيدين يوبرت ويوخنا إلا بعد سقوط الصنم البعثي. كنت أعرف معظم المعتقلين ومنهم الشهداء الثلاثة وكانت لي مع بعضهم علاقات صداقة قوية وتتداخلات فكرية سياسية  بحيث كنت أعرفهم حق المعرفة ومن جوانب كثيرة فكلهم كانوا بالنسبة لي مناضلين شجعان من الدرجة الأولى. ولكن وحسب إستبدادية النظام وقوانينه الجائرة كانوا كلهم "مجرمين" يستحقوق العقاب ومن من جانب آخر ووفق المعايير الديموقراطية والإنسانية لا بل الواقعية فأنهم كانوا أبرياء بكل معنى الكلمة فلم يقترفوا أي جرم ولا حاولوا الإستلاء على السلطة أوإغتيال رجالاتها ولكن النظام الجائر حكم عليهم بتهم جائرة لا أساس لها قائمة على ألإنضمام إلى تنظيم سري له إتصالات بجهات خارجية في زمن الحرب والعمل ضد السلطة وإقتناء سلاح وأجهزة "متطورة" للتجسس على أساس أن المسدس الصغير القديم (من زمن العصملي) والكاميرا البسيطة التي عثرت عند الشهيد يوخنا إيشو أولت وفق هذا السياق لتبرير حكم الإعدام بحقهم. من المؤكد بأن القاضي المستبد حكم على هؤلاء الثلاثة بأقصى عقوبة مستندا إلى مكانتهم في التنظيم ومعرفة خلفياتهم ودورهم ونشاطهم في الحركة ولكن الأمر المثير للإنتباه هو أن أسمائهم الثلاثة تبدأ بالحرفين (ي) و (و)،  أي يوسف – يوخنا – يوبرت ربما هذا تيسر للقاضي إيجاد كبش الفداء وتحقيق رغبة رئيسه المستبد في كسر رأس "الآثوريين"؟؟. وقيل في حينها بأنه حكم  بالإعدام أيضاً على السيد يونادم كنا الذي هو الآخر يبدأ أسمه بنفس الحرفين، أهي مصادفة أم مقصودة من القاضي؟
 

زيارة لقبر الشهيد يوسف توما قبل تعميره في قرية بليجانه في شمال الوطن وفي حينها دفنت قلمي في تراب قبره معاهداً أمام الله والحاضرين بأن لا أسخره إلا لخدمة نفس الرسالة التي من أجلها أستشهد.

بين إعتقال مناضلي زوعا في صيف عام 1984 ولغاية يوم الشهادة في شباط 1985 كانت هذه الفترة من أكثر المراحل رهبة وخوفا في مجتمعنا حيث بعد إعتقالهم أختفى معظم أصدقائهم وحتى بعض من أفراد عوائلهم وأقاربهم خوفاً من بطش النظام. فمثل هذه الأجواء تكون أرضاً خصبة لإنتشار وتناقل الإشاعات والإخبار المؤكدة وغير المؤكدة كإنتشار النار في الهشيم. فكنا في حينها نسمع الكثير منها من يقول بأن فلان قد أتصل بأعلى الجهات الرسمية لإطلاق سراحهم ومنهم من كان يقول بأنه سيفرج عنهم قريبا كما أفرج من قبل عن بعض الآشوريين بعد فترة قصيرة من إعتقالهم في السنوات القليلة الماضية  ... وهكذا، ولكن من أكثر الإخبار إثارة التي كانت قد وصلتنا هو ماذكر بأن رئيس النظام المقبور صدام حسين كان قد قال أثناء المصادقة على قرار إعدام الشهداء: "للمرة الثالثة يعملها الآثوريون... وهذه المرة راح أكسر راسهم". فأصبح هذا الخبر وخاصة ما قصده بالمرة الثالثة لغزا لدينا للتأويل والتحليل... فما هي المرتين السابقتين التي عملها الآثوريون حسب أعتقاده.... هل هي حركة عام 1933، و مشاركتهم في قمع تمرد مايس عام 1941 والمدعوم من قبل النازية والذي قام به بعض من تلاميذ أودلف هتلر وكمال أتاتورك... أم كان القصد هو أعتقال مجموعة من الشباب الآشوري بتهمة تشيكلهم تنظيم سياسي في بداية السبعينيات و مرة أخرى لمجموعة أخرى في الثمانيات من القرن الماضي ومن ثم الإفراج عنهم بعد عدة أيام. ولكن مهما كان القصد فأنه من المؤكد بأن رئيس النظام المقبور لم يستطيع كسر رأس الأثوريين ومن يمثلهم سياسيا، إذ تواصل الآشوريون ممثلين بنضال الحركة الديموقراطية الآشورية في تلك الفترة بشكل أكثر فاعلية وحماس فأنضم إليها المئات من الشباب ومن مختلف الطوائف والملل من أبناء شعبنا وشاركت مع بقية الفصائل السياسية الوطنية في العمل من أجل نيل حقوق شعبنا في الوطن. ولكن عدم قدرة أعتى نظام دكتاتوري على كسر رأس الآثوريين جعلني أن أتذكر الدودة الصغير جداً التي تولد في التفاحة وتفسدها ومن ثم تفسد البقية إن لم تكافح منذ البداية.. وحسرتاه.. هناك ملامح على وجود مثل هذه الدودة في مجتمعنا وفي بعض أحزابنا وتنظيماتنا والتي بدأت تتحول إلى تنين مفترس بفعل الرائحة الزكية المشهية التي تنبعث من كراسي الحكومة والبرلمان، فإن لم تكافح هذه الدودة والحد من تحولها إلى تنين مفترس فإن الفساد لا محال سوف ينتشر في كل أجزاء الأمة وتنظيماتها القومية. أمل أن لا نصل إلى هذه الحالة المأساوية المهلكة ...  وهنا أيضا تذكرت المثل التوراتي الذي يقول "الأمل المرجأ يمرض القلب" (سفر الأمثال 13-12). واالقارئ اللبيب يفهم المقصد من هذه الأمثال.  

فليكن دم الشهداء الأبرار وذكرى إستشهادهم سبيلاً قوياً وفاعلاً في إبادة مثل هذه الدورة وقتل التنين لكي يستمر عجز أعتى دكتاتوريات العالم من كسر رأس الآشوريين. فإذا كان الآشوريون وحدهم على الساحة السياسية في تلك الفترة ولم يستطيع الدكتاتور المستبد من كسر رأس الآشوريين فكيف سيكون الحال لو توحدوا مع الكلدان والسريان تحت راية قومية واحدة؟؟؟                    

    


218
المنظمة الآثورية الديموقراطية (مطكستا)
=========================

ألا يستكين مناضليها إلى الإستقرار والراحة ؟
أبرم شبيرا

ليس بالكثير من أبناء أمتنا (الكلدانية السريانية الاشورية) يعرفون عن مطكستا وتاريخها ونضالها. وقد تكون هناك جملة أسباب وراء ذلك، فالستار السياسي الذي كان يقطع التواصل بين العراق وسوريا من جراء التوتر السياسي والعقائدي بين طرفي حزب البعث الذي سيطر على كلا البلدين لعقود طويلة خلق حاجزاً فكرياً منع تبادل الإفكار والخبرات خاصة بين تنظيماتنا السياسية والقومية. كما كانت الطائفية المقيتة عاملا آخر لدى الكثير من أبناء أمتنا خاصة أولئك المتقوقعين في برجهم الطائفي المظلم الذين لم يروا في هذه المنظمة القومية الوحدوية غير كونها منظمة طائفية خاصة بالسريان السوريين. وتأتي التسمية "الأثورية" للمنظمة عاملاً آخر ومؤثراً في تعمية عيون وكبت عقول البعض من أبناء أمتنا عن معرفة حقيقة هذه المنظمة القومية الوحدوية المناضلة. لقد سبق وأن شرحنا في مناسبات سابقة عن العوامل التي أدت إلى تسمي هذه المنظمة بهذه التسمية وفصلنا في القول بأن الحزب أو المنظمة السياسية ما هو إلا أداة لتحقيق أهداف معينة وليس بالضرورة أن تكون  التسمية متطابقة من حيث الشكل مع مضمون الأهداف التي يتبناها الحزب. فتاريخ هذه المنظمة ومسيرتها النضالية تؤكد تأكيداً قاطعاً بعملها وأهدافها الوحدوية لأمتنا. فالكدانية أو السريانية أوالأشورية كلها ورود جميلة وزاهية في حديقة أمتنا الواحدة المسورة بمقومات معروفة من لغة وتاريخ وعادات ومعتقدات وأماني مشتركة، وهي الحالة نفسها التي تنطبق على الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) في معرفة التسمية عن مضمون الأهداف، حقائق تشكل من كلال التنظيمين أحزاب سياسية حقيقية فاعلة على الساحة سواء في العراق أم في سوريا أم في بلدان المهجر. وبعض المنظمات الكلدانية، خاصة التي تؤمن بوحدة أمتنا "الكلدانية السريانية الأشورية" وتشارك مع غيرها على طريق هذه الوحدة وتحديدا المنضوية تحت خيمة "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" هي الأخرى يجب أن نفهم علاقة تسميتها "الكلدانية" بمضون أهدافها القومية الوحدوية.

 هذه هي حقائق عن المنظمة الأثورية الديموقراطية (مطكستا) ومن المؤكد بأن طبيعة علاقتي ببعض قادتها لا تحيدني عن الموضوعية في فهم تاريخها ومسيرة نضالها المشرف الذي يجعل من كل إنسان مؤمن بأهداف وشرعية حقوق هذه الأمة أن يقف معها أو يساندها حتى ولو بقليل من الكلمات والسطور تعبر عن هذه الحقيقة الموضوعية.



مع بعض قيادي مطكستا: من اليسار كابي موشي (المعتقل حاليا من قبل النظام السوري)،  سعيد لحدو، أبرم شبيرا وبشير سعدي في زيارة لأحدى أديرتنا التاريخية في الجزيرة السورية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي
===============================================
   
فالريادة السياسية القومية لهذه المنظمة تشكل جزءا من حقيقتها الموضوعية وتجعلنا جميعنا أن نقر بهذه الحقيقة. فهي تشكل أول حزب سياسي بالمعنى العلمي في تاريخ أمتنا والتي تأسست في تموز عام 1957 في سوريا. ومن يتابع الخلفية الفكرية والقومية لهذه المنظمة سيجد أن فكرها القومي الوحدوي نابع من الأسس الأولى التي وضعها رواد الفكر القومي الوحدوي منذ منتصف القرن التاسع عشر فصاعداً، أمثال الشهيد آشور يوسف بيت هربوت وبرصوم بيرلي ونعوم فائق وفريد نزها وشكري جرموكلي وسنحاريب بالي وديفيد بيرلي وغيرهم بالمئات وجميعهم من أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية ولكن إيمانهم القومي العميق بوحدة أمتنا "الكلدانية السريانية الأشورية" لم تستطيع الحواجز الطائفية من أعاقة نضالهم القومي سواء السياسي أو الفكري في مسيرة وحدة هذه الأمة كما هو الحال مع مطكستا في هذا العصر.

الريادة الأخرى والميزة التي تميزت بها مطكستا في نضالها هو في كونها الحزب السياسي الوحيد لأمتنا الذي تعرض قادتها للإعتقال في سوريا لأكثر من مرة، فلا يمضي عقد من الزمن حتى يزج النظام السوري بعض قادة المنظمة في سجونه بسبب نضالهم السياسي والقومي والإنساني كل هذا من دون أن يزعزع المواقف المبدئية لمطكستا الراسخة لا بل أستمر نضالها المعهود من دون خوف أو رهبة من سلطة النظام. فبعد أن تعرض بعض قادة المنظمة إلى الإعتقال لمرتين في السنوات الماضية فلم يستكينوا إلى الراحة والهدوء أو الخضوع لسطوة النظام بل إستمر نضالهم رغم الظروف الصعبة المميتة الحالية في سوريا والتي وضعتهم مع بقية أبناء شعبنا  بين مطرقة النظام وسندان المنظمات الأرهابية وجعلت مهمة نضالهم صعبة للغاية ومحفوفة بالمخاطر والمهالك فكان من أحد نتائجه إعتقال النظام السوري لمسوؤل المكتب السياسي لمطكستا المناضل كبرئيل (كابي) موشي كرويه في قامشلي ثم نقله إلى دمشق وزجه في دهاليز سجونه المظلمة ومن دون أن يعرف مصيره لحد هذا اليوم.



أن الحديث عن فكر ونضال مطكستا لا تكفي صفحات كثيرة لا بل ربما كتب ومجلدات، فتسطير هذه السطور ولو بقلتها تأتي من باب التضامن مع قادة مطكستا في محنتها هذه وأن نعبر عن تضامننا معها ومع الصديق المناضل كابي موشي فنشد أيدينا على أياديه ونتذرع لربنا يسوع المسيح ليعطيه المزيد من القوة والصبر والإصرار على النضال من أجل حقوق شعبنا الكداني السرياني الآشوري وأن تفتح أبواب السجون أمامه لينطلق إلى الحرية مع بقية أبناء شعبنا بشكل خاص والشعب السوري  بشكل عام... وهنا نعيد ونؤكد القول:

والجبناء يموتون كل يوم … الأبطال يبقون أحياء خالدون
     

219
الوحدة  الكنسية والقومية في رسائل قداسة بطاركة كنيسة المشرق...
قداسة مار دنخا الرابع نموذجاً

أبرم شبيرا
لي خزين من المعلومات والمراجع والكتب عن كنيسة المشرق بكل تفرعاتها وكذلك صداقات حميمة ووثيقة مع عدد كبير من رجالها الأفاضل، إلا إنني أتردد كثيراً في الكتابة عن الشؤون الكنسية والدينية ليس بسبب عدم إختصاصنا الأكاديمي في هذه المسائل بل رغبة منًا في عدم "دس أنوفنا" في مسائل لها رجالها وكتابها يكتبون عنها بموضوعية العارف ولها فطاحل يبرعون بببراعة المختص. لكن عندما يتعلق الأمر بمسألة تهم، لا بل تمس وبقوة وعمق الكيان القومي الذي أجد نفسي جزء منه وبالمسائل الكنسية التي ترتبط بهذا الكيان، في هذه الحالة لا أستطيع من كبح إندفاعي وإهتمامي إلا أن أقرأها وبنهم وشغف وأعبر عنها بما تجود بها كلماتي وأفكاري خاصة عندما يتعلق الأمر بمسألة خطيرة جداً تخص وحدة أمتنا المجيدة وتقارب أفرع كنيستنا المشرقية المقدسة.
من هذا المنطلق قرأت رسائل جميع بطاركة فروع كنيسة المشرق الأجلاء منها الكلدانية الكاثوليكية والسريانية الآرثوذوكسية والكاثوليكية والشرقية القديمة وكذلك كنيسة المشرق الآشورية التي بعثها قداستهم عبر الأثير إلى رعيتهم وإلى كافة المسيحيين بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة 2014. فروح الإيمان المسيحي وعمق المحبة للرعية ومعايشتها روحياً عبر هذه الرسائل لمست نسماتها روحي وعقلي ووجدت نفسي كمسيحي مشرقي مؤمن إيماناً مطلقا بإنتمائي لهذه الكنيسة رغم تعدد تسمياتها وبطاركتها وتنوعها في وحدة المسيح الأحد الواحد، أن أرفع ضراعي إلى ربنا يسوع المسيح وأن أشكره على النعمة التي أنعمها علينا في الحفاظ على كياننا المؤسساتي والديني طيلة قرون طويلة من الظلم والإضطهاد والتهجير. لقد عبرت كلمات قداسة بطاركة فروع كنيسة المشرق الأجلاء عن هذه الوحدة الروحية التي تجسدت في وحدة ربنا يسوع المسيح. ولكن كعلماني مؤمن إيماناً مطلقاً بوحدة أو تقارب أفرع كنيستنا المشرقية وما يترتب على ذلك من إنعكاسات إيجابية مباشرة ومؤثرة على ووحدة قوميتنا رغم تنوع تسمياتها الحضارية الجميلة، فإن هذه الأمور تشد وتؤثر وبقوة على إنتباهي لأقرأ مثل هذه الرسائل وأبحث ما يوري عطشي ويغني حيفي عن وحدة أو تقارب أفرع كنيستنا ووحدة أمتنا، لكن لم أجد منها شيئاً إلا في رسالة قداسة البطريرك مار دنخا الرابع التي أحتوت أفكار ودعوات في هذا السياق والتي خلقت في فكري وروحي ردود فعل لم تستكين إلا أن أعبر عنها من خلال هذه السطور. وهنا لا أعتقد أن يلومني أحد على إشارتي هذه وتفردي بهذه الرسالة لأنه من حقي، وحق أية إنسان في هذا الكون، أن ينجذب نحو الأفكار والدعوات التي تروي عطشه وتشبع جوعه في الوحدة الكنسية والقومية لأمتنا، وبالحتم والتأكيد المشدد لكنت قد أنجذبت أكثر فأكثر وأرتوت روحي وفكري وكياني أكثر فأكثر لو كانت مصادر هذه الدعوات والأفكار والمواقف قد تعددت من خلال رسائل بقية البطاركة الأجلاء. 

وسياقاً لما جاء في أعلاه فأنه من المفيد أن أستل بعض السطور من كلمة قداسة البطريرك مار دنخا الرابع التي لمست إيماني المسيحي في وحدة الكنيسة وألتصقت بمعتقدي في وحدة أمتنا. يقول قداسته "كلنا نلنا المعمودية بأسم الأب والروح القدس في الكنيسة المقدسة، لذلك عرفنا بالمسيحيين، عليه فنحن إخوة وأخوات ولدنا ولادة روحية من أم واحدة هي المعمودية. نحتاج للوحدة والسلام والمحبة والتقدير أن يكونوا بيننا كأعضاء بيت مسيحي واحد، خاصة نحن الذين نعيش في بلدان الشرق الأوسط. لا يوجد أي ضرر حول أي أسم يكون لكنيستنا، كمسيحيين مؤمنين يجب أن نحب ونحترم ونعمل معاً كأعضاء قطيع مسيحي واحد، وكأمة واحدة لأننا لسنا ثلاث أمم، بل أمة واحدة وشعب واحد، بالدم والتاريخ واللغة وكلنا كأمة آشورية مسؤولين لكي نحافظ على سلامة أبناء أمتنا كشعب آشوري واحد لكي نكون معروفين ومقبولين في القوانين التشريعية لبلدان الشرق الأوسط كأمة واحدة، لأن توفيق أمتنا هي فرح وتوفيق لجميعنا وفشلنا هو حزن وندم وخسارة لجميعنا. لذلك جميع أبناء أمتنا لأي كنيسة ينتمون يجب أن يكونوا منتبهين وساهرين لكي يحافظوا على السلام والوحدة، خاصة الأحزاب السياسية وجميع مؤسساتنا القومية، أن يعملوا بإيمان مع بعضهم البعض كشعب آشوري واحد، وأن يبتعدوا عن الكراهية والغيرة والجدالات الهدامة التي تجلب خسائر وإنقسامات كبيرة على نجاحات أي أمة... أنتهى الإقتباس". الرسالة كانت بالأصل قد كتبت بالسريانية الحديثة (السورث) ومترجمة إلى العربية ونقلت هذه السطور كما هي، ونشرت مع بقية رسائل البطاركة الإجلاء في موقعنا الموقر عنكاوة دوت كوم.
بإختصار لو أمعنا النظر في هذه السطور لأدركنا على الفور التأكيدات التي يؤكدها قداسته، وهي:
•   كنسياً: كلنا أخوة وأخوات ومن معمودية واحدة وجميعنا أعضاء بيت مسيحي واحد.. ولا يوجد ضرر حول أي أسم يكون لكنيستنا. أي هنا تأكيد مشدد على الوحدة المسيحية المطلوبة لكنائسنا، أي الإشارة هنا ليست محصورة في كنيسته (الآشورية) المشرقية وحدها، فالجميع ليكونوا كقطيع مسيحي واحد.
•   قومياً: هناك دعوة صريحة إلى الأحترام والعمل معاً، ليس كقطيع مسيحي واحد فحسب، بل كأمة واحدة وليس كثلاث أمم، وإن لم يشر قداسته إلى التسميات إلا أن القصد هنا هي الآشورية والكلدانية والسريانية، لأننا شعب واحد بالدم والتاريخ واللغة ولا يهم لأي كنيسة ينتمون أبناء هذه الأمة الواحدة، كما يقول قداسته.
•   سياسياً: هناك دعوات صريحية ومباشرة لأبناء الأمة عامة وبشكل خاص للأحزاب السياسية والمؤسسات القومية ليكون منتبهين وساهرين لكي يحافظوا على السلام والوحدة وأن يبتعدوا عن الكراهية والغيرة والجدالات الهدامة التي تجلب خسائر وإنقسامات كبيرة على نجاحات أي أمة. وهناك تأكيد ضمني على أنه لايمكن أن تكون أمتنا مقبولة ومعترف بها في تشريعات وقوانين بلدان الشرق الأوسط ما لم نكن كأمة متوحدة واحدة.
•   آشورياً: يستمر قداسته تأكيده على كون جميع أبناء الطوائف الأخرى، رغم عدم ذكره لأسماءهم في هذه الرسالة، جزء من الأمة الآشورية رغم إنتماءهم الكنسي المختلف، لأنهم أبناء أمة آشورية واحدة تجمعهم مقومات مشتركة من لغة وتاريخ وعادات.
هذا الأمر في تأكيد قداسته لأشورية أبناء أفرع كنيسة المشرق يرفضه البعض الذي يجد إنتماءه القومي في تسميات غير آشورية مثل الكلدانية والسريانية. فإذا كان من حق أي شخص في هذا الكون أن يرفض بما لا يتوافق أو يتلائم بما يعتقده، خاصة عندما يتعلق هذا المعتقد بمسألة مهمة محددة لمصير وجوده، فأن على الجانب الآخر أيضا يحق لكل شخص في هذا الكون أن يصرح ويعلن بما يؤمن به ويعتقد بأن هذا الإيمان هو جزء من الحقيقة التي يراها ضمن الظروف الموضوعية والذاتية المحيطة به. فهكذا هو إيمان قداسة البطريرك مار دنخا الرابع منطلقا من هذه الظروف ليؤكدة إيمانه في كون الكلدان والسريان مع الآشوريين يشكلون أمة واحدة وهي الأمة الآشورية، وهذا أمر سواء رفض أو أستوعب مغزاه فأن ذلك لا يغير شيئاً من هذا الإيمان الذي شيد على مجموعة ظروف موضوعية وذاتية، وسنأتي على ذكرها لاحقا.
لا أبوح بسر في القول بأن مثل هذا الإيمان في وحدة أمتنا بمختلف طوائفها الكنسية يشكل جزء أساسياً من إيماني وحبي لهذه الأمة التي أنتمي إليها بغنى التسمية المفضلة هذه أو تلك. أن ظروف كل مرحلة من مراحل أمتنا يفترض على أبناءها أن يجدولوا أولويات مصلحة أمتهم الأساسية والمصيرية، ففي هذا العصر وبظروفه العاصية والمميتة تأتي مسألة الإيمان بوحدة الأمة والعمل من أجل تجسيدها في قمة جدول أولوياتها أما التسمية فهي تحصيل حاصل لهذه الوحدة. أي بهذا المعنى لو أتفق معظم الذين يجدون إنتماءهم القومي في تسميات متنوعة وعملوا من أجل تحقيق المصلحة المشتركة للأمة ، بغنى عن الإصرار على هذه االتسمية أو تلك، فأن نتائج هذا العمل القائم على تجسيد وتطوير مقومات الأمة من لغة وعادات وتاريخ وأماني مشتركة كفيلة عبر الممارسة السياسية القومية أن تطرح التسمية التي تلائم أمتنا في المرحلة التي تمر بها. من هنا يأتي التأكيد المشدد في هذه المرحلة التي تمر بها أمتنا إلى العمل كأمة واحدة وبمضون واحد القائم على المقومات القومية والكنسية المشتركة لنيل حقوقها، والمستقبل كفيل بطرح الشكل الذي يتلائم مع هذا المضون ويعكسه، فإذا كان الشكل لا يتطابق مع المضمون في مرحلة معينة فأن الممارسة الفعلية ستكون العامل الحاسم الذي سيجعل الشكل يتطابق مع المضمون ويتفاعل كلاهما بشكل جدلي دون إنفصام، ومثل هذا التطابق لايمكن أن يتم من دون وعي متطور لتاريخ الأمة وحضارتها، ومن ثم الوعي الموضوعي للواقع الذي تعيش الأمة فيه.       
  ليس بغريب أو جديد أن نسمع من قداسة البطريرك مار دنخا الرابع مثل هذه المواقف الوحدوية تجاه الكنيسة والأمة، ففي كثير من المناسبات أكد قداسته عليها. ومثل هذا التأكيد ليس نابعاً من مرحلة آنية مؤقتة أملت ظروفها على قداسته لتأكيد هذه المواقف التي تشبع رغبات المؤمنين من أبناء أمتنا في وحدة الكنيسة والأمة. فهناك جملة ظروف خلف هذه التأكيدات.
أولها: الظروف التاريخية والموضوعية التي جعلت من كنيسة المشرق الآشورية أن تكون الوجه الآخر للعملة. فالأرتباط العضوي بين الأمة والكنيسة في مجتمعنا جعل أن لا نجد أية فسحة للفصل بينهما، فالعوامل المشتركة التي تجمع الأمة والكنيسة جعلت أن تكون المؤسسة الكنسية هي الأطار العام والمؤسسة القومية الرئيسية التي ينظر من خلالها إلى الأمة ويتعرف الآخرون عليها وهذا كان السبب الرئيسي أن يكون بطريرك هذه الكنيسة راعياً لها وقائداً للأمة، وهذا أيضا هو السبب الذي جعل من الصعب على الآخرين التفريق بين الدين والقومية في مجتمعنا.
ثانيها: الظروف الذاتية، من المعروف أن قداسته عاش وعمل في ظروف قومية صميمية في إيران منذ تسنمه المراتب الكهنوتية إبتداءاً من راعي للكنيسة الآشورية حتى رسامته لرتبة الأسقفية للأبرشية الإيرانية. وكانت إيران منذ نهاية قرن التاسع عشر وبداية قرن العشرين مركزاً إشعاعياً للفكر القومي الوحدوي ومنشأ للحركة القومية الآشورية المعاصرة والتي أستمرت وأنبعثت بشكل أكثر وضوحاً في منتصف الستينيات من القرن الماضي حينما كان قداسته راعياً للأبرشية، هناك خلقت الجمعيات الثقافية القومية والشبابية النشطة الظروف المناسبة وهيأت المستلزمات الضرورية لتأسيس الإتحاد العالمي الآشوري والذي أنعقد أول مؤتمر له في عام 1968 في فرنسا. لقد كنت محظوظاً أن أقتني نسخ من المراسلات (والفضل يعود لأحد قياديي الإتحاد الآشوري العالمي فله ألف شكر) التي كانت تقوم بها هذه الجمعيات وتتراسل مع كبار الشخصيات الدينية والقومية من أجل تأسيس إتحاد عالمي يجمع جميع أبناء فروع كنيسة المشرق، ومنها الرسالة الموجهة إلى خمسة بطاركة لكنيسة المشرق: الكلدانية الكاثوليكية والسريانية الأرثوذكسية والسريانية الكاثوليكية والمشرق الآشورية والمارونية الكاثوليكية وإلى زعماء قوميين عرفوا بمواقفهم  القومية البطولية أمثال ماليك ياقو ماليك إسماعيل والمفكر القومي ديفيد بيرلي وغيرهم. كان من الطبيعي أن تفعل هذه الظروف فعلها المؤثر في فكر قداسة مار دنخا الرابع وأن يتمسك بالمواقف القومية وبالتسمية الآشورية التي أرتبطت وبشكل قوي بالحركة القومية منذ بداياتها الأولى ويستمر التمسك بها في دعواته الوحدوية الكنسية والقومية و ضمن التسمية الآشورية التي كانت التسمية التي تبناها القوميون والمفكرون الأوائل رغم تعدد إنتماءاتهم الكنسية.
كل ما ورد أعلاه يطرح موضوع "تدخل الكنيسة في السياسة" أو "فصل الكنيسة عن السياسة"، الموضوع الأكثر إثارة بين أبناء الأمة في هذه المرحلة... ولكن كما قلنا لكل مرحلة من مراحل الأمة لها ظروفها الخاصة المختلفة عن المرحلة السابقة... هكذا نقول: اليوم غير البارحة. وموقف قداسة البطريرك مار دنخا الرابع واضح بهذا الشأن. ففي الكثير من رسائله وكلماته، وأتذكر بهذا الخصوص كلمته في النادي الآشوري في لندن قبل بضعة سنوات، عندما قال "بأن هذه الأيام غير أيام حكاري وبداية القرن الماضي. فالظروف الحالية لا تسمح أن يكون البطريرك زعيماً وقائدا للأمة يقودها في الحروب والمفاوضات ويمثلها قومياً وسياسياً لدى غيرها من الأمم، فلنا أحزاب سياسية ومنظمات قومية في هذا العصر هي التي تقوم بتمثيل الأمة وليس الكنيسة" ... ويؤكد قداسته في القول أيضاً "ولكن مع هذا فأنا كفرد آشوري منتمي إلى الأمة الآشورية من حقي أن أعبر عن أفكاري وإيماني القومي وبإنتمائي لهذه الأمة، وكذلك من واجبي كرجل دين على رأس الكنيسة أن أصلي وأدعوا ربنا الخالق إلى أن ينعم أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية بالموفقية والنجاح والوحدة"، ومثل هذه الدعوات والمواقف نلاحظها دائماً أثناء مقابلة قداسته للكثير من قادة وممثلي أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية. لا بل وقد وصلت دعوات قداسته إلى تأييده أن يكون لأمتنا منطقة حكم ذاتي أو إدارة مستقلة ضمن دولة العراق، وهو التأييد الوحيد من بين بطاركة ورجال الدين لكنيسة المشرق بكل فروعها.
مما تقدم يتساءل البعض، أليس ما ورد أعلاه تدخل في السياسة من قبل قداسته وهو يصرح بأنه بمنأى عن مثل هذا التدخل. فالجواب يقوم على:
أولاً: يجب أن نفرق ونوضح بأن هناك فرق بين التدخل في السياسة والإهتمام بها. فالتدخل ينشأ عن فعل مؤثر في العملية السياسية وفي أحزابها السياسية بينما الإهتمام هو تعبير عن موقف من هذه السياسة. من هذا المنطلق فقداسته لا يتدخل في السياسة القومية ولا يعمل بفعل يتعلق بشؤون الأحزاب السياسية وإنما، باعتباره فرد من أفراد هذه القومية، فأن أمرها يهمه ويعبر عن إهتمامه بها من خلال كلماته ودعواته.
ثانياً: العلاقة العضوية والجدلية بين الكنيسة والأمة الغير قابلة للإنفصال، تجعل أن يظهر بأن كل أهتمام بأمر الكنيسة هو إهتمام بالأمة نفسها. فالعلاقة بين الكنيسة والأمة قائمة على الترابط العضوي بينهما غير أن هذا لا يعني بأنه غير ممكن التمييز بينهما، فلكل جانب له حدوده وعوامله الخاصة ولكن من جانب آخر لكل واحد منهما تأثير ضمن العلاقة الجدلية المتبادلة طالما هناك عوامل ومقومات مشتركة بين الأثنين لايمكن فصلهما عن أي طرف من المعادلة، مثلما لا يمكن فصل الروح عن الجسد إلا بالموت. فاليوم الذي تنفصل مقومات أمتنا من لغة وتقاليد وتاريخ عن أبناءها فلا محال من موت الأمة والحالة أيضا بالنسبة للكنيسة فإذا فقدت لغتها وتاريخها ولتروجيتها زالت من الوجود ككنيسة مشرقية معروفة.
هكذا يجب أن نفهم موضوع التدخل في السياسية من قبل الكنيسة أو الفصل بينهما، فهو موضوع طويل وعميق لبحث علمي لكتابي المعنون "الفصل بين الكنيسة والسياسة في المجتمع الآشوري" الذي أحاول إنجازه ونشره منذ عام 2000 ولكن يظهر بأن تعقيدات الموضوع والتطورات الحاصلة على الكنيسة بكل فروعها والأرهاصات التي فعلت فعلها في أمتنا في الوطن تجعل مسألة إنجازه شبه مستحيلة ... وهو الأمر الذي يجعلني أخشى بأن تنتهي حياتي ولا ينتهي هذا الكتاب.         
         

220
هل كانت العناية الإلهية وراء إختيار أباء الإرسالية الكلدانية في لندن لرتبة الأسقفية؟

أبرم شبيرا

في الحقيقة ترددت كثيرا في تسطير هذه السطور بعد أن قرأت القرار السنهادوسي للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في إختيار الأب الفاضل حبيب هرمز ججو النوفلي راعي الإرسالية الكلدانية في لندن لرتبة الأسقفية من بين عدد آخر من الأباء الأفاضل للكنيسة، لا بل وقد يجد القارئ اللبيب بأن تطرقي لمثل هذا الموضوع الكنسي غريباً بعض الشيء وأنا غارق في الكتابة عن عالم السياسة والمسألة القومية. ومع كل هذه المطبات يقفز تساؤل عن ماهية هذه العناية الإلهية في هذا الإختيار وأين تكمن في هذا الموضوع. لا شك فيه رغم بساطة إيماننا المسيحي بكل أفرع كنيستنا المشرقية ولوتروجيتها وقراراتها السنهادوسية إلا أن هناك أعتقاد سائد في إيماننا المسيحي هو أن العناية الإلهية دائماً هي التي تحوم في المجامع السنهادوسية وتدفع المشاركين فيها إلى إتخاذ القرارات الصائبة وتحديداً في إختيار ورسامة الأساقفة والمطارنة. لقد حفزني قرار إختيار الأب الفاضل حبيب النوفلي لرتبة الأسقفية أن اعيد شريط ذكرياتي ومعايشتي لهذه الأرسالية في لندن ولم أجد مخرجاً للكتابة عن هذا الإختيار إلا الإعتماد على العناية الإلهية في تفسيرها وعلاقته بالسوابق المماثلة. حيث كان هناك قرار سنهادوسي آخر مماثل في عام 2002 عندما أختير الأب أندراوس أبونا رحمة الله، الراعي السابق لنفس الإرسالية لرتبة الأسقفية ومن ثم بعد رسامتة من قبل قداسة البابا الراحل يوحنا بولص الثاني تم تعيينه من قبل مثلث الرحمات مار روفائيل بيداويد معاوناً بطريركاً للكنيسة، فكانت الرسامة من قبل قداسة البابا لرتبة الأسقفية الثاني من نوعه، كما أعتقد، في تاريخ الكنيسة الكلدانية بعد رسامة مار يوحنان سولاقا بطريركا على الكنيسة في منتصف القرن السادس عشر.

على العموم ليست الإرسالية الكلدانية في لندن هي القاسم المشترك بين الإختيارين بل هناك قواسم آخرى قد لا نجد أو قلما نجد مثيلاً لها. كانت بداية خدمة الأسقف مار أندراوس أبونا، رحمة الله، في أبرشية البصرة للكدان للفترة من عام 1967 لغاية عام 1971 وها بعد أكثر من أربعة عقود تأتي رسامة الأب/الأسقف الفاضل حبيب النوفلي لأبرسية البصرة والجنوب ليتم مواصلة خدمة الرب في هذه المدينة. لقد كانت صلتي القوية والمباشرة مع الأسقف الراحل عاملاً مؤثراً في التفاعل معه في مختلف المجالات الثقافية والفكرية وبالتالي سهولة إدراك ومعرفة طموحاته المختلفة في تطوير كنيسته وإرساليته والتقرب وبشكل متفاعل مع رعيته في لندن والذي لم يكن ممكنا في هذه المدينة الكبيرة التي ينتشر أبناء رعيتها في أرجاءها البعيدة والمختلفة إلا بمواصلة الجهد والعمل الدؤوب في تطوير أرساليته بالإعتماد على مصادره الذانية. بعد إنتقاله إلى جوار ربه كنت قد كتبت مقالة عنه ونشر في موقعنا العزيز عنكاوة دوت كوم ووصفته بمطران الصعوبات والتحديات لأنه أستطاع حل الكثير من الصعوبات التي كانت تواجه الإرسالية في لندن لا بل وتطويرها. إضافة إلى ذلك فقد كان موفقاً تماماً في الإستفادة من الفرص الكبيرة التي توفرها مدينة لندن عاصمة العالم الثقافية والفكرية وترسيخها لتعزيز دوره وفاعليته ليس بين أبناء رعية كنيسته بل حتى خارجها، فعمل بكل جهد في إصدار النشرة الكنيسة "القيثارة" بالرغم من الموارد المالية الشحيحة والتي كانت توزع مجانا. كما كان فاعلاً وحاضراً في الكنير من المناسبات والندوات والحلقات الدراسية ولم يستقر به الحال إلا بعد أن رسم برتبة الأسقفية ونقل إلى بغداد.
جاء الأب/الأسقف الفاضل حبيب النوفلي ليكمل المسار بنفس الإصرار والهمة فأنهل من مناهل العلم والثقافة والصحافة في لندن الكثير منها ورسخ مكانة إرساليته الكلدانية بين رعيته وحتى خارجها.

  بعد رسامة مار أندراوس أبونا، رحمة الله،  أسققاً ومعاوناً بطريركياً أنتقل من لندن إلى بغداد – العراق وها هنا تتكرر العناية الإلهية في إنتقال الأب/الأسقف الفاضل حبيب النوفلي من لندن إلى البصرة – العراق. وقد يبدو أمر هذا الإنتقال مسألة أو أجراء كنسي رسمي مطلوب تنفيذه من قبل المعنيين به، ولكن في طياته يدرك أبسط إنسان على هذه البسيطة المخاطر الجمة الذي يعينه هذا الإنتقال من مدينة لندن بكل إستقرارها وأمنها ورفاهيتها إلى بلد كان ولا يزال يطغو عليه أعمال القتل والعنف والخطف والحرمان من أبسط مقومات الحياة الإعتيادية. لقد سجل الأسقف الراحل أندراوس أبونا سابقة تاريخية وكنسية في قبول الإنتقال من بلد متحضر ومتطور ومستقر إلى بلد القتل والخطف والفوضى ولا أدري فيما إذا كنت صائباً أم مخطئاً في القول بأنه من الصعب جداً أن لم يكن مستحيل لأي رجل دين يقبل نقل خدمته الكنسية من أوربا إلى العراق في مثل هذه الظروف المميتة. وها اليوم يعود قرار المجمع السنهادوسي للكنيسة الكلدانية وينقل الأب/الأسقف الفاضل حبيب النوفلي من لندن إلى العراق ويكرر السابقة التاريخية  لتلك التي بدأها الأسقف الراحل مار أندراوس أبونا.

سطرت هذه السطور القليلة لأجل الترحم على روح المرحوم الأسقف مار أندراوس أبونا وكذلك لأجل الصلاة لأجل الأب/الأسقف الفاضل حبيب النوفلي في أن يوفقه ربنا يسوع المسيح في خدمة كنيسته في البصرة. وحسناً فعل المجمع السنهادوسي الكلداني في إختياره لأبرشية البصرة آملاً أن تكون الرعاية الإلهية دوماً مع جميع رجال كنيستنا المشرقية بكل تفرعاتها.
   

221
نشاطات مهمة ومثيرة لأحزابنا "الكلدانية السريانية الآشورية"
===================================

أبرم شبيرا
كان صاحبي وصديقي العزيز (ت.ر.ي) من عنكاوة مخطئاً في إنتقاداته المستمرة لأحزابنا السياسية في كونها خاملة ومن دون نشاطات سياسية وثقافية وإجتماعية وقانونية ولغوية تتم من خلال اللقاء مع أبناء أمتنا مباشرة وتقديم لهم محاضرات وندوات وحلقات دراسية تنظم من قبل أعضائها وبالأخص قياداتها حتى يكون أبناء أمتنا على بينة ودراية على ما يجري على الساحة السياسية والقومية ويثبتون لهم بأنهم هم فعلاً طليعة هذه الأمة وحراسها ويهتمون بمن يمثلونهم وبشكل مباشر من خلال اللقاءات المستمرة معهم  أن ما أثبت خطأ صاحبي وهو أن أحزابنا ليست مجرد كلام وشعارات و "مناقرات" بعضهم للبعض كالديك وكشف أوراقهم ورميها وتجردهم حتى من ورقة التين التي كانت تغطي عيوبهم. فجدول النشاطات المهمة والمثيرة للإعجاب التي قامت بها أحزابنا السياسية خلال فترة قصيرة وصلت إلينا عبر قنوات خاصة. وبسبب ضخامة هذه النشاطات وتعددها فأن صفحات طويلة لا تكفيها ومراعاة لأصدقائي الأعزاء في الإختصار وعدم تضيع وقتهم في قراءة صفحات مطولة أدرج بعض... أقول مرة أخرى ... بعض من هذه النشاطات المهمة التي قامت بها أحزابنا السياسية "النشطة" جماهيرياً.

الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا):  ليس من الأصول والمعقول أن لا نذكر زوعا أولاً لأنها الحزب الكبير والأكثر جماهيرية بين أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية. فنشاطاتها الجماهيرية القومية لا الحزبية "الكوادرية" لا تحصى ولا تعد. صحيح أن القيادة أدركت بأن اللقاءات بكوادرها وعقد ندوات تنظيمية والقيام بزيارات رجال الدين والحكومة والأحزاب الأخرى لا تكفي لإعطاء صورة واضحة ومباشرة لأبناء أمتنا خاصة بالنسبة للأحداث الداخلية/الحزبية والخارجية/القومية لذلك وضعت خطة مفصلة لعقد عدد كبير من اللقاءات والمحاضرات والندوات مع أبناء أمتنا لتوضيح مثل هذه الأحداث المهمة. فداخلياً: عقدت القيادة الجديدة جداً وسكرتيرها العام "الجديد" و "الفريش" جداً ندوة في المركز الثقافي الآشوري في نوهدرا تناولت الظروف التي سادت قبل إنعقاد المؤتمر السابع وما صاحب ذلك من تسهيلات وصعوبات في إختيار المندوبين للمؤتمر والمعايير الممتازة والحديثة التي وضعت في إنتخابهم. ولكون زوعا أدرى من غيرنا جميعاً بأن زمن العقلية الستالينية في التنظيم الحزبي القائم على "الديموقراطية المركزية" و "نفذ ثم ناقش" والتبريرات القائمة على "السياقات التنظيمية" قد ولى وأنسحق تحت أجهزة الإنترنيت والفيس بوك وتويتر التي جعلت لأصغر عضو حزبي إمكانية الإتصال والحديث أن لم يكن النقد والتهجم على أعلى عضو في قيادة الحزب لذلك لم تخفي في ندوتها كل ما جرى في المؤتمر من مناقشات ومداخلات ومن ثم الأساليب أو "المسارات التنظيمية" ،المصطلح الأكثر روجاً في مفاهيم زوعا في هذه الأيام، التي أتبعت في إنتخابات اللجنة المركزية وإعادة إختيار السكرتير العام لتولى مهماته لثلاث سنوات قادمة.. ولا يستطيع أحد من الذين حضروا الندوة أن ينكر مدى أهميتها والتي كانت واضحة ومبينة من خلال التصفيق المستمر ووقوف الحاضرين تعبيرا للإعجاب والتقدير والذي كان يسبب قطع وتشويه سلسلة أفكار القائمين على الندوة.

خارجياً، لم يكن عند زوعا موضوع له أهمية يفوق أهمية الإنتخابات الأخيرة لبرلمان إقليم "كردستان" لأنها مصدر خبز للبعض وبالتالي لا يمكن أن تمر النتائج التي تمغضت عنها من دون أن تبين هذه الأهمية من خلال هذه الندوة... فبعد إستراحة قصيرة تكرمت زوعا بتوزيع الحلوى والمرطبات للحاضرين، بدأ القسم الثاني من الندوة حول هذه الإنتخابات، ولكن قبل كل شيء لم تغفل مشكلة قائمة أبناء النهرين فتم طرحها مقرونة بإنتقادات لاذعة لها وخروجها عن المسارات التنظيمية للحركة ثم بعد ذلك تم طرح موضوع قائتمتها (قائمة الرافدين) وكيفية التحضير لها والمعايير التي أعتمدت في إختيار اعضاءها وتسلسلهم، ولا أخفي سراً بأن أسلوب سرد هذه المعايير ومنطقيتها أثارت جلً إهتمام الحاضرين فمن خلال قوة التصفيق الذي هز القاعة لم تستطيع قيادة زوعا وسكرتيرها إكمال الندوة فأعتذرت للحاضرين ولكن بالمقابل نزلوا وتصافحوا وجلسوا معهم جلسة الأصدقاء والأقرباء حتى منتصف الليل بعد أن ضاع حق الحاضرين في طرح الأسئلة والتي كان من الممكنة أن تكون بعضها محرجة لزوعا ولم يكن تجنبها ممكناً إلا بهذا الأسلوب في النزول للحاضرين وتناول المشروبات مع الجمهور الحاضرين وإن كان البعض أعتبرها نوع من الرشوة ولكن في الحقيقة لم تكن كذلك بل كانت كلها محبة وود حامي بين الطرفين. يذكرني هذا بجواب أحد رجال الكنيسة عندما سألته ذات مرة لماذا لا يعقد رجال الكنيسة ندوات ولقاءات مع رعيتها للمناقشة وإبداء الأراء لمعرفة حقيقة أفكار وتوجهات الرعية بشكل مباشر، فقال لي لأنه قد تكون هناك أسئلة محرجة ولا نريد أن نكون في مثل هذه المواقف المحرجة ونحن رجال دين (بدون تعليق)!!!

الحركة الديموقراطية الآشورية النهرينية: من هو ملم بتاريخ الحزب الشيوعي العراقي خاصة في مرحلة الستينيات من القرن الماضي لأدرك على الفور مدى تشابه حالة زوعا بحال هذا الحزب الذي كان أكثر جماهيرية ونضالاً في تاريخ العراق. ففي تلك المرحلة خرج مجموعة من قادة الحزب الشيوعي العراقي وكوادرها المتقدمة ومثقفيها المعروفين بقيادة عزيز الحاج عن قيادة تنظيم الحزب ولكن لم يشكلوا حزباً جديداً وذلك إعتزازا بإنتمائهم الصميمي للحزب الشيوعي ولتاريخه بل ظلوا تحت نفس التسمية وكالآتي (الحزب الشيوعي العراقي – القيادة المركزية) وذلك تميزاً عن تنظيم الحزب الشيوعي العراقي الذي عرف باللجنة المركزية بزعامة عزيز محمد. وحال الحزب الشيوعي العراقي - القيادة المركزية بعد تبني المقاومة المسلحة خاصة في منطقة الأهوار ومن ثم فشله وإحتمائه تحت أجنحة حزب البعث العراقي والمصير الذي آل إليه هو تاريخ سياسي طويل لا نرغب الغوص والضياع فيه أكثر من إشارتنا هذه ومقارنته بزوعا النهرينية ذلك لكون يظهر بأن كلاهما هما رأس بدون جسد... أي بعبارة أخرى قيادة بدون قاعدة.

وإنطلاقاً من هذه الهيكلية (رأس بدون جسد)، الظاهرة الجديدة في حيااتنا الحزبية والقومية، أنطلقت زوعا النهرينية بقوة لعقد إجتماع موسع مع أبناء أمتنا لتوضيح موقفها وسياستها وكيفة إستمرار نضالها في المستقبل القريب بهذه الحالة الإستثنائية والتي سميت بـ "الإصلاح من الخارج" وهي ظاهرة سياسية إستثنائية أخرى، خاصة بعد فوز أحد مرشحي قائمتها (أبناء النهرين) بمقعد في البرلمان "الكردستاني". ونطراً للأهمية القصوى والحساسة التي يوليها أبناء أمتنا من جميع التوجهات والأصناف والطوائف للحالة الإستثنائية التي تمر بها زوعا هرع أضخم عدد من جماهيرنا إلى قاعة فندق دلشاد في نوهدرا حيث انعقدت الندوة لأن ليس لزوعا النهرينية قاعات وأندية ومراكز ثقافية تابعة لها فهي حديثة العهد على الساحة السياسية ككيان سياسي ولازالت خزينتها قاصرة على حفنة من الدنانير بعد أن صرفت ما حصلت عليه من تبرعات على الحملة الإنتخابية. جلستُ في مقدمة الحاضرين للندوة والتي أكتضت بهم القاعة لأنني من المهتمين بشؤون أحزابنا السياسية ودراستها، ولكن الحق يقال بأنه من البداية وحتى النهاية كانت الندوة سلسلة من الأفكار السياسية النيرة والتوضيحية لأسباب لجوئهم إلى أسلوب الإصلاح من الخارج والأسباب التي تمنعهم من تأسيس حزب سياسي جديد وهم مؤهلين تنظيمياً وفكرياً لمثل هذا التأسيس ومن ثم وضحوا السياسة التي سيتبعونها وفيما إذا سيحاولون إيجاد أو خلق أو كسب جماهير وأعضاء لهم تكون بمثابة جسم لرأس زوعا النهرينية. في الحقيقة أفرحتني جداً هذه الندوة والتوضيحات التي جاءت فيها من قبل قيادة زوعا النهرينية لأنه كان بالنسبة لي ولغيري من الحاضرين تنويراً مهماً وكان بعكس توقعاتنا السابقة في أن تكون مثل هذه الندوة كلام في كلام والذي سمعناها طيلة أشهر عديدة عن المسائل الشخصية والإنتقادات الجارحة والتهجمات كلها تبرير لهذا الموقف أو ذاك. ولما كانت زوعا النهرينية هي نفسها زوعا وجزء منها ولها بعض من لمسات ستالينية في الممارسة السياسية والتعامل مع الجماهير فلم نندهش أن تبلع هي الأخرى حق الحضارين في توجيه الأسئلة والمداخلات ليس خوفاٌ منهم بل لأن الوقت الذي صرف كله على التوضيحات لم يكن متاحاً للجماهير لبيان رأيها ومداخلاتها،  فخرج الحاضريون من القاعدة من دون تقديم حتى قنينة ماء لهم لأنه كما سبق وأن ذكرنا في أعلاه بأن الخزينة لم تكن تسمح بذلك خاصة ونحن نعرف بأن ممثلها المنتخب للبرلمان لم يقبض راتبه بعد حتى يستطيع التبرع به كما ذكرت بذلك رئيسة قائمته النهرينية أثناء الحملة الإنتخابية.

المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري: لحد هذا اليوم لم نعد نعرف ما هو المجلس.. أهو حزب سياسي أم تنظيم قومي أم منظمة من منظمات المجتمع المدني أم عصبة من المثقفين والمتنفذين. لقد حاولنا جلً جهدنا إستخدام معظم المعايير المعروفة في علم السياسة لمعرفة طبيعة هذا المجلس ولكن من دون جدوى. وهذا لا يهم ولا يهم أيضا فيما إذا كان هذا المجلس من إختراعات الحزب الديموقراطي الكردستاني، فالمهم أن المجلس هو لاعب نشط وفاعل على الساحة القومية رغم أنوفنا جميعاً، فله ممثلين في البرلمان العراقي والإقليمي وله تلفزيون يشاهده الكثير من أبناء أمتنا وقام بأعادة بناء وتعمير الكثير من قرانا المهدمة والمهجورة وسجل إنجازات المجلس طويل لا تسع صفحات كثيرة لها. إنطلاقاً من هذا الغموض الذي يكتنف طبيعة كيان هذا المجلس لدى معظم الجماهير وتوضيحاً لبعض التوقفات والتقشف في المصاريف على المشاريع القومية وعلى تلفزيونه فقد عقد المجلس ندوة في صالة مقره في نوهدرا والتي لم تكن من السعة لتستوعب زخم الجماهير المتعطشة للسماع لمثل هذه المسائل من قيادة المجلس لذا أضطر المجلس إلى إفراغ المرآب (الكراج) من السيارات وجعلها قاعة للندوة.

عندما بدأت قيادة المجلس كلامها وشرحها المطول عن إنجازاتها خاصة عن النتائج الإيجابية التي تحصدها من جراء الإنتخابات البرلمانية وتوزير أحد قادته في وزارة الإقليم والرد على التهم الموجهة له في كونه مدعوماً من قبل البارتي، فأن كل هذا لم يمس أحاسيس الحاضرين ولم تثار إنفعالاتهم لأنه كلام مسموع ومعروف للجميع. غير أن الأهم من كل هذا وذاك كان كلام السيد رئيس المجلس الذي لتوه عاد من "المؤتمر العاجل لمسيحيي الشرق الأوسط" الذي عقد في بروكسل وهو من المواضيع المهمة التي يخص مصير أمتنا في الوطن لذا كان من الواجب الحضور لهذا المؤتمر المهم وإستيعاب المواضيع التي طرحت فيه وإقتناء بعضها لتطبيقها على واقع أمتنا المسيحية في العراق لربما تحد من سيف الهجرة الذي يقطع أوصال الأمة ويشرذمها نحو زوايا العالم. من هذا المنطلق فقد أبدى الحاضرون أهتماماً عظيماً ومنقطع النظير لكلام السيد رئيس المجلس عن هذا المؤتمر وعن أهميته فكان الحماس والأمل أيضا بادياً عليهم من مثل هذه المؤتمرات التي بالحتم ستضع حداً لمأساة هجرة أبناء أمتنا للوطن لأن البلدان الأوربية المسيحية مهتمة إهتماماً عظيماً بمصير المسيحيين في الشرق الأوسط، فلم تنتهي الندوة إلا بصلاة ربانية وتضرعات إلى ربنا الخالق لحماية هذه البلدان على الجهود العظيمة التي يبذلونها في حماية المسيحيين وهي الجهود التي تؤكد وبحزم بأن مثل هذا الإهتمام ليس لأغراض تحقيق المصالح الخاصة الوطنية لهذه الدول بل هي لحماية المسيحيين في المشرق.

وفيما نحن بصدد هذا المؤتمر العظيم والعاجل لمسيحيي الشرق الأوسط فأنه ليس من الأنصاف والعدل أن لا نذكر مؤتمر آخر مشابه له عقد في لبنان تحت عنوان "مؤتمر مسيحيي المشرق" الذي حضره أيضا بعض من قادة المجلس ووزراء سابقيين وقياديين من أحزابنا. فلما سمع هؤلاء السيدات والسادة الكرام الذين حضروا هذا المؤتمر أصابهم نوع من "الحسد القومي" من عقد المجلس للندوة وتناول موضوع المسيحيين في الشرق الأوسط لذا أتخذ الجميع وبالإجماع قراراً لعقد مثل هذه الندوة في القريب العاجل لشرح ما دار في المؤتمر والتوصيات المتخذة بشأن حماية مسيحيي المشرق... نشكر ربنا على هذه النعمة الكبيرة التي أنعمها علينا من خلال قادة أبناء أمتنا الحريصين علينا من الضياع والتشرد والضياع.

تجمع التنظيمات السياسية "الكلدانية السريانية الآشورية": كتبنا عن هذا التجميع الكثير وإقترحنا بعض المقترحات المفيدة له ولكن يظهر من كثرة آذان الأعضاء فيه ضاعت المقترحات أو لم تسمع نهائيا ولم يكن قصدنا من هذه المقترحات إلا بيان إهتمامنا الكبير بهذا التجمع الذي يعد ظاهرة إيجابية في حياتنا السياسية وكنًا نأمل منه أن يتطور أكثر ويعمل على سد الثغرات الظاهرة في مظلته المخرومة. صحيح أن هذا التجمع يصعب عليه إتخاذ قرارات حاسمة بسبب طبيعة تكوينه وأسلوب التصويت فيه على القرارات ولكن في هذه المرة وعبر هذه السلسلة من النشاطات المهمة والمثيرة لأحزابنا السياسية عقد التجمع العزم على إقامة ندوة أيضاً من قبل ممثلي الأحزاب والتنظيمات التي صمدت وبقيت تحت هذه المظلة المخرومة رغم إنحراف البعض عنها واللعب وحده في الساحة السياسية. فالندوة التي عقدها التجمع كانت من التنوع والتعدد بتعدد وتنوع أحزابنا السياسية وغيرها التي لم تعد كينونتها معروفة كما هو الحال مع المجلس الشعبي. في الحقيقة رغم أن الجمهور الحاضرين لم يكن متحمساً كثيرا لهذه الندوة معتقداً بأنها ستكون مجرد كلام يدافع كل حزب عن وضعه ويبين بأنه هو الفاعل النشط فيه ولكن مع هذا كانت هناك مواضيع مهمة طرحت في الندوة. فكلا التنظيمين "الكلدانيين" المنبر الديموقراطي الكلداني والمجلس القومي الكلداني طرحا مواضيع حساسة ووضحا من خلال طرحهما كيف أن "كلدانيتهم" لا تتعارض إطلاقاً عند تحالفهما مع غيرهما من الأحزاب السياسية في كوننا جميعاً أمة واحدة وأن التسمية التوحيدية هي التي تجمعها بعكس التسمية المنفردة التي تفرقنا، فكان كلامهم كـ "العسل" حلواً وبتاراً كالسيف في ردهم على بعض الذين يتهمونهم ويطلقون عليهم بـ "المتأشورين" مؤكدين على كلدانيتهم وفي نفس الوقت على وحدتهم كأمة لها مقومات مشتركة مع بقية أبناء الأمة المعروفين بالآشوريين أو السريان. كان هذا الموضوع مثيراً جداً ونال إهتمام الحاضرين بشكل كبير في مقارنة مع المواضيع الأخرى... فنالوا إستحسان الحاضرين من خلال إستمرار التصفيق وعلو الهتافات.

أما الأحزاب الأخرى التي شارك ممثليها في الندوة ضمن هذا التجمع ، فهذا حزب بيت نهرين الديموقراطي، الذي يعتبر حسب إدعاءه بأنه من أقدم الأحزاب الآشورية، تناول وبشكل مفصل علاقته بالحزب الذي يتبنى نفس التسمية في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة وعن تنظيماته ونشاطاته وسعة شعبيته بين أبناء أمتنا وفيما إذا كان فعلاً حزباً محصوراً على الآشوريين فقط أم تتجاوز عضويته إلى الكدان والسريان أيضا ليس بالكلام فقط وإنما بالحقيقة والواقع. أتذكر قبل سنوات طويلة ذكر لي زعيم هذا الحزب في الولايات المتحدة و "العالم" بأن أسم الحزب مقترن بأسم وطننا العزيز بيت نهرين وليس بالأسم الآشوري كما تفعل زوعا وغيرها من الأحزاب الآشورية وهذا هو الذي سيجعل من الكلدان والسريان أن ينضموا للحزب، ولكن اليوم لا أعتقد يوجد كلداني ولا سرياني في هذا الحزب في أميركا بل هو من أشد الأحزاب تطرفاً ومعادياً للتسميات الأخرى لأمتنا. أما الحزب الوطني الآشوري فهو الآخر له سجل طويل في العملية السياسية لأنه في الحقيقة ينافس حزب بيت نهرين الديموقراطي في تاريخ التأسيس فكلاهما تأسسا في السبعينيات من القرن الماضي لهذا فأن شرح كل هذا السجل من قبل ممثل الحزب في الندوة يعتبر أمراً متعباً وطويلاً فأكتفى بطرح مواضيع عامة ومختصرة عن نضال الحزب وعن أسباب تبنيه للتسمية المركبة بعد أن كان حاله كحال زوعا من أشد المتمسكين بالتسمية الآشورية...

ممثلوا الأمة في البرلمان "الكردستاني":
من أكثر النشاطات أهمية وإثارة كانت الندوة التي عقدها ممثلو أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" المنتخبين لبرلمان إقليم "كردستان" الجديد واللقاء الحاسم بينهم وبين جماهير أمتنا وكان هذا الإهتمام والإثارة بادية منذ الوهلة الأولى عندما دخل الممثلون الخمسة لأمتنا قاعة جمعية الثقافية الكلدانية في عنكاوة وهم متكاتفين جنباً إلى جنب معبرين عن قوة وحدتهم وهم يمثلون هذه الأمة المبتلية بمصائب العصر الديموقراطي في العراق حاملين على ظهورهم مأساتها ومعاناتها التاريخية والمعاصرة والمستقبلية ومن دون إكتراث لإنتمائهم الحزبي أو "القائمي"..  كان لدخولهم القاعة وهم بهذه الوحدة والتكاتف ردود فعل قوية تمثلت في وقوف جميع الحاضرين الذين أحتشدوا في القاعة مع عواصف من التصفيق والهتافات بحياة أمتنا المتوحدة والمتمثلة في هيئة هؤلاء الممثلين في البرلمان "الكردستاني". وكما توقع الحاضرين للندوة كان موضوع التغيير الديموغرافي لأراضي وقرى شعبنا أول المداخلات للندوة حيث تم شرح فيها الخطوات الحاسمة التي سيتخذونها في البرلمان وسوف يقلبون كراسهم رأساً على عقب إذا لم يتم إصدار قرارا واضحاً من البرلمان ينص على إيقاف التغيير الديموغرافي والخطوات الفعلية في تحقيق ذلك وبالتالي سوف يعلقون عضويتهم أو يستقيلون من البرلمان إذا لم يتم إتخاذ مثل هذا القرار ... مرة أخرى هزت القاعة من قوة التصفيق من الهتافات الصارخة والمدوية فكان إستمرار هذه الحالة الإنفعالية قد خلق حالة من الحماس وبلغ ذروته إلى درجة إنبعاث ذبذبات قوية تسببت في تصدع جدران القاعة  فكانت كالزلزال تزلزل الأرض أيضا فأهتزت القاعة إهتزازاً قوياً من هذا الحماس والهتاف المدوي فلم يستطيع الحضور الصمود في كراسهم، ولا أخفي سراً أن أقول بأن حالي كان كحال الحاضرين يشوبه نوع من الإرتباك مقرناً بالخوف من هذا الزلزال التي زلزل أيضا كياني وجسمي... نعم بدأت أكتافي تهتز وتتحرك يميناً وشمالآ وإذ بصوت أبني يصرخ وهو يهز كتفي ويقول: بابا ... بابا... إستيقظ من النوم لقد تأخرت عن العمل... فما كان مني إلا أن قفزت من سريري بداعي التخلص من الزلزال الذي أحدثته هذه الندوة والندوات السابقة ثم أمعنت النظر حولي فلم أجد من الحضور والمحاضرين إلا أبني واقفاً بجنبي وغارقاً في الضحك من حالتي المرعبة فقطع ضحتكه التي كان يكتنفها نوع من الإستهزاء بالحالة التي أنا فيها قائلاً: يظهر يا بابا بأنك كنت تحلم حلماً مثيراً ... أليس كذلك؟؟؟ فقلت له: نعم ولكن لم يكن حلماً واحداً بل أحلام عديدة ومثيرة... وأنا في هذه الحالة رفعت يداي متذرعا للرب الخالق شاكراً له على هذه النعمة التي أنعمها علينا نحن البشر في إمكانية الحلم بكل ما نتمناه ونرغبه... نعمة الحلم التي لايستطيع أعتى دكتاتور في العالم أن يمنع الإنسان من هذه النعمة... ولكن ماذا بشأن تحقيق هذه الأحلام... هناك مثل يقول "الأحلام لا يحققها إلا الأبطال"  أفهل لدينا نحن أبطال يستطيعون تحقيق أحلامنا؟؟؟... أفهل تحقيق أحلامنا البسيطة المذكورة في أعلاه يتطلبها أبطال؟؟؟    
  

                      

222
الأحزاب "الكلدانية السريانية الاشورية"
في ضوء مشروع قانون الأحزاب السياسية العراقي

=================================
أبرم شبيرا
مختصر في خلفية قانون الأحزاب في العراق:
بعد تأسيس دولة العراق بدأت الحكومة العراقية ومن خلفها بريطانيا بأصدار مجموعة قوانين لتنظيم الدولة الجديدة, والذي يهمنا هنا هو قانون الجمعيات والأحزاب السياسية الذي صدر عام 1922 وعلى ضوءه شكلت عدد من الأحزاب السياسية من قبل شخصيات في معظمها كانت إمتدادا للعهد العثماني أو للجمعيات والأندية التي تأسست قبيل إنهيار الإمبراطورية العثمانية. وفي عام 1954 عدل هذا القانون بمرسوم رقم 19 وأخطر ما جاء في هذا التعديل هو إسقاط الجنسية العراقية عن كل من ينتمي إلى الحزب الشيوعي العراقي كما ألغى هذا المرسوم رخصة كافة الأحزاب السابقة لصدوره. وبعد الإنقلاب الدموي في 14 تموز عام 1958 أنهارت الحياة الحزبية  ولم ينظم أمورها إلا بعد صدور قانون الجمعيات الجديد في عام 1960 الذي بموجبه أجاز تأسيس أحزاب سياسية ولكن بسبب الفوضى وعدم الإستقرار الذي ساد الحياة السياسية في تلك الفترة فلم يخرج القانون إلى حيز التطبيق الفعلي.
عندما أستولى حزب البعث على السطلة في العراق كان من الطبيعي أن تنعكس دكتاتوريته في التشريعات التي أصدرها ومنها قانون الأحزاب السياسية رقم 30 لسنة 1991 الذي بموجبه كرس مفهوم "الحزب القائد" وفرض واقعياً أمر نظام الحزب الواحد رغم سماحه بمشاركة شكلية ومحدودة جداً  لبقية الأحزاب ضمن "الجبهة الوطنية" التي كان قائدها الحقيقي والمهيمن على بقية الأحزاب التي فرض عليها أن لا تتعارض مبادئها مع مبادئ إنقلاب 17 تموز لعام 1968، أي بعبارة أخرى أن تكون خاضعة له بالتمام والكمال، وحتى هذه المهزلة لم يعد لها وجود بعد توريط نظام البعث العراق في حربين مدمرين فأصبح الإنتماء إلى أي حزب غير حزب البعث جريمة وخيانة للوطن تصل عقوبتها إلى الإعدام.

قرار بول بريمر في الأحزاب السياسية:

بعد سقوط الصنم في نيسان من عام 2003 ، أصدر بول بريمر رئيس سلطة الإئتلاف المؤقت قراراً فضفاضاً رقمه 97 لسنة 2004، والذي عرف بـ "قانون الأحزاب والكيانات السياسية" الذي لم يكن يمتلك أية ركن من أركان القانون بل كان مجرد تعليمات لتنظيم الحياة الحزبية في العراق تمهيداً لإجراء إنتخابات المجلس الوطني وظهر قصوره الكبير في عدم إشارته إلى مسألة تمويل الحزب ومصادره وإمتلاك الحزب للنظام الداخلي وخلوه من ضوابط مطلوبة ومعروفة في الحياة الحزبية. غير أن ما تميز به هذا القرار هو عدم الإشارة إلى تدخل الدولة في شؤون الأحزاب وأمورها الداخلية ولم يحدد شروط تأسيسها أو عملها فكان في أحلام بريمر خلق نوع من الديموقراطية الليبرالية ضمن الإطار العام لمصالح وأمن الولايات المتحدة، أي بعبارة أخرى حاول بريمر خلق ديموقراطية ولكن من دون وجود ديموقراطيين حقيقيين في العراق. أعقب ذلك ظهور عدد هائل من الأحزاب والكتل السياسية ومعظمها قدم من الخارج أو جاءت مع القوات الأمريكية وبعضها كانت موجودة وقائمة في العراق قبل سقوط الصنم والعدد الأكبر تشكل بعد ذلك ومن دون أية ضوابط منظمة لتأسيسها ونشاطها فخلق ذلك فوضى في الحياة الحزبية بحيث جعل من العراق أن يكون الدولة الأولى في العالم من حيث تخمة الأحزاب السياسية. فسجلات الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات تشير بأن هناك بحدود 500 حزب والآخر يرى بأن هذا العدد يتجاوز إلى 550 فلم تكن هذه التخمة في الأحزاب إلا نتيجة عدم وجود قانون أو نظام ينظم الحياة الحزبية ويحدد مفهوم الحزب بشكل رسمي وقانوني، فلا قواعد قانونية تنظم أمور هذه الأحزاب غير مصادقة المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات عليها وذلك لأغراض الإنتخابات.
هكذا أصبح العراق بدون قانون للأحزاب السياسية فسادة نتيجة ذلك الفوضى في جميع الأنشطة السياسية وكان بطلها الأوحد الكيانات الطائفية التي هيمنت على الحياة السياسية وعلى ضوء هذه الفوضى جرت أنتخابات البرلمان لعامي 2006 و 2010 فكان من الطبيعي أن يكون لهذه الكيانات أكثرية المقاعد في البرلمان العراقي.

مشروع قانون الأحزاب السياسية العراقي الجديد:     
ينص الدستور العراقي لعام 2005 في مادته (39 - أولاً) على "حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، والإنضمام إليها مكفولة، وينظم ذلك بقانون". وطبقاً لهذه القاعدة الدستورية قدمت الحكومة العراقية مشورع قانون الأحزاب السياسية العراقي ووافقت عليه رئاسة الجمهورية والذي يتكون من 11 فصلاً و 69 مادة. أحيل المشروع إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره غير أنه بسبب الخلافات الحادة بين الكتل السياسية في البرلمان والتعديلات التي أجريت عليه من قبل اللجنة القانونية البرلمانية  لم يتوصل خلال جلساته المتعددة ولحد هذا اليوم إلى صيغة يتم من خلالها تمرير القانون وإقراره خاصة من قبل الأحزاب والكتل الكبيرة والمسيطرة التي تتخوف بشكل رهيب من بعض مواد القانون التي تضر بمصالحها ويهدد مركزها المهيمن فيما إذا أقر القانون وطبق، فبسبب هذه الممطالة والتأخير فأنه أصبح من المؤكد أن لا يتم إقراره في الدورة البرلمانية الحالية وسيترك للدورة الجديدة أي بعد إنتخابات عام 2014. لقد كان محقاً من  قال بأنه لو طبقت بعض مواد هذا القانون في الوقت الراهن على الأحزاب السياسية الحالية لكان أغلب زعماء هذه الأحزاب، ومنها طبعاً أحزابنا "الكلدانية السريانية الاِشورية" قابعين خلف قضبان السجون, أما في إقليم "كردستان" فإن "المجلس الوطني الكردستاني" كان قد أصدر قانون "الأحزاب السياسية" رقم 17 لسنة 1993 الذي بموجبه يتم تنظيم وتأسيس الأحزاب السياسية. وهو موضوع سنتركه لفرصة أخرى أذا أتيحت لنا.

كما ذكرنا بأن مشروع القانون يتكون من 69 مادة، وهي مواد ذات مضامين غريبة وعجيبة، فحال هذا القانون كحال لص محترف ومجرم خطير يحاول تجميل سجله الشخصي ببعض شهادات حسن السلوك والسيرة وشهادات "سوق مريدي" في التحصيل العلمي. ففيه مواد تأخذنا إلى العهود الدكتاتورية السابقة من جهة ومواد أخرى تمثل قمة الليبرالية والديموقراطية والتي يستحيل تطبيقها في الأجواء السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والعنصرية، مواد لا يمكن تصديق قبولها من قبل الأحزاب الكبيرة والمهيمنة... قانون يحاول خلق ديموقراطية ومن قبل رجال لا يؤمنون بالديموقراطية إطلاقاً. على العموم أن الذي يهمنا من هذه المواد هي التي تخص تحديداً أحزابنا "الكلدانية السريانية الآشورية" وتؤثر في مسألة تأسيسها وتسجيلها ونشاطها وتمويلها وسوف نذكر بعضها.

تأثير مشروع القانون على الأحزاب "الكلدانية السريانية الآشورية:

من أكثر المواد تأثيراً، والتي سنشير إليها من حيث قوة تأثيرها وليس من حيث تسلسها كما وردت في المشروع، هي كالآتي:
1)- المادة 11  من الفصل الرابع الخاصة بشروط تأسيس الحزب، والتي تقول (أولاً - أ: يقدم طلب التأسيس تحريرياً إلى رئيس محكمة القضاء الإداري في بغداد مرفق به قائمة بأسماء عدد لا يقل عن (2000) ألفي عضو مؤسس مقيمين في (6) ست محافظات عراقية على أن لايقل عدد المؤسسين عن (100) مائة عضو في كل محافظة من هذه المحافظات). ب: (يستثنى الأحزاب التي تمثل الأقليات من الشرط الوارد بالفقرة (أ) من البند أولاً والمتعلق بإقامة الأعضاء المؤسسين في (6) ست محافظات).
أدرك المشرع واقع الأقليات من حيث إستحالة إقامة 100 مؤسس لأحزابهم في كل محافظة لأن الواقع الديموغرافي لكل الأقليات العراقية هو محصوراً في بعض المحافظات خاصة في بغداد والمحافظات الشمالية لهذا أستثناهم من هذا البند. أما النص الوارد في البند (أ) فأن المشرع قد تجاهل، بقصد أو جهل، كلياً واقع الأقليات من حيث عدد سكانها ومدى إمكانية جمع 2000 ألفي مؤسس لكل حزب فهذا أمر يستحيل في واقع الحال تطبيقه على الأحزاب "الكلدانية السريانية الآشورية"، إذ كان من الضروري أن يدرك المشرع هذا الواقع ويأخذ بعدد معين يقوم على نسبة عدد سكان هذه الأقليات. فلو قبلنا مجازاً بأن الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) بأعتبارها أكثر الأحزاب السياسية شعبية وجماهيرية قد يمكنها جمع 2000 شخص فأنه يقارب المستحيل أن تستطيع بقية أحزابنا "الكلدانية السريانية الآشورية" من جمع هذا العدد حتى ولو إجتمعت جميعاً في كيان واحد خاصة عندما نعرف بأن أكثر من نصف سكان القومية التي تدعي هذه الأحزاب تمثيلها مهجرين خارج العراق. هذا الأمر سوف يكرس ويشرعن هيمنة الحزب الواحد والذي يتنافى كلياً مع الديموقراطية التي ينشدها القانون، وهو الأمر الذي ربما قصده المشرع العراقي في الإبقاء على الأحزاب الكبيرة مهيمنة على مقدرات الحكم في العراق حيث هناك أيضا أحزاب عراقية أخرى لايمكن أن تجمع هذا العدد خاصة فيما يتعلق بالبند الخاص بإقامة 100 مؤسس في كل محافظة.

2)- المادة 4 من الفصل الثاني (المبادئ الأساسية) – البند: ثالثاً: والذي يقول (لا يجوز أن ينتمي أي مواطن لأكثر من حزب سياسي في آن واحد). هذا البند يؤثر بشكل خاص على أحزاب الأقليات لكونها في كثير من الحالات موضوع تجاذب للأحزاب السياسية الكبيرة وإختراقها من خلال دس بعض أعضائها في أحزاب الأقليات. وتجربة إختراقات وجذب الحزب الديموقراطي الكردستاني لبعض الأحزاب "الكلدانية السريانية الآشورية" هي نماذج في هذا السياق. وبقدر تعلق الأمر بهذه الأحزاب فهناك أمور واضحة بأن أعضاء في الحزب الديموقراطي الكردستاني، وبعضهم كوادر ولهم مواقع متقدمة، أسسوا أحزاب سياسية تسرح وتمرح وتدخل العملية الإنتخابية بأسم حزب معين ولكن تخدم أجندة حزب سياسي آخر. فتطبيق مثل هذا البند على هذه الأحزاب أمر يستحيل طالما يمكن إخفاء وإنكار الإزدواجية العضوية الحزبية للعضو المؤسس.

3)- المادة 8 من الفصل الثالث (أحكام التأسيس) والذي تقول: (يشترط لتأسيس أو إستمرار أي حزب مايلي: (البند: ثالثا) والذي يقول (تميز برنامج الحزب في تحقيق أغراضه تميزاً واضحاً عن برامج الأحزاب الأخرى). هناك الكثير من الإنتقادات التي وجهت من قبل القانونيين والمختصين في هذا المجال لهذا البند لأن الكثير من الأحزاب العراقية تتاشبه برامجها السياسية، فكيف والحالة مع "الكلدان السريان الآشوريين" وهم أقلية صغير ولها سجل بسيط في المعترك السياسي. لقد سبق وأن ذكرناً مراراً وتكراراً بأنه بسبب كون أمتنا صغيرة وبسيطة في تفيكرها ومطامحها ومطالبها القومية التي يشترك بها تقريباً معظم أحزابنا السياسية لذلك فإن التشابه وارد جداً في مناهجها وبرامجها السياسية فهي في جوهرها واحدة وأن أختلف شكلها وأسلوب طرحها وصياغتها.

4)-  المادة 11 من الفصل الرابع، البند ثانياً (ترفق بطلب التأسيس الوثائق التالية (قائمة بأسماء الأعضاء المؤسسين معززة بتواقيعهم الشخصية ومصدقة من كاتب العدل – الفقرة ب من هذا البند). أمر لا يقبله المنطق والواقع لهذا تعرض هذا البند إلى هجوم كبير من المهتمين بهذا الموضوع لأن التصديق يتطلب الحضور الشخصي لجميع المؤسسين ألـ (2000) إلى دائرة كاتب العدل للتوقيع على القائمة والتأكد من هويتهم ثم تصديق القائمة فمثل هذا التصديق لا يمكن أن يتم إلا بالحضور الشخصي للمؤسسين وإلا كيف يتم التأكيد من تواقيع المؤسسين؟!. هذا ناهيك بأن هذا البند يكشف كل الجوانب الشخصية للمؤسسين من عناوينهم وتواقيعهم وصور هوياتهم والتي يتطلبها في بعض الأحيان نوع من السرية خاصة في ظل الحكومات التي لا يمكن الوثوق بديموقراطيتها.

5)- الفصل الثامن (الأحكام المالية) بجميع مواده وبنوده وفقراته: هذا الفصل اأثار نقاشات وإحتجاجات وإنتقادات كبيرة جداً لا بل وتخوف منها والسبب واضح جداً لأن الوضع الحالي لمعظم، أن لم يكن جميع الأحزاب العراقية لا هم لها إلا الفلوس والتي يقال بأنها تفسد النفوس، فهذا الفصل ينظيم الأمور المالية للحزب السياسي وتصبح تحت رحمة الحكومة وتراقبها وتعاقب على مخالفاتها ولكن الذي يهمنا نحن هو مايلي:
- المادة 44 – البند: أولاً، الذي يشير إلى (عند إستلام – أي الحزب – التبرع يتم التحقق من هوية المتبرع وتسجل في سجل التبرعات الخاص بالحزب)، والبند ثانياً يذكر (يتم نشر قائمة أسماء المتبرعين في جريدة الحزب). من المعورف بأن الأحزاب "الكلدانية السريانية الآِشورية" تستلم تبرعات كثيرة من أشخاص ومنظمات سواء من داخل الوطن أو خارجه، فتصور عزيزي القارئ كيف سيكون موقف شخص يرغب في التبرع لأحدى هذه الأحزاب وأسمه وهويته وكنيته مكشوفة للملء ولنظام سياسي لا يتواني في أن "يهجم بيت" هذا المتبرع في أي وقت يشاء.
- المادة 45 – البند ثانيا، الذي يشير إلى (تمنع كل التبرعات المرسلة من أشخاص أو دول أو تنظيمات أجنبية)، وهذا البند مكمل للبند السابق ونحن نعرف مدى خطورته على أحزابنا السياسية لأنه الكثير منها تستلم مثل هذه التبرعات من منظمات ومن أبناء أمتنا في المهجر وإستمرار ذلك يعني تعرضها للعقوبات المنصوصة عليها في هذا المشروع القانوني. هذه المادة أثارت وتثير الكثير من التساؤلات والإعتراضات لأنه من المعروف معظم الأحزاب العراقية لها صلات ومصادر مالية من خارج العراق وتطبيقه كما سبق وذكرنا بأنه ستجعل معظم زعماء هذه الأحزاب ومنها أحزابنا أن يقبعوا في السجون.
أكتفي بهذا القدر، فهذا موضوع قانوني دستوري وسياسي يتطلبه دراسات مطولة ويخص بالدرجة الأولى الأحزاب العراقية بشكل عام ولكن حاولت الإختصار والتركيز على ما يؤثر على أحزابنا السياسية بشكل خاص.

خلاصة الكلام:
•   معظلة العراق السياسية واضحة كل الوضوع في مشروع هذا القانون الذي يجمع في مواده مفاهيم ديموقراطية من حيث تنظيم ومراقبة أنشطة الأحزاب السياسية خاصة في مراقبة مواردها المالية كما للبعض الآخر من مواده مفاهيم مستمد من الأنظمة الدكتاتورية السابقة للعراق خاصة في تقييد الأحزاب وربطها بدائرة الأحزاب السياسية التي ستكون أحدى دوائر وزارة العدل.  فالمفترض أن تكون الأحزاب السياسية، بإعتبارات من أهم مؤسسات المجتمع المدني، مرتبطة بهيئة مستقلة غير حكومية... ولكن السؤال يبقى هل هناك إستقلال لأي دائرة من نفوذ الأحزاب الكبيرة المتنفذة والمهيمنة على الحياة السياسية في العراق؟؟
•   موضوع تأسيس الأحزاب أو تسجيلها من قبل 2000 شخص أمر في غاية الغرابة، فمثل هذا الرقم ربما لا نجدها في أكثر الدول ديموقراطية فهذا العدد يتراوح في بعضها من 50 إلى 500 شخص وحتى نفسه بول بريمر – السئ الصيت – أوجب في قراره المذكور أعلاه وجوب تأسيس الحزب بطلب من 500 شخص. فيما يتعلق بأحزابنا السياسية يظهر بأن مثل هذا الرقم قد يكون مريحاً للحركة الديموقراطية الآشورية (زوها) وممكن توفيره وبالتالي ستستمر كـ "الحزب القائد" لأمتنا مؤطر بإطار قانوني، ونحن سبق وأن كررنا العديد من المرات بأنه لا يمكن لأي حزب مهما كانت شعبيته أو قوته أن يمثل وحده مصالح الأمة في إطار ديموقراطي وإلا فسنكون أزاء ممارسات إستبدادية دكتاتورية. لهذا لو كنًا فعلاً نرغب في تطبيق الديموقراطية وتعبر مصحلة الأمة من خلال أحزابنا فأنه يتطلب وجود عدد معقول (وليس تخمة) من الأحزاب السياسية يتناسب هذا العدد مع حجم الأمة وإمكانيتها وطموحاتها. من هذا المنطلق يتطلب الواجب القومي من أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية أن تتآلف وتتوحد وتحاول أن تجمع، إذا تمكنت، هذا العدد المطلوب لتأسيس حزب جديد وعصري يكون مؤهلاً وقادراً على منافسة زوعا منافسة عادلة في التعبير عن مصالح الأمة وتحقيق طموحاتها. لكن كما سبق وأن ذكرنا فأنه قد يقارب الإستحالة في جمع 2000 شخص لتأسيس مثل هذا الحزب الجديد لهذا السبب يستوجب على "ممثلي" أمتنا في البرلمان العراقي أن يعترضوا على المادة التي تنص على 2000 شخص لتأسيس الحزب وأن يكون هذا العدد مناسب لعدد سكان أبناء أمتنا واضعين بنظر الإعتبار مسألة تهجيرهم من وطنهم الأم بنظر الإعتبار.
•   مسألة تمويل الأحزاب والتبرعات هي الآخرى خطيرة يستوجب على أحزابنا السياسية الإستعداد لها قبل إقرار هذا المشروع ويصبح قانوناً نافذا قابلاً لأخذهم وزجهم في السجون في حالة مخالفتهم له. ولكن مع كل هذه المخاطر نرى بأن بعض قادة أحزابنا خاصة الممثلين في الحكومة العراقية والبرلمان لم تعد مصادر تمويلهم من الخارج ذات أهمية كبيرة مثلما كان في السابق حيث أن كراسيهم ومن تحتها توفر لهم مصادر مالية ضخمة وقد "يتكرمون" ويعطون بقشيشاً ((Tip لأحزابهم وإعتبارها نوع من التبرع السخي ويسجل في سجلات المتبرعين...(عود في عين الحسود)!!!
•   ولكن ... ولكن أفهل هذا الطرح في تآلف وتوحد شرذمات أحزابنا لغرض تأسيس حزب كبير هو نوع من اليوتوبيا وحلم وردي... فالجواب قطعاً هو بنعم لأن مثل هذا الطرح سوف يصطدم بالجدران الصلدة لمصالح هذه الشرذمات، ولكن مع هذا فإن ضميرنا الحي وواجبنا القومي يستوجب تنويرهم بأن هذه الجدران ستتآكل بمرور الزمن وستصبح هشة وتنهار من تلقاء نفسها إذا لم تضع مصلحة الأمة فوق مصلحتها الحزبية الخاصة وأنا متأكد كل التأكد بأن معظم أبناء أمتنا لهم نفس ضميري الحي ويحبون مصلحة الأمة ولا أشك في بعض من قادة أحزابنا السياسية لهم مثل هذا الضمير الحي ولكن بالدرجة الأولى مطلوب منهم إثباته لا بالقول بل بالفعل لأنهم يعتبرون قدوة للأمة التي يحاولون تمثيلها من خلال مواقعهم الحزبية والرسمية. 
     

     
       

223
أضواء خافتة على المؤتمر السابع (2013) للحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا)

أبرم شبيرا
أضواء خافتة:
هذه بعض المواضيع التي أطرحها تحت كشاف الأضواء الخافتة التي توفرت عن المؤتمر السابع لزوعا والتي لم تكن كافة لدينا لكشفها تحت الأضواء الساطعة وطرحها بما عليها ولها رغم إننا طلبنا شفهياً وتحريراً من قيادة زوعا السماح لي ولبعض المهتمين بشؤون زوعا حضور المؤتمر لنكون كمراقبين محايدين وعلى بينة بما يجري في أروقتة وبمناقشات المؤتمر والذي حتماً هو لصالح زوعا أكثر مما هو لصالحنا نحن لأنه من المحتمل جداً أن يصدق أبناء أمتنا ما نكتبه أكثر مما يصدق ما تذكره زوعا نفسها ويكون صوتنا قائماً على بيان كل الجوانب الإيجابية والسلبية معاً، وهو ما نفعله في هذا الموضوع، بينما من المؤكد أن طرح زوعا سيكون قاصراً على الجوانب الإيجابية فقط ، وهذا وإن كان أمراً طبيعياً لكل حزب سياسي إلا أنه من جانب آخر يحق لأبناء أمتنا أن تعرف كل الجوانب الإيجابية والسلبية خاصة لحزب يعتبر من الأحزاب الرئيسية والكبيرة لأمتنا.       
تساؤل مشروع:
===========
معظم أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" وكثير من غيرهم يقرون ويعترفون بأن الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) حزب سياسي كبير وفاعل على الساحة القومية ويشارك كثيراً أو قليلاً، سلباً أو إيجاباً،ً مع بقية القوى السياسية العراقية في مخاض العملية السياسية في العراق. فبهذه الصفة التي تتصف بها تشكل زوعا إهتمام الكثير من أبناء أمتنا خاصة المهتمين بشؤوننا القومية وتحديدا المثقفين منهم الذين يهمهم دراسة ومعرفة طبيعة ونشاط أحزابنا السياسية. من هذا المنطلق من المفترض أن يشكل المؤتمر السابع لزوعا أهمية لديهم تنعكس في بعض الكتابات والدراسات الموضوعية لا التهجمية أو مغطاة بسلبية كاملة من دون النظر إلى الجوانب الأخرى التي تصلح أن تعرض وتدرس وتنتقد وبموضوعية سواء أكانت جوانبها سلبية أم إيجابية فمعرفة كلا الجانبين يساعد كثيراً لا زوعا فحسب وإنما يطور مسيرة حركتنا القومية من خلال تطوير أحزابنا السياسية أيضاً. فلا التهجم والسلبية المطلقة تفيدنا ولا التطبيل والتزمير لهذا "الزعيم" وإرسال البرقيات ذات الطابع "موافج" تفيدنا، فهي تأخر أكثر مما تقدم. إنطلاقاً من مبدأ الموضوعية في دراسة هذا الحدث نتسائل، أين المثقفين الموضوعين، الذين يهمهم زوعا وتشغل تفكيرهم مثل هذه الكتابات الموضوعية المساهمة في تطوير حركتنا القومية وأحزابنا السياسية؟؟؟ ولعل مثل هذا التساؤل أوجهه بالدرجة الأولى إلى نفسي وذلك لكوني من المتهمين بزوعا وبمسيرتها ونشاطها. وإنعقاد المؤتمر السابع ودراسته من خلال بعض المحاور الرئيسية التي وصلتنا عبر القنوات  العامة يهمني ويدفعني لكي أكتب عنها ومن دون التطرق إلى القرارات "الداخلية" التنظيمية التي وصلت إلينا شذرات بسيطة منها وغير رسمية ولا تصلح للعرض والدراسة بسبب شحتها كما أنها لم تصدر او تعلن من قبل الجهة المعنية.   
محاور رئيسية:
==========
يذكر البيان الختامي للمؤتمر السابع لزوعا بأنه أنعقد للفترة (16 – 18) من تشرين الأول 2013 وبمشاركة 271 مندوباً (ومرات أخرى ذكر 300 مشارك) من جميع الفروع والمكاتب في الوطن وقواطع المهجر وبعد التحاور والنقاش من قبل اللجان المختصة التي تشكلت لدراسة مواضيع مختلفة تم إقرار ببعضها وصدور القرارات عنها ومن ثم إنتخاب السكرتير العام أولاً وبعد ذلك إنتخاب (16) عضواً للجنة المركزية مع (3) أعضاء إحتياط. وبغنى عن الإشارة إلى المواقف والسياسات والمناهج التي ناقشها المؤتمر والقرارات التي إتخذها فإن المحاور الرئيسية، وليست كلها بل بعضها، التي تهمنا هنا هي كالآتي:
1) – فترة إنعقاد المؤتمر:
 يظهر بأن زوعا لم تتخلص من عقدة أو "موديل" أحزابنا السياسية في إنعقاد "مؤتمرهم" خلال فترة نهاية الأسبوع (Weekend Conferences) فقد لاحظت من خلال متابعتي للأحزاب والتنظيمات القومية لأمتنا إنعقاد "مؤتمر" معظم أن لم يكن جميعهم على الإطلاق خلال أيام نهاية الأسبوع. فإذا كان لهذا مبررات منطقية تقوم على إستغلال فرصة العطلة الأسبوعية ليتسنى للمندوبين حضور المؤتمر فأن له من جانب آخر مدلولات تدل على صعوبة حضور المندوبين في أيام الأسبوع الأخرى وعدم إمكانيتهم للتضحية بها أو الحصول على إجازة من عملهم أو دراستهم من أجل حضور المؤتمر. ومن خلال متابعتي لأيام إنعقاد مؤتمرات زوعا السابقة لاحظت ما يختلف عن أحزابنا السياسية الأخرى هو إنعقاده لمدة ثلاثة أيام أو أكثر وهو أمر طبيعي بسبب إزدحام برنامجه السياسي والذي يتطلبه مناقشات مكثفة وطويلة من قبل اللجان المختصة ومن ثم إقرارها. في حين مؤتمرات أحزابنا وتنظيماتنا القومية الأخرى لا تستغرق أكثر من يوم أو يومين في أقصاها ولا تخرج بعضها عن إطار المهرجان الخطابي والكلمات الرسمية. وهذه نقطة تسجل لزوعا وتجعلها فعلاً من الأحزاب الحقيقية والكبيرة في أمتنا. والملاحظة التي أود الإشارة إليها هو إنعقاد المؤتمر السابع في أيام عيد الأضحى للمسلمين وهي المناسبة التي تكون قيادة زوعا خاصة سكرتيرها العام مشغولين بزيارة قادة وزعماء الأحزاب السياسية العراقية وتهنئتهم بهذه المناسبة وهو أمر مطلوب رسمياً ومجاملة يستوجب القيام بها ولكن يظهر بأن قيادة زوعا بادرت إلى إعطاء أهمية أكثر لحضور المؤتمر من هذه المجاملة ولكن بالمقابل كنًا نتمى لقيادة زوعا أن تعطي نفس الأهمية لحضور أحتفالات الأول من نيسان الماضي ومسيرتها الضخمة واللقاء بجمهرة أبناء شعبنا خاصة الشباب والطلاب القادمين من بلدان المهجر، ولكن يظهر بأن أهمية الحزب وأوليته تفوق أهمية الأمة في أعيادها وإحتفالاتها عند قيادة زوعا وهذا ما شاهدناه في نيسان الماضي في بغديدا فبعد ثلاثة أسابيع حضر معظم قادة زوعا وعلى رأسها سكرتيرها العام إحتفال ذكرى تأسيس زوعا ولكن غابوا عن إحفالات الأول من نيسان مفضلين إحتفالات حزبية على إحتفالات الأمة. ونأمل أن لا يتكرر هذا في نيسان القادم وأن نرى السكرتير العام لزوعا في مقدمة المسيرة وإعطاء لها أولوية قبل غيرها من المناسبات.

2) – حضور المندوبين:
يعتبر الباحثون في العلوم السياسية أن أحد عوامل قوة الحزب هي في جماهيريتة وشعبيته ويكون عدد أعضاءه معياراً لهذه القوة. فحضور 271 مندوب للمؤتمر السابع، حسب التقرير الختامي لزوعا، تعبير عن مدى سعة جماهيرية زوعا وكثرة عدد أعضاءها. فإنتخاب أو إختيار مندوبين بهذا العدد الكبير يدل على أن هناك أعضاء كثر قد يتجاوزون بضعة آلاف، فيما إذا أتبعت الأصول المعروفة في إنتخاب وإختيار المندوبين للمؤتمر. وهي الحالة التي تجعلنا أن نقر ونعترف مرى أخرى بزوعا كحزب سياسي كبير في أمتنا سواء وقفنا مع توجهاتها أم خالفناها أو تهجم البعض عليها وأهان قيادتها فهي مسائل لا أهمية لها ولا تأثير في حقيقة كون زوعا حزباً جماهيرياً وله من الأعضاء ما يحقق لها هذه الصفة. لقد سبق وذكرنا مراراً وتكراراً مسألة تعريف الحزب السياسي وأكدنا بأن الحزب هو مجموعة من الأشخاص يؤمنون بمبادئ وأفكار مشتركة ويخضعون لنظام موحد ويسعون للوصول إلى السلطة السياسية لتحقيق أهدافهم، أي بهذا المعنى الحزب يجب أن يكون له أربعة مقومات وهي مجموعة من الأشخاص (الأعضاء) والفكر (الأيديولوجيا) و التنظيم (النظام الداخلي) والسعي للوصول إلى السلطة السياسية لتحقيق الأهداف. وبقدر تعلق الأمر بموضوع الأعضاء فقد يرد عليه بعض الإعتراضات وذلك بسبب عدم ذكر العدد المطلوب لهذا المقوم، أي بهذا المعنى ربما بضعة أشخاص تكفي لتكوين الحزب. ولكن المتفق عليه وبشكل مطلق هو أن العدد يجب أن يكون كافياً لكي يشغل جميع تنظيمات الحزب المذكورة في النظام الداخلي من أعلاها، اللجنة المركزية إلى أصغر خلية – على سبيل المثال لا الحصر – وهي الحالة التي لا تنطبق إطلاقاً على جميع أحزابنا السياسية بإستثناء زوعا التي لها من الأعضاء ما يكفي وبزيادة على إشغال جميع تنظيماتها التراتبية. فلدينا بعض الأحزاب التي لا يتجاوز عدد أعضاؤها أكثر من أصابع اليد في الوقت الذي يتطلب المئات من الأعضاء لملئ هياكلها التنظيمية المذكورة في نظامها الداخلي، ولا أدري كيف سيكون حال معظم أحزابنا السياسية عندما يقر مشروع قانون الأحزاب العراقية لعام 2011 من قبل البرلمان العراقي وتطبق المادة (111 – أولاً) من الفصل الرابع (إجراءات تسجيل الأحزاب) والتي تنص على تقديم طلب التأسيس تحريريا الى رئيس محكمة القضاء الاداري في بغداد مرفق به قائمة باسماء عدد لا يقل عن (2000) عضواً. فالتساؤل هو هل أن لجميع أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية مجتمعة هذا العدد؟؟؟ عليها التفكير قبل تطبيق هذا القانون، وهذا موضوع طويل سنخصص له فرصة أخرى. أتذكر بهذا الخصوص مسألة مضحكة ومحزنة في عين الوقت عن حزب سياسي ملئ الدنيا بالصراغ و (الأمتانايوتا) وأشورايوتا التي من خلالها يحاول قضم وبلع مئات الألآف من الكلدان والسريان وهو مجرد من الأسنان تماماً. عقد هذا الحزب جلسة في لندن في منتصف التسعينيات من القرن الماضي وسماها مؤتمر عام وبناء على طلب الحزب حضر أحد أصدقائي الأدباء إلى الجلسة ظناً منه أنه ضيف شرف أو مراقب يستطلع مجريات مؤتمر الحزب فكان عدد الحاضرين للمؤتمر أثنى عشر شخصا فقط وبعد ساعات من الثرثرة قالوا لصديقي الأديب أنه أنتخب عضواً في اللجنة المركزية لأن العدد المطلوب لهذه اللجنة هو ثلاثة عشر عضواً وليس لهم غير أثنى عشر وهو سيكمل العدد (بدون تعليق).

من الملاحظ بأن كثرة عدد المندوبين لمؤتمر زوعا السابع وهو تقريباً أكثر من المؤتمرات السابقة وفي ظروف صعبة وقاسية للغاية داخلياً وخارجياً، ولا ندري ما هي المعايير والطرق التي أعتمدت في إختيار أو إنتخاب المندوبين وتسهيل أمور حضور هذا العدد الكبير ولكن هي حالة يجب أن تدرس من خلال الظروف الصعبة التي مرت وتمر بها زوعا حالياً خاصة بعد إنقطاع  عدد كبير من القياديين والكوادر المتقدمة من التنظيم وتشكيلهم قائمة أبناء النهرين وحصولهم على مقعد في برلمان إقليم "كردستان" وقد يكون من وراء حضور هذا العدد الكبير كرد فعل للأوضاع الصعبة التي تمر بها زوعا ومحاولة إثبات بأنها لازالت بحالة صحية وثبات كما يمكن إعتبارها رسالة موجهة لأبناء أمتنا بأن لها قواعد واسعة وراسخة فلم يؤثر خروج عدد من القياديين والكوادر المتقدمة على أوضاعها وقواعدها وشعبيتها وقوتها. وأخيراً لم يبقى بهذا الخصوص إلا أن نشير بنوع من التقدير والتثمين والإعجاب أيضاً لإنعقاد المؤتمر في بغداد لمدة ثلاثة أيام وحضور 271 مندوب وفي أجواء غير مستقر وآمنة خاصة أثناء أيام عيد الأضحى التي تكثفت فيها الإنفجارات والأعمال الإرهابية ناهيك عن المستلزمات المطلوبة من الإقامة والتنقل والمعيشة وغيرها من الأمور المطلوبة لهذا التجمع الكبير، فمثل هذه الظواهر هي التي تفرض علينا أن نقر بأن زوعا حزب سياسي كبير سواء قبلنا هذه الحقيقة أم رفضناها فهذه مسألة شخصية لا تأثير لها على حقيقة الأمر.

3) - السكرتير العام وأعضاء اللجنة المركزية:
نعالج هذا المحور من جانبين، الأول: إنتخاب السكرتير العام. والثاني: أسلوب إنتخابيه وأعضاء اللجنة المركزية.
إنتخاب السكرتير العام:
 يذكر البيان الختامي لمؤتمر زوعا بأنه "في اليوم الثالث تم إنتخاب السيد يونادم كنا لمنصب السكرتير العام بالتزكية من قبل الحاضرين الذين أتفقوا بالإجماع على منح السيد كنا ثقتهم لتولي مهام السكرتير العام للحركة الديموقراطية الآشورية ثلاث سنوات قادمة". مقصد الكلام أن السيد يونادم كنا قد فاز بمنصب السكرتير العام لزوعا بالتزكية وبالإجماع. هنا نود أن نؤكد بأن التزكية هي من مصطلحات وإختراعات وممارسات بلدان العالم الثالث التي تدعي بالديموقراطية، لا بل هي من خزعبلات الأنظمة السياسية والحزبية للبلدان العربية لغرض تكريس وإستمرار الجلوس على كرسي الحكم والتسلط، فالتزكية هي بعيدة كل البعد عن الديموقراطية. فأبسط متطلبات الديموقراطية هي أن يكون هناك تنافس وهذا لا يمكن أن يكون إلا بين أثنين أو أكثر، فالديموقراطية لعبة سياسية وكأي لعبة يتطلبها أكثر من لاعب واحد ولا يمكن إطلاقا لشخص أن يلعبها لوحده ما لم يكن يخدع نفسه قبل غيره. فلم نسمع طيلة حياتنا فوز أي رئيس أو حاكم أو زعيم حزب أو حركة بالتزكية في بلدان ذات الأنظمة السياسية والحزبية الديموقراطية. ربما قد نجد في بعض الأحزاب في الدول التي تتبنى الديموقراطية زعيم حزب يستمر في منصبه لسنوات طويلة ويتم إختياره عدة مرات ولكن هذا الإختيار هو إنتخاب ونتاج منافسة مع غيره من المرشحين للمنصب. أما إستمرار زعيم الحزب في منصبه عن طريق إختياره بالتزكية فإن مثل هذه الأحزاب السياسية هي في معظمها أحزاب متطرفة ومتشددة سواء أكانت في أقصى اليسار أم أقصى اليمين. وحتى هذا لا يعتبر إنتخاب بل تجديد أو تمديد لمنصب الزعيم وهو ما يعرف بالفكر السياسي الإسلامي بـ "المبايعة". إذن من هذا المنطلق نقول بأن السيد يونادم كنا لم ينتخب بل جدد منصبه أو مدد لثلاث سنوات أخرى قادمة ولم تجري عملية إنتخابه طالما كان وحده في الساحة. كما يجب أن لا يفوتنا أيضا أن نشير إشارة عابرة إلى كلمة (الإجماع) وهذه الكملة أيضا هي شقيقة لكلمة التزكية فهي الأخرى بعيدة كل البعد عن مفهوم الديموقراطية، فالإجماع، أي 100% هو أسلوب الأنظمة التسلطية وقد عرفناه ولمسناه وعانينا منه كثيراً في وطننا العراق وغيرها من الأوطان العربية ولا يستوجبه شرحاً مفصلاً.
الملاحظة الأخرى التي يستوجب ذكرها، هي أنه خلال مؤتمرات زوعا الماضية كنا نجد أثنين أو أكثر من أعضاء زوعا يرشحون أنفسهم لمنصب السكرتير العام، سواء أكان ذلك ترشيحاً جدياً أم شكلياً وللديكور فقط وإضافة نوع من الديموقراطية على إنتخاب السكرتير العام. والحق يقال بأنه في بعض من هذه المؤتمرات فاز السيد كنا وبصعوبة وبقليل من الأصوات، ولكن في هذا المؤتمر نجد بأن السيد يونادم كنا كان وحده ولم ينافسه أحد فتم تجديد ولايته من دون منافسة. ولو حاولنا أن نحلل هذا التفرد بمجل الظروف التي مرت بها زوعا يمكن أن نجد الأسباب في مايلي:
أ) -  ربما يأتي هذا التمديد، خاصة بعد الإنتقادات الكبيرة التي وجهت إلى السيد كنا ومن مختلف الجهات التي دعت إلى النتحي عن المنصب بعد أن مكث فيه سنوات طويلة وترك المجال لغيره،  كرسالة سواء أكانت موجهة إلى المنقطعين عن التنظيم أو إلى أبناء أمتنا لتؤكد بأن السيد يونادم كنا لا يزال في موقع القوة وله شعبية واسعة ودعم مطلق وبالإجماع من قبل أعضاء زوعا ومؤتمره العام الذي يعتبر أعلى سلطة تنظيمية للحزب.
ب)- بعد إنقطاع وخروج "الرعيل الأول" من التنظيم وعدم إمكانية حضورهم للمؤتمر وهم في أكثريتهم مجربين نفس تجربة السيد يونادم كنا وعبر سنين طويلة وصعبة وبعضهم منذ تأسيس زوعا، جعل هذا الغياب الساحة خالية من منافس جدي وحقيقي للسيد يونادم كنا وبالتالي أصبح وحده في الساحة.
ج)- عدم وجود منافس جدي وكفوء وسياسي محنك ذو خبرة واسعة أكتسبها عبر سنوات طويلة وصعبة من بين المندوبين الحاضرين للمؤتمر، كما هو الحال مع السيد يونادم كنا لكي يستطيع أن ينافسه بكشل جدي وفعال، حيث إن جميعهم – ما عدا السيدان يونادم كنا وآشور أبرم -  هم من "الرعيل الثاني" الذي أنتمى إلى زوعا بعد عام 1992، ولكن هذا لا ينكر وجود دماء شابة ذات مستوى عال من الفكر والوعي والإخلاص توحي لنا أمكانية إعتلاءها منصب السكرتير العام في السنوات القليلة القادمة.
د)- وحتى إذا كان هناك منافس من بين الحاضرين للمؤتمر وتقترب كفائته من كفاءة السيد يونادم كنا، فإن القيادة الكرازماتية والمؤثرة التي يتمتع بها السيد يونادم في زوعا وفي مجتمعنا أيضا تجعل من هذا المنافس أن يفكر أكثر من مرة قبل دخوله المنافسة، وما يترتب على هذا التنافس من إحتمال فقدان الإمتيازات وموقعه في زوعا وربما خسارة الحظوة التي يتمتع بها عند السيد كنا. فاليوم جميع الذين نافسوا السيد كنا في المؤتمرات السابقة هم خارج التنظيم أو "متقاعدين".
هـ)-  قد يكون هناك سبب آخر متعلق برغبة زوعا في الإستمرار وعدم التغيير خاصة في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها بشكل خاص وأبناء أمتنا بشكل عام ولربما كان منافسة السيد يونادم كنا وخسارته في الإنتخابات أو التنحي عن منصبه وإفساح المجال لغيره قد يعطي إنطباعاً بأن زوعا أو السيد يونادم قد خضع للضغوط التي مورست ضده وضد زوعا بهذا الشان، ومثل هذه الخسارة أو التنحي وفي هذه الظروف تعتبر حسب عقليتنا المشرقية إهانة يصعب تحملها. وعلى العموم وبقراءة سريعة للظروف الصعبة والقاسية التي تمر بها زوعا من جهة وأمتنا من جهة أخرى لا نرى في الأفق أي إحتمال لتنحي السيد كنا عن منصبه خلال السنوات الثلاث القادمة ولكن حتى نتجنب ظاهرة "الزعيم الأوحد" فعلى زوعا أن تخلق زعماء بمستوى السيد كنا وهذا لا يتم إلا من خلال المشاركة الفاعلة معه في قمة المركز التنفيذي وهو الموضوع الذي إقترحناه مباشرة لها في تغيير النظام الداخلي وخلق "ترويكا" قيادية عبر إحلال "مكتب السكرتارية العامة" بدلا من منصب السكرتير العام يتكون من ثلاثة أعضاء من بينهم السيد كنا يتولون أمور السكرتير العام سنوياً وبالتناوب خلال فترات إنعقاد المؤتمر العام. وقد يبدو هذا الأمر غريباً وإستثنائياً في الأحزاب الشرق الأوسطية، ولكن ما ضرر في أن نضيف إستثناءاً آخر إلينا، أليست أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" أمة الإستثناءات؟؟

أسلوب إنتخاب السكرتير العام وأعضاء اللجنة المركزية:
هذا المحور سبق وأن تطرقنا إليه سواء بشكل عام وعن طريق نشره في المواقع الألكترونية أو بالكتابة مباشرة إلى قيادة زوعا. وبإختصار شديد نذكر بأن لإنتخاب السكرتير العام طريقتان، الأولى: بعد إنتخاب أعضاء اللجنة المركزية من قبل المؤتمر العام تعقد اللجنة المركزية إجتماعاً لإنتخاب السكرتير العام من بين أعضاءها. والثاني: يتم إنتخاب السكرتير العام من قبل المؤتمر العام ثم بعد ذلك يتم إنتخاب أعضاء اللجنة المركزية. لقد كانت زوعا تأخذ بالطريقة الأولى في إنتخاب سكرتيرها العام ولكن تغير في السنوات القليلة الماضية وبدأت تأخذ بالطريقة الثانية. ولكل طريقة مزايا وعيوب، فالطريقة الأولى يكون السكرتير العام مراقب ويمكن كبحه من قبل الجهة التي إنتخبته، وهي اللجنة المركزية. والحالة نفسها بالنسبة للطريقة الثانية ولكن يكون السكرتير العام مراقب ويمكن كبحه من قبل الجهة التي إنتخبته وهو المؤتمر العام. معظم ظواهر بروز شخصية السكرتير العام وربما تسلطه تأتي بسبب كونه منتخباً بالطريقة الثانية لأنه قد تكون فترة إنعقاد المؤتمر طويلة وصعبة لكي يتم فيه محاسبة مخالفات وتقاعس السكرتير العام. ومما يزيد من بروز شخصية السكرتير العام وربما تسلطه هو عدم تحديد الدورات التي يمكن للسكرتير العام ترشيح نفسه. ففي السابق كانت زوعا قد حددت بدورتين الإ أنه في السنوات القليلة الماضية رفع هذا القيد وفتحت المجال لترشيح السكرتير العام نفسه لدورات متتالية وغير محددة. ومن المؤسف أن تأخذ زوعا بهذه الطريقة في إنتخاب سكرتيرها العام فهو أسلوب معروف مستمد أساسه من الأحزاب الشيوعية خاصة في المرحلة الستالينية التي فيها يستبد السكرتير العام ويتحول إلى صنم معبود، ونأمل أن تكون زوعا قد فكرت ملياً في هذا الموضوع والذي سبق وأن أقترحناه لقيادتها مباشرة. فوفق هذه الحالة مهما كان السكرتير العام ديموقراطياً ومشاركاً في إتخاذ القرارات مع بقية أعضاء القيادة، كما نلاحظه ونسمعه دائماً من السيد كنا، إلا أنه في الظاهر، خاصة بالنسبة للمجتمعات كمجتمعنا الذي عانى من ظاهرة الدكتاتورية والتسلطية، يظهر السكرتير العام كأنما هو الزعيم الأوحد ومصدر كل القرارات.
أضافة إلى ذلك فأن من مساوئ الطريقة الثانية في إنتخاب السكرتير العام هو ضياع طاقات كفوءة قادرة على تولي مهامات قيادية في الحزب. فعندما يتنافس أثنان على هذا المنصب ويخسر أحدهما نرى بأنه أما أن يتردد في أن يرشح نفسه لللجنة المركزية بعد خسارته أو أن النظام الداخلي لا يسمح له بذلك. في حين عندما يترشح أثنان من أعضاء اللجنة المركزية وحسب الطريقة الأولى فإن خسارة أحدهم لا تؤثر على موقعه كعضو في اللجنة المركزية وربما سيختار كنائب للسكرتير أو يتولى أحدى المكاتب التنفيذية المهمة في اللجنة المركزية.
أكتفي بهذا القدر وأستميح القارئ الكريم عذراً من الإطالة بعض الشيء في هذا الموضوع، فهو من الأهمية والحساسية الذي يستوجبه صفحات مطولة لا بل أنها فرصة مناسبة لأن أقول بأن زوعا بشكل عام تصلح أن تكون موضوع أطروحة جامعية لنيل شهادة الماجستير أو الدكتوراه في العلوم السياسية وتحديدا في الأحزاب السياسية لما لها من مصادر كثيرة وإمكانية إجراء مقابلات مع مؤسسيها أو قيادتها حول مسائل كثيرة، ومن المفضل أن يكون البحث الأكاديمي في هذا الموضوع من غير أعضاء زوعا لكي تضمن الحيادية المطلوبة في البحث العلمي الموضوعي.   

224
عرب وين طنبوره وين
مثل ينطبق بكل حذافيره على المدعو محمد مندلاوي المستميت عشقاً بجرائم سمكو

==============================================
                                                                                                                                أبرم شبيرا

عرب وين طنبور وين ... مثل يضربه العراقيون على الأشخاص المتخلفين والمتأخرين عن الوضع العام السائد. وقصة هذا المثل هي أن أحدى القبائل البدوية هرب جميع أفرادها من جراء غزو قبيلة أخرى لمرابعها وعندما وصلوا إلى منطقة آمنة لم يجدوا بينهم طنبور وهو أسم أمراة من قبيلتهم حيث كانت قد بقيت إلى جانب خيمتها الممزقة والمنهارة وعندما سأل أحد من أفراد قبيلتها عنها قالوا... عرب وين طنبور وين. هذا المثل ينطبق بكل حذافيره على المدعو محمد مندلاوي في مقالة، الأصح شتيمة عنصرية حاقدة، تحت عنوان (سمكو شكاك ثائر كوردستاني أرعب محتلي كوردستان وأذنابهم في حياته ومماته) ونشر في جريدة (كردستان بوست) بتاريخ 25/10/2013.

في الحقيقة أقولها صراحة بأنني تأسفت على تلك الدقائق القليلة التي صرفتها لقراءة هذا الموضوع وأنا منهمكاً بوضع اللمسات الأخيرة عن موضوع يتعلق بالمؤتمر السابع للحركة الديموقراطية الآشورية والذي سأنشره في الأيام القليلة القادمة غير أنه إستجابة لطلب صديق عزيز لي لبيت طلبه بهذه السطور القليلة وأن كان موضوع مندلاوي لا يستحق حتى سطراً واحد للرد عليه، لأن الرد عليه سيكون شبيهاً بقصص ألف ليلة وليلة والتي لا تنتهي أبداً ولا يشبع شهريار من حكايات شهرزاد. فهكذا فإن عنصرية مندلاوي وحقده على الآشوريين، أحفاد الملوك العظماء والأمبراطورية العظيمة التي ساهمت مساهمة كبيرة في الحضارة الإنسانية، وجهله بالوقائع التاريخية الحقيقية لا تكفيه كتب الدنيا كلها لإقناعه بخطئه وأسلوبه في كتابة هذا الموضوع المعتمد كليا على بعض الكتب والمراجع في معظمها حاقدة ولسان حال الأنظمة الإستبدادية التي تعاقبت على السلطة في العراق وبعضها الآخر منطلقة من حقد طائفي وإستعماري على أبناء كنيسة المشرق الآشورية. فالأسلوب الإنتقائي المعروف كأسلوب إنتهازي غير موضوعي الذي يسود بالكامل على منهجه في إستخدام المراجع يدل على مدى إنتهازيته في إنتقاء ما يخدم حقده وعنصريته. ولنأخذ نموذج بسيط في هذه الإنتقائيه الإنتهازية حينما يذكر  سفر ناحوم من التوراة الذي يتنبأ بدمار نينوى وإستئصال ذرية آشور ولكن بالمقابل يغفل عمداً أو جهلاً الفقرات الآخرى من هذا السفر عندما قال ناحوم (لقد نعست رعاتك يا آشور واضطجعت عظماؤك وتشتت شعبك على الجبال ولا من جامع يجمعهم ) - ناحوم : 3 : 18 . وتفسير هذا واضح ومبين فالرعاة، والذي يقصد بهم الملوك والزعماء والقادة، لم يفنوا ولم يضمحلوا وانما أصبحوا خاملين هادئين غير فاعلين في الحياة العامة في حين قصد نفس الشيء بالنسبة لعظماء آشور والمعني بهم الحكماء والفلاسفة وكبار رجال الدين والعلم. أما بالنسبة للشعب فواضح كل الوضوح بأنه لم يفنى ولم يتلاشي بل كل ما يقوله عنهم انهم تشتتوا في الجبال ولا يوجد تنظيم أو دولة أو كيان معين يجمعهم في وحدة واحدة، كل هذا يدل على أن الآشوريين كانوا موجودين في جبال شمال الوطن منذ أقدم الأزمنة وليس وجودهم مقرون فقط بإضطهادات تيمورك لينك كما يدعي مندلاوي. هذا الجهل والعمد في بيان الحقيقة التاريخية لوجود الآشوريين منذ أقدم الأزمة يجعل من منداوي أن يعجر التفريق بين الشعب والدولة، فالصحيح هو أن الآشوريين فقدوا كيانهم السياسي ولكن بقوا كشعب معروف في التاريخ ومتواجد على الدوام سواء ضمن دويلات صغيرة في جبال آشور أو ككيانات قومية إجتماعية خاضعة للدول الأخرى. الكورد لم يكن لهم طيلة تاريخهم المعروف نظام سياسي مستقل أو دولة خاصة بهم أفهل تجرد الكورد من دولتهم الكوردية سوف يلغي وجود الكورد كشعب معروف؟؟؟ فإذا أعترف مندلاوي بهذه الحقيقة فإذن لا وجود للكورد ولا وجود له أيضا.

 يظهر في هذا الموضوع وغيره من المواضيع المتطرفة والعنصرية التي يكتبها مندلاوي بأنه مصاب بمرض عمى الألوان فهو لا يرى غير اللون الأحمر فلو كان صحيح النظر والتفكير لرأى بقية الألوان الجميلة لا اللون الدموي وحده. لا أعتقد إطلاقاً بأن مندلاوي سمع عن الفيلسوف الآشوري (طيطيانوس – 120 ميلادي تقريبا) الذي كان يطلق على نفسه بـ (طيكيانوس الآثوري أو الآشوري) كتحدي للإغريق ومعتقداتهم الوثنية. لو كان قد قرأ أشهر كتاب في التاريخ لهيروديت، المعروف بأبي التاريخ، لعرف كيف أشار إلى الآشوريين في بلاد آشور بعد سقوط إمبراطوريتهم  بقرون طويلة ووجد أيضاً بأن لا أسم للكورد ولا لكردستان في تلك الأزمنة. فكل الكتاب والباحثين الموضوعيين يعرفون بأن أسم الكورد كمجوعة بشرية وقبائل مشتتة في الجبال لم يظهر إلا بعد إعتناقهم الدين الإسلامي وأن تسمية بلاد آشور بـ "كردستان" كان لأسباب سياسية وعسكرية أطلقها الترك والفرس.

أما بخصوص عجز مندلاوي التفريق بين الآشوريين والنساطرة فهو أمر آخر ليس إلا جهل مطبق أو حقد عنصري. وهذا يذكرني بنكته سمعناها منذ سنوات طويلة وتقول: بأن جندي كان خفر في المعسكر وكانت كلمة السر تفاح ولما جاء ضابط الخفر من بعيد وطلب من الجندي كلمة السر كإجراء أمني غير أن الجندي نسى كلمة السر (تفاح) فذكر بدلاً عنها أسم برتقال غير أن الضابط وبخه وعاقبه وقال خطاً فأن كلمة السر هي تفاح. فقال الجندي وما الفرق يا سيدي فكلاهما التفاح والبرتقال فاكهة. هكذا هو حال "فيلسوف كردستان" يجهل أبسط الأمور في التفريق بين القومية والمذهب. والأنكى من كل هذا فهو يصف المدان طارق عزيز بالنسطوري ومدافع عن النساطرة... أليست هذا بربكم نكتة أو قمة الجهل المغطاة بالعنصرية، فكل العالم وحتى أغبى شخص في هذا الكون يعرف بأن طارق عزيز كان من عائلة كاثوليكية ومنكر لها وملحد في نفس الوقت ولا دين له غير البعث ولا أدري كيف أستطاع منلادوي بخزعبلاته أن يطلق عليه أسم نسطوري.

من باب الله أنصح مندلاوي أن يقرأ بعض الكتب الموضوعية عن الآشوريين ليعرف بأنه ليس كلهم من أتباع كنيسة المشرق الآشورية، فهناك الكثير منهم من أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والإنجيلية والأرثوذكسية. وليعرف أيضا بأن التسمية الآشورية للكنيسة كانت معروفة منذ القرن السادس عشر الميلادي حيث كان  أسم آشور يرد على هذه الكنيسة سواء ككنيسة في شرق آشور أو كنيسة آشور وحتى أنها لم تكن نسطورية. وعجز مندلاوي الفكري لا ينحصر في عدم قدرته على التقريق بين القومية والطائفة أو الدين بل يتجاوز هذا العجز أو الحقد إلى الجغرافيا أيضا. فالآشوريون ليس كلهم من منطقة حيكاري التي كانت جزء من أراضي الإمبراطورية الآشورية وبلاد مابين النهرين ونزحوا منها بل كان هناك آشوريون من أتباع هذه الكنيسة في مناطق كثيرة أصبحت عراقية بعد تسويات الحدود عقب أنتهاء الحرب الكونية الأولى مثل برواري بالا والعمادية وزاخو وبيبادي ومنطقة صبنا ونوهدرا (دهوك) وسميل وغيرها كثيرة كانت مناطق آشورية مسيحية منذ القدم وقبل أن ينقل العثمانيون الكورد من مناطق في أواسط أسيا إلى هذه المناطق وتكريدها وإسكانهم فيها كمنطقة عازلة بينهم وبين الصفويين الفرس. فالآشوريون الحيكاريون لم ينزحوا من بلد أو دولة إلى بلد أو دولة أخرى، بل أنتقلوا بفعل جرائم ومذابح العثمانيين وبعض العشائر الكوردية من منطقة إلى أخرى داخل بلاد مابين النهرين الخاضع للدولة العثمانية. في حين الكورد إن لم يكن جميعهم بل معظمهم نزوحوا من دولة أو بلد إلى دولة أوبلد آخر خدمة لمصالح العثمانيين في حربهم ضد الصفويين الفرس. المهزلة التي يعتمدها مندولاي هي أعتبار المجرم سمكو الإيراني المولد والجنسية بطلاً لكورد العراق بينما ينكر على الآشوريين، الشعب الأصيل لبلاد مابين النهرين، عراقيتهم. ولا أشك في أن يكون أصل مندلاوي من نفس أصل سمكو. 

لا أريد أن أصرف دقائق أخرى على الكتابة في هذا الموضوع لأنه سبق وأن تطرقنا إليه في مناسبة سابقة عن جرائم سمكو الذي لم يخدم الكورد ولم يضف شيئاً إلى الحركة القومية الكوردية بل كان خادماً مخلصاً لإسياده الفرس ومرات أخرى للعثمانين ولم يكن إغتياله خدراً وخسة لأمير الشهداء القديس مار بنيامين بطريرك كنيسة المشرق إلا نموذجاً واحداً من جرائمه التي طالت حتى بعض العشائر الكوردية، وهو الأمر الذي أدركه المسؤلون في إقليم كردستان في حذف أسم هذا المجرم من شوارع  أربا ئيلو (أربيل) و نوهدرا (دهوك) والذي يستحق كل تقدير وتثمين.

ولم يبقى من هذه الدقائق القليلة إلا أن أقول تماشيا مع المثل أعلاه:
عالم وين مندلاوي وين

 

225
مهزلة تاريخية في إقليم "كردستان"
إسماعيل أغا مجرم تاريخي يتحول إلى بطل قومي للكورد
==================================
أبرم شبيرا

لا يستطيع أي من كان أن ينكر بأن للكورد أبطال تاريخيين ناضلوا من أجل أمتهم الكوردية وسعوا إلى أقامة دولتهم الخاصة بهم ومن حقهم أن يفتخروا ويمجدوا أبطالهم هؤلاء ويخلدونهم بشتى الوسائل ولا يستطيع أحد أن ينكرهم فهم رموز نضالهم من أجل نيل حقوقهم القومية. فالملا مصطفى البرزاني (رحمه الله) يتربع على عرش هؤلاء الأبطال لما له من دور كبير ورئيسي في بناء وقيادة الحركة القومية الكوردية المعاصرة فمن حق الكورد أن يشيدوا له صرحاً عظيماً وأن يخلدوا إنجازاته الكبيرة لأمته الكوردية في كتب التاريخ وفي بقية وسائل الإعلام والمعرفة. والحال لا يختلف عن الشيخ محمود الحفيد البرزنجي الذي أسس دولة كوردية في السليمانية ولكن لم تدم طويلاً، كما من حق الكورد أن يعتبروا قاضي محمد مؤسس جمهورية مهاباد الكردية في أذربيجان عام 1946 شهيداً كوردياً بعد أن أعدمته السلطات الإيرانية عام 1947. ولكن ... نعم ولكن...  أن يتحول مجرم معروف في تاريخ المنطقة كإسماعيل أغا المعروف بـ (سمكو) زعيم قبائل الشيكاك المشاكسة إلى بطل قومي كوردي وتدرس سيرته السوداء في المناهج المدرسية ويطلق على شارع في أربيل بأسمه أمر غريب جداً ومهزلة تاريخية لا بل وأعتقد إهانة للكورد نفسهم في إعتبار المجرمين أبطال لهم. أن تسمية شارع بأسم هذا المجرم في أربيل من قبل المسؤولين في البلدية لا بد أن يكون أما بسبب:
1.   جهلهم الكامل والمدقع بتاريخ هذا المجرم والمذابح التي أرتكبها ليس بحق المسيحيين الآشوريين وإغتيال بطريركهم الشهيد مار بنيامين شمعون عام 1918 فحسب بل وحتى التنكيل والتدمير لبقية العشائر الكوردية. فجهل وغباء هؤلاء بتاريخ هذا المجرم نموذج لعدم قدرة البعض للتفريق بين المجرم والبطل وضياع المعايير الأخلاقية في التمييز بينهما.
2.    نزعتهم الشوفينية وحقدهم على الغير والمختلف وسلوكهم نفس منحى المجرم سمكو في الغدر والخيانة والخسة وإعتباره نموذجاً للبطل القومي في الوقت الذي هو مجرم تاريخي يعرفه الكورد الشرفاء قبل غيرهم.

كل الحقائق التاريخية تؤكد بأن السلوك العدائي لسمكو تجاه الآشوريين المسيحيين لم يكن لمقاصد سياسية وقومية بل كان سلوكاً شخصياً وعشائريا يستمده من النوازع الدينية المتطرفة التي كان يغذيها حكام وولاة أقاليم الدولة العثمانية للقضاء على الآشوريين "الكفرة" ومن سياسية فرق تسد" التي مارستها الدولة العثمانية وأحياناً أخرى الدولة الفارسية بين الآشوريين وبعض العشائر الكردية من أجل زيادة سعير الخصام والإقتتال بينهم ومن ثم ضمان إستمرار السيطرة عليهم وعلى مناطقهم. لقد تجلى سلوك سمكو العدائي تجاه الاشوريين في حقده الشديد على البطريرك الآشوري مار بنيامين الذي كان يتمتع بمنزلة إجتماعية مرموقة ومحترمة ليس بين أبناء الشعب الآشوري فحسب بل أيضا بين الكثير من زعماء العشائر الكردية. وتذكر سورما خانم، شقيقة البطريرك مار بنيامين في كتابها المعنون (تقاليد الكنيسة الآشورية وإغتيال مار شمعون، المعاد طبعه ونشره بالإنكليزية عام 1983) بأن بعض من القبائل الكوردية التي كانت تحترم البطريرك جلً إحترام كانت تلجأ إليه لفض نزعاتهم العشائرية وقبول حكمه لا بل كانوا أيضاً لا يترددون إطلاقاً في أكل اللحوم المذبوحة من قبل أحد أفراد عائلة البطريرك. كانت هذه المنزلة الرفيعة للبطريرك مار بنيامين تزيد من سعير حقد المجرم سمكو على البطريرك ولم يتوانى من إستغلال أية فرصة للإنتقام منه. ففي عام 1915 تعرض الآشوريون إلى المذابح والتهجير من قبل القوات العثمانية ومساند بعض العشائر الكوردية فكانت فرصة لسمكو لتحقيق مآربه الإجرامية. فحينما دخلوا منطقة حيكاري دمروا معظم القرى الآشورية وأحرقوا حقولهم. ويروي أحد المؤرخين بهذا الشأن بأن أبن سمكو البكر دخل قرية قوجانس، مقر البطريرك، وهي مهجورة فإنتزع سيفه وأخذ بجنون وهيجان يطعن به جدران وسقوف منزل البطريرك مستأسداً بصراخه المدوي ومتألما بسبب فشل تحقيق رغبات أبيه وأسياده العثمانيين بتوجيه طعنات سيفه إلى صدر البطريرك مار بنيامين بدلا من الجدران الصماء.

ثم جاءت الفرصة مرة أخرى عام 1918، عندما رتبت الإستخبارات البريطانية في شمال بلاد فارس (كانت الصحافة البريطانية تطلق على سمكو بـ روبن هود الشرق)  مع بعض ضباط القوات روسيا البيضاء أمر عقد إجتماع صلح وسلام بين عشائر الشيكاك الكوردية والآشوريين لإغراض تخدم مصالحهم الإستراتيجية في المنطقة. وقد وجدت الحكومة الفارسية تطابق مساعيها للتخلص من البطريرك مار بنيامين الذي رفض نزع سلاح الآشوريين في منطقة أورمي لحين ضمان الأمن والإستقرار لحياتهم مع مسعى سمكو لقتل البطريرك. فإستجاب سمكو لمطلب الحكومة الفارسية وللإغراءات التي عرضت عليه فتم إستدراج البطريرك مار بنيامين إلى ديوان سمكو للإجتماع به بحجة عقد إتفاق سلام بينهما وكانت خطة لإغتياله والتخلص منه قد وضعت موضع التنفيذ. وفعلاً تحققت مآرب سمكو في إغتيال البطريرك بعد فض الإجتماع حيث أنهال الرصاص وبكثافة من السطوح على البطريرك ورجاله المرافقين له، وهي نكبة إجرامية لا مثيل لها في تاريخ المنطقة تمثلت في قتل رجل سلام جاء ليصنع السلام ولكن قوبل بالغدر والخسة والخيانة. ويكفي هنا أن نشير على مدى وحشية سمكو وجماعته في التمثيل بجثة البطريرك وسرقة ملابسه وقطع أصبعه لأخذ الخاتم الذهبي للبطريرك بعد أن عجزوا عن نزعه من أصبعه. يذكر الكاتب الكوردي عوني الداوودي في مقالته عن إسماعيل أغا (سمكو) المنشور في موقع باهوز الألكتروني والمؤرخ في 11 أيلول 2013 بأن "سمكو ككل سياسي وعسكري أصاب في الكثير من الأحيان ونجح وفي المقابل أخطأ مرات عدة، ومن كبرى أخطائه التي لم يغفرها له التاريخ، هي حادثة إغتيال البطريرك مار شمعون، الزعيم الروحي والسياسي للآشوريين".

ومن الجدير أن نعرف الأسباب التي ذكرها سمكو في إغتيال البطريرك مار بنيامين شمعون فيقول " ... جائني ممثل عن الحكومة الإيرانية وطلب مني أن لا أساعد الآشوريين مقابل الصلح والمفاوضات وفي نفس الوقت كنت على علم بمآرب الآشوريين ومطامحهم في بسط نفوذهم على شمال كردستان وأحتلالها ولهذا قتلت مار شمعون ..." نفس المرجع.  هذا المجرم الذي كان يلقبه البعض بـ "قهرمان كردستان" أي بطل كردستان، والذي كان له جيشاً جراراً مسنوداً من الإيرانيين وأحيانا من الإتراك تفوق قوته وعدده وعدته عشرات المرات قوات الآشوريين القليلة التسليح والمنهكة من جراء تشريدها من أوطانهم فكان من المفترض بسمكو كـ "بطل كردستان" أن يواجه الآشوريين مواجهة الرجال الأبطال في معارك يتم من خلالها تقرير المصير والقضاء على الاشوريين وزعيهم الروحي والقومي. ولكن يظهر بأن الخسة والخيانة والغدر التي كانت تجري في عروقه قد طغت على سلوكه فلجأ إلى أساليب الخونة والجبناء في إغتيال البطريرك وليس إلى المواجهة العسكرية الشريفة. لقد كان الأتراك محقين أن يطلقوا عليه تسمية "سيمنقو"، أي الرجل المحتال والماكر. 

لقد حاول الآشوريون جل جهدهم القضاء على سمكو المجرم إلا أنهم لم يوفقوا في ذلك... لأن حتمية القضاء عليه ظهرت فيما بعد بأنها ليست مهمة الآشوريين... فالإنتقام حتى من أعدائهم بأسلوب الغدر والخيانة لم تكن من شيمتهم، بل كانت مهمة القدر والعناية الربانية حيث فرض القدر سخريته على مصير سمكو ليقضى عليه من قبل نفس الجهة التي خططت لإغتيال البطريرك مار بنيامين. فبعد الحرب الكونية الأولى وضعف الدولة الفارسية من السيطرة على أقاليمها الشمالية وجد سمكو في هذا الوضع فرصة لتحقيق مآربه فلم تهدأ الأمور به أبداً وبنزعاته الهمجية فأستمر في سلوكه العدواني فقام بإستغلال هذا الوضع فأقدم على التنكيل وإخضاع عشائر تلك المنطقة فتوسعت حركته حتى عام 1922 عندما جردت الحكومة الفارسية حملة عسكرية كبيرة ضده فقضت على حركته قضاءاً مبرماً، إلا أن سمكو وبمكره المعروف تمكن من الفرار من قبضة القوات الفارسية والنجاة بنفسه واللجوء إلى شيخ من أقربائه في راوندوز في شمال بيت نهرين. غير أن الحكومة الفارسية وضعت نصب أعينها أمر القضاء عليه وبكل السبل وذلك لكونه مجرماً هارباً من العدالة، فأدركت السلطات الفارسية طمع سمكو الشديد للمال والمغريات الأخرى في التسلط والجهاه فأستخدمت هذه الوسائل للإيقاع به. ففي عام 1930 أستطاعت الحكومة الفارسية من أستدراجه إلى منطقة آشنوك شمال بلاد فارس بوعود كاذبة وإغراءات سياسية وهمية فتمكنت من إيقاعه في الشرك الذي نصب له وبنفس الطريقة والخطة التي أغتيل بها البطريرك مار بنيامين فأنهال الرصاص عليه من البنادق الفارسية ليقضي عليه نهائياً... هكذا عادت "العناية الإلهية" لتنتقم لدم الشهيد مار بنيامين وترسم سخرية القدر ضلالها لتقتل سمكو المجرم بالأسلوب نفسه الذي أغتيل به مار بنيامين ومن قبل الجهة نفسها التي دبرت مؤامرة إغتياله. (من كتابي المعنون: الآشوريون في السياسية والتاريخ المعاصر، طبع إتحاد الأندية الآشورية في السويد، 1997). ومن الجدير بالذكر بأن غباء سمكو وعشقه للجاه والمال وطموحه في السيطرة والحكم والإغراءات التي عرض الإيرانيون عليه مقابل إغتيال البطريرك مار بنيامين قد طغت على ذاكرته ولم يتعلم من التاريخ دروساً حيث كان الإيرانيون وقبل 25 سنة قد قتلوا وبنفس الطريقة وأثناء المفاوضات شقيقه الأكبر جوهر أغا وقبل ذلك بسنوات عديدة  قتلوا جده الأكبر إسماعيل خان وأثناء المفاوضات أيضا.   

هذه سطور قليلة بحق المجرم سمكو والتي تعتبر سطور سوداء في التاريخ الكوردي ويستوجب محوها لا تبجيلها وتعظيم صانعها... فأين الحكومة الأقليمية من هذا السلوك الذي يلطغ سمعتها أكثر مما يمجدها؟؟  أين سيادة رئيس أقليم كردستان السيد مسعود البرزاني من هذا السلوك المشين للعائلة البطريركية التي وفرت الحماية واللجوء لأجداده وأعمامه البرازنيين وحمتهم من سطوة العثمانيين؟؟ أين هذا العمل المشين من قيم النبالة والمودة التي كانت تربط البرازانيين بالآشوريين عموماً وبالعائلة البطريركية خصوصاً طيلة عقود طويلة. أين الأعضاء "الآشوريين" في المراكز القيادية للحزب الديموقراطي الكوردستاني من هذا التمجيد لمجرم نكل ببطريكهم وأنا أعتقد لبعضهم صلة قرابة بالعائلة البطريركية؟؟؟ والسؤال الأخير والمهم يبقى موجهاً إلينا.. وهو أين "ممثلي" أمتنا في برلمان وحكومة الإقليم ومن خلفهم أحزابهم "المناضلة" من هذه الإهانة لعموم المسيحيين في العراق؟؟؟ أفهل لديهم مسلكاً يسلكونه لمواجهة المسؤولين عن هذه الإهانة ومحوها؟؟؟ حينئذ سيسجل شعبنا "إنجاز" لهم أستطاعوا تحقيقه أم سوف يغضون النظر عنه وكأن شيئاً لم يحدث؟؟؟     

226
الكورد بين الواقع المزدهر والتاريخ المفبرك - 2
===========================

أبرم شبيرا
في القسم الأول من هذا الموضوع تحدثنا عن المفاسد التي تؤثر على الواقع الكوردي المزدهر وتسيء إلى سمعته الدولية والإقليمة وإلى نضال حركتهم القومية التي عانت الكثير من ظلم وإضطهاد الدول التي عاشوا في كنفها، وذكرنا، على سبيل المثال لا الحصر، أهم هذه المفاسد والتي تمثلت في تجاوز بعض العشائر الكوردية وشيوخها على أراض المسيحيين الكلدان السريان الآشوريين وما يصاحب ذلك من تغيير ديموغرافي لأراضيهم التاريخية ومن دون أن تتحرك الحكومة الإقليمية والقابضين على الأمور السياسية للحد منها، كما أشرنا إلى المهزلة العقلية لبعض المسؤوليين في أربيل في تحويل  إسماعيل أغا (سمكو) زعيم قبائل الشيكاك المشاكسة من مجرم تاريخي معروف إلى بطل قومي كوردي وتسمية أحدى شوارع أربيل بأسمه!!!. والمهزلة التاريخية الأخرى التي أشرنا إليها تمثلت في كتابات بعض المثقفين والمؤرخين الكورد في فبركة تاريخ طويل ضارب القدم في المنطقة وعن طريق اللف والدوران حول بعض القبائل البدوية والرحل التي عاشت على أطراف بلاد آشور وأعتبارهم مصادر مهمة في التكوين القومي للكورد المعاصرين. ثم فصلنا فيه العوامل التي أدت إلى حرمان الكورد من إقامة دولتهم القومية المستقلة وأرجعنا هذه العوامل إلى عامل الدين الإسلامي الذي ناضلوا الكورد نضالا مستميتاً من أجل الدفاع عنه وعن الدول الإسلامية، العثمانية والفارسية والخضوع الكلي لهما طالما كان الحكام من نفس دينهم  ومن دون أي إعتبار لقوميتهم أو البحث عن إمتيازات أو حقوق خاصة بهم كقومية كوردية مستقة. وأرجعنا سبب تفتتهم وتشرذمهم وعدم توحدهم وظهورهم كقومية واضحة المعالم إلى تركيبتهم الإجتماعية القائمة على البنية العشائرية الصلدة التي كانت مصالحها فوق جميع الإعتبارات وتتقاتل فيما بينها من أجل الحفاظ على هذه المصالح. وفي هذا القسم سنبين إستمرار تأثير هذين العاملين (الدين والعشيرة) في الحركة الكوردية حتى بعد إنتشار الأفكار القومية ومبادئ التحرر القومية وحق تقرير المصير للشعوب. وقبل هذا يجب أن لا يفوتنا أن نجيب على تساؤل قد يطرأ على البال وهو، ألم يكن هناك مجموعات آخرى جاورت الكورد وكانت بنيتها الإجتماعية قائمة على العشيرة وقاد رجال الدين حركتهم القومية، مثل الآشوريين على سبيل المثال؟؟؟ هذا صحيح ولكن الأمر كان مختلفاً تماماً. فالعشائر الآشورية لم تتقاتل فيما بينها ولم يكن بالإمكان للسلطات التركية والإيرانية إستغلالها كما كان الحال مع الكورد بل كانوا في تناسق وتناغم، بإستثناء نزاعات عادية وبسيطة حول المرعى والغنائم، وشكلوا نظاماً إجتماعياً متناسقاً على رأسه مجلساً متكون من رؤساء العشائر (ماليك) مع بطريرك كنيستهم المشرقية. كما أن قيادة حركتهم القومية من قبل رجال الدين، وخاصة البطريرك كان يختلف كلياً عن رجال الدين الكورد "شيوخ" فهؤلاء كان خصوعهم للفتاوى الدينية الصادرة من السطات العثمانية أمر حتمياً في التأثير وقمع أي حركة لها بوادر الإستقلال فحين كان البطريرك بعيداً عن مثل هذه الفتاوى ولم يكن بالإمكان للسلطات العثمانية إستغلال الدين لضرب حركتهم طالما هناك إختلاف في الدين .
============================

في فترة قدوم الأفكار القومية الحديثة من أوربا،  بما فيها مبدأ القوميات وحق تقرير المصير وغيرها من المبادئ والمعتقدات التي نادت بضرورة إقامة الدول على أسس قومية ووصولها إلى المنطقة في الحقبة المحصورة بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والتي بدأت تتفاعل مع غيرها من العوامل السياسية في نخر جسم "الرجل المريض" والقضاء عليه وتفتيت إمبراطوريته، كانت الفرصة قد أتت للكورد للتحرك والتخلص من الاستبداد العثماني واقتطاع حصتهم من التركة وتأسيس دولتهم الكوردية في "كردستان". ومما كان يساعدهم على تحقيق ذلك هو قدرتهم العسكرية وخبرتهم القتالية في المناطق الجبلية العاصية وكثافتهم السكانية وتركزهم الجغرافي، إضافة إلى السياسات الدولية التي كانت تقضي بتفتيت الإمبراطورية العثمانية وتقسيمها إلى دول قومية وحق الشعوب في تقرير مصيرها الذي أورده الرئيس الأمريكي ودرو ولسن عقب إنتهاء الحرب الكونية الأولى. غير أنه يظهر بإن هذه الأفكار والمبادئ، والتي كان الأتراك يروجون عنها باعتبارها أفكار كفرة ومسيحية وافدة من أوربا تهدف إلى القضاء على الدولة الإسلامية لم تغير من واقع الكورد بشيء ولم تؤثر على العوامل المتحكمة في المصير القومي الكوردي المندمج مع الدولة العثمانية ولا أن تفعل فعلها نحو توحيدهم في كيان قومي أو تعمل على تبنيهم مبدأ قومي واضح يتجاوز البنية الاجتماعية العشائرية السائدة، لا بل وإنما على العكس من هذا تماماً، بدأ الكورد في الدفاع المستميت عن الإمبراطورية العثمانية المتداعية فاستطاع الأتراك استغلال هذا الاندفاع والزج بالعشائر الكوردية في أتون نيران الحرب التي لم يكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل غير رغبة الانتقام والحرب السائدة على العقلية العشائرية المتحكمة فيهم.  ففي عام 1885 شكلت السلطات العثمانية قوات عسكرية من العشائر الكوردية عرفت باسم (قوات الخيالة الحميدية ) بهدف توطيد السلطة العثمانية في جبال "كردستان" والتي أصبحت أداة فاعلة ومؤثرة ليس في استبداد وقهر الشعوب المسيحية، كالأرمن والآشوريين فحسب، وإنما أيضا في قمع بعض الحركات أو العشائر الكردية الأخرى التي ناهضت سلطة الدولة. فاستمرت هذه القوات في أداء خدماتها للترك حتى بعد فترة استيلاء حزب الإتحاد والترقي (تركيا الفتاة) على السلطة السياسية وإزاحة السلطان عبد الحميد وإعلان الدستور العثماني في عام 1908 حيث تبدل أسم هذه القوات إلى (الخيالة الخفيفة) والتي أصبحت القوة الضاربة في يد القوميين الأتراك لاضطهاد الشعوب غير التركية بهدف تحقيق سياسة التتريك ومن ثم إنجاز حلم إقامة الإمبراطورية الطورانية. ويذكر المؤرخون بأنه خلال الحرب الكونية الأولى كانت قيادة الجيش توزع تعليمات على الضباط الأتراك تدعوهم إلى قتل العرب مع الإبقاء على الكورد لغرض استخدامهم في قمع واضطهاد الآشوريين والأرمن وتوطيد الاستقرار في جبال "كردستان". ثم، وبعد سنة من قيام الحرب الكونية الأولى، ألغيت هذه القوات نهائيا، ولكن مع هذا استمر معظم الكورد في خدمة دولة الأتراك، سواء من خلال انخراطهم في المؤسسة العسكرية أو المدنية أو من خلال تحريض العشائر الكردية واستخدامهم في الحرب.

 ومن سخرية الأقدار أن يستمر الكورد في تقديم خدماتهم العسكرية الكبيرة للأتراك حتى بعد زوال الدولة العثمانية وقيام الجمهورية التركية رغم انتشار الوعي القومي بين قطاعات معينة منهم. يقول المؤرخ الكردي الكبير محمد أمين زكي، الذي كان وزيراً للمالية في العراق في عام 1933، في كتابه الموسوعي (تاريخ الكرد وكردستان) الذي كتبه عام 1931 وترجم إلى العربية عام 1936 وطبع في القاهرة، يقول بأنه لما زالت كلمة (العثماني) العامة من الوجود في تركيا، وهي الكلمة الشاملة لجميع العناصر والشعوب الخاضعة للدولة العثمانية والتي كانت قد خدرت نوعا ما أعصاب كل واحد منا نحن أبناء القوميات الأخرى، وحلت محلها كلمتا التركي والطوراني،  شعرت أنا أيضا بطبيعة الحال، كسائر أفراد العناصر العثمانية غير التركية، شعوراً قوياً بقوميتي المستقلة من الأتراك فحملني ذلك على إظهار الشعور القومي الفياض والإحساس بالعاطفة الوطنية القوية (من مقدمة الكتاب )، وهو الشعور الذي كان يعم بين العديد من المثقفين الكورد وبين بعض شيوخ العشائر الكوردية التي طالبت بحق الكورد في تقرير مصيرهم القومي وتأسيس دولة كوردية لهم والذين كانوا قد قدموا مطالبهم وأرسلوا الوفود إلى مؤتمر السلام في فرساي بفرنسا (1919-1920 )، إلا أنه مع هذا كله أستمر معظم الكورد وبشكل عام في مساندة الأتراك وتقديم خدماتهم لإنجاح الحركة القومية التركية وتأسيس الجمهورية الحديثة حيث شاركوا مشاركة فعالة في توطيد أركان النظام التركي الجديد وفي القتال ضد الآشوريين والأرمن وضد القوات الروسية حتى تمكنوا من إفشال معاهدة سفير (1920) وانتعاش " التركي الميت " كما يقول زكي (ص268 ) ومن ثم إحلال محلها معاهدة لوزان (1923) والقاضية بموت كل من أرمينيا الكبرى وكردستان المصغرة ومن ثم بروز تركيا بقيادة كمال أتاتورك كقوة فاعلة ورئيسية في المنطقة وقادرة على مفاوضة الإنكليز والفرنسيين لضمان استقرار حكمها وبالمقابل لم يحصل الكورد غير مزيداً من الاستبداد والظلم والحرمان من أبسط حقوقهم القومية، بما فيها منعهم من التكلم والتعلم بلغتهم الكردية،  فلم يعترف بهم كقومية كردية بل اعتبروهم مجرد أتراك الجبال.

وبعد استقرار الأوضاع وتوقيع المعاهدات وإقرار تسويات الحدود بين دول المنطقة والدول المنتدبة عليها من قبل عصبة الأمم والتطورات التي مرت بها شعوبها، لم تتمكن الحركة القومية الكوردية الإفلات من نفس العوامل السابقة المتحكمة في طبيعة هذه الحركة، خاصة في الدولتين الإيرانية والتركية باعتبارهما دولتان مسلمتان، لا بل وعلى العكس من هذا حيث ظهر الإقليم السياسي كعنصر إضافي وحاسم ومؤثر في سياق تطور هذه الحركة نحو إقامة الدولة الكوردية، إذ تقولب الكورد وحركتهم السياسية طبقاً للدول التي تشكلت حدودها بعد الحرب الكونية الأولى وجزأت الشعب الكوردي إلى أجزاء تفصله حدود سياسية صارمة، خاصة في بداية القرن الماضي حيث أصبحت مسألة السيادة أكثر قدسية بالنسبة للدول الجديدة في المنطقة،  فسارت حركة كل جزء من الشعب الكوردي متأثرة بالعوامل السياسية الخاصة والمحيطة بالدولة التي عاشوا تحت سلطتها. ففي العراق، الذي برز كيانه السياسي في عام 1920، استمرت الحركة الكوردية كحركة إقليمية أو "قطرية" ولكن من دون أن تستطيع الخلاص من تأثير العوامل السابقة المتحكمة فيها، إذ استمر شيوخ العشائر في قيادة الحركة الكوردية وتأسيس دولتهم، كما كان الحال مع الشيخ محمود الحفيد ومملكته في مدينة السليمانية في شمال العراق في عام 1922 والتي لم تستمر أكثر من سبعة أشهر والحال نفسه مع جمهورية مهاباد في شمال إيران والتي أسسها قاضي محمد بن القاضي علي عام 1946 وبمساعدة الملا مصطفى البرزاني وقوات الإتحاد السوفياتي والتي لم تستمر أكثر من أحدى عشر شهراً بعد سحب ستالين دعمه ومساندته لهذه الجمهورية الكوردية.

              
ثلاثة من أشهر الزعماء القوميين الكورد:
"ملا" مصطفى البرزاني و "قاضي" محمد بن "القاضي"علي  و "الشيخ" محمود الحفيد البرزنجي

في العراق لعب الملا مصطفى البرزاني دوراً رئيسياً ورائدا في تأسيس وقيادة الحركة الكردية الحديثة وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني. كما وأستمر عامل الدين في لعب دوره الخاص المؤثر في الحركة الكوردية،  إذ أن خضوع الكورد في العراق إلى الحكم البريطاني المتمثل في نظام الانتداب ومن ثم إدارة البلاد عن طريقة حكومة عربية على رأسها ملك عربي، كانت بالنسبة لهم ظاهرة جديدة جعلتهم ولأول مرة في التاريخ أن يخضعوا لحاكم غير مسلم، بريطانيا، وأن تدار شؤونهم من قبل حكومة عربية بعد قرون طويلة، إذ أن طيلة تاريخهم تعودوا الخضوع إلى حكومات مسلمة وإلى عناصر آرية أقرب إليهم من العناصر السامية. وقد يكون ذلك أحد أسباب تأييد العشائر الكوردية، باستثناء قليل في السليمانية، انضمام ولاية الموصل إلى تركيا بدلا من العراق في بداية العشرينات، وكان من بينهم شخصيات وزعماء أمثال فتاح بك صهر الشيخ محمود الحفيد ، الذي كان يحمل شهادة الجنسية العراقية  ولكنه كان عضواً ضمن الوفد التركي المفاوض حول تقرير مصير الولاية ومدافع عن حق تركيا في هذه الولاية بدلا عن العراق. هذه الظروف مضافاً إليها السياسات القمعية للسلطات المركزية تجاه الحركة الكوردية هي التي ساهمت مساهمة مباشرة في بروزها في العراق ومن ثم تبلورها وتطورها نحو مراحل سياسية أكثر وضوحاً وتقدماً، في مقارنتها مع مثيلتيها في إيران وتركيا، خاصة فيما يتعلق بتأسيس أحزاب سياسية ومنظمات قومية وقيامهم بحركات مسلحة ضد السلطة المركزية استمرت لفترات طويلة في مقارنة مع الحروب والحركات السابقة، فتحقق لهم الحكم الذاتي في عام 1970  بعد نضال مستميت مع الأنظمة الإستبدادية التي تعاقبت على السلطة في العراق  وحكومة إقليمية وبرلمان في عام 1992، ومن ثم بعد عام 2003 تحقيق إستقلال "كردستان" ضمن الفدرالية العراقية بعد "تحرير" العراق من قبل الأمريكان وخلق الفوضى وسيادتها على الحياة العامة فكان من الطبيعي أن يحصل الكورد على القطعة الكبيرة من الكعكة ويحققوا الكثير من طموحاتهم القومية الواقعية في مقارنتهم مع غيرهم من مكونات العراق المختلفة وذلك لسببين، أولهما: كونهم أكثر تنظيماً وقوة ،سياسية وعسكرية، ولم يكن بمقدور أحد حتى الإميريكان تجاهلها، وثانيهما: كون نضال حركتهم قائمة على الأرض وفي العراق وليس خارجها.  

هكذا، بقدر اطراد استقرار الحدود الدولية بين الدول الرئيسية، تركيا وإيران والعراق الحاوية على أراض "كردستان"، وإقرار هذه الحدود في تسويات واتفاقيات معترفة بين الأطراف ومحققة لمصالحهم الخاصة، بقدر ذلك تعاظم تأثير عنصر الإقليم أو القطر على الحركة الكوردية، ليس من حيث تغيير مسارها القومي وتحويل مطامح تأسيس دولة كردية إلى مجرد يوتوبيا و"حلم وردي" فحسب، وإنما زادت الإقليمية من خطورة هذه الحركة على هذه الدول الرئيسية، بحيث أصبح مدركاً للجميع بأن أي استقلال كوردي كامل في أي من الأقطار مهما كان نطاقه سيؤثر حتماً وبالنتيجة المباشرة على الكورد في القطر المجاور ويدفعهم نحو نفس المنحى، وبالتالي ظهور بواد نحو المطالبة بالاستقلال بالجزء الآخر من "كردستان" في الدولة الأخرى والانسلاخ منها لغرض تحقيق حلم "كردستان الكبرى"، خاصة وأن العاملين الجغرافي والديموغرافي، من تجاور الأقاليم وتركز السكان في مناطق متاخمة لبعضها يساعدان كثيرا على تحقيق مثل هذه الدولة، والتي ستكون من دون أدنى شك على حساب أراض الدول الثلاث الأخرى، إيران وتركيا وسوريا، وهو السبب الكافي لأن تكون مواقف هذه الدول مفرطة في الحساسية ومعارضة بشدة لأي نوع من الاستقلال الكوردي. والجدير بالذكر أن الخوف من وحدة الكرد وبالتالي قيام الدولة الكوردية، كان مدركاً منذ  زمن طويل، كما سبق وأن ذكرنا ذلك في القسم الأول من هذا الموضوع، ومثل هذا الخوف، الذي باستمراره وتصاعده وتفاعله مع ظروف إقليمية ودولية، قد تحول إلى نوع من العقدة تجاه مطالبة الكورد بحقوقهم القومية، والتي يمكن تسميتها مجازاً بـ"الفوبيا الكوردية" وهي التي تتحكم في سلوك صانع القرار السياسي لدول المحور الثلاثي المركزي لكردستان، عراق وإيران وتركيا وحتى سورية، في رسم وتقرير سياسة أمنهم القومي. فجانب من هذا السلوك الجامع والمقلق يمكن استخلاصه من الحديث المتلفز لرئيس النظام العراقي المقبور صدام حسين في معرض رده لبوادر الاستقلال الكوردي، عندما سحب قواته عام 1991 من شمال خط العرض 36 وخضعت للحماية الدولية وبدأ الكورد بتأسيس حكومتهم الأقلية، حين قال بأنه قبل أن يحرك قواته لسحق أي استقلال كوردي عن العراق سوف تكون القوات التركية والإيرانية قد سبقته في هذه المهمة. وفعلاً فأن التدخل المستمر لتركيا في شؤون العراق بحجة مطاردة قوات حزب العمال الكردستاني وحماية التركمان أو في تقرير مصير كركوك ما هي إلا أشكال من القلق التركي تجاه الاستقلال الكوردي في العراق.
 
واليوم، ومن أي يوم مضى، تدرك قيادات الحركة الكوردية العوامل التي كانت تؤثر تأثيراً عميقاً في إفشال أو عرقلة تحقيق اهدافها القومية وبالتالي تحاول التخلص منها. ولكن مع كل هذه المحاولاات فإن التركيبة العشائرية للمجتمع الكوردي ستبقى سائدة لا بل ستتسرب إلى أروقة الأحزاب السياسية ومفاصيل حكومة وبرلمان الإقليم. أما بالنسبة لعامل الدين فأن التوجهات العامة تظهر بأن هناك دلائل على تبني العلمانية في السياسة والحكم، ليس بمفهوما الفج القائم على إنكار الدين بل على عدم إستغلاله لإغراض سياسية، وهو الأمر الذي قد يضع الأحزاب الكوردية "العلمانية" وحكومة الإقليم في مواقف محرجة وصعبة خاصة بعد بروز أحزاب سياسية كوردية إسلامية متطرفة ووصولها إلى مراكز القوة والتأثير من جهة وتسلط البعبع (الإيراني الشيعي  – التركي السني) على جانبي الإقليم وفي كلا البلدين تسيطر القوى الإسلامية على الحكم وتعيد إلى الذاكرة تاريخ الصراع الفارسي – العثماني الذي كان الكورد وقوداً له من جهة أخرى. هذا ناهيك عن القوى الإسلامية المتطرفة التي ظهرت من بين الإرهاصات في سورية والتي ستجعل حتمية مواجهتها والدخول في القتال معها ورادة جداً. أنه من سخرية الأقدار أن نذكر بأن الكورد رغم خدمتهم المخلصة والمضنية للدول الإسلامية التي عاشوا في كنفها قد أضطهدوا من قبلها وهضمت حقوقهم طيلة تاريخهم الطويل في المنطقة ولم تعترف بهم، واليوم نرى فإن دول "الكافرين" كالولايات المتحدة الإمريكية وغيرها من الدول الغربية، وقد تكون إسرائيل من ضمنهم، هم الذين ساعدوا الكورد للتحقيق أهداف حركتهم القومية.  
 
 فمن بين كل هذه الحقائق الصعبة والمعقدة يحاول الكورد اليوم تحقيق جانب من طموحاتهم القومية ضمن الأطر المسموح بها والعمل على عدم التضحية بالمطمح الممكن من أجل المطمح غير الممكن، لا بل ويظهر بأن قيادتهم تدرك أيضا بأن هدر المزيد من الدماء وإزهاق الكثير من الأرواح من جراء اللهث وراء تحقيق مطمح دولة "كردستان الكبرى" اليوتوبية غير ممكن في الوضع الراهن المقيد بقيود صارمة مفروضة من قبل دول الجوار ومن الدول العربية والإسلامية يغلب عليهم عنصر القوة أكثر من عنصر التفاهم في التعامل مع الاختلاف القومي، وأن السعي وراء المطمح البعيد المنال سوف يحرمهم من تحقيق المطمح القريب والممكن والذي يتمثل جانب منه بالفدرالية والتخلي في الوقت الراهن عن مشروع الانفصال وإقامة الدولة الكوردية، وهي الخطوة التي ضمنت لهم الاستقرار وحققت  حقوقهم القومية والتي ظلت وعلى الدوام مهضومة من قبل الحكومات التي خدموها كثيراً عبر التاريخ الطويل.

227
الكورد بين الواقع المزدهر والتاريخ المفبرك
==================================
أبرم شبيرا

لايستطيع أحد أن ينكر الواقع المزدهر الذي يعيشه الكورد في  "كردستان" العراق من إستقرار سياسي وأمني وتطور إقتصادي وإنفتاح سياسي وإجتماعي والذي تحسدهم عليه بقية مكونات الشعب العراقي والشعوب المجاورة خاصة العربية منها التي أحترقت ولا زالت تحترق بشمس ربيعهم اللهاب. فبمراجعة بسيطة لتاريخ الكورد في المنطقة سنجد بأنه لأول مرة في تاريخهم القومي ينعمون بمثل هذه النعمة وبهذا الواقع الذي كانوا يطمحون به منذ سنوات طويلة، سنوات تاريخهم الدامي والعبودية والإستغلال من قبل الدول التي عاشوا في كنفها. هذا الواقع المزدهر لم يكن مصدره أو منبعه خلفية حضارية وتاريخية أرتقت إلى مستوى عالي من التطور والتقدم وساهمت في روافد الحضارة الإنسانية كما كان الحال مع الأشوريين، على سبيل المثال لا الحصر. فحال الكورد كحال الكثير من الشعوب الترك - المغولية الذين لم يستطيعوا أن يبنوا حضارة متطورة ويساهموا مساهمة فعالة في الحضارة الإنسانية، بل الفضل الأول والأخير لهذا الواقع الكوردي المزدهر هو التطور السياسي لتاريخهم المعاصر ونشؤء أحزاب سياسية قومية قادرة على إقتناص الفرص الذهبية وصبها في المقام الأول في مصلحتهم القومية. فأحداث خمسة عقود الماضية من تاريخهم السياسي المعاصر، خاصة بعد تقليم أظافر نظام البعث الحاكم في بغداد عام 1991 ثم بعد أنهياره في عام 2003 يؤكد حقيقة هذا الواقع السياسي والقومي للكورد. صحيح هناك جملة عوامل موضوعية من جغرافية وديموغرافية ساعدت الكورد على الوصول إلى هذا الواقع المزدهر إلا أن مثل هذه العوامل الموضوعية كانت متوفرة لهم منذ عقود طويلة ولكن لم تكن هناك عوامل ذاتية من أحزاب سياسية فاعلة وقادرة على التفاعل مع العوامل الموضوعية وتحقيق المطمح الكوردي القومي والوصول إلى هذا الواقع المزدهر إلا بعد نشوء أحزاب سياسية قومية تمكنت من ركوب موجهة التطورات والإرهاصات التي مرت بها المنطقة ككل وخاصة بالعراق.
 
ولكن هذا الواقع المبهرللكورد لا يلوثه ويفسد إزدهاره ولا يشوه سمعته السياسية الإقليمية والدولية إلا بعض الممارسات الخاطئة تجاه بقية مكونات إقليم "كردستان" خاصة شعبه الأصيل وتحديداً "الكلدان السريان الآشوريين"، الشعب الذي عاش في هذا الإقليم والذي كان يعرف ببلاد آشور منذ ألاف السنيين وقبل مجئ الكورد وغيرهم من الأقوام إليه والإستقرار فيه. ويأتي التغيير الديموغرافي لأراضي "الكلدان السريان الآشوريين" من جراء تجاوز بعض الكورد عليها وإحتلالها رغم أنف الحكومة الإقليمية وقوانينها في مقدمة جدول الممارسات الخاطئة. فإذا كان هناك جملة عوامل سياسية وإقتصادية وإجتماعية وأمنية معقدة وتتداخل مع بعضها في خلق عوامل تؤدي إلى التغيير الديموغرافي والتي يتطلب حلها أو التخفيف منها إرادة سياسية قابلة للتصديق والوثوق بها هي مسألة مفهومة، ولكن الذي لا يمكن فهمه ضمن سياق هذا التطور السياسي والإقتصادي والإجتماعي لإقليم "كردستان" المزدهر هو عدم أحترام مشاعر وأحاسيس وتطلعات بقية مواطني الإقليم من غير الكورد. فعلى سبيل المثال لا الحصر، درج أسم المجرم إسماعيل أغا (سمكو) الشيكاكي في المناهج الرسمية لكتب التاريخ كبطل قومي كردي أو تسمية شارع بأسمه، في الوقت الذي هو معروف في تاريخ المنطقة كمجرم أغتال البطريرك الآشوري مار بنيامين شمعون عام 1918 ليس خدمة لشعبه الكوردي بل خسة وغدرا وخدمة لأسياده الفرس. فمثل هذا الإجراء هو إهانة وتجريح لأحاسيس ومشاعر الآشوريين وأتباع كنيستهم المشرقية، جيرانهم التاريخيين، لا بل وتدنيس لارواح الكثير من الشهداء الآشوريين الذين ضحوا بحياتهم من أجل الحركة القومية الكوردية أمثال هرمز ماليك جكو وماركريت جورج وغيرهم كثر وهم أبناء هذه الكنيسة التي كان الشهيد مار بنيامين بطريركاً لها.
 
هذا من جانب، أما من جانب فبركة تاريخ طويل وعظيم ومبهر للكورد من قبل بعض الكتاب والمؤرخين يأتي من جانب آخر لإفساد هذا الواقع من خلال بناءه أو إرجاعه إلى أسس باطلة لا معنى علمي وموضوعي لها لا بل وتتنافي مع أبسط أبجديات تاريخ المنطقة خاصة عندما يتم تضخيم وجود بعض القبائل والعشائر على هوامش بلاد آشور وإعتمادها كمصدر للأساس التاريخي لوجود الكردي القومي في المنطقة. فبناء الحاضر على أسس تاريخية هزيلة لا تستقيم مع منطق التاريخ في البحث عن أصل الكورد مسألة لا تتماشي مع الوجود الفاعل للكورد في المنطقة. ويأتي الموضوع الذي  كتبه السيد مهدي كاكه يي تحت عنوان "نبذة تاريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم" ونشر في عنكاوه دوت كوم كنموذج ضمن هذا السياق. أتذكر بهذا الخصوص، إن لم تخونني الذاكرة، عن الواقع الكوردي وأصلهم التاريخي في المنطقة مقابلة الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني (رحمه الله) مع أحد مراسلي الأجانب عندما سأله فيما إذا كان أصل الكورد من الشيطان، فأجابه بما فحواه: أنا لا يهمني ما هو أصل الكورد وإنما المهم هو الواقع الذي نعيشه نحن الكورد وهو الذي يثبت وجودنا القومي وليس الأصل. لقد كان البارزاني قد أصاب كبد الحقيقة، فما فائدة النبالة والعظمة لأصل الشعوب إذا كان واقعها لا يلبي أبسط متطلباته ويحقق طموحاته. أنظروا إلى "الكلدان السريان الآشوريين" الذين يتغنون ليل نهار بأمجاد أجدادهم العظام من بابليين وآشوريين وكلدانيين ولكن واقعهم أقل ما يقال عنه بأنه مأساوي ومهدد بالإقتلاع من أرض أجدادهم، ولا أعتقد أحد في هذا الكون يحسدهم على مثل هذا الواقع.

أن موضوع السيد مهدي غير علمي ولا موضوعي  فلا يصدقه أي عاقل ومطلع على تاريخ المنطقة وبالتالي لا يستوجب الرد عليه ودحضه أكثر مما كتب وعلق عليه بعض الزملاء في الموقع الألكتروني نفسه. ولكن الذي أود أن أضيف هنا وأقول بأنه منذ بضعة سنوات كتبت موضوعاً عن الكورد وتحت عنوان "الدولة الكردية – حقيقة أم يوتوبيا" وباللغة الإنكليزية ومن ثم ترجمته إلى العربية ونشر في جرائد ومجلات عديدة منها الشرق الأوسط والخليج الإماراتية. وعلى العموم أرى من المفيد أن أستل بعض الفقرات منه لنبين الخلفية التاريخية للكورد خاصة القومية والسياسية والإجتماعية عسى ولعل أن تكون مدخلاً لفهم أكثر لتاريخ الكورد الماضي المختلف كلياً عن واقعهم الحالي المزدهر.
========================


يعتبر الكورد في هذا اليوم، والذين يقدر نفوسهم بين ( 20-25 ) مليون نسمة، من القوميات الكبيرة في العالم التي ليس لها كيان سياسي متميز أو دولة خاصة بهم رغم كون " كردستان"، والذي يعني بلد الكورد، يمتد جغرافياً إلى مناطق واسعة تشمل أراض من العراق وإيران وتركيا وأذربيجان وحتى سوريا، ولكن هو بلد بدون حدود معينة ومثبتة على الخريطة السياسية للعالم، ولا يدل على انه وطن يتطابق مع دولة كردية موحدة وإنما هي منطقة جغرافية مجزأة بين عدة دول إسلامية متجاورة أو متصلة ببعضها. فطيلة تاريخ "كردستان" لم تشكل بلد مستقل وبحدود سياسية وجغرافية واضحة (للتفصيل أنظر كتاب: لورانت شابري و آني شابري، سياسة وأقليات في الشرق الأوسط، ترجمة د. ذوقان قرقوط، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1991). فتسمية "كردستان" لم تكن معروفة ومستخدمة حتى عام 1157 ميلادية. ففي عهد الخلفاء العباسيين كان السلطان التركماني (سنجق دار) أول من أستخدمها عندما أسس مقاطعة كردية كمنطقة عازلة وحاجز، لا بل كمنطقة حرب ضد شاه الفرس. ونفس الشئ تكرر عند العثمانيين حيث خلقوا عدد من الإمارات الكوردية التي أستخدمت ضد الإمبراطوية الفارسية.
(Kurdistan – Political and Economic Potential, Edited by Maria T. O’Shea, SOAS, London, 1992, P.2).     
 كان هناك جملة عوامل سياسية وإقليمية ودولية لعبت دوراً مهماً في إفقار الكورد من كيان سياسي قومي خاص بهم،  وقد تنطبق هذه العوامل أيضا على بعض القوميات الأخرى، كالآشوريين،  التي مزقتهم الحدود السياسية للدول، إلا أن ما يميز الكورد عنهم هو تفاعل هذه العوامل مع عوامل داخلية اجتماعية مرتبطة بطبيعة الكورد أنفسهم ساهمت مساهمة فاعلة في هذا الإفقار. وعلى العموم يمكن حصر هذه العوامل في: أولاً: علاقة الكرد بالدين الإسلامي، وثانياً: التركيب الاجتماعي لهم .

بالنسبة للعامل الأول، يجمع معظم المؤرخين بأن الكورد لم يكونوا معروفين للعالم كقوم لهم خصائص قومية متميزة إلا بعد اعتناقهم الإسلام ولم تظهر هويتهم الكردية بشكل واضح إلا بعد الفتوحات الإسلامية. فمنذ دخولهم الإسلام في العام العشرين للهجرة وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رض ) شمل حالهم كحال بقية الشعوب الآرية حيث لم يؤسس العرب الفاتحون لبلدان هذه الشعوب مستوطنات سكانية، ربما بسبب اختلاف الطبيعة الجغرافية، بل تركوهم لحالهم محافظين على تقاليدهم وعاداتهم وخصائصهم المتميزة بعد أعتناقهم الدين الإسلامي. لكن مع هذا، برزوا كمحاربين أشداء ومقاتلين في سبيل دينهم. وصلاح الدين الأيوبي (1193 – 1138) معروف بالأمثال المضروبة في شجاعته وبسالته في مقاومة الحملات الصليبية وتحرير بيت المقدس، فهو الذي كان على رأس أقوى دولة إسلامية في زمانه إلا أنه لم يفكر أو يسعى إلى تأسيس كيان خاص لأبناء شعبه الكوردي فحياته كانت كلها مكرسة في بناء الدولة الإسلامية ومحاربة أعدائها. والتاريخ أيضاً يزودنا بدلائل كثيرة على إخلاص الكرد للدين الإسلامي والجهاد في سبيله إذ لم يسجل أية ردة دينية قامت بينهم أو انحراف أو اجتهاد فكري بعيد عن روح الإسلام، وحتى المدارس أو الفرق الدينية التي ظهرت بينهم في فترات معينة فهي الأخرى لم تكن في تناقض أو تعارض مع الإجتهادات العامة للدين الإسلامي. كما أن الطبيعة القبلية والبدوية القائمة على التنقل والغزو والحصول على غنائم الحرب  كان عامل آخر ساعد الكورد على التحول من ديانتهم الزارادشتية إلى الإسلام ومشاركتهم وبشكل فعال في الفتوحات الإسلامية. فالكورد لم يقوموا بثورة أو بتمرد واسع النطاق ضد سلطات الدول الإسلامية التي عاشوا في كنفها مطالبين بحقوق قومية خاصة بهم ومتميزة أو داعين إلى تأسيس دولة كردية أو إلى تثبيت مكانة سياسية خاصة بهم في ديوان الحاكم أو الخليفة أو اقتناء إمتيازات لهم، كما كان الحال مع الفرس والترك والشركس والمماليك، بل كانوا وعلى الدوام، رغم اختلاف انتماؤهم القومي عن الحكام أو عن الأكثرية المسيطرة، كانوا مواطنين أصلاء ومن الدرجة الأولى باعتبارهم جزء من أبناء الأمة الإسلامية ودولتها التي لم تكن تفرق بين العربي والأعجمي إلا بالتقوى، فكان الحاكم بالنسبة لهم أمير المؤمنين وكان ولاءهم له ولأمة الإسلام فحسب. ويجمع معظم المؤرخين على أن العرب المسلمين كانوا أول من أطلق عليهم هذا الأسم (الكورد) حيث كانوا معروفين بتسمية "قبائل الجبال" (زبير سلطان، القضية الكردية من الضحاك إلى الملاذ، دار الشادي، دمشق، ط1، 1995).

أما بالنسبة للعامل الثاني، والمتعلق بالتركيب الاجتماعي للمجتمع الكوردي، فأن الطبيعة الجغرافية القاسية وعزلة المنطقة وصعوبة الاتصال بينها وبين العالم الخارجي من جهة وبين الأقسام المكونة لـ "كردستان" من جهة أخرى ساهمت في خلق نظام اجتماعي متميز شكلت العشيرة البنية الأساسية له والتي تمتعت بنوع من الاستقلال الذاتي تجاه السلطة المركزية. فالكورد وعبر التاريخ لم يشكلوا أمة موحدة لها كيانها الخاص بها، بل كانوا مجموعة من العشائر تفتقر إلى التماسك والتضامن فيما بينهم. فكانوا يعيشون في جبالهم المعزولة ويبدون طاعة شديدة إلى شيخ العشيرة ويخضعون إلى أي نوع من الحكومة طالما كانت سلطتها إسلامية وتدعو إلى تطبيق الشريعة والسنة. وقد يبدو أن مثل هذه الظاهرة قد تكون سائدة في بعض شعوب المناطق المجاورة أيضا، إلا أن قوة وصلابة النظام العشائري في الكرد واستقلالية وحداته الاجتماعية جعلتهم في حالة مختلفة، خاصة عندما كانت الحكومات المركزية، وتحديداً الدولة العثمانية، تستغل وضعهم الاجتماعي وتزيد من ترسيخ استقلالية الوحدات الاجتماعية، أي العشائر، وانعزالها عن البعض وقطع الصلة بينهم سواء من خلال سياسة "فرق تسد" أو عن طريق تأليب بعضهم على البعض، أو استغلال بعض العشائر ضد الأخرين في حالة قيام تمرد أو ثورة أو محاولة الخروج عن هيمنة السلطة أو تجاوز حدود النظام الاجتماعي السائد ومن ثم إخضاع الجميع في نهاية المطاف وحصرهم في قوالبهم الأصلية وحدودهم الطبيعية. ومما ساعد على استمرار هذا النمط من التركيب الاجتماعي للنظام الكوردي هو تداخله وتفاعله مع عامل الدين ومن خلال رأس أو زعامة هذه التركيبة المتمثلة في شيخ العشيرة. فكلمة الشيخ عند الكرد لا تعني زعيم عشيرة فحسب، كما هو معروف عند العرب، بل يقصد بها ذلك الشخص الديني التقي والورع الذي أوقف نفسه لخدمة الله والدين، سواء أكان منحدر فعلاً من أصول دينية أو مكتسباً لهذه الصفة من خلال الممارسة الدينية في حياته. لذلك نجد بأن بعض من السادة أو الملالي أو الشيوخ يدعون انحدارهم من نسل النبي محمد (ص) أو من أئمة دينية معروفة، رغم جذورهم القومية والعرقية المختلفة.

ولكن مع هذا، فالتاريخ الكوردي في المنطقة لا ينفي أبداً قيام كيانات كردية مستقلة في السابق نالت استقلالها عن السلطات المركزية للدول العثمانية، إلا أنها سرعان ما كانت تنهار بعد فترة غير طويلة، إما بسبب موت الشيخ المؤسس الذي قاد الاستقلال، أو باندحاره في نهاية المطاف أمام قوات الدولة المركزية أو عن طريق تحريض حكام هذه الدولة لبقية شيوخ العشائر الكردية للانقضاض عليها. وفي معظم الحالات تقريباً جاء زوال هذا الاستقلال القصير للدولة الكردية بفعل تفاعل العاملين السابقين، حيث كان مثل هذا الاستقلال يسبب لبقية الشيوخ الهلع والخوف من جراء تنامي سلطات الشيخ المؤسس للدولة الكردية والذين كانوا يعتقدون، أو كما كان يصور لهم من قبل السلطات المركزية، بأن مثل هذه الدولة ستكون على حساب مصالحهم واستقلالهم العشائري من جهة، وأنه من جهة ثانية، هو أجراء أو تمرد أو عصيان مخالف للدين والشريعة الإسلامية لأنه لا يجوز مقاومة السلطان العثماني باعتباره خليفة المسلمين أو أمير المؤمنين. وفي تاريخ هذه الكيانات الكردية فتاوى أفتيت بحقها من قبل شيخ أو سيد كردي كانت من ورائها السلطات العثمانية ولعبت دوراً كبيراً في انهيارها. هناك أمثلة كثيرة من هذه الثورات الكردية في القرن التاسع عشر والتي سقطت بمجرد صدور فتوى من شيخ كردي وبتحريض من السلطات العثمانية. لهذه الأسباب قيل بأن الصراع الكوردي – الكوردي الداخلي كان وعلى الدوام أشد بكثير من صراعهم مع أعدائهم ومضطهديهم.

وهناك روايات كثيرة قيلت في عدم وفاق الكورد وتوحدهم وسيادة الفتنة والقتال بينهم وصلت غرابة بعضها إلى حدود الأساطير. وأغربها قصة لعنة رسول الإسلام النبي محمد (ص) على الكورد والتي أوردها كاتب كردي مشهور أسمه الأمير شرف خان البلدليس في كتابه الموسوعي والمعنون بـ (شرفنامه)  الذي كتبه باللغة الفارسية في القرن السادس عشر الميلادي وترجمه إلى العربية محمد جميل الملا أحمد الروزبياني، دار المدى، سوريا ولبنان والعراق، ط3، 2007 ، وهو أول كتاب كردي يبحث في تاريخهم. فقد ذكر فيه وقال بأن الكورد جبلوا على التنافر والشقاق فلا يتناصرون ولايتطاوعون ولا تربطهم رابطة الوحدة والإتفاق… فالكورد ذو أراء إستبدادية يرفع كل منهم لواء التفرد وقد أحتموا بعلل الجبال … وجبلوا على حب الحرية والأنفة والإستقلال ولا يجتمعون على أمر واحد غير كلمة التوحيد (ص 41)، ويرجع سبب ذلك إلى لعنة النبي محمد (ص) للكورد حيث ذكر بأن في بداية الرسالة الإسلامية أرسل (أغورخان – ملك تركستان) وفداً إلى رسول الإسلام (ص) برئاسة شخص يدعى (بغدور) وكان من أمراء الكورد وكان هذا كريه المنظر، عفريتي الشكل، قبيح الوجه، فظاً غليظاً وشديد المراس، فلما وقع نظر النبي (ص) على هذا الشخص الكريه المنظر والضخم الجسم، فزع ونفر منه نفوراً شديداً. وعندما سأل عن أصله وجنسه قيل بأنه من الطائفة الكردية وعندئذ دعا النبي قائلاً "لا يوفق الله تعالى هذا الشعب بالاتفاق بينهم وإلا لغلبوا على الأمم وأساؤوا إلى العالم... فمنذ ذلك اليوم لم يتيسر لهذه الأمة تأليف دولة عظمى وسلطنة كبرى... (ص41) .وعلى الرغم من أن بعض الكتاب ينفون هذه القصة في لعنة الرسول للكورد ويكذبونها لأن الرسالة الإسلامية لم يكن خبرها قد وصل في عهد الرسول إلى بلاد التركستان، إلا أن مع هذا يعطون أهمية لها لكونها قد أوردها كاتب كوردي في القرن السادس عشر الميلادي وكان له دراية ومعرفة في عدم وفاق الكورد وتوحدهم.

وهناك ملاحظة مهمة جداً يستوجب الإشارة إليها وهي حين ذكر البدليسي  ما معناه بأنه لو توحدوا الكورد وأتفقوا لغلبوا على الأمم وأساؤؤا إلى العالم. فمثل هذا القول نلمسه في المخاوف الشديد التي كانت تعتري عقول الحكام، خاصة العثمانيين والفرس والإتراك والعرب والبريطانيين، من توحد الكورد وتأسيس دولة مركزية لهم لهذا نرى الضابط البريطاني (دبليو. أر. هاي) يقول في كتابه المعنون (سنتان في كردستان) المطبوع في لندن عام 1921 والذي زار المنطقة ودرس طبائع الشعب الكوردي، يقول: "أن اليوم الذي يستيقظ الكورد وبوعي قومي ويتوحدون سوف تتفتت أمامهم الدولة التركية والفارسية والعربية، ويقصد العراق، وتتطاير كالغبار ولكن مثل هذا اليوم لا يزال بعيد المنال" (ص36).

نكتفي بهذا القدر تجنباً للإطالة وإذا سمحت الظروف في الأيام القليلة القادمة سنكمل الموضوع عن الكورد في مرحلة نشوء الإفكار القومية ومبادئ التحرر القومي الحديثة ومدى تأثير العاملين الدين والتركيبة العشائرية في مسيرة حركتهم القومية. 

228
نقول: مبروك الفوز للقوائم الكلدانية السريانية الآشورية... ولكن ماذا بعد ذلك؟؟؟
================================================

أبرم شبيرا

في المواضيع السابقة لم نتوقع ما أفرزته نتائج الإنتخابات البرلمانية لإقليم "كردستان" فحسب بل أكدنا في قراءتنا السياسية للساحة القومية وتأثير وجود القوائم المرقمة 25 و 26 و 27  وفاعليتهم وسعة إستخدامهم لوسائل الضغط الداخلي والخارجي والتأثير على الرأي العام لأبناء أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية"، أكدنا ما آلت إليه نتائج الإنتخابات وذلك بعدم الفوز أي من هذه القوائم بجميع أو بأغلبية كبيرة للمقاعد في البرلمان، بل شددنا التأكيد على أن كل قائمة من هذه القوائم ستفوز بمقعد أن مقعدين وبالتالي سيتقاسمون الكوتا المخصصة لأبناء أمتنا. لقد كان مستر ونستن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق محقاً عندما قال "الديموقراطية نظام سيء ولكن لا يوجد أحسن منه" هكذا هو حال الإنتخابات كوجه آخر للديموقراطية فهو نظام سيء أيضاً ولكن لا يوجد أحسن منه، فهو النظام أو الأسلوب الذي يضمن حصول الحزب أو الجهة أو الكتلة الإنتخابية على معقد أو مقاعد برلمانية ووفق النظام الإنتخابي المعتمد وليس وفق الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة أو من يمثلها والتي هي المعيار عن قوة وجماهيرية الحزب، وهذه هي مساوئ هذا النظام ، فالمقاعد البرلمانية لا تعكس بالضرورة والحتم قوة الحزب الجماهيرية ولكن مع هذا يبقى "الكرسي" هو عامل الفصل في بيان موقع الحزب أو الكتلة البرلمانية من الناحية القانونية والسياسية الرسمية. هذه هي اللعبة السياسية فمن يريد أن يلعبها أو يشارك فيها أو يؤيدها فعليه قبول شروطها.

قائمة الرافدين المرقمة 126 بقيادة الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) حصلت على 6145 صوتا وبالتالي ضمنت مقعدين، وحصلت قائمة التجمع الكلداني السرياني الآشوري بقيادة تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية (تجمع) المرقمة 127 حصلت على 5730 صوتا وضمنت مقعدين أيضا أما قائمة أبناء النهرين المرقمة 125 بقيادة بعض من أعضاء قيادة وكوادر زوعا من خارج التنظيم الرسمي قد حصلت على 1048 صوتا فضمنت مقعد واحد فقط. ويظهر من هذه الأرقام بأن الأنصاف لم يتحقق أبداً كما هو في الواقع، فليس من المنطق والحق بعد أن تقوم زوعا بحملة إنتخابية واسعة وجماهيرية وتستضيف أشهر مطربين من أبناء أمتنا من الخارج وتخصص مبالغ طائلة لحملتها الإنتخابية وتحصل على أكبر عدد من الأصوات ولكن بالمقابل تحصل على مقعدين وأصواتها تمثل تقريبا ستة أضعاف أصوات القائمة المرقمة 125 التي حصلت على 1048 صوتا فقط ولكن حصلت على مقعد واحد، أي نصف مقاعد القائمة رقم 126. والحال نفسه أيضا بالنسبة لقائمة التجمع المرقمة 127، فعلى الرغم من كونها تمثل عدد من أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية، وعلى الرغم مما قيل عن ذهاب التصويت الخاص لصالحها وبتوجهات من جهات رسمية والتي لم تأخذ بها المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات لكون عدم وجود مانع من تصويت الأشخاص من غير أبناء الكوتا لأي من القوائم -  هذا هو أمر مفسد جداً لنظام الكوتا، فإن حصول هذه القائمة على 5730 صوتا أهلها حسب النظام الإنتخابي المعتمد الحصول على مقعدين في الوقت الذي أصواتها تمثل أكثر من خمسة أضعاف أصوات القائمة 125 الحاصلة على نصف مقاعد القائمة 127. على العموم يمكن القول، إستبعاداً لعدد الأصوات وأخذ بنظر الإعتبار العمر القصير للقائمة 125 وطغيان الصفة الشخصية وليس التنظيمة عليها فأنه يمكن إعتبارها الرابح الأكبر... ولكن هل تستطيع أن تثبت ذلك على الساحة السياسية من دون أي إعتبار لممثلها الجالس على مقعد برلماني؟؟؟ فنحن بالإنتظار. هذه هي مساوئ نظام "الكوتا" والذي سبق وأن أكدنا بأنه هو نظام غير عادل ينشأ في ظروف غير عادلة وديموقراطية طالما يحق لغير من أبناء هذه الكوتا، خاصة المتنفذين والمتسلطين، من التصويت لمرشحي بعض من أبناء الكوتا وبالتالي فقدان مغزى هذا النظام. وهو موضوع سبق وأن تطرقنا إليه بإختصار وأرى من المهم إعادة التفصيل فيه في مناسبة لاحقة.

أنتهت الإنتخابات وتبيت الصورة وأصبح على الأقل من الناحية الرسمية والقانونية لأبناء أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" خمسة ممثلين جالسين مع (106) أعضاء يمثلون إتجاهات مختلفة تمتد من أقصى اليسار الذي سيظهر بأن تأثيره سيكون محدوداً جداً إن لم يكن معدوماً (الحزب الشيوعي مقعد واحد والحزب الإشتراكي الكردستاني مثله) إلى أقصى اليمين المتطرف ( التيارات الإسلامية 17 مقعد) وبينهما تيارات القومية الكردية الرئيسية التي سيكون لها الغلبة في البرلمان وهي الحالة التي ستجعل وضع ممثلي شعبنا صعباً للغاية فالتجارب السابقة والقراءة الفكرية والسياسية لتوجهات القوى المتحكمة في البرلمان تجاه أمتنا لا تفرز حالة من الطمأنينة وبناء المصداقية عليها في تحقيق ولو جزء يسير من طموحات شعبنا في الإقليم خاصة موضوع الحد من التجاوزات على أراضي أبناء شعبنا والذي يجب أن يكون هذا الموضوع في قمة جدول أولويات مطاليب شعبنا. من هنا نقول بأن الإنتخابات أنتهت ولكن المهمات الصعبة لممثلي أمتنا في البرلمان  قد بدأت فعلاً وهناك مطاليب مشروعة وملحة ولكن مؤجلة و مرحلة إلى زمن غير معروف فعلى سياسي أمتنا في البرلمان الإستمرار بمطالبتها ورفع سقفها إلى أقصى حد مقبول على الأقل من حيث المبدأ كالمطالبة بالحكم الذاتي أو الإدارية المحلية بعد إعادة ترسيم حدود الوحدات الإدارية في الإقليم بالشكل الذي يضمن لأبناء شعبنا إدارتها وحمايتها من المتجاوزين. وعلى سياسي أمتنا أن يعرفوا جيداً سعة مطاليب أبناء شعبنا وأخذها بنظر الإعتبار ولكن من دون تضيع الممكن من أجل غير الممكن وأن يعرفوا بأن السياسة هي فن الممكن... فن كيفية ممارسة السياسة على الواقع وليس في الخيال.

إن تأكيدنا لصعوبة عمل ممثلي أبناء شعبنا في البرلمان "الكردستاني" لا يعفيها من العمل الممكن، لا بل الممكن جداً والبعيد عن تأثيرات القوى المتحكمة في هذا البرلمان. فأولى المهمات المهمة والخطيرة هي أن يكون ممثلي أمتنا فعلاً ممثلين قولاً وفعلاً وأن يعكسوا هذا التمثيل من خلال جلوسهم جنباً إلى جنب متكاتفين ممثلين لأمة واحدة وهذا ليس بالأمر الصعب إطلاقاً. لقد سبق وأن بينًا في مناسبة سابقة بأن هذه القوائم الثلاث مترابطة مع البعض ليس فكرياً فحسب بل تنظيمياً أيضا، فزوعا لا زال جزء من تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية صاحب القائمة رقم 127 ولم يتخلى عنها على الأقل من الناحية الرسمية كما أن أصحاب القائمة 125 لا زالوا على الأقل فكرياً وسياسياً مرتبطين بزوعا صاحبة القائمة رقم 126. هذا من حيث الشكل ولكن من حيث المضون يجب أن يعرفوا بأنهم مرتبطين بأمة واحدة وملتزمين تجاهها وعليهم أن يكون كتلة واحدة وإلا سيكون مصيرهم خاضعاً لسيف جماهير شعبنا وأقلام المراقبين و معرضين لسخرية ومضحكة للأخرين. فالمطلوب منهم، وعددهم ليس بكثير لكي يختلفوا، أن يعكسوا صورة مصغرة أو رمزاً لوحدة هذه الأمة.

لقد سبق وأن بعثنا شلاما ومزيداً من شلاما إلى زوعا ويظهر بأن سلامنا وتمنياتنا بالتفاهم والتضامن لم تصل إلى الجميع وعلى العنوان الصحيح والآن نعيد إرسال هذا السلام والتضامن إلى العنوان الجديد في البرلمان "الكردستاني" ليشمل أيضا ممثلي القائمة 127 ويسترشدوا جميعاً بالشذرات الذهبية لإنجيلنا المقدس وأقوال ربنا يسوع المسيح عليه السلام في التسامح والتصالح والمحبة ونزول السيد إلى مستوى خادم الشعب.  أنها لمناسبة أن أقتبس بعض السطور من كلمات المفكر القومي الكبير المحامي الطيب الذكر ديفيد برصوم بيرلي التي ذكرها في كتاب خيانة بريطانيا للآشوريين التذي كتبه المفكر القومي الكبير يوسف ماليك التلكيفي، وأقول أنكم يا ممثلي أمتنا في البرلمان "الكردستاني" تمثلون الأصابع الخمسة لليد الواحدة ... وهذه الأصابع متصلة مع بعضها وتشكل كف اليد وتعمل معاً من أجل هدف واحد ومنفعة مشتركة ولا يمكن إطلاقاً أن تعمل أحدى الأصابع ضد الأخرى فذلك مخالف تماماً للطبيعة ولليد نفسها ... فضم هذه الأصابع وبقوة تشكل قبضة يستطيع المرء توجه ضربة قوية بها إذا إمتلك إرادة وشجاعة ... فعليكم يا ممثلي شعبنا أن تكونوا مثل هذه الأصابع وتشكلون قبضة قوة وتوجيهها نحو طريق المطالبة بحقوق شعبنا المشروعة... وليس أسهل من هذا لو تنحت الإنانية والفردية جانباً ووضعتهم مصلحة الأمة فوق جميع الإعتبارات... وليس لنا أن نقول غير أن يكون التوفيق إلى جانبهم.            
 


]مهما تعدد الأعلام والأسماء والألوان فإننا أمة واحدة وستبقى أمة واحدة
أبرم شبيرا

229
مزيداً من شلاما إلى زوعا (الحركة الديموقراطية الآشورية)
==================================
أبرم شبيرا
شذرات ذهبية من الإنجيل المقدس:
======================

يقول ربنا يسوع المسيح له المجد في إنجيل لوقا "أية أمرأة عندها عشرة دراهم، إذا أضاعت درهماً واحداً، ألا تشعل مصباحاً وتكنس البيت وتبحث بإنتباه حتى تجده وبعد أن تجده، تدعو الصديقات والجارات قائلة: أفرحن معي، لأني وجدت الدرهم الذي أضعته، أقول لكم: هكذا يكون بين ملائكة الله فرح بخاطئ واحد يتوب" (لوقا:15/8-10). ثم يقول "كان لإنسان أبنان، فقال أصغرهما: يا أبي، أعطي الحصة التي تخصني من الميراث! فقسم لهما كل ما يملكه. وبعد بضعة أيام جمع الأبن الأصغر كل ما عنده، ومضى إلى بلد بعيد وهناك بذر حصته من المال في عيشه الخلاعة. ولكن لما أنفق كل شيء، أجتاحت ذلك البلد مجاعة قاسية، فأخذ يشعر بالحاجة..... فقام ورجع إلى أبيه. ولكن أباه رآه وهو ما زال بعيداً، فتحنن، وركض إليه وعانقه وقبله بحرارة. فقا له الأبن، " يا أبي أخطأت إلى السماء وأمامك، ولا أستحق بعد أن أدعي أبناً لك..." أما الأب فقال لعبيده: "أحضروا سريعاً أفضل ثوب وألبسوه، وضعوا في أصبعه خاتماً وفي قدمه حذاء. وأحضروا العجل المسمن وأذبحوه، ولنأكل ونفرح: فإن أبني هذا كان ميتاً فعاد، وكان ضائعاً فوجد فأخذوا يفرحون!" (لوقا: 15: 11- 24).... ولما عرف الأبن الكبير غضب ورفض أن يدخل البيت، "فخرج أبوه وتوسل إليه، غير أنه رد على أبيه قائلا: "ها أنا أخدمك هذه السنين العديدة، ولم أخالف لك أمراً ولكنك لم تعطني ولو جدياً واحداً لأفرح مع أصدقائي، ولكن لما عاد أبنك هذا الذي أكل مالك مع الفاجرات، ذبحت له العجل المسمن!" فقال له: "يابني أنت معي دائماً، وكل ما أملكه هو لك، ولكن كان من الصواب أن نفرح ونبتهج، لأن أخاك هذا كان ميتاً فعاش، وكان ضالاً فوجد" (لوقا: 15: 28-32).

وفي مكان آخر يقول ربنا يسوع المسيح له المجد لتلاميذه، "وقام بينهم أيضا جدالأ في أيهم يحسب الأعظم، فقال لهم: "إن ملوك الأمم يسودونهم وأصحاب السلطة عندهم يدعون محسينن. وأما أنتم، فلا يكن ذلك بينكم، بل ليكن الأعظم بينكم كالأصغر، والقائد كالخادم" (لوقا: 22:24-26). وفي سفر الزانية ورميها بالحجارة ذكر ربنا يسوع المسيح له المجد "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر" (يوحنا: 8 : 7). وعن البساطة والتواضع يغسل ربنا يسوع المسيح له المجد أقدام تلاميذه يقول "فإن كنت، وأنا السيد والمعلم، قد غسلت أقدامكم، فعليكم أنتم أيضاً أن يغسل بعضكم أقدام بعض. فقد قدمت لكم مثلاً لكي تعملوا مثل ما عملت أنا لكم... وصية جديدة أنا أعطيكم: أحبوا بعضكم بعضاً (يوحنا: 13: 14 و 34).

دروس وعبر من الإنجيل المقدس:
=====================

عجيب غريب !!! ما الذي حشر أبرم شبيرا نفسه في مسائل الأنجيل المقدس ونحن نعرف علمانيته وضلوعه في مسائل سياسية وقومية؟؟؟ هكذا سيتسائل القارئ الكريم بمجرد قراءة السطور أعلاه، هكذا سوف يستغرب وينتقدنا من لجؤئنا إلى الإنجيل المقدس ونحن العلمانيين الذين لا كلام ولا عمل  لنا في هذه الأيام غير الغوص في عالم السياسة والمسائل القومية التي يكتنفها الكثير من الطرق الملتوية والأساليب المعروفة لنا بغموضها وتقلباتها ولجوءها إلى كل وسيلة ممكنة لتحقيق أهدافها. غير أن مثل هذا الإستغراب يمكن تخفيفه أو أزالته عندما نعلم بأنه عندما تعصف بالمجتمع كوارث ومصائب يصعب للإنسان السيطرة عليها فيضطر حينذاك اللجوء إلى القوى الخارقة والسماوية وإلى طلب رحمة وخلاص ربنا السماوي لإنقاذ المجتمع كما فعل جدنا الأكبر الملك الآشوري سنحاريب (705-681 ق.م.) أثناء فيضان نهر الخوصر (حاليا في مدينة الموصل) الذي عصف بعاصمته نينوى فصام هو وشعبه وتضروعوا إلى ربنا السماوي لتخليصهم من الفاجعة والكوارث التي سببها الفضيان، وكما فعل ويفعل أبناء أمتنا في عصرنا هذا عندما تعصف بهم الكوارث والحروب فيلجأون إلى الصوم والصلاة والتذرع إلى ربنا السماوي للرحمة والخلاص وطلباً للأمن والسلام والإستقرار. واليوم يعصف بمجتمعنا "الكلداني السرياني الآشوري" عواصف خطيرة وفواجع كارثية أقل مايقال عنها بأنها تهدد مصير وجود أبناء أمتنا في أرض أباءهم وأجدادهم وتقلعهم نحو المجهول. ولا شك فيه إطلاقاً بأن بعض المخلصين من أبناء أمتنا وأحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية وحتى كنائسنا عملوا كثيراً أو قليلاً لمواجهة هذه التحديات الماحقة ولكن يظهر بأن موازين القوى في هذه المواجهة ليست لصالح أمتنا لا بل فإن هذه الموازين تزداد ميلاً لصالح الآخر عندما تبدأ الخلافات بالإرتقاء إلى الإختلافات ومن ثم إلى تناقضات داخل مجتمعنا وتحديداً داخل ممثليه من الأحزاب والتنظيمات القومية وبالتالي عجزهم الكلي لا في الوقوف في وجه هذه التحديات بل في الكف عن الكلام عنها وكشف حقيقتها أو تسويفها بشكل يخدم المصالح الخاصة وليس مصالح الأمة ويرسخون مواقعهم الجبهوية في المجتمع خاصة عندما تأتي فرص المنافسة وفترات الإنتخابات للوثوب إلى هذه المواقع أو تكريسها.

أن القارئ اللبيب يستخلص وبسهول عظمة العبر والدروس من الشذرات الذهبية القليلة المذكورة أعلاه من الإنجيل المقدس وتفيدنا كثيراً لو أتبعت وطبق على واقعنا الحالي الممزق.. كلنا، مهما كانت تسميتنا القومية أو الكنسية مسيحيون تعمذنا بروح القدس وتناولنا جسد ربنا يسوع المسيح له المجد وشربنا من دمه، فهذا يفرض علينا إيماناً مسيحياً كثيراً أو قليلاً بإنجيله المقدس وبالتالي يفرض علينا على الأقل قراءة رسالة ربنا السماوي وإستخلاص الدروس والعبر منها لكي تنير طريقنا نحو المحبة والسلام والتضمان مع البعض. فالشذرات الذهبية القليلة من الإنجيل تعطينا أمثلة رائعة في الصفح والغفران والتصالح والتواضع وخدمة الكبير للصغير وهي مبادئ جوهرية تفيدنا كثيرا في هذه الأيام في أزالة الخلافات وسؤء الفهم السائد في مجتمعنا وتحديداً في أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية  فيصبح التواضع والصفح والتصالح أمور مطلوبة وبشكل ملح خاصة بعد أن دبت الخلافات وسوء الفهم داخل بيت أو تنظيم هذه الأحزاب. فبعد أن فشلت تقريباً كل المحاولات في ردع الصدع داخل البيت الواحد فلم يبقى أمامنا إلا اللجوء إلى رسالة ربنا يسوع المسيح له المجد طلباً منه أن ينشر محبته على أبناءه فيسود فيهم التواضع والصفح والتصالح من أجل خير هذه الأمة.   

التواضع والصفح والتصالح طرق لإستمرار رسالة زوعا نحو المستقبل:
=========================================

القارئ اللبيب يدرك من البداية بأن حديثي هنا هو عن الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) ليس بسبب عنوان الموضوع بل من خلال "الأزمة" التي تمر بها في الوقت الراهن وإنطباق ما ورد في أعلاه عليها حيث تشتد هذه الأزمة بإقتراب موعد الإنتخابات البرلمانية لإقليم "كردستان" العراق. فالبعيد والقريب يعرف بأن زوعا حركة سياسية قومية كبيرة ورائدة في مجتمعنا ينعكس تماسكها ونشاطها وإنجازاتها بشكل مباشر وواضح على مجتمعنا فيزداد الوعي القومي والسياسي بين أبناء الأمة ويزيد من تفاؤلهم نحو المستقبل في أرض الوطن. والحال عكس ذلك، فعندما يدب الخلاف في أروقة زوعا ويتقلص نشاطها وتضمر إنجازاتها ويتسارع قادتها نحو الكراسي البرلمانية والحكومية ينعكس هذا أيضا على أبناء الأمة فيتقلص تفاؤلهم لا بل يزداد تشاؤمهم ويفقدون ثقتهم بأحزابنا السياسية وبممثلي أمتنا بعد أن تزداد فيها المحسوبية والفردية.  هذه الحقيقة مهما أختلفنا مع زوعا أو أتفقنا فهذا لا يغير بشئ منها لأنها حقيقة واقعية أثبتها السنين الخوالي والأيام الحالية التي تمر بها زوعا. يحاول البعض من إتباع سياسة النعامة في إغفال أو تجاهل ما يجري في زوعا وتأثير ذلك على مسيرة حركتنا القومية وكأنه لا وجود لمثل هذه الأزمة. في حين يحاول الآخرون خاصة البعض في قيادة زوعا الحالية أوالواقعين في غرام أعمى معها تسويف هذه المسألة وتصغيرها وأعتبارها كأمر إعتيادي يحدث كثيرا في الحركات والأحزاب السياسية وحدث ذلك لزوعا أيضا في السنوات الماضية ولكن خرجت زوعا منها سالمة ومعافية. هذا أمر صحيح ولكن لا يصح إطلاقاً المقارنة والتشبيه بين ما حدث في السنوات الماضية من  ترك أو خروج ""نفر أو نفرين" من قيادة زوعا ومن ثم إنزواءهم في زوايا منسية من المجتمع السياسي والقومي أو إنخراطهم في نشاطات أخرى لا تمت بصلة مباشرة بتنظيم زوعا، فالإنقطاع هنا كان تنظيمياً وفكرياً وسياسياً بالتمام والكمال، وبين ما يحدث في هذه الأيام، حيث هناك عدد كبير من الكوادر المتقدمة وأعضاء في اللجنة المركزبة لزوعا منتخبين بشكل شرعي من قبل المؤتمر العام للحزب قد أنقطعوا تنظيمياً عن زوعا وليس فكرياً، وهو أمر نادر الحدوث إن لم يكن معدوماً في تاريخ تنظيماتنا السياسية، وهذا أمر قد يشل من نشاط وتحرك زوعا بشكل طبيعي وشرعي وذلك بسبب فقدان أو تقلص الأكثرية الحاسمة في إتخاذ القرارات. فهؤلاء رغم إنقطاعهم تنظيمياً عن زوعا بسب إختلافهم مع القيادة الحالية إلا أنهم يصرون على إرتباطهم بزوعا فكرياً وسياسياً وإستمرار إلتزامهم بنهج وفكر زوعا حتى وإن تأطر نشاطهم الإنتخابي بقائمة مختلفة عن قائمة الرافدين التابعة للقيادة الحالية لزوعا وبتسمية قائمة "أبناء النهرين" إستعدادا لإنتخابات برلمان لإقليم ""كردستان" العراق. كما يجب أن لا ننسى بأن البعض من هؤلاء هم من الكوادر التاريخية وبعضها شاركت في تأسيس زوعا والآخرون أنظموا لزوعا في السنوات الأولى الصعبة وشاركوا مع بقية أعضاء قيادة زوعا  في دفع مسيرتها رغم الظروف الماحقة التي كانت تحيط بهم، فتاريخهم السياسي والنضالي مرتبط بنضال وصمود زوعا وبالتالي لا يمكن التفريق والفصل بينهما.

لا أدري فيما إذا كانت مصادفة أم مسألة واعية في تسمية هذه القائمة بـ "أبناء النهرين". إذ كلا التسميتن "قائمة "الرافدين" و قائمة "أبناء النهرين" لهما مدلول واحد سواء أكان من حيث المضمون الذي يشير إلى التسمية التاريخية لوطن الأباء والإجداد وإلى إرتباط أصحاب هاتين التسميتين بهذا الوطن أو من حيث الفكر والترابط بين أصحاب كلا التسميتين والتعبير، بوعي أو غير وعي، عن وحدتهما المؤطرة بفكر وسياسة زوعا وهو تأكيد آخر على كون المعارضين للقيادة الحالية لزوعا إرتباطهم بها فكرياً وسياسياً. لقد سبق وأكدنا مراراً وتكراراً بأن الاختلافات التي تشب بين أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية أو حتى في داخل هذه التنظيمات لا تقوم على أسس فكرية أو أيديولوجية بل هي في معظمها خلافات شخصية ومواقفية وبررنا ذلك على أساس كون أمتنا أمة بسيطة في تفكيرها ومطالبها ولا خلافات فكرية عميقة بين أفرادها وتنظيماتها. ففي معظم الحالات وإن أرتقت هذه الاختلافات إلى خلافات إلا إنها لم تصل إلى مرحلة التناقضات السياسية المستعصية التي تقود إلى صراعات لا نهاية لها، وزوعا نموذج في هذا السياق. فقد شبت فيها بعض الإختلافات التي أرتقت إلى الخلافات وهذه الأخيرة أما أرتكنت في حدودها أو أضمحلت ولم ترتقي إلى مستويات أعلى. واليوم وصلت الخلافات بين قيادي زوعا إلى أعلى مستوياتها إلا أنها لا زالت ضمن حدودها ولم ترتقي إلى مستوى التناقض طالما لازال المنقطعين عن تنظيم زوعا مرتبطين فكرياً وسياسيا بزوعا ولم يلجؤا إلى تأسيس حزب آخر رغم إمكانياتهم الفكرية والسياسية والتنظيمية وقاعدتهم الجماهيرية، كما وأن القيادة الحالية لزوعا لم تصدر قرار صريح بفصلهم.

يعتبرالإنسان أعظم رأسمال في حركة المجتمع. والتنظيمات المجتمعية والسياسية وهي الأطر التي تتم فيها حركة المجتمع فتقدمها وتأخرها يقاس بها تقدم وتأخر المجتمع. وزوعا حركة سياسية رئيسية وفاعلة في مجتمعنا، رغم فكرها النير وسياستها القومية الأصيلة إلا أن الإنسان يلعب دوراً كبيراً في فاعلية زوعا وفي تنوير سياستها وتوصيلها إلى أبناء أمتنا. إذن من هذا المنطلق يصبح الإنسان، وباللغة السياسية نقول الكادر الحزبي، يصبح مصدر الحركة بخطواتها الأمامية والخلفية... بخطواتها الإيجابية والسلبية... وبإنفتاحه وإنغلاقه... وبتواضعه وتعاليه... وبتفاهمه وتعنده... وبصفحه وحقده ...  وبتصالحه وإنعزاله... من هذا المنطلق نقول بأنه لا يمكن لأية حركة أو حزب أو تنظيم معبر عن المجتمع يحظى بالتقدم والسير إلى الأمام والتطور فيما إذا أعتمد أصحاب هذه التنظيمات والأحزاب على الجوانب السلبية لهذه الخطوات... إنغلاق وتعالي وتعند وحقد وإنعزال إلخ... وهي مصدر الشرور في دفع الإختلافات والخلافات البسيطة إلى إستمرارها وإرتقاءها إلى مستوي تناقضات وصراعات مدمرة ليس للتنظيم نفسه بل للمجتمع أيضا. من هنا نقول لم يبقى أمام قيادة زوعا وبكلا الطرفين في الداخل والخارج إلا أن يأخذوا ولو مرة واحدة ليسجلوا بذلك سابقة تاريخية في أمتنا من الصفح والتصالح وسائل في ردع الصدع القائم حالياً في زوعا خاصة بعد فشل تقريباً كل المحاولات "العلمانية" في هذا السياق ولم يبقى أمامنا إلا طرح محاولة أخرى مبنية على مزيداً من شلاما لزوعا لمد الأيادي للصفح والتصالح حباً بهذه الأمة المبتلية بعصر زمانها. بادرنا في موضوعنا السابق المعنون "وبينما تقبع الحركة الديموقراطية الآشورية على صفيح ساخن، نقول... شــلاما لزوعا" بدعوة لعقد مصالحة بين القيادة الحالية لزوعا وأعضاءها وكوادرها المتقدمة الخارجة عنها وعلى أسس "علمانية" سياسية قائمة على عقد إجتماع بينهما من دون شروط مسبقة تتم الدعوة والتنظيم من قبل بعض من المثقفين المحبين لزوعا والموثقين بهم من قبل كلا الجانبين... ولكن كما يقول المثل فاليد الواحدة لا تصفق، فأعضاء القيادة والكوادر المتقدمة والمنقطعة عن التنظيم وافقت من حيث المبدأ على الدعوة ولكن أعضاء القيادة الحالية للتنظيم رفضت الفكرة على أسس قائمة على ضرورة الإلتزام باالسياقات السياسية والتنظيمية للحركة التي ثبتها ونظمها النظام الداخلي لزوعا. ولكن إذا كانت مثل هذه الأسس مقبولة في الظروف الإعتيادية إلا أنه من المعروف، والقيادة الحالية لزوعا أدرى منًا جميعاً بأن مثل هذه الأسس، أي الإلتزام بالسياقات السياسية والتنظيمية للحزب تتنحى جنباً وتوضع على الرفوف العالية في الظروف الإستثنائية والحرجة كما هو الحال مع زوعا في الوقت الحاضر وتصبح مصلحة الحزب والجماعة التي تمثلها أسس الأساس في التعامل مع هذه الظروف غير الإعتيادية، ولا أحد إطلاقاً يستطيع أن ينكر بأن زوعا يمر بهذه الحالة الإستثنائية والصعبة غير الأعمى والمعادي لمصحلة زوعا نفسها. فالإعتراف بهذه الحالة الإستثنائية سيكون مدخلاً للقبول مبادئ الإنفتاح والتواضع والصفح والتصالح وإرجاع زوعا إلى سابق عهدها المعروف لدى أبناء أمتنا بنضالها وتفانيها ونكران الذات من أجل المصلحة العامة للأمة.

زوعا والإنتخابات البرلمانية لإقليم "كردستان" العراق:
==============================

خلال الأيام القليلة القادمة ستجري إنتخابات برلمانية لإقليم "كردستان" العراق وقد خصص كوتا متكونة من خمسة مقاعد لأبناء أمتنا يتنافس عليها ثلاث قوائم نزلت إلى الساحة كممثلة لأبناء أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" وهي قائمة التجمع الكلداني السرياني الآشورية ممثلة لبعض الأحزاب والكيانات السياسية لأمتنا والمتحالفة تحت تسمية "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية بعد أن شذت قيادة زوعا عنها وخرجت بقائمتها المعروفة بـ "قائمة الرافدين". أود هنا تذكير القارئ الكريم بما ذكرناه قبل سنة أو أكثر عند الحديث عن هذا التجمع والمفارقات أو الخلافات التي ستحدث بين الحزب الكبير(زوعا) وبقية الأحزاب الأخرى المؤتلفة تحت هذه التجمع عندما يأتي وقت تحديد وتوزيع الإمتيازات بين أعضاء التجمع وهو أمر مع الأسف الشديد يحدث اليوم. إضافة إلى هاتين القائمتين نزلت إلى الساحة أيضا قائمة "أبناء النهرين" ألتي شكلها القياديون والكوادر المنقطعة عن تنظيم زوعا. وهنا ملاحظتين مهمتين يستوجب ذكرهما. الأولى: أن هذه القوائم الثلاث مرتبطة بشكل أو بآخر ببعضها سواء من حيث إستمرار أصحاب قائمة أبناء النهرين إرتباطهم بزوعا فكريا وعدم إنفصالهم عنها أو فصلهم بقرار من قبل القيادة الحالية أو من حيث إستمرار زوعا، ولو شكلياً، عضويته في التجمع. أما الملاحظة الثانية وهي الأهم، فمن الملاحظ بأن هذه القوائم الثلاث تتبنى في عملها السياسي والقومي التسمية الجامعة الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية" وإختفاء أصحاب التسميات المنفردة، ولا نقول الإنفصالية، سواء الكلدانية منها أو السريانية أو الآشورية من الساحة السياسية وتبرير عدم خوضها لهذه الإنتخابات أو غيرها بتبريرات لا يقبلها المنطق إطلاقاً. وهذا أمر جميل جداً حيث يعكس مدى إهتمام أبناء أمتنا بمسألة جمع جميع التسميات التاريخية والحضارية لأمتنا في جبهة واحدة من أجل نيل حقوقها المشروعة في الوطن. وأكتفي بهذا القدر فالقارئ اللبيب تكفيه كلمات قليلة لفهم هذه الحقيقة الواقعية أما الأخرق فلا تكفيه مجلدات طويلة لفهم واقع أمتنا الحالي.
 
لقد سبق وأن أكدنا وفي مناسبات عديدة عدم حصر أو إحتكار الكراسي البرلمانية والحكومية لأعضاء قياديين في أحزابنا السياسية وفي نفس الوقت أكدنا على ضرورة ذهاب أبناء أمتنا إلى صناديق الإقتراع ليس حباً أو تثميناً لهذا القيادي المرشح أو الآخر وإنما أثباتاً للآخرين بوجودنا ومن حقنا في ممارسة حقوقنا السياسية في أرض الوطن ولكن " لمن تتلو مزاميرك يا أبرم شبيرا" فترشيح قيادي أحزابنا وفوزهم المؤكد لكرسي في البرلمان سائر على قدم وساق و "طوز" في مثل هذه الدعوات لأن حلاوة الكرسي أكثر بكثير من تقديم أي تنازل أو أبداء نكران الذات من أجل مصلحة الأمة. على العموم فاليوم يستمر اللهوث وراء الكراسي البرلمانية لإقليم "كردستان" ومن حق هذه القوائم الثلاث أن تطمح أو تحلم بأن تفوز إن لم يكن بجميع المقاعد الخمسة فعلى الأقل الفوز بأكثريتها. ومن الملاحظ بأن هناك نوع من الحساسية المفرطة بين هذه القوائم الثلاث خارجة عن الإطار التنافسي الإعتيادي المعروف في هذا السياق سببها قد يكون شذوذ زوعا عن سياسة التجمع أو خروج القياديين التاركين لتنظيم زوعا بقائمة مستقلة عنها ومنافسة لقائمتها "قائمة الرافدين". لا بل والأكثر من هذا تكتسب هذه الإنتخابات خاصة بالنسبة لزوعا وبكلا جناحيها أهمية قصوى والفوز بجميع أوبأكثرية المقاعد يشكل أمراً حاسماً ومهماً لأن الفوز سوف يثبت مدى شعبية كل جناح منهما حينذاك سنكون أمام صورة أوضح أكثر مما هو عليه قبل الإنتخابات. والأهمية القصوى للفوز بهذه المقاعد وتقرير شعبية القيادة الحالية لزوعا جعلتها أن تستضيف أكبر وأشهر فنانين في مجتمعنا وهما آشور بيت سركيس وعمانؤيل بيت يونان للقيام بحفلات غنائية دعما لقائمة الرافدين، وهو أمر يحدث لأول مرة فلم يحدث خلال الإنتخابات السابقة المركزية والأقليمية وهذا يعكس مدى خشية القيادة الحالية من نتائج هذه الإنتخابات.

على العموم، فالوقائع الحالية تشير وتؤكد بأن أي من هذه القوائم الثلاث يستحيل عليها الفوز بجميع المقاعد في برلمان الإقليم بل ستنال كل قائمة مقعد واحد أو أكثر. وإن حدث هذا فأنه سيشكل حالة مهمة جداً ووضعاً حاسماًً يضع الفائزين أمام مسؤولية تاريخية يحاسبهم أبناء أمتنا عند فشلهم في تحملها. فمن الضروري جداً على الفائزين عدم نقل الحساسية والجفاء والإزدراء القائمة بينهم إلى قبة البرلمان بل عليهم واجب قومي مقدس يقوم على ضرورة التنسيق والتعاون والألفة والمحبة بينهم وهم جالسون جنباً إلى جنب يمثلون أبناء هذه الأمة الذين أنتخبوهم وإلا سيصبحون أضحوكة للآخرين وسيساقون إلى محكمة ضمير  الأمة للمحاسبة والمعاقبة الضميرية. لا بل أن مثل هذا الوضع سوف يفتح الأفاق واسعة لتتصافح أيديهم خاصة بين الأعضاء الفائزين من قائمة الرافدين وزملائهم من قائمة أبناء النهرين لتكون مثل هذه المصافحة طريقاً للصفح والتصالح وفتح المجال لوضع خارطة طريق نحو مؤتمر عام يشارك فيها الجميع تلتحم لحمة زوعا فيه لتنطلق من جديد نحو آفاق جديدة وواسعة تبهر بها قلوب أبناء أمتنا، وأنا واحد منهم.
 كان قول ربنا يسوع المسيح له المجد عظيماً عندما قال:
"طوبى لصانعي السلام، فإنهم سيدعون أبناء الله" (متي: 9 : 5)

 


230


وبينما تقبع الحركة الديموقراطية الآشورية على صفيح ساخن
 نقول... شــلاما لزوعا





 
أبرم شبيرا
Burning Problem

مصطلح يستخدم في الإنكليزية للإشارة إلى مشكلة أو مسألة ساخنة وحامية الوطيس تتعدد الأراء حولها وتتناقض إلى درجة يصعب الوصول إلى نتيجة موفقة ومن ثم حل هذه المشكلة فتظل الأراء والأفكار تشتعل حولها ويحتدم الصراع بين طرفيها أو أطرافها لحين طغيان الفوضى والغوغاء إلى درجة تصل إلى إحتراق اطرافها وتلاشي مضمونها ومن ثم إنتقالها إلى دفاتر الماضي وتصبح شيء من التاريخ مالم يتعقل أطراف المسألة ويضعون المصلحة العامة فوق جميع الإعتبارات ويزيحون جانباً جزء من أراءهم ومواقفهم حتى تصل إلى الطريق العام المشترك المؤدي إلى تبريد الصفيح والخروج من أزمة الأحتراق وإحتمال التلاشي. وترجمة هذا المصطلح هو "مسألة مشتعلة" ولكن الأكثر شيوعاً وإستعمالاً في هذا الشأن هو مصطلح (على صفيح ساخن). واليوم لأن الحركة الديموقراطية الآشورية لم تشتعل وتحترق مسألتها بل هي قابعة على صفيح ساخن لا بل ساخن جداً حيث تتضارب الأراء وتتعارض الأفكار وتتصارع المواقف بين بعض من عناصر قيادتها لهم مكانتهم الخاصة سواء في إدارة دفتها وعبر مراحل طويلة وصعبة أو في مراحلها التأسيسية أو في مساهمتهم الكبيرة في العمل القومي ووضع الحركة على مطاف الحركات القومية الأصيلة لأمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" سواء أتفقنا معها أم لا، فعملها النضالي خاصة قبل سقوط الصنم في عام 2003 سجل حافل لا يتجاهله إلا المغفل والمعادي لتطلعات الأمة.

كيف نفهم زوعا كحركة قومية سياسية؟:

=======================
عندما نتكلم عن الحركة الديموقراطية الآشورية فما الذي نقصده من خلال جعلها هكذا حركة سياسية أصيلة ولها سجل حافل من الإنجازات؟ سؤال يقوديني إلى أن أذكر بإنني سمعت قبل فترة بأن بعض المغردين على تغريدهم أو في البالتوك يقولون بأن أبرم شبيرا أنقلب على زوعا وأصبح معادي لها إلى درجة وصفني البعض بـ "الكلب النابح" لا بل لجؤا أخرين إلى أساليب قذرة وغير أخلاقية وتحت أسماء مستعارة للطعن الشخصي وليس للأفكار التي أطرحها مما يدل على المستوى الفكري المنحط لهؤلاء وعوزهم الشديد للوعي القومي السياسي المطلوب في فهم الحركات القومية السياسية الأصيلة كزوعا. فعندما نتكلم أو نكتب أو نجادل أو ننتقد زوعا يجب قبل كل شيء أن نفهم ماهي زوعا: أفهي سكرتيرها العام أو قيادي أو أكثر في مكتبها السياسي أو لجنتها المركزية أو وزيرها المستوزر أو أعضاؤها في البرلمانين المركزي والأقليمي؟؟؟ أم هي القياديين السابقين والكوادر المتقدمة المعارضين للقياديين الحاليين؟؟؟ فالجواب قطعاً كلا وألف كلا. فعندما ننتقد سياسة أو سلوك السكرتير العام أو أحد قيادي زوعا أو عندما نعارض توزير أعضاء قياديين أو ترشيحهم لكراسي برلمانية فهذا لا يعني إطلاقاً بأنه يمس زوعا ويتصوره بعض المغردين بأنه معاداة لها وإنقلاب عليها. فإذا كان جانب من هذا الإنتقاد او الكتابة جزء منه إنتقاداً بناءاً غرضه ليس إلا محاولة كشف وتقويم السلوك السياسي لهؤلاء أو التنويه عنه فأن الجانب الأكبر منه يعبر عن خوفنا وخشيتنا من أن يكون لسلوك وطروحات هؤلاء وإستمراره تأثيراً على مسار زوعا الأصيل ويترك إنطباعاً سلبياً عند أبناء أمتنا خاصة عندما يشاهدون تصلب هؤلاء على كراسيهم الحزبية والحكومية والبرلمانية ولفترات طويلة وإصرارهم على مواقفهم حتى وإن كانت غير منطقية ولا تتوافق مع تطور الزمن الذي تركبه كل الحركات السياسية الفاعلة. ولما كنت أحد أبناء هذه الأمة فأنه من واجبي الضميري أن أخشى وأخاف على زوعا لأنها ثبتت خلال السنوات الماضية، خاصة قبل سقوط الصنم عام 2003، بأنها المعبر الحقيقي عن تطلعات هذه الأمة التي أنتمي إليها.

لقد سبق وأكدنا مراراً وتكراراً بأن الحركة الديمقراطية الآشورية، كحركة قومية تستمد أصالتها وشرعيتها في كونها لم تلد بقرار سياسي صرف أو كانت نتاج بحوث أكاديمية أو قرارات رجال السياسة والقانون والمعرفة، وإنما ولدت ولادة طبيعية ومن مخاض ومعاناة الأمة ومن رحمها الشرعي فهي حلقة من حلقات السلسلة الطويلة للحركة القومية السياسية لأمتنا وبناءاً مشيداً على نضال أبطال ناضلوا وأستشهدوا في سبيل هذه الأمة. فعندما يقود هذه الحركة شخص ما أو أشخاص معينين فهذا لا يعني بأنهم يملكون هذه الحركة وهي ملكية خاصة وحصراً بهم. فحالهم كحال سائق مركبة لا يملكها بل يقودها فحسب وقد يقودها بتعقل وبأنتظام ملتزماً بقوانين وأنظمة السير والمرور فيصل هو والمركبة وركابها إلى مبتغاهم بسلامة حينذاك يكون السائق موضع تقدير وتثمين من قبل الجميع. أو يقودها بتهور وإستخفاف وعربدة فيعرض الجميع هو والمركبة وركابها إلى الخطر والأضرار وربما إلى الدمار والهلاك حينذاك يتعرض السائق إلى الطرد والعقاب. هكذا يجب أن نفهم مسألة القيادة في الأحزاب السياسية والحركات القومية. واليوم يظهر بأن زوعا فعلاً هي قابعة على صفيح ساخن بفعل التضاربات والمنافسات والصراعات المحتدمة بين كوادرها المتقدمة الذين يقودون المسيرة بنوع من سياسة النعامة في وضع الرأس في الرمال معرضين هيبة ومقام هذه الحركة القومية الأصيلة الي نتائج لا أحد يحمد عواقبها غير الحاقدين والمعادين لهذه الأمة. إذن فالتعقل والمرونة ومد الأيدي الصافية أمور مطلوبة لكل من ينتمي إلى هذه الحركة تنظيمياً وفكرياً وضميرياً وإلا فعقاب التاريخ مرصاد لكل من يستمتع الجلوس على هذا الصفيح الساخن ويحرق اليابس والأخضر ويقود المسيرة إلى الهلاك. هكذا نفهم زوعا ومن يفهمها غير ذلك فهذا شأنه الخاص ومن المؤكد بأنه شأناً مخالفاً لطبيعة زوعا لا بل ومعيقاً لمسيرتها النضالية التي أرتوت بدماء أبناء أمتنا وتواصلت حتى هذا اليوم.

ماهي علاقة زوعا بالجماهير والمثقفين؟:
==========================
فعلاً سؤال جوابه مطلوب، وحتى لا يظهر بأننها نحشر أنوفنا في مسألة ونحن لسنا وحسب نظامها الداخلي من أعضاءها نقول وبالخطوط العامة ومن دون الدخول في تفاصيل تخص تنظيم زوعا بأنه لقد سبق وأن أكدنا مراراً وتكراراً بأن لكل تجمع أو تنظيم حتى يكون حزباً سياسياً بالمعنى العلمي المعروف يجب أن تتوفر فيه مقومات محدودة ومعروفة وهي، الأعضاء، التنظيم، الفكر أو الأيديولوجيا ثم السعي للوصول إلى السلطة السياسية لغرض تحقيق الأهداف. إن أمتنا بجميع مكوناتها وأسماؤها الجميلة أمة صغير وقليلة العدد من حيث النفوس في مقارنة مع غيرها من الأمم والشعوب المحيطة بها، كما وإننا  أمة "فقيرة" إقتصاديا فلا أصحاب المليارات بيننا مهتمين بشؤون وتطلعات الأمة القومية ولا تملك خزائن ومصادر من الثروات الطبيعية. زد على ذلك إننا أمة تفتقر إلى الدعم السياسي الفاعل، فلا دولة أو منظمة دولية أن إقليمية مهتمة بشؤوننا ولا من ينصت إلى صراغ أطفالنا ونساؤنا ورجالنا الذين يذبحون على أيدي الكفرة والملحدين. كما أن أمتنا يعوزها كثير الكثير من القوة السياسية والثقافية والفكرية لكي تحافظ على حضارتها العظيمة وهي مطوقة من جميع الجهات بسراق الحضارات الذين لا حضارة لهم غير حضارة هؤلاكو وتيمورلينك التدميرية. لكل هذه الأسباب والظروف الإستثنانية المطوقة بأمتنا يجعل من أحزابها السياسية وتنظيماتها القومية أن لا تستمد مقوماتها من العناصر التقليدية الأربعة المذكورة في أعلاه بل عليها أن تجد مصدر آخر لها لكي تتأهل لأن تكون فعلاً أحزاب سياسية فاعلة تستطيع ممارسة نشاطها وأدارة مهمتها بالشكل الذي يوصلها إلى تحقيق أهدافها ولو في مرحلة من مراحل مسيرتها الطويلة. وليس مصدر هذه القوة إلا في الجماهير التي تؤمن بهذا الحزب أو تلك المنظمة وتساندها في مهمتها.

من هذا المنطلق نقول بأنه مهما كان عدد أعضاء زوعا كبيرا ولها موارد مالية جيدة وتنظيم قوي ومتماسك وفكر نير وواضح ولها أيضا محاولات للوصول إلى السلطة السياسية لكن من دون جماهير هي لا شي ولا تستطيع أن تعمل شيء. فمن الذي أوصل أعضاؤها إلى كراسي الحكومة والبرلمان غير الجماهير؟؟... ومن الذي سار بالألاف وصرخ في مسيرات الأول من نيسان غير الجماهير؟؟؟... ومن الذي يفتح الباب لها، خاصة في بلدان المهجر، كالمجلس القومي الآشوري في ولاية ألينوي - شيكاغو ونادي سيفك في تورليك - كالفورنيا والإتحاد القومي الآشوري الأمريكي ومؤتمره السنوي (الكونفينشن) والنادي الآشوري في لندن غير هذه المنظمات الجماهيرية الكبيرة. فعندما نقارن قوة زوعا بغيرها من الأحزاب السياسة فإن أساس هذه المقارنة تقوم على مدى جماهيريتها وليس على شيء آخر. واليوم لا أبوح سراً عندما أقول بأن الصفيح الساخن الذي تقبع عليه زوعا جعل أن تتقلص جماهيريتها بعض الشيء، وهذه حقيقة ملموسة نلمسها نحن الذين نراها من خارج زوعا ولا يراها من في داخلها لكون التحزب المقيت يحجب الرؤية. وإذا أستمر سخونة هذا الصفيح لحد إشتعاله حينذاك ستختفي منها صفتها الجماهيرية ولا تجد لها أساس لوجودها إلا في الرماد. فمن يصر ويعاند على إستمرار الجلوس على هذا الصفيح الساخن هو من يريد تدمير زوعا ويجب عدم ألقاء اللوم على الغير كما أعتاد سياسيوا أمتنا في تبرير فشلهم.

عندما نتحدث عن الجماهير كقوة متينة وحاسمة لزوعا فلهذه الجماهير عقل وفكر يتمثل في المثقفين المرتبطين بهم وبمصيرهم ومصير هذه الأمة ويعبرون عن تطعاتهم وبمختلف وسائل التعبير المتاحة سواء بالكتابة أوالخطابة أو الشعر أو الفن... ومن هنا فأن رسالة الحزب للجماهير تصل إليهم في معظم الأحيان من خلال هؤلاء المثقفين وبالتالي ستنشأ علاقة خاصة بين المثقفين والحزب السياسي. فمن الملاحظ فيما يخص علاقة الكثير من مثقفي أمتنا بزوعا هي علاقة إيجابية وبناءة قل نظيرها في تاريخنا السياسي المعاصر فهي علاقة ملموسة لمسة اليد من خلال النشاطات الفكرية والثقافية والمواقف لهؤلاء المثقفين فيما يخص دعم وإسناد لزوعا في مسيرتها النضالية ومن دون أن ينتموا إليها تنظيمياً. وما نشاهده في بلدان المهجر حيث فسحة التعبير الحر واسعة أكثر بكثير من وطننا بأن مثل هؤلاء المثقفين أكثر عدداً وأوسع نشاطاً من أعضاء زوعا المنتمين إليها تنظيمياً. أن موضوع علاقة المثقفين بالأحزاب السياسية موضوع فلسفي طويل كان الفيلسوف والمفكر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي مؤسس الحزب الشيوعي الإيطالي والأب الفكري والروحي لليوروشيوعية، الذي أدانه ستالين وطرده من الأممية الثانية، أول من درس وبحث وبشكل مفصل عن هذا الموضوع ودونه في كتابيه "دفاتر السجن" و "الأمير الحديث". وكم كنت أتمنى أن يكون القارئ الكريم قد أطلع على أفكار غرامشي لكان أصبح أمر إستيعاب علاقة المثقف بالحزب سهلاً، وهو أمر نتركه لفرصة أخرى، ولكن الذي يهمنا هو أن غرامشي كان أكثر من رائع عندما أستطاع تحديد وتعريف المثقف من خلال الوظيفية الإجتماعية والفكرية التي يمارسها للجماعة أو الحزب الذي ينتمي إليه. والإنتماء للحزب عند غرامشي ليس من خلال إرتباط المثقف بالحزب تنظيمياً وإنما من خلال الوظيفة التي يمارسها لها وقد حدد غرامشي هذه الوظيفة بـ " تبرير شرعية الجماعة ومحالة إشاعة وهيمنة ثقافتها على المجتمع". فمثل هذا المثقف يعبر عن مضمون وفكر الحزب وليس عن الحزب نفسه وقيادته لهذا يرى غرامشي بأنه عندما تحدث إنشقاقات في الحزب او قيادتها فإن مثل هذا الإنشقاق لا يسرى على المثقفين الممارسين لوظيفتهم الإجتماعية والفكرية بل يظل فكر الحزب قائما من دون أن يلحق المنشقين في قيادة الحزب. اليوم بقبوع أعضاء قيادة زوعا على الصفيح الساخن والتناطح القائم بينهم ويظهر كأنه هناك إنشقاق في زوعا، ولكن من الملاحظ لم ينبرئ أي واحد من المثقفين المعرفين بدعمهم ومساندتهم لزوعا أن يميل إلى هذا الإتجاه أو ذاك إلا المنتمين تنظيمياً إلى زوعا. لا بل هناك تأكيد ملموس بأن معظم هؤلاء المثقفين العضويين يعانون كثيراً ويحترقون هم بنيران هذا الصفيح الساخن أكثر من غيرهم خاصة من بعض الذين يقبعون على الصفيح الساخن مستمتعين برقصاتهم على لهيبه وهم يحترقون ولا يشعرون به. من خلال هذه العلاقة العضوية بين المثقف والحزب (زوعا) وبسبب تصلب مواقف بعض القياديين القابعين على الصفيح الساخن يرون في مواقف هذا المثقف العضوي تجاه زوعا.. زوعا الفكر والرسالة والنضال... مواقف إنتهازية وتوافقية ... لماذا؟ لأن هؤلاء تبنى سياستهم على المبدأ الفردي الدكتاتوري ذو البعد الواحد القائل "أما أنت معي أو ضدي".

كيف نفهم الإختلافات والإنتقادات في زوعا: 
==============================
اأكثر مما ذكرناه في أعلاه عن التمييز بين زوعا كرسالة وفكر ونضال وبين قيادتها، نجده أيضا في القياديين والكوادر المتقدمة السابقين والذين بقوا تنظيمياً خارج زوعا وظلوا وعلى الدوام مؤكدين ومصرين على "زوعيتهم" وحتى إلى عدم التفكير في اللجوء إلى تأسيس حزب آخر معارض لزوعا لا بل وحتى قائمتهم الإنتخابية لإنتخابات برلمان الأقليم والمعروفة بـ "أبناء النهرين" لا تدعي بأنها تمثل حزب بل تؤكد إرتباطها بزوعا ولكن منفصلة عن عناصر في قيادتها الحالية ومختلفة عن قائمتها الإنتخابية "الرافدين". فمعارضتهم وإنتقاداتهم قائمة على "رفض لقرارات المرجعية الإدارية وليس النضالية" لزوعا كما جاء في بيانهم عن مشاركتهم بقائمة مختلفة لإنتخابات برلمان الإقليم. وحتى القيادة الحالية لزوعا لم تتجراً إلى فصل أو توجيه عقوبات إلى القياديين الخارجين عنهم بسبب إنحرافهم الفكري والسياسي وإنما كان أساس هذه العقوبات مبني على سلوكهم الفردي ومعارضتهم الشخصية للقيادة الحالية. فالمعارضة تكون قائمة على الأشخاص القياديين وسلوكهم ولا يمكن أن تقوم على فكر الحزب ونضاله المعروف... أي أن العلة هنا تبقى وتنحصر في الأشخاص وليس في فكر زوعا. من هذا المنطلق يجب أن نفرق وبوضوح بين الحزب وفكره ونضاله وبين القابعين على رأس قيادته. فالحزب يصمد ويبقى ويتواصل في حين أن الإشخاص القياديين يهتزون وينقلبون ويزولون. أما إذا وضعوا أنفسهم مكان الحزب وشخصنوه فحينذاك سيتحول الحزب إلى عصبة أو دكان فيتم خصخصته ليملكها شخص أو شخصين وهذا أمر يجب على كل المهتمين بأحزابنا السياسية وقيادييها أن يدركوا هذه المعادلة وإلا فالتاريخ بالمرصاد لهم. هكذا نفهم زوعا وأعضاؤها القياديين بكشف الحقائق وتناولها بموضوعية وبفكر نقدي وليس بالمديح والنفاق والتطبيل لهم.
نحن أمة صغيرة تحمل أرثاً تاريخياً ثقيلاً جداً و تتعايش مع واقع صعب للغاية، ولكن من جهة أخرى نحن أمة بسيطة في تفكيرها وتطلعاتها الطموحة وبالتالي فأن الإختلافات والتناقضات الفكرية والقومية تكون بسيطة بين أبناء الأمة وتنحصر هذه التناقضات في مصدرها ألأساسي وهي الكنيسة والطائفة وربما أيضا العشيرة والقرية، وهو الموضوع الذي لا يعنينا كثيرا في موضوعنا هذا رغم أهميته وخطورته على الفكر القومي. أي بعبارة أخرى نقول بأن جميع الأحزاب والتنظيمات التابعة لأمتنا تجمعهم تقريباً نفس الأفكار ولا توجد بينهم خلافات أو تناقضات فكرية أو أديولوجية، وما بينهم إلا بعض الخلافات قد تكون فردية أو فرضتها بعض الظروف أثناء الممارسة السياسية. والحالة هذه تنطبق أيضا على الجانب الداخلي لتنظيمات أمتنا. فكل الإنشقاقات التي حدثت في هذه التنظيمات لم تكن لإسباب فكرية وأيديولوجية بل في أغلبها كانت شخصية أو مبنية على مواقف سياسية معينة مرتبطة بمرحلة زمنية معينة. وزوعا مثالا على ذلك، إذ لا يوجد بين أعضاء القيادة أو بين القاعدة  خلافات أو تناقضات فكرية او أديولوجية. فقد أثبتت السنوات الماضية، خاصة قبل سقوط الصنم عام 2003. بأن قيادة زوعا وبحنكة وتفكير عميق استطاعت أن تتجاوز مراحلة صعبة وشاقة ووقوفها بكل ذكاء وفطنة على مسافة واحدة مع مختلف القوى الوطنية العراقية وتوصلها إلى إتفاقات وتحالفات رغم الإختلافات الفكرية معهم. ويبقى مبادرة وإسناد زوعا للتعليم السرياني في وطننا الحبيب أعظم إنجاز حققته لحد هذا اليوم ولا يجاريه أي أنجاز آخر ربما حتى للسنوات القادمة. لهذا السبب لم نرى في زوعا إنشقاقات فكرية و أيديولوجية وخروج أو طرد بعض من أعضاء قيادتها ومن ثم تشكيلهم لحزب أو تنظيم آخر منافس أو معادي لزوعا وإن كان "نفر" أو "نفران" من هؤلاء قد لجئوا إلى أعلان تشكيل مثل هذا التنظيم، كما كان الحال قبل سنوات عديدة مع ما كان يسمى بـ "الحركة الديمقراطية الآشورية – التيار الوطني" فأنه سرعان ما تلاشى ولم يظهر على الساحة القومية لأنه لم يكن لتنظيمهم أي أساس فكري بل كل ما كان هناك هو إختلافات شخصية مع قيادة زوعا الشرعية ولم تكن فكرية إطلاقاً، وهو الحال الذي ينطبق على بعض الأفراد سواء الذين كانوا في مراكز قيادية عليا أو أقل والذين تركوا زوعا وبدأوا بهجوم عنيف ونقد على القيادة الشرعية لزوعا ولكن مع هذا كان مصير هؤلاء إما الرجوع إلى تنظيمات زوعا مرة أخرى أو إنزوائهم في زوايا منسية في مجتمعنا. فعلى هذا الأساس نؤكد القول بأن كل الإنتقادات والخلافات ليست فكرية بل شخصية وقد تكون بعضها على إختلاف مواقف تجاه سياسة معينة أو قرار سياسي يستوجب إتخاذه من قبل القيادة ولكن لم تشكل في حينها أية خطورة أو وضع يؤدي إلى إنشقاق في زوعا. ولكن من جانب آخر نقول: أن التراكمات الكمية لا محال ستؤدي إلى تغييرات نوعية كما هو معروف في الفكر الفلسفي، لذا يستوجب الحذر المضاعف ومعالجة مثل هذه الأوضاع وحيلولتها من دون إستمرارها لفترة زمنية طويلة لأن ذلك سوف تشكل خطورة إذا أستمرت وتواصلت وتداخلت مع إختلافات أخرى إذا لم تحل بالطرق الموضوعية والممارسات الديمقراطية، وقد تتطور هذه الإختلافات وترتقي إلى خلافات وتناقضات وتصل إلى حدود الإنشقاقات وتأسيس أكثر من زوعا واحد أو إلى إنفراد فرد أو أكثر بالسلطة في القيادة والذي سيكون حتماً عاملاً خطيرا في تعثر مسيرة زوعا والوصول إلى نتائج لا تحمد عواقبها. ولا حل لمثل هذه المعضلة إلا بالأسلوب السحري المعروف بـ "الديمقراطية".   
زوعا والإنتخابات الديمقراطية:
====================
كان هناك عدة أسباب وراء إستمرار نضال زوعا بالشكل القويم وبالتالي نجاحها في تحقيق بعض من الأهداف المهمة لأمتنا خاصة قبل سقوط الصنم عام 2003، والتي جعلها في مطاف الحركات القومية الأصيلة، وأهم هذه العوامل التي تهمنا هو الأسلوب الديموقراطي الذي كانت تتبعه في الإنتخابات والقيادة الجماعية. إن أهم ما تتمتع وتتميز به الحركة الديمقراطية الأشورية منذ تأسيسها هو وجود قيادة جماعية ومدركة للتطورات السياسية والأجتماعية وفاعلة على الساحتين الوطنية والقومية وتأتي الإنتخابات الديمقراطية الفريدة من نوعها التي تمارس أثناء جلسات المؤتمر العام لزوعا في قمة المصادر التي تستمد منها هذه القيادة شرعيتها. ومن المؤكد بأن زوال أو ضعف أو أنحراف أو تشوه هذا العامل المهم الذي تتصف به زوعا سوف يؤدي إلى فقدان أو ضعف شرعية إنتخاب القيادة الجماعية وبفقدان هذه الشرعية أو ضعفها فأنه لا محال سوف تتعثر وتصبح تراوغ في مكانها ويصيبها الشلل والإنفصام عن أبناء الأمة وتطلعاتها القومية والوطنية وبالتالي الفشل والزوال... وهو اليوم الذي لا يتمناه أي من أبناء أمتنا الشرفاء والمهتمين بشؤون الأمة وبتحقيق طموحاتها القومية والوطنية.
لقد سبق وأن كتبنا عن موضوع االقيادة الجماعية لزوعا وكتبنا مقترحين ذلك لقيادة زوعا نفسها، ولا نريد التكرار هنا ولكن الذي نعنيه من القيادة الجماعية هو صنع القرار من قبل أكثرية أعضاء اللجنة القيادية وإذا أتخذ القرار من قبل عضو قيادي واحد فقط أو من يدور في فلكنه فإن ذلك هو بعينه الدكتاتورية ومصيرها المهلك معروف في تاريخ الشعوب. ولكن في كثير من الحالات تخول اللجنة القيادية أو المؤتمر العام عضواً واحداً أو أكثر لغرض تسيير القرارات وتنفيذها بمرونة وبسهولة أكثر وهذا هو الحال في معظم التنظيمات والأحزاب السياسية والحال نفسه مع زوعا واللجنة المركزية ومكتبها السياسي وسكرتيرها العام، إذ تكتسب القيادة في زوعا وسكرتيرها العام شرعيتها من الإنتخابات الحرة للمؤتمر العام المتشكل من المندوبين المنتخبين أيضا ديموقراطياً من قبل قواعد الحزب، وليس هنا أي شك في نزاهة هذه الإنتخابات مهما كانت الحملات الإنتخابية المستخدمة في الإنتخابات العامة فهي وسائل مشروعة ومعروفة على المستوى العالمي. لقد سبق وأن بينًا في مناسبات سابقة بأن إستمرار القيادة أو سكرتيرها العام لفترات زمنية طويلة قد يكون لها عواقب وخيمة على الحزب  الذي يقوده رغم الخبرات المهمة التي تكتسب ولكن من جانب آخر قد يكون لها إنعكاسات سلبية تنعكس في ظاهرة خلق "الزعيم الأوحد" او "القائد المهلم" أو الكاريزما. والكاريزماتية صورة من صور إرتباط الحزب بشخص القائد أو من يلف حوله فيتحول الأثنان، الحزب والقائد، إلى هيئة واحدة يرتبط وجود الحزب بوجود القائد وهي أخطر المراحل التي ستؤدي بالحتم في حالة إستمرارها إلى دمار الحزب وفناءه بعد تحوله إلى عصبة متكونة من  زعيم مع بعض من أنصاره المنتفعين من الوضع. لهذا السبب فإن حصر مدة تولي شخص أو مجموعة أشخاص لقيادة الحزب أو الحكومة ببضعة سنوات أمر مهم في الإستمرار والتواصل ويجعل من تناوب القيادة والسلطة شكلا مهما من أشكال الديموقراطية النزيهة.
إضافة إلى تربع القيادة أو الزعيم لفترات طويلة على كرسي القيادة كعامل في خلق ظاهرة الزعيم الأوحد أو الدكتاتور فإن لأسلوب إنتخاب القائد أو قيادة الحزب أمر آخر يساعد على خلق هذه الظاهرة. والحركة الديموقراطية الآشورية ليست مستثناة من هذا الإحتمال. فلو أخذنا موضوع أنتخاب السكرتير العام لأي حزب نرى وبشكل عام هناك طريقتان لإنتخابه، الأول: أما أن يكون عن طريق المؤتمر العام مباشرة، أو ثانيا: عن طريق اللجنة المركزية المنتخبة. فالأسلوب الأول يجعل السكرتير العام الرجل الأول ويتمتع بصلاحيات واسعة قد تغريه وتدفعه لتجاوزها لأن المانع الوحيد لمثل هذا التجاوز أو إعفاءه من مسؤولياته هو المؤتمر العام ونحن نعرف مدى إشكاليات وتعقيدات إنعقاد مثل هذا المؤتمر والفترة الزمنية المطلوبة وإمكانية السكرتير العام في التلاعب بأسلوب أو إجراءات إنتخاب المندوبين للمؤتمر العام والتأثير عليهم خلال هذه الفترة الزمنية سواء بالترغيب أو الترهيب. صحيح هناك أحزاب وأيضا دول كثيرة يتم أنتخاب زعيمهم بالطريقة المباشرة من المؤتمر العام أو من الشعب ويتمتع بصلاحيات واسعة إلا أنه بالمقابل هناك هيئات رقابية وكابحة ومؤثرة وسلسة في كبح تجاوزات الزعيم أو الرئيس وهذا ما نشاهده في معظم الدول الديموقراطية وأحزابها السياسية. أما الأسلوب الثاني في إنتخاب القائد أو الزعيم أو السكرتير العام ومن قبل اللجنة المركزية أو اللجان الإنتخابية الخاصة فصلاحيات القائد أو الزعيم تكون محددة ومراقبة من قبل اللجنة المركزية، في حالة الأحزاب السياسية، ولها صلاحيات لكبح تجاوزات السكرتير العام وربما إعفاءه من مسؤولياته.
لقد كانت زوعا في ما مضى تأخذ وحسب نظامها الداخلي بالأسلوب الثاني في إنتخابات السكرتير العام، أي كان ينتخب من قبل اللجنة المركزية المنتخبة لا بل وكانت لفترات محددة، لدورتين متتاليتن فحسب، ولكن في السنوات الأخيرة ألغيت هذه المادة والمواد المتعلقة بها في النظام الداخلي وحلت محلها مادة ... أعتقد هي المادة 14... تنص على إنتخاب السكرتير العام من قبل المؤتمر العام ولفترات غير محدودة مقلداً بذلك معظم الأحزاب العراقية التي يملكها قادتها أو زعمائها كما يملكون بيتاً يقبعون فيه ويورثونه لأبناءهم أو أقاربهم، أو دكانا يبيعون منه كلاماً منمقاً ومعسولاً في الديموقراطية والشفافية والتعددية وغيرها من الأكاذيب التي يمتلئ بها قاموس العراق السياسي في أيامنا هذه. ففي مثل هذه الحالات فأن كل التبريرات لتجاوز الصلاحيات والتمادي في إستغلال المنصب لأجل منافع شخصية ومحاولة تغطيتها بأنها قرارات الأكثرية وإن الديموقراطية كان أسلوب أصدار قرارات الحزب تكون غير مقنعة لجماهير الحزب طالما العاملين المذكورين في أعلاه: الفترة الزمنية الطويلة لبقاء القائد في مركزه وأسلوب الإنتخاب المباشر ومن دون كوابح، تشكل أرضية لخلق ظاهرة الزعيم الأوحد والتفرد بالقرارات المنصبة في المصلحة الشخصية لفرد أو مجموعة صغيرة وليس لمصحلة الحزب الحقيقية الممثلة لمصلحة الأمة نفسها. واليوم ما نراه في زوعا وهي قابعة على صفيح ساخن هو أمر ليس بعيد عن هذه الظاهرة المخيبة لأمال أبناء أمتنا... فهل من حل؟؟
         
دعوة... فهل من مستجاب؟:
================
لقد سبق وأن قدمنا بعض المقترحات المبنية على النقد البناء بهذا الشأن وبشكل مباشر إلى معظم قيادي زوعا ولكن يظهر بأن الطريق الوحيد لها كان سلة المهملات "زبالة". ومع هذا فقد قبضنا ثمناً جيداً بالمقابل تمثل في حزمة من الأهانات والتجريح الشخصي أن لم تكن صادرة من بعض قيادي زوعا فأنه كان بالتأكيد من أشخاص مقنعين بأقنعة قذرة سوداء وبأسماء مستعارة نشم منهم رائحة علاقة  مع بعض هؤلاء القياديين أو المتملقين لزوعا. ومهما يكن فإن خشيتنا وإهتمامنا بمصير زوعا وببقية أحزابنا السياسية المناضلة لا يمنعنا أن نسير قدماً ونستمر في بيان رأينا وملاحظاتنا ومقترحاتنا وإنتقاداتنا الصافية والخالية من أي مصلحة شخصية أو نفعية فردية. وقد تمنعنا حدود الأخلاق السياسية القومية والأساليب الأدبية النزيهة من كشف وبيان بعض الإنتقادات والمقترحات المقدمة لزوعا رغم أن مثل هذه الحدود قد بدأت في الأونة الأخيرة بالتخلخل وضعف أصولها وثوابتها المعروفة في قيادة الأحزاب السياسية خاصة فيما يتعلق بتسرب القرارات والإجراءات الداخلية لللجنة المركزية لزوعا إلى خارجها حيث بمجرد إقرارها نجدها بعد ساعة أو أقل على المواقع الألكترونية وهذا أمر في غاية الخطورة لأنه يدل في بعض من جوانبه ضعف التنظيم وعدم تماسك القيادة، وهذا ما أثبتته الأيام القليلة الماضية والحالية.
هناك الكثير من أبناء أمتنا الخيرين الذين يخشون ويهتمون بمصير زوعا ولا يرغبون إطلاقاً أن يروا هذا التنظيم القومي الأصيل يحترق على الصفيح الساخن فبادروا بمبادرات نبيلة إلا أنه يظهر بأنها لم تفلح كما أن ألتصاق بعض أعضاء القيادة والكوادر السابقة والحالية بـ "زوعيتهم" الصميمي جعلهم أن يقدموا مقترحات أو مشاريع للم الشمل وإعادة اللحمة إلى قيادة زوعا ولكن يظهر بأنها لاقت نفس المصير. فلوا أتاح لنا تحليلنا مجالاً للبحث عن سبب فشل مثل هذه المشاريع في لم الشمل لوجدناها في سببين: الأول: إصرار كل طرف على مواقفه والتمسك بالأفكار والمواقف التي وضعته في خانة مختلفة ومتناقضة عن الآخر. والثاني: إمتلاء حقيبة كل طرف بشروط مسبقة نشم منها رائحة إقصاء الآخر ونبذه وتخوينه بحيث يصبح محالاً على الطرف الآخر قبولها. وربما يكون هناك سبب ثالث  في أن مثل هذه التوجهات في لم الشمل والجلوس للتباحث في أمر إعادة لحمة قيادة زوعا إلى سابق عهدها المعروف في التفاهم والتكاتف تأتي أو أتت من جهة او طرف هو يمثل أو يشكل جانباً من اطراف النزاع ومثل هذا الأمر يخلق شكوك عند الآخر يصعب قبوله لمثل هذه الدعوات. من هنا ومن أجل تحقيق نتائج مثمرة من مثل هذه الدعوات وإستجابة الأطراف يجب قلب الأسباب أعلاه رأساً على عقب، أي:
1.   أن تأتي مثل هذه الدعوة من أشخاص لا علاقة لهم تنظيمياً بزوعا وتحديداً المثقفين العضويين الذين سبق الحديث عنهم لأن هؤلاء كما هو معروف لهم مكانتهم الخاصة والمحترمة لدى جميع أطراف قيادة زوعا وليس لهم أية مصلحة في هذا غير إستمرار زوعا على مسيرته المعروفة في النضال من أجل هذه الأمة والخشية من أنحرافها عن هذه المسيرة وعلى أن يتم الإشراف والإدارة لهذا اللقاء أو الإجتماع من قبلهم ومن دون تدخل الأطراف المتنازعة.
2.   على كل طرف من أطراف القابعين على الصفيح الساخن أن يأتوا إلى الإجتماع أو اللقاء وحقيبة مطالبهم وشروطهم فارغة بالتمام والكمال ولا في قلوبهم وعقلهم ووجدانهم وضميرهم إلا الوصول إلى خريطة طريق يحددون عليها محطات لتنظيم دعوة لعقد مؤتمر عام وطريقة إنتخاب اللجنة المركزية ومكتبها السياسي وبالأخص أسلوب إنتخاب السكرتير العام كما سبق وأن بيناه في أعلاه، ولا ضرر في أن تكون مثل هذه الإجراءات لفترة إنتقالية محددة.

قد يبدو للبعض بأن الإستحالة والرفض لهذه الدعوة من قبل المتنفعين من الوضع الحالي لزوعا امر مؤكد منه فلماذا هذه الثرثرة والتفلسف في هذا المسألة التي كادت أن تحترق؟؟ وقد يكون جانباً لهذا التساؤل صحيحاً ويستمد منطقيته من الواقع المؤلم والخلافات العميقة التي تصل بضعها إلى العداء الشخصي بين قيادي وكوادر زوعا، ولكن من جانب آخر أنها دعوة نابعة من ضمير كل المثقفين المعرفين بإخلاصهم ووفاءهم لزوعا وتضع القياديين لزوعا القابعين على الصفيح الساخن على المحك الفاصل بين حبهم وإخلاصهم وإنتماؤهم الضميري إلى زوعا وبين إستماتتهم لمنافعهم الشخصية الناتجة من الوضع القائم لزوعا. فبين الإستجابة والرفض لهذه الدعوة النبيلة ومن خلال هذا الموقع الكريم – عنكاوة دوت كوم – وليس من خلال كتب – سري للغاية -  سوف يعرف أبناء أمتنا حقيقة ونوايا زعماء زوعا بمختلف أطيافهم وسوف يعرفون مدى حبهم وإخلاصهم بالحق والحقيقة وبالفعل والممارسة لهذه الأمة من خلال ردودهم على مثل هذه الدعوات النبيلة.     

وأخيرا:
=========
لم يبقى إلا أن نقول:

شلاما وإبتسامة إلى زوعا الأصيل الذي عرفناه منذ ولادته ومن خلال دماء الشهداء الخالدين يوسف ويوبرت ويوخنا وفرنسيس شابو وغيرهم كثر،  وليس من خلال كراسي الحكومة والبرلمان والجلوس على الصفيح الساخن.


 


 (صورة من حمورابي فوتوغرافي – إستراليا)




231
لماذا السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري ؟
=================================
أبرم شبيرا

يتساءل البعض لماذا  تم اختيار مذبحة سميل لعام 1933 لتكون يوماً للشهيد الآشوري في الوقت الذي هناك مئات الآلاف من الشهداء الآشوريين منذ قرون طويلة وهناك ضحايا الحرب والتشرد والفواجع أثرت وبعمق على الآشوريين سواء من حيث الكم أو الكيف وأثرت في نفسيتهم إلى درجة كبيرة خاصة أحداث الحرب العالمية الأولى وما سبقتها من مذابح وما أعقبتها من تشرد وفواجع. وهذا صحيح لا أحد يستطيع أن ينكر بأن التاريخ الآشوري زاخر بدماء شهداء المذابح التي أرتكبت بحقهم منذ قرون طويلة. لقد سبق أن نشرنا في عام 1994  كراساً عن هذا الموضوع وبينًا أسباب أو العوامل التي أدت إلى أن يكون السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري وذكرنا فيها  بأنه كان يجب اختيار تاريخ معين ليوم الشهيد الآشوري وكان يجب أيضا أن يأتي هذا الاختيار بسبب جملة عوامل. ولكن بادئ ذي بدء الإشارة تستوجب للإشادة والتقدير للدور الكبير الذي لعبه الاتحاد الآشوري العالمي (AUA) في إقرار هذا اليوم ضمن قراراته في مؤتمر طهران عام 1970 والذي اصبح منذ عهده يوماً قومياً لجميع الآشوريين ورمزاً من رموز صمود وإصرار النضال الآشوري، وهذا القرار إلى جانب القرارات الأخرى التي أقرت المناسبات القومية الأخرى تعتبر من اعظم الإنجازات التي حققها الاتحاد الآشوري العالمي فقد كانت قرارات قومية وذكية جداً يستحق عنها التقدير الكبير. ومنذ تلك الفترة وبتصاعد الوعي القومي الآشوري توالت الاحتفالات بهذه المناسبة، خاصة من قبل الأحزاب السياسية والمنظمات القومية والأندية الإجتماعية لا بل وحتى الكنيسة بدأت تحتفل بهذا اليوم بإقامة قداديس خاصة بهذه  المناسبة  وحسناً فعلت بأدراج السابع من آب كيوم للشهيد الآشوري في تقويمها السنوي.

وإستجابة لهذا التساؤل وتعميماً للفائدة نذكر بعض من هذه العوامل وهي:

1 – العلم والشعار والنشيد الوطني ونصب الجندي المجهول وأبطال التاريخ القومي والأعياد القومية والمناسبات التراثية وغيرها، كلها رموز قومية لكل أمة من الأمم اكتمل وعيها السياسي والقومي، فالسابع من آب يوم الشهيد الآشوري يأتي ضمن هذا السياق كرمز قومي آشوري فرضته ظروف نضج الوعي السياسي القومي الآشوري وحاجة الأمة إلى هذا الرمز لإبراز هويتها القومية وأهمية الحفاظ على هذه الهوية من خلال التضحية والفداء بالدماء الزكية الطاهرة لأبناء أمتنا الآشورية .
2 – السابع من آب والمذبحة المأساوية في سميل عام 1933 هو تاريخ معاصر وقريب إلى أحداثنا القومية والسياسية المعاصرة وإلى المأساة الناجمة عن الممارسات العنصرية والشوفينية ضد الآشوريين في السنوات الأخيرة وإلى يومنا هذا. إضافة إلى ذلك فإن الكثير من أبطال الحركة القومية الآشورية عام 1933 كانوا ولا يزالون لوقت قريب أحياء يرزقون، كما أن هناك شهود عيان لمذبحة سميل لا يزال الكثير منهم يعاصرون أحداث أيامنا هذه.
3 – لأول مرة في التاريخ الآشوري تتخذ الحركة القومية عام 1933 نهجاً اكثر تمييزاً واستقلالاً من حيث الشكل والمضمون عن نهج الكنيسة والدين وإن كانت في بعض جوانبها، سيما من حيث القيادة والتنظيم ( الديني – العشائري ) لها مظاهر دينية وعشائرية، إلا إنها من حيث المضمون وضمن سياقها الزمني كانت تسعى إلى تحقيق أهداف قومية تتعلق بحق الآشوريين في تقرير مصيرهم القومي .
4 – خلال أربعة قرون الماضية من تاريخنا المعاصر نشأت أحزاب سياسية ومنظمات قومية أولت أهمية للتاريخ السياسي للآشوريين الزاخر بالبطولات والتضحيات من أجل تحقيق الأهداف القومية المشروعة فكان من الطبيعي جداً، كما هو الحال مع بقية الأحزاب السياسية للقوميات الأخرى، الاستناد إلى أحداث تاريخية تتخذ منها دروس قومية لشحذ همم الآشوريين وتطوير وعيهم القومي بشكل ينسجم مع تطلعات الأمة الآشورية. فكانت أحداث الحركة القومية الآشورية والمذبحة التي أرتكبت بحق الآشوريين في سميل ملهمة لأبناء أمتنا في استمرار وتواصل النضال القومي، فأصبح السابع من أب رمزاً من رموز التضحية والفداء عند الشعب الآشوري ومنظماته وأحزابه السياسية.
5 – وفرة وتعدد المصادر والكتب والوثائق عن الحركة القومية الآشورية عام 1933 والمذبحة التي رافقتها وباللغات التي يجيدها الآشوريون كالآشورية/السريانية والإنكليزية والعربية والفارسية، وسهولة الرجوع إليها واغتراف مضامينها التاريخية والسياسية وأبعادها القومية والإنسانية واستلهام معانيها النبيلة في الاستشهاد في سبيل الحرية لتساهم بدورها في إنماء وتطوير الوعي القومي الآشوري وبالتالي إضفاء أهمية استثنائية لمعنى الفداء والتضحية بالدماء في مسيرة التحرر القومي الآشوري. ومن الجدير بالذكر في هذا الشأن كتاب ماليك ياقو ماليك إسماعيل " لآشوريون والحربان العالميتان" وكتاب يوسف مالك "خيانة بريطانيا للآشوريين" وكتاب مثلث الرحمات البطريرك مار شمعون إيشاي "مأساة الآشوريين" والمنشور باسم مؤلف مجهول، فهذه الكتب سلطت أضواء مكثفة على تفاصيل الحركة القومية الآشورية عام 1933 والمذبحة التي رافقتها والتي كتبت بنوع يتسمها نسمات من الروح الآشورية، لذلك كان تأثيرها واضحاً في نفسية الآشوريين والذين تمكنوا من خلالها استخلاص العبر والدروس القومية وبالتالي المساهمة في إنماء وتطوير الوعي القومي السياسي للآشوريين في عصرنا الحالي. وتأتي أهمية هذه الكتب في كونها كتبت من قبل رجال عاصروا الحركة الآشورية وواصلوا النضال لفترات لاحقة واحتلوا مواقع قيادية فيها، فجاءت كصورة حقيقة ناطقة عن الضمير الآشوري الذي ذبح في سميل .
6- مأساوية مذبحة سميل ودراماتيكية أحداثها الدموية وتأثيرها بشكل عميق على نفسية الفرد الآشوري وعلى الأجيال اللاحقة من جهة، وانعكاساتها السلبية في البنية الفكرية العراقية والترسبات التي خلقت في عقلية رجال الحكم في العراق من جهة أخرى، ترتب على ذلك تبعيات سياسية وقانونية سلبية على الآشوريين، كموضوع الحصول على الجنسية العراقية مثلاً والمواقف السلبية للأنظمة المتعاقبة على السلطة في العراق تجاه الآشوريين وفي توجيه مختلف التهم والشتائم اليهم وفي اعتبارهم مجرد "عملاء أو جواسيس أن طابور الخامس للاستعمار الانكليزي"، فكان مثل هذه الممارسات السياسية والقانونية تجاه الآشوريين سبباً في خلق ردود فعل لهذا الحدث في نفسية أفراد المجتمع الآشوري لتفرز فيما بعد نوع من التمايز القومي والوطني والذي كان له أثراً كبيراً في تنامي الوعي القومي السياسي لدى الآشوريين.

هذه بعض الأسباب التي دفعت بالحركة القومية الآشورية عام 1933 والمذبحة التي رافقتها في سميل إلى مصاف الأعياد القومية لدى الآشوريين جمعاء وان يصبح السابع من آب مناسبة تتكلل حولها أرواح الشهداء الآشوريين جميعاً سواء أكانوا قبل هذه الحادثة أم بعدها، وهذا ما يمكن تلمسه أيضا من خلال القصائد والكلمات التي تلقى في هذه المناسبة حيث يكثر الحديث عن مار شمعون بارصباي ومار بنيامين وشهداء الحرب الكونية الأولى وأعوام سيفو ثم يكثر الحديث المبجل عن شهداء الأجيال المعاصرة الذين ودعنا أجسادهم في الأمس القريب واحتفظنا بأرواحهم وذكرياتهم في اجمل زوايا قلوبنا نستمد منهم العبر القومية والإنسانية في تسطير تاريخ أمتنا  في إصحاح يعتبر من اجمل إصحاحات التاريخ الآشوري ليكون بذلك وبحق رمزاً لخلود الأمة، ذلك الخلود الذي كان ثمنه دماء شبابنا الزكية وأرواحهم الطاهرة من أجل أن نستمر نحن في هذا العالم وأن يستمر أطفالنا في عالم الغد. فالسابع من آب يوم خالد، ويجب أن يكون كذلك لكل الآشوريين ولكل مؤسساتهم الدينية والقومية معاً لأنه واجب قومي وديني وإنساني لكل من تعمذ بروح القدس وأستحق أن يكون وريث الحضارة العظيمة التي أعطت للإنسانية كثير الكثير ولم يأخذ أبناؤها حتى قليل القليل!!!


232
بمناسبة الذكرى ألـ (80) ليوم الشهيد الآشوري
=========================================
كيف نفهم الاستشهاد عند الآشـوريين ؟
                                                                                                                                  أبرم شبيرا
توطئة:
هذا الموضوع هو جزء من الموضوع السابق ومكمل له ومستنبط منه الأسلوب أو المنهج في بحث ظاهرة الإستشهاد عند الآشوريين. وهنا نعيد ونكرر بأن التسمية الآشورية الطاغية على هذا الموضوع فرضته الضرورة التاريخية والموضوعية التي لا تتصادم مع التسميات التي تسمت بها أمتنا عبر تاريخها الطويل. كما سيلاحظ القارئ اللبيب طغيان الجانب الروحي والمعنوي عليه والمستمد من النسمة القومية التي أطلقنا عليها في الموضوع السابق بـ "روح الأمة". فإعتمادنا على النهج المعنوي في هذا الموضوع ليس القصد منه إلا إعطاء صورة أو هالة من القدسية لهذا اليوم الخالد لدى الفرد الآشوري.   

من هو الشهيد الآشوري؟:
الأمر المحير للمتابع في تاريخ الآشوريين هو كثرة ظاهرة الاستشهاد عند الآشوريين والمؤمنين بكنستهم المشرقية منذ أقدم الأزمنة، في الوقت الذي لم يكن لهم من ماديات الحياة شيئاً كما لم يكن لهم كيان سياسي خاص معبر عن روحيتهم ونفسيتهم ومعتقدهم يستحق الاستشهاد كسبيل للدفاع عنه أو تخليصه من الكوارث والفواجع. إذن ما هي العوامل أو الأسباب التي أودت بالآشوريين ودفعتهم  نحو الاستشهاد. وما هو الشيء الذي يستحق مثل هذه التضحية العظيمة ؟؟ . الإجابة لمثل هذه الاستفهامات التي لانهاية لها تبدأ قبل كل شيء عندما نعرف بأن معنى الاستشهاد هو التضحية بالحياة أو الموت في سبيل المعتقد أو المبدأ سواء أكان المعتقد أو المبدأ دينياً أو قومياً، فالأشوري الذي قتل في سبيل مبادئه الآشورية فهو شهيداً آشورياً ولكن الآشوري المنتمي إلى مثلاً الحزب الشيوعي العراقي وقتل في سبيل مبادئه الشيوعية فهو ليس شهيداً آشورياً وإنما شهيداً شيوعياً ونفس الحال بالنسبة للآشوري المنتمي إلى حزب كردي فإذا قتل في سبيل مبادئ حزبه الكردي فهو شهيداً كردياً وليس آشوريا. وأبناء أمتنا المؤمنين بمسيحيتهم وبكنيستهم واللذين قتلوا هم شهداء الكنيسة والأمة أيضا لأن في الأزمنة الغابرة كان الدين معياراً لتحديد إنتماء الفرد فكان من المستحيل الفصل بين كنيسة المشرق والأمة الآشورية فكلاهما مرتبطان إرتباطاً عضوياً لا إنفصال بينهما.

 من هذا المنطلق المبدئي، فأن الموت أو التضحية بالحياة في سبيل أشياء مادية لا يمكن اعتباره استشهاداً، أي بعبارة أخرى، لكي نفهم المعنى الحقيقي للاستشهاد  يتطلب وجود معتقد أو مبدأ وحتى ندرك مغزى هذا الأخير يتطلب أيضا معرفة العوامل أو الأسباب التي تدفع الفرد أو أبناء الأمة إلى التضحية في سبيل ذلك المبدأ أو التمسك به والدفاع عنه حتى الموت. فمن خلال هذه العوامل يفهم أهمية المبدأ وقوته وعمق تأثيره في نفسية  الأمة والذي استوجب ترخيص أرواح أبناؤها من اجله. وعلى العموم ومن عجالة استقراء تاريخ الآشوريين وكنيستهم المشرقية يمكن أن نستخلص منه بعض العوامل التي كانت السبب في اندفاع الآشوريين نحو الاستشهاد وهي :

1 ـ قوة الإيمان بالمبــدأ والمعتقد :
يشكل المبدأ أو المعتقد جوهر وأساس موضوع الاستشهاد، وبمدى قوة إيمان الفرد بالمبدأ بمدى ذلك يظهر استعداده للتضحية في سبيل الحفاظ عليه والدفاع عنه. هناك عاملان أساسيان يلعبان دوراً رئيسياً في مدى قوة الإيمان بالمبادئ والمعتقدات:
الأول : مصادر المبدأ والمعتقد :  إن  كل مبدأ أو معتقد لأمة معينة ينشأ من منابع معينة. فقوة أو أهمية هذه المنابع أو المصادر تنعكس في قوة المبدأ والإيمان به . فبالنسبة لمبادئ أو معتقدات الأمة الآشورية نشأت من مصدرين، الأول هو الحضارة الآشورية وبكل ما تعنيه كلمة الحضارة من سعة لها امتدادات فكرية وسياسية واجتماعية ودينية وتراثية وحتى نفسيه وهي مسائل لا يستوجبها الإطناب والتفصيل، سواء هي بحد ذاتها وبإسهاماتها في الحضارة الإنسانية قاطبة أو باعتبارها الوريث الشرعي وحامي الحضارات التي سبقتها في بلاد ما بين النهرين، لأن الحضارة الآشورية معروفة للداني والقاصي وكانت المصدر أو الأساس الذي نشأ عليه العلم المعروف بـ (علم الآشوريات – Assyriology )،  أو وجود شعور أو هاجس نفسي لدى الآشوريين بانتمائهم الحضاري إلى هذه الحضارة والذي تواصل عبر قرون طويلة سواء من خلال اكتساب مقومات هذه الحضارة وممارستها أو من خلال الوعي بهذا الإنتماء في الفترات اللاحقة. أما المصدر الثاني فهو المسيحية وبالأخص كنيسة المشرق بكل معتقداتها وتعاليمها وعاداتها التي تتداخل وتندمج اندماجاً عضوياً لا بل وتتكامل أيضا مع الجوانب القومية والاجتماعية للآشوريين. وسـر قوة الإيمان بالمبادئ والمعتقدات المنبعثة من هذين المصدرين هو عضوية ترابط أحدهما بالآخر وتكامل بعضهما للبعض. فمن الأخطاء التاريخية التي زرعها اليهود عبر التوراة وغيرها من التقاليد العبرانية والتي تناقلتها الشعوب الأخرى بما فيهم بسطاء الآشوريين، هو وجود تناقض صارخ بين الحقبتين الآشورية والمسيحية وان الآشوريين كانوا وثنيين ويعبدون عدة آله وانهم بعد اعتناقهم المسيحية هجروا وأنكروا ماضيهم الوثني وحقروه .. وغيرها من الأكاذيب التي لعبت دورها في تخلف الفكر الآشوري القومي وجموده في الفترات اللاحقة.  في الوقت الذي لو تحلينا بقدر قليل من المناهج العلمية في دراسة علم التاريخ والاجتماع وجبلت بنسائم من الروح الآشورية لعرفنا على الفور مدى ترابط المسيحية مع الحضارة الآشورية وتوافقهما، وهي مسائل سبق شرحها في مناسبة سابقة، فالمهم هو أن قوة وعظمة الحضارة الآشورية بكل جوانبها المادية الواقعية مع قدسية وسمو الديانة المسيحية والتي أطرت بالنسبة للآشوريين في كنيستهم المشرقية وبكل جوانبها الروحية والمثالية شكلتا مصادر قوية وعميقة لمبادئ ومعتقدات الآشوريين والتي تقولبت في جملة من عوامل قومية ودينية من لغة وتقاليد وتاريخ ومعتقدات وسلوكيات ترسخت وبعمق في نفسيتهم وأصبحت جزء من وجودهم بحيث وصلت عند البعض منهم إلى درجة جعلت من الحياة لا معنى لها بدونها واصبح الاستشهاد في سبيلها خير من إنكارها. وهذا هو الذي يجعلنا أن نفهم مغزى الظاهرة التاريخية في الاستشهاد ليس عند كبار رجال الدين وزعماء الأمة فحسب بل حتى عند البسطاء منهم خاصة عند النساء والبنات الآشوريات عندما كانوا في أوقات المظالم والإضطهادات يرمون أنفسهن في الوديان والأنهر والانتحار وتفضيلهن الموت على اختطافهن وسبأهن من قبل الأعداء.

الثاني : قدم المبادئ والمعتقدات واستمرار تواصلها، فقدم الحضارة الآشورية يقارب خمسة آلاف سنة مضافاً إليها تداخل قدم الإيمان الآشوري بالمسيحية الذي يقارب أيضاً آلفي سنة وما يفرز هذا القدم من تراكمات في الذكريات والممارسات والعادات والأماني المشتركة واستمرار تواصلها لقرون طويلة رغم  الفواجع والمآسي، كلها عوامل ساهمت مساهمة مباشرة في ترسيخ المبادئ والمعتقدات التي أمن بها الآشوريون. وهناك تناسب طردي بين قدم المبادئ والمعتقدات واستمرار تواصلها وبين عمق الإيمان بها والتضحية في سبيلها. فليس من المنطق والمعقول أن يؤمن إنسان إيمانا عميقاً بمبدأ ظهر لتوه أو حديث المنشأ ويستحق التضحية بالحياة والاستشهاد في سبيله.  كما وان قدم المبادئ والمعتقدات تساهم أيضا في تعميق الإيمان بها والتضحية في سبيلها من خلال فرز حالة السوابق التاريخية عبر  تواصلها واستمرارها لفترات طويلة. والسوابق التاريخية لكل مجتمع تصبح له بمثابة أعراف وقوانين ملزمة يستوجب اتباعها، وهكذا كان الحال مع الآشوريين فيما يخص الاستشهاد في سبيل المبادئ والمعتقدات والذي أصبح من إحدى السوابق التاريخية المتبعة في أسلوب المحافظة وصيانة الذات وبكل ما يتجسد فيها من مبادئ ومعتقدات. فاستشهاد ربنا يسوع المسيح، له المجد، على الصليب من اجل خلاص الإنسان شكل نقطة ارتكاز في نفسية الآشوريين للانطلاق منها كسابقة تاريخية واقتفاء أثرها في الاستشهاد من اجل المبادئ والمعتقدات فهكذا كان الحال مع مار شمعون برصباي ومار قرداغ ومار بهنام وشقيقته ساره مروراً ببقية جحافل شهداء الكنيسة والأمة بما فيهم شهداء مجازر المجرم مير بدرخان ومن ثم شهداءالحرب العالمية الأولى وعلى رأسهم أمير الشهداء مار بنيامين ومار توما أودو وآشور يوسف بيت هربوت وبرصوم بيرلي وهكذا  نفس الحال مع شهداء مذبحة سميل 1933 ومذابح أذربيجان عام 1947 ومذبحة صوريا 1969 وصولاً  لشهداء الأجيال المعاصرة : يوسف توما ويوبرت بنيامين ويوخنا إيشو، الذين اقتفوا آثار اجدادهم في الاستشهاد وفضلوا مشانق نظام البعث الفاشي على التنازل عن مبادئهم ومعتقداتهم. هكذا فمن خلال استقراء مراحل تطور التاريخ الآشوري وعلاقته بالاستشهاد يظهر بأن طبيعة كل مرحلة من مراحل هذا التطور انعكست في نوعية الشهداء، فالمرحلة المسيحية أعطت شهداء من رجال الدين مثلما أعطت مرحلة نضوج الحركة القومية الآشورية شهداء من رجال علمانيين، وهذا ما يؤكد ترابط وتواصل جميع مراحل تطور المجتمع الاشوري وبأشكاله المختلفة. وأخيرا بقى أن نقول بأنه ليس المقصود بقدم وتواصل الحضارة الآشورية والديانة المسيحية هما نفسهما استمرا كما كانا في السابق وحتى اليوم، فالمقصود بذلك هو استمرارهما وبأشكال مختلفة بما فيها أشكالها المعنوية والروحية التي تكون الإطار العام لما سميناه في السابق بالروح الآشورية ، فيكفي في هذا الصدد أن يشعر الفرد بانتمائه لهذه الحضارة وأيمانه بالمعتقد المسيحي ليتحقق التواصل والاستمرار.

2 – عمـق التناقضـات :
على الرغم من كون قوة إيمان الفرد بالمبدأ يشكل العامل الأساسي في استعداده للتضحية والاستشهاد في سبيله فانه إلى جانب ذلك هناك عامل آخر يرتبط به وهو عمق تناقض هذا المبدأ مع المبادئ والمعتقدات الأخرى المختلفةعنه والمحيطة به والتي تعايشت معها عبر تاريخ طويل. فمن المعروف أنه بعد سقوط الإمبراطورية الآشورية عاش الآشوريون تحت ظل أنظمة سياسية وبين شعوب مختلفة عنهم اختلافاً حضارياً ودينياً وتاريخياً واجتماعياً وفكرياً وحتى نفسياً وسياسياً شكلت صعوبة التوافق بينهم إلى بروز تناقضات عميقة لم يكن من السهل حلها أو التوفيق بينها أو الوصول إلى تسويات مرضية تتوافق مع معتقداتهم . فالمجوسية وعبادة النار والشمس، على سبيل المثال، كديانة كانت سائدة في الإمبراطورية الفارسية كانت في تناقض صارخ مع معتقدات البطريرك مار شمعون بارصباي وعمق إيمانه المسيحي لذلك أسلم رأسه لسيف الملك شاهبور الثاني في الربع الأول من القرن الميلادي الرابع من دون أن يتنازل عن معتقداته وإيمانه. وهو نفس الحال، ولكن بأشكال مختلفة باختلاف العصور فيما يخص ماليك إسماعيل (الأول)، زعيم عشيرة تيارى العليا عندما فتح صدره وهو أسيراً ومثخن بجراح أمام سيف المجرم مير بدرخان في منتصف القرن التاسع عشر ويستشهد من دون أن يتنازل عن معتقده ويحقق مطلب هذا المجرم في تخلي ماليك إسماعيل عن دينه المسيحي ويعتنق الإسلام وتزويجه بما يرغب من نساء الكرد. وحال اليوم لا يختلف عن الأمس من حيث الجوهر والمضمون القائم على الاستشهاد في سبيل القضية والمبدأ. فالسياسات الاستبدادية للأنظمة المتعاقبة على السلطة في العراق وأشهرها محاولة نظام حزب البعث المقبور في صهر الآشوريين وإفنائهم ودمجهم في القومية العربية صورة أخرى من صور التناقض الصارخ بين معتقدات الأمة الآشورية وبين هذه السياسات والمحاولات. فمن أجل هذا الرفض تقدم أبناؤها الأبرار أمثال يوسف توما ويوبرت بنيامين ويوخنا إيشو وغيرهم من الشهداء الآشوريين الخالدين إلى الأمام مفنين حياتهم من أجل المعتقدات والمبادئ التي آمنو بها لأنها كانت بالنسبة لهم مقومات يقوم عليها أساس وجود الأمة واستمرارها. والحال لايختلف أطلاقاً في عصرنا هذا فالتناقض الصارخ بين إيمان أبناء أمتنا وكنيستنا وبين زمر الأرهاب والكفر في العراق حالة تفرض علينا أن نسجل أسمائهم وعلى رأسهم المطران الشهيد فرج رحو في سجل من الذهب لشهداء الأمة والكنيسة.

وحتى لا يتهمنا البعض بالتطرف والتجني على الواقع من خلال إبراز عمق هذه التناقضات والمبالغة فيها نؤكد بأن التأكيد الذي ذهبنا إليه لا يعني بأنه لم يكن هناك تسويات بين الآشوريين المسيحيين وغيرهم من الشعوب والحكومات التي تتبنى معتقدات متناقضة لمعتقداتهم، فمثل هذه التسويات كانت ممكنة وقائمة إلا إن النتيجة التي  يمكن استخلاصها منها كانت إما الإفناء والموت أو الذوبان في هذه الشعوب. فملايين الآشوريين ومن أتباع كنيسة المشرق ذابوا في الشعوب الإسلامية العربية والكردية والفارسية والتركية ومن جراء قبول تسويات غير منصفة بحقهم  او لاقوا حتفهم من جراء دخولهم في هذه التسويات غير المنصفة وإن القلة الباقية من هذه الملايين لحد هذا اليوم هي نتيجة لصمود وإصرار الآشوريين وقدرتهم على تقديم الشهداء من اجل البقاء والتواصل. فأحداث مذبحة المجرم مير بدرخان بحق الآشوريين في منتصف القرن التاسع عشر تؤكد ذلك، فعندما عقدت عشيرة جيلو تسوية معه بعدم مهاجمتها عاد هذا المجرم بعد أن دمر تياري العليا ومنطقة آشيتا بالكامل وقتل الألاف من أبناء العشائر الآشورية أدار سيفه نحو عشيرة جيلو فدمر قراهم ودخلوا أبناءها في سجل شهداء هذه المذبحة التي راح ضحيتها ما يقارب عشرة ألاف آشوري. والحال أيضا مع مجرمي مذبحة سميل  لعام 1933  حيث أن الآشوريين الذين ساوموا الحكومة العراقية وأيدوا تسوية قضيتهم التي فرضت عليهم نالوا من المذابح والإضطهادات والتشرد قسطاً كبيراً مثلما نال بقية الآشوريين الذين رفضوا تسويات الحكومة الظالمة. وقد صدق فعلاً الكاتب أج. لـوك في كتابه ( الموصل وأقلياتها ) عندما قال (إذا كان شعب مار شمعون - ويقصد الآشوريين-  قد فقدوا المكانة العظيمة التي كانوا يعتلوها في التاريخ فأنهم لم يفقدوا قدرتهم على تقديم الشهداء).
Harry Charles Luke, Mosul and Its Minorities, Martin Hopkinson & Co., London, 1929. P98

أن الحركة القومية الآشورية المعاصرة وبكل تنظيماتها السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى الدينية هي مدينة لدماء الشهداء الذين أزهقت أرواحهم في آب عام 1933 من اجل استمرار وتواصل الأمة وبكل معتقداتها ومبادئها. ومن يستطيع أن ينكر بأن دماء يوسف ويوبرت ويوخنا وحتى فرنسيس وبيرس وغيرهم كانت ولا تزال وقود لمشاعل النور في دروب الحركة الديمقراطية الآشورية، باعتبارها أول حركة سياسية قومية معاصرة تقدم هذا العدد من الشهداء وتنير طريقها المزدحم بالتناقضات والتحديات المصيرية التي يواجهها شعبنا في أرض أبائه وأجداده. ولكن السؤال المؤذي جداً  الذي يفرضه حال الواقع علينا هو هل ستبقى هذه المشاعل مضيئة في دروب الحركة القومية الآشورية أم ستنطفئ بفعل تقلص بوادر التضحية من أجل مصلحة الأمة العامة وطغيان الفردية والشللية على حياتنا السياسية؟؟؟.   

ولكن ما السبيل للخروج من هذه التناقضات وتخليص امتنا من  تقديم شبابنا كقربان في سبيل استمرارها وتواصلها ؟ وأين تكمن العلة أو ما هي "الجريمة" التي اقترفها أو يقترفونها الآشوريون حتى يستلزمها إيفاء جزاؤها بدماء أبناؤهم ؟؟  إن كل هذه التساؤلات تدور حول "جريمة" واحدة يقترفها الآشوريون وهي انهم يريدون أن يعيشوا كآشوريين ومسيحيين على ارض آباؤهم وأجدادهم منعمين بحرية تحقق لهم حدود معقولة لممارسة ما يؤمنون به. ومصدر كل التناقضات وعمقها واستحفالها نحو صراعات دامية هو إصرار البعض على اعتبار هذا فعلاً جريمة ويستحق الآشوريون عليها عاقباً قوامه الموت والفناء. فمتى ما يؤمن هذا البعض بأحقية الآشوريين بهذا المطلب الإنساني حينذاك تبدأ التناقضات بالتقلص والاختفاء. من هذا المنطلق نقول طالما بأن مثل هذه التناقضات والتحديات غير موجودة أصلاً في المجتمع الآشوري في المهجر إذن فإن إمكانية الاستشهاد في سبيل القضية الآشورية غير واردة. أي ان التضحية بالحياة من أجل المعتقد والمبدأ غير واردة في هذه البلدان في حين هناك امكانية كبيرة في التضحية بالمال والجهد والوقت والمقتنيات الاخرى في سبيل المبدأ او القضية الآشورية الا انها لا تصل الى مستوى الاستشهاد لان هذا الاخير كما سبق وذكرنا هو التضحية بالحياة من اجل المبدأ او المعتقد. في حين على العكس من هذا تماماً فطالما مثل هذه التناقضات موجودة في أرض الوطن وبعضها وصلت إلى مستوى التحديات والمواجهات فأن إمكانية الاستشهاد في سبيل القضية الآشورية  واردة جداً، وهي المسألة التي يجب على الآشوريين، وبالأخص القوميين منهم وتنظيماتهم السياسية، في المهجر إن يضعوها نصب أعينهم وأن يقدروها حق تقدير ليس في السابع من آب من كل عام فحسب بل في كل يوم من أيام حياتهم .

3 – اختلال توازن الكيانات :
ما يثبت استمرار عيش الآشوريين في موطنهم الأصلي وضواحيه بعد سقوط إمبراطوريتهم هو تعايشهم في كيانات صغيرة يمارسون معتقداتهم وتقاليدهم ضمن أطر اجتماعية بعضها وصلت حتى اليوم ومنها ظاهرة الزعامة العشائرية المعروف بـ "ماليك" فهو موضوع طويل لا نريد التفصيل فيه وإنما المهم هو أن الميزة الأساسية التي تميزت به هذه الكيانات هو وقوعها في مناطق هامشية وفي أراضي تتقاطع فيها دوائر الصراع بين الإمبراطوريتين الفارسية والإغريقية أو الفارسية والإسلامية أو الإسلامية والبيزنطينية أو العثمانية والصفوية الفارسية وهكذا تعاقباً حتى العصر الحديث حيث يعيشون في مناطق التقاء الحدود العراقية التركية الإيرانية السورية. هذه الميزة جعلت من هذه الكيانات أن تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي وان تكون في نفس الوقت كيانات صغيرة ومعزولة وهزيلة ومهددة وعلى الدوام سواء من قبل هذه الجهة أو تلك بحيث لم يكن يستقر الاستقلال الذاتي بها مقاماً طويلا فكانت ما أن تنشأ كمنطقة أو إمارة تشكل كدويلة حاجزة بين المتحاربين حتى كانت وبعد سنوات، كثيرة أو قليلة، تزول من الوجود أو تحتل من قبل الطرف الآخر .. وهكذا. هذه الصفة جعلت من التوازن السياسي والعسكري والاقتصادي والديموغرافي مفقوداً بالتمام بين هذه الكيانات الآشورية وبين هذه الإمبراطوريات الكبيرة  وهي نفس الحالة التي جعلت من أية تسوية بين الآشوريين وبين هذه الإمبراطوريات غير مرضية لأنها كانت على حساب الآشوريين والقضاء على ما يملكونه. ولما كان الاشوريون في تلك الفترة فقراء بكل معنى الكلمة فيما يخص العالم المادي والواقعي، فلا كانت دويلتهم واسعة الأراضي أو غنية الثروات لكي يتنازلوا عنها من اجل الحفاظ علي كيانهم ومعتقداتهم ولا كانت لهم تيجان أو عروش يمكن التخلي عنها من اجل الحفاظ على حياتهم واستمرار تواصلهم، بل كل ما كان يملكونه هو حياتهم فكانت الخيار الأوحد الذي يمكن تقديمه والتضحية به في سبيل البقاء والاستمرار وتواصل معتقداتهم ومبادئهم .

ومن الضروري جداً الإشارة والتأكيد بأن المسيحية بما فيها استشهاد ربنا يسوع المسيح عليه المجد على الصليب من اجل الإنسان كمثال في التضحية بهذا العالم من اجل العالم الآخر كان له تأثيراً كبيراً وعميقاً في مفهوم الاستشهاد الآشوري واصبح موضوع التضحية بالحياة الزمنية من اجل الحياة الأبدية منهجاً في تقديم الآشوريين حياتهم قرباناً من اجل ما آمنوا به والذي ترسخ في نفسيتهم وتواصل عبر مراحل طويلة وهو المنهج الذي يفسر لنا سبب ضعف الطموحات السياسية الآشورية عبر قرون طويلة مجسدة في دولة كبيرة أو كيان سياسي مستقبل وهو نفس السبب الذي يفسر لنا أيضا لماذا لم يكن هناك حاكم أو سلطان أو دولة آشورية مسيحية في الوقت الذي كان عددهم بضعة ملايين وانتشروا في بقاع واسعة من العالم المشرقي وهي الحقيقة التي تؤكد بان العالم الزمني لم يكن يساوي شيئاً عندهم قياساً بالعالم الأبدي. هذه الرمزية في استشهاد اليسوع والتمثل به في التضحية بحياة اليوم من اجل حياة الغد أضفت أن يتأطر الاستشهاد الآشوري بهالة مقدسة وان يكتسب طبيعة ميتافيزيقية مؤثرة  في نفسية الآشوريين وفاعلة في سلوكياتهم مشكلة بذلك دافعاً قوياً لاندفاع الآشوريين نحو الاستشهاد في سبيل معتقداتهم .

من الصحيح أن نذكر بان قدسية الاستشهاد الآشوري واندفاعه نحو التضحية بحياته من اجل المعتقد في هذه الأيام ليست كما كانت في أيام مار شمعون برصباي ومار قرداغ ومار بهنام وحتى مار بنيامين وغيرهم من شهداء الحروب والمذابح والتي اكتسبت طابعاً دينياً لاهوتياً بحسب طبيعة العصر ومرحلة تطور المجتمع الآشوري، وهي حقيقة التي يجب أن نقبلها جميعاً سواء أكنًا علمانيين أم رجال دين. ولكن مع قبول هذه الحقيقة يجب أن نقبل حقيقة أخرى وهي أن تناقضات اليوم هي غير تناقضات الأمس وتحديات العصر غير تحديات الماضي، أي بعبارة أخرى لو وصلت حدة  تناقضات وتحديات اليوم إلى مستوى تقارب عما كانت عليه في الماضي لتأطر الاستشهاد الآشوري بحالة من القدسية كما كان في التاريخ، هذه التحديات التي ترتقي إلى مستوى يشعر الآشوريون فيها تعرض كيانهم القومي والديني إلى الفناء والموت المحتم لبرزت مثالية استشهاد ربنا يسوع المسيح له المجد ومار شمعون برصباي ومار قرداغ وغيرهم وتمثلت في مناضلي اليوم وهرعوا للدفاع عن معتقدات ومبادئ أمتهم  وهي الحالة التي يمكن أن نتلمسها من ظروف استشهاد بعض مناضلي الحركة القومية الآشورية في وطن الأم حيث تتصاعد التحديات والمواجهات وبتصاعدهها تتصاعد وتتحدد إمكانيات تقديس الاستشهاد الآشوري ويصبح الخيار الأوحد للحفاظ على الوجود وعلى كل المعتقدات والمبادئ التي تتجسد فيه. فعندما يهتف الأطفال الآشوريين في المسيرة الجماهيرية الضخمة في مسيرة الأول من نيسان في نوهدرا (حاليا دهوك): إما الوجود أو  الموت، فإن لهذه الصرخات إشعاعات نابعة من الروح الآشورية التي  هي نفس الروح التي كانت مبعث فهم إستشهاد الآشوريين عبر التاريخ الطويل للعلاقة القائمة بين الوجود والموت.

وإذا كنًا اليوم نبجل ونعظم الشهيد الآشوري في يومه الخالد في السابع من آب من كل عام وهو أقل ما يمكن عمله تجاه، أفليس ضميرنا أيضا يدعونا، لا أن نبجل أو نعظم، بل أن نحترم ونقدر أبناء أمتنا النجباء الذين ارتضوا البقاء والصمود على أرض الوطن وقبلوا التحديات والموجهات من اجل الحفاظ على جذورنا مغروزة وبعمق في تربتها الأصلية، لأن بقبولهم هذا يقبلون بالظروف القاسية المحيطة بهم والتحديات المميتة والتي قد تدفعهم نحو الاستشهاد في سبيل القضية الآشورية وأجرهم الأبدي، سواء في اليوم أو في الغذ، أي في صمودهم على أرض الوطن أو في تعريض حياتهم للخطر والموت، أمن وأسرع وصولاً إلى قلب وضمير الأمة والى الأجيال اللاحقة وحتى إلى خالق السماوات والأرض.

زيارة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي لقبر يوسف توما شهيد الأمة الخالد الراقد في قرية بليجانه في أعالي جبال آشور



233


التسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية"
وكيفية فهم الوقائع القومية السياسية
أبرم شبيرا
    
بداية أود التأكيد بإن إستخدام التسمية الآشورية في هذا الموضوع والموضوع القادم الذي سأنشره لاحقاً عن يوم الشهيد الآشوري ونحن على عتبة الذكرى ألـ (80)، لا يعني إطلاقاً التقليل أو تجاهل التسميات التاريخية والحضارية لأمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" أو كنائسنا المبجلة وإنما ضرورات البحث التاريخي والواقعي فرضت نفسها إستخدام هذه التسمية حتى لا نحيد عن الوقائع التاريخية لهذه المجموعة التي عرفت تاريخياً وقوميا وحتى سياسياً بالتسمية الآشورية. وإنها لمناسبة هنا ونحن بصدد هذا الموضوع أن نوجه رسالة إلى المتزمتين بهذه التسمية أو تلك سواء أكانت التسمية كلدانية أو سريانية أو آشورية ونقول لهم وهم أخوتي سواء أكانوا من هذه التسمية او تلك، بأن من يريد أن يهتم بشؤون ومسائل أمتنا أو يكتب عنها أو ينخرط في نشاط أحدى أحزابنا، وهي مسائل سياسية لا جدال فيها، عليه أن يترك التزمت والتذرع إلى الأصنام الحجرية من آسد بابل والثور المجنح ويفتح عينه وسيعاً ليرى ويتمعن وبموضوعية الواقع الحقيقي لأمتنا، لأن السياسة، كما سبق وأن أكدنا مراراً وتكراراً، هي الواقع بعينه وأطرناها بمقولة "الديموغرافيا على الجغرافيا" أي الشعب على الأرض وما تعنيه كلمة (على) من ممارسات على الأرض والواقع. وقلنا أيضاً بأن السياسة هي فن الممكن وهو تعبير أيضاً متصل بالواقع الحقيقي لأن الممكن ينطلق من هذا الواقع وليس من الخيال والنحيب على الماضي، فمن يستميت من أجل الماضي وينسى الواقع هو واهم وسابح في فنجان قهوة ويحاول أن يحشر القدمين في حذاء واحد، حسب المثل الصيني. إنني كأشوري أعتز بأشوريتي إيما أعتزاز لا بل وأكثر من هؤلاء المتزمتين ولكن أختلف عنهم كما يختلف عنهم أكثرية أبناء أمتي، بأنني أنظر إلى الواقع وأجده مختلف بعض الشيء عن الماضي التليد وعن إعتزازي به ولكن ... ولكن لا يتناقض إطلاقا معه بل يكمل ويعزز أعتزازي وإيماني وبالتالي أجده السبيل الأمثل والأوحد لوحدة جميع فصائل وتقسيمات أبناء أمتي. لقد علمتنا الحركة القومية الآشورية التقليدية كثير الكثير من القيم والتجارب السياسية وأوصلت إلى جيلنا رسالتها القومية ونحن بدورنا نمجدها ونثمن تضحياتها، ولكن ما يؤسف له أنها  وبأحزابها التقليدية لم يستطيعوا أن يجمعوا تحت "مظلتهم" غيرهم من أخوتنا الكلدان والسريان، وهم الأكثرية من أبناء شعبنا، ولم تخطوا خطوة واحدة نحوالوحدة المنشودة في أهدافها لأنهم تزمتوا بالتسمية الآشورية وأهملوا بقية أبناء شعبنا أو حاولوا دمجهم عنوة في بوتقتهم. وبالنسبة للكدان أو السريان المتزمتين بتسميتهم المنفردة كان وضعهم أسوء بكثير فلم يستطيعوا أن ينزلوا عتبة واحدة نحو الساحة السياسية لأنهم وقعوا في نفس الحفرة. فالتزمت بالتسمية الآشورية المفردة خلقت ردة فعل تمثلت في التزمت بالتسمية الكلدانية أو السريانية المفردة وواقعنا الحالي يشهد بما ذهبنا إليه. والأسوء من كل هذا وذاك هو عندما يرتبط التزمت بالتحزب المقيت وبالطائفية الهدامة فنتيجتها إستمرار التشرذم وترسيخ تفتت كيان الأمة الواحدة. فبالأمس فشلت أحزاب وتنظيمات المتزمتين بالتسمية المفردة في الإنتخابات العراقية لأنها كانت بعيدة عن الواقع وبالمقابل نجحت الأحزاب والتنظيمات التي تبنت التسمية الجامعة والتوحيدية "الكلدانية السريانية الآشورية" لأنها أنطلقت من الواقع ولم تتجاهله، وهذه الإنتخابات، مهما رفضناها ولم نشارك فيها فهي المعيار الوحيد والمتاح حالياً في قياس شعبية الأحزاب. إن من لا يتعض من التجارب يظل يتعثر بالحجر مرات عديدة، والمثل يقول "الجاهل هو من يتعثر بالحجر مرتين". إن الجهل المطبق قد وصل للبعض من "مثقفينا" في رفضهم لهذه التسمية الوحدوية إلى درجة أعتبارها كتسمية لقومية جديدة لا وجود لها لا في الكون ولا في السماء وأنه تشويه لأمجاد وعظمة الآشوريين أو الكلدانيين أو السريان وهو الأمر الذي يقودنا إلى درجة أن نتصور مدى جهل هؤلاء للأمور السياسية والقومية وتعمية عيونهم عن الواقع. لا أنا ولا أحد من الملتزمين بالتسمية الوحدوية يقول أن هذه التسمية هي لقومية جديدة بل هي تسمية لنفس القومية التي ننتمي إليها جميعاً لأن كلنا نملك نفس المقومات القومية من لغة وعادات وتقاليد وتاريخ.  فإذا كنت آشورياً فأبقى آشورياً وإذا كنت كلدانياً فأبقى كلدانيا وإذا كنت سريانياً فأبقى كذلك طالما لغتنا وعاداتنا وتاريخنا وأرضنا واحدة وكلنا قومية واحدة والتسمية الوحدوية "كلدان سريان آشوريين" هي التي تأطرنا وهي سبيلاً لنيل حقوقنا في الوطن. من هذا المنطلق نؤكد، وهو نفس تأكيد معظم الأحزاب والتنظيمات القومية المتبنية للتسمية الوحدوية، بان هذه التسمية هو طرح سياسي وقانوني وواقعي ليعطي مضمون واضح عن وحدة أمتنا ووحدة أهدافنا القومية وليست تسمية قومية جديدة. وقد يكون هذا الطرح غير مرضي للبعض أو سيئاً ولكن واقع الحال يقول بأنه الأسلوب الأحسن ولا وجود لأسلوب آخر يضمن وحدتنا القومية وحقوق أمتنا في الوطن. لقد كان ونستون تشرشل محقاً عندما خسر الإنتخابات البريطانية العامة بعد الحرب العالمية الثانية وقال "الديموقراطية شيء سيء ولكن لا يوجد أحسن منها"، ونحن نقول هل يوجود أسلوب آخر أحسن من طرح التسمية الوحدوية (الكلدانية السريانية الآشورية) وقادر على أو يسعى بشكل واقعي وجدي إلى تحقيق وحدتنا ويضمن حقوقنا؟ إذا كان الجواب بنعم إذن فلينزل إلى الساحة ويثبت ذلك لا أن يستمر في التغريد ليل نهار في برجه العاجي ويتغنى بأيام زمان. لقد قيل بأن من يتمسك بالأمجاد وينسى الواقع هو التخلف بعنينه.

هذا الموضوع كان بالأساس مشروع كتابة بحث مطول تحت عنوان "كيف نفهم التسمية الوحدوية "الكلدنية السريانية الآشورية" ولكن أستوجب هنا أن نستل منه بعض السطور ونحن نكتب عن الواقع القومي السياسي لأمتنا وكيفية فهمه.  وتأكيداً لإعتزازي بإنتمائي الآشوري أكتب هذه السطور في أدناه، وهو مدخل لموضوع آخر عن يوم الشهيد الآشوري الذي سأنشره لاحقاٌ، ولكن في نفس الوقت أضيف إلى إعتزازي هذا أعتزاز أخي الكلداني بكلدانيته وأخي السرياني بسريانيته وبذلك إغني ثقافتي وفكري بمصادر آخرى لأمتي، ففي تعدد المصادر إغناء فكري وحضاري وفي التفرد إفقار وفشل، والواقع أثبت ذلك وبشكل قاطع.

==============================
يحيـر الباحث في تاريخ الآشوريين حيرة شديدة مكتنفـة بالعديد من التساؤلات حول هذا الكم الهائل والنوع المذهل للمذابح والفواجع والمآسي والتشرد والتي لم تستطيع أن تقضي عليهم قضاءاً نهائيا وتفنيهم فناءاً أبديا طيلة تاريخهم المأساوي الممتد لقرون طويلة بحيث حتى العلم، بما فيه علوم التاريخ والاجتماع والسياسة والنفس والإنثروبولوجيا وبكل مناهجها التقليدية والحديثة، تقصر أو تتعثر في الوصول إلى استنتاجات مقنعة تؤكد حقيقة تواصل الآشوريين واجتيازهم لهذا الكم الهائل والنوع المذهل للمذابح والمآسي، وهو التعثر الذي خلق حالة من الريبة عند بعض المهتزين في استقامة الحياة وخلودها كما أفرز نوعاً من الشك عند بعض العاجزين عن فهم مضامين التاريخ الآشوري ذلك لان هذه المضامين لا تكمن حقيقتها الحقـة في سطور الوثائق والمدونات التي يتعامل العلم معها فحسب وإنما هي حقائق معنوية روحية  لا تجد لها مستودعاً إلا في مزاج أو نفسية الأمة وهو ما يعرف بـ " روح الأمــة   – Spirit of Nation " وهي العلة التي تجعل الأمور صعبة في معرفة هذه الحقيقة للذين لا ينعمون بنسائم هذه الروح. وروح الأمة هو مخزون من عقليات وأمزجة وتصورات وذكريات ومعتقدات وتجارب تكونت عبر فترات تاريخية طويلة تنعكس من خلالها شخصية الأمة وتفرز أثناء التعامل معها أو ممارستها عزم الأمة وإصرارها على المحافظة عليها واستمرارها والاستماتة من اجلها. فمن دون فهم هذه الروح أو إدراك مغزى هذه الشخصية لا يمكن دراسة تاريخها دراسة وافية مستجيبة للتساؤلات المطروحة والمحيرة للباحث التاريخي والسياسي.

من هذا المنطلق، نكرر ما سبق قولنا تكراراً ومراراً ، بأن الكثير من الدراسات العلمية والأكاديمية عن تاريخ الآشوريين، رغم علميتها وموضوعيتها، فإنها افتقرت إلى الجانب الروحي والمعنوي المستجيب لمكامن نفسية الأمة الآشورية وبالتالي عجزت عن فهم الحوادث والوقائع التي جبلت بهذا الجانب الروحي فهماً صحيحاً أو تتجنب التطرق إليه وذلك بسبب طبيعته الروحية التي يعجز غير الآشوري من فهم مغزاه ومضامينه لذلك يبدو بالنسبة للبعض كهراء وعبث، لا بل وحتى كتعنت وعناد وإصرار من قبل الآشوريين، وهي نتيجة حتمية في فهم  الأمة التي لا يكتب تاريخها من قبل أبناؤها منطلقين من قاعدة كون معظم تاريخ الآشوريين مدون ومكتوب من قبل غير الآشوريين، بما تعني هذه الكلمة (غير) من نطاق واسع يشمل حتى المارقين والمناهضين والمعاديين لهم. وإذا استعرنا القاعدة المنطقية في التاريخ، والتي تقول بان التاريخ لا يكتبه إلا الأقوياء والمنتصرون أو هو تاريخ الملوك والحكام والدول والأمبراطوريات لأدركنا على الفور سبب غزارة تاريخ الآشوريين بتفاصيل دقيقة وواضحة عن عظمتهم وقوة إمبراطوريتهم قبل سقوطها لأن هم الذين كانوا يكتبون تاريخهم ويدونوه على صخور صلدة ويحفظونه للأجيال القادمة. وعلى نفس القاعدة، ولكن بشكل معكوس، نفهم سبب ضعف أو قصر أو تشويه أو قلة التفاصيل عن تاريخ الآشوريين بعد سقوط إمبراطوريتهم وزوال عوامل القوة منهم وخضوعهم لأمم وإمبراطوريات أخرى مختلفةعنهم ومن جوانب عديدة حضارية ودينية ولغوية وحتى نفسية. فالتشوهات والتحريفات في تاريخهم ما هي إلا نتيجة مباشرة من نتائج هذه القاعدة. وهكذا دواليك، حيث عاد الآشوريون مرة أخرى في الحقبة المسيحية وهم منتصرون وأقوياء  يملكون عناصر القوة التي تمثلت في قوة وعمق إيمانهم المسيحي ومن ثم بكنيستهم المشرقية بكل ما تحمله من جوانب قومية وحضارية ارتبطت بها وتوسعت مع توسعها. لهذا السبب نفهم أيضا سبب تطبع تاريخ الآشوريين في تلك المرحلة بالطابع الديني والكنسي طبقاً لمقوماتهم في امتلاك عناصر القوة الدينية والكنسية ولم تنجو من هذا الطابع الديني حتى تسميتهم القومية  (Assyrian) وأصبحت "سورايا" لها مدلول ديني - مسيحي عند الكثير. وبعد إنحسار نفوذ كنيسة المشرق وتقلص مساحتها وتناقص مؤمنيها وتحديداً في القرن الرابع عشر الميلادي بعد تحطيم تيمور خان المغولي (أطلق الآِشوريون عليه أسم تيمور لينك أو لينكا، أي تيمورالأعرج حيث كان مصاباً بالعرج بسبب سقوطه من فوق ظهر حصان في أحدى غزواته السابقة) معظم البنية التحتية الكنسية والثقافية والإجتماعية لكنيسة المشرق وإنحسار نفوذ الكنيسة ومؤمنيها في المناطق النائية والمعزولة في شمال بلاد مابين النهرين وبالتالي إفتقار الآشوريين إلى معظم إن لم يكن كل مقومات القوة كشعب له حضارة تليدة وعظيمة قادهم ذلك إلى عصور لا يمكن أن تصف إلا بالعصور المظلمة والتي خلقت أوضاع أثرت بشكل كبير على جميع مناحي الحياة فكان من نتائجها بروز معضلات وتعقيدات ومغالطات في فهم تاريخهم وكتابته بالشكل الصحيح والموضوعي والبعيد عن التخريفات والخزعبلات التي سادة العقلية الآشورية في هذه العصور المظلمة والتي أستمرت نتائجها السلبية المدمرة ووصل بعضها إلى العصور الحديثة كأفكار أو عقيدة وأعتبرالخروج عنها كفر وإلحاد.  وهكذا أستمرت هذه القاعدة وأنطبقت على كل مرحلة من مراحل تطور تاريخ الآشوريين بحيث تناسب تفاصيل كتابة هذا التاريخ تناسباً طردياً مع زيادة امتلاكهم لعناصر القوة من عدمه، وهي القاعدة التي لا تبتعد عنّا في هذه الأيام بل تنطبق علينا انطباقاً تاماً في دراسة وفهم تاريخنا القومي بكل جوانبه السياسية والدينية والاجتماعية والفكرية. واليوم واقع الحال يشهد بأن ضعفنا وإفتقارنا إلى مقومات القوة يقودنا إلى الإنحطاط الفكري وتراجع الوعي القومي نحو الإنانية والفردية والتغاضي عن الواقع والعجز عن فهمه وإستيعابه.

ولكن السؤال الملح الذي يفرض نفسه وبسرعة هو : هل تكفي روح الأمة كنعصر من العناصر الروحية في قوة الآشوريين فحسب أم هناك عناصر مادية موضوعية أخرى  يمكن أن يمتلكها الآشوريون في هذا الزمان وهم أقلية صغيرة مبعثرين في زوايا الدنيا لا حول لهم ولا قوة ولا سلطان يحكمون بواسطته دولتهم أو كيانهم الخاص ؟. فعلى الفور أجيب وأقول بملء الفم بأن روح الأمة كعنصر معنوي روحي لا يستمر إلى مدى الدهر ما لم يسنده عناصر قوة مادية وموضوعية. ويمكن حصر هذه العناصر في عنصرين : الأول، العلم  بما فيه المعرفة وما تطرحه من مناهج فكرية في توسيع مدارك ووعي الفرد. وثانياً، المال بما فيه جوانبه الاستثمارية التي تخلق عوامل اقتصادية مؤثرة في مجمل الحياة وخاصة في تثبيت ركائز الأرض والوطن. فبالنسبة لهذا العامل الثاني فالآشوريون مفرغون منه تماماً لان رجال المال في المجتمع الآشوري رغم قلتهم أو اختفاؤهم فهم بعيدون عن الاهتمامات القومية  بمختلف جوانبها المتعددة السياسية وغير السياسية أكثر من بعد السماء عن الأرض والحقائق الواقعية تؤكد هذا الجزم. أما عنصر القوة الآخر المتمثل في العلم فهو العنصر القابل للامتلاك والذي استطاع الآشوريون خلال العقود الأخيرة من امتلاكه ولا يزالون مستمرون في اقتناءه، وهي ظاهرة جيدة لها مدلولات مستقبلية يمكن استثمارها وتكريسها لصالح القضية القومية ومن خلال استخدام المناهج العلمية والأكاديمية في دراسة تاريخهم وواقعهم المعاصر. ولكن مرة أخرى تعود هذه الكلمة ( لكن ) لتطرح العديد من الاستثناءات التي تتحكم في مصير الآشوريين ومنها ابتعادهم، وبشكل عام، وتحديداً المثقفين والأكاديميين والباحثين، عن تناول دراسة تاريخهم وواقعهم دراسة علمية أكاديمية قادرة على إستخلاص نتائج ومقارنات تساهم في فهم وقائع التاريخ الآشوري فهماً علمياً صحيحا ومقنعاً. وهذا لا ينفي وجود قلة من المثقفيين الآشوريين الذين يتناولون تاريخ أمتهم وكنيستهم بدراسات علمية موضوعية تكشف الحقائق الإيجابية والسلبية للمجتمع والكنيسة. ولكن حتى هؤلاء الموضوعيين والواقعيين وفي ظل ظروف يشوبها التخلف وإنحسار الفكر العلمي النقدي لمجتمعنا لا ينجون من النقد اللاذع والتهجم الشخصي والتجريح والتكفير ليصل إلى حد التخوين والتحريم.

من هنا تنشأ المعضلة الآشورية في فهم التاريخ: غير الآشوريين يكتبون تاريخ الأمة الآشورية ويفسرونه وفقاً لمناهجهم الفكرية بعيدين عن روح الأمة ونفسيتها. وعلى العكس من هذا، فالآشوريون يمتلكون نفسية هذه الأمة ولكن لا يمتلكون المناهج العلمية في دراسة تاريخهم، وإن امتلكوها فهم بعيدين عنه وعن المسائل القومية. والمخرج الوحيد للخروج من هذه المعضلة يكمن في إمكانية تزاوج روح الأمة ونفسيتها مع المناهج العلمية والأكاديمية، أي في مدى إسهام الأكاديميين والباحثين الآشوريين في المسائل القومية، وهي مسألة ليست بالأمر السهل ويمكن حلها بالتبشير والوعض بين مثقفينا واكاديمينا وباحثينا بل هي مرتبطة  بجملة عوامل متعددة ومتنوعة تتمحور حول عامل تطور الوعي القومي الواقعي وليس الخيالي في المجتمع الآشوري بما يحمله هذا الوعي من نكران الذات والتضحية، ليس بالأرواح فحسب وإنما بالمقتنيات الأخرى للفرد أيضا مثل المال والوقت والمجهود العلمي والفكري وتكريسها في سبيل القضية الآشورية والإبتعاد عن الظواهر المقيتة كالتحزب والطائلفية والشللية والأنانية، وهي مسألة يطول شرحها ويستوجبها فرصة أخرى لتناولها. وما يهمنا في هذه السطور هو مدى إمكانية استخدام البحث العلمي الصحيح في تناول واقعة من وقائع تاريخ الآشوريين أو مفهوماً من المفاهيم السائدة فيه والتي أصبحت من الرموز المرتبطة بمسار تطور المجتمع الآشوري وبحركته القومية. والسابع من آب يوم الشهيد الآشوري، والذي اصبح ممارسة سنوية قومية هو من المواضيع التي يستوجب تناولها من خلال تزاوج البحث العلمي مع روح الأمة كمنهج متكامل في كيفية فهم هذا الموضوع وإدراك معنى الاستشهاد ومكانته في نفسية أو روح الأمة والعوامل التي كانت تدفع بالآشوريين إلى الاستشهاد. وهو الموضوع الذي سنتناوله في الذكرى الثمانين لمذبحة الآشوريين في سميل في السابع من آب عام 1933.

===================================
وأخيراً لم يبقى إلا أن أقول للقارئ الكريم بأنه إذا كان من المؤمنين بالتسمية المفردة، سواء أكانت آشورية أو كلدانية أو سريانية، ويصل هذا الإيمان إلى درجة التزمت ورفض التسميات الأخرى أو دمجها عنوة في غيرها فأنه لا محال منه سوف يرى بأن هذا الموضوع متناقض مع ما ذكرناه أعلاه في كيفية فهم التسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية". أما إذا كان القارئ الكريم من المؤمنين بالتسمية الوحدوية فأنه  سوف يرى بأن هذا الموضوع في التأكيد على عوامل القوة عند الآشوريين والتركيز على التسمية الآشورية هو مكملاً تماماً ومتماشياً مع ما ذكرناه في أعلاه لأن كل تاريخ الآشوريين هو تاريخ الكلدان والسريان والعكس صحيح أيضا لأننا أمة واحدة مهما كان طرحنا ومنهجنا في التعبير عن وحدتنا القومية... فالمستقبل المنظور إليه بنظرة موضوعية علمية وواقعية كفيل بأن يوصلنا إلى اليوم الذي يتوافق تماماً مضمون وحدة قوميتنا مع شكلها ومنهجها المطروح على الساحة السياسية، وللموضوع صلة في المستقبل القريب.   


234

الخامس عشر من تموز...
ولادة مطكستا وموت شاعرها الكبير نينوس آحو

                                                                                                                                أبرم شبيرا


لاشك فيه وعلى الإطلاق جميع الذين عرفوا نينوس آحو أو سمعوا أو قرأوا شعره تأثروا تأثراً كبيراً برحيله إلى العالم السرمدي وكتبوا كلماتهم القلبية المعبرة عن هذا الفقدان الكبير لمناضل وشاعر وقومي آشوري معروف على جميع المستويات القومية والسياسية والأدبية والثقافية والإجتماعية حيث كان في كل مكان من زوايا المجتمع الآشوري سواء في الوطن الأم أم في بلدان المهجر. منذ البداية أرتبط وتحديداً في عام 1960 بالمنظمة الآثورية الديموقراطية (مكستا) وهو لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره. أستمر العمل مع مطكستا ولسنوات طويلة وبكل طاقته وجهده ووقته في تثبيت دعائمها ووضعها على مسارها القومي السياسي وضمن ظروف مأساوية وقاسية جداً إلى أن أصبح مطارداً ومطلوباً من قبل السلطات الإستبدادية في سوريا فوجد في المهجر ملجاً له ولعائلته حيث تضاعفت إبداعاته الأدبية والسياسية فكان من أقرب الأصدقاء والناشطين للإتحاد الآشوري العالمي وللحركة الديموقراطية الآشورية إضافة إلى علاقته الرفاقيه مع مطكستا ومع جميع القوميين والمثقفين.

لم يهدأ له بال وهو في المهجر رغم إحاطته بالإجواء الديموقراطية وسعة مجال عمله الأدبي والسياسي والقومي فكانت نسائم وطنه تبعث في أعماقه الشوق المميت للعودة إلى وطنه، سورية لينعم بالحياة الحقيقية كأشوري مرتبط بتربة أبائه وأجداده فوجد في بيروت منطلقاً للإقتراب من تراب وطنه وشم نسائمه العطرة والنافحة للحياة والنشاط فأستقر فيها لفترة محددة حتى أزيلت حواجز منعه من دخوله لسورية فحزم حاله مع عائلته للعودة إلى الوطن في عام 1991 ولكن قساوة الحياة وإشتداد المرض به حال دون إستمرار حياته في سورية فأضطر للعودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2002.

من المؤكد بأن معظم الذين عرفوا فقيد الأمة نينوس آحو لهم ذكريات غير قابلة للنسيان خاصة في هذه الفترة التي نودعه إلى العالم الآخر حيث تتجدد وتنشط مثل هذه الذكريات وتبرز لتبين مدى عظمة شاعرنا وأديبنا الكبير ودوره الفاعل في جميع الحقول القومية والسياسية... في لبنان وسوريا وتحديد في القامشلي عملنا سوية وشاركنا معاً في أقامة بعض النشاطات القومية والثقافية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي خاصة التي نظمتها المنظمة الأثورية الديموقراطية... لقد كان لي الشرف الكبير ... وهنا أجدد هذا الشرف مرة أخرى وهو راقد بسلام اليوم الذي زرت فيه قريته الصغيرة (كركي شامو) القريبة من القامشلي والذي ولد فيها وتهاتفت معه وهو في مدينة حلب معبراً عن حبي وتقديري لبعض من أقاربه الصامدين في هذه القرية العريقة التي أنجبت شاعراً وقومياً ومناضلاً كبيراً أحبه الناس جميعاً.

كان الفقيد عنيداً في نضاله ونشاطه القومي وصلباً ومن دون أن تلوي قساوة الظروف السياسية والمعاشية إصراره الدائم وأن يتنحى عن الطريق الذي أختاره لنفسه فلم يقوى عليه إلا الموت ولكن حتى في مماته كان عنيداً وصلداً فلم تنتهي حياته إلا في يوم الخامس عشر من شهر تموز، اليوم الذي ولدت في عام 1957 مطكستا المنظمة التي عمل معها ومن أجلها وسيصبح أسمه ونشاطه خالداً ليس مع هذه المنظمة فحسب بل مع جميع الآشوريين الذين عرفوه وأنا واحد منهم.. الله يرحمك يا بطل أمتنا وتستحق وأنت في العالم الآخر ميداليات شرف تتراص إلى جانب ميداليات الإبداع التي نلتها وأنت في هذا العالم فهذا قليل جداً بحق العمل القومي ونتاجك الأدبي والثقافي التي تركته لنا وللإجيال القادمة... فليس لنا حيلة إلا أن نقول وداعاً يا نينوس ... ولكن ستبقى في ذاكرتنا وفي أعمالنا القومية والسياسية دائماً وأبداً.   

235

الذكرى ألـ (56) لتأسيسها: القومية والطائفية في فكر المنظمة الأثورية الديموقراطية (مطكستا)

======================================================
أبرم شبيرا
توطئة:
-----
قبل الولوج في بعض من الإفكار القومية التي تبنتها مطكستا وإستذكارها ونحن مقبلين على الذكرى السادسة والخمسين على تأسيسها، لابد من التطرق ولو بإختصار إلى بعض من المفردات المعلوماتية الخاصة بهذه المنظمة القومية والتي ربما هي مجهولة لبعض من أبناء أمتنا "الكلدانية السريانية الآِشورية" وتحديداً في العراق وبعض من بلدان المهجر وأصبحت محجوبة عنهم ربما لأسباب جغرافية وذلك لكون مطكستا تأسست في بلاد الشام وأيضاً لأسباب سياسية وذلك بسبب العلاقة المتوترة والمشحونة التي كانت قائمة بين سوريا والعراق طيلة فترات زمنية طويلة من الزمن، ولا ننسى أيضا سبباً آخر في هذا الجهل وعدم المبالاة بأهمية هذه المنظمة عند البعض إلا وهو الطائفية المقيتة التي من خلالها كان ينظر هؤلاء البعض وربما لايزالوا على نفس المنوال على أن هذه المنظمة تأسست من قبل أبناء الطائفة السريانية الآرثوذكسية ولا تهم الطوائف الأخرى في مجتمعنا. وعلى العموم سنقصر البحث في بعض من هذه المفردات المعلوماتية المهمة عن هذه المنظمة القومية عسى وأن تكون مفيدة في فهم حقيقة وواقع ونضال هذه المنظمة القومية. ولكن قبل هذا فاليوم نقف بإجلال وأحترام كبيرين لمطكستا وهي تعمل بكل ما تملك من قوة وجهد وفكر في التخفيف من معاناة أمتنا من الظروف الصعبة والمأساوية التي تمر بها سورية وتشارك مع قوى الخير والتقدمية والديموقراطية من أجل بناء وطن يسع لجميع القوميات والإديان وينعموا بالحرية والرفاهية والأمن والسلام، وليس لنا في هذه المناسبة التأسيسة لمطكستا إلا أن نتمنى لها الموفقية والنجاح في عملها القومي والوطني والإنساني.    

تأسيس مطكستا فكرياً قبل تنظيمياً:
--------------------
بسبب توفر المصادر والمراجع والكتيبات والدراسات الخاصة بمطكستا وقرأءتها بنظرة علمية موضوعية توصلت ومنذ فترة طويلة إلى قناعة بأن مطكستا إلى جانب الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) تعتبر حزباً سياسياً بكل معنى الكلمة لما لها من مقومات أساسية في تأسيس الأحزاب السياسية المعروفة علمياً ليس من حيث النظام الداخلي والأعضاء والكوادر والسعي للوصول إلى السلطة السياسية لتحقيق الأهداف والفكر أو الأيديولوجيا وإنما من حيث الخلفية التاريخية لتأسيسها والأساس الفكري والتراكمات الفكرية التي أعتمدتها ونظمتها في منظمة عرفت بـ "المنظمة الأثورية الديموقراطية" وأعلنتها في الخامس عشر من شهر تموز عام 1957.
إن مطكستا ليست حزباً سياسياً تأسس بإرادة بعض الأفراد أو بقرار سياسي من بعض المتميزين في المجتمع، بل هي ولدت ولادة طبيعية من مخاض الأمة ونشأت نشأة طبيعية ووفق قواعد مبدئية وسياسية وفكرية، فهي محصلة لجملة ظروف تاريخية وتراكمات فكرية أثمرت وتبلورت في نهايتها في تنظيم سياسي قومي. فأيديولوجيتا أو فكرها أو مبدئها نشأ خلال فترة زمنية سابقة لتأسيس المنظمة وظهورها فتجسدت في الفترات اللاحقة وطبقاً لبعض الظروف السياسية العامة والقومية الخاصة في تنظيم معين بعد أن تأتي الإرادة البشرية الواعية وتلعب دوراً متميزاً يتمثل في قراءة الظروف المحيطة بالمتجمع وفهمها وتقييمها ثم توقيت تأسيس المنظمة وظهورها رسمياً كنتيجة منطقية لتفاعل جملة عوامل فكرية وتاريخية وسياسية. فمطكستا ليست من بنات أفكار مؤسسيها ولا نتاج قرار أتخذ من قبلهم، بل تأسست فكريا قبل أن تتأسس تنظيمياً في الخامسة عشر من تموز عام 1957، فهي المحلصة الفكرية التاريخية لعقود طويلة من نضال الآشوريين وأفكار رواد الفكر القومي الآشوري وعبر سلسلة طويلة من النشاطات القومية تمتد من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مبتدئة بأسماء عظماء أمثال يوسف بيت هربوت وبرصوم بيرلي ونعوم فائق وفريد نزها وسنحاريب بالي وتنتهي عند حنا عبدلكي وشكري جرموكلي وغيرهم الذين أسسوا رسمياً هذه المنظمة. أي بعبارة أخرى أن مطكستا ولدت منذ فترة طويلة قبل أو تولد رسمياً في الخامس عشر من تموز عام 1957. وتسهيلاً للأمر يمكن تشبيه حالة تأسيس مطكستا بالحالة البايولوجية للإنسان والتحولات التي يمر بها منذ تكوينه من أبوين شرعيين بجنين ثم يمر عبر سلسلة من التحولات البايولوجية للنمو حتى يولد طبيعياً ثم بعد فترة من الزمن يتخذ أسم بعد تعميذه في الكنيسة، هكذا الحال مع مطكستا فأنها تكونت كجزء من الصيرورة القومية للأمة قبل عام 1957 ومن ثم تطورت عبر مراحل فكرية وسياسية طويلة فتعمذت في هيكلها القومي في الخامس عشر من شهر تموز وأتخذت أسم المنظمة الأثورية الديموقراطية. وهنا أود أن أكون أكثر توضيحاً ومنطقياً في هذا التطور للمراحل الفكرية لتأسيس مطكستا... ببساطة أقول أن رائد الصحافة الآشورية الشهيد يوسف بيت هربوت الذي كان يصدر مجلة "المرشد الآثوري" كان مرشداً فكرياً وقومياً لمعلم الفكر القومي الوحدوي الملفونو نعوم فائق والذي كان بدوره أستاذا ملهماً للصحفي الثائر والمفكر القومي فريد نزها الذي كان يصدر مجلته القومية تحت أسم "الجامعة السريانية" ومن الأرجنتين وعن طريق هذه المجلة أنتقل فكرها القومي الوحدوي إلى أبناء أمتنا في سورية حيث تلقاها الملفونو شكري جرموكلي الذي كان مدرساً للغة السريانية في بلدة القامشلي والأستاذ حنا عبدلكي مؤسسة مدرسة سريانية في هذه البلدة والوكيل العام لمجلة "الجامعة السريانية" في سورية فكان هاذان الأستاذان القوميان مع غيرهم من المثقفين القومين يلقون الأطفال في المدارس أناشيد عن عظمة "آثور" التي ألفها معلم الفكر القومي الوحدوي نعوم فائق خالقين بذلك القاعدة الأساسية لتأسيس مطكستا وإستمرار تواصلها حتى يومنا هذا.
إن تأسيس مطكستا في عام 1957 لم يأتي إعتباطاً وإختيارياً بإرادة مؤسسيها وإنما جاء كنتيجة لقراءتهم وبوعي سياسي كامل للظروف المحيطة بمجتمعنا في تلك الفترة وإستيعاب تأثيرها, ففي تلك الفترة تصاعد المد القومي العربي التعصبي أثناء مرحلة بداية الوحدة بين سورية ومصر ومحاولة إلغاء الوجود القومي للأخريين غير العرب ومنهم الآشوريين، فكان هذا قد خلق رد فعل لدى المجموعة الآشورية الأكثر وعياً وثقافة ومن ثم لجوءها إلى جمع كل التاريخ الآشوري والنضال الفكري والسياسي للرواد وتنظيمه في منظمة سياسية تكون الأداة التنظيمية المناسبة والأكثر توافقاً وفاعلية في مواجهة التحدي الجديد.
 

الملفونو شكري جرموكلي إستاذ اللغة السريانية وأحد مؤسسي مطكستا


الريادة السياسة لمطكستا:
---------------
من الطبيعي جداً أن يخلق إستمرار نضال مطكستا لعقود طويلة ريادة في بعض الأمور وعلى المستوى السياسي والقومي التي تفرض أهميتها الإشارة إليها والإشادة بها، ونذكر منها:
1) -  قد يكون الحزب الآشوري الإشتراكي الذي أسسه الشهيد فريدون أتورايا في بداية القرن الماضي في جورجيا (السوفياتية) أول حزب سياسي للآشوريين  في عام 1926 ولا نعرف عنه غير أنه حضر مؤتمره التأسيسي أكثر من 200 شخصية آشورية معروفة ولكن أختفى الحزب بعد إعتقال فريدون أتورايا وإستشهاده ولم نعد نعرف أو نقرأ عنه شيئاً. من هذا المنطلق يمكن أن نعتبر مطكستا أول حزب سياسي بالمعنى العلمي الصحيح عند الآشوريين لا بل وأكثر من ذلك فهو مستمر في عمله النضالي منذ تاريخ تأسيسه ولفترة أكثر من نصف قرن وحتى يومنا هذا. وهذه الريادة في الإستمرارية والتواصل لا نقارنها مع بقية الأحزاب السياسية الآشورية فحسب وإنما يمكن مقارنتها مع الكثير من الأحزاب السياسية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط أيضا وبالتالي سنجد بأن مطكستا هي رائدة في هذا السياق.
2) – كانت مطكستا أول حزب سياسي آشوري يستطيع أن يترشح ويفوز مرشحه بمقعد في إنتخابات البرلمان السوري في بداية التسعينيات من القرن الماضي وهي سابقة لم يحققها أي حزب آشوري قبله في بلد كان يتمتع بهامش ضئيل جداً من الديموقراطية حيث لم يكن من السهل على مثل هذا الحزب طبقاً للإمكانيات السياسية والمالية والإعلامية الشحيحة للآشوريين في سورية من إستخدامها بالشكل الأمثل والنفاذ من خلالها ومواجهة التحديات للوصول إلى البرلمان. وفي السنوات اللاحقة أستمر في المحاولة ولكن الديموقراطية التي كانت منسوجة بأساليب قمعية وإستبدادية لم تتاح لها الفرصة للفوز مرة ثانية بالمقعد البرلماني.
3) -  بسبب المواقف المبدئية الثابتة لقيادي مطكستا، فهي أول حزب سياسي آشوري يتعرض بعض من عناصر قيادتها إلى الإعتقال مرتين من قبل النظام السوري ولأسباب سياسية وقومية وإنسانية ومن دون أن يزعزع ذلك مواقف المنظمة المبدئية الراسخة وإستمرت في نضالها المعهود من دون خوف أو رهبة من السلطة السياسية.
4) -  كان على مطكستا أن تعمل بحذر وبنوع من الحساسية المفرطة في نظام سياسي قائم على حكم الحزب الواحد، حزب البعث العربي الإشتراكي في سورية، وإحتكاره للسلطة والنشاط السياسي، وهي منظمة سياسية لها شعبية وجماهيرية واسعة بين أبناء شعبنا. وحتى أكون أكثر منطقياً في شعبية وجماهيرية مطكستا الواسعة، شاهدت شخصياً في عام 1997 عندما أطلق النظام السوري سراح ثلاثة من قيادي مطكستا من السجن الإستقبال الجماهيري الضخم الذي تعدى الآلاف من أبناء شعبنا في منطقة القامشلي مصاحباً بالهتافات والزغاريد والموسيقى مرحبةً بهم كأبطال قوميين لهذه الأمة في تحدي واضح لإستبداد النظام في عملية الإعتقال هذه. هذا ناهيك عن الإحتفالات الجماهيرية الضخمة والسفرات الجماعية في الأول من نيسان التي كانت بشكل أو بآخر محركة من قبل مطكستا رغم تهديدات رجال الأمن السوري التي كان يتعرض لها قادتها لعدم تنظيم مثل هذه المسيرات. والأكثر من هذا ففي الكثير من الأحيان عندما كنت أزور القامشلي في تلك الفترة وألتقي ببعض قادة مطكستا وينظمون محاضرة أو ندوة لي في "سرداب" بيت أحد القادة، كانوا خلال ساعة أو أكثر بقليل يستطيعون إستدعاء بحدود 200 شخص للإستماع للمحاضرة أو المشاركة في الندوة رغم عيون الجواسيس وكتاب التقارير الأمنية التي كان قادة مطكستا يحسبون لها ألف حساب ويعرفون كيفية التعامل معها للحد من نتائجها السلبية. أن مثل هذا التعامل الذكي لم يكن إلا نتاج قدرة مطكستا الكبيرة في التوازن بين العمل السياسي السري وشعبيتها الواسعة. فهناك معادلة طردية بهذا الشأن، فكلما زادت شعبية الحزب السياسي وكثر مفعول تأثيره كلما تقلصت سريته. والعكس صحيح أيضاً فكلما زاددت سرية الحزب السياسي كلما تقلصت فاعليته وتحددت ضمن أطر حزبية ضيفة وبالتالي تقلص في شعبيته. ومطكستا كان حزباً سياسياً سرياً أو غير مجاز رسمياً من السلطات الحكومية لممارسة نشاطه السياسي والقومي ولكن أستطاع بفعل الموازنة العقلانية بين السرية والعلنية أن يستمر في العمل القومي ويوسع جماهيريته رغم سريته الحزبية وعدم إجازته رسمياً.
5) -  صحيح أن قادة مطكستا تعرضوا إلى الإعتقال مرتين، ولكن مع هذا السؤال يفرض نفسه وبقوة، وهو كيف أستطاعت مطكستا في الفترات اللاحقة أن تفلت من جبروت وقسوة القوى الأمنية والبوليسية لنظام يحكمه حزب واحد وهي حزب سياسي يقوم بمثل هذه النشاطات السياسية والقومية ويمتلك شعبية واسعة ليست ضمن نطاق وهيمنة سلطة وفكر هذا الحزب الواحد الحاكم؟. منذ تأسيس مطكستا كانت رائدة من بين معظم الأحزاب السياسية في سورية في قدرتها على الربط بين أهدافها القومية والوطنية وبشكل متناسق ومن دون أي تعارض او تناقض بينهما. فمطكستا لم تكن حزباً سياسياً قومياً أشورياً فحسب وإنما كانت أيضا حزباً وطنياً سورياً. لذلك فإن ممارسته للنشاطات القومية لم تكن تتعارض مع المبادئ الأساسية للوطنية السورية. فبالإضاةفة إلى شعبيته الواسعة بين أبناء امتنا كانت له علاقات طبية ومتفاهمة مع بقية الأحزاب السياسية السورية غير حزب البعث السوري. وهنا يجب أن لا نهمل عامل سياسي آخر "خارجي" ساعد مطكستا على إستمرار نشاطها القومي وتجاوزه لقبضة رجال الأمن والسلطة. فضمن هذه الشعبية الواسعة لمطكستا كان مستحيلاً الإبقاء على سرية تامة على نشاطاته القومية فلابد كان يصل إلى عيون وأذان السلطة ولكن يظهر بأن رجال الأمن والسلطة كانوا يغضون النظر عنها ربما لسببين، الأول: في كون هذه النشاطات ضمن الخطوط الحمراء غير المهددة للسلطة والنظام. والثاني: التغاضي عنها لا حباً بمطكستا أو بالآشوريين وإنما خوفاً من توسع نفوذ الكورد في المنطقة المهدد للطبيعة القومية العربية للنظام السوري.
6) -  كان من الطبيعي جداً أن تخلق التسمية "الأثورية" للمنظمة حساسية مفرطة بين طوائف كنيسة المشرق في سورية وخاصة الكنيسة السريانية الأرذوكسية بإعتبارها أكبر الكنائس المشرقية في سورية من جهة وكون معظم قادة وأعضاء مطكستا من أبناء هذه الكنيسة. لا بل وأكثر من هذا، لقد سمعت شخصياً من بعض أبناء كنيسة المشرق الآشورية يقولون "لماذا تتسمى مطكستا بالتسمية الأثورية وتتدخل في شؤون الآشوريين وهم سريان"؟. لقد عملت مطكستا في ظروف طائفية صلدة طاغية على مجتمعنا وواجهت تحديات من مختلف طوائف كنيستنا المشرقية بسبب تسميتها الأثورية ولكن الحق يقال رغم المعوقات التي تسببتها هذه التحديات الطائفية إلا أن بجهودها المضاعفة إستطاعت أن توازن وتناغم بين نشاطاتها القومية والسياسية و إنتماءاتها لهذه الطائفة أو تلك بحيث تمكنت من أن تخلق شعوراً عاماً بأنه ليس هناك أي تعارض أو تناقض بينهما فأطمئن الكثير من رجال الكنيسة إليها بأن عملها القومي هو إضافة أو سند لوجود الكنيسة رغم بقاء مثل هذا الشعور ضمنياً عند بعضهم ربما بسبب إعتباره نوع من تدخل رجال الدين في السياسة والمسائل القومية. وهنا أتذكر لقائي الشخصي مع قداسة مار أغناطوس زكا الأول عيواص بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس في عام  1997 في دمشق أثناء إعتقال ثلاثة من قادة مطكستا الذي كان يبذل جل جهده لإطلاق سراحهم حيث ذكر لي جواباً على سؤالي فيما إذا كان قداسته يعمل لإطلاق سراحهم فقال "كنت في في ألمانيا للعلاج عندما سمعت خبر أعتقالهم ...هؤلاء أبنائي كيف لا أساعدهم لإطلاق سراحهم"؟.              

لماذا الأثورية ؟

 ==========
لماذا تسمت مطكستا بالتسمية الآثورية وليس بالآشورية أو السريانية أو الكلدانية أو الأرامية أو بالتسميات الحضارية المتعددة لأمتنا؟؟ سؤال وجيه ومنطقي للذين ليس لهم إلمام بتاريخ تأسيس مطكستا وفهمهم للتسميات المتعدد لأمتنا ولكن في نفس الوقت الجواب بسيط لمن يلم بتاريخ هذه المنظمة والخلفية الفكرية والتاريخية لها. أن مؤسسي مطكستا ومعظم أعضاءها هم أبناء وأحفاد آشور بيت هربوت ونعوم فائق وفريد نزها وغيرهم من رواد الفكر القومي في مجتمعنا. كان هؤلاء جميعاً يستعملون التسمية الأثورية في عملهم القومي منطلقين من كونها تسمية تاريخية حضارية لأمتنا وقد ورثوا الأبناء والأحفاء هذه التسمية من أجدادهم وأستعملوها كهوية قومية لهم. ولكن أستعمالها لم يكن في نطاق ضيق ومشدد وبأصرار على التمسك المطلق بها دون غيرها من التسميات الأخرى لأمتنا. فمنذ الرواد الأوائل وخاصة نعوم فائق وفريد نزها نرى بأنهم كانوا وعلى الدوام يستخدمون تسميات مركبة لأمتنا كقولهم "الأمة الكلدانية السريانية الآشورية" وأحياناً الأمة السريانية الأرامية الآشورية وهكذا حيث كانوا يعرفون بأن هذا التعدد في التسميات التاريخية والحضارية هو إغناء لحضارة وتاريخ وواقع أمتنا. وجرياً على أفكار هؤلاء الرواد لم يكن لمطكستا تعصباً مشدداً للتسمية الأثورية بل كانوا يجدون في كل التسميات إضافات حضارية وفكرية لنشاطاتهم القومية ولا يتعصبون لهذه التسمية أو تلك. وما مشاركتهم الفعالة في مؤتمر بغداد عام 2003 وتبنيه التسمية المركبة لأمتنا إلا دليل على ذلك، والأكثر من ذلك فاليوم تشارك مطكستا ضمن "كتلة السريان الآشوريين" في المجلس الوطني السوري واضعة خلاص أبناء أمتنا في الوطن السوري من المعاناة والقهر الفكري والسياسي في مقدمة أولوياتها من دون إي إعتبار لهذه التسمية أو تلك.
وهنا يجب التذكير مرة أخرى بأن الحزب السياسي مهما كان أسمه أو صفته فهو أداة لتحقيق أهداف معينة ليس بالضرورة أن تتطابق مع تسميته، وهذا موضوع سبق وأن فصلنا عنه تفصيلاً في مناسبة سابقة. فأثورية مطكستا لا يمنعها إطلاقاً من العمل لتحقيق أهداف أمتنا مهما كانت تسميتها مفردة أو مركبة فهويتها القومية معروفة بلغتها وتاريخها وعادتها وغيرها من المقومات القومية التي لا تتغير بتغير التسميات. وأخيراً أود أن أضيف معلومة بسيطة للذين لا يدركون حقيقة الأمر في سورية، حيث أن التسمية "الآشورية" في سوريا رسمياً تخص أبناء كنيسة المشرق الآشورية فقط لذلك جاء إستمرار التسمية الأثورية لمطكستا لتخرج من هذا الأطار المحدد للتسمية الآشورية ضمن كنيسة معينة.  


صورة مع بعض من قيادي مطكستا (من اليمين: بشير سعدي، أبرم شبيرا، سعيد لحدو وكابي موشي) أمام كنيسة أحدى القرى السريانية  في محافظة الحسكة – سورية، منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
============================
القومية والطائفية في فكر مطكستا:
-------------------------
كانت مطكستا قد أعد بحثاً علمياً مسهباً في الفكر القومي للمنظمة ومبادئها وسياساتها تجاه مختلف القضايا المهمة لأمتنا، وهي دراسة تتكون من 111 صفحة  يظهر بأنها أعدت منذ عقود ونشرت على نطاق محدود وكنت محظوظاً أن أنعم بكرم شعبة أوربا الوسطى للمنظمة الآثورية الديموقراطية في ألمانيا وأستلم نسخة منها مشكوراً. فجميع المواضيع المدروسة في هذا البحث لها أهمية قصوى لكل مهتم بشؤون هذه الأمة وهو بحيث يستوجب أن يطبع على شكل كتاب وينشر على نطاق واسع لغرض تعميم فائدته. وسأحاول هنا أن أستل من هذه الدراسة بحثاً معيناً تحت عنوان (القومية والطائفية في المفوم الأثوري) وسأسردها كما هي دون تغيير ثم بيان بعض من مداخلاتي البسيطة عنها:
 
"إن التاريخ القومي للشعوب عبارة عن مراحل تكون كل مرحلة متقدمة عن المرحلة الأخرى التي سبقتها لأنها تتضمن الحلول للتناقضات السائدة في تلك المرحلة فتكون أكثر تناسبا ٌوأقل تناقضاً. فالولاء العائلي كان المسيطر في البداية وحل محله الولاء القبلي بعد أن أصبح الولاء العائلي لا يتناسب ومتطلبات العيش المتطورة فأصبح الولاء القبلي أكثر تناسباٌ. فالولاء القبلي جاء نتيجة تطور الولاء العائلي فهو أشمل منه وأعم وأكثر ملائمة للواقع إلا أنه لم يلغيه بل أحتواه وأستفاد من الجوانب الإيجابية فيه وخلصه من جوانبه السلبية التي لم تعد تتناسب مع المرحلة الجديدة. والولاء القبلي قد يكون مناسباً لمرحلة معينة إلا أنه يصبح متأخراً عن مرحلة أكثر تطوراً فيخف الولاء القبلي ليفتح المجال إلى روابط أقوى منه وأشمل وأكثر تناسباٌ للواقع فيحل الولاء القومي محل الولاء القبلي. فالولاء القومي أشمل وأكثر تطوراً إلا أنه لم يلغيه بل أستفاد من الجوانب الإيجابية فيه وسخرها للمصلحة القومية وتخلص من الجوانب السلبية التي أصبحت لا تتناسب والمرحلة الحالية إلا أن تطور المراحل التاريخية التي مر بها شعبنا تطورت من الولاء العائلي إلى الولاء القبلي إلى المملكة المتمثلة بالمدينة إلى بداية مرحلة الولاء القومي التي كانت تحتاج لفترة زمنية طويلة لتتعزز وتترسخ إلا أن تدخل الغزاة المستعمرين وضع حداً لهذا التطور القومي الطبيعي وأحدث ردة رجعية في البناء القومي لشعبنا فأوقف هذا النمو إلى حين ثم عمل معول الهدم والتخريب في بناءه القومي فكانت السقطة الكبرى أبان إنقسامه إلى طوائف ومذاهب مختلفة ومتصارعة، فحل الولاء المذهبي المنقسم والرجعي محل الولاء القومي الموحد والمتقدم فكانت نكسة كبيرة في تاريخ شعبنا أدت إلى ضعفه وإنقسامه وعدم تماسكه وجعله عرضة لكل غاز دخيل ينهش بالمجتمع على هواه إلى أن أوصله إلى واقعه المؤسف هذا حيث يعيش حالة الإنقسام والتخبط لا يعرف هويته ولا يملك أسباب إجتماع شمله وردم الهوة التي تفصل بين إقسامه المجزأة والتي من الصعب ردمه. وفي عصر القوميات وبروز الهوية القومية لكل الشعوب نجد شعبنا متخبطاً لا يعرف هويته فأعمت الطائفية بصيرته فعجز عن إكتشاف قوميته التي تتطلب نوعا من الوعي والتحرر لإكتشافها.
نجد أبناء الشعب الواحد عاجزين عن إزالة الحواجز التي تفرقهم وتضح حداً بينهم وبين إمكانية وضع الحلول المناسبة للمشاكل الكبيرة الواقعة مثل مشكلة الكرامة والوجود التي يعانون منها أشد العناء ذلك لأن الإنتماء القومي مرحلة متقدمة عن الواقع الطائفي الذي نعيشه، وإجتياز مثل هذه المرحلة الرجعية إلى مرحلة متقدمة وموحدة في ظروف قاسية كالتي يعيشها شعبنا تحتاج لجهد كبير وعناء أكبر بل إلى عون كبير من قوى الخير والإنسانية. فشعبنا يعاني من مختلف الضغوطات، من الإنقسامات المذهبية إلى فقدان الشعور بالإنتماء إلى اللامبالاة القومية إلى فقدان اللغة القومية إلى الصراعات التي تتخبط بدون هدى إلى مشاكل العصر الحديث الذي يمتص قدرات الشعوب إلى الغزو الثقافي الرهيب، كل هذا أتاح المجال لقوى الشر والمسيئين والطفيليين لإلحاق مزيد من الأضرار وكثير من الإساءات وتحقيق مزيد من المصالح الخاصة على حساب مصير الشعب ووجوده وقوميته.
والحركة الآثورية بإعتبارها حركة قومية تناضل من أجل بناء القاعدة المتينة للمرحلة القومية التي تحل محل الولاء المذهبي المنقسم، لا تجد حل الواقع كامناً لا في نظرة المثاليين الذين يرتفعون عن الواقع بكل سلبياته ويحاولون تجاوزه لا بل القفز على كل مخلفات الماضي البعيد وتأثيراته الواقعة وبضحون بالتماسك والوحدة ويتأففون من هذا التخبط الموجود كما لا تجد الحل في نظرة الطائلفيين الضيقة الذين لا يستوعبون الفكرة القومية ويعملون على خلق الصرعات التي تزيد في الواقع سوءاً، إنما تجد حل الوضع يكمن في دراسة الواقع بموضوعية ووضع الحلول المعقولة والمناسبة وفتح المجال أمام القوى الإنسانية التي يجب أن تعوض على هذا الشعب بعض الدعم والإمكانيات لمساعدته في بناء حياته من جديد ليعود ويلحق بركب الحضارة الإنسانية التي حال عوامل القهر والظلم والإستبداد دون اللحاق به. فالدعوة القومية التي تبنتها الحركة الآثورية خلقت صراعاً جديداً في مجتمعاتنا الطائلفية هذه والتي كانت تعاني من الإنحلال وكانت تسير في طريق الإندثار لضعف الروابط المذهبية القائمة وعدم مناسبتها والعصر الذي نعيش فيه، فكان لا بد من إضافة روابط جديدة ومتقدمة تكون أكثر تناسباٌ وتحافظ على وجود شعبنا الذي قاوم الإبادة حتى اليوم. وطبيعي أن توقظ هذه الدعوة إحساس الجماهير وتفتح عيونها على واقعها المؤلم لتجد المسيئين والطفيليين والمستفيدين من إستمرار حالة الضياع هذه، فأخذت تنتقد وترفض العلاقات القائمة والرجعية والتي تفتح المجال لكل طامع أن يتخذ من هذا الشعب فريسة ينهش بجسمها على هواه ولكن القيمين على الوضع أحسوا بخطورة الدعوة الآثورية وخافوا على مصالحهم القائمة، فأعلنوا الحرب بدون هوادة مستغلين كل السبل التي قد يستفيدون منها في ضرب هذه الحركة القومية وخنقها في المهد، فحدث صراع حاد بين التقدمية القومية المتمثلة بالآثوريين والرجعية اللاقومية المتمثلة بأصحاب المصالح غير المشورعة.
فالآثوريون يرفضون العلاقات السائدة في الواقع وأساليب الأدارات والمؤسسات القائمة ويناضلون من أجل تغيير الواقع الحالي الذي يؤدي إلى إندثار هذا الشعب وضياع وجوده وخلق أرضية أكثر تطوراً وتناسباً تحافظ على وجود الشعب محتفظاً بهوتيه القومية. وإن الرجعية اللاقومية تسعى جاهدة للحفاظ على العلاقات القائمة بسلبياتها القاتلة لأتها تؤمن لها مصالحها الخاصة وتسمح لها بإستغلال شعبها وتستخدم كافة الأساليب للحفاظ على العلاقات القائمة فتثير العواطف الطائفية وتغذي الأحقاد البالية وتؤلب البسطاء للوقوف بوجه الدعوة الآثورية مصورة للجماهير البسيطة بأنها دعوة إلحادية أو دعوة وثنية أو دعوة مذهبية، إلا أن الآثورية تكشف زيف إدعاءاتهم وتبرهن لأبناء الشعب أن الدعوة القومية لا تكون على حساب الكنيسة لا بل تقويها ولا على حساب مذهب ديني لأنه لا تناقض بين الأثنين إنما تحاول إضافة روابط قومية متطورة إلى الروابط الإيجابية القائمة والتي لم تعد تتناسب ومشاكل العصر ولا تملك الإمكانات التي تستطيع مجابهتها أو وضع الحلول المناسبة وهذا لا يعني أن الروابط القومية تلغي كل الروابط السابقة والتي قادت مسيرة شعبنا حتى عصرنا الحاضر لأن الإنتماء القومي يعني الإستفادة من كل الروابط الإيجابية القائمة لصقلها وتوجيهها في مسارها الصحيح وتوظيفها في خدمة المصلحة العامة والتي تعني المصلحة القومية.
فليس من المصملحة القومية إزالة الروابط الإيجابية القائمة لا بل تعتبر هذه الروابط جزء لا يتجزأ من الروابط القومية العامة، فهي تضيف عليها روابط جديدة أشمل وأقوى وأكثر واقعية وتناسباً مع المرحلة والعصر وبأعتبار أن الروابط القومية هي أشمل وأقوى وأكثر تطوراً. فالروابط الطائفية الإيجابي منها فقط تبقى جزء منها وفي داخلها. كما لا يلغي الولاء القبلي الولاء العائلي لا بل يحتويه كذلك لا يلغي الولاء القومي الولاء الطائفي الإيجابي الذي يتناسب والمصحلة القومية ويحتويه. فالمشاكل الكبرى التي يعاني منها شعبنا مثل مشكلة الوجود المهدد لا يمكن لطائفة او فئة من وضع حد لها بمفردها وبمعزل عن شقيقاتها الطوائف الأخرى من أبناء شعبنا الواحد لأن مثل هذه المشكلة هي أكبر من طائفة أو إمكانات فئة محددة. فالأثورية تطرح شعارها التاريخي ولن تحيد عنه أبداً إلا وهو "بأن الحفاظ على وجود الشعب يحتاج لجهود كل الشعب بمختلف طوائفه وفئاته وأماكن تواجده"، ولن تقف الحركة الأثورية مكتوفة الأيدي تجاه التعصب الطائفي السلبي عندما يسلك طرقاً رجعية أو يتجسد بكتابة تاريخ كل طائفة بشكل مجزأ كما لو كان لكل طائفة تاريخ خاص، أو إعتبار اللهجات الطائفية لغة قومية، أو ولادة نظم سياسية على أساس طائفي، وإن كان محكوماً عليها بالفشل لأن أي تنظيم طائفي لا يمكن أن يحقق أبدأ من وحدة طائفته الموحدة سلفا وهذا لا يعتبر نصراً في المنهج القومي. فالمشكلات القومية لا يمكن إيجاد حل لها إلا على نطاق قومي ولا يمكن أن يكون هناك مشاكل خاصة بكل طائفة بل إن كل المشاكل الواقعة هي مشاكل قومية وإن كانت متغير بعض الشيء بين طائفة وأخرى. فالدعوة القومية لا تعني صهر الطوائف، ولكن تعني منع محاولة إستغلال كل طائفة ومحاولة إنعزالها لوحدها وفصل مصيرها عن مصير المجموع. وقد يحاول بعض الطائفيين حل مشكلاتهم بأمكاناتهم الطائفية القاصرة ومن خلال الممارسة سيجدون أن عملهم يبقى فاصراً إلا إذا تضامن إجزاء الأمة، وهذا لا يعني أن الطائفة عاجزة تماما عن حل بعض الأمور ولكن الحل الحقيقي لا يتم إلا بظل الوحدة القومية وهذا ما تدعو إليه الأثورية. فالأثورية تحافظ وتصون العلاقات الإيجابية القائمة وتحاول أن تضيف عليها الروابط القومية الأكثر تطوراً كما أنها لاتتدخل بشؤون المذاهب ولا بتفسيراتها الدينية لأنها لا تناقض بينها وبين الدعوة القومية. ص 16 – ص20  (من دراسة تحت عنوان: الأثورية والفكرة القومية صدرت عن المكتب السياسي للمنظمة الأثورية الديموقراطية)

مداخلات على مفهوم "القومية والطائفية" لمطكستا:
حتى لا أطيل و "يزعل" بعض الأصدقاء من الإطالة في المواضيع التي أكتبها لأن وقتهم جوهري وثمين ومصروف لأشياء أخرى، سأقتصر مداخلتي على الموضوع أعلاه على نقطتين فقط:
الأول: من خلال قراءة الموضوع، نرى التأثر الواضيح لكتاب هذا الموضوع بالفلسفة الماركسية وتحديداً بالمادية التاريخية في تطور المجتمعات. ولكن من الملاحظ بأن هذا التأثر أقتصر على إستخدام منهج المادية التاريخية وفلسفة نقض النقيض وليس على مضمونها القائم على تطور المجتمعات وفق صراع الطبقات المعروف عند الماركسية. وقد وفقت مطكستا وبشكل كبير في أستخدام هذا المنهج العلمي في فهم تطور مجتمعنا عبر مراحل تاريخية مختلفة وهو أسلوب نادراً أن لم يكن معدوماً في البحوث والدراسات التي تخص أمورنا القومية والسياسية وهذا التوفيق في إستخدام المنهج العلمي حقق لمطكستا ريادة أيضا في هذا المجال.
الثاني: إن إستخدام المنهج السليم في البحث العلمي لا شك فيه بأنه سيتوصل إلى نتائج موفقة ليس في التحليل التاريخي والواقع وإنما أيضا في الوصول إلى نتائج في فهم هذا الواقع وتوقعات المستقبل وهذا ما نلاحظه في الموضوع أعلاه. حيث أن هذه الدراسة أعدت قبل عقود من الزمن ونلاحظ أن تحليلها التاريخي والواقعي لمجتمعنا أوصلها إلى حقائق سائدة في أيامنا هذه من حيث طغيان الطائفية على السطح وتأثيرها الشديد على تطور العمل القومي وعلى الوحدة القومية. إن الكتابة السياسية والفكرية ليست فقط عرض الوقائع وتكثير اللغو عنها فحسب بل من الضروري أن تثمر أو تتوصل إلى نتائج تطبيقية على الواقع الفعلي للمجتمع وهذه علة معظم كتاباتنا القومية والسياسية المسجونة ضمن نطاق ضيق غير قادر على إستعمال المناهج العلمية في فهم التاريخ والتوصل إلى إستنتاجات مفيدة لتقدم العمل القومي في هذه الأيام، فهذا الموضوع يبين فعلاً مدى وعي وإدارك مطكستا في المسائل القومية والسياسية وبشكلها الصحيح ونأمل لها الإستمرار في هذا النهج خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها وهي ملتصقة بأبناء أمتنا تعمل من أجل خلاصها أو التخفيف من معاناتها المأساوية الناجمة من الوضع المأساوي في سورية... فكل شرفاء الأمة معكم سرياناً أكانوا أم كلداناً أم آشوريين ... والله يوفقكم.      
  

236
من أبطال التاريخ الآشوري:
=================

القائد الشهيد روفائيل خان
أبرم شبيرا
تساؤلات ... ولكن:
عندما أنجزت كتابي المعنون "نعوم فائق -  معلم الفكر القومي الوحدوي" الذي طبعه دار سركون للنشر في السويد عام 2000، سألني أحد أصحابي مستغرباً ومتسائلاً: من هو نعوم فائق حتى تكتب كتاباً عنه وتصفه بهذه الصفة العظيمة؟ قلت له ألم تسمع عنه من قبل ؟ قال كلا فإني لأول مرة أسمع عنه ومن خلال كتابك هذا. وقبل بضعة أيام أي بعد ثلاثة عشر سنة تتكرر القصة نفسها. فعندما كنت أقراً كتابا صدر حديثاً تحت عنوان:
“BIOGRAPHY OF RAFPAELKAHN – Great Assyrian Leader” – Printed by Tate Publishing & Enterprises, LLC, Mustang, Oklahoma, USA, 2013. 

أي  "بيوغرافية روفائيل خان – القائد الآشوري العظيم" الذي كتبه حفيده ديفيد روفائيل سألني صديق آخر عن من يكون روفائيل خان هذا القائد العظيم الذي لم أسمع عنه؟... أنا شخصياً ومن خلال معرفتي بالكثير من أصدقائي وأبناء أمتي وبمدى أهتماهم بالمطالعة وإغتراف الثقافة والعلوم التاريخية والسياسية لم أستغرب كثيراً لأنني أعرف بأننا تعلمنا من العرب أسوء العادات الفكرية ومنها قلة أو إنعدام القراءة والمطالعة من جهة وكثرة الكلام واللغو الفارغ من جهة أخرى ولم نتعلم من شعوب دول المهجر، بلدان العلم والثقافة والحضارة والتقدم حب القراءة وشغف المطالعة. ولكن إستغرابي الكبير وعجبي الشديد المقرون بنوع من الأسف والحيرة هو أن كلا الصديقين يعتبران من كبار "أمتنايي" هذا العصر و "زعماء" هذه الأمة المبتلية بمثل هؤلاء الذين يصلون ليل نهار ويمارسون خزعبلات "فتاح فال" حتى تنبعث الحياة في أسد بابل والثور المجنح ولكن في الواقع والحياة العادية لا يملكون وقتاً ولو قليلاً للمطالعة وإغتراف المعارف لغرض توسيع مداركهم كوسيلة بسيطة تؤهلهم لكي أن نطلق عليهم صفة "امتنايي" ومن دون أن نضع هذه الكلمة بين هلالين. على أية حال من يريد أن يوسع معارفه عن أحرج وأصعب مرحلة مرً بها الآشوريون في شمال بيت نهرين في بداية القرن الماضي ويعرف قادتهم الذين حاولوا بكل ما ملكوا من قوة ووقت ومال لا بل التضحية بحياتهم من أجل إنقاذ الأمة من مأساتها المفجعة أن يقراء هذا الكتاب ويمكن إقتناءه عن طريق الإتصال بالناشر ومن خلال موقعه الألكتروني:
www.tatepublishing.com

وللعلم كنت قد ذكر هذا القائد الشهيد في الكتيب المعنون "السابع من آب – يوم الشهيد الآشوري – رمز خلود الأمة الذي طبع من قبل دار عشتار للطباعة والترجمة عام 1994 في لندن حيث ذكرت مايلي: "في ذكرنا لبعض رموز أمتنا العريقة لا يفوتنا أن نذكر القائد العسكري الشجاع روفائيل خان الذي كان يقاتل جنباً إلى جنب مع الجنرال أغا بطرس، من أجل بناء صرح الأمة الآشورية وتجسيد حقها المشروع في تقرير مصيرها القومي ورفع الغبن الذي لحق بها من جراء نتائج وتسويات الحرب الكونية الأولى. فلم يركن للهدوء والسكنية رغم الإخفاقات والإنتكاسات التي ألمت بالإنتفاضة الآشورية ولم يمنعه الشيب الذي غزا رأسه من مواصلة النضال من أجل مساعدة وإنقاذ شعبه من الويلات والمآسي التي تعرض لها أبان سقوط جمهورية مهاباد الكردية في شمال فارس وعشية إنتهاء الحرب العالمية الثانية ومن ثم مقاومة ما لحق بالآشوريين من مذابح وتشريد وتدمير قراهم في إذريبجان ومنطقة رضائي (أورميا) مما أثار ذلك حنق وغضب شاه إيران فظل مطارداً حتى تم إعدامه عام 1946. وقد كان تحت أمرته ما لاي يقل عن الأف مقاتل ومشهود له أنه كان عنيداً صلباً يتميز بتكتيكات عسكرية لم يكن يضاهيه لا في الجيش التركي ولا الإنكليزي" – ص34 و ص36. 

نبذة مختصرة عن فصول الكتاب:
يقع الكتاب في 278 صفحة وبالحجم المتوسط الأمريكي ويتألف من أهداء وإمتنان لعدد كبير من اللذين ساعدوا المؤلف في تأليف الكتاب ومن ثم مقدمة كتبها الشخصية الآشورية المعروفة هومر آشوريان، رئيس مؤسسة الإتحاد الآشوري العالمي. ويتألف الكتاب من خمسة عشر فصلا كما يتضمن الكتاب بعض المذكرات لشخصيات عرفت أو رافقت روفائيل خان في مسيرته النضالية إضافة إلى كتابات كتبت عنه في السنوات الماضية واللاحقة.  الفصل الأول مخصص للخلفية الشخصية والعائلية لروفائيل خان الذي ولد في عام 1881 في قرية بابري من مقاطعة أورميا شمال غرب بلاد فارس. وكان الحكومة الفارسية قد منحته لقب "خان" لدوره الريادي في حماية أمن المنطقة من الإعتداءات الخارجية خاصة العثمانية وكان يعرف أحياناً بـ "حارس الوطن". الفصل الثاني هو بعنوان "روفائيل خان الجنرال الآشوري العظيم. الفصل الثالث يتحدث عن تأسيس المجلس الآشوري الذي كان روفائيل خان عضواً فيه وبرئاسة أمير الشهداء مار بنيامين شمعون بطريرك كنيسة المشرق وكان تأسيس هذا المجلس لغرض تشكيل جيش آشوري مع بعض قطعات الأرمن لحماية شعبهم من الهجمات التي قام بها العثمانيون أثناء الحرب الكونية الأولى. والفصل الرابع مخصص للجيش الآشوري وتشكيلاته المختلفة وقيادة روفائيل خان لأحدى فرقه الرئيسية إلى جانب أغا بطرس وغيره من الأبطال المعروفين في تلك الفترة. الفصل الخامس مخصص للحروب التي خاضعها الآشوريون بقيادة روفائيل خان ضد العثمانيين وحلفاءهم من الكرد ويسرد المؤلف تفاصيل هذه المعارك والإنتصارات التي حققها الآشوريون حتى تمكنوا من السيطرة التامة على منطقة أورميا وأصبحت تحت رحمة القوات الآشورية وهو موضوع الفصل السادس. الفصل السابع مخصص للآشوريين في منطقة أورميا بعد السيطرة الآشورية الكاملة عليها. غير أن أحداث ثورة أكتوبر الروسية عام 1917 وما أعقبها من إنسحاب القوات الروسية من شمال بلاد فارس وتخلفهم عن مساعدة القوات الآشورية سبب ذلك إحتلال القوات العثمانية لمنطقة أورميا وثم نزوح الآشوريين منها (الفصل الثامن). وهكذا تستمر مأساة الآشوريين من خلال نزوحهم من أوطانهم ومطاردتهم من قبل القوات العثمانية والعشائر الكردية المتحالفة معها فمن مدينة همدان (الإيرانية) إلى بعقوبة (العراقية) مأساة كتب عنها الكثير من الكتاب وهو موضوع مفصل في الفصل التاسع. بعد إنسحاب القوات الروسية من المناطق الآشورية عقب إندلاع ثورة أكتوبر الشيوعية عام 1917 لم يبقى أمام الآشوريين وزعماءهم إلا الإعتماد على أنفسهم والبدء بالإستعدادات اللازمة لتشكيل قوات قتالية خاصة بهم وهو موضوع الفصل العاشر، حيث تم في عام 1918 تشكيل أربعة كتائب آشورية وكتيبة أرمنية لغرض القيام بمهمات عسكرية تسهل عملية عودتهم إلى أوطانهم في أورميا وهيكاري التي كانت قد أحتلت من قبل العثمانين والكورد وهذا هو موضوع الفصل الحادي عشر من الكتاب حيث يسرد الكاتب تفاصيل المعارك التي خاضعها الآشوريون من أجل تحقيق هذا الهدف ولكن بسبب الظروف الصعبة والمأساوية التي كانت تحيط بهم ومن جميع الجهات والشعوب المعادية لهم لم يوفقوا في نهاية المطاف من الوصول إلى الهدف المنشود حيث فشلت خطة العودة إلى موطنهم في أورميا وهيكاري نهائيا بحدود نهاية عام 1920 ولأسباب معروفة منها داخلية ومنها خارجية خاصة نشوب ثورة العشرين في العراق ونكوث بريطانيا عن مساعدة القوات الآشورية التي تولت مسؤولية العودة إلى الوطن. ومن الجديد بالإشارة بأن الآشوريين في تلك المرحلة كانوا في مواجهة أربعة أمبراطوريات عالمية مشودة بعضمتها وجبروتها، الإمبراطوريتان العثمانية والفارسية وبقوتهما العسكرية الضخمة والإمبراطوريتان البريطانية والروسية المعروفتان بمنواراتهما الثعلبية والماكرة في خداع الشعوب ونهش حضارتهم تحقيقها لمصالحهما أضافة إلى قابل التركوـ مغولية وكردية الشرسة والمعروفة بهمجيتها في تحطيم الحضارات والشعوب المختلفة عنهم. أما في الفصل الثاني عشر  فيتحدث المؤلف عن سجن روفائيل خان من قبل السلطات الإيرانية في عام 1922 بعد أن ترك العراق ورجع إلى إيران وبقى مسجونا لعدة شهور إلى حين قررت الحكومة الإيرانية عام 1923 نقله من مدينة همدان إلى مدينة تبريز وبحراسة ثمانية جنود لغرض محاكمته وإدانه وربما إعدامهم، وفي طريقهم وأثناء إستراحتهم لتناول غذاءهم أستطاع رفائيل خان بذكاءه الحاذق وبأساليبه الدوبلوماسية ولباقتهم في اللغة الفارسية (علماً بأنه كان إضافة إلى ذلك يجيد اللغات الروسية والتركية والكردية والإنكليزية) تمكن من إلهاءهم ومن ثم مغافلتهم وهروبه من قبضتهم. وبعد رحلة طويلة ومرهقة تمكن من الدخول مرة أخرى إلى العراق وفي نهاية المطاف إستقر في مدينة كركوك مع بعض من أفراد عائلته، وهذا هو موضوع الفصل الثالث عشر. أما في الفصل الرابع عشر فيتحث المؤلف عن ثلاث تفسيرات في كيفية إستشهاد روفائيل خان ولكن الكثير من شهود عيان أكدوا إستشهاده بتاريخ 12/12/1946  بعد أن ألقي القبض عليه من قبل السلطات الإيرانية وإعدامه رمياً بالرصاص مع بعض من رفاقه الآشوريين. وفي الفصل الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر يدرج الكاتب بعض الأقوال والكتابات والوثائق إلى تحدثت عن مختلف جوانب حياة الشهيد القائد. وعلى العموم أكتفي بهذا العرض الموجز للكتاب ولكن من بين سطوره وفحواه نستطيع أن نستخلص الكثير من العبر والدروس في التاريخ القومي الآشوري ومنها هذه الشذرات والمفارقات:
حب الوطن وأبناء الأمة حتى الموت:
في الكتاب حوادث ومسائل مهمة ومثيرة ولكن الذي أثار إنتباهي الشديد وحرسي للتأكيد عليه هو حب القائد روفائيل خان لوطنه وأبناء شعبه حتى الموت وإستشهاده من أجلهما، كيف لا وهو الشجاع المقدام الذي لم يعرف للخوف معنى ولا للرهبة والمخاطر أن يكونا حاجزاً أمام مواصلة نضاله من أجل أمته. فبعد الإستقرار النسبي للوضع في إيران وسماح حكومتها لبعض الآشوريين بالعودة إلى موطنهم في منطقة أورميا عزم روفائيل خان على العودة إلى الوطن وإسترجاع الأراضي والممتلكات التي سلبها الأكراد منهم إلا أن التحذيرات التي تلقاها من المقربين منه بأن الحكومة الإيرانية تبحث عنه وأنه بمجرد دخوله إيران سوف يلقى القبض عليه ويحاكم، فعوضاً عن ذلك سافرت زوجته عام 1925 إلى موطنها للمطالبة بإسترجاع ممتلكاتهم غير أنها ماتت مسمومة والشكوك تحوم حول الأكراد الذين أستولوا على أراضيهم، فكان هذا حادثاً مؤلماً جداً لروفائيل خان جعله ينتظر الفرصة المناسبة للعودة إلى الوطن حتى تحققت عقب قيام بعض الكيانات القومية في منطقة أذريبيجان شمال بلاد فارس في الأربعينيات من القرن الماضي وبمساعدة القوات السوفياتية. فبعد عجز أولاده وبقية أفراد عائلته عن منعه من الذهاب إلى إيران غادر روفائيل خان مدينة كركوك إلى إيران وهو يقول لهم: إن زوجتي ووطني ينادياني فعلي اللحاق بهم، فلم يهاب الخوف بل أمتلئ قلبه شجاعة أكثر وإصرار شديد لمغادر كركوك والسفر إلى إيران. حادث مؤلم ولكن مليء بالعبر والدروس في إستشهاد الأبطال من دون خوف أو رهبة.. ففي عام 1946 وفي إيران عندما ألقت السلطات الإيرانية القبض عليه، وتحديداً بعد سقوط الجمهوريات في إذريبيجان عقب سحب الإتحاد السوفياتي مساندته لهم بسبب ضغوط من الدول الغربية، أصطف روفائيل خان مع مجموعة من رفاقه الآشوريين خلف هضبة ترابية فاتحين صدورهم أمام بنادق فرقة الإعدام الإيرانية وعندما شاهدوا أعضاء هذه الفرقة روفائيل خان الذي كانت شهرة بطولته وشجاته تملئ ساحة الوغى واقفاً أمامهم ترددوا في إطلاق النار عليه حتى صرخ روفائيل خان في وجههم قائلا: أطلقوا النار فلا تترددوا فنحن مستعدين للموت. وبعد إستمرار تردد فرقة الإعدام في إطلاق النار سحب قائدهم مسدسه وأطلق النار على روفائيل خان ثم بعد ذلك أستمر إطلاق النار من قبل فرقة الإعدام. ويذكر شاهد عيان أستطاع الهروب من موقع الإعدام بأنه كان يقف إلى جانب روفائيل خان طبيب آشوري يرتجف خوفاٌ من الموت فقيل له "أنظر إلى من يقف إلى جانبك فلماذا تخاف من الموت". أستشهد روفائيل خان محققاً أمنته بأن يموت في أرضه وبين أبناء أمته مسجلاً بذلك أسمه في سجل الشهداء الآشوريين الذين بدمائهم أرتوت الحركة القومية الآشورية وتواصلت حتى هذا اليوم.
مفارقات تاريخية:
1)   - إستشهاد روفائيل خان وفريدون أتورايا: هناك صلة عجيبة ومثيرة بين هذا القائد البطل وذات المفكر العبقري وحكاية إستشهادهما... ففي حالة إستشهاد كلا الخالدين كان للإتحاد السوفياتي وإيران دوراً فيها. لا بل والأكثر من هذا فإن هناك ثلاثة تفسيرات لقصة إستشهاد كل منهما. ففريدون آتوراياً الذي أعتقلته السلطات الستالينية قيل بأنه مات تحت التعذيب وهو في السجن وقيل أيضا بأنه أنتحر بسبب المعاناة الشديد التي عاناها وهو في السجن ولم يتحملها والتفسير الثالث يقوم على أساس محاكمته وإعدامه في السجن وإستشهاده عام 1926. وهذا التفسير هو نفس التفسير في إستشهاد روفائيل خان الذي سجن ثم أعدم رمياً بالرصاص. ولكن يظهر بأن جثمان الشهيد روفائيل خان كان لها حظوظاً أكثر  من جثمان فرديون أتورايا حيث تمكن بعض الآشوريين من سحب جثة روفائيل خان من بين أثنى عشر شهيد آشوري من موقع الأعدام ومن ثم دفنه في أورميا وإقامة صرح تذكاري على ضريحه في حين لم يستطيع أحد من العثور على جثة فريدون أتوراياً ولا مكان دفنه لحد هذا اليوم.
2)   الحركة القومية الآشورية و "النسطورية": يربط بعض ذوي العقول الضحلة وضيقي الأفق في النظر إلى المسائل القومية بنظرة موضوعية، يربط بين الحركة القومية الآشورية وكنيسة المشرق التي عرفت نكاية بها بـ "النسطورية". غير أن كل الحقائق التاريخية تبين بأن مثل هذا الربط غير صحيح إطلاقاً فهو أما محاولة غير بريئة يائسة لتحجيم الحركة القومية الآشورية بمساحة طائفية معينة وضيقة أو هو الوعي القومي السياسي الجاهل بعينه وعدم القدرة على فهم إبجديات هذه الحركة... فمن الملاحظ منذ أيام يوسف هربوط في الربع الأخير من القرن التاسع عشر مروراً بنعوم فائق وفريد نزها وفريدون أتورايا وأغا بطرس والمطران توما أودو وجوزيف دورنه وديفيد بيرلي وغيرهم من مؤسسي الإاتحاد القومي الاشوري الأمريكي وسنحاريب بالي ويوسف مالك وحتى شهيدنا القائد روفائيل خان كلهم شهداء الحركة القومية الآشورية ومن روادها الأوائل لم يكونوا من أتباع كنيسة المشرق "النسطورية"، ولكن في عين الوقت كان هؤلاء يبجلون ويحترمون أيما إحترام أمير الشهداء مار بنيامين ويعتبرونه زعيماً قوميا للأمة والحال كان نفسه مع مثلث الرحمات مار شمعون إيشاي في الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان معظم أن لم يكن جميع الذين ساندوه في مهماته وفي تحركاته القومية قبل وأثناء وبعد الحرب العالمية الثانية كانوا من غير أتباع كنيسته ولكن كان بالنسبة لهم زعيماً قومياً. والحالة تسري أيضا على المنظمة الآثورية الديموقارطية التي تأسست منذ عام 1957 على أكتاف أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية 1957. أما بالنسبة للحركة الديموقراطية الآشورية فهل نستيطع أن ننسى المؤسس الروحي لها المرحوم أبرم عما والمرشد النضالي توما توماس وكلا العظيمين من بلدة ألقوش العظيمة أم القرى الكلدانية/الآشورية التي أنجبت خيرة أبطال ورجال هذا الأمة وكنيستها المشرقية.
3)   وعود الأنكليز للآشوريين: من الأكاذيب التي نسجت حول علاقة الآشوريين بالإنكليز وسؤء الفهم سواء بقصد وسوء التفكير أو بجهل الحقائق التاريخية هو وعود الإنكليز للآشوريين في تأسيس كيان سياسي قومي (دولة) خاصة بهم. وهي الأكاذيب التي أستخدمتها النخبة الحاكمة في العراق ومفكريهم لضرب الحركة القومية الآشورية بحجة كونها "طابور خامس" للإستعمار الإنكليزي. ومن المؤسف أن ينساق ويقلد بعض من أبناء أمتنا هؤلاء الإستبداديين من تزيف أهداف الحركة القومية الآشورية والطعن ببعض قادتها. ولكن لو نظرنا إلى الحقائق التاريخية وبنظرة موضوعية مدعومة بالوثائق سوف لا نجد إطلاقاً مثل هذه الوعود الكاذبة. لقد قضيت أيام طوال في السنوات الماضية في البحث والتقصي في الوثائق والمراسلات االضخمة في مركز الوثائق البريطانية في منطقة كيوي في لندن، وهي أكثر الوثائق والمراسلات البريطانية التي تتصف بالدقة المتناهية والتفصيل في كل صغيرة وكبيرة عن السياسة البريطانية خاصة في تلك المرحلة، فلم أجد أية وثيقة رسمية تشير إلى مثل هذه الوعود الكاذبة. فالمهتمون بالتاريخ السياسي للآشوريين في الثلث الأول من القرن الماضي يعرفون بأن بعض رجال الإنكليز الذين تعاملوا مع المسألة الآشورية في العراق كانوا قد صرحوا وفي مناسبات عديدة عن مساعدة الآشوريين وإعطاءهم بعض الوعود. ومن يقرأ هذا الكتاب سيجد بأن الإنكليز حاولوا مساعدة الآشوريين في عام 1920 على العودة إلى أوطانهم في أورميا وهيكاري ليس حباً بهم بل لغرض تحقيق مصالحهم السياسية في مواجهة الإتراك والفرس وتحقيق النصر النهائي في الحرب ولكن بعد قيام ثورة العشرين في العراق وبداية تأسيس الكيان السياسي في العراق تخلوا الإنكليز عن مثل هذه المساعدة وأصبح همهم إسكان الآشوريين النازحين حسب الخطة العراقية – الإنكليزية في مناطق متعددة في شمال العراق وأيضا طبقاً لمصالحهم. ثم بعد منح العراق الإستقلال الشكلي في عام 1932 تبلدت مصلحة الإنكليز في العراق وبالتالي تبدلت مصلحتهم أيضاً وتعاملهم مع الآشوريين فلم تعد مسألتهم في جدول أولوياتهم بل كانت من مصلحتهم التخلص منهم ومن قادتهم وهذا ماحدث في مذبحة سميل ونفي قادة حركتهم القومية إلى خارج العراق. ومن الملاحظ بأن حتى مثل هذه الوعود فأنها أما كانت شفهية أو كانت صادر من عناصر مخابراتية بريطانية معروفة بمناوراتها وأساليبها الملتوية في خداع الشعوب من أجل تحقيق مصلحة بلادهم. فمثل هذه الوعود لا تملك أية قوة قانونية تلزم دول هذه العناصر. والجدير بالمقارنة مثل هذه الوعود مع أشهر وعد معروف في العالم الذي يخص بريطانيا وهو وعد بلفور الذي عرف بأسم وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور عام 1917 وألتزمت به لأن إعطاء مثل هذا الوعد كان لبريطانيا مصلحة كبيرة من وراءه جاءت نتيجة حصولها على براءة إختراع مادة النيتروجليسرين شديد الإنفجار من العالم الكيمياوي حاييم فايتسمان أشهر شخصية يهودية بعد تيودور هرتزل مقابل هذا الوعد والذي أستخدمته في تفجيرات الحرب الكونية الأولى.
 
     
4)   الشهيد روفائيل خان بين عمره الحقيقي وعمره النضالي: ولد روفائيل خان عام 1881 وأستشهد في عام 1946، أي كان عمره يقارب 65 سنة. ولكن من يلاحظ هذه الصورة للشهيد وهو في مدينة كركوك مأخوذة قبل عودته إلى وطنه وإستشهاده هناك يظهر كأنه رجل في الثمانين من العمر وربما أكثر. هذا الفرق بين عمره الحقيقي وعمره الظاهري هو صورة حية وناطقة للمأساة والكوارث ومشقة النضال الصعب والمميت التي تراكمت على هذا القائد البطل من أجل أن ينقذ شعبه أو يخفف من معاناته، فهذا هو قدر المناضلين والشهداء يضحون بسنوات طوال من عمرهم من أجل شعبهم، فكم من السنوات الطويلة كرسها المناضلون للحركة القومية الآشورية من أجل تحقيق أهدافها لا بل كم من الأرواح أزهقت ودماء زكية أريقت من أجل إستمرار هذه الحركة وتسليمها إلى الإجيال المعاصرة... أليس دماء الشهداء روفائيل خان والمطران توما أودو ويوسف هربوط وفريدون أتورايا وغيرهم كثير هي التي سقت كرمة الأمة ودفعت الحركة القومية الآشورية نحو الأمام لتستمر حتى هذا اليوم... ولماذا نذهب بعيداً؟؟؟ أليس دماء طلائع شهداء أمتنا يوسف توما و يوبرت بنيامين ويوخنا إيشو هي التي أنبتت براعم الحركة الديموقراطية الاشورية وجعلتها من أكثر الحركات القومية الفاعلة في تاريخ أمتنا المعاصر... فهيهات وهيهات وحذاري من تجاهل هذه الدماء والدماء التي سبقتها وإستغلالها من أجل منفعة شخصية أو جاه أو كرسي... فدماء الشهداء هي التي تغذي الحركة القومية وتجعلها تنمو وتتواصل نحو الأمام وبالمقابل الكرسي هو الذي يحطم هذه الحركة ويحولها إلى زمرة نفعية معرضة لمحاكمة التاريخ لها عاجلا أم آجلا، .. قيل اللبيب من الإشارة يفهم ... ولكن ... وحسرتاه ... فإن  الملتصق على الكرسي عاجز عن فهم مثل هذه الإشارة!!!   









237
الصحافة الآثورية منذ نشأتها – بقلم الأديب الكبير الراحل زيا نمرود كانون

أبرم شبيرا

كتب بعض الأصدقاء الإدباء عن رحيل الأديب الكبير زيا نمرود كانون والذين عايشوا معه معاناة العمل الأدبي والثقافي القومي الأشوري في العراق وعبروا كل التعبير عن ريادة المرحوم في الحقول الأدبية والثقافية واللغوية والإعلامية المختلفة بحيث لم يترك ساحة وإلا كان فاعلاً ومؤثراً فيها سواء في النادي الثقافي الآشوري أو في إتحاد الأدباء والكتاب الناطقين بالسريانية أو في الإذاعة السريانية أو في المجمع العلمي العراقي. وفي المهجر لم يهداً به بال ولا راحة إلا وتواصل عمله الدؤوب في هذه الحقول المختلفة فكان من نتيجة أعماله الأخيرة والمثمرة والمفيدة لإجيال هذا علصر  كتابه الموسوم "الحلقة المفقودة في تاريخ الآشوريين". فلم يكن رحيله فقداناً لنجم لامع وكبير في الأدب واللغة والثقافة بل لصديق عزيز ومخلص لمعظم الذين عملوا معه في هذه الحقول وترك في نفوسهم إنطباعاً مؤثراً لإنسان بكل معنى الكلمة من ثقافة وأدب وإخلاق وهدوء الطلة والحديث بحيث كان محبوباً ومنجذبا لجميع الذين عرفوه سواء في الوطن الأمن أم في المهجر.
ولم يكن المرحوم بهذه الصفات الفكرية والأخلاقية معنياً لي شخصياً فحسب بل كان كالمعلم المثابر والمهتم بغيره من الكتاب والمثقفين الناشئين ويأخذ بأيدهم ويرشدهم نحو الأسلوب الصحيح في التفكير والكتابة، وأتذكر بهذا الخصوص عندما كتبت أول مقالة تحت عنوان "مفهوم الديموقراطية" وقدمتها لنشرها في مجلة المثقف الآثوري التي كان يصدرها النادي الثقافي الآثوري فذهبت المقالة إلى المرحوم وتوأمه الآخر الأديب ميخائيل مروكل ممو اللذان كانا يعملان كمحررين في هذه المجلة فأعيدت المقالة لي ومكتوب عليها "غير صالحة للنشر" بعد أن عمل مشرطهم الحاد فيها يمنياً وشمالاً مصححين أخطائي في كل سطر من المقالة وجعلا منها كلوحة سريالية لم أفهم منها وأتقن أسلوبهما المبدع في الكتاب الأدبية والثقافية والنقد الفكري فما كان مني إلا أن أجد طريقاً لها نحو سلة المهملات. والحق يقال فقد كان هذا درساً مفيدا لي في التواصل والكتابة والتعامل مع المرحوم وغيره من كبار الإدباء والمثقفين الآشوريين في النادي بحيث وصلنا إلى درجة العمل المشترك في هذه الحقول في السنوات اللاحقة.
لم تعد تكفي المواساة وبيان مدى الخسارة الكبيرة لرحيل هذا الأديب المبدع لأنها خسارة فادحة وبيانها يتطلبها الكثير من فتح ملفات سنوات السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي في العراق وبيان الدور الريادي للمرحوم في تطوير الأدب والثقافة والشعر واللغة ومساهمته في المؤسسات الثقافية والأدبية لهذا أرى من المفيد للقارئ أن أستنسخ وأعيد نشر موضوعاً كتبه المرحوم تحت عنوان "الصحافة الآثورية منذ نشأتها" والذي نشره في مجلة المثقف الآثوري في العدد الثالث عشر والرابع عشر لسنة 1977 وهو موضوع مهم وتوثيقي نادر التطرق إليه ومفيد لأبناء امتنا في هذا العصر خاصة للذين يرغبون الكتابة لأغراض علمية وأكاديمية. وهنا أود أن أبين ملاحظتين شكليتين عن هذا الموضوع:
الأول: المرحوم يتطرق في الموضوع إلى التسمية "الأثورية" وليس الآشورية ذلك لأنه حسب تعليمات مديرية رقابة المطبوعات التابعة لوزارة الإعلام العراقية في تلك الفترة منعت النادي الثقافي الآثوري من إستخدام التسمية الآشورية والإكتفاء بالتسمية الآثورية وذلك لأغراض قطع الصلة بين التسميتين وأبقاء التسمية الآثورية ضمن حدودها الطائفية حسب فكر البعث الإستبدادي في تلك الفترة تجاه الأقليات وتحديداً تجاه الآشوريين. وعلى نفس السياق كانت هذه المديرية قد حرمت سحب التسمية الآثورية على تاريخ الاشوريين القدماء، فالتسمية الآشورية حصرياً على الآشوريين القدماء والأثورية على الآثوريين المعاصرين!!! لهذا السبب كانت رقابة المطبوعات قد رفضت بعض المقالات لنشرها في مجلة المثقف الآثوري لأنها كانت تشير إلى الملك سركون الثاني أو آشور بانيبال كملوك للآثوريين فطلبت من هيئة تحرير المجلة تغير الكلمة إلى الآشوريين.           

ثانيا: كتب المرحوم هذا الموضوع في ظروف صعبة وقاسية وعلى مختلف الأصعدة السياسية والفكرية والثقافية فكانت الكتابة في مثل هذا الموضوع يتطلب توفر مراجع ونماذج للصحف الآشورية خاصة التي نشرت في القرنين الماضين وتوفر معلومات عنها لهذا واجه المرحوم صعوبة كبيرة جداً في العثور على مثل هذه المعلومات التوثيقية لذا كان من المتوقع أن يقع المرحوم في بعض الأخطاء غير المقصودة وذلك بسبب قلة أو عدم توفر المعلومات المطلوبة ولكن يظهر بأن المرحوم كان موفقاً بشكل كبير بحيث أفلح بشكل فائق في الإشارة إلى المعلومات الخاصة بالصحف الآثورية ووضعها بشكلها الصحيح عدا خطأ بسيط جداً عندما أشارة إلى مجلة (مهديانا أثورايا – المرشد الآثوري) التي كان يصدرها الشهيد البطل آشور يوسف بيت هربوط رائد الصحافة الآشورية في أمد – ديار بكر في الربع الآخير من القرن التاسع عشر وبداية قرن العشرين وليس في أميركا كما أشار المرحوم إليها. وهنا، كما يقال: الحديث بالحديث يذكر: يقول بعض الحاقدين على التسمية الآشورية بأن الإنكليز كانوا أول من أطلقوا هذه التسمية على المسيحيين من أتباع كنيسة المشرق التي كانت تعرف نكاية بهم بـ "النسطورية" وهو الموضوع الذي تناولناه في مناسبة سابقة، ولكن من الملاحظ بأن الشهيد آشور بيت هربوط الذي ولد في مدينة هربوت في جنوب شرقي تركيا عام 1858 وغيره من أمثال الشهيد برصوم بيرلي والد المفكر القومي الكبير ديفيد بيرلي (كلاهما أعدمتهم السلطات التركية بسبب مواقفهم القومية عام 1915 وهم في السجن) كان لهما شعوراً قومياً عظيماً تجاه أمتهم الآشورية "الأثورية" وضحوا بحياتهم من أجلها وعرفوا عن عائلة معروفة بمواقفها القومية، تلك المواقف التي لم تكن لها علاقة إطلاقاً بالإنكليز وبتسميتهم الآشورية ومن المؤكد بأنهم لم يلتقوا أو سمعوا عن نية الإنكليز من إطلاق التسمية الآشورية على المسيحيين الحيكاريين خاصة وهم من أتباع الكنيسة السريانية الآرثوذكسية ويعيشون ويعملون في مناطق لم يصلها الإنكليز.

على أية حال، في الأخير لنترحم جميعنا على روح المرحوم الذي رحل عنا ولكن بقى نتاجه الفكري والأدبي والثقافي واللغوي خالداً معنا وسيبقى أيضا للأجيال القادمة وفي أدناه نموذج واحد من أعماله الكثيرة والمثمرة:     

       







238
من قال بأن المسيحيين في إقليم "كردستان" مضطهدون ... أنه كذب وإفتراء ؟؟؟ !!!

أبرم شبيرا

حقاً من قال بأن المسيحيين وتحديداً "الكلدان السريان الآشوريين" مضطهدون في إقليم "كردستان" وفي بقية أجزاء العراق؟؟؟ أليس هذا كذب وإفتراء ونكاية بحكومة إقليم "كردستان" الديموقراطية وبالحكومة المركزية في بغداد الديموقراطية جداً الذين جلسوا على كراسي الحكم بأساليب ديموقراطية جداً وبدون أية مساعدة خارجية من الأمريكان والإنكليز الكفرة. لو لم تكن هاتان الحكومتان ديموقراطية لما منحت كامل الحرية لأبناء شعبنا "الكلدان السريان الآشوريين" لإختيار ممثليهم في البرلمانين المركزي والإقليمي ولما جلسوا "ممثلي" أمتنا مع ممثلي بقية القوميات والأحزاب جنباً إلى جنب متشاركين معهم في الضراء والسراء... يالها من مساواة تاريخية لا مثيل لها في كل الأقطار العربية والإسلامية. وهذه الأيام يحضر "قادة أحزابنا وتنظيماتنا المناضلة" ويهيئون ويسمون مرشحيهم لمجالس البلديات وللإنتخابات القادمة لغرض تقسم الكعة بينهم، فالقوي يأخذ كل الكعكة وربما سيكون رحيما  فيترك جزء صغير أو بعض من الفتات للأصغر والأضعف إكراماً للديموقراطيته العظيمة التي تعلمها من أسياده في بغداد وأربيل ومن لا يرضى ليضرب رأسه بالحائط أو يذهب ويكتب مقالة أو شكوى وينشرها في أحد مواقعنا الألكترونية.  كيف تكون الديموقراطية إن لم تكن بهذا الشكل... لقد درسنا مبدأ حق تقرير المصير ومدى تطبيقه على الأقليات التي تعيش بين أغلبيات في مناسبة سابقة وخلصنا إلى نتيجة مفادها بأن الوضع الحالي للأقليات العراقية ومنها إقليتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" لا ينطبق عليهم مبدأ حق تقرير المصير بمفهوم تكوين دولة خاصة بهم لأن الظروف السياسية والديموغرافية والتاريخية لا تسمح بذلك بل جًل ما ينطبق عليهم هو مشاركتهم في الحكم وفي مؤسساته الحكومية والبرلمانية وفي عملية صنع القرار السياسي... أذن بهذا المفهوم نقول بأن أمتنا مستمتعة أيما إستمتاع بحق تقرير المصير وليس ذلك إلا نتاج الديموقراطية العظيمة التي يتحلى بها رجال الحكم في بغداد وأربيل وليس على "ممثلي" أمتنا إلا أن يشكرونهم ليل نهار ويصلوا من أجل أن تترسخ ديموقراطية العظيمة أكثر فأكثر. فوفق هذه المفاهيم في الديموقراطية العظيمة كيف نتجاسر ونقول بأن المسحيين مضطهدون في الشمال والجنوب وتتعرض أراضيهم للتغير الديموغرافي والإستلاء عليها كبداية لخطة مدروسة للقضاء نهائياً على وجودهم التاريخي في أرض أبناءهم وأجدادهم..

المبدأ القانوني يقول بأن الجريمة هو الفعل نفسه أومن يشارك فيه أو من يتستر عليه أو يغض النظر عنه.. إن إغتصاب أراضي الغير وسلبها من أصحابها يعتبر جريمة وما يجري من إعتداء وإغتصاب وتجاوز لأراضي أبناء شعبنا في شمال العراق هو جريمة بحد ذاتها... يقولون بأن بعض العشائر الكردية المنفلة أو المسنودة من قبل هذا الشيخ أو ذاك هم الذين يقومون بهذه الأعمال الإجرامية في إغتصاب أراضي شعبنا ولكن إذا كان الأمر كذلك فإذن فإن إقليم كردستان ما هو إلا "حارة كل من أيدو إلو" على قول غوار الطوشي. وإذا كانت حكومة الإقليم أو بعض المتنفذين فيها يغضون النظر عنها فهذا هو أيضا جانب من جريمة أغتصاب هذه الأراضي... ولكن هذا غير معقول عن "أبطال أمتنا" لأن مثل هذا التجاوز بالنسبة لهم ما هو إلا مشكلة فردية هنا وهناك يمكن حلها بالأساليب الديموقراطية الرائعة التي تتوفر للجميع وبحلولها السحرية وليس بأساليب غير قانونية والتي لها نتائج وخيمة على "كوتتنا" المخصصة لأبناء أمتنا فلربما يزعل القابعون على السطلة ويقللون من هذه الكوته من خمسة كراسي إلى خمس "تختات" بالكاد تكون كافية للجلوس عليها. 

لو كان المسيحيون ومنهم "أقليتنا الكلدانية السريانية الآشورية" مضطهدين في أرضهم ... ولو كان الكرد وغيرهم يتجاوزن ويبتلعون أراضي شعبنا صحيحا وليس كذباً وإفتراءً فإن ضمير "ممثلي" أمتنا الحي جداً لا يقبل بذلك أبداً بل لكان قد قفزوا إلى مركز ميدان القتال والإحتجاج وتركوا كراسيهم البرلمانية والحكومية وقادوا مظاهرات جماهيرية أمام المراكز الحكومية والبرلمانية وكتبوا إحتجاجات وبرقيات إلى دول العالم والمنظمات الدولية لكن لن يفعلوا هذا ليس خوفاً على جيوبهم وعلى ضياع الجهاه والسلطة والتباهي على مساكين أمتنا فحسب بل أيضا لأن هناك أكثر من يهوذا الإستخريوطي بيننا مستعد لكي يركع ويقبل أيادي رجال الحكم في بغداد وأربيل ويحل محلهم ويأخذ الكعكة كلها ومن دون أن يترك حتى الفتات للآخيرين... لا أدري لماذا كتب الأخ بولص ماليك يوسف ماليك خوشابا رسالة إحتجاج إلى رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البرزاني على تجاوز بعض الكرد على قرية جمي ربتكي في سهل نهلة من محافظة دهوك وضيع وقته وأستهلك قلمه في الوقت الذي نحن نحتاج إليهما أكثر في الكتابة عن تاريخ أمتنا المعاصر؟ ألا يدري بأن هناك "ممثلي أمتنا" وهم أبطال ومقاومون للظلم والإستبداد يتربعون على كراسي البرلمان والحكومة ويستطيعون بجرة قلم أو بإشارة بسيطة أو بغمزة عين أن يحلوا كل التجاوزات على أراضي أبناء شعبنا ويرجعونها لأصحابها الشرعيين. فإجتماعاتهم وإحتجاجاتهم الورقية ترهب الأرهابين وسارقي أراضي شعبنا ومن دون عناء النزول إلى ساحة التحدي وقيادة جماهيرنا ضد هذه التجاوزات لعل بدلاتهم الجميلة تتسخ بأتربة الشوارع الوسخة في بغداد وأربيل. هذه الحقيقة في بطولات "ممثلي" شعبنا لها خلفية تاريخية تؤكد ما ذهبنا إليه ولا يستوجب الخوف على إمكانيتهم في إزالة التجاوز ليس على قرية جمي ربتكي بل على كل التجاوزات الصارخة في منطقة ديره وكومانه و بروري بالا وبخديده وبرطله وغيرهم كثر. فأطمئنوا وأتكلوا على عضلات "ممثلي" أمتنا في حل مثل هذه المشاكل التي تبدوا بسيطة جداً عن المشاكل السابقة التي تم حلها وبسهولة مطلقة... أليس بجهودهم الجبارة أن يقبع مختطفو الشهيد الخالد المطران بولص رحو في القبور بعد أن تم تنفيذ حكم الإعدام بهم ... أليس بقوتهم الهائلة تم حل مشكلة الأبراج الأربعة المشؤومة في قصبة عنكاوة؟؟؟ فعلاً نحتاج إلى سجل طويل عن الإنجازات التي حققها "ممثلي" أمتنا لكي ندخهلم في التاريخ خاصة بعد أن أنعموا برفاهية كراسي الحكم والبرلمان التي توفرت لهم بعد زوال حكم المقبور صدام حسين.     


   
هذه صورة وخبر منقول عن موقعنا الموقر (Zowaa.org) يقول الخبر "للوقوف على حيثيات وتفاصيل الأعتداء الاخير الذي تعرض له أهالي قرية جمي ربتكي احدى قرى شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في منطقة نهلة، مساء يوم أمس الخميس 13 حزيران 2013 زار وفد من قيادة حركتنا الديمقراطية الآشورية القرية والتقى الهيئة الاختيارية والأهالي ووقف على حيثيات وتفاصيل الاعتداء الذي تعرضوا له من قبل مجموعة من المتجاوزين على أرض القرية" ... إلخ

ربما البعض لم يقرأ الخبر لأنه أصلاً يخاف من كلمة "زوعا" ولا يريد أن يسمع عنها بشئ فكيف والحالة أن يفتح موقعهم ويقرأ الخبر... لكي أسهل الأمر عليهم انشر هذه الصورة والخبر والذي كان من المفترض للأخ بولص ماليك يوسف ماليك خوشابا أن يرفق الصورة برسالته الإحتجاجية لعل السيد مسعود البرزاني يرتعب أكثر ويأخذ المسألة أكثر جديةً ولربما كان تأثير الصورة كبيراً فيركب سيارته ويزور القرية ويحيل المتجاوزين على القضاء ليأخذ مجراه .... على أية حال بالنسبة لي شخصياً لي حصانة فكرية ضد أي فايروس حزبي ولا أخشى من مجالسة الأحزاب والتنظيمات السياسية وقادتهم وقراءة أفكارهم وطروحاتهم سواء أكانوا فعلاً أصدقاء أو غير ذلك فللجميع أكن إحتراماً شديداً وفي المقدمة زوعا- الحركة الديموقراطية الآشورية. يصفني أحد إصدقائي الحزبين الذين له تمثيل في المراكز الحكومية والبرلمانية، يصفي بأنني مصاب بمرض الحسد عندما أوجه النقد إلى ممارسات "ممثلي" أمتنا وأطلب منهم الإستقالة كأسلوب فاعل للإحتجاج لأنه ليس لي قطعة أو فتات من الكعكة التي يستذوقونها ليل ونهار... فعلاً إنني أحسدهم على مواقعهم ووظيفتهم المريحة والمربحة!!!... ألستُ مهبولاً وجاهلا  بأمور الدنيا ومتعتها وأنا أعمل ولساعات طويلة في صحارى دولة الإمارات العربية المتحدة وفي جوها اللهاب والرطب من إجل كفاف خبزي اليومي؟؟  أليس من المفروض أن أستغل صداقتي الفكرية والشخصية والتاريخية مع بعض قادة تنظيماتنا السياسية والقومية وأبدأ بمسح الكتوف وأحصل على كرسي مريح وأجلس مع أصداقي الأفاضل تحت شجرة جميلة وأستمتع بجو وطني اللطيف والمنعش وأستمتع بأكلاتنا الشعبية في قرانا الجميلة خاصة وأنا بلغت السن التقاعدي وسيكون لي الكثير من الوقت لأبيع  البطولات والمفاخر لأبناء شعبنا المسحوق في وطنه التاريخي.. سأعمل هذا عندما يموت ضميري الحي ... ولكن لا أعتقد ذلك لأن الضمير الحي لا يموت حتى بعد ممات الإنسان.

يقول أخوتنا المصريين " اللي أختشوا ماتوا".

239
هل الإنكليز أخترعوا التسمية الآشورية Assyrian)) ؟؟

أبرم شبيرا
الغرابة والسذاجة في مثل هذه السؤال متعلقة بالمقولة التي تقول بأن الإنكليز كانوا أول من أطلق على تلك المجموعة المسيحية التي كانت تقطن في شمال بلاد ما بين النهرين وشمال غربي بلاد فارس التسمية الآشورية (Assyrian). نعم ثم أقولها مرة أخرى نعم ... فالإنكليز هم الذين أطلقوا على هذه المجموعة التسمية الآشورية (Assyrian) وهذا ليس أمراً غريباً إطلاقا لأن كل شعب من شعوب العالم يسمي الأشياء والظواهر والشعوب والقوميات بلغته القومية وليس بلغات الشعوب الأخرى. هكذا فالإنكليز أطلقوا على هذه المجموعة هذه التسمية بلغتهم القومية الإنكليزية ولم يكن معقولاً أطلاقاً أن تسميهم بلغات الشعوب الأخرى وتحديدا الساكنة في نفس المنطقة. حيث سكن وجاور العديد من القوميات والمجموعات البشرية والأثنية والدينية الآشوريين ومنذ زمن بعيد ولبعضهم جذور تاريخية عميقة في نفس المنطقة مثل الشبك واليزيدية  والقبائل المحلمية المسلمة في منطقة طور عبدين – جنوب شرقي تركيا الذين كانوا سريان أرثوذكس حتى أوائل القرن السابع عشر، ولكن الإنكليز لم يطلقوا عليهم التسمية الآشورية (Assyrian) لأن الظواهر والعوامل التاريخية والحضارية واللغوية والتراثية لهذه المجموعة المسيحية كانت كلها تختزل في هذه التسمية وتنطبق على هذه المجموعة ولم تكن تنطبق على الشعوب والقوميات والمجموعات المجاورة للآشوريين.
فالإنكليز لم يشذوا عن القاعدة العامة في تسمية الشعوب والمناطق بلغتهم القومية كما فعل بقية القوميات الأخرى الذين سموا هذه المجموعة المسيحية بالآشوريين بتسميتهم القومية. فعلى سبيل المثال العرب أطلقوا عليهم تسمية أثوريين أو آشوريين أو سريان وحسب مناطق تواجدهم والفرس سموهم أسوريكا والأرمن سموهم أسورينير والأذربيجانيون سموهم أسورليار والأتراك سموهم أسورلي والروس سموهم أسيريس والصينيون سموهم ياصو والكرد سموهم أسوري واليهود سموهم آشوريم والسويديون سموهم أسيريسكا...وهكذا كل قومية تسمى الأشياء والظواهر والشعوب والأمم والبلدان بلغتها القومية وليس بلغة أجنبية أخرى وهكذا فعل الإنكليز عندما ألتقوا بالآشوريين في بداية الأمر فكان من الطبيعي جداً أن يطلقوا على هذه المجموعة الأثنية وفق لغتهم القومية الإنكليزية تسمية "أسريانس" (Assyrians). ...!!  فالقول القائل بأن الإنكليز كانوا هم الذين أطلقوا على هذا القوم تسمية الآشوريين (أسريان – Assyrians)  صحيح بالتمام والكمال فما الذي كنًا نتوقعه من الإنكليز أن يطلقوا عليهم ونحن نعرف بأن الشعوب تتكلم بلغاتهم القومية وتسمى الأشياء بمسمياتها وبلغتهم القومية

إن المقولة القائلة بأن الإنكليز كانوا أول من أطلق على هذه المجموعة المسيحية هذه التسمية التاريخية فأن هذا لا يعكس الحقد والتزوير والضغينة لهذه التسمية الحضارية ولأصحابها وإنما أيضاً يعتبر جهلاً مطبقاً في قراءة التاريخ بشكل علمي وموضوعي. نحن هنا لا نريد أن نشير إلى طيطيانوس الآثوري صاحب "الدياطسرون" الإنجل الموحد، الذي لقب نفسه بالآثوري أو الآشوري في القرن الثالث الميلادي أثناء مواجهة للفكر الهيليني القومي والديني ولا إلى سرجون بن منصور الذي لو لم يكن لوالده الشعور والإدراك بإنتماءه إلى الآشوريين وإعتزازه بملوكهم لما سمى أسمه بأسم أعظم ملوكهم وهذا كان قبل مجئ الإنكليز إلى مناطق الآشوريين في شمال بيت نهرين  بقرون طويلة. ولكن حتى نكون أكثر وضوحاًً وموضوعياً في تتبع المقولة القائلة بأن الإنكليز هم الذين أطلقوا عليهم التسمية الآشورية وتحديداً على السكان الأصليين في شمال بيت نهرين من النساطرة نقول بأن الشعوب التي جاورت الآشوريين في موطنهم كالكرد والفرس عرفوا الآشوريين بالتسمية الصحيحة وبلغتهم القومية وقبل هذا التاريخ بقرون. فهذا الأمير الكردي شرف الدين خان البدليسي أمير إمارة البدليس الكردية في منطقة وان في شمال شرقي إيران كتب كتاب ضخم بعنوان "شرفنامه" في عام 1596 ميلادية وباللغة الفارسية وهو أول كتاب يؤرخ تاريخ الكرد والأمارات التي أسسوها وأمراءها حيث يذكر أسم الآشوريين فيه بتسمتهم بالطائفة أو المجموعة "ألأسورية ="الآشورية" – كما وردت بالضبط في الكتاب الأصلي (أنظر ص 17-416 من كتاب شرفنامه للأمير شرف خان البدليسي، ترجمه إلى العربية محمد جميل الملا أحمد الروزبياني، المدى للثقافة والنشر، دمشق – سوريا، 2007، ط3، وكانت أول ترجمة إلى العربية عام 1958 في القاهرة من قبل نفس المترجم) ولأهمية الكتاب فقد كان قد ترجم إلى عدة لغات أجنبية ومنها إلى اللغة الروسية حيث أشار إليه نائب القنصل الروسي في مقاطعة وان شمال شرقي إيران في تقريره المشهور عن الآشوريين في منطقة وان وهيكاري عام 1906 فيذكر بأن البدليسي يشير إلى الآشوريين، ويترجمها إلى الروسية بـ (Aissors) "كقبيلة كافرة وعديم الضمير ومجردة من المبادئ الإخلاقية" (أنظر مجلة ملثا عدد 2، مجلد 2، سنة 1996، ص 11، التي كان يصدرها النادي القومي الآشوري للمثقفين في روسيا) وهناك تراجم أخرى لهذا الكتاب تذكرالآشوريين كـ "جماعة من الرعاية من نصارى تلك الولاية المشهورين بالآشورية". وكان قد كتب هذا الكتاب قبل أكثر من قرنين ونصف القرن من الزمن من قدوم الإنكليز إلى مناطق الآشوريين واللقاء بهم وتسميتهم بلغتهم القومية بـ (Assyrians). ومن يقرأ تقارير وكتابات الآثاري أوستن هنري لايارد (1817-1894) مكتشف آثار نينوى ونمرود سوف يتأكد من الشعور بالإنتماء إلى الحضارة الآشورية للعمال من النساطرة والكلدان عندما كانوا يندفعون وبحماس في العمل معتبرين الآثار والتماثيل المكتشفة جزء من حضارتهم العريقة في حين على العكس منهم حيث كان العمال العرب والكرد يرتجفون خوفاً ويهربون معتقدين بأن الثور المجنح هو أبليس وقد قام ورجع من الجحيم إلى الحياة.

هذه الحقائق التاريخية والمنطقية يتجاهلها الحاقدون على التسمية الآشورية سواء بقصد أو بجهل ويحاولون تشويه التاريخ بشكل فضيح ولأسباب سياسية أو غيرها ويؤلفون الكتب ويكتبون التقارير كلها تصب في حقل التقليل أو أمحاء تاريخ وحضارة هذا الشعب العريق. لقد قرأت المئات إن لم تكن الألاف من الكتب والدرسات والوثائق والبحوث العلمية، ومن المؤكد فعل ذلك غيري أيضا، ولم أجد شعب أو قومية أو أثنية شوه تاريخها وأصلها مثلما شوه تاريخ وأصل الآشورية... ولكن لماذا؟؟؟ هل لأنه نوع من "الحسد" على هذا الشعب الذي كان له أطول كيان سياسي مستقبل في التاريخ قارب ألف عام وعلى أساسها أقيمت حضارة إنسانية لازالت مآثرها قائمة وتشكل أسس التطور العلمي والإنساني في عصرنا هذا أم أن الآشوريين يسرقون بأنتسابهم لهذه الحضارة العظيمة نسب غيرهم من الشعوب، أم هو أسلوب إنتقامي يهودي لأن الآشوريين كانوا قبضة خالقنا العظيم في تأديب اليهود عند عصيانهم لكلمة الرب؟؟؟ لنترك هذه الإسئلة الغيبية ونلجأ إلى مجموعة عوامل موضوعية من تاريخية وأثنوغرافية وجغرافية وسياسية ودينية لعب دورها الحاسم والفاعل في تشويه تاريخ وأصل الآشوريين. فالمتتبع لظروف الآشوريين وتحديداً من الطائفة المعروفة بـ "النسطورية" التي كانت تعيش في منطقة حكاري وأطراف بحيرة وان خاصة من الناحية التاريخية والجغرافية والديموغرافية سيدرك أموراً إستثنائية غريبة جداً في تاريخ وحياة الشعوب. فالآشوريون النساطرة في هذه المناطق كانوا في بقعة جغرافية محددة وصغيرة ومحاطة بشعوب وأقوام وديانات وحضارات ولغات مختلفة تماماً عنهم لا بل متناقضة معهم ومن جميع النواحي الحضارية واللغوية والدينية والنفسية وعاشوا الآشوريون بين هذه الأقوام والقوميات والإمبراطوريات قرون طويلة تأثروا بهم ولكن من دون أن تستطيع أن تقضي عليهم أو تذوبهم أو تدمجهم في قومياتهم أودياناتهم. فكم من المذابح والتهجير والمظالم فرضت عليهم ولفترات طويلة جداً ولكن بالنهاية لم تستطيع من تدميرهم. أليس غريباً ومثيراً للتساول عن عدم إستطاعة أقوى أمبراطوريات ذلك الزمان كالإغريقية والبيزنطينية والفارسية والإسلامية والعثمانية وبقوة جيشوهم وحضارتهم من القضاء على هذه القلة القليلة من الناس المختلفين عنهم ما لم يكن إيمانهم صلداً بمقوماتهم القومية والدينية المبنية على أسس تاريخية وحضارية عريقة. هذا الأمر المحير والأستثناني جعل الكثير من الباحثين عدم قدرتهم على إستيعابه وفهمه وبالتالي لم يكن أمام عجزه هذا إلا التنكر للحضارة العريقة والتاريخ الشامخ لهذه القلة القليلة ومحاولة حصر تاريخهم في أطر وحدود طائفية دينية محدد بفترة زمنية محددة وعلى أسس لا منطقية ولا موضوعية.

الأمر الأكثر حيرة وإستثناءاً وعجزاً في فهم أصل وتاريخ الآشوريين هو التسمية ومصدرها التاريخي الذي نادراً ما يتحدث الباحثون عنه وإلى الإستثنائية الخاصة بهم والتي كانت بحسب رأينا مصدراً قوياً صلداً للتمسك بوجودهم والدفاع المستميت عنه. فآشور من جهة هوالأبن الثاني لسام أبن النبي نوح (التكوين 10:22) كما وأن هذا الاسم من جهة ثانية هو لمدينة آشور عاصمتهم المقدسة وأيضاً أسم بلاهم وأسم إلههم القومي ثم أسم دولتهم وأمبراطوريتهم فلم يكن آشور إلهاً يحتل مكانة خاصة في منطقة معينة فحسب، بل أن اسمه كان يتطابق مع مدينة آشور، إلا أنه مع هذا يؤكد علماء الآثار بأن ظاهرة  تسمية المدن باسم إله معين، أي ظاهرة شخصنة أو تألية المدن، هي نادرة جداً في بلاد ما بين النهرين فمدينة آشور كانت لها قدسية خاصة وهيبة روحية، بل كانت العاصمة الدينية للآشوريين يحلفون باسمها وكأنها هي الإله نفسها، لا بل وأكثر من هذا، فقد كان آشور يتطابق مع أسم البلاد نفسها ومن ثم مع أسم الإمبراطورية بحيث كان آشور الملك الحقيقي لها وأب البلاد وحاميها، وهي ظاهرة، أي تسمية إمبراطورية عظيمة باسم إله، نادرة الوجود في التاريخ المدون ويكفي هنا أن نشير إلى أن الكتاب المقدس بعهديه أشار إلى الآشوريين وملوكهم ومدنهم أكثر من مائة وخمسون مرة.

 والظاهرة الأكثر تمييزا للإله آشور والذي لا يجاريه فيها أي إله  أخر في التاريخ، هي تسمية الشعب الذي عبده باسمه. فقد كان الآشوريون يطلقون على نفسهم باسم شعب آشور أو خدم آشور وكانوا يطلقون على أعدائهم باسم أعداء آشور. فلا يوجد في التاريخ، لا في بلاد ما بين النهرين ولا في بلدان أخرى، شعب تسمى اسمه الديني والقومي، أي الديانة والقومية، باسم إلهم غير الآشوريين. ولا نستغرب أن يكون مثل هذا الترابط  بين تسمية الشعب بأسم ديانته قد أنتقلت مع الآشوريين إلى الفترة المسيحية وأصبحوا يعرفون نفسهم بالمسيحيين (مشيخايه) نسبة إلى المسيح  فتداخلت هذه التسمية الجديدة مع تسميتهم القومية (سوراييAssyrians – ) لتعطي نفس معنى المسيحيين وهو التداخل الذي أصبح قائماً حتى في العصور الحديثة.  وقد يقول البعض بأن تسمية الآشوري متأتية من مدينة آشور المقدسة التي كانت مركز  عبادة الإله آشور أو من بلاد آشور نفسه، كما هو الحال بالنسبة لبعض المدن والمناطق التي كانت تتطابق أسماؤهم مع أسماء الشعوب التي سكنتها، ولكن مع هذا فإن منطق الواقع والتاريخ يقرنان بأن وجود الآلهة يسبق وجود المعابد والمدن والمناطق التي سميت بأسمائهم والتي أقيمت أصلاً من أجل عبادتهم، خاصة بالنسبة لآشور الذي هو إله له وجود  شمولي وأزلي غير مخلوق كبقية الآلهة وإنما كان، كما يسمونه، الإله الذي خلق نفسه بنفسه  وهذا هو الذي سبب حيرة بعض العلماء والآثاريين في القول بأن أصول هذا الإله وكيفية تطوره غير معروفة ويبقى غامضاً في مقارنته مع بقية الألهة وهي بحد ذاتها صفة فريدة من صفات الإله  آشور التي تجعله مختلفاً كلياً عن بقية الآلهة المعروفة في بلاد ما بين النهرين. هذه الصفات والميزات الفريدة التي كان يتمتع بها الإله آشور عند الآشوريين جعلت منه أن يكون فعلاً مركزاً للتوحيد الديني والقومي عندهم والمصدر المركزي للذات الآشورية سواء أكانت دينياً أم قومياً بحيث كان آشور الحلقة العضوية في الربط بين الجانب القومي والديني للآشوريين ربطاً لا يمكن التصور بأي إمكانية للفصل بينهما ولا نستبعد أن يكون قد أنتقل مثل هذا الترابط العضوي بين الدين والقومية إلى المرحلة المسيحية وتترابطت العوامل الدينية مع القومية عند الآشوريين ترابطاً عضوياً قوياً عبر قرون طويلة من الزمن وحتى يومنا هذا.

نعود مرة أخرى إلى المقولات القائلة بأن الإنكليز هم الذين أطلقوا على هذه الأقلية المسيحية تسمية الآشوريين ولإغراض سياسية وبقصد أعلاء من شأنهم وبثت الحماس فيهم لإستغلالهم في تحقيق مآربهم الإستعمارية في العراق، فهؤلاء ليس لهم أية علاقة بالآشوريين القدماء بل هم طائفة مسيحية نسطورية وأسمهم الحقيقي هو الآثوريين والأنكى من هذا يسمونهم بالتياريين، أحدى العشائر الآشورية، وغيرها من المقولات التي تتمحور حول العقلية العراقية في فهم الشعوب والأقليات ذات التاريخ العريق في العراق ومحاولة تجريدها منه، وهو موضوع سبق وأن فصلنا عنه في كتابنا المعنون (الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر). وهذا الموضوع أي  تسمية الإنكليز للآشوريين سبق وأن تطرقنا إليه في أعلاه ولكن هنا أود أن أسطر بعض السطور عن الشين الآشورية والثاء الآثورية وتوضيح الفرق، إن كان هناك أي فرق بينهما.

في بداية التسعينيات من القرن الماضي جرت سجالات صحفية بيني وبين الإستاذة الأركيولوجية لمياء الكيلاني في معرض تساؤلها عن كيفية تحول الثاء الآثورية إلى الشين الآشورية فكان أحدى ردودي عليها كما يلي:
زاملت في بداية السبعينيات طالباً عربياً من فلسطين أثناء الدراسة الجامعية في بغداد وكان عجبه عن كيفية تحول "الآشوريين" في العراق إلى "الآثوريين" مثار أعجاب وإستغراب أيضاً ولإزالت مثل هذه الإستغراب نقول:
لغوياً: في العراق دون غيره من بلاد الشام ولبنان وفلسطين وحتى مصر، ولأسباب تتعلق بعلم الأصواب الكلامية (Phonology) تحولت "الشين" إلى "الثاء" وبالتالي أصبح "الآشوريون" في العراق معروفين بـ "الأثوريين". في حين حافظ أهل الشام وبقية البلدان على التسمية الصحيحة للآشوريين دون أي تغيير. وقد يكون مفيداً أن نسوق أمثلة على ذلك من النتاجات الفكرية لكتاب ومفكري ومؤرخي هذه البلدان ولكن نكتفي بالقول بأن "شامية" ميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث العربي الإشتراكي، كانت قد طغت على أيديولوجية تلامينذه البعثيين في العراق عندما أعيد طبع كتابه "في سبيل البعث" لمرات عديد من دون تحويل كلمة "الآشوريين" الواردة فيه إلى "الأثوريين" عند التطرق لحركتم القومية لعام 1933.
ومن ناحية ثانية فإن تسمية "الآثوريين" عينها غريبة عن الآشوريين أنفسهم حيث كان الفرثيون أول من أستعملها عندما أحتلوا بلاد آشور وأجزاء أخرى من بلاد مابين النهرين. من جهة أخرى هناك تداخل وإحلال كبير بين حرفي "الشين" و "التاء" في اللغة السريانية/الآشورية المعاصره، فهناك العديد من الكلمات تخضع لقاعدة الإحلال خاصة بين اللهجات السائدة بين الآشوريين مثل "كتيتا أو كتيشا، ويعني الدجاجة و "بيتا" أو "بيشا" ويعني البيت و "تا أو شا" ويعني فعل تعال، وهكذا بالنسبة لكلمة "آشور" و أتور" ويعني الإله آشور أو مدينة آشور أو مملكة آشور أو بلاد آشور. ولا نستغرب هنا أن يكون الآشوريون الآيرانيون هم الأوائل الذين أشاعوا تسمية "آتور أو آتورايا".  فعندما يُسأل أي آشوري من قبل عراقي عربي، من أنت فيقول أنا "أتورايا" ولتنسيبها في العربية يقول "أتوري" ويعني آشوري وبسبب حرف "التاء" المشددة الصعبة في اللهجة العراقية تحولت، حسب القواعد الفونولوجية، إلى "الثاء" اللينة والخفيفة، فتحول "الأتوري" إلى "الأثوري" في العراق. وهي قاعدة عامة وشاملة في الكثير من اللغات القومية واللهجات المحلية في إختلاف وتبيان تسميات الشعوب والأقوام وبلدانها.
سياسياً: لأسباب سياسية تم تعميم وإشاعة إستعمال تسمية "الأثوريين" وإحلالها محل "الأشوريين" من قبل مفكري ومؤرخي النخبة الحاكمة في العراق لأهداف تتعلق بقطع الصلة بين التسميتين وإستئصال الجذور التاريخية للآشوريين في العراق وتواصلت هذه السياسة حتى أيامنا هذه. فهناك المئات من الكتب والبحوث التي صدرت في العراق كلها تسعى لتحقيق هذه الأهداف عن طريق توسيع هوة التباين اللفظي البسيط بين التسميتين "الآشوريين" و "الأثوريين" وتضخيم الخلاف والتناقض بينهما وإعطاء الثانية دلالات وأبعاداً دينية طائفية لتعكس إنطباعاً عاماً لدى العراقيين في إختلافها عن التسمية الأولى في الوقت الذي يظهر للعيان بأن الفرق بين "الشين" الآشورية و "الثاء" الأثورية ضئيل جداً يكاد لا يذكر ولا يستحق عناء التساؤل والمناقشة. وتعاظم مثل هذا التفريق بين التسميتين عند حزب البعث العراقي وبشكل فاضح ولأهداف سياسية فكرية معروفة سبق التطرق إليها في مناسبات عديدة.

عرفنا مما سبق الأحقاد والغرض السياسي والفكري من تجريد الآشوريين من أصولهم التاريخية والحضارية وهو أمر لا جدال في عدم إرتباطه بأي عوامل موضوعية ومنطقية في هذه المهمة الدنيئة والقاصدة في تحقير الآشوريين وإبقاءهم بدون أصول تاريخية ولكن من المؤسف له أن تترسب بعض من هذه المقاصد في زوايا مظلمة من الفكر المعاصر وأن تستمر مثل هذه المحاولات اليائسة. فإذا عرفنا المقاصد الدنيئة والإستبدادية لرجال الفكر والسياسة والنخب التي توالت على السلطة في العراق من تجريد الآشوريين من أصولهم التاريخية والحضارية فأنه من المؤسف أن تستمر مثل هذه المقاصد حتى يومنا هذا بين بعض الذين يبحثون عن مجد وهم لا مجد لهم ويحاولون تنسيب أصلهم إلى أنساب عريقة وهم من أصول بدوية أو تركو – مغولية  لم يساهموا حتى القليل في الحضارة الإنسانية كما فعل الآشوريون فيحاولون سرقة الكنور الحضارية والتاريخية للآشوريين وتنسبها إليهم. والأنكى من كل هذا فإن نفر قليل من أبناء أمتنا يقلدون أسيادهم في الإستبداد والظلام في تجريد أصلهم وتاريخهم من الحضارة الآشورية العظيمة لا بل يحاول البعض من هذا النفر التركيز على التسمية الأثورية بدلا من التسمية الآشورية الشائعة رسمياً وشعبياً في العراق وبنفس المقصد الذي كان حزبهم الإستبدادي حزب البعث المقبوريمارس سياسيته الإستبدادية تجاه الآشوريين. فإذا كان للبعث العراقي إغراض دنيئة في تجريد الآشوريين من أصولهم التاريخية والحضارية فأنه لأمر محير حقاً أن يقلد البعض سياسة هذا الحزب ويشاركه أفكاره وسياساته الإستبدادية تجاه الآشوريين. 

 وأخيراً أرغب التأكيد المشدد بأن الآشوريين وهم المكتوون بنيران السياسات العنصرية والشوفينية طيلة تاريخهم الطويل يدركون بأن نظرية الدم أو العنصر أو العرق في تمييز الناس والأمم على أسس بايولوجية قد أصيبت بدرجة كبيرة من السخف واللبطلان، فلهذا فإن إرجاع الآشوريين أصلهم إلى الأقوام الآشورية التي حكمت في الألف الأول قبل الميلاد لا يستند إلا على عناصر حضارية وفكرية ولغوية وإنسانية وجغرافية فالقصد من هذه السطور ليس إعلاء شأن التسمية الآشورية على التسميات الحضارية الأخرى لهم كالكلدانية والسريانية فجميعها تسمياتنا الحضارية ننظر إليها بنظرة منتفتحة لتكون علينا نعمة أما من ينظر إليها بنظرة إنفرادية مستقلة فهي نقمة بحد ذاتها.
صورة تعتبر نموذج حي لتزيف التسمية الآشورية ومحاولة فصلها عن تسمية السريان، إشارة طريق دير السريان في أورشليم فالتسمية الآشورية (Assyrian) واضحة في الصورة على اليمين ثم محيت الحرفين (As) لتقرأ (Syrian) الصورة على اليسار في الوقت الذي بقيت التسمية الآشورية واضحة في اللغتين اللاتينية والعبرية (Ashurim) . نقل من كتاب:
Fredrick Aprim, ASSYRIANS: The Continuous Sage, Xlibris Corporation, USA, 2003, P. 236.

240
من هو سرجون الذي قتل الأمام الحسين بن علي (سلام الله عليه)
حسب إدعاء السيد مقتدى الصدر؟؟

أبرم شبيرا

قرأت موضوع الأخ تيري بطرس المعنون (واخيرا ظهر ان سرجون هو قاتل الامام الحسين بن علي  في واقعة الطف) المنشور في موقعنا العزيز عنكاوه وهنا أرى مدى إهتمام الأخ تيري في متابعة كل صغيرة وكبيرة متعلقة بمسائل تخص امتنا وإهتمام بقية اخوتي الذين أغنوا الموضوع توضيحاً وتعليقاً ومن هذا المنطلق أيضاً يأتي إهتمامي بهذا الموضوع ولكن من جانب آخر يفتح مسلكاً يقودنا إلى معرفة من هو سرجون وما صحة مقتل الإمام الحسين على يده كما صرح به السيد مقتدى الصدر نقلاً عن والده رحمه الله كما جاء في كلمته المتلفزة. مع العلم بأن السيد مقتدى الصدر له مواقف مشرفة وجريئة يثنى عليها كثيرا في دعمه للمسيحيين في العراق خاصة في توفير الحماية لبعض كنائسهم أثناء الإحتفالات بأعيادهم وتحديداً في المناطق الحساسة والمتوترة مثل منطقة النعيرية والكيارة حيث الكثافة السكانية للمسيحيين في بغداد. فمن خلال حديثه يظهر بأنه لم تكن نية السيد مقتدى الصدر الإساءة والتجريح للمسيحيين من خلال إتهام سرجون بالعمالة للبيزنطينيين وبمقتل الإمام الحسين خاصة في عدم الإشارة إليه في كونه مسيحي بل جلً نيته من إتهام سرجون بهذه التهمة هو أنه حاول تهدئة وتلطيف الصراعات الدموية القائمة بين الطائفتين الشيعية والسنية في العراق وتبرئة ساحة السنة من هذه التهمة وإلقاءها على سرجون. ولكن مع الأسف الشديد لم تكن هذه المحاولة تتماشى مع المنطق والواقع والحقائق التاريخية وبناء تهمة قتل الإمام الحسين على سرجون.  فلو كان للسيد مقتى الصدر معلومات عن سرجون وعن علاقة المسيحيين المشرقيين بالمسلمين وتحديداً مع الشيعة لكان للسيد موقف وتصريح آخر يختلف كلياً مما صرح به.

أنه من متطلبات الحضارة والعصرنة أن تكون هناك حوارات مسيحية إسلامية في مختلف مجالات الحياة ولكن مع الأسف الشديد هناك حقائق تاريخية كثيرة يحاول بعض الفقهاء والمجتهدين الإسلاميين حجب أو تجاهل أو عدم المعرفة بها ويقودهم ذلك إلى بناء مواقف وممارسات لا تخدم مثل هذه الحوارات. فعلى سبيل المثال معظم مفكري الإسلام ينكرون وجود وثيقة عهد وأمان من الرسول العربي محمد (ص) إلى البطريرك الآشوري في عهد بداية الرسالة الإسلامية والتي تأكدت وتجددت هذه الوثيقة في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين. فقبل سنوات كتبت موضوعاً عن هذه الوثيقة ونشر في جريدة الخليج الإماراتية فإنهالت عليً ردود وكتابات تًكذب هذه الحقيقة التاريخية وبعضها وصلت إلى إتهامي بتزوير التاريخ والكفر. أما بخصوص دور المسيحيين خاصة من أتباع كنيسة المشرق في الحضارة العربية الإسلامية فالحديث عنه ما هو إلا تكراراً لما هو مؤكد في الكثير من الكتب والمراجع ولا يستوجبه التفصيل. وهنا أود أن أشير إلى مدى التفاعل الفكري والحضاري بين المسيحيين والمسلمين ومن خلال حقيقة واحد لها علاقة بموضوعنا هذا. فعندما نقل الأمام علي (رض) عاصمة الدولة الإسلامية في عهد خلافته إلى الكوفة كان يدرك كامل الإدراك بإن هذه المنطقة هي مسيحية بالتمام والكمال وأنها زاخرة بالكنائس والأديرة ورهبان فلاسفة من أتباع كنيسة المشرق يتقنون أرقى أنواع العلوم والمعرفة ولهم مكتبات زاخرة بإمهات الكتب والمراجع العلمية وفي مختلف الحقول. والإكتشافات الأثارية السابقة والحالية في هذه المنطقة والمعروفة بـ "بحر النجف" تبين بأنها كانت زاخرة بالكنائس والأديرة المسيحية.  والأمام علي (رض) لم يكن محارباً شجاعاً ومقاتلاً مقداماً في سبيل الإسلام وإنما كان أيضا حكيماً وعالماً ويظهر بأنه أطلع وقرأ الكثير من الكتب والمراجع التي كانت تكتظ بها خزائن الكنائس والأديرة المسيحية في هذه المنطقة. ومن يقرأ كتابه الموسوعي "نهج البلاغة" ويقارنه بحكمة وأقوال الفيلسوف الآشوري أخيقار الذي كان مستشاراً للملك الآشوري سنحاريب ((705 - 681 ق.م.)  لأدرك على الفور التشابه لا بل التطابق بين الشخصين في إفكارهم وفلسفتهم وحكمتهم مما يدل بدلالة واضحة بأن الأمام علي (رض) كان مطلعاً بل متأثراً بحكمة الفيلسوف أخيقار... ولكن أي عالم من علماء الإسلام يملكون شجاعة كافية لكي يقروا بهذا؟ لا بل كم منهم سمعوا أو قرأوا للحكيم أخيقار؟؟؟ ولو أفترضنا بأنهم فعلاً سمعوا أو قرأوا لأخيقار فأن التعصب الديني والطائفي يمنعهم من البوح بذلك.

ولعل أكثر ما يواجهها الكثير من المسلمين وعلماءهم هو صعوبة التفريق بين المسيحيين المشرقيين والمسيحيين الغربيين وفي الكثير من الأحيان يلقون مساوئ ومشاكل الغرب على المسيحيين المشرقيين في الوقت الذي لا يعرفون بأنهم عانوا الكثير من الويلات والمصاعب والإنشاقات من جراء تدخل المسيحيين الغربيين في شؤون المسيحيين المشرقيين. وهناك الكثير من الأمثلة والسوابق التاريخية في الخلط وعدم القدرة على التمييز بين حضارة المسيحيين المشرقيين وحضارة المسيحيين الغربيين ولكن حتى لا نبتعد كثيرا عن موضوعنا ونقترب أكثر من فاجعة مقتل الإمام الحسين أورد مثالاً ولو كان له جانب من الطرافة البريئة.. هناك الكثير من الشواهد تأكدها الروايات الكثيرة في مقتل الأمام حسين في منطقة كربلاء ومنها رواية نصراني الذي نصر الحسين حينما كان مطعوناً بالعديد من الطعنات وكل أصحابه وأقاربه وأصدقاءه فروا منه وتركوه على حافة الموت خوفاً من بطش جنود زيد بن معاوية بن أبي سفيان. أتذكر هذه الرواية ونحن في مرحلة الصبا كنا نذهب إلى المواكب الحسينية في منطقة "تسعين" في كركوك حيث كانت تتلى الروايات وتمثل أيضا حادثة مقتل الحسين على مسرح بسيط  وحينما كان الراوي يروي رواية النصراني الذي نصر الحسين كان يظهر على المسرح رجل بكامل لباس رعاة البقر "كابوي" واضعاً قبعة على رأسه ولابساً حذاء (جزمه - بوت) مثلما كان يلبسه رعاة البقر الأمريكان وفي يده إناء (طاسه) بإعتباره نصراني يسقي الماء للشخص الراقد على أرض المسرح بأعتباره الأمام الحسين الغارق في دماءه الذي طعن بطعنات عديدة وقتل أخيراً من قبل سنان بن أنس وشمرين ذي الجوشم وليس سرجون كما يدعي السيد مقتدى الصدر. هذا التصور في عدم إمكانية الكثير من المسلمين التمييز بين مسيحيي الشرق وحضارتهم وثقافتهم وعقليتهم عن مسيحيي الغرب وحضارتهم وثقافتهم وعقليتهم يذكرني برواية أخرى في هذا السياق رواها لي صديق إذ يقول بأنه عندما كان شاباً في كركوك يدخل مع غيره من الشباب الآشوري في عراك مع شباب مسلمين من منطقة أخرى وعندما ينهزمون هؤلاء الآخيرين يبدأون برشق الشباب الآشوري بشتى السباب والإهانات للملكة إليزابيت الثانية ملكة بريطانيا وجون كيندي الرئيس الأسبق للولايات المتحدة معتقدين بأنهم من أقارب أو أولاد عم لهؤلاء الآشوريين المسيحيين.

لاتوجد شاهدة ولا رواية ولا وثيقة تقول بأن سرجون هو الذي قتل الإمام الحسين كما زعم  السيد مقتدى الصدر. فالذين قتلوا الأمام الحسين معروفين في تاريخ الشيعة وآل البيت بشكل خاص وفي تاريخ الإسلام بشكل عام وليس سرجون. ولكن من هو سرجون وما علاقته بالموضوع؟   من المؤكد بأن إشارة السيد مقتدى الصدر إلى سركون ليس إلا المقصود سرجون بن منصور الذي عاصر فترة مقتل الإمام الحسين. وسرجون بن منصور هو من أشهر مسيحيي دمشق ومن أتباع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكان المستشار المالي (وزير المالية) للخليفة معاوية بن أبي سفيان أول خلفاء الدولة الأموية في الشام وأستمر في هذا المنصب حتى في عهد يزيد بن معاوية الذي في عهده قتل الأمام الحسين في كربلاء. وتولى أبناء سرجون عدة مناصب إدارية ومالية في ديوان خلفاء الأمويين حتى مجئ الخليفة الوليد بن عبد الملك. ومن أحفاد سرجون بن منصور  القديس يوحنا الدمشقي أحد أباء ومعلمي الكنيسة المشهورين. فكل الدلائل التاريخية تشير بأن سرجون وأولاده كغيرهم من المسيحيين المشرقيين الذين ساهموا في بناء الحضارة العربية الإسلامية لم يتدخلوا لا في المسائل العسكرية ولا في الشؤون السياسية للحكم الإسلامي، بل جلً جهودهم كانت علمية وإدارية ومنذ بداية الدولة الأموية في الشام لعب المسيحيون المشرقيون دوراً كبيرا في إدارتها من جميع النواحي خاصة المالية منها لهذا السبب فإن الدولة العربية الإسلامية في عهد الخلافة الأموية أمتدت إلى مساحات شاسعة وصلت حتى إلى الأندلس. إن إتهام سرجون الذي كان يخدم الخليفة الأموي بالعمالة للبيزنطينيين أمر مخالف مخالفة كبيرة للواقع والحقيقة والمنطق أيضا لأن في تلك المرحلة كانت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في خلاف مع الكنيسة البيزنطينية ليس بسبب العقيد وإنما أيضا بسبب إختلاف العقليات والحضارات واللغات بين الكنيستين لا بل تعرض أتباع الكنيسة السريانية الإرثوذكسية إلى إضطهادات ومطاردات من قبل الكنيسة البيزنطينية وإلى العديد من المحاولات للقضاء على إستقلالية الكنيسة وإخضاعها للأمبراطور البيزنطيني كما كان الحال سائداً في تلك الفترة في خضوع الكنائس للإمبراطور. هذا إضافة إلى إفتقار إتهام سرجون بمقتل الإمام الحسين  إفتقاراً شديداً إلى المنطق حيث من المعروف بأن الدولة الأموية كانت في صراع مستديم مع البيزنطيين والخلاف أو الصراع بين يزيد بن معاوية والإمام الحسين لم يكن بسبب المذهب أو العقيدة وإنما كان بسبب أحقية آل البيت في خلافة المسلمين ورفض بني أمية لهذا الأمر. فأين المنطق من أن يكون سرجون عميل للبيزنطينيين ويقتل الإمام الحسين منافس يزيد على الخلافة  في الوقت الذي كان من مصلحة البيزنطينيين أن تكون هناك مقاومة ضد يزيد والمتمثلة في  ثورة الإمام الحسين ضد حكم يزيد لا بل المنطق يقول بأنه كان أيضاً من مصلحة البيزنطينيين دعم لمثل هذه المقاومة ومساندة قائدها ضد عدوهم اللذوذ المتمثل في الدولة العربية الإسلامية التي شارفت جيوشها على تخوم أمبراطوريتهم؟   

وأخيراً لم يبقى إلا أن نقول ونؤكده بأن التاريخ أثبت وبحق وأمانة بأن المسيحيين في البلدان العربية والإسلامية بقوا طيلة حياتهم ومنذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا من أكثر الناس إخلاصاً لوطنهم ولأبناء شعبهم وهو الإخلاص الذي لايمكن أن ينفذ من خلاله أية خيانة للوطن ولشعبه، فالمسيحيون المشرقيون خدموا المسلمين وحضارتهم أكثر مما خدموا أنفسهم ولكن هل هناك من يثمن مثل هذه التضحيات التي قدمها المسيحيون أم الأمر هو عكس ذلك تماماً فيتجاوز تجاهل هذا الأمر إلى حدود القتل والإختطاف والإقتلاع من جذورهم التاريخية كما هو حاصل في العراق وبقية الدولة العربية ذات الربيع الملبد سماءه بغيوم سوداء تزيد من عتمة طريق الحياة نحو المجهول.     




241
قراءات أخرى في كتاب "التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق" - 2
أبرم شبيرا

في القسم الأول من هذا الموضوع تطرقنا عن شخصية المؤلف الأستاذ عبد المجيد حسيب القيسي ومن ثم كيفية صدور الكتاب في ثلاث طبعات وكنت في حينها قد كتبت رداً على الكتاب ونشر في جريدة الحياة اللندنية ثم قام الإستاذ القيسي بكتابة رد على ردي ونشر أيضا في نفس الجريدة وهكذا جرت مناقشات وجدالات بيني وبينه وقمت بزارته عدة مرات في أبو ظبي إستكمالاً لهذه المناقشات التي سادها جو عالي من الإحترام والتقدير وتثمين جهود الكاتب في إصدار هذا الكتاب القيم وبيان بعض نواقصه التي تقبلها بكل رحابة صدر وإنشراح الفكر... كان رحمه الله رجلاً عظيماً فكرياً وإخلاقيا وفي هذا القسم الثاني سوف نحاول تقييم الكتاب من ناحيتين: المراجع وبعض من محتوياته فيما يخص أصل الآشوريين وكيفية فهم مسألتهم السياسية في العراق.

تقييم الكتاب:
بغنـى عن محتويات وأفكار واجتهادات أي كتاب عن الآشـوريين، سواء أكان مجحفاً وظالمـاً بحقهم أو منصفا ومساندا لطموحاتهم القومية والوطنيــة المشروعة، فهو يعتبر إضافة جديدة يساهم بشكل أو بأخر في تفعيل الدراسات والبحوث عن الآشوريين ويزيد من فاعلية المسألة الآشورية ومن إثارتها، وبالتالي يؤكد حيويتها، تلك الحيوية التي تحالف الإنسان الباغي مع الزمان القاسي تحالفاً غير مقدساً على طمسها في عالم النسيان، وهو التحالف الذي كان قد تجسدت نتائجه في سياسة حزب البعث الحاكم في العراق في منتصف السبعينات تجاه الآشوريين عندما قام بسحب كافة الكتب التي كانت تتناول تاريخ الآشوريين من المكتبات العامة أو منع طبعها أو نشرها أو حصر تداول البعض منها على نطاق خاص وضيق ولاعتبارات أمنية وحزبية. وكتاب رياض رشيد الحيــدري (وهو كردي الأصل مستعرب) المعنون " الآثوريــون في العراق 1918 - 1933 "، والذي اعتبره القيسي مرجعاً أساسيا أقتبس منه معظم معلوماته عن الآشوريين، هو مثال من بين عشرات الأمثلة على ذلك. فهذا الكتاب الذي كان بالأساس أطروحة ماجستير في التاريخ الحديث ، طبع في القاهرة ومنع تسويقه في العراق وحتى النسخ القليلة التي أتيحت لطلاب الدراسات العليا والباحثين الإطلاع عليها في المكتبة المركزية لجمامعة بغداد ختمت بعبارة "للتداول المحدود" من قبل مديرية رقابة المطبوعات ثم أختفى من المكتبة كغير من الكتب التي كانت تتناول تاريخ الاشوريين ومسألتهم في العراق على أثر سياسة حزب البعث الإستبدادية في حملة "إعادة كتابة التاريخ" في منتصف السبعينيات من القرن الماضي.

 وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع مؤلف الكتاب موضوع البحث ، نؤكد التقدير والتثمين له على هذه الإضافة الجديدة لجدول الكتب التي تبحث في تاريخ الآشوريين وفي مسألتهم القومية في العراق. ولكن حتى لا نخون مبادئنا القومية الإنسانية التي تولدت من مخاض مأساة الآشوريين المستديمة ونبقــى أوفياء للحق الآشوري الذي غبــن كثيراً، وحتى نكون أيضا مخلصين للأمانة العلمية والتاريخية يجب أن لا يلغي هذا التثمين والتقدير واجبنا في تدقيق محتويات الكتاب ودراستها دراسة علمية صحيحة وتقييمها وإظهار عيوبها وقصورها ثم محاولة تقويم اعوجاجها. كما يجب أن لا يمحي طموحنا المشروع في قراءة كتاب يضع الحق الآشوري في نصابه الصحيح ويعالج وقائع تاريخ الآشوريين ومسألتهم القومية معالجة علمية سـليمة. وفي سياق هذه المهمة سنحاول وبقدر الإمكان التخلي عن الأسلوب التقليدي الأكاديمي في عرض وتقييم الكتاب شكلا ومضمونا ومتابعة محتوياته خطوة فخطوة وتقييم معلوماته المسهبة، فهذه المسالة يتطلبها مجلدا كاملاً ، لذلك سنكتفي بمعالجته بشكل عام ومن زاويتين : الأولى ، من حيث المراجع المعتمد عليها، والثانية، من حيث بعض المضامين والأفكار والاجتهادات لأحداث مهمة أشار الكاتب إليها في كتابه هذا مختصرين بقدر الإمكان.

أولا : من حيث المراجـــع
معظم مراجع الكتاب هي المراجع العراقية الرسمية ومذكرات وأوراق رجال النخبة العراقية الحاكمة الذين اشتركوا بشكل أو بآخر في تأجيج أحداث المسألة الآشورية والمذبحة التي أعقبتها في سميل عام 1933 أو هي مراجع لكُتاب ساهموا في ترسيخ وتعميم القيم والمفاهيم والسياسات الاستبدادية التي تبنتها الأنظمة السياسية المتعاقبة على السلطة في العراق في تعاملها مع الآشوريين. والكتاب الأجنبـي الوحيد الذي أعتمه هو كتاب  " العراق 1900 - 1950 " لمؤلفه البريطاني ســتيفن لونكـرك الذي عمل في خدمة وزارة الداخلية العراقية أثناء تلك الفترة وهو معروف بمواقفه وتعاطفه مع الحكومة العراقية حينذاك والذي ظل " يحب العراق " كما يدعي،  حتى بعد تسريحه من الخدمة والانعكاف لإنجاز كتابه هذا والذي ظهر فيه عدم تأثره بالدماء الآشورية الطاهرة التي أريقت في ســميل مثلما "تأثر" زميلـه البريطاني لونارد ستافورد، وأنبه ضميره لدوره القذر في تعقيــد الأحداث، فاستقال من منصبه كمفتش إداري في لواء الموصل التابع لوزارة الداخلية، أو الأصح صرف من مهمته بعد انتهاءها بانتهاء مذبحة سميل، فعاد الى أهلـه في بريطانيا ليكتب كتابه المعروف " مأساة الآشوريين " والذي تعذر على القيسـي الإطلاع عليه وقراءته رغم توفره لدى بعض الأشخاص والمكتبات الرئيسية.

أما بالنسبة لكتاب رياض رشيد، السالف الذكر، والذي اعتمده السيد القيسي اعتماداً رئيسياً في اقتباسه للمعلومات وأقر له الكثير من الفضل والامتنان لكونه كتاب جامع لتاريخ الآشوريين وملم بجميع أو أغلب ما كتب عنهم، فأنه، على الرغم من إشارة القيسي الى السلبيات الواردة في هذا الكتاب إلا أنه لم يأخذه مأخذ الجد وبالاعتبار المطلوب في فهم تاريخ الآشوريين عندما اقتبس منه معظم معلوماته. ولبيان حجم أعتماد السيد القيسي على هذا الكتاب فأنه ذكره في (70) هامش هذا إضافة إلى إقتباسات وإشارات كثيرة له في متن الكتاب. وحتى نضع أمور هذا " المرجع الأساس"، كما يسميه السيد القيسي، في نصابه الصحيح نود أن نبين بشأنه ما يلي :
أ - الكتاب بالأصل أطروحة جامعية من القاهرة أهل انضمام الكاتب الى حزب البعث الحاكم ميزة الحصول على البعثة الدراسية للكتابة عن هذا الموضوع ونيل الشهادة الأكاديمية عنه فهو، أي الكتاب،  "إيفاء والتزام" من الكاتب تجاه فضل حزبه .
ب - زار الحيدري أثناء فترة جمع المعلومات وإعداد أطروحته النادي الثقافي الآشوري في بغداد، مركز استقطاب المثقفين الآشوريين في السبعينيات من القرن الماضي، وحصل على معلومات وبيانات مفيدة لمشروعه العلمي ثم تبين بعد إنجازه بأنه خان الأمانة العلمية وزيف الكثير من الحقائق وأخفى أو أهمل تلك التي كانت تتعارض مع منهجه البعثي في دراسة تاريخ الآشوريين في العراق وتبرير شرعية إستبداد السلطة تجاه المسألة الآشورية. 
ج -  صحيح أن كتاب الحيدري جامع وملم بكل ما كتب عن الآشوريين "ويكشف عن حقائق لم يجرؤ أحد قبله على كشفها" كما يدعي السيد القيسي، إلا أن لهذه الميزة أسباب : أولهما : الأهمية المخابراتية للموضوع من جهة، وانتماء الكاتب للحزب الحاكم من جهة أخرى، منحتا له  ميزة أو تسهيلات  للتنقيب والبحث في الوثائق والمستندات والمراسلات المهمة والسرية المتعلقة بالمسألة الآشورية التي تكتظ بها خزائن الدوائر الأمنية في العراق. وثانيهما : كون الكتاب بالأساس أطروحة جامعية تشكل صفتا الشــمول والإلمام من الصفات الأساسية لكل أطروحة جامعية، كما وان الكتاب كان آخر ما كتب عن الآشوريين في العراق ، فاستفاد المؤلف من كل ما سبق وكتب عن هذا الموضوع.
د - كتاب الحيدري ، كما يقول السيد القيسـي،  "هو أول كتاب باللغة العربية يكسر طوق الحجر الفكري ويخرج عن الإجماع التاريخي والرسمي والوطني بشأن المسألة الآشورية" غير أنه لم يخرج أيضا عن ، بل التزم التزاماً كاملاً، بأيديولوجية حزب البعث الحاكم في تزييف تاريخ الآشوريين وامحاء أساسهم القومي والتاريخي في العراق والتعامل معهم كطائفة مسيحية بهدف تحقيق سياساته الاستبدادية تجاههم. وهو ما أكده السيد القيسي بنفسه عندما ذكر انجرار الحيدري خلف التفسير الرسمي لحزب البعث وعدم قدرته الخروج منه مما أوقع نفسه في تناقض واضح تجاه استقامة رأيه حول هذا المصدر الذي اعتبره أهم مصادره في تأليف كتابه عن الآشوريين.
هـ - وأخيراً ، قد تجدر الإشارة الى النتائج التي آلت الى الحيدري من وراء كتابه هذا عن الآشوريين.  تجاريا، الكتاب منع تسويقه في العراق كما سبق ذكره. أكاديمياً ، لم يؤهله موضوع الكتاب ارتقاء مناصب علمية سوى تدريس مادة "الثقافة القوميــة" في أحدى كليات جامعة بغداد والتي كان الطلاب يسخرون منها ويطلقون عليها "السخافة القومية" لأنها لم تكن أكثر من تطبيل وتزمير لأفكار حزب البعث الحاكم. ولا أدري فيما بعد إذا كانت "حيدريتـه" قد سمحت له في ظل نظام البعث العشائري الاستبدادي ارتقاء مناصب علمية أخرى.
أعترف بأنني أسهبت بعض الشيء في كتاب الحيدري وقصدي من ذلك كان بيان حقائق أخرى عنه طالما أسرف السيد   القيسي في اعتماده كمرجع أساسي في دراسته عن القضية الآشورية في العراق. كما قد يأتي إسرافي في التعليق على كتاب الحيدري في هذه المناسبة كرد جزء من الدين المترتب على اعناقي منذ أمد بعيد لكتابة بعض الملاحظات الانتقادية حوله والذي طالما طالبوني بها بعض الأصدقاء والقراء.

ومن الملاحظات الأخرى على المراجع التي اعتمدها السيد القيسي ، هي كون جميعها مصادر معروفة ومنشورة وســبقه الكثير من الكتاب والباحثين اعتمادها وتحليلها ونشرها لذلك لم يأتي أو يذكر مرجع جديد أو بحث أو اعتمد على بعض المراجع القيمة والنزيهة في المسألة الآشورية ولكتاب وباحثين معروفين بالنزاهة والاستقامة العلمية والموضوعية، مثل كتاب الأستاذ عبد الغني الملاح المعنون " تاريخ الحركة الديموقراطية في العراق " في طبعته الأولى ، وليس الثانية التي أخضعها حزب البعث الحاكم الى سياسته الشوفينية في منهجه الخاص بـ "إعادة كتابة التاريخ" وحذف منه صفحات مهمة تشير إلى صلة آشوريي اليوم بالأشوريين القدماء. كما هناك كتب ومراجع علمية وموضوعية عالجت وحللت إستبدادية السلطة في العراق تجاه المسألة الآشورية بكل نزاهة وأخص بالذكر هنا كتاب "جمهورية الخوف" للكاتب والأكاديمي العراقي "سمير الخليل" وأسمه الحقيقي كنعان مكية.

يعترف السيد القيسي بأن ما اعتمده من مصادر ليست بالشاملة والوافية حيث يقول بأنه لم يتسنى له الإطلاع على مراجع مهمة وعديدة صدرت حول الموضوع وباللغتين الآشورية والإنكليزية ولغات أخرى رغم ترجمة العديد منها الى العربية. كما تعذر عليه الإطلاع على أهم المراجع قاطبة بهذا الشأن، وأقصد الوثائق البريطانية، وهو عذرُ أقبح من الفعل نفسه، لان جميع هذه المراجع متوفرة ومتاحة ولا نجد إطلاقا العثور عليها والإطلاع عليها مشقة أو صعوبة تذكر، سيما وأن الكثير منها متوفرة في المكتبات وعند بعض الآشوريين أو غيرهم سواء أكانوا أفراد أو مؤسسات. وعلى الرغم من اعتراف الكاتب إهماله لهذه المراجع المهمة وعدم إطلاعه عليها ، فان هذا بحد ذاته يعتبر مسألة غير مقبولة من الناحية العلمية والمنطقية وإلا لما استوجب تأليف ونشر هذا الكتاب طالما أفتقر الى المراجع المهمة والى الأساس العلمي والموضوعي المطلوب في البحث، خاصة عند البحث عن تاريخ شعب من شعوب المنطقة وعن مسألته السياسية والقومية التي شغلت العراق وطغت على سطحه السياسي في النصف الأول من القرن الماضي. لهذا السبب ستنعكس مشكلة المراجع على مضمون محتويات الكتاب، وهذا ما سيتأكد لنا فيما بعد .

المرجع الآشوري اليتيم الذي اعتمده القيسي في كتابه هو مقالتنا المنشورة في جريدة " الشرق الأوســط" اللندنيــة عدد 5375 في 16/8/1993 والمعنونة بـ "التعامل مع الأقليات في مسار تاريخ العراق السياسي" والتي كتبتها بمناسبة مرور ستين عاماً على مذبحة الآشوريين في سميل. وحتى هذا المرجع البسيط فأنه لم يكن استخدامه موفقاً ومناسباً وإنما يبدو وكأنه حشر حشراً في الكتاب ولم يتسق مع سياق الموضوع. كما وأن اقتباس صفحتين أو أكثر من أي مرجع مسألة غير صحيحة تفقد التوازن العلمي للكتاب، وهي الصفة الطاغية على الكتاب حيث هناك نصوص طويلة من ذكريات رجال الحكم في العراق وبيانات رسمية ومقاطع كتب مقتبسة من المراجع المعتمدة معظمها منشورة في السابق ومعروفة للباحث أو للقارئ في تاريخ العراق السياسي الحديث وبدت كأنها تكرار لما سبق نشره. وإذا كان اعتماد الكاتب على المراجع التي ذكرها ينحصر على اقتباس وقائع تاريخية أو مراسلات رسمية ووثائق وبيانات وأحاديث أو ذكريات لرجال الحكم والسياسة لكان الأمر مقبولاً من الناحية الشكلية، وإن كانت المصداقية العلمية والأمانة التاريخية لأصحاب هذه المراجع  مهزوزة أو مفقودة في أحيان كثيرة، إلا إن السيد القيسي تجاوز ذلك كثيراً في اعتماده على هذه المراجع وبلغ به الأمر الى درجة اعتماده اعتماداً كلياً على آراءهم وتفسيراتهم واجتهاداتهم حول الآشوريين وأصلهم ومسألتهم في العراق في بناء تصوراته وأفكاره عنهم، وهي ظاهرة غير علمية وغير سليمة، بل هو أسلوب انتقائي، طالما أقر الكاتب نفسه سلفا موقفه الفكري المعارض من هؤلاء الكتاب. فلا يجوز، كما يقول السيد القيسي، اعتبار عبد الرزاق الحسني فاقداً للحيدة والموضوعية والحس التاريخي والتحليل الصائب أو وصف عبد الرحمن البزاز بالمنساق وراء أوهام العزة والكرامة والمندفع الى تجاهل واقع الحال والقفز فوق الحقائق، كما لا يجوز القول بأن غلبة التفسير التآمري للأحداث على تفكير رياض الحيدري واعتماده التفسير الرسمي لحزب البعث الحاكم في العراق لأحداث التاريخ ومن ثم رجوع القيسي نفسه واعتماد آراء هؤلاء الكتاب واستنساخها في أصل الآشوريين وفي تاريخهم ومسألتهم القومية في العراق واعتبارها مراجع مهمة له في كتابه في الوقت الذي هو نفسه أقر بمواقف هؤلاء المعادية للآشوريين. لهذا السبب لم يستطيع الكاتب الخروج من طوق هذه الآراء طالما كان اعتماده الرئيسي عليها، وهذا ما سيظهر وبكل وضوح في بحث مضمون محتويات الكتاب. وقد يكون من الطرافة أن نذكر عجز السيد القيسي في فهم أصل الآشوريين وقضيتهم من خلال عجزه عن كتابة أسمي عند الإشارة إلى مقالتي أعلاه حيث ذكره عدة مرات بصيغ عديدة ومختلفة.

ثانياً : من حيث المحتوى:
بين اعتماد الكاتب اعتماداً كلياً على المراجع المعادية للآشوريين وإغفاله للمراجع الآشورية والمحايدة أوقع نفسه في تناقض كبير يقوم على الإيجاب والسلب. يتمثل جانب الإيجاب في قدرة الكاتب على تحليل المراجع العراقية والرسمية المعتمدة ومن ثم الوصول الى نتائج موفقة في فهم السلوك السياسي للنخبة الحاكمة تجاه القضية الآشورية. وكان الكاتب منطقيا وموضوعيا في الاجتهادات التي توصل إليها في تفسيره لتعسف وتضليل الحكومة العراقية للمسألة الآشورية وأقترب كثيرا من الحقيقية، لا بل واندمج بها اندماجاً تاماً عندما فهم السياسة العراقية الحقيقية الرامية الى تصعيد الأحداث وتوصيلها الى الحافات الهاوية بهدف ذبح الآشوريين في سميل مسجلاً بذلك بادرة تثلج قلوب الآشوريين المكتويين بنيران الأنظمة الاستبدادية وسياساتها الفاشية تجاه طموحاتهم القومية والوطنية المشروعة، وهي بادرة سيتحسسها القارئ اللبيب ابتداءً من الصفحات الأولى للكتاب، لذلك لا نرى سبباً في الإطناب فيها سوى تأكيد الثناء والتقدير لهذا الموقف الإيجابي.

أما الجانب السلبي لمحتوى الكتاب فيتمثل في إخفاق الكاتب في فهم أصل وتاريخ الآشوريين، لا بل وتجاوز في أحيان كثيرة حدود الإساءة والتجريح لهم ولتاريخهم ولزعامتهم الدينية والقومية، وهي نتيجة منطقية وحتمية توصل إليها الكاتب بسبب اعتماده الكلي على المراجع المعادية للآشوريين وإغفاله المراجع الآشورية والمحايدة وهو الإغفال الذي لا يمكن قبول أعذاره لأنــه يفقد الدراسة موضوعيتها ويحرفها نحو جانب واحد بعد أن تكون قد فقدت أهم جوانبها المتمثل في الحس الآشوري أو رأي الآشوريين في أصلهم وتاريخهم ومضامين مسألتهم القومية في العراق والذي كان يجب أن يشكل الركن أو الأساس الآخر لموضوع الكتاب. فالمنطق يقول لا يمكن دراسة الظواهر من دون معرفتها، لذلك فدراسة السيد القيسي للقضية الآشورية جاءت من خلال معرفته للجانب المعادي لها وليس من خلال صاحب القضية نفسه فبالتالي جاءت كدراسة "عرجاء" لا تستقيم مع المسار الحقيقي للقضية الآشورية كما هي في حقيقتها الموضوعية.

من هذا المنطق نقول لو توفرت للكاتب المراجع الآشورية والمحايدة واطلع عليها لوجد بأن آشوريي اليوم يرتبطون بآشوريي الأمس بجملة صلات وروابط حضارية ولغوية وتراثيـة لا يزال يمارسونها منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا وليسوا مجرد "مجموعة قبائل مسيحية الدين ونسطورية المذهب" كما يدعي الكاتب مقلداً بذلك معظم مفكري ومؤرخي تاريخ العراق الحديث، وهو الادعاء نفسه الذي كان يتبناه حزب البعث الحاكم في العراق في تعامله مع الآشوريين. فمن الظلم والجور والتجاوز على الحقيقية الموضوعية عندما يتم تحجيم تاريخ الآشوريين بتاريخ طائفة واحدة من طوائفـه الدينية المتعددة، فمثله كمثل من يُعرف العرب بطائفة السنة أو الكرد بالطريقة النقشبندية ... وهكذا. فمن المعروف بأن الآشوريين، كغيرهم من الشعوب والأقوام، ينتمون الى طوائف دينية مختلفة والى وحدات عشائرية اجتماعية متعددة. فلو أتيحت للكاتب فرصة الإطلاع على بعض المصادر الآشورية التي أرخت نشؤ الحركة القومية الآشورية، لعرف بأن معظم زعماء هذه الحركة ومفكريها كانوا من طوائف غير الطائفة النسطورية كالطائفة السريانية الأرثوذكسية والطائفة الكلدانية الكاثوليكية. فجميع هؤلاء الزعماء والمفكرين ناضلوا وكتبوا عن الحركة القومية الآشورية وأسسوا منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية قرن العشرين مؤسسات قومية لا زال البعض منها قائماً حتى الوقت الحاضر. واليوم ، وبنفس الوعي والإدراك يناضل الكثير من الآشوريين ومن مختلف طوائفهم ويقدمون الشهداء من أجل مواصلة هذه الحركة نحو تحقيق أهدافها القومية والوطنية النبيلة. لو اطلع الكاتب على مرجع آشوري أو محايد يتناول الفترة الحرجة التي خلدت اسم الشهيد مار بنيامين شمعون بطريريك كنيسة المشرق قبل وأثناء الحرب الكونية الأولى لأنصدم من الفرق الشاسع من أن يكون هذا المغدور "رجلاً ضعيف الرأي والإرادة واهن العزم"  كما يدعي الكاتب، وبين أن يكون مار بنيامين الشهيد بطلاً من أبطال التاريخ الآشوري قاد شعبه في أصعب وأحلك الظروف وضحى بأخيه وبنفسه من أجل كرامة وعزة شعبه. وقصة هذا البطل الخالد، الذي يعتبر رمزاً قومياً ودينياً عند الآشوريين، ملحمة بطولية نادرة ليس في تاريخ الآشوريين فحسب بل في تاريخ شعوب المنطقة أيضا، يصعب، لا بل يستحيل فهمها، على من لم يطلع على كتاب آشوري أو محايد واحد يتناول تلك المرحلة.

أما المسائل المثار في الكتاب مثل هجرة الآشوريين الى العراق وانضمامهم الى قوات الليفي ودورهم في ضرب الحركة الوطنية وغيرها من المسائل المكررة أيضا من قبل معظم مؤرخي  تاريخ العراق الحديث ومفكري النخبات الحاكمة في العراق والتي تنم عن حقد وكراهية تجاه الآشوريين، فأنني كامل اليقين بأنه لو تسنى للكاتب الإطلاع على جزء يسير من الوثائق البريطانية الضخمة التي تناولت هذه المسائل بشكل مفصل ودقيق لكان قد توصل الى قناعات أخرى تخالف مخالفة كبيرة لتلك التي توصل إليها وكان قد أكتشف بأن الآشوريين لم يهاجروا من تركيا الى العراق بل أن القسم الأعظم منهم كان يعيش ولا يزال في المناطق التي أصبحت عراقية بعد رسم الحدود بين العراق وتركيا. وحتى الآشوريون (النساطرة) الذين نزحوا من منطقة هيكاري التي اصبحت ضمن أراضي تركيا بعد رسم الحدود، فانهم لم ينزحوا من تركيا الى دولة العراق التي لم تكن قائمة في تلك الفترة بل أنهم انتقلوا، أو بالأحرى هُجــروا بسبب الحرب، من منطقة الى منطقة أخرى ضمن بلاد كانت تعرف بـ "بلاد ما بين النهريــن"، موطنهم الأصلي، والذي كان خاضعاً للدولة العثمانية قبل تأسيس كيان العراق ثم أصبحوا ضحية للمناورات السياسية الخبيثة وثمناً رخيصاً لتسويات الحدود الغادرة التي تمت بين بريطانيا وتركيا لصالح ضمان حدود كيان العراق الفتي، نتيجة ذلك تحولوا الى " أقلية وافدة " حسب المفهوم العراقي السائد عن الآشوريين، وهو المفهوم الذي لو تم تطبيقه على بقية العراقيين لوجدنا بأن ملك العراق المغفور له فيصل الأول وأبناءه وأهله أقل عراقية من الآشوريين الهيكاريين، وأن قسم كبير من عشائر سكان العراق الجنوبي والشمالي كان قد نزح الى العراق واستقر فيه بعد تأسيس كيانه السياسي، فهل يقبلون هؤلاء أن ننعتهم بشعب وافد الى العراق ؟؟ .

أما مسألة قوات الليفـي " المرتزقة " هي الأخرى مسألة عويصة ومعقدة يفتح التطرق إليها صفحات سلبية ومؤلمة في تاريخ العراق الحديث لا يملك الكثير من المؤرخين العراقيين الشجاعة الأدبية الكافية لمناقشتها مناقشة موضوعية كما هي موثقة ذلك لأنها ستكشف بكل وضوح بأن قوات الليفي العربية والكردية هي التي ساهمت في ضرب ثورة العشرين في العراق وفي قمع تمرد شــيوخ العشائر وأن الآشوريين في تلك الفترة كانوا منهكين مشردين في مخيم بعقوبــة للاجئين لا حولة لهم ولا قوة وأنهم لم ينضموا رسمياً الى هذه القوات إلا بعد تأسيس دولة العراق والجيش العراقي وتسريح قوات الليفي العربية والكردية وانضمامهم الى الجيش الجديد حيث أن الإنكليز، لا بل حتى الحكومة العراقية، كانوا بحاجة شديدة الى قوات متمرسة في حروب الجبال لضمان حدود العراق الشمالية من أطماع تركيا في ولاية الموصل لأن جيش العراق الناشئ لم يكن يملك خبرة قتالية في الجبال العاصية فاستطاع الإنكليز استغلال الآشوريين في تثبيت كيان العراق السياسي واستقرار حدوده على حساب تعاظم مأساتهم ومعاناتهم  في العراق. هذه المسائل التي يطول الحديث عنها مفصلة تفصيلاً أكثر إقناعاً في بعض المقالات والبحوث التي نشرتها في بعض الجرائد والمجلات وفي كتابي الأخير المعنون "الآشوريون في السياسة والتاريخ المعاصر " الذي أصدره اتحاد الأندية الآشورية في السويد وقد قمت بأهداء السيد القيسي نسخة منه.

لقد حاولت جلّ جهدي أن اكتفــي بهذا القدر من الملاحظات عن هذا الكتاب ، إلا أن كثرة المخالطات الواردة فيه ولدت لدي حوافز للاستمرار في إبداء ملاحظات أخرى مهمة على المسألة الآشورية. ومن هذه المخالطات التي وقع فيها السيد القيسي في كتابه، موقف الإنكليز المساند لاغا بطرس ولمشروعه السياسي في إقامة كيان آشوري شامل لجميع الطوائف الآشورية في شمال بيت نهرين. فالعكس هو الصحيح، فالإنكليز كانوا يمقتون اغا بطرس مقتاً شديداً ولأسباب مختلفة منها طائفية، لأنه كان كاثوليكياً، ومنها ثقافية ، لأنه كان فرنسي الثقافة والتوجه، ومنها سياسية، لأنه كان عارفاً بحيل وألاعيب الإنكليز تجاه الآشوريين من جهة، وملما بفنون لعبة المساومات السياسية بين الدول العظمى حينذاك خاصة بريطانيا وفرنسا وروسيا من جهة أخرى، وهذا كان يزعج الإنكليز ويزيد قلقهم تجاه ذكاءه وفطنته وتجاه طموحاته القومية. صحيح أن الإنكليز أظهروا في البداية تأييدهم لمشروع اغا بطرس لا لشيء إلا بهدف استغلاله لضرب الحركة الكردية وضمان حدود العراق الشمالية من أطماع تركيا غير أنه بعد قرار مؤتمر القاهرة لعام 1921 والقاضي بتأسيس دولة عربية في العراق ونصب الأمير  فيصل بن الشريف حسين على عرشها  أنقلب الإنكليز على اغا بطرس لأن مشروعه كان يتناقض مع قرار مؤتمر القاهرة لذلك حاربوه وأفشلوا مشروعه. وإزاء إصرار اغا بطرس على النضال لتحقيق مشروعه دبر الإنكليز قراراً لنفيــه من العراق الى فرنسا، فلم يهرب كما يدعي السيد القيسي في كتابه،  وعندما تصاعدت وثائــر الحركة الآشورية في العراق وازدادت حالة التوتر مع الحكومة العراقية ومستشاريها الإنكليز حاول اغا بطرس العودة الى العراق إلا إن القنصلية البريطانية في مدينة بوردو الفرنسية رفضت ذلك ومنعته رغم إصراره على ضرورة العودة إلى العراق والالتحاق بالحركة الآشورية. غير أنه بعد أيام وُجــد ميتاً في أحد شــوارع مدينة تولوز الفرنسية وفي ظروف غامضة ومثيرة للتساؤل وجهت أصابع الاتهــام في حينها إلى الإنكليز وأعوانهم لتقول بأنهم دبروا أمر تسميمه وقتله. هكذا نحن الآشوريون نفهم اغا بطرس كرمز من رموز النضال القومي وبطلاً من أبطال التاريخ الآشوري ومن لا يفهم رموز الآشوريين وأبطالهم لا يمكن إطلاقاً أن يفهم قضيتهم ويدرس تاريخهم بموضوعية نزيهة.

أما بالنسبة لمواضيع مشروع إسكان الآشوريين والتفاصيل المعلقة بالحركة الآشورية وزعماؤهم ومن ثم رفضهم لمشروع الإسكان ، فهي مسائل تتطلب صفحات طويلة لإبداء الملاحظات عليها، إلا أننا نؤكــد بأن ما أورده الكاتب فيه الكثير من المخالطات والتي رددها غيره من المؤرخين العراقيين. ولعل أهم المهمات في هذه الملاحظات الذي أود بيانه هو السبب الذي دفع بزعماء الآشوريين رفض مشروع الإسكان. فمن الحقائق الموثقة في أرشيف عصبة الأمم في جنيف بهذا الشأن والتي تبيــن بأن توصية مجلس العصبة في جلسته الرابع عشرة في 15/10/1932 كانت تقضي بإسكان الآشوريين في وحده اجتماعية متجانسة كأساس للحفاظ على تراثهم وتقاليدهم، غير أن اللجنة الثلاثية التي شكلتها عصبة الأمم بخصوص مشروع الإسكان، وبتأثير من الإنكليز، تبنت قراراً مخالفاً لذلك يقضي بإسكان الآشوريين النازحين من هيكاري في مجموعات أو أقسام مختلفة وبعيدة عن مناطق أخوتهم الآشوريين العراقيين بحجة عدم توفر الأراضي الكافية لهم، مما سبب ذلك امتعاض قادة الآشوريين ورفض هذه الصيغة لقرار توزيعهم على أراضٍ متباعدة والتي تبينت في ما بعد بأنها أراضٍ جدباء ومبؤة بالأمراض المعدية فكان هذا السـبب الرئيسي الذي دفع بزعماء الآشوريين الى رفض مشروع الإسكان بصيغته العراقية - الإنكليزية وليس السبب الذي أورده القيسي في "طبع الآشوريين المشاكس وافتقاد زعمائهم الحس التاريخي في تفسير الأحداث وتغليب التطرف والعناد على العقل والاعتدال". لا بل على العكس من هذا تماماً، فزعماء الآشوريين كانوا يملكون الحس التاريخي والمنطقي في تفسير الأحداث خاصة في تفسير سلوك النخبة الحاكمة ونوايا الإنكليز في التخلص من الآشوريين وفي قمعهم و "تأديبهم"  خاصة بعد إستنفاذ حاجتهم الى خدماتهم العسكرية. فلو تسنى للسيد القيسي أن يطلع على الكتب التي كتبها هؤلاء الزعماء أمثال مار شمعون إيشاي وماليك ياقو ماليك اسماعيل والمفكر يوسف ماليك التلكيفي لأدرك بأن نظرتهم لمجريات الأمور كانت صحيحة وأن مخاوفهم كانت مشــروعة، تلك المخاوف الناشئة من ترك الإنكليز سلطة البلاد بيد نخبة سياسية متعطشة للسلطة همها الوحيد مواصلة تلك السياسة الاستبدادية التي بدأتها عندما كانت في خدمة الجيش العثماني، تلك المخاوف التي كانت تؤكد بأن الكارثة لا محال واقعة بالشعب الآشوري، سواء أكانت الكارثة على الفريق المؤيد للحكومة العراقية ومشروعها الإسكاني أم كانت على الفريق الرافض، والتي تحققت فعلاً عندما أزهقت أرواح أكثر من ثلاثة آلاف آشــوري في سـميل عام 1933 من دون أي تمييـز بين هذا الفريق أو ذاك. وهنا يجب أن نسجل تقديرنا وتثميننا العظيمين للسيد القيسي في تأكيده لهذا العدد من الضحايا أثناء مذبحة سميل لأنه كان شاهد عيان في تلك الفترة وفي الوقت الذي تشير الوثائق الرسمية العراقية إلى ثلاثمائة ضحية فقط ووثائق أخرى تشير إلى أقل من هذا العدد. ومن المشاهد المأساوية لهذا الحادث ذكر لي السيد القيسي شخصياً في أحدى لقاءاتنا وكشاهد عيان بأنه أحضر بعض الجنود العراقيين شخصين أشوريين كانا يعملان في مهنة الفلاحة في الموصل إلى  حجي رمضان مساعد بكر صدقي وقيل له بأنهما جاسوسان للإنكليز فما كان من حجي رمضان إلا أن سحب مسدسه وأطلق النار عليهما فقتلهما في الوقت الذي كان يقف خلفه أثنان من المستشاريين الإنكليز اللذان كانا يعملان في خدمة الحكومة العراقية في الموصل. 

وقصة المنكوب كوريال يونان ، الذي خدم الحكومة العراقية فترة طويلة وكان من أشد أنصارها وأكثرهم حماساً لمشروعها الإسكاني، قصة مأساوية معروفة تدمــى لها القلوب حيث وجد مذبوحاً في داره مع ابنه الوحيد وليم والجنسية العراقية معلقة في رقبته وملطخة بدماءه الزكية وعلم العراق يرفرف فوق سطح داره لبيان مدى وطنيته كما ذبح معه مجموعة تزيد عن الثمانين شخصاً من الآشوريين المؤيدين للحكومة بين نساء وأطفال ورجال دين لجأوا الى داره طلباً للحماية. هذه القصة هي نموذج من نماذج كثيرة كان زعماء الآشوريين يتخوفون منها قبل وقوعها، غير أن النخبة السياسية الحاكمة ومفكريها عجزوا عن فهمهما وتقديرها.

وأخيراً ، بقى أن نقول بأن الأستاذ القيسي اجتهد في كتابه وأظهر في جوانب منه موقفه الشجاع غير أنه أيضا أخطأً في اجتهاده في فهم تاريخ الآشوريين وقضيتهم القومية. فهذه الحقيقة النبيلة التي أقرها الكاتب نفسه في مقدمة الكتاب هي التي منحتني أجر الاجتهاد الصادق في ملاحظاتي هذه. وضمن هذا الاجتهاد اختم الحديث بالقول بأن الكاتب وفق كثيراً في أن يكون وكيل الاتهام للحكومة العراقية والجيش العراقي بخصوص دورهما في تصعيد الأحداث وارتكاب مذبحة ســميل بحق الآشوريين الأبرياء، ولكن مع الأسف الشديد فشل في أن يكون محامي الدفاع عن القضية الآشورية، كما حاول البعض وصفه، ومرد فشله يعود الى عدم إطلاعه على أوراق القضية وعدم سماعه لأقوال أصحاب القضية والاكتفاء في دفاعه عن الآشوريين على أوراق الخصم وأقواله وأفكاره، وهو منطق غير مقبول إطلاقاً  لأننا متأكدين تأكيداً قاطعاً  بأنه لا يتم من خلاله إحقاق الحق الآشوري الذي غبن كثيراً وان تتحقق العدالة وسيادة القانون وإشاعة الحرية والديمقراطية والتي ننشدها جميعاً لوطننا الحبيب وهي الأهداف التي كرس الأستاذ عبد المجيد القيسي حياته من أجلها وما هذا الكتاب إلا تأكيداً على ذلك... رحمه الله فذكراه ستبقى مع بقاء هذا الكتاب القيم.




242
قراءات أخرى في كتاب "التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق"

أبرم شبيرا

توطئة: كتاب وذكريات
قرأت موضوع الأخ والصديق المهندس خوشابا سولاقا عن كتاب "التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق" للأستاذ عبد المجيد حسيب القيسي الذي نشر في موقعنا العزيز عنكاوه. وأول تأثيراته كانت أنه فتح خزانة عقلي عن ذكريات تزيد عن أربعين عاماً حينما كنًا معاً في المراحل الأولية الرومانسية من الفكر والعمل السياسي نجاهد جهاداً مضنياً من أجل الحصول على كتاب أو مقالة عن الآشوريين ومن ثم تداوله سرياً بيننا ومع مجموعة من أصدقاء تلك المرحلة مؤمنين بأن المطالعة والعلم والثقافة وإغتراف المعارف في تاريخنا القومي هو السبيل الأمثل لإمتلاك وعي قومي صحيح يبنى عليه آمال لبناء تنظيم سياسي يكون أداة لتحقيق طموحاتنا القومية. وبطبيعة الحال وبسبب الظروف الإستبدادية والكبت الفكري في تلك الفترة كان مثل هذه الكتب والمقالات نادرة الوجود والتداول، لا بل كان إمتلاكها وتعميم نشرها نوع من المخاطرة وقد تسبب لمتداوليها التعرض لإستبداد السلطة ولعواقبها الوخيمة. كان أشهر كتب تلك المرحلة "الآشوريون في التاريخ" جمعه إيشو ماليك خليل جوارو وترجمه وأشرف عليه سليم واكيم وطبع  في بيروت عام 1962، والثاني "تاريخ الآثوريين" – الجزء الأول،  ترجمه من الروسية أسامة نعمان وطبع في مطبعة الجاحظ في بغداد عام 1970، وهي ترجمة محرفة وغير دقيقة لكتاب "المسألة الآشورية أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى 1914- 1933" للبرفسور الآشوري بار متي ماتييف لا بل تعتبر الترجمة قرصنة فكرية لأن المترجم لم يحصل موافقة المؤلف كما ذكر ذلك لي شخصياً. المهم، بمجرد أن أنتهيت من قراءة موضوع صديقي خوشابا حتى هرعت إلى مكتبتي الصغيرة وأجد الكتابين المذكورين راكنان في الرفوف العالية وقد أصفرت وتيبست أطراف بعض من أوراقهما وتكسرت ولكن الأمر الذي حزً في صدري هو أن أجد في الصفحة الأخيرة من كتاب "الآشوريون في التاريخ" كلمة شكر وإمتنان مني ومن بقية الأصدقاء مؤرخة بتاريخ 7/8/1969 إلى المرحوم إيشعيا هرمز يونان الذي فارق الحياة قبل سنتين أو أكثر لكونه هو الذي عثر على هذا الكتاب وعممه علينا ولا أتذكر فيما اذا كان هذا التاريخ الذي أقر في السنة اللاحقة كيوم للشهيد الآشوري مصادفة أم مقصود. وهذه مناسبة أن نترحم على روح شاعرنا الكبير دنخا إيشا الذي كان يلهمنا  في تلك الفترة بأشعاره ويزيدنا همة وصلابة ونحن سائرين على الطريق الصعب المليء بالمخاطر. وعلى العموم وكما يقال: على الحياة أن تستمر... وهكذا أجد اليوم في صديقي خوشابا إستمراراً لهذه الحياة ولهذه العادة في "النبش" في الكتب والبحوث وعلى نفس مسار أربعة عقود وأكثر من الزمن في البحث والدراسة وإغتراف المعارف في كل ما يتعلق بأمتنا. وأرجو المعذرة من القراء الأعزاء في الإطالة في هذه التوطئة وظهورها كأنها مسألة أو ذكريات شخصية ولكن في الحقيقة ليست هكذا فحسب بل تمثل جانب من بداية مسيرة شباب على منوال طويل من الوعي القومي والسياسي التقدمي قائم على الإستقامة والتواصل والنزاهة والإخلاص ونكران الذات من أجل هذه الأمة رغم الظروف الإستبدادية الصعبة التي كانت تحيط بهم ورغم سياسة "الجزرة والعصى" التي كان يمارسها النظام البعثي الإستبدادي ولكن كل هذا وذاك لم تقوى هذه السياسة الإستبدادية على لوي أذرع هؤلاء الشباب فأستمروا المسيرة وهم يحملون سلاحاً قوياً تمثل في نقاء ضميرهم الحي وتوجهاتهم النزيهة تجاه هذه الأمة، وهذا كنز لا يفنى حتى بفناء الحياة.

من هو مؤلف الكتاب ؟:
مؤلف الكتاب هو الإستاذ عبد المجيد حسيب القيسي، عراقي عمل كمستشار قانوني في الدوائر العسكرية والمدنية في العهد الملكي والجمهوري في العراق وبعد إشتداد الكبت الفكر والقهر السياسي في نهاية الستينيات من القرن الماضي لم تتحمل سعة أفكاره وحبه للحرية والدفاع عن الحق والعدالة إلا أن يترك العراق ويجد في أبو ظبي – الإمارات العربية المتحدة موطناً له للإستقرار وقضاء بقية حياته وعائلته في هذا البلد المضياف حيث عمل كغيره من العراقيين المبدعين في تأسيس وإدارة النظام الفيدرالي في هذه الدولة. لقد كانت فرصة إستثنائية أن ازوره في بيته في أبو ظبي أنا والدكتور سعدي المالح في أواخر عام 2000 وأن نقضي ساعات طويلة معه في نقاشات مفيدة عن كتابه بشكل خاص وعن الآشوريين ومسألتهم في العراق بشكل عام وكان إهتمامه الكبير ظاهراً عليه بشكل واضح حيث أكد لنا بأنه آخر مرة ألتقى  بالآشوريين كان أثناء أحداث سميل عام 1933. ثم في السنوات اللاحقة قمت بزيارته أكثر من مرة وتهاتفنا العديد من المرات في المستجدات المتعلقة بالآشوريين في العراق وقد كانت السنين الطويلة المتعبة من العمل الجاد والدفاع عن الحق والعدالة بادية عليه وأهرمته حتى زارته المنية فتوفي في عام 2006. لقد كان رحمة الله إنساناً طيباً رؤوفاً واسع الصدر ومنشرح الفكر في تقبل أي نقد موجه إلى أفكاره أو كتابه موضوع البحث لهذا السبب كان يسعده جداً اللقاء بي والدخول في مناقشات معه. وأود هنا أن أوضح بأن السيد القيسي ليس بباحث أو أكاديمي أو مؤرخ بل شاهد عيان لأحداث حاسمة وخطيرة مرة على العراق ومنها حادثة مذبحة سميل حيث عايش كموظف بسيط في الدولة أثناء المذبحة والمأساة التي رافقتها والإرهاصات التي أعقبتها على المستوى العراقي وبضمير حي وبعدالة وإحقاق حق الآشوريين في تلك الفترة، وما هذا الكتاب إلا نموذج لتلك المعايشة.


كيف صدر الكتاب؟: 

خلال عمل الكاتب في خدمة دولة العراق وإهتمامه بالأحداث التاريخية وتدوينها ومن ثم  إصداره  بعض الكتب بهذا الشأن تكونت لديه أفكار وآراء حول الآشوريين ومسألتهم في العراق وجمع عنهم معلومات كانت من الكفاية لتأليف كتاب خاص بهم. وبعد إكماله أتصل بصديقه السيد سعد صالح جبر الذي كان رئيساً للمجلس العراقي الحر في لندن والمعارض لنظام البعث العراقي يسأله عن إمكانية مساعدته في طبع الكتاب ونشره، فأتصل هذا الأخير بالسيد سركون داديشو رئيس "المجلس القومي الآشوري" الذي كان له معرفة به عارضاً عليه الفكرة فكانت نتيجتها طبع الكتاب وصدوره من قبل المؤتمر القومي الآشوري في عام 1996 وتحت عنوان "هوامش على تاريخ العراق السياسي الحديث في رؤيـة جديدة - تاريخ القضية الآثـورية ". وفي أحدى لقاءاتي مع السيد القيسي  بينً عدم رضاءه عن طبع ونشر الكتاب بالطريقة التي طبع ونشر بها حيث أولاً: لم يتم تزويده غير بثلاثة نسخ من الكتاب في الوقت الذي كان يطلب بحدود ثلاثين نسخة فقط لتوزيعها على أصدقاءه. وثانيا، وجد القيسي حذف بعض الكلمات من الكتاب وحشر أسم السيد سركون داديشو في متن الكتاب من دون أخذ موافقة المؤلف، لذا أعتقد بأن السيد القيسي وجد في إعادة طبعه ونشره من قبل دار نشر معروفة سبيلاً لتعميم الفائدة للجهد الذي بذله في هذا المجال. هكذا قامت الدار العربية للموسوعات في بيروت (صاحبها العراقي خالد العاني)  بطبعه في عام 2004 وتحت عنوان "التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق: 1921 - 1999" وهو الكتاب الذي أعتمد عليه صديقنا خوشابا. ومن الجدير بالذكر أن الكتاب كان قد طبع أيضا من قبل "دار الموسوعات العالمية" في عام 1999 ولكن السيد القيسي يجهل تماماً هذه الطبعة ولم يسمع عن هذا الدار، هذا ما ذكره لي شخصيا. علما بأن جميع هذه الطبعات تشير إلى كونها "الطبعة الأولى". والمأخذ الذي يؤخذ على هذه الطبعة الأخيرة هو عنوان الكتاب. فإذا كان التاريخ السياسي للآثوريين عنواناً مقبولاً لكون قضيتهم القومية سياسية طغت على السطح السياسي العراقي في الثلث الأول من القرن الماضي إلا إنه لم يكن لهم تاريخ عسكري فالإشتباكات المسلحة بين مجموعة من الآشوريين مع بعض من قطاعات الجيش العراقي لا يمكن تدوينها كتاريخ عسكري. والمأخذ الثاني هو أن تمديد هذا التاريخ لغاية 1999 لا معنى له طالما لم يتطرق السيد القيسي إلى أية أحداث تاريخية، خاصة العسكرية منها لهذه الفترة والفترة التي سبقتها غير صفحة أو صفحتين، لهذا لم يكن أي معنى لهذا التاريخ. فصفحة واحدة أو أكثر لا تكفي لتكون مادة تاريخية للكتابة وتؤخذ عنواناً للكتاب. ومن المصادفة أن تكون صفحات كل الطبعات الثلاث للكتاب (332) صفحة رغم إختلاف حجم صفحات الكتب التي تطبع في أميركا ولكن بقت الفصول والعناوين نفسها. فالكتاب موزع على أحد عشر فصلاً مع مقدمة. يستهل الكتاب بفصل في أصل الآشوريين وتاريخهم قبل نشوء دولة العراق ثم يتناول القضية الآشورية في العراق بشكل عام والملابسات التي أحيطت بها ويحلل تحليلاً مفصلاً وعميقاً سياسة النخبة الحاكمة تجاهها وأساليب معالجتها بعد استقصاء وبحث ومناقشة الكتب والمراجع والمذكرات التي كتبت عنها، ولا أريد قراءة كل فصول الكتاب حيث قام وسيقوم الصديق خوشابا بهذه المهمة، ولكن أكتفي ببيان بعض الملاحظات على الكتاب.

مناقشات وسجالات بيني وبين مؤلف الكتاب:
بمجرد ما أن أهدى لي السيد سركون داديشو نسخة من هذا الكتاب، طلب مني بعض الأصدقاء  كتابة نقد وتحليل له وفعلاً لبيت طلبهم فكتبت موضوعاً نقدياً للكتاب تحت عنوان "تكرار أخطاء المؤرخين السابقين ضيع إيجابية القيسي في فهم تاريخ الآشوريين" ونشر في جريدة الحياة اللندنية بعددها المؤرخ في 02 شباط 2000 حيث كان موضوعي قد أحتل أكثر من نصف صفحة الجريدة. ثم قام بعض من المجلات والدوريات الآِشورية التي كانت تصدر في الخارج بإعادة نشره تعميماً للفائدة. وفي هذا النقد والتحليل بينت بكل وضوح إيجابية الكتاب والمواضيع التي تطرق إليها السيد القيسي بكل شجاعة وأعتبرته من الأوائل الذين كتبوا بإنصاف وعدل في بيان إستبدادية السلطة في العراق أثناء مذبحة سميل تجاه الآشوريين ولكن من جانب آخر أبرزت سلبيات كثيرة في الكتاب بحيث كان قاصراً في فهم تاريخ الآشوريين وأصلهم وقضيتهم القومية  في تلك الفترة واعتماد المؤلف على الكثير من المصادر الرسمية والمعادية للآشوريين وفي عين الوقت عجزه عن الحصول على المصادر الأجنبية أو المحايدة تجاه هذه القضية. ويظهر بأن السيد القيسي قرأ موضوع نقدي وتحليلي للكتاب فكتب رداً على ردي تحت عنوان طويل  (رد على نقد أبرام شبيرا لـ "تطور قضية الآشوريين في العراق" – وعنوان رئيسي "لو نظر إلى الكتاب راضيا... لكن عين السخط تبدي المساويا" ونشر في في نفس جريدة الحياة اللندنية بعددها المؤرخ في 01 حزيران 2000 وكان الموضوع طويلاً بحيث أحتل ثلاثة أرباع صفحة الجريدة.

بطبيعة الحال لم يكن السيد القيسي راضياً عن إتهامي له في تقصيره في فهم أصل وتاريخ الآشوريين وقضيتهم في العراق على حقيقتها وتقييم قيادتها إلى درجة أعتقد بأنني جرحت مشاعره وأسيئ فهمه فشرع بتبرير وتعليل كل ما تم إنتقاده ودافع عن بعض من الأفكار التي طرحها حتى وإن تبينت بأنها غير صحيحة، نذكر منها على سبيل المثال موقفه من قوات الليفي الآشورية حيث يقول "... إذا ذهبنا مع الأستاذ الناقد – يقصد أنا – من عدم ضلوع الآشوريين في قمع الثورة العراقية – يقصد ثورة العشرين – في الجنوب فلا يستطيع ولا نستطيع أن ننكر دورهم في إحتلال مدينة بعقوبة ونهبها ..." طبعاً هذه مخالطة كبيرة من المؤلف. فالآشوريون المهجرون من منطقة هيكاري بعد الحرب الكونية الأولى لم يحتلوا بعقوبة بل أسكنوهم في مخيمات للاجئين من قبل القوات البريطانية قرب مدينة بعقوبة وكانت القبائل العربية البدوية في منطقة ديالي هم الذين يغارون على مخيم اللاجئين وينهبون ممتلكاتهم ويهجمون على سكانه ... إلخ". على أية حال موضوع ردي على الكتاب ورد السيد القيسي سيأتي ضمن سياق تقييمي المختصر للكتاب. لكن المهم من كل هذا وذاك فالسيد القيسي يبين مدى سعة صدره ومدى أفقه ورفعة أخلاقه ودماثة طبعه وتقبله للنقد ومعالجة الأخطاء التي وردت في الكتاب، إذ يقول في خاتمة رده على ردي بالقول "وختاماً نتقدم بالإعتذار من الأستاذ شبيرا على ما وجد في كتابنا من سلبيات لم نقصد بها إلى الإساءة والتجريح، ونتقدم منه بالشكر إصالة عنا ونيابة عن الناشرين...". وقد كانت هذه السجالات والمناطحات الفكرية عاملاً مؤثرا في نفسية القيسي الطيبة وخلقت فيه نوع التوق والرغبة لللقاء بي وهذا ما تم فعلاً في نهاية عام 2000 في أبو ظبي والسنوات التي لحقتها... رحمه الله لقد كان إنسان نبيلاً ومحقاً في إحقاق الحق خاصة بالنسبة لأقلية صغير لم يكن في دفاعه عنهم أية مصلحة غير إنصاف عدالة قضية الآشوريين في العراق الذين ظلموا قهراً وبهتاناً وأسيء فهم هذه القضية من قبل الأنظمة المتعاقبة على السلطة في العراق.

تقييم الكتاب:
بغنـى عن محتويات وأفكار واجتهادات أي كتاب عن الآشـوريين، سواء أكان مجحفاً وظالمـاً بحقهم أو منصفا ومساندا لطموحاتهم القومية والوطنيــة المشروعة، فهو يعتبر إضافة جديدة يساهم بشكل أو بأخر في تفعيل الدراسات والبحوث عن الآشوريين ويزيد من فاعلية المسألة الآشورية ومن إثارتها، وبالتالي يؤكد حيويتها، تلك الحيوية التي تحالف الإنسان الباغي مع الزمان القاسي تحالفاً غير مقدساً على طمسها في عالم النسيان، وهو التحالف الذي كان قد تجسدت نتائجه في سياسة حزب البعث الحاكم في العراق في منتصف السبعينات تجاه الآشوريين عندما قام بسحب كافة الكتب التي كانت تتناول تاريخ الآشوريين من المكتبات العامة أو منع طبعها أو نشرها أو حصر تداول البعض منها على نطاق خاص وضيق ولاعتبارات أمنية وحزبية. وكتاب رياض رشيد الحيــدري (وهو كردي الأصل مستعرب) المعنون " الآثوريــون في العراق 1918 - 1933 "، والذي اعتبره القيسي مرجعاً أساسيا أقتبس منه معظم معلوماته عن الآشوريين، هو مثال من بين عشرات الأمثلة على ذلك. فهذا الكتاب الذي كان بالأساس أطروحة ماجستير في التاريخ الحديث ، طبع في القاهرة ومنع تسويقه في العراق وحتى النسخ القليلة التي أتيحت لطلاب الدراسات العليا والباحثين الإطلاع عليها في المكتبة المركزية لجمامعة بغداد ختمت بعبارة "للتداول المحدود" من قبل مديرية رقابة المطبوعات ثم أختفى من المكتبة كغير من الكتب التي كانت تتناول تاريخ الاشوريين ومسألتهم في العراق على أثر سياسة حزب البعث الإستبدادية في حملة "إعادة كتابة التاريخ" في منتصف السبعينيات من القرن الماضي.

 وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع مؤلف الكتاب موضوع البحث ، نؤكد التقدير والتثمين له على هذه الإضافة الجديدة لجدول الكتب التي تبحث في تاريخ الآشوريين وفي مسألتهم القومية في العراق. ولكن حتى لا نخون مبادئنا القومية الإنسانية التي تولدت من مخاض مأساة الآشوريين المستديمة ونبقــى أوفياء للحق الآشوري الذي غبــن كثيراً، وحتى نكون أيضا مخلصين للأمانة العلمية والتاريخية يجب أن لا يلغي هذا التثمين والتقدير واجبنا في تدقيق محتويات الكتاب ودراستها دراسة علمية صحيحة وتقييمها وإظهار عيوبها وقصورها ثم محاولة تقويم اعوجاجها. كما يجب أن لا يمحي طموحنا المشروع في قراءة كتاب يضع الحق الآشوري في نصابه الصحيح ويعالج وقائع تاريخ الآشوريين ومسألتهم القومية معالجة علمية سـليمة. وفي سياق هذه المهمة سنحاول وبقدر الإمكان التخلي عن الأسلوب التقليدي الأكاديمي في عرض وتقييم الكتاب شكلا ومضمونا ومتابعة محتوياته خطوة فخطوة وتقييم معلوماته المسهبة، فهذه المسالة يتطلبها مجلدا كاملاً ، لذلك سنكتفي بمعالجته بشكل عام ومن زاويتين : الأولى ، من حيث المراجع المعتمد عليها، والثانية، من حيث بعض المضامين والأفكار والاجتهادات لأحداث مهمة أشار الكاتب إليها في كتابه هذا مختصرين بقدر الإمكان.

أولا : من حيث المراجـــع
معظم مراجع الكتاب هي المراجع العراقية الرسمية ومذكرات وأوراق رجال النخبة العراقية الحاكمة الذين اشتركوا بشكل أو بآخر في تأجيج أحداث المسألة الآشورية والمذبحة التي أعقبتها في سميل عام 1933 أو هي مراجع لكُتاب ساهموا في ترسيخ وتعميم القيم والمفاهيم والسياسات الاستبدادية التي تبنتها الأنظمة السياسية المتعاقبة على السلطة في العراق في تعاملها مع الآشوريين. والكتاب الأجنبـي الوحيد الذي أعتمه هو كتاب  " العراق 1900 - 1950 " لمؤلفه البريطاني ســتيفن لونكـرك الذي عمل في خدمة وزارة الداخلية العراقية أثناء تلك الفترة وهو معروف بمواقفه وتعاطفه مع الحكومة العراقية حينذاك والذي ظل " يحب العراق " كما يدعي،  حتى بعد تسريحه من الخدمة والانعكاف لإنجاز كتابه هذا والذي ظهر فيه عدم تأثره بالدماء الآشورية الطاهرة التي أريقت في ســميل مثلما "تأثر" زميلـه البريطاني لونارد ستافورد، وأنبه ضميره لدوره القذر في تعقيــد الأحداث، فاستقال من منصبه كمفتش إداري في لواء الموصل التابع لوزارة الداخلية، أو الأصح صرف من مهمته بعد انتهاءها بانتهاء مذبحة سميل، فعاد الى أهلـه في بريطانيا ليكتب كتابه المعروف " مأساة الآشوريين " والذي تعذر على القيسـي الإطلاع عليه وقراءته رغم توفره لدى بعض الأشخاص والمكتبات الرئيسية.

أما بالنسبة لكتاب رياض رشيد، السالف الذكر، والذي اعتمده السيد القيسي اعتماداً رئيسياً في اقتباسه للمعلومات وأقر له الكثير من الفضل والامتنان لكونه كتاب جامع لتاريخ الآشوريين وملم بجميع أو أغلب ما كتب عنهم، فأنه، على الرغم من إشارة القيسي الى السلبيات الواردة في هذا الكتاب إلا أنه لم يأخذه مأخذ الجد وبالاعتبار المطلوب في فهم تاريخ الآشوريين عندما اقتبس منه معظم معلوماته. ولبيان حجم أعتماد السيد القيسي على هذا الكتاب فأنه ذكره في (70) هامش هذا إضافة إلى إقتباسات وإشارات كثيرة له في متن الكتاب. وحتى نضع أمور هذا " المرجع الأساس"، كما يسميه السيد القيسي، في نصابه الصحيح نود أن نبين بشأنه ما يلي :
أ - الكتاب بالأصل أطروحة جامعية من القاهرة أهل انضمام الكاتب الى حزب البعث الحاكم ميزة الحصول على البعثة الدراسية للكتابة عن هذا الموضوع ونيل الشهادة الأكاديمية عنه فهو، أي الكتاب،  "إيفاء والتزام" من الكاتب تجاه فضل حزبه .
ب - زار الحيدري أثناء فترة جمع المعلومات وإعداد أطروحته النادي الثقافي الآشوري في بغداد، مركز استقطاب المثقفين الآشوريين في السبعينيات من القرن الماضي، وحصل على معلومات وبيانات مفيدة لمشروعه العلمي ثم تبين بعد إنجازه بأنه خان الأمانة العلمية وزيف الكثير من الحقائق وأخفى أو أهمل تلك التي كانت تتعارض مع منهجه البعثي في دراسة تاريخ الآشوريين في العراق وتبرير شرعية إستبداد السلطة تجاه المسألة الآشورية. 
ج -  صحيح أن كتاب الحيدري جامع وملم بكل ما كتب عن الآشوريين "ويكشف عن حقائق لم يجرؤ أحد قبله على كشفها" كما يدعي السيد القيسي، إلا أن لهذه الميزة أسباب : أولهما : الأهمية المخابراتية للموضوع من جهة، وانتماء الكاتب للحزب الحاكم من جهة أخرى، منحتا له  ميزة أو تسهيلات  للتنقيب والبحث في الوثائق والمستندات والمراسلات المهمة والسرية المتعلقة بالمسألة الآشورية التي تكتظ بها خزائن الدوائر الأمنية في العراق. وثانيهما : كون الكتاب بالأساس أطروحة جامعية تشكل صفتا الشــمول والإلمام من الصفات الأساسية لكل أطروحة جامعية، كما وان الكتاب كان آخر ما كتب عن الآشوريين في العراق ، فاستفاد المؤلف من كل ما سبق وكتب عن هذا الموضوع.
د - كتاب الحيدري ، كما يقول السيد القيسـي،  "هو أول كتاب باللغة العربية يكسر طوق الحجر الفكري ويخرج عن الإجماع التاريخي والرسمي والوطني بشأن المسألة الآشورية" غير أنه لم يخرج أيضا عن ، بل التزم التزاماً كاملاً، بأيديولوجية حزب البعث الحاكم في تزييف تاريخ الآشوريين وامحاء أساسهم القومي والتاريخي في العراق والتعامل معهم كطائفة مسيحية بهدف تحقيق سياساته الاستبدادية تجاههم. وهو ما أكده السيد القيسي بنفسه عندما ذكر انجرار الحيدري خلف التفسير الرسمي لحزب البعث وعدم قدرته الخروج منه مما أوقع نفسه في تناقض واضح تجاه استقامة رأيه حول هذا المصدر الذي اعتبره أهم مصادره في تأليف كتابه عن الآشوريين.
هـ - وأخيراً ، قد تجدر الإشارة الى النتائج التي آلت الى الحيدري من وراء كتابه هذا عن الآشوريين.  تجاريا، الكتاب منع تسويقه في العراق كما سبق ذكره. أكاديمياً ، لم يؤهله موضوع الكتاب ارتقاء مناصب علمية سوى تدريس مادة "الثقافة القوميــة" في أحدى كليات جامعة بغداد والتي كان الطلاب يسخرون منها ويطلقون عليها "السخافة القومية" لأنها لم تكن أكثر من تطبيل وتزمير لأفكار حزب البعث الحاكم. ولا أدري فيما بعد إذا كانت "حيدريتـه" قد سمحت له في ظل نظام البعث العشائري الاستبدادي ارتقاء مناصب علمية أخرى.
أعترف بأنني أسهبت بعض الشيء في كتاب الحيدري وقصدي من ذلك كان بيان حقائق أخرى عنه طالما أسرف السيد   القيسي في اعتماده كمرجع أساسي في دراسته عن القضية الآشورية في العراق. كما قد يأتي إسرافي في التعليق على كتاب الحيدري في هذه المناسبة كرد جزء من الدين المترتب على اعناقي منذ أمد بعيد لكتابة بعض الملاحظات الانتقادية حوله والذي طالما طالبوني بها بعض الأصدقاء والقراء.

ومن الملاحظات الأخرى على المراجع التي اعتمدها السيد القيسي ، هي كون جميعها مصادر معروفة ومنشورة وســبقه الكثير من الكتاب والباحثين اعتمادها وتحليلها ونشرها لذلك لم يأتي أو يذكر مرجع جديد أو بحث أو اعتمد على بعض المراجع القيمة والنزيهة في المسألة الآشورية ولكتاب وباحثين معروفين بالنزاهة والاستقامة العلمية والموضوعية، مثل كتاب الأستاذ عبد الغني الملاح المعنون " تاريخ الحركة الديموقراطية في العراق " في طبعته الأولى ، وليس الثانية التي أخضعها حزب البعث الحاكم الى سياسته الشوفينية في منهجه الخاص بـ "إعادة كتابة التاريخ" وحذف منه صفحات مهمة تشير إلى صلة آشوريي اليوم بالأشوريين القدماء. كما هناك كتب ومراجع علمية وموضوعية عالجت وحللت إستبدادية السلطة في العراق تجاه المسألة الآشورية بكل نزاهة وأخص بالذكر هنا كتاب "جمهورية الخوف" للكاتب والأكاديمي العراقي "سمير الخليل" وأسمه الحقيقي كنعان مكية.

يعترف السيد القيسي بأن ما اعتمده من مصادر ليست بالشاملة والوافية حيث يقول بأنه لم يتسنى له الإطلاع على مراجع مهمة وعديدة صدرت حول الموضوع وباللغتين الآشورية والإنكليزية ولغات أخرى رغم ترجمة العديد منها الى العربية. كما تعذر عليه الإطلاع على أهم المراجع قاطبة بهذا الشأن، وأقصد الوثائق البريطانية، وهو عذرُ أقبح من الفعل نفسه، لان جميع هذه المراجع متوفرة ومتاحة ولا نجد إطلاقا العثور عليها والإطلاع عليها مشقة أو صعوبة تذكر، سيما وأن الكثير منها متوفرة في المكتبات وعند بعض الآشوريين أو غيرهم سواء أكانوا أفراد أو مؤسسات. وعلى الرغم من اعتراف الكاتب إهماله لهذه المراجع المهمة وعدم إطلاعه عليها ، فان هذا بحد ذاته يعتبر مسألة غير مقبولة من الناحية العلمية والمنطقية وإلا لما استوجب تأليف ونشر هذا الكتاب طالما أفتقر الى المراجع المهمة والى الأساس العلمي والموضوعي المطلوب في البحث، خاصة عند البحث عن تاريخ شعب من شعوب المنطقة وعن مسألته السياسية والقومية التي شغلت العراق وطغت على سطحه السياسي في النصف الأول من القرن الماضي. لهذا السبب ستنعكس مشكلة المراجع على مضمون محتويات الكتاب، وهذا ما سيتأكد لنا فيما بعد .

المرجع الآشوري اليتيم الذي اعتمده القيسي في كتابه هو مقالتنا المنشورة في جريدة " الشرق الأوســط" اللندنيــة عدد 5375 في 16/8/1993 والمعنونة بـ "التعامل مع الأقليات في مسار تاريخ العراق السياسي" والتي كتبتها بمناسبة مرور ستين عاماً على مذبحة الآشوريين في سميل. وحتى هذا المرجع البسيط فأنه لم يكن استخدامه موفقاً ومناسباً وإنما يبدو وكأنه حشر حشراً في الكتاب ولم يتسق مع سياق الموضوع. كما وأن اقتباس صفحتين أو أكثر من أي مرجع مسألة غير صحيحة تفقد التوازن العلمي للكتاب، وهي الصفة الطاغية على الكتاب حيث هناك نصوص طويلة من ذكريات رجال الحكم في العراق وبيانات رسمية ومقاطع كتب مقتبسة من المراجع المعتمدة معظمها منشورة في السابق ومعروفة للباحث أو للقارئ في تاريخ العراق السياسي الحديث وبدت كأنها تكرار لما سبق نشره. وإذا كان اعتماد الكاتب على المراجع التي ذكرها ينحصر على اقتباس وقائع تاريخية أو مراسلات رسمية ووثائق وبيانات وأحاديث أو ذكريات لرجال الحكم والسياسة لكان الأمر مقبولاً من الناحية الشكلية، وإن كانت المصداقية العلمية والأمانة التاريخية لأصحاب هذه المراجع  مهزوزة أو مفقودة في أحيان كثيرة، إلا إن السيد القيسي تجاوز ذلك كثيراً في اعتماده على هذه المراجع وبلغ به الأمر الى درجة اعتماده اعتماداً كلياً على آراءهم وتفسيراتهم واجتهاداتهم حول الآشوريين وأصلهم ومسألتهم في العراق في بناء تصوراته وأفكاره عنهم، وهي ظاهرة غير علمية وغير سليمة، بل هو أسلوب انتقائي، طالما أقر الكاتب نفسه سلفا موقفه الفكري المعارض من هؤلاء الكتاب. فلا يجوز، كما يقول السيد القيسي، اعتبار عبد الرزاق الحسني فاقداً للحيدة والموضوعية والحس التاريخي والتحليل الصائب أو وصف عبد الرحمن البزاز بالمنساق وراء أوهام العزة والكرامة والمندفع الى تجاهل واقع الحال والقفز فوق الحقائق، كما لا يجوز القول بأن غلبة التفسير التآمري للأحداث على تفكير رياض الحيدري واعتماده التفسير الرسمي لحزب البعث الحاكم في العراق لأحداث التاريخ ومن ثم رجوع القيسي نفسه واعتماد آراء هؤلاء الكتاب واستنساخها في أصل الآشوريين وفي تاريخهم ومسألتهم القومية في العراق واعتبارها مراجع مهمة له في كتابه في الوقت الذي هو نفسه أقر بمواقف هؤلاء المعادية للآشوريين. لهذا السبب لم يستطيع الكاتب الخروج من طوق هذه الآراء طالما كان اعتماده الرئيسي عليها، وهذا ما سيظهر وبكل وضوح في بحث مضمون محتويات الكتاب. وقد يكون من الطرافة أن نذكر عجز السيد القيسي في فهم أصل الآشوريين وقضيتهم من خلال عجزه عن كتابة أسمي عند الإشارة إلى مقالتي أعلاه حيث ذكره عدة مرات بصيغ عديدة ومختلفة.

ثانياً : من حيث المحتوى:
بين اعتماد الكاتب اعتماداً كلياً على المراجع المعادية للآشوريين وإغفاله للمراجع الآشورية والمحايدة أوقع نفسه في تناقض كبير يقوم على الإيجاب والسلب. يتمثل جانب الإيجاب في قدرة الكاتب على تحليل المراجع العراقية والرسمية المعتمدة ومن ثم الوصول الى نتائج موفقة في فهم السلوك السياسي للنخبة الحاكمة تجاه القضية الآشورية. وكان الكاتب منطقيا وموضوعيا في الاجتهادات التي توصل إليها في تفسيره لتعسف وتضليل الحكومة العراقية للمسألة الآشورية وأقترب كثيرا من الحقيقية، لا بل واندمج بها اندماجاً تاماً عندما فهم السياسة العراقية الحقيقية الرامية الى تصعيد الأحداث وتوصيلها الى الحافات الهاوية بهدف ذبح الآشوريين في سميل مسجلاً بذلك بادرة تثلج قلوب الآشوريين المكتويين بنيران الأنظمة الاستبدادية وسياساتها الفاشية تجاه طموحاتهم القومية والوطنية المشروعة، وهي بادرة سيتحسسها القارئ اللبيب ابتداءً من الصفحات الأولى للكتاب، لذلك لا نرى سبباً في الإطناب فيها سوى تأكيد الثناء والتقدير لهذا الموقف الإيجابي.

أما الجانب السلبي لمحتوى الكتاب فيتمثل في إخفاق الكاتب في فهم أصل وتاريخ الآشوريين، لا بل وتجاوز في أحيان كثيرة حدود الإساءة والتجريح لهم ولتاريخهم ولزعامتهم الدينية والقومية، وهي نتيجة منطقية وحتمية توصل إليها الكاتب بسبب اعتماده الكلي على المراجع المعادية للآشوريين وإغفاله المراجع الآشورية والمحايدة وهو الإغفال الذي لا يمكن قبول أعذاره لأنــه يفقد الدراسة موضوعيتها ويحرفها نحو جانب واحد بعد أن تكون قد فقدت أهم جوانبها المتمثل في الحس الآشوري أو رأي الآشوريين في أصلهم وتاريخهم ومضامين مسألتهم القومية في العراق والذي كان يجب أن يشكل الركن أو الأساس الآخر لموضوع الكتاب. فالمنطق يقول لا يمكن دراسة الظواهر من دون معرفتها، لذلك فدراسة السيد القيسي للقضية الآشورية جاءت من خلال معرفته للجانب المعادي لها وليس من خلال صاحب القضية نفسه فبالتالي جاءت كدراسة "عرجاء" لا تستقيم مع المسار الحقيقي للقضية الآشورية كما هي في حقيقتها الموضوعية.

من هذا المنطق نقول لو توفرت للكاتب المراجع الآشورية والمحايدة واطلع عليها لوجد بأن آشوريي اليوم يرتبطون بآشوريي الأمس بجملة صلات وروابط حضارية ولغوية وتراثيـة لا يزال يمارسونها منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا وليسوا مجرد "مجموعة قبائل مسيحية الدين ونسطورية المذهب" كما يدعي الكاتب مقلداً بذلك معظم مفكري ومؤرخي تاريخ العراق الحديث، وهو الادعاء نفسه الذي كان يتبناه حزب البعث الحاكم في العراق في تعامله مع الآشوريين. فمن الظلم والجور والتجاوز على الحقيقية الموضوعية عندما يتم تحجيم تاريخ الآشوريين بتاريخ طائفة واحدة من طوائفـه الدينية المتعددة، فمثله كمثل من يُعرف العرب بطائفة السنة أو الكرد بالطريقة النقشبندية ... وهكذا. فمن المعروف بأن الآشوريين، كغيرهم من الشعوب والأقوام، ينتمون الى طوائف دينية مختلفة والى وحدات عشائرية اجتماعية متعددة. فلو أتيحت للكاتب فرصة الإطلاع على بعض المصادر الآشورية التي أرخت نشؤ الحركة القومية الآشورية، لعرف بأن معظم زعماء هذه الحركة ومفكريها كانوا من طوائف غير الطائفة النسطورية كالطائفة السريانية الأرثوذكسية والطائفة الكلدانية الكاثوليكية. فجميع هؤلاء الزعماء والمفكرين ناضلوا وكتبوا عن الحركة القومية الآشورية وأسسوا منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية قرن العشرين مؤسسات قومية لا زال البعض منها قائماً حتى الوقت الحاضر. واليوم ، وبنفس الوعي والإدراك يناضل الكثير من الآشوريين ومن مختلف طوائفهم ويقدمون الشهداء من أجل مواصلة هذه الحركة نحو تحقيق أهدافها القومية والوطنية النبيلة. لو اطلع الكاتب على مرجع آشوري أو محايد يتناول الفترة الحرجة التي خلدت اسم الشهيد مار بنيامين شمعون بطريريك كنيسة المشرق قبل وأثناء الحرب الكونية الأولى لأنصدم من الفرق الشاسع من أن يكون هذا المغدور "رجلاً ضعيف الرأي والإرادة واهن العزم"  كما يدعي الكاتب، وبين أن يكون مار بنيامين الشهيد بطلاً من أبطال التاريخ الآشوري قاد شعبه في أصعب وأحلك الظروف وضحى بأخيه وبنفسه من أجل كرامة وعزة شعبه. وقصة هذا البطل الخالد، الذي يعتبر رمزاً قومياً ودينياً عند الآشوريين، ملحمة بطولية نادرة ليس في تاريخ الآشوريين فحسب بل في تاريخ شعوب المنطقة أيضا، يصعب، لا بل يستحيل فهمها، على من لم يطلع على كتاب آشوري أو محايد واحد يتناول تلك المرحلة.

أما المسائل المثار في الكتاب مثل هجرة الآشوريين الى العراق وانضمامهم الى قوات الليفي ودورهم في ضرب الحركة الوطنية وغيرها من المسائل المكررة أيضا من قبل معظم مؤرخي  تاريخ العراق الحديث ومفكري النخبات الحاكمة في العراق والتي تنم عن حقد وكراهية تجاه الآشوريين، فأنني كامل اليقين بأنه لو تسنى للكاتب الإطلاع على جزء يسير من الوثائق البريطانية الضخمة التي تناولت هذه المسائل بشكل مفصل ودقيق لكان قد توصل الى قناعات أخرى تخالف مخالفة كبيرة لتلك التي توصل إليها وكان قد أكتشف بأن الآشوريين لم يهاجروا من تركيا الى العراق بل أن القسم الأعظم منهم كان يعيش ولا يزال في المناطق التي أصبحت عراقية بعد رسم الحدود بين العراق وتركيا. وحتى الآشوريون (النساطرة) الذين نزحوا من منطقة هيكاري التي اصبحت ضمن أراضي تركيا بعد رسم الحدود، فانهم لم ينزحوا من تركيا الى دولة العراق التي لم تكن قائمة في تلك الفترة بل أنهم انتقلوا، أو بالأحرى هُجــروا بسبب الحرب، من منطقة الى منطقة أخرى ضمن بلاد كانت تعرف بـ "بلاد ما بين النهريــن"، موطنهم الأصلي، والذي كان خاضعاً للدولة العثمانية قبل تأسيس كيان العراق ثم أصبحوا ضحية للمناورات السياسية الخبيثة وثمناً رخيصاً لتسويات الحدود الغادرة التي تمت بين بريطانيا وتركيا لصالح ضمان حدود كيان العراق الفتي، نتيجة ذلك تحولوا الى " أقلية وافدة " حسب المفهوم العراقي السائد عن الآشوريين، وهو المفهوم الذي لو تم تطبيقه على بقية العراقيين لوجدنا بأن ملك العراق المغفور له فيصل الأول وأبناءه وأهله أقل عراقية من الآشوريين الهيكاريين، وأن قسم كبير من عشائر سكان العراق الجنوبي والشمالي كان قد نزح الى العراق واستقر فيه بعد تأسيس كيانه السياسي، فهل يقبلون هؤلاء أن ننعتهم بشعب وافد الى العراق ؟؟ .

أما مسألة قوات الليفـي " المرتزقة " هي الأخرى مسألة عويصة ومعقدة يفتح التطرق إليها صفحات سلبية ومؤلمة في تاريخ العراق الحديث لا يملك الكثير من المؤرخين العراقيين الشجاعة الأدبية الكافية لمناقشتها مناقشة موضوعية كما هي موثقة ذلك لأنها ستكشف بكل وضوح بأن قوات الليفي العربية والكردية هي التي ساهمت في ضرب ثورة العشرين في العراق وفي قمع تمرد شــيوخ العشائر وأن الآشوريين في تلك الفترة كانوا منهكين مشردين في مخيم بعقوبــة للاجئين لا حولة لهم ولا قوة وأنهم لم ينضموا رسمياً الى هذه القوات إلا بعد تأسيس دولة العراق والجيش العراقي وتسريح قوات الليفي العربية والكردية وانضمامهم الى الجيش الجديد حيث أن الإنكليز، لا بل حتى الحكومة العراقية، كانوا بحاجة شديدة الى قوات متمرسة في حروب الجبال لضمان حدود العراق الشمالية من أطماع تركيا في ولاية الموصل لأن جيش العراق الناشئ لم يكن يملك خبرة قتالية في الجبال العاصية فاستطاع الإنكليز استغلال الآشوريين في تثبيت كيان العراق السياسي واستقرار حدوده على حساب تعاظم مأساتهم ومعاناتهم  في العراق. هذه المسائل التي يطول الحديث عنها مفصلة تفصيلاً أكثر إقناعاً في بعض المقالات والبحوث التي نشرتها في بعض الجرائد والمجلات وفي كتابي الأخير المعنون "الآشوريون في السياسة والتاريخ المعاصر " الذي أصدره اتحاد الأندية الآشورية في السويد وقد قمت بأهداء السيد القيسي نسخة منه.

لقد حاولت جلّ جهدي أن اكتفــي بهذا القدر من الملاحظات عن هذا الكتاب ، إلا أن كثرة المخالطات الواردة فيه ولدت لدي حوافز للاستمرار في إبداء ملاحظات أخرى مهمة على المسألة الآشورية. ومن هذه المخالطات التي وقع فيها السيد القيسي في كتابه، موقف الإنكليز المساند لاغا بطرس ولمشروعه السياسي في إقامة كيان آشوري شامل لجميع الطوائف الآشورية في شمال بيت نهرين. فالعكس هو الصحيح، فالإنكليز كانوا يمقتون اغا بطرس مقتاً شديداً ولأسباب مختلفة منها طائفية، لأنه كان كاثوليكياً، ومنها ثقافية ، لأنه كان فرنسي الثقافة والتوجه، ومنها سياسية، لأنه كان عارفاً بحيل وألاعيب الإنكليز تجاه الآشوريين من جهة، وملما بفنون لعبة المساومات السياسية بين الدول العظمى حينذاك خاصة بريطانيا وفرنسا وروسيا من جهة أخرى، وهذا كان يزعج الإنكليز ويزيد قلقهم تجاه ذكاءه وفطنته وتجاه طموحاته القومية. صحيح أن الإنكليز أظهروا في البداية تأييدهم لمشروع اغا بطرس لا لشيء إلا بهدف استغلاله لضرب الحركة الكردية وضمان حدود العراق الشمالية من أطماع تركيا غير أنه بعد قرار مؤتمر القاهرة لعام 1921 والقاضي بتأسيس دولة عربية في العراق ونصب الأمير  فيصل بن الشريف حسين على عرشها  أنقلب الإنكليز على اغا بطرس لأن مشروعه كان يتناقض مع قرار مؤتمر القاهرة لذلك حاربوه وأفشلوا مشروعه. وإزاء إصرار اغا بطرس على النضال لتحقيق مشروعه دبر الإنكليز قراراً لنفيــه من العراق الى فرنسا، فلم يهرب كما يدعي السيد القيسي في كتابه،  وعندما تصاعدت وثائــر الحركة الآشورية في العراق وازدادت حالة التوتر مع الحكومة العراقية ومستشاريها الإنكليز حاول اغا بطرس العودة الى العراق إلا إن القنصلية البريطانية في مدينة بوردو الفرنسية رفضت ذلك ومنعته رغم إصراره على ضرورة العودة إلى العراق والالتحاق بالحركة الآشورية. غير أنه بعد أيام وُجــد ميتاً في أحد شــوارع مدينة تولوز الفرنسية وفي ظروف غامضة ومثيرة للتساؤل وجهت أصابع الاتهــام في حينها إلى الإنكليز وأعوانهم لتقول بأنهم دبروا أمر تسميمه وقتله. هكذا نحن الآشوريون نفهم اغا بطرس كرمز من رموز النضال القومي وبطلاً من أبطال التاريخ الآشوري ومن لا يفهم رموز الآشوريين وأبطالهم لا يمكن إطلاقاً أن يفهم قضيتهم ويدرس تاريخهم بموضوعية نزيهة.

أما بالنسبة لمواضيع مشروع إسكان الآشوريين والتفاصيل المعلقة بالحركة الآشورية وزعماؤهم ومن ثم رفضهم لمشروع الإسكان ، فهي مسائل تتطلب صفحات طويلة لإبداء الملاحظات عليها، إلا أننا نؤكــد بأن ما أورده الكاتب فيه الكثير من المخالطات والتي رددها غيره من المؤرخين العراقيين. ولعل أهم المهمات في هذه الملاحظات الذي أود بيانه هو السبب الذي دفع بزعماء الآشوريين رفض مشروع الإسكان. فمن الحقائق الموثقة في أرشيف عصبة الأمم في جنيف بهذا الشأن والتي تبيــن بأن توصية مجلس العصبة في جلسته الرابع عشرة في 15/10/1932 كانت تقضي بإسكان الآشوريين في وحده اجتماعية متجانسة كأساس للحفاظ على تراثهم وتقاليدهم، غير أن اللجنة الثلاثية التي شكلتها عصبة الأمم بخصوص مشروع الإسكان، وبتأثير من الإنكليز، تبنت قراراً مخالفاً لذلك يقضي بإسكان الآشوريين النازحين من هيكاري في مجموعات أو أقسام مختلفة وبعيدة عن مناطق أخوتهم الآشوريين العراقيين بحجة عدم توفر الأراضي الكافية لهم، مما سبب ذلك امتعاض قادة الآشوريين ورفض هذه الصيغة لقرار توزيعهم على أراضٍ متباعدة والتي تبينت في ما بعد بأنها أراضٍ جدباء ومبؤة بالأمراض المعدية فكان هذا السـبب الرئيسي الذي دفع بزعماء الآشوريين الى رفض مشروع الإسكان بصيغته العراقية - الإنكليزية وليس السبب الذي أورده القيسي في "طبع الآشوريين المشاكس وافتقاد زعمائهم الحس التاريخي في تفسير الأحداث وتغليب التطرف والعناد على العقل والاعتدال". لا بل على العكس من هذا تماماً، فزعماء الآشوريين كانوا يملكون الحس التاريخي والمنطقي في تفسير الأحداث خاصة في تفسير سلوك النخبة الحاكمة ونوايا الإنكليز في التخلص من الآشوريين وفي قمعهم و "تأديبهم"  خاصة بعد إستنفاذ حاجتهم الى خدماتهم العسكرية. فلو تسنى للسيد القيسي أن يطلع على الكتب التي كتبها هؤلاء الزعماء أمثال مار شمعون إيشاي وماليك ياقو ماليك اسماعيل والمفكر يوسف ماليك التلكيفي لأدرك بأن نظرتهم لمجريات الأمور كانت صحيحة وأن مخاوفهم كانت مشــروعة، تلك المخاوف الناشئة من ترك الإنكليز سلطة البلاد بيد نخبة سياسية متعطشة للسلطة همها الوحيد مواصلة تلك السياسة الاستبدادية التي بدأتها عندما كانت في خدمة الجيش العثماني، تلك المخاوف التي كانت تؤكد بأن الكارثة لا محال واقعة بالشعب الآشوري، سواء أكانت الكارثة على الفريق المؤيد للحكومة العراقية ومشروعها الإسكاني أم كانت على الفريق الرافض، والتي تحققت فعلاً عندما أزهقت أرواح أكثر من ثلاثة آلاف آشــوري في سـميل عام 1933 من دون أي تمييـز بين هذا الفريق أو ذاك. وهنا يجب أن نسجل تقديرنا وتثميننا العظيمين للسيد القيسي في تأكيده لهذا العدد من الضحايا أثناء مذبحة سميل لأنه كان شاهد عيان في تلك الفترة وفي الوقت الذي تشير الوثائق الرسمية العراقية إلى ثلاثمائة ضحية فقط ووثائق أخرى تشير إلى أقل من هذا العدد. ومن المشاهد المأساوية لهذا الحادث ذكر لي السيد القيسي شخصياً في أحدى لقاءاتنا وكشاهد عيان بأنه أحضر بعض الجنود العراقيين شخصين أشوريين كانا يعملان في مهنة الفلاحة في الموصل إلى  حجي رمضان مساعد بكر صدقي وقيل له بأنهما جاسوسان للإنكليز فما كان من حجي رمضان إلا أن سحب مسدسه وأطلق النار عليهما فقتلهما في الوقت الذي كان يقف خلفه أثنان من المستشاريين الإنكليز اللذان كانا يعملان في خدمة الحكومة العراقية في الموصل. 

وقصة المنكوب كوريال يونان ، الذي خدم الحكومة العراقية فترة طويلة وكان من أشد أنصارها وأكثرهم حماساً لمشروعها الإسكاني، قصة مأساوية معروفة تدمــى لها القلوب حيث وجد مذبوحاً في داره مع ابنه الوحيد وليم والجنسية العراقية معلقة في رقبته وملطخة بدماءه الزكية وعلم العراق يرفرف فوق سطح داره لبيان مدى وطنيته كما ذبح معه مجموعة تزيد عن الثمانين شخصاً من الآشوريين المؤيدين للحكومة بين نساء وأطفال ورجال دين لجأوا الى داره طلباً للحماية. هذه القصة هي نموذج من نماذج كثيرة كان زعماء الآشوريين يتخوفون منها قبل وقوعها، غير أن النخبة السياسية الحاكمة ومفكريها عجزوا عن فهمهما وتقديرها.

وأخيراً ، بقى أن نقول بأن الأستاذ القيسي اجتهد في كتابه وأظهر في جوانب منه موقفه الشجاع غير أنه أيضا أخطأً في اجتهاده في فهم تاريخ الآشوريين وقضيتهم القومية. فهذه الحقيقة النبيلة التي أقرها الكاتب نفسه في مقدمة الكتاب هي التي منحتني أجر الاجتهاد الصادق في ملاحظاتي هذه. وضمن هذا الاجتهاد اختم الحديث بالقول بأن الكاتب وفق كثيراً في أن يكون وكيل الاتهام للحكومة العراقية والجيش العراقي بخصوص دورهما في تصعيد الأحداث وارتكاب مذبحة ســميل بحق الآشوريين الأبرياء، ولكن مع الأسف الشديد فشل في أن يكون محامي الدفاع عن القضية الآشورية، كما حاول البعض وصفه، ومرد فشله يعود الى عدم إطلاعه على أوراق القضية وعدم سماعه لأقوال أصحاب القضية والاكتفاء في دفاعه عن الآشوريين على أوراق الخصم وأقواله وأفكاره، وهو منطق غير مقبول إطلاقاً  لأننا متأكدين تأكيداً قاطعاً  بأنه لا يتم من خلاله إحقاق الحق الآشوري الذي غبن كثيراً وان تتحقق العدالة وسيادة القانون وإشاعة الحرية والديمقراطية والتي ننشدها جميعاً لوطننا الحبيب وهي الأهداف التي كرس الأستاذ عبد المجيد القيسي حياته من أجلها وما هذا الكتاب إلا تأكيداً على ذلك... رحمه الله فذاكرته ستبقى مع بقاء هذا الكتاب القيم.



243
قصر نظر في قراءة وفهم المواضيع القومية الحساسة
أبرم شبيرا
توطئة:
=========
هذه السطور القليلة ما هي إلا توضيحات أخرى لمن عجز عن فهم الموضوعين (المسيرة النيسانية بين زوعا والتجمع) و ( إنجاز عظيم وتاريخي تحققه قائمة الرافدين لأبناء أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية) اللذان سبق وأن كتبناهما ونشرتا في موقع عنكاوه الألكتروني وخلقتا رود فعل تراوحت بين الإيجابي المفرط والسلبي القاتم، وها نحن نكتب هذه التوضيحات لعل تصحح نظر البعض الذين يعجزون عن قراءة مثل هذه المواضيع النقدية الهادفة إلى كشف بعض العيوب في مجتمعنا وتقديم المقترحات للتخفيف منها أو إمحاءها إن أمكن عسى ولعل يأخذ المعنيون بها في المستقبل.

 قصر النظر وأمراض الفكر السياسي:

========================
قصر النظر وبالإنكليزية (Nearsightedness) والمعروف طبياً بـ (Myopia) عيب أو خلل يصيب عين الإنسان فيرى الأشياء البعيدة بشكل مشوش وغير واضحة. وهذا الخلل ليس مرضاً بحد ذاته بل قد يكون نتيجة مرض معين وفي حالات معينه قد يكون مرض الأنيميا (Anemia) أي فقر الدم سبباً في ذلك. كثير من علماء السياسة والإجتماع أستعانوا بنظريات العلوم الطبيعية والطبية وأستعملوا مصحلحاتها ومناهجها في دراسة العلوم الإجتماعية، وعلى هذا السياق يمكن إستخدام مصطلح قصر النظر وفقر الدم في تسهيل مهمتنا ومهمة القراء في فهم ما نكتبه في المواضيع السياسية والقومية لأمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية"، وهو موضوع سبق وأن كتبنا عنه تحت عنوان "الإنيميا السياسية في المجتمع الآشوري". هناك نكتة قديمة وشائعة على مسامع الكثير من الناس تقول بأن رجل مصاب بقصر النظر ذهب إلى طبيب العيون لفحص بصره وفي العيادة وأثناء الفحص سأله الطبيب عن الحروف الموجودة على اللوحة فأجاب الرجل عن أية لوحة تتكلم فأنا لا أرى أصلاً اللوحة. هكذا هو حال "البعض"، أوكد وأقول البعض، من كتابنا ومثقفينا خاصة الذين يكتبون وينتقدون موضوعاً معيناً بعيداً بعض الشيء عن ثقافتهم وتفكيرهم وبالتالي يقرأونه بشكل مشوش وغير واضح أو لا يفهموه فهماً عميقاً وبنظرة نقدية لمضمون الموضوع وبالنتيجة تكون كتاباتهم النقدية أيضا مشوشة وغير واضحة. والحالة هذه تتعقد أكثر عندما يجهل هؤلاء الأساليب النقدية والتحليلات الموضوعية الواقعية كأمر طبيعي ناتج عن الفقر المدقع للفكر النقدي في مجتمعنا وبأساليبه السائدة في المجتمع المعاصر وبالأخص عند بعض من مثقفينا وأحزابنا السياسية والمهتمين بالشؤون القومية والسياسية، وأرجو أن لا أظلم هؤلاء بالكشف عن مرضهم الفكري في الفقر الفكري والسياسي وقصر النظر للأمور القومية والسياسية لمجتمعنا.

 الفانتازيا والسخرية كأساليب نقدية في فهم موضوعنا "أنجاز عظيم وتاريخي..."

الفانتازيا لها معاني ومدلولات متنوعة أستخدم حديثاً كأسلوب نقدي في الفن والأدب والسياسة يقوم على التعبير عن حدث أو أمر عجيب وفيه الكثير من الغرابة بحيث لا يحتمل قبوله على نحو جاد أو تصديقه وتصل غرابته حتى حدود الخيال. أما أسلوب النقد القائم على السخرية فهو تعبير يستعمل ألفاظ معينة ويطرح أفكار في موضوع معين تكون على عكس ما يقصده الكاتب وقد يصل إلى حدود النقد اللاذع ولكن مع هذا لا يتعدى حدود الإيلام والتجريح، فالأحترام يبقى قائماً في جوهر الموضوع رغم إختلافه في الشكل القائم على هذين الأسلوبين في النقد. مؤخراً كتبتُ موضوع "إنجاز عظيم وتاريخي تحققه قائمة الرافدين لأبناء أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية" ونشره موقع عنكاوه الألكتروني مشكوراً وجاءت عليه ردود عديدة سواء بالكتابة على نفس الموقع أو بالمخابرات الهاتفية أو على الموقع الشخصي الألكتروني أو على هاتفي المتحرك، وكلها كانت تعبر عن المستوى الفكري لأصحابها في إستيعاب هذا الموضوع وفق الأسلوب الذي كتبته. فالبعض من الأصدقاء كانوا قد بينوا قدرتهم الفكرية العالية في فهم مثل هذا الأسلوب النقدي في الفكر والسياسة وأستطاعوا أن يقرأوا بين السطور والمحمي، كما قالوا. لا بل البعض منهم وبذكاءهم وخبرتهم أستطاعوا فهم الموضوع من أوله عندما شاهدوا عنوانه مذيل بالعديد من علامات الإستفهام والتعجب.  أما على الجانب الآخر، فالبعض أعتبره أسلوباً هابطاً في مقارنة مع رفعة ما أكتبه في هذا المجال لا بل وأكثر من هذا حيث أعتبره نوع من الحسد وهذا مرض خطير ومضر جداً بصحتي لأني حسدت "ممثلي" أمتنا الذين يجلسون مع اللصوص ومغتصبي حقوقنا ويصافحون بعضهم البعض ويتكاتفون معهم سواء أمام الكامرات أم خلف الستائر... آخر زمن .. أن يحسد قومي نزيه ومكتفي في الحياة من جميع النواحي (نشكر الرب ونحمده ملايين المرات) أعمال ومناصب هؤلاء وهم يعرفون نزاهتي أكثر من أي شخص آخر... مسألة تفوق الخيال ولا يتصورها إلا الملتصق بـ "لصقة جونسون" على كراسي التفاخر والتعالي على أبناء أمتنا.

أما قمة الجهل في فهم الموضوع وأسلوب طرحه تمثل في بعض من "عشاق" والمغرمين بالحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) الذين يضرون ويسيئون لسمعة زوعا أكثر من غيرهم، فهؤلاء أعتقدوا بأن الموضوع يمجد زوعا ويثني على أسلوب اللقاءات الخارجية في حماية حقوقنا القومية ... مسألة حقاً مثيرة للضحك لا أكثر ولا أقل. وقد وصل الأمر في ضعف النظر والفقر السياسي والفكري عند البعض حدود عدم قدرتهم على فهم مضامين أو تأثيرات هذا "الإنجاز" الذي حققته قائمة الرافدين... بالله عليكم يا قراءنا الأعزاء... أفهل يعقل أن يخافوا لصوص ومغتصبي أراضي أبناء أمتنا في برطلة وبغديدا ومناطق أخرى من مشاركة أعضاء من قائمة الرافدين ضمن وفد البرلمان العراقي في إجتماعات مؤتمر للإتحاد البرلماني العربي؟؟؟ أو إن مثل هذه المشاركة تزلزل أسس وقواعد الأبراج الأربعة المشؤومة في عنكاوة؟؟؟؟ أفهل وصل كرم الكرد إلى درجة أن يخشوا على تناقص نفوس أمتنا بسبب هذا "الإنجاز العظيم والتاريخي" الذي حققته قائمة الرافدين لأبناء أمتنا؟؟؟. أن أصحاب هذه النظر والفهم لا تفيد معهم حتى نظارات "جعب ستكان" في تصحيح نظرهم وفكرهم في فهم مثل هذه الأمور بل يستوجب عليهم إجراء عملية جراحية بسيطة لتصحيح وضعهم وذلك عن طريق التقليل ولو قليلاً من تحزبهم المطلق لحزبهم. إن كل ما رميت إليه في موضوعي السالف الذكر هو التأكيد ... ثم التأكيد كما فعلنا في السابق هو أن مشاركة "ممثلي" أمتنا في مثل هذه اللقاءات والزيارات الخارجية لا تفيد أمتنا لا من قريب ولا من بعيد  بل تضر كثيراً وتعطي إنطباعاً خاطئاً للرأي العام العالمي بأن الأقليات المسيحية ومنهم أمتنا "الكلدانية السريانية الاِشورية" تعيش في نعيم من الحقوق والإمتيازات وتعامل بمساواة وعلى جميع الأصعدة من قبل القابعين على السلطة في العراق، وإلا كيف يفسر وجود أعضاء من هذه "الأقلية" في الحكومة والبرلمان؟؟؟.

وبهذه المناسبة أود أن أشير إلى ظاهرة تكاد أن تنشأ نظرية في علم السياسة بسبب تراكم التجارب عنها وهي أن تراكض وتباهي قادة الدول والأحزاب السياسة نحو الخارج وحضور المؤتمرات واللقاءات العالمية أو الخارجية وبيان "عنتريتهم" في هذه المؤتمرات واللقاءات ما هي إلا تظاهر للآخرين بأنهم في مستوى أعلى وأحسن بكثير من اللذين لايتمكنون من الوصول إلى مثل هذا المستوى من الحضور للمؤتمرات واللقاءات الخارجية في الوقت عينه هو غطاء للفشل أو عجز أو تقصير في الأمور الداخلية ويخشون عقد لقاءات ومواجهة أبناء شعبهم والتباحث في مشاكلهم لأنها أنظمة حكم وأحزاب سياسية في معظمها غير مستقرة وغير وكفوءة في تلبية طلبات أبناء شعبهم وبالتالي يجدون في الخارج مصدراً لتعزيز بقاءهم وإستمرار وجودهم في الداخل على رغم من أنف أبناء شعبهم. وزعماء الدول العربية مثال وضاح في ذلك. أما على مستوى أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" فالإتحاد الآشوري العالمي (AUA) سباق في هذا المجال، إذ فله نصيب لا بأس به من حضور المؤتمرات والندوات العالمية وإصدار البيانات والإحتجاجات إلى المنظمات الدولية والأقليمية ولكنه عاجز عن إقامة نشاط سياسي معين لأبناء أمتنا أو مهرجان ثقافي أو فني لا بل حتى أنه عاجز عن إقامة إحتفالات بمناسبة تأسيسه. والحال ينطلق أيضا على زوعا وعلى التجمع.. ففي الوقت الذي يشارك أعضاء من قيادة زوعا وبقية أعضاء التجمع  في المؤتمرات واللقاءات الدولية ويتباهون في طرح مطاليب أمتنا وقضيتها على الرأي العام العالمي نرى في عين الوقت غائبين كلياً عن أقامة ندوة أو لقاء مع أبناء أمتنا في الوطن وشرح المشاكل والصعوبات التي تواجه تحقيق المطالب القومية... بالله علكم يا قراءنا الأعزاء هل سمعتهم أو حضرتم يوما ما ندوة للتجمع يشرح فيها كيفية تأسيسه والمصاعب التي يواجهها أو أحد أعضاءه أقام ندوة أو محاضرة فكرية أو ثقافية أو سياسية لأبناء أمتنا في الوطن ؟؟؟؟ طبعاً الجواب هو: كلا، فهم يحتجون على مقترحي في حصر تنظيم مسيرة أكيتو بزوعا ويطالبون بإستمرار التجمع بتنظيم هذه المسيرة وهم غير قادرون عليه أو إيجاد مكان لهم في هذه المسيرة ولكن في نفس الوقت لا يأخذون بنظر الإعتبار أمكانيتهم في تنظيم نشاط ثقافي أو فكري أو سياسي أو فني أثناء إحتفالات أكيتو الذي من الممكن جداً أن ينظموا مثل هذه النشاطات كما جاء في مقترحي... كل ما في الأمر هو أن التحزب المقيت يقتل الإبداع في الفكر والسياسة فدائماُ يحاول المتحزب أن يبين بأن حزبه قادر على عمل كل شيء طالما الحزب الآخر قادر على ذلك. أكتفي بهذا القدر في هذا الموضوع أكراماً لأصدقائي في إختصار المواضيع التي أكتبها لأنه سبق وأن أكدنا على إستقالة "ممثلي" أمتنا من مناصبهم الكارتونية رحمة بحقوق أمتنا وتخفيفا لمعاناة أبناؤها وفي عدة مناسبات سابقة.

الفقر السياسي في فهم موضوع "المسيرة النيسانية .... :
=========================================
تمثل قمة قصر النظر عند بعض الذين قرأوا وأنتقدوا مضوعنا في "المسيرة النيسانية بين زوعا والتجمع". وسبب ذلك يرجع بالأساس إلى مرض فقر الفكر السياسي وإستحالة قدرتهم على الغوص في الحقائق الواقعية للموضوع. لقد سبق وأكدنا مراراً وتكراراً بأن السياسية هي فن وممارسة وبلغة أخرى هي فكر وواقع،  فبدون الممارسة على الواقع يبقى الفكر، مهما كانت علميته ومنطقيته، مجرد كلام ونظريات لا تفيد المجتمع إلا إذا نزل إلى الواقع وتم ممارسته حتى ندخل في عالم السياسة. أوكد وأقول مرة أخرى السياسة هي الواقع ومن لا ينطلق من هذا الوقع يبقى يدور في الفقر السياسي المدقع. إنطلاقاً من هذا الواقع الذي يعكس الحقيقة كنت قد كتبت هذا الموضوع والمواضيع السابقة المتعلقة به. وعلى العكس من ذلك، فالذين قرأوا وكتبوا نقدهم على هذا الموضوع، فبسبب قصر نظرهم لهذا الواقع،  فقد غاب كلياً عنهم وبالتالي كتبوا نقدهم بشكل لا يعبر عن الحقيقة إلا بشكل مشوه وغير منطقي. وعلى أساس هذا الواقع أقول بأن معظم أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية ليست معابد للتعبد والسجود لقادتها، بل هي بنى إجتماعية قائمة في واقع وموضوع. ولما كان لكل مجتمع أمراض وعيوب إجتماعية لا يخلو منها أي مجتمع إلا مجتمع "جمهورية إفلاطون" لذا فأن الكثير من هذه العيوب والأمراض تنتقل إلى هذه البنية الإجتماعية: الأحزاب والمنظمات المعينة بموضوعنا هذا، هذه الحقيقة لا يمكن أن ينكرها حتى الجاهل في أبسط الأمور السياسية والقومية. من هذا المنطلق وفي كل كتاباتي عن أحزابنا وتنظيماتنا قد تم تقييمهم وفق هذه البديهيات في فهمها على حقيقتها الواقعية وكما هي من دون مبالغة أو تقصير. فإحترام هذه التنظيمات لا يقوم إلا على فهمها موضوعياً وبيان إيجابياتها وسلبياتها معاً وليس بالمدح والتطبيل والتبجيل لها لأن هذا يضرها أكثر مما يفيدها. وهنا أتذكر الأديب الآشوري الكبير المرحوم الشماس كوركيس بنيامين أشيتا الذي كان خزينا من الأمثال والحكم، ففي أحدى أمثاله الحكيمة يقول (الفأرة تحتج وتغضب خضباً شديداً عندما ينادوها بالأسد ... وتصرخ وتقول كلا... أنا فأرة وأعتز في كوني كذلك) وعلى هذا الأساس يجب أن نقم كل الأشياء ومنها أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية كما هي دون مبالغة أو تطبيل أو حتى تقليل وتصغير. وعلى نفس الأساس بحثنا موضوعنا هذا وقيمنا دور الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) في تنظيم المسيرة وإعطاء أدوار أخرى لبقية أعضاء التجمع في تنظيم نشاطات أخرى ضمن إحتفالات عيد أكيتو كل حسب حجمه وأمكانياته ولم أحصر إطلاقا هذه النشاطات بزوعا فحسب. وأساس هذا المقترح لم يكن إلا قائماً على الحقيقة الواقعية المحيطة بتنظيم مسيرات أكيدو الذي يتجاهلها البعض. فمنذ عام 2011 وبعد إنبثاق التجمع بدأت مسيرة أكيتو بالتنازل من حيث التنظيم والجماهير والحماس أيضا وهكذا في عام 2012 وحتى 2013 القريبة علينا والتي لازالت جوانبها السلبية عالقة في دماغنا. في الوقت الذي كان زوعا قبل ثلاث سنوات ينظم مسيرة أكيتو وحده وكانت أكثر تنظيماً وجماهيرية وحماسة. هذه الحقيقة الواقعية لا يمكن لأحد أن ينكرها إطلاقاً سواء أتفقنا مع زوعا أم لا وهذه الحقيقة هي التي تسمح لنا بأعطاء مهمة تنظيم مسيرة أكيتو لزوعا ليس كإمتياز لها أو مدحاً بها فنحن نقيم زوعا طبقاً لكل جوانبها الإيجابية والسلبية، فهي بإعتراف أبناء أمتنا أو غيرهم من "الغرباء" حركة جماهيرية واسعة في مجتمعنا وقادرة على تنظيم مثل هذه النشاطات الجماهيرية ولكن كل هذا لا يمنعنا من بيان العيوب التي تعتري زوعا وإنحراف ممارسة عناصر في قيادتها. ففي المقالة موضوع البحث ذكرت بأن نشاطات أجدادنا العظماء لعيد أكيتو لم تكن قاصرة على تسير المواكب بل أيضا على نشاطات أخرى مختلفة من فكرية وموسيقية ومسرحية وطقسية وغيرها، فمن هذا المنطلق أقترحت أن تكون أحفالات أكيتو شاملة للعديد من النشاطات الثقافية والفكرية والسياسية والفنية والإجتماعية التي يستوجب على أعضاء "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" القيام بها كل حسب إمكانيته وطاقته وظروفه.

من الحقائق التي سببق مراراً وتكراراً تأكيدها هي أنه لا يوجد حزب واحد في أمة قادر على أن يعبر ويحقق جميع مصالح الأمة بل يستوجب وجود عدة أحزاب يتناسب عددها مع حجم الأم وطموحاتها وبعكس ذلك نكون أزاء دكتاتورية الحزب الواحد أو ما أصطلح على تسميته بالحزب القائد ومصير جميع هذه الأحزاب معروف بنهايتها المأساوية التي تتناثر نتائجها على الأمة وتقودها نحو التقهقر والإنهيار. وتأكيدنا على جماهيرية وقوة زوعا كحزب سياسي بين أحزابنا السياسية لا يعطيها الحق في أن تكون الحزب الوحيد في أمتنا بل يتطلب وجود أحزاب أخرى قادرة على الدخول في معادلة تعاون/تنافس في أساليب تحقيق مصالح الأمة. من هنا تأتي أهمية وجود تحالفات بينهم، و "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" نموذج في هذا السياق وتقيمنا له منطلق من هذا السياق كما وأن توزيع الأدوار على أعضاءه في إحتفالات أكيتو يأتي أيضا من هذا المنطلق وليس تقليلاً أو تكبيراً لأي عضو من أعضاءه فإحترامنا لهم قائم على أساس هذا الدور الذي يمكن أن يلعبوه ضمن التجمع، وما زيارتنا إلى مقرات بعض من أعضاء التجمع واللقاء بقادتهم أثناء إحتفالات أكيتو هذا العام إلا إحتراماً وتقديراً لهم. لقد سبق وأن كتبنا مراراً وتكراً عن هذا الموضوع وقيمنا التجمع تقييماً موضوعياً واقعياً في مقارنة مع تحالفات سابقة التي لم تكن إلا ورقية أو لم تدم طويلاً بسبب عدم موضوعيتها واعتبرناه من أكثر التحالفات بين أحزابنا السياسية نجاحاً في الوقت الحاضر رغم النقص الذي يعتريه والمعوقات التي يواجهها. وهنا أتحدى تحدياً رياضياً كل الذين أنتقدوا وأساؤا فهم تقييمي للتجمع أن يعطوا مثالاً أو يذكروا كاتباً أو مثقفاً أو سياسياً قيم التجمع مثل هذا التقيم وهو مستقل تنظيماً ولا ينتمي إلى أي من أعضاء التجمع... من هنا أقول أن الموضوع الذي كتبه عن إقتراح قيام زوعا بتنظيم المسيرة وقيام بقية أعضاء التجمع بالنشاطات الآخرى والنقد الذي وجه إليه لم يقرأ بنظرة موضوعية ولم يبنى عليه طروحات واقعية لأنها كتبت بنظرة قاصرة إلى الواقع الموضوعي للتجمع قائمة على التحزب والمدح والتمشدق بهذا الحزب أو ذاك. نصيحتي الأخوية "الرفاقية" أن يقرأوا الموضوع بتأني وبنظرة واقعية وموضوعية بعيداً عن الحزبية حينذاك سوف يدركون حقيقته وفائدته للجميع وليس لهذا الحزب أو ذاك، وحينذاك سيدركون بأن التمشدق والكلام المنمق يضر حزبهم أكثر مما يفيده... قيل "الكلام المعسول لا يطهو الجزر الأبيض"، وبالتأكيد الكلام المنمق والمديح المبالغ لا يفيد أحزابنا السياسية بل يجعلها تغوص أكثر فأكثر في غيها وهذا ما لا يرغبه أي من أبناء أمتنا النبلاء .   




244


إنجاز عظيم  وتاريخي تحققه قائمة الرافدين لأبناء أمتنا (الكلدانية السريانية الآشورية) ؟؟؟ !!!
=============================================

أبرم شبيرا

يقول بعض من أصدقائي الأعزاء بأن ما أكتبه من مواضيع هي طويلة جداً وقد يتعب القارئ من قراءتها فيتركها من دون ان يكملها وبالتالي لا يستفيد منها. هذا قول صحيح ولكن لنعرف بأن المواضيع التي تكون لها صفة بحثية وموضوعية لا يمكن قضمها وتسطيرها في بعض السطور كالمقالات التي تتناول مواضيع آنية تعبرعن رأي صاحبها عن حالة معينة أو تنتقد موضوع آخر، ولكن مع هذا أقول لهم شكراً جزيلاً على النصيحة لذلك فما كان مني إلا أن أتبع هذه النصحية وأقوم بكتابة موضوع قصير غير متعب للعيون وأمل أن يكون غير متعب أيضاً لعقول البعض. هذا الموضوع الذي يتعلق بإنجاز العصر الذي حققته قائمة الرافدين لأمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" هو إنجاز قل نظيره في تاريخنا القديم والمعاصر لأنه يحقق بالقول والفعل الأجندة التي وعد "ممثلي" أمتنا به أثناء التصويت لهم. وتتجلى عظمة هذا الإنجاز في النتائج والآثار الذي سيتركه على خارطة طريق تحقيق مصالح أمتنا وحماية حقوقها القومية والتاريخية... فمن المؤكد الذي لا يقبل الشك إطلاقاً بأن هذا الإنجاز التاريخي سيترك رهبة وخوف على قلوب لصوص أراضي أبناء شعبنا في بلدتنا العريقة برطلة وسيولون هاربين من غضب وهيجان وقوة ممثلي أمتنا في حماية حقوقها. لا بل سيكون لهذا الإنجاز العظيم وقعاً قوياً وحاسماً على عقول صانعي القرار في محافظة نينوى وبالحتم والنتيجة سيغيرون قرارهم في سلب ونهب أراضي أبناء أمتنا في بغديدا من أهلها الأصلاء والأكثر من هذا سيكون لهذا الإنجاز المهيب والمرعب لقلوب الإستبداديين وسارقي حقوق أمتنا أثراً قوياً على الجانب الروحي لهم وبالتالي سيصدرون قراراً معدلا لقرار بناء الحسينية في هذه البلدة العريقة وبدلا عنها سيبنون كنيسة ضخمة تخلد إستشهاد مار بهنام وأخته ساره قبل قرون طويلة وقبل أن تطئ أقدام هؤلاء اللصوص أرض الرافدين... يا له من إنجاز عظيم تتناثر نتائجه على أبناء امتنا وعلى مختلف الأصعدة القومية والدينية.
أما تأثير هذا الإنجاز العظيم والتاريخي على منطقة "كردستان" فالحديث عنه بلا حرج وبدون حدود. وإكراماً لإصدقاءنا الأعزاء سنختصر التأثيرات العظيمة والحاسمة لهذا القرار في الإشارة إلى الزلزال الهائل والمدمر الذي سيثيره ويهز أسس وقواعد الأبراج الأربعة في بلدتنا الحبيبة عنكاوه ويزيلها من الوجود وبدلا من هذه الأبراج الأربعة القابعة على قلب عنكاوة سيهب قادة أحزابنا المناضلة وسيقومون بسواعدهم المفتولة ببناء مدرسة سريانية أخرى في عنكاوة، ولا مشكلة إطلاقاً من التخصيصات المالية لهذا المشروع فمثل هذه المشكلة المستديمة تضمحل أمام كرم "ممثلي" أمتنا في الحكومتين والبرلمانين (المركزي والأقليم) مشهود به حيث سيخصصون نسبة من رواتبهم لهذا المشروع النبيل لأنهم فعلاً يدركون ويؤمنون إيماناً قوياً بأن الرواتب التي يتقاضونها هي بفعل تصويت أبناء أمتنا لهم في الإنتخابات ومؤازتهم لأحزابهم.
أما وقع هذا الإنجاز العظيم على الجانب السياسي في إقليم "كردستان" فلا محال سيكون عظيماً وقوياً على حكومة الإقليم والقوى السياسية المتنفذة هناك. لماذ؟؟: لأنه سبق ولا يزال الكرد وأحزابهم الرئيسية ينتقدون قادة الحركة الديموقراطية الآشورية، والأصح قائمة الرافدين، على توجههم المثير للجنوب ودخولهم في تحالفات مع القوى التي لا تتوانى في ذبح أبناء أمتنا ورجال كنائسنا وبدم بارد وتفريغ البصرة والناصرية والدورة وغيرها من المناطق من أبناء أمتنا وتشريدهم إلى مناطق أخرى. وهذا طبعاً سيزيد قلق الكرد وخوفهم على أبناء أمتنا معتقدين بأنه سيتناقص عددهم إلى درجة لا يكون كافاً لممارسة حقوقهم القومية والحكم الذاتي الذي وعد به في مسودة دستور الإقليم، وبالتالي حتى يظهروا أكثر كرماً ولطفاً من العرب في الجنوب سوف يباشرون فوراً بإقرار مسودة الدستور وتوفير كل الإمكانيات الديموغرافية والجغرافية والمالية لتحقيق الحكم الذاتي في منطقة كردستان الموعود به والذي ينتظره أبناء أمتنا منذ سنوات ونأمل أن لا يكون هذا الإنتظار كإنتظار (فلاديمير) و(أستراغون) في مسرحية "في إنتظار كودو" للكاتب الآيرلندي الشهير صموئيل بيكيت. وبهذا سيكون هذا إغراء وعطاء سخي من الكرد لأبناء أمتنا لعل من وراءه سيغيرون قادة قائمة الرافدين توجههم وإنتباهم أكثر من الجنوب إلى الشمال.
إن فرحتنا من هذا الإنجاز العظيم التاريخي مضاعفة عندنا لأن أبطاله يعتبرون أصدقاء لنا وبيننا أكثر من خبر وملح ونأمل أن تزداد فرحتنا عندما لا يقع صدى نتائج هذا الإنجاز على مسامع آذان صماء ويكون مصيره سلة المهملات... وحتى أرضي أصدقائي الأعزاء في إختصار الكلمة وعلى ما قل ودل فإنني أكتفي بهذا القدر وأحيلهم إلى مضامين هذا الإنجاز العظيم والتاريخي في موقعنا العزيز (www.zowaa.org) الذي قام بنقل هذا الإنجاز ونشره والذي نقتبسه كما هو مع الصور الجميلة والمعبرة، فساهم هذا الموقع في توفير الوقت لنا للكتابة في موضوع "قصير" آخر أرضي به أصدقائي الأعزاء,,, ألف مبروك لكل أبناء أمتنا على هذا الإنجاز العظيم والتاريخي؟؟؟  !!!.

  

قائمة الرافدين ضمن وفد العراق في المؤتمر التاسع عشر للاتحاد البرلماني العربي
===========================================

زوعا اورغ - الكويت :  استضافت  الكويت  المؤتمر التاسع عشر للاتحاد البرلماني العربي تحت رعاية سمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد وترأس أعماله رئيس الاتحاد رئيس مجلس الامة علي الراشد بمشاركة رؤساء المجالس التشريعية والشورى والنواب في الدول العربية أو ممثليهم. وتناول المؤتمر في جلساته على مدى يومين دراسة جملة من القضايا المهمة المتعلقة بعمل الاتحا ومناقشة تقرير الامين العام للاتحاد وتقرير رئيس الاتحاد ومداخلات رؤساء البرلمانات والمجالس ورؤساء الوفود المشاركة عن الوضع العربي الراهن.
وتتضمن جلسة العمل الثانية متابعة مداخلات رؤساء الوفود المشاركة بصفة مراقب وتشكيل لجان المؤتمر وهي لجنة الشؤون السياسية والعلاقات البرلمانية ولجنة الشؤون المالية والاقتصادية ولجنة شؤون المرأة والطفولة واللجنة القانونية وحقوق الانسان اضافة الى اجتماع لجنة الشؤون السياسية والعلاقات البرلمانية واجتماع لجنة الشؤون المالية والاقتصادية.
 
مثل العراق في المؤتمر وفد برلماني برئاسة النجيفي رئيس البرلمان والنائبان  يونادم كنا وعماد يوخنا في قائمة الرافدين وعدد من النواب في البرلمان العراقي.


245
تجليات روح شهداء الأمة في واقع اليوم
========================

مقابلتي مع الشهيد فريدون أتورايا
أبرم شـبيرا
توضيح:
قبل بضعة سنوات ونحن مجتمعين مع بعض الأصدقاء في "الكونفينشن" في الولايات المتحدة الأمريكية سألني أحدهم: لماذا تطلق على قداسة البطريرك مار دنخا الرابع لقب البطريرك الآشوري فقط ... أليس بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وبطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بطاركة آشوريون؟؟؟ قلت له لا أستطيع أن أضع ألقاب أو أن أسمي أشخاص بغير أسماؤهم المتعارفين بهم ولا حق لي أن ألقبهم بما لا يرضون. فالأول هو بطريرك كلداني والثاني بطريرك سرياني ولا أستطيع تسميتهم غير ذلك، هذا بغنى عن إنتماؤهم القومي والأثني الذي أؤمن أنا وأنت وغيري به فهذا شأننا الخاص وليس شأنهم. من هذا المفهوم  كتبت هذا الموضوع مستخدما التسمية الآشورية التي كانت تنطبق بكل حذافيرها على شهيدنا موضوع البحث وعلى الحركة القومية حينذاك ولا أستطيع أنا وغير أن أسمي فريدون أتورايا أو الحركة القومية التي كان من روادها بغير هذه التسمية.
=================================
قد يعمر الأفراد ويعيشون مائة سنة أو أكثر ولكن مع هذا يموتون ويرحلون عن هذا العالم، لكن الأمة التي ينتمون إليها تعيش مئات القرون وربما تبقى خالدة أبد الدهر. لم يعيش فريدون أتوريا أكثر من خمسة وثلاثون سنة حيث ولد عام 1891 في قرية قره باش في منطقة أورمي فأرسله والده إلى تبليسي ـ جورجيا عند أقاربه للدراسة وهناك تخرج من كلية الطب ثم عمل طبياً في الجيش الروسي. أستشهد في نهاية عام 1926 ولكن الأمة الآشورية، والتي زهق فريدون روحه من أجلها، عاشت وخلدت لقرون طويلة ليس من خلال تواصل أجيالها كأفراد فحسب وإنما من خلال تجليات روح شهداءها المتواصلة في أفكار الأمة ومبادئها وقيمها وتراثها وحضارتها والتي تنعكس في أفكار وسلوكيات أبناؤها الأصلاء ويمارسها البعض ليل نهار ويطبقها في حياته اليومية. وفريدون أتورايا كشهيد من شهداء الأمة، وأن رحل عن هذا العالم إلا أن وجوده من خلال هذه الروح متواجد بيننا يعيش معنا نلمس وجوده في كل نشاط من نشاطاتنا القومية ونقابله ونصغي إليه ونتعلم منه ومن خلال اتصالنا به عبر الفضاء السرمدي الذي يوفره لنا خلود الأمة ويفتح أمامنا فسحات تتلاشى فيها تباين الأزمنة وتختلط وتتداخل بعضها ببعض من دون قيود الزمان والمكان فيصبح بالتالي الماضي جزء من الحاضر والحاضر جزء من الماضي. وهذه المقابلة مع فريدون أتورايا ما هي إلا جزء من هذا الاتصال الروحي عبر النسمة الروحية الرابطة بين الماضي والحاضر والتي يشهق عبيرها كل آشوري ينعم بمثل هذه النسمات الروحية التي تربطه بهذا الطبيب الإنساني والشاعر والمسرحي والمناضل والأديب والمفكر الخالد الذي ساهم بنفحاته الثورية في انبعاث روح الأمة وتواصلها نحو عصر هذا اليوم .
**************
 

منذ البدء، وأنا في طريقي لمقابلته، لم أكن أتوقع إطلاقاً أن أجد صعوبة في التعرف عليه رغم أنها المرة الأولى التي ألتقي به، فسيماءه الشكلي ومضامين فكره واضحة المعالم لا يستوجبها العناء للتعرف عليه، خاصة بالنسبة لكل من أطلع على أبجديات تاريخ بداية الحركة القومية الآشورية، ذلك لأن فريدون أتوريا كان يشكل بحد ذاته ظاهرة قومية يسهل التعرف عليها من خلال التعرف على المصدرين الرئيسين اللذين ساهما مساهمة كبيرة في خلق هذه الظاهرة. فبالنسبة للمصدر الأول، ابتداءً يمكن الاقتراب منه والنفوذ إليه ببساطة ومن خلال النظرة الأولى لصورته الفوتوغرافية الشائعة بين الآشوريين، سواء الملصقة على جدران بيوتهم أو المنشورة على صفحات مجلاتهم وكتبهم، حيث نستدل من هيئة ملابسه الرسمية المزركشة بأزرار نحاسية وكأنه فارس من فرسان الحرب الأهلية الأمريكية، ونتصور من طلعة تصفيف شعره  كأنه يحمل أمواج البحر الهائج على رأسه، ونستشف من تركيبة نظاراته التروتسكية وكأنه أحد ثوار الحركات الراديكالية والقومية التي اجتاحت روسيا وأوربا في القرن التاسع عشر والقرن الذي سبقه. هذه السمات وإن كانت وصفية لكن في الحقيقة لا تبتعد أبداً عن الواقع الذي عاش فيه وتتطبع شكلا ومضموناً بظروفه لأنه فعلاً كان في قلب هذه الحركات الثورية وعايش أجواءها السياسية والأيديولوجية، وبالأخص الثورات والحركات التي اجتاحت روسيا القيصرية قبيل الحرب العالمية الأولى، منها ثورة عام 1905 والنتائج التي آلت من جراء فشلها وأثرت على جميع قاطني روسيا القيصرية وتوابعها، والثورة الاشتراكية البرجوازية في شباط عام 1917 والتي قادها أعضاء الجناح اليميني في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي (الشيوعي فيما بعد ) والمعروفين بـ "المناشفة" والتي تلتها الثورة الاشتراكية الشيوعية في أكتوبر من نفس العام والتي قادها أعضاء الجناح اليساري بقيادة لينين والمعروفين بـ "البلاشفة" وكذلك الانقلاب التركي عام 1908 الذي قاده حزب الاتحاد والترقي والذي أثرت مفاهيمه الليبرالية والإصلاحية على معظم المثقفين الآشوريين حينذاك. مضافاً إلى هذه الأحداث الثورية تأتي الحرب العالمية الأولى والانقلابات الجذرية والنتائج المأساوية التي سببتها للبشرية عموماً وللآشوريين خصوصاً. فكان من الطبيعي جداً أن تفعل هذه الأحداث التي عايشها فريدون آتورايا فعلها فيه، وهو ذلك المثقف الثوري الواعي ذو الحس المرهف، وأن تؤثر فيه تأثيراً كبيرا وتشكل له المنبع الذي أستمد منه أسلوبه الثوري وفكره السياسي ومنهجه الراديكالي في فهم الإشتراكية وبناء الدول القومية ضمن إطارها العام، أي بعبارة أخرى شكل الفكر الاشتراكي والمنهج الثوري في العمل السياسي المصدر الأول في بناء ظاهرة فريدون آتورياً.

أما المصدر الثاني في تكوينات ظاهرة فريدون أتوريا، هي الأخرى غير بعيدة عن ظروف المصدر الأول لا بل وترتبط بها والتي تتمثل في النتائج المؤلمة التي أفرزتها الحرب الكونية الأولى على الآشوريين والمظالم التي سبقتها والتي أعقبتها، ثم تفاعل هذه المأساة "الخارجية" مع المأساة "الداخلية" المتمثلة في التمزق الطائفي  للأمة. ففريدون نفسه كان من نتائج هذين المنعطفين، أي الحرب والتمزق الطائفي. فمثلما أثرت الحرب وما أعقبها من نتائج، خاصة ما يتعلق بتسويات الحدود وتكوين الكيانات السياسية الجديدة والتي زادت من تمزق الآشوريين سياسياً وقانونيا، أثر عليه أيضا التمزق الطائفي للمجتمع وبشكل واضح وعميق وأنعكس ذلك في برنامجه القومي. فهذان النوعان من المأساة، هما اللذان جعلتا من فريدون أتوريا أن يكون هو ووالديه وأقربائه من أتباع الطائفة الروسية الأرثوذكسية بفعل الحملات التبشيرية بين أبناء كنيسة المشرق وما لهذا الانتماء من معاني كثيرة عند الطوائف الأخرى وزعماءها ولها تأثيرات قومية وسياسية عندهم. كما جعلت هذه الظروف منه أن يصبح مواطناً جورجياً ثم روسياً سوفيتياً بفعل التشرد والهروب من الاستبداد، وبالتالي انعكاس هذه المأساة في أفكاره القومية ومشاريعه السياسية الهادفة إلى معالجة واقع الأمة الممزق، وهي الأفكار والمشاريع التي ستشكل محور اللقاء معه.                         
*****************
هكذا، وأنا في طريقي للقاء به، تكاملت الصورة في مخليتي عنه خاصة عندما توضح لدي المصدرين الأساسين في البناء الفكري لفريدون آتورايا الذي كان من حيث المنهج والرؤية والأسلوب اشتراكياً ديمقراطياً ومن حيث العمل والتطبيق والهدف قومياً آشورياً ثائرا ندر مثل وجوده في التاريخ الآشوري الحديث أنساناً قومياً وثورياُ وسياسياً ومثقفاً وشاعراً وصحفياً وخطيباً وطبيباً وعسكريا كفريدون آتورايا. ففكره السياسي وسعة ثقافته الثورية وإبداعه الأدبي الشعري والمسرحي والصحفي ونضاله السياسي والعسكري والإنساني ممزوجاً مع المصير المأساوي في استشهاده وإفناءه في سجنه وبشكل غامض من قبل السلطات الستالينية الاستبدادية نتيجة نضاله القومي، كل هذا  شكل صورة حية وناطقة لأسطورة تراجيدية تعكس بحق وحقيقة الأسطورة التراجيدية للشعب الآشوري. هذه الحقائق التي كونتها عن هذا المناضل الثوري الآشوري والمتعدد المواهب والتطلعات والطموحات جعلتني أن أشعر كتلميذ صغير يسعى لمقابلة أستاذ كبير ومهيب وأن أنسرح هائماً في عوالم هذه الشخصية الفذة  التي استولت على تفكيري وعقلي وسيطرت على روحي مثلما يسيطر الساحر على المسحور. وهكذا بينما أنا في عالم هذه التصورات الروحية لم أجد نفسي إلا أمام باب مكتبه.

دخلت مكتبه وهو جالس خلف منضدته، ولا أعتقد أحداً  يخطأ فريدون أتورايا اطلاقاً، فهو هو نفسه كما عرفانه من صورته ولكن ما يختلف عنها هو روحه الهائجة والثائرة بين محتويات مكتبه والذي  من الصعب التعرف على نوعية هذا المكتب والوظيفة المهنية المحددة التي يمارس صاحبها فيه، فهو يعكس بكل زواياه وأثاثه طبيعة صاحبه. إذ من جانب هو عيادة طبية متنقلة أو مركز إسعافات أولية في ساحة القتال، ومن جانب آخر هو مقر لضابط أو قائد عسكري في الجبهة الأمامية للحرب، كما وأن الأوراق وقصاصات صحف ومجلات بما هو مسطر عليها من أبيات شعرية ومقاطع نثرية وأجزاء من مقالات غير مكتملة ومتناثرة هنا وهناك تدل على أن المكتب ما هو إلا غرفة لشاعر أو أديب هائم في هذا العالم لا يعرف من هموم وأحوال الدنيا غير ما هو مسطر في  هذه الأوراق والقصاصات. إضافة إلى المجلات السياسية والكتب لكبار رجال الفكر والفلسفة التي تعتلي رفوفه والتي  تعرف من تآكل دفتيها بأنها نهمت من قبل رجل شديد التعطش للفكر والسياسة بحيث جعلت من مكتبه يبدو وكأنه غرفة رئيس تحرير جريدة سياسية ثورية لحزب لازال في مرحلة النضال السلبي يواجه نظاماً مستبداً. ناهيك عن نسخ من بيانات وخطط وأنظمة داخلية لأحزاب سياسية ومنظمات ثورية متراكمة في زاوية من منضدته تجعل من غرفته وكأنها مقر لحزب سياسي من أحزاب بلدان العالم الثالث. هذا العالم المتعدد السمات والمتناقض الذي عاش فيه فريدون آتورايا، كان صورة طبق الأصل لكل ما في داخله ولكن امتزجت هذه السمات امتزاجاً عجيباً ومتناسقاً وبشكل هارموني أفرزت وبكل وضوح ما يعرف به اليوم بـ " فريدون أتورايا ".

على أية حال، وأنا في بناء تصوراتي من هذا الخليط المنسق، استفقت من انسراحي الروحاني بصوته المرحب بقدومي فتم التعارف بيننا. وبطبيعة الحال كان من السهل أن أتعرف عليه بسبب صورته المتكاملة والمؤثرة التي كونتها عنه سلفا، مثلما يتعرف التلميذ على الأستاذ مهما طال الزمن بينهما، غير إنني عندما عرفت نفسي له وقلت له بأني آشوري من العراق مقيم في بريطانيا أطلق ابتسامة ترحيب تخفي خلفها نوع من الاستياء والامتعاض فأدركته على الفور مستغرباً  ومستفسراً عن السر المخفي وراء هذه الابتسامة "الترحيبية" .
-   أجاب وقال : هذا موضوع طويل ومعقد سنأتي عليه في ما بعد ولكن قل لي ماذا تعرف أنت أو ماذا يعرف بقية الآشوريين في البلدان الاخرى عني وعن الحركة القومية الآشورية في روسيا.
-   قلت له : بسبب الستار الحديدي المشترك الذي كان يطوق الاتحاد السوفياتي والعراق كنا بالكاد نسمع شيئاً ولكن بعد انهيار النظام الشيوعي وتيسر الاتصال بالآشوريين هناك وصدور مطبوعات لهم وتأسيس إذاعات بدأنا نعرف أشياء كثيرة عن الحركة القومية الآشورية في روسيا ولكن الغرض الأساسي من مقابلتي لك هذه هو بهدف معرفة الغموض العجيب الذي يكتنف مسألتين وهما : الأولى : مشروعك القومي عن تأسيس كيان آشوري مستقل والثانية تدور حول الأسباب التي أدت إلى سجنك من قبل النظام الستاليني ومن ثم إعدامك والأشخاص الذين تآمروا ضدك بهدف الخلاص منك.
غاص مفكرنا الكبير في تفكير وتأمل عميقين ثم ختمهما بنفس عميق وحسرة مؤلمة وأعقبها تهيأ لخوض معركة أثارت فيه حوافز الاندفاع والقتال من أجل كشف معالم الغموض المسيطر على هاتين المسألتين فقال:
-   المشروع القومي واضح المعالم في البيان الذي أصدرناه عام 1917 مع مجموعة من القوميين الآشوريين منهم بنيامين أرسانس وبابا بيت برهد الرهان وغيرهما وتحت عنوان (بيان أورمي للإتحاد الآشوري الحر) المعروف أيضاً بـ " مانفيستو أورمي" والذي يقوم أساسا على فصل الدين عن السياسة ويدعو إلى تأسيس كيان مستقل للآشوريين بمختلف طوائفهم الدينية في مناطقهم التاريخية ويرتبط بروسيا (ثم الإتحاد السوفياتي) ضمن اتحاد فدرالي كبقية الدول التي دخلت هذا الاتحاد، ويمكن معرفة تفاصيله من كتبكم ومجلاتكم التي نشرت بنود هذا البيان.
-    ألا تعتقد بأن مثل هذا المشروع، أن لم يكن خياليا، فأن تطبيقه كان يقارب المستحيل ؟.
أثار سؤالي هذا دهشته الممزوجة بنوع من الغضب وقال : من أية ناحية كان خيالياً أو يستحيل تطبيقه؟
 حاولت تهدئة غضبه برد مبسط وواضح وقلت له :
-   من عدة نواحي: فكريا أو منهجياً كان مانفيستو أورمي تقريباً يشبه مانفيستو ماركس وأنجلز المعنون (يا عمال العالم أتحدوا) وتلقيداً له. جغرافياً: المنطقة التي طالبتم بها لتكون دولة أو كيان سياسي أشوري غير متناسقة وتشمل أجزاء واسعة وخاضعة بشكل أو بآخر لدول أخرى. عسكرياً، يصعب السيطرة على مثل هذه المناطق التي كانت ضمن نفوذ بعض الدول الكبرى المتنافسة أو المتحاربة. اجتماعياً وقومياً، القوالب الطائفية والعشائرية الصلدة التي كانت سائدة في تلك الفترة والمحددة بعضها حصراً بمناطق جغرافية معينة، خاصة وأن حدود مشروع "دولتك" كان يمتد من منطقة أورمي شرقاً حتى إنطاكيا غرباً، كان من الصعب جداً جمعهم في كيان سياسي واحد جامع وشامل خاصة وأن الزعماء التقليدين من رجال الكنيسة والعشائر، والذين كانوا متنفذين وسائدين في المجتمع الآشوري، يصعب تصور إمكانية أي تنازل منهم عن سلطاتهم ومصالحهم  لهذا الكيان العلماني الذي يتبناه رجل اشتراكي إن لم نقل شيوعي، كما كان هؤلاء يتهمونك، فالصراع معهم كان لا محال بل وحتمي. أما من الناحية السياسية فأنه بمجرد ربط مثل هذا الكيان بالاتحاد السوفياتي الذي يتبنى العقيدة الماركسية يكفي لكي يرفض، لا بل ويقاوم من قبل الآشوريين الذين تسود فيهم معتقدات دينية وسلفية لا تتفق مع هذه العقيدة.
   وقبل أن أكمل حديثي قاطعني المفكر الكبير بضحكة سخرية مصطنعة، وهو المعروف ببؤسه وعبوسيته، عبرت بكل وضوح عن رفضه القاطع لما ذكرته، فرديت عليه مقاطعاً:ً
-   ما العيب في هذا التحليل عن صعوبة مشروعك القومي ؟ . فرد بأكثر جدية وحماسة ثورية وقال:
-   العيب هو أن تحليلك يتصف بسذاجة فكرية وضحالة سياسية بعيد عن الموضوعية والواقعية وتتحدث عن ظروف وكأنها قائمة في بداية الألفية الثالثة. أود أن أوضح لك يا "شبيرا" أن مشروعي القومي كان نتاج جملة عوامل وحقائق موضوعية كانت سائدة وطاغية في بداية قرن العشرين وأن وقائع الحرب الأولى  كانت قد وضعت كل العوائق التي ذكرتها في داخل قدر يغلي على نيران هذه الحرب مما جعل تأثير هذه العوائق أن يتلاشى أو يضمحل.  فيما يخص كون مانيفستو أورمي يشبه مانيفستو ماركس وأنجلز فهذا ليس عيباً إطلاقاً لأن الماركسية منهج عمل سياسي كان من الضروري جداً أن نستمد منه روحيته الثورية. أما  العائق الاجتماعي المتمثل في تأثير الزعماء التقليديين وممانعتهم للمشروع، يجب أن نعرف بأنه في تلك الفترة كان المجتمع الآشوري بكل طوائفه وتركيباته الاجتماعية منهاراً من جراء مأساة الحرب ولم يكن يتطلبه إلا إعادة تنظيمه وبما يتوافق مع الظروف التي كنّا نتوقعها بعد الحرب كما كان شعبنا متعطشاً نحو مفاهيم جديدة تزيح القديمة، وهي المفاهيم التي تمثلت في نشاط وفعاليات نخبة من المثقفين القوميين. أما بالنسبة لرجال الدين فأود هنا أن أوضح نقطة مهمة تعتبر جزء من الأيديولوجية القومية التي آمنت بها وهي أنه من الضروري أن نميز بين الكنيسة نفسها كمؤسسة دينية تاريخية تراثية من جهة وبين رجال الكنيسة أنفسهم، فإذا كانت الأولى حقيقة موضوعية لا تقبل التأويل والاجتهاد فأن الفئة الثانية، أي رجال الدين، يشكلون جزء من عوامل ذاتية فكرية ليس بالضرورة أن يمثلون حقيقة مطلقة ولا يمكن أن يكونوا كذلك إطلاقاً فهم كسائر البشر يخضعون لعنصر الخطأ والصواب وعملية تحديد أو تقييم هذه العناصر ترتبط بالأساس بمدى ارتباط مصالح هؤلاء بالمصالح الحقيقية للأمة نفسها دون فصل جوانبها الدينية التراثية عن جوانبها المادية القومية.
-   قاطعته على الفور متسائلا : أرى هناك نوع من الغموض أو صعوبة في فهم ما تقصده.
-   فأجاب وقال : لتبسيط الأمر، أود بهذا الخصوص أن أذكر البطريرك الشهيد مار بنيامين في مقارنته مع غير من حاشيته المحسوبة كجزء من رجال المؤسسة الكنسية، فهؤلاء كانت مصالحهم مرتبطة بالدرجة الأولى ارتباطاً مصيرياً ببريطانيا أو فرسنا وبالدرجة الثانية بمصالح الأمة، في حين على العكس من هذا تماماً كانت كل مصالح البطريرك الشهيد مار بنيامين الروحية والقومية والمصيرية مرتبطة ارتباطاً عضوياً ومصيرياً وبالدرجة الأولى بمصالح الأمة ومن خلال هذه المصالح حاول أن ينسق مع مصالح الدول التي تتوافق مع مصالح أمته وكان البطريرك الشهيد على قدر كبير من الفطنة والذكاء بحيث أدرك منذ الوهلة الأولى، وبسبب العامل الجغرافي والفكري والسياسي، بأن التحالف الاستراتيجي مع روسيا ثم الاتحاد السوفياتي كان أكثر فائدة وضماناً لسلامة أمته من أي تحالف آخر مع الدول الكبرى كبريطانيا أو فرنسا، لهذا السبب تأمروا حلفاء وأعوان الإنكليز عل قتله. وكما تعرف ويعرف غيرك بأننا أمة صغيرة وفقيرة لا نملك مقومات بناء كيان قومي قادر على الصمود والاستمرار في منطقة يسودها التعصب الديني والتخلف دون دعم أو تحالف مع دول كبرى وكانت روسيا الدولة المثالية في تلك الفترة. لا أريد الإطالة في هذا الموضوع، أنظر إلى الأرمن فظروفهم تشبه ظروفنا إلى حد كبير ولكن بفضل الاتحاد السوفياتي تمكنوا من بناء كيان شبه مستقل ثم بعد أنهيار الاتحاد السوفياتي أستقلوا كدولة كاملة السيادة. أين نحن من تجربة الأرمن؟؟ فلو كنا قد وفقنا مثلهم في تلك المرحلة لكان لنا دولة مثلهم قبل حلول الألفية الثالثة، ولكن مع الأسف الشديد أحبط "الملتفون" حول كرسي البطريرك والواقعون في غرام وهمي مع الإنكيز والفرنسيين مثل هذا التحالف وسببوا أيضا، بشكل وبآخر، في إفشال أي مشروع قومي من هذا القبيل.
- إذن من تحليلك هذا أفهم بأنك كنت في توافق مع مار بنيامين في المسائل القومية والسياسية، وخاصة في المسائل الاستراتيجية حيال الدول الكبرى، ولم يكن هناك تنافر أو عداء معه كما كان يشاع عنك بأنك كنت شيوعياً ضد الكنيسة وضد بطريركها.
أثار سؤالي هذا اهتمامه الكبير المقرون بنوع من الإثارة ثم هب وقال :
- هذا هراء مائة في المائة، صحيح أنني متأثر بالماركسية وكنت اشتراكي المنهج والتطلع إلا إنني لم أكن شيوعياً منتمياً إلى الحزب الشيوعي أبداً ووفق إيماني هذا كنت أكبًر جل تكبير البطل الشهيد مار بنيامين وما قيل عني أو ما نسب إليّ تجاهه هو جزء من مؤامرة كانت تدبر في الخفاء من قبل الإنكليز وعملاءهم للقضاء علينا نحن الاثنين.
وقبل أن يكمل حديثه قاطعته، كعادتي القبيحة في مقاطعة المتحدث، وقلت على الفور:
- إذن هل صحيح بأن بعض حاشية البطريرك أو المقربين إلى الكنيسة "النسطورية" أو المحسوبين عليها والمتورطين مع الإنكليز دبروا مؤامرة الوشاية للسلطات الستالينية في كونك جاسوساً لبريطانيا ومن ثم اعتقالك وإعدامك، وكما هو معروف لدينا في هذا اليوم ؟. 
- هذا صحيح ولكنه هو جزء من الحقيقية فقط، فهؤلاء ببساطة كانوا يكرهون ويحاربون كل ما هو غير "نسطوري" فكيف يستطيعون أن يروا إشتراكياً قومياً غير منتسب إلى عائلة "ماليك" ومنتمي إلى الطائفة الأرثوذكسية أن يتزعم الأمة فهؤلاء كانوا يروجون إشاعات مفادها بأنني أسعى إلى إزاحة البطريرك من الزعامة وتدمير الكنيسة، هكذا لقنهم الإنكليز، وهي نفس السياسة التي مورست ضد الجنرال أغا بطرس الذي كان ينتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية. لقد نجح الإنكليز في استخدام الورقة الطائفية في إفشال المشاريع الهادفة إلى توحيد الأمة في كيان متوحد. زد على ذلك فإن الإنكليز كانوا خائفين أشد الخوف من أن يكون هناك تحالف بين الآشوريين والروس في الوقت الذي كانوا هم في أمس الحاجة إلى خدمات وإمكانيات الآشوريين العسكرية لغرض تحقيق طموحاتهم الإمبريالية في المنطقة ولم يكن مثل هذا الأمر ممكنا إلا بالقضاء على الزعماء الآشوريين غير "المفيدين أو النافعين" لمآربهم والاعتماد على غيرهم الذين يمكن الاستفادة منهم وإبراز مواقعهم القيادية ثم دفعهم نحو حافات الهاوية وعصرهم في ظروف من العوز والتشرد ثم ليظهر الإنكليز كمنقذ لهم، وهي سياسة قذرة مورست تجاه الآشوريين ونجحت بالتمام والكمال.
-   طيب إذا كان هذا جزء من الحقيقة، ولكن ما هو الجزء الاخر منها والذي أدى إلى القضاء عليك ؟ .
- أنه من المؤسف أن نقضي نحن الآشوريين معظم حياتنا في الحديث عن السياسة والقومية ولكن لا نعرف عنها إلا قليل القليل، وخاصة عن كيفية ارتباط السياسة بالمصلحة، ولاسيما بالنسبة للدول الكبرى التي لا تشكل مسألة القوميات الأخرى وحقوقها أية أهمية لها في مقارنة مع مصلحتها الوطنية. من هنا يجب أن نفهم المسألة الآشورية في تلك المرحلة ضمن مدى توافقها مع مصالح هذه الدول. بيان أورمي في بناء كيان سياسي مستقل للآشوريين كان يتوافق مع مصالح الدولة السوفياتية في بداية قيامها، ولكن بعد قضاء السلطة الستالينية على جميع الحركات القومية وزمها بالطوق السوفياتي واستقرار الأمور بها بدأت تلعب لعبتها في العلاقات الدولية ضمن تحالفات ومعاهدات مع الدول التي اعتبرتها إمبريالية واستعمارية في السابق، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، وكان من ضمن هذه التحالفات إبقاء دولة فارس، إيران فيما بعد، مستقلة ومحايدة وعدم التدخل في شؤونها. ولما كان "بيان أورمي" يطالب بجزء من المناطق التاريخية للآشوريين في شمال فارس كان هذا يتعارض مع التزامات الاتحاد السوفياتي تجاه الدول الأخرى بخصوص استقلال فارس وعدم التدخل في شؤونها والتي اعتبرت المطالبة الآشورية نوع من التدخل في شؤون فارس لذلك كان يتطلب من السلطة الستالينية القضاء على مثل هذا المشروع وعلى صاحبه. إضافة إلى ذلك فإن القضاء على هذا المشروع ومن وقف وراءه كان يتوافق تماماً مع استبدادية ستالين في القضاء على أي شخص يشتبه بأنه قومي أو له نزعات قومية، وهي السياسة التي قضت على الملايين وكنت أنا واحداً منهم مع مجموعة أخرى من القوميين الآشوريين الذين أعدموا أيضا فيما بعد ولكن لم تسمعوا أنتم عنهم كثيرا.

- هناك أسئلة كثيرة محيرة عن كيفية إعدامك، فالبعض يقول بأنك قتلت مسموماً والآخر يقول بأنك متُ تحت التعذيب وهناك فريق آخر يقول بأنه تم محاكمتك ومن ثم إعدامك، حتى إنني شخصياً طلبت قبل أكثر من سنة من أحد أبناء امتنا الآشورية في جورجيا للبحث عن قبرك وإقامة صرحاً تذكارياً عليه للشهيد الآشوري إلا أنه لم يفلح في إيجاد قبرك ولربما السبب يعود إلى الغموض الذي كان يكتنف مسألة إفناءك... فأي من هذا هو الصحيح؟

- حقاً أنه لأمر مثير للضحك والسخرية وفي عين الوقت مثير للحزن والأسى، في إثارة مثل هذه الأسئلة ذلك لأنه هل يهم أي نظام دكتاتوري طريقة القضاء على معارضيه ؟؟ ، فمالفرق سواء أكان الإعدام شنقاً أو الرمي بالرصاص أو التسميم أو بالتعذيب فالمهم هو التخلص منه وكفى، فأنت من المفروض أن تعرف هذه الأمور خاصة وأنك وغيرك من الآشوريين عاشوا تحت ظل أنظمة دكتاتورية قضت على أرواح الآشوريين بطرق لا تعرفونها ولا نعرفها نحن أيضا ولكن هدفهم كان واحد، وهو التخلص من الآشوري القومي المطالب بحقوق قوميته.
عندما شعرت بالإحراج لسؤالي الساذج هذا حاولت أن أغير الموضوع وأنتقل إلى موضوع آخر فعلى عجل قلت :
- يا دكتور... أود أن أقول لك بأننا في عصرنا هذا ... الألفية الثالثة، نعاني من مشكلة التسمية القومية فأضطرت أحزابنا السياسية إلى تبني تسمية مركبة (الكلدان السريان الآشوريين) لتكون شامل لجميع مكونات أمتنا وكوسلة لضمان نيل حقوقنا ونحن أقلية صغيره في العراق ولكن أرى بأنك لا تعاني مثل هذه المشكلة حيث تكثر من إستخدام التسمية الآشورية فقط من دون الإشارة إلى التسميات الآخرى كالكلدانية والسريانية... فما تعليلك على هذا؟؟

- ضحك ضحكة فيها نوع من الإستهزاء بسؤالي الذي بدا وكأنني لا ألم إطلاقاً بالمسائل التاريخية والتسميات القومية ولا أفرق بينها وبين التسميات الطائفية، ثم أردف قائلاً:
- أولاً وقبل كل شيء التسمية الآشورية لقوميتي ليست من إختراعي فهي تسمية تاريخية وحضارية وسياسية لأمتنا وليست حكراً على أحد ولا حصراً بأية طائفة، فمنذ البداية كانت حركتنا القومية حركة آشورية وقد كان أبناء أمتنا من السريان الأرثوذكس أمثال آشور بيت هربوت و نعوم فائق وغيرهما أول من أستخدموا هذه التسمية في أدبياتهم الثقافية والسياسية وأشاعوها بين أبناء أمتنا وحتى الكثير من رجال هذه الكنيسة كانوا يفتخرون بتذيل أسماؤهم باللقب الآشوري أو الآثوري ومنهم البطريرك مار أفرام برصوم الآثوري وغيرهم. أن المجلس القومي الآشوري في أورمي الذي أسسناه عام 1917 مع مجموعة من كبار مثقفي أمتنا والنشاطين القوميين كان في غالبيته من أبناء الكنيسة الكلدانية وعلى رأسهم المطران الشهيد مار توما أودو ومن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكذلك من الكنيسة الإنجيلية والنسطورية أيضا، فكنا جميعاً ومن مختلف الكنائس نعتز بالتسمية الآشورية حتى إننا قررنا في أحدى مؤتمرات هذا المجلس تبديل تسمية "سورايا" أو "سوريايا" بكلمة آتورايا (آشورايا) في جميع الإدبيات والمشاريع السياسية والقومية لأن الأولى كانت لها دلالات وإستعمالات دينية مسيحية حيث كان الروسي والفرنسي والإنكليزي عند معظم أبناء أمتنا "سورايي" رغم كون هذه التسمية تعني أتورايا أو أشورايا أو (Assyrian) باللغة الإنكليزية فلم تكن هناك أية حساسية كما هي الآن عندكم عند الإنفراد بهذه التسمية أو تلك.
- مهلاً يا مفكرنا الكبير.... قاطعته بهذا الإطراء الجميل، فقلت له: واقعكم السياسي والقومي في تلك الفترة لم يكن كما هو عليه في واقعنا الحالي. ففي تلك الفترة أرتبطت الحركة القومية بالتسمية الآشورية في حين كان للتسميات الأخرى كالكلدانية والسريانية مدلولات طائفية يتجنب زعماء هاتين الكنيستين توريطهما في المسائل السياسية والقومية، أما اليوم فإن الوضع أختلف تماماً فهناك وعي قومي كلداني وسرياني ولهما أحزاب سياسية تطالب بالحقوق القومية لهما ومثل هذا الواقع لا يمكن إنكاره وإلا أصبحت حقوقنا القومية في خبر كان، لهذا جاءت التسمية المركبة كمخرج سياسي للوضع الراهن... ثم سكت وتركت المجال لأسمع تعليقه على هذا الموضوع الذي يظهر بأنه غير محبب له ويصعب عليه فهم هذه التسمية المركبة وهو غارقاً في التسمية الآشورية.. فقال:
- أمر غريب بالنسبة لي وواقعكم السياسي والقومي بعيد عني ما يقارب قرن من الزمن ولكن للحقيقة أقول السياسة هو الواقع فبدون هذا الآخير وفهمه والإنطلاق منه لا يمكن لهذه السياسة أن تحقق أي هدف مهما كان صغيراً وبسيطاً. فإذا كان واقعكم يقول بأن هناك من يرجع إنتماؤه إلى الكلدانية أو السريانية فهذا الواقع يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار والإ ستكونون بعيدين عن السياسة وعن تحقيق أي هدف قومي... وهنا قاطعته وقلت:
- ولكن هناك من يتفرد بتسمية معينة كأن يصر على الآشورية أو الكلدانية أو السريانية ويرفض لا بل يستنكر التسمية المركبة وشكلوا أحزاب وتنظيمات بهذه التسمية المنفردة.. فما رأيك بمثل هذه المواقف؟؟؟
-  هؤلاء لا يمكن أن نطلق عليه بـ "السياسيين" ولا يمكن لأحزابهم أن تكون سياسية لأنها لا تفهم الواقع ولا تنطلق منه مهما كانت طبيعة هذا الواقع سواء أكان طائفي أو قومي أو حتى عشائري المهم أن يكون مثل هذا الواقع بكل علاته وسلبياته ضمن نطاق العمل القومي للحزب السياسي، لهذا السبب لا يمكن لهذه الإحزاب أن تحقق أي هدف من الأهداف القومية وحتى الصغيرة منها. فالحياة سائرة على سنة التطور والتقدم فلو أتفقوا جميعاً على الواقع القائم وتحلوا بالصبر على التسمية المركبة فإن بمرور الزمن سوف يفرز هذا الواقع تسمية قومية واحدة متفق عليها ببراهين تاريخية ... كان يريد مفكرنا الكبير الإستمرار في هذا الموضوع الذي يكفينا مرارته في عصرنا هذا فحاولت الرجوع إلى زمانه الأكثر مرارة وشجوناً، فقلت: 
- طيب لنعود مرة أخرى إلى بيان أورمـي، إلا تعتقد بأن مضامين هذا البيان كان يتطلبه منظمات أو مؤسسات لتنفيذه لإخراجه إلى حيز الوجود ؟؟.
- حقاً يا "شبيرا" أنك محير وتدعي بأنك تفهم السياسة وتحاول الكتابة عنها، ولكن من المؤسف يظهر بأن من خلال سؤالك هذا لا تفهم الكثير عن هذا العالم الغامض.
وقبل أن يكمل حديثه الملتهب بنيران ثوريته انسرحت في صمت فصفنت مع نفسي التي أشعرتني بأنني فعلا تعرضت إلى نوع من الإهانة وأخذ تفكيري يلومني على إقدامي لإجراء هذه المقابلة، ولم أصحو من صفنتي إلا على صوته الجهوري وهو مستمراً في حديث :
-  بطبيعة الحال يجب أن تعرف بأن أي مشروع قومي لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود أداة سياسية لتنفيذه وإخراجه إلى النور وقد أدركنا ذلك منذ البداية لهذا السبب أسسنا الحزب الاشتراكي الآشوري للقيام بهذه المهمة والذي يعتبر أول حزب سياسي آشوري وكان قد حضر مؤتمره التأسيسي ما يقارب 200 شخص معظمهم من المثقفين البارزين ولكن كل شيء أنهار بعد أن نخرت الطائفية والعشائرية كياناتنا القومية خاصة بعد اشتداد قبضة ستالين على السلطة.
- ألا تعتقد بأن تسمية حزبكم بالاشتراكي كانت له نتائج سلبية على عقلية المجتمع الآشوري ومن ثم اتهامكم بالشيوعية ؟؟
- هذا صحيح فقط بالنسبة للمتخلفين والغارقين في ظلام القرون الوسطى الذين يخافون من نور العلم. فالاشتراكية علم ومنهج للحياة فبطبيعة الحالة لا يفهمها هؤلاء، لا بل يخافون منها أيضا ويحاربونها، ولما كانت غالبية أبناء مجتمعنا من أصناف هؤلاء فلا الاشتراكية ولا الديمقراطية ولا أي منهج أخر يفيد هؤلاء لذلك من المؤسف أن الكثير من أبناء شعبنا ولا يزال حتى اليوم لا يستفيد من هذه التجارب الإنسانية معتقدين خاطئين بأن الأفكار الاشتراكية والماركسية أو التقدمية أو الليبرالية لا تتفق مع المجتمع الآشوري، والسبب الرئيسي في ذلك لا يرجع فقط إلى دور الإنكليز في هذا المجال وإنما إلى جهل الآشوريين بهذه الفلسلفات الإنسانية. فالماركسية على سبيل المثال يمكن أن يستفاد منها كمنج عمل وأن يستمد منها أسلوبها الثوري والعلمي في تحليل وفهم تطور المجتمعات وليس كأفكار شيوعية للتطبيق. أنظر إلى الدول الرأسمالية كيف تطورت بشكل عجيب فأن مثل هذا التطور لم يكن ممكناً لولا اكتشاف ماركس لعيوب النظام الرأسمالي ومن ثم تلقف الرأسماليون ذلك وعملوا على معالجتها ودفع المجتمع نحو خطوات أكثر تقدماً وتطوراً .
مرة أخرى قاطعت تواصله الفكري في هذه الفلسفة التي يستوعبها كثيرا وحاولت تغيير الموضوع وإلا لقضيت ساعات وساعات معه في هذا الموضوع الذي لا يتعب منه إطلاقاً، وهو الموضوع الذي لا ألمُ أنا منه حتى أبجديته الأولية لذلك وجدت لي مفراً للهروب منه عن طريق السؤال عن رأيه في الأحزاب الآشورية في هذه الأيام فقلت له:
- مهلاً يا مفكرنا الكبير، تقول بأنك من مؤسسي أول حزب سياسي آشوري، طيب ما هو رأيك بخصوص أحزابنا السياسية الآشورية في هذه الأيام، خاصة ولأحزابنا هذه تحالف تحت تسمية "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" وهل يمكن مقارنة هذه التجمع بمجلسكم القومي الآشوري الذي أسستموه في أورمي عام 1917؟
وقبل أن يجيب رفع نظارته الطبية بحركة مسرحية تعبر عن شموخ رجل مجرب ورماها على منضدته بين أوراقه المتناثرة ثم أردف وقال :
-   سمعت يا "شبيرا" بأنك تكتب بعض الأحيان عن السياسة والأحزاب السياسية الآشورية وفعلاً قرأت لك مقالة منشورة في إحدى المطبوعات الآشورية وأعتقد كان بعنوان " الأحزاب السياسية تعرف بالأفعال والإنجازات لا بالأقوال والشعارات " وهذا العنوان وأن كان يكفي ليعطي جواب لسؤالك ولكن أود أن أزيد شيئاً أخر وأقول بأنه لا يمكن أن يتحقق لأمتنا أي إنجاز ما لم يكن هناك أحزاب سياسية تتبنى فكرة هذا الإنجاز وتسعى إلى تطبيقه والحفاظ عليه. الأحزاب ليست لمجرد هدف سياسي بحد ذاته بل هي وسيلة لتحقيق أهداف فكرية وثقافية واجتماعية وتربوية واقتصادية وفنية، فمن المؤسف أن تكون أحزابنا في معظمها أحزاب سياسية وحسب ولا غير وكأنها غير معنية بواجبها الأساسي في تطوير المجتمع الآشوري من النواحي الاجتماعية والفكرية والثقافية، من هذا المنطلق ووفق هذا المعيار، أي معيار تحقيق الإنجازات، فأن أحزابنا لا وجود فعلي وحقيقي لها. أما بالنسبة لـ "تجمعكم" السياسي فعلى الرغم من تشابه أهدافه بأهداف مجلسنا القومي الآشوري والظروف المأساوية التي أكتنفت تأسيسهما، إلا أنه يختلف عنه في تركيبته التنظيمية. فالمجلس القومي الآشوري كان متكوناً من كبار مثقفي ومفكري أمتنا والشخصيات البارزة في مجتمعنا الآشوري القومي من دون أي تحديدات طائفية أو تعدد في التسميات. في حين "تجمعكم" يتكون من أحزاب ومنظمات كل واحد مستقل بحاله وهذا الوضع سيصعب على التجمع تحقيق أهداف قومية حقيقية ما لم يتحلى أعضاء التجمع بروح عالية من الوعي والتفاني من أجل الصالح العام المشترك وتغليب مصحلة الأمة على مصلحة أحزابهم.
 
ومنعاً من استمراره في "تهجمه" على أحزابنا "المناضلة" لعل قد "تزعل" من انتقاد مفكرنا الكبير لها حاولت تحويل الموضوع إلى الجانب الايجابي له فقلت على الفور:
-    ولكن ما هو رأيك بالإنجازات التي تحققت لأبناء شعبنا في شمال بيت نهرين إلا تعتقد بأنها لم تكن ممكنة لولا تبنيها ودعهما من قبل أحزابنا السياسية هناك ؟؟ .
أجاب إجابة قاطعة ومؤكدة وقال :
-    طبعاً … طبعاً، فالمسألة لا يتطلبها تحليل وجهد فكري، ببساطة أقول لك، كما ذكرت لك سابقا، فأن وراء كل انجاز قومي يجب أن يكون حزب سياسي فبدون هذه الوسيلة لا تتحقق الأهداف القومية، وأود بهذا الخصوص أن أقول، رغم المرارة التي تخنقني ورغم الحسرة التي تقتلني من جراء المأساة التي عاش فيها شعبنا، أود أن أقول بأنني سعيد جداً جداً عندما سمعت وتأكد لي بأن هناك بضعة آلاف من أطفال أبناء أمتنا يدرسون مناهجهم التعليمية باللغة الآشورية وهناك إذاعة وتلفزيون ومركز ثقافي ومجلات ثقافية وسياسية، فمن أجل نفس هذه الأهداف التي سعيت أنا وغيري إلى تحقيقها أزهقنا أرواحنا، فألف مبروك، أحزاباً وأشخاصاً ومؤسسات، لهذه الإنجازات العظيمة التي حققوها لأبناء شعبنا في ذلك الجزء من الوطن. ومع كل هذه الإنجازات في هذه المجالات أود أن أحذر قيادة أحزابكم السياسية ومنظماتكم القومية من خطر الإنزلاق نحو هاوية التفرد والتسلط في الممارسة السياسية فلا مصير لهم من هذا النهج ولأحزابهم إلا الدمار والفناء، فالتاريخ يعطينا أمثلة كثيرة في هذا السياق وهي الأمثلة التي لا يتجاهلها إلا الأعمى والأغرق.
-    يظهر يا "رابي فريدون" من كلمات التهنئة والتحذير هذه تريد ختم لقاءنا ؟
-    هذا صحيح … لأنني في عجل من أمري بسبب ارتباطي بجملة مواعيد وأمل أن تتاح لنا فرصة أخرى لأشرح لأبناء شعبنا عن همومي، تلك الهموم التي تولدت لدي ليس بسبب الخسائر التي تكبدتها شخصياً بما فيها روحي من أجل شعبي، فهذا هو فخر واعتزاز لي أن أكون بمصاف شهداء الأمة عند عصركم وهو الذي، كما اعتقد، حفزك إلى أن تتسلق جبال الزمان وتقطع مسافات المكان لكي تلتقي بيّ، ولكن همومي هي بسبب كوننا لم نستطيع أن نحقق الحلم الذي سعينا إليه والفشل الذي سببه لنا بعض من أبناء جلدتنا، ولكن مع هذا فأن جزء من هذا الحلم بدأ يتحقق في شمال وطننا الحبيب بفعل سواعد شبابنا الأبطال، وهذا هو الذي يخفف قليلا من همومنا ويزيد من بهجة روحنا في عالمنا السرمدي.
-    وهل من كلمة لهؤلاء الذين يعملون لتحقيق هذا الجزء من أحلامك ؟
-    نعم  وألف نعم … أقول لهؤلاء الأبطال، لا تحزنوا على شهداؤكم فهم معنا في هذه الدنيا أرواحهم مبهجة بسبب استمرار النضال على نفس الدرب الذي سقوه بدمائهم ويترقبون منكم المزيد من الإنجازات لتزداد صفحات تاريخنا القومي أكثر إشراقاً ولا يرغبون هؤلاء الشهداء أن تكون دماءهم ثمناً لكراسي الحكم في دولتكم (العراق) المتهاوية بل ثمناً للسير قدما نحو ضمان وحماية حقوقنا القومية،  كما وأود أن أقول لكل الجبناء والسائرون عل درب يهوذا الإسخريوطي والملتفين حول موائد الأنظمة الاستبدادية المتحكمة في رقاب أبناء أمتنا، بأن مكانكم هو في مزبلة التاريخ ولعنة شهداؤنا وأطفالهم  ستقع عليكم أن لم تكن اليوم فغداً …
سارعت على الفور لقطع حديثه التراجيدي هذا لأنني أعرف مدى تأثره بهؤلاء الذين غدروا به وبزملاءه الشهداء فلملت أوراقي وغادرت مكتبه قبل أن ينهال بالكلام اللاذع عليّ وعلى " أومتنايي" هذا الزمان بسبب تقصيرنا الفاضح في إجلال مكانة شهداؤنا الأبرار وفي أداء واجبنا تجاه أمتنا وبالشكل المطلوب والذي قد يكون محققا لجزء آخر، ولو كان بسيطا ويسيرا، من حلم شهيدنا فريدون آتورايا ونخفف من معاناته وهمومه التي عاناها في العالمين الزائل والسرمدي، فلم أجد نفس إلا وأنا أودعه هارباً من مكتبه راكباً مركبتي الزمنية وطائراً عبر فضاء الزمن عائداً إلى عالمنا في عصر هذا اليوم لأعيش همومه المثقلة بهموم شهيدنا الخالد فريدون آتوريا، وبأمل أن أبحث في مناسبة لاحقة عن ظروف إعتقاله ومعاناته في سجون ستالين ومن ثم أفناءه والمحاولات التي جرت بعد رحيل ستالين من قبل بعض الآشوريين في روسيا في تبرئة ساحة فريدون أتورايا من التهم الظالمة بحقه.

246
المسيرة النيسانية – أكيتو 6763
بين زوعا والتجمع
أبرم شبيرا
توطئة:
كلما أزور شمال الوطن وأشارك أبناء وبنات أمتي بأحتفالات الأول من نيسان وتحديداً المسيرة النيسانية لعيد أكيتو الخالد أعود ببعض المشاهدات والملاحظات عنها وأبدأ بتسطيرها لعل قد تكون مفيدة للسنوات القادمة وتغطي بعض النواقص التي قد تعتري هذه الإحتفالات، وهي مسألة طبيعية في مثل هذه النشاطات الضخمة. من المؤكد ستكون أكثر طبيعية من حيث التنظيم والرونقة والنتائج فيما إذا تقبلت عقول القائمين على تنظيمها لدراسة مثل هذه العوائق وتجنبها في السنوات اللاحقة. وهذه بعض من هذه الملاحظات التي أفرزتها مخليتي بعد العودة من الوطن وليس القصد منها إلا أكيتو أحسن للسنة القادمة.
 
الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا):
حزب سياسي نموذجي بالشكل والمضمون في مجتمعنا "الكداني السرياني الآشوري" لا بل وفي المجتمع العراقي أيضا. فقد استطاعت الحركة الديمقراطية الأشورية طيلة أكثر من ثلاثة عقود الماضية من النضال المستمر والدؤوب ان تقدم انجازات كبيرة وملموسة قوميا ووطنيا وتخطت  الطروحات الطائفية والقبلية والأنتهازية لمجتمعنا وشاركت مع جميع الفصائل الوطنية في العمل من اجل اسقاط الدكتاتورية وبناء عراق ديمقراطي حر، كما شاركت في حكومة الاقليم والحكومة المركزية بكافة مفاصلها ومحطاتها وساهمت اسهاما كبيرا في تطوير اللغة السريانية وتراثها الغني من خلال المساهمة الفعالة في انشاء المدارس السريانية لكافة المراحل الدراسية في عموم العراق، فكم هو رائع أن نرى اليوم مهندسين وأساتذة وموظفين في الدوائر الحكومية وإختصاصيين في القطاع الخاص وهم من خريجي هذه المدارسة ويجدون وبطلاقة اللغات السريانية والعربية والإنكليزية وحتى الكردية مؤكدين الثمرة العظيمة لهذه المدارس. وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية الذي أكسب زوعا ثقة جماهير شعبنا وأمتنا بكل ألوانه وفصائله سواء أكان ذلك في الوطن أم في المهجر، وهو أمر لا يستوجبه المزيد من التفاصيل لأنه يشهد له القريب والبعيد.

وهنا أريد بيان تأكيدي المشدد بأن لا يحسب القارئ اللبيب الإشارة إلى مثل هذه الإنجازات العظيمة التي حققتها زوعا وأكتسبت شعبيتها الواسعة هو نوع من المديح والإطراء لقادة زوعا أو لهذا الشخص أو ذاك "اللويا"، بل إن كل الإنجازات التي حققتها زوعا هي ثمرات دماء الشهداء التي قدمتها وألتصاق الجماهير بها وقدرة أبناء أمتنا وخاصة المثقفين منهم والمهتمين بشؤون الأمة وبنضالها المخلص والشريف على تفهم نضال زوعا ومن ثم تقديرهم لهذا النضال الذي شرفهم في جميع الأوقات. لقد سبق وأن وأكدنا في مناسبات عديدية بأن زوعا حركة قومية أصيلة لم تلد بقرار سياسي محض أو كانت نتاج بحوث أكاديمية أو قرارات رجال السياسة والقانون والمعرفة، وإنما ولدت ولادة طبيعية ومن  مخاض ومعاناة الأمة ومن رحمها الشرعي وحتى في زمن بعض التراجعات التي نتجت من جراء بعض الأخطاء والمعوقات التي أعترضت طريق زوعا وفي أحيان أخرى تغلب المصالح الشخصية على المصلحة القومية واللهوث وراء الكراسي والمناصب، فكل هذه ماهي إلا حالة خاصة غير مقبولة في نضال زوعا العام والمقبول، وهي خطوة إلى الوراء في مسيرة زوعا مقابل خطوتين إلى الأمام والتي وضعناها في معادلة "خطوة إلى الوراء وخطوتان إلى الأمام" ونأمل أن تستمر هذه المعادلة وأن لا يختل توازنها بإستمرار تغلب الخاص على العام وتنقلب المعادلة لتصبح "خطوتان إلى الوراء وخطوة إلى الأمام". وهو الأمل الباقي لهذه الأمة في بقاء زوعا حركة صميمية غير قابلة للشخصنة والتألية وبقاء مسيرتها على المعادلة بشكلها الصحيح والمتوازي.
تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية (تجمع):
لقد سبق وأن بينًا رأينا وملاحظاتنا عن هذا التجمع وأكدنا مراراً وتكراراً بأنه لحد هذا اليوم لا يزال يعتبر من أكثر، إن لم يكن الوحيد، من التحالفات الناجحة نسبياً والتي أنعقدت بين أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية وبقى هذا التحالف مستمراً ومتواصلاً على الساحة السياسية القومية رغم كل المعوقات العامة والخاصة. وقد سبق وأن أكدنا أيضاً بأن فهم وإستوعاب قادة تنظيمات التجمع للواقع ولقوة سطوة الوضع المأساوي لأمتنا في الوطن وبالعوامل الموضوعية المحيطة بمجتمعنا "الكلداني السرياني الآشوري" كان عاملاً مهماً في دفعهم نحو محاولة توحيد الخطاب السياسي تحت مظلة التجمع، ولكن بالمقابل ما يؤسف له والذي يظهر في جوانب معينة هو أن قادة هذه التنظيمات لم تستفيد من وحدة "معاناة" أمتنا وتفهمهم لها ومشاركتهم بها لكي تنعكس على تفهم الظروف الخاصة لكل تنظيم أو عضو في هذا التجمع ومقدار حجمه وقدرته على القيام بنشاطات ضخمة وممارسات سياسية فاعلة قادرة على أن تدخل في إنسجام وتوافق مع بقية أعضاء التجمع خاصة بين الحزب الكبير كزوعا والآخر أقل جماهيرية سواء من حيث أعضاءه أو شعبيته أو مؤيدينه وحتى من حيث خلفيته التاريخية النضالية. ولكي أكون أكثر صراحة أقول بأنه عندما يتساوي "الكبير" مع "الصغير" – مع التحفظ الشديد لهذين المصطلحين اللذين أستخدمهما مجازياً ومعيارياً وليس فكرياً أو إيمانياً بالحقوق المشروعة لأمتنا – (لقد تم التفصل في هذا الموضوع تحت عنوان " نظرة من ثقب الباب على تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية – أراء ومقترحات" والذي نشر في الأعداد السابق لموقع عنكاوه)، عندذاك تتداخل الجهود وتتشابك نشاطات كل واحد منهم وربما تتصادم أيضاً ذلك لأن الجميع متساويين من حيث الشكل داخل التنظيم لكن هم مختلفون من حيث الإمكانيات والفعل والنتائج وبالتالي فإن أي نشاط من التجمع، خاصة الأنشطة القومية والسياسية العامة والمهمة، سوف تعاني الكثير من التخبط والإشكاليات لتظهر بالنتيجة كأن "الكبير" هو المسيطر وهو الذي يسير الأمور على سياسته الحزبية الخاصة وبالنتجية سيترك هذا الإختلال نوع من رورد فعل سلبية لدى الآخرين فتكون مشارتكم في مثل هذه الإنشطة أما ضئيلة وهامشية أو لا تشارك فيها إطلاقاً وتحت حجج وذراع لا تكون مقبول في سياق أهمية مشاركة الجميع في مثل هذه الفعاليات القومية المهمة. ومسيرة الأول من نيسان خير مثال على ذلك، والذي سنأتي على ذكر هذا المثال في السطور القادمة. هذا هو السبب الذي نرى في أعضاء التجمع لا يتفقون إلا على البيانات والإحتجاجات الورقية التي لا تأثير لها غير تطايرها في الهواء ووقوعها على آذان صماء في الوقت الذي يستطيعون القيام بدلا عن هذه الإحتجاجات الورقية  إحتجاجات فعلية تعبر  وتنظم غضب أبناء أمتنا وشعورهم الساخط في قلوبهم تجاه التغيير الديموغرافي لمناطقنا التاريخية وتهميش وإهمال وهضم حقوقنا المشروعة في الوطن من قبل القابعين على السلطة في العراق والتي من المؤكد سيكون لهذه الإحتجاجات الفعلية وقعاً مؤثراً على الوضع السياسي فيما يخص حقوق أمتنا لا بل ستتعزز مكانة أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية في قلوب أبناء أمتنا. ولكن الخشية عند بعضهم هي أن مثل هذه الإحتجاجات قد تؤثر على الكعكة التي تقدم لهم من قبل القابعين على السلطة في العراق وتحرمهم منها أو تعيد توزيع شرائح الكعكة بينهم وتخسر ما تم الإتفاق عليه تحت مظلة التجمع.
إذن وبإختصار نقول بأن بين أعضاء التجمع فروقات كبيرة من عدة نواحي تنظيمية وجماهيرية وسياسية وتاريخية وهي الفروقات التي تنعكس بشكل مباشر وواضح على أمكانية كل عضو في التجمع وعلى مدى قدرته على عطاءه لأي نشاط مشترك للتجمع، فبدون إدراك هذه الفروقات فإن أي نشاط يقوم به التجمع سوف يعاني العديد من الإشكاليات والمعوقات قد تؤثر على مسيرة التجمع وبالتالي قد لا تحمد عواقبها في المستقبل.           
المسيرة النيسانية ما لها وما عليها:
بدرت فكرة تسير موكب في الأول من نيسان قبل أكثر من عقد من الزمن من قبل قيادة زوعا وتطورت الفكرة إلى فعل وبدأت بتنظيم المسيرة في الأول من نيسان من كل عام. وفي السنوات القليلة الماضية قام أيضا المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري بتنظيم مسيرة بهذه المناسبة والذي كان يظهر كأنه أسلوب تنافسي وندي لمسيرة زوعا ولكن لم يستمر خاصة بعد تشكيل التجمع.  فخلال أكثر من خمس سنوات الماضية شاركت في المسيرة التي كان زوعها تنظمها في كل عام. وأعيد تأكيد هنا عظمة سعادتي وبهجتي من مشاركة أبناء أمتي في الوطن والقادمين من المهجر في هذه المسيرة والأيام التي سبقتها أو التي لحقتها من نشاطات ولقاءات مفيدة ومثمرة وفي نفس الوقت ممتعة جداً وقد وصفتها للكثير من الأصدقاء بأنها أجمل أيام حياتي من دون مبالغة أو مجاملة. وكانت كل مسيرة تتصف بالكثير من التنظيم والسيطرة والبرامج القومية المتنوعة بحيث يمكن القول بأنها كانت تحقق الهدف المراد تحقيقه.

ولكن بعد تشكيل التجمع تم الإتفاق على أقامة هذه المسيرة من قبل أحزاب وتنظيمات التجمع وبمشاركة أعضائهم ورفع شعاراتهم وأعلامهم كما تم الإتفاق على الخطوط الرئيسية للبرامج والنشاطات وحتى الشعارات والأغاني والقصائد والكلمات بحيث تكون كلها معبرة عن التجمع وليس عن حزب أو تنظيم معين من أعضاء التجمع. هذا من حيث المبدأ والنظرية ولكن الواقع أظهر وأثبت غير ذلك تماماً. ففي أول مسيرة منظمة من قبل التجمع في الأول من نيسان عام 2011 ومشاركة معظم قادة أحزابه وتنظيماته ظهرت الإشكاليات المتوقعة والتي سبق الإشارة إلى أسبابها المتعلقة بطبيعة أعضاء التجمع وعدم قدرتهم على فهم واقعهم الحقيقي. إذ بسب الحجم الكبير لنشاط وأعضاء ومؤيدي زوعا (كالحضور والهتافات والأغاني والأعلام والشعارات) المشاركون في المسيرة ظهر بأن زوعا فعلاً مهيمنة بالتمام والكامل على المسيرة ونشاطاتها فنتج عن ذلك نوع من الحساسية والإحتجاح والرفض لدى قادة التنظيمات الأخرى فغادر بعضهم موقع الإحتفال لأنهم أعتبروه خروجاً عن الإتفاق المعقود بينهم بخصوص هذه المسيرة. ومهما حاولنا تغطية النقص البسيط في أعداد المشاركين في المسيرة في مقارنة مع السنوات الماضية التي كانت زوعا تنظمها وحدها فإن هذا لايخفي حقيقة تعلق الكثير من أبناء أمتنا بزوعا ورغبتهم في تنظيم هذه المسيرة من قبلها وليس من قبل التجمع، وهذا ظهر أكثر وضوحاً في غياب بعض المطربين المعروفين على المستوى القومي وعدم مشاركتهم في المسيرة كما كانوا يفعلون في كل عام.

ثم جاءت مسيرة عام 2012 لتتكرر نفس ظواهر العام الماضي إن لم نقل أسوأ منها، فالشعارات والهتافات والأعلام كانت أكثر بكثير من حجم التنظيم الذي يمثلهم وتعكس حالة التشرذم والإنقسام الطائفي والحزبي التي تنخر بنا جميعاً، لا بل عجزت المسيرة من توصيل رسالتها إلى الآخرين بسبب الطريق الهامشي الكائن في ظواحي مدينة دهوك والذي سلكته المسيرة نحو موقع الإحتفال. أما مسيرة هذا العام 2013 فأعتذر أكثر من تنظيم واحد من أعضاء التجمع من المشاركة فيها بحجج غير منطقية ولا مفهومة في سياق أهمية هذه التظاهرة الجماهيرية والمناسبة العظيمة لجميع أبناء أمتنا وأرجو أن لا أجني عليهم في القول بأن مثل هذه المناسبات الكبيرة والعظيمة تعتبر أكبر بكثير من حجم هذه التنظيمات الرافضة فغيابها كان قائم على صعوبة إيجاد مكان لها في هذه التظاهرة القومية العظيمة وبالتالي عدم المشاركة قد تكون سبيلاً لتغطية حجمها الحقيقي أمام جماهير امتنا. ومن حيث عدد المشاركين في المسيرة كان من الطبيعي أن يستمر النقص فيها بسبب العوامل التي سبق وأن ذكرناها ولكن رغم هذا العدد الذي يعتبر أقل مشاركة من الأعوام الماضية فإن الطريق الذي سلكته المسيرة كان جيداً وفي وسط مدينة دهوك بحيث أثارت إنتباه وإهتمام أهالي دهوك لا بل وإعجابهم بالمسيرة التي قلما يشاهدون مثلها في المنطقة، أي بعبارة أخرى تمكنت المسيرة من إيصال رسالة أمتنا لتقول بأننا أمة موجودة على هذه الأرض ومنذ أقد العصور وقبل قدوم الآخرين إليها وإستيطانهم عليها. ولعل قيام قناة الجزيرة الفضائية بعرض تقرير مفصل عن المسيرة وإجراء مقابلات وعرض مشاهد من المسيرة وللقرى الكلدانية السريانية الآشورية وكنائسهم وأديرتهم يعتبر سبيلاً مهماً في إيصال رسالة أكيتو إلى العالم. وأخيراً لم يبقى بخصوص هذه المسيرة إلا أن نكرر القول بأن زوعا كان مهيمنة هيمنة كاملة سواء من حيث المشاركين في المسيرة أو الضيوف القادمين من المهجر أو من حيث الأغاني والنشاطات والهتافات الآخرى التي كانت في بعض جوانبها إستفزازية لبقية أعضاء التجمع وللسياسات والشعارات والتسمية المركبة التي يتبناها التجمع، وساهم في كل هذا موقع الإحتفال الذي أقيم على ساحة المركز الثقافي الآشوري في دهوك والذي هو تابع بشكل أو بآخر إلى زوعا.
مقترحات نيسانية:   
كان البابليون والآشوريون يحتفلون بعيد أكيتو لمدة أثنى عشر يوماً ولم تكن قاصرة على المواكب أو المسيرات فحسب بل كانت تقام خلالها العديد من النشاطات والإحتفالات الخاصة بحضارتهم العظيمة من حفاوة إستقبال الضيوف وتمجيد الآلة وتقديم القرابين وتقديس المعبد وعرض المسرحيات وعروض فنية وموسيقية أخرى مختلفة. وتقليداً لأحتفالات أجدادنا العظماء فأن أحتفالات أكيتو في هذه الأيام يجب أن لا تكون قاصرة على المسيرة وحسب بل من الضرورة أن تقام خلالها نشاطات أخرى قومية سياسية وفنية وإجتماعية وحتى دينية طقسية. ولكي تكون هذه الإحتفالات أكثر تنظيماً وتنسيقاً وتعطي ثماراً مرضية للجميع، أحزاب وتنظيمات وجماهير، نقترح مايلي:
•   أن تقوم زوعا وحدها بتنظيم المسيرة في الأول من نيسان وأن تدعو بقية الأحزاب والمنظمات القومية للمشاركة فيها وبالشكل الذي يرضيهم. هذا الأمر سيضع الأمور في نصابها الحقيقي لأن خلال السنوات الثلاث الماضية رغم تنظيم المسيرة بأسم التجمع لكن الواقع كان يقول والفعل أثبت ذلك بأن التنظيم والنشاط والهيمنة على مجمل المسيرة سواء برفع الأعلام أو بحجم الجماهير أو الهاتفات او الأغاني أو الشعارات أو المدعوين من المهجر كانت كلها زوعاوياً. فمن شارك في مسيرة هذا العام أو زار مقرات زوعا في أربيل ودهوك وشاهد تجمع المئات من أبناء أمتنا في هذه المقرات المزينة بزينة نيسانية ومنسرحة بموسقى وأغاني قومية ودبكات شعبية لأدرك هذه الحقيقة. وكذلك من زار مقرات بقية الأحزاب والمنظمات الأعضاء في التجمع لتأكدت لديه الجانب الآخر من الحقيقة التي ذكرناها خاصة عندما يرى بأن مقراتها ساكنة هادئة لا فيها غير حارس على الباب أو عضو أو عضوين من هذه الأحزاب والتنظيمات. هذه الحقيقة أقولها ليس إستخفافاً بهذه الأحزاب والتنظيمات بل أن كشف حقيقتهم وبيان حجمهم الواقعي هو جزء من إهتمامنا بهم في كونهم لاعباً سياسياً على الساحة القومية لأمتنا فإحترامنا لهم ولقادتهم، خاصة الكثير منهم أصدقاء أعزاء لنا، نابع من هذا الأهتمام بشكل خاص وبأحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية بشكل عام.
•   أن تقوم بقية أعضاء التجمع بتنظيم نشاطات أخرى في الأيام السابقة أو اللاحقة للمسيرة من ثقافية وفنية وسياسية وإجتماعية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كأن يقوم المجلس القومي الكلداني على تنظيم محاضرة سياسية قومية أو أن يقوم المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري بتنظيم مهرجان شعري في يوم آخر أو أن يقوم المنبر الكلداني الديموقراطي بمهرجان غنائي وهكذا في الأيام اللاحقة كل حزب أو تنظيم يقوم بنشاط معين وأن يتم دعوة جميع أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية وغيرهم من الأحزاب والتنظيمات العراقية والشخصيات السياسية والحكومية وبهذا تكتمل حلقة إحتفالات أكيتو وكل واحد راضي عما قام به وشارك فيه. وهنا أود أن أشيد وبقوة بالمحاضرة أو الحلقة السياسية التي أدارها السيد ميخائيل بنيامين عضو اللجنة المركزية لزوعا تحت عنوان "وجودنا في الوطن ... الرؤية والعمل المطلوب" المقامة على قاعة المركز الثقافي الآشوري في اليوم الثاني من نيسان، فقد كانت ناجحة بكل المقايسس سواء من حيث إدارة النشاط بكفاءة عالية من قبل السيد ميخائيل أو بفعل مداخلات وأراء وملاحظات الحاضرين الذين أكتضت القاعة بهم. فهذه المحاضرة التي كانت قومية سياسية بكل معنى الكلمة ولم تكن زوعاوية كان من المفترض أن تقام في مقر أو قاعة أحدى أحزاب ومنظمات التجمع حتى تكون لها أكثر شمولية وفائدة. والحال نفسه فيما يخص معرض الصور الفوتوغرافية الذي سبق المحاضرة فكان بمجمله زوعاوياً بالتمام والكمال. ونأمل في العام القادم أن ينظم أكثر من مثل هذه النشاطات من قبل بقية أعضاء التجمع وأن تقام في مقراتهم أو في القاعات الأخرى،  فنكون بذلك أزاء نيسان حقيقي وقومي وشامل لا نيسان حزبي أو زوعاوي فحسب.
•   هناك أمراً آخر مهم جداً وقليل ما نهتم به، وهو أن تكون البرامج المخصصة للوفود القادمة من المهجر خاصة الشبابية والطلابية أكثر تنظيماً وشمولياً لأن هؤلاء هم رسل أمتنا في الخارج وعليهم يعتمد في إنماء الوعي القومي في المهجر وتوثيق الأواصر مع وطن الأم. وهذا أمر سهل لا يستوجب الكثير من الجهود غير قليل من التنظيم وترتيب البرامج.
إنتكاسات نيسانية:
كما ذكرنا سابقاً بأن مشاركتنا في كل عام في أحتفالات أكيتو في الوطن تعتبر من أجمل وأمتع أيام حياتنا لأننا في الحقيقة نلتصق بتربة إباءونا وأجدادنا ونتكاتف مع أبناء وبنات أمتنا ونشارك صرخات شعاراتهم وننشد معهم أغانيهم في أعظم أحتفال تاريخي تتجسد فيه هويتنا القومية والحضارية في هذا الوطن المستلب. ولكن ظهور بعض العيوب التي أعتبرها أنتكاسات في أيام أكيتو في الوطن لا تعكر روعة هذه الأيام ومتعتها، ولكن الحقيقة والحق يفرضان علينا أن نشير إليها لعل قد يتعض أبطال هذه الإنتكاسات:


أين "ممثلي" أمتنا من مسيرة أكيتو؟
سجل تاريخ أمتنا المعاصر مسيرات ضخمة خلال العقود الماضية في العراق. الأولى المسيرة الضخمة والإستقبال الهائل أثناء وصول قداسة مار شمعون إيشا بطريرك كنيسة المشرق السابق رحمة الله إلى بغداد من المنفى عام 1970. والثانية أثناء منح الحكومة العراقية الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية من (الأثوريين والكلدان والسريان) عام 1972. والثالثة هي مسيرات الأول من نيسان خلال السنوات الماضية. ولكن شتان بين هذه المسيرات وميسرات عامي 1970 و 1972. فهذان المسيرتان كانتا منظمتان من قبل حزب البعث العراقي ومسيرة من قبله وبإرادة مجبرة أو عفوية لأبناء أمتنا. أما مسيرات أكيتو فهي جملة وتفصيلاً من صنع إرادة أبناء أمتنا ومن تنظيمها فهي منهم وأليهم ومنها تنبع أهيمتها القومية العظيمة لجميع أبناء أمتنا، لا بل يجب أن تشكل مثل هذا الحدث أهمية أكثر سعة وقوة لأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية لكونها هي الطليعة لهذه الأمة خاصة وأن معظم أن لم يكن جميع "ممثلي" أمتنا في البرلمانين المركزي والأقليمي وفي الحكومتين أعضاء من قيادة هذه الأحزاب والتنظيمات. لهذا السبب يجب أن يكونوا في قلب هذه الأحداث من دون أي إعذار لأن كل عذر لا يمكن أن يكون إلا إستخفافاً بهذه الأمة وبمناسباتها القومية العظيمة. تدلنا الألواح والرقم الطينية المكتشفة في مكتب آشور بانيبال في نينوى بأن الملوك كانوا يشاركون مشاركة فعلية في إحتفالات أكيتو لا بل يمارسون أنشطة معينة خاصة في اليومين السادس والسابع من الإحتفالات ولكن يظهر في هذه الأيام بأن "ممثلي" أمتنا في البرلمانين والحكومتين عظمتهم أعظم بكثير من عظمة ورفعة حمورابي وجبروتهم أكبر من جبروت وهيبة سنحاريب. أين كانوا هؤلاء أثناء إحتفالات أكيتو ؟؟؟ جواب بسيط: كان يستقبلون ويصافحون الطغاة ومفترسي حقوق أمتنا في وطننا العزيز و بالعي أراضي قرانا وبساتيننا... ألم يكن الأجدر بهم أن يجلسوا إلى جانب "خلتي نيمو" التي كانت قابعة في زاوية مظلمة في حديقة مقر زوعا في دهوك وهي تواسي نفسها بسبب أرضها المسلوبة من قبل شيخ كردي؟؟؟ ألم يكن الأجدر بهم أن يدعموا الأصوات المبحوحة لشباب مسيرة أكيتو وينضموا إلى صراخهم في الهتافات القومية حتى تهز طبلة آذان الآخرين الواقفين على جانبي الطريق ؟؟؟ ألم يكن الأجدر بهم أن يساعدوا الأم التي كانت تدفع عربة طفلها المشارك في المسيرة ويرفعوا قليلا عن كاهلها ومن تعب المسيرة ؟؟؟ لنترفع قليلاً ونحترم مركزهم التمثيلي الرسمي ونقول: ألم يكن الأجدر بهم أن يكونوا في مقدمة المسيرة متكاتفين مع بقية أخوتهم من قادة أحزاب وتنظيمات أمتنا لتكتمل بذلك حلقة التجمع في أكيتو؟؟؟ أليس الفضل يعود لهولاء العشرات الألوف الذين شاركوا في مسيرة أكيتو و صوتوا لهم وجعلوهم يجلسون على كراسي البرلمان والحكومة، ولكن وحسرتاه.. بقوا بعيدين عنهم ولا يشاركون أفراحهم وأتراحهم وينكرون جمليهم. أرجو أن لا تكون هذه الكلمات كمزامير داود غير قادرة على تجاوز الإذان الطرشاء وأن يستفاد منها في السنة القادمة لكي يثبتوا حقاً وحقيقة بأننا مخطئون بحقهم وأنهم يمثلون الأمة ويفضلون مشاركة أفراحها وأتراحها بدلا من مشاركة ولائم اللصوص ومختصبي أراضينا.
الكلدان وأكيتوهم لعام 7311:   
علما ربنا يسوع المسيح عليه السلام أن نحب أعداءنا، نحمده ونشكره ملايين المرات لعدم وجود أعداء لنا بين أمتنا بمفهوم العدو المبني على الغدر والخيانة، هذا على الأقل حسب إيماني،  ونحن الأقل إيماناً نقول في الأمور القومية والسياسية بأن إحترام المقابل المختلف أمر ضروري جداً في هذه الحياة خاصة عندما يتعلق الأمر بمصير ومستقبل أمتنا... علينا جميعاً كلداناً وسرياناً وآشوريين أن يكون الإحترام أساساً للتعامل بيننا خاصة في الأمور العامة والقومية فبهذا الأحترام نبلط طريقنا نحو تحقيق أهدافنا المشتركة... وبهذا الخصوص أحترم أحتراماً شديداً كل كلداني يعتز بكلدانيته لأنه في الحقيقة هو أعتزاز للأمة التي أنتمي إليها وإن كنت أختلف معه في بعض القضايا فأن مثل هذا الإختلاف لا يعكر إحترامي الشديد له... فليسمي نفسه كلدانياً وينسج له علماً خاص به ويلحن نشيداً وطنياً فهذا شأنه الخاص وليس لي إلا أن أصلي له أن يحمي كلدانيته ويبعده من الضياع أو التعريب أو التكريد. وإنطلاقاً من هذه القاعدة قرأت وبإنتباه أحتفال الكلدان بعيد رأس السنة البابلية – الكلدانية لعام 7311 خاصة في مدينة سان ديكو في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية وخروجهم في المروج والقيام بالإحتفال بهذه المناسبة، فليس لنا إلا أن نقول لهم ألف مبروك. ولكن التساؤل المحير هو أين الكلدان من إحتفالات أكيتو في وطن الأم... هل نزحت أو هاجرت بابل وأور إلى سان دياكو؟؟؟ أمر محير حقاً... يقول بعض الكلدان بأن نسبتهم بين المسحيين في العراق هي بحدود 80 – 85% ويشكلون القومية الثالثة ولا أدري إذا كان طارق عزيز، وغيره كثر، ضمن هذه النسبة. ولكن مرة أخرى نتساءل لماذا لم ينظم الكلدان مسيرات وإحتفالات في القرى والقصبات الكلدانية وهم كثر والحمد الله بمناسبة رأس السنة البابلية – الكلدانية لعام 7311. ولماذا كان غالبية المشاركين في مسيرة أكيتو الذين رفعوا شعارات وحدة أمتنا تحت تسمية "الكلدان السريان الآشوريين" وينشدون أناشيد الوحدة بمناسبة أكيتو لعام 6763 ؟؟؟. كان من المفروض على الكلدان أن ينظموا مسيرات وإحتفالات في وطن الأم لكي تتأكد كلدانية أكيتو ويسير فيها مئات الألوف أو جزء من نسبة 80 – 85% ونحن مشاركين معهم أو على الأقل واقفين على جانبي الطريق نصفق لهم ونهتف. وكان أيضا على مقرات أحزاب الكلدان في الوطن أن تزين أبنيتها وتقيم نشاطات وتجمعات بهذه المناسبة... أسئلة وأسئلة أعتقد أن الإجابة عليها هي مضيعة للوقت لأنها معروفة للجميع... فالقول والكتابة في المواقع الألكترونية غير الواقع... هناك مثل عراقي يقول (اليدري يدري والمايدري ضربة عدس) لا أدري إذا كنت قد ذكرته صحيحاً لأنه لم أستعمله طيلة حياتي ولم أختلط مع العراقيين كثيراً.


تحية نيسانية :
بسبب الفرحة والبهجة التي تولدها إحتفالات أكيتو في قلوبنا فعلينا أن نكافئ ونحي القائمين على تنظيمها والمشاركين فيها، ولكن ليس لنا قدرة على مكافأة جميع المشاركين في مسيرة أكيتو لهذا العام خاصة الذين كان لمشاركتهم طعماً ووقعاً خاصاً  غير أن نقول:
•   تحية وإحترام لوفد هيئة رئاسة اللجان الآشورية لقرى خابور في سوريا على تحمل مشقات السفر بالبر والنهر من سوريا إلى أربيل ودهوك رغم الظروف المأساوي في سورياً ومشاركتهم في مسيرة ونشاطات أكيتو.
•   تحية وإحترام لوفد إتحاد طلبة وشباب الكلدو الآشوري لأوربا الوسطى لمشاركتهم في هذه المناسبة ولما عبروا عن حبهم لوطن الأم وإخلاصهم لقوميتهم وأثاروا الكثير من الأعجاب بسعة مداركهم الثقافية والفكرية ووعيهم القومي.
•   تحية وإحترام للعدد الكبير من الشباب والشابات والطلبة القادمون من الولايات المتحدة  للمشاركة في إحتفالات أكيتو، فهم لا يمر عليهم عاماً إلا وأن يشاركوا في هذه الإحتفالات.
•   تحية وإحترام للوفد الآشوري القادم من منطقة أورمي في إيران وتحمل مشاق السفر براً والمشاركة في إحتفالات أكيتو... وفد مخلص لأمته بمشاركته في كل عام في هذه المناسبة واللقاء بأخوتهم في الوطن.
•   تحية وإحترام للوفد القادم من أستراليا الذي دأب على المشاركة بهذه المناسبة في كل عام.
•   تحية وأحترام للوفد القادم من الولايات المتحدة الأمريكية وتحديداً المجلس القومي الآشوري في ولاية ألينوي برئاسة السيد شيبا مندو الذي لا يخلو أكيتو من مشاركتهم في كل عام.
•   تحية وأحترام للوفد القادم من دبي – دولة الإمارات العربية المتحدة وتحديداً الشخصية القومية المعروفة عمانوئيل قليتا الذي تحدى كل ظروفه الصحية الصعبة وأبى إلا أن يشارك ككل عام في إحتفالات أكيتو.
•   تحية وإجلال لكل المشاركين في إحتفالات أكيتو وخاصة الأم التي حملت طفلها معها طيلة طريق المسيرة والعجوز التي كان علمنا القومي يرفرف في يدها وإلى جميع الشباب المتحمس والصارخ بكل صوته بهتافات الأمة خارقاً آذان الواقفين على جانبي الطريق.
•   ولايفوتني أيضا إلا أن أعبر عن خالص شكري وتقديري لبعض قادة تنظيمات أمتنا الذين وفروا وقتاً لإستقبال الوفود القادمة من المهجر وأخص بالذكر السيد شمزدين ماليك كوركيس رئيس المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري والسيد ضياء بطرس صليوا الرئيس السابق للمجلس القومي الكلداني وحاليا رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في حكومة إقليم كردستان والسيد عمانوئيل خوشابا السكرتير العام للحزب الوطني الآشوري على حسن إستقبالهم لي في مقراتهم والحديث عن مواضيع مهمة تخص أمتنا. كما أخص شكري وإمتناني الكبيرين للسيد كرستو يلدا عضو المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردستاني لتوفير الوقت واللقاء معه ومناقشة قضايا مهمة تخص أمتنا في الوطن وعلاقة أحزابنا السياسية بالحزب الديموقراطي الكردستاني وبحكومة الأقليم.
•   ولم يبقى إلا أن نرفع قبعاتنا وننحي رؤسنا إحتراماً وتقديراً لكل من السيد سامي سبنيا مسؤول فرع أربيل للحركة الديموقراطية الآشورية والسيد مرقس إيرميا مسؤول فرع دهوك للحركة الديموقراطية الآشورية وكالة وإلى وغيرهما من رفقاقهم على الجهود العظيمة التي بذلوها في إستقبال وتنظيم أمور القادمين من المهجر وفي تنظيم وترتيب إحتفالات أكيتو وتحمل مشقاتها، وأنا متأكد من عظمة هذه الجهود من خلال الحديث معهما والنظر في وجوههما وعيونهما المرهقة، بارككم الله وأعطاكم مزيدا من القوة والصبر خدمة لهذه الأمة لتكونوا عبرة وقدوة لغيركم الملتصقين على كراسي التباهي والفخفخة.
إلى اللقاء في أكيتو جديد لعام 6764. مع تحيات خادم الأمة... أبرم شبيرا 
 

247
بالإستقالة لا بالبيانات الإستنكارية والمؤتمرات الإحتجاجية
نواجه الإستبداد ضد أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"

أبرم شبيرا

يظهر بأن صديقي كان محقاً عندما ذكر لي المثل التوراتي الذي يقول "لمن تتلو مزاميرك يا داود" بخصوص الموضوع – او المواضيع - الذي كتبته سابقاً في مناشداً "ممثلي" أمتنا سواء في البرلمان أو الحكومة العراقية المركزية أو الإقليمية الكردستانية وفي بقية الدرجات الخاصة بالإستقالة كأسلوب ضاغط وإعلامي على المستويين الوطني والعالمي. أستغفر بالله أن نشبه حالنا بالنبي داود ولكن يظهر أن هناك شبهاً بين هؤلاء والشعب اليهودي في العهد القديم الذي لم يكن يسمع إلى نبيهم داود في الخلاص من المهالك التي كانوا يواجهونها. مالذي جنى شعبنا في أرض الوطن من البيانات الإستنكارية والمؤتمرات الإحتجاجية وغيرها عندما أستشهد المطران فرج رحو ودمرت كنيسة سيدة النجاة والتغيير الديموغرافية لقرانا في شمال الوطن جارياً على قدم وساق غير المزيد والمزيد من هذه السياسات الإستبدادية والمظالم بحق شعبنا. سئمنا وأمتلئت آذاننا من أخبار صدور بيانات إستنكارية ومؤتمرات إحتجابية التي أصبحت مضحكة ومثيرة للسخرية للسطات الإستبداية الحاكمة في العراق وأصبحت كالضحك على ذقون أبناء شعبنا المكتوي بنيران هذه المظالم.

أذرف "ممثلي" شعبنا الدموع وأحتجوا إحتجاجاً ورقياً على تأجيل أنتخابات مجالس المحافظات في محافظتي نينوى والإنبار التي كان عقدها مزمعاً في الشهر القادم، ولا أدري مالذي إستفاد شعبنا من وجود "نفر أو نفرين" يمثلونه بين زمرة متكونة من عدد كبير من أفراد العصابات التي تسمى في العراق بالأحزاب في المجالس السابقة التي لا تومن أصلاً بحقوق شعبنا فيكف والأمر مع الإستماع إلى صراخ "ممثلي" هذا الشعب وتلبية مطالبه؟؟ ، لا بل ما الذي أستفاد شعبنا من وجود "ممثليه" في البرلمان المركزي والكردستاني وفي حكوماتهما؟؟ مئات الصفحات لا تكفي لسرد المظالم والإنتهاكات بحق شعبنا في أرض الوطن التي مورست على رغم وجود هؤلاء بجانب اللصوص وسراق قوت الشعب العراقي وتطاير إحتجاجاتهم الورقية في الهواء من دون وجود آذان صاغية لها... نعم... بين حين وآخر نسمع أو نقرأ خبر "إيقاف العمل" بالقانون أو القرار الفلاني الظالم بحق أمتنا أو التجاوز على أراضي أبناءها ولكن من وراء الكواليس يعمل المنتفعون من التغيير الديموغرافي وسراق المال والأرض لتكريس وإستمرار هذه السياسة بحق قرى وأراضي أبناء شعبنا وبحجج لم تعد مقنعة حتى للشيطان، حليفهم القوي في هذه الإنتهاكات.

في السابق عندما كتبنا عن موضوع الإستقالة هذه كرد فعل لربما كان من الممكن أن يكون له نتائجه المؤثرة، زعل البعض وأتهمنا نحن القابعون في المهجر من دس أنوفنا في مسائل بعيدة عنا بألاف الأميال، ولكن نقول لهؤلاء نحن أبناء هذه الأمة أينما تواجدنا ولنا ضمائر حية لا نستطيع أن نسكت عن المظالم التي يتعرض لها أخوتنا في أرض الوطن ويجب أن نعمل سواء بالكتابة أو أي نشاط آخر للتأثير والضغط على القابعين على السلطة السياسية في العراق وأن نقترح أو نحاول الإرشاد من موقعنا الخاص لـ "ممثلي" أمتنا ونحن نعرفهم معرفة جيدة سواء بسبب علاقاتنا الشخصية معهم أو بمستوى كفاءتهم السياسية والفكرية ولعل قد يستفيدون من هذه المقترحات والأراء وبالنتيجة قد تستقيم جهودهم وعلى الطريق الصحيح في خدمة شبعبنا في الوطن. لأن لنا ضمير حي، ولدنا وترعرنا وكبرنا في أرض الوطن وعانينا الكثير من مثل هذه المظالم، فأن الواجب يطلب منا أن نشارك أبناء أمتنا في الوطن ولو حتى بالقليل من الكتابة وزيارتهم ولو مرة واحدة في السنة والتفاعل مع أمانيهم والتحسس بمعاناتهم وبشكل مباشر. لا بل وإنطلاقاً من هذا الضمير الحي، فأنا عندما أزور أرض الوطن وأتجول في قرانا، أطير فرحاً عندما أجد قريتي ألقوش التي ولدت فيها لايسكنها غرباء يعبثون بثراثا العريق ويغيرون معالمها التاريخية والمقدسة... وعندما تطئ قدمي على عتبة دير سيدة الزروع (دير خثايا) وأجده قائماً شامخاً ولم يمسخه بناء غريب بجانبه ... وعندما أجد المروج والمزراع المحيطة بالدير ولم يستولى عليها غريب بحجة إقامة مشاريع مفيدة للمصحلة العامة ... وعندما أبدأ بصعود الدرج الطويل والعالي لدير ربان هرمز (ديره علايا) الذي تعمذت أنا وكل أفراد عائلتي فيه، ومن هناك ومن خلال الأفق البعيد أرى قرية شرفية وهي صافية بأبناءها الخيارى ومصفية من الغرباء والعابثين بثراث القرية... عندذاك أجد نفسي في جنة الجنان فرحاً وسروراً. ولكن عندما أزور قرية أخرى وأجد فيها التشويه الحضاري لمعالم حضارة أبناء شعبنا ومحاولات إمحاء شخصيتها الكلدانية أو السريانية أو الآشورية عندذاك ألعن كل القرارات والقوانين التي تظلم أبناء أمتنا وأحاول بكل قوتي أن أقف ضد جرائم التغيير الديموغرافي لقرى وأراضي أبناء شعبنا.. عند ذاك أعطي لنفسي الحق في أن "أحشر أنفي" في هذه المسألة التي تمس هويتي وكياني مثلما تمس هوية وكيان أخي في هذه القرى.

من هذا المنطق نعيد ونكرر دعوتنا لـ "ممثلي" أمتنا في إستعمال سلاح الإستقالة من مناصبهم أو لنكون أقل إيمانا ونقول تجميد عضويتهم إحتجاجاً على الممارسات الإستبدادية تجاه أمتنا، عند ذاك سنرى كيف سيتحرك الرأي العالمي الذي بأعتقادي لم يعد لنا باب نطرقه للنظر في قضيتنا والبحث في المظالم بحق شعبنا غير هذا الرأي العالمي، عنذاك سيصبح منظماتنا وأحزابنا في المهجر أمام المحك لكي يلعبوا دورهم وفي تجيش جهودهم في أن يكون هذا الرأي العالم فاعلاً ومؤثرا..... صدقوني يا "ممثلي" أمتنا بإستقلاتكم من كراسيكم المتكسرة سوف يمنحكم أبناء شعبنا كراسي وثيرة في قلوبهم ويجب أيضا أن لا ننسى وأن نضع بعين الإعتبار موضوع الإنتخابات العامة في السنة المقبلة والخشية من سقوط رؤوس كبيرة أوفي أكثر الإحتمالات حصولهم على أدنى مستوى من الأصوات التي ستكون فعلاً مخجلة أمام الآخرين الظالمين لأبناء أمتنا ويعطيهم فرصة لتقزيم "ممثلي" أمتنا أكثر فأكثر والتمادي في سياسات الإستبدادية من دون وازع قانوني أو إخلاقي... هذه دعوة بريئة فهل من إستجابة بريئة وفاعلة؟؟

248
العمل القومي "الكلداني السرياني الآشوري"
نظرة مقارنة بين الوطن والمهجر
أبرم شبيرا
أولا : توطئة:
إيفاءاً بالوعد الذي قطعته لقراءنا الأعزاء في مناسبة سابقة في الكتابة عن موضوع العمل القومي السياسي لأبناء أمتنا، أكتب هذا الموضوع الذي يقوم على مقارنة العمل القومي بين الوطن والمهجر من خلال الحقائق القائمة في كلا المجتمعين وأسلوب عمل كل منهما والمحاور الأساسية المكونة لهما، أي جوهر الأهداف والحوافز التي تدفع المؤسسات والأفراد المهتمين بشؤون الأمة إلى الانخراط في العمل القومي. ولما كان هذا الموضوع مستمد مادته من الواقع المقارن بين المجتمعين، في الوطن والمهجر، ومنظور إلى هذا الواقع بنظرة شخصية خاصة لذلك فمن المؤكد أن تتعدد النظرات والأفكار والآراء حوله، ويفسح المجال واسعاً للتحليل والنقد والإضافات والتعليقات، وهو الهدف المتوخى من طرحه لأبناء مجتمعنا "الكلداني السرياني الآشوري"، وتحديداً المثقفين منهم والمهتمين بالشؤون القومية والسياسية، بهدف الوصول إلى نتائج متقاربة أو تحقيق الفائدة المرجوة منه في فهم حقيقة العمل القومي الآشوري الذي يعاني الكثير من العثرات والتراجع خاصة فيما يتعلق بمسألة التنسيق بين التنظيمات القومية الناشطة في الوطن وتلك العاملة في المهجر. لقد سبق وأن عالجنا هذا الموضوع وبشكل مفصل في كتابي المعنون (محطات فكرية على طريق العمل القومي الآشوري- نظرة مقارنة بين الوطن والمهجر، مطبعة ألفا غرافيك، شيكاغو – الولايات المتحدة الأمريكية، 2000) وأجرينا عليه بعض التعديلات والإضافات ليتلائم مع وقعنا القومي السياسي القائم.

المفهوم السياسي للعمل القومي :

ليس القصد بالسياسة هنا، تعريفها الأكاديمي وطبقاً لمعايير علم السياسة الذي يدرس في الجامعات، وإنما المراد بالسياسة هنا هو مفهومها الفلسفي القائم على الواقع والحقيقية ومن ثم على الممارسة التي لا يمكن للسياسة أن تقوم قائمة ما لم تكن هناك ممارسة. أي السياسة ليست علم أو أفكار فحسب وإنما يستوجبها فن وممارسة أيضا، لهذا قيل عن السياسة بأنها علم وفن، أو أفكار وعمل. أن أكثر المفاهيم شيوعاً عن هذا المعنى للسياسة هي اثنان:
السياسة هي فن الممكن :
المقصود بالممكن هنا هو الحقيقة أو الموضوع الموجود في الواقع الممكن تلمسه وتحسسه فيزيائياً وماديا، أي بهذا المقصد فأن الأرض أو بقعة جغرافية أو الوطن هو جوهر هذا الوجود في السياسة. فلا وجود للسياسة ما لم تكن هناك حقيقة ملموسة وموجودة على واقع الأرض فالأفكار وحدها لا تكفي هنا لاكتمال مفهوم السياسة. أما المقصود بالفن هنا فالمراد به هو قدرة التعامل مع هذا الواقع وبمدى توفر الإمكانية لتحقيق الأهداف على أرض الواقع. أي بعبارة أخرى، الأهداف لا تتحقق في الهواء والخيال وإنما يتطلب ذلك وجود واقع تقوم عليه وتتحقق فيه. فبالنسبة للعمل القومي "الكلداني السرياني الآشوري" في المهجر، إذا كان موضوعه أو واقعه كائن في "آشور" (لقد أخذنا آشور كوطن جغرافي لكل مكونات أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" وسنستمر إستخدامه لاحقاً لكونه أكثر شيوعاً في الفكر السياسي القومي) والتعامل لا يتم معه وإنما في واقع آخر بعيد عنه، حينذاك نكون إزاء عمل لا يمكن أن نطلق عليه واقعياً بالعمل السياسي طالما هو عمل عقيم لا يملك مقومات إنتاج نتائج أو تحقيق أهداف على الواقع البعيد عنه.
السياسة هي ديموغرافيا على جغرافيا:
المقصود بالديموغرافيا هو الشعب أو السكان أو مجموعة أفراد تربطهم صلة معينة، وعلى الغالب تكون صلة قومية أو وطنية، أما الجغرافيا فنقصد بها الأرض وتحديداً الوطن بالمفهوم السياسي والقانوني. ومن المنطق جداً أن الإنسان لا يتواجد على الأرض أو في الوطن بحالة استاتيكة جامدة ميتة وإنما يمارس نشاطات معينة فيه تخص الوطن أو الواقع الذي ينتمي إليه ويرتبط به ويدخل في علاقات اجتماعية أو سياسية مع غيره من أفراد مجموعته.  لهذا فالمقصود بـ "على" هو فوق، أي وجود الإنسان فوق الأرض بكل ما يعنيه هذا الوجود من نشاطات مختلفة الجوانب ومتعددة الأهداف. فوفق هذا المفهوم للسياسة نقول طالما الشعب أو السكان، أي "الكلدان السريان الآشوريين" المتواجدون في المهجر، هم على أرض غير أرض "آشور" وأن هذا الأخير في مكان يبتعد عنهم بمئات أو آلاف الأميال ويشكل في الحقيقة محوراً روحياً أساسياً لنشاطهم الذي يمارس على أرض أخرى غير الأرض المستهدفة من نشاطهم، فأن كل نشاطاتهم بهذا الخصوص تبقى بالدرجة الأولى وبشكلها العام غير واقعية في هذا السياق، أي لا يمكن التحقق منها ولا تستطيع تحقيق حتى الحد الأدنى من أهدافها المتمحورة حول "آشور". لهذا السبب تظل المؤسسات السياسية من أحزاب ومنظمات تدور في دائرة مفرغة لا طائل أو نتيجة حقيقية تفيد "آشور" من العويل والصراخ ورفع الشعارات البراقة ومن ثم انسراح العمل القومي في عالم الخيال والرومانسية.

على العكس مما تقدم ، فلو أتخذ "الكلدان السريان الآشوريون" في المهجر من واقعهم محوراً حقيقيا وماديا لعملهم القومي وحافظوا على "آشور" محوراً روحياً في مكانه مستلهما لهم ولمعنوياتهم وأفكارهم ومن دون سحب هذا المحور ونقله إلى واقع عملهم، والذي يعتبر أمراً مستحيلاً، لتحول نشاطهم القومي إلى سياسة حقيقية مثمرة قابلة لتحقيق أهداف على الواقع الذي يمارس هذا النشاط فيه. وبشكل أوضح أقول، فبدلا من انشغال هذه الأحزاب والمنظمات وتضيع جهودها وأموالها في "تحرير آشور" أو المطالبة بالحكم الذاتي للآشوريين في وطنهم التاريخي عليهم توجيه كل هذه النشاطات والجهود إلى واقعهم في المهجر واستهداف أمراض المجتمع وتقوية مقومات وجوده، وهي الأهداف التي يمكن تحقيقها وبيسر فيما لو تم تقويم العمل القومي ووضع ومورس في واقعه الحقيقي. وهذا أيضاً هو الذي يجعل من العمل القومي في المهجر أن لا يكون قاصراً على السياسة فحسب بل يشمل وبدرجة أكثر أهمية الجوانب الأخرى من اجتماعية وثقافية وفكرية وحتى اقتصادية ودينية، وهو السبب الذي يجعل الأندية الاجتماعية والمؤسسات غير "السياسية" والكنائس واللجان التابعة لها أكثر نشاطاً وتحقيقاً لأهدافها من الأحزاب والمؤسسات السياسية في بلدان المهجر.

مفهوم السياسة بين الوطن والمهجر:
هناك مسألة مهمة أخرى تجعل من العمل القومي أن يكون سياسياً في الوطن وأن لا يكون سياسياً في المهجر مأخوذاً من زاوية اختلاف طبيعة الأنظمة السياسية في كل من الوطن والمهجر. ففي المهجر السياسة هو كل نشاط متعلق بالسلطة السياسية أو مؤسساتها الحكومية بشكل مباشر أو غير مباشر. أي بعبارة أخرى السلطة السياسية لا تتدخل، أو لا يعنيها الكثير من الأمور التي تخص المحكومين إلا بقدر ما يعزز مكانة الحزب الحاكم أو يخدم سياسته، خاصة أثناء فترة الحملة الانتخابية. إضافة إلى ذلك فأن الأحزاب السياسية "الكلدانية السريانية الاشورية" في المهجر غير متسقة أو مندمجة أو لها دور في النظام الحزبي والسياسي للدولة ولا علاقة لها بموضوع السلطة أو الحكومة، لذلك لا يمكن اعتبار نشاطها كنشاط سياسي بالمفهوم الشائع عن السياسة في هذه البلدان. في حين على العكس من هذا ففي بلدان الشرق الأوسط، خاصة موطن "الكلدان السريان الآشوريين" الأصلي، الحياة كلها مسيسة وتتدخل السياسة حتى في أصغر الأمور وأبسطها، خاصة عندما تكون هذه الأمور في تعارض أو تناقض مع فكر أو سياسة الحزب أو الفئة المسيطرة على السلطة السياسية. ويزداد أمر تسيس كل جوانب الحياة أكثر بالنسبة للمجموعات التي لا تعبر السلطة السياسية عن إرادتها، أو الشعوب التي لم تكون بعد دولتها أو كيانها السياسي المستقل. وبقدر تعلق الأمر بأبناء أمتنا، فأن بمجرد تدريس لغة الأم أو إصدار نشرة أو مجلة أو إقامة مهرجان شعري أو إلقاء محاضرة أو حتى إقامة سفرة جماعية أو احتفال بمناسبة تراثية أو غناء أغنية تراثية وقومية، لا بل وحتى تسمية الأطفال بأسماء تراثية قومية، كانت مسائل سياسية مرفوضة بالنسبة لحزب البعث الحاكم في العراق لأن مثل هذه المسائل التي تعزز من ترسيخ المقومات القومية الخاصة لأبناء أمتنا، هي مسائل كانت تتعارض مع أيديولوجيته الداعية إلى صهر الأقليات في القومية العربية، وإن كان في بعض الأحيان، ولأسباب تكتيكية بحتة، قد يسمح بممارسة بعضها ولكن عندما تصل مثل هذه النشاطات إلى الخطوط الحمراء التي رسمها حولها يجهض عليها بلحظة واحدة. واليوم في العراق يكفي أن يتكلم أبناء أمتنا بلغتهم القومية السريانية لا بل يكفي أن يكونوا مسيحيين لكي يعاملهم البعض كنعصر سياسي يستوجب إمحاء وجودهم التاريخي في الوطن سواء بالتهجير أو بقطع الرؤوس. أما في دول المهجر فأن مثل هذه النشاطات لا تتخذ أية صفة سياسية ولا تتعارض مع فكر الحزب الحاكم لأن الوضع القومي "للكلدان السريان الآشوريين" لا يهمه أكثر مما يهم تعزيز مكانته في السلطة السياسية. وانطلاقاً من هذا المفهوم السياسي للعمل القومي، نرى بأن إمكانية ممارسته في المهجر، من خلال النشاطات التي مر ذكرها، هي أكثر بكثير من إمكانية ممارسته في أرض الوطن، التي يجب أن تستغل هذه الفرص من قبل المؤسسات والأحزاب السياسية في المهجر لتحقيق رسوخ مقومات الأمة وصيانتها من الإنصار والضياع.

الاغتراب ورومانسية العمل القومي في المهجر:
 مفهوم الاغتراب الوارد في هذا الموضوع ليس القصد منه ترك الوطن والهجرة إلى الخارج فحسب بل يعني النتائج التي تترتب من جراء هذه الهجرة على مستويات اجتماعية وفكرية وثقافية ونفسية. أي بعبارة أخرى أن مفهوم الاغتراب لا يتناول مسألة انتقال جسم الإنسان، إن صح التعبير، من مكان إلى مكان آخر مختلف وإنما يتطرق إلى الحالة العقلية التي ترتبت من جراء هذا الانتقال، وهو موضوع فلسفي عميق لا نريد الإسهاب فيه أكثر مما يفيد بعض تطبيقاته على الواقع أمتنا في المهجر وتأثيراته على مناهج وطرق العمل القومي. أن ترك الوطن والهجرة إلى الخارج يعني تجرد الفرد واقعياً وموضوعياً من الرابطة اليومية والحياتية التي كانت تربطه بالوطن ويعني أيضاً الكف عن العيش في العالم الواقعي لهذا الوطن والبدء بالانتقال إلى واقع أخر بعيد عنه يصبح هو عالمه الواقعي الذي يعيش ويمارس نشاطه فيه. أي بهذا المعنى أصبح له واقع جديد آخر بل وطن آخر بكل ما تعنيه هذه الكلمة من التزامات قانونية وسياسية وحقوق وواجبات، يختلف كلياً أو جزئياً عن الواقع أو الوطن السابق من نواحي عديدة ومختلفة، فهذا هو المهجر الذي له صفة دائمة ويختلف عن المنفى الذي له صفة مؤقتة. أن الذي يهمنا هنا هو القول بأنه ومن خلال استقراء بسيط للحالة الفكرية لأبناء أمتنا في المهجر يتأكد لدينا وبشكل قاطع بأن الوطن أو "آشور"  يشكل وبدون استثناء الجوهر الأساسي لمضمون العمل القومي في المهجر، سواء أكان المهتمون بهذا العمل أفراد أو منظمات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو علمية أو حتى فنية أو دينية، أو سواء أكانوا من العراق أو من سوريا أو تركيا أو إيران أو لبنان، فللكل يشكل الوطن "آشور" أساس وجوهر عملهم القومي، لا بل ومصدر انتماؤهم القومي أيضاً. أي يصبح الوطن "آشور" أكثر وجوداً في عقلهم ووجدانهم مما كان عليه في السابق. أنه موضوع فخر واعتزاز لنا جميعاً أن نرى بعض الأجيال التي ولدت في المهجر لا تزال تعترف وتعتز بانتماءها القومي رغم عدم قدرتها على إثبات هذا الانتماء ببراهين واقعية وقانونية كحال بقية الشعوب التي هاجرت أوطانها، ولكن المشكلة الأخرى هي أن هؤلاء الأقوام المهاجرة يختلفون عن "الكلدان السريان الآشوريين" لأن لهم كيانات سياسية وقانونية تشكل مصدراً سياسياً وإطاراً قانونيا وواقعياً أيضاً لانتمائهم القومي وتحصنهم من الضياع والذوبان في بلدان المهجر. المهم هنا هو التأكيد مرة أخرى بأنه رغم  بقاء "آشور" دائماً وأبداً مصدراً للانتماء القومي كظاهرة إيجابية ويستوجب ترسيخها في نفوس أبناء امتنا صغاراً وكباراً، فأن هذا يؤكد في بقاء "آشور" أيضا كمحور أساسي لمعظم نشاطات الآشوريين المختلفة في المهجر، خاصة السياسية منها التي تعنينا في هذا الموضوع. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: أين موقع "آشور" بالنسبة لهم من الحقيقة السياسية الموضوعية، باعتبار أن السياسة تتعامل مع الحقائق كما هي في الأرض والواقع ولا يعنيها شيئاً من أمر العواطف والمشاعر والتمنيات ؟؟ هل له وجود ملموس ومحسوس حتى يتم التعامل معه؟؟    

 أن الابتعاد عن الوطن أو "آشور" أو "بيت نهرين" وهجره يعني ترك "الكداني السرياني الآشوري" وطنه الذي لم يعد قائماً معه أو يعيش فيه بعد الهجرة، أي بعبارة أخرى، أنه تم نقل وتحويل الوطن الأصلي "آشور" من عالم الواقع والموضوع إلى عالم معنوي وذاتي أو فكري غير موضوعي أو واقعي أو حقيقي للمشتغلين بالمسائل القومية في المهجر أو حتى بالنسبة للأفراد العاديين، أي أن "آشور"  بقى المحور الأساسي لمعظم نشاطاتهم القومية في الوقت الذي يعيش هؤلاء ويعملون في واقع آخر يبتعد عن "آشور" أو "بيت نهرين" آلاف الأميال. لقد دلت أحدث الدراسات السوسيولوجية عن هجرة الشعوب وترك أوطانهم، بأن الوطن يظل على الدوام مشرقاً في عيني المهاجر وساكناً في عقله ويعيش في خياله عندما يصبح في الغربة بعد عجزه عن العيش في واقع الوطن، وهي الحالة التي تنطبق على أبناء أمتنا بحذافيرها، أي بعبارة أخرى، في الماضي كان يعيشون في "آشور" وفي المهجر أصبح "آشور" يعيش فيهم.

 فهذا الاغتراب، أي وجود الموضوع أو الواقع في مكان والنشاط الخاص به في مكان آخر، هو الذي أدى إلى أن يكون "آشور" محوراً روحياً لهم وليس واقعياً، وهو المحور الذي يؤدي بالنتيجة إلى سيادة وهيمنة الطابع الرومانسي والخيالي والطقسي على العمل القومي في المهجر ومن ثم ابتعاده عن الواقعية وعن إمكانية تحقيق المهمات التي أصبحت مستحيلة. فإذا كان بقاء واستمرار "آشور" كمحور روحي للعقل والنشاط في المهجر هو ظاهرة إيجابية لها دلالات تؤكد امتلاك أبناء أمتنا لعنصر "الأرض"، سواء أكان واقعياً أو روحياً، كمقوم من مقومات الوجود القومي أينما كان ذلك سواء على هذه الأرض أم بعيدين عنها، وهي الظاهرة التي يستوجب ترسيخها وزرعها وعلى الدوام في أبناء مجتمعنا وفي أطفالهم، فأن الجانب السلبي المرتبط بهذا العنصر يتمثل في جـر وسحب هذا المحور الروحي ومحاولة نقله أو إنزاله إلى واقع أخر مختلف كلياً ومن ثم بناء عليه نشاطهم القومي، وهو مجرد عنصر روحي ومعنوي بالنسبة لهم في المهجر والذي يؤدي بالنتيجة إلى اكتساب هذا العمل طابعاً خيالياً رومانسياً بعيداً عن الواقع  العملي الذي يعيشون فيه ومن ثم عدم اتساقه معه أو انتظامه بشكل يتناسب مع طموحات أو أنماط تفكير أبناء المجتمع في المهجر. من هنا يستوجب تعديل موازين العمل القومي في المهجر بحيث يبقي على "آشور" محوراً روحياً معززاً بين الكبار والصغار من جهة، وأن يجعل من الواقع الاجتماعي في المهجر بكل أمراضه العشائرية والقريوية والطائفية والأنانية والتحزبية والمصلحية والأخلاقية محوراً واقعياً ومنطقياً للعمل القومي من جهة أخرى. أي بهذا المعنى سنكون إزاء ممارسة سياسية حقيقية واقعية لا رومانسية خيالية. وإذا حاولنا قياس أو معرفة الجانب السياسي والواقعي لهذه الممارسة يستوجب عليها فهمها وفق مفهوم السياسة الذي لخصنا فيه في السطور السابقة.

واقعية العمل القومي في الوطن :
إذا كان "آشور" محوراً روحياً ومعنوياً لأبناء أمتنا في المهجر فأنه ليس كذلك وحسب بالنسبة للصامدين في الوطن، بل أن الأمر يختلف عما هو عليه في المهجر. فبالإضافة إلى كون "آشور" بعداً تاريخياً وحضارياًً، فهو أيضاً يعتبر وبالدرجة الأولى محوراً واقعياً لفكرهم ونشاطهم والأساس المادي الذي يرتكز عليه عملهم القومي والذي يلتصق به ويندمج معه من دون أن يترك فسحة للإنسراح  في عالم الخيال والرومانسية. لهذا السبب يكتسب العمل القومي في الوطن واقعية ومنطقية يتناسق مع واقعية محور "آشور" باعتباره حقيقة واقعية موجودة على الأرض يمارسون نشاطهم عليها ويعيشون في هذا الوطن، وبالتالي يكون عملهم عملاً قومياً سياسياً قابل لتحقيق المفيد والملموس لهذه الأمة، وبالنتيجة تكتسب مؤسساتهم وأحزابهم قبولاً واحتراماً لكونها مؤسسات وأحزاب قادرة على تجسيد شيئاً من ما تقوله أو تعلنه في شعاراتها القومية والسياسية وتستطيع تطبيقه على أرض الواقع عند توفر الظروف السياسية المناسبة لذلك. لهذا السبب يحق لنا أن نقول بأن هذه المؤسسات  تمارس السياسة في نشاطها القومي طالما أنطبق عليها مفهوم السياسة في كونها فن الممكن، لأنها تمارس ما هو ممكن على الواقع وليس في الخيال البعيد، كما ينطبق عليها مفهوم السياسة في كونها ديموغرافيا على جغرافيا، أي وجود إمكانية ممارسة أبناء أمتنا لنشاطهم على أرض الوطن المعبر عن كيانهم والذي يستمد منه هوية انتماؤهم القومي.

تكامل العمل القومي بين الوطن والمهجر:
ربما يتوهم البعض بأنني حاولت بتفسيراتي المذكورة أعلاه تجريد أبناء أمتنا في المهجر من وطنهم "آشور" أو " بيت نهرين" ومنحتهم وطن آخر بديل عنهم في المهجر وأنهم مهما عملوا وناضلوا في المهجر من أجل الأمة فأن هذا لا ينفع أخوتهم في الوطن … كلا  … لم أقصد هذا إطلاقاً بل على العكس من هذا فأنني أريد التأكيد بأن "الكلدان السريان الآشوريين" في المهجر يمكن أن يعملوا كثير الكثير لوطنهم ولأخوتهم  الصامدين فيه وأن يكون عملهم القومي أكثر واقعية وبالتالي أكثر مثمراً ومحققاً لأهدافهم سواء في المهجر أم في الوطن فيما إذا فهم أو عمل كل طرف على الطريق الصحيح للعمل القومي الذي يجب أن يقوم على واقعية ملموسة حتى تكون الأهداف ممكنة التحقيق على أرض الواقع. لهذا السبب أنه من الضروري جداً الانتباه إلى الحقيقة التي دفعتنا إلى اعتبار " آشور " محوراً روحياً ورفضنا سحبه إلى الواقع القائم في المهجر ليكون واقع العمل القومي، وكذلك عندما اعتبرنا نفس "آشور "محوراً واقعياً لأبناءنا في الوطن ومن ثم بناء أسس عملهم القومي على هذا المحور. أي بعبارة أخرى، يجب أن لا نتوهم بأن هناك انفصال وانقطاع بين المحورين وبين الأسلوبين في العمل القومي، فالروح لا يمكن أن تنقطع أو تنفصل عن الواقع بل تظل مرتبطة به تمثل الجانب الميتافيزيقي لواقعية الحياة، وهي مسألة فلسفية تتصارع حولها المدارس الفكرية في المادية والمثالية ولا نريد الانجرار خلفها .

ولكن أيضا من الضروري أن نفهم بأن الربط العضوي بين الروح والمادة لا يمنعنا من التمييز بين كل جانب من جوانب الظاهرة الاجتماعية. لذلك فإذا كانت متطلبات البحث والفائدة المتوخاة من نتائج العمل القومي سواء في الوطن أم في المهجر قد فرضت علينا ضرورة التمييز والفصل بين المحورين الروحي والواقعي فأن التأكيد المشدد يتطلب الإشارة إلى أن نفهم طبيعة العلاقة الجدلية بين المحورين وتناسقهما ومن ثم تكامل كل محور للمحور الآخر فيما لو وضعا في مسارهما الصحيح، خاصة بالنسبة لمسار أسلوب العمل القومي في المهجر والذي يعاني الكثير من الخلل والعجز في فهم واقعه الأساسي ومن ثم فقدان الفرص الثمينة التي توفرها بلدان المهجر والممكن استثمارها لخدمة أبناء الأمة لو نزلت المؤسسات "الكلدانية السريانية الآشورية" السياسية من العالم الرومانسي إلى العالم الواقعي.

ولكن أيضا من الضروري الانتباه والتذكير بأن التكامل هو غير الاندماج والخلط أو المزج، أي بعبارة أوضح إن العمل القومي في المهجر يجب أن يتكامل ويتناسق مع العمل القومي في الوطن لا أن يندمج به أو يختلط معه، أي بمعنى إن مسألة " تحرير آشور" أو المطالبة بالحكم الذاتي  أو التنسيق والتعاون مع القوى السياسية للقوميات الأخرى لضمان حقوق أبناء أمتنا أو الاتصال والتعامل مع الحكومات المعنية هي من المتطلبات الأولية في العمل القومي بالنسبة  للأحزاب والمنظمات القومية في أرض الوطن باعتبارها اللاعب الرئيسي والمباشر على الساحة السياسية لأمتنا. في حين يجب أن تكون الأحزاب والمنظمات أو المؤسسات القومية في المهجر اللاعب غير الرئيسي وغير المباشر فيما يخص هذه المسائل   باعتبارها مسائل غير قائمة في الواقع الفعلي الذي تعيش وتعمل وتنشط فيه. فمهما رفعت من شعارات قومية براقة، سواء أكانت صادقة أم منمقة، فأنها لا تستطيع من الناحية الواقعية أن ترفع حجر وتضعه على حجر من أجل بناء جدار لبيت مهدم في قرية من قرانا في شمال الوطن، كما لا يتمكن أي من أعضاءها أن يعلم حرفاً واحدا في المدارس السريانية هناك. ولكن بالمقابل تستطيع هذه الأحزاب أن تعمل كثير الكثير وبشكل فعال ومثمر من خلال مساندة ودعم القائمين على هذه الشؤون في الوطن وبمختلف الوسائل والمجالات والكثير منها معروفة للجميع، لذلك فأن دورها هنا يكون مكملاً لدور المنظمات والأحزاب الآشورية على أرض الوطن ومسانداً لها، وهو الدور الذي يستوجبه الكثير من التنسيق والتناغم حتى يتكامل العمل القومي بشكل صحيح وواقعي.

وانطلاقاً من هذه الأدوار المحددة ضمن إطار الدور المباشر وغير المباشر لكل طرف، يمكن القول بأنه لا يجوز منطقياً أن يرفع حزب سياسي شعار رومانسي في "تحرير آشور" أو تدعو منظمة قومية إلى المطالبة بالحقوق القومية للآشوريين أو بالحكم الذاتي في الوطن في الوقت الذي جميع أعضاءها وحتى قياداتها قائمة وتعيش في المهجر وبعضهم لم تطأ قدمهم أرض آشور أو ليس لهم ولا عضو مرتبط بتنظيمهم يمثلهم في أرض الوطن، لا بل فالبعض الآخر يرغب في التفاوض مع القوى السياسية العراقية أو يحاول حشر نفسه في الإنتخابات. هذا الأسلوب هو الذي جعل من العمل القومي في المهجر أن يتصف في عموميته بنوع من الرومانسية ويبتعد عن الواقعية خاصة عندما يترك واقعه الأصلي في المهجر ويتخلى عن التنسيق والتكامل مع العمل القومي للمنظمات والأحزاب الآشورية الناشطة على أرض الوطن ومن ثم تخفق في تحقيق النتائج المفيدة والملموسة. إن الأحزاب والمنظمات النبيلة والمخلصة لأبناء أمتنا في المهجر يمكن أن تكون أكثر نفعاً وسنداً لأخوتهم في الوطن لو كان عملهم يستند على واقعهم الحقيقي في المهجر وليس على الخيال البعيد المنال وعليها أن تستغل واقعها لا أن تنفلت منه نحو واقع آخر لا تعيش فيه، أي عليها أن لا تضيع  الممكن من أجل غير الممكن.

هكذا من الممكن أن تكون المؤسسات الآشورية في المهجر أكثر دعماً ومساندة للآشوريين سواء في المهجر نفسه أم في الوطن عندما يكون أسلوب عملها القومي أكثر واقعية ومنطقياً يتوافق مع الظروف الخاصة السائدة في كل بلد من بلدان المهجر وأن تنخرط في العمل السياسي في بلدان المهجر وأن تكون قوة ضاغطة على حكومات هذه البلدان لمصلحة أخوتهم في الوطن. من هذا المنطلق لا نستغرب أن  نرى الأندية والجمعيات "غير السياسية" في المهجر والتي لا ترفع شعارات رومانسية بأنها أكثر واقعية في نشاطها وتحقيقاً لأهدافها من الأحزاب والمنظمات السياسية، وهي أيضاً أكثر تنسيقاً وتكاملاً ومساندة وعلاقة مع الأحزاب والمنظمات القومية في أرض الوطن، والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى صفة الواقعية التي تجمع بين كلا الطرفين، في حين على العكس من هذا فأن الأحزاب والمنظمات السياسية في المهجر أقل، أن لم يكن معدوماً، تعاوناً وتنسيقاً وعلاقة مع غيرها في أرض الوطن، وحتى إذا وجدنا جوانب من هذا التعاون والتنسيق فأنه يكون لفترة قصيرة وسرعان ما يختفي والسبب يعود إلى الصفة الرومانسية لعملها القومي الذي لا يتسق أو ينتظم مع الصفة الواقعية الذي يتسم به عمل الأحزاب والمنظمات السياسية في أرض الوطن.

هذا من جانب واحد، ولكن هناك جانب آخر يجب أن لا يفوتنا وهو أن اشتراك أحزاب الوطن مع أحزاب المهجر في ساحة سياسية ضيقة المعالم والآفاق وافتقارهم إلى برنامج محدد لمصلحة الأمة، مضافاً إليه تغلب المسائل الشخصية للقيادات على المبادئ الحزبية والقومية وتوجيه سياسات الحزب طبقاً لأهواء القيادات الفردية المتضاربة كلها عوامل أخرى  تؤدي بالنتيجة والحتم إلى العجز في الوصول حتى إلى الحد الأدنى من التنسيق والتفاهم. ومن الظاهر أن هذا الفشل لا يحصل بين الأحزاب المتنافسة فحسب وإنما أيضا بين الأحزاب "الصديقة" و "المتفاهمة"، سواء أكان برغبتهم أو بدونها، بقصد أو بغير قصد، والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى اختلاف طبيعة وواقع كل واحد منهم الذي تنطلق منه سياساتهم ومفاهيم حول المصلحة القومية وكيفية تحديدها والعمل على تحقيقها وعدم قدرة كل طرف على فهم واقع الطرف الآخر. هذه هي الأسباب الرئيسية التي تحول دون قيام أو فشل جميع محاولات تشكيل جبهات أو تحالفات بين الأحزاب السياسية، ولا نستغرب أيضاً بأن هناك بعض الجبهات بين هذه الأحزاب رغم أنها لم تلغى رسمياً إلا أنها في حكم الميت أو المنتهي التي لا نشاط لها إطلاقاً، وأن كان، فهذا لا يتجاوز حدود بيان أو منشور في مناسبة قد لا يتكرر مرة أخرى.    

إذا كان من المفترض، كما سبق وأن ذكرنا، أن تكون الأحزاب السياسية الآشورية في الوطن هي اللاعب الرئيسي في المجتمع الآشوري باعتبارها تقوم وتنشط في واقع موضوعي وحقيقي لـ "آشور" لأنها تكتسب واقعيتها منه، فأنه بالمقابل أيضا يجب أن تكون الأحزاب والمنظمات السياسية في المهجر اللاعب الرئيسي والفاعل في مجتمع المهجر لان هذا الأخير هو واقعها الذي تعيش وتنشط فيه والتي من المفترض أن تكتسب واقعيتها منه وتعرف كل خفاياه وأسراره المؤثرة سلباً وإيجاباً  في طبيعة تطور هذا المجتمع وفي جوانب عديدة من حياة أفراده. فعندما تتعامل هذه الأحزاب والمنظمات القومية مع الواقع وتسعى في عملها القومي إلى معالجة المشاكل والأمراض التي يعاني منها المجتمع، كالعشائرية والقريوية والطائفية والأنانية والتحلل العائلي وغيرها وتدعو أو تعمل على التضامن الاجتماعي ونشر الوعي القومي وتصعيد  معنويات الأفراد وتحصينهم من الضياع والانصهار وتقوية الأواصر الروحية بوطن الأم "بيت نهرين"، لا بل والسعي أيضا إلى مساعدة المحتاجين وتدعيم ركائزهم الاقتصادية والمعاشية والعائلية ومساندة الطلاب وتشجيعهم على مواصلة تعليمهم وحثهم على الانخراط في النشاطات القومية والثقافية بما فيه المساهمة في إنشاء مدراس قومية أو القيام بحملة تدريس لغة الأم أو المساهمة في طبع الكتب ودعم الكتاب والشعراء والترويج لنتاجاتهم الثقافية  والفكرية وغيرها من المجالات التي تزخر بها مجتمعات المهجر، حينذاك تسلك المنظمات والأحزاب "الكلدانية السريانية الآشورية" في المهجر سلوكاً صحيحاً وواقعيا في العمل القومي وهو العمل الذي لا يساهم في تدعيم ركائز المجتمع وتطويره في المهجر فحسب، وإنما أيضاً يساهم  مساهمة فاعلة وغير مباشرة في مساندة المجتمع  في أرض الوطن ويدعم دعماً منطقياً وقويماً للعمل القومي والمنظمات والأحزاب الفاعلة على أرض آشور. فكلما كان المجتمع في المهجر معافياً راسخاً سائراً على دروب التطور والتقدم الصحيحة وتعمل الأحزاب والمنظمات ضمن هذا الإطار كلما زاد ذلك من دعم وإسناد نضال أبناء امتنا ومنظماتهم وأحزابهم في أرض الوطن وعلى مختلف الأصعدة السياسية والإعلامية والثقافية والاقتصادية. فهذا التكامل في العمل القومي  يفرض ضرورة تخصص المنظمات والأحزاب السياسية ضمن إطار واقعها الحقيقي، أو الجغرافي أن صح التعبير، وهو التخصص الذي يخلق التعاون والتنسيق المناسب والمثالي بين أبناء امتنا ومنظماتهم وأحزابهم في المهجر والوطن ويتم من خلاله تحقيق أهداف الأمة "الكلدانية السريانية الآشورية".

يجب على الأحزاب السياسية والمنظمات القومية في المهجر أن تعلب دوراً مهماً وأساسياً في مسألة تكامل أفراد المجتمع "اللكداني السرياني الآشوري"  مع غيرهم من المجتمعات وأنظمتهم السياسية والقانونية ويجب عدم إغفالها من جدول أولياتهم. والمقصود بالتكامل هو ضرورة معرفة أسرار وخفايا وأنظمة وتوجهات وسياسات هذه المجتمعات ومن ثم النفاذ من خلالها للوصول إلى مواقع سياسية واقتصادية وعلمية مؤثرة يمكن استغلالها لخدمة أمتنا ليس في المهجر فحسب وإنما أيضا في الوطن. والتكامل قد يتخذ أشكال مختلفة مثل تشجيع الطلاب  ودعمهم لمواصلة الدراسة وتحصيل الشهادات الجامعية العليا ومن ثم تبوئهم لمناصب مؤثرة أو محاولة دفع أبناء امتنا للإنتماء إلى الأحزاب السياسية العامة في بلدان المهجر أو عقد تحالفات دعم ومساندة لهم في الحملات الانتخابية، خاصة في المناطق التي يتركزون فيها بكثافة، كولاية ألينوي ومشيغان وكاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية و منطقة سميثفيلد في أستراليا ومنطقة إيلينك في لندن وسودورتاليا في السويد وغيرهم، أو ترشيح عناصر كفوءة من أبناء أمتنا إلى عضوية مجالس البلديات أو الحكومات المحلية أو المركزية وغيرها من المؤسسات السياسية والحكومية والشعبية حتى تتمكن من موقعها ممارسة الضغط لتحقيق بعض الأهداف المفيدة لأبناء أمتنا. وهناك مثال نموذجي في هذا السياق، وهو من السويد، إذ تمكن أبناء أمتنا من خلال تواجدهم المركز في ستوكهولم من ترشيح المحامي يلماز كريمو، وهو من أنصار، أو كما أعتقد عضو في المنظمة الآثورية الديمقراطية، ممثلاً عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي ومن ثم فوزه في الانتخابات العامة لسنة 1998 بمقعد في البرلمان السويدي ومن موقعه هذا حاول ويحاول على الدوام تحقيق مطالب أبناء أمتنا ودعم قضاياهم العادلة سواء في السويد أو خارجها. والبرلمانية آنًا إيشو في الكونغرس الأمريكي نموذج آخر في هذا السياق. هذه نماذج مثالية في كيفية تكامل "الكلدان السريان الآشوريين" في مجتمعات المهجر ويجب أن يحتدى بها في بلدان أخرى وأن تعمل الأحزاب السياسية والمنظمات القومية"الكلدانية السريانية الآشوري" بهذا الإتجاه خدمة لأبناء الأمة أينما كانوا سواء في الوطن أم المهجر.

249
إقتراح ودعوة – رقم 2
=====================

                                                                                                                                          أبرم شبيرا
توطئة:
ــــــ

نشر رابي نينوس بتيو أحد مؤسسي الحركة الديموقراطية الآشورية وسكرتيرها الأقدم في موقع عنكاوة إقتراح ودعوة إلى الأعضاء القياديين السابقين والتاركين والمفصولين والمستقلين لتأسيس حزب جديد منافس لزوعا وشمل هذا الإقتراح والدعوة أيضا من يهمه الأمر والمهتمين بمسيرة العمل القومي الوطني لشعبنا الكلدو الآشوري والحريصين على تقدم هذه المسيرة وتطورها فوجدت نفسي بشكل أو بآخر بأنني معني بهذا الإقتراح والدعوة فبادرت من جانبي بيان بعض من إهتماماتي بمسيرة العمل القومي لأمتنا ولزوعا أيضا على الرغم من إيماني بأنه كان من المستحسن لرابي نينوس أن يفاتح هؤلاء بشكل مباشربهذا المقترح وهم المقربين إليه أحسن مما ينشره على عامة الناس ويجنبنا نحن من "دس أنوفنا" في مسائل الآخرين.

المعضلة – Dilemma :
ـــــــــــــــ

أصعب حالة يمر المرء بها هو عندما يقع في منتصف تيارين متعاكسين أو متضاربين فيصبح في دوامة يصعب عليه جداً أن لم يكن مستحيلاً أن ينحاز إلى هذا الطرف أو ذاك، وهي الحالة التي  يطلق عليها بالمعضلة وباللغة الإنكليزية ( Dilemma ) فيكون المرء والحالة هذه في ورطة فما أن يحاول أن يعالج الوضع حتى يقع في تناقضات تكون نتائجها سلبية سواء على هذا الطرف أو ذاك. وهي الحالة التي لمسناها من إقتراح ودعوة رابي نينوس بتيو إلى تأسيس تنظيم منافس للحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) من قبل الأعضاء القياديين والمؤسسين القدامى لزوعا الذين ظلوا مرتبطين فكرياً ولكن منقطعين أو مستقلين تنظيمياً عن زوعا. وهي الحالة التي أشعر بها وأجد نفسي شخصياً وفكرياً في معظلة صعبة لا حلول لها في المنظور الحالي لأن كلا الجانبين، القادة القدامى والمستقلين والتاركين لزوعا بأعتبارهم أقرب الأصدقاء لي شخصياً وفكرياً من جهة وإرتباطي الفكري بزوعا وإيماني المطلق بمسيرتها النضالية وببعض قادتها الحاليين من جهة أخرى. فالتوازن الذي يقوم عليه بناء مسيرة حركتنا القومية أمر خطير والحفاظ عليه في غاية الأهمية وأية إخلال به لصالح أحد الطرفين فالنتيجة لا محال هي إضرار كبيرة للمسيرة كلل وليس لطرف واحد.

 فرابي نينوس من جهة، باعتباره من مؤسسي زوعا ومن أوائل قادتها خاض نضالاً شاقاً عبر مراحل مسيرة زوعا الشاقة، يعتز أيما إعتزاز بزوعا كحركة قومية مشروعة مؤهلة فكرياً وتنظيماً في تقدم مسيرة شعبنا نحو حقوقه المشروعة"، ومن جهة ثانية فهو يعول على تواصل قادة زوعا السابقين والتاركين والمستقلين ويستند في تعويله هذا على معرفته الدقيقة والتفصيلة بهم من جراء العمل معهم لسنوات طويلة في مراحل النضال السري والصعب ومن خلال هذه التجربة يستطيع رابي نينوس أن يقيم قدراتهم وإمكانياتهم الفكرية والمبدئية ومدى إستعدادهم للتضحية والفداء. أي بهذه المعنى وبهذه الدعوة لتأسيس تنظيم آخر منافس لزوعا  ويعمل معها ضمن الأطر المشروعة والمقبولة كتنظيم تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية، لا يعني إلا أن هؤلاء "المحاربين القدماء" لهم إمكانيات فكرية وتنظيمية للقيام بمثل هذه المهمة. هذه هي المعضلة التي وقع فيها رابي نينوس، فهو من جهة يقيم زوعا تقيماً ثميناً في كونها مؤهلة في قيادة مسيرة أمتنا ومن جهة أخرى يدعو التاركين والمستقلين من القادة السابقين لزوعا إلى تأسيس تنظيم آخر منافس لا يستبعد أن يكون قوياً بسبب الخبرات والتجارب السابقة لهم في هذا المجال. من هنا يأتي التساؤل وهو أين وجه المعضلة التي وقع فيها رابي نينوس؟؟ وأين الضرر من هذا المقترح والدعوة؟؟؟ أفهل فعلاً نحن هذه الأمة الصغيرة والبسيطة بحاجة لمزيد من الأحزاب السياسية والساحة مكتظة بهم؟ أم هذا المقترح هو فعلاً إنشقاق في زوعا؟

هذا الموضوع سبق وأن تم مناقشته وطرحه سواء بشكل مباشر إلى قيادة زوعا على شكل مقترحات مفيدة لزوعا وقادتها ولكن يظهر بأنه لم يلقي أذان صاغية كما أنه طرح بشكل غير مباشر وعن طريق نشر بعض المواضيع المتعقلة بالقيادة الجماعية لزوعا في المواقع الألكترونية العامة.

زوعا والخلافات الداخلية:
ــــــــــــــــ

لقد سبق وذكرنا في أحدى مقترحاتنا لقيادة زوعا بعض المفاهيم النظرية في مسألة الخلافات والإنشقاقات الحزبية ومدى تطابقها على زوعا ونستل منها بعض المفيد منه في هذا الموضوع:
 نحن أمة صغيرة تحمل أرثاً تاريخياً ثقيلاً جداً و تتعايش مع واقع صعب للغاية،  ولكن من جهة أخرى نحن أمة بسيطة في تفكيرها وتطلعاتها الطموحة وبالتالي فأن الإختلافات والتناقضات الفكرية والقومية تكون بسيطة بين أبناء الأمة وتنحصر هذه التناقضات في مصدرها ألأساسي وهي الكنيسة والطائفة وأحياناً العشيرة أو القرية، وهو الموضوع الذي لا يعنينا كثيرا هنا رغم أهميته وخطورته على الفكر القومي. أي بعبارة أخرى نقول بأن جميع الأحزاب والتنظيمات التابعة لأمتنا تجمعهم تقريباً نفس الأفكار ولا توجد بينهم خلافات أو تناقضات سياسية وأيديولوجية، وما بينهم إلا بعض الخلافات قد تكون فردية أو تنظيمية أو فرضتها بعض الظروف أثناء الممارسة السياسية. والحالة هذه تنطبق أيضا على الجانب الداخلي لتنظيمات أمتنا. فكل الإنشقاقات التي حدثت في هذه التنظيمات لم تكن لإسباب فكرية وأيديولوجية بل في أغلبها كانت شخصية أو مبنية على مواقف سياسية معينة مرتبطة بمرحلة زمنية معينة. وزوعا مثال على ذلك إذ لا يوجد بين أعضاء القيادة أو بين القاعدة  خلافات أو تناقضات فكرية أو سياسية او أيدولوجية. فقد أثبتت الأيام بأن زوعا عبر مسيرتها الشاقة والطويلة وبحنكة وتفكير عميق استطاعت أن تتجاوز صعوبات إتخاذ قرارات مهمة وخطيرة مثل تبني التسمية المركبة لأمتنا كمخرج للمطالبة بحقوقنا القومية وأعتماد السريانية التسمية الرسمية للغتنا ودخولها في مفاوضات مع مختلف القوى الوطنية العراقية وتوصلها إلى إتفاقات رغم الإختلافات الفكرية معهم، ولعل الأهم من كل هذا هو المبادرة التي أطلقتها زوعا ونفذتها وشاركت في تشكيل تجمع للتنظيمات السياسية الكلدانية والسريانية والآشورية. لهذا السبب لم نرى في زوعا إنشقاقات فكرية وسياسية وخروج أو طرد بعض من أعضاء قيادتها ومن ثم تشكيلهم لحزب أو تنظيم آخر منافس أو معادي لزوعا وإن كان أحد أو بعض من هؤلاء قد لجئوا إلى أعلان تشكيل مثل هذا التنظيم، كما كان الحال مع ما كان يسمى بـ "الحركة الديمقراطية الآشورية – التيار الوطني" فأنه سرعان ما تلاشى ولم يظهر على الساحة القومية لأنه لم يكن لتنظيمهم أي أساس فكري بل كل ما كان هناك هو إختلافات شخصية مع قيادة زوعا ولم تكن فكرية إطلاقاً. والحال هذه تنطبق تقريباً على معظم الأحزاب السياسية في العالم فالذين خرجوا من حزبهم وأسسوا حزب آخر لم يستطيع مجاراة الحزب الأول وبالتالي لم يكتب له النجاح على المدى البعيد وسرعان ما أختفى من الساحة السياسية. وفي تاريخ مسيرة أحزابنا السياسية نماذج معروفة في هذا السياق.
فعلى هذا الأساس نؤكد القول بأن كل الإنتقادات والخلافات التي ظهرت في السنوات القليلة الماضية بين قيادي زوعا لم تكن فكرية سياسية بل وبالدرجة الأولى كانت تنظيمية وعلى مستوى القيادة أن لم تكن شخصية صرفة. وقد يكون البعض من هذه الإختلافات نابعة من مواقف تجاه سياسة معينة أو قرار سياسي يستوجب إتخاذه من قبل القيادة ولكن لم تشكل في حينها أية خطورة أو وضع يؤدي إلى إنشقاق في زوعا والخروج منها وتأسيس حزب آخر.
 ومن الطبيعي جداً أن يكون مثل هذه الإنتقادات موجهة بالأساس على الأشياء أو الظواهر البارزة، أي بعبارة أخرى تكون موجهة إلى قمة قيادة زوعا أو سكرتيرها العام ومن يحوم حوله. وهذه الحالة نلمسها بشكل مباشرة وواضح من خلال لقاءنا وأحاديثنا مع القادة السابقين والتاركين والمستقلين والمفصولين. فلو أفترضنا إقتراضاً منطقياً حول تنحى السكرتير العام رابي يونادم كنا وربما البعض القليل الذين يحومون حوله من مواقعهم القيادية فأنا متأكد تأكيداً مطلقا وأيضاً الكثير من المهتمين بهذه المسألة القومية بأن مثل هذه الخلافات بين هؤلاء وقيادة زوعا ستزول وفكرة تأسيس حزب جديد ستبقى بدون معنى وستختفي نهائياً.   
ولكن الضرورة تفرض نفسها للقول بأن هذه الإنتقادات والإختلافات الفردية أو "المواقفية" إن صح التعبير سوف تشكل خطورة إذا أستمرت وتواصلت وتداخلت مع إختلافات أخرى إذا لم تحل بالطرق الموضوعية والممارسات الديمقراطية فقد تتطور وتصل إلى حدود الإنشقاقات وبالتالي إلى ظهور ظاهرة الشللية والتكتل الداخلي الضيق أو إنفراد فرد أو أكثر بالسلطة في القيادة والذي سيكون حتماً عاملاً خطيرا في تعثر مسيرة زوعا والوصول إلى نتائج لا تحمد عواقبها ومن ثم ظهور حزب آخر منافس لا يختلف عنه إلا بالأسم والشعارات أما الأفكار والسياسات ستبقى كما هي وبالتالي فالخاسر الأول والأخير هو الأمة نفسها وذلك من جراء إزدياد التنافس الحزبي حدته في الساحة السياسية القومية والتي هي بالأساس مساحتها ضيفة تعج باللاعبين السياسين وهم أكثر بكثير عن حاجة الأمة لهم... أفهل حقاً نحن بحاجة إلى حزب آخر حتى نضيق ساحة الأمة ويزيد من سعير التنافس والتطاحن الحزبي ونحن جميعاً نحس ونلمس مواقف "اللامبالية" لأبناء أمتنا تجاه أحزابنا السياسية وتناقص أهتماهم بالمسائل القومية السياسية في زحمة "نضالهم" من أجل لقة العيش وضمان حياتهم من فعل الإرهاب الذي يحيط بهم في كل مكان في أرض الوطن؟؟
أن جوهر ومضمون مقترح ودعوة رابي نينوس في تأسيس حزب آخر مقابل زوعا قائم أساساً على وجود خلاف في مسألة تتنظيم زوعا وقيادتها وليس في فكر ومسيرة زوعا وهو الأمر الذي بيناه في أعلاه وبشكل مختصر وإن مثل هذا  التنظيم سوف لا يكتب له النجاح في الأمد القادم ليس لكونه سيحمل نفس أفكار وسياسات زوعا ولا يأتي بالجديد فحسب بل أن الوضع الحالي لأبناء أمتنا غير مستعدة لقبول حزب جديد على الساحة السياسية. حتى لو أفترضنا أن مثل هذا الحزب المنافس قد تأسس فأنه سيزيد من المشاحنات مع زوعا ولا يبتعد عنها وسيكون الحال بعكس ما يعتقده رابي نينوس في أن مثل هذه المشاحنات ستبتعد وأنه سيكون لصالح العمل القومي وفي أطار التنافس الإيجابي بين زوعا وهذا الحزب. أن مثل هذا الأمر لم يحدث لا في الماضي ولا في الحاضر في مجتمعنا ولا في مجتمعات العالم، فجميع الأحزاب التي تأسست من قبل بعض قادة الأحزاب السابقة دخلوا في صراعات ومتاهات لا نهاية لها إلا بأختفاء الحزب المتولد من الحزب الأول. أنا شخصياً وغيري يعرفون بأن جميع القادة السابقين والمفصولين والتراكين يعتزون أعتزازاً صميماً فكرياً وضميرياً بأفكار زوعا ومسيرتها النضالية التي تشرفهم جمعاً وهو الأمر الذي سيكون موضوع تنازع وتطاحن بينهم وبين قيادة زوعا الحالية على ميراث وتاريخ زوعا، والحالة هذه لا يعني إلا الدخول في متاهات تكون الأمة الخاسر الوحيد في هذا السياق وبالتالي يزداد المنتفعين والمتعطشين للمناصب الحكومية ويبدأ أعداء الأمة في إطلاق الهلاهل والتصفيق لمثل هذا "الإنجاز" الكبير الذي سيقدم لهم على طبق من الذهب.

إذن فما الحل للخلاص من هذا المأزق أو المعضلة:
ــــــــــــــــــــــــــــ

بإختصار وبدون مقدمات نظرية أو تأويلات ملتوية  أقترح وأدعو إلى مايلي:
أن تقوم القيادة الحالية لزوعا بدعوة جميع القادة السابقين التاركين والمفصولين والمنقطعين من المستوى الأعلى (اللجنة المركزية) وحتى مستوى قادة الفروع والتنظيمات في الداخل والخارج لعقد مؤتمر عام أو كونفراس للتداول في هذه المسألة ويستوجب أيضا دعوة بعض الشخصيات من خارج تنظيم زوعا والمعروفة بمواقفها النبيلة وإهتمامها بمسيرة زوعا ونضالها ليكونوا مراقبين أو مشرفين على جدول أعمال الكونفراس. ومن الضروري جداً أن لا تتحجج قيادة زوعا ببعض الحجج والموانع التي تحول دون دعوة هؤلاء للمؤتمر كما كان الحال عندما لم تدعوهم لعقد الكونفراس الذي كان عقده مزمعاً في هذا الشهر (شباط) وأجل لأسباب قد تكون متعلقة بهذه الحالة. وعلى جميع القادة السابقين التاركين والمفصولين والمنقطعين أن يستجيبوا لهذه الدعوة من دون أي حجج أو موانع لحضورهم.  ففي هذا الإجتماع يجب أن يتقرر مخرجاً للمعضلة التي أوقعتنا فيها القيادة الحالية لزوعا والقادة السابقيين التاركين والمفصولين ومن ثم الوصول إلى بعض الحلول المقنعة وإلا حينذاك سيكون الحكم الفاصل عند أبناء الأمة بعد أن ينكشف العاجز عن المتكن ويعزل المغرور الأناني عن ناكر الذات والفاني من أجل هذه الأمة التي يكفيها ما تعانيه من تعثراً وتمزقاً... فالحلول لأزمة أمتنا السياسية مطلوبة  وبشكل ملح ومن قبل الجميع وفي مقدمهم المنضالين في زوعا... زوعا الشهداء ... زوعا نيسان الربيع ... وزوعا الكفاح من أجل نيل حقوقنا القومية، فإحتراماً لدماء الشهداء يوسف توما ويوخنا إيشو ويوبرت بنامين وفرنسيس شابو وغيرهم كثر ... توحدوا يا من وضعوا اللبنة الأولى لزوعا وأسسوها وسيروا دواليبها على أصعب الطرق وأشقها في مسيرة النضال القومي، وإلا فالتاريخ لا يرحم من يعثر هذه المسيرة أو يشوها أو يحاول تمزيقها ومن ثم قتلها.     

 

   


250
بطريرك جديد... وأماني تتحق...

أبرم شبيرا

أسعد أيام حياة الإنسان هي عندما يتمنى شيئاً ويتحقق هذا الشيء...  فبإنتخاب نيافة المطران لويس ساكو راعي أبرشية كركوك والسليمانية بطريركاً على كنيستنا المشرقية، الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية تحققت أمنتي وغمر عقلي وقلبي وروحي بلحظات من السعادة شاكراً ربنا يسوع المسيح على هذه النعمة التي أنعمها عليً وعلى جميع أبناء أمتنا من مختلف الطوائف والكنائس. ففي بداية شهر نيسان من عام 2009 فبعد صلاة "الرمشا" في المطرانية الكلدانية في كركوك كانت الفرصة ذهبية أن أجلس مع نيافته في دار المطرانية وبحضور مفكر ومؤرخ كنيستنا المشرقية الأب ألبير أبونا.

 



أبرم شبيرا بين أثنين من فطاحلة كنيستنا المشرقية الكلدانية الكاثوليكية، المطران الجليل (بطريرك حاليا) مار لويس روفائيل الأول ساكو والأب الفاضل ألبير أبونا أكبر مفكر ومؤرخ للكنيسة
===================================================
مرة ساعات اللقاء بسرعة شديدة مقارنة بخضم وإزدحام المواضيع التي نوقشت في اللقاء وأنا بين قطبين كبيرين في كنيستنا المشرقية يصعب جداً أن لم يكن يقارب المستحيل مجاراتهم في معلوماتهم وأسلوب محاورتهم وعمق تفكيرهم وأنا تلميذ مبتدأ بينهم ولكن للحق أقول لم أشعر إطلاقاً بأي شعور بالنقص لأن الترحاب الحار الذي قوبلت به وسمو روحهما وتفههما للأخر وإفساح المجال للتعبير عن رأيه صفات تحلى بها كلاهما فجلعتني أن أنسرح في حديثي معهم وأن أستفاد منهم أيما إستفادة. كنت بين قطبين مختلفين، إن لم يكن في إيمانهم وحبهم لكنيستهم وإنما في أسلوبهم في طرح المواضيع ومناقشتها. فمن المعروف عن الأب ألبير أبونا نسقه الثوري في طرح مشاكل الكنيسة وأسلوب مناقشتها وبدون أي تردد أو مجاملة في إنتقاذ رجال الكنيسة أي ما كان مكانته وبشكل علني ومباشر وهذا ما تجلي في أحدى كتيباته الذي أنتقد فيه أوضاع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وضعف إدارة البطريرك مار عمانوئيل دلي لها. وعلى النقيض منه تماماً كان أسلوب المطران (البطريرك) مغايراً له تماماً والذي أتصف بهدوء الأفكار وبمنطقية طرح المواضيع ومناقشتها مناقشة علمية وأكاديمية هادئة تجعل المستمع إليها أن يستوعب بالتمام والكمال كل ما يطرحه من أفكار ومشاريع وتمنيات. كان المطران (البطريرك) بحق وحقيقة شعلة مضيئة في ظلمة مدينة كركوك التي فعلت جرائم الإرهاب فعلتها فيها وأطفئت نورها الذي كان يسطع على جميع أبناءها من مختلف القوميات والأديان وكان زيتون السلام والمحبة لجميع أهالي مدينة كركوك فلم يكن هناك فرداً من بينهم إلا وأحبه وأحترمه، كيف ولا، وهو المختص وحامل الشهادات العليا خاصة في الفقه الإسلامي ويعيش في أجواء ملئها التناقضات والصراعات. ولا أخفي سراً أن أقول بأنني وجدت في نيافته (قداسته) قدرته الفكرية الهائلة في تجاوز حدود النزعة القروية والعشائرية والشللية التي تنخر بجميع كنائسنا ومؤسساتنا القومية والثقافية. وعندما غادرت دار المطرانية، تساءلت نفسي وقلت، ألا يستحق هذا المطران الجليل أن يكون بطريركاً على الكنيسة ويأخذ بيدها إلى بر الأمان؟؟؟ لقد تمنيت في تلك الفترة أن يأتي اليوم الذي سينتخب فيه بطريركاً على الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، فنشكر أولاً ربنا يسوع المسيح على تحقيقه هذه الأمنية لنا جميعاً، وأنا متيقن كل اليقين بأنه كان مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان وقداسة البابا بندكتس السادس عشر ملماً ومدركاً لإمكانية المطران الجليل في إمكانية شغل الكرسي البطريركية للكنيسة في المرحلة الصعبة القادمة، وهنا لا يسعنا مرة أخرى إلا أن نرفع قبعاتنا للكردينال البطريرك المستقيل مار عمانوئيل دلي تقديراً وإكراماً له لإتاحته الفرصة لمن يقدر على حمل شعلة الكنيسة في هذه الأيام المظلمة لينير دروبنا جميعاً ونشكر أيضا جميع مطارتنا الأجلاء الذي قالوا نعم... ثم نعم.. لإختيار المطران الجليل لويس ساكو بطريركاً على الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية حاملاً أسم الملاك روفائيل ليكون حامياً له في مسيرته البطريركية...

وللأمانة أقول بأنه خلال فترة إنعقاد المجمع السينودي للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية لإنتخاب بطريرك جديد للكنيسة، ألتزمت بالصمت إلتزاماً كاملاً تجاه جميع الإنتقادات التهجمية والشخصية التي قيلت بحقي ومن دون وجه حق او علم أو إطلاع وبعمق على الموضوع الذي سبق وأن كتبته بخصوص الكنيسة الكلدانية والبطريرك والفاتيكان ليس إلا إحتراماً وتبجيلاً لإنعقاد هذا المجمع وحتى إنني لم أرد على تساؤلات بعض الأصدقاء عن هذه التهجمات اللا منطقية ... ولكن عندما سألوني عن توقعاتي عن البطريرك الجديد فقلت وبدون تردد المطران لويس ساكو.  ولم يبقى أخيراً إلا أن أقول بأنه إلمامنا بقدرات البطريرك الجديد المختلفة والمتنوعة من لاهوتيه وثقافية وإجتماعية وإيمانناً بإمكانيته وأسلوبه "الملائكي" في بذر روح المحبة والتأخي بين أبناء أمتنا من جميع الطوائف وزرع البركة فيهم ليقوم هم بالحركة في تحقيق ما ينشدونه في حياتهم العلمانية تجعلنا جميعاً أن نتحلى بالصبر حتى نقطف ثمار جهوده وهو جالساً على كرسي البطريرك .. ونحن العلمانيين "الخطايا" لنا إيمان مطلق بكنيستنا المشرقية وبمختلف فروعها وبربنا يسوع المسيح بأن اليوم الذي تتوحد فيه فروع كنيسة المشرق آت لا محال سواء عاجلاً أم آجلاً وسنموت ونحن نحمل هذا الأمل معنا ومن المؤكد ستحمله الإجيال القادمة من بعدنا... فالكنيسة الواحدة يجب ثم يجب أن تتحقق في المسيح الواحد... أمين.             

251
الكنيسة الكلدانية والبطريرك والفاتيكان

                                                                                                                                        أبرم شبيرا
توطئة:
بمجرد أعلان قداسة مار عمانوئيل دلي الثاني إستقالته من كرسي بطريركية الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، أمتلئت مواقعنا الألكترونية بعشرات المقالات والبحوث من قبل خيرة مثقفينا وكتابنا الكلدان معبيرين عن عمق وسعة إهتمامهم بهذا الحدث والحدث الذي سيليه في إنعقاد المجمع السينودي للكنيسة في نهاية هذا الشهر (كانون الثاني 2013) في الفاتيكان لإنتخاب بطريرك جديد للكنيسة والتي ظهرت بأنها كتبت من دون دراية  تاريخية عميقة بطبيعة الكنيسة الكلدانية ككنيسة كاثوليكية، والأهم ككنيسة غير دولتيه – أي ليست كنيسة أو مذهب أو معتقد لدولة معينة رغم كاثولوكيتها كما هو الحال للكثير من الكنائس القومية الكاثوليكية لبعض دول العالم. وقبل الغوص أكثر عمقاً في هذا الموضوع الحساس فأنه من الضروري التأكيد بأننا نحن وغيرنا من القوميين الذين يؤمنون بوحدة أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية بأن لكنيستنا المشرقية وبجميع فروعها كان لها ولا يزال الفضل الأول والمطلق في ضمان وحماية مقوماتنا القومية والتراثية. فبغنى عن الجوانب الإيمانية والمعتقدات والطقوس الروحية لكل فرع من فروع كنيسة المشرق والتي نجل لها إجلالاً كبيرا فأنها كانت وعبر قرون طويلة المؤسسة الرئيسية لمجتمعنا والتي من خلالها كانت تعبر الهوية القومية لشعبنا ويشع منها مقومات وجودنا القومي والتاريخي من لغة وتاريخ وتقاليد. فلا أحد في هذا العالم يستطيع أن يبرهن بأن وضع أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية كان من الممكن أن يكون أحسن من الوضع الحالي بدون كنيسة المشرق. ففي القرون الماضية وحتى إلى وقت قريب لم تكن هويتنا القومية معروفة إلا من خلال هوية الكنيسة، خاصة في مرحلة غياب المؤسسة الرئيسية للمجمتع وأقصد الكيان القومي وتحديداً الدولة أو مؤسسات وأحزاب قومية قادرة على حمل صفات المؤسسة القومية الرئيسية ولها مقومات التعبير عن الهوية القومية من لغة وتاريخ وتقاليد وأماني مشتركة. هذا هو إيماننا كلعمانيين نحترم جلً إحترام جميع فروع كنيستنا المشرقية ورجالاتها الأجلاء ومن هذا المنطلق ومن حرسنا الشديد في أن تكون جميع فروع كنيستنا المشرقية بما فيها الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في أحسن أحوالها وأكثرها تقدماً يأتي كتابة هذا الموضوع.


الكنيسة الكلدانية والفاتيكان:
 بخصوص موضوعنا هذا عن الكنيسة المشرقية الكلدانية الكاثوليكية، فكما ذكرنا في أعلاه بأنها كغيرها من فروع كنيسة المشرق، فهي كنيسة لا دولتية فهذه الصفة اللادولتيه للكنيسة تجعلها فاقدة للدعم السياسي والإقتصادي وبالتالي تكون عرضة للتأثيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية المحيطة بها. ولما كانت الكنيسة الكلدانية في إتحاد مع الكنيسة الكاثوليكية في روما  فأن تأثير الفاتيكان على مثل هذه الكنيسة يكون على الدوام تاثيراً عميقاً ومؤثراً في طبيعتها ومسيرتها، إن لم يكن هذا التأثير في مسألة المعتقد والإيمان والتراث فأنه بالتأكيد هو تأثير في المسألة التنظيمية والإدارية للكنيسة  وضمان بقاءها في إتحاد مع الكنيسة الكاثوليكية وخضوعها لقوانينها، وهو الذي يهمنها هنا كعلمانيين، ومنها إنتخاب أو إختيار البطريرك وغيره من المطارنة والأساقفة و كذلك المسألة الحساسة والتاريخية للكنيسة وهي سلطة البطريرك على أتباعه خارج بلاد مابين النهرين (العراق حاليا). هذا الموضوع  ينبع أساسه التاريخي من مسألة ملبار- جنوب الهند ومن المجمع الفاتيكاني الأول (1869 – 1870) والذي بموجبه تقرر نزع سلطات البطريرك الكلداني على أتباعه في الهند بعد سلسلة مأساوية من الإضطهادات التي تعرض لها رجال الدين الكلدان من قبل الكنيسة اللاتينية وفرض معتقدها وأساليبها وبالقوة على أتباع الكنيسة الكلدانية من دون أي وازع إخلاقي أو ديني فكان التعذيب والقتل لرجال الكنيسة الكلدانية المبعوثين إلى الهند من أساليب كنيسة اللاتين في القضاء على الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في الهند وكان القتل حينذاك قد طال حتى مار يوسف شقيق مار يوحنان سولاقا، وبالتالي إنتهاء وجود الكنيسة الكلدانية من الهند. ضمن هذه الظروف العصيبة لم يكن أمام مثلث الرحمات مار يوسف أودو (1798 – 1878)، الذي عرف بمواقفه الشجاعة في الدفاع عن كنيسته الكلدانيه وإستقلاليتها والحق الشرعي للبطريرك في إشرافه وإدارته لجميع أبرشيات الكنيسة الكلدانية خارج بلاد مابين النهرين، إلا الخضوع لقرارات المجمع بعد التوبيخ والزجر الذي تلقاه من البابا بيوس التاسع الذي جرده من سلطته على أتباع كنيسته في الهند، وهي المسألة التي ترتبت عليها نتائج ممثالة في السنوات التي خلت المجمع الفاتيكاني الأول وأنسحب جوانب منه إلى يومنا هذا بحيث وأن بقيت الأبرشيات الكلدانية خارج بلاد ما بين النهرين تابعة للطقس الكلداني إلا أن الأمور الإدارية والتنظيمة بقيت تحت تأثير مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان خاصة في مسألة إنتخاب البطريرك والموافقة على إختيار المطارنة لإبرشيات الكلدان في الخارج. وهنا أتذكر عندما شغر كرسي المطرانية للكنيسة الكلدانية في لبنان عقب إنتخاب مثلث الرحمات مار روفائيل الأول بيداويد بطريركاً على الكنيسة وأنتقل إلى بغداد عام 1989، بقى كرسي مطرانية لبنان فارغا لسنوات إلى حين تم رسامة الأب الفاضل جبرائيل كساب راعي كنيسة القلب الأقدس في منطقة تل محمد في بغداد مطراناً وإختياره لكرسي مطرانية الكلدان في بيروت غير أن الفاتيكان رفض هذا الإختيار، ويقال بأنه كان بسبب الشكوى التي قدمها أبناء رعية الكنيسة الكلدانية في لبنان ضد هذا الإختيار ربما لكونه غير لبنانيا. ثم عين مطراناً للبصرة ومنها لإستراليا. أما كرسي مطرانية لبناب فبقى شاغراً فترة طويلة إلى أن عين المطران ميشال قصارجي عام 2001 مطراناً للبنان وهو لبناني المولد والمنشأ. 

 ومن الجدير بالذكر بأن البقية الباقية من أتباع الكنيسة الكلدانية في الهند الذين بقوا معتزين ومتمسكين بطقوس كنيستهم المشرقية الكلدانية ولم يقبلوا بفرض الكنيسة اللاتينية وطقوسها عليهم فما كان منهم إلا أن ينتموا إلى بقية الفروع الشقيقة لكنيسة المشرق. واليوم في الهند رغم كون الكنيسة التي يرعاها نيافة المطروبوليت مار أبرم موكن وتابعة لكنيسة المشرق الآشورية وبطريركها قداسة مار دنخا الرابع لكن الكنيسة هناك لها تسمية "الكنيسة الكلدانية السريانية" والتي مؤمنيها أيضاً من البقية الباقية من الكنيسة الكلدانية وأيضا الكنيسة الجاثيليقية القديمة التي كانت تعتمد التقوم اليوليالي. ومن المعروف عن نيافة المطروبوليت مار أبرم روحه المرحة وأسلوبه الفكاهي، فقبل أكثر من سنة سألته شخصياُ: "ياسيدنا المطران كيف تمكنت من توحيد جميع مؤمني فروع كنيسة المشرق في كنيسة واحده"؟؟ فقال "لأنه ليس لدينا تيارايه ولا جلوايه ولا نوجيايه ولا ألقوشنايه ولا تلكبنايه ولا عنكاوايه... فكلنا هندوايه".!!

إنتخاب بطريرك الكلدان:
 أستقر المقام بالكنيسة الكلدانية في منتصف القرن التاسع عشر وتحدد المعالم الرئيسية للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية واستقرت أمورها القانونية والرسمية وتحديداً في شهر كانون أول من عام 1847 عندما ثبت الفاتيكان مار يوسف أودو بطريركاً على الكنيسة وأطلق عليه ولأول مرة أسم بطريرك الكلدان في بابل، بعد أن كان يطلق عليه بطريرك النساطرة في آشور أو في الموصل، وبفعل التأثير الفرنسي اعترفت السلطات العثمانية بها وشملتها بنظامها المعروف بـ "نظام ميليت" الذي كان ينظم العلاقة بين المسلمين الحاكمين والمسيحيين الخاضعين. فقبل هذا التاريخ لعب الفاتيكان وفرنسا دوراً رئيسياً وفاعلاً في شؤون كنيسة المشرق وفي إختبار بطريرك الكنيسة ولجأت إلى أساليب غير مقبولة، خاصة من قبل الهيئة الفاتيكانية المعروفة بـ "البروبوكندا" فكانت تنصب البطاركة الأكثر خضوعاً لها وتبعد الذين يصرون على إستقلالية الكنيسة بحيث وصل الأمر في وقت ما إلى "تريوجي" المبعوث البابوي أن يطمع في كرسي البطريركية الكلدانية في بلاد ما بين النهرين. غير أنه من الملاحظ بأنه بعد إستقرار أمور الكنيسة الكلدانية، خاصة بعد أن وضعت الحرب الكونية الأولى أوزارها وتأسست دولة العراق أنتظمت مسألة إنتخاب البطريرك وبشكل سلسل ومن دون تأثير مؤثر وقوي من الفاتيكان والقوى السياسية الفاعلة والتي كانت تتمثل في السابق في فرنسا. وبالرغم من عدم توفر المعلومات بشكل كافي عن الظروف التي تم إنتخاب البطاركة في دولة العراق خاصة في الترشيح والمنافسة والتصويت إلا إن ماهو معلوم لدينا بأن مار يوسف غنيمة (1947- 1958) تولى كرسي البطريركية من بعد البطريرك مار يوسف عمانوئيل الثاني توما (1900 – 1947) ومن ثم جاء البطريرك مار بولس الثاني شيخو (1958 – 1989) المعروف بشجاعته وتصديه للسياسات الإستبدادية لحزب البعث العراقي تجاه المسيحيين بشكل عام وتجاه كنيسته بشكل خاص، ويقال بأن قداسته رفع العصا (العكازة) في وجه طارق عزيز مهدداً أياه بضرورة وقف تدريس القرآن للطلاب المسيحيين في المدراس. وكان لي الشرف الكبير والإمتياز العظيم في أن يتكلل زواجي على يده المباركه في بغداد عام 1981. وبعد إنتقاله إلى جوار ربه تسنم كرسي البطريركية الكلدانية قداسة مار روفائيل بيداويد الأول (1989 2003) وفي عهده تكرر لي الشرف الكبير والإمتياز العظيم عندما تناولت القربان المقدس على يده المباركة في أول قداس أقامه في دير الراهبات في الزعفرانية في بغداد بعد تسنمه كرسي البطريركية.
 
فكل هذه السلسلة البطريركية تمت بسلالة وتقريباً بإتفاق الجميع ومباركة الفاتيكان. غير أنه من الضروري الإشارة ولو ببضعة سطور عن مرحلة وظروف تولي قداسة مار روفائيل كرسي البطريركية، فهو الأول من بين السلسلة البطريركية المذكورة أعلاه يأتي من أبرشية خارج العراق حيث كان مطراناً لأبرشية لبنان. كما أنه جاء قداسته في ظروف تعتبر أقسى ظروف مر بها العراق خاصة بعد حرب دام ثمانية سنوات (1980 – 1988) وإجتياح الكويت عام 1990 من قبل النظام البعثي في العراق وقسوة المقاطعة الإقتصادية وتأثيرها العميق على جميع العراقيين. فمثل هذه الظروف الموضوعية لا يمكن إطلاقاً تجاهلها في إنتخاب قداسته بطريركاً على الكنيسة الكلدانية ولا يمكن أن تكون مجهولة للفاتيكان. فكون قداسته من خارج أبرشيات العراق فهذا سيجعله أكثر حصانة من التأثيرات السياسية للنظام العراقي إضافة إلى ذلك فأنه جاء من خارج نطاق الخلافات القريوية التي كانت تظهر بين حين وآخر في مسألة إختيار أو إنتخاب كهنة الكنيسة. والأهم من هذا وذاك هو أن في عهده فتح باب الحوار بين كنيسة المشرق الأشورية والفاتيكان. فبعد صدور البيان المسيحاني الذي وقع في الفاتيكان عام 1994 بين قداسة البابا يوحنا بولس الثاني وقداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية والذي بموجبه أعتبر كنيسة المشرق الآشورية كنيسة رسولية وأزيل سوء الفهم عنها بإعتبارها هرطقية، بدأت سلسلة من المباحثات واللقاءات بين البطريركين الكلداني والآشوري وشكلت لجان مختلفة لتوحيد الطقس والأسرار الكنسية وأقيمت قداديس مشتركة كلها بهدف تحقيق الوحدة بين الكنيستين. ففي هذه الفترة وصل الوعي القومي عند أبناء أمتنا إلى أوج قمته بحيث بالغ البعض خاصة القومانيون الآشوريون منهم في تمجيد وتعظيم قداسة مار روفائيل عندما فهموا أو فسروا بعض الكلمات والخطب التي ألقاها قداسته في الإجتماعات المشتركة بشكل تتماشى مع تطلعاتهم الرومانسية والوردية، ولكن من المؤسف له أن يتبين بأن وعي ومواقف هؤلاء القومانيون تجاه قداسته كانت جوفاء أن لم تكن نفاق ورياء، فعندما كان قداسته مريضاً وطريح فراش الموت في مستشفى في بيروت لم يزوره أي واحد من هؤلاء لا بل عندما أنتقل إلى جوار ربه في تموز عام 2003 لم يحضر أيضا ولا واحد من هؤلاء مراسيم جنازته التي أقيمت في كنيسة مار روفائيل الكلدانية في الحازمية في بيروت فمن بين المئات الذين حضروا المراسيم من بطاركة ومطارنة الكنائس الأخرى وجمع كبير جداً من العلمانيين كان لي الشرف أن أسافر من لندن وأن أحضر مراسيم جنازتة كبادرة تقدير وتبجيل صغيرة جداً لهذه الشخصية الكبيرة جداً في كنيستنا وأمتنا، ولا يسعني هنا إلا أن أشيد أيضاً بحضور كل من آشور كوركيس من لبنان (كاتب آشوري) وشكري مراد من لبنان (رئيس الجمعية الثقافية الآشورية في بيروت) وعمانوئيل خوشابا (ممثل الحركة الديمقراطية الآشورية في سوريا ولبنان). ومن المضحك والمبكي في آن واحد أن يستمر البعض من هؤلاء القومانيون بالتبجح بالنجمة الآشورية التي تعتلي كنيسة مار روفائيل في الحازمية في بيروت التي بناها مثلث الرحمات مار روفائيل الأول بيداويد والتي كانت مثواه الآخير.

البطريرك مار عمانوئيل دلي الثالث:
الحق يقال ومن دون أي مجاملة أو تحيز بأن المرحلة التي تسنم فيها قداسة مار عمانوئيل كرسي البطريركية تعتبر من أصعب المراحل وأقسى الظروف التي كانت تمر بها الكنيسة الكلدانية منذ نهاية الحرب الكونية الأولى والتي لاتزال قائمة تنحر بأبناء أمتنا بكل طوائفها وتقتل فيهم تقتيلاً خاصة رجال الكنيسة وحتى قداسته لم ينجوا منها حيث أصيب بجروح من جراء تطاير زجاج بفعل عمل إرهابي، وهي مرحلة مؤلمة معايشة لايستوجبها التفصيل. "من يشتهي كرسي البطريرك؟؟" هكذا قال أحد عظماء كنيستنا المشرقية في القرون الماضية عندما كانت النية متجه نحوه لتولي كرسي البطريركية في الوقت الذي كان المغول يفتك بأبناء الكنيسة فتكاً وحشياً.. وفعلاً من يشتهي كرسي البطريركية الكلدانية في ظروف العراق بعد أن عاد المغول مرة أخرى إبتداءاً من عام 2003 ويتولى مسؤولية الكنيسة في السنوات المظلمة إن لم يكن ملء القلب بالإيمان الخالص في خدمة الكنيسة وكلمة الرب، هكذا قبل قداسة مار عمانوئيل دلي قرار الفاتيكان في تولي كرسي البطريركية عقب إنتقال مار روفائيل إلى جوار ربه.

هذه المرحلة التي عايشناها جميعاً تميزت عن سابقتها في مسألة إنتخابات بطريرك الكنيسة الكلدانية ليس بسبب الظروف مأساوية المحيطة بها فحسب  بل لأول مرة نشهد إنتخابات حرة وتنافس على تولي كرسي البطريركية. فعندما أنعقد المجمع السينودي الكلداني في بغداد للفترة من 19/آب لغاية 2/أيلول/2003 لغرض إنتخاب بطريرك للكنيسة ترشح كل من نيافة المطران مار سرهد يوسف جمو راعي أبرشية كاليفورنيا وغرب الولايات المتحدة الأمريكية ونيافة مار أنطوان أودو راعي أبرشية حلب في سوريا وخلال مرحلتين من التصويت لم ينل أي منهما الأصوات المطلوبة قانوناً ليصبح بطريركاً للكنيسة الكلدانية ففي هذه الحالة كان يستوجب أن يرفع الأمر إلى الفاتيكان وحسب قوانين الكنيسة بهذا الشأن. ففي المجمع السينودي في روما المنعقد بتاريخ 3/12/2003 تم إختيار قداسة مار عمانوئيل دلي بطريركاً للكنيسة الكلدانية وهو لم يكن من بين المرشحين للكرسي بل كان متقاعداً عن الخدمة وراكناً في الكنيسة المعروفة بـ "البترية" في منطقة السنك في بغداد والتي كانت مقراً للبطريرك الكلداني. ولكن هناك أخبار تبين بأن قداسة مار عمانوئيل كان ينوي الترشيح لكرسي البطريركية عام 1989 بعد إنتقال مار بولص شيخو إلى جوار ربه لكنه تنازل لصالح مار روفائيل فما كانت من  إرادة الرب إلا أن تعيد له هذه المسؤولية في عام 2003 بعد أن جاوز العمر به أكثر من خمسة وسبعون عاماً وتكللت رئاسته للكنيسة بلقب الكاردينال منحه البابا بينيكت السادس عشر في عام 2007 ليكون بذلك أول بطريرك للكلدان يمنح هذا اللقب والثاني من العراق بعد الكردينال جبرائيل تبوني بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية.

الملاحظات التي يستوجب ذكرها هنا هي:
أولا: أنها المرة الأولى التي يشهد جيلنا وجيل عهد دولة العراق تنافس على كرسي البطريرك ويظهر من حيثيات جلسات المجمع السينودي في بغداد لعام 2003 بأن التنافس كان حامياً بين المطرانين الجليلين مار سرهد ومار أنطوان لذلك أستوجب الأمر أن يجري التصويت في المرحلة الثانية بسبب عدم حصول أي منهما على الأصوات المطلوبة وحتى في هذه المرحلة لم يحسم الأمر ولم يتم التنازل أي واحد منهما لصالح الآخر فأستوجب الأمر اللجوء إلى الفاتيكان لحسم الموضوع.

ثانياً: إن كلا المطرانين الجليلين كانا من أبرشيات خارج العراق وعاشا في ظروف غير ظروف العراق المأساوية لا بل فالمطران أنطوان أودو كان من مواليد سوريا وتربى وعاش فيها فمن الطبيعي أن يكون غير ملماً بشؤون أبناء الكنيسة الكلدانية في العراق مثلما يكون غيره من أبرشيات العراق، خاصة وهو بعيد بعض الشئ عن الطقس الكلداني لكونه راهباً يسوعياً. ولا أدري فيما إذا كنت مخطئاً أو صائباً في القول بأن النزعة القريوية لعبت دورها في التنافس الحامي بين المطارنين الجليلين وأنتهت بدون نتيجة حاسمة حتى تدخل الفاتيكان.

ثالثاً: أن سبب إختيار أو موافقة الفاتيكان لقداسة مار عمانوئيل بطريرك للكنيسة الكلدانية في المجمع السينودي في روما في 3/12/ 2003  يبقى لغزاً غير معلناً لحد هذا اليوم. صحيح أن إيمانه القوي ورغبته العميقة في خدمة كنيسته الكاثوليكية كانت بلا حدود لهذا كان من الصعب إن لم يكن مستحيلاً رفضه لقرار الفاتيكان في إختياره بطريركاً للكنيسة غير أن عمره المديد وضعف بنيته الجسمانية والأرهاق من جراء خدمته الطويلة للكنيسة وركون قداسته إلى حالة التقاعد لبلوغه السن القانوني كانت يجب من جهة أخرى أن تكون سبباً في عدم تحميل قداسته مسؤولية أكثر مما يستطيع تحمله خاصة ضمن الظروف الإستثنائية المأساوية التي كانت تحيط بالكنيسة في العراق والتي كانت تتطلبها جهود إستثنانية قادرة على تحمل مخاطر الأوضاع السائدة في العراق. هذا الوضع غير الطبيعي في إختيار قداسته لكرسي البطريركية تبين عدم صوابه من خلال سنوات خدمته وحتى إعلان إستقالته من كرسي البطريركية في 19/12/2012 وموافقة البابا عليها. فخلال هذه السنوات العشرة كانت الكنيسة قد دخلت في مرحلة دب فيها عدم الإنتظام وضعف الإدارة والتوجه والسيطرة على الإبرشيات خاصة خارج العراق فكانت كل هذه الظروف مضافاً إلى الوضع المأساوي للعراق وتصاعد وتيرة هجرة أبناء الكنيسة إلى الخارج وضياع بعضهم في متاهات غير معروفة النتائج كانت ظروف ماحقة أكثر مما يستطيع قداسته تحملها وإدارتها بالشكل الذي يخدم الكنيسة ويعزز ثباتها كما كانت معروفة في عهد البطارك الذين سبقوه.
 
رابعاً: يعتبر قداسة مار عمانوئيل أكثر أن لم يكن الوحيد من بين بطاركة الكلدان في مرحلة دولة العراق الذي تعرض إلى إنتقادات سواء من قبل رجال الكنيسة أو العلمانيين وإن كان بعض هذه الإنتقادات في غير محلها ولا تقوم على أسس صحيحة إلا أن في معظمها كانت تعبر عن إهتمامها البالغ بأوضاع الكنيسة غير المرضية وخشيتها من تدهورها نحو الأسوء والبطريرك عاجز عن تصحيح أوضاعها. كما يعتبر قداسته البطريرك الوحيد الذي يستقيل من كرسي البطريركة ويتركه للمجمع السينودي ليختار البطريرك المناسب لهذه الظروف في الوقت الذي جميع البطاركة الذين سبقوه كان إنتقالهم إلى جوار ربهم سبب في تركهم لكرسي البطريركية. ومن الجدير بالذكر بأن رغم كثرة هذه الإنتقادات التي وجهت إلى إدارة قداسته للكنيسة والتي بعضها دعته إلى الإستقالة فإن قداسته لم يستجب لهذه الدعوات إلا عندما تزامنت مع زيارة رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان الكردينال ليوناردو ساندري إلى بغداد وإجتماعه مع قداسته وهو الأمر الذي يدفعنا إلى القول بأن قداسته جلس على كرسي البطريركية بقرار من الفاتيكان وترك هذا الكرسي بقرار من الفاتيكان أيضاً، وهي مسألة طبيعية عندما نفهم تدخل الفاتيكان في شؤون كنيسة وهي في إتحاد معها ربما تعتبر إلى جانب الكنيسة السريانية الكاثوليكية أصغر كنيسة كاثوليكية في العالم، وهي لاتملك قوة قادرة على التعامل مع الظروف المأساوية التي مرت بها خاصة في وقت تسنم قداسته لكرسي البطريركية ففي مثل هذه الظروف يصبح واجباً مفروضاً على الفاتيكان للتدخل لحماية الكنيسة وضمان مسيرتها كأحدى الكنائس الكاثوليكية العريقة المتحدة معها.

خامساً: إستثناء آخر ظهر بشكل ملحوظ ومؤثر في مرحلة تولي قداسة مار عمانوئيل كرسي البطريركية، وهو تأسيس عدد من الأحزاب السياسية الكلدانية ومنظمات قومية وثقافية سواء في العراق أو في بلدان المهجر عملت على إظهار المقومات الكلدانية خارج إطار الكنيسة ونزلت إلى الساحة السياسية داعية إلى ضمان حقوق الكلدان القومية ومما زاد من إحراج الكنيسة هو تدخل بعض رجال الكنيسة في المسائل السياسية سواء بدعم هذه الأحزاب والمنظمات أو المشاركة في إجتماعاتها أو مباركتها والتي هي مسألة جديدة بالنسبة للكنيسة الكلدانية التي بقت طيلة قرون عديدة بعيدة عن السياسة وتمتنع من التدخل فيها أو المطالبة بالحقوق القومية الخاصة بالكلدان، وهو موضوع سبق وأن كتبنا عنه بشكل مفصل ومطول ونأمل أن نختصره وننشره في الفترة القادمة. ثم جاءت التسمية المركبة (الكلدان السريان الآشوريين) لتجعل أمر الكنيسة ورجالها محيراً تجاهها بين مؤيد ومعارض لهذه التسمية كما جعلت فكرة التسمية المركبة من بعض الأحزاب والمنظمات الكلدانية أن تؤمن بها وتدخل في تحالفات مع الأحزاب الآشورية المعروفة على الساحة السياسية. كل هذا الوضع أظهر كأن هناك تنازع على السلطة والزعامة على الكلدان في العراق وخارجه وهو أمر لم تعهده الكنيسة الكلدانية في السابقة فكان أمر التعامل معها مربكاً ومحيراً لقداسة مار عمانوئيل أستوجبته في بعض الأحيان التدخل لصالح هذه الفئة أو تلك وفي كثير من الأحيان كان  تدخله في مسألة معينة من هذا النوع موضوع إنتقاد له ولمواقفه التي أعلنها أو التي لم يصرح بها شيئاً.

من كل ما تقدم، نؤكد مايلي:
1 – الكنيسة الكدانية الكاثوليكية كنيسة "بيت نهرينية" بكل ما تعينه هذه الصفة تاريخياً وحضارياً وجغرافياً وديموغرافياً نشأت في بلاد مابين النهرين وأستمدت مقوماتها "غير الروحية" من حضارة هذا البلاد، من لغة وعادات وتقاليد، أي بعبارة أخرى إن مكان وجودها ومقر كرسي بطريركها هو في هذا البلد، أي العراق،  ولايمكن أن يكون غيره وبالتالي فإعتقاد البعض بأن كثر أبناء الرعية في بلدان المهجر وبلوغ أعدادهم أكثر من الموجودين في المهجر، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية قد يتطلب الأمر نقل كرسي البطريرك إلى الخارج وهذا محال حتى ولو بقى عدد قليل من أبناء رعية الكنيسة في العراق لأن وجود الكنيسة هو مرتبط بوجود العراق ولا يمكن أن يكون مثل هذا الإرتباط ببلد آخر. وبهذه الصفة البيت نهرينية للكنيسة نقول صحيح بأنه كان من المفترض أن ينعقد المجمع السينودي القادم في العراق لإنتخاب البطريرك الجديد ولكن مثل هذه الأمنية معدومة تماماً في الوضع المأساوي الحالي للعراق وحتى في شماله طالما هناك تجاذبات سياسية لا تتحملها الكنيسة ولا في الدول المجاورة التي تلتهب بنيران "الربيع العربي" فكان قرار إنعقاد المجمع السينودي في روما قراراً صائباً رغم كونه موضعاً لتأثير الفاتيكان على قرارات المجمع ولكن من المؤمل أن يكون هذا التأثير صائبا في إنتخاب البطريرك الجديد وبالتالي في تعزيز وضع الكنيسة في العراق وتقويته.
2 – الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية هي كنيسة كاثوليكية من بين الكنائس المشرقية "البطريركية" أي التي لها إستقلال فيما يخص طقسها وتقاليدها المستمدة من حضارة بيت نهرين ولكن كما سبق وأن ذكرنا بأنها كنيسة لا دولتية، أي ليست معتقد أو كنيسة رسمية لدولة معينة تخص رعيتها، وبعبارة أخرى أنها كنيسة تفتقر إلى المقومات السياسية التي هي ضرورية لحماية الكنيسة من المخاطر الخارجية التي تهددها لهذا من الطبيعي أن يتدخل الفاتيكان لحمايتها من هذه المخاطر التي تهدد وجود الكنيسة.
3 – الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كنيسة لها قوانينها ونظمها الخاصة بها في تنظيم أمور الكنيسة ومنها إنتخاب البطريرك ولكن لكونها في إتحاد مع الفاتيكان فإنها بالنتيجة ستكون محكومة بقوانين وتشريعات الفاتيكان وقرارات المجامع المسكونية ومثل هذا الأمر قد يجعل تأثير الكنيسة بطقس وتقاليد الكنيسة اللاتينية أمراً طبيعياً ومن المؤكد بأن بزيادة هذا التأثير سيؤدي إلى إزاحة بعض التقاليد الطقسية والحضارية للكنيسة الكلدانية وإحلال اللاتينية محلها ولكن بفضل بعض المطارنة الأفاضل تمكنوا السنوات القليلة الماضية من الرجوع إلى الأصالة المشرقية البيت نهرينية للكنيسة الكلدانية سواء في طقسها أو تراثها ونأمل في المرحلة القادمة أن يزداد هذا التوجه.
4 -  ولما كانت الكنيسة الكلدانية في إتحاد مع الفاتيكان ومحكومة بجملة قوانين وأنظمة وتشريعات فإن مسألة إنتخاب البطريرك وتدبير أمور الكنيسة المختلفة هي من شأن وصلاحيات أكليريتها وتحديداً المطارنة والأساقفة المجتمعين في المجمع السينودي ولا دخل للعلمانيين فيها، وأن دعوة البعض إلى أعطاء دور للعلمانيين في إنتخاب البطريرك غير واردة إطلاقاً حسب هذه القوانين والتشريعات وأن مقارنة ذلك بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر عند إنتخاب البابا الجديد للكنيسة ومشاركة العلمانيين في هذا الإنتخاب وبأعداد كبيرة أمر خاطئ لا تصح المقارنة لأن هذه الكنيسة هي مستقلة في قراراتها وقوانينها التي تفسح المجال للعلمانيين للمشاركة في إنتخاب البابا للكنيسة في حين قوانين وتشريعات الكنيسة الكلدانية ومنها كنيسة روما لا تعطي أي مجال للعلمانيين للمشاركة في إنتخاب البطريرك. ولكن مع هذا، كما يقال الزمن يتغير، فإن هناك أعداد كبيرة من أبناء رعية الكنيسة الكلدانية لهم مؤهلات وقدرات كبيرة يمكن أن يشاركوا وبشكل غير مباشر في إنتخابات البطريرك سواء كمشتشاريين أو أعضاء مراقبين في إجتماعات المجمع الكنيسي لإنتخاب البطريرك.
5 – الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كنيسة ليس بمعناها الروحي واللاهوتي فقط، بل هي من جانب آخر، والذي يهمنا كثيراً، هي مؤسسة تاريخية وحضارية وثقافية كانت لقرون طويلة الإطار الذي من خلاله كان يعبر رعيتها عن هويتهم القومية والحضارية، فهي كانت ويجب أن تكون الطوق الحامي لهذه المقومات. فالكنيسة بمعناها اللفظي والتي تعني "المجتمع" يجب أن تكون كذلك وأن تلتصق بأبناء هذا المجتمع ليس بجوانبه الروحية فقط، بل بكل جوانبه الثقافية والإجتماعية وحتى السياسية أن تطلب الأمر وإلا فالكنيسة لا يكون لها معنى "كلداني" إذا فقدت مقوماتها الحضارية من لغة وتقاليد وتاريخ وهو أمر مهم جداً وحاسم في هذه الأيام التي يتعرض فيها أبناء الكنيسة إلى العواصف وتقلعهم من أساسهم الذي هو مصدر وجود وبقاء الكنيسة. لهذا السبب لا يمكن أن نحصر الكنيسة في مجالها الروحي فقط وندعو رجالها إلى الإبتعاد وعدم التدخل في المعاناة التي يعانيها أبناؤها من الظلم والقهر وسلب الذات والقتل على الهوية.
6 – الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، رغم كاثوليكيتها فهي كنيسة شقيقة مع الكنائس المشرقية الأخرى وتحديداً كنيسة المشرق الآشورية ليس في جانبها الروحي المسيحاني فقط بل القومي والحضاري والتاريخي والديموغرافي أيضا وهو المهم للجميع، كليريون وعلمانيون. فإذا كان الحلم المنشود لإبناء الكنيستين هو الوحدة في وحدة المسيح والذي بالحتم سيؤكد ويعزز الوحدة في اللغة والتاريخ والتراث لأبناء كلا الرعيتين أصبح بعيد المنال في هذه الأيام فأن التقارب والتأكيد ولو كلامياً في وحدة الأساس القومي والحضاري لهم أمر مهم ومطلوب من الكنيسة الكلدانية في عهد البطريرك الجديد، وهو أمر من المؤكد سيعزز مكانة الكنيسة أكثر فأكثر وسيتماشى مع تطلعات رعيتها ورعايا غيرها من الكنائس الشقيقة. بعض من أبناء أمتنا أنتقدوا كلمة قداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة في إرجاعه أصل جميع رعايا الكنائس الكلدانية والسريانية والآشورية إلى "الجنس الآشوري" ولكن... ولكن المهم عندي وعند غيري من المهتمين بشؤون وحدة هذه الأمة بغنى عن التسمية التي تفرقنا هو أمر وحدة الأساس القومي لرعايا الكنائس الثلاث الكلدانية والسريانية والآشورية والتي أكد عليها قداسته مراراً وتكراراً وهو الأمر الذي كان سيفرحنا كثيراً لو سمعناه أو قرأناه في كلمات بقية بطاركة فروع كنيسة المشرق ولكن من المؤسف أن تكون كلماتهم خالية من أية إشارة إلى وحدة أبناء أمتنا الموزعين على الكنائس الثلاث.

وأخيراً وتجنباً للإطالة في هذا الموضوع الذين يهم الجميع، نتضرع نحن العلمانيين "الخطايا" إلى ربنا يسوع المسيح أن يفرش محبته وحكمته على جميع مطارنتنا الإجلاء المجتمعين في المجمع السينودي في روما وأن تكلل رحمته على الفاتيكان ليكون سنداً قوياً لهم في إنتخاب بطريرك جديد للكنيسة الكلدانية ليكون باني مرحلة جديدة تكون فاتحة لأبواب المحبة والتفاهم بين جميع فروع كنيسة المشرق.

طوبى لفاعلي السلام فهم أبناء الله يدعون (متي: 5-9)

             



252

"باعوثا دنينوايـه"  …أقدم صوم في التاريــخ


أبرم شـبيرا

يربط آشوريو اليوم أصولهم التاريخية بالشعب الآشوري القديم الذي حكم مناطق واسعة من المنطقة المعروفة بالهلال الخصيب في الألف الثاني وحتى منتصف الألف الأول قبل الميلاد ، بجملة روابط حضارية وتاريخية ومعطيات ثقافية وتراثية ظلت لصيقة بهم رغم الفواجع والنكبات التي حلت بهم طيلة تاريخهم المديد. ومن هذه الروابط جملة ممارسات تراثية تستمد جذورها من أعماق التاريخ القديم  ولعل الأكثر إثارة وبروزاً هو "باعوثا دننوايـه " والذي يعني باللغة السريانية نذرأو صوم أهل نينوى الذي سيحل علينا خلال الأيام القادمة وتحديدا في 21 من هذا الشهر.وهذا الصوم الذي تتداخل فيه مجموعة عوامل قومية ودينية تداخلاً عضويا يصعب الفصل بينهما، حيث يصوم الآشوريون وغيرهم من أتباع كنيسة المشرق وفروعها في هذه الأيام من كل عام لمدة ثلاثة أيام ينقطع البعض منهم نهائياً عن الأكل في حين يحاول البعض التخفيف من هذا الصوم فينقطون عن الأكل فقط في ساعات النهار. وبالنظر لكون هذا الصوم صوماً ربانياً جاء ذكره في الكتاب المقدس فقد كان يلتزم به أيضا أتباع بعض الكنائس الشرقية وحتى أتباع الكنيسة القبطية كانوا يلتزمون به  غير أن بمرور الزمن أصبح هذا الصوم بحكم المنسي عندم فأنحصر مثل هذا الإلتزام عند الآشوريين وأتباع كنيسة المشرق فقط وذلك بسبب كون له دلالات قومية مرتبطة بتاريخهم وموطنهم وتراثهم.

 وردت قصة هذا الصوم في التوارة في سفر النبي يونان، المعروف عند العرب بالنبي يونس، ودوُن بشكل يتوافق مع المنهج التوراتي والتقليد اليهودي في فهم أحداث التاريخ والذي من المحتمل قد وقعت أحداثه في القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد وفي مدينة نينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية والتي لازالت آثارها باقية في مدينة الموصل في شمال العراق حيث هناك كنيسة قديمة مشيد عليها جامع يعرف بأسم جامع النبي يونس يعتقد بأنه كان معبداً آشورياً قديماً ومن هناك بدأت قصة هذا الصوم عندما خاطب النبي يونان أهل نينوى من فوق ذلك المرتفع. وقد جاء في التوراة أن الرب طلب من النبي يونان حمل رسالته إلى أهل نينوى قائلا " هيا أمض إلى نينوى المدينة العظيمة وبلغ أهلها قضائي لأن إثمهم قد صعد إلي" (2:1). غير أن يونان أبت عليه عواطفه اليهودية أن يحذر مملكة آشور من دمار الرب لها، وهي المملكة التي هاجمت مملكة اليهود ونهبت كنوز معابدها وسبأت رجالها وأنبياءها. ثم بعد سلسلة أحداث وتجارب مريرة مر بها يونان بما فيها قصة الحوت الذي أبتلعه لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال ومن ثم قذفه على الشاطئ، أذعن أخيراً إلى أمر الرب فانطلق إلى نينوى ليبلغ أهلها وملكها بقضاء الله، ومن المحتمل أن تكون الواقعة وقعت في عهد الملك الآشوري العظيم سنحاريب . فعندما دخل النبي يونان المدينة بدأ ينادي قائلا "بعد أربعين يوماً تتدمر المدينة" (4:3) فما كان من أهل نينوى وملكهم إلا أن يأمنوا بكلمة الرب فأعلنوا الصيام وارتدوا المسوح من كبيرهم إلى صغيرهم فقام الملك عن عرشه وخلع عنه حلته وارتدى المسح وجلس على الرماد ثم دعا الجميع إلى الامتناع عن الأكل والشرب وكذلك البهائم والغنم والبقر لا ترعى ولا تشرب ماء وطلب من جميع الناس أن يرتدوا المسوح متضرعين إلى الله تائبين عن طريقهم الشريرة وعما أرتكبوه من ظلم لعل الرب يرجع فيعفى عن اقتدام سخطه فلا نهلك (3 : 7 – 9). ولما رأى الله أعمالهم وتوبتهم عن طرقهم الآثمة عدل عن العقاب الذي كان مزمعاً ان يوقعه بهم وعفا عنهم، ولما رأى يونان أن الرب لم يعاقب أهل نينوى وملكهم وعفا عنهم سبب ذلك غيظ وغضب شديدين له لذلك فضل الموت على الحياة . هذا يؤكد الحقد الشديد لأنباء اليهود للآشوريين كما تؤكد الحادثة أيضا بأن عبادة الله ومخافته والتضرع إليه طلباً للغفران والتوبة لم تكن حكراً على اليهود وحدهم في تلك الأزمنة بل شملت الشعوب الأخرى أيضاً ومنهم الشعب الآشوري.

هكذا وردت قصة هذا الصوم في التوراة، والتي كانت المرجع الأساسي والوحيد لتاريخ شعوب المنطقة قبل الاكتشافات الأثرية في خرائب نينوى وبابل وغيرهما من المدن القديمة والتي بقى تأثيرها قائماً وبشكل محسوس في أعمال معظم الكتاب والمؤرخين الذين عالجوا تواريخ هذه الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم. غير أن عندما تمت الاكتشافات الآثارية في نينوى في القرنين الماضين وأماطت اللثام عن بعض الغموض الذي يكتنف مثل هذه الحوادث فإنها تأكدت البعض منها والتي دونت في التوراة ونفت أحداثاً أخرى بل وتناقضت مع بعضها الآخر، ذلك لأن المدونات الطينية المكتشفة لا تقبل التأويل أو الاجتهاد لكونها مثبتة في وقت حدوثها وكتبت من قبل معاصريها وعلى الصخور الصلدة التي لا يمكن تحرفيها. وبقدر تعلق الأمر بقصة مجيء يونان إلى نينوى وتبليغ رسالة الرب إلى الآشوريين وتحذيرهم من دمار المدينة العظيمة، كما توصف في التوراة، فإن الآثار والرقم الطينية والاسطوانات الكتابية المكتشفة والتي تعد أكثر تفصيلاً وتدويناً للأحداث التاريخية ووقائعها من أي آثار أخرى مكتشفة في بلاد ما بين النهرين، خاصة حول علاقة الآشوريين وملوكهم باليهود وأنبيائهم، لكونها حفظت بشكل علمي متناسق وفي مكتبات ملكية، خاصة مكتب الملك آشور بانيبال والتي تعد أول مكتبة مفهرسة في العالم، فإن هذه المصادر لم تحمل أية إشارة إلى النبي يونان وقدومه إلى نينوى لتبليغ قضاء الرب في تدميرها، وهو حدث مهم لا يمكن أن يكون قد مر من دون أن يثير اهتمام الملك العظيم ويدون أحداثه. إذ من الممكن أن يكون تفسير التوراة لهذا الحدث ناجم عن فيضان طام إجتاح نينوى في تلك الفترة حيث تؤكد الرقم الطينية المكتشفة في نينوى بأنه من خلال أعمال الملك سنحاريب الإنشائية والتعميرية وتنظيم الري كان مهندساً بارعاً قام بأعمال بناء ضخمة جداً لضمان قصره والمدينة من الفيضانات التي كان يسببها نهر الخوصر الذي يمر من وسط مدينة نينوى،  خوصر كلمة آشورية/سريانية مشتقة من "خو أصر" والتي تعني عشرة أضعاف، أي أن هذا الرافد الذي كان يجتاز أسوار نينوى ويصب في نهر دجلة كان يفيض في مواسم الفيضانات في بداية الربيع أكثر من حجمه الطبيعي بعشرة أضعاف ويسبب أضرار جسيمة للبلاد ويتلف محاصيلها الزراعية كما يسبب المجاعة وإنتشار الأمراض والأوبة وبالتالي يهدد الأمن السياسي والاستقرار الاجتماعي نتيجة هذه الأضرار والفواجع. ومن المعروف بأن الشعوب قديماً وحديثاً وفي مثل هذه الأزمات والنكبات تلجاً إلى الله الخالق العظيم طلباً للرحمة والخلاص وتزيد من ورعها ونذورها وصلاتها وتذرعها إلى المنقذ الكبير، وهي الحالة التي من الممكن كانت قد صاحبت في تلك الفترة أثناء فيضان كبير اجتاح نينوى، ومن الممكن أيضاً أن تكون قصة الدمار الذي حذر منها النبي يونان أهل نينوى مستمدة من هذا الحدث وتم تأويله حسب العقلية اليهودية والمنهج التوراتي في تدوين الأحداث . وتؤيد التواريخ الإغريقية بأن سقوط نينوى عام 612 ق.م. لم يكن ممكناً رغم حصار الغزاة لها دون فيضان هائج دمر أسوارها العظيمة. ومثل هذا الفيضان إشار إليه النبي ناحوم في ذكره لطوفان طام يخفي معالم نينوى (1: 8) ولكن يظهر بأن نبوئة ناحوم الذي يعد من أكثر الإنباء حقداً على الآشوريين، لم تتحق وإن دمر الطوفان مدينة نينوى إلا أن معالمها الأثرية باقية وصامدة لحد هذا اليوم.

وبغض النظر عن طبيعة الحدث الذي فرض قوته على الشعب الآشوري وألزم نفسه بالصوم خشوعاً للرب، فإن هذا الحدث يؤكد حقيقة تاريخية شكلت في سياقها الزمني وامتداداتها التاريخية ممارسة طقسية تراثية قومية ودينية ارتبطت بالشعب الآشوري لفترة تزيد عن سبعة وعشرين قرناً. فبعد سقوط الامبراطورية الآشورية في عام 605 قبل الميلاد ومن ثم، وبعد إنتهاء الحروب واستقرار الأوضاع،  باشر سكان بلاد آشور والذين كان غالبيتهم من المزارعين، بممارسة شعائرهم الدينية والتراثية وهناك دلائل تاريخية  تشير إن الآشوريين مارسوا أعيادهم وتقاليدهم خلال تلك الفترة. وقد وصف المؤرخ اليوناني ( هيروديت ) المعروف بأبي التاريخ في كتابه المعروف (التاريخ) هذه التقاليد عندما زار بلاد آشور بعد قرن ونصف القرن من سقوط نينوى. وبعد ظهور المسيح، عليه السلام، واعتناق الآشوريين المسيحية وهي في سنواتها الأولى، أصبح للتوارة أكثر وقعاً عليهم وتأثيراً في إحياء ذكرياتهم القومية التاريخية عن بلادهم ومدنهم وملوكهم، خاصة عن سحر وعظمة نينوى والتي شكلت محور أساطير العهد القديم بما فيها قصة خشوع أهل هذه المدينة إلى إرادة الرب في التوبة والغفران والتي أصبحت مضرب أمثال لقوة إيمان الآشوريين بالرب ودونت في العهد الجديد من الكتاب المقدس وتحديداً في الإصحاح الثاني عشر من إنجيل متى . وتدلنا أيضا مخطوطات كنيسة المشرق، خصوصاً التي دونها القسم مار أفرام السرياني (306 – 373 ) إلى مدى تمسك الآشوريين بهذا الصوم حيث كانوا يصومون مدة أربعين يوماً خاصة في أوقات الأزمات أو خلال المذابح المفروضة عليهم من قبل الفرس وأتباعهم.

وبسبب إرتباط تاريخ الآشوريين وكنيستهم بالمآسي والفواجع والتشرد عن أوطانهم وخضوعهم لشتى أنواع الاضطهاد الديني والقومي أرتبط طقس هذا الصوم بهم طيلة تاريخهم الطويل ومارسوه وكوسيلة للخلاص المنتظر من الرب مثلما مارسوه أهل نينوى ونالوا خلاصه لهم. وتابع الآشوريون على ممارسه هذا الصوم حتى انتظامه سنوياً في العصور الحديثة وأدرج في التقويم الكنسي لكنيسة المشرق واعتبر من المناسبات المهمة التي ينتظرها الكثيرون ممن يسعون إلى تحقيق آمالهم أو الخلاص من محنتهم، ولكن في الآونة الأخيرة، وبسبب ظروف العصر أختصر الصوم إلى ثلاثة أيام والذي يختتم بإقامة القداديس في الكنيسة مع توزيع لحوم الذبائح والنذور. وكان من الطبيعي أن ترتبط بهذا الطقس خلال هذه الفترة الطويلة جملة ممارسات وعادات بعضها أكتسب طابعاً غيبياً أسطورياً يتعلق بالتمنيات والرغبات التي لم يتمكن الآشوريون ضمن ظروفهم المأساوية من تحقيقها في الواقع المادي، ولا يخلو قسم من هذه التقاليد من الطرافة والفكاهة وبراءة الإيمان بكل وسيلة ينسج حولها قوة إمكانية تحقيق الرغبات المستعصية ومنها ما يسمة بـ "بوخن" وهي بالأصل مادة غذائية تتكون من تحميص وطحن سبعة أنواع من الحبوب ثم تملح وفي الليلة الأخيرة من الصوم تؤخذ وتحمل على ظهر الإبهام (الظفر) وتوضع تحت اللسان قبل الركون إلى النوم بأمل الحلم بأحلام تحقق آمالهم المستعصية. وجانب الطرافة في هذا الطقس يقوم على كون مادة "البوخن" مالحة وتسبب العطش وجفاف الفم وهما مصدر أحلام الشباب والشابات، خاصة العانسات منهن" الذين يعتقدون بأنهم سيحلمون بشخص يروي عطشهم وسيكون هو عريس المستقبل. وأتذكر بأن البعض كانوا يصرون على أن ما قسمه الله لهم من نصيب في حياتهم الزوجية كان مرسوماً في حلم من أحلام "صوم نينوى"!!!

واليوم، رغم ظروف القهر والاستبداد التي فرضت على الآشوريين، ومن ثم تهجيرهم من أوطانهم التاريخية وتشتتهم بين أقطار العالم من أقصاه (استراليا ) إلى أقصاه الآخر (أميركا) مروراً بوطنهم الأصلي الذي عرف يوما ما ببلاد آشور، ورغم ظروف التطور الهائل الذي تشهده مجتمعات اليوم نحو العولمة وتجاوزها للوحدات الاجتماعية الصغيرة وتوجهها نحو الثقافة العالمية، فإن الآشوريين لا يزالون متمسكين بقيمهم وعاداتهم وتراثهم ولغتهم، بما فيه صوم نينوى، ويسعون من ممارستها الحفاظ على مقومات وجودهم القومي والديني ويأملون أن يمارسوها جميعاً في يوم ما وبأمان وحرية في وطنهم التاريخي الذي انبثقت منه أقدم حضارة عريقة أعطى شعبها للإنسانية كثيراً ولم يأخذ منها حتى القليل. ترى هل يحقق صوم نينوى أماني الآشوريين، تلك الأماني التي حملوها في صدورهم طيلة قرون طويلة من الزمن القاسي ؟

253
المؤتمر القومي العام " للكلدان السريان الآشوريين"... الحاضر الغائب !!!

أبرم شبيرا

كان حاضراً عندما أعلن تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية في الصيف الماضي عن عقد مؤتمر قومي في الوطن يحضره أكبر عدد من تنظيماتنا السياسية والقومية والمدنية والشخصيات الفكرية البارزة من داخل الوطن ومن المهجر لمناقشة قضايا قومية وسياسية حساسة ومصيرية، وكان أواخر سنة 2012 موعداً مبدئياً لعقد هذا المؤتمر. وأغنى حضور هذا المؤتمر كتابات ومقترحات بعض الأخوة الأعزاء من الكتاب والتي نشر بعضها في موقع عنكاوة دوت كوم. ولكن أنقضى عام 2012 والأنباء خالية تماماً عن إنعقاد  المؤتمر أو تحديد موعد لاحقل لإنعقاده وبالتالي يظهر بأنه دخل في دائرة الغياب. لقد غيًب هذا الحضور عوامل حمله الأعلان نفسه بين طياته كعوامل مطلوبة لإقامته تمثل منها، الأول: في العامل اللوجستي الذي يشمل مكان إنعقاد المؤتمر ومسألة توجيه دعوات الحضور للمؤتمر. والثاني: في التمويل المالي المطلوب لنفقات سفر المدعويين وإقامتهم وتنقلاتهم وغيرها من المصاريف. والثالث: جدول أعمال المؤتمر.

ولو حاولنا التمعن في هذه العوامل نرى بأن أصحاب الأعلان أعتمدوا على سابقة أخرى لمثل هذا المؤتمر والمتمثلة في المؤتمر الذي أنعقد في بغداد عام 2003. حيث كان مثل هذه العوامل متوفرة في تلك الفترة. فحرامي بغداد مستر بريمر، مع أعتذاري الشديد لحرامي بغداد عن هذا التشبيه، ضمنت صناديقه المعبئة بالدولارات (كاش) مسألة تمويل المؤتمر ومن ثم إنعقاده في فندق ذو خمسة نجوم. كما أن الأجواء السياسية والأمنية قبيل إنعاقد هذا المؤتمر كانت مشجعة بعد سقوط الدكتاتور فخلقت نوع من الإنفتاح والحماس والإندفاع لحضور المؤتمر أو لزيارة الوطن من قبل بعض أبناء أمتنا وأحزابهم السياسية وتنظيماتهم القومية في الهجر وبالتالي سهولة الحضور للمؤتمر. واليوم لا حرامي بغداد الأمريكي موجود ولا صناديق الدولارات لتمويل المؤتمر الثاني متوفرة بعد أن أفرغت في جيوب البعض ولا أعتقد بأن التمويل الذاتي خاصة الإعتماد على أبناء أمتنا في المهجر فكرة منطقية أن لم تكن "مزحة قومية" وبدون تعليق. كما أن الظروف السياسية والأمنية غير مشجعة لحضور ممثلي تنظيماتنا القومية والسياسية من المهجر أو في إنعقاد المؤتمر في ظروف أكثر آمنة خاصة في بغداد أو في المناطق الآخرى.
 
هناك عامل آخر مهم وأساسي غيًب وسيغيب إنعقاد مثل هذا المؤتمر بحضوره العام والشامل، وهو أن دعوة إنعقاد المؤتمر بدرت من تجمع التنظيمات السياسية للكلدان السريان الآشوريين وأنبثقت عنه لجنة تحضيرية أو ما شابهها للإعلان عن المؤتمر والتحضير له. ومن المعلوم عن هذا التجمع بأنه ينطوي تحت مظلته عدد من احزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية ولكن هناك أيضا عدد قد يكون قليلاً أو كثيراً، فاعلاً أو خاملاً، من الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية ورجال الفكر والثقافة لا يتفقون مع طروحات وسياسات هذا التجمع خاصة مع التسمية المركبة التي يتبناه أعضاءه وكنتيجة منطقية سوف لا يؤيدون هؤلاء أنعقاد مثل هذا المؤتمر أو لا يحضرونه حتى إذا وجهت الدعوات لهم. فحضور مثل هؤلاء للمؤتمر له أهمية كبرى لمناقشة الإشكاليات والمسائل المستعصية كسبيل لحلها والوصول إلى نتائج مفيدة. من هنا نقول بأن أهمية إنعقاد المؤتمر طالما لا يحضره هؤلاء ستكون معدومة وسيكون لا معنى له إذا حضره فقط المتفقين في الرأي والأفكار والسياسيات لا بل سوف تنتفي الحاجة إلى إنعقاده أصلاً طالما هناك إتفاق مسبق بين المؤتمرين خاصة في المبادئ الأساسية والإستراتيجيات. ولكن السؤال يبقى جوابه حاسماً في تحديد أهمية حضور هؤلاء الرافضين للتسمية المركبة: هل لهم ثقلاً قومياً وسياسياً في أمتنا وعلى الساحة السياسية العراقية لكي يكون لحضورهم أهمية في مناقشة القضايا المصيرية والحساسة؟؟؟ والجواب الحاسم موجود في الواقع الفعلي للعملية السياسية العراقية وعلى الساحة القومية لأمتنا فهو الذي يحدد مدى أهمية حضور هؤلاء للمؤتمر.

لا خلاف إطلاقاً على أهمية إنعقاد مثل هذه المؤتمرات القومية لحل الإشكاليات والمسائل المستعصية والوصول إلى التفاهم والإتفاق بين القوى السياسية والقومية لأمتنا ولا تنتفي مثل هذه الأهمية حتى أذا توصل المؤتمرون إلى الحدود الدنيا من النتائج أو جلسوا مع البعض وجهاً لوجه. وإنطلاقاً من هذه الأهمية لإنجاح مثل هذا المؤتمر سوف أقترح بعض الأفكار، لعلها تجعله حاضراً وفاعلاً في آن واحد رغم أن بعض كتابنا الأعزاء أشبعوا الموضوع أراءاً ومقترحاتً مفصلة عن المؤتمر والتي نشرت معظمها في مواقعنا الألكترونية، ولم يبقى إلا أن أوكد بعض ما ورد في هذه المقترحات والأراء وأن أضيف بعض من أفكاري ومقترحاتي عن هذا المؤتمر وكما يلي:

1)- كان يجب على تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية أن لا يكون هو نفسه الداعي للمؤتمر طالما له معارضين على الساحة السياسية القومية والمعروف عنهم رفضهم لمثل هذا المؤتمر أو الحضور إليه، كما بينًا في أعلاه، بل كان يجب عليه أن يتصل بهؤلاء ويطرح عليهم فكرة إنعقاد المؤتمر قبل الاعلان عنه لغرض تشكيل لجنة تحضيرية وبإتفاق الجميع ثم الإعلان عنه. هناك نقطة مهمة يستوجب إيضاحها وأن سمح لي القول إفهامها للذين لا يفهمون شروط إنعقاد المؤتمرات ونجاحها. أن التجمع متشكل من أحزاب وتنظيمات وواقعه الحالي يقول بأن أثنين من هذه الأحزاب والتنظيمات (الحركة الديموقراطية الاشورية والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري) لهما ممثلين في البرلمان المركزي والأقليمي وفي الحكومتين المركزية والإقليمة إضافة إلى وسائل إعلامية وقواعد جماهيرية ..,. ألخ، مما يضع التجمع بشكل أو بآخر في موقع قوة وأن يكون من أحسن التحالفات السياسية والقومية في أمتنا. وعندما تأتي الدعوة لإنعقاد مؤتمر من قبل "القوي" أو "الأقوى" في المجتمع فإن مثل هذا المؤتمر سيكون مؤتمر فرض وخضوع بالنسبة للـ "الأضعف"  خاصة إذا كنًا نعرف بأن "الأقوى" له طروحات سياسية مختلفة ومتناقضة مع "الأضعف". (مع التحفظ الشديد لمفهومي القوي والضعيف فالمعنى هنا ليس معنوياً بل معياريا). وبعبارة أخرى، عندما تأتي الدعوة من قبل التجمع وهو المتبني للتسمية المركبة مثلاً فهذا سيعطي إنطباعاً في أن يكون المؤتمر متبنياً أيضاً لهذه التسمية أو ينعقد تحت شعارها أو تكون الكلمة الشائعة في جدول أعماله وفي خطابات المؤتمرين، فأن مثل هذا الإنطباع سوف يترك تصوراً بأن هناك شروط مسبقة قائمة على فرض هذه التسمية المركبة على الآخرين ونحن جميعاً نعرف بأن التسمية المركبة هي أحدى الإشكاليات الأساسية القائمة بينهم. أي بهذا المعنى سيكون هذا مؤتمر خضوع ولا يقبله الآخر المختلف ما لم تكن هناك مقترحات لحل هذه المشكلة المستعصية وقناعة وثقة متبادلة بين الطرفين. ولأكون أكثر صراحةًً، فأن الكلدان والآشوريين المتبنيين لتسمياتهم المفردة سوف يعارضون مثل هذه المؤتمرات ولا يحضرونه حتى ولو وجهت الدعوات لهم. بالمقابل وكرد فعل، فهولاء أيضا سيعرضون شروطهم الخاصة كشرط مسبق وأساسي لحضور المؤتمر. أما إذا جاءت الدعوة لعقد مؤتمر قومي من لجنة تحضرية متشكلة من كل أو معظم أحزاب وتنظيمات أمتنا وبمختلف التسميات المركبة والمفردة وبدون شروط مسبقة صراحة أو ضمناً فإن أحتمال حضور الجميع أو معظمهم سيكون كبيراً ونجاحه سيكون وارداً حتى ولو أكتفوا بتصافح الأيدي وتبادل الأفكار والكلمات، فمثل هذا المؤتمر سيكون مؤتمر وفاق يفيد الأمة أكثر بكثير من أي مؤتمر آخر له مؤشرات فرض وخضوع.   

وأود أن أزيد نقطة أخرى في قيام التجمع وحده بتبني فكرة المؤتمر وتشكيله لللجنة التحضيرية. إذ إن حال التجمع التنظيمي غير مطمئن إليه بسبب التذبذبات الحاصلة في بنيانه فمن خلال عمره القصير يظهر بأن مظلتة مخرومة حيث يتسرب من خلالها بيانات وتوضيحات وإنتقادات ضد بعضهم البعض وعلى الهواء الطلق في الوقت الذي كان يستوجب معالجة مثل هذه الأمور تحت المظلة نفسها من دون السماح لها من التسرب إلى الخارج. فكيف والحالة هذه أن يستطيع جمع الكل، خاصة المعارضين له في مؤتمر والوصول إلى نتائج مرضية في الوقت الذي هو لا يستطيع أن يحل مشاكله ويلملم بنيانه في هيكلية تنظيمة أكثر تماسكا وعملاً. ولكن من الضروري التوضيح إن التجمع مع كل هذه "الخروم" في مظلتة فأنه يجب أن لا يفهم منه بأنه رفض له. فالبقاء تحت مظلة مخرومة خير من البقاء بدونها في العراء. فالواقع أكد ويؤكد بأن التجمع لا يزال من أكثر التحالفات ديمومةً وأكثرها ظهوراً ونشاطاً، حيث أكد هذا الواقع بأنه لا يوجد تنظيم تحالفي آخر أحسن منه رغم كل السلبيات والمعوقات التي تعتريه.. وكما قال ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق عن النظام الديموقراطي عقب خسارته للإنتخابات بعيد الحرب الكونية الثانية (النظام الديمقراطي سيء ولكن لا يوجد نظام أحسن منه)، وهكذا أيضا وعلى نفس المنوال نقول بأن التجمع ضعيف وخجول ومهلل البنيان ولكن لا يوجد أحسن منه في الوقت الحاضر.

2)- شغل مكان إنعقاد المؤتمر وعدم إمكانية تحديد المكان الأنسب والآمن لإنعقاده حيزاً كبيراً في غيابه وتلاشي فكرة إنعقاده ذلك لأن عقدة المؤتمر الأول لعام 2003 المتمثلة في فنادق ذو خمسة نجوم وقاعات فسيحة بكل مستلزمات الراحة وأنظمة الصوت كما نشاهدها في المؤتمرات العالمية قد طغت على أصحاب الدعوة للمؤتمر الثاني. غير أن العوامل المساعدة لإنعقاد مؤتمر بهذه المواصفات الترفيهية قد تلاشت كما سبق وأن ذكرنا في أعلاه، فاليوم واقع آخر يختلف كلياً عما سبق قبل أكثر من تسعة سنوات. فإذا كان أمر مكان إنعقاد المؤتمر يظهر في البداية بأنه مرتبط بالتمويل المطلوب والأجواء الآمنة فإن مثل هذه العوامل ستزول أو ستخف إذا أنعقد المؤتمر في أحدى بلدات اوقصبات شعبنا في منطقة الحكم الذاتي لكردستان حيث الأمن والإستقرار أكثر ضماناً من غيرها من المناطق في العراق. وأكثر من هذا فإن إنعقاد المؤتمر بين أبناء شعبنا سيزيد من تلاحمهم بالتنظيمات التي يمثلونهم ويزيد من أهتمامهم بالقضايا المصيرية التي سيتناولها المؤتمر لا بل سوف يعطي إنطباعاً عن إلتصاقهم بارض الأباء والأجداد وقد يكون ذلك نوعاً من الرد البسيط على التجاوزات الديموغرافية لمناطق أبناء شعبنا. فهناك العشرات من القرى والقصبات المضيافة لأبناء أمتنا في هذه المنطقة من الممكن جداً تهيئتها لتكون أمكنة مناسبة لإنعقاد المؤتمر والتي لا يتطلبها تمويل ضخم ولا حراسات أمنية مشددة. وألقوش الحاضرة دائماً في التاريخ البعيد والقريب، أم القرى ورحم تاريخ أمتنا، يجب أن تكون في مقدمة هذه القصبات الملائمة لإنعقاد المؤتمر. ولا أستطيع أن أضيف أكثر بهذا الشأن مما ذكره الأخ الكاتب سيزار هوزايا في مقالته (مؤتمر قومي في ألقوش ... فخذوا العبرة منها) عندما كتب في هذا الموضوع وأقترح ألقوش مكاناً لإنعقاد المؤتمر وقال (.. أن التمويل الذاتي ومكان إنعقاد المؤتمر وحماية المؤتمرين كلها قضايا تتبخر على أرض كأرض ألقوش، فأنتم أعزائي المسؤولين بحاجة لأرض تعيدكم إلى بساطتكم، إلى حقيقة شعبكم وواقعه، إلى جذوركم، إلى مدرسة عوضاً عن فندق راق، إلى دير تتأملون فيه في مستقبل شعبكم عوضاً عن منتجع، إلى التواجد بين الأخوة عوضاً عن رجال الحراسات والأمن. أنتم بحاجة إلى أرض تنامون عليها وتأكلون منها وتشربون من مياهها، لتتذكروا أعزائي "المسؤولين" أنكم مسؤولين عن تلك الأرض وذلك الشعب الذي رضي بأن تمثلوه ... أنكم بحاجة إلى أن تنتجوا جهداً أخوياً تجاه شعبكم بدلا من صور تذكارية ولقطات تلفزيونية، أنتم بحاجة عوضاً عن بوفيه مفتوح وجلسة عشاء ومأدبة غذاء في باحة الفندق، إلى ضيافة أناس ألقوش، فهم بالأمس في وقت الضيق وتحديداً قبل 79 عاماً أستقبلوا بتلك الضيافة وذاك الحب الأخوي من لجأ من مذبحة سميل)... أنتهى الإقتباس. وقد تكون أحدى المدارس أو الأديرة خاصة دير سيدة الزروع (ديرا خثايا – الدير التحتاني) مكاناً مناسباً لإنعقاد المؤتمر (طبعاً بعد حصول موافقة الجهات الكنسية) حيث تتوفر فيه بعض المستلزمات من قاعات وساحات وكذلك غرف لإقامة المؤتمرين يمكن تهيئتها لعقد المؤتمر.

3)- أرجو أن لا نكون مصابين بـ "عقدة الخواجة" معتقدين بأن أبناء شعبنا ومنظماتهم في المهجر أحسن من أخوتهم في الوطن. فمن البداية يجب أن نكون محصنين من هذه العقدة لأنها لا تخدم، وبشكل مباشر، مصلحة الأمة في الوطن. لاشك فيه أن الكثير من أبناء أمتنا ومنظماتهم في المهجر يهمهم أمر أخوتهم في الوطن ومساندتهم لنضالهم من أجل نيل حقوقهم القومية ولكن أسلوب عملهم القومي يختلف عن أخوتهم في الوطن من حيث طبيعة ونوعية نشاطهم السياسي والقومي ومساحة الإستعداد للتضحية، لا نقول بالحياة، بل بالمال والجهد والوقت، وهو موضوع طويل ووعدا منيً بأنني سأفصل عنه في وقت لاحق. من هذا المنطلق فإنني أقترح أن توجه الدعوات لعقد المؤتمر إلى أبناء أمتنا في الوطن فقط ومن دون المهجر ومن المفكرين والمثقفين والكتاب وأحزابهم السياسية ومنظماتهم القومية ويجب أن لا تمتد هذه الدعوات إلى الجمعيات الخيرية أو الكنسية أوالفرق المسرحية وغيرها التي هي بعيدة عن عالم السياسة كما حدث في مؤتمر بغداد لعام 2003 حيث غلب الكم على النوع فحضره 42 شخص ومنظمة وحزب وفرقة مسرحية وكان عدد المشاركين 198 شخص وهو أمر يجب تجنبه في المؤتمر القادم.

4)- يظهر بأنه ورثنا عن أجدادنا البابليين والآشوريين والكلدانيين عقلية عدم الإكتراث للجغرافيا، وهذا ما يظهر في عقلية الداعين للمؤتمر عندما أقترحوا موعداً لعقده قبل نهاية عام 2012 حيث يكون الطقس بارداً جداً وممطراً خاصة في المنطقة الشمالية من الوطن. ومثل هذه الظروف المناخية القاسية ستكون عاملاً معرقاً لحضور المدعوين ولتنقلاتهم وتوفير مستلزمات الراحة والإقامة لهم خاصة عندما تكون وسائل التدفئة والمواصلات غير متوفرة أو مناسبة إذا أنعقد المؤتمر في أحدى قصبات أبناء أمتنا إضافة إلى حرمانهم من الساحات الفسيحة لإقامة النشاطات أثناء أيام المؤتمر. لهذا السبب فإن إنعقاد المؤتمر في أجواء مناخية مناسبة، خاصة في فترة الربيع، يكون عاملأ مساعداً في إمكانية التحضير للمؤتمر وإتمامه بالشكل المناسب والمريح للمؤتمرين. لعل يكون نهاية شهر آذار وبداية شهر نيسان من هذه السنة (2013) موعداً مناسباٌ من نواحي عديدة، جغرافية وزمنية وتراثية، حيث تزدان أعياد القيامة وأكيدو بإحتفالات إنعقاد المؤتمر.

5)- التمويل... عصب الحركة نحو إمكانية عقد المؤتمر... ولما كان التمويل غائباً عن المؤتمر المزمع عقده إذن هذا يستوجب تقليل المستلزمات والنشاطات التي يتطلبها التمويل وبالتالي ستزداد إمكانية عقد المؤتمر. فالمقترحات المبينة في أعلاه، منها مكان إنعقاد المؤتمر وتقليص عدد المدعوين سوف تخفف الحاجة الملحة للتمويل. ولكن مع هذا يبقى التمويل عاملاً مطللوباً لتحقيق المستلزمات والنشاطات الضرورية التي يتطلبها المؤتمر وبشروط إنعقاده المخففة. ولما كانت الأحزاب الرئيسية والمنظمات القومية الفاعلة أكثر معنية بأمر إنعقاد مثل هذه المؤتمرات القومية لذا سيكون لازماً عليها أن تكون هي مصدراً لتمويل المؤتمر إلى جانب بعض الشخصيات القومية المعروفة بسخاءها المشهود في التبرع للنشاطات القومية. ولكن مع هذا وذاك فإن تخصيص نسبة معينة من رواتب ممثلي أمتنا في البرلمانين المركزي والإقليمي وفي الحكومتين المركزية والإقليمية ستكون عاملاً أساسياً في تمويل المؤتمر، وكلنا يقينين بأن تخصيص نسبة بسيطة من رواتب "ممثلي الأمة"  سوف لا تجعلهم يتضرعون جوعاً، فشعرة من جلد الخنزير الكثيف لا يعري جسمه إطلاقاً.                 

254
إلى المثقفين والكتاب من أبناء أمتنا في سان دياكو- كاليفورنيا
 دعوة لتناول فنجان قهوة

                                                                                                                                       أبرم شبيرا

قد يبدو الأمر غريباً ودعوة مثيرة للتساؤل لتناول فنجان قهوة في مدينة سان دياكو الجميلة، ولكن كما يقال لم يكن في الأمر حيلة غير أن ألجئ إلى هذه الوسيلة لتوجه الدعوة واللقاء مع أبناء أمتي وتناول فنجان قهوة سوية، ليس لمناقشة موضوع التسمية المركبة ولا قضية الحكم الذاتي لأمتنا في وطننا الحبيب ولا الدخول في مواضيع حامية ومعقدة أخرى، بل لمجرد التعارف وتبادل الأحاديث الودية بيننا، وهي الوسيلة الفاعلة والمباشرة في التفاعل والتفاهم وتبادل الأراء ورؤية الوجوه الطيبة مباشرة وليس عن طريق الإنترنيت أو المواقع الألكترونية فحسب. فعندما أقرأ موضوعاً في عنكاوه دوت كوم من كاتب يذل أسمه بأسم مدينة سان دياكو يخالجني نوع من الشعور بالنزعة "الأقليمية" أو "المناطقية" وأشعر كأن هناك صلة أخرى تربطني به.

 كلما أزور سان دياكو وأستمتع أي إستمتاع مع عائلتي ونحن نطوف في أرجاء سان دياكو وجبالها الخضراء وشوارعها الهادئة، وعندما أزور كنائسنا هناك أجد أعداد هائلة من المصلين يحضرون القداديس التي تتلو بلغتنا العظيمة التي تقدست بشفاه ربنا يسوع المسيح، ولكن مع كل هذه النعمة التي أنعمها الرب عليً أجد في بعض الأحيان بأن شيء واحد ينقصي في سان دياكو... وهو الشيء الذي أرتبط بحياتي منذ فترة نضوجي وتسرب الفكر القومي إلى أخاديد دماغي ... وهو اللقاء بالأصدقاء وبأبناء أمتي الذين لهم نفس إهتماماتي، سواء أتفقنا مع البعض أم لا، فهم جميعاً يشكلون المصدر الأساسي والفاعل في تعلمي منهم وتوسيع مداركي وإغناء معارفي...  للصراحة أصارح وأقول بأنه من خلالهم أجد نفسي وبدونهم أضيع في متاهات الحياة الرتيبة... إنني، بحكم طبيعة عملي، زرت وأزور الكثير من البلدان وخاصة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنها تونس والمغرب ... ولكن رغم جمال هاتين الدولتين وطيبة أهلها، طبعاً قبل "الصقيع العربي"، فأنها كانتا بالنسبة لي كالجحيم، فلنقل (جنة بدون ناس - من كلدان وسريان وأشوريين - ما تنداس). غير أن الأمر في سان دياكو يختلف كثيراً ففيها الكثير من الكتاب والمثقفين الذين تبرع أقلامهم وتتناثر أفكارهم على مواقع ألكترونية كثيرة ومنها موقعنا المفضل عنكاوه دوت كوم. ولكن كيف ألتقي بهم ونتعارف وجهاً لوجه... فالجواب ليس إلا عن طريق هذه الدعوة.... حيث سأكون خلال أيام أعياد الميلاد المجيدة ورأس السنة الجديدة في سان دياكو في مدينة ألكاهون وأنني أدعو كل من يرغب من مثقفي وكتاب أمتنا المتواجدين في هذه المدينة لتناول فنجان قهوة معاً في مقهى ستار باكس في مجمع:(رنشو سان دياكو) -
 (Starbucks –– San Diego Rancho) في الكاهون (El Cajon) بين الساعة السابعة والسابعة والنصف مساءاً من يوم الخميس المصادف 27/12/2012. وهذا المقهى معروف لأبناء أمتنا في هذه المدينة حيث الكثير منهم يقضون أوقاتاً إجتماعية نزيهة، خاصة الجيل القادم من الوطن وله ذكريات فيها والتي هي عادة المادة الأساسية في تبادل ذكرياتهم وأحاديثهم..... فأهلاً وسهلاً بالجاي واللي ما جاي ..
 
أبرم شبيرا   
Shapera2000@yahoo.com

255
إذا لا تستطيع قيادة أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" التعلم من مثقفيها فلتتعلم من الحيوانات !!!

                                                                                                                                 أبرم شبيرا
 الوضع القومي والسياسي المأساوي لإمتنا في الوطن هو جزء من الوضع المأساوي العراقي ككل ولكن يختلف عنه بل يفوق عليه بمئات المرات لأن وضع الأمة "الكلدانية السريانية الآشورية" وبكل تنظيماتها القومية، السياسية منها والدينية، قائماً على محك الإقتلاع من الجذور والتهديد بالزوال سواء عن طريق التهجير إلى الخارج أو الإحتراق في أتون الإرهاب. زد على ذلك أن اللاعب الرئيسي في الوضع المأساوي العراقي وأقصد القابعين على السلطة في العراق يمتلك القوة والجاه والمال وعلى العكس تماما منه فاللاعب الرئيسي في الوضع المأساوي لأمتنا لا يملك غير كرسي مهلل ومكسور لايستطيع الصمود أمام الرياح السوداء العاتية. والأنكى من هذا وذاك هو أن "ممثلي" أمتنا الجالسين على هذه الكراسي راضين مرتاحين لا يهمهم الكسور الموجود في كراسيهم طالما هي مصدر لإمتلاء الجيوب والبطون.  
سألني ذات مرة صديق قائلاً لماذا المجتمعات تحتاج إلى الأحزاب السياسية فقلت له وببساطة تتلائم مع مستوى معرفته بالسياسة بأن حال الحزب السياسي كحال السد المقام على النهر. فالنهر يفيض في مواسم معين وينخفض مستواه أو يجف في مواسم أخرى. فالسد يقام على النهر كي ينظم مستوى المياه فيه سواء في حالة فيضانه أو جفافه وبالتالي يساهم السد في رفاهية المجتمع سواء في أرواء العطشى أوسقي الحقول.. وهكذا هو حال المجتمع فواجب الحزب أن ينظم حياته العامة سواء عن طريق الحفاظ على حقوق المجتمع وتطويرها نحو الأحسن أو النضال من إجل نيل هذه الحقوق عندما تهمش أو تبتلع من قبل الغير. فعندما يغش المهندسون والبناؤون في بناء السد خلافاً للمواصفات الهندسية المطلوبة للسد القادر على تحمل سيول النهر فأنه سرعان ما ينهار أو يجرفه النهر وبالتالي يكون المجتمع هو الخاسر الأول والأخير. وحال الحزب السياسي هو نفسه كحال مثل هذا السد، فعندما تكون قيادته هشه وذات أفق ضيق تنظر إلى مصلحتها قبل مصلحة المجتمع فأنها سرعان ما تنهار أو تتراجع نحو برجها العاجي وتصبح بعيدة عن الجماهير. فحال أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية يجب أن تكون كحال السد المبنى على مواصفات هندسية صحيحة غير مغشوشة لأن جريان سيول النهر في الوضع العراقي الحالي قوية جداً تفوق بكثير قوتها وسوف تزيحها نهائيا من الساحة السياسية ما لم تستند على المواصفات الجماهيرية الصحيحة وتستمد قوتها منها لتكون ضامنة في حماية حقوق الأمة "الكلدانية السريانية الآشورية" في العراق وإلا ستصبح في خبر كان سواء عاجلاً أم آجلاً. وليس بالأمر الجديد في القول بأن الجماهير هي مصدر قوة هذه الأحزاب فبدونها هي لا شي، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف تستمد الأحزاب قوتها من الجماهير؟ لا شك فيه بأن هناك عدد مختلف ومتنوع من المصادر التي تستمد الأحزاب قوتها من الجماهير ولكن  حتى أكون أكثر وضوحاً وتحديداً سوف أعتمد على مصدر يدركه معظم أبناء أمتنا وخاصة المثققين منه وقادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية وحتى الدينية. أقول: بين فترة وأخرى نقراْ في الكثير من المواقع الألكترونية عن أفكار ومقترحات من مثقفي وكتاب أمتنا ناهيك عن الكتابة مباشرة إلى هذه الأحزاب والمؤسسات، وليس المهم عن مدى منطقية أو فائدة هذه الأفكار والمقترحات ولكن المهم هنا هو أن تكون قد قرأت وفهمت من قبل قيادة هذه التنظيمات وهذا أمر رغم إننا نجهله ولكن نشك في أن يكون قد قرأوها أو فهموها لأن طبيعة الكرسي الجالسين عليه ورغبتهم المميتة في التشبث به يجعلهم يرتابون ويخشون من كل فكرة أو مقترح يخصهم أو نقد يوجه لهم. هناك العشرات أن لم تكن المئات من المواضيع المهمة والمفيدة التي تنشر في المواقع الألكترونية من قبل خيرة مثقفي وكتاب أمتنا ولكن بالله عليكم يا قراءنا الأعزاء هل سمعتم أو قرأتهم يوماً رداً إيجابيا على هذه الأفكار والمقترحات حتى ولو كان الرد بضعة سطور يقول (قرأنا موضوعك بخصوص .... فهو موضع دراسة من قبل القيادة ونود بهذا الخصوص أن نشكرك على إهتمامك بتنظيمنا... ) فمثل هذا الرد  سيزيد من أحترام القيادة لدى الجماهير ويعظم من إلتصاقها بها وبمثقفيها وكتابها.
أليكم يا قراءنا الأعزاء مثالين في هذا السياق ومن مستويين: كنسي وسياسي. قبل بعضة سنوات كنًا في توديع أحد مطارنتا الأجلاء لكنيستنا المشرقية العظيمة وهو ذاهباً لحضور المجمع السنهادوسي للكنسية وقلت له يا سيادة المطران لديً بعض المقترحات قد تكون مفيدة في تطوير الأمور الإدارية للكنيسة. فكان رده كالآتي (يا أبرم ... أنتم أمتنايه – القوميين – أخذتم كل شيء منًا ولم يبقى لنا إلا هذا المجمع السنهادوسي أفهل تريدون أن تأخذوه منًا أيضا ونبقى بدون شيء). وعلى المستوى السياسي: كنت قد كتبت قبل أشهر بعضة مواضيع ومقترحات في تطوير العمل السياسي لأحزابنا السياسية وأرسلت البعض الآخر إلى أحدى أحزابنا السياسية.... وقد تسربت بعض المعلومات من إجتماع قيادة هذا الحزب وذكر فيه قول (أن أبرم شبيرا ينبح كثيرا في هذه الأيام !!!!) ونحن نقول بهبذا الصدد الكلاب النابحة غير من الأسد النائم.  
في هذه الأيام نقرأ كثيرا عن الأزمة الإدارية التي تمر بها المؤسسة الكنسية الكلدانية وهناك الكثير من كبار مثقفي وكتاب أبناء أمتنا المنتمين لهذه الكنيسة يعبرون عن خشيتهم من الوضع المتأزم في إدارة هذه المؤسسة الكنسية ويقدمون مقتراحات بناءة ومفيدة جدا في إصلاح الخلل الإداري فيها ونحن والكثير من القراء يعرفون بأن هؤلاء يعتبرون من خيرة مثقفي وكتاب أمتنا وليس لهم أية مطامح أو نوايا ذات طبيعة شخصية أنانية تجاه الكنيسة الكلدانية ولا يسعون إليها إلا الخير والتقدم، ولكن هل سمعنا أو قرأنا ذات يوما بيان أو رأي من بضعة سطور أو كلمات صادر من مطران هذه الكنيسة أو من مركزها الإعلامي التابع للبطريركية يشكر هؤلاء على إهتمامهم بكنيستهم وحرصهم على أزدهارها وتقدمها حتى وأن كانت لا تتطابق كلياً مع توجهات المؤسسة الكنسية؟؟؟.
هناك أزمة فكرية ونفسية تطوق عقلية قادة تنظيماتنا السياسية والقومية والدينية نعتقد شخصياً بأنها تقوم على نوع من الشك والريبة تجاه الآخر وبالتالي فإن كل ما يصدر من هذا الآخر هو موضوع شك وريبة ولا يفسرونه إلا كونه تهجم وإهانة وتخريب حتى ولو كان هذا الآخر من أعز أبناءهم وأكثرهم علماً ومعرفة وحرصاً على مصلحة المؤسسة أو الحزب الذي يعتبره "ممثله" على الأرض والسماء. فمثل هؤلاء القادة لا يهمهم شيئاً غير أمراً واحداً ربطوا مصيرهم وحياتهم به وهو............ "الكرسي" .... وما يجنيه هذا الكرسي عليهم من إمتيازات تصب أولاً وأخيراً في جيبهم ولا يذهب إلى الأمة حتى "شعرة من جلد الخنزير". لذلك عليهم "النضال المستميت" من أجل هذا الكرسي والخشية كل الخشية من الآخرين الذين يريدون "زعزعت" هذه النعمة التي يخلقها هذا الكرسي لهم.
 قبل بضعة أشهر كنت في زيارة قصيرة لبغداد وجاء على علمي بأن السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي يخصص 75% من راتبه الرسمي كذلك غيره من أعضاء اللجنة المركزية  يخصصون نسب معينة من راتبهم الرسمي الذي يتقاضونه لنشاطات الحزب والمنظمات المدنية التابعة له. لا أدري فيما إذا كانت هذه المعلومة صحيحة أم لا ولكنها مثال نموذجي لمدى إلتصاق قيادة التنظيم بحزبه وبجماهيره. أن ممثلي أمتنا تربعوا على كراسي البرلمان والمناصب الوزارية والإدارية الرفيعة ليس بسبب كفاءتهم وجهودهم المضنية وإنما بأصوات أبناء أمتنا الذين هم مصدر نعمة المال والمنصب والجاه التي أنعموها عليهم. أفليس من حق التنظيمات المدنية والمؤسسات الخيرية لأمتنا أن تخصص لهم نسبة من رواتب وتخصيصات ممثليها في البرلمان والوزارة والمناصب الرسيمة الأدنى؟ أم هذا حرام وكفر أن نبوح بمثل هذه الكلام لأن هذه النعمة ورثوها عن أبناءهم وأجدادهم وهي حصراً بهم؟؟
فإذا كان ممثلي أمتنا وقيادة تنظيماتنا السياسية والقومية يخشون ويخافون من قلم المثقفين والكتاب خشية صاحب القصر من اللصوص ولا ترغب إطلاقاً التعلم منهم لأن مثل هذا التعلم قد يقودها إلى الأعتراف بمكانة المثقفين والكتاب وبالتالي إنكشاف قزمية "ممثلي" أمتنا أمام التحديات المصرية، فإذن نقترح عليهم أن يتعلموا من الحيوانات لأن هذه الأخيره لا تشكل مصدر خوف لهم طالما لا تستطيع هذه الحيوانات أحتلال كراسيهم والجلوس عليها والتمتع بالنعمة التي تنعمها عليهم. وإليكم قصة طيور الأوز وكيفية التعاون بينها وفي تناوب القيادة والتضحية في سبيل الكل ولعل قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية تتعلم منها.                                                                                                                                     أبرم شبيرا
عندما تهاجر الأوز وتقطع  مسافات طويلة جداً فهي تطير سرباً على شكل حرف (V)... لماذا؟ لأنها مسألة متعلقة بوجود حياة الأوز وإستمرارها. فكل أوزة عندما تفرش جناحيها وتطير فأنها تخلق نوع من قوة الدفع نحو الأمام للطير الذي يليه، أي بعبارة أخرى فالطير الأمامي يساعد الطير الذي خلفه وهذا الأخير يساعد الذي يليه ... وهكذا. فقد دلت المعلومات بأنه عندما تطير الأوز على هذا الشكل فأنها تضيف قدرة للطيران تزيد عن 71% مقارنة بالطير الذي يطير لوحده. وعندما تشذ أوزة واحدة عن السرب فأنها فجأة تشعر بالتأخر والتخلف عن بقية أعضاء السرب وتشعر بصعوبة في الطيران لوحدها لذلك سرعان ما ترجع وتدخل السرب مع بقية الطيور. هكذا الحال مع الإنسان فالأشخاص الذين يشتركون في الهدف والاتجاه ولهم شعور جماعي مشترك فأنهم يستطيعون تحقيق الأهداف والوصول إلى مقصدهم بسهول أكثر بكثير من الذين يسيرون لوحدهم.... وعندما تشعر الأوزة "القائدة" التي تكون في مقدمة السرب بالتعب والإرهاق فأنها تنسحب وتدخل السرب وتحل محلها أوزة أخرى وتتولى قيادة السرب.... فإذا كان للناس سلوك مثل سلوك الأوز سوف يدركون بالنهاية بأن نجاحهم يعتمد بالدرجة الأولى على العمل كفريق موحد وأخذ أدوار المهماة الصعبة "القيادة" بالتشارك والتناوب.... أين نحن  بكل تنظيماتنا السياسية والقومية والدينية من هذا السلوك الجماعي؟؟؟؟؟  خاصة في مسألة التناوب على القيادة ...أفهل لقادة أحزابنا وتنظيماتنا قدرة على التعلم من هذه الطيور؟؟؟

إضافة لذلك فإن لكل طير من طيور سرب الأوز دوراً محدداً حتى الطير الأخير الذي لا يوجد خلفه أي طير ليساعده برفرة جناحيه في السير قدماً فأن له واجب الصياح من مؤخرة السرب لتشيجع بقية أعضاء السرب للإستمرار قدماً وطمأنتهم على سلامة سيرهم نحو الاتجاه الصحيح.... هكذا يجب أن يكون صياح الناس مشجعاً ومطمئناً لبقية أفراد المجتمع وقيادته لا تهجماً شخصياً أو كذباً محبطاً للناشطين والعاملين في المجتمع ولكن بالمقابل، وهو الأهم، على القيادة أن تسمع أصواتهم وإلا الضياع سيكون نهاية مسيرتها.... آخر زمان ... لم يعد لنا قدرة التعلم حتى من الطيور... متى نكون سرباً ويكون لكل واحد منا دوراً محدداً ومتناوباً... متى يدركون قادة أحزابنا وتنظيماتنا بأن لكل إنسان على هذه الخليقة طاقات وقدرات محددة ولا يمكن الإستمرار لسنوات طيولة من دون أن تستهلك بمرور الزمن. لقد أثبت علم السياسة نظرياً وتطبيقياً بأن القائد الذي يستمر لفترات طويل في قيادة حزبه أو أي مجتمع حتى ولو كان منتخباً إنتخاباً ديموقراطياً ويمتلك قدرات وطاقات فذة ويلهم أنصاره وجماهيره بحكمته في القيادة الناجحة فأن بقاءه في الحكم أو القيادة لفترات طويلة يكون ثمنها إستهلاك طاقاته وقدراته وبالتالي تناقصها أوتلاشيها مما يصبح فاقداً لوسائل الحكم والقيادة المقنعة لجماهيره فيدفعه الإصرار على الإستمرار في القيادة لفترات أطول إلى اللجوء إلى وسائل أخرى غير مقنعة لجماهيره كالتسلط والتفرد بالقرار والعنف والرشوة والمحسوبة والشللية فيظهر في نهاية المطاف كدكتاتور متسلط على الحكم والناس. من هذا المنطلق فإن معظم دساتير الدول الديموقراطية والأنظمة الداخلية لأحزابها السياسية تحدد مدة رئاسة الدولة أو قيادة الحزب بفترات معينة ومحددة. ويظهر بأن طيور الأوز قد فهمت وألتزمت بهذه النظرية في القيادة، أفهل يفهمها قادة أحزابنا وتنظيماتنا ويلتزمون بها؟؟؟    
متى نكون سرباً من أسراب خلق الله ونحن ليل نهار نتباهي بماضينا ونركع ونصلي لأسد بابل و الثورالمجنح حتى ينفح الله فيهما الروح ويرجعون لنا أمجادنا ..... أرجو من زعماءنا السياسيين والكنسيين مراقبة مواسم هجرة طيور الأوز ويتعلموا منهم ولو الشيء القليل.... التعلم حتى من أبسط المخلوقات ليس عيباً إنما العيب، كل العيب، هو أن ندعي العلم ونحن فراغاً منه، وأن ندعي الحكمة والمنطق ونحن طبلاً فارغاً، وأن ندعي الوعي والقومنة ونحن نياماً ونفاقاً، فهل أصبح الزمان غداراً لدرجة يحشرنا في زاوية اليأس والقنوط ونلجأ إلى الحيوانات لكي نتعلم منها؟؟ أم لايزال هناك ضوءاً بسيطاً جداً في نهاية النفق.

 هكذا ببساطة نقول بأن الحل لأمتنا ولقادة تنظيماتنا السياسية والقومية هو أن يتعلموا من طيور الأوز في التعاون الجماعي والمثمر وفي التضحية من أجل الجماعة وكيفية قيادتها والتناوب عليها وأن يكون الفرد للجميع والجميع للفرد. وإذا كانت الأوز تعمل ذلك بالفطرة فإن الإنسان يعمل بالوعي ... أفهل لنا وعي كافي لنعمل مثلما تعمل الأوز؟؟؟؟ . فإذا كان قادة أحزابنا السياسية وتنظيماتها القومية ومؤسساتنا الكنسية لا تريد أن تتعلم من مثقفيها ومفكريها لأنهم يخافون منهم فالأرجح لهم أن يتعلموا من الحيوانات التي ليس لها أية مطامح في أزاحتهم من كراسهم والجلوس عليها... آخر زمن ... فرض الزمان الغادر أن نلجأ إلى الحيوانات لنتعلم منها كيفية تدبير أمورنا السياسية والقومية!!


256
مشاركة الأحزاب "الكلدانية السريانية الآشورية" في نظام الحكم العراقي
حقيقية نافعة أم شكلية مضرة  ؟؟!!

------------------------------------
أبرم شبيرا

 من أبجديات علم السياسة في تعريف الحزب السياسي في أبسط معانيه هو "مجموعة من الأفراد يخضعون لتنظيم معين ويؤمنون بأفكار معينة ويسعون لتحقيقها عن طريق الوصول إلى السلطة". إذن، بهذا التعريف المسبط للحزب، يمكن القول بأنه يقوم على أربعة مقومات وهي (1) الأعضاء أو الكوادر (2) الفكر أو الإيديولوجيا (3) التنظيم أو النظام الداخلي، وأخيراً والأهم (4) السعي للوصول إلى السلطة السياسية. المقومات الثلاثة السالفة الذكر تنطبق على معظم التنظيمات بما فيها جماعات الضغط والنقابات والجمعيات والأندية والأخويات وغيرها كثيرة ولكن تفتقر إلى المقوم الرابع إذ ليس لها رغبة أو هدف أو مسعى للوصول إلى السلطة السياسية فعوضاً عن ذلك فإنها  تمارس ضغطاً على الحكومة ومراكز صنع القرار السياسي من أجل تحقيق مصالحها. وبعكس هذا فإذا سعى أي تنظيم من هذه التنظيمات للوصول إلى السلطة السياسية لغرض تحقيق أهدافه فأنه في هذه الحالة يتحول إلى حزب سياسي مهما كان أسمه سواء أكان حركة أو جبهة أو جمعية  أو نقابة مهنية أو حتى نادي إجتماعي. هذه البديهية في نظرية الأحزاب السياسية كانت تنطبق على المنظمة الآثورية الديمقراطية (مطكستا) في سوريا وعلى الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) قبل سقوط نظام البعث في العراق. فالأولى أستطاعت في سنوات مضت أن تدفع بمرشحها للإنتخابات البرلمانية والفوز بمقعد لها في البرلمان السوري. كما أستطاعات الحركة الديموقراطية الآشورية الفوز بأربعة مقاعد لها من خمسة المخصص "للكلدان السريان الآشوريين - المسيحيين" في برلمان إقليم كردستان في العراق في بداية التسعينيات من القرن الماضي، لهذا السبب لم يكن لهم في تلك الفترة أحزاب سياسية حقيقية بالمعنى العلمي المعروف غير مطكستا وزوعا.

أن أحد أوجه أو تفسيرات مبدأ حق تقرير المصير للشعوب والأمم، خاصة بالنسبة للأقليات التي لا تتوفر فيها مقومات كاملة وظروف سياسية مناسبة في أقامة دولة قومية خاصة بها، هو مشاركة ممثلي الأقليات  في السلطة السياسية للدولة وفي عملية صنع القرار السياسي وعلى شرط مهم جداً وهو أن تكون هذه المشاركة حقيقية فاعلة وليست رسمية وشكلية فقط. (للإستزادة عن هذا الموضوع أنظر كتيبنا المعنون (حقوق الآشوريين السياسية في العراق في ضوء حق تقرير المصير، دار عشتار للطباعة والترجمة والتصميم - لندن، 1996). وبطبيعة الحال فإن مثل هذه المشاركة الحقيقية والفاعلة لا يمكن أن تتحقق ما لم يكن النظام السياسي للدولة نظاماً ديمقراطياً يؤمن إيماناً مبدئيا وفكريا بالتعددية وبحقوق الأقليات وأن يكون رجال الحكم والسياسة يمتلكون عقلية منفتحة تجاه الآخر المختلف و يضعون مصلحة الوطن فوق جميع الإعتبارات الشخصية والطائفية والحزبية. فإذا لم يتوفر مثل هذا الشرط الأساسي، حتى ولو كان دستور البلاد يقر بالديمقراطية والتعددية وبحقوق الأقليات، فإن مشاركة الأقليات تصبح مشاركة رسمية وشكلية لا تجدي نفعاً، لا بل قد تصبح مثل هذه المشاركة وبالاً على هذه الأقلية وتستغل من قبل الأكثرية الحاكم الفعلي والمطلق في هيئات الحكم ودوائر صنع القرار السياسي.

في سوريا لم يكن النظام السياسي يؤمن بالمبادئ المار ذكرها ولم يكن النظام ديمقراطياً لذلك لم تستطيع المنظمة الآثورية الديمقراطية من تحقيق أي هدف لأبناء أمتنا من خلال مشاركة ممثلها في البرلمان رغم شعبيتها الواسعة وتحقيق أهداف قومية في تنمية الوعي والتمسك بالثواب القومية والحضارية وهي خارج البرلمان. أما في إقليم كردستان العراق وتحديداً قبل سقوط النظام البعثي فقد كانت حكومة الإقليم تفسح هامشاً ضيقاً من الحرية والديمقراطية لأبناء أمتنا لمارسة حقوقها. حيث كانت الظروف الإقليمية والدولية تفرض على حكومة الإقليم أن تتطبع بنوع من الديموقراطية والإقرار بحقوق الآخرين لتكون عوامل أو مواصفات تصلح لمقارنة "ديموقراطيتها" بالنظام الدكتاتوري في بغداد كما كانت الحركة الكردية في تلك الفترة الحرجة والصعبة بحاجة إلى كل القوى السياسية المعارضة للنظام الإستبدادي في بغداد فكانت الجبهة الكردستانية التنظيم السياسي الشامل لهذه القوى والتي شاركت معهم أيضا الحركة الديموقراطية الآشورية. لهذا السبب أستطاعت الحركة الديمقراطية الآشورية بمشاركة ممثليها في برلمان الإقليم أن تقوم بنضال مستميت ضمن هذا الهامش الديمقراطي الضيق وأن تحقق إنجازات عملية وعلى أرض الواقع وبعضها عظيمة وتعتبر الأول من نوعها في تاريخنا الحديث وهو التعليم السرياني.

بعد سقوط النظام البعثي في العراق عام 2003 وإزاحة الكابوس من الساحة السياسية ووصول قوى سياسية مختلفة الأفكار والمشارب والتوجهات إلى السلطة وذو خلفيات فكرية من طائفية ودينية وإستبدادية وسلطوية ومن ثم صدور دستور أو دستور مؤقت فيه بعض الكلمات والسطور عن الديمقراطية والإنتخابات والتعددية وغيرها من الكلمات الرنانة في هذا السياق، بدأت التنظيمات "الكلدانية السريانية الآشورية" تظهر على السطح السياسي كما تأسست أحزاب سياسية جديدة، خاصة من السواد الأكبر (الكلدان) من أبناء أمتنا، فدب في هذه الأحزاب والتنظيمات، سواء أكانت فعلاً أحزاب سياسية أو جمعيات إجتماعية أوإتحادات ثقافية نوع من الرغبة الجامحة والسعي للوصول إلى كراسي البرلمان والحكومة التي خصصت لأبناء أمتنا وعن طريق ترشيح ممثلين عنها للإنتخابات البرلمانية أو للمناصب الحكومية، أي بهذا السلوك أو المسعى فقد توفر في هذه التنظيمات المقوم الرابع (السعي للوصول إلى السلطة السياسية) من مقومات تكوين الأحزاب السياسية السالفة الذكر وبالتالي يمكن أن نطلق عليهم، على الأقل من الناحية النظرية، أحزاب سياسية حتى ولو كانت تسميتها غير ذلك أو لنظامها الداخلي وسائل لتحقيق أهدافها تختلف كلياً عن وسيلة الوصول إلى السلطة السياسية.

شارك ممثلو الأحزاب "الكلدانية السريانية الآشورية" في الإنتخابات العامة للبرلمان على أساس نظام الكوتا والتي بموجبه خصص خمسة مقاعد "للمسيحيين" في البرلمان المركزي وخمسة أخرى في البرلمان الإقليمي الكردستاني لكي يتنافسوا بينهم عليها وفقاً للقواعد والأنظمة الموضوعة بهذا الشأن. وإذا فاز أي حزب بأكثرية هذه المقاعد (أي ثلاثة مقاعد فما فوق) يكون كرسي الوزارة المخصص "للمسيحيين" من حصتهK وطبقاً لهذه المشاركة في الحكم سواء في المركز أم في الأقليم ووصولهم إلى مراكز صنع القرار السياسي  يظهر بأنه، ولو من حيث الشكل، قد تحقق حق تقرير المصير لأمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" وفقاً لمفهوم هذا الحق فيما يخص الأقليات والمذكور في أعلاه. ولكن بالرغم من هذه المشاركة يجب أن لاننسى موضوع ديموقراطية النظام السياسي كشرط أساسي وجوهري في ضمان فعاعلية وصدقية هذه المشاركة وتحقيق الهدف المتوخاة منها.

لقد أصبح الحديث عن مدى فساد هيئات النظام العراقي وعدم ديموقراطيتها وإستبداد المسيطرين عليها تجاه الآخر المختلف نوع من التكرار والإطناب الممل وكمن يكرر وبإستمرار في كون الأرض كروية الشكل. وإذا كنا نحن القابعين في رفاهية الإغتراب لا نتعايش مع هذا الفساد والإستبداد ولا نتحسس به بشكل مباشر فمن دون شك فإن ممثلي أمتنا في البرلمان أو الحكومة يتعايشون معها ويتحسسون بها لذلك لا تمر مناسبة وإلا ينتقدوا ويهاجموا سواء الحكومة أو البرلمان أو القوانين والأنظمة التي تصدرها والتي تخص حقوق أمتنا في العراق، ولم أسمع يوماً واحداً أحد ممثلي أمتنا في البرلمان يثمن دور الحكومة أو البرلمان في ضمان حقوق هذه الأقلية الأصيلة للعراق. أي بعبارة أخرى هناك إطلاق في الرأي في فساد هيئات الحكم في العراق وإستبداديتها وطائفيتها في التعامل مع الآخر المختلف، وخاصة مع أبناء أمتنا. وليس أدل على هذا الظلم والإستبداد الذي يفرضه القابعون على السلطة في العراق تجاه أبناء أمتنا غير أن نتحسس ونلمس الإحباط واليأس في العراق والتدهور في مجمل الحياة العامة خاصة المتعلقة بالحفاظ على الوجود القومي والديني لأبناء أمتنا في أرض أباؤهم وأجدادهم وتصاعد وتيرة الهجرة إلى الخارج، وقائمة الظلم والإستبداد وهضم أبسط حقوق أمتنا طويلة ولا تنتهي. ولما كان أعضاء البرلمان العراقي أو وزراء مجلس الوزارة أو حتى مجالس المحافظات قائمة على محاصصة طائفية ضيقة مقيدة بعقلية متخلفة سياسياً وديموقراطياً ومطوقة بثوابت مذهبية طائفية وسلطوية غير قادرة على فهم طروحات ومطامح الآخر المختلف فإنه من الإستحالة أن يكون لخمسة أعضاء في مثل هذا البرلمان أو وزير في كذا مجلس الوزراء، سواء في المركز أو الإقليم، أي دور فاعل ومؤثر على الإتجاهات المهيمنة على هذه الهيئات. لهذا السبب فإن مطالبة قيادة أحزابنا من هؤلاء زيادة (الكوتا) إلى عدد أكبر ليست إلا صرخة في اذان طرشاء. ويكفي هنا أن نشير إلى القائمة العراقية التي لها أعضاء في البرلمان مقارب إلى عدد أعضاء قائمة دولة العراق (الأكثرية) ولكن ما تعانيه من تعسف وغبن من قبل هذه الأكثرية يعد نموذجاً أكثر وضوحاً في مدى طائفية النظام وإستبداديته تجاه الآخر المختلف. فكيف والحال مع الأقلية "الكلدانية السريانية الآشورية – المسيحية" التي تختلف لا بل تتناقض مع عقلية وثقافة المتحكمين على هيئات الحكم في العراق من نواحي عديدة دينية وثقافية ولغوية وحتى حضارية ونفسية؟؟   

هذا الأمر هو الذي فرض وضعاً أجبر الناس على القيام بمقارنة بين نظام صدام الدموي والنظام الحالي ليستنتجوا بأن نظام صدام كان "أرحم" بكثير من النظام الحالي ... ياللمهزلة... وأن النظام الحالي والقابعون على سلطته أكثر دموية وإستبدادية ووحشية من نظام صدام. فإنطلاقاً من هذه الحالة الميؤسة يتساءل الكثيرون من أبناء أمتنا: كم كنيسة فجرت ودمرت عن بكر أبيها في زمن صدام وكم مطران ورجل دين مسيحي أو علماني خطف أو قتل أو أغتيل في زمن صدام وكم صورة بطريرك أكبر كنيسة في العراق سحقت تحت أقدام أزلام النظام ... وكم .. وكم... ؟؟؟ فهذه المهزلة أوصلت الأمر في العراق إلى درجة أن يكون نظاماً وحشياً دموياً كنظام صدام "أرحم" من النظام الحالي بحيث وضع الإنسان في موقف يظهر فيه بأن هناك تبريراً لجرائم نظام البعث في العراق. ومما يثير الإشمئزاز تصريحات بعض من ممثلي أمتنا وقادة أحزابنا في القول بأن الجرائم في العراق سواء من الحكومة أو الإرهابيين الذين لهم إمتدادات في أروقة البرلمان والحكومة وفي القوات المسلحة تصيب الجميع دون تمييز وليست حصراً على المسيحيين فقط، فأن دل مثل هذا التصريح على شيء فأنه يدل على الغباوة السياسية وتدني مستوى الوعي القومي لديهم وغشاوة الرؤية لمستقل أمتنا في العراق أن لم تكن تغليب منافعهم الشخصية من جراء جلوسهم على كراسي البرلمان أو الحكومة على حساب مأساة الأمة.  فالجرائم بأشكالها الجسدية والفكرية والسياسية والقانونية والديموغرافية (للعلم جرائم ديموغرافية مصطلح جديد يمكن أن نضيفه على قاموس الجرائم ضد أمتنا) بحق "الكلدان السريان الآشوريين" هو تهديد خطير ومباشر لوجودهم التاريخي القومي والديني في العراق ويقلعهم من جذورهم في حين ليس الأمر كذلك بالنسبة لبقية القوميات المسلمة فالتهديد لهم هو أما لشخص أو عدد من الأشخاص أو لطائفة معينة أو لتصفية حسابات سياسية وطائفية، وليس للأمة أو الدين الذي ينتمون إليه وبالتالي ليس تهديداً ماحقاً لوجودهم القومي والديني في العراق كما هول الحال مع"الكلدان السريان الآشوري" المسيحيين. من كل ما تقدم يمكن القول بأن مشاركة ممثلي أبناء أمتنا في هيئات مثل هذا النظام في العراق لا يحقق حتى أدنى مطاليبهم طالما ليس ديموقراطياً بل نظاماً إستبدادياً طائفياً وسلطوياً ولا يتحقق مفهوم حق تقرير المصير بخصوص الأقليات، كما أسلفنا سابقاً، لأن النظام لا يملك الحد الأدنى من الديموقراطية.

 لاشك فيه بأن المشاركة في هيئات الحكم هي، على الأقل من الناحية الشكلية، وسيلة معروفة في عالم السياسة لتحقيق الأهداف وكما بينًا سابقاً في مسعى الأحزاب للوصول إلى السلطة، ولكن لتحقيق النتائج المرجوة من مشاركة الأقليات يستوجب شرطاً أساسياً ومهماً هو أن يكون النظام ديموقراطياً يقر ويعترف بالآخر المختلف فبدون هذا الشرط الأساسي تصبح مشاركة الأقليات وبالاً وكارثة على الأمة التي يمثلها ممثلين عنها في النظام السياسي، كما أسلفنا في أعلاه. ولما كان النظام العراقي إستبدادياً من الدرجة الأولى وطائفياً بإمتياز والمتحكمون عليه يتصفون بعقلية ذات مواصفات قرون وسطية فإن مشاركة ممثلي أمتنا في مثل هذا النظام هو وبالاً وكارثة على أمتنا. ونتائج مثل هذه الكارثة يمكن إختصارها بما يلي:
1.   شرعنة إستبدادية النظام العراقي والسلوكيات الهمجية للقابعين على سلطة هذا النظام من خلال مشاركة ممثلي أمتنا معهم تحت قبة البرلمان أو كابينة الوزارة. فالسياسة، وتحديداً السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لا تتعامل مع الكتل الموجودة داخل البرلمان بل مع البرلمان ككل وكهيئة واحدة موحدة لها شخصيتها القانونية في تمثيل الدولة وتوقيع المعاهدات والمواثيق وغيرهما والحالة تنطبق أيضا على مجلس الوزراء وغيره من الهيئات الحكومية الأدنى. فعندما يشارك ممثل أمتنا في البرلمان أو الحكومة ضمن وفد إلى خارج العراق سواء لحضور مؤتمر دولي أو إقليمي أو لعقد إجتماع ثنائي مع دولة أخرى، فأنه لا يمثل كتلته البرلمانية أو الأمة التي ينتمي إليها بل يمثل النظام السياسي الذي هو عضو من ضمن أعضاء الوفد الممثل لهذا النظام. وقد يكون من باب المصادفة أو المجاملة أن يتم التعريف بأسمه "المسيحي" وكتلته البرلمانية وقوميته "الأقلوية" – وهذه هي الكارثة -  ولكن لا يمكن له إطلاقاً طرح مواضيع سواء في المؤتمر الدولي أو الإجتماع الثنائي  تخص أمته ومشاكلها في العراق لأن وجوده ليس له صفة تمثيلها بل هو جزء لا يتجزاً من الوفد الذي يمثل النظام الذي جاء للتباحث أو عقد إتفاقيات بخصوص موضوع معين يهم النظام ككل وليس الكتل البرلمانية أو أقلية في العراق. هذا الأمر يترك إنطباعاً لدى الآخرين أو الدول الأخرى عندما يجدون بأن هناك مسيحي أو "كلداني سرياني آشوري" ضمن الوفد العراقي فيتصورن بأن النظام العراقي نظاماً ديموقراطياً مفتوحاً للجميع ويضمن حقوق الأقليات وإلا لما كان "المسيحي" عضواً في البرلمان أو وزيراً في الوزارة جاء ليمثل النظام ويدافع عنه. أي بعبارة أكثر فصاحة يكون مشاركة ممثل أمتنا في مثل هذا الوفد أو في البرلمان أو في الوزارة أحسن طريقة في شرعنة إستبدادية النظام العراقي تجاه أمتنا المسالمة وهو الأمر الذي يسعى إليه النظام. وهذا الأمر يذكرنا بسياسة النظام البعثي المقبور في العراق عندما كان يستغل "مسيحية" طارق عزيز أو يرسل وفود من رجال الدين إلى الفاتيكان أو إلى بعض الدول الأوربية أو يستدعي وفود مسيحية من أوربا والولايات المتحدة لزيارة العراق ليس إلا لغرض شرعنة نظامه الإستبدادي وبيان للعالم الغربي المسيحي بأنه نظام منفتح ومتنور يحارب نظام الظلام والإستبداد والتخلف في إيران كما كان يستغلهم في تخفيف العقوبات الإقتصادية والحصار الإقتصادي الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق من جراء إحتلاله للكويت. هكذا في هذا اليوم يعاد إنتاج النظام السياسي الإستبدادي فتتطابق  صورة النظام الإستبدادي الحالي مع صورة النظام البعثي أن لم تكن أبشع منه.
ومن المؤسف أن يرى البعض من ممثلي أمتنا في هيئات النظام العراقي بأن الكرسي الجالس عليه سواء في البرلمان أو الحكومة يفسح المجال له أكثر للإلتقاء بكبار الشخصيات الدولية أو وزراء أو رؤساء دول كثيرة أثناء إنعقاد مثل هذه المؤتمرات والإجتماعات الدولية والعمل من خلال هذه اللقاءات لمصلحة الأمة ولكن طالما هو ضمن وفد عراقي ولغرض معين ومحدد مسبقاً فإن المنفعة أو مصلحة الأمة من مثل هذه اللقاءات غير واردة إطلاقاً. فعندما يترك ممثلي أمتنا لكراسيهم في نظام الحكم حينذاك سوف تتساءل هلاري كلنتون وبان كي مون وغيرهما عن أسباب ترك "المسيحيين" لكراسيهم في البرلمان والحكومة ويصبح هناك إحتمالاً كبيراً بأن يدركوا بأن النظام في العراق هو نظاماً دكتاتورياً طائفياً ولربما يفرضون ضعوطاً عليه مؤثرة في تغيير سياسته تجاه أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" عندذاك سوف نرفع قبعاتنا أحتراماً وتقديراً لممثلي أمتنا والذين سينتقلون من تمثيل هذه الأمة تحت قبة البرلمان وكابنية الحكومة إلى تمثيل الأمة في قلوب أبناءها وهو المنى الذي يتمناه كل حزب سياسي في العالم.
 وعلى العكس من هذا تماماً، ففي الماضي أستطاع الكثير من قادة أحزابنا سواء من الوطن أو المهجر ومنهم بعض من ممثلي أمتنا في البرلمان والحكومة الحالية وقبل أن يصبحوا أعضاء في هيئات النظام الحالي أن يلتقوا بكبار الشخصيات الدولية ورؤساء ووزراء دول من دون أن يكون لهم كراسي برلمانية أو حكومية وتمكنوا من طرح قضايا الأمة على هؤلاء مباشرة وبعضها كانت مثمرة لأنهم كانوا ممثلين للأمة وكانوا أحراراً غير مقيدين بقيود وتعليمات وفد النظام الإستبدادي، ويكفي هنا أن نشير إلى أعتراف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في التسعينيات من القرن الماضي بالحركة الديموقراطية الآشورية بإعتبارها حركة عراقية وطنية مستحقة للدعم والمساعدات التي كانت تقدمها للقوى المعارضة لنظام صدام في العراق.
2.   من المؤكد بأن المشاركة في مثل هذه النظام وبهذه الصفات والمواصفات الشنيعة سوف تنسحب على ممثلي أمتنا وتلطغ سمعتهم وسمعة حزبهم وتاريخ نضالهم الطويل، وبالتالي ستكون خسارة كبيرة لأمتنا بشكل عام وخسارة أكبر لهم. فعاجلاً أو آجلاً سوف يفقدون أو تنحسر مكانتهم المحترمة وسمعتهم الجميلة التي ركنت في قلوب الكثير من أبناء أمتنا  وخاصة المثقفين منهم والتي أكتسبوها من خلال نضالهم وعملهم المضني وهم خارج البرلمان أو الحكومة. وهذا الأمر. فاليوم وصلت ثقة أبناء أمتنا باحزابنا وتنظيماتنا القومية إلى أدنى مستوى ويظهر بأن الخط البياني في تنازل رهيب ومستمر خاصة في هذه المرحلة التي أصبح أولى أوليات حياة الناس هو ضمان حياتهم وأمنهم وإستقرارهم، فبدون حياة مستقرة وآمنة لا يمكن إطلاقاً أن يكون لأكثرية الناس إهتماماً بالأمور القومية والسياسية وهذا هو أكبر سبب يدفع الناس لترك الوطن والهجرة إلى الخارج. والخشية الأكبر هي زيادة وتصاعد وبشكل مستمر تهمة حب الكراسي والمناصب والعمل من أجل المصلحة الشخصية وليس لمصلحة الأمة، ولعل حصر المناصب الوزارية تحديداً بأعضاء قيادة أحزابنا وفق ما سمي بـ "الإستحقاق السياسي" أمر يفهم ضمن هذا السياق. ومثل هذه التهم نسمعها ونتحسسها ونلمسها بشكل مباشر ويقلقنا جميعاً لأن الإنتخابات العامة القادمة ستكون كارثية ومعيبة بحق هذه الأمة إذا بقى الوضع كما هو من دون تغيير جذري وحقيقي في المواقف والسياسات ورمي الكراسي في وجوه قوى الظلام القابعة على السلطة في العراق والعودة إلى الجماهير والجلوس معها على بساط الأمة الممزق من دون كراسي ولا مناصب والإستماع إلي همومها ومشاركة أفراحها وأتراحها كما كانوا في السابق.
3.   وعلى مستوى الداخلي لمثلي أمتنا نرى بأنهم يستهلكون طاقاتهم الفكرية والشخصية ووقتهم  إستهلاكاً فضيعاً من خلال "نضالهم" في الأروقة المظلمة للنظام العراقي ودخولهم في معاركة خاسرة مسبقاً ومن دون نتائج ملموسة ومثمرة وبالتالي خسارة الأمة لكوادرها السياسية والتي نحن بأمس الحاجة إليها لنضال آخر مثمر. وبصراحة وأسفاً أقول عندما أقرأ أو أسمع محاولات بعض ممثلي أمتنا سواء في البرلمان أو مجلس الوزراء في طرح مقترحات ومشاريع قانونية أو تنظيمية تخص مصلحة أمتنا السياسية ويسعون جاهدين في إقناع "الشيطان" القابع في هذه الهيئات البرلمانية والحكومية لقبولها (الإقتتال على الكرسي التاسع لمفوضية الإنتخابات نموذج طازج) يثير فينا الكثير من التساؤلات والحيرة. فبلأمس كان "ممثل" أمتنا في البرلمان ينعت النظام وهيئاته البرلمانية والحكومية بأشنع النعون في عدم المساوة والإستبداد وتهميش حق أمتنا السياسي واليوم يطلب من هذا "الشيطان" أن يوافق على مقترحاته ومشاريعه؟؟؟ لا أدري فيما إذا كان "ممثل" أمتنا يدرك طبيعة هذا "الشيطان" الرافض مسبقاً ليس لمطلب من ممثل "الكلدان السريان الآشوريين" بل هو رافض أصلا لوجود هذه الأقلية وحقها في العيش بسلام وأمن في وطنها التاريخي. أنا أشك في جهالة ممثلي أمتنا بخصوص طبيعة هذا "الشيطان" بل لهم دراية ومعرفة وبدرجة إمتياز بهذه الطبيعة وهذا الأمر يقودنا مجبرين أن نقول بأنه لم يبقى مبرر لهذا "النضال من فوق الكراسي" إلا أن يكون نوع من "عرض عضلات" لأبناء أمتنا المبتلية بالنظام السياسي في العراق وبيان لهم بأنهم يعملون ليل نهار من أجل هذه الأمة وليسوا "عطالين بطالين" عن العمل وقد يكون هذا تبريراً شرعياً للراتب المجزي الذي يدخل جيوبهم!!
 
ربما يجد البعض بأن مثل هذا طرح هو من الإفكار الفانتازية والخيالية التي لا تنتج أية نتيجة وليس هناك بديل لهذه المشاركة.  ولكن بالمقابل نقول بأن إستغلال طغاة النظام العراقي لوجود أبناء أمتنا معهم ومشاركتهم في شرعنة طغيانهم أمر معيب يترتب عليه نتائج خطيرة على مستوى ثقة جماهيرنا بأحزابنا السياسية ويزيد من أحباطهم وأبتعادهم عن المسائل القومية والسياسية. وحتى نتجنب مثل هذه النتائج الخطيرة يمكن أن نطرح خطة عمل مبسطة في شكلها ولكن تحقيقها قد تصطدم بأمور أخرى وفي مقدمتها المصالح الحزبية الضيقة والمميتة والتجاذبات السياسية الخارجية والأكثر خطورة المصالح الشخصية والنفعية، ولكن مع هذا نطرح مايلي:

1.   قبل كل شيء أو التأكيد بأن الإشارة الواردة في هذا الموضوع إلى كون هؤلاء فعلاٌ "ممثلي أمتنا" تنحصر في كونهم قانونياً ورسميا ممثلين للأمة طالما تم إنتخابهم بشكل قانوني ورسمي. أما كونهم ممثلين للأمة صميماً وعملياً فهذا مرتبط بمدى الإنجازات التي حققوها أو التي سيحققونها لهذه الأمة. صحيح نحن أمة واحدة عرفت رسمياً وسياسياً بـ "الكلدان السريان الآشوريين" وأنه من الطبيعي أن يكون هناك خلافات وتناقضات بين أبناءها كما هو الحال مع الأمم الأخرى ولكن هناك أمراً واحداً وجوهرياً لا خلاف عليه إطلاقاً وهو مصير هذه الأمة والتحديات الماحقة التي تهدد وجودها القومي والديني في العراق ومن يختلف على هذا الأمر فهو ليس واحداً من أبناء هذه الأمة، ولا أعتقد أحد من ممثلي أمتنا سواء في البرلمان المركزي أو الإقليمي أو في الحكومتين المركزية والإقليمية أن يقبل على نفسه أن لا يكون من أبناء هذه الأمة وإن قبل فهو بدون أصل وعلى قاعدة (من نكر أصله فلا أصل له). من هنا نقول بأن مصير الأمة في خطر وأن وجودها القومي والديني مهدد تهديداً مميتاً وعلى هذا الأساس فإن على ممثلي أمتنا في هذه الهيئات واجباً مقدساً يتمثل في توحيد كلمتهم حول هذا الموضوع، كحد أدنى للإثبات بانهم ينتمون كلهم إلى أمة واحد، وأن يكون لهذا التوحد رد فعل يقوم على التنسيق بينهم وتقديم إستقالتهم في يوم محدد مسبقاً مع بيان الأسباب الموجبة لهذه الإستقالة مستندة على عجز الحكومة والبرلمان في رفع الغبن والظلم عن أمتنا وعدم قدرتها على إزالة التحديات المميتة التي تهدد وجود أمتنا في الوطن.
2.   بعد تقديم الإستقالة يتم التنسيق بين ممثلي الأمة وعقد إجتماعات بينهم لتشكيل جبهة موحدة بهذا الشأن لتحول النضال من الكراسي إلى الجماهير وإلى تحريكها وزجها في العملية السياسية الجماهيرية. وسيكون خروج جماهير أمتنا في مسيرات إحتجاجية في الوطن والمهجر، طبعاً بعد التنسيق، مما سيترك ذلك ردود فعل على الساحة الدولية خاصة في بلدان المهجر، وسيكون ذلك عاملاً وزخماً قوياً في دعم النضال الجديد لأحزابنا السياسية في الوطن وبث روح المسؤولية في الجماهير تجاه المساءل القومية والمصيرية والتي في نهاية المطاف ستصب في تنامي زخم الإندفاع نحو الإنتخابات البرلمانية القادمة وإثبات وجود أمتنا في أرض الوطن رغم أنوف الظلم والإستبداد والإرهاب.
3.   من الملاحظ في السنوات القليلة الماضية تنازل أهتمام أبناء أمتنا في المهجر بالمساءل السياسية القومية إلى أدنى درجاته والذي أنعكس بشكل مباشر في ضعف أو إختفاء المؤسسات السياسية والإجتماعية من على الساحة السياسية ولعل أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو فقدان ثقتها بالأحزاب السياسية في أرض الوطن وبممثليها في هيئات الحكم العراقي وتركيز إهتمام الناس بأفراد عوائلهم في الوطن والبحث عن سبل لتخليصهم من المأساة والظلم والكبح والإرهاب الذي يعانونها والسعي للإلتحاق بهم في المهجر. فهناك إحتمال كبير بإستقالة ممثلي "الكلدان السريان الآشوريين" من هيئات نظام الحكم والقيام بحملة واسعة في فضح الممارسات الإستبدادية السياسية والقانونية والفكرية والديموغرافية بحق أمتنا في الوطن سوف يشحذ غيرة وهمة وفاعلية أبناء أمتنا في المهجر وسيقومون بنشاطات وستكون حتماً مؤثر على الرأي العام وعلى صناع القرار السياسي للدول الكبيرة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي لها علاقات وتأثيرات على النظام السياسي في العراق.
 
ولكن مع كل هذا أليس من حق هذا البعض الذي يتهمنا بالفنتازية والخيالية في مثل هذا الطرح ونحن نسمع ونقرأ عن إقتتال "الأخوة الأعداء" الإعلامي في بيت "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية"، وهم ممثلي أمتنا في البرلمان حول تصريح معين في مسألة داخلية بسيطة أو السعي لإنتزاع منصب حكومي والركض وراء "مكارم" النظام الإستبدادي وأبناء أمتنا يحترقون ظلماً وإستبداداً ويحزمون حقائبهم للهروب من الوطن نحو الخارج؟؟؟ فكيف والحال مع هؤلاء في الإتفاق مع موضوع الإستقالة وهو موضوع حساس ومصيري بالنسبة لكراسيهم وجيوبهم؟؟.
وأخيراً نقول بسبب الفقر المدقع للفكر النقدي في مجتمعنا وشحة الثقافة السياسية المبنية على الرأي والرأي الآخر  وفهم الإختلاف وتفريقه عن التجريح والتهجم الشخصي، سوف يرى البعض بأن الكتابة في مثل هذه المواضيع الحساسة هو تدخل في شؤون ممثلي أمتنا ونحن قابعون في بيوتنا الدافئة في بلدان المهجر وبالتالي يسلبون حقنا في بيان رأينا في مسائل تهم مصير أخوتنا وأخواتنا في أرض الوطن. ولكن نقول من دون أي تردد أو مجاملة بأن الغرض من كتابة مثل هذه المواضيع ليس إلا الشعور بالحد الإدنى بواجبنا في الأهتمام ولو فكرياً ومن وراء البحار بمصير أمتنا في الوطن، ولا أخفي القول بأن الإفصاح عن مثل هذه المساءل هو راحة لضميرنا الحي والمستجد الذي يفرض علينا أن لا ندفنها معنا تحت التراب بل أن ننشرها لأبناء أمتنا، فعسى ولعل يكون هناك من يسمع ويستفيد من مثل هذه الأفكار والطروحات وأن كان تطبيقها خسارة كرسي أو مال ولكن من المؤكد بأنها ربح لحب وثقة جماهير أمتنا، "فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟" ( متى 16-26).   

257

مشاركة الأحزاب "الكلدانية السريانية الآشورية" في نظام الحكم العراقي
حقيقية نافعة أم شكلية مضرة  ؟؟!!
------------------------------------
                                                                                                                                أبرم شبيرا
توطئة
في مقال سابق وتحت عنوان (أين "ممثلي أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية"من عملية هارا كاري اليابانية) والمنشور في الأعداد السابقة لموقع عنكاوه دوت كوم الموقر طرحنا فكرة ترك ممثلي أمتنا للكراسي البرلمانية والحكومية في العراق لكونها لا تستفيد من هذه المشاركة بل المستفيد الأول والأخير هم القوى الطائفية والمصلحية والسلطوية المتربعة على الحكم في العراق وذلك عن طريق التبجح بـ "ديمقراطيتها" وتعدديتها من خلال مشاركة "المسحيين" معهم في الحكم.
غير أنه يظهر بأن بعض من أبناء أمتنا سواء المعنيين مباشرة بهذا الموضوع أو غير المعنيين بشكل مباشر كأن يكونون من المنتمين للأحزاب التي لها ممثلين في البرلمان والحكومة، لم يعجبهم الموضوع ولم يتفقوا مع الطرح الوارد فيه، وهذا حق لا غبار عليه، لا بل وجده البعض بأنه حالة ميؤسة منها لا بديل غير المشاركة في الحكم والإستمرار في "النضال" من تحت قمة البرلمان وأروقة مجلس الوزراء حتى نيل حقوق أمتنا المشروعة. فوجود ممثل "للكلدان السريان الآشوريين" في البرلمان أو الحكومة يكون أكثر قدرة على العمل السياسي والتأثير لنيل الحقوق من أن يكون خارج البرلمان أو الحكومة. وقد تكون أسباب الرفض لهذه الفكرة من قبل هؤلاء أما بسبب الفقر السياسي وضعف الوعي القومي بمصلحة الأمة، ولكن بالمقابل نحن نعرف جميعاً بأن معظم الذين خصهم الموضوع هم على دراية عالية من الثقافة السياسية والوعي القومي والخبرة في النضال القومي. أو قد يكون بسبب جهل أو تجاهل ممثلي أمتنا بأن العمل السياسي مع نظام طائفي إستبدادي مضيعة للوقت والجهود والسمعة أيضا، أو قد يكون السبب الخسارة المالية لهم التي ستنتج من جراء ترك كراسي السلطة أو قد تكون لأسباب أخرى قد تنحصر في إطار "سري للغاية"  ونحن القابعون في رفاهية الإغتراب لا نعرف منها شيئاً غير الثرثرة ودس أنوفنا في شؤون أبناء أمتنا في الوطن. فسواء أكان السبب هذا أو ذاك في رفض الفكرة، فإن زيادة التوضيح عن الموضوع أستوجب كتابة هذه السطور والتي لم يكن المجال متسعاً لها في الموضوع السابق وذلك حرصا على عدم الإطالة والرتابة . لذا سنبين هنا وبموضوعية غير إنحيازية وعلى أسس علمية معروفة في المشاركة السياسية مدى فائدة مشاركة "الكلدان السريان الآشوريين" في هيئات الحكم في العراق  رغم أنه سوف يظهر بأن هذا الموضوع هو تحصيل حاصل للموضوع السابق ومكمل أو بالأحرى مؤكد له.
     
مشاركة الأقليات في السلطة السياسية:
سبق في أكثر من مناسبة وذكرنا بأن من أبجديات علم السياسة في تعريف الحزب السياسي في أبسط معانيه هو "مجموعة من الأفراد يخضعون لتنظيم معين ويؤمنون بأفكار معينة ويسعون لتحقيقها عن طريق الوصول إلى السلطة". إذن، بهذا التعريف المسبط للحزب، يمكن القول بأنه يقوم على أربعة مقومات وهي (1) الأعضاء أو الكوادر (2) الفكر أو الإيديولوجيا (3) التنظيم أو النظام الداخلي، وأخيراً والأهم (4) السعي للوصول إلى السلطة السياسية. المقومات الثلاثة السالفة الذكر تنطبق على معظم التنظيمات بما فيها جماعات الضغط والنقابات والجمعيات والأندية والأخويات وغيرها كثيرة ولكن تفتقر إلى المقوم الرابع إذ ليس لها رغبة أو هدف أو مسعى للوصول إلى السلطة السياسية فعوضاً عن ذلك فإنها  تمارس ضغطاً على الحكومة ومراكز صنع القرار السياسي من أجل تحقيق مصالحها. وبعكس هذا فإذا سعى أي تنظيم من هذه التنظيمات للوصول إلى السلطة السياسية لغرض تحقيق أهدافه فأنه في هذه الحالة يتحول إلى حزب سياسي مهما كان أسمه سواء أكان حركة أو جبهة أو جمعية  أو نقابة مهنية أو حتى نادي إجتماعي. هذه البديهية في نظرية الأحزاب السياسية كانت تنطبق على المنظمة الآثورية الديمقراطية (مطكستا) في سوريا وعلى الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) قبل سقوط نظام البعث في العراق. فالأولى أستطاعت في سنوات مضت أن تدفع بمرشحها للإنتخابات البرلمانية والفوز بمقعد لها في البرلمان السوري. كما أستطاعات الحركة الديموقراطية الآشورية الفوز بأربعة مقاعد لها من خمسة المخصص "للكلدان السريان الآشوريين - المسيحيين" في برلمان إقليم كردستان في العراق في بداية التسعينيات من القرن الماضي، لهذا السبب لم يكن لهم في تلك الفترة أحزاب سياسية حقيقية بالمعنى العلمي المعروف غير مطكستا وزوعا.

أن أحد أوجه أو تفسيرات مبدأ حق تقرير المصير للشعوب والأمم، خاصة بالنسبة للأقليات التي لا تتوفر فيها مقومات كاملة وظروف سياسية مناسبة في أقامة دولة قومية خاصة بها، هو مشاركة ممثلي الأقليات  في السلطة السياسية للدولة وفي عملية صنع القرار السياسي وعلى شرط مهم جداً وهو أن تكون هذه المشاركة حقيقية فاعلة وليست رسمية وشكلية فقط. (للإستزادة عن هذا الموضوع أنظر كتيبنا المعنون (حقوق الآشوريين السياسية في العراق في ضوء حق تقرير المصير، دار عشتار للطباعة والترجمة والتصميم - لندن، 1996). وبطبيعة الحال فإن مثل هذه المشاركة الحقيقية والفاعلة لا يمكن أن تتحقق ما لم يكن النظام السياسي للدولة نظاماً ديمقراطياً يؤمن إيماناً مبدئيا وفكريا بالتعددية وبحقوق الأقليات وأن يكون رجال الحكم والسياسة يمتلكون عقلية منفتحة تجاه الآخر المختلف و يضعون مصلحة الوطن فوق جميع الإعتبارات الشخصية والطائفية والحزبية. فإذا لم يتوفر مثل هذا الشرط الأساسي، حتى ولو كان دستور البلاد يقر بالديمقراطية والتعددية وبحقوق الأقليات، فإن مشاركة الأقليات تصبح مشاركة رسمية وشكلية لا تجدي نفعاً، لا بل قد تصبح مثل هذه المشاركة وبالاً على هذه الأقلية وتستغل من قبل الأكثرية الحاكم الفعلي والمطلق في هيئات الحكم ودوائر صنع القرار السياسي.

في سوريا لم يكن النظام السياسي يؤمن بالمبادئ المار ذكرها ولم يكن النظام ديمقراطياً لذلك لم تستطيع المنظمة الآثورية الديمقراطية من تحقيق أي هدف لأبناء أمتنا من خلال مشاركة ممثلها في البرلمان رغم شعبيتها الواسعة وتحقيق أهداف قومية في تنمية الوعي والتمسك بالثواب القومية والحضارية وهي خارج البرلمان. أما في إقليم كردستان العراق وتحديداً قبل سقوط النظام البعثي فقد كانت حكومة الإقليم تفسح هامشاً ضيقاً من الحرية والديمقراطية لأبناء أمتنا لمارسة حقوقها. حيث كانت الظروف الإقليمية والدولية تفرض على حكومة الإقليم أن تتطبع بنوع من الديموقراطية والإقرار بحقوق الآخرين لتكون عوامل أو مواصفات تصلح لمقارنة "ديموقراطيتها" بالنظام الدكتاتوري في بغداد كما كانت الحركة الكردية في تلك الفترة الحرجة والصعبة بحاجة إلى كل القوى السياسية المعارضة للنظام الإستبدادي في بغداد فكانت الجبهة الكردستانية التنظيم السياسي الشامل لهذه القوى والتي شاركت معهم أيضا الحركة الديموقراطية الآشورية. لهذا السبب أستطاعت الحركة الديمقراطية الآشورية بمشاركة ممثليها في برلمان الإقليم أن تقوم بنضال مستميت ضمن هذا الهامش الديمقراطي الضيق وأن تحقق إنجازات عملية وعلى أرض الواقع وبعضها عظيمة وتعتبر الأول من نوعها في تاريخنا الحديث وهو التعليم السرياني.

بعد سقوط النظام البعثي في العراق عام 2003 وإزاحة الكابوس من الساحة السياسية ووصول قوى سياسية مختلفة الأفكار والمشارب والتوجهات إلى السلطة وذو خلفيات فكرية من طائفية ودينية وإستبدادية وسلطوية ومن ثم صدور دستور أو دستور مؤقت فيه بعض الكلمات والسطور عن الديمقراطية والإنتخابات والتعددية وغيرها من الكلمات الرنانة في هذا السياق، بدأت التنظيمات "الكلدانية السريانية الآشورية" تظهر على السطح السياسي كما تأسست أحزاب سياسية جديدة، خاصة من السواد الأكبر (الكلدان) من أبناء أمتنا، فدب في هذه الأحزاب والتنظيمات، سواء أكانت فعلاً أحزاب سياسية أو جمعيات إجتماعية أوإتحادات ثقافية نوع من الرغبة الجامحة والسعي للوصول إلى كراسي البرلمان والحكومة التي خصصت لأبناء أمتنا وعن طريق ترشيح ممثلين عنها للإنتخابات البرلمانية أو للمناصب الحكومية، أي بهذا السلوك أو المسعى فقد توفر في هذه التنظيمات المقوم الرابع (السعي للوصول إلى السلطة السياسية) من مقومات تكوين الأحزاب السياسية السالفة الذكر وبالتالي يمكن أن نطلق عليهم، على الأقل من الناحية النظرية، أحزاب سياسية حتى ولو كانت تسميتها غير ذلك أو لنظامها الداخلي وسائل لتحقيق أهدافها تختلف كلياً عن وسيلة الوصول إلى السلطة السياسية.

نظام الكوتا والمشاركة في هيئات نظام الحكم في العراق :
نسطر هنا سطور قليلة عن موضوع "الكوتا" الذي بموجبه خصص مقاعد في البرلمان أو أحدى الوزارات الهامشية والخدمية  "للكدان السريان الآشوريين" وشاركوا من خلال الكوتا في الإنتخابات والوصول إلى هيئات نظام الحكم. أن نظام الكوتا لا وجود له في العالم الديمقراطي بل هو نتاج الأنظمة السياسية اللاديمقراطية، خاصة في بعض بلدان العالم الثالث، التي لا تستطيع ضمان فوز الأقليات في الإنتخابات ومشاركتهم في النظام السياسي بسبب الفقر الثقافي الذي يهمن على البلد في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان وعدم وجود ممارسات ديموقراطية نزيهة وإفتقار الأقليات إلى وسائل التأثير تستطيع من خلالها ضمان نجاحها والوصول إلى هيئات الحكم. أي بعبارة أخرى يمكن القول من حيث المبدأ النظري بأنه نظام لا ديمقراطي في ظل مفهوم الديموقراطية الصحيحة ولكن من ناحية أخرى فهو وسيلة "ديموقراطية" في مثل هذه الظروف اللاديمقراطية في بلد لا خلفية له أو ممارسات ديموقراطية أو هو في طور إقامة نظام ديمقراطي يوفر النظام للأقليات هذه الوسيلة (الكوتا) لكي يضمن وصولهم إلى هيئات الحكم ويشاركوا مع الأكثرية التي تكون هي فعلاً وحقيقة مسيطرة على مقدرات الحكم. ونظام الكوتا شكل يتناسب مع نظام المحاصصة ويتماشى معه ويقترب من مفهوم "الديموقراطية التوافقية" الذي لا وجود لها في عالم السياسة فهو من إختراعات الأنظمة السياسية لبلدان العالم الثالث التي لا تعترف بمعارضة الحكومة ومراقبتها.  ومن الملاحظ بأنه حتى هذا النظام (الكوتا) المخصص "للمسيحيين" في العراق تعرض للإبتزاز والإساءة والتزوير، إذ نرى بأن بعض الأحزاب العراقية، خاصة الكردية منها، تدفع بأحد أو أكثر من أبناء أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" المنتمين لهذه الأحزاب لترشيح نفسه حسب نظام الكوتا وإذا فاز في الإنتخابات سيكون صوتاً وممثلاً للحزب الذي ينتمي إليه وليس للكلدان السريان الآشوريين، ولكن من حيث الشكل وفي عين هذا الحزب والعالم هو ممثل هذه الأقلية ويستغل هذا الحزب وجوده وإنتماءه المسيحي والقومي لبيان مدى ديموقراطيته وإنفتاحه على الآخر المختلف!!.  كما أن عدم حصر تصويت أبناء أمتنا لممثلي الأحزاب "الكلدانية السريانية الآشورية" فقط هو نوع آخر من التزيف والتزوير لنظام الكوتا ويجرده من أساسه الضامن لوصول الممثلين الحقيقيين للأقليات إلى هيئات الحكم ومن ثم تعرضه للإستغلال والإساءة من قبل الأحزاب الكبيرة والمهيمنة.

شارك ممثلو الأحزاب "الكلدانية السريانية الآشورية" في الإنتخابات العامة للبرلمان على أساس نظام الكوتا والتي بموجبه خصص خمسة مقاعد "للمسيحيين" في البرلمان المركزي وخمسة أخرى في البرلمان الإقليمي الكردستاني لكي يتنافسوا بينهم عليها وفقاً للقواعد والأنظمة الموضوعة بهذا الشأن. وإذا فاز أي حزب بأكثرية هذه المقاعد (أي ثلاثة مقاعد فما فوق) يكون كرسي الوزارة المخصص "للمسيحيين" من حصته. وعلى هذا الأساس فازت الحركة الديموقراطية الآشورية بثلاثة مقاعد في البرلمان المركزي والإثنان الآخران فاز بها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، وبالتالي أصبح من حق الحركة الديمقراطية الآشورية تعيين أحد أعضاء قيادتها بمنصب الوزير المخصص للمسيحيين – وزارة البيئة، على قاعدة ما سمي بـ "الإستحقاق السياسي". كما فاز المجلس الشعبي الكلداني السرياني بثلاثة مقاعد في البرلمان الكردستاني والإثنان الآخران فازت بها الحركة الديمقراطية الآشورية، وبالتالي أصبح من حق المجلس الشعبي تعيين أحد أعضاء قيادته بمنصب الوزير المخصص للمسيحيين – وزارة النقل والمواصلات وعلى نفس القاعدة التي أطلق عليها بـ "الإستحقاق السياسي". إذن وطبقاً لهذه المشاركة في الحكم سواء في المركز أم في الأقليم ووصولهم إلى مراكز صنع القرار السياسي  يظهر بأنه، ولو من حيث الشكل، قد تحقق حق تقرير المصير لأمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" وفقاً لمفهوم هذا الحق فيما يخص الأقليات والمذكور في أعلاه. ولكن بالرغم من هذه المشاركة يجب أن لاننسى موضوع ديموقراطية النظام السياسي كشرط أساسي وجوهري في ضمان فعاعلية وصدقية هذه المشاركة وتحقيق الهدف المتوخاة منها.

طبيعة نظام الحكم والمشاركة فيه:
لقد أصبح الحديث عن مدى فساد هيئات النظام العراقي وعدم ديموقراطيتها وإستبداد المسيطرين عليها تجاه الآخر المختلف نوع من التكرار والإطناب الممل وكمن يكرر وبإستمرار في كون الأرض كروية الشكل. وإذا كنا نحن القابعين في رفاهية الإغتراب لا نتعايش مع هذا الفساد والإستبداد ولا نتحسس به بشكل مباشر فمن دون شك فإن ممثلي أمتنا في البرلمان أو الحكومة يتعايشون معها ويتحسسون بها لذلك لا تمر مناسبة وإلا ينتقدوا ويهاجموا سواء الحكومة أو البرلمان أو القوانين والأنظمة التي تصدرها والتي تخص حقوق أمتنا في العراق، ولم أسمع يوماً واحداً أحد ممثلي أمتنا في البرلمان يثمن دور الحكومة أو البرلمان في ضمان حقوق هذه الأقلية الأصيلة للعراق. أي بعبارة أخرى هناك إطلاق في الرأي في فساد هيئات الحكم في العراق وإستبداديتها وطائفيتها في التعامل مع الآخر المختلف، وخاصة مع أبناء أمتنا. وليس أدل على هذا الظلم والإستبداد الذي يفرضه القابعون على السلطة في العراق تجاه أبناء أمتنا غير أن نتحسس ونلمس الإحباط واليأس في العراق والتدهور في مجمل الحياة العامة خاصة المتعلقة بالحفاظ على الوجود القومي والديني لأبناء أمتنا في أرض أباؤهم وأجدادهم وتصاعد وتيرة الهجرة إلى الخارج، وقائمة الظلم والإستبداد وهضم أبسط حقوق أمتنا طويلة ولا تنتهي. ولما كان أعضاء البرلمان العراقي أو وزراء مجلس الوزارة أو حتى مجالس المحافظات قائمة على محاصصة طائفية ضيقة مقيدة بعقلية متخلفة سياسياً وديموقراطياً ومطوقة بثوابت مذهبية طائفية وسلطوية غير قادرة على فهم طروحات ومطامح الآخر المختلف فإنه من الإستحالة أن يكون لخمسة أعضاء في مثل هذا البرلمان أو وزير في كذا مجلس الوزراء، سواء في المركز أو الإقليم، أي دور فاعل ومؤثر على الإتجاهات المهيمنة على هذه الهيئات. لهذا السبب فإن مطالبة قيادة أحزابنا من هؤلاء زيادة (الكوتا) إلى عدد أكبر ليست إلا صرخة في اذان طرشاء. ويكفي هنا أن نشير إلى القائمة العراقية التي لها أعضاء في البرلمان مقارب إلى عدد أعضاء قائمة دولة العراق (الأكثرية) ولكن ما تعانيه من تعسف وغبن من قبل هذه الأكثرية يعد نموذجاً أكثر وضوحاً في مدى طائفية النظام وإستبداديته تجاه الآخر المختلف. فكيف والحال مع الأقلية "الكلدانية السريانية الآشورية – المسيحية" التي تختلف لا بل تتناقض مع عقلية وثقافة المتحكمين على هيئات الحكم في العراق من نواحي عديدة دينية وثقافية ولغوية وحتى حضارية ونفسية؟؟   

هذا الأمر هو الذي فرض وضعاً أجبر الناس على القيام بمقارنة بين نظام صدام الدموي والنظام الحالي ليستنتجوا بأن نظام صدام كان "أرحم" بكثير من النظام الحالي ... ياللمهزلة... وأن النظام الحالي والقابعون على سلطته أكثر دموية وإستبدادية ووحشية من نظام صدام. فإنطلاقاً من هذه الحالة الميؤسة يتساءل الكثيرون من أبناء أمتنا: كم كنيسة فجرت ودمرت عن بكر أبيها في زمن صدام وكم مطران ورجل دين مسيحي أو علماني خطف أو قتل أو أغتيل في زمن صدام وكم صورة بطريرك أكبر كنيسة في العراق سحقت تحت أقدام أزلام النظام ... وكم .. وكم... ؟؟؟ فهذه المهزلة أوصلت الأمر في العراق إلى درجة أن يكون نظاماً وحشياً دموياً كنظام صدام "أرحم" من النظام الحالي بحيث وضع الإنسان في موقف يظهر فيه بأن هناك تبريراً لجرائم نظام البعث في العراق. ومما يثير الإشمئزاز تصريحات بعض من ممثلي أمتنا وقادة أحزابنا في القول بأن الجرائم في العراق سواء من الحكومة أو الإرهابيين الذين لهم إمتدادات في أروقة البرلمان والحكومة وفي القوات المسلحة تصيب الجميع دون تمييز وليست حصراً على المسيحيين فقط، فأن دل مثل هذا التصريح على شيء فأنه يدل على الغباوة السياسية وتدني مستوى الوعي القومي لديهم وغشاوة الرؤية لمستقل أمتنا في العراق أن لم تكن تغليب منافعهم الشخصية من جراء جلوسهم على كراسي البرلمان أو الحكومة على حساب مأساة الأمة.  فالجرائم بأشكالها الجسدية والفكرية والسياسية والقانونية والديموغرافية (للعلم جرائم ديموغرافية مصطلح جديد يمكن أن نضيفه على قاموس الجرائم ضد أمتنا) بحق "الكلدان السريان الآشوريين" هو تهديد خطير ومباشر لوجودهم التاريخي القومي والديني في العراق ويقلعهم من جذورهم في حين ليس الأمر كذلك بالنسبة لبقية القوميات المسلمة فالتهديد لهم هو أما لشخص أو عدد من الأشخاص أو لطائفة معينة أو لتصفية حسابات سياسية وطائفية، وليس للأمة أو الدين الذي ينتمون إليه وبالتالي ليس تهديداً ماحقاً لوجودهم القومي والديني في العراق كما هول الحال مع"الكلدان السريان الآشوري" المسيحيين. 
من كل ما تقدم يمكن القول بأن مشاركة ممثلي أبناء أمتنا في هيئات مثل هذا النظام في العراق لا يحقق حتى أدنى مطاليبهم طالما ليس ديموقراطياً بل نظاماً إستبدادياً طائفياً وسلطوياً ولا يتحقق مفهوم حق تقرير المصير بخصوص الأقليات، كما أسلفنا سابقاً، لأن النظام لا يملك الحد الأدنى من الديموقراطية.

نتائج المشاركة في هيئات الحكم:
 لاشك فيه بأن المشاركة في هيئات الحكم هي، على الأقل من الناحية الشكلية، وسيلة معروفة في عالم السياسة لتحقيق الأهداف وكما بينًا سابقاً في مسعى الأحزاب للوصول إلى السلطة، ولكن لتحقيق النتائج المرجوة من مشاركة الأقليات يستوجب شرطاً أساسياً ومهماً هو أن يكون النظام ديموقراطياً يقر ويعترف بالآخر المختلف فبدون هذا الشرط الأساسي تصبح مشاركة الأقليات وبالاً وكارثة على الأمة التي يمثلها ممثلين عنها في النظام السياسي، كما أسلفنا في أعلاه. ولما كان النظام العراقي إستبدادياً من الدرجة الأولى وطائفياً بإمتياز والمتحكمون عليه يتصفون بعقلية ذات مواصفات قرون وسطية فإن مشاركة ممثلي أمتنا في مثل هذا النظام هو وبالاً وكارثة على أمتنا. ونتائج مثل هذه الكارثة يمكن إختصارها بما يلي:
1.   شرعنة إستبدادية النظام العراقي والسلوكيات الهمجية للقابعين على سلطة هذا النظام من خلال مشاركة ممثلي أمتنا معهم تحت قبة البرلمان أو كابينة الوزارة. فالسياسة، وتحديداً السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لا تتعامل مع الكتل الموجودة داخل البرلمان بل مع البرلمان ككل وكهيئة واحدة موحدة لها شخصيتها القانونية في تمثيل الدولة وتوقيع المعاهدات والمواثيق وغيرهما والحالة تنطبق أيضا على مجلس الوزراء وغيره من الهيئات الحكومية الأدنى. فعندما يشارك ممثل أمتنا في البرلمان أو الحكومة ضمن وفد إلى خارج العراق سواء لحضور مؤتمر دولي أو إقليمي أو لعقد إجتماع ثنائي مع دولة أخرى، فأنه لا يمثل كتلته البرلمانية أو الأمة التي ينتمي إليها بل يمثل النظام السياسي الذي هو عضو من ضمن أعضاء الوفد الممثل لهذا النظام. وقد يكون من باب المصادفة أو المجاملة أن يتم التعريف بأسمه "المسيحي" وكتلته البرلمانية وقوميته "الأقلوية" – وهذه هي الكارثة -  ولكن لا يمكن له إطلاقاً طرح مواضيع سواء في المؤتمر الدولي أو الإجتماع الثنائي  تخص أمته ومشاكلها في العراق لأن وجوده ليس له صفة تمثيلها بل هو جزء لا يتجزاً من الوفد الذي يمثل النظام الذي جاء للتباحث أو عقد إتفاقيات بخصوص موضوع معين يهم النظام ككل وليس الكتل البرلمانية أو أقلية في العراق. هذا الأمر يترك إنطباعاً لدى الآخرين أو الدول الأخرى عندما يجدون بأن هناك مسيحي أو "كلداني سرياني آشوري" ضمن الوفد العراقي فيتصورن بأن النظام العراقي نظاماً ديموقراطياً مفتوحاً للجميع ويضمن حقوق الأقليات وإلا لما كان "المسيحي" عضواً في البرلمان أو وزيراً في الوزارة جاء ليمثل النظام ويدافع عنه. أي بعبارة أكثر فصاحة يكون مشاركة ممثل أمتنا في مثل هذا الوفد أو في البرلمان أو في الوزارة أحسن طريقة في شرعنة إستبدادية النظام العراقي تجاه أمتنا المسالمة وهو الأمر الذي يسعى إليه النظام. وهذا الأمر يذكرنا بسياسة النظام البعثي المقبور في العراق عندما كان يستغل "مسيحية" طارق عزيز أو يرسل وفود من رجال الدين إلى الفاتيكان أو إلى بعض الدول الأوربية أو يستدعي وفود مسيحية من أوربا والولايات المتحدة لزيارة العراق ليس إلا لغرض شرعنة نظامه الإستبدادي وبيان للعالم الغربي المسيحي بأنه نظام منفتح ومتنور يحارب نظام الظلام والإستبداد والتخلف في إيران كما كان يستغلهم في تخفيف العقوبات الإقتصادية والحصار الإقتصادي الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق من جراء إحتلاله للكويت. هكذا في هذا اليوم يعاد إنتاج النظام السياسي الإستبدادي فتتطابق  صورة النظام الإستبدادي الحالي مع صورة النظام البعثي أن لم تكن أبشع منه.
ومن المؤسف أن يرى البعض من ممثلي أمتنا في هيئات النظام العراقي بأن الكرسي الجالس عليه سواء في البرلمان أو الحكومة يفسح المجال له أكثر للإلتقاء بكبار الشخصيات الدولية أو وزراء أو رؤساء دول كثيرة أثناء إنعقاد مثل هذه المؤتمرات والإجتماعات الدولية والعمل من خلال هذه اللقاءات لمصلحة الأمة ولكن طالما هو ضمن وفد عراقي ولغرض معين ومحدد مسبقاً فإن المنفعة أو مصلحة الأمة من مثل هذه اللقاءات غير واردة إطلاقاً. وعلى العكس من هذا تماماً، ففي الماضي أستطاع الكثير من قادة أحزابنا سواء من الوطن أو المهجر ومنهم بعض من ممثلي أمتنا في البرلمان والحكومة الحالية وقبل أن يصبحوا أعضاء في هيئات النظام الحالي أن يلتقوا بكبار الشخصيات الدولية ورؤساء ووزراء دول من دون أن يكون لهم كراسي برلمانية أو حكومية وتمكنوا من طرح قضايا الأمة على هؤلاء مباشرة وبعضها كانت مثمرة لأنهم كانوا ممثلين للأمة وكانوا أحراراً غير مقيدين بقيود وتعليمات وفد النظام الإستبدادي، ويكفي هنا أن نشير إلى أعتراف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في التسعينيات من القرن الماضي بالحركة الديموقراطية الآشورية بإعتبارها حركة عراقية وطنية مستحقة للدعم والمساعدات التي كانت تقدمها للقوى المعارضة لنظام صدام في العراق.
2.   من المؤكد بأن المشاركة في مثل هذه النظام وبهذه الصفات والمواصفات الشنيعة سوف تنسحب على ممثلي أمتنا وتلطغ سمعتهم وسمعة حزبهم وتاريخ نضالهم الطويل، وبالتالي ستكون خسارة كبيرة لأمتنا بشكل عام وخسارة أكبر لهم. فعاجلاً أو آجلاً سوف يفقدون أو تنحسر مكانتهم المحترمة وسمعتهم الجميلة التي ركنت في قلوب الكثير من أبناء أمتنا والتي أكتسبوها من خلال نضالهم وعملهم المضني وهم خارج البرلمان أو الحكومة. وهذا الأمر، المشاركة في مثل هذا النظام الإستبدادي، يفرض علينا المقارنة بين النتائج والنجاحات المتحققة لأمتنا من خلال "نضال" ممثلي أمتنا من خلال كراسي الحكم وبين نضالهم وهم خارج هذا النظام فسوف نجد فرقاً شاسعاً بينهما سواء على مستوى الإنجازات القومية أو على مستوى الوعي الجماهيري وتلعق أبناء أمتنا بهم وتثبيت ثقتهم بالأحزاب والحركات التي يمثلونها. فاليوم وصلت ثقة أبناء أمتنا باحزابنا وتنظيماتنا القومية إلى أدنى مستوى ويظهر بأن الخط البياني في تنازل رهيب ومستمر خاصة في هذه المرحلة التي أصبح أولى أوليات حياة الناس هو ضمان حياتهم وأمنهم وإستقرارهم، فبدون حياة مستقرة وآمنة لا يمكن إطلاقاً أن يكون لأكثرية الناس إهتماماً بالأمور القومية والسياسية وهذا هو أكبر سبب يدفع الناس لترك الوطن والهجرة إلى الخارج.
3.     أن أخطر النتائج المترتبة على مشاركة قادة أحزابنا السياسية مع بقية القوى السياسية في النظام السياسي الإستبدادي في العراق هو تعرضهم لفقدان مصداقيتهم وتنازل شعبيتهم لدى ليس عند الجماهير وعامة الناس بل عند المثقفين أيضاً. فالأحزاب التي تفقد أو تتناقص مصداقيتها لدى المثقفين  مسألة خطيرة جداً في وضعية الحزب ويصبح مهدداً بفقدان شرعيته ومكانته بين أبناء الأمة. وهذا موضوع طويلة وشائك وكان فحوى أطروحتنا الجامعية لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة بغداد عام 1980، ونأمل أن نناقشه في مناسبة أخرى. والخشية الأكبر هي زيادة وتصاعد وبشكل مستمر تهمة حب الكراسي والمناصب والعمل من أجل المصلحة الشخصية وليس لمصلحة الأمة، ولعل حصر المناصب الوزارية تحديداً بأعضاء قيادة أحزابنا وفق ما سمي بـ "الإستحقاق السياسي" أمر يفهم ضمن هذا السياق. ومثل هذه التهم نسمعها ونتحسسها ونلمسها بشكل مباشر ويقلقنا جميعاً لأن الإنتخابات العامة القادمة ستكون كارثية ومعيبة بحق هذه الأمة إذا بقى الوضع كما هو من دون تغيير جذري وحقيقي في المواقف والسياسات ورمي الكراسي في وجوه قوى الظلام القابعة على السلطة في العراق والعودة إلى الجماهير والجلوس معها على بساط الأمة الممزق من دون كراسي ولا مناصب والإستماع إلي همومها ومشاركة أفراحها وأتراحها كما كانوا في السابق.
4.   وعلى مستوى الداخلي لمثلي أمتنا نرى بأنهم يستهلكون طاقاتهم الفكرية والشخصية ووقتهم  إستهلاكاً فضيعاً من خلال "نضالهم" في الأروقة المظلمة للنظام العراقي ودخولهم في معاركة خاسرة مسبقاً ومن دون نتائج ملموسة ومثمرة وبالتالي خسارة الأمة لكوادرها السياسية والتي نحن بأمس الحاجة إليها لنضال آخر مثمر. وبصراحة وأسفاً أقول عندما أقرأ أو أسمع محاولات بعض ممثلي أمتنا سواء في البرلمان أو مجلس الوزراء في طرح مقترحات ومشاريع قانونية أو تنظيمية تخص مصلحة أمتنا السياسية ويسعون جاهدين في إقناع "الشيطان" القابع في هذه الهيئات البرلمانية والحكومية لقبولها (الإقتتال على الكرسي التاسع لمفوضية الإنتخابات نموذج طازج) يثير فينا الكثير من التساؤلات والحيرة. فبلأمس كان "ممثل" أمتنا في البرلمان ينعت النظام وهيئاته البرلمانية والحكومية بأشنع النعون في عدم المساوة والإستبداد وتهميش حق أمتنا السياسي واليوم يطلب من هذا "الشيطان" أن يوافق على مقترحاته ومشاريعه؟؟؟ لا أدري فيما إذا كان "ممثل" أمتنا يدرك طبيعة هذا "الشيطان" الرافض مسبقاً ليس لمطلب من ممثل "الكلدان السريان الآشوريين" بل هو رافض أصلا لوجود هذه الأقلية وحقها في العيش بسلام وأمن في وطنها التاريخي. أنا أشك في جهالة ممثلي أمتنا بخصوص طبيعة هذا "الشيطان" بل لهم دراية ومعرفة وبدرجة إمتياز بهذه الطبيعة وهذا الأمر يقودنا مجبرين أن نقول بأنه لم يبقى مبرر لهذا "النضال من فوق الكراسي" إلا أن يكون نوع من "عرض عضلات" لأبناء أمتنا المبتلية بالنظام السياسي في العراق وبيان لهم بأنهم يعملون ليل نهار من أجل هذه الأمة وليسوا "عطالين بطالين" عن العمل وقد يكون هذا تبريراً شرعياً للراتب المجزي الذي يدخل جيوبهم!!
5.   نعيد هنا ونكرر مرة أخرى أن ترك ممثلي أمتنا لكراسي البرلمان والحكومة سوف يسحب بساط الشرعية والديموقراطية من تحت أقدام قوى الظلام في النظام العراقي، حينذاك سوف تتساءل هلاري كلنتون وبان كي مون وغيرهما عن أسباب ترك "المسيحيين" لكراسيهم في البرلمان والحكومة ويصبح هناك إحتمالاً كبيراً بأن يدركوا بأن النظام في العراق هو نظاماً دكتاتورياً طائفياً ولربما يفرضون ضعوطاً عليه مؤثرة في تغيير سياسته تجاه أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" عندذاك سوف نرفع قبعاتنا أحتراماً وتقديراً لممثلي أمتنا والذين سينتقلون من تمثيل هذه الأمة تحت قبة البرلمان وكابنية الحكومة إلى تمثيل الأمة في قلوب أبناءها وهو المنى الذي يتمناه كل حزب سياسي في العالم.


الإستقالة... ولكن ماذا بعد ؟؟!!:
ربما يجده البعض الأمر غريباً ونحن نطرح موضوع ترك ممثلي أمتنا لكراسيهم في هيئات الحكم في العراق ونحن بعيدين نصرخ من وراء البحار لا بل غيرهم يستهجنون موضوع رمي الكراسي في وجوه الظلم والإستبداد من دون بديل آخر للنضال فيقولون  بأن مثل هذا طرح هو من الإفكار الفانتازية والخيالية التي لا تنتج أية نتيجة وليس هناك بديل لهذه المشاركة.  ولكن بالمقابل نقول بأن إستغلال طغاة النظام العراقي لوجود أبناء أمتنا معهم ومشاركتهم في شرعنة طغيانهم أمر معيب يترتب عليه نتائج خطيرة على مستوى ثقة جماهيرنا بأحزابنا السياسية ويزيد من أحباطهم وأبتعادهم عن المسائل القومية والسياسية. وحتى نتجنب مثل هذه النتائج الخطيرة يمكن أن نطرح خطة عمل مبسطة في شكلها ولكن تحقيقها قد تصطدم بأمور أخرى وفي مقدمتها المصالح الحزبية الضيقة والمميتة والتجاذبات السياسية الخارجية والأكثر خطورة المصالح الشخصية والنفعية، ولكن مع هذا نطرح مايلي:

1.   قبل كل شيء أو التأكيد بأن الإشارة الواردة في هذا الموضوع إلى كون هؤلاء فعلاٌ "ممثلي أمتنا" تنحصر في كونهم قانونياً ورسميا ممثلين للأمة طالما تم إنتخابهم بشكل قانوني ورسمي. أما كونهم ممثلين للأمة صميماً وعملياً فهذا مرتبط بمدى الإنجازات التي حققوها أو التي سيحققونها لهذه الأمة. صحيح نحن أمة واحدة عرفت رسمياً وسياسياً بـ "الكلدان السريان الآشوريين" وأنه من الطبيعي أن يكون هناك خلافات وتناقضات بين أبناءها كما هو الحال مع الأمم الأخرى ولكن هناك أمراً واحداً وجوهرياً لا خلاف عليه إطلاقاً وهو مصير هذه الأمة والتحديات الماحقة التي تهدد وجودها القومي والديني في العراق ومن يختلف على هذا الأمر فهو ليس واحداً من أبناء هذه الأمة، ولا أعتقد أحد من ممثلي أمتنا سواء في البرلمان المركزي أو الإقليمي أو في الحكومتين المركزية والإقليمية أن يقبل على نفسه أن لا يكون من أبناء هذه الأمة وإن قبل فهو بدون أصل وعلى قاعدة (من نكر أصله فلا أصل له). من هنا نقول بأن مصير الأمة في خطر وأن وجودها القومي والديني مهدد تهديداً مميتاً وعلى هذا الأساس فإن على ممثلي أمتنا في هذه الهيئات واجباً مقدساً يتمثل في توحيد كلمتهم حول هذا الموضوع، كحد أدنى للإثبات بانهم ينتمون كلهم إلى أمة واحد، وأن يكون لهذا التوحد رد فعل يقوم على التنسيق بينهم وتقديم إستقالتهم في يوم محدد مسبقاً مع بيان الأسباب الموجبة لهذه الإستقالة مستندة على عجز الحكومة والبرلمان في رفع الغبن والظلم عن أمتنا وعدم قدرتها على إزالة التحديات المميتة التي تهدد وجود أمتنا في الوطن.
2.   بعد تقديم الإستقالة يتم التنسيق بين ممثلي الأمة وعقد إجتماعات بينهم لتشكيل جبهة موحدة بهذا الشأن لتحول النضال من الكراسي إلى الجماهير وإلى تحريكها وزجها في العملية السياسية الجماهيرية. وسيكون خروج جماهير أمتنا في مسيرات إحتجاجية في الوطن والمهجر، طبعاً بعد التنسيق، مما سيترك ذلك ردود فعل على الساحة الدولية خاصة في بلدان المهجر، وسيكون ذلك عاملاً وزخماً قوياً في دعم النضال الجديد لأحزابنا السياسية في الوطن وبث روح المسؤولية في الجماهير تجاه المساءل القومية والمصيرية والتي في نهاية المطاف ستصب في تنامي زخم الإندفاع نحو الإنتخابات البرلمانية القادمة وإثبات وجود أمتنا في أرض الوطن رغم أنوف الظلم والإستبداد والإرهاب.
3.   من الملاحظ في السنوات القليلة الماضية تنازل أهتمام أبناء أمتنا في المهجر بالمساءل السياسية القومية إلى أدنى درجاته والذي أنعكس بشكل مباشر في ضعف أو إختفاء المؤسسات السياسية والإجتماعية من على الساحة السياسية ولعل أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو فقدان ثقتها بالأحزاب السياسية في أرض الوطن وبممثليها في هيئات الحكم العراقي وتركيز إهتمام الناس بأفراد عوائلهم في الوطن والبحث عن سبل لتخليصهم من المأساة والظلم والكبح والإرهاب الذي يعانونها والسعي للإلتحاق بهم في المهجر. فهناك إحتمال كبير بإستقالة ممثلي "الكلدان السريان الآشوريين" من هيئات نظام الحكم والقيام بحملة واسعة في فضح الممارسات الإستبدادية السياسية والقانونية والفكرية والديموغرافية بحق أمتنا في الوطن سوف يشحذ غيرة وهمة وفاعلية أبناء أمتنا في المهجر وسيقومون بنشاطات وستكون حتماً مؤثر على الرأي العام وعلى صناع القرار السياسي للدول الكبيرة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي لها علاقات وتأثيرات على النظام السياسي في العراق.
 
ولكن مع كل هذا أليس من حق هذا البعض الذي يتهمنا بالفنتازية والخيالية في مثل هذا الطرح ونحن نسمع ونقرأ عن إقتتال "الأخوة الأعداء" الإعلامي في بيت "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية"، وهم ممثلي أمتنا في البرلمان حول تصريح معين في مسألة داخلية بسيطة أو السعي لإنتزاع منصب حكومي والركض وراء "مكارم" النظام الإستبدادي وأبناء أمتنا يحترقون ظلماً وإستبداداً ويحزمون حقائبهم للهروب من الوطن نحو الخارج؟؟؟ فكيف والحال مع هؤلاء في الإتفاق مع موضوع الإستقالة وهو موضوع حساس ومصيري بالنسبة لكراسيهم وجيوبهم؟؟.

وأخيراً:
لا شك فيه أن مثل هذا الموضوع الذي يدخل أجواء الحساسية لكونه يتطرق إلى مسائل مصيرية تخص أمتنا سوف يترك إنطباعاً وردود فعل بين مؤيد له وذلك بسبب مواقفه غير المؤيدة لممثلي أمتنا في البرلمان والحكومة أو مع أحزابهم ومواقفه الرافضة للمنهج السياسي والقومي الذي ينتهجه هؤلاء. وبين معارض له لكونه يظهر بأنه يمس بالصميم مواضيع تخصهم شخصياً ويتهمنا بأننا نثرثر من وراء البحار وبعيدين عن الواقع وجاهلين لمجريات الأمور التي تخص أمتنا في أرض الوطن.  ولكن الأمر عندنا ليس كذلك فهو يخص الأمة وليس الفرد بعينه. لهذا نقول فبسبب الفقر المدقع للفكر النقدي في مجتمعنا وشحة الثقافة السياسية المبنية على الرأي والرأي الآخر  وفهم الإختلاف وتفريقه عن التجريح والتهجم الشخصي، سوف يرى البعض بأن الكتابة في مثل هذه المواضيع الحساسة هو تدخل في شؤون ممثلي أمتنا ونحن قابعون في بيوتنا الدافئة في بلدان المهجر وبالتالي يسلبون حقنا في بيان رأينا في مسائل تهم مصير أخوتنا وأخواتنا في أرض الوطن. ولكن نقول من دون أي تردد أو مجاملة بأن الغرض من كتابة مثل هذه المواضيع ليس إلا الشعور بالحد الإدنى بواجبنا في الأهتمام ولو فكرياً ومن وراء البحار بمصير أمتنا في الوطن، ولا أخفي القول بأن الإفصاح عن مثل هذه المساءل هو راحة لضميرنا الحي والمستجد الذي يفرض علينا أن لا ندفنها معنا تحت التراب بل أن ننشرها لأبناء أمتنا، فعسى ولعل يكون هناك من يسمع ويستفيد من مثل هذه الأفكار والطروحات وأن كان تطبيقها خسارة كرسي أو مال ولكن من المؤكد بأنها ربح لحب وثقة جماهير أمتنا، "فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟" ( متى 16-26).   


258
أين ممثلي  أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية"
من عملية هارا كاري (Hara-Kiri) اليابانية ؟؟
=============================
                                                                                                                                      أبرم شبيرا

"هارا كاري" والتي تعني باليابانية عملية قطع أو بقر بطن المحارب عن طريق غرز سيفه الحاد في بطنه، فهو طقس تقليدي للإنتحار عوضاً عن الإستسلام للعدو والتعرض للإهانة والتعذيب كما هو شكل آخر للعقاب الذاتي للمحارب الذي أقترف الإهانات والأثم التي جلبت له الخري والعار من جراء الهزيمة في المعركة ولم يعد يحتمل الحياة وهو موصوفاً بهذه الصفات الشنيعة. وشاع ممارسة هذا الطقس كثيراً بين المحاربين اليابانيين وقت إندحار وإستسلام اليابان لقوات الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية.

قد يبدو عنوان موضوعنا هذا غريباً ونحن نتسائل عن موقف ممثلي أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" من هذه العملية اليابانية الإنتحارية البعيدة كل البعد عن تقالينا وعاداتنا وإيماننا خاصة المسيحي منه الذي يحترم الإنسان ويكرم حياته ويجد في الإنتحار نوع من الأثم والخطيئة. من هنا نؤكد بأن مثل هذه المقارنة القائمة على التساؤل عن موقف ممثلي أمتنا من هذه العملية الإنتحارية لا يعني إطلاقاً أعتمادها واللجوء إليها والقضاء على حياتهم خاصة وهم يعتبرون من أقرب الأصدقاء لنا سواء من الناحية الشخصية أو الفكرية وحياتهم تهمنا كثيراً مثلما تهمهم وتهم عوائلهم. فخسارتهم ستكون خسارة كبيرة لنا ولأبناء أمتنا لأنهم من النخبة المختارة والكوادر المتمكنة والشجاعة ونحن نعرف جيداً مدى شحة مثل هذه العناصر في مجتمعنا. كما أن ممثلي أمتنا في الحكومة العراقية والبرلمان والمناصب الخاصة لم يدخلوا الحرب بالمعنى المعروف به في القتال بالسلاح وأنهزموا فيه وعوضاً عن الإستسلام للعدو لجؤا إلى عملية هارا كاري للخلاص من الإهانة والعار والحفاظ على كرامتهم وعزتهم عند أبناء أمتنا. إذن أين المنطق في المقارنة بين هذه العملية الإنتحارية وممثلي أمتنا في الدوائر الحكومية والبرلمانية؟؟؟ أفهل تعرض ممثلي أمتنا إلى الهزيمة والإهانة من "الآخر" حتى يلجأوا إلى هذه العملية الإنتحارية حفاظاً على الشرف والعزة والكرامة.

نعم... أقول نعم وبملئ الفم... لقد تعرض ممثلي أبناء أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" ولايزال يتعرضون إلى الكثير من الإهانات والإثم والجرائم والإنتكاسات سواء من قبل الحكومة العراقية أو من قبل القوى المهيمنة على مقدرات العراق. فلا يوجد أي حراك سياسي أو قانوني أو تشريعي في العراق إلا وتتعرض أمتنا إلى الكثير من الإهانات والجرائم والإنتكاسات والغبن. فسلسلة الإهانات والغبن والخدر بحقها طويلة تمتد من الإغتيالات والخطف والتغيير الديموغرافي والتهجير القسري إلى الغبن السياسي والقانوني وتهميش هذه الأمة العريقة وهضم حقوقها المشروعة من قبل الضباع التي قبعت على مراكز السلطة في العراق والتي لم تترك حتى الفتات لهذه الأمة العريقة، والمسرحية الهزيلة التدراجيدية لإختيار ممثلي المفوضية العليا للإنتخابات آخر، وليس الأخير، من سلسلة هذه الإهانات بحق أمتنا. ولما كان ممثلي أمتنا في المراكز الحكومية والهيئات البرلمانية منتخبة شرعاً وقانوناً من قبل أبناء هذه الأمة فمن المفترض بل الواجب أن يعانوا ما يعاني أبناء هذه الأمة من الإهانات والغبن الخدر. من هنا نؤكد بأن ممثلي أمتنا يتعرضون وبشكل مستمر إلى كل الإهانات والخدر والغبن من جراء إستمرار دخولهم في معارك خاسرة مع الضباع الحكومية والبرلمانية وعدم قدرتهم على إنتزاع حتى الفتات من الأنياب الصفراء لهذه الضباع. لذلك عوضاً عن الإستمرار في هذه المعارك الخاسرة والمكلفة كثيرا لأبناء أمتنا عليهم اللجوء إلى عملية هارا كاري اليابانية من أجل الحفاظ على عزة وكرامة هذه الأمة العريقة التي تتحل بها وبالتالي الحفاظ على كرامتهم وعزتهم أيضاً.

ولكن كما سبق وأن ذكرنا بأن حياة ممثلي أمتنا غالية علينا جميعاً وهم نخبة ممتازة ومختارة من قبلنا لتمثيلنا ولا نرغب إطلاقاً أن تنقضي حياتهم بهذه العملية الإنتحارية، وهي مسألة تبدو فوق التصور الإنساني خاصة بالنسبة لنا في كوننا مسيحيين نعتبر الإنتحار إثماً كبيراً. ولكن يمكن إعتماد هذه العملية الإنتحارية بتغيير الهدف المتوخاة منها فبدلاً من أن نطلب منهم طعن السيوف الحادة في بطونهم عليهم أن يوجهوا سيوفهم الحادة ويطعنوا بها طعنات قوية ومميتة في الكراسي المهلهة التي يجلسون عليها  وتكسريها ومن ثم رمها في وجوه الضباع الحكومية والبرلمانية لأنها فعلاً وحقيقة هي كراسي لم تعد تفيد أبناء أمتنا إطلاقاً بل المستفيد الوحيد منها هي هذه الضباع في تبجححها بـ "ديموقراطيتها" الطائفية والإرهابية وتعتبرها كرماً تتكرم بها للـ "المكون المسيحي" في الوقت الذي تنعم هذه الضباع بالمليارات الدولارات المسروقة من خيرات العراق وبالكراسي السلطانية للحكم والبرلمان.

لقد سبق وطالبنا وفي مناسبات سابقة على ضرورة إستقالة ممثلي أمتنا من الهيئات الحكومية والبرلمانية كوسيلة لسحب البساط من تحت أقدام هذه الضباع لأنه لم يعد من فائدة لوجودهم مع هؤلاء الضباع  في نفس البيت الذي يتم تحت سقفه تخطيط كل الجرائم الجنائية والإرهابية والسرقات بحق الشعب العراقي عموماً وبحق أمتنا "الكدانية السريانية الآشورية" خصوصاً. وكان مثل هذه المطالبة قد أثار إنتقاد وإعتراض  البعض في أتهامنا نحن الذين نصبنا خيامنا في المهجر بالتدخل في شؤون أبناء أمتنا في الوطن ودس أنوفنا في مسائلهم السياسية والقومية ونحن بعيدين عنهم معتبرين مثل هذه المطالبة حالة يائسة لا فائدة منها طالما ليس هناك بديلاً لها. ولكن بالمقابل نقول بأن هذا العالم لم يعد قرية صغيرة فقط بل محلة صغيرة أصبحت العلاقات بين أبناءها أكثر فاعلية وتأثيراً وتواصلاً وبالتالي فأن معاناة أبناء أمتنا تهمنا كثيراً ونتحسس بها إينما كنا وفي أية زاوية من العالم طالما هناك ضميرحي يسري في عروقنا تجاه أخوتنا وأبناء عمومتنا في أرض الوطن والمعاناة التي يعانونها على أيدي أحفاد هولاكو وجنكيزخان وسمكو أغا وبكر صدقي. صحيح أن هذه العملية الإنتحارية الهادفة إلى تكسير الكراسي التي يجلس عليها ممثلي أمتنا في الحكومة والبرلمان هي عملية تتصف بنوع من الحدة والتطرف قد تصيب جيوبهم أيضا وتثقبها وتتسرب منها الرواتب والمخصصات المغرية التي يتقاضونها إلا أنها الوسيلة الوحيدة المتاحة في الوقت الحالي للحفاظ على عزة وكرامة أمتنا وبالتالي صيانة كرامتهم وعزتهم أيضا وهذه هي الصفات التي تمثل قمة الشجاعة والإنسانية التي تحلت بها أمتنا منذ زمن طويل وهي أغلى بمليارات المرات من حفنة الدولارات التي يتقاضاها ممثلي أمتنا.

 فالمعروف لكل الشعوب العالم، طبعاً بإستثناء الإرهابين واللصوص والفاسدين والدكتاتوريين والطائفيين، أن السلطة الحالية في العراق بجميع هيئاتها التنفيذية والتشريعة وحتى جزء كبير من الهيئة القضاية هي سلطة طائفية بإمتياز وسلطة فاسدة من الدرجة الأولى والشهادة على ذلك هو كون العراق الحالي في قعر قائمة الدول غير المستقرة والفاسدة في الجداول العالمية لإستقرار الدول ورغبة الشعوب العيش فيها. ومن المفترض بأن ممثلي أمتنا في هذه الهيئات الحكومة والبرلمانية يدركون هذه الحقيقة قبل غيرهم لأنهم يصرحون بها في كل مناسبة يظهرون في وسائل الإعلام المختلفة، محلية ودولية، ويؤكدون على فساد الحكومة وغدر البرلمان بحق أمتنا وهضم حقوقها من دون وازع إخلاقي أو قانوني، وأعيد هنا مرة أخرى موضوع إختيار أعضاء المفوضية العليا للإنتخابات وتجريد أمتنا من حقها الشرعي والقانوني والتاريخي والحضاري لأن يكون لها مكان في هذه المفوضية التي هي برمتها "إسلامية ورجولية"، أذ حرم المسيحيين منها وكذلك المرأة. وهذا أمر ليس بغريب على الدكتاتوري والطائفي والإرهابي وعلى لصوص المال والسلطة في العراق بل هو إنجاز كبير لهم.

بالله عليكم يا أخوتي وأخواتي الأعزاء ... يا أصدقائي الأفاضل الجالسون على كراسي الحكم والبرلمان .. أليست هذه حقيقة وضع الحكومة والبرلمان والهيئات الآخرى في العراق؟؟؟ فإذا كانوا هم فاسدين ومستمرين في فسادهم حتى العنق وكانوا غدارين ومستمرين في غدرهم حتى العظم فما هو الإنطباع الذي يتركه هذا الفساد وهذا الغدر على أبناء أمتنا تجاه ممثلي أمتنا المشاركين معهم في نفس البيت وتحت نفس السقف؟؟؟ أن السباحة بعكس التيار الجارف والهادر متعب جداً ومهلك أيضاً ولا يودي إلى النتيجة غير الإحباط والقنوط وضياع جهود ممثلي أمتنا ومن غير نتيجة مثمرة تفيد أبناء أمتنا وتكون قادرة على خلق فيهم نوع من الطمأنينة والثقة في السلطة الحالية في العراق وجدوى مشاركتنا معها. هناك حقيقتان لا ثالث لهما: فعندما تدخل معركة خاسرة النتائج فإما أن تستسلم للعدو وبخضوع ومهانة أو تترك ساحة المعركة وتنجو من خسارتها وخسارة الطاقات والإمكانيات والحفاظ عليها بأمل العودة مرة أخرى لمواجهة العدو وفي ساحة ومعركة مختلفتين. من هنا نقول لا خيار للمثلي أمتنا إلا إما الإستمرار في الخضوع لسراق السلطة والمال في العراق وتقبل الإهانات والخنوع أو ترك ساحة المعركة وتوجيه جهودهم لمعارك أخرى قد تفيد أبناء أمتنا.

ولم يبقى في الأخير إلا أن أوكد مرة أخرى سلاح هارا كاري الياباني في تحطيم كراسي ممثلي أمتنا في الحكومة والبرلمان ورميها في وجوه اللصوص والغدارين القابعين تحت قبة البرلمان وفي دهاليز الحكومة لأن مثل هذا العمل سوف يتم سحب البساط من تحت أقدام هؤلاء اللصوص والغدارين ويجردهم من التبجح بـ "ديمقراطيتهم" ويمنعهم من إستغلال وجود ممثلي أمتنا ("المكون المسيحي !!!!!؟؟؟) في الحكومة والبرلمان... وطوز (كما يقول المصريون) في مثل هذا الوجود من  دون نتيجة مثمرة؟؟؟؟ كما أن مثل هذا الإجراء سوف يترك صدى على الساحة الدولية وسوف يعكس ترك "ممثلي المسيحيين" للبرلمان والحكومة مدى غدر القابعين على السلطة في العراق ومدة معاناة أبناء أمتنا من جراء الممارسات الإرهابية الجسدية والفكرية لهؤلاء تجاه أمتنا بشكل خاص وتجاه المسيحيين بشكل عام. وأنا يقين كل اليقين بأن هذا الإجراء الجرئ لممثلي أمتنا سوف يؤكدون مدى إخلاصهم لهذه الأمة ويجردهم من أقاويل البعض في حبهم للكراسي والمناصب واللهث وراء المال والجاه والسلطة ويعززون الثقة المنهارة لدى أبناء أمتنا تجاه كل ما يتعلق بالسياسة والحقوق القومية، خاصة وهم مقبلون على إنتخابات قادمة خلال سنة أو أكثر، والتي يستوجب على الجميع المشاركة فيها والتصويت لمن فعلاً يستطيع تمثيل الأمة بإخلاص وتفاني. وهنا أود التأكيد بأن المشاركة في الإنتخابات العامة وإختيار الممثلين للأمة لا يعني إلا التأكد على تأكيد الحق في الإختيار وممارسة هذا الحق بشكل فعلي لإثبات للآخرين بأننا فعلاً أمة لها وجود في الوطن منذ أقدم ألأزمان وحتى اليوم ... وكذلك موضوع تحطيم الكراس وترك ممثلي أمتنا لها أيضا تأكيد على عدم رغبتهم المشاركة مع اللصوص والغدارين بحق أمتنا... فبين هذا الحق وذاك  حبل غليظ مرتبطين به أسمه ممارسة الحق ولكن بينهم فرق كبير ... فرق بين المهانة والخضوع والإنتكاسة من جهة وبين العزة والكرامة والشموخ من جهة أخرى. ونحن لا نشك إطلاقاً في كون ممثلو شعبنا من الأبناء المخلصين لهذه الأمة العريقة التي أتصفت وتتصف بمثل هذه الصفات النبيلة وأن أثبات هذا الإخلاص لا يتم إلا بالتفاني ونكران الذات والتجرد من الإنانية فأن لم يكن بتكسير الكراسي التي يجلسون عليها في الحكومة والبرلمان ليكن بتجميد عضويتهم فيها وتشكيل جبهة بينهم تجمعهم الصفات النبيلة لهذه الأمة في عملهم المشترك الناجع والمفيد للجميع سواء أكانوا جالسين على هذه الكراسي أو الذين شرعنوا جلوسهم على هذه الكراسي عن طريق التصويت لهم في الإنتخابات العامة.

ولا أختم هذه السطور إلا بالقول بأن الموضوع فيه نوع من السخط والغضب وليس ذلك إلا شعوراً نابعاً من الغبن والغدر الذي يعانيه أبناء أمتنا في أرض أبائهم وأجدادهم على أيدي سراق السلطة والمال. وهناك مثل ينطبق على هذه الحالة والقائل بأن (الرجل الجائع رجل غاضب) فنحن جياع حتى الموت ليس من الأكل بل من الحقوق القومية الشرعية لأمتنا وبالتالي فرض علينا هذا الجوع أن يتصف موضوعنا بالسخط والغضب ولا ينطفئ مثل هذا السخط والغضب إلا بأعمال تبهر طريق أبناء أمتنا نحو تحقيق حقوقها القومية المشروعة في العراق.
 


259
نظرة مراقب على إنتخابات زوعا
في قاطع شيكاغو – الولايات المتحدة الأمريكية

أبرم شبيرا

صادف زيارتي لمدينة شيكاغو إنعقاد كونفراس قاطع الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) في شيكاغو في التاسع عشر من هذا الشهر (آب) ولم تبخل قيادة زوعا على طلبي لحضور الكونفراس ومراقبة إنتخابات مسؤول وأعضاء قيادة القاطع مع الإستاذ شيبا مندو رئيس المجلس القومي الآشوري في ألينوي – شيكاغو بصفة ضيوف شرف ومراقبين عن سير الإنتخابات التي أدارها وأشرف عليها السيدان باسم بلو ويعقوب كوركيس عضوا اللجنة المركزية للحركة والقادمان من الوطن. في القسم الأول من الكونفراس ناقش المجتمعون ولساعات طوال مجموعة قضايا إدارية ومالية وتنظيمية وأخرى متعلقة بشؤون أمتنا في قاطع شيكاغو ومن ثم الوصول إلى قرارات تصب في التحليل الأخير لمصلحة تطوير نشاط الحركة في المنطقة وترسيخ مسيرتها بين أبناء امتنا. في القسم الثاني من الكونفراس بدأت إجراءات إنتخابات مسؤول وأعضاء القاطع. وجرياً على الأصول المتبعة في حضور المراقبين لمثل هذه الإنتخابات ألتزمنا إلتزاماً كاملاً بها والتي أنحصرت في المراقبة فقط دون التدخل في سير الإنتخابات رغم أننا كونًا مجموعة ملاحظات من خلال مراقبة سير الإنتخابات والإجراءات المتبعة في إنتخاب مسؤول وأعضاء القاطع والتي ندرجها في أدناه سعياً للفائدة التي نتوخى منها تطوير مسيرة زوعا في بلدان المهجر إضافة إلى تنوير أبناء أمتنا ببعض من هذه الملاحظات التي تزيد من مداركم ومعرفتهم عن ما يجري خلف جدران الحركات والأحزاب التي تسعى إلى تمثيل أمتنا سواء في أرض الوطن أم في المهجر.

كان حضور المجتمعين كبيراً نسبياً لمدينة في المهجر ومقارنة مع غيرها من الأحزاب التي لا يتجاوز عدد الحاضرين في مؤتمراتهم في البعض منها عشر العدد الحاضرين ليس في المهجر بل في الوطن أيضاً. وعندما نتحدث عن المؤتمر الحزبي لا نقصد به تلك المهرجانات التي يقيمها بعض الأحزاب والتنظيمات القومية التي يحضرها جمهرة غفيرة من الأعضاء وغير الأعضاء وتدعي بأنه مؤتمرها السنوي، فالمقصود بالمؤتمر هنا هو الحاضرين له من الأعضاء الذين تنطبق عليهم شروط العضوية وحسب النظام الداخلي للحزب.

وقبل الشروع في عملية الإنتخابات كان السيدان باسم بلو ويعقوب كوركيس قد ألقيا كلمتهما للحاضرين مبتدئين بالترحيب بالسيدين شيبا مندو وأبرم شبيرا كمراقبين وضيوف شرف لهذا الكونفراس ثم شرحوا إجراءات وإلتزامات وحقوق الحاضرين في التصويت للمرشح الذي يرغبون فيه بكل حرية وبدون تردد. عندما فتح باب الترشيح لمنصب مسؤول قاطع شيكاغو لزوعا رشح كل من السيد ميخائيل (زيا) ججو والسيد ألكسندر ديفيد. ثم شرع كل واحد منهم وفي بضع دقائق بيان أسباب ترشحه لهذا المنصب والبرنامج الذي يسعى إلى تحقيقه. فالسيد ميخائيل زيا ججو هو مسؤول قاطع شيكاغو لزوعا ومن الكوادر القديمة في الحركة وعضو سابق للجنتها المركزية. أما السيد ألكسندر ديفيد فهو من العناصر الشابة المثقفة والواعية التي عملت لفترة طويلة مع السيد زيا ججو في إدارة شؤون القاطع. وصراحة أعجبني فيه شجاعته الجريئة في القول بأنه تعلم أبجدية السياسة وفكر الحركة من السيد زيا ججو وعمل تحت أشرافه لفترة طويلة وأكتسب خبرته الفكرية والسياسية من خلال العمل معه، وبالمقابل كان السيد زيا ججو قد قال بأنه فخور جداً بأن يرى أحد الشباب الذين عملوا معه وتعلموا منه الكثير من الأمور السياسية والحزبية والقومية يصل إلى مستوى من الوعي والإمكانية لكي يقف على عتبة التنافس معه على منصب مسؤول القاطع...  حقاً قال المثل العراقي (الخلفة يصير أوسطه).

ففي جو ديمقراطي نزيه وبأسلوب سلس وواضح بدأت إجراءات إنتخاب مسؤول القاطع فبعد توزيع أوراق الإنتخابات والإقتراع السري وفرز الأصواب فاز السيد زيا ججو على السيد ألكسندر ديفيد بفارق ضئيل جداً لم يتجاوز بعضة أصواب. ثم فتح باب الترشيح لإنتخاب أربعة أعضاء للجنة القاطع فرشح سبعة من الحاضرين ففاز بعضوية اللجنة الإنسة ميري مرقس والإنسة ندى ألكسندر والسيدان أوراهم عوديشو ونينوس باديني.

 الملاحظات التي كانت أكثر إثارة للإهتمام وملفة للنظر والتعجب أيضاً تتركز في مجالين:
الأول: حضور العنصر النسائي بعدد يمكن أن يقال عنه بأن كبير في مقارنة مع الحضور النسائي الذي نشهده في التجمعات السياسية وغير السياسية، حيث كان حضورهن يزيد عن ثلث أعضاء الحاضرين، والأكثر تعجباً كانت الشجاعة الأدبية التي أتصفهن بها في المناقشة الجريئة والمداخلات القيمة والموضوعية.
الثاني: الحضور المكثف للشباب، لابل أقول وبكل صراحة الشباب المثقف والواعي والجريء في المناقشة وأبداء الأراء القيمة والبناءة وعدم التردد إطلاقاً في مواجهة الحجة بالحجة التي هي أحسن في مناقشة المسؤولين الكبار الذين حضروا الكونفراس وتجلى ذلك في ترشح أحد هؤلاء الشباب لمركز مسؤول تنظيم القاطع وهو السيد ألكسندر ديفيد ومنافستة لعنصر من العناصر القديمة في زوعا وأقصد السيد ميخائيل زيا ججو. والحق يقال، لقد أثار أعجابي الكبير هؤلاء الشباب في كون معظمهم من الذين ولدوا أونشأوا في المهجر – الولايات المتحدة الأمريكية – وأمتلكوا وعياً قومياً سياسياً ناضجاً ويتكلمون لغة الأم بكل فصاحة وكمال ويتحلون  بشجاعة أدبية وفكرية كبيرة في المناقشة والمداخلات.

والأن جاء الملاحظات التي تكونت عندما عن هذه الإنتخابات وبيانها في ضوء موضوع سبق وأن تم التطرق إليه في مناسبات عامة وخاصة وهو موضوع أسلوب إنتخابات المسؤول سواء أكان السكرتير العام الحركة أو مسؤول القاطع أو مسؤول لهيكلية أخرى واللجنة المركزية أو لجنة تنظيم قاطع أو فرع، وعلى العموم سنأخذ تسمية السكرتير العام واللجنة المركزية كنموذج لهذا الموضوع. فمن المعروف في علم السياسة بأن هناك أسلوبان الأول مباشر والآخر غير مباشر. فالأول يتم إنتخاب السكرتير العام من قبل المؤتمر العام مباشرة ثم بعد ذلك يتم إنتخاب أعضاء اللجنة المركزية. وهو الأسلوب المتبع حالياً في زوعا وفروعها في الوطن والمهجر. ويفضل أن يسمى في هذه الحالة السكرتير العام أو الأمين العام للحزب. أما الأسلوب غير المباشر فيتم أولاً إنتخاب أعضاء اللجنة المركزية ثم من بين هؤلاء الأعضاء يتم إنتخاب السكرتير ويفضل أن يسمى سكرتير اللجنة المركزية. وهو الأسلوب الذي كان متبعاً سابقا في زوعا وفروعها في الوطن والمهجر. ولكل أسلوب محاسن ومثالب تتحدد وفق معايير معينة، ومنها: عدد أعضاء الحزب وحجم الأمة التي تحاول تمثيلها وعدد الكوادر الحزبية والإمكانيات الفكرية والسياسية للحزب، وأخيراً عمق الخلافات والتناقضات الموجودة بين أعضاء الحزب أو أبناء الأمة.

فمن الوقائع المعروفة بأننا أمة صغيرة وقليلة العدد في مقارنة مع الأمم والشعوب المحيطة بنا وبالتالي فإن حجم أحزابنا السياسية تكون صغيرة من حيث أعضاءها وتتصف بشحة في كوادرها الحزبية والفكرية المتمكنة والمتفرغة للعمل الحزبي. أما من حيث عمق الخلافات والتناقضات  فكما هو واضح بأنه رغم عمق حضارتنا وتاريخنا الطويل إلا أننا أمة تتصف ببسباطة ووضوح وسلالة في طبيعتها الإجتماعية والفكرية وبالتالي قلة تناقضاتها الفكرية والسياسية، أي بعبارة أخرى قلة التناقضات الإيديولوجية والفكرية بين أحزابنا السياسية وبين أعضاءها أيضاً، ما عدا الخلافات الدينية والطائفية والعشائرية والقريوية التي لا تدخل ضمن أيديولوجية أحزابنا السياسية  حتى تصبح عوامل مفرقة بينهم.

ففي الإنتخاب المابشر، عندما يترشح شخصان أو أكثر لمنصب السكرتير العام فمن المفترض أن يكونوا من الكوادر الحزبية المتقدمة فكرياً وتنظيمياً. وعندما يفوز شخص واحد لهذا المنصب ستكون خسارة للكادر الآخر المترشح للمنصب والذي لم يفز وبالتالي يصبح خارج دائرة القيادة التي كان يرغب أو يطمح بها ويصعب عليه العمل من المواقع الأخرى الأدنى في الحزب. ونادراً جداً، أن لم يكن محالاً أن نرى إستثناءاً لهذه الحالة في أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية، أي أن يعمل الخاسر لمنصب السكرتير العام من مواقع أخرى في الحزب. والحالة تنطبق على إنتخاب مسؤول قاطع شيكاغو فمن المؤسف أن يكون السيد ألكسندر ديفيد خارج الدائرة القيادية رغم تأكيده على أنه سيتمر في العمل في زوعا مهما كانت النتائج.

أما في الإنتخاب غير المباشر، فعندما يترشح عدد معين لللجنة المركزية ويتم إنتخاب العدد المطلوب ومن ثم بين هؤلاء يتم إنتخاب أحد المرشحين لمنصب سكرتير اللجنة المركزية فالخاسر في هذه الإنتخابات سيبقى ضمن اللجنة المركزية وفي أكثر الإحتمال سيتولى مسؤولية في المكتب السياسي وبالتالي سيكون توفير للكادر الجيد من خلال بقاءه ضمن حلقة القيادة العليا، أي اللجنة المركزية.

في الإنتخاب المباشر للسكرتير العام له مثالب أيضاً تنعكس على الكوادر المترشحة لعضوية اللجنة المركزية، وتتمثل في السيناريو التالي: عندما يترشح شخصين أو أكثر لهذا المنصب ويفوز به واحد منهم ثم بعد ذلك تجري عملية الترشيح لإنتخاب أعضاء اللجنة المركزية فإن بعض من الكوادر الجيدة والكفوءة قد تتردد وتمتنع عن ترشيح نفسها لعضوية اللجنة المركزية بحجة عدم رغبتها في العمل مع السكرتير العام المنتخب لأنه لم يكن من الذين صوتوا له ولا يستطيعون العمل معه. وعلى العكس من هذا فالمؤيدون للسكرتير العام الفائز الذين صوتوا له يسرعون لترشيح أنفسهم لعضوية اللجنة  لأنه الشخص المفضل لديكم ويستطيعون العمل معه. مما يسبب كل هذا نوع من التكتل بين الفائزين في الإنتخابات وبين الخاسرين، وكثيرا ما يلجأ الخاسرون إلى تعطيل إمكانياتهم ونشاطهم في الحزب إن لم يكن خروجهم من الحزب وفي بعض الأحيان تأسيس حزب مناهض لحزبهم السابق، وبالتالي يتسبب ذلك تشتت وضياع للكوادر الحزبية والفكرية الجيدة.

أما في الإنتخاب غير المباشر للسكرتير، فعندما يترشح عدد من الأعضاء لإنتخاب أعضاء اللجنة المركزية وفوز العدد المطلوب ثم بعد ذلك يتم إنتخاب من بينهم سكرتير اللجنة المركزية فأن كل الفائزين في الإنتخابات سيكونون ملزمين تنظيمياً وفكرياً وأدبياً للعمل سوية  ويخلق نوع من الديموقراطية الحقيقية عندما تتعدد الأراء وتختلف داخل اللجنة المركزية، وهو المطلوب عندما نتحدث عن التطور في أحزابنا السياسية. كل هذين الأسلوبين في الإنتخابات وتوفير الكوادر الجيدة وعدم خسارتها يستوجب توفر نوع راقي من الوعي السياسي والتنظيمي بين المرشحين للمناصب المذكور وبعكسه فإن كل الأساليب المذكور في الإنتخابات ستكون غير مثمرة وبالتالي ستنعكس على مسيرة الحزب وتؤدي إلى ظهور عوامل ضعف ونوع من الديكتاتورية والتفرد في أتخاذ القرارات رغم أنها تكون في الظاهرمكسوة برداء الإجماع .

وأخيراً لم يبقى إلا أن نؤكد مرة أخرى، وفق تجربة إنعقاد كونفراس قاطع شيكاغو والإنتخابات التي تمت فيه، موضوع القيادة الجماعية وكيفية فتح المجال أما الكوادر الشبابية   الجيدة لتعمل جنباً إلى جنب مع الكوادر المتقدمة القديمة  كضمان لإستمرار مثل هذه القيادة الجماعية نحو أفاق أبعد. فمن خلال هذه التجربة تثبت بأن فوز السيد ميخائيل زيا ججو بمنصب مسؤول قاطع شيكاغو، كعضو متقدم و "قديم" في زوعا، يؤكد عطاءه المستمر وتثمينه من قبل المؤتمرين في الكونفراس وبالتالي أعادة فوزه بهذا المنصب. ومن جانب آخر تؤكد هذه التجربة بأن عمل السيد ألكسندر ديفيد مع السيد ميخائيل وتعلمه منه ومن ثم وصوله إلى مستوى التنافس معه على منصب مسؤول قاطع بأن عملية إعادة إنتاج قيادة جماعية من الشباب الواعي سائرة على الطريق الصحيح إلا أنها لم تكتمل بسبب بضعة أصوات حالت دون ذلك. فعلى السيد ألكسندر ورفاقه من الجيل الجديد لزوعا الإستمرار في العمل لكي تكتمل العملية في الكونفراس القادم.    








260
فريد نزها  "السرياني" والشماس يوسف هرمز جمو "الكلداني"
والحركة القومية الآشورية – آب 1933

أبرم شبيرا
توطئة:
كلما طلً علينا شهر آب من كل عام يبدأ كتابنا ومثقفينا الأعزاء بالبحث والتقصي والكتابة عن هذا الحدث القومي والتاريخي وما صاحبه من مأساة وفواجع من جراء المذبحة التي أرتكبت بحق أبناء أمتنا في السابع من شهر آب عام 1933 الذي أعتبر يوماً للشهيد الآشوري. ولكن من الملاحظ بأن معظم ما كتب عن الموضوع لم يتجاوز حدود المعلومات التاريخية العامة عن هذا الحدث والمأساة التي حلت على أبناء الأمة والتي في كثير من الأحيان تتكر كل سنة في هذه المناسبة من دون أن تتجاوز إلى التحليل العلمي لدوافع مرتكبي جريمة مذبحة سميل والنتائج المختلفة على الأصعدة الفكرية والقانونية والإجتماعية والديموغرافية التي ترتبت من جراء إرتكاب هذه المذبحة، وهي الدوافع والنتائج التي تم التفصيل فيها في كتابنا المعنون (الآشوريون في السياسة والتاريخ المعاصر، من منشورات إتحاد الأندية الآشورية في السوري، 1996) ولا نرى هنا ضرورة لإعادتها من دون أن نتقصى عن جوانب جديدة لها علاقة بهذا الحدث. ولكن مع كل هذا فأنه بمجرد الكتابة وإقامة المراسيم الدينية والمدنية الخاصة بهذا اليوم تكفي للتذكير بالتضحيات التي قدمها شعبنا من أجل البقاء والصمود في أرض الوطن.

في التسمية الآشورية للحركة ويوم الشهيد:
 من الدارج بأن النتائج المأساوية وعلى مختلف الأصعدة السياسية والقانونية والإجتماعية والديموغرافية والدينية كانت قد حلت على جميع أبناء أمتنا ومن جميع الطوائف الكنسية والملل الإجتماعية رغم إختلاف مصادر تحديد إنتماءهم (كلدان أو سريان أو آشوريون). غير أن هذه المأساة تباين حجمها من طائفة إلى أخرى ومن قرية إلى أخرى وهكذا.. لذلك جرياً وراء الحقيقة الموضوعية لهذا الحدث التاريخي من جهة وبسبب قيادة هذه الحركة التي تمثلت في زعامة بطريرك كنيسة المشرق التي عرفت نكاية بـ "النسطورية" ثم فيما بعد بالآشورية وضخامة حجم المأساة التي حلت على أتباع هذه الكنيسة ورجالاتها وأتباعها من جهة أخرى، فإن الحركة عرفت شعبياً ورسمياً، فكرياً وتاريخياً بالحركة الآشورية، او بالفتنة الآثورية حسب العقلية الفاشية للحكام في العراق ومؤرخيها، كما عرف اليوم الذي أرتكبت فيه المذبحة في قصبة سميل بيوم الشهيد الآشوري بعد إقراره من قبل الإتحاد الآشوري العالمي في مؤتمره المنعقد في طهران عام 1970 وأصبح يوماً معترفاً به تقريباً من جميع أبناء أمتنا يستذكرون فيه تلك التضحيات التي بذلت على طريق الشهادة والدفاع عن الوجود القومي في العراق.

كان بعض االأصدقاء من "القوميين الآشوريين" يلومونني على إشاراتي الدائمة إلى قداسة البطريرك مار دنخا الرابع كبطريرك آشوري أو بطريرك الكنيسة الآشورية من دون تعميم هذه الصفة "الآشورية" على بطريرك الكلدان أو السريان أو حتى الموارنة منطلقين من إيمانهم القومي الشمولي في أعتبار أتباع هذه الكنائس كلهم أبناء للقومية الآشورية من دون إي أعتبار للحقيقة الموضوعية التي تتحكم في طبيعة تسمية كل كنيسة بأسمها المعروف والمعتمدة سواء من قبلها أو من قبل الغير. ففرض تسمية على مسمى آخر أمر لا يقبله المنطق ولا العقل خاصة في البحوث العلمية والموضوعية الهادفة إلى وصول لنتائج منطقية ومقبولة. والحال نفسه ينطبق على تسميات هذا الموضوع سواء كحركة قومية آشورية أو يوم الشهيد الآشوري. فمنطق البحث العلمي التاريخي الصحيح والقويم لهذا الحدث لا يتقبل تعميم هذه التسمية، على الأقل رسمياً وقانونياً على بقية مكونات شعبنا من الكلدان والسريان خاصة في المرحلة التي نشأت وطغت الحركة الآشورية لعام 1933 على السطح السياسي العراقي وضمن ظروف من القهر السياسي والفكري والقومي التي سادت في تلك الفترة وأصبح السلوك الحكومي والشعبي في التعامل مع المختلف دينياً وقوميا. فلم يكن إطلاقاً مقبولا لا من الكلدان ولا من السريان أن تعمم عليهم التسمية الآشورية في تلك المرحلة المرعبة وبالتالي فعندما ندرس ونبحث في الحركة القومية الاشورية لعام 1933 والمذبحة التي رافقتها في سميل يجب علينا أن نأخذ بنظر الإعتبار مواقف الكلدان والسريان في تلك المرحلة قبل تعميم هذه التسمية والحركة والمذبحة على جميع مكونات شعبنا (الكلداني السرياني الآشوري). فالمنطق والبحث الموضوعي يقضيان بأن تدرس المسألة كما هي بتسميتها وزعامتها ورجالاتها من دون تعميمها على الآخرين وهم بعيدون كل البعد عنها ومستنكرين لها. من هنا بقيت التسمية كحركة قومية آشورية وعلى المناسبة  بيوم الشهيد الآشوري. هذا في الماضي، غير أن الواقع الفعلي في يومنا هذا وتنامي الوعي القومي في مختلف مكونات أمتنا وتأسيس أحزاب ومنظمات كلدانية وسريانية تأخذ من تاريخ أمتنا الشامل للكل قاعدة فكرية وحضارية لسياساتها القومية فيفرض هذا الوقع نفسه على السطح القومي السياسي ليجعل يوم الشهيد لكل أبناء أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية، وحسناً فعلت معظم تنظيمات وأحزاب أمتنا خاصة المجتمعة تحت مظلة "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" في أعتمادها هذه التسمية الشاملة للجميع.

أن التحديد الحصري والرسمي لهذه للتسمية الآشورية المعتمدة في هذا الموضوع لا يعني إطلاقاً بأن الكلدان أو السريان كانوا بعيدين عن هذا الحدث سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فالنتائج التي أفرزها أصابت  الكلدان والسريان أيضاً وعلى جوانب معينة وأثارت فيهم نوعاً من الإهتمام السياسي والقومي، لا بل وأصابت أيضاً معظم العراقيين وعانوا الكثير من الأساليب الإستبدادية التي عولجت بها الحركة الآشورية والتي أصبحت المنهج السائد في التعامل على الساحة السياسية العراقية. فما أن أنتهى المجرم بكر صدقي، جنرال مذبحة سميل، من فعلته الشنيعة في سميل حتى أدار بندقيته نحو حركات الشيعة في الجنوب والكورد في الشمال وأستمر متبعاً نفس أسلوب سميل في التعامل معهم وقمعهم بالقوة والإستبداد.   

أن المهالك والإضطهادات والتعسف التي أصابت "الآشوريين" من أتباع الكنيسة "النسطورية" كانت ذات تأثير عميق على نفسية ومواقف بقية المسيحيين لا بل وحتى على بعض من أتباع هذه الكنيسة. ففي ظل الظروف الإستبدادية والقمعية التي أعقبت مذبحة سميل ساد نوع من الحذر والحيطة وحتى الخوف والهلع من التدخل في السياسة أو المطالبة بأية حقوق قومية خاصة بهم. فكانت البرقيات الإستنكارية والإدانة لا تأتي من الكلدان والسريان فحسب بل أيضا وبشدة بالغة من قبل بعض أتباع الكنيسة الآشورية "النسطورية" لا بل وحتى من أكثر من أسقف أو زعيم عشيرة وشخصية بارزة من أتباع هذه الكنيسة تدين الحركة وتستنكر تحركات البطريك مار شمعون إيشاي وتؤيد تحركات الجيش في قمع الحركة الآشورية. وقد أورد مؤرخ السلطة الحاكمة في العراق عبد الرزاق الحسني الكثير من هذه البرقيات في كتابه المعروف تاريخ الوزارات العراقية. كان من الطبيعي أن يفرز الخوف والهلع من إستبداد السلطة وضعاً عاماً في نفسية بقية أبناء أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين غير أن هذه الحالة العامة لم تكن خالية من حالات إستثنائية لم تعير أهمية لمثل هذه الظروف أو لم تجاري الحالة العامة من الخوف والخشية التي سادت في الكثير من أبناء الأمة. وهي الحالات التي تعتبر في ظل مثل هذه الظروف المأساوية المرعبة نوع من الشجاعة التي يجب الإشارة إليها بالبنان والتثمين لمثل هذه المواقف الرافضة للظلم والإستبداد خاصة عندما تأتي من شخصيات سريانية وكلدانية..

المفكر فريد نزها وإستنتاجه بيوم الشهيد:

ولد فريد إلياس نزها عام 1894 في مدينة حماه في سورية ومن عائلة سريانية أرثوذكسية نزحت من هربوط في أعالي بلاد بيت نهرين واستقرت في سورية ومنها هاجر الى الأرجنتين ومن هناك، ومنذ الثلاثنيات وحتى الخمسينيات، كان يصدر مجلته المعروفة بـ"الجامعة السريانية"، التي عبرت عن مواقفه القومية الجريئة والشجاعة حيال مسألة وحدة طوائف كنيسة المشرق، وهذا بحد ذاته موضوع يستوجب مناقشته بشكل مفصل وفي فرصة اخرى. على أن الذي يهمنا هنا هو قدرة هذا المفكر الكبير في اكتشاف الحقائق التاريخية وتحديد الابعاد المستقبلة لابناء أمته خاصة فيما يتعلق بموضوعنا في الخوف من السياسة والمسائل القومية والخضوع للاستبداد الذي ساد في قطاعات واسعة من أبناء أمتنا أثناء وبعد مذبحة سميل وتوصله إلى إستنتاج بأن في المستقبل سيردد أبنا الأمة ذكرى الإستشهاد في سميل. فعلى الرغم من أن فريد نزها لم يكن صارماً وحاداً في رسم الاسم القومي الشامل للآشوريين في تلك الفترة، ولاعتبارات كان يقدرها حق تقدير، لذلك كان يخاطب أبناء أمته في مقالاته الافتتاحية اللهابة  بالقول ( الأمة السريانية الارامية الآشورية الكلدانية) وذلك بهدف التضمين الحضاري المشترك والمتواصل لهذه التسميات المرادفة لشعب واحد وأمة واحدة.

كان فريد نزها يصدر مجلته باللغة العربية ثم أضاف اليها اللغتين الاسبانية والسريانية الغربية وكان يكتب أسم المجلة بالاسبانية كما يلي  ( ASOCIACION  ASIRIA)  وفي العدد  الثاني، شباط 1939 للسنة الخامسة وفي الصفحات 10 – 12 كتب فريد نزها بخصوص تأثير الخوف والخضوع للاستبداد من جراء مذبحة سميل والنتائج المرعبة التي أفرزتها على بعض أبناء أمتنا وقال:
"أحد الأفاضل من أدبائنا الأغيار في الوطن – وكان من موصل - كتب مرة الى مدير الجامعة السريانية ( وهو فريد نزها نفسه ) بقوله: أمح أو أصلح أو غير أسم المجلة ( الاسباني ) فان هذا التعبير  ASIRIA لا يروق لحكومة البلاد عندنا وهو يفيد المعنى " الآشوري " وهذا لا يليق أيضا بك وأنت من عائلة سريانية معروفة بغيرتها وتمسكها بالعقيدة السريانية الخ.. فأبتسم المدير ( أي فريد نزها ) من هذا التضمين لدى قراءته تلك العبارة ولم ير غير العياذ بالله العظيم واللواذ بحوله من هذا البلاء المقيم. أنني أسأل جناب الأديب : اذا لم ترُق التسمية الآشورية لجناب الحاكم هل تجيز لك آدابك وشرف قوميتك وقواعد دينك أن تبدلها بغيرها إرضاءً لخاطر الأمير وإكراماً لسواد عينيه ؟؟ وماذا تصنع غداً متى خطر لحاكمك المطلق أن يقول لك أنزع هذا الصليب عن باب كنيستك ومحظور عليكم أنتم معشر النصارى قرع الأجراس ؟؟ . أو ماذا تقول اذا قالوا لكم غداً ان تعليم السريانية ينافي نظام دائرة المعارف الوطنية؟؟ أنك تستبعد حصول هذه الفواجع ولكن الليونة والخنوع اللذين ابديتموهما تجاه الحاكم المستبد سوف يحملانه على التمادي في ظلمه واستبداده. وقد يقول لك غداً : إن الخلاص ليس في اللغة بل في العقيدة،  فإذا كنتم انتم السريان مخلصين للحكومة والوطن وجب عليكم إتمام الخلوص وإخلاص الطاعة فاستبدال السريانية بالعربية لا مندوحة منها، فماذا تجيبون حكومتكم إذ ذاك يا حضرة الأستاذ ؟؟ . وبالحقيقة إذا لم يكن للسريانية غير المعنى الديني فأي حاجة لنا بها ؟ كان يجب عليك وأنت من كبار أساتذتها والخبيرين بتاريخها وباذخ  شرفها، أن تقول أن السريانية، قومية جنسية وطنية، لا دين ولا مذهب، وقد يكون المذهب الواحد بين عدة أمم كما هو شأننا( نحن السريان اليعاقبة) مع القبط والحبش. أما الجنسية ( ويقصد القومية ) فلا شركة فيها. فإذا انتزعنا العصبية الجنسية (ويقصد العامل القومي) من أبنائنا ماذا يبقى ؟؟ أنت تجيب : الدين‍‌‍، وأنا أقول لك انهم  يجدون الدين في مصر والحبشة وها هم يطلبونهُ بعيداً عنهما بفضل تعاليمك. ولو اننا علمناهم إن السريانية علم طبيعي لنا وهو أسم أمتنا القديمة  العظيمة وبسطنا لديهم آثار عظمتها لرأيتهم يحرصون على هذه التسمية ويفاخرون الأمم بالانتساب إليها على شرط أخطر المواقف وأحرج الظروف … ما أحلاك لما رحت تقول لي بكل بلادة وجهل ، أن التسمية الآشورية تفيد المعنى المذهبي "النسطوري"، وهو قولُ تبرأُ منه الحقيقة ويستنكره الجميع من الخاصة والعامة وأنك لعاجز عن إنكار هذه الحقيقة من ان السريان هم الآشوريون سلالة الكلدان القدماء ولا أرضى منك أبداً الانسحاب بدون ان تفحمني بالبراهين الساطعة عن فساد هذا الرأي، بل كل من له اطلاع في اللغة والتاريخ يعرف ان كلمة سريان أصلها أسريان وهو لفظ يوناني منحوت من الاصل الآشوري "أشوريان" . هذا عدا عن أن العالم كله يعلم أن الاسم الآشوري لا يفيد المعنى الديني وإذا راجعت صحف التاريخ الكنسي، لما رأيت إخواننا النساطرة يتميزون بهذا التعريف وإنما بقولهم نساطرة ولو انهم عرفوا تمييزا بالاسم الآشوري لكانوا في حال يحسدون عليها. وأقول بكل أسف إن التسمية المذهبية عندهم هي النسطورية فقط. أما إذا كانت هذه الصفة ( أي الآشوري ) تشير الى الغير راضين بالاندماج في العربية والخضوع للحكومات الغاشمة وقد نالهم بسبب ذلك القتل والاضطهاد والسلب وكل أنواع المظالم والفظائع ( ويقصد بها مذبحة سميل وما رافقها) ، فذلك شرف عظيم انفردوا به . وستردد الأجيال القادمة ذكر ذلك الاستشهاد وآثار تلك الفواجع التي أنزلها بهم أعداء الله والإنسانية ما بقي آدمي على وجه هذه البسيطة.

أدرجت النص الأخير من مقالة المفكر فريد نزها باللون الأحمر لزيادة الإنتباه إليه وإستنباط الاستنتاج العظيم الذي أستنتجه في ذكره بأن الأجيال القادمة ستردد ذكر ذلك الإستشهاد في سميل وفعلاً وبعد أكثر من ثلاثة عقود، أي في عام 1970 عند إقرار الإتحاد الآشوري العالمي السابع من آب يوماً للشهيد، وحتى هذا اليوم فإن أبناء أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية تردد ذكر هذه المناسبة في الشهادة والتضحية.. أليس فريد نزها عظيماً يستحق كل التقدير والتثمين لفكره القومي الإستراتيجي؟... كم من أبناء أمتنا خاصة القوميين منهم يعرفون فريد نزها وقرأوا أدبياته القومية ؟؟؟

الصحافي الشجاع الشماس يوسف هرمز جمو:
 ربما الكثير من أبناء أمتنا  سمعوا عن الشماس يوسف هرمز جمو، خاصة وهو والد المطران مار سرهد جمو رائد النهضة الكلدانية في عصرنا هذا، ولكن من المؤكد قلة قليلة تعرف مواقفه السياسية الشجاعة وغزارة نشاطه الثقافي والصحفي وتحديداً ما اورده في كتابه المعنون "أثار نينوى أو تاريخ تكليف" الذي نشر في عام 1937 وأعيد طبعه ونشره بعد 56 سنة وتحديداً في عام 1993 من قبل أبناءه الغيارى في ولاية مشيغان - الولايات المتحدة الأمريكية.

يقول السيد يوسف ناظر في مقدمته عن الكتاب بأن الشماس يوسف هرمز جمو هو "وجه مشرق من وجوه الإعلام الكلدان الذين كرسوا جل حياتهم – إن لم يكن كلها – لخدمة شعبهم ووطنهم بحرص وتجرد ونكران ذات حتى وافاهم الأجل ليكونوا قدوة حسنة لنا وللأجيال القادمة ولكي لا يغيبوا عن ذاكرتنا بعد أن واراهم التراب، إعترافاً بجميلهم، طيب الله ثراهم... وهو أشرق وأعطر الوجوه التي إنجبتها الأمة الكلدانية في عصرنا الراهن.. فهذا الأبن البار للشعب الكلداني الذي بدأ حياته ملاحاً في السفن – الدوب – التجارية فوق مياه دجلة بين بغداد والبصرة دفعه طموحه الشخصي وعصاميته الفذة ومواهبه الفطرية إلى إقتحام الميدان الثقافي فأصبح مربياً فصحافيا فمؤلفاً فأستاذا لأبناء الأمراء، رحمة الله عليه... ص9. هذا الإطراء الجميل للشماس يوسف جمو الذي ولد في بلدة تكليف في 19/03/1892  لم يترك لنا الإستاذ يوسف ناظر مجالا للتفصيل في سعة مواهبخ وقدراته ومن يريد من القراء الأعزاء المزيد من إبداعاته ونضاله يمكن إيجادها في كتابه السالف الذكر.

كان الشماس الشجاع قد دخل المعترك السياسي في تلك الفترة فرشح نفسه لعضوية المجلس النيابي ممثلاً للمسيحيين إلا أنه لم يفز بالمقعد بحكم الظروف السياسية في تلك الفترة. غير أن هذا لم يثني عزيمته للإستمرار في معترك السياسة والثقافة، ففي عام 1934 حصل على إمتياز لإصدار جريدة يومية سياسية بأسم "صوت الشعب"، ويكفي أسم هذه الجريدة لتعبر عن مواقفه السياسية والوطنية فكان يشن حملات على الفساد الإداري والسياسي وتزوير الإنتخابات في تلك الفترة مما عرضه ذلك إلى مضايقات من أطراف رسمية وغير رسمية بحيث وصلت إلى درجة محاولة إغتياله عام 1937 بعد أن أغلقت صحيفته الجريئة "صوت الشعب" من قبل السلطات الرسمية، وفي هذه الفترة تسنت له الفرصة والوقت ليؤلف كتابه هذا. كل هذا النشاط السياسي والثقافي لا يمكن أن نتجاهله أو لا نربطه بحادث السيارة في 18/11/1965 الذي أودى بحياته  للحد من نشاطه السياسي والثقافي والقضاء عليه، وهو الأسلوب المعروف في تاريخ العراق السياسي في إغتيال الشخصيات البارزة المعارضة لفساد السلطة. وعلى العموم فإن مناقب ونشاط الشماس الشجاع كثيره وسنقتصر على معالجة موضوع كتابه السالف الذكر وعلاقته بالظروف السياسية المأساوية التي أعقبت مذبحة سميل.

موضوع الكتاب هو ربط تلكيف وبقية القرى المسيحية في سهل نينوى بتاريخ الإمبراطورية الآشورية وإرجاع أصل أهلهم إلى الآشوريين القدماء. وبخصوص أبناء بلدة تكليف والقرى العديدة المنتشرة في سهل نينوى يقول الشماس يوسف "يبلغ عدد الذين ينتسبون إلى بلدة تكليف نفسها نحو 30 ألفاً وليس هؤلاء فقط كل بقايا نينوى أنما هناك قرى عديدة في تلك البقعة أكثر سكانها هم من بقايا الشعب الآشوري.إنما أقتصرت على تاريخ تلكيف في هذا الكتاب لأنها البلدة الوحيدة الخالصة التي تمثل نينوى في بعض التقاليد الموروثة لأهالي تلك المدينة العظيمة... ص 7. أما بخصوص أسم المدينة فيقول الشماس يوسف : "المدينة ضاحية من ضواحي نينوى كما سيجئ وأسمها مأخود بعد ذلك من أسم التل الذي اختطت المدينة بجانبه والتل المذكور حصن قديم شيد أيام دولة آشور كباقي الحصون التي كانت تشاد دفاعا عن العاصمة نينوى. وهو إصطناعي كانت جوانبه مرصوفة بحجارة ضخمة فسمي تل كيف أو "تلكيبا". – ص20. وفي مكان آخر يؤكد الكاتب الشجاع بأن تلكيف كانت قلعة من قلاع نينوى فيقول "إذا كانت قرية نمرود وسلامية، كما يقول العلامة لايادر عباة عن محلتين ضمن نينوى... فلا يمكن حسبان نينوى إلا أن تكون تلكيف من مشتملاتها". ص21.

الكتاب صدر عام 1937، وهي الفترة التي كانت المسألة الآشورية، خاصة بعد مذبحة سميل في آب 1933 قد طغت على السطح السياسي العراقي وتركت إنطباعات ونتائج سلبية جداً على الآشوريين وتحديداً على أتباع كنيسة المشرق المعروفة حينذاك بـ "النسطورية" خاصة بعد نفي بطريرك كنيسة المشرق مار شمعون إيشاي من قبل السلطات العراقية إلى خارج العراق وتجريده من الجنسية العراقية والذي أرتبطت الحركة القومية الآشورية في تلك الفترة بأسمه. ففي تلك الفترة ساد هلع بين معظم الطوائف المسيحية من التدخل في المسائل السياسية أو المطالبة بحقوق قومية أو سياسية خوفاً من النتائج المدمرة التي قد تصيبهم من جراء هذه المطالبة كما أصابت الآشوريين من أبناء طائفة كنيسة المشرق والتي سبق الإشارة إليها في أعلاه. فالموضوع الذي كان يثير غضب وهيجان السلطات العراقية حينذاك ومؤرخيها وكتابها هو الربط التاريخي القومي الذي كان يربطه الآشوريون الثائرون حينذاك بالآشوريين القدامى وبالدولة الآشورية القديمة، خاصة بعد أن إتيحت الفرصة للبطريك مار شمعون وهو منفياً في الخارج للقيام بحملة ضد الحكومة العراقية ومطالبا بحقوق لأبناء امته على هذا الأساس التاريخي. في حين نرى عظمة وشجاعة الشماس يوسف جمو تتجاوز إلى حدود أبعد  عن هذا الخوف من دون أي تردد أو مجاملة عندما ربط أصل أهل تكليف والقرى المسيحية الأخرى المنتشرة في سهل نينوى بالآشوريين القدامي في الوقت الذي كان الكثير سواء من الكلدان أو السريان أو الآشوريين النساطرة ينكرون أصلهم التاريخي ويتخوفون من ذكره. ولا نشك إطلاقاً بأن الشماس يوسف جمو، وهو ناشطاً سياسياً وعلماً من أعلام الثقافة والصحافة، في كونه ملماً بالحياة الساسية حينذاك وبكل مجريات الأمور التي كانت تعصف بالعراق ومنها المسألة الآشورية التي كانت قد طغت على سطح الساحة السياسية العراقية وأنه كان مدركاً كل الإدراك بما كان يكتبه ويؤمن به. كل هذا يعكس مدى "ثورية" هذا الكاتب وعدم خشيته من إستبداد السلطات حينذاك. وهي شجاعة لا يضاهيه فيها إلا المفكر والكاتب يوسف ماليك والذي كان هو أيضا من أبناء تلكيف الذي كتب وعمل الكثير في هذا المجال ومنها كتابه المشهور "خيانة بريطانيا للآشوريين". ولكن مقارنة الشجاعة بين الكاتبين من أبناء تكليف تبقى هنا ضرورية حيث كتب الشماس كتابه وهو في العراق وضمن ظروف أقل ما يقال عنها إستبدادية وتعرض إلى حادثة سيارة فقضت على حياته ولا شك فيه أن تكون وسيلة لإغتياله والقضاء عليه وعلى نشاطه الجرئ في حين كتب مالك يوسف كتابه وهو خارج العراق ومات موتاً طبيعياً في بيروت.

في السابع من آب من كل عام يحتفل أبناء أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية بيوم الشهيد، وهي مناسبة لا تفوتنا إلا أن نذكر أبطال أمثال فريد نزها "السرياني" و الشماس يوسف هرمز جمو "الكلداني" ونضعهم في مصاف شهداء أمتنا رغم إختلاف طبيعة إستشهاد كل واحد منهما. فالإستشهاد في ظل الظروف الإستبدادية في الوطن يكون عن طريق الإستعداد للتضحية بالحياة، أغلى ما يمكله الإنسان، كما كان الحال مع الشماس يوسف هرمز جمو. في حين يكون الإستشهاد في الظروف الإعتيادية، خاصة في المجتمعات الديمقراطية بالتضحية بكل مسلتزمات الحياة الأساسية وبالتالي بالحياة نفسها. كما كان الحال مع فريد نزها. وفي الأخير يجب أن لا يفوتني إلا أن أذكر ولو بإشارة بسيطة إلى الوقفة البطولية لبلدة ألقوش "الكلدانية" في دفاعها المستميت عن اللاجئين الآشوريين من أتباع الكنيسة المشرقية "النسطورية" الذين لجأوا إليها هرباً من مذابح بكر صدقي ورفضهم القاطع تسليمهم إلى جلادي النظام الحاكم حينذاك. هذا موضوع سبق وأن التطرق إليها أكثر من كاتب وفي أكثر من مناسبة ولكن الذي أود أن أشير إليه هو إستعداد، لا بل كل الإستعداد، لأبناء ألقوش البطلة بالتضحية بحياتهم جميعاً والإستشهاد في سبيل الدفاع عن أبناء قومهم... تضحية  مسجلة في سجل تاريخ امتنا بماء من الذهب. 


 

261
مزيداً من المظاهرات يا ألقوش البطلة
نظرة في الأهمية القصوى للديموغرافيا في حياة الشعوب

                                                                                                                                   أبرم شبيرا

وحسرتاه... كم كنت أتمنى أن أكون جنب إلى جنب مع أبناء عمومتي في ألقوش متكاتفاً معهم في مسيرتهم الإحتجاجية ضد التغيير الديموغرافي للقرى والقصبات التاريخية لأبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري الذي يرسم ويخطط له قوى الظلام والتخلف والعنصرية في وطننا وتسعى إلى تنفيذها وإمحاء تاريخ ألاف السنين من الحضارة والعطاء ... لماذا ؟؟؟ لأنه  ليس لهولاء تاريخ غير تدمير الحضارات وإمحاء وجود المختلف والقضاء على الآخر الذي لا يسير معهم في ظلامهم ولأنهم أيضا لا يتحملوا النور المعطاة لهذه الحضارات العظيمة من بابلية وآشورية وكلدانية وسريانية والتي أعطى أبناؤها للإنسانية كثير الكثير ولم يأخذوا منها حتى قليل القليل. وحسرتي تزداد أكثر فأكثر عندما أرى القوى السياسية التي تمثل أبناء شعبنا في الهيئات الحكومية والبرلمانية عاجزت بشكل أو بآخر في فهم الأهمية القصوى لهذا الموضوع الخطير في التغيير الديموغرافي ولا تقف إلى جانب المحتجين ضد المخططات الشيطانية المرسومة تجاه أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية. فغداً عندما تنجح هذه المخططات الشيطانية ولا يبقى في البلدات والقصبات إلا عدد قليل من أبناء أمتنا، أن لم نقل لا يبقى وجود لهم فيها حينذاك ستنتفي أهمية أن يكون لهم منظمات وأحزاب ومدارس وكنائس فيها. ومثل هذه الحالة الخطيرة يمكن ملاحظتها من خلال زيارة قصيرة إلى قرى وقصبات أبناء أمتنا في المناطق الشمالية من العراق وتقلص عدد أو دور هذه المؤسسات. وأحسن مثال على ذلك هو ما سمعناه خلال زيارتنا لأرض الوطن عن إغلاق مقرات ومراكز الحركة الديمقراطية الآشورية في بعض من هذه القرى والقصبات وذلك بسبب إنتفاء الحاجة إلى وجودها في تلك المناطق، ونحن نعرف بأن الحركة الديموقراطية الآشورية هي من أكبر التنظيمات السياسية لأمتنا والممثلة لها في الهيئات الحكومية والبرلمانية فكيف والحال مع غيرها من الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية؟ 

 إن أكثر ألماً وحسرة هو الصمت المطبق للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية تجاه هذا التغيير الخطير الذي يهدد بالأساس وجودها التاريخي في هذه البلدات والقصبات باعتبارها مراكز أساسية تاريخية لرعيتها. فغداً عندما تنفذ قوى الظلام والإستبداد مخططها في التغيير الديموغرافي لهذه البلدات والقصبات ويصبح أبناء شعبنا فيها مجرد مايكرو أقلية أو بضعة بيوت عندذاك تتلاشى أهمية توفير الخدمة الكنسية لأبناء الرعية ويصبح وجودها لا معنى لها ولربما تصبح الكنائس نقطة في بحر من بيوت ومعابد الآخرين الذين لا يهمهم إطلاقاً وجود مثل هذه الكنيسة بينهم لا بل سوف يسعون ليل نهار لأحتلالها وإمحائها من الوجود بحجة "قانونية" أو تحقيقاً "للمصلحة العامة". فالأوضاع الديموغرافية والجغرافية البائسة لأبناء أمتنا خاصة في مناطق إقليم كردستان العراق لا بل وحتى في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا وفي إيران أيضا حيث البلدات والقصبات مهجورة ومسكونة من قبل الغير صور واضحة للتغيير الديموغرافي ونخشى كثيراً أن تنطبق هذه الصور على البلدات والقصبات الباقية لأبناء أمتنا في العراق. وهنا يجب أن لا نرش الحبر في وجه الآخرين ونلومهم على إحتلال أرضي أبناء أمتنا فقط بل قبل ذلك يجب أن نحاسب أنفسنا ونقيم أداء أحزابنا ومنظماتنا القومية والسياسية ومن ثم نلوم الآخرين.

كثر الحديث في هذه الأيام عن التغيير الديموغرافي وخطورته على وجود كيان أمتنا في قراها وقصباتها التاريخية وهنا أود أن أسهام ولو قليلاً في تبيان خطورة هذا الموضوع على الوجود القومي والحضاري لأبناء أمتنا في أرض أبائهم وأجدادهم. لقد سبق وأن شرحنا في مناسبات سابقة بأن السياسة هي (ديموغرافيا على جغرافيا) أي الناس أو السكان على الأرض أو الوطن، بكل ما تعنيه هذه الكلمة (على) من ممارسات ونشاطات لهؤلاء الناس على أرضهم. ومن المعروف تقليدياً في علم السياسة هو أن وجود أي كيان سياسي وتحديداً "الدولة" بإعتبارها أحدث وأكبر الكيانات السياسية في هذا العصر تقوم على أربعة أركان وهي الشعب والأرض والحكومة والسيادة. ولو حاولنا تبويب أو تصنيف هذه الأركان وأستخدمنا مجازاً الفلسفة المادية الدياليكتيكية التي وضع أساسها الأولي هيغل وطورها ماركس ومن ثم لينين في العلاقة الجدلية المتبادلة بين العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية في خلق الظاهرة نرى بأن الشعب (ديموغرافيا) والأرض (جغرافيا) يشكلان العوامل الموضوعية بينما الحكومة (المؤسسة أو التنظيم) والسيادة (الإستقلال في القرار) تشكل العوامل الذاتية واللذان يسهمان بفعل تفاعل بعضهم بالبعض في خلق الدولة وإن أفتقار أي ركن من هذه الأركان ينفي وجود الدولة. ونحن الكلدان السريان الآشوريين أمة صغير وأقلية لا تتجاوز طموحاتها القومية أكثر من أن تعيش بأمان في موطنها التاريخي وتحكم نفسها بحكم ذاتي أو إداري وضمن دولة العراق حتى تستطيع أن تمارس حياتها الإعتيادية وتحافظ على وجودها وتراثها وليس لديها حتى في الأحلام طموح تأسيس دولة مستقلة خاصة بها.

من هذا المنطلق فإن العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية السالفة الذكر يجب أن تنطبق على الكلدان السريان الآشوريين في قيام كيان خاص بهم حتى يستطيعون ممارسة حكمهم الذاتي أو الإداري. أي بعبارة أخرى يجب أن يتوفر لهم العوامل الموضوعية المتمثلة في مقومات الديموغرافيا – الشعب و الجغرافيا – الوطن والعوامل الذاتية المتمثلة في الحكومة (المؤسسة أو التنظيم) والسيادة (الإستقلال في القرار). ولما كانت مسألة تأسيس دولة خاصة بهم غير مدرجة إطلاقاً في جدول طموحاتهم فإن مقوم الحكومة والسيادة سوف ينتفيان من المقومات المطلوبة في بناء كيان دولتي خاص بهم فيعوض عنهما بالمؤسسة او التنظيم وبالإستقلال في القرار. أي بعبارة أخرى وأكثر توضيحا، يكون الشعب والأرض والتنظيم السياسي، أي مجموعة منظمات وأحزاب سياسية، والإستقلال في القرار، أي أن تكون مثل هذه الأحزاب والتنظيمات مستقلة في قرارها وغير خاضعة أو مسيرة من قبل الغير، هي المقومات المطلوبة لقيام حكم ذاتي أو إداري كأطار سياسي للحفاظ على كيانهم القومي. فإذا أنتفى أي مقوم من هذه المقومات الأربعة (الشعب والأرض والحزب والإستقلال) سوف تنتفي إمكانية قيام كيان ذاتي أو إداري للكلدان السريان الآشوريين لأن العلاقة هي جدلية بينهم لا يمكن فصل أحدهم عن الآخر. من هنا نقول إذا تعرض شعبنا في قراه وقصباته إلى التغيير الديموغرافي ومن ثم يصبح نقطة في بحر غير بحرهم فإن كل المحاولات والجهود التي تبذلها الأحزاب السياسية والمنظمات القومية في بناء كيان ذاتي أو إداري أو السعي للحفاظ على كيانهم القومي وتراثهم التاريخي والحضاري تذهب أدراج الرياح ويصبحون يراوغون في أماكنهم من دون تقدم خطوة واحدة نحو بناء مثل هذا الكيان. هذا هو السبب الذي جعل أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية في المهجر أن تفشل كل الفشل في مسعاه وطموحاتها لأنها تعمل على أرض غير أرضها وبالتالي تصبح أحزاب كلام وخطب وورق، لأنها في الحقيقة والواقع تفتقر إلى مقوم الأرض الذي تتغنى به ليل نهار وهي بعيدة عنها بألاف الأميال. هذا موضوع طويل سبق وأن كتبنا عنه كتاب تحت عنوان (محطات فكرية على طريق العمل القومي الآشوري – نظرة مقارنة بين الوطن والمهجر، مطبعة ألفا غرافيك، شيكاغو – الولايات المتحدة الأمريكية، سنة 2002).

موضوع العلاقة الجدلية بين العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية موضوع فلسفي طويل وكانت الماركسية التقليدية قد تناولته وأعطت وبشكل مطلق أولية قصوى للعوامل الموضوعية بحيث جعلت العوامل الذاتية محكومة بالعوامل الموضوعية. فالبنية التحتية التي تتمثل في وسائل الإنتاج كعوامل موضوعية تطرح وبشكل ميكانيكي بنية فوقية كأحزاب وحكومات ومؤسسات المجتمع المدني كعوامل ذاتية تكون مطابقة للعوامل الموضوعية. لهذا السبب كان الماركسيون التقليديين يعتقدون بأنه بسبب التطور الكبير في البنية التحتية لبريطانيا والمتمثلة في تطور وسائل الإنتاج والصناعة وقوة الطبقة العاملة  فأنه لا محال له سوف يسيطر البروليتاريا على الدولة وتصبح بريطانيا أول دولة شيوعية. غير أن بريطانيا وغيرها من الدول الرأسمالية  إستفادوا من الفسلفة الماركسية أكثر مما أستفاد الشيوعيون منها فصححوا أوضاع العمال وأشركوهم في عملية الإنتاج وأقاموا لهم منظمات ونقابات تدافع عن حقوقهم ضمن النظام الرأسمالي القائم، أي بعبارة أخرى حرروا العمال من ظاهرة الإغتراب التي تكلم ماركس عنها كثيرا، وبالتالي تبين بأن توقعات ماركس وغيره تجاه بريطانيا كانت في غير محلها ولم تظهر الشيوعية كنظام فيها. غير أن لينين بفكره الإبداعي أستطاع أن يطور المفهوم الماركسي في العلاقة الجدلية بين العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية ويكيفها وفقا للظروف التي كانت سائدة في روسيا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. لقد أدرك لينين بأن تخلف الصناعة في روسيا في مقارنة مع بريطانيا وغيرها من الدول الرأسمالية وإعتمادها على أسلوب الإنتاج الزراعي بالدرجة الأولى يجعل من العوامل الموضوعية في قيام الثورة والتغيير عاملاً ضعيفاً لهذا أعتمد على العوامل الذاتية والفكرية في بناء الحزب الشيوعي الروسي ونشر الوعي الماركسي والإشتراكي في عموم روسيا ليصل إلى نتيجة مفادها بأن من الممكن أن يكون للعوامل الذاتية تأثيرا قوياً في قيام الثورة رغم ضعف العوامل الموضوعية فيما إذا تدخلت عوامل خارجية أخرى مساعدة بشكل أو بآخر في عملية التغيير وقيام الثورة. ثم وجد لينين في الحرب الكونية الأولى عاملاً خارجياً مثالياً ساعد الحزب الشيوعي الروسي كثيرا في القيام بثورته الإشتراكية في أكتوبر من عام 1917 ومن ثم بناء النظام الإشتراكي والتركيز على تطوير البنية التحتية وبناء وسائل أنتاج صناعية متطورة. غير أن بعد مجيء ستالين على الحكم  غير الكثير من هذه المفاهيم وحول الماركسية اللينينية إلى فلسفة فجة جامدة قادت إلى أن يتحول الحزب الشيوعي السوفياتي من حزب جماهيري إلى مجرد مكاتب بيروقراطية غرضها تعزيز رأسمالية الدولة وقبضة ستالين الدكتاتورية على مقاليد الحكم والحزب وهو الأمر الذي كان لينين يخشاه وهو على فراش الموت، والذي أستمر حتى بعد وفاة ستالين لحين إنهيار الشيوعية والنظام الشيوعي في الإتحاد السوفياتي بعد عدة عقود.

أرجو المعذرة من القارئ الكريم على الإطالة في هذا الموضوع الذي يبدو بعيدا بعض الشيء عن موضوعنا هذا ولكن المغزى المراد منه هو القول والتأكيد بأن من الممكن، بل الممكن جداً أن تعلب العوامل الذاتية دوراً فاعلاً في التغيير والتطور حتى في حالة ضعف العوامل الموضوعية خاصة عندما تكون هناك عوامل خارجية مساعدة لهذا التغيير. هناك حقيقة واقعية لا يمكن إنكارها وهي ضعف العوامل الموضوعية والمتمثلة في قلة حجم أبناء أمتنا  في مقارنة من غيرنا من جيراننا وتبعثر الجغرافيا، القرى والقصبات، في مناطق مختلفة وبعضها متباعدة وغيرها شبه مهجورة واللعنة كل اللعنة نلقيها على الهجرة إلى خارج الوطن والأن تأتي قوى الظلام لتضع يدها في يد الهجرة وتتحالف معها في سعيها للتغيير الديموغرافي للمناطق التاريخية لأبناء أمتنا. ضمن هذه الحقيقة الموضوعية القاسية تسطيتع العوامل الذاتية من أحزاب سياسية ومنظمات قومية أن تلعب دورها في التأثير والتغيير فيها. وأولى مهماتها يجب أن تكون مدركة لخطورة هذا التغيير الديموغرافي وأن تلجأ إلى كل الوسائل الممكنة، قانونية كانت أم غير قانونية – لأن في الوضع الحالي لم يعد قانون نافذ في العراق غير قانون القوي وتحديداً قانون الغابة، قانون الإستبداديين والحرامية أو قانون "حارة كل من إيد إلو" كما يقول غوار الطوشي. فإلى متى نظل نسلك سلوك الضعفاء وتلجاً أحزابنا السياسية إلى القانون وغيرنا لا يعتد به؟؟؟ وحتى لا أكون فجاً وجافاً في هذا الموضوع أسمحوا لي أن ألطف الجو بهذه النكة: (يقال بأن رجل كان سكراناً في نادي ليلي (ملهى) حيث كانت الراقصة ترقص على أنغام آلة القانون فبدأ يثير المشاكل والشغب حتى أستدعى صاحب الملهى الشرطة وقبضت عليه وتم توقيفه في موقف مركز الشرطة. وفي اليوم الثاني جلب إلى المحكمة للمحاكمة فبعد المداولة والإستجواب مع الرجل نطق القاضي الحكم عليه قائلاً: إستناداً إلى المادة ... من قانون ... قررنا حبس المتهم لمدة يومين مع غرامة قدرها .... دينار، فأثار ذلك إستغراب الرجل ودهشته فقال للقاضي: سيدي القاضي البارحة كان القانون في الملهى واليوم معك في المحكمة... ما هذا القانون الغريب الذي في الليل يكون في الملهى مع الراقصة وفي النهار يكون مع القاضي في المحكمة). هكذا هو أمر القانون في عراق اليوم يفسر ويؤل مثلما يحقق مصالح المتسلطين على السلطة ولكن مع الآسف الشديد تلجاً أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية المتمثلة في الهيئات الحكومية والبرلمانية اللجوء إلى القانون الذي هو حتى على الورق ليس بالمنصف والعادل وذلك لغرض ليس إلا التحبب والمجالة إلى السلطات الظالمة بحق أمتنا في الوطن وحماية لكراسيهم المتكسرة.

أستغربت إستغراباً شديداً في تجنب مشاركة الحركة الديموقراطية الآشورية وأنصارها في المسيرة التي نظمتها ألقوش البطلة بحجة بأن المظاهرات ليست الحل الأوحد لحل مشاكل التغيير الديموغرافي في مناطقنا التاريخية بل يركزون على الوسائل الدبلوماسية والقانونية وبالتالي ليس من داع للقيام بمثل هذه المظاهرات ولأنه مسألة توزيع الأراضي للغير في المناطق الكلدانية السريانية الآشورية التاريخية قد توقفت بفعل الطرق الدبلوماسية والقانونية..!! أي قانون نتكلم عنه، أفهل هو قانون (الملهى والراقصة) أم قانون العدل والإنصاف ونحن نعمل جميعاً لا بل يعلم كل العالم بأن حكومة بغداد لا تملك حد أدنى من العدل والإنصاف فهي حكومة طائفية إستبدادية تنافست إستبداديتها مع إستبدادية صدام لا بل تجاوزتها في مجالات كثيرة... أفهل نثق بمثل هذه الحكومة...؟؟ طبعاً الجواب كلا وألف كلا... غير أن المشاركين من أبناء أمتنا مع هذه الحكومة وفي هيئاتها نقول مع الأسف الشديد يشاركون معهم في جرائم هذه الحكومة وفي إستبداديتها وظلمها تجاه أبناء أمتنا وذلك حفاظاً وضماناً لكراسيهم المتكسرة وإستمتاعاً بالإستحقاق السياسي الذي لولا تصويت أبناء أمتنا لهم لما كان يملكون مثل هذا الإستحقاق. أن مسألة حل توزيع الأراضي في المناطق التاريخية لأبناء أمتنا بالطرق الرسمية والقانونية والتأثير الخطير المهلك على ديموغرافية شعبنا تشبه كثيراً مسألة بناء الأبراج الأربعة في بلدة عنكاوة الصامدة التي تتذبذت بين التأجيل والتوقف وبين الشروع في بناء هذه الأبراج إلى درجة لم نعد اختلط الحابل من النابل وبالتالي سيخرج أبناء بلدتنا عنكاوة خاسرين من هذه المعركة غير العادلة. والإستغراب الأكبر يأتي من كون الحركة الديموقراطية الآشورية رائدة في قيادة أمتنا نحو تحقيق أهدافها المشروعة والذي من المفروض جداً أن تكون واعية سياسياً بان وسائل تحقيق مطالب قومية تتعدد وتكثر خاصة في ظروف إستثنائية كظروف أمتنا في عراق اليوم، فالمظاهرات الجماهيرية وسيلة فعالة إلى جانب الوسائل الدبلوماسية والقانونية وفي بعض الأحيان إلى جانب الوسائل العسكرية والثورية أيضاً، فتعدد الوسائل المختلفة وربما المتناقضة في تحقيق الأهداف يعرف في علم السياسية بـ "الخطاب السياسي" وهو موضوع طويل ونأمل أن تتاح لنا الفرصة في المستقبل للتفصيل فيه. أن موضوع الخطاب السياسي يعتبر من أبجديات السياسة والعاملين على ساحتها ومن اللازم على أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية أن تعرفه وتعمل بموجبه، فإذا كانت لا تدرك هذه الأبجدية البسيطة في السياسة فكيف لأبناء شعبنا أن تضع كل ثقلها عليهم في تحقيق أبسط مطالبهم لا بل في الحفاظ على وجودهم من التحديات الخارجية؟ من هنا أقول لألقوش البطلة مزيداً من المظاهرات ضد التغيير الديموغرافي لأبناء أمتنا في مناطقهم التاريخية... ألقوش التي قد تكون أبعد بقليل من غيرها من البلدات والقصبات القريبة من المدن الكبيرة المعرضة للتغيير الديموغرافي ولكن بوعيها وإدراكها للمخاطر التي يتعرض لها أبناء أمتنا إينما كانوا يجعلها أن تعي بأن لهيب نيران هذا التغيير لربما سيصلها عاجلاً أم آجلاً مما يستوجب الحيطة والحذر. هذه الوقفة في هذه التظاهرة يذكرني بالحكايات التي سمعتها عن ألقوش في صمودها البطولي طيلة فترات طويلة للحفاظ على كيانها القومي والتراثي والديني ونحن ومن خلال هذه السطور أشد يدي وبحرارة على يد أبناء عمومتي الذين نظموا وشاركوا في الإحتجاجات والمسيرات التي سيروها في ألقوش ضد هذا التغيير الديموغرافي وهو أقل الإيمان الذي يمكن أن نقوم به ونحن قابعين في خيامنا المنصوبة في المهجر. وليس لي فعل غير أن أهنئهم على وعيهم العمي لأهمية وخطورة  هذا الموضوع الذي يهدد وجودنا التاريخي في هذه المناطق. وفي الأخير أقول:

أن ألقوش التي أنجبت التوأمين... المطران الشهيد توما أودو والمناضل الخالد توما توماس لعمري هي قادرة على أن تنجب ألف توما وتوما.

262
حقوق الأقليات القومية ... الكلدان السريان الآشوريين مثالاً
نظرة مقارنة بين نظام البعث والحكم الحالي في العراق
                                                                                                                                        أبرم شبيرا

في معنى الأقلية ومضمونها:
الأقلية مصطلح معياري أستخدم في العلوم السياسية والقانونية بالقياس على عدد (حجم ) مجموعة معينة من الناس في مقارنتهم، وفق هذا المعيار العددي، مع عدد أكبر منهم التي تعرف بالأغلبية. أي بعبارة أخرى، أن مجرد ذكر الأقليات يعني هناك تجزئة أو إنقسام في المجتمع إلى مجموعين على الأقل تكون أحدهما أكثر عددا من الأخرى. وهذه الميزة تجعل بشكل عام الأغلبية في موقع القوة والسيطرة أكثر من الأقلية. ولكن إلى جانب كون الأقلية أقل عدداً إلا من جهة أخرى قد تتمتع بخصائص أخرى قد تزيد من تحديد ميزة الأقلية عن الأكثرية كأن تكون ذات خلفية حضارية متطورة وإنسانية وأكثر فاعلية في بناء وتطوير المجتمع كما كان الحال مع المسيحيين وتحديداً (الكلدان السريان الآشوريين) في العراق منذ الفتح الإسلامي وحتى قبل سنوات قليلة حيث كانوا ملح أرض العراق، فبدونهم لم يكن للعراق أي طعم. هذه حقيقة مشود بها من قبل الكثير من الكتاب العراقيين. أو تتمتع الأقلية بنوع من السلطة والقوة والجاه كما هو الحال في الأنظمة الأرستقراطية والنخبوية فتصبح مختلفة عن الأكثرية وتزيد من عامل التجزئة في المجتمع الذي يسود فيها مثل هذه الأنظمة.

والأقلية قد تكون دينية وأخرى قومية وثلاثة سياسية أو تكون مركبة من هذه الصفات كما هو الحال مع (الكلدان السريان الآشوريين) حيث هم أقلية دينية (مسيحية) إضافة إلى كونهم أقلية قومية تجمعهم مقومات قومية واضحة من لغة وتاريخ وحضارة تجلعهم مختلفين من هذه النواحي مع الأكثرية المسلمة في العراق من العرب والكرد وحتى التركمان. هذه الصفة المركبة للأقلية (دينية وقومية) تضاعف تحديات الأقلية في المحافظة على وجودها وحماية حقوقها في الأنظمة الإستبدادية خاصة عندما تتدخل الصفة السياسية مع الدينية والقومية كما كان الحال مع "الكلدان السرياني الآشوريين" خلال فترات الأنظمة الإستبدادية التي تعاقبت على السلطة في العراق. وعلى العموم إن قلة عدد أو حجم الأقلية  يجب أن لا يكون لمعناها أية مضامين دونية او تحقيرية بسبب هذه القلة في العدد. هكذا فهمت المجتمعات الديمقراطية المتقدمة مفهوم الأقلية وسنت تشريعاتها وفق هذا الفهم الديمقراطي في الممارسة السياسية وضمان حقوق الأقلية والأكثرية معاً. ولكن من المؤسف له فإن مفهوم الأقلية هو غير ذلك في المجتمعات المتخلفة سياسيا كما هو الحال في البلدان العربية وتحديدا في العصر الراهن في العراق. فالكثير من السياسيين والكتاب يتجنبون إستخدام مصطلح الأقلية وذلك إعتقادا منهم بأن له مضامين دونية وتحقيرية، لا بل فهم الكثير من السياسيين مفهوم الأقلية باعتبارها جسماً غريباً (دخيلاً)، متشكلة من هامشيين، معرضين لأن يصبحوا منشقين ومتمردين. وعلى هذا الأساس كان تتعامل الأنظمة الإستبدادية مع تطلعات الأقلية "الكلدانية السريانية الآشورية" ومطامحها المشروعة. من هذا المنطلق نرى بأن معظم الأدبيات السياسية والتشريعات القانونية والخطابات السياسية في عراق اليوم تتجنب إستخدام مصطلح الأقلية وأخترعت مصطلحات جديدة مثل (المكونات) في نعت الأقليات العراقية إنطلاقاً من الخلفية الإستبدادية والعقلية الإستقصائية التي تتحكم في عقلية رجال الحكم والسياسة في العراق وعدم قدرتها على التحرر منها والإنطلاق نحو الفهم الصحيح لمضمون الأقلية رغم إدعائها بالديمقراطية والإنفتاح على الآخر المختلف.

نظام البعث والموقف من الأقليات:
القصد من نظام البعث هو الحكم الذي أستولى عليه حزب البعث العربي الإشتراكي في العراق منذ عام 1968 وحتى إنهياره في عام 2003، وأقل ما يقال عنه بأنه كان نظاماً دكتاتورياً إستبدادياً. ولكن من الملاحظ بأن الإشارة إليه هي بصفة نظام، أي بمعنى أخرى كان حكمه يقوم على نسق من القوانين والأنظمة والقرارات والممارسات السياسية، فكانت الدولة العراقية مندمجة بالتمام والكمال مع حزب البعث وبشكل أكثر تكثيفاً مع زعيم الحزب والحاكم الأوحد صدام حسين. ومن الملاحظة بأن حزب البعث كان يتمتع بصفات ونشاط سياسي من حيث أسلوب إستلاءه على السلطة السياسية ولا نجدها في احزاب عربية قومية أو غير قومية أخرى في الوطن العربي. فهو أول حزب سياسي يستولى على السلطة بإنقلاب عسكري في عام 1963 وخلال فترة أقل من شهرين في دولتين عربيتين، العراق  في شباط وسورية في أذار. كما ولحزب البعث في العراق تجربة فريدة من نوعها في التاريخ السياسي للعراق والبلدان العربية وربما حتى في بلدان العالم الثالث إذ يعتبر وصوله وبقاؤه في السلطة حدثاً لا مثيل له, فهو أول حزب يستولي على السلطة في عام 1963  وبإنقلاب عسكري بعد تحالفه مع بعض الضباط العسكريين المحسوبين على القوميين كعبد السلام محمد عارف، غير إنه خسرها بعد أن أنقلب عليه هؤلاء بعد بضعة أشهر وأصبح خارج السلطة ولكنه عادة مرة أخرى إلى السلطة في السابع عشر من تموز عام 1968 عن طريق إنقلاب عسكري آخر وبالأسلوب نفسه، أي تحالفه مع بعض الضباط المحسوبين على القوميين. غير أن هذه المرة، وبعد أن أكتسب تجربة مريرة من جراء فقدانه للسلطة عام 1963، أدرك بأنه يستوجب عليه الحفاظ على السلطة مهما كلف الأمر فكان عليه أن "يتغذى بحلفائه قبل أن يتعشوا به" كما يقول المثل، فلم ينتظر أشهر كما حدث بعد إنقلاب عام 1963، بل بعد بضعة أيام، أي في الثلاثين من تموز عام 1968 أنقلب على حلفائه وأنفرد بالسلطة حتى عام 2003 وهي أطول فترة في التاريخ السياسي العراقي وربما العربي ينفرد حزب سياسي بالسلطة لهذه الفترة الطويلة.

وحزب البعث منذ تأسيسه عام 1947 عالج مسألة الأقليات في أدبياته الحزبية وذلك لكونه نشط في بلدان عربية كسورية والعراق ولبنان حيث يشكل الأقليات جزء من شعب هذه البلدان وأصدر العديد من الدراسات والكراريس في مسألة الأقليات في الوطن العربي وبينً موقفه الأيديولوجي من هذه المسألة. كما أقر الحزب سواء في مؤتمراته القومية أو القطرية في العراق هذه المواقف والسياسات من مسألة الأقليات. وبنظرة موضوعية إلى هذه الدراسات سوف يظهر بأنها تشكل أسلوباً معقولاً في التعامل مع الأقليات في الوطن العربي. وعندما أستولى الحزب على السلطة في تموز من عام 1968 أقر في الدستور المؤقت لعام 1970 بحقوق الأقليات وضماناتها كما شرع العديد من القوانين والقرارات فيما يخص حقوق الأقليات في العراق وفي مقدمتها بيان الحادي عشر من أذار عام 1970 لحل المسألة الكردية والحقوق الثقافية للتركمان. وفيما يخص الكلدان السريان الآشوريين أصدر مجلس قيادة الثورة في نيسان من عام 1972 قراره بمنح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية من (الآثورين والكلدان والسريان) ثم أعقبه ذلك في أيلول من نفس العام قرار أكثر أهمية وهو قرار إعادة تخطيط الحدود داخل الوحدات الإدارية للمحافظات، وسنأتي على تفاصيلهما فيما بعد.
غير أن بعد أن أستدب الحكم للحزب وهيمن على جميع مفاصل الدولة وكشف القوى السياسية الفاعلة على الساحة السياسة وتحييد بعضها وقمع الآخرين بالحديد والنار خاصة بعد تراجع الحركة الكوردية عقب صدور قانون الحكم الذاتي في إذار من عام 1974، سقطت ورقة التوت من نظام حزب البعث في العراق وأنكشفت سياسته الإستبدادية تجاه الجميع دون إستثناء ومنهم الأقلية  الكلدانية السريانية الآشورية وتبين من خلال الممارسة بأن القرارات التي أصدرها لم تكن إلا طعماً لتوريط هذه الأقلية في صراعه مع الحركة الكوردية، فتم تفريغها من محتوياتها أو أصبحت بحكم المنسي نهائياً. هذا موضوع تم التفصل عنه بشكل مكثف في كتابنا المعنون (الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة مسألة في العقلية العراقية تجاه الأقليات – من منشورات دار الساقي – بيروت/لندن – ط1 – 2001 – ص27 ومابعدها).

الحكم الحالي في العراق والموقف من الأقليات:
 سبق وذكرنا في أعلاه ونحن في الحديث عن حكم حزب البعث كنظام سياسي في العراق رغم كونه إستبدادياً غير حضاريا إلا أنه كان نظاماً يقوم على نسق من الأفكار والسياسيات والممارسات وأصدر تشريعات فيما يخص أفكاره وسياساته خاصة فيما يتعلق بحقوق الأقليات القومية. ولكن من الملاحظ هنا الحديث سيتركز عن الحكم الحالي في العراق من دون الإشارة إلى نظام ذلك لأن منذ عام 2003 وحتى اليوم لم يستطيع القابضون على السطلة من بناء نظام متكامل يقوم على نسق من القوانين والأنظمة والممارسات السياسية الثابتة والمستقرة، وبالأخص ما يهم موضوعنا عن حقوق الأقليات ومنهم الكلدان السريان الآشوريين. فمن الملاحظ بأن جميع الأحزاب والقوى، بإستثناء الحزب الشيوعي العراق وحزب الديمقراطي الكردستاني، التي هيمنة على الحكم لم يكن لهم أي موقف مبدئي ونظري ثابت حيال مسألة الأقليات. فمثل هذه المسألة كانت غائبة عن أفكارهم وأيديولوجيتهم نهاهيك عن إفتقارهم إلى الخبرة في التعامل معها ليس بسبب غيابها عن الحكم والسلطة وبقاءها وعلى الدوام خارج الحكم قبل عام 2003 وإفتقارها إلى الحكم وكيفية ممارسته، بل أن مثل هذه المسألة كانت بالنسبة لهم ثانوية أو هامشية لهم في مقارنتها مع المسائل السياسية الأخرى وخاصة المتعلقة بمقاومة نظام البعث الإستبدادي والوصول إلى سلطة الحكم. والمدقق في الحكم الحالي في العراق يتبين بأنه مصاب بمرض شيزوفرينا أي الفصام في الشخصية، وهو مرض يسبب إضطراب ذهني يتميز المصاب به بنظرة مغايره للواقع وبعدم قدرته على التواصل الإيجابي مع الآخريين. وفصام شخصية الحكم الحالي قائمة على إدعائه بالديمقراطية والتعددية ولكن في واقع الحال هو حكم طائفي وبإمتياز وبالتالي فأن معظم قراراته وسياساته مهما ألبست ثوب الديموقراطية فإن في مضمونها تبقى طائفية ومفروغة من مضامينها. وفيما يخص الأقلية الكلدانية السريانية الآشورية نرى من حيث التشريع كرس لها، مثلاً، كوتا في البرلمان العراقي كوسيلة لضمان حقوق هذه الأقلية من خلال ممثليها ولكن في الحقيقة والواقع يظهربأن القائمين على الحكم يعطون لهولاء الممثلين أذان طرشاء وبالتالي تذهب جهودهم هباءاً ويفرغ مضمون الكوتا من أساسها ويصبح وضع هؤلاء الممثلين "ديكوراً" في البرلمان يستغلون الطائفيون المهيمنون على الحكم وجودهم في البرلمان ليتغنوا بـ "ديموقراطيتهم" وضمان حقوق الأقليات العراقية. هذا ناهيك عن الممارسات والتغيير الديموغرافي الذي تماسه سلطات الحكم الحالي في المناطق التاريخية للكلدان السريان الآشوريين وعدم جديتهم في توفير الحماية الأمنية لأرواحهم وممتلكاتهم وكنائسهم، وهو سلوك وممارسات تنم بشكل فاضح عن عدم وجود نظام سياسي واضح قادر على خلق الضمانات القانونية والسياسية في حماية حقوق الأقلية الكلدانية السريانية الآشورية وتطبيقها أثناء الممارسة السياسية كاشفاً بذلك المضمون الحقيقي للحكم الشيزوفريني الذي وضعه في حالة من التناقض بين ممارساته الطائفية وزعمه بالديموقراطية والتعددية. على هذا الأساس نقول بأن معظم السياسات الديموقراطية في شكلها والشيزوفرنية في مضمونها التي يمارسها الحكم الحالي في العراق تجاه الكدان السريان الآشوريين غير قادرة على إقناعهم بجديتها في معالجة وضعهم المأساوي الذي ورثوه من النظام البعثي الإستبدادي والأنظمة التي سبقته وإزالة مخاوفهم من التحديات التي تهدد وجودهم التاريخي في أرض أباؤهم وأجدادهم.

حقوق الأقلية الكلدانية السريانية الآشورية في قرارت حزب البعث:
كما سبق وأن بينا في أعلاه بأن حزب البعث في العراق أصدر قرارين مهمين فيما يخص الأقلية القومية الكلدانية السريانية الآشورية وهما قرار خاص بهم بمنح الحقوق الثقافية لهم وقرار عام يخص جميع الأقليات القومية في العراق وهو قرار إعادة تخطيط الحدود داخل الوحدات الإدارية للمحافظات، وندرج في أدناه القرارين كمدخل لفهمها وبيان المقارنة مع الحكم الحالي ومدى إمكانية تطبيق مثل هذه القرارات في الوضع الحالي للعراق، بإعتبارهما تشريعات مناسبة لضمان حقوق الأقليات في العراق.

1 - قرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية من (الآثوريين والكلدان والسريان):
أصدر مجلس قيادة الثورة القرار رقم 251  وبتاريخ 1971.04.16 القاضي بمنح الحقوق الثقافية للمواطنين الناطقين باللغة السريانية من (الآثوريين والكلدان والسريان) وفي مايلي نص القرار:
تعتبر ثورة السابع عشر من تموز التي تلتزم بمبادئ حزب البعث العربي الإشتراكي أن تمكين الجماهير من ممارسة حقوقها الديموقراطية هو التجسيد الثابت لمنطقلاتها وإسترشادها بمبادئ الحزب وأهدافه، ولذلك فالثورة تؤمن بأن ممارسة الأقليات القومية الموجودة داخل القطر العراقي لحقوقها الثقافية هي التعبير عن النهج الديموقراطي لالتزامها العميق بمبدأ التآخي القومي والوحدة الوطنية. إن الحفاظ على الخصاص القومية لهذه الأقليات وحماية تقاليدها وتراثها الشعبي والإنساني، وتطوير ثقافتها وآدابها في إتجاه تقدمي، وتوفير الشروط الضامنة لنهوض جماهيرها، هي التعبير عن الحرص على زيادة مساهمتها في بناء هذا الوطن وتقرير مسيرته التقدمية في تمتين الوحدة الوطنية والكفاحية بين أبنائه وتوطيد روابط الأخاء بين جماهير الشعب في القطر، وإرساء العلاقة بين المواطنين على إختلاف إنتماءاتهم القومية على أسس ديموقراطية متينة، وتنفيذا لقرارات المؤتمر القطري السابع لحزب البعث العربي الإشتراكي في ضرورة تمكين الأقليات القومية من ممارسة حقوقها المشروعة.
قرر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 1972.04.16 مايلي:

1 – منح الحقوق الثقافية للمواطنين الناطقين باللغة السريانية من (الآثوريين والكلدان والسريان) ووفقاً لما يلي:
أ - تكون اللغة السريانية لغة التعليم في كافة المدارس الإبتدائية التي غالبية تلاميذها من الناطقين بهذه اللغة، ويعتبر تعليم اللغة العربية إلزامياً في هذه المدارس.
ب - تدرس اللغة السريانية في المدارس المتوسطة والثانوية التي غالبية تلاميذها من الناطقين بهذه اللغة، وتعتبر اللغة العربية لغة التعليم في هذه المدارس.
ج - تدرس اللغة السريانية في كلية الآداب بجامعة بغداد كإحدى اللغات القديمة.
د -إستحداث برامج خاصة باللغة السريانية في إذاعة الجمهورية العراقية ومحطتي بلفزيون كركوك ونينوى.
هـ -إصدار مجلة شهرية باللغة السريانية من قبل وزارة الإعلام.
و - إنشاء جمعية للأدباء والكتاب الناطقين باللغة السريانية وضمان تمثيلهم في الإتحادات والجمعيات الأدبية والثقافية في القطر.
ر – مساعدة المؤلفين والكتاب والمترجمين الناطقين باللغة السريانية مادياً ومعنوياً ونشر إنتاجهم الثقافي والأدبي.
ز – تمكين المواطنين الناطقين بالسريانية من فتح النوادي الثقافية والفنية وتشكيل الفرق الفنية والمسرحية لإحياء التراث والفنون الشعبية وتطويرها.
2 – ينفذ هذا القرار من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية ويتولى الوزراء تنفيذ أحكامه.

يعتبر هذا القرار من أكثر القرارات التي أصدرها حزب البعث الحاكم في العراق منطقياً من حيث إمكانية تطبيق النصوص الواردة فيه في مقارنتها مع غيرها من القرارات التي أصدرها بشأن الأقليات. وربما أكتسب هذا القرار هذه الصفة بسبب كونه بالأساس لا يتعلق بالسياسة بشكل مباشر، أو لا تترتب عليه نتائج سياسية من جهة، ولتلاؤمه مع الظروف الخاصة لهذه الأقلية وأمكانياتهم الثقافية والفكرية وشموله لجميع تسمياتهم القومية والحضارية من جهة أخرى. والأهم من هذا نرى القرار يعطي في مقدمته الصفة القومية لهذه الأقلية. غير أن هذا لا ينفي إطلاقاً المغزى السياسي لحزب البعث من وراء إصدار هذا القرار لتحقيق أهداف سياسية تصب في نهاية المطاف إلى كسب ود وتعاطف هذه الأقلية القومية وزوجها في معركته ضد الحركة الكوردية أو تقليص شعبية الحزب الشيوعي العراقي بين مثقفي الأقلية الكلدانية السريانية الآشورية كما سبق وأن شرحنا ذلك بالتفصيل في مناسبة سابقة. ولكن مع هذا لم يكن مغزى حزب البعث الإستبدادي من وراء صدورهذا القرار عائقاً من نقله بفضل جهود ومثابرة بعض مثقفي الكلدان السريان الآشوريين من مجرد نصوص قانونية إلى الواقع التطبيقي الفعلي لبعض جوانبه كتشكيل المجمع اللغة السريانية وإتحاد الإدباء والكتاب الناطقين بالسريانية والجمعية الثقافية وجمعية الفنون وتأسيس عدد كبير من الأندية الإجتماعية وصدور مجلات مثل مجلتي المثقف الآشوري وقالا سوريايا. أما الجوانب الأخرى لهذه الحقوق فإنها لم تتجاوز أكثر من نطاق نصوصها المدونة على الورق. غير أن القرار مأخوذاً بنصه الكامل، يعتبر نموذجاً ممتازاً في تناول مسألة الحقوق الثقافية للكلدان السريان الآشوريين، ولكن العبرة تبقى على الدوام في التطبيق وليس في النص، والذي لم يكن لحزب البعث الحاكم أن يسمح بخروج هذا التطبيق عن نطاق سياسيته الهادفة من وراء إصدار القرار. فعندما حقق نظام البعث أهدافه من إصدار هذا القرار بادر إلى إنهاء وجود هذه المؤسسات التي أسست بموجب القرار سواء بدمجها مع غيرها من المؤسسات والجمعيات الرسمية أو بإلغائها.

2 - قرار إعادة تخطيط الحدود داخل الوحدات الإدارية للمحافظات:

إستناذا إلى أحكام الفقرة "أ" من المادة الثانية والأربعين من الدستور المؤقت، وبناء على إقتراح رئيس الجمهورية، قرر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 1972.09.31 مايلي:
1.   يصار، على ضوء المصلحة العامة، إلى إعادة تخطيط الحدود داخل الوحدات الإدارية أو في ما بين الوحدات المتجاورة في الأماكن التي تقطنها الأقليات القومية العراقية، بما يضمن تجمع أبناء كل أقلية قومية في وحدة أو وحدات إدارية تخصص لهم داخل الوحدة الإدارية، أو من بين الوحدات الإدارية المتجاورة.
2.   تراعى في الوحدات الإدارية التي ستأخذ طابع إحدى الأقليات القومية تبعاً لأحكام الفقرة الأولى من هذا القرار، الحقوق والضمانات التالية:
أ – شملها بنظام المجالس الشعبية وتشكيل هذه المجالس فيها وفق الأحكام المرعية الإجراء في هذا الشأن.
ب – إنشاء فروع أو مكاتب أو مراكز فيها، حسب الحال، لمختلف المنظمات الشعبية والمهنية على أن يراعى الطابع القومي لأبناء الوحدة في تشكيل أجهزة إدارة الفروع أو المكاتب أو المراكز المذكورة.
ج – إعطاء الأفضلية لأبناء الوحدات الإدارية المذكورة، عند تساوي الشروط القانونية، في جميع التشكيلات والتعيينات الحكومية، الإدارية والبلدية، التي تجري داخل هذه الوحدات.
د – تأمين الظروف اللازمة للتطور المناسب بين كافة الوحدات الإدارية بعد التعديل الجديد.

3.   تستفيد الوحدات الإدارية المختلفة التي يتعذر وضعها الراهن، من الحقوق والأفضليات التمثيلية والإدارية المنصوص عليها في هذا القرار على أن تراعي في تطبيق حقوق الأفضليات المذكورة النسبة التعددية لأبناء كل من الأقليات القومية القاطنة في هذه الوحدات.
4.   تتخذ جميع الإجراءات اللازمة لمعالجة مشكلة أبناء الأقليات القومية الذين نزحوا من بيوتهم وقراهم بسبب حوادث الشمال في الأعوام السابقة للثورة، والذين تعذرت، أو تتعذر إعادتهم إلى أماكنهم السابقة، وذلك بالعمل على مساعدتهم في تأمين الأراضي والبيوت لهم في الوحدات الإدارية التي يقطنها أبناء قوميتهم وتسهيل نقلهم وإسكانهم في هذه الوحدات.
5.   يخول وزير الداخلية الصلاحيات اللازمة لدارسة وتنفيذ أحكام الفقرة الأولى من هذا القرار.
6.   ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ويتولى الوزراء تنفيذ أحكامه.

أحمد حسن البكر
رئيس مجلس قيادة الثورة

الواضح في هذا القرار صفتة المثالية بحيث يمكن القول، وهذا ما حدث فعلاً، بأن تطبيقه على أرض الواقع كان صعب جداً إن لم يكن محالاً وذلك بسبب التعقيدات الديموغرافية التي كانت سائدة في مناطق سكن الأقليات العراقية خاصة في المنطقة الشمالية وتحديداً محافظات كركوك وأربيل ودهوك والموصل حيث تتداخل المناطق الكلدانية السريانية الآشورية مع غيرها من الأقليات الكوردية والتركمانية والشبك واليزيدية. ولكن من جانب آخر كان من الممكن تطبيق هذا القرار لو وفرت له الأجواء المناسبة لتطبيقه كتوفيرالجهود السياسية والإمكانيات المادية والمعنوية مع وجود النية الحسنة من إصدار القرار وتطبيقه. غير أن مقصد نظام البعث من إصدار هذا القرار لم يكن إلا لغرض تحقيق مآربه الإستبدادية تجاه الأقليات القومية خاصة فيما يتعلق بالتلاعب بالمناطق السكنية التي من الممكن أن تخضع للحكم الذاتي لمنطقة كردستان لهذا نرى بأنه عملا بشكل فاضح بعكس هذا القرار تماماً حيث هجر المئات من العوائل الكوردية والتركمانية من محافظة كركوك وأسكن عوضاً عنهم بعض العشائر العربية كما تلاعب النظام بالحدود الإدارية للكثير من الوحدات الإدارية في المحافظات الشمالية لغرض تضيق الخناق على الأقليات القومية في هذه المحافظات، لا بل والأكثر إستبداداً وظلما كان عندما دمر البنى التحتية للكثير من القرى الكلدانية السريانية الآشورية وهجر سكانهم من قراهم بحجة كونها ضمن المناطق الحدودية المعرضة لخطر الحرب في المنطقة الشمالية وأسكنهم في مجمعات سكنية أشبه ما تكون بمخيمات احتجاز أسرى الحرب. هكذا يمكن القول بأن النظام البعثي في العراق أصدر قرارات مثالية تعتبر من حيث التشريع متناسبة في حماية حقوق الكلدان السريان الآشوريين ولكن في الواقع عمل بعكسها تماماً بهدف تدمير الأسس القومية لهذه الأقلية ودمجها عنوة في القومية العربية.

إمكانية تطبيق القرارات الخاصة بالحقوق القومية الكلدانية السريانية الآشورية:
حسب الدستور العراقي المؤقت الذي أصدره حزب البعث في عام 1970 كان يحق لمجلس قيادة الثورة وحسب الفقرة (أ) من المادة 42 أن يصدر قرارات لها قوة القانون وهناك العشرات بل المئات من القوانين والقرارات التي أصدرها نظام حزب البعث في العراق وهي لازالت نافذة ومطبقة حتى يومنا هذا فزوال نظام البعث في العراق لا يعني زوال القوانين والقرارات الملزمة أو إلغائها إلا إذا صرح بذلك علناً من قبل السلطات الرسمية للحكم الحالي في العراق بإلغاء قانون معين او تعديله. والحال هكذا مع القرارين أعلاه فطالما لم تلغى بقرار أو قانون آخر من قبل السلطات الحالية في العراق فهذا معناه بأنهما لايزال سريانهما نافذاً وقابلة للتطبيق. وإصدار القوانين أو القرارات الملزمة يستوجب توافر (1) السلطة التشريعية لإصدار القانون أو القرار الملزم و (2) السلطة التنفيذية لتنفيذ القانون أو القرار و (3) الأهم من كل هذا هو توفر النية الحسنة عند الحكام والإيمان في تطبيق القانون أو القرار فبدون هذا النية الحسنة والإيمان لايمكن للقانون أو القرار أن يرى النور بل ربما قد يفسر ويستخدم لإغراض غير التي صدر من أجله، هكذا كان الحال مع نظام حزب البعث في إصدار القرارين أعلاه. وإذا كان القراران أعلاه لم يلغيا بعد، إذن فمن الممكن تطبيقهما في الوضع الحالي فيما إذا توفرت النية الحسنة والإيمان بحق الأقليات القومية في التمتع بحقوقها المشروعة من لدن القوى المهيمنة على السلطة السياسية في عراق اليوم.

يروى، والعهد على الراوي، بأنه عندما صدر قانون الإصلاح الزراعي في العراق بعد إنقلاب عام 1958 وأستولت الحكومة على أراضي الطبقة الإقطاعية ووزعتها على الفلاحين تراجعت الزراعة في العراق تراجعاً مخيفاً رغم تملك الفلاحين للأرض ومنحهم الكثير من التسهيلات والإمتيازات مما أضطرت الحكومة العراقية إلى إستدعاء خبراء من الإتحاد السوفياتي لدراسة أسباب هذا التراجع. فبعد دراسة مستفيضة من قبل الخبراء السوفيات، سألوا الحكومة العراقية عن المالك السابق للأراضي فقالت الحكومة: الإقطاعيون... فقال الخبراء السوفيات إذن أحسن حل لكي ترجع الزراعة في العراق إلى سابق عهدها المزدهر عليكم أعادة الأراضي إلى الإقطاعيين!!. هكذا نقول فإذا كانت القوى السياسية المهيمنة على السلطة في العراق عاجز عن أصدار مثل القرارين أعلاه فعليهم الرجوع إلى هذه القرارين وتفعيلهما وإظهار نيتهم الحسنة في تطبيقهما وأن كان مثل هذا الطلب صعب الحصول عليه من قوى لا تؤمن إلا بطائفتها وتعمل من أجلها وضمن نظامها السياسي الطائفي فعلى ممثلي أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية الدخول في المعركة مع هذه القوى لإستحصال حق هذه الأقلية في التمتع بالحقوق التي يوفرها القرارين أعلاه.

فبالنسبة للقرار الخاص بمنح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية، نرى بأن هناك بنود قد طبقت منها في منطقة الحكم الذاتي لكردستان العراق، لا بل فإن تأسيس المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية وإنشاء قسم للتعليم اللغة السريانية في الجامعة وأيضا مديرية التعليم السرياني كلها مؤشرات جيدة في هذا المجال ولكن الأمر يبقى غائباً نهائياً في المناطق الخارجة عن حدود الحكم الذاتي لكردستان العراق ولعل أهم شيء تفتقر هذه الأقلية صاحبة أرقى لغة في التاريخ هو إنشاء مجمع علمي للغة السريانية وهذا واجب مفروض على اللغويين والأدباء المعروفين في حقل اللغة السريانية من أبناء أمتنا للمبادرة بهذه الفكرة، وهو السبيل الوحيد لتطوير اللغة السريانية ومواكبة عصر التطور الذي نشهده.

أما القرار الخاص بإعادة تخطيط الحدود داخل الوحدات الإدارية للمحافظات فتطبيقه له أهمية قصوى خاصة في هذه الأيام التي يدور فيها الحديث عن إنشاء محافظة سهل نينوى أو غيرها من الوحدات الإدارية في المناطق التي تتواجد فيها الأقليات منهم الكلدان السريان الآشوريين، فبدون توفر العامل الجغرافي مع العامل الديموغرافي لا يمكن للأقلية أن تمارس حقوقها سواء أكانت ثقافية أم سياسية أم إدارية. وإمكانية تطبيق مثل هذا القرار ممكنة جداً خاصة في المناطق الشمالية من العراق حيث هناك وحدات إدارية للكلدان السريان الآشوريين يمكن أعادة تخطيط حدودها لتشمل وحدات إدارية أخرى لهم بحيث يشكلون وحدة أو وحدات إدارية ذات تجمع أكبر من أبناء هذه الأقلية حتى يمكن تطبيق حقوقها السياسية والإدارية والثقافية ضمن هذه الوحدات الخاصة بهم، هذا إذا توفرت النية الحسنة والإيمان الحقيقي للحكومة الإقليمية في كردستان العراق بحقوق الكلدان السريان الآشوريين وتفعيل المواد الخاصة بهذه الحقوق في دستور الإقليم... وهي جبهة نضالية صعبة فعلى القوى السياسية لأبناء أمتنا من الكلدان السريان الآشوريين وممثليها في الهيئات البرلمانية والحكومية أن تخوضها للحصول على حقوق أمتنا المشروعة في أرض الأباء والأجداد،  كما هو مطلوب من القوى الكوردية والسلطات الرسمية في منطقة الحكم الذاتي أن تظهر نواياها الحسنة في هذا المجال لكي تنال مصداقيتها عند أبناء امتنا وتثبت ديمقراطيتها.       


263
كيف نفهم القيادة الجماعية ؟؟؟... زوعا مثالاً

                                                                                                                            أبرم شبيرا
مدخل نظري:
يروى بأن الكتاب الأيرلندي الساخر جورج برنارد شو، الإشتراكي الطوباوي، كان يدخل في نقاشات حامية الوطيس مع الشيوعيين البريطانيين حول الإشتراكية وكان هؤلاء يعيبون عليه بأنه لم يقرأ كتاب رأسمال لكارل ماركس. فما كان من برنارد شو إلأ أن ينكب على قراءة هذا الكتاب ويستوعبه كامل الإستيعاب وعندما عاد لمناقشته مع الشيوعيين البريطانيين وجدهم بأن أنفسهم لم يقروا هذا الكتاب. هذه الحالة تنطبق على بعض من أبناء امتنا  (الكلدانية السريانية الآشورية) الذين يدعون العلم والمعرفة  وبنبوغهم في العمل السياسي والقومي ولكن لا يعرفون من الواقع الإ القليل. وجانب من هذه الحالة هي أكثر وضوحاً في بعض أبناء أمتنا المنتميين إلى أحزاب سياسية ومنظمات قومية فحالهم كحال هؤلاء الشيوعيين البريطانيين أصحاب برنارد شو.

حالة ثانية التي ألاحظها في الكثير من المثقفين والكتاب خاصة عندما يكتبون مواضيع نقدية أو رد على موضوع آخر، هي أنهم يفتقرون إلى إمكانية قراءة الموضوع بشكل صحيح وإستنباط المعنى أو المغزى الحقيقي منه.... فمثلاً عندما نصف حالة وواقع معين، خاصة الحالات السلبية في مجتمعنا ونعرضها كسبيل لمناقشتها ونقدها وربما وضع بعض المقترحات لحلها ومعالجتها، نرى يأتي الرد عليها من البعض الذي تعينه هذه الحالة أو يتحسس بها وكأن كاتب الموضوع وعارض هذه الحالة الواقعية هو الذي أخترعها أو هي من بنات أفكاره وأيديولوجيته. أفهل يعقل عندما نعرض حالة تفشي الطائفية والعشائرية والشللية والإنعزالية والتسيب القومي والسياسي والفردية وحب الكراسي في مجتمعنا أن تكون من إختراع كاتب الموضوع ؟؟؟ ... وكذلك حالة تفرد أشخاص معينين على قيادة معظم أحزابنا، وهي الحالة التي تعتبر سيدة احاديث أبناء أمتنا عندما يتناولون شؤون الأمة وتنظيماتها القومية، هي من أفكار و"خزعبلات" كاتب الموضوع؟؟؟ أليس هذه وقائع حقيقية سائدة في مجتمعنا؟.

حالة ثالثة تتعلق بالموضوعية التي هي شبه غائبة عن أفكار وتحليلات بعض أبناء أمتنا خاصة الكتاب والمثقفين. إن أختلاف البشر في البيئة والظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية يجعلهم يختلفون في أحيان كثيرة في تحديد المفاهيم وقراءة الواقع وبالتالي ينقاد الإنسان سواء بطوعية مقصودة أو غير مقصودة إلى تحليل المفاهيم أو الواقع تحليلاً إنحيازاً بشكل عام خاصة الذين يرتبطون تنظيماً بحزب أو بتنظيم معين والذين يستوجب عليهم النظر إلى الواقع من منطلق الأيديولوجية التي يؤمنون بها. ولا أخفي في القول بأن غياب هذه الموضوعية تزداد أحياناً متأثرة بعاملين: الأول: موقع الشخص من قيادة الحزب ومدى تغليب مصالحه الشخصية على المصلحة العامة. والثاني: مدى مستوى الوعي القومي والإدراك السياسي أو المعرفة السياسية. وهذه الحالة تنتج سؤالاً يقول ... هل نلوم الحزبي في تحليله للواقع وفق الأفكار التي يؤمن بها حزبه وينظر من خلالها إلى الوقائع؟؟؟ بطبيعة الحال الجواب يكون لا إذا نظرنا إلى الموضوع من ناحية الإلتزام الحزبي والتنظيمي. أما إذا نظر إلى الموضوع نظرة قومية شاملة غير مقيدة بجهة أو بحزب فالجواب حينذاك يكون نعم. ولكن في كلتا الحالتين فأن الموضوعية في عرض الواقع وفهمه مرتبط إرتباطاً قوياً بمدى تعبير أفكار وأيديولوجية هذا الحزب عن هذا الواقع وممارسته السياسية عليه وتحقيق بعض من أهدافه. فإذا كان الحزب يمتلك مثل هذه المواصفات وتمكن من أثباتها من خلال ممارستها وتطبيقها وتحقيق النتائج فأنه يقترب من الموضوعية كثيرا. أما إذا أفتقر مثل هذه المواصفات وأصبح حزباً على ورق لا على أرض الواقع، بكل ما تعنيه هذه الكلمة (على أرض الواقع) من ممارسات سياسية وتحقيق النتائج فأنه يبتعد إبتعاداً كبيراً عن الموضوعية. هذه الحالة تقودنا إلى حالة رابعة وهي:

أن بين الفكر القومي والعمل السياسي (الممارسة السياسة) واقع بكل تعقيداته وظواهره السلبية والإيجابية، ومن المفترض مثل هذا الفكر القومي أن يكون مرآة يعكس هذا الواقع وينطلق منه برؤية شاملة نحو المستقبل. أي بعبارة أخرى يفترض أن يكون هناك مواكبة بين الفكر القومي والعمل السياسي. ولكن مهما كان الفكر القومي واعياً ومتطوراً وصادقاً وأميناً إلا أنه يبقى في جوانب معينة عاجزاً عن التعبير عن كل الواقع فتبقى هناك جزيئات في واقع المجتمع خارج إطار هذا التعبير سواء بفعل صعوبة أدراكها من قبل الفكر القومي أو خضوعها لتعقيدات ومؤثرات خارجية تكون أقوى بكثير من إمكانيات الفكر القومي لإستيعابها والتعامل معها أو، وهي أخطرها، تجاهلها من قبل الفكر القومي وإهمالها كأنها غير موجوده إطلاقاً. من هذ المنطلق قلنا ونستمر في القول بأنه لايوجد حزب سياسي واحد يعبر تعبيراً صادقاً وأميناً عن كل مصالح المجتمع الذي يعمل فيه، فهناك أحزاب سياسية تعبر عن أكثرية مصالح الناس والأخرى تعبر عن أقلية هذه المصالح وهذا مقروناً بمدى شعبية الحزب ومواكبة فكره مع عمله عبر الواقع الذي نشأ فيه ومن يدعي عكس هذا فهو حزب شمولي دكتاتوري.

حالة خامسة وأخيرة أود الإشارة إليها ونحن لا زلنا في المقدمة "النظرية" لهذا الموضوع إنطلاقاً من الواقع السياسي الذي تعيشه أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية في مجتمعات "العالم الثالث" وتحديداً في الأقطار العربية، وهي حالة إعادة "إنتخاب" رؤساء أو زعماء حركات أو قادة أحزاب سياسية في هذه الدول. هناك حقيقة واقعية تقول بأن كل رئيس دولة أو زعيم حركة أو قائد حزب سياسي في هذه البلدان إذا رشح نفسه مرة أخرى للرئاسة أو الزعامة فلابد ... أعيد وأكرر فلابد، أن يفوز بالإنتخابات مهما كانت نوعية وطبيعة هذه الإنتخابات أو الإدعاء بديمقراطيتها، إذا كانت  فعلاً هناك إنتخابات. لماذا يجب أن يفوز؟؟ لأنه مستحوذ على كل وسائل السلطة والقوة والتأثير على "الناخبين" وعلى مقدرات البلد ويسخدمها لصالحه. وحتى في بعض الحالات التي قد يخسر هذا الزعيم أو القائد الإنتخابات، أي يشذ عن هذه القاعدة، فأنه يسعى بكل السبل الممكنة وغير الممكنة إلى قلب الموازين لصالحه والفوز بالزعامة ووضع هذه المعادلة في وضعها الصحيح والقائلة بضرورة فوزه مرة أخرى في الإنتخابات وعدم تخليه عن كرسي السلطة. وبطبيعة الحال فمثل هذه الإنتخابات لايمكن أن تسمى إطلاقاً بالديمقراطية والنزيهة لأن المنافسين له يفتقرون إلى مثل هذه الوسائل في التأثير، أي بعبارة أخرى المساوات في هذا السياق تكون غائبة وهي أس الأساس في الإنتخابات الديمقراطية. وإعادة نوري المالكي لسلطة رئاسة الوزارة في العراق الذي أستعمل الف "حيلة وحوالة" للبقاء في السلطة نموذج على ذلك والذي يقابله مثال آخر في إعادة فوز أحمدنجادي برئاسة جمهورية إيران الإسلامية الذي خسر الإنتخابات ولكن أستعمل الوسائل الروحية والسياسة المتاحة له لغرض البقاء في السلطة. وعلى العكس من هذا تماماً نرى في المجتمعات القائمة على ممارسات ديمقراطية حقيقية أن بعض روساء دول يخسرون الإنتخابات عند ترشحهم مرة أخرى... لماذا؟  لأن النظام الديموقراطي الحقيقي لايسمح لهم إستخدام وسائل سلطة الدولة لصالحهم، فحاله كحال المنافسين له. وخسارة ساركوزي لرئاسة الجمهورية الفرنسية مثال قريب علينا. والحال نفسه بالنسبة للأحزاب السياسية في البلدان الديموقراطية، والأمثلة كثيرة عن خسارة الكثير من زعماء الأحزاب عند ترشحهم لنفس المنصب مرة أخرى. هنا تأتي مسألة التناوب على السلطة والتي تعتبر من أرقى أشكال الممارسة الديمقراطية والتي سنأتي إليها فيما بعد. هذه الحالة تنطبق بكل حذافيرها على واقع مجتمعنا "الكداني السرياني الآشوري" بجميع تنظيماته القومية وأحزابه السياسية. فحسب معلوماتي البسيطة لا يوجد رئيس منظمة قومية أو سكرتير عام لحزب سياسي في مجتمعنا رشح نفسه مرة أخرى ولم يفز بالإنتخابات وأن وجد فهذه حالة شاذة يستوجب البحث في ثناياه لمعرفة أسباب شذوذها عن القاعدة.

أسوق هذه الحالات النظرية كمقدمة، وأرجو المعذرة من القارئ الكريم على إطالتها، أسوقها ليس كمدخل للرد على الصديق العزيز يعقوب كوركيس الذي كتب رداً تحت عنوان (الحركة الديمقراطية الآشورية ومفهوم القيادة الجماعية) وفي جزئين على مقالتي السابقة المعنونة (نظرة في القيادة الجماعية لزوعا) بمناسبة مرور 33 سنة على تأسيسها وكلا المقالتين نشرت في موقع عنكاوه الموقر.(أنظر الروابط المبينة في أدناه). ولكن أسوقها كمدخل لمناقشة الصديق يعقوب وتوضيح بعض النقاط التي وردت بسوء فهم منه، أو بالأحرى من إلتزامه بفكره الحزبي والتنظيمي، وفي نفس الوقت أشكره لأنه ذكر الكثير من النقاط سواء بوعي أو بغير وعي ليؤكد صحة ما ذهب إليه في مقالتي السابقة.

أقول صراحة بأنني وجدت صعوبة ونوع من الإحراج في كتابة هذا الموضوع  وللأسباب التالي:
1.   أن الأخ يعقوب كوركيس صديق عزيز لي ليس فقط من حيث الكرم النبيل والترحيب الحار الذي نتلقاه منه ومن رفاقه عند زيارتنا إلى مقرات الحركة الديمقراطية الآشورية في الوطن بل لكونه رفيق نسيركتفاً بكتف على نفس مسار النضال القومي عملياً وفكرياً وقد نلتقي أو لا نلتقي في بعض النقاط ولكن المهم نحن سائرون على نفس المسار بكل تحدياته وطموحاته.
2.    أن الحركة الديممقراطية الآشورية (زوعا)، والتي ينتمي الصديق يعقوب إليها، هي بإعتقادي وإيماني أرقى أشكال التنظيم القومي السياسي الذي عرفه تاريخنا المعاصر وحقق إنجازات قلما نجدها في حاضر وماضي مجتمعنا. هذه الموضوعية التي لا يختلف عنها أي قومي ناضج سياسياً جلعتني أن أجاهر بها في كل مكان وزمان لأنها حقيقة يجب أن تقال سواء أتفقنا في سياسة أو موقف معين مع زوعا أم لا. هذا الفهم الموضوعي القومي لزوعا هي التي جعلت من البعض أن يصفونني او يتهمونني بأنني " العضو القيادي المخفي في زوعا"، وهو شرف وحسرتاه لم أناله في الواقع لأنني غير جدير به وأنا أعيش في المهجر لا أواجه تحديات غير ضمان لقمة العيش بينما المستحقين لهذا الشرف يعيشون في الوطن ويواجهون تحديات خطيرة ومميتة. يجب أن لا يتوهم البعض بأن إنتقادي لزوعا هو تغيير موقفي وفكري منها، بل بالعكس من ذلك فإهتمامي بها كأرقى أشكال التنظيم القومي السياسي في مجتمعنا هو الذي يجعلني أن أوليها إهتماماً منقطع النظير سواء في كتاباتي أو لقاءاتي.
3.   جزء من هذا الإحراج يكمن في ترددي عن الرد على الصديق يعقوب لأنني في الحقيقة كنت احاول إخفاء حسدي على المعلومات الكثيرة وتحليلاته الحزبية والتنظيمية لزوعا ولا أدري في ما أورده من معلومات وأفكار تعبر عن رأيه الشخصي أم عن زوعا. ولكن لولا معرفتي بعضويته في قمة قيادة زوعا لكنت أعتبر ما أورده هي أفكاره وأراؤه الشخصية ولكن بحكم هذا الإرتباط فإن ما ورد في رده على مقالتي هي من أفكار وأراء زوعا أو قيادتها وفي هذه الحالة، وكما هو جاري، كان لازماً على الصديق يعقوب أن يذكر في مقالته وتحت أسمه مركزه أو عضويتة في قيادة زوعا وبهذا كانت الأمور تستقيم كما هو جاري عندما يكتب عضو بارز في تنظيم معين عن تنظيمه فأنه يستوجب ذكر مكانته في التنظيم ليكون واضحاً بأنه يتكلم نيابة عنه وإلا سوف يترك شكوكاً بأن كثرة إلمامه بأمور التنظيم فيها مسألة "أنً". من هذا المنطلق أقول بأن ما كتبه الصديق يعقوب لم يكن ممكنا أن يذهب إلى النشر ما لم يكون قد أطلع عليه أو كتب من قبل القيادة نفسها أو من سكرتيرها العام، هذا الأمر يكشف لي بأنه هو "الناطق الرسمي" لزوعا.

كيف نفهم زوعا وننتقدها وفق مفهوم التطور:

ناهيك عن الإنجازات الكبيرة التي حققتها زوعا ولكن كل هذا لا يمنعنا أبداً من أن نبين بعض النقاط السلبية في مسيرة زوعا وبما فيها مسألة القيادة.  فالموضوع الذين سبق وأن أكدناه مراراً وتكراراً حول مفهوم التطور القائم على (خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء)  ومدى إنطابقه على زوعا يظهر بأن الصديق يعقوب رغم قوله بأنه متفق مع هذا المفهوم في التطور ولكن أقول صراحة رغم قراءتي لموضوعه بدقة فإن كل ما وجدت فيه هو خطوتان إلى الأمام ولم يكن هناك إشارة إلى خطوة إلى الوراء. والحالة أيضاً تنطبق على كتابات معظم أعضاء زوعا أو المناصرين لها فالتركيز وحده هو على تعظيم الخطوتان إلى الإمام من دون الإشارة إلى خطوة إلى الوراء وكأنها غير موجودة في الممارسة السياسية الواقعية. أن زوعا حركة سياسية قومية ووطنية أصيلة وتستحق صفات أكثر من هذا ولكن يجب أن نعرف بأنها ليس معبداً دينياً نتلو صلواتنا فيه وأن قيادة زوعا بما فيها سكرتيرها العام السيد يونادم كنا رغم كونه سياسياً قومياً بارعاً فأنه ليس قديساً أو ملاك يسجد له فهم بشر عادي يخضعون لمبدأ الخطأ والصواب. هذا هو الفهم الصحيح لزوعا ولقيادتها وعكس ذلك فهو أوهام وخيال. إذن وفق هذا المبدأ في الخطأ والصواب ننقاش المواضيع التي تهم زوعا من جهة وتهم أبناء أمتنا من جهة الأهم.

كيف يتم مناقشة المواضيع:

صحيح وأتفق مع الصديق يعقوب بأن الكثير من المواضيع خاصة الحساسة والمهمة وتحديداً السلبيات منها (خطوة إلى الوراء) لا تناقش عبر وسائل الإعلام والمواقع الألكترونية فهي مسائل تنظيمية داخلية تخص زوعا حيث يتم مناقشتها بشكل مكثف وموضوعي في البنى التنظيمية (من القاعدة إلى القيادة) للوصول إلى نتائج مجدية من دون تأثيرات خارجية، وكما يقول الصديق يعقوب (فدعوة أعضاء الحركة – زوعا- إلى إنتقاد وتقييم سياساتها ومواقفها في وسائل الإعلام دعوة تناقض أبسط مفاهيم العمل التنظيمي ... ) هذا يصح فيما يخص المواضيع التنظيمية الداخلية ولكن حتى هذه المواضيع فإنها تهم أبناء أمتنا في هذا العصر لأن زوعا باعتبارها التنظيم الأهم والأكبر فالكثير من مثل هذه المواضيع تهم أبناء أمتنا ويستوجب على زوعا إشباع رغباتهم وتطمينهم على الحزب الذي صوت له ودافع عنه والذي يمثله أمام الآخرين. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تعتبر إنتخابات اللجنة المركزية لزوعا أو ترك أحد الكوادر المتقدمة التنظيم خاصة عندما يكون من الرعيل الأول أو المؤسسين لزوعا فإن مثل هذه الأمور التي هي بالتمام والكمال أمور تنظيمية داخلية ولكن في نفس الوقت تهم الكثير من أبناء أمتنا وبالأخص المثقفين منهم ويهمهم أن يعرفون تفاصيلها بشكل رسمي قبل أن تتسرب بشكل غير شرعي من التنظيم وتصلهم وهي مشوهة أو مخلوطة. وهناك مواضيع أخرى مهمة وحساسة تهم مصلحة الأمة بالدرجة الأولى ومناقشتها يجب أن لا تتم حصراً بالتنظيم نفسه. فلو أخذها موضوعاً مهماً وحساساً مثل قرار حصر المناصب الوزارية بأعضاء قيادة الأحزاب والتنظيمات القومية لأمتنا، والذي لا يتفق معي الصديق يعقوب وزوعا وغيرها في تعميم هذا الحق على جميع أبناء أمتنا المخلصين والكفوئين، فأن مثل هذا الموضوع يهم بالدرجة الأولى أبناء أمتنا فهم أصحاب المصلحة الأولى فيه وبالتالي فأن لهم الحق وحدهم في التمتع بهذا الحق وليس حصر هذا الحق في نقر قليل متربع على عرش قيادة حزب أو منظمة معينة. فمثل هذا الموضوع الذي يهم المصلحة العامة لا تنحصر مناقشته في فئة قليلة من الحزبيين وصدور القرارات بشأنه ونترك أبناء الأمة جانباً ننتظر ونطلب منهم فقط أن يقفوا في طوابير طويلة أو يسافروا مسافات طويلة، كما هو الحال في بلدان المهجر، ليدلوا بأصواتهم لمرشحيهم ومن ثم "يخرجون من المولد بدون حمص". 

ليس صحيحاً حصر مناقشة كل المواضيع والوصول إلى قرارات ضمن قيادة تنظيم معين وتحديداً المواضيع الحساسة التي تهم بالدرجة الأولى مصلحة أبناء الأمة قبل غيرهم كما هو الحال مع الموضوع أعلاه. أننا نعيش في البدايات الأولى للقرن الحادي والعشرين، عصر الأنترنيت وفيس بوك و تويتير ووكيليكس وعنكاوه دون كوم. فالذي كان بالأمس "سري للغاية" لم يعد كذلك في هذه الأيام، فهذا العصر ليس عصر الإنغلاق الحزبي بل عصر الإنفتاح نحو الجماهير والرجوع إليها على الأقل  لفهمها ومن ثم أتخاذ القرار الصائب الذي يصب في مصلحة هذه الجماهير. وحتى لا أكون مثالياً وأكتفي بسرد كلام جميل فقط أقول بأن مثل هذا الكلام الجميل له تطبيق سهل جداً. فمثلاً فيما يخص الموضوع أعلاه، كان الأجدر بـ "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" بأعتباره جامعاً لأكثر تنظيمات أمتنا كما وإن لأحد  تنظيماته إستحقاق سياسي بخصوص تعيين الشخص لمنصب الوزارة ، أن يفتح باب الترشيح لهذا المنصب لجميع أبناء أمتنا ووفق شروط وكفاءات معينة يضعها التجمع نفسه ثم يتم تنظيم ندوات جماهيرية مع المرشحين في مناطق تجمع أبناء أمتنا ومن خلال مناقشات هذه الندوات يمكن إستنتاج الشخص أو أكثر المناسب لهذا المنصب وبالتالي إتخاذ قرار بشأن إختياره على أن يكون للحزب الذي يمتلك إستحقاق سياسي بهذا الخصوص أفضلية في الإختيار....  أرجو المعذرة في الإطالة بعض الشيء في هذا الموضوع الحساس والمهم فالقصد لم يكن إلا محاولة إقناع صديقي يعقوب وزوعا وغيرها من أحزاب وتنظيمات أمتنا بالفكرة.

فهم القيادة الجماعية:
  أود بشكل  مبسط أن أوضح مفهوم القيادة الجماعية في هذا الموضوع لأنني بصراحة حاولت فهم قصد الصديق يعقوب من القيادة الجماعية فلم أصل إلى أية نتيجة واضحة لأن في جوانب كثير كان يدور حول تبرير فهمه لمفهوم القيادة الجماعية وخلطه بالأمور التنظيمة وحصره في العمل المهني أو المؤسساتي أو السياسي خاصة عندما ربطه بمفهوم الديمقراطية المركزية، وهي حالة تعكس إلتزامه بتنظيمه السياسي. فالقيادة الجماعية ببساطة شديدة هي: صنع القرار من قبل الأغلبية ولا علاقة مباشرة بمسألة تنظيم أو بحقل معين. أما مسألة تنفيذ هذا القرار  فتوكل إلى شخص أو أكثر ضمن مكتب أو لجنة تتولى مسؤولية وضع الخطوات العملية والتكتيكية لتنفيذ القرار. ومن اللازم والضروري جداً أن لا يتجاوز هذا الشخص حدود القرار فيلويه أو يعصره أو يوسعه بتصرفاته الخاصة خدمة لمصالحه الشخصية ومصالح الملتمين حوله حينذاك نكون قد هجرنا القيادة الجماعية والتي هي جانب من جوانب الديمقراطية وأصبحنا بصدد القيادة الفردية والمعروفة بـ "الأتوقراطية" والتي هي الوجه الآخر للدكتاتورية.

أتابع بشكل دقيق وموضوعي مؤتمرات زوعا وكيفية إنتخاب المندوبين عن القواعد والمنظمات التابعة لها والتحضيرات وتشكيل اللجان لدراسة جدول أعمال المؤتمر وإنتخاب اللجنة المركزية وسكرتيرها العام والعدد الكبير من المندوبين الحاضرين للمؤتمر العام، فكلها مظاهر تبين التطور والرقي الذي وصلته زوعا في الحياة السياسية والتي قلما نجدها أو وجدناها في أي تنظيم قومي لأمتنا، وهذه حقيقة موضوعية مهما كان موقفنا من زوعا ولا أشك في الأسلوب الصحيح لإنعقاد المؤتمرات العامة لزوعا وإنتخابات للجنة المركزية واللجان الأخرى من قبل أعضاء المؤتمر العام رغم إستخدام البعض وسائل التأثير على أعضاء المؤتمر وهي في حدودها العامة مشروعة في كل مكان من العالم أن لم تخرج عن إطارها المعروف. وضمن هذه المظاهر الصحيحة يمكن القول بأن قيادة زوعا تكتسب الشرعية من خلال هذه الإنتخابات، والشرعية هي أساس القيادة الجماعية، الوجه الآخر للديمقراطية.

ولكن مفهوم القيادة الجماعية التي يطرحها الصديق يعقوب كله يرتكز على فكرة الديمقراطية المركزية التي تتخذ منها زوعا وغيرها من الأحزاب العراقية كأسلوب للمارسة السياسية والتنظيمة سواء في القاعدة أو القيادة. غير أنه من المعروف بأن الديمقراطية المركزية هي من إختراعات الماركسية – اللينينية والقائمة على قاعدة "نفذ ثم ناقش" والتي تعاظمت وتوسعت في المرحلة الستالينية وطغت على الأحزاب الشيوعية وعلى الكثير من الأحزاب الشمولية غير الشيوعية وأنتقلت إلى منطقتنا وأتخذها أحزاب كثيرة كمنهج للمارسة السياسية والتنظيمية. فكانت كلمة "الديمقراطية" الأداة اللامعة والمعسولة التي أستخدمها الكثير من الأحزاب الشمولية والحكام الدكتاتورين لأيهام عامة الناس بديمقراطية الحكم والتسلط في حين إن كلمة "المركزية" تأتي هنا كنقيض فاضح للديمقراطية وكأداة للسيطرة والهيمنة الكاملة. بعبارة أخرى يمكن القول بأن النقضين تجعل مثل هذه الديمقراطية أن تكون ترجمة للبيروقراطية السياسية. فمعظم الأحزاب التي تبنت ومارست الديمقراطية المركزية بمفهومها الكلاسيكي الستاليني تركزت السلطة في عدد قليل من "الكوادر القيادية" تنتظم في بنية تنظيمية تكون كمكتب بيروقراطي يترأسها شخص دكتاتوري.  هذه نقطة مهمة يجب على زوعا أن تفهمها ونحن نتحدث عن القيادة الجماعية لها. فهذه الأخيرة، أي القيادة الجماعية، لا تتفق مع مفهوم "الديمقراطية المركزية" والتي ترجمتها هي البيروقراطية السياسية والخوف هنا، ولنا كل الحق في أن نخاف على زوعا ونخشى إنحراف سلوكها القومي وتحولها من حزب سياسي قومي وشعبي يمتلك مكانة خاصة في قلوب وعقول أبناء أمتنا إلى مكتب بيروقراطي فقط.

أفهل ،على سبيل المثال لا الحصر، تم مناقشة موضوع حصر المناصب الوزارية بأعضاء قيادة أحزابنا وتنظيماتها القومية، ومنها زوعا وفق "الديمقراطية المركزية" بين جميع الأعضاء في القاعدة وصعوداً نحو القيادة لكي يتم أتخاذ مثل هذا القرار الذي هو بالأساس قرار يهم جميع أبناء الأمة وليس عدد قليل في قيادة الحزب؟؟ أشك في أن يكون الجواب بـ (نعم). فالظواهر تدل بأن مثل هذا القرار المهم أتخذ من قبل قيادات التجمع ولم يصل إلى مستوى مناقشته خارج إطار هذه القيادات وعليه فهو قرار بيروقراطي وليس ديمقراطي. فمثل هذا القرار أتخذ أما بسبب عدم أعتبار قادة التجمع هذا الموضوع من المواضيع المهمة والمتعلقة بآمال أبناء أمتنا بل أعتبروه موضوع خاص بهم أو كانت هناك خشية بأن الإمتيازات المادية والمعنوية التي سيجنيها الوزير والتنظيم الذي ينتمي إليه أن تذهب إلى خارج التنظيم ويساء إستخدام مثل هذه الإمتيازات وهذا لا يعني إلا قلة أو أنعدام الثقة بغير الحزبيين من أبناء أمتنا.

لقد أساء الصديق يعقوب أساءة واضحة في فهم مفهوم القيادة الجماعية التي طرحتها في المقال السابق وأخذ زوعا مثالاً على ذلك... عندما أقول بخصوص هذا الموضوع ("لعل من أكثر الحالات إساءة أو غموضاً للفهم في مجتمعنا هي ظاهرة إحتكار القيادة العليا من قبل شخص في معظم تنظيماتنا القومية والسياسية تقريباً، أو في أحسن الأحوال عدد قليل جداً من الأفراد وبقاءهم فيها، أو كما يسمونها إعادة إنتخابهم أو إختيارهم لفترات طويلة ومن دون إتاحة الفرص للغير سواء بتشجيعهم للترشح أو القيام بحملة لترشيحهم.... فهذه الظاهرة تصلح كمثال في الحديث عن مسارتطور الحركة الديمقراطية الآشورية. وقد إنتقدنا هذه الظاهرة وأنتقدها غيرنا لا بل تهجموا عليها ووصفوا المتربعين على قيادة زوعا بالدكتاتورية وحب السيطرة والظهور.... ألخ). الحالة الثانية التي وصفناه في أعلاه تنطبق بكل حذافيها على رد الصديق يعقوب في هذا الموضوع... أرجو إعادة قراءة الفقرة أعلاه وإستنباط المغزى منها بشكل موضوعي لا تحزبي ذاتي. أن هذه الحالة في أحتكار القيادة ليست من إختراعاتي وخزعبلاتي بل أشرت إليها كحالة سيئة وغامضة يصعب على مجتمعنا فهمها والمبررات التي تستوجبها. فإذا لم يسمع أو يقرأ الصديق يعقوب عن الكلام الذي يدور بين بعض أبناء أمتنا حول إحتكار السلطة في زوعا وغيرها من الأحزاب السياسية، وهنا لا يهم عدد أبناء أمتنا طالما يتحدث عن ظاهرة خطيرة وتكون أخطر عندما تأتي من المثقفيين والقوميين والمؤيدين لزوعا، فهذا يعني بأنه بعيد عن الواقع ولايمتلك إمكانية الغوص فيه وقراءته. لو حاول الصديق يعقوب إعادة قراءة المبررات الموضوعية التي تقف وراء ظهور هذه الظاهرة في تنظيمات مجتمعنا والتي شرحتها بشكل بسيط وواضح وتخلى عن نظرته الحزبية، إذا كان ذلك ممكننا، لكان تأييده لي في هذا الموضوع بشكل مطلق ولكن للأسف الشديد منعه إرتباطه الحزبي ونظرته المحصورة في (خطوتان إلى الأمام) من الإفصاح بذلك.

وفي نفس السياق حول سوء فهم وقراءة موضوعي السابق يظهر بشكل واضح في مسألة عدم قدرة صديقي يعقوب على فهم المضامين الأساسية في الموضوع الذي ذكرته حول (كيف نخلق القيادة الجماعية). لقد ذكرت في المقالة السابقة صعوبة خلق كوادر سياسية تكون بمستوى المسؤولية ولكن على عكس هذا فهم الصديق يعقوب الأمر بشكل آخر، فهو يقول (إذا كان هذا هو الواقع ... أي الفقر السياسي في مجتمعنا وصعوبة خلق كوادر قيادية.. وهي الحقيقة بعينها، فكيف بنا أن نغير قيادتنا السياسية بعد أن خبرت ألاعيب السياسة وفنونها، أليس الحري بنا أن نحافظ على قيادتنا صاحبة الخبرة والدراية في مواجهة شركائنا السياسين المتربعين على قيادة أحزابهم وفي يدهم السلطة... أمن الحكمة أن نواجه خيرة غرامائنا السياسيين بقيادات شابه ما تزال في بداية الطريق؟.. ولنا قيادات صاحبت غرامائنا ساحات النضال والكفاح وخبرت أساليبهم ....إلخ). بالله عليك ... من قال أن تغير القيادة في زوعا ذات الخبرة والدراية؟؟؟ فأنا لم أطرح مثل هذا التغيير في القيادة، وأن كل ما ذكرته بخصوص هذا الموضوع يا صديقي العزيز بعيد عن أبسط المفاهيم السياسية. أن خلق الكوادر القيادية كأساس لخق قيادة جماعية لا تأتي من تغيير القيادة السابقة بجديدة بل تأتي من المشاركة الفعلية والتعلم والإستفادة من خبرات الرعيل الأول وهذا لا يأتي إلا بالتدوال في المواقع القيادية التي كما سبق وأن ذكرنا بأنها شكل راقي من أشكال الديمقراطية ونوع من أنواع خلق القيادة الجماعية. ففكثير من الأحزاب السياسية التي تتبنى فعلاً مثل هذا المفهوم الديمقراطي في تدوال المواقع القيادية ينسحب صاحب الخبرة والدراية خطوة ويترك هذه الخطوة لخيره ولكن كلاهما يبقيان ضمن مفهوم القيادة الجماعية ولا يهجر صاحب الخبرة القيادة أو التنظيم بل يبقى فاعلاً ومؤثراً ومعلماً لغيره من رفاقه ولكن من موقع آخر. ولكن من المؤسف الشديد جداً أن نرى الكثير من أصحاب الخبرة والدراية قد تنحوا جانباً وأصبحوا صفراً على الشمال في التنظيم وهذه علة العلل في موضوعنا عن إعادة إنتاج القيادة وهو موضوع يصعب على الصديق يعقوب وربما عليً أيضاً طرحه على وسائل الأعلام العامة لما يتضمنه من بعض الأمور الداخلية التي شخصياً ليس لي حق مناقشتها إلا في حدود ضيفة مع المعنيين في قيادة زوعا.

ونحن بصدد فهم القيادة الجماعية، نرى بأن الصديق يعقوب عندما يقول (فالقيادة الجماعية ليس لها علاقة بعدد – نفرات القيادة – أو التناوب على القيادة، ولو كان العدد  1000 محكومين بنهج دكتاتوري، فالرقم لا يغير من شكل الصورة، وينقلها من حالة الدكتاتورية إلى حالة القيادة الجماعية، وبالعكس أيضا فخمسة أشخاص في هيئة حزبية يشاركون جميعهم في صناعة القرارات يقدمون صورة حقيقية لمفهوم القيادة الجماعية. وكذلك التناوب على القيادة ليس لها علاقة بالمطلق بمفهوم القيادة الجماعية... إلخ). هذا نموذج آخر عن غياب المعرفة العلمية والواقعية لبعض المفاهيم السياسية ومنها القيادة الجماعية وأساسها الديمقراطية و الدكتاتورية وأساسها الأوتوقراطية... فمن المعروف علمياً وعملياً بأن النظام الدكتاتوري نظام فردي ولا يمكن أن يكون قائماً على أكثر من شخص واحد وإن كان العكس فسرعان ما يقضي الدكتاتور على منافسه حتى ولو كان أبنه أو أخيه أو أعز رفاقه فعندما يستشعر خطورته على كرسيه في الحكم يقضي عليه وعلى الفور.

أعجبني كثيرا عندما شبه الصديق يعقوب (الحركة الديمقراطية الآشورية – زوعا بالنهر الهادر الذي يتلوث بالشوائب، إلا إنه يطرح في جريانه الشوائب ويصفي مائه، فيما يطلق عليه علمياُ التنقية الذاتية، مستمراً في مسيرته إلى المبتغى، فمن المنبع إلى المصب، بعض مائه قد يتبخر وتمتصه الأرض، ولكن الحقيقة إنه سيصل)... ولكن الخشية الكبيرة والهواجس المخيفية هي أن يكون حال هذا النهر كحال نهر الفرات أو نهر الخابور في سوريا فسوء إستخدام مياه النهر سواء في بناء السدود عليه، كما هو الحال مع نهر الفرات أو حفر أبار عشوائية وبعدد كبير بالقرب من منابع نهر الخابور سوف لن يصل من مياه هذهين النهرين إلى مبتغاهما وبالتالي سيعطش الناس وتجف حقولهم وتصبح هجرة أراضيهم هدفاً لضمان إستمرار حياتهم.

وأخيرا أود أن أؤكد وبشكل قاطع وأقول ليطمئن زوعا وكل أعضاءها من أصغر تنظيم قاعدي إلى أعلى تنظيم قيادي فيها بأن بيان وطرح ومناقشة "الخطوة إلى الوراء" ليس إلا شكل من أشكال إهتمامي على هذا التنظيم القومي في أمتنا وخشتي على العثرات التي سيلاقيها في المستقبل والتي ستتضاعف فيه التحديات المميتة أضعاف مما هو عليه في الوقت الحالي. كما أطمئن غير الزوعاويين بأن هذا الموضوع لا يغير من موقفي تجاه زوعا إطلاقا فالعهد الذي قطعته على نفسي أثناء زيارتي في منتصف التسعينيات من القرن الماضي لقبر الشهيد الخالد يوسف توما شهيد الأمة والحركة الديمقراطية الآشورية في قرية بليجانه في شمال الوطن ودفنت قلمي في تراب القبر معاهداً الله وروح الشهيد بأن لا أسخر قلمي إلا لطريق النضال الذي سار عليه الشهيد فأنا على عهدي باقي حتى آخر رمق من حياتي.

   

كثيراً ما نتحدث عن الديمقراطية ولدينا معلومات كثيبرة عنها ولكننا لا نمارسها ممارسة فعلية
أبرم شبيرا

http://www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=570770.0

http://www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=571391.0

http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=569319.0


264
صورة وحدث
من التاريـخ القومي الآشوري المعاصر

                                                                                                                                    أبرم شبيرا

صورة نادرة وفريدة تنشر لأول مرة تجمع كل، من اليسار الى اليمين، المناضل والمفكر القومي المعروف يوسف ماليك وهو من بلدة تلكيف في شمال بيت نهرين والمناضل ماليك ياقو ماليك إسماعيل ثم الأب الفاضل الخوري زيا بوبو دوباتو ببدلته العسكرية وقبل رسامته كاهناً لكنيسة المشرق الآشورية في الموصل. والصورة كانت من مقتنيات الخوري زيا (حصلت عليها في بداية التسعينيات من القرن الماضي من أبنه د هرمز) أخذت هذه الصورة في مدينة بيروت - لبنان بعد الحرب العالمية الثانية وهناك أحتمال أن يكون تاريخها في عام 1948. في تلك الفترة كان المفكر يوسف ماليك يقيم ويعيش في بيروت منذ الحركة القومية الآشورية لعام 1933 حيث كان موظفاً مدنياً في الحكومة العراقية منذ تأسيسها الا أن السلطات العراقية كانت قد منعته من العودة الى العراق بسبب مواقفه البطولية في مقاومة أستبداد السلطات العراقية للآشوريين فأضطر أن يتخذ من لبنان وطناً له ومن هناك كتب عدة كتب ومنها كتابه المشهور خيانة بريطانيا للآشوريين الذي أثار حنق الحكومتين البريطانية والعراقية عليه. وفي بيروت أسس مع مجموعة من الآشوريين من منطقة الحسكة في سوريا تنظيم أشوري سميّ بـ " لجنة التحرير الآشوري " وكانت هذه اللجنة تصدر نشرة دورية تحت نفس الأسم حتى عام 1949 يدعو فيها الى إيجاد مخرج للقضية الآشورية، وهي اللجنة التي لا نعرف عنها غير نسخ عتيقة ومهلهلة من النشرة المذكورة موجودة على الرفوف المظلمة للمكتبة البريطانية في لندن. وظل المفكر يوسف ماليك طيلة حياته مناضلاَ آشورياً ومفكراً قومياً حتى أخر رمق من حياته حيث توفي في بيروت عام 1959. أما ماليك ياقو فكان لتوه قد تسرح من خدمة الكتيبة الآشورية التي جندتها بريطانيا أثناء الحرب الكونية الثانية لحماية خطوط الامدادات والمساعدات التي كانت تقدمها دول الحلفاء الى الاتحاد السوفياتي عبر العراق وإيران والتي لعبت دوراً مهماً في حماية هذه الخطوط ودعم القوات السوفياتية في موجهتها للقوات الألمانية النازية في أوربا الوسطى اثناء الحرب العالمية الثانية. وهناك العديد من التقارير والدراسات عن البطولات التي قام بها الآشوريون اثناء الحرب حيث شاركوا مع قوات الحلفاء في تحريرالقبرص واليونان من النازية. وهناك مقبرة في اليونان لضحايا الحرب من ضمنها ثمانية مقابر لجنود آشوريين من قوات المظليين الخاصة قتلوا أثناء معركة تحرير أثينا من القوات النازية وعلى أحجار قبورهم حفرت أسماؤهم باللغتين الأنكليزية والسريانية. أما الخوري زيا دوباتو فقد ظل فترة أخرى في الخدمة لحين حل الكتيبة الآشورية في الخمسينات وأنضمام بعض الضباط الآشوريين الى الجيش العراقي الرسمي الذين أيضا أبدوا بطولات فائقة ومتميزة أثناء خدمتهم العسكرية في دولة العراق.

كان ماليك ياقو في تلك الفترة يعيش في منطقة خابور في سوريا وفي بداية الستينات ضغظ عليه بعض القوميين العرب المتطرفين (الناصريون والبعثيون) في سوريا عقب قيام الوحدة مع مصر فأضطر للسفر الى بيروت ثم الهجرة الى كندا وتوفي في العراق عام 1974 بعد أن كانت الحكومة العراقية قد وجهت له دعوة رسمية لزيارة العراق وأعادة له جنسيته العراقية المسقطة عنه ودارت الشكوك حول السلطات الأمنية بخصوص موت ماليك ياقو إذ يعتقد بأنه تم تسميمه بمركبات الزئبق البطيئة التسمم بعد رفضه مخططات النظام البعثي في توريط الآشوريين في حربها مع الحركة الكردية. في حين كان الخوري زيا يعيش في الموصل في العراق وظل هناك طيلة عقود عديدة يخدم أبناء شعبه كخوري جليل ومحترم بينهم، الا أنه أضطر اللجوء الى إيران في بداية الثمانينيات هرباً من ظلم وأستبداد النظام البعثي له ولأبنائه وعائلته في الموصل وذلك بسبب كون أبنه د.هرمز أحد مؤسسي الحركة الديمقراطية الآشورية والمطلوبين للسلطة البعثية. وأثناء تواجد الخوري زيا في المنفى في إيران أهتمت بعض الهيئات الدولية والمنظمات المعنية بحقوق الأنسان بقضيته وتناولتها وسائل الاعلام الدولية فقدمت شكوى الى الحكومة العراقية بهذا الشأن وفي عام 1989 أنتقل الى جوار ربه ودفن في مثواه الآخير في أورمي .

يقول أحد أبناء الخوري زيا بأن الصورة اخذت بمناسبة عقد اجتماع في بيروت للبحث في مصير الآشوريين وأمكانية الخروج بحل لمشكلتهم القومية في العراق خاصة بعد المستجدات التي افرزتها نتائج الحرب العالمية الثانية في العراق، لا سيما كان للآشوريين قوات عسكرية متميزة بالشجاعة والخبرة العسكرية يمكن أستخدامها في تحقيق المشاريع التي يحلمون بها منذ زمن بعيد  في السكن في مناطقهم التاريخية بسلام وأستقرار. ويضيف بأن أهم قرار توصلوا اليه في هذا الاجتماع هو عقد نوع من الاتفاق مع الزعماء الاكراد والدخول معهم في حلف لتحقيق كيان مستقل مشترك  لهم أو حكم ذاتي لكل منهما حقوق وأمتيازات تقوم على التفاهيم والمحبة والمودة. ولما كان الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني منفياً خارج العراق ويعيش في الاتحاد السوفياتي، وهو الصديق الحميم لماليك ياقو، لم يكن من المناسب الاتفاق معه وهو خارج العراق لذلك توجهت الانظار الى زعيم أخر وهو كاميران بدر خان، وهو حفيد المجرم الكبير مير بدر خان الذي أرتكب مذابح كبيرة بحق الآشوريين للفترة من 1845 الى 1848 واستشهد منهم مايزيد عن عشرة ألآف وتشرد الباقون منهم بعد أن دمر قراهم وأحرق حقولهم. غير أنه بالنظر لكون هذا الزعيم متعاوناً مع الحكومة العراقية في تلك الفترة ولم يكن له طموحات قومية وبالنتيجة فشلت الفكرة قبل أن تبدأ خطواتها الأولى. ومن المعروف بأن هناك مثقفين وكتاب وفنانين كبار من عائلة بدرخان معظمهم يعيشون في لبنان ومصر، ولا نستطيع التأكيد فيما إذ كانت هناك صلة بينهم وبين المجرم مير بدرخان، وبهذا الخصوص أتذكر ما قاله لي المرحوم ماليك ياقو أثناء زيارته للعراق في منتصف السبعينات من القرن الماضي بأن أحفاد مير بدرخان الذين كانوا يعيشون في لبنان قد قدموا أعتذار له عن جرائم جدهم بحق الآشوريين.

ترى ما الذي دفع هؤلاء المناضلين في تلك الفترة الى اتخاذ مثل هذا القرار ؟.. وما هي دوافعهم وأسباب اتخاذ مثل هذا القرار، خاصة وأن كاميران هو أبن زعيم كردي قام بمذابح شنيعة ضد الآشوريين وفي حينها قتل أيضا ماليك أسماعيل جد ماليك ياقو ومثل بجثته وهو أسير جريح مقيد اليدين والرجلين ... ومن هم الأشخاص الاخرين الذين حضروا هذا الاجتماع ؟؟ ؟؟ أو هل كان هناك حقاً قراراً أو مشروعاً من هذا القبيل ؟؟ أو هل عقد بالأصل  اجتماعاً من هذا النوع ؟؟.. أسئلة وأسئلة وعلامات استفهام الى ما لا نهاية وسوف تضل وتستمر هذه التساؤلات وعلامات الاستفهام فارضة نفسها على كل من حاول البحث في خفايا التاريخ الآشوري ذلك لان الجواب لا وجود له لكونه مطموراً في أعماق التاريخ أن لم يكن الجواب غائباً غياباً أبدياً ولا وجود له بعد أن غاب أصحابه وغيرهم الذين لعبوا أدواراً في صنع التاريخ الآشوري بكل جوانبه السلبية والايجابية. أنها المعضلة التاريخية التي تعيشها أمتنا ، معضلة قلة الوثائق والمذكرات أو انعدامها نهائياً خاصة مذكرات أمثال هؤلاء الرجال، انها معضلة بدون نهاية والخشية هي من أستمرارها حتى بالنسبة للأجيال الحالية، لانه بنظرة بسيطة للواقع الآشوري المعاصر يظهر بأن الآشوريين لا يقرأون  تاريخهم فحسب وأنما أيضا لايكتبون منه شيئاً، ومن لا يكتب تاريخه سيكتبه غيره وبالشكل الذي يرتأيه ويحقق مصالحه لا بالشكل الذي يخدم مصالح صاحب التاريخ. هكذا كان الحال مع أباءنا واجدادنا فغيرهم كتبوا تاريخهم طبقاً لمصالحهم وسببوا بكتاباتهم المختلفة والمتناقضة الكثير من التشويه والتزييف لا لتاريخ الآشوريين فحسب وإنما أيضاً لهويتهم وتسميتهم القومية والتي نعانيها في هذا اليوم ونحسسها بمرارة، وهو نفس الاحساس الذي سينتاب أبناؤنا وأحفادنا اذا لم نكتب تاريخنا بنفسنا وبأقلامنا. وقد يكون العذر مقبولا عندما نعرف بأن أباءنا وأجدادنا كانو "أمييون" لا يعرفون من فنون الكتابة شيئاً ولايدركون أهمية كتابة التاريخ للأجيال القادمة، ولكن كيف والحال مع مجتمعنا الحالي الذي يزخر بالمثقفين والمتعلمين والاختصاصيين والسياسيين والمهتمين بمصائر هذه الأمة، لابل وحتى أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية لا تكتب شيئاً عنها وعن نشاطاتها وتكويناتها فكيف ستعرف الاجيال القادمة بوجود هذه المنظمات وبنشاطاتها وكيف تتواصل ذكريات الأمة من دون كتابة هذه الذكريات، فهنا العذر مهما كان سيكون حتماً عذراً غير مقبولاً على الاطلاق ذلك لان الجميع وبالاخص المثقفين والقوميين منهم أمام مسؤولية تاريخية لا يتحمل غيرهم عواقبها الوخيمة لانها مسؤوليتهم الأولى والاخيرة في كتابة تاريخ أمتهم. فالحركة الديموقراطية الآشورية على سبيل المثال لا الحصر، تعتبر أكبر حزب سياسي في تاريخ المعاصر وحقق إنجازات قل مثيلها في القرن الماضي ولا يشك أحد بكثرة مفكريها ومثقفيها من أعضاءها ومن المؤيدين والمناصرين لها ومن المؤكد لها أمكانيات توثيق تاريخها في مجلد ضخم منذ تأسيسها ولنقل حتى عام 2003 شاملاً مراحل تأسيسها ومؤتمراتها وإستراتيجيتها وهيكليتها ليصبح مثل هذا المجلد مصدراً تاريخياً لنضال أمتنا للأجيال القادمة، لا بل ويصلح هذا الموضوع كرسالة جامعية لنيل شهادة الماجستير أو الدكتوراه في علم السياسة أو في علم التاريخ السياسي ... فكرة ... فهل من مستجيب.


265
حقائق غير منشورة عن النادي الثقافي الآشوري في بغداد

                                                                                                                                      أبرم شبيرا

عاتبني صديقي العزيز خوشابا سولاقا، رفيق درب بداية وعينا القومي وحركتنا السياسية على ما كتبته عن النادي الثقافي الآشوري في مقالة سابقة نشرت في موقع عنكاوه دوت كوم الموقر، عاتبني لعدم ذكري بعض الأمور المهمة والحساسة، خاصة مرحلة صب الأسس القومية الواعية للنادي الثقافي الآشوري منذ بداية تأسيسه وحتى إضمحلاله وموته تنظيماً وليس فكرياً كما ذكرت في المقالة السابقة وكذلك لعدم الإشارة إلى أسماء رواد الفكر القومي في النادي من جهة، بينهم هو وأنا وغيرنا من أصدقائنا الأعزاء، والذين كانوا معروفين بـ "المستقلين" في مقارنتهم مع المنتميين إلى حزب البعث والشيوعي والكردستاني، وإلى أسماء بعض الرموز التي لعبت دوراً هداماً، سواء بقصد أو بفكر هادف إلى دفع النادي إلى الحالة المزرية التي وصل إليها أو التي حاولت بكل الطرق والأساليب الشيطانية البعثية إغلاق النادي ودفنه وهو حي من جهة ثانية. وهنا أود أن يركز القارئ اللبيب على موضوع إغلاق النادي وقتله. وأستند صديقي العزيز في عاتبه لي على مقولة "الأمانة التاريخية" التي يستوجب ذكر الحقيقة من دون مجاملة أو "نسيان الماضي" لأن مثل هؤلاء الرموز الهدامة لا يرغبون في "تهدئة" الأوضاع ونيسان الماضي بل يهلهلون فرحاً وإبتهاجاً للغوص فيها وعرض عضلاتهم الدونكيشوتية عن طريق الإساءة إلى بعض الرموز القومية وتلويث أسمهم ولأغراض بناء حالة نرجسية خاصة بهم تظهرهم كأبطال لهذه الأمة في حين يضعون الإخرين في خانة التخوين وتلويث الأسماء النظيفة. ويظهر بأن رفيقي العزيز خوشابا كان محقاً ومدركاً وواعياً لمثل هذه الأمور ولمثل هذه الرموز. وجوانب من هذه الأمور تظهر في المقالة التي كتبها السيد تيري بطرس بعنوان (عندما فصلت من النادي الثقافي الآثوري في بغداد) والمنشور في موقع عنكاوه دوت كوم، وهو عنوان مقالة غريب لا علاقة له بمتن الموضوع ويظهر كاتب المقالة نفسه كانه كان من الشخصيات البارزة في النادي والفاعلة في رفعة سمعة النادي وخائف عليها في الوقت الذي أنتمى هو وأصحابه إلى النادي وركبوا موجبته القومية والنادي في ذروة وعيه ونشاطه القومي الذي أرسى أسسه الشباب القومي المستقليين الذين ذكر السيد تيري أسماؤهم في مقالته. ولكن على أية حالة يظهر بأن حالة الإرتباك والتردد سيطرت على كاتب المقالة وأدى ذلك بالنتيجة إلى ظهور الطلاق بين عنوان الموضوع ومتنه لأن معظم الذي ذكره في المتن لم يكن له علاقة مباشرة بمسألة فصله من النادي ولا أسباب فصله والأنكى من كل هذا فأنه حشر أسمي بشكل لا مقصد له غير الإساءة إلى الأسماء الخيرة من أبناء أمتنا  في الوقت الذي تجنبت أنا الإساءة إلى أي شخص في مقالتي السابقة عن النادي لأن هذا ليس أسلوبي رغم إساءة البعض الكبيرة للنادي ولأعضاءه الخيرين.

في الحقيقة لست من الذين يركضون وراء المواضيع والأفكارالتي لا تتفق أو تتعارض أو تنتقد ما أكتبه خاصة عندما تتجاوز حدود اللياقة الفكرية والأدبية ولكن هنا أكتب هذا الموضوع إستجابة لصديقي العزيز خوشابا على ذكر الحقيقة كما هي فيما يخص النادي... مولده حياته وموته وتحديداً فيما يخص ذكر السيد تيري إسمي ولأكثر من مرة في مقالته بعيداً عن الحقيقة وفهم كوامن السياسة القومية في تلك الفترة والتي يوحي من ذكره لإسمي تشويهاً لسمعتي أمام أبناء أمتي الأعزاء عندما أعتبرني من المفروضين من قبل الأمن العامة كعضو في الهيئة الإدارية للنادي متجاهلاً بقصد أو بغير قصد ظروف النادي في تلك الفترة التي أدت إلى أن أكون عضواً في الهيئة الإدارية وغيري من الخيريين من أبناء أمتنا المعروفين بنزاهتم وإستقلال قرارهم. وقبل هذا وذلك أود أن أدخل في بعض التفاصيل التي رافقت السنوات الأولى لتأسيس النادي والتي لها علاقة بالحالة التي وصل إليها النادي والأسباب الحقيقية الموضوعية والداخلية التي كانت من وراءها.

في بداية السبعينيات من القرن الماضي حاولت سلطات النظام البعثي في العراق إلباس نفسها بلباس الديمقراطية فاصدرت العديد من القوانين والقرارات منها إطلاق سراح المسجونين السياسيين وإرجاع الموظفين المفصولين  لأسباب سياسية إلى وظائفهم والدخول في تحالفات مع الشيوعيين والقوميين وغيرهم من التجمعات والشخصيات الوطنية والمستقلة ومنح الحكم الذاتي لكردستان العراق ومنح الحقوق الثقافية والإدارية للتركمان وللناطقين بالسريانية (من الآثوريين والكلدان والسريان). فضمن هذه الظروف أصبح للآشوريين ثقلاً في موازين القوى المتصارعة في العراق من بعثيين وشيوعيين والحركة الكوردية لاسيما والنظام البعثي كان يدرك مدى إنضمام أو تعاطف الآشوريين مع الحزب الشيوعي العراقي وإنخراطهم في الحركة الكوردية والإنتماء إلى الحزب الديموقراطي الكوردستاني. فضمن هذه السلسلة من "الإنجازات" كان قد أتى منح النظام البعثي رخصة تأسيس النادي الثقافي الآشوري في بغداد من دون أن يكون لحزب البعث العراقي وأذنابه من بعض الآشوريين المتعاملين معه حزبياً أو أمنياً (العملاء) أي دور في تأسيس النادي أو في إدارته في السنوات الأولى واللاحقة مما أثار ذلك حفيظة العملاء وحقدهم على النادي والمسؤولين عن إدارته. فظهر في مقدمة هؤلاء العميل المدعو وليم شاؤول الذي يستحق أن يطلق عليه (مجرم رقم واحد) لأنه فعلاً أجرم بحق أبناء أمتنا الشرفاء ونصب الفخاخ للكثيرين منهم وكتب تقارير أمنية كثيرة إلى أسياده في مديرية الأمن العامة للإيقاع بالناشطين في النادي وفي الحقل القومي الآشوري فكان أعتقال المطربين الآشوريين الثلاث (سامي ياقو و داود إيشا وألبرت أوسكار) نتيجة أحدى تقاريره الأمنية. ولم أنجو أنا شخصياً من هذه التقارير حيث كتب العديد منها إلى مديرية الأمن العامة والدوائر الأخرى المرتبطة بها عن نشاطي القومي والثقافي في النادي إلى حد أنه أتهمني في أحدى تقاريره بأنني شتمت وحقرت وزير الداخلية في أحدى إجتماعات الهيئات الإدارية للأندية "السريانية"،  ولكن رغم ذلك لم تؤدي إلى نتيجة بعد التحقيقات وعدم إمكانية ثبوت التهم الزائفة بحقي. وذات مرة كان قد وصل حقده وغباءه إلى درجة تهديد مجموعتنا القومية المعروفة بالمستقلين في النادي بالكتابة إلى أسياده في الأمن العامة وإلصاق بنا تهمة تفجير أنابيب النفط في مدينة كركوك في الوقت الذي كان معروفاً للعالم أجمع بأن الفعل كان من قبل بعض العناصر من الحركة الكردية. وفي ذات مرة تم إستدعائي إلى مديرية الصحافة في وزارة الأعلام والثقافة في بغداد بسبب كتاباتي في مجلة المثقف الآثوري التي كان يصدرها النادي الثقافي الآشوري فهددني المدعو هاشم شبيب مدير الصحافة في الوزارة، وهو عنصر إستخباراتي تولى مسؤولية الدعاية لحزب البعث بين الآشوريين في بلدان المهجر في تلك الفترة، بالعقاب وإغلاق المجلة وتحويل إمتيازها إلى نادي سنحاريب التي كان وليم شاؤول يرأس هيئتها الإدارية ونصبه رئيساً لتحريرها لأنه قدم طلبات كثيرة بهذا الشأن للإستيلاء على المجلة. وكان العميل وليم قد منح هذا العنصر الإستخباراتي عضوية فخرية له في ناديه السنحاريبي. وليس بخاف على أحد الدور القذر الذي لعبه هذا العميل في تسميم أعضاء الإتحاد الآشوري العالمي أثناء إنعقاد مؤتمرهم الحادي عشر في سدني في إستراليا عن طريق تقديم حلويات منٌا السما إليهم. وهناك حادث آخر لد مدلولات بهذا الشأن. ففي أحدى الليالي أنفجرت "قنبلة" موضوعة تحت غطاء (بونيت) سيارة العميل وليم شاؤول وتبينت فيما بعد بأنها لم تكن إلاى مادة متفرقعة بدائية ومن صنع محلي ولم تسبب أضرار تذكر لسيارته ولم تجري الجهات الأمنية تحقيق جدي بهذا الشأن رغم أن احد أعضاء الحركة الديموقراطية الآشورية ذكر لي في حينها بأن الحادث من تدبير الحركة، إلا إن الأمر كان واضحاً وهو محاول العميل وليم شاؤول إستغلال هذا الحادث لجلب إنتباه السلطات الأمنية إليه وفي إعتباره شخص مهم ومستهدف من قبل القوميين الآشوريين. هذا العميل هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في التسعينيات من القرن الماضي ومن هناك كان يتجسس لصالح النظام البعثي في العراق فأكتشفته السلطات الأمريكية وحكمته بالسجن وفي التحقيقات ذكر أسماء الأشخاص الذين كانوا يتعاونون معه أثناء عمالته للنظام في العراق، ولا نعرف فيما إذا كان لايزال في السجن أم أطلق سراحه بشروط مقيدة منها وضع الطوق الألكتروني على قدمه لمراقبة وتقييد حركاته.

كان من الطبيعي لهذا الضبع العميل أن يلبس جلد الخراف ويظهر نفسه كقومي آشوري يحب مصلحة الأمة و"يناضل" من أجل حقوقها القومية... فألتف حوله عدد من الطلاب الآشوريين المندفعين والمبهرين بأفكاره "القومية" فأصبح يقودهم كمجموعة طلابية خاضعة للإتحاد الوطني لطلبة العراق التابع لحزب البعث وركز نشاطه التخريبي على النادي الثقافي الآشوري خاصة بعد أن فشل فشلاً ذريعاً في أن يكون له ولمجموعته أي دور في النادي. وبالمقابل ظهرت مجموعة أخرى من الطلاب الآشوريين غيرمرتبطين به ومدركين بأفكاره ومشاريعه الشيطانية فقاموا بنشاطات قومية ساهمت في تعزيز النشاطات الثقافية والإجتماعية في النادي. فما كان من هذا العميل وليم وأتباعه إلا أن يلجأوا إلى أساليب خبيثة وشيطانية للإيقاع بهؤلاء وبالنادي أيضا وبالتالي التسبب في إغلاقه فقاموا خلسة بوضع مناشير سياسية قومية متطرفة جداً عن حقوق الآشوريين والمطالبة بها على جدران النادي موقعة بأسم "الطلبة الآشوريين القوميين" وعندما أكتشفت الهيئة الإدارية للنادي أمر هذه المناشير بأنها مكتوبة بخط يد العميل وليم شاؤول من خلال مقارنتها بأحدى دفاتره الجامعية قامت الهيئة الإدارية للنادي وإتباعاً للأصول الرسمية بتقديمها إلى الجهات الرسمية والأمنية غير أنها لم تتخذ أي إجراء بحق الفاعل رغم الإثباتات الثابتة بحق فاعل هذا الفعل. وهنا من الضروري أن نفرق وبشكل واضح الفرق الكبير بين النفر القليل جداً من الآشوريين ومنهم الذئب المستنجع وليم شاؤول عن بعض الآشوريين المنتمين لحزب البعث الذين لم يكن إنتماؤهم لهذا الحزب سبيلاً لأذية أبناء أمتهم والتجسس عليهم والإيقاع بهم بتقارير شيطانية بل ظلوا محترمين لأنفسهم وبالتالي محترمين من قبل الغير. وللمثال وليس للحصر نذكر السيد سامي خوشابا لاجن الذي كان يقود الطلبة الآشوريين المعارضين لوليم شاؤول ومجموعته الطلابية ولم يسبب حسب معرفتي أية أذية أو تخوين لأبناء أمتنا أو للنادي. والسيد سامي الذي هو الآخر هاجر إلى الولايات المتحدة ثم أكتشفت السلطات الأمريكية أمر عدم ذكره في أوراقه الخاصة بإقامته في أميركا إنتماءه إلى حزب البعث العراقي لذلك تم أعتقاله ولا ندري فيما إذا لايزال في السجن أم أفرج عنه.

كل هذا الفشل وحالة الإحباط التي أصاب بها العميل وليم شاؤول وجماعته في السيطرة على النادي أو التسبب في إغلاقه قادهم إلى تأسيس نادي آخر تحت تسمية براقة "نادي سنحاريب العائلي" كنادي إجتماعي وثقافي ورياضي وفي نفس الوقت يتعاطى المشروبات الكحولية ليكون من جهة طعماً لجلب الآشوريين إليه ومن جهة أخرى لمحاربة النادي الثقافي الآشوري، فنصب نفسه رئيساً لهذا النادي والسيد نمرود بيتو يوخنا نائباً له، والذي كان من مؤسسي الحزب الوطني الآشوري والسكرتير العام له لسنوات عديدة ووزير سابق للسياحة في حكومة كردستان والسيد كوركيس ياقو باكوس عضو الهيئة الإدارية ورئيس اللجنة الثقافية في النادي والذي كان من مؤسسي الحزب وفي قيادته لسنوات عديدة وحالياً مستشارا لشؤون المسيحيين لرئيس وزراء العراق نوري المالكي وعدد آخر من جماعة وليم شاؤول الذين كانوا أعضاء بارزين في ناديه "السنحاريبي" والذين أصبحوا فيما بعد أعضاء في الحزب الوطني الآشوري سواء في القيادة أم في القاعدة وكان السيد تيري بطرس أحد أعضاء هذا الحزب كما يصرح بذلك في مقالته السالفة الذكر وأيضاً كان معروفاً من مقالاته في الدفاع عن هذا الحزب ومعاديتة للحركة الديمقراطية الآشورية.

في فترة زيارة المناضل ماليك ياقو ماليك إسماعيل للعراق قمنا نحن المعروفين بـ "القوميين المستقلين" بزيارته عدة مرات ليس لغرض معين أو التعاون معه في مهمته بل لتحذيره بشكل غير مباشر وتلميحي )لأن المسكن الذي ضيفته الحكومة العراقية فيه كان ملغماً بأجهزة تنصيت للتنصت على حديثه مع زواره) من الأساليب الشيطانية التي قد يلجاً إليها بعض من عناصر حزب البعث خاصة من الآشوريين المنتمين إليه وبالتالي الإساءة إلى سمعته وإلى هدف زيارته للعراق لأننا كنًا نعرف بأن سياسة الحكومة تجاه الآشوريين لم تكن إلا تكتيكية لغرض توريطهم في صراعهم مع الكورد.. ويذكر السيد تيري بطرس بأن حزبه "الحزب الوطني الآشوري" كان يتعاون مع ماليك ياقو ولكن لم نعرف ماهو شكل هذا التعاون ولم نسمع عنه إطلاقاً خاصة وأن العناصر البعثية والأمنية وعملاءهم كانوا يحكمون الطوق على النشاطات القومية الآشورية في الوقت الذي كان العميل وليم شاؤول ومجموعته الطلابيه يزورون ماليك ياقو لغرض مفاتحته لتأسيس حزب سياسي آشوري. ولتأكيداً هذه الحقيقة كنت في أحدى زياراتي لسوريا في عام 1997 قد أجريت مقابلة مع السيد زيا أبن ماليك ياقو الذي رافق والده في معظم جولاته ومنها زيارته للعراق فأفادني كثيرا عن مهمة والده والإتصالات التي كانت تجريها مديرية الأمن العامة مع والده والوفد المرافق معه وأدرجتها في كتابي المعنون (الآشوريين في الفكر العراقي المعاصر، دار الساقي، بيروت/لندن، ط1، 2001، ص 41) وذكر لي أيضا أتصالات العميل وليم شاؤول ومجموعته الطلابية ومفاتحة والده لغرض تأسيس حزب آشوري تحت مسمى (حزب البعث الآشوري) غير أن والده رفض الفكرة خاصة وأن الإتحاد الآشوري العالمي كان يقود مهمة التفاوض مع النظام العراقي حول حقوق الاشوريين في العراق. وهذه المعلومة لم أذكرها في كتابي السالف الذكر وذلك تجنباً لمسايرة الأقاويل التي كانت تروج من قبل البعض المعادي للحزب الوطني الآشوري بأن هذا الحزب هو نفسه حزب البعث الآشوري الذي طرح العميل وليم شاؤول ومجموعته الطلابيه موضوع تأسيسه على ماليك ياقو. ولا أدري إذ كان السيد تيري بطرس ضمن هذه المجموعة أم لا، ولكن من المؤكد بأن السيد كوركيس ياقو باكوس المذكور أسمه في أعلاه، الذي كان تربطه علاقة صداقه معي في لندن، كان هو وغيره من الذين أسسوا فيما بعد الحزب الوطني الآشوري أو الذين أنتموا إليه من ضمن مجموعة وليم شاؤول. ففي حديث خاص بيننا في النادي الآشوري في لندن قبل سنوات قلت للسيد كوركيس ياقو: كيف قبلتم التعاون والعمل مع وليم شاؤول وهو معروف للداني والقاصي وحتى لأي طفل آشوري بأنه عميل للأمن العامة وبغدره للقوميين الآشوريين بكتابة التقارير عنهم؟ فقال: كنًا مخدوعين بالأفكار القومية التي كان ينادي بها وبضرورة محاربة "المنحرفين" سواء من الطلاب الآشوريين الآخرين أو الأعضاء في النادي الثقافي الآشوري فعملنا معه إلى حين إكتشفنا طبيعة عمالته للأمن العامة ضد أبناء أمتنا. فقلت له: كيف أكتشفت أمره مع العلم بأن عمالته كانت مكشوفة للكثير من أبناء أمتنا والمفروض منكم أنتم القوميين أن تكونوا واعيين قبل الآخرين بمثل هذه الأمور؟ فقال: "ذات مرة ذهبت إلى زيارته في بيته الكائن في شارع 72 في شارع الصناعة/تل محمد  في بغداد فعندما طرقت الباب خرجت زوجته وقالت لي تفضل بالجلوس وأنتظر لأن وليم في الحمام وبينما كنت جالساً والطاولة أمامي شاهدت محفظة وليم مفتوحة وفيها هوية صادرة من مديرية الأمن العامة بأسمه وفيها مذكور رتبته الأمنية بمسمى وظيفي "عريف أمني" فما كان مني إلا أن أترك البيت قبل خروج وليم من الحمام الذي تأخر فيه كثيراً ومنذ تلك الفترة إنقطعت علاقتنا به". طبعاً كان من الصعب تصديق قصة صديقي كوركيس ياقو ولكن هذا ليس موضوعنا بل ما أريد تأكيده هنا هو كون هذه المجموعة التي أسست حزب الوطني الآشوري من ضمن مجموعة وليم شاؤول وأعضاء في ناديه الذي كان وكراً للتأمر على القوميين الآشوريين وعلى النادي الثقافي الآشوري.

يذكر السيد تيري بأنه دعي للإنتماء إلى "حزب الأخاء الآشوري" إلا أنه بسبب إنقطاع الإتصالات معه لم ينتمي إليه، بهذا التلميح يعني بأن السيد تيري وحزبه " الوطني الآشوري" الذي أنتمى إليه فيما بعد كان على دراية بحزب الأخاء الآشوري وبمؤسسيه وقادته منهم المرحوم توما الزيباري وأبنه الشهيد يوسف توما. ومن المعروف عن حزب الأخاء الآشوري بأنه كان من بين التنظيمات الرئيسية القومية والمستقلة والمعروفة بنزاهتها وعدم إرتباطها بجهات مشبوهة والتي أسست الحركة الديمقراطية الآشورية ولكن من الغريب أن لا يكون الحزب الوطني الآشوري، الذي كان يطرح أفكار قومية وبعضها متطرفة، من بين هذه التنظيمات المؤسسة للحركة الديمقراطية الآشورية ولم يكن في تنسيق أو تعاون معها في مواجهة التحديات المصيرية لأمتنا والذي من المفترض أن يكون مثل هذا التحالف أو لنقل التنسيق قائماً بينهم، لا بل على العكس من هذا تماماً فقد طرح الحزب الوطني الاشوري نفسه كند قوي ومعادي للحركة الديمقراطية الآشورية وشن حملات أعلامية وكتابية ضدها وكانت كتابات السيد تيري من ضمن هذه الحملات وأستمرت حتى تركه للحزب الوطني الآشوري. وهناك إشارة يستوجب ذكرها وهي أنها بعد إنهيار النظام البعثي في العراق وما صاحب ذلك من تطورات دراماتيكية على المستويين القومي والوطني شرع  الحزب الوطني الآشوري بتبني خطاباً سياسياً قومياً أكثر إعتدال فأخذ ينحو منحى آخر أكثر تقارباً مع التنظيمات الآشورية الأخرى خاصة مع الحركة الديمقراطية الآشورية وتجلى ذلك في إختفاء حرب الحزب الإعلامية ضد الحركة ومن ثم الدخول معها في تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية والعمل سوية كما أن الحزب بعد أن كان يرفض ويحارب التسمية المركبة لأمتنا بدأ يأخذ بها هو الآخر كشكل من أشكال المرونة السياسية في العمل القومي الوحدوي وهذا أمر طبيعي بل إيجابي في تطور أفكار وسياسيات الأحزاب السياسية وأستمر الحزب في سياسته القومية المعتدلة أكثر خاصة بعد  ترك العناصر الرئيسية والقيادية والمؤسسة للحزب الوطني الآشوري وأصبح وضعه أكثر مقبولاً لدى أبناء أمتنا. كل هذا ذكرته ليكون خلفية للدخول في موضوعنا عن النادي.

في النصف الأول من السبعينيات من القرن الماضي، وبعد إنكشاف أمر عمالة وليم شاؤول  وإنفصال مجموعة حزب الوطني الآشوري عنه بدأت بمحاربته عن طريق الإنتماء إلى النادي الثقافي الآشوري كمجموعة شبابية طلابية قومية فحصل في جوانب معينة تعاون مع القوميين المستقلين خاصة في مواجهة التحديات التي كانت تأتي من الأحزاب العراقية كالبعث والشيوعي والكردستاني ومن بعض المنتفعين والمتملقين لهذه الأحزاب، وتمثل جانب من هذا التعاون في تصويت أعضاء حزب الوطني الآشوري ومن بينهم الطلاب الجامعيين لصالح السيد إيشو دنخا يقيرا الذي فاز برئاسة النادي من بين ثلاثة منافسيين له ولم يتجاوز هذا التعاون إلى التحالف مع مجموعتنا القومية المستقلة كما يدعي السيد تيري. فموضوع مجئ السيد إيشو دنخا إلى النادي وإنضمامه إليه ومن ثم فوزه بالرئاسة كان من بدايته وحتى نهايته من نتائج المفاوضات التي أجراها القوميون المستقلون ومنهم أنا شخصياً وصديقي خوشابا سولاقا. ففي تلك الفترة تم مفاتحة الشخصية القومية المعروفة رابي يوسف نمرود كانون لتشكيل تنظيم آشوري قومي بأعتباره صاحب خبرة طويلة في هذا المجال ومسجون سابق بسبب نشاطه القومي فهو بدوره طلب منًا أن نتصل بزميل له (مسجون سابق معه ولنفس السبب) وهو السيد إيشو دنخا الذي كان يعمل في البنك المركزي العراقي بصفة مدير صيانة. وبعد العديد من الإتصالات والإجتماعات توصلنا إلى قرار ترشيح السيد إيشو دنخا لرئاسة النادي كبادرة أولية لحين أن تتاح الظروف لتأسيس تنظيم سياسي آشوري. غير أن الأمن العامة وبوشاية من بعض الأعضاء البعثيين في النادي الذين خسروا إنتخابات الرئاسة تم إلغاء فوز السيد إيشو برئاسة النادي وترقين قيده من سجلات النادي وعلى أساس تهمة باطلة وهي أن له ميول شيوعية، وهي تهمة كانت في تلك الفترة خطيرة... وفي السنوات اللاحقة شخصياً قدمت طلباً إلى الهيئة الإدارية للنادي للإعتراض على قرار ترقين قيد السيد إيشو من سجلات النادي لمخالفته للقانون ولكن لم نفلح بسبب عدم رغبة الهيئات الإدارية في فتح السجلات القديمة التي قد تؤدي مرة أخرى إلى المواجهة مع الجهات الأمنية. هذه الحقيقة أذكرها للأوكد بأنه لم يكن هناك أي تحالف مع الحزب الوطني الآشوري ولا مع أي من أعضاءه بخصوص إتيان السيد إيشو دنخا إلى رئاسة النادي بل كان بالتمام والكمال من فعل مجموعة القوميين المستقليين.

أما الجانب الآخر من التعاون مع الحزب الوطني الآشوري بخصوص النادي الذي لم يذكره السيد تيري فقد تمثل في قبول ترشيح السيد نمرود بيتو يوخنا لرئاسة النادي في دورته الإنتخابية للهيئة الإدارية الثامنة (1977.12.3 – 1978.9.8) بعد أن ملً أعضاء النادي خاصة القوميين منهم من إدارة النادي من قبل العناصر الكلاسيكية والبدء بزج الدماء الشابة الجديدة في إدارته... وعليه فقد  فاز السيد نمرود  بـ (82) صوتاً ضد منافسه وترشيح أبرم داود شبيرا كنائب للرئيس الذي فاز بـ (129) صوت ضد منافسه كما فاز في هذه الإنتخابات بعض من أعضاء الحزب الوطني الآشوري وأنصاره منهم السيد كوركيس ياقو باكوس وعوديشو ميخائيل وشموئيل نوئيل. غير أنه بسبب "الحروب الدونكيشوتية" التي كان يشنها هؤلاء ضد الآخرين وبالأخص المعارضين لهم ولأفكارهم المتطرفة خاصة في طرحهم لأساليب لم يكن غرضها غير تأجيج الصدام مع السلطات الأمنية والرسمية وتحقير غير المنتمين إلى جماعتهم فلم يستمر التوافق معهم مما أضطررت إلى تقديم إستقالتي من منصبي كنائب للرئيس وترك الهيئة الإدارية فما كانت منها إلا أن أستغلت غيابي عن ثلاثة إجتماعات لها فتم صدور قرار بفصلي من الهيئة الإدارية... وهكذا أستمرت الهيئة الإدارية بزعامة قيادة الحزب الوطني الآشوري في خوض حروبها الدونيكشوتية ضد الجميع حتى مجيء يوم الإنتخابات في 1978.12.02 والتي رشح فيها السيد نمرود نفسه مرة أخرى لرئاسة النادي ومع بعض من جماعته لعضوية الهيئة الأدارية، وفي اثناء المداولات خلقت بعض الجهات مشكلة بين أعضاء الهيئة الإدارية والحاكم المختص والمشرف على الإنتخابات بسبب عدم جلب بعض الأعضاء هوية النادي معهم وبالتالي عدم إمكانية ثبوت عضويتهم فما كان من الحاكم المشرف إلا أن يقرر تأجيل الإنتخابات إلى فترة تجاوزت تسعة أشهر تقريباً. فبقيت نفس الهيئة الإدارية مسؤولة رسمياً، أما من الناحية الفعلية فلم يعد هناك أي نشاط يذكر أو فعالية قامت الهيئة الإدارية به فأصبح بحكم المغلق خاصة بعد أن أستقال منها عناصر نشطة وفعالة منهم الفنانه رمزية نيقاديموس رئيسة اللجنة الفنية والأديب اللغوي شليمون إيشو رئيس لجنة التحرير والنشر (حاليا كاهن يخدم في بلدة سرسنك) كما رفض أعضاء الإحتياط احلال محل المستقليين من الهيئة الإدارية فأصبح النادي في حالة يرثى له، وهو ما كان يحلم به العميل وليم شاؤول، ينتظر من ينتشله من الركود ويعيده إلى مسيرته المعروفة.

في كتابي المعنون (النادي الثقافي الآشوري – 1970 – 1980 – مسيرة تحديات وإنجازات) ص 48 وما بعدها ذكرت ما يلي:
الأمواج العاتية تصنع القبطان الماهر, هكذا أفرزت الظروف العصيبة التي عصفت بالنادي طيلة الشهور الماضية، أعضاء بمستوى المسؤولية والوعي على ضرورة حماية النادي وإنتشاله من الوضع الذي حشر فيه، فأدرك هؤلاء الأعضاء بأن الظروف السلبية والقاهرة التي مر بها النادي ستكون مبرراً للعناصر الأمنية والحزبية (البعثية) لفرض مؤيديهم على النادي والهيمنة على الهيئة الإدارية سيما بعد تهرب الكثير من الأعضاء (خاصة الأبطال الدونكشوتيين) من خوض غمار تحمل مسؤولية الهيئة الإدارية في هذه الظروف المأساوية. فمن هذا المنطلق تقدم تسعة أعضاء النادي المخلصين فتحملوا شرف مسؤولية الهيئة الإدارية وفي أحرج ظروف يمر بها النادي. ففي 1979.09.08 وبحضور الحاكم المشرف على الإنتخابات تم إنتخاب الأديب واللغوي عوديشوا آدم ميخائيل رئيساً للنادي والمهندس فيليب شمعون نائباً للرئيس والسيد أنطوان سابر أميناً للسر والسيد بنيامين شندو أميناً للصندوق والسادة التالية أسماؤهم أعضاء للهيئة الإدارية : المهندس إسماعيل بطرس والسيد عمانوئيل قمبر (حاليا بروفسور في الفيزياء النووية في أحدى أكبر الجامعات الأمريكية) والمهندس توما روئيل يوخنا والكاتب والفنان المعروف كوريل شمعون والكاتب أبرم شبيرا فتولوا هؤلاء مسؤولية الهيئة الإدارية التاسعة (1979.09.08 – 1980.09.15). فمن المعروف عن هؤلاء بأن معظمهم من قدماء أعضاء النادي وأكثر نشاطاً ومعروفين للكثير من أبناء أمتنا بنزاهتم وإخلاصهم في عملهم تجاه النادي وإن كان من بينهم فرد أو فردين منتمين رسمياً إلى حزب البعث بحكم وظيفتهم الحكومية إلا أنهم كانوا نزيهين في أفكارهم ولهم توجهات قومية صادقة إلى درجة كانت السلطات الأمنية غير راضية عنهم في تولي مثل هذه المسؤولية لأنهم لم يكونوا مثل غيرهم الذين يكتبون التقارير للسلطات الأمنية عن النادي ونشاطاته وأعضاءه القوميين.

يذكر السيد تيري في مقاله السالف الذكر "بأن أسماء هؤلاء المذكورين كانت قد قدمت من قبل جهاز الأمن العام إلى الهيئة الإدارية (التي كانت في تلك الفترة برئاسة السيد نمرود بيتو) ففرضت كهيئة إدارية للنادي متكونة من بعثيين وبعض القوميين ممن اعتقد أنه ينقذ ما يمكن إنقاذه ولكنها لم تتمكن من الإستمرار أكثر من سنة لأن الأمور بدأت تتضح حتى لهم بأن لا مخرج وأن الأمر محسوم حكومياً بإتجاه معين" أن مثل هذا الإدعاء لا أساس  له من الصحة إطلاقاً بل هو من تخيلات السيد تيري الحزبية تجاه القوميين المستقلين في تلك الفترة... إذ لا أدري متى قدم الأمن العامة أسماء هؤلاء  لفرضها على النادي وأنا كنت عضواً في الهيئة الإدارية التي كان السيد نمرود رئيساً لها والهيئة الإدارية كانت قائمة ولا يستوجبها الإتيان بهيئة أخرى. أو قد تكون قد قدمت الأسماء بعد تأجيل الإنتخابات لمدة تسعة أشهر كما ذكرت سابقاً وفي تلك الفترة لم يكن هناك أية هيئة إدارية إذ كانت بحكم المنتهية والمنحلة فعلياً بسبب هروب "الأبطال الدونكيشوتين" ولم يعد لهم حضور إلا في مناسبات قليلة لخلق المشاكل والبلابل بين أعضاء النادي. صحيح هو أن الإنتخابات التي جرت لليهئة الإدارية التاسعة المذكورة أعلاه، وأنا عضو فيها، كانت قد فازت بالتزكية وذلك بسبب تهرب الكثير من أعضاء النادي من تحمل المسؤولية والنادي في حالته المزرية والمشاكل تحيط به من كل صوب وحدب. وأريد أن أزيد السيد تيري علماً بخصوص هذه الهيئة الإدارية بأنها كان قد تم إستدعاء ممثلين عنها فحضرت أنا والدكتور عمانوئيل قمبر إلى مديرية الأمن العامة للمساءلة والتوبيخ بسبب عدم وجود بعثيين في الهيئة الإدارية الجديدة فعندما ذكرنا للمسؤول الأمني بأن هناك السيد (س) بعثي في الهيئة الإدارية  فما كان من المسؤول الأمني إلا أن يستهزئ بنُا ويقول غاضباً: لأنريده فهو لا يفيدنا!! لأنه لم يكن من المذلين الذين يكتبون التقارير للأمن. وهنا أود أن أزيد السيد تيري علماً بأن هذه الهيئة الإدارية التي يعتقد بأنها كانت مفروضة من قبل مديرية الأمن العامة قد قامت بنشاطات ثقافية وفنية وتراثية قومية تزيد عن 19 (تسعة عشر) نشاطاً معظمها تؤكد نفس الخط القومي الذي سار النادي عليه طيلة سنوات طويلة كما قامت بنشاطات فنية تزيد عن 7 (سبعة) نشاطات بما فيها مسرحيات ومهرجانات فنية وغنائية والقائمة طويلة ومذكورة في كتابي السالف الذكر ولم يكن هناك أية إشارة دالة على التحابي والتملق للنظام أو للجهات الأمنية... فمن أين جاء السيد تيري نظريته في كون هذه الهيئة الإدارية مفروضة من قبل الأمن العام؟؟؟ غير من أفكاره التحزبية الضيفة وتوجهاته التكفيرية للأخرين من غير حزبه حزب الوطني الآشوري (السابق).
 
وفي مكان آخر يذكر السيد تيري في مقالته السالف الذكر بأنني كنت ممن حضروا مجلسه مع أصحابه ويشير ويقول: وكان السيد شبيرا ممن أختيروا لإدارة النادي من قبل الأمن العامة وليعزز تأكيده لأسمي فيذكره بصفة (الكاتب أبرم شبيرا)، فإن دل هذا على شيء فهو يدل على جهالة السيد تيري بأمور النادي في تلك الفترة، وأنا لا ألومه على جهالته هذه لأنه كان له وضعاً هامشياً في النادي. ففي تلك الفترة وبعد إنتهاء دورة الهيئة الإدارية التاسعة والتي كنت أنا عضواً فيها وبرئاسة السيد عوديشو آدم جيء بالسيد أفرام منصور ليكون رئيساً للنادي مع مجموعة أخرى من أعضاء النادي ليشكلوا هيئة إدارية جديدة. فتم إنتخابهم حسب الأصول القانونية والرسمية وفازوا بالتزكية لعدم وجود منافسين لهم وذلك بسبب تهرب الكثير من تحمل المسؤولية الصعبة في تلك الفترة كما ذكرت سابقاً. والسيد أفرام منصور رغم كونه منتمياً لحزب البعث إلا أنه كان من أوائل أعضاء النادي ومن الأشخاص المعروفيين بصدقه وأن الشخص الذي أقنعه لتولى رئاسة النادي كان يعمل معه في نفس الدائرة الحكومية وكان من أعضاء الحزب الوطني الآشوري أو من مؤيديه المتحمسين له. وبالنظر لكون الكثير من أعضاء الهيئة الإدارية الجديدة أمام تحديات صعبة وبعضهم حديثي العهد على مثل هذه المهمات الصعبة فقد تم في حينه نوع من التنسيق بين الهيئة الإدارية السابقة التي كنت عضواً فيها وبين الهيئة الإدارية الجديدة لغرض نقل المسؤوليات إليها وإرشادها نحو الطريق الصحيح لنشاطات النادي. وهنا أود أن أذكر بأن مدير شعبة مكافحة الرجعية في مديرية الأمن العامة، وهي الشعبة المسؤولة عن شؤون المسيحيين والآثوريين والمعروف بإسم نقيب خالد (بالمناسبة قتل شر تقتيل في إنتفاضة عام 1991) كان قد حضر أحدى الجلسات المشتركة بين الهيئتين لغرض التخويف والتهديد وفرض أراءه على النادي فذكر وقال بأن هناك فجوة كبيرة جداً بين النادي والسلطات الحكومية وضرب مثالاً على ذلك عندما قال بأنه مساء ليلة رأس السنة حضر إلى حفلة النادي لعام 1979 – 1980  غير أن السيد أبرم شبيرا (كتاب هذا الموضوع) منعه من الدخول وأحرجه أمام الحاضرين ثم أعقب ذلك مشادة كلامية حادة بيني وبينه فكان صراخنا يصل إلى خارج مكتب الهيئة الإدارية للنادي فما كان من رئيس النادي إلا أن يهدئ الوضع وينهي الإجتماع بعدما هددني النقيب خالد بالعقاب الوخيم حال خروجه من النادي. وكان أكثر من عشرة أشخاص حاضرين لهذا الحدث وكنت أتمنى من السيد تيري أن يكون حاضراً هناك ليعرف بأنه مخطاً جداً من تلويث أسمي في كوني عضو مفروض على الهيئة الإدارية للنادي من قبل الأمن العامة.

لا أريد أن أطيل أكثر في هذا الموضوع لتبرئة إسمي من التلويث فهذا لا يحتاج أكثر من هذه السطور ولكن أود أن أبين ملاحظتين قبل ختام هذا الموضوع:

يذكر السيد تيري بأن النادي "كان يترنح وكأنه يسير إلى الموت البطئ فكان الإقتراح المثير وإنني شخصياً كنت من أقترحت مثله، بحل النادي في صورة علنية وأمام الجميع وتحميل الحكومة أسباب ما آل إليه الوضع، بعد أن إغلقت كل مجالات العمل أمام النادي... " والكلام للسيد تيري.. مع العلم بأن حل النادي كان يستوجب حصول موافقة ثلثي أعضاء الهيئة العامة للنادي حسب النظام الداخلي، وهذا أمر لم يكن من السهولة الحصول عليه...  لا أريد أن اعيد ما ذكرته عن سبب الوضع المأساوي الذي أوصل النادي إلى هذه الحالة التي يذكرها السيد تيري ولكن أود أن أشير إلى موضوع حل النادي أي إغلاقه وموته الذي كان السيد تيري قد أقترحه وهو الحلم الذي كان يراود منذ السنوات الأولى العميل وليم شاؤول ومجموعته. وهنا يجب أن أذكر بأنه كان من السهل جداً على السلطات الأمنية وتحت أي مبرر إغلاق النادي ولكن النظام البعثي في العراق كان يخشى كثيراً من إغلاق النادي أو مجلته "المثقف الآشوري" بل كان يريد بقاءه وإستغلال سمعته للدعاية لحزب البعث بين الآشوريين في بلدان المهجر في كونه نظام ديمقراطي منح الآشوريين حقوقهم القومية. ولتأكيد ذلك، ففي أحدى إستدعاءاتي التوبيخية مع المذكور أعلاه هاشم شبيب الذي كان لتوه راجعاً من أوروبا والولايات المتحدة من ضمن وفد "الناطقين بالسريانية" لزيارة الجاليات الآشورية والكلدانية والسريانية هناك قال بأنه يخشى ويقلق كثيراً من إغلاق النادي الثقافي الآشوري ومجلته "المثف الآشوري" أكثر من سجن الشيوعيين وإغلاق جريدتهم "طريق الشعب" لأن هناك الآلوف من الآشوريين في المهجر سيثيرون زوبعة من الدعايات والمسيرات عند إغلاق النادي الثقافي الآشوري أو مجلته وذكر بهذا الخصوص أسم الإتحاد الآشوري العالمي الذي له إتصالات دولية يمكن له "تشويه" سمعة العراق في الخارج.

الملاحظة الأخرى المثيرة للتساؤل هي أن عنوان مقالته هو (عندما فصلت من النادي الثقافي الآثوري في بغداد)... ولكن في نفس الوقت يؤكد بأنه لا يعرف سبب فصله من النادي وأن قرار فصله لم يستد إلى إي فقرة من فقرات النظام الداخلي.... أعتقد بهذا يجانب السيد تيري الحقيقة والواقع أو يتجاهل ذكر أسباب فصله التي كانت واضحة و "قانونية" وإستناداً إلى النظام الداخلي للنادي لأنه في تلك الفترة لم يكن له ولرفاقه شغلاً شاغلاً غير الإساءة إلى الهيئة الإدارية وخلق البلبلة وبث إشاعات في كون الهيئة الإدارية مفروضة من قبل الجهات الأمنية وغيرها من الإشاعات المغرضة ضد النادي وهيئته الإدارية خاصة بعد فشل جهودهم في إغلاق النادي.  فطبعاً في مثل هذه الحالة لم يكن أمام الهيئة الإدارية إلا فصل السيد تيري ورفاقه... فهذه هي أسباب فصله فإن لم يكن يعرفها فليعرفها الآن كما كان يعرفها المئات من أعضاء النادي في تلك الفترة. 

وأخيراً لو كانت هذه "النعمة" التي ينعمها عليً السيد تيري صحيحة لكان اليوم يشير إليً بصفة (الدكتور أبرم شبيرا) حيث كنت في تلك الفترة وللتو قد تخرجت من جامعة بغداد وحصلت على شهادة ماجستير بدرجة إمتياز في العلوم السياسية من جامعة بغداد وكنت الأول على كلية القانون والسياسة، غير أنه بسبب عدم إنتمائي إلى حزب البعث وبسبب مواقفي القومية المستقلة و سمعتي "السيئة" في الأمن العامة رفض قبولي لتكملة دراستي والحصول على شهادة الدكتوراه عدة مرات رغم أنه كانت طلباتي للدراسة في الخارج على حسابي الخاص فكانت حجة "عدم حصول موافقة الجهات العليا المختصة"  العثرة الدائمة في تحقيق حلمي الأكاديمي رغم نجاحي وبتفوق في الأمتحانات التمهيدية والمقابلات الخاصة بالبعثات والدراسة في الخارج. كما حرمت من تعييني كمدرس في الجامعة حسبما كانت تقتضي قوانين وضوابط جامعة بغداد في تعيين الخريجين الأوائل كمدرسين في الكليات التي تخرجوا منها. فلم يكن في تلك الفترة "أسهل" من وضع بصمة الإبهام على إستمارة الإنتماء لحزب البعث أو التودد ومسح كتوف بعض كبار الحزبيين ورجال الأمن للحصول على مثل هذه الموافقة، ولكن مثل هذا الأمر كان بالنسبة لي مستحيلاً لا بل بعيداً حتى عن خيالي. فمنذ تلك الفترة لم أعمل في دائرة حكومية حتى أكون تحت "منية" النظام البعثي وأزلامه فأصبح عملي في شركة بريطانية ضخمة مصدر رزقي ومعيشة عائلتي. فعندما هاجرت الوطن خسرت مادياً ومعنوياً الكثير وتركت كل شيء هناك وأنا غير نادم على ذلك إطلاقاً لأنني جلبت معي ثروة طائلة تمثلت في  ضميري النظيف الذي يجعلني أن أكون فخوراً به وسعيداً جداً في الحياة. فأحمد الله وأشكره مليون مرة على نعمته العظيمة هذه وحتى لا أكون أنانياً فأنني أطلب من الله أن يكون قد أنعم مثل هذه النعمة على السيد تيري وغيره من رفاقه.

     

266
دردشة مع "كلداني" حول موضوع
(لا مناصب وزارية لإعضاء الأحزاب والمنظمات الكلدانية السريانية الآشورية)

==========================================

صديقي "الكلداني" عزيز جداً على فكري وقلبي لا لأننا نتفق على الكثير من القضايا خاصة القومية والسياسية منها ولا لأنه يقربني من ناحية جدتي بل لأنه الجليس المحبب لي دوما والذي يسع صدره لكل المناقشات والإنتقادات، وبالمقابل تعلمت منه الكثير حتى تمكنت من منافسته في إنفتاح صدري وعقلي له وقبول وبرحابة الصدر لكل ما يقوله ويؤمن به وينتقد كل ما أكتبه أو أفكر به. فلا يجامل ولا يخجل ولا يضع "الصداقة ألإجتماعية" بنظر الإعتبار عند دخولنا في مناقشات خاصة الحادة والجادة منها والمتعلقة بالقضايا السياسية والقومية، بل يعتمد كلياً على "الصداقة الفكرية" التي تكون هي الطاغية والرابطة بيننا في طرح كل ما يجول في قلبنا وفكرنا. وبالمقابل يستوجب مني أن أسلك نفس السلوك الفكري والحضاري حتى أحتفظ بصداقته لي وأجد عيوب في ما أكتبه وأفكر به ومن ثم أطوره... حقاً أنه صديق بكل معنى الكلمة، لأنه صادق في مواقفه وأفكاره وبما يؤمن به وما يقوله. فإعتزازي بصديقي "الكلداني" بالأساس مستمد من إعتزازه بكلدانيته، فهو ولد كلدانياً وكذلك أبوه وجده وجد جده ... وسلسلة النسب أطول من هذا...  فكلهم كلدان عرفوا بهذا الأسم وعاشوا معه طيلة قرون طويلة وغيرهم عرفوهم بهذا الأسم وأنه من الإستحالة تركه وتغييره بقرار أو برأي أوبسياسة معينة فللحضارة عمر مديد لا تتغير بجرة قلم أو بقرار سياسي. هذا الأعتزاز والتمسك بكلدانية صديقي وضعته في معضلة، فهو من جانب لا يستطيع أن يتنازل أو ينكر كلدانيته لأنها أصله وتاريخه وحضارته، وهذا جانب من الحقيقة المطلقة التي يؤمن بها صديقي "الكلداني"  ولكن الجانب الآخر من هذه الحقيقة المطلقة هي أن كل مقومات وجود كلدانيته موجودة في جاره الآشوري الساكن على يمينه وفي جاره السرياني الساكن على شماله، فهو يرى فيهما صورته ووجوده الماضي والحاضر، فما يملكه من لغة وتقاليد وعادات وتاريخ وحضارة يملكها أيضا صاحبه الآشوري والسرياني وهؤلاء أيضاً كل واحد منهما يعتز بأشوريته وسريانيته كما يعتز صاحبي "الكلداني" بكلدانيته ويجدون فيه صورتهم ووجودهم الماضي والحاضر. فكلا الجانبين يشكلون بالنسبة لهم وجها العملة، والعملة التي يكون أحدى وجوهها ممحياً أو غير موجود فلا تكون لها أية قيمة ولا تصرف في أي مكان من العالم، فقيمتها موجودة في وجود الوجهين معاً حتى تكون مقبولة من قبل الغير ومعترف بها في كل مكان ويقبل الناس على إقتناءها وإستعمالها للحصول على المكاسب والمنافع.

يعجبني كثيراً في صديقي "الكلداني" سمة عمق تفكيره وسعته خاصة عندما يضرب أمثالاً وقصص في تعزيز فكره وإيمانه.. أتذكر من بين هذه الأمثال والقصص ما يتعلق بموضوع حل معضلته فيقول: أنا "الكلداني" وأصحابي الآشوري والسرياني نسكن في دار منذ زمن طويل وكل واحد له غرفة في هذه الدار التي لها حديقة جميلة وساحرة وفيها أشكال وألوان من الزهور والنباتات النادرة والثمينة والتي ورثناها عن أجدادنا، وللدار مدخل واحد فقط نستعمله جمعياً وسور يحيط بها يحمينا من المؤثرات الخارجية التي بعضها تسعى إلى إحتلال دارنا وطردنا منها والسكن فيها أو تدميرها كلياً وتحويلها إلى خراب. إذن أليس من المنطق والعقل السليم أن نتكاتف أنا الكلداني والسرياني والآشوري بعضنا بالبعض ونربط أيدينا ببعضها ونشكل سلسلة قوية لكي نحمي دارنا. فمن الجنون أن ينزل الكلداني وحده في الساحة لمحاربة المعتدي ويضل السرياني والآشوري نائماً في غرفته، لأنه من المؤكد أن الكلداني لا يستطيع مقاومة المعتدي وحده وإن خسر المعركة فالدور لا محال منه سيأتي على السرياني والآشوري ويقضي المعتدي عليهم واحداً بواحد. والحال أيضاً ينطبق على السرياني والآشوري أيضا فلا يجوز أن يترك أي واحد منهم وحده في الساحة لمقاومة المعتدي لأن مصير السرياني مرتبط بالكلداني وهكذا بالنسبة لمصير الآشوري فالكل يربطهم مصير مشترك لا محال من تفريقه وفصله وإلا الهلاك يكون مصيرهم جميعاً دون إستثناء. إذن لا سبيل لمواجهة التحدي الخارجي إلا أن نكون مجتمعين متوحدين نحن الكلداني والسرياني والآشوري فهذا التوحد هو الذي يجعل المعتدي أن يفكر أكثر من مرتين قبل أن يعتدي على حقوقنا ويحاول أجهاضها ولكن عندما يواجه أو يحاول مواجهة الكلداني أو السرياني أو الآشوري وحده وكل على حده المعتدي الخارجي فإن هذا الأمر سيظهر كعامل ضعف يدركه المعتدي ويشجعه أكثر لتحطيم السور وغزو الدار وتحويل الغرف الثلاثة إلى دمار وخراب وحينذاك لا ينجو منها لا الكلداني ولا السرياني ولا الآشوري... فإما أن نعيش معززين مكرمين أو نموت موت الشرفاء.

ويعجبني أكثر في صديقي "الكلداني" عندما يواصل إستخدام الدار التي على بوابتها الرئيسية لافتة تشير إلى ساكنها الوحيد (الكلداني السرياني الآشوري) كمثال في فهم واقع وحقيقة أمتنا عندما يشرح لي حديقة الدار والأزهار والورود والنباتات الثمينة الموجودة فيها فيقول من حقنا نحن أصحاب الدار أن نستمتع بالنظر إلى حديقتنا الجملية وبأزهارها المبهجة ونباتاتها الثمينة ولا يمكن لي إطلاقاً أن أمنع الآشوري أو السرياني من هذه المتعة ولا من قطع إنفاسه ومنعه من شم رائحة أزهار وورود الحقيقة طالما يسكن معي في نفس الدار، فالمنفعة التي تعطيعها لنا الحديقة تسري في أورقة دارنا وتدخل غرفنا وينتعش بها أفراد عائتنا وأطفالنا ونشرح لهم فائدتها وضرورة المحافظة عليها. من هذه المنفعة الجماعية تظهر المسؤولية الجماعية للكل في المحافظة على الحديقة وحراثتها وسقيها وحراستها من الآفات والأمراض المعدية التي قد تظهر من بيننا وننقلها إليها أو تأتي إلينا من خارج الدار... لهذا الحد أوقفت صديقي "الكلداني" من الإفاضة في أمثاله وقصصه وتحولت إلى شأني الخاصة في طرح هذا الموضوع.

أخيراً أود التوضيح وأقول بأنني أعطيت لصديق صفة "الكلداني" ووضعت هذه الصفة بين هلالين لكي يفهمها القارئ اللبيب بأن لها معنى غير المعنى الذي يستخدمها البعض في تمزيق هذه الأمة العريقة التي ننتمي أنا وهو إليها ونعتز بهذا الإنتماء، هذا البعض الذي يحاول محاولة اليائسين قطع السلسلة الحضارية العريقة التي تربط أكد وسومر وبابل وآشور وأربائيلو ونصيبين وأورهي بألقوش وعنكاوه وتلكيف وتلسقف و بتغديدا وبرطلة و مانكيش و بيتبيده و ديره وكومانه و.... سلسلة طويلة أنجبتها حضارة أباؤنا وأجدادنا العظام، يحاولون قطعها بـ (واو) حقيرة حتى يفرقوا بيني وبين صديقي "الكداني" ويدمروا وحدة أساس وجودنا الذي نبني أفكارنا وطموحاتنا عليه. لهذا من الآن فصاعدا سأذكر الصفة الكلدانية لصديقي بدون هلالين. والحال ينطبق أيضا على الآشوري الذي يحاول بجرة قلم أو خطاب أو مقالة إمحاء الوجود الكلداني من الواقع، ولنا لهذا الجانب من المشكلة لقاء في مناسبة أخرى... فأرجو المعذرة من القارئ الكريم من الإفاضة في أعجابي ومحبتي بصديقي الكلداني ولكن أقول للحق والحقيقة أنه يستحق أكثر مما ذكرته بكثير.

جاءني صديقي الكلداني وكعادته ليدخل معي في دردشة حول المواضيع التي أكتبها وهذه المرة كان الموضوع الذي كتبته بعنوان (لا مناصب وزارية لأعضاء الأحزاب والمظمات الكلدانية السريانية الآشورية) الذي نشر في الموقع الألكتروني لعنكاوه دوت كوم محور دردشتنا... فجاء إليً وهو مبالغاً في ضحكته وقهقهته التي كان يتسرب منها نوع من السخرية والفكاهة فقال لي: يا صديقي العزيز كم من المرات ذكرت لك المثل القائل " لمن تتلو مزاميرك يا داود"... فما الفائدة من تضيع وقتك في الكتابة وأنا أعرف بأن وقتك ضيق ومكرس ساعات طويلة منه لإقتناء خبزك وخبر عائلتك اليومي... أنظر ما الذي حدث بعد كتابتك للموضوع... فقد أستخدم المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (المجلس) حقه في الإستحقاق السياسي فرشح نائب رئيس المجلس لتولي منصب وزير في وزارة إقليم كردستان وتم فعلاً تعينه بمنصب وزير للمواصلات والحال كان قد سبقه فيما يخص منصب الوزير في وزارة الحكومة المركزية في بغداد حيث كان قد عين في هذا المنصب عضو المكتب السياسي للحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) مستخدما أيضا حقه في الإستحقاق السياسي... فالأمر هو أكثر مما طرحته أنت في عدم تعيين أعضاء في الأحزاب والمنظمات الكلدانية السريانية الآشورية بل أنحصر هذا التعيين في أعضاء في قمة القيادة وأقتصر عليهم ولم يشمل أعضاء أقل منهم على المستوى التنظيمي؟؟؟.

أحرجني قول صاحبي وجعلني أن أفكر ملياً قبل الإيجابة فقلت له: قبل كل شيء يجب أن نؤكد تأكيداً قاطعاً باننا عندما نتحدث عن مثل هذه الحالات فالمقصود ليس الشخص نفسه بل المنصب والمركز، فالشخص زائل ويتغير والمنصب باقي. والحال أيضا نفسه عندما نتكلم عن حزب أو تنظيم فليس القصد أسم الحزب بذاته أو التنظيم، فنحن نأخذه كمنظمة سياسية مجتمعية قائمة في المجتمع وناشطه بين أبناء المجتمع ولا يهم هذا الأسم أو ذاك. فنحن لا نشك إطلاقاً في إمكانية أبناء أمتنا سواء الذين تولوا مسؤوليات وزارية أو غيرهم في تولي مثل هذه المناصب وأيضا لنا ثقة بأحزابنا وتنظيماتنا السياسية والقومية في أن تكون بمستوى المسؤولية عندما تكون في المحك وعلى الساحة السياسية في الوطن... ولكن المشكلة هي يا صديقي في فهم هؤلاء موضوع الإستحقاق السياسي لهذا الحزب وذاك التنظيم وكيفية إستخدامه من جهة وطبيعة عملها وأهدافها من جهة أخرى. فقبل كل شيء أن مصدر هذا الإستحقاق هو أبناء أمتنا نفسهم والناجم عن طريق التصويت للمثلي أحزابنا وتنظيماتنا ومن ثم الفوز بعضوية برلمانية وأن هذا الإستحقاق أعطي من قبلهم إلى زوعا والمجلس وعليه يجب أن يكون هذان التنظيمان أوفياء لأبناء أمتنا بالرد الإيجابي لهذا الإستحقاق الممنوح لهم ورد المعروف لهم وعدم حصره في قمة قيادتهما، أي فتح الطريق لأي واحد متمكن ومخلص من أبناء أمتنا للوصول إلى منصب الوزارة أو المناصب الأدنى منه. هنا نأتي إلى موضوع كيفية فهم الإستحقاق السياسي، فهؤلاء يفهمون الإستحقاق السياسي بأن لهم الحق المطلق في إختيار المرشح لمثل هذا المنصب من بين قيادتها فحسب في حين نحن نقول بأننا لا نحرم هذه التنظيمات إطلاقاً من حقها في إستخدام إستحقاقها السياسي ولكن هذا الإستحقاق يجب أن ينحصر في حقها ترشيح أحد أبناء أمتنا المتمكنين والمخلصين لمثل هذه المناصب وليس من بين قيادتها فقط.. فهم يحصرون الإستحقاق السياسي في أضيق حدوده (أعضاء القيادة) في حين أنا أحاول أن أوسعه في أوسع حدوده (أبناء الأمة).

ركن صديقي إلى السكون والتفكير العميق فأعقبه بسؤال ليقول: طالما بالنتيجة يرجع الحق في إستخدام الإستحقاق السياسي لهذه الأحزاب والتنظيمات سواء بترشيح أحد أعضاء قادتها أو أحد أبناء أمتنا من خارج تنظيماتهم فإن القرار يبقى في يدها في كلا الحالتين فما الضرر في ذلك؟ فقلت لصديقي: الضرر الكبير يأتي بالدرجة الأولى على هذه الأحزاب والتنظيمات ومن ثم على أبناء أمتنا. فالخشية الكبيرة والمتوقعة هي أن ممارسة السياسة بهذا الشكل وتحقيق بعض المنافع من وراءها قد يؤدي بمرور الزمن إلى تحول هذه الأحزاب والتنظيمات إلى مكاتب بيروقراطية يتحكم فيها نفر قليل أن لم يكن شخص واحد يلتف حول المنتفعين منه. كان أرسطو في قديم الزمان قد قال بأن السلطة قد تفسد نفوس الحكام وفي عراق اليوم لنا تجارب كبيرة وفاضحة في إفساد السلطة لنفوس المتحكمين على مقدرات الوطن وحصدهم منافع بالمليارات الدولارات والتلاعب بمصير بسطاء الناس، إذن فما المانع من "ممثلي" أمتنا في الهيئات الحكومية من تقليدهم وتحقيق بعض من هذه المنافع كغيرهم من زملاءهم في السلطة؟؟؟ هذا التحول من أحزاب وتنظيمات جماهيرية إلى مكاتب بيروقراطية يجعل البعض أغنياء من حيث الجاه والسلطة والمال ولكن من جانب آخر يصبحون فقراء جداً من حيث الشعبية والجماهيرية، أي بهذا المعنى يفقدون مصداقيتهم عند أبناء الأمة وبالتالي يكون الخاسر الآخر هم أبناء الأمة نفسهم وذلك بخسران ممثليهم الذين أعطوهم ثقتهم وصوتهم ووصلوهم إلى مثل هذه المراكز لا بل أيضا يفقدون أحترامهم لدى غيرهم وأعطاء إنطباع بأن هذه الأمة لا تستطيع أن تنجب غير المنتفعين والمستغلين لمراكزهم الرسمية.

يظهر بأن هذا الموضوع أربك صديقي بعض الشيء لأنه يعرف جيداً كما أعرف أنا بأن مثل هذه المواضيع الإنتقادية لا يرضي أعضاء هذه الأحزاب والتنظيمات خاصة قيادتها وقد تسبب بعض الزعل ونحن غير مستعدين لزعلهم وفقدان صداقتهم لا سيما ونحن في صداقة طويلة وعميقة معهم، فأضاف وبنوع من التردد لكي يكمل موضوعي هذا فقال: أريد أن أضيف نقطة أخرى إلى النقاط التي ذكرتها بخصوص المنافع الشخصية الناجمة من الوصول إلى المراكز الرسمية العليا فقال: لنا وزير بمنصب وزير البيئة في الحكومة المركزية في بغداد وآخر بمنصب وزير المواصلات في حكومة إقليم كردستان فما هي الفائدة التي يجنيها أبناء أمتنا من هذه المناصب وتحديدا من هذه الوزارات... فأهل هناك بيئة خاصة أو مواصلات خاصة بأبناء أمتنا لكي يستطيعوا من خلالها خدمتهم ... أفهل يستطيع وزير البيئة الأعتناء ببيئة ونظامة وتلوث الجو في عنكاوه أو في ألقوش أو في ديره وكومانه؟؟؟ أفهل يستطيع وزير المواصلات تحسين المواصلات بين القرى والقصبات الكلدانية السريانية الآشورية وينتفع منها أبناء شعبنا؟؟؟ إنني أستغرب جداً من الأهتمام الكبير الذي يعطيه هؤلاء للمناصب الوزارية والبرلمانية التي لا ناقة فيها ولا جمل لأبناء أمتنا منها في حين يهملون أو يقللون الأهتمام بمناصب أخرى أكثر أهمية لأبناء أمتنا منها المجالس البلدية في قرى وقصبات أبناء شعبنا التي من خلالها يلتصقون بأبناء الأمة ويعملون معهم ولهم وبشكل مباشر؟؟؟ أمر غريب لا يقف وراء غرابته إلا الإكثار من المنافع الشخصية والمراكز السياسية للتباهي والتفاخر. فقلت لصديقي مصححاً رأيه: أن مثل هذه المناصب هي لخدمة جميع أبناء الشعب العراقي وليس حصرا لخدمة أبناء الأمة الكلدانية السريانية الآشورية... فرد وبنوع من العصبية فقال: إذن لماذا نتعب حالنا ونذهب إلى صناديق الإقتراع ونعطي لهم الإستحقاق السياسي لكي يصلوا إلى هذه المراكز؟؟؟  ولماذا يدعون بأنهم يمثلون الأمة الكلدانية السريانية الآشورية وهم لا يعملون من أجلها؟؟؟ ... أغلقت هذا الموضوع الحساس وخففت من عصبية صديقي فلجأت إلى السكوت والصمت فما كان منه إلى أن يثير موضوع آخر أكثر أثارة على ساحتنا القومية فقال: رغم إنني لا أتفق إطلاقاً مع بعض من أخوتي الكلدان في القول بأن الكلدان مهمشين سواء من الحكومة المركزية أو الإقليمية أو من الآشوريين الذين أزاحوهم من الساحة السياسية وأنفردوا بها ومن خلال أحزابهم الآشورية فهنا أقول لا دخان من دون نار فلابد من وجود ظواهر وممارسة تعطي لهؤلاء مثل هذا الفهم... فقلت لصديقي: أنا أيضا لا أتفق مع هؤلاء في مثل هذا الطرح ولكن من الضروري جداً أن نفهم وقائع وليس أقاويل فقط... فأولى هذه الوقائع هو أن الآشوريين كانوا منذ قرن وأكثر هم رواد الحركة القومية وقادوا هذه الحركة لسنوات عجاف وصعبة ومميتة وقدموا الشهداء من أجلها وبالتالي فإن التسمية الآشورية كانت قد طغت على هذه الحركة من دون أن يكون للتسمية الكلدانية أو السريانية دوراً في هذه الحركة. كما هناك واقع حالي مبين فإن الحركة الديموقراطية الآشورية هي الرائدة في تبني الأسم المركب لأمتنا (الكلدانية السريانية الآشورية) كمخرج سياسي واقعي للحال السائد في أمتنا كما أن للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري يكفي من تسميته أن يهتم بالتسمية الكلدانية ويضعها في مقدمة التسمية المركبة إضافة إلى ذلك هناك عدد كبير من أبناؤنا الكلدان في البرلمان أو كان فيه أو في الوزارات السابقة والمناصب الإدارية الأخرى فإذن أين التهميش للكلدان وأين هيمنة الأحزاب الآشورية خاصة وأن الكثير من الأحزاب والتنظيمات الكلدانية وبالأخص المنظوية تحت مظلة تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الاشورية تتبنى التسمية المركبة وتعمل للجميع دون إستثناء أحد... فما كان من صديقي إلا أن يقاطعني وبحدة ويقول: كفى يا صديقي "الآشوري" أرى بأنك وإن ألتصقدت بالحقيقة والواقع ولكن أرى أيضا بأنك أقتربت أكثر من المجاملة وتلطيف الأجواء لإقناع الكلدان بقولك... وأضافة قائلاً أنا أبن هذا اليوم والساعة وما أريد الإشارة إليه بخصوص هذا الموضوع رغم حساسيته وجوانبه المثيرة للهواجس والأفكار هو الموضوع الراكن على جمر من النار خاصة في هذه الأيام التي تزداد فيها حدة الخلافات بين مكونات أمتنا والذي يفرض التساؤل التالي: أليس المعينان بمنصب وزير البيئة في الحكومة المركزية وبمنصب وزير المواصلات في حكومة إقليم كردستان محسوبين على "الآشوريين" وتحديداً وبحصر المعنى من أتباع كنيسة المشرق الآشورية، ألم يراعي القائمون على ترشيح هاذين الشخصين لهذين المنصبين مشاعر الكلدان وهم يملكون طاقات هائلة وبنية إجتماعية وإقتصادية وديموغرافية قوية وكبيرة لكي على الأقل يهدؤون من النيران التي تكل جوانب من حقولنا الخضراء. فهؤلاء سياسيون بارعون كان يستوجب أن يفهموا هذا الواقع ويخففوا من نزاعته المهلكة أم الأمر له جوانب أخرى مختلفة؟؟؟. هذا الواقع الحالي لمثل هذين المثالين يزيد من مشاعر الكلدان في كونهم مهمشين ومبتلين بالمطامح السياسية للآشوريين.. أفهل لديك جواب يا كاتب "آشوري". حقاً أقول لقد وضعني صديقي في موقف محرج وربط اللسان من الكلام فما كان من إلا أن أتحجج وأقول: أنا مجرد إنسان عادي لا أسعى إلا خيراً لهذه الأمة وما عليك يا صاحبي إلا أن تسأل المسؤولين عن هذه المسائل أو أن تكتب إليهم فلعل يشفوك بجواب يفيدك في فهم الحقيقة التي نحن ربما لا ندركها... وأنا مستمر في حديثي أشكر الرب لإنقاذي من هذا الموقف المحرج عندما سمعنا طرقات قوية على الباب وإذ بصديقنا "السرياني" يدخل علينا غاضباً ثائراً قائلاً: ألم نكن على موعد للذهاب وتناول كأس أو كأسين من الخمر معاً في النادي فلما التأخير هذا؟ ثم عدت وشكرت ربي مرة أخرى لأن حديثنا القومي والسياسي سبق تناول كأس الخمر مخالفين بهذا عادتنا السيئة في إثارة المواضيع المهمة والحساسة بعد إحتساء كأس أو كاسين من الخمر، فالكثير منَا لا يعيد أمجام الإمبراطورية الآشورية ولا بناء بابل إلا عندما يكون الكأس جليساً عزيزاً علينا. فما كان مني ومن صديق العزيز الكلداني إلا أن نتكاتف مع صديقنا الحبيب "السرياني" ونسرع إلى الكأس الذي سيروي عطشنا ويريح حسرتنا وحزننا على المصائب التي أبتلت بها أمتنا وفي نفس القوت متواعداً مع صديقي "السرياني" على دردشة أخرى في مناسبة لاحقة لعل قد تساعدني على رفع الهلالين من صفته السريانية... والله يكون في عوننا جميعاً.   

   



267
Shlama To Zowaa
في ذكرى  الـ (33) لتأسيس الحركة الديمقراطية الآشورية
==================================

نظرة في القيادة الجماعية لزوعا
                                                                                                                                      أبرم شبيرا
توطئة:
من حق أعضاء زوعا والمؤيدين لها أن يكتبوا ويحاضروا عن إنجازاتها الكبيرة التي حققتها طيلة العقود الثلاثة والثلاثون الماضية وقد يتجاوزون في بعض الأحيان هذا الحدود ليصل إلى المديح والمجاملة المفرطة وهو الأمر الذي يضر زوعا أكثر مما يفيدها. ولكن نادراً ما نرى أي واحد منهم يكتب بموضوعية عن واقع زوعا ويقم تجربتها الطويلة في النضال الوطني والقومي مبيناً ليس إيجابياتها فحسب بل أيضا  سلبياتها وعثراتها وتقيمها وهو الأمر المهم والمفيد لزوعا في إستمرار مسيرتها النضالية خاصة في الظروف الصعبة جداً في يومنا هذا. وعندما نكتب عن زوعا ونحن غير مرتبطين بها تنظيماً ننظر إليها من الخارج ونستطيع معرفة سلبياتها ومن ثم بيانها وتقيمها أكثر ممن هم في الداخل. فالإلتزام الحزبي والتنظيمي لا يعيق مهمتنا هذه لأننا غير ملتزمين به كما يلتزم به أعضاء زوعا. فنحن الذين، أن صح التعبير ونطلق علينا تسمية "المراقب"، نستطيع أن نكتشف أشياء سواء أكان سلبية أم إيجابية، والتي من المفروض أن تتفهما قيادة زوعا لأنها ستساعد في تعزيز مسيرتها النضالية. فهذا الإرتباط الفكري والضميري يجعلنا أن نكون جزءاً من زوعا وندافع عنها طالما هي مستمرة في نضالها القومي ومتواصلة في التعبير عن طموحات الأمة.  واليوم أكتب عن الحركة الديمقراطية الآشورية، وطبعاً لا أستغرب عن ردود الفعل السلبية التي قد يخلقه هذا الموضوع سواء عند قيادة زوعا أو أعضاءها فهي مسألة طبيعية لا تعيقني أبداً في السير نحو ما أومن به تجاه أمتي وأبناؤها المناضلين. أكتفي بهذا القدر في التوضيح في هذه المقدمة لكي أقتصد من وقتي وقلمي وأخصصه لحركتنا المناضلة، الحركة الديمقراطية الآشورية والحديث عن بعض المفاهيم في القيادة الجماعية التي أتصفت بها زوعا والتي يجب أن تستمر بنفس الصفة وبتأكيد أكثر قوة وصلابة، وهي تحتفل بعيدها الثلاثة والثلاثون.

كيف نفهم تطور زوعا:
أن الإلمام بالحياة السياسية وبأبجدية الحركات القومية الأصيلة والنابعة من ضمير الأمة يستلزم أن نعرف بأن مؤسسات وأحزاب الأمة هي كيانات حية غير جامدة، فهي الأخرى كالكائنات العضوية الحية تمتلك مقومات النشوء والتطور والتقدم، وتحمل أيضاً في طبيعتها التطورية جملة تناقضات تشكل الأساس الذي يبنى عليه تقدمها وتأخرها، حياتها وموتها، فهي تحمل مقومات الحياة من حركة ونشاط مثلما تحمل مقومات الموت من جمود وتخلف. من هذا المنطلق يجب أن نعرف بأن تطور حياة الإنسان ليس على الدوام حركة مستمرة إلى  الأمام فحسب بل أن المفهوم الفلسفي لتطور الحياة والإنسان وحتى الحركات السياسية هو المحصلة النهائية الناتجة من جملة تفاعلات قائمة بين التقدم والإخفاق والتي تفرز في نهاية المطاف مقومات التطور والاستمرار لهذه الحركات. وهي الظاهرة التي يمكن تفسيرها  بمفهوم " خطوة إلى الوراء وخطوتان إلى الأمام ".

والحركة الديمقراطية الآشورية، كحركة قومية أصيلة لم تلد بقرار سياسي محض أو كانت نتاج بحوث أكاديمية أو قرارات رجال السياسة والقانون والمعرفة، وإنما ولدت ولادة طبيعية ومن  مخاض ومعاناة الأمة ومن رحمها الشرعي لذلك فهي تمتلك كل مقومات الكائنات الحية التي تنعكس مفاهيمها الفلسفية في الظواهر والكائنات الاجتماعية والسياسية. فإذا كان هذا الإقرار الواضح والصريح بحيوية الحركة الديمقراطية الآشورية وبامتلاكها للمقومات الأساسية في كونها حركة عضوية وحية في تفاعلها مع معاناة وطموحات شعبنا، فهي أذن حركة طبيعية لها مقومات التطور(الإيجابية والسلبية) الواجب توفرها فيها مثل كل الكائنات الحية والعضوية كالتقدم والتعثر وبالتالي التطور لا بل وحتى الموت والفناء. أي بعبارة أخرى إن المفهوم الفلسفي للتطور القائم على "خطوة إلى الوراء وخطوتان إلى الأمام" ينطبق على الحركة الديمقراطية الآشورية عندما نريد الكشف عن المسار السياسي لها ومعرفة مدى تطورها في تحقيق أهدافها ومنهاجها وبالأخص موضوع الذي يهمنا هنا وهو القيادة الجماعية لها.
 
من هذا المنطلق يعد من السذاجة الفكرية والضعف  السياسي عندما ينظر إلى مسيرتها السياسية من خلال تعثر وتراجع في خطوة معينة  وتقييم تطورها من خلالها ومن دون النظر إلى الخطوات الإيجابية الناجزة. والعكس صحيح أيضا، فلا يجوز النظر إلى مسيرتها من خلال خطواتها الإيجابية فحســب وتجاهل خطوة التعثر والتراجع، بل أن استمرارها وديمومة تواصل نضالها يقوم بالأساس على دفع الخطوات الإيجابية دفعاً أمامياً مع النظر العميق والتفحص الدقيق والنقد النافذ للخطوات السلبية والمعوقات التي واجهتها في مسيرتها هذه واستخلاص الدروس والعبر منها واعتمادها في تصحيح مسار المستقبل. وهذا المنطلق هو الأساس أو المصدر الذي يجب أن ينبع منه الفكر السياسي الواقعي النير للحركة وتتسلح به في مواجهة التحديات التي تواجه الأمة وتتحصن به أيضا من المفاجئات والاحتمالات غير المتوقعة.

وعلى هذا الأساس، لا يمكن إطلاقا فصل السلبيات عن الإيجابيات في مسيرة كل حركة قومية سياسية. فحتى نفهم معايير تطور مسيرة هذه الحركة لابد من اعتماد المحصلة النهائية لهذا التطور الناتج من تفاعل مجمل عوامل التقدم والتعثر في مسيرتها المتواصلة. أي بعبارة أخرى يجب النظر إلى تطور مسيرتها من خلال الكل وليس الجزء أو من خلال العام وليس الخاص. والعكس من هذا صحيح أيضاً، أي النظر إلى الخاص دون العام هي نظرة أو فكرة  انتقائية وانتهازية مريضة تسعى في مرماها الأخير إلى نقل مرضها وانتهازيتها إلى أبناء هذه الأمة وبالتالي إلى طعنهم في الصميم وتحجيمهم في الخاص الضيق والمظلم دون العام المنفتح وبأسلوب سادي يقوم على خنق كل محاولة أو نشاط، وهو في مهده الأول، الذي حتماً ستواجهه خطوات سلبية تزداد بزيادة التناقضات المحيطة بها من جهة وبتواصل استمرار مسيرتها من جهة أخرى. ومن هو الخاص الضيق والمظلم بالنسبة للحركات السياسية القومية غير النزعات الفردية والأنانية والنفعية والتوجهات الطائفية والعشائرية والشللية السائدة في الزوايا العفنة من مجتمعنا والتي من الممكن، بل الممكن جداً، أن تتسرب مثل هذه النزعات إلى التنظيم السياسي وإلى قيادتها وبالتالي إلى الإنفراد بالقرار السياسي وإنحراف توجه التنظيم وإبتعاده عن مطامح الأمة وأبناءها. 
وانطلاقاً من هذا المفهوم ، فانه يجب أن نعرف بأن مسيرة زوعا القومية الطويلة والصعبة لا تقوم على خطوات في جميعها خطوات ناجحة وعظيمة، فهذه المثالية الخيالية والبعيدة المنال لا وجود لها في عالم السياسة، بل علينا أن نعتمد على الممارسة السياسية والتطبيق السياسي للأفكار (Political Praxis) على ارض الواقع والمأطرة بوعي قومي ناضج نابع من ضمير الأمة. فمن خلال هذه الممارسة السياسية والتطبيق العملي يجب أ، نفهم مفهوم القيادة الجماعية.

كيف نخلق القيادة الجماعية:
لعل من أكثر الحالات إساءة أو غموضاً للفهم في مجتمعنا هي ظاهرة احتكار القيادة العليا من قبل شخص في معظم تنظيماتنا القومية والسياسية تقريباً، أو في أحس الأحوال عدد قليل جداً من الأفراد، وبقاءهم فيها، أو كما يسمونها، إعادة انتخابهم أو اختيارهم لفترات طويلة ومن دون إتاحة الفرص للغير سواء بتشجيعهم للترشح أو القيام بحملة لترشيحهم. وشخصياً أكره هذه الظاهرة كثيراً وانتقدها بشدة لأنها هي بالضد تماماً من المفاهيم الديمقراطية التي ننادي بها ليل نهار. فهذه الظاهرة تصلح  كمثال في الحديث عن مسار تطور الحركة السياسية الآشورية. وقد انتقدنا هذه الظاهرة وانتقدها غيرنا لا بل تهجموا عليها ووصفوا المتربعين على قيادة زوعا بالدكتاتورية وحب السيطرة والظهور، وإلى غير ذلك من الوصفات والشتائم، لا بل شخصياً وصفت هذه الحالة وكأنها تقليداً لسياسة العرب في الحكم بعقلية شرق أوسطية، أو كما وصفها القذافي في تعريفه للديموقراطية بأنه "ديمو كراسي". وهي ظاهرة لا شك فيها إطلاقاً بأنها تحمل جوانب سلبية خطيرة تؤثر كثيراً على مسار التنظيمات السياسية  وتفقد مصداقيتها وشعبيها بين الجمهور.

ولكن هذه الظاهرة السلبية التي تعتبر نوع من التراجع في المسيرة القومية السياسية والاستمرار بها هي خطوة إلى الوراء، يجب أن لا ينظر إليها كحالة خاصة فقط ، كما سبق ذكره،  من دون أخذها ضمن الظروف العامة، خاصة الإمكانيات السياسية لمجتمعنا وضمن الخطوات الإيجابية الأخرى التي تتفاعل معها وتحاول التقليل من سلبياتها من أجل دفع المسيرة نحو الأمام. فمن الخطأ الكبيرة جداً أن نلعن ونشتم كل ما له علاقة بزوعا ونقاطعهم نهائياً ونلغي بكلمات غير محترمة كل الإنجازات الكبيرة التي حققتها لأمتنا بمجرد أن هذا الشخص أو ذاك بقى في القيادة لسنوات عديدة أو أنه صرح بكلمة أو أتخذ موقفاً معيناً لا يرضى البعض. أقول هذا ليس دفاعاً عن زوعا وقيادتها وإنما تحليلاً علمياً لهذه الظاهرة ليس من خلال مقارنة تنظيمات مجتمعنا السياسية بغيرها من الأحزاب السياسية في البلدان المتقدمة وحتى مع الأحزاب الأخرى في الوطن من حيث الإمكانيات الفكرية والسياسية والمالية والتنظيمية. فنحن، كما يعرف الجميع، حديثوا العهد في التنظيم السياسي  كما لا نملك أخصائيين أو مستشارين أو كوادر متفرغة بالتمام والكمال لشؤون التنظيم، فالمطلع لحال هذه التنظيمات سوف يرى بأن كل نشاطها وفكرها وتمويلها وتنظيمها يقع على عاتق هؤلاء الذين في قمة القيادة. لنسأل هذه القيادة ونبحث معهم، كم مستشار أو خبير سياسي أو قانوني أو مالي يحيط بقيادة التنظيم ويعملون معهم من أجل خدمة التنظيم. أعتقد الجواب معروف ولا يستوجبه إلا أن نقول بأن كل ما يتلقونه من استشارة أو مساعدة لا تأتي إلا من الذين هم حولهم وحال هؤلاء لا يختلف عنهم، حيث يسرقون من وقت عملهم وعائلتهم وراحتهم ليكرسوها لتنظيمهم، أو قد تأتي بعض الشذرات من أشخاص قد تتوفر لديهم في بعض الأحيان سويعات قليلة لنقاش موضوع معهم. هذه في أحسن الأحوال إذا لم ينفرد شخص واحد إنفراداً كاملاً بقرار القيادة. إذن لماذا نلوم هؤلاء وخيرة المثقفين والمتعلمين على المستويات العليا لا يقتربون من هذه التنظيمات ولا يساعدونهم في مهمتهم القومية ولكن في عين الوقت يتهجمون عليهم وينعتونهم بأشنع النعوت. فالمسؤولون على تنظيمات مجتمعنا، مهما ادعوا وتظاهروا بسعة المعرفة وإدراك الأمور ومعرفة خفاياها، إلا أنهم لا يمكن أن يكون دائماً هكذا وفي كل المجالات والأوقات ولا يمكن أن يكون خبراء وعلماء في عالم السياسة والاقتصاد والدبلوماسية والتفاوض وغيرها من حقول المعرفة التي تتطلبها الممارسة السياسة، فبدون المساعدة من غير أعضاء تنظيمهم قبل أعضاء تنظيمهم لا يمكن أن يكون الحال أحس مما هو عليه الآن.

لنأخذ الحركة الديمقراطية الآشورية كمثال، ليس لأنها تحتفل في هذه الأيام بذكراها الرسمي لتأسيسها فحسب وإنما باعتبارها قد تأسست في الوطن وتنشط هناك وفي ظروف سياسية صعبة للغاية، ذلك لأن الجميع يعرف بأن الاشتغال بالسياسة ليس بالأمر الهين والسهل في بلدان كبلد وطننا الأم فهو كاللعب بالنار الحارق محفوف بالمخاطر والتضحيات والتحديات التي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى زهق الأرواح أو إقلال للراحة أو التورط في مشاكل خطيرة هي بعيدة تقريباً عن الذين يشتغلون في السياسة في المهجر الديمقراطي الذي تعتبر السياسة بالنسبة للبعض، خاصة لأبناء أمتنا، نوع من قضاء الوقت أو التسويق الدعائي الشخصي وربما نوع من "الونسة" أو أسلوب للعبة التنافس مع غيرهم وتحديهم في هذا المجال. لقد سبق وذكرنا بأن الحركة تأسست طبيعياً من مخاض الأمة ومعاناتها ولم تؤسس بقرار من خبراء في السياسة وعلم الاجتماع أو الاقتصاد ولا من رجالات الحكم والبرلمانات وإنما تأسست من مجموعة شباب وطلبة وهم في مقتبل حياتهم السياسية لا يعرفون من فنون السياسة وألاعيبها غير حبهم الشديد والمتفاني لأمتهم، فكيف والحال معهم عندما يلتحقون بركب الكفاح المسلح ويتحالفون مع أحزاب وحركات لهم باع طويل وخبرات متمرسة في السياسة والنضال. أليس من المنطق والمعقول أن تعرف مع من تتعامل وأن تكون ملمة بأفكارهم وسياساتهم وأهدافهم؟ ، وإلا كيف تتعاون أو تتنافس معهم من أجل تحقيق أهداف الأمة القومية. هنا الضرورة تفرض نفسها لنؤكد للقارئ الكريم بأن السياسة هي تعاون وتنافس مع الطرف الآخر  وبأشكال مختلفة وليس من الضروري أن يكون أراء وأهداف وأساليب العمل السياسي للطرفين متطابقة أو متشابه، بل المهم هو أن يكون كل طرف أدوات التعامل مع الغير ومدرك ومطلع ومتفهم للطرف الآخر حتى يستطيع التعامل معه تعاونياً أو تنافسياً. وكلما زادت حدة الاختلافات والتناقضات بين الطرفين وبالتالي زادت حدة التنافس على حساب التعاون ووصلت إلى حالة الصراع كلما يتطلب ذلك خبرات وإمكانيات أكثر وسعة أكبر في المدارك والوعي، وكلنا نعرف مدى التناقض التاريخي والصراع الدامي الذي كان يحكم علاقة أمتنا بهذه الشعوب ومدى صعوبة التعامل معهم في هذا اليوم، خاصة عندما يحضر التاريخ أمام أعيننا.

من هذا المنطلق نقول بأن حدة التناقضات العميقة التي تحيط بأبناء أمتنا في وطن الأم، وخاصة في مسألة التعامل السياسي، يتطلب ذلك تسلح في المعرفة والخبرة وتوفير الإمكانيات المطلوبة لخوض العملية السياسية(تعاون/تنافس). إذن من أين تأتي زوعا بهذه المستلزمات ونحن نعرف جميعاً بأنه ليس لها معاهد وأكاديميات تخرج خبراء وكوادر في السياسة، هذا إلى جانب الفقر السياسي والقومي الذي يسود تقريباً الكثير من جوانب مجتمعنا ، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الغير والمختلف، فأبناء أمتنا، بحكم تجربتهم المريرة والدامية  في التعامل مع الغريب، فأنهم بطبيعتهم يخافون منه ولا يريدون التعامل معه وتحديداً الغريب الذي يرتبط بالماضي الأليم وبمذابح ارتكبت بحقهم في الماضي المترسب في ذاكرة الأمة. هذه الشحة أو الفقر في مصادر توفير كوادر سياسية وملمين بشؤونها وبشؤون غيرها هي التي تجعل أن يكون هناك شخص واحد أو قلة قليلة متواجدة وعلى الدوام في قمة الهرم التنظيمي لأحزابنا السياسية ومنها زوعا. ولكن إلى متى نبقى على هذه الحالة، هل ننتظر إلى ذلك اليوم الذي نؤسس فيه مدارس حزبية وأكاديميات قومية تخرج عناصر قيادية أكفاء يخدمون تنظيمات حركتنا القومية؟؟. طبعاً الجواب هو بالنفي. لأنه إذا انتظرنا فغيرنا، المنافس والمعادي، لا ينتظر في هضم حقوقنا وسلبها ونحن في سبات الانتظار. فإذا كانت ظاهرة تربع شخص معين أو نفر قليل من الشخصيات على قمة القيادة في زوعا حالة سلبية بمفوهم القيادة الجماعية في الوقت الحاضرة ومبررة بالفقر السياسي والفكري لمجتمعنا بشكل عام وعدم قدرتهم على خلق كوادر وقيادات كافية للتناوب على القيادة فإن الزمن القادم لا يمكن أن يقبل مثل هذا التبرير وعلى زوعا وقيادتها أن تفكر ملياً بهذا الأمر وعن طريق زج أعضاءها الخييرين في الممارسة السياسية الفعلية حتى تستطيع أن تخلق  كوادر قيادية متمرسة قادرة على تحدي الصعاب التي تتعظام يوم بيوم وتمتلك الإمكانيات الكبيرة لكي تستطيع أن تنتزع حقوقنا من بين أسنان الضباع وتدافع عنها عندما تتعرض الأمة إلى التحديات المميتة. وهنا يجب التأكيد  بأن لا نستعجل كثيراً في قضايا الأمة التي يتطلب تحقيق أهدافها سنوات طويلة جداً، ولكن هذا التبرير لا يجعل من قيادة زوعا أن تتجاهل موضوع المستقبل والركون إلى الهدوء والسكينة وعدم الإكتراث والإكتفاء فقط بما هو موجود، وكلنا نعرف بأن الموجود سيصبح عاجلا أم آجلاً غير موجود في أية لحظة من الزمن وهو الموضوع الذي سيؤثر تأثيراً كبيراً على زوعا ومصيرها في الوجود.

 في هذا اليوم، ومن عالم الإيجابيات والسلبيات التي تتحكم بمسيرة زوعا أبعث لها ولقيادتها وكافة أعضاءها ومناصريها لا بل ولكل أبناء أمتنا المؤمنين بالقضية القومية، أصدق التهاني بهذه المناسبة وأن أباركهم بكل وجداني على صواب الطريق الذي يسيرون عليه رغم الصعاب والتحديات التي يواجهونها، فأنا واثق بأن بنشاطهم المثمر سوف يجعل إرادة الأمة بخير وبصون، لأن إيماني قوي جداً  بأن الأمة التي لا يوجد فيها أحزاب سياسية ومنظمات قومية قوية ونشطة ستكون إرادتها مرهونة بإرادة الأمم الأخرى وهنا أريد أضيف أضافة أخرى وأقول بأن الحزب السياسي الذي لا تكون له قيادة جماعية سيكون مصيره مرتبط بمصير الشخص المتربع على الحزب السياسي وكلنا نعرف بأن للأمة وتنظيماتها القومية الصميمية عمر مديد وأن عمر الإنسان قصير في مقارنته معها ونحن كأبناء هذه الأمة لا نريد أن يكون عمر زوعاً قصيراً، بل عمراً مديداً يضاف إلى عمر هذه الأمة المتواصل من الأزمان القديمة إلى الحاضر ومن ثم إلى المستقبل.     



268
النادي الثقافي الآشوري في بغداد بين الأمس واليوم
(مسيرة تحديات وإنجازات)

==================================

                                                                                                                                       أبرم شبيرا
مقدمة:
من المؤكد بأن عنوان هذا الموضوع سيثير جداً إهتمام الذين كانوا أعضاء في هذا النادي لأنه حتماً سيشرع بفتح شريط ذكرياتهم الحلوة والمرة والجميلة والمثيرة التي عاشوها في تلك الفترة، ومن المحتمل أيضا سيثير إهتمام الذين سمعوا عن النادي وعن دوره القومي الفعال في المجتمع الآشوري خلال العقد الممتد من 1970 إلى 1980، خاصة والكل يعرف بأن مصير هذا النادي كان قد تقرر بالسياسات الإستبدادية لحزب البعث العراقي ولم تقم له قيامة فيما بعد وأصبح بحكم المنتهي في السنوات الأولى للعقد التاسع من القرن الماضي. إذا كان من المنطق أن نتحدث عن النادي بزمن الماضي ونسجل عنه ذكرياتنا فما الذي يجعلنا أن نتحث عنه في هذا اليوم وهو كيان زائل لا وجود واقعي له؟ وهذا ما سنتناوله، أي النادي في الأمس وفي اليوم. ولكن قبل هذا وذاك، أود أن أنبه القراء الأفاضل بأن التركيز في هذا الموضوع على التسمية الآشورية، سواء كقومية أو لغة ليس له أية مقاصد إنفرادية بهذه التسمية بل لأنها كانت التسمية القومية السائدة في تلك الفترة ولم يكن مقبولا لا رسمياً ولا شعبيا تضمين التسميات الأخرى: الكلدانية والسريانية خاصة في تلك المرحلة التي كانت لها دلالات دينية وكنسية فلم يكن مقبولا، لا بلا كان مرفوضاً أن يتم تضمينها او "توريطها" في السياسة والمسائل القومية كما كان الحال مع التسمية الآشورية "المتورطة" في السياسة والمسائل القومية حتى العنق وما ترتب على ذلك من ردود فعل سلبية وإستبدادية من قبل الأنظمة التي تعاقبت على السلطة وخاصة نظام حزب البعث العراقي في تلك الفترة تجاه الآشوريين وتطلعاتهم القومية. ولكن مع كل هذا فالنادي لم يكن مغلقاً ومتقوقعاً على نفسه وعلى تسميته الآشورية بل كان مفتوحاً على كل توجهات وتقسيمات مجتمعنا وبالأخص من الكلدان حيث كان في عضوية النادي عدد كبير من أبناء شعبنا الكلداني ومنهم كبار الشعراء والأدباء والإعلاميين والفنانين أمثال د. سعدي المالح(حالياً المدير العام لمديرية الثقافة والفنون السريانية في الإقليم) والصحافي المعروف المرحوم الدكتور جميل روفائيل والأديب موفق ساوا والفنان زهير عبد المسيح والشهيد المرحوم هوريا آدم وغيرهم كثر بحيث لا تساعدني ذاكرتي على ذكر أسماء جميعهم، كما كان النادي مركزاً لنشاط غيرهم من غير الأعضاء الذين لم تكن تنطبق عليه شروط العضوية، حيث كان يشترط شهادة الدراسة الثانوية على الأقل لإكتساب العضوية،  إضافة إلى كبار شعراء العراق من العرب والكرد وحتى التركمان في تلك الفترة ومن مختلف الإتجاهات السياسية. هذا هو السبب الذي أحتل النادي في تلك الفترة مركزاً ثقافيا مرموقاً على مستوى العراق قاطبة.    

النادي الثقافي الآشوري – الأمس الماضي
==========================
لي فخر لا منتاهي في كوني من أعضاء هذا النادي الأوائل وكنت أحمل رقم عضوية (68) من 1242 عضواً في النادي، ولا أحسب غيري من أعضاء هذا النادي لهم شعور يختلف عن شعوري هذا، وهو الشعور الذي أحس به والمسه بشكل واضح وصريح عندما ألتقي بالكثير منهم سواء الصامدين منهم في أرض الوطن أم المهاجرين إلى أقاصي العالم. فالحديث بيننا عن ذكريات النادي وإشتياقنا إلى تلك الأيام يجعلنا أن نحول الأحداث المحرجة والمقلقة إلى ذكريات جميلة وحلوة لا يضاهيها حلاوة أية مناسبة أخرى إيجابية ومفرحة. فالنادي كان فعلاً وحقيقة مدرسة للحياة بحلاوتها ومرها.
 

 وإفاءاً لهذه المدرسة التي علمتنا كثير الكثير كنت قد عزمت أن أكتب كتابنا عنه، خاصة بعد أن لاحظت في السنوات الأولى من ثمانينيات القرن الماضي وهو يحتضر وينتظر الموت بعد أن تم طعنه بالفكر الإستبدادي لحزب البعث العراقي ليبقى ذلك دليلا مادياً على خلود هذا النادي في عقول أعضاءه.  وفعلا أوفيت ولو بالقليل عن هذا الإلتزام فصدر لي وأنا في المهجر كتاب بعنوان (النادي الثقافي الآشوري – مسيرة تحديات وإنجازات – 1970 – 1980 – طبع في مطبعة ألفا غراف – شيكاغو – الولايات المتحدة الأمريكية – تاريخ بلا .... أعتقد كان في منتصف تسعينيات القرن الماضي). ويأتي الكتاب رغم نواقصه الكثيرة كمختصر للتاريخ السياسي المعاصر التوثيقي للأشورين في العراق أعتمدت في كتابته على الوثائق الخاصة بالنادي من كتب وقرارات ومطبوعات وذكريات ولقاءات مع بعض الأعضاء الذين لعبوا دوراً كبيرا في نشاطات النادي وإدارته. من المؤسف القول بأن مجتمعنا يفتقر إفتقاراً كبيراً إلى الدراسات الوثائقية التي تدون ذاكرة الأمة وحياتها الفعلية من جوانب مختلفة ساسية وجتماعية وثقافية وفنية وحتى ديموغرافية... فلم أقراْ في هذا السياق إلا كتاب أو كتابين عن بلداتنا الجميلة كألقوش وتكليف وغيرهما. وبسبب طبع كتابي المنوه أعلاه عن النادي في الولايات المتحدة ومحدودية توزيعه فلم ينشر بشكل واسع ولم يقرأ من قبل الكثير من أبناء أمتنا لذلك سأسرد بعض النقاط عن هذا الكتاب وأمل أن يفي بالغرض المراد في بيان أهمية النادي في المجتمع الآشوري في تلك الفترة والدور الذي لعبه وعلى مختلف الأصعدة.

الكتاب يقع في 155 صفحة مع 16 صفحة للصور عن نشاطات النادي ومن القطع المتوسط، وبتواضع وخشوع لدماء شهداء أمتنا تصدر الكتاب أهداء إلى:
شهداء الأمة الذين روًوا الحركة القومية الآشورية بدماءهم الزكية ... إلى أعضاء النادي الشهداء:
يوسف توما
يوبرت بنيامين
يوخنا إيشوا
الذين أناروا مسيرة النضال القومي الآشوري بأرواحم الطاهرة... اهدي هذا الجهد المتواضع

وتعمياً للفائدة وتقديراً لوقت القراء الأفاضل سوف أحاول بقدر الإمكان ذكر محتويات الكتاب بشكل مختصر. تكوًن الكتاب من مقدمة ثم الفصل الأول تحت عنوان (التطور السياسي في العراق وتأسيس النادي الثقافي الآشوري) شاملاً على المباحث التالية: أولاً (المحاولة الأولى لتأسيس النادي عام 1962) حيث قام بعض من القوميين الآشوريين والمثقفين بتقديم طلب إلى السلطات الرسمية للحصول على موافقتها لتأسيس النادي في عام 1962 غير أن طلبهم رفض بحجة وجود نوايا مخفية من وراء تأسيس النادي ثم لم تمضي بضعة سنوات وتحديداً بعد الإنقلاب البعثي الفاشي في الثامن من شباط عام 1963 وما تلاه من إرهاصات سياسية أعتقل بعض من هؤلاء القوميين الآشوريين ودخلوا سجون النظام وعانوا ما عانوا من تعذيب جسدي ونفسي، وللأمانة التاريخية نذكر رابي يوسف نمرود كانون أول سكرتير عام للنادي الجديد وإيشو دنخا يقيرا الذي كان رئيسا للنادي الجديد (1975 – 1976) ومن ثم بعد فترة وجيزه رقن قيده من سجل النادي وعزل من منصب رئاسة النادي من قبل الجهات الأمنية بسبب خلفتيه القومية ومواقفه الصلدة تجاه حقوق أمتنا القومية. ثم تلا ذلك المبحث الثاني (المرحلة التأسيسية) والذي يبين المراسلات والمجادلات التي تمت بين طالبي تأسيس النادي ودائرة الجمعيات في محافظة بغداد والتي أنتهت أخيراً بصدور قرار وزير الداخلية بتأسيس النادي والذي دخل حيز التنفيذ في 1970.08.27. ثم يأتي المبحث الثالث (الهيئة المؤسسة – الهيئة الإدارية المؤقتة) والتي كانت جلهم من أساتذة الجامعات وحاملي الشهادات العليا وكان الأستاذ سركون إيشو سابر (مدرس في كلية الهندسة بجامعة بغداد) رئيساً للهيئة الإدارية المؤقتة ثم أنتخب رئيساً لأول هيئة إدارية للنادي.

أما الفصل الثاني (ألأسلوب الديمقراطي لإنتخاب الهيئات الإدارية) فخلال الفترة من 1970 – 1980 تناوب عشر هيئات إدارية على إدارة النادي. وموضوع إنتخاب الهيئات الإدارية كان من أكثر المواضيع أثارة للإهتمام حيث كانت الديمقراطية تمارس بأوجه شكلها التنافسي الشريف ولم يكن هناك إنتخابات بالتزكية إلا ما ندر وبإتفاق ورضا الجميع وهذا ما كان يثير هيجان السلطات الأمنية للنظام البعثي في العراق حينذاك حيث كان يعجز في كل مرة من فرض أزلامه على الهيئة الإدارية فيفشلون عند ترشيح أنفسهم فشلاً ذريعاً. فكان الأسلوب الديموقراطي في الإنتخابات مثار إعجاب ودهشة الكثير من غير أعضاء النادي وحتى من خارج المجتمع الآشوري في العراق. فعلى سبيل المثال جميع الحكام (القضاة) الذين كانوا يحضرون إنتخابات الهيئة الإدارية للأشراف عليها وتسجيلها رسمياً يصابون بالذهول والإندهاش لا بل وحتى الإنزعاج من كثر المناقشات والتنافس بين المرشحين وإستغراقها فترة طويلة حيث كانوا يؤكدون بأنهم لم يشاهدوا إنتخابات مثل ما كان يجري في النادي، فجميع إنتخابات الأندية والجمعيات الأخرى التي حضروها كانت لا تستغرق أكثر من نصف ساعة أو أقل حيث تكون قوائم المرشحين معدة سلفا ولا يستوجبها إلا التصديق عليها في حين كانت إنتخابات النادي تستغرق من 4 – 5 ساعات. وأتذكر بهذه المناسبة إنتخابات أحدى الهيئات الإدارية حيث كان إندفاع وحماس أعضاء الهيئة العامة للنادي في قمته ومناقشاتهم حامية حول ترشيح وإنتخاب رئيس النادي، حيث كان ثلاثة أعضاء مرشحين للرئاسة، وعدد كبير لأعضاء الهيئة الإدارية فأستغرب الحاكم المشرف على الإنتخابات وأتذكر سأل الحاضرين مندهشاً قائلاً "ألستم جميعاً أثوريين..؟ ألستم أصدقاء وأقارب ..؟ فلماذا هذا النقاش الحاد والتنافس... أتفقوا قبل مجيئي إلى هنا على قائمة واحدة وأنا أصادق عليها كما هو الحال مع بقية الإندية والجمعيات الأخرى... فلماذا أنتم مختلفون عنهم؟؟؟" والأغرب من هذا والذي كان له جانب محدد من الطرافة عندما قال الحاكم "جئت وتركت ضيوفي في البيت وقلت لهم بأنني ذاهب إلى تسجيل إنتخابات في نادي وسأرجع بعد نصف ساعة... والآن الساعة تشير إلى أكثر من الثانية عشر بعد منتصف الليل (كانت الإنتخابات عادة تجري يوم الجمعة مساءاً تقريباً الساعة السابعة أو الثامنة) وضيوفي تركوا منزلي وأنا الآن محرج أمامهم". والحال لم يكن يختلف إطلاقاً في الإنتخابات التي كانت تجري في فرع النادي في مدينة السليمانية وشخصياً حضرت أحدى هذه الإنتخابات فأكد لي الحاكم المشرف عليها على عمق الممارسات الديمقراطية في فرع النادي التي لا تماثلها غيرها من الأندية والجمعيات الأخرى في محافظة السليمانية.

لقد حاولت السلطات الرسمية، الأمنية والحزبية، وبكل الوسائق والطرق التأثير لتغيير أسلوب الإنتخابات في النادي غير أنها لم تفلح لأنه كان يستوجب تغيير النظام الداخلي للنادي وبموافقة ثلثي أعضاء الهيئة العامة وهذا لم يكن ممكناً إطلاقاً بسب أمتلاك معظم أعضاء النادي للوعي القومي والسياسي السليم وقوة الحجة والشجاعة في المناقشة والدفاع عن رأيهم. هذه النوعية الراقية في أسلوب إنتخابات النادي والمناقشات الحامية التي كانت تجري بين الأعضاء شكلت نمطاً وأسلوباً للحياة بشكل عام لا بل وظلت في ذاكرتهم إينما كانوا يستذكرونها ويتشوقون إليها معتبرينها الروح التي كانت تسير النادي وتربطهم من خلالها بعضهم بالبعض، فلا يمر حديث بين من كانوا أعضاء في النادي إلا وتذكروا وتشوقوا إلى تلك الأيام... أيام أصبحت منيرة لدرب الكثير منهم لتحقيق طموحات قومية وسياسية أسمى مما كانوا يسعون إلى تحقيقها في إطار النادي الثقافي الآشوري.
  
أما الفصل الثالث فهو يتحدث عن مجلة المثقف الآشوري التي كان يصدرها النادي، فكانت مجلة أدبية ثقافية فصلية. تناولت في المبحث الأول مرحلة ولادة المجلة حيث كان تاريخ 1971.06.23 يوم ولادة هذه المجلة بعد مخاض طويل وشاق مع وزارة الإعلام للحصول على رخصة إصدار المجلة بأسم النادي ثم بينت في المبحث الثاني رئيس تحرير المجلة وهيئة التحرير فكان السيد ولسن ملهم نرسي أول رئيس لهيئة التحرير والسيد عوديشو آدم ميخائيل آخر رئيس تحرير لها حتى عام 1979. أما هيئة التحرير فكانت تشمل كبار الكتاب والمثقفين والأدباء والشعراء شكلوا نبراساً للثقافة الآشورية في تلك الفترة والسنوات اللاحقة وسطع أسم الكثير منهم على الساحة الثقافية والفكرية والسياسية لمجتمعنا. أما المبحث الثالث المعنون: (رحلة المثقف الآشوري الشاقة) حيث كانت رحلة أكثر من شاقة وتعجز الكتابة عن التعبير عن معاناة وشقاء هذه الرحلة والتي لايدرك مغزاها إلا الذين واكبوا مسيرة هذه الرحلة وتفاعلوا مع شقائها. فالذي يدرك مغزى صدرو مجلة عن نادي بسيط وفقير ماديا وسلطوياً ولأقلية قومية تعتز بتراثها ولغتها وفي ظل نظام سياسي سمته الأساسية الإستبداد والقمع هو وحده يشعر بأهمية وعظمة الدور الذي لعبه النادي في المجتمع. فإذا كان شقاء هذه الرحلة نابعاً من بيئة وطبيعة النظام السياسي الإستبدادي فأنه في نفس الوقت كانت هناك جملة عوامل ساهمة بشكل كبير في شقاء هذه الرحلة ونذكر منها الموارد المالية الشحيحة المتوفرة والمخصصة لإصدار المجلة، حيث كان النادي يقيم حفلة رأس السنة الجديدة ويربح منها وقتذاك ألف دينار فيخصصها كلها لإصدار المجلة. والكوادر الصحفية شكلت مشكلة عامة لجميع مطبوعاتنا في تلك الفترة ساهمت في شقاء رحلة المثقف الآشوري إذ جميع الذين ساهموا في تحرير المجلة أو الذين كتبوا فيها هم غير متفرغين لهذه المهمة ولم تكن لهم صفة كادر صحفي بل كانوا أناس عاديين يشقون ليل نهار من أجل نيل لقمة عيش لعوائلهم وكان الوقت المخصص لخدمة المجلة طوعية وقليلة وبالكاد تكفي لدفع مسيرة المجلة نحو الأمام وإستمرارية صدورها.... فألف تحية وتحية لكل الذين ساهموا في هذه المهمة النبيل.

أعلاه غلاف لمجلة المثقف الآشوري عدد 13 و 14 لسنة 1977 وعليه شعار مهرجان الشعر الآشوري السادس (1977) الذي خططه الفنان المبدع آرم أوراها
========================================================================
رقابة المطبوعات: يكفي هذا العنوان ليدرك القارئ الكريم العوائق والمعانات التي كانت تنتظر المجلة وهي تحت مقصلة رقيب المطبوعات في وزارة الإعلام ... فالموضوع طويل وشائك وله قصص وروايات يعجر العقل عن تصديق  قدرة وجدارة كوادر المثقف الآشوري من تجاوز مقصلة رقيب المطبوعات وخروجها إلى الحياة. فالضغوط والتهديدات والإهانات أساليب أستعملتها دائرة رقابة المطبوعات للحد من حدود مجلة المثقف الآشوري في أضيق مجالاتها والحد من قوة تأثيرها على المجتمع الآشوري فالعديد من المرات تم إستدعاء رئيس تحرير المجلة أو أعضاء هيئة التحرير أو بعض كتابها إلى الدوائر الأمنية ودائرة رقابة المطبوعات للتوبيخ وتوجيه الإنذارات وشخصياً تم إستداعي العديد من المرات بسبب كتاباتي السياسية والقومية غير "المقبولة والناشزة" عن خط حزب البعث العراقي. ثم كانت طباعة المجلة وتوزيعها مشكلة عويصة أخرى ساهمت في شقاء رحلة "المثقف الآشوري" خاصة طباعة قسم اللغة الآشورية (السريانية) إذ كان المرحومان الشماس يؤارش القس متي والأب دنخا راعي كنيسة مار عوديشوا في تل محمد في بغداد يبدعيان وبقلم جميل جداً في كتابة المواضع بيدهما ثم تصويرها على الزنكغراف وطبعها في المطابع الأهلية. وفي السنوات الأخير من عمر المجلة كان يتم تنضيد الحروف في مطبعة المطرانية التابعة لكنيسة المشرق التي كانت حينذاك في الدورة في بغداد ثم إرسالها للطبع النهائي في المطابع الأهلية. كل هذه العملية كان يتطلبها الإنتقال بين عدة جهات ومطابع وما صاحب ذلك من مشاكل ومضيعة للوقت والجهد. وهنا يجب أن لا أنسى قصة الصديق الأديب ميخائيل مروكل ممو الذي كان اللولب المحرك لإصدار المجلة كتابةً وتحريراً وإدارةً وطباعةً فخلال سنوات طويلة تولى مهمة كتابة وإخراج المجلة والإشراف على طباعتها وحتى توزيعها فله قصص كثيرة في هذا السياق ولعل أكثرها تشوقاً وإثارة هي قصة تورطه مع أحد رجال الأمن العراقيين. فبعد كتابة القسم الآشوري للمجلة كان يستوجب نقله بالسيارة إلى شارع الرشيد في بغداد حيث معظم المطابع كانت هناك في الأزقة الضيقة لهذا الشارع والذي لم يكن بالإمكان دخول السيارة إليها مما كان يتم نقل محتويات المجلة بالعربانه (وهي عربة خشبية ذات عجلات صغيرة) لإيصالها إلى المطبعة. وذات يوم وبينما كان ميخائيل يدفع العربانة في شارع الرشيد نحو مدخل زقاق المطبعة وإذ بهواء قوي يطيًر جميع أوراق القسم الآشوري وتتناثر في شارع الرشيد وبين أقدام المارة فما كان من ميخائيل إلا أن يركض وراء الأوراق المتطاير ويلمل ما يستطيع لملمته وإذ برجل أمن يقف على رأس ميخائيل ويتهياً للإمساك به وكأنما يقبض على لص يحاول الهرب. وعندما أخذ رجل الأمن ورقة من أوراق القسم الآشوري للمجلة التي جمعها ميخائيل  تعجب وأندهش بشكل مثير  فما كان منه إلا أن يتصل بدائرة الأمن من تلفون الدكان القريب ويقول لمسؤوله بأنه قبض على شخص في شارع الرشيد وهو يوزع مناشير باللغة اليهودية.!!! الله يكون في عون ميخائيل ... فكيف يستطيع إقناع هذا الرجل بأن هذه اللغة ليست يهودية بل آشورية/سريانية وهي ليست مناشير يهودية بل محتويات لمجلة مجازة رسمياً. فبعد مناقشات طويلة مقرونة بإتصالات عديدة لإثبات حقيقة الأوراق تمكن ميخائيل من الإفلات منه وإيصال الأوراق إلى المطبعة... أن دخول في نقاش مع رجل أمن في العراق في تلك الفترة لإقناعه برأي مخالف لرأيه هو أمر بحد ذاته مخاض مأساوي ونهايته غير مضمومة للتخلص منه بسلام من دون أن يكون ذلك مقروناً بالهلع والخشية من مصير يكون نهايته في دهاليز النظام المظلمة. حقاً أقول بأن هذه السطور قليلة جداً في تقييم عظمة المجلة ومن وقف وراءها لإستمرارها لعقد من الزمن فلهم جميعاً ننحني أمامهم إكراماً وتقديراً ولكل الذين واكبوا رحلة "المثقف الآشوري" الشاقة إلى نهايتها وهي الرحلة التي لم تنتهي إلا في قلوب جميع عشاق النادي والغيوريين على لغتهم وتراثم إينما كانوا في زوايا هذا العالم الواسع. ولم يبقى بخصوص المجلة إلا أن أذكر بعض الإحصائيات عنها حيث صدر منها عشرون عددا من حزيران 1973 إلى العدد الأخير  الذي صدر في أذار 1979 وكان عدد صفحات العشرين عدداً (960) صفحة من القطع الكبير أي بمعدل (46) صفحة لكل عدد وكانت محتويات العدد (21) تحت الطبع في عام 1980 وصدر في السنوات اللاحقة.

في أعلاه صورة لصفحة من صفحات مجلة المثقف الآشوري مكتوبة بخط يد المرحوم الشماس يؤارش القس متي.
=================================================================

الفصل الرابع من الكتاب يتحدث عن (فروع النادي الثقافي الآشوري) حيث كان للنادي فرع في محافظة السليمانية وكان مؤسسه كل من الدكتور سركون يواش خانا (طبيب) رئيساً و عوديشو آدم (طالب جامعي) نائب الرئيس و جورج عبد الغني جرجيس (مهندس) أمين السر و يونادم يوسف كنا (طالب جامعي) أمين الصندوق وكان أعضاء الهيئة الإدارية كل من الشهيد يوسف توما هرمز (طالب جامعي) و ألبرت الله وردي (مساعد طبيب) و فلورنس داود أوراهم (مدرسة) و هرمز سرسنك (طالب جامعي) ولازار خوشو يوسف (معاون مهنس) وكان قد ذيل طلب تأسيس النادي بتوقيع خمسين شاباً وشابة معظمهم من خريجي وطلاب الجامعات. وفي كانون الأول عام 1973 أجيز فرع النادي وأخذ يمارس نشاطاً ملحوضاً على مستوى مدينة السليمانية وينمي الوعي القومي بين أعضاءه ولعب المرحوم الإستاذ أبرم عما الألقوشي (مدرس) دوراً كبيراً في هذا المجال والذي زرع في أعضاء النادي فكرة إقامة تنظيم قومي سياسي فكانت البادرة الأولى للأساس الذي قامت عليه الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) لذلك يعتبر المرحوم أبرم عما الأب الروحي لزوعا وللفكر الوحدوي الذي زرعه بين أعضاء التنظيم. إضافة إلى هذا الفرع كان مثقفو أمتنا في محافظتي نينوى (الموصل) والتأميم (كركوك) قد قدموا طلباً إلى السلطات الرسمية في هاتين المحافظتين لتأسيس فرع للنادي إلا أن طلبهما رفض ولم يستطيعوا تأسيس النادي.

الفضل الخامس مخصص لأشهر وأنشط أدباء النادي وذكرنا منهم المرحوم الأب إيشو القسم عوديشو إستاذ اللغة وعضو مجمع اللغة السريانية و المرحوم الشماس منصور روئيل زكريا (عضو فخري) والمرحوم الإستاذ إختيار بنيامين موشي (عضو فخري) و المرحوم الإستاذ أبرم بيت بنيامين (عضو فخري) والمرحوم رابي زيا نمرود كانون، عضو فعال جداً في النادي وصاحب مقالات وكتب عديدة، والأديب واللغوي المعروف الإستاذ عوديشو ملكو مؤلف عددة كتب وصاحب قصائد مشهورة وحالياً رئيس إتحاد الكتاب الآشوريين في دهوك، والإستاذ رابي يوسف نمرود كانون عضو نشيط في تحرير مجلة المثقف الآشوري ومعد وكاتب العديد من المسرحيان وأمين سر النادي لأول هيئة إدارية، والإستاذ ميخائيل مروكل ممو الأديب واللغوي المعروف والعنصر المركزي في مجلة المثقف الآشوري، والإستاذ كوريل شمعون زيانو الروائي والكاتب المسرحي الذي كتب العديد من المسرحيات وأخرجها للنادي، و الأستاذ أوراهم يلدا أوراهم الكاتب واللغوي المعروف، و الإستاذ نينوس يوسف نيراري الشاعر المعروف بقصائده القومية ومؤلف كتاب أغا بطرس سنحاريب القرن العشرين، و الإستاذ جورج أويا أرخيوم، شاعر الشباب القومي، وغيرهم كثر. أما الفصل السادس فيشمل على بيلوغرافيا العديد من فناني النادي المشهورين على مختلف أصعد الفن فذكرت منهم الفنان المبدع سامي ياقو الذي أعتقله النظام البعثي في العراق بسبب أغانيه القومية، والفنان الملهم شليمون بيت شموئيل صاحب الأغاني الرائعة ذات النغمات التراثية، والفنان المطرب داود إيشا المعروف بأغانيه القومية الذي أعتقله النظام البعثي في العراق بسبب ذلك، والمسرحييون المعروفين يوسف نمرود (أندريه) و رمزية نيقاديموس وياقو جماني و إيبي عمانوئيل الذين بإبدعاتهم الفنية بنوا مسرحاً آشورياً راقياً في النادي. ومن الفنانيين التشكليين ذكرنا أرم أورها عوديشو الذي زين بلوحاته التعبيرية الجميلة جدران النادي وخطط العديد من الشعارات لنشاطات النادي وساهم كثيراً في تخطيط ورسم أغلفة مجلة المثقف الآشوري وشقيقه أمير أوراها الذي سار على نفس المنوال ولكن مواقفه القومية لم ترضي النظام البعثي في العراق فآل مصيره إلى السجن مع غيره من رفاقه في تنظيم زوعا. أن نجوم الأدب والفن في سماء النادي لم تكن قاصرة على هؤلاء فقط إذ ليس بالإمكان حصر كلهم في هذه الصفحات القليلة فحجم النشاطات وعدد المبدعين في النادي أكثر مما تستوعبها أية ذاكرة إنسانية ولكن للأمانة وإكراماً لكل الذين ساهموا وأبدعوا في نشاطات النادي أذكر المرحوم أوشانا جنو الملحن المبدع وزهير عبد المسيح ويوسيفوس عمانوئيل وشارليت إليات ومورين يوسف وداود بولص وبول عيسى وعمانوئيل يوسف وأمير وبنيامين عوديشو وبرناديت يوئيل و المرحوم يؤارش القس متي وكيًا يوخنا وإشعيا يوخنا ومارلين عمانوئيل ونينوس شموئيل وأنطون لاجن وولسن كمليل وأسحق زومايا وغيرهم الكثير ممن كانوا نجموم متلئلئة أضاءت طريق النادي الثقافي الآشوري فيستحقون كل الإعجاب والتقدير.  

دور النادي الثقافي الآشوري في المجتمع:
وهو الموضوع الذي بحثته في الفصل السابع من الكتاب والذي يعتبر من أهم المواضيع في تلك الفترة والفترات اللاحقة لأن النادي فعلاً رسخ الوعي القومي في الشباب الآشوري ووضع اللبنة الأولى لنشوء حركات وأحزاب قومية وإنخراط الكثير من أعضاء النادي في مثل هذه الحركات والأحزاب الآشورية والبعض منهم وصل إلى مواقع قيادية. وكانت هناك جملة عوامل لعبت دورها في تمكين النادي من إداء دوره الفعال في المجتمع الآشوري، نذكر منها وبإختصار:
1)- إفتقار المجتمع الآشوري في العراق في تلك الفترة إلى مؤسسة ثقافية، فالحاجة كانت ملحة عند الشباب الآشوري المثقف لإيجاد مثل هذه المؤسسة لذلك عندما تأسس النادي في عام 1970 أستقبله الآشوريون إستقبالاً كبيرا وأنظم إليه عدد ضخم من المثقفين الآشوريين وبالأخص الناشطين منهم في الحقل الأدبي والثقافي والفني فأرسوا أساساً قوياً لنشاطات النادي. (2) – التركيبة الثقافية والفكرية لإعضاء النادي كان عاملاً مهماً لكي يعلب النادي دوراً فعالاً في المجتمع إذ كانوا جميعاً يمثلون الصفوة المثقفة من الآشوريين المؤمنين بضرورة إحياء الثقافة الآشورية والأدب الآشوري. (3) – كان النادي بالنسبة للأعضاءه البيت العائلي الثاني لهم. فعلى الرغم من التنافس الشديد والحامي الذي كان يحصل بينهم عند إنتخاب رئيس النادي وأعضاء الهيئة الإدارية إلا أنه في مواجهة التحديات كانوا يعملون كجبهة واحدة متخذين من النادي كأيديولوجيه لهم في مواجهة التحديات التي فرضها عليهم النظام السياسي الإستبدادي. فمن الطبيعي كانت نتيجة دفاعهم عن النادي والإخلاص له والعمل الدؤوب عوامل وضعت النادي في دور ريادي في قيادة النشاطات الثقافية والفكرية والأدبية في المجتمع الآشوري أن لم نقل المجتمع العراقي ككل. والنادي لعب دوراً مهماً وفاعلاً على مختلف الأصعدة ونذكر منهم وبإختصار أيضا:
أولاً: اللغة الآشورية:
أهتم النادي إهتماماً كبيراً ومنقطع النظير باللغة الآشورية وتدريسها وتطوير مناهجها فكان النادي يؤمن بأن اللغة روح الأمة وحياتها، فلا حياة لقومية بدون لغة فهي أس الأساس في تحديد هويتها وشخصيتها المتميزة عن بقية القوميات الأخرى. والنادي لجأ إلى عدة أساليب في هذا المجال منها (1) - دورات لتعليم اللغة وعلى مختلف المستويات حيث كانت الصفوف تعج بالطلاب ومن مختلف الأعمار ولم تقتصر هذه الدورات على الأعضاء فقط بل لغير الأعضاء أيضاً، وفي دورة من دورات تدريس اللغة كان عدد الطلاب يقارب 300 طالب وعلى مراحل ومستويات مختلفة من الإبتدائي حتى المتقدم ومنها اللغة القديمة المعروفة بالأرامية وكان يدرس فيها أساتذة أكفاء في اللغة وتخرج من هذه الدورات طلاب أصبحوا فيما بعد من المختصين في اللغة ونذكر منهم، على سبيل الذكر لا الحصر، الأديب واللغوي المعروف روبين تيدي بيت شموئيل وبعضهم أختار سلك الكهنوتية وخدمة كنيستهم، منهم على سبيل الذكر لا الحصر، الأبوين الفاضلين عمانوئيل بيتو يوخنا وأنطون لاجن في حين أختار آخرون الإنخراط في الشؤون السياسية كالسكرتير العام السابق للحركة الديمقراطية الآشورية السيد نينوس بتيو. (2) – مناهج تدريس اللغة: كان حجم وكثقافة دورات تعليم لغة الأم قد فرض نفسه لإيجاد وتأليف مناهج علمية للتدريس تفي بمتطلبات هذه الدورات وعلى مختلف الأصعدة والمستويات التعليمية إذ تمكن النادي بفعل أعضاءه المتمرسين في شؤون التعليم والأدب واللغة من وضع مناهج تدريسية عصرية متطورة تتفق مع تطلعات النادي في تعميم وتعليم اللغة بالشكل السليم وتأتي أهمية هذه المناهج التعليمية والكراريس التوضيحية ليس في كونها قاصرة على النادي فحسب بل أصبحت مناهج تعليمية لبعض المؤسسات الآشورية والكنائس التي قامت أيضا بفتح دورات لتعليم لغة الأم. (3) – كوادر تعليمية: بفعل إستمرار دورات تعليم اللغة ونجاحها تخرج منها المئات من الشباب الواعي بأهمية اللغة وضرورة صيانتها وتعميمها بين أبناء المجتمع الآشوري فإستطاع النادي أن يخلق من بعضهم كوادر تدريسية أهلتهم قدرتهم اللغوية التي إكتسبوها من هذه الدورات ومن المدرسين الأكفاء على القيام بتدريس لغة الأم في بعض المؤسسات الآشورية الأخرى أو في الكنائس. لم يكتفي النادي بهذا القدر فحسب بل قام أيضاً بتنظيم دورات خاصة لتدريس لغة الأم للمعلمين والمدرسين الآشوريين ومن غير الأعضاء بقصد خلق منهم كوادر تدريسية قادرة على تطبيق القانون الخاص الذي كان قد صدر في تلك الفترة بتدريس اللغة (السريانية) في المدارس التي أكثريتها من أبناء هذه اللغة وكان فتح مثل هذه الدورات بناء على طلب الجهات الرسمية (وزارة التربية) لتوفير المدرسين الأكفاء لتطبيق القانون وهذا يدل على مدى أهمية النادي ودوره الكبير في تلك الفترة. (4) – الندوات والحلقات الدراسية: كانت من الأساليب الفعالة التي أتبعها النادي في تطوير لغة الأم ومواكبة التطورات العصرية المؤثرة على اللغة. فأول ندوة ثقافية أقامها النادي كان في 1973.04.10 لدراسة قرار مجمع اللغة السريانية حول تدريس لغة الأدب الكلاسيكي (القديمة) وبالأحرف الإسطرنجيلي في المدارس التي أكثريتها من أبناء هذه اللغة. وبعد أسبوع تقريباً طلبت وزارة التربية من النادي عقد ندوة أخرى نظراً لأهمية مثل هذه الندوات وفيها تم رفع توصيات باللغة واللهجة السليمة والأحرف التي يمكن الإعتماد عليها في تدريس اللغة. وتعتبر الحلقة الدراسية عن اللغة التي عقدت في النادي من 3 أيلول إلى 8 منه في عام 1976 من أهم المناسبات التي يجب ذكرها هنا إذ شارك فيها عدد كبير من اللغويين والأدباء والتدريسيين سواء من أعضاء النادي أو غيرهم وسواء من الآشوريين أو غيرهم والتي أستمرت ستة أيام ومن ثم تم طبع ونشر البحوث المقدمة للحلقة لتعميم فائدتها للجميع. ولا يسعني في الأخير إلا أن أذكر بأنه منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي ونظراً لإزدياد طلبات الإنتماء إلى النادي بشكل كبير جداً ولغرض تعميم اللغة وفرضها على طالبي الإنتساب للنادي فقد لجأ النادي إلى وضع إتقان اللغة الآشورية كشرط لإكتساب عضوية النادي وبعكسه كان يستوجب على طالب الإنتماء للنادي دخول دورة تعليم اللغة الآشورية في النادي وإجتيازها بنجاح كشرط لإكتساب العضوية، فساهم هذا مساهمة كبيرة في إتقان الكثير من أبناء أمتنا للغتهم القومية.
 

(5) – التحرير والنشر: لجأ النادي أيضا إلى هذا الأسلوب لتطوير لغة الأم وتعميمها بين أبناءها. فصفحات مجلة المثقف الآشوري كان زاخرة بدراسات ومقالات حول هذا الموضوع إضافة إلى النشرات الجدارية وبعض الكراريس والكتيبات الأخرى الخاصة باللغة وبتراث الأمة وتاريخها.

ثانياً: الأدب والتراث:
إذا كانت اللغة روح الأمة وحياتها فإن التاريخ هو وعي الأمة وشعورها، فالأمة التي تفقد وعيها وشعورها تكون قد فقدت ذاكرتها ومن ثم فقدت إدراكها الذاتي لوجودها القومي. وتاريخ كل أمة هو موروثها المكتسب من جيل إلى آخر فهو حصيلة تجارب وممارسات ومعتقدات أجيال متعاقبة في الحقول الثقافية والأدبية والفنية والدينية والأخلاقية والتربوية تعكس من خلالها سمات الأمة وهويتها القومية. والنادي طيلة فترة حياته لم يتوانى ولم ينسى ممارسة النشاطات التراثية وأحياء ذكرى المناسبات القومية فكان هو الوحيد في تلك الفترة ومن الممكن أن يكون كذلك حتى يومنا هذه يمارس ويستذكر مثل تلك المناسبات ونذكر منها عيد كالو سولاقا (عيد الصعود) وما لهذا العيد من دلالات قومية أضافة إلى دينية وأيضا عيد الأول من نيسان رأس السنة البابلية الآشورية الذي كان يستقطب أعداداً كبيراً في إحتفالات ثقافية وفكرية تقام في النادي ولم ينسى النادي إحتفالات بعوثا دنينوايه (صوم نينوى) ويوم الشهيد الآشوري والذي كان له وقعاً كبيراً على نفوس الجميع وهم يمارسونه بطريقة تراثية وثقافية بحيث لا يثير إستفزاز أزلام النظام البعثي في العراق. كما أحتفل النادي دوماً وفي كل سنة بعيد الأم ويوم البنات وسوميكا (بداية الصوم) وحتى أنه أحتفل بعيد المعلم والأباء أيضا. وكان النادي يهتم إهتماماً كبيراً بالمورث الغنائي والموسيقي وبالحان تراثية كراوه وليليانه وغيرهما. وهنا يجب أن لا أنسى زيارة الآخوين الرحباني عاصي ومنصور إلى النادي في بداية السبعينيات من القرن الماضي وبيان إعجابهما الشديد بالنادي وبمثقفيه وبالتراث الآشوري الغنائي ومن ثم إهداء لهم شريط مسجل للغناء الثراثي والحديث، كما يجب أن نذكر المرحوم الموسيقار الكبير جميل بشير الذي حاضر في النادي أكثر من مرة عن الموسيقى والغناء التراثي الآشوري والأب الفاضل فيليب هيلاي الذي حاضر عن الموسيقى والتراتيل الكنسية.
 أما على المستوى الأدب فللنادي جولات وصولات في هذا المجال حيث من السنة الأولى لتأسيسه تشكل أصدقاء الأدب الآشوري والذي كان يضم كبار المثقفين والأدباء من أبناء أمتنا وقاموا بعدد كبير من النشاطات الأدبية والثقافية والشعرية. ومهرجان الشعري الآشوري الذي كان يقيمه النادي في كل سنة كان وبحق تظاهرة ثقافية شعرية ليس على مستوى المجتمع الآشوري فحسب بل على مستوى العراق قاطبة حيث كان يحضرها كبار شعراء العراق ويلقون قصائدهم فيها. إضافة إلى ذلك كان النادي يقيم بين فترة وأخرى أمسيات شعرية لشعراء معروفين وللشباب أيضا. وهنا يجب أن لا أنسى مهجرجان الشعر الشعبي العراقي الذي أقيم في النادي وحضره أكثر من 1500 شخص عجت حدائق النادي بهم وتسلق الكثير منهم جدران النادي وأشجاره مما ظهر كانه تجمعاً جماهيرياً أو مظاهرة وكان للشيوعيين العراقيين من شعراء وجمهور حضوراً متميزاً ومؤثراً فأثار ذلك هيجان أزلام النظام البعثي مما نتج عن ذلك إستدعاء الهيئة الإدارية للنادي في اليوم التالي إلى دائرة الأمن للمسائلة والإستجواب عن سبب حضور هذا العدد الكبير من الشيوعيين. ليس هذا فحسب فقد كان للنادي مهرجاناً سنوياً للكتاب الآشوري حيث يعرض فيه مختلف الأنواع من الكتب خاصة التي تتناول تاريخ أمتنا وتراثها ولغتها.


ثالثا: الفن الآشوري:
لعب النادي دورا كبيراً في ترويج وتطوير الفن الآشوري وعلى مختلف الأصعدة منها المسرح حيث كان النادي رائداً في بناء مسرح آشوري متكامل الجوانب سواء من خلال عرض العشرات من المسرحيات التي مثلت وأخرجت من قبل أعضاء أكفاء في هذا المجال أو من خلال إكتشاف وصقل مواهب فنية ومسرحية جديدة إضافة إلى خلق وعي مسرحي في الجمهور الآشوري الذي أجتذب بكل قوة إلى تلك المسرحيات التي عرضها النادي. فالمسرح الآشوري في تلك الفترة كان مضاءاً بأسماء أمثال رابي يوسف نمرود كانون وسامي ياقو وشمعون كوريال وأندريه يوسف وإيبي عمانوئيل وغيرهما كثر. أما بالنسبة للفنون الموسيقية والغناء فقد كان للنادي دوراً كبيراً في تطوير مواهب الكثير من الشباب الآشوري في هذا المجال خاصة من خلال إقامة المهرجان السنوى للغناء والموسيقى الآشورية الذي كان يشارك فيه نخبة متميزة من المطربين البارزين إضافة إلى المطربين الشباب. زد على ذلك كان للنادي فرقة للقنون الشعبية وأخرى فرقة الأطفال للأناشيد التراثية فأحيوا معظم المناسبات والأعياد والإحتفالات في النادي بعروضهم الشقية وأصواتهم الشجية. ويجب أن لا يفوتني أن أذكر بأن المطربين سامي ياقو وداود إيشا اللذين كانا مشهوران أكثر من نار على علم ومعروفان بأغانيهما القومية والذي "كافئهما" النظام البعثي الجائر على ذلك بإعتقالها وزجها في دهاليز سجونه وتعرضهما للتعذيب الجسدي والنفسي. والفنون التشكيلية كانت لها مكانة خاصة في النادي وبين فنانيه التشكليين في ممارستهم للرسم والنحت وأعمال يدوية وصناعات تراثية حيث كانت تقام المعارض سنوياً للوحات الفنية والمنحوتات والملصقات والبوسترات السياسية.. كانت نشاطات النادي زاخرة بالكثير من الممارسات الفنية المختلفة فلم تقتصر على الحقول المار ذكرها، فتدريس النوته الموسيقية وإعداد الأطفال وتعليمهم المبادئ الأولية في الفنون التشكيلية وتدريب الناشئين في حقلي الموسيقى والغناء والإحتفالات بالمناسبات التراثية وبأسلوب فني رائع كلها كانت أضواء في مسيرة النادي الذي أوصلته إلى قلوب جميع أبناء المجتمع الآشوري.

رابعاً: الثقافة العامة:
لم يكن النادي الثقافي الآشوري متقوقعاً على نفسه في مجال الثقافة العامة ولم يكن محصوراً ضمن نطاق الثقافة الآشورية فحسب أو بين أعضاءه بل تجاوز ذلك نحو عموم العراق وساهم الكثير في إنماء الثقافة العامة للأعضاء وغير الأعضاء. فمكتبة النادي التي كانت تضمن ألاف الكتب والمجلات والمخطوطات كانت صورة للواقع الثقافي المزدهر للنادي. الحديث في هذا الموضوع طويل جداً أكثر بكثير من طول قائمة أسماء كبار المثقفين والأدباء والشعراء الذين ساهموا في هذا المجال سواء بإلقائهم محاضرات أو مشاركتهم في مهرجانات أو حلقات دراسية... وأذكر منهم العلامة المرحوم الدكتور علي الوردي الذي حاضر مرتين في النادي والدكتور كامل الدباغ المعروف ببرنامجه التلفزيوني المشهور (العلم للجميع) والمؤرخ سالم الألوسي والدكتور وليد سعيد خيوكه والأستاذ علي الكاظمي والقاص المعروف غانم الدباغ والسياسي المخضرم بيتر يوسف وهذا عدد يسير من مجموعة كبيرة من المثقفين العراقيين الذين حاضروا في النادي. أما من أبناء أمتنا فالعدد كان أكبر بكثير حيث حاضر في النادي لوقا زودو و إبراهيم نورو (كلاهما من لبنان) والبروفسور أدور يوخنا والشماس كوركيس بنيامين أشيتا والمرحوم رابي أبرم بيت بنيامين والأديب المعروف عوديشو ملكو والدكتور عوديشو بريمو وغيرهم كثر وكانت محاضرة الشماس والأديب المعروف المرحوم كوركيس بنيامين أشيتا أول محاضرة تلقى في النادي مساء يوم الأحد المصادف 1970.11.22 عن تاريخ الأدب الآشوري ويعتبر الأديب الكبير المرحوم الشماس منصور روئيل أكثر من حاضر في النادي حيث كان له بحدود ثمانية محاضرات ومشاركات أخرى في الحلقات الدراسية لللغة والأدب.



وهنا أود أن أشير إلى حدثين مهمين يظهر من خلالهما مدى أهمية دور النادي وموقعه في الثقافة بشكل عام. في عام 1972 طلبت الأكاديمية الملكية السويدية (وهي المنظمة العالمية التي تمنح جوائز نوبل المشهورة) طلبت بكتاب رسمي موجه إلى وزارة الثقافة العراقية بتزويدها بمعلومات ومصادر عن تاريخ العراق وحضاراته القديمة فما كان من وزارة الإعلام إلا وأحالت الكتاب إلى النادي الثقافي الآشوري لتلبية طلبات الأكاديمية أعلاه وفعلا تم تلبية الطلب بالقدر المتوفر من بعض الكتب أو إستنساخها وإرسالها إليها. وفي أعقاب تأميم شركة نفط العراق عام 1972 كان النادي كمؤسس عراقية ثقافية يعني بالشؤون العامة للوطن وبكل المجريات التي تخص عموم الناس فكان النادي أول مؤسسة عراقية على مستوى القطر يقوم بتنظيم محاضرة ألقاها رئيس جمعية الإقتصاديين العراقيين عن هذا الحدث الهام والذي تم بثه تلزيونياً إلى كافة أنحاء العراق وإلى وكالات الأنباء المحلية والعالمية. هذه الأمثلة وغيرها كثيرة تعكس بكل وضوح وجلاء أهمية النادي ودوره في مجمل الحياة الثقافية والعلمية ليس على مستوى الأعضاء أو على مستوى المجتمع الآشوري فحسب بل على المستوى العراقي أيضا.

خامساً: الوعي القومي والسياسي:
كانت المادة الخامسة من النظام الداخلي للنادي تنص على أنه ليس للنادي أي صفة دينية أو سياسية غير أن الحقيقة كانت عكس ذلك، فالظروف والسياسات التي فرضها النظام البعثي أنذاك على كل المجتمع العراقي وتحديداً على الأقليات وبالأخص الآشوريين منهم جعلت من النادي أن يكون في قلب السياسة وأن يكتسب صفة سياسية عكست بشكل مباشر أو غير مباشر المطامح القومية المشروع للأشوريين في العراق. هناك أحداث ومناسبات كثيرة ومفصلة بشكل مطول في كتابي السالف الذكر ولا أريد الغوض فيها لكونها كثيرة وطويلة جداً، وإختصاراً أريد التأكيد مرة أخرى بأن النادي كان مدرسة فكرية وقومية وسياسية تخرج منها الكثير من القوميين الآشوريين المعرفيين وكانوا من المؤسسين للحركات السياسية والقومية والمنظمات الآشورية الفكرية والثقافية سواء في أرض الوطن أم في بلدان المهجر ... ويكفي للنادي فخراً وإعتزازاً الوقفة البطولية التي وقفها الشاب الآشوري المناضل عندما أعتقلهم النظام البعثي في العراق في شهر تموز من عام 1984 ومعظمهم كانوا أعضاء في النادي وتنفيذ حكم الإعدام شنقاً حتى الموت على ثلاثة منهم في بداية شهر شباط من عام 1985 وعلى سبعة عشر منهم بالسجن المؤبد ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة وذلك بسبب إنتمائهم إلى الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) فهم جميعاً يستحقون بكل إجلال وعظمة أن تسجل أسماؤهم بماء من الذهب في السجل القومي الآشوري لتبقى نبراساً منيراً للأجيال الحاضرة والقادمة وشوكة في عيون المتخاذلين والأفاقين والعاثرين في تقدم مسيرة الأمة الآشورية نحو تحقيق ذاتها القومي بشكل يليق بكرامة وسمعة الأجداد العظام الذين وضعوا اللبنة الأولى للحضارة الإنسانية المعاصرة.
فإذا كان النادي الرحم الذين حمل فكر زوعا وتولد منه وترعرع بين جدرانه حتى بلوغه المستوى الذي بلغه الآن فأنه من الضروري أن نذكر بأن السياسي النشيط والسكرتير العام لزوعا السيد يونادم كنا كان عضواً نشيطاً في النادي وأحد مؤسسي فرعه في السليمانية. والأمر لم يكن محصوراً بزوعا فقط بل الحال أيضا  كان نفسه مع تنظيمات وأحزاب سياسية أخرى كالحزب الوطني الآشوري الذي كان معظم مؤسسيه أعضاء في النادي لا بل كان السيد نمرود بيتو السكرتير العام السابق للحزب رئيساً للنادي في أحدى دوراته كما كان الدكتور عمانوئيل قمبر السكرتير العام السابق للإتحاد الآشوري العالمي عضواً في الهيئة الإدارية ولدورات عديدة وكان من أنشط أعضاءه، والقائمة تطول بالنسبة لبعض أعضاء حزب بيث نهرين الديمقراطي والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري وغيرها من التنظيمات القومية والثقافية المنتشرة في بلدان المهجر. هنا أيضا يجب أن لا يفوتني أن أذكر التطلعات الوحدوية التي كان يضعها النادي في مقدمة نشاطاتها التي لم تكن تميز بين آشوري أو كلداني أو سرياني ليس من حيث العدد الكبير، وبالأخص المثقفين والأدباء والكتاب والفنانين الكلدان المنتمين إلى النادي بل إلى النشاطات التي كانت تنظم لهم أيضا. وأذكر بهذا الخصوص حفلات تعارف للطلاب الكلدان الجامعيين حيثوا كانوا يمارسون نشاطهم الترفيهي والثقافي في النادي وبكل حرية وتسهيلات وفرها النادي لهم بعد أن منعتهم بقية الأندية من إقامة مثل هذه النشاطات خوفاً من أزلام النظام البعثي في العراق لأن مثل هذه النشاطات كانت حصراً بالإتحاد الوطني لطلبة العراق التابع للنظام وإن معظم هؤلاء الطلاب كانوا ذو أفكار قومية وحدوية يؤمونون بوحدة أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" لا بل بعضهم كانوا من الماركسيين واليساريين المؤمنين بمشروعية حقوقنا القومية في العراق. على الرغم من إنقطاع الإتصال بهؤلاء الطلاب بعد ما يزيد على أربعة عقود من الزمن وصعوبة تذكر أسماؤهم ( أتذكر فقط الأسم الأول لبعض الناشطين منهم مثل أسحق و مازن وكلاهما من ألقوش) إلا أنه من المؤكد شكلوا اللبنة الأولى لوحدة أمتنا "الكلدانية السريانية الأشورية" ومن المؤمل أن يكونوا قد وصلوا إلى مراحل متطورة سياسياً وقومياً وتنظيمياً للفكر الوحدوي لأمتنا.  


النادي الثقافي الآشوري – اليوم الحاضر
===========================
1 - النادي فكراً ووعياً:
أنتهى النادي في الماضي كمؤسسة ثقافية وبنية تنظيمية ولكن بقى وظل وأستمر كبنية فكرية خلقت وعياً قومياً نموذجيا فترعرع وتنامي ونضج في النادي الثقافي الآشوري والذي جعل أن يستمر النادي وينتشر في قلوب وعقول وممارسات أعضاءه رغم إنتهاء النادي رسمياً وإغلاقه. فإذا كانت السلطات الأمنية والحزبية في ظل النظام البعثي المقبور قد وفقت في القضاء على النادي كبنية تنظيمية ثقافية فأن النادي ظل كفكر وروح يسري في عروق وعقول أعضاءه الخيريين إينما كانوا وتفرز بذورها في الوعي القومي في كل زاوية من زوايا المجتمع لتخصب مسيرتهم النضالية بثمار وتجارب وعبر تزيد من صلابة الحركة القومية نحو تحقيق أهدافها المشروعة في البقاء كقومية تعتز بمجدها وتاريخها العظيم.

واليوم لو أمعنا النظر على الساحة القومية والسياسية والثقافية والإجتماعية وحتى الكنسية لمجتمعنا نجد بأن الريادة والإبداع والتضحية هي من لدن من كانوا أعضاء في النادي.... فالحركة الديمقراطية الآشورية من قمة قيادتها وحتى أصغر قاعدة يسري فيها الفكر القومي الوحدوي الذي

269

يهودية الآشوريين "النساطرة" في مزاعم أحمد سوسه
==============================
                                                                                                                                         أبرم شبيرا
توطئة:
حفزني الموضوع التي كتبه بعض الأخوة الأعزاء في موقع عنكاوة عن الدكتورأحمد سوسه والإشارة إلى كتابه (ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق) الذي يزعم فيه بأن الآشوريين النساطرة هم من بقايا الأسباط العشرة اليهودية من مجموع أثنى عشر سبطاً الذين سباهم ملوك الآشوريين في القرن الثامن قبل الميلاد من بلادهم إلى شمال بلاد مابين النهرين، حفزني لأبحث عن الكتب التي إقتنيتها عن هذا الكاتب والمواضيع التي كتبتها عنه قبل ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن فوجدت أكثر من كتاب ومجلة راكناً في الرفوف العالية من مكتبتي الصغيرة ومنها الكتاب المذكور أعلاه. زد على ذلك فإنني أعرف الدكتور أحمد سوسه معرفة الطالب بالإستاذ، رغم عدم إتفاق الأثنين، حيث كنًا نلتقي به ونحن طلاب الدراسات العليا في كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد في مركز الدراسات الفلسطينية في منطقة الوزيرية التابع لجامعة بغداد باعتباره خبيراً في الشؤون الفلسطينية والتاريخ اليهودي وكثيراً ما ناقشته عن مزاعمه في أصل الآشوريين النساطرة حتى إنني دعوته مرة لإلقاء محاضرة عن الموضوع في النادي الثقافي الآشوري إلا أنه رفض ذلك.ولغرض تعميم الفائدة على القراء الأعزاء وبيان مزاعم سوسه كنموذج صارخ في تشويه وتحريف تاريخ الآشوريين أرتأيت أن أكتب هذه السطور مبتدأً بالغوص في شخصيته الغامضة والمتناقضة وعقليته المرتبكة تجاه الآشوريين النساطرة والتي من خلالها أقام مزاعمه في أصلهم اليهودي وفي دعواته الأخرى الخاصة بمحو تاريخ الشعوب التي بنت حضارات عظيمة في بلاد الرافدين وتنسيبها للعرب.
موجز حياة الدكتور أحمد سوسه:


ولد نسيم سوسه، وهو أسمه الحقيقي، لأسرة يهودية معروفة في الحلة سنة 1900، ربما تكون من جذور اليهود الذين سباهم الكلدانيون في القرن السادس قبل الميلاد إلى بابل. نشأ نشأة يهودية وتأثر كثيراً بمعالم مدينة بابل الأثرية حيث كان من المواضبين على زيارة أطلالها وإستلهامه منها مشاعره وتخيلاته عن هذه المدينة العظيمة التي عاش فيها إجداده الذين سباهم الكلدانيون من وطنهم الأصلي. كما كان متأثراً جداً بمشروع سد الهندية الذي أنشاْ في بداية القرن الماضي والقريب من مدينة الحلة وربما كان تأثره وإعجابه بهذا السد مفتاحاً لينطلق  نحو دراسة هندسة الري. ترك بلدته حلة متوجهاً إلى بيروت ليكمل دراسته الإعدادية في الجامعة الأمريكية عام 1923 ثم رحل إلى الولايات المتحدة ليواصل دراسته في كلية العلوم والهندسة في كولورادو في الولايات المتحدة ليحصل على شهادة بكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1927، ويقال بأنه كان أول مهندس عراقي يتخرج من الجامعات الغربية. ثم واصل تعليمه الهندسي في جامعة هوبكنز الأمريكية ليتخرج منها في عام 1929 حاملاً شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية إذ حصل على لقب دكتور في الفلسفة بدرجة شرف حسب ما ورد في مذكراته، أي أنه حصل على هذه الشهادة خلال سنتين أو ثلاثة (1927 – 1929) من بعد شهادة البكالوريوس. وعلى الرغم من جهلي بنظام التعليم في هذه الجامعة العريقة حينذاك إلا أن الأمر يخضع للتساؤل عن حصوله على مثل هذه الشهادة بهذه السنين القليلة ونحن نعلم بأن الحصول على دكتوراه في الفلسفة يستوجبها مدة أكثر وبعد الحصول على البكلوريوس ثم شهادة الماجستير.

عادة نيسم سوسه إلى العراق بعد أن ترك زوجته الأمريكية الغنية وولده هناك مفضلا العودة والعمل في العراق. ويصف سوسه قراره في ترك زوجته وولده بالقرار المثير جداً والمحرج لا بل حدثاً حاسماً اثر عليه كثيرا إذ يقول أن صدى صوت أبنه الذي قال في لحظة تركه "إلى أين تذهب يا أبتي؟ لماذا لا تبقى معنا" ...  لا زال يؤنب ضميره ويقول في مذكراته "ها قد مضى على تلك الحادثة أربعون عاماً وصورة ذلك المشهد المحزن تلاحقني ولم تفارقني لحظة واحدة". عينً بعد عودته مهندساً في مديرية الري العامة، وبعد فترة إستقال من وظيفته وسافر إلى مصر فأمضى أربعة أشهر في جامعة الأزهر بصفة مستمع ومتتبع وهناك أعلن إسلامه بصورة رسمية عام 1936 وأتخذ لنفسه أسم أحمد سوسه. وعند عودته إلى العراق عين مرة أخرى في الحكومة وتولى عدة وظائف فنية في دائرة الري وأخيرا كان مديراً عاماً لدائرة المساحة حتى عام 1957. نشر القسم الأول من مذكراته عام 1986 أي بعد وفاته في السادس من شهر شباط عام 1982 عن عمر ناهز 82 عاما وكان المفروض أن يتبعها القسم الثاني إلا أنه لم يكتب منها إلا بضعة صفحات.


دوافع د.أحمد سوسه في إعتناقه للإسلام:
يذكر د. أحمد سوسه ومعظم المؤرخين والمفكرين العراقيين سواء الذين عاصروه أو المعجبين بأبحاثه بأنه توصل وهو في الولايات المتحدة بعد دراسة طويلة وتفكير عميق إلى أن الإسلام هو دين الحق الذي يجمع بين فضائل الأديان السماوية جميعاً وأنه مبني على المبدأ الإنساني الذي يقوم على المساواة والتسامح فكان يقرأ إلى جانب كتبه الجامعية كثيرا من الكتب التي تبحث في تاريخ الأديان ودخل أيضاً دورة خاصة في دراسة تاريخ الأديان وعلم اللاهوت فقرر إعتناق الدين الإسلامي عن عقيدة وإيمان وإطلاع ولم يكن لغرض مادي أو مأرب دنيوي ولكنه لم يفصح بذلك إلا بعد الإنتهاء من دراسته الجامعية وعودته إلى العراق ثم أعلانه رسمياً عن إسلامه بعد عودته من جامعة الأزهر في القاهرة عام 1936، فوضع الجزء الأول من كتابه "في طريقي إلى الإسلام" وطبع في المطبعة السلفية في مصر عام 1936 أما الجزء الثاني فقد طبع في العراق سنة 1938.

وعلى العكس من هذا يقول الأديب العراقي اليهودي مير بصري في مقابلة خاصة معه في الإذاعة العربية في لندن بتاريخ 1993.8.28 "بأن الدكتورسوسه الذي كان صديقه منذ مرحلة الصبا قد ترك دينه اليهودي وأعتنق الإسلام لإسباب نفعية وماديه حيث يذكر بأن الدكتور فاضل الجمالي الذي أصبح فيما بعد وزيراً للخارجية في العهد الملكي في العراق كان قد أكد لنسيم سوسه بأنه مهما كانت كفاءته وإختصاصه فأنه يستحيل عليه الحصول على مناصب رفيعة في الدولة طالما بقى يهودياً" لهذا السبب أعتنق الإسلام لإسباب مصلحية ونفعية. ويتخذ بعض الذين صاحبوا أحمد سوسه موقفه من التخلي عن زوجته وولده نموذجاً لتأكيد توجهاته النفعية والمصلحية من إعتناقه للإسلام حيث فضل المناصب الحكومية على عائلته.
 
د. أحمد سوسة وعلاقته بالحركة القومية الآشورية 1933:
ومن الجدير بالإشارة المثيرة بأن د. أحمد سوسه عاصر وعايش أحداث الحركة القومية الآشورية في بداية الثلاثنيات من القرن الماضي. فعندما تصاعدت وتائر هذه الحركة وطرحت تسويات لحلها عن طريق إسكان الآشوريين المهجرين من مناطقهم في حيكاري في شمال بلاد مابين النهرين عوضاً عن أراضيهم المفقودة والتي أصبحت بموجب تسويات الحدود بعد الحرب الكونية الأولى مناطق خاضعة لتركيا، طالب قادة الحركة الآشورية إسكانهم في أراضي قريبة من مدينة دهوك في وحدة متجانسة كأساس للحفاظ على تقاليدهم وعاداتهم وبالمقابل طرحت الحكومة العراقية والسلطات البريطانية مشروع إسكانهم في مناطق متفرقة ومختلفة في شمال العراق والتي تبينت فيما بعد بأنها كانت أراضي مقفرة وجافة وبعضها مبوؤة بالأمراض المعدية والتي رفضها قادة الآشوريين. وكان د. احمد سوسه أحد أعضاء اللجنة الخاصة بهذا المشروع الحكومي بإعتباره خبيراً في شؤون الري ومسؤولاً عن رسم وتخطيط نظام الري لهذه المناطق المخصصة للآشوريين المهجرين. غير أن كل المشاريع والتسويات الخاصة بإسكانهم انهارت وسحقت تحت إقدام بعض قطاعات الجيش العراقي بقيادة بكر صدقي وحجي رمضان عندما قمعت الحركة القومية الآشورية وأرتكبت بحق الآشوريين المجزرة المعروفة في سميل في شهر آب من عام 1933. ويظهر بأنه منذ تلك الفترة ونتيجة لإختلاطه مع الآشوريين "النساطرة" والتعامل مع قضيتهم أخذ إهتمامه يزداد بهم ويبحث في أصولهم التاريخية ليجردهم من الحق الشرعي لهم في المواطنة والعيش في العراق الجديد فنشأت عنده أفكار ومواقف سلبية تجاه الآشوريين النساطرة لتتبلور فيما بعد في زعمه بأن أصلهم هو من الأسباط العشرة اليهودية وليس لهم علاقة بالآشورين القدماء.   

أشهر الكتب التاريخية للدكتور أحمد سوسه
د. أحمد سوسه كان غزير الإنتاج في الكتابة والتأليف حيث كتب المئات من المقالات والبحوث ونشرت في مجلات وجرائد عراقية وعالمية معروفة وألف خمسة وأربعين كتاباً في مختلف صنوف الهندسة والري والجغرافيا والحضارات والديانات والتاريخ. وعلى الرغم من إختصاصه العلمي في الهندسة وتحديداً في مشاريع الري فأنه كان مطلعاً وبغزارة على التاريخ والأديان إذ يذكر بأن مدينة بابل كانت قد أستلهمته منذ مرحلة الطفولة إضافة إلى مشاريع الري والسدود في العراق القديم فشكل كل ذلك دافعاً قوياً لدراسة تاريخ الشعوب خاصة تاريخ العرب واليهود. ولعل أشهر وأضخم كتاب وضعه في هذا المجال هو كتابه:(العرب واليهود في التاريخ – حقائق تاريخية تظهرها المكتشفات الآثارية) طبع عدة مرات والطبعة الثامنة التي بحوزتي طبعت في دمشق من قبل دار العربي للإعلان والنشر والطباعة – بدون تاريخ – وباللغات العربية والفرنسية والإنكليزية والألمانية. وهو كتاب موسوعي يقع في 1016 صفحة من القطع الكبير وكله مكرس في إمحاء تاريخ اليهود من العصور القديمة ومن أي وجود قديم لهم في فلسطين وإنكار أية علاقة لهم بالنبي إبراهيم الخليل. إذ يقسم التاريخ إلى ثلاثة مراحل وهي مرحلة أبراهيم الخليل (العراق)  ثم النبي موسى (مصر) ثم السبأ البابلي حيث يرى د. سوسه بأن تاريخ اليهود يبدأ من السبأ البابلي عندما كتبت التوراة وليس لهم علاقة لا بإبراهيم الخليل ولا بموسى فهذه ثلاثة مراحلة مختلفة ومتباعدة عن بعضمها البعض بألاف السنين. فهو يرى بأن النبي إبراهيم كان بالأصل واللغة والثقافة والأرض عربياً وإن جميع القبائل المعروفة بالعموريين والأكديين والآشوريين والكلدانيين هم عرب أرضاً ولغةً وثقافة، وهكذا يعتبر د. سوسه كل تاريخ هذه الشعوب تاريخاً عربياً لغة وثقافة. حيث يقول " أن عصر إبراهيم الخليل وإسحق ويعقوب ويرجع تاريخه إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد، هو عصر عربي بحت قائم بذاته بلغته وقوميته وديانته وهو مرتبط بالجزيرة العربية وبلغتها الأم (ص 79). وإن كلمة (إيل) والتي تعني الله هي عربية وليس لها علاقة باليهود الذين كانوا يعبدون (يهوا).... ويرى بأن هجرات القبائل العربية من الجزيرة العربية وإستقرارهم في بلاد الرافدين ووادي النيل وفي سورية ولبنان صاروا يعرفون بالكنعانيين – الفينيقيين والعموريين – والأراميين والأكاديين والكلدانيين والبابليين والآشوريين... . ثم يضيف ويقول "وهكذا فقد كانت لهذه الهجرات المتتالية من أهم العوامل لتنمية الكيان الحضاري العربي في الشرق الأدنى والسير به نحو التقدم والتطور في مختلف الميادين، هذا الكيان الذي إنبثقت منه أقدم وأعظم الإمبراطوريات التي عرفها العالم في تاريخ البشرية، أي الإمبراطوريات العربية الأربع: الأكدية والبابلية والآشورية والكلدانية..." ص 86.

لست بصدد تفنيذ هذه المزاعم في إعتبار كل هذه الشعوب عربية قومياً ولغويا وثقافية لكوني من غير المختصين في هذا الشأن ولكن الذي أعرفه أن تاريخ الدولة العربية الإسلامية وألاف الكتب والبحوث التي كتبت عنها تتناقض تماماً مع هذه المزاعم، ولكن الذي أريد أن أشير إليه هو أن مثل هذه المزاعم  كانت من الطبيعي أن تدخدخ عواطف ومشاعر وهيجان العروبيين وبالأخص حزب البعث ثم ليكرسوا الملايين من الدنانير في طبع ونشر كتابه في العالم وبلغات مختلفة رغم أن مثل هذه المزاعم لا تصمد أما الحقاق التاريخية المعروفة عن تاريخ هذه الشعوب التي كانت متواجدة منذ مئات السنين وبنوا حضارات عظيمة قبل أن يخرج العرب من الصحراء ويظهروا على مسرح التاريخ. لا بل والأكثر من هذا أذ اعتبرت هذه المزاعم مرجعاً أساسياً لمفكري حزب البعث في العراق في دعوتهم حول إعادة كتابة التاريخ الذي بدأ حملة واسعة في منتصف السبعينات من القرن الماضي بشأن سلب التاريخ القديم لهذه الشعوب ووضعه في خانة الأمة العربية والذي دعا إلى ضرورة عدم إستخدام أي مصطلح غير العروبة في ما يخص الأقليات القومية في العراق وطالب المفكريين والباحثين في إعادة كتابة التاريخ لإزاحة مثل هذه التسميات الخاطئة التي علقت في إذهان البعض... (للمزيد أنظر كتابي المعنون: الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة مسألة: في العقلية العراقية تجاه الأقليات، دار الساقي، بيروت ولندن، الطبعة الأولى 2001 – ص31). 

والكتاب الثاني المهم للدكتور سوسه في هذا الحقل هو الكتاب المعنون (ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق) من إصدارات مركز الدراسات الفلسطينية – بغداد – مطبعة أسد – سنة 1978) وهو الكتاب الذي يهم موضوعنا هذا وتحديداً فيما يخص مزاعم د. سوسه في الأصل اليهودي للأشوريين النساطرة.
الكتاب بالأصل بحث نشر في مجلة مركز الدراسات الفلسطينية – المجلد الثالث – العدد الرابع – كانون الثاني 1975 (ص 34 – ص 77) التابع لجامعة بغداد، تحت عنوان (لمحات من تاريخ يهود العراق القديم وصلته بيهود الشرق) فتم توسيعه وإضافة فصول ومعلومات أخرى عن اليهود وعن المسيحيين وكنائسهم وطوائفهم بشكل عام ليصبح على شكل كتاب. ولهذا الكتاب قصة من ورائها دوافع سياسية خدمت الفكر الإستبدادي لحزب البعث في العراق خاصة في موضوع أعادة كتابة التاريخ. في تلك الفترة كان المرحوم الشماس يوؤاش ورده رقيباً للمطبوعات الخاصة بشؤون "الناطقين بالسريانية من الآثوريين والكلدان والسريان" في وزارة الإعلام فعندما قدم الكتاب للحصول على الموافقة لطبعه رفض الطلب من قبل الرقيب بناء على توجيهات الرقابة العامة للمطبوعات في وزارة الثقافة والإعلام ليس لسبب كونه يتناول مواضيع خطيرة عن اليهود ووجودهم القديم في العراق بل في تلك الفترة وطبقاً لحملة حزب البعث في إعادة التاريخ منع إصدار أي كتاب عن الأقليات في العراق وسحب الموجود منه من المكتبات والأسواق وركزت هذه الحملة بشكل مكثف على الآشوريين بإعتبارهم من الأقليات التي لهم تنظيمات سياسية وأكثر نشاطاً على الساحة السياسية والقومية سواء في العراق أم في المهجر خاصة في مطالبتهم بحقوقهم القومية على أسس تاريخية مترتبطة بالآشوريين القدماء. فعلى الرغم من كون كتاب د سوسه المنوه في أعلاه إساءة لتاريخ الآشوريين ويقوم على سحب الإساس التاريخي لوجودهم القومي في العراق إلا أن هدف حزب البعث كان محو أي أسم يتعلق بالآشوريين سواء أكان سلباً أم إيجابا وتجنب إثارة أي موضوع عنهم واعتبارهم بحكم المنسي.  في نهاية عام 1978 كنت من المواضبين على المكتبة المركزية لجامعة بغداد وكانت لي معرفة دقيقة بجميع الكتب التي تخص الآشوريين سواء المذكورة في جدول الفهارس أم الموجودة على رفوف خزائن المكتبة. وذات مرة كنت أقرأ كتاب رياض رشيد الحيدري: الآثوريون في العراق 1918 – 1936 وهو كتاب طبع في مصر عام 1977 وكان بالأصل رسالة ماجستير في التاريخ من جامعة القاهرة) وكان مختوماً بختم (للتدوال المحدود) من قبل رقابة المطبوعات وفي اليوم التالي عندما طلبت إستعارته مرة أخرى لم أجده لا في جدول الفهارس ولا في خزائن المكتبة والحال كان نفسه مع جميع الكتب المتعلقة بالآشوريين إذ كانت قد رفعت من الفهارس والخزائن وأختفت نهائياً. وعند إستفساري من الموظف المسؤول عن سبب هذا الإختفاء لم أحصل على الجواب إلا بعد نصف ساعة، فهو الآخر أستفسر من غيره ليؤكد بأن هذه الكتب سحبت من التداول بناء على أوامر من "جهات عليا". مع العلم بأن رياض الحيدري مؤلف الكتاب كان قد تلقى تسهيلات وإمتيازات كبيرة من مديرية الأمن العامة في بغداد للبحث وقراءة التقارير الأمنية السرية الخاصة بالآشوريين وحركتهم في العراق وإعتمادها كمصادر له في أطروحته الجامعية.

ضمن هذه الأجواء كان من الطبيعي أن يمنع طبع كتاب د. سوسه المنوه في أعلاه فلجاً إلى مركز الدراسات الفلسطينية بإعتباره مركزاً أكاديمياً يتمتع بنوع من الاستقلالية في الطبع والنشر وله معرفة برئيس المركز ورئيس تحرير المجلة فتم طبع الكتاب ونشره في المكتبات والأسواق إلا أن مصيره كان أيضا كمصير بقية الكتب التي تناولت تاريخ الآشوريين في العراق فتم سحبه من الأسواق ولكن بعد أن حصل بعض الناس نسخ منه وأنا واحد منهم.

يقع الكتاب (النسخة الأصلية منه) في 326 صفحة من القطع الكبير ويحتوي على أربعة فصول: الفصل الأول (أقدم وجود لليهود في شمالي العراق) وهو الفصل الذي يهمنا في هذا الموضوع حيث يتناول تاريخ اليهود في زمن الإمبراطورية الآشورية ومن ثم سبأهم إلى بلاد آشور والأهم في هذا الفصل هو عن أصل النساطرة وعلاقتهم بالتسمية الآثورية. أما الفصل الثاني فهو عن (المسيحية ودور النسطورية فيها) وهو يتناول تاريخ المسيحية والإنقسامات التي حصلت في الكنيسة وبشكل مفصل عن النسطورية. الفصل الثالث يتحدث عن (الوجود الثاني لليهود في العراق) يتناول تاريخ اليهود في بابل في زمن الكلدانيين وأمور أخرى متعلقة بوجود اليهود في هذه المنطقة في ظل حكم الفرس والإسلام والعباسيين وغيرهم كما يتناول مدارس اليهود المعروفة. والفصل الرابع (الوجود الثالث لليهود في العراق) وهو العنوان الذي لا يتطابق كلياً مع محتوى هذا الفصل فهو يتحدث بالتمام والكمال عن اليهود في جزيرة العرب من دون أية إشارة إلى يهود العراق وهذا نموذج آخر من نماذج إرتباك د. سوسه في كتابه هذا إلى جانب شطط ومزاعم لا تتوافق لا مع الواقع ولا مع المنطق.

كتاب ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق في الميزان:
لا شك فيه بأن د. سوسه باحث وعلامة في هندسة الري وكتب المئات البحوث والكتب في هذا الإختصاص ونال عن بعضها جوائز عالمية وتقدير كبير وتثمين عظيم لما كتبه في هذا المجال.  وصحيح أيضا بأنه ملم كثيراً بالتاريخ العربي واليهودي وكتب بعض الكتب في هذا المجال وأشهرها الكتابين المذكورين في أعلاه. ولكن من خلال قراءة مذكراته والمقالات والكتب التي كتبها وأيضاً من خلال لقاءاتي المتعددة معه والمناقشات التي دخلت معه في مركز الدراسات الفلسطينية المنوه عنه في أعلاه فوجدته بأنه إنسان غريب الأطوار وذو خلفية تاريخية وفكرية ونفسية معقدة تتكون من مزيج وتراكيب هجينة غير متجانسة من الأفكار والثقافات والديانات وإنجذابات عاطفية ونفعية مؤطرة بأساليب يدعي فيها العلمية والموضوعية ولكن في الحقيقية يسعى من خلالها إلى تحقيق أهداف وأفكار وتصورات مسبقة تعزز عملية إنسلاخه عن أصله التاريخي وتحقيق نرجسيته ومن دون إنتماء إجتماعي أو فكري أو سياسي حقيقي وواضح. ، هذه الحالة النفسية المرتبكة والمتناقضة عند د.سوسه تعاظمت عندما أمتزجت مع دوافع نفعية وإنتهازية في بحثه عن أصل النساطرة بحيث تجاوز كل حدود البحث العلمي الرصين ولجأ إلى التزوير و التزييف والنفاق والبحث عن أية أفكار ومصادر أو كتب لدعم وجهة نظره وإعتماده أو إقتباسه معاير وعوامل في البحث عن تاريخ النساطرة وتحديد هويتهم والتي لا تتوافق إطلاقاً مع منطق الفكر والتاريخ.
فضمن هذه الحالة الشخصية له كتب كتابه المذكور ومن الطبيعي أن يأتي مثل هذا الإنتاج الفكري مشوباً بالكثير من الإفتراضات الخيالية والمعايير غير الدقيقة والهزيلة في إثبات ما يرغب في إثباته لا بل ويفتقر إلى جوانب كثيرة من الدقة الموضوعية والتاريخية والأمانة العلمية التي يفترض أن تكون من مقدسات الباحث والعلامة. فالأسلوب الذي أتبعه د. سوسه في كتابه هذا يقوم على النفعية والإنتهازية فكان المنهج الإنتقائي هو الطاغي في دراسته عن أصل الآشوريين النساطرة... وكما هو معروف فإن الإنتقائية منهج إنتهازي يلجاً إلى إنتقاء النصوص والفقرات والكلمات إنتقاءاً مصلحياً لغرض دعم تصور مسبق من دون ربط هذه النصوص أو الكلمات بالمضمون العام أو فهمها في سياقها الفكري والزماني.

فعلي سبيل المثال لا الحصر، نأخذ كتاب معروف لدى الكثير من القراء وهو كتاب (تاريخ الآثوريين) من تأليف البروفسور ماتييف بار متي ومار يوحنا والمترجم من الروسية إلى العربية من قبل إسامة نعمان والصادر من مطبعة دار الجاحظ في بغداد عام 1970 والذي أعتمده د. سوسه في كتابه أعلاه من دون إلتزام أدبي وعلمي حيث حول د. سوسه كل كلمة "أثوري" أو "أشوري" إلى نسطوري وحتى وإن كان قصد المؤلفين في بعض الأحيان الإشارة إلى بقية الطوائف المسيحية كالكلدان والسريان، فكان من المفترض والواجب كما هو متبع في البحث العلمي الرزين أن يذكر الكلمة كما هي من دون تغيير سواء بعد التعليق عليها أو وضعها بين هلالين .. وهكذا. ولكن لم يفعل د. سوسه ذلك لأن منهجه النفعي ألزمه أن يركز على كلمة نسطوري وينكر أي وجود معاصر لكملة آشوري أو أثوري. ومن الجدير بالإشارة بخصوص كتاب (تاريخ الآثوريين) وهو الكتاب الأكثر تداولاً وإقتناءا لدى أبناء شعبنا فأن عنوانه الأصلي وباللغة الروسية هو (المسألة الآشورية أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى) وإن ترجمة أسامة نعمان إلى العربية غير سليمة وتفتقر إلى الدقة العلمية حيث أورد المترجم نصوص ومعلومات لا تمت بصلة إلى الكتاب الأصلي كما حرف وأساء ترجمة الكثير من المصطلحات والنصوص وحتى أن المترجم لم يأخذ موافقة المؤلف على الترجمة، هذا ماذكره لي البرفيسور ماتييف رحمة الله والذي كان جاري في لندن في منتصف التسعينيات من القرن الماضي وقبل عودته إلى روسيا.  وإنتقائية د. سوسه تظهر أيضاً في إقتباسه لنصوص من كتاب (الآشوريون في التاريخ) الذي جمع محتوياته إيشو مالك خليل جوارو وترجمه وأشرف عليه سليم واكيم – طبع في بيروت عام 1962. فمن المعروف عن هذين الكتابين ومؤلفهما بأنهم من الكتًاب المؤازرين والمؤمنين بالأصول التاريخ للأشوريين المعاصرين وإرتبطاهم قومياً ولغوياً وحضاريا بالأشوريين القدماء وهو الإيمان الذي يتناقض تماماً مع مزاعم د. سوسه ولكن مع هذا ينتقي منهم نصوص خدمة لمزاعمه وليس لتفنيد إيمان هذين المولفين.  كما أعتمد د. سوسه كثيراً على بعض النصوص من الكتاب المقدس ولكن لو رجعنا إلى أصل هذه النصوص في الكتاب المقدس فسوف نجد بأنه قد حرفها وحشرها في بحثه من أجل دعم وإسناد فكرته المسبقة وهدفه النفعي في البحث في هذا الموضوع في الوقت الذي يرى في نصوص توراتية أخرى التي لا تتوافق مع مزاعمه بأنها نصوص خرافية وأساطير يهودية من صنع اليهود. لا بل وأكثر من هذا فمن خلال قراءة كتابه المذكور نرى شحة معلوماته عن الآشوريين وكنيستهم وتاريخها والكثير منها مستمدة من مصادر فكرية غير موضوعية ومعروفة بمواقفها الإستبدادية تجاه الآشوريين أو النساطرة وحتى القليل الذي يستنبطه في هذا الكتاب فهو غير صحيح ويشوبه الكثير من الأخطاء. فعلى سبيل المثال إذكر القليل منها:
•   يذكر في الصفحة 77 من كتابه منتقيا من مقالة كتبها القس بطرس نصري "الكلداني" عام 1913 بأن قسم كبير من سكان جيلو (وهم من أحدى العشائر الآشورية الكبيرة المعروفة) مع ملكهم هم كاثوليك. صحيح أنه ماليك قمبرأبن ماليك بنيامين، وهو ماليك (زعيم) عشيرة جيلو تحول إلى الكاثوليكية بعد مقتل والد زوجته نمرود قبيل الحرب الكونية الأولى والذي كان له ميول كاثوليكية وهو عم البطريرك الشهيد مار بنيامين قد شكل بعد الحرب وبمساعدة السلطات الفرنسية في سوريا قوات سميت بـ "قوات الكلدو آشورية" وكان غالبيتهم من أبناء الكلدان والآشوريين الكاثوليك ولكن هذا لا يعني بأن أبناء جيلو تحول قسم كبير منهم إلى الكاثوليكية إذ فمن النادر جداً أن نرى عائلة كاثوليكية من عشيرة جيلو فهم متمسكين وظلوا متمسكين بإيمانهم بكنيسة المشرق "النسطورية". وبأسقهم مار سركيس.
•   يذكر في ص 87 بأن الملكة هيلانه أم الإمبراطور قسطنطين الكبير الذي أعتنق المسيحية في القرن الرابع الميلادي بفعل تأثير أمه بأنها مسيحية وأبنة قسيس سرياني من الرها. لا أدري من أين أستمد د. سوسه "سريانية" أبوية الملكة هيلانه، أفهل لأن والدها كان قسيساً  بيزنطينياً يعيش ويخدم كلمة الله في مملكة الرها (السريانية) أم كان فعلاً سريانياً لغة وثقافة وحضارة.. ونحن نعلم بأن د. سوسه لا يتوان أبداً في الإشارة إلى أن المملكة التي قامت في الرها هي عربية ولا أدري كيف كانت عربية ولغتها سريانية؟؟؟ ونحن نعرف بأن اللغة هي أسس الأساس في تحديد هوية الشعوب.
•    يفتقر د. سوسه إلى الدقة عندما يشير في ص 99 بان بعض النساطرة توجهوا إلى قبرص هرباً من بطش المغول في القرنين الثالث عشر والرابع فهذا غير صحيح فالنسطورية كانت منتشرة بين الأغريق في قبرص وكان لهم أساقفة من بلاد الرافدين ومن أصول أشورية وكلدانية وفي القرن الخامس تحولوا إلى الكثلكة بعد أن طلبوا من الفاتيكان أن يطلق عليهم تسمية الكلدان بدلا من النساطرة ثم في الأزمة اللاحقة أختفى هؤلاء ولم يعد أي نسطوري أو كلداني موجود في قبرص. كما يذكر بأن بعض النساطرة توجهوا إلى سواحل مالابار في جنوب الهند هرباً من نفس الإضطهاد وهذا جانب آخر من الفقر لدى د. سوسه في تاريخ الكنيسة المشرقية إذ لم يذهب إلى الهند غير بضعة أساقفة أو كهنة نساطرة إلى جنوب، فأتباع الكنيسة النسطورية في الهند كانوا من أصول هندية صرفة لغة وثقافة وتاريخاً.
•   في الصفحة 91 يذكر بأن الكنيسة المسيحية كانت مؤلفة من أربعة كراسي كنسية، أي كراسي بطريركية وهي إنطاكيا والإسكندرية وروما والقسطنطينية، ولكن أبسط المعلومات لتاريخ الكنيسة تقول بأنه كان لها خمسة كراسي بطريركية إذ نسى العلامة والباحث د سوسه أن يذكر أهم وأقدم وأشهر كرسي بطريركي وهو كرسي أورشليم والذي كان مار يعقوب أول بطريرك يجلس على هذا الكرسي المقدس.
•   يتطرق د. سوسه وهو العالم والعلامة في تاريخ الشعوب إلى لغة النساطرة وكثيراً ما يشير إلى النسطورية كلغة وثقافة ثم يشير إليهم كشعب أو مجتمع متجانس وهكذا من دون أي إعتبار للدقة العلمية المطلوبة في تحديد معنى اللغة والمقومات التي تحدد هوية الشعوب ونحن نعلم بأن النسطورية كانت معتقد وكنيسة الكثيرمن شعوب لهم لغاتهم القومية الخاصة بهم وليس حصراً بالآشوريين والكلدان فالإرتباك والإرهاصات واضحة وجلية في هذا المجال عنده وهي مسألة لا يقبلها العلم ولا المنطق.
•   يحاول د.سوسه إقحام نفسه في حقل السياسة والزعم بعلمه بالحركات القومية والسياسية الآشورية، فهو يركز في أكثر من مكان على هذه النقطة ويقلد الفكر العراقي الإستبدادي التقليدي تجاه الآشوريين ومسألتهم القومية في العراق. فالأسطوانة المشخوطة عند معظم المؤرخين العراقيين والتي يعيدها ويكررها د. سوسه والقائلة بأن الآشوريين طالبوا منذ الحرب الكونية الأولى وحتى عام 1933 وبتوجيه وتحريض من الإنكليز طالبوا بإنشاء دولة آشورية لهم في شمال العراق. فهذا الإدعاء ما هو إلا تزييف تاريخي وخلق أعذار لقمع الآشوريين في العراق وسحق مطالبهم البسيطة لا بل الساذجة التي طالبوا بها في مؤتمر قادتهم في العمادية عام 1932. (للمزيد عن هذا الموضوع أنظر كتابي المعنون: الآشوريين في السياسة والتاريخ المعاصر، من إصدارات إتحاد الأندية الآشورية في السويد، 1996).... ويرى د. سوسه، كما فعل غيره من المؤرخين العراقين، بأنه لغرض تحقيق مطلب الآشوريين وبطريركهم في إنشاء دولة آشورية في شمال العراق أرسل أرنولد ويلسون الحاكم الملكي العام في العراق برقية في آب 1920 إلى وزارة الحربية البريطانية طالباً فيها تحقيق هذا المشروع حيث قال فيها ما نصه (ستتهياً لنا فرص لإنصاف "الطائفة الآثورية" بطريقة ترضاها هي وترضاها الأفكار الأوربية وتمكننا من حل مشكلة من أعسر المشكلات الخاصة بالأقلية الدينية والجنسية في كردستان، وتخلصنا من خطر داهم على مستقبل السلم في شمالي العراق).... بالله عليكم هل يعقل أن تكون مثل هذه البرقية دعوة لإنشاء دولة آشورية في شمال العراق وتعتمد من قبل باحث وعلامة لإثبات وجهة نظره؟؟؟؟ أليس هذا نموذج على سذاجة و إنتهازية د. سوسه في هذا المجال؟؟؟ ففي منتصف التسعينيات من القرن الماضي أستهلكت أيام طويلة في البحث في المئات من الوثائق والبرقيات والتقارير والمراسلات والكتب الموجودة في المركز البريطاني للوثائق في منطقة كيوي في لندن عن هذا الموضوع فلم أجد ما يدعم زعم د. سوسه وغيره من المؤرخين العراقيين الذين تطرقوا إلى هذا الموضوع ولا وجدت أي وثيقة أو برقية صادرة من جهة رسمية بريطانية معتمدة تؤكد وعود بريطانيا في إنشاء دولة آشورية.
•   تاريخياً صحيح أن الآشوريين جلبوا اليهود إلى بلاد آشور ولكن المسألة الغريبة التي لا يقبلها المنطق والواقع هو في زعم د. سوسه بأنهم كانوا الأسباط العشرة المفقودة، فما هو الدليل عن كونهم تحديداً الأسباط العشرة المفقودة... أفهل ذهب الآشوريون إلى مملكة إسرائيل وأنتقوا عشرة أسباط فقط من بين الأسباط الأثنى عشر وجلبوهم إلى بلاد آشور؟؟ وهل كان كل الذين جلبوهم تحديداً من أبناء الأسباط العشرة... أسئلة وأسئلة أخرى لا أعتقد أي علامة أو باحث كدكتور أحمد سوسة أو ملهمه أساهيل غرانت يستطيع الإجابة عليها.

الدكتور أحمد سوسه يجتر الطبيب أساهيل غرانت:
كل ما ذكره د. أحمد سوسه ودونه في كتابه السالف الذكر هو بالتمام والكمال  أجترار ونقل بالحرف والمعنى ما زعم به مبشر الكنيسة البروتستانتية الأمريكية الطبيب  أساهيل غرانت في كون الآشوريين النساطرة أحفاد الأسباط العشرة اليهودية المفقودة.. فمن هو أساهيل غرانت؟.
كان طبيباً وفي مقتبل العمر تزوج ثم مرت حياته بتجارب عصيبة ومأساوية، ماتت زوجته الأولى في عام 1831 بعد أربعة سنوات من زواجه ثم تزوج مرة أخرى من أمرأة له نفس ميوله في المغامرة والإستكشاف. أثناء حضوره لمؤتمر تبشيري للكنيسة البروتستانتية الأمريكية في مدينة نيويورك أستلهم منه رغبته في الإندفاع نحو التبشير فحل رحاله مع عائلته إلى شمال بلاد مابين النهرين ليس للبحث عن الأسباط العشرة اليهودية المفقود بل لغرض التبشير بين النساطرة (المسيحيون الشرقيون... كما كانوا يسمونهم) والتي كانت تتزاحم عليهم الحملات التبشرية من مختلف الإتجاهات والبلدان والكنائس العالمية لكسب هذه الجماعة المسيحية القديمة إلى كنائسهم. قضى تسعة سنوات من سنة 1835 حتى وفاته في سنة 1844 في تلك المنطقة ومع الآشوريين النساطرة وخلال خمسة سنوات الأولى ماتت زوجته وهي مصابة بحمى لم تعرف أعراضها ثم بعد بضعة أشهر مات وخلال أسبوع واحد أبنتيه التوأمتين، وظل هو مريضاً وطريح الفراش عدة مرات حتى مماته في 24 نيسان من عام 1844 بعد أن أصيب بالتيفوس وهو شاب لم يتجاوز عمره أكثر من 36 سنة.

وغرانت كغيره من المبشرين البروتستانت يطغي العهد القديم على مناهجم الدينية وتفسيراتهم اللاهوتية وعلى نمط تفكيرهم الديني والتاريخي فتسود المعايير الثيولوجية واللاهوتية المستمدة من أصول توراتيه على دراساتهم التاريخية والكنسية. وكتاب غرانت نموذج مثالي في هذا السياق يعتمد على الفهم الأيديولوجي والسياسي للكتاب المقدس كمعيار لتسويغ تصوراته عن الآشوريين والتي كونها من خلال إختلاطه بهم ومن ظروفه المأساوية والإحباط الناجم عن فشل إرساليته في تحقيق أغراضها مع الآشوريين في منطقة هيكاري (للمزيد عن مكائد غرانت ودوره في الدوافع والإستفزازات للمذابح التي إرتكبها الزعيمان الكرديان مير بدرخان ونورالله في السنوات 1843 –  1848 ضد الآشوريين أنظر كتاب الآشوريون في التاريخ السالف الذكر – ص160 – 167). بعد وفاة غرانت تركز نشاط الإرسالية بين الآشوريين في منطقة أورميا وهناك وفقت في تحويل جماعات من الآشوريين من أتباع كنيسة المشرق إلى البروتستانتية. والإحباط الذي أصيب بها غرانت من جراء فشل إرساليته بين الآشوريين في هيكاري جعله أن يفقد توازنه الفكري ويرتبك في معايير تقيمه للظواهر والوقائع وقلب الموازين والنتائج رأساً على عقب بحيث تناقض نفسها وتخالف المنطق وبالتالي تفقد النسق والإنتظام المطلوب لكل بحث علمي كما تفقد شروط الربط المعقول بين أسباب أو عوامل تبرير الظاهرة أو الواقعة حتى تكون مقبولة لدى الآخرين.

أسردت هذه المقدمة عن حياة غرانت وأيديولوجيته وحالته النفسية المأساوية والإحباطية لتكون مدخلاً يسهل عملية فهم كتابهم المذكور. فخلال السنوات القليلة الأولى كان غرانت قد أنجز كتابه موضوع البحث والذي كان تحت عنوان طويل جداً وهو (النساطرة أو الأسباط العشرة المفقودة، إثباتات عن هويتهم، وصف لعاداتهم وتقاليدهم ومناسباتهم مع مخططات الترحال في آشور القديمة وأرمينيا وميديا وبلاد النهرين مع مقاطع من الكتاب المقدس حول النبوءة) والفرصة أتيحت لي وأنا في لندن أن أقرأ الطبعة الأولى الأصلية منه في مكتبة المتحف البريطاني في منتصف التسعينيات من القرن الماضي والذي طبع في لندن عام 1841 ثم تلته الطبعة الثانية في عام 1843 وترجم إلى الفرنسية، وكان الكتاب من أكثر المبيعات في حينه وفي السنوات اللاحقة وهذا ليس غريباً عندما نعرف بأن الكتاب يتحدث عن الأسباط العشرة اليهودية المفقودة الواردة في التوراة وكما نعلم بأن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد يعتبر من أكثر المصادر إنتشاراً وتأثيراً في العالم، خاصة تأثير العهد القديم على العقلية البروتستانتية في الولايات المتحدة الأمريكية.

لا أريد أن أغوض في البحث والتحليل عن المعايير التي أعتمدها غرانت في تنسيب أو تشبيه أو إرجاع أصل الآشوريين النساطرة إلى الأسباط العشرة اليهودية المفقودة والتي أجترها د. سوسه في كتابه السالف الذكر لأن غيري ناقشها ورد عليها بموضوعية متناهية ومقبولة كما إنني كتبت رداً طويلاً عن هذا الكتاب وعن كتاب سوسه ضمن سلسلة (نماذج في تزييف تاريخ الآشوريين – الجز الثاني- ونشر في مجلة نجم بيت نهرين، المجلد الرابع، العدد الثاني، تموز 1996 – ص19 – ص 33، التي يصدرها المركز الثقافي الآشوري في دهوك) فمن يرغب المزيد يمكن مراجعة هذه الكتابات. لهذا سأكتفي بهذا القدر وأتوقف عن الركض وراء المهاترات والمهازل التي أوردها الطبيب المبشر غرانت وتلميذه د.سوسه في تزوير أصل وتاريخ الآشوريين لذلك قررت الكف عن متابعة مزاعمهم.

وأخيراً:
في الفترة التي كتب غرانت كتابه في منتصف القرن التاسع عشر لم تكن المعايير المعروفة في تحديد هوية الشعوب متبلورة وسائدة بشكل واسع ومعتمدة في دراسة القوميات والشعوب ولم تكن هناك مصادر ودراسات موضوعية عن أصل الآشوريين أو النساطرة. في الوقت نفسه نرى بأن رجال الدين ومن أتباع الكنيسة البروتستانتية المتأثرين جداً بالتوراة وتحديدا المبشرين الأمريكيين الذين كان العهد القديم المنظار الذي ينظرون من خلاله ويحللون الظواهر الإجتماعية وفق مفاهيمه ويبحثون عن أصل الشعوب وفق هذا المنظار وكما فعل غرانت. زد على ذلك ففي الفترة التي زار غرانت الآشوريين النساطرة في موطنهم هيكاري كانت الأمية سائدة ولا يعرف القراءة والكتابة غير القليل جداً من الكهنة ورجال الدين ولم يكن يعرفون من الدنيا غير الكتاب المقدس وتقاليد كنيسة المشرق وطقوسه وكان الوعي الكنيسي والديني مطبقاً على عقليتهم وربما ضمن هذا الوعي كانوا يفتخرون بأن يكون إنتسابهم إلى اليهود أو إسرائيل باعاتبارهم شعب الله المختار ولم يتوانوا في تلك الفترات أن يطلقوا عليهم بـ (أبناء الخال)!!! وبالتالي كانوا من السهل أن يقعوا فريسة مزاعم غرانت وهو طبيب سهلت مهمنته أن يتغلغل بينهم ويصل إلى قمة الهرم الإجتماعي عندهم أي البطريرك. ففي هذه الأجواء يجب أن نفهم كتاب غرانت عن أصل النساطرة.

وعلى العكس من هذا، فإن د سوسه كتب كتابه المذكور في الربع الأخير من القرن العشرين حيث كان الآشوريون في قمة وعيهم القومي ولهم تنظيمات سياسية وإجتماعية ومطبوعات منتشرة بشكل واسع سواء في العراق أم البلدان الشرق أوسطية الأخرى أم في المهجر وكانت هناك المئات من الكتب وبمختلف اللغات عن تاريخ الآشوريين وأصلهم والجذور التاريخية للنسطورية وكنستهم المشرقية ومما لاشك فيه كان د. سوسه مطلع على الكثير من هذه الكتب ولكن كل هذا كان بالنسبة له لا يساوي شيئاً في مقارنتها مع قوة الدوافع النفعية والإنتهازية التي هيمنة على عقليته عند كتابة الكتاب أعلاه وخضوعه للحملة البعثية في أعادة كتاب التاريخ .
 
إن المنهج الإنتهازي في معالجة أصل وتاريخ الآشوريين قاد. سوسه إلى تفسيرات ونتائج عجيبة وغريبة لا تقنع إلا السائرين على نهجه في تزيف تاريخ الآشوريين ويخدم الفكرالإستبدادي لحزب البعث والعروبيين والإسلامويين. فهي نتائج يشع منها عنصر الإستهجان لا بسبب مخالفتها للوقائع التاريخية ومصادرها العلمية فحسب بل بسبب تناقضها مع نفسها وبشكل صارخ وعميق وساذج يثير الإستغراب والإشمئزاز عن كيفية تقبلها بالنسبة للكاتب نفسه والجهة التي أصدرت الكتاب سيما وأن د. سوسه معروف في الأوساط العلمية العراقية والعربية والعالمية بإعتباره "عالماً جليلاً" وعضو في عدة مجاميع علمية ومنها المجمع العلمي العراقي. ولكن التساؤل يبقى قائماُ لماذا حشر د. سوسه نفسه في البحث في التاريخ القديم لليهود وبالتالي لم يجد ضياع أسباطهم العشرة إلا في النساطرة الذين بقوا على "نسطوريتهم" وفي الذين صبأوا إلى الكثلكة. شخصياً ومن خلال قرائتي للكتابين أعلاه وبعض المقالات التي كتبها د. سوسه لم أجد الجواب إلا في هدفين سعى د. سوسه إلى تحقيقهما:
الأول: الإنتقام من ماضيه وتبرير ترك دينه اليهودي وإعتناقه الإسلام... وهذه نظرية معروفة في علم النفس الإجتماعي عن الذين يتركون دينهم الأصلي ويعتنقون ديناً آخراً.
ثانياً: وهو الأهم، خدمة الفكر الإستبدادي لحزب البعث المقبور في العراق تجاه الأقليات وكما بينًا في أعلاه وذلك لأغراض نفعية. ثم بعد ذلك خلفته أبنته الدكتور عالية أحمد سوسه الإستاذة في قسم التاريخ في جامعة بغداد فبدأت هي الأخرى في خدمة أفكار والدها وتروجيها كغطاء لأصلها اليهودي ولا ندري ما الذي حل بمصيرها بعد كوارث عام 2003 ومن المعتقد بأنها خارج العراق وربما في الأردن وهي قريبة إلى إجدادها ولا يحتاجها إلى عبور الحدود للعودة إلى أصولها الأولية.
وأخيراً يجب أن لا ننكر بأن د. سوسه كان باحثاً كبيرا وعلامة في الهندسة المدنية وخاصة في هندسة الري أما في مسألة البحث عن تاريخ اليهود وتنسيب تاريخ كل الشعوب الأخرى كالأراميين والعموريين والبابليين والآشوريين والكلدانيين إلى العرب وتجريد الأساس التاريخي للآشويين عن أجدادهم القدماء وإرجاعه إلى الأسباط العشرة اليهودية المفقودة فأنه بلا شك مزور من الدرجة الأولى للتاريخ وخادم مطيع ومخلص للفكر العروبي والإسلاموي المستبد تجاه المختلف.


   

       






270
لا مناصب وزارية لأعضاء الأحزاب والمنظمات الكلدانية السريانية الآشورية- 2

                                                                                                                                       أبرم شبيرا

هناك مبدءان أساسان لا تنازل عنهما أو مساومات حولهما يدخلان  ضمن حدود الأيديولوجية القومية التي أومن بها:
الأول: نحن الكلدان والسريان والآشوريين أمة واحدة تجمعنا مقومات قومية وأهداف مصيرية واحدة مهما كانت التسمية مركبة أو قطارية أو كان طولها شبراً واحداً، فهي خارج حدود الأيديولوجية التي أومن بها. فالتسمية المركبة هي شكل أو إطار للمضمون الفكري والحضاري والقومي واللغوي لوحدة الأمة الكلدانية السريانية الآشورية. وليس بالضرورة، حسب المفهوم الفلسفي في العلاقة بين الشكل والضمون، أن يتطابقا خاصة في الظروف الإستثنائية غير الطبيعية ولكن في الصيرورة التاريخية للمجتمع سوف يتطابقان في مرحلة زمنية معينة قد تطول أو تقصر وذلك طبقاً للعوامل الذاتية والموضوعية المحيطة بأبناء المجتمع. موضوع طويل ومعقد ووعدنا القارئ الكريم بالبحث فيه في مناسبة أخرى.

الثاني: منذ فترة طويلة نقول ونستمر في القول بكل إصرار وثبات بأن الأمة التي ليس لها أحزاب سياسية أو منظمات قومية فاعلة ومخلصة ومستقلة في قرارها تبقى إرادتها السياسية والقومية مرهونة بإرادة الأمم الأخرى، وإن أي حزب سياسي مهما كانت قوته وجماهيريته فأنه لا يمكن أن يمثل في كل زمان ومكان مصالح الأمة برمتها وإرادتها الحقيقية بل يتطلب ذلك عدد معين من هذه الأحزاب والتنظيمات يتناسب عددها وحجمها مع عدد وحجم الأمة ويتناسق مع إمكانياتها الذاتية والموضوعية لكي يتم تمثيل مصالح الأمة برمتها أو بأجمعها والتعبير عن إرادتها في مواجهة الإرادات الأخرى. وآلية تحقيق هذا التمثيل لا يتم إلا عن طريق دخول هذه الأحزاب والتنظيمات في تحالف أو إتحاد أو تجمع خاصة في الظروف الإستثنائية الحرجة التي تتعاظم فيها الخلافات وتتصاعد نحو تناقضات عميقة يستوجب التعامل معها بجهود إستثنائية لتجاوزها أو حلها.

أذكر هذين المبدأين كمدخل مبدئي وأساسي لمناقشة الأخ أنطوان الصنا المحترم الذي أنتقد ووضح بعض الأمور في رده المعنون (الأخ أبرم شبيرا المناصب الوزارية لمتنظيماتنا في بغداد والإقليم إستحقاق إنتخابي دستوري) والذي نشر تباعا في الموقعين الموقرين عنكاوه دوت كوم و زوعا دوت أورك، على ما كتبته حول الموضوع أعلاه والذي نشر أيضا في الموقعين الموقرين المذكورين، مع أنه ليس من عادتي أو أسلوبي الكتابي والفكري أن أرد على الإنتقادات والتي بعضها تتجاوز حدود اللياقة الفكرية والأدبية إلا أنه لكون الأخ أنطوان يؤمن، كما ألاحظ من كتاباته، بالمبدئين المذكورين في أعلاه فإذن كل المناقشات والردود والإنتقادات التي سأذكرها في هذه السطور ستكون ضمن داخل حدود المبادئ التي نؤمن بها أو داخل سور البيت الفكري والقومي لأمتنا وبالتالي لاشك فيها ستكون بناءة ومفيدة في تفسير بعض الغموض أو النواقص أو سوء الفهم الذي قد يرد في أصل الموضوع أو الردود التي قد ترد عليها وبالتالي ستكون منهجاً صحيحاً ومفيدا في تطوير الفكر القومي السياسي لأمتنا. من هنا سأناقشه على مبدأ الإتفاق في الإساسيات والإختلاف في التفاصيل وهو أمر طبيعي جداً في دفع أي فكر نحو مراحل اكثر تقدماً وتطوراً.

 ضمن هذا الإتفاق في المبادئ الإساسية والإختلاف في التفاصيل أود أن أبين الملاحظات التالية على رد الأخ أنطوان وعلة هذا الإختلاف كما لاحظته يكمن في:
1)- عدم إستيعاب الأخ أنطوان المغزى القومي والشامل من الموضوع وعدم قراءته بدقة وبنظرة شمولية وعجزه أو تجاهله الغوص في أعماق مشاكل الأمة والظروف الصعبة التي تواجهها أحزابها السياسية وتنظيماتها القومية خاصة في تثبيت وتعزيز مصداقيتها لدى أبناء الأمة.
2)- الإختلاف بين منهجي في طرح الموضوع عن منهج الأخ أنطوان، وهو إنني أنطلق من منطلق قومي شامل في حين هو أنطلق من موقع حزبي محدد وكما يظهر من كتاباته بأنه أحد منتسبي أو مساندي المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري. و من هذا الفرق الواضح يتبين بأنني رغم عدم إرتباطي بالحركة الديمقراطية الآشورية إلا إنني أقدر نضالها الشاق وتحقيقها لبعض الإنجازات التي تعتبر في سياقها الزمني بالإنجازات العظيمة كشروع ودعم ومساهمة التعليم السرياني خاصة في الوقت الذي كان الكثير يحاربونه ويضعون القضبان في عجلة مسيرتها لغرض إفشالها وغيرها من الإنجازات السياسية والفكرية كبث ونشر الوعي القومي الوحدوي بين أبناء أمتنا... إلخ، ولايستطيع حتى الأعمى والغبي أن ينكر شعبيتها ونشاطها على الساحتين القومية والوطنية ولكن مع كل هذا فإن زوعا أو قيادتها أو أعضاءها ليسوا بقديسين أو ملائكة لا يخطئون أو يتعثرون في مسيرتهم الصعبة وكتبنا الكثير في هذا الموضوع وعلى قاعدة مفهوم التطور القائم على خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء. لهذا فواجبنا نحن المهتمين بشؤون هذه الأمة أن نبين لهم أخطاءهم والعثرات التي يعانونها والمشاكل العويصة المتجذرة بين أخاديد المجتمع والتي قد تكون رؤيتها ومعاينتها متعذرة على قيادة الحركة ونضعها في إطار إنتقادي بناء. وهذا ما فعلناه دائماً سواء بنشر مثل هذه الإنتقادات لعامة الناس أو بالتواصل مباشرة مع قيادة الحركة. فالتعظيم لزوعا كما يتهمني الأخ أنطوان هو في غير محله لأن العظيم هو الكمال وليس هناك صفة كمال في السياسة ولا في الحياة الدنيوية. في حين نرى بأنه هو في رده يعظم المجلس الشعبي ببيان الإنجازات العظيمة التي حققها من دون أن يبين شائبة واحدة عنه.

هناك نقطة أخرى يذكرها الأخ أنطوان بصدد تهميش المجلس الشعبي مستنداً على عدم ذكري لأسم المجلس بل تعظيم فقط لأسم زوعا وهذا دليل آخر على أن الأخ أنطوان لم يقرأ موضوعي بإمعان أو بنظرة علمية يستنط منه المغزى. في معظم لا بل جميع البحوث العلمية عندما يستوجب أثبات فكرة معينة قد يلجأ الباحث إلى طرح مثال أو مثالين أو أكثر وحسب المعلومات أو المصادر المتوفرة عن المثال المراد ذكره. وعند بحثي في طبيعة تكون تجمع التنظيمات السياسية الكدانية السريانية الآشورية والقائم على أحزاب وتنظيمات مختلفة ومتعددة أخذت زوعا كمثال على كونها من الأحزاب الكبيرة ولم أحصر هذه الصفة بها فقط بل أخذتها كمثال... اعيد مرة أخرى وأقول كمثال وليس حصراً. وسبب أشارتي إلى زوعا كحزب كبير هو توفر العديد من المراجع والمعلومات والمصادر عنها لا بل والأكثر من هذا  فإنني أعرف المئات إن لم يكن أكثر من أعضاء زوعا وكثيراً ما ألتقي بهم وبينهم عدد من أعضاء قيادتها سواء في الوطن أم في المهجر وأستمد منهم الكثير من المعلومات أو أوضح بعض أمورهم أو أنتقدها. وأقول صراحة بأنني لا أعرف أعضاء من المجلس الشعبي أكثر من أثنين أو ثلاثة وليس لدي غير ورقة أو ورقتين عنه أستمد منها معلوماتي اليسيرة جدا والتي لاتصلح أو تكفي لأخذها كمثال للحزب الكبير. أذن أليس من حقي ومن حق الموضوعية المطلوبة في مثل هذه الكتابات أن أشير إلى زوعا كحزب كبير... فإذا كانت مثل هذه الموضوعية تعظيم لدى الأخ أنطوان وتهميش للمجلس أقول بكل أسف فهو مخطاً.

لا أريد أن أتابع رد الأخ أنطوان سطراً بسطر أو فقرة بفقرة تجنباً لإطالة موضوعنا، فالكثير منها نجد إجابتها في متن الموضوع الذي كتبته فيما إذا تم قراءته بهدوء وعدم التحزب وبموضوعية ولكن أود أن أوضح نقطتين فقط في هذا السياق:

الأول: مفهوم الإستحقاق القانوني: ركز الأخ أنطوان بشكل مكثف على هذا المفهوم وألح كثيراً على أحقية الأحزاب الفائزة في الإنتخابات في تولي المنصب الوزاري والمناصب الحكومية الأدنى منه. فالحركة الديمقراطية الآشورية فازت بثلاثة مقاعد في البرلمان المركزي فأستحقت لمنصب الوزير فتم تعيين المهندس سركون صليوا عضو قيادتها كوزير للبيئة. وللمجلس الشعبي ثلاثة أعضاء في البرلمان الإقليمي لكردستان فإذن كما يقول ألأخ أنطوان بأن منصب الوزير لأبناء أمتنا في حكومة الإقليم المرتقبة سيكون مستحقاٌ للمجلس الشعبي وشدد كثيرا على هذا الإستحقاق إلى درجة القلق والخوف من الإقتراح الذي أقترحته في موضوعي السابق من فقدان المجلس لمنصب الوزير في إقليم كردستان. من المؤسف أن أقول بأن الأخ أنطوان يفتقر إلى الثقافة القانونية وإلى النظرة الموضوعية في قراءة موضوعي. لو قمنا بجولة في مقالتي وإقتراحي عن تعيين أحد أبناء أمتنا من خارج أحزاب وتنظيمات تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية فلا نجد أي تحريم أو تجريد لهذه الأحزاب والتنظيمات بما فيهم المجلس الشعبي من هذا الإستحقاق القانوني ولكن عجز الأخ أنطوان عن فهم الأسلوب الذي طرحته في كيفية فهم هذا الإستحقاق هو الذي قاده إلى إتهامي بتحريم المجلس الشعبي من هذا الإستحقاق. ذكرت في  مقدمة موضوعي بأن السيد نجيرفان البرزاني المرشح لتولي مسؤولية تشكيل الحكومة الإقليمية الجديدة أجتمع بأعضاء التجمع وقد يكون قد طلب منهم أن يتفقوا على الشخص الذي سيتسنم منصب وزير في الوزارة المرتقبة كما ذكرت في الفقرة الأخيرة من موضوعي مقترح للأعضاء التجمع أن يقوموا هم  بترشيح ودعم تعيين شخص من أبناء أمتنا الأكفاء والمخلصين والصامدين في أرض الوطن من دون أن يكون عضواً في أحزاب وتنظيمات التجمع. كل هذا وغيره يؤكد أحقية أعضاء التجمع في الإستحقاق الإنتخابي عن طريق ترشيح أو تعيين الشخص لمنصب الوزير. ولما كان هناك تألف وتقارب وتفاهم بين أعضاء التجمع على الإستحقاق القانوني للمجلس الشعبي ليكون الوزير من أعضاءه كما يقول الأخ أنطوان إذن ما المشكلة إذا تم ترشيح شخص من خارج التجمع وللتجمع وبالأخص للمجلس الشعبي قول الفصل والحسم في أمر ترشيح الشخص المراد توزيره.

هذا، إضافة إلى وجود عجز قانوني عند الأخ أنطوان في فهم الإستحقاق القانوني الذي يخاف عليه ويخشى من فقدانه. سؤال بسيط وهو: ما مصدر هذا الإستحقاق القانوني؟؟؟ أنه الشعب.. ألم تسمع بأن الشعب هو مصدر السلطات كلها خاصة ونحن نتكلم كثيرا عن الديموقراطية ولا نطبق منها حتى القليل. لقد أستمد سواء المجلس الشعبي أو زوعا إستحقاقهم القانوني في "تملك" منصب الوزارة من تصويت أبناء أمتنا لمرشحيهم في الإنتخابات البرلمانية ونجاحهم في الحصول على المقاعد في البرلمان، إذن لماذا لا يرجع التجمع بما فيه المجلس الشعبي إلى الشعب الذي أنتخبه ويستخدم حقه في الإستحقاق القانوني للوزارة في إختبار أحد أبناء أمتنا الشرفاء والكفوئين والصامدين في أرض الوطن ؟ حينذاك سيثبت المجلس الشعبي بأنه فعلاً من الشعب وإلى الشعب. ثم كثيراً ما نقارن تجربة أمتنا وتجربة العراق في "الديموقراطية" بتجارب الديموقراطية في البلدان الغربية والمتقدمة وبنظمها المثالية في الإنتخابات وتشكيل الحكومات، كما فعل الأخ أنطوان، ولكن إذا كان الأمر هكذا إذأ لماذا لا نأخذ الجانب الآخر من هذه المقارنة ونستفاد منها. فكثير من الأحزاب الفائزة في الإنتخابات البرلمانية في هذه الدولة قد تضطر في بعض الأحوال إلى الأخذ بتعيين أشخاص كفوئيين  ومخلصين ومهنيين ويعرفون بالتكنوقراطيين في مناصب وزارية. ونحن لا نستطيع أن ننكر إطلاقاً بأن الظروف التي تمر بها أمتنا في الوطن هي إستثائية غير طبيعية وهناك المئات بل الألوف من أبناء أمتنا في الوطن من خارج أحزابنا وتنظيماتنا القومية السياسية لهم كل الإستحقاق القانوني والقومي والأخلاقي في أن يتسنموا مناصب وزارية وغيرها من الوظائف المهمة التي تتم عن طريق الترشيح من قبل الأحزاب والتنظيمات الممثلة في البرلمان ومن ثم حصول التعيين لهم. أليس هذا شكلا أكثر قبولاً من قبل أبناء الأمة من حصر مثل هذه الوظائف في عدد صغير من الإشخاص المنتمين إلى الأحزاب والتنظيمات السياسية؟؟؟ أليس هذا مكسباً شعبياً ونكران الذات والتضحية بالمصالح المادية لهذه الأحزاب والتنظيمات؟؟؟ أليس هذا حصانة لهذه الأحزاب والتنظيمات من أي تهور أو فساد أو مخالفة قد يقوم بها "وزيرهم" ويخضع لسيف هيئة النزاهة ويشوه سمعتهم ويزيد تأكيد الهمس والقول بأن أحزابنا لا تعمل إلا لمصلحتها الخاصة وما يترتب على ذلك من أحباط في المجتمع وفقدان الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية لمصداقيتهم لدى أبناء الأمة ؟؟؟ أسئلة وأسئلة كثيرة يستوجب النظر إليها بنظرة موضوعية شاملة وليس بنظرة تحزبية ضيفة.

الثاني: الموقف من تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية:

يتهمني الأخ أنطوان بأن  في مقالتي السالفة الذكر أحاول التشكيك بمستقل التجمع السياسي وأنه يثير الكثير من البلبلة والريبة والشكوك بين أعضاء التجمع... بالله عليكم... أليس هذا دليل على أن الأخ أنطوان لم يقرأ بدقة موضوعي وخاصة عند الحديث عن التجمع؟؟ ... منذ تأسيس التجمع قبل أكثر من سنة لم يكتب، حسب علمي، أي شخص خاصة من خارج التجمع مقالة أو موضوع يبحث بشكل علمي وموضوعي يخدم مصلحة التجمع غير شخص واحد وهو أبرم شبيرا... ألم يقرأ الأخ أنطوان موضوعي السابق عن بعض المقترحات حول تطوير العمل السياسي للتجمع والذي نشر في موقع عنكاوه الموقر وبينت أهتمامي ومخاوفي على مستقبل التجمع؟؟؟ أرجو أعادة قراءة الموضوع الحالي لتعرف عزيزي مدى أهتمامي الكبير بالتجمع وتقديري لا بل وتثميني للجهود الكبيرة التي يبذلها أعضاءه من أجل خدمة هذه الأمة، لا بل وقد وصل تقديري إلى درجة أعطاء له الصفة الشرعية في تمثيل الأمة، أفهل تجرأ أحد سواء من أعضاء التجمع أو خارجه أعطاء مثل هذه الصفة للتجمع وهي الصفة التي أكتسبها للأسباب الموضوعية التي ذكرتها في مقالتي.. إلا يكفي هذا لنفهم موقفي الإيجابي الصريح من التجمع؟ فإذا كان الأخ أنطوان يعتقد بأن التجمع معبد إلهي يجمع ملائكة وقديسين طاهرين من أية خطيئة ومحصنين من أية شائبة أو خطأ فهذا شأنه الخاص ولكنه شأناً ميتافيزيقي ووهمي لا وجود له في عالم السياسة والواقع الإنساني لأن هم بشر يسيرون في مسالك صعبة وشائكة ويخوضون مهمات سياسية معقدة ولا شك في ذلك سيواجهون عثرات ومصاعب وقد يفلحون أثناء مسيرتهم في تجاوزها أو يخفقون، فالممارسة السياسية قائمة على مبدأ الخطأ والصواب. أن بياني لبعض النواقص وملامح من جوانب سلبية في عمل التجمع هذا لا يعني إلا أهتمامنا الكبير بمستقبل هذا التجمع لكي يستمر ويتواصل عمله القومي في هذا الزمن الصعب. أما إذا كان الأخ أنطوان يعتقد بأن مثل هذا السلوك في دراسة وفهم التجمع هو تشكيك بمستقبله وإثارة البلبلة والريبة والشك بين أعضاء التجمع فهو مخطاً بالتمام والكمال.

كنت أرغب على تواصل عرض نقاط توضيحية أخرى عن الموضوع ولكن فجأة أنصدمت بصدمة قومية ومأساوية حالت دون ذلك. ومصدر هذه الصدمة هو الاستخفاف الفكري والإنحطاط السياسي للبعض الذي تجرأ وطلب من السلطات المعنية في إقليم كردستان ومن دون أي وازع إخلاقي وألتزام مبدئي طلب ترشيح شخص أو أكثر في المهجر لمنصب الوزير وهم لا يمثلون سوى صوتهم المبحوح الصارخ في وادي الإنفصال وتميزيق جسد الأمة الكلدانية السريانية الآشورية ضاربين بذلك عرض الحائط معاناة ومأساة أبناء الأمة الصامدين في أرض الوطن ومحاولين سرقة حقهم الطبيعي والشرعي منهم في تمثيل من يعيش معهم ويعاني ويضحي من أجلهم على أرض الوطن... لم أكن أتصور بأن المستوى الفكري والسلوكي لمثل هؤلاء وصل إلى هذا الحد، ولكن تذكرت بأن الإنسان اليائس والفاشل دائماُ يلجاً إلى الأوهام والخزعبلات ... أليس عيباً ان نرشح شخص لمنصب الوزير وهو يعيش في رفاهية دول المهجر ونترك أبناء امتنا الصامدين في الوطن... عيب ... والله عيب.   
               

 

271
شباط ... شهر الفداء والإستشهاد
==========================

الجنرال أغا بطرس … شهيد الأمة الكلدو آشورية


                                                                                                                                       أبرم شبيرا
مضى شهر شباط ولا ندري إذا كانت مصادفة أم قدر إلهي أن يستشهد البعض من أبناء أمتنا في هذا الشهر والذين خلدهم تاريخنا القومي. ففي الأسبوع الأول منه أستذكرنا بطولة وتضحية شهداء الأجيال المعاصرة: يوسف توما و روبرت بنيامين ويوخنا إيشو الذين أعدمهم نظام الغدر والظلم في بغداد عام 1985. وفي منتصه ذكرنا بكل إجلال ووقار روح التضحية والفداء ونكران الذات لأمير الشهداء مار بنيامين بطريرك كنيسة المشرق الذي أستشهد عام 1918 وحاولنا إستلهام الدروس والعبر من حياته القصيرة المليئة بالتضحيات من أجل أمته، ولكن يظهر بأنه فات علينا أن نذكر جنرال الأمة أغا بطرس الذي هو الآخر أستشهد في الأسبوع الأول من شهر شباط عام 1932 ومن المؤكد بأن هناك الألاف أن لم تكن مئات الألوف الذين أستشهدوا في نفس شهر شباط من أجل الأمة الكلدانية السريانية الآشورية ودخلوا في سجل الشهداء المجهولين. وأكراماً وتبجيلاً لروح جنرال الأمة أغا بطرس نعيد تسطير هذه السطور عن حياته ونضاله ومعاناته وإستشهاده.   

يعتبر إغا بطرس إيليا البازي رمز من رموز النضال القومي ونجم ساطع في أفق هذه الأمة الصغيرة  تبهر مأثره القومية الخالدة دروب شباب اليوم في مسيرتهم النضالية بالدروس والعبر وتؤهله بطولاته ومشاريعه القومية اعتلاء منصة أبطال التاريخ القومي والسياسي لأمتنا ويستحق أسمى أنواط الشجاعة والتقدير لأنه فعلاً يركن في أعماق قلوب جميع المناضلين السائرين على هدى خطاه ومسيرته التي رسمها بتضحياته ودمائه  من أجل إحقاق حق هذا الشعب في تقرير مصيره القومي بنفسه وفي وطنه الأم بيت نهرين.

منذ البداية أدرك جنرال الأمة بأن الحرية والكرامة القومية أشرف وأنبل القيم في حياة الإنسان، وعندما أقترب وقت إثبات ذلك فعلاً وممارسة لم يتردد إطلاقاً في ترك حياة الترف والسعادة الشخصية التي كان يتمتع بها مع عائلته ووظيفته كسكرتير لقنصل تركيا في أورمي،  ولم يبخل إطلاقاً على الأرباح التي كانت تدر عليه من تجارة السجاد كما لم تفتنه حياة الرفاهية في فرنسا وأميركا، فترك كل ذلك من أجل حرية وكرامة بني قومه فامتطى صهوة جواده وحمل بندقيته رافعاً لواء الأمة الكلدو أشورية، الذي كان أول مناضل من أطلق على هذه التسمية المركبة، عالياً من أجل تقرير حقها في بناء كيانها السياسي القومي في أرضها التاريخية. قاد الحركة القومية  وفق مبادئ وقيم جديدة راسياً بذلك منهجاً قومياً تحريرياً في مسيرة النضال القومي، وهي ملحمة قومية معروفة في تاريخنا السياسي المعاصر والتي احتلت صفحات طويلة من كتب التاريخ الحديث، وهي نفس الصفحات التي أثارت أيضاً غيض وحقد العديد من مفكري ومؤرخي النخبة العراقية الحاكمة وأسيادهم الإنكليز ومن لفهم من أعوانهم ، فخصصوا صفحات من الكتب عنه كما احبكوا قصص كاذبة وملفقة عن جنرال الأمة لا لشي إلا لتقليل من مكانة نضاله وتشويه سمعته، قبل قتله وفناءه، وهي المهمة التي فشلوا فيها حيث لم يفلحوا في إزاحته من قلوب أبناء الأمة حتى بعد مماته، بل ظل كما كان يحتل أسمى مكانة وأرفعها في تاريخ السياسي القومي المعاصر.

أن جنرال الأمة يعتبر وبحق بطلاً من أبطال تاريخ هذه الأمة وهناك جملة حقائق تؤكد ذلك وتجعله أن يكون بمصاف الأبطال الشهداء، نذكر منها:

1)   - كان أغا بطرس من القلائل الذين تأثروا تأثيراً مباشراً وعميقاً بأفكار الثورة الفرنسية وبمبادئ التحرر والاستقلال القومي وحقوق الإنسان وحق الأمم في تقرير مصيرها وبناء دولتها القومية والتي انتشرت في أوربا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وانتقلت فيما بعد إلى بقية مناطق الشرق الأوسط  بما فيها بلاد آشور. فكانت مشاركة جنرال الأمة في الحروب التحريرية مع جيوش بعض البلدان كفرنسا وروسيا ومن ثم حصوله على العديد من نوط الشجاعة تقديراً لبطولاته وخدماته العسكرية الكبيرة لمبادئ التحرر والاستقلال، تجسيداً لإيمانه بهذه المبادئ والقيم، وليس كما يحاول البعض تزيف التاريخ والحقائق وإلصاق تهم وأكاذيب بحق هذا البطل، فمثله هو كغيره من رجال الفكر والسياسة الأمريكيين الذين شاركوا مع الجيوش الفرنسية أثناء الثورة الفرنسية والحركات التحريرية الأوربية أو الفرنسيين الذين شاركوا أثناء حرب الاستقلال الأمريكي مع الجيوش الأمريكية إيماناً بمبادئ التحرر والاستقلال من الاستعمار البريطاني، فجنرال الأمة لا يختلف عنهم كثيرا إلا من حيث الشهرة العالمية وسعة الانتشار ومن حيث تخليدهم من قبل شعوبهم ودولهم واعتبارهم رموز وطنية لبلدانهم.
2)- أغا بطرس، كزعيم قومي، هو نتاج مخاض جملة ظروف تاريخية تشكل انعطافاً خطيراً في سياق التطور التاريخي لأمتنا وتحولاً جذرياً للمجتمع ظهرت في إعقاب الحرب الكونية الأولى وما بعدها. فعشية انهيار النظام الاجتماعي والذي كان قائماً على بنية تحتية تمثلت في وحدة (العائلة-العشيرة)، خاصة في منقطة هيكاري – تركيا حاليا، كأساس لبنية فوقية انعكست في المؤسسة الدينية والنظام العشائري والذي بدأ بالانهيار عقب مذابح مير بدرخان في هذه المنطقة منذ عام 1843 وتشريدهم من مناطقهم ومن ثم اغتيال المجرم سمكو للبطريرك الشهيد مار بنيامين عام 1918 وما أعقب ذلك من تشتت أبناء الأمة واقتلاعهم من أوطانهم وطغيان الفوضى الفكرية والسياسية على المجتمع . فكان من الطبيعي، وضمن هذه الظروف، أن يبرز زعماء وقادة قادرون على الاستجابة الفورية لمتطلبات الواقع الجديد ولطموحات الأمة التي بدت مقبلة على تحولات جذرية خطيرة بهدف انتشالها من المأساة والفواجع التي حلت عليها ومن ثم توجيها نحو الطريق الصحيح وقيادتها لتحقيق أهدافها القومية وبما تتلاءم مع الظروف الجديدة التي أطلت على أبناء الأمة بعد انهيار نظامهم الاجتماعي التقليدي وعجزه عن مجارات الأحداث الجديدة. فكان أغا بطرس نموذجاً حياً واستجابة طبيعية لمثل هذه الظروف التي فرضت ضرورتها وجود زعماء على المستوى القومي تتحمل مسؤولية بناء البنية الاجتماعية والسياسية الجديدة مختلفة ومتجاوزة في عين الوقت للبنية القديمة وتشكلاتها وضمن أطر سياسية وفكرية شاملة، وهذا ما تمثل في مسعى ونضال أغا بطرس في سبيل إيجاد كيان سياسي قومي مستقل لجميع أبناء أمته.

3)– يعد جنرال الأمة أول زعيم قومي جاوز قولاً وفعلاً الأطر الطائفية الضيقة التي كانت وظلت تنخر بالجسم القومي  وتمزقه أشلاء أشلاء. فكان وبحق عظيماً عندما أدرك هذه الحقيقة وآمن بها وناضل من أجل بناء كيان قومي شامل لكل طوائفه دون تمييز. فبسبب إيمانه القومي الأصيل لم تمنعه "كاثوليكيته" من تبنى الفكر والنضال القومي والتضحية بحياته من أجل أمته الكلدو آشورية ولا كانت عائقاً أمام  الأبطال من مختلف الطوائف الكاثوليكية والنسطورية واليعقوبية وحتى اليزيدية من السير خلفه جنوداً وفداءً لأرض آشور التي رسم أغا بطرس حدود خريطتها بدماء الأبطال ونضالهم لتشمل تلك الخريطة وتضم جميع الطوائف والعشائر والملل دون أي تمييز.

4)- كما يعد بطرس أول زعيم  قومي من خارج المؤسسة الكنسية- العشائرية جاوز في نضاله أطر البنية الفكرية والاجتماعية التقليدية للمجتمع الآشوري في منطقة هيكاري نحو آفاق قومية أشمل وأوسع تتوافق مع المفاهيم الحديثة للقومية وضرورة تجسيد هويتها في كيان سياسي مستقل وخاص بها بعيداً عن كل الاعتبارات الطائفية والعشائرية والنفعية. من هذا المنطلق، كان من الطبيعي أن يواجه مقاومة أو رفض، ضمناً أو صراحةً، من قبل المؤسسة الدينية – العشائرية ومن النظام الاجتماعي القديم الذي آل بحكم الزمن والظروف الجديدة إلى الجمود وأصبح غير قادر على استجابة واضحة وصريحة ومباشرة وفاعلة للمتطلبات القومية والسياسية للأمة في المرحلة التي أعقبت الحرب الكونية الأولى. فمرحلة بروز أغا بطرس، كزعيم قومي على المسرح السياسي، يمكن أن تشكل مرحلة بداية الصراع بين رموز نظام اجتماعي تقليدي يقاتل للحفاظ على زعامته السياسية وتثبيت هيمنته على أوضاع سياسية واجتماعية وفكرية التي كانت سائدة قبل الحرب الكونية الأولى وبين رموز قومية جديدة تسعى لبناء نظام اجتماعي جديد، أي بعبارة أخرى، تمثلت هذه المرحلة بداية الصراع بين القديم والجديد، بين الزعامة التقليدية  المتبنية للفكر القومي التقليدي المستند على بنية دينية - عشائرية من جهة، وبين الزعامة القومية الناشئة والمتبنية للفكر القومي الجديد المستند على مفاهيم التحرر القومي، مع ضرورة أخذ كل من مفهومي القديم والجديد، أو القومي والديني، ضمن سياقهما الزمني والمكاني والظروف المحيطة بهما. وعلى العموم، يمكن اعتبار هذه المرحلة الحد الفاصل بين المجتمع القديم والمجتمع الجديد وبداية نشوء التاريخ السياسي القومي الحديث للأمة.
هذا الصراع الضمني الداخلي الذي لم يؤدي إلى حسم الوضع من قبل أي من الطرفين، أو إلى تعايش متناسق يجمع بين الأصالة والمعاصرة، أو يتمكن من التوفيق بين التراث والمفاهيم التقليدية وبين مبادئ وأفكار التحرر القومي الجديدة، هو الذي قاد الأمة في نهاية المطاف إلى نهايات مأساوية، لم يكن سبب ذلك ضعف الذات القومية الفاعل فحسب وإنما إلى قسوة وهول الظروف الموضوعية القاسية والظالمة التي أحيطت وفرضت على أبناء الأمة والتي أثرت تأثيراً عميقاً على الذات بحيث حشرتها في زاوية مميتة تمكنت القوى المنتفعة، كبريطانيا، من استغلالها ودفع الآشوريين إلى هاوية الموت والفناء، فكان كل ذلك قد سبب طغيان الفوضى الفكرية والارتباك السياسي على المجتمع وعلى زعامته والتي تجلت فيما بعد في فشلها من استغلال الظروف والفرص المأتية لتحقيق أهداف وتطلعات أبناء الأمة. ولعل فشل الحركة القومية الآشورية عام 1933 والمأساة التي رافقتها في مذبحة سميل تمثل نموذجاً قياسياً في ذلك ومن ثم تواري الحركة القومية لأكثر من عقد من الزمن.

5) – كما يعتبر أغا بطرس أول زعيم قومي يجاهر علناً وصراحة ويعمل أيضاً من أجل بناء كيان سياسي قومي مستقل للكلدو آشوريين في أرض آباؤهم وأجداهم ويناضل نضالا صعباً وحتى يائساً وبالضد لجميع الرغبات الداخلية والخارجية المتضررة من قيام مثل هذا الكيان القومي. فعندما أدرك بأن الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالأمة من جهة، والإمكانيات الاقتصادية والسياسية والإدارية الضعيفة أو المفقودة أصلاً من جهة أخرى لا تخدم فكرته ومشروعه القومي، اضطر إلى أن يلجأ إلى فكرة وضع هذا الكيان الناشئ تحت حماية أو انتداب إحدى الدول العظمى المتحكمة في المنطقة وكمرحلة تمهيدية لتجاوز الصعوبات القائمة والمخاطر المحتملة وفي وسط جغرافي وسكاني يكتظ بالأعداء التاريخيين المتربصين لفرص الانقضاض على أبناء الأمة وإفناءهم. غير أن خيانة بريطانيا لوعودها المقطوعة للآشوريين وخشيتها من طموحات أغا بطرس القومية، تراجعت عن تأييدها الأولي لمشروعه، خاصة بعد صدور مقررات مؤتمر القاهرة عام 1920 والقاضية بتأسيس دولة عربية في بلاد ما بين النهرين تتكون من الولايات العثمانية الثلاث، بغداد والبصرة والموصل، ونصب فيصل بن الحسين ملكاً على عرش الدولة الجديدة كعربون للعرب عن وقوفهم إلى جانب بريطانيا في حربها ضد الدولة العثمانية.  فوجدت بريطانيا بأن مشروع أغا بطرس في إقامة كيان سياسي قومي للكلدو آشوريين في شمال بيت نهرين يتعارض ويعرقل مشروع الدولة العراقية ويهدد مشاريعها السياسية ومطامعها الاقتصادية في البلاد، فبدأت مع بعض من أتباعها السائرين في فلكها ببث دعايات وأقاويل سيئة عنه من أجل إزاحته من موقع الزعامة الذي أحتله حتى تمكنت في نهاية المطاف من تدبير أمر رسمي لنفيه من أرض الوطن إلى فرنسا لغرض التخلص منه ومن إصراره على استمرار النضال والمطالبة بالحقوق القومية والتي كانت تقلق مضجع الإنكليز كثيراً.

6) – أن الصراع الضمني أو الخلاف العلني بين جنرال الأمة والمؤسسة الكنسية وحاشيتها، نكرر مرة أخرى ونقول بأنه يجب أن يفهم ضمن سياق الزمان والمكان للظروف التي كانت تحيط بالأمة وبمرحلة التحول التي كانوا يمرون بها. أي أنها مسألة طبيعية قائمة في كل المجتمعات الإنسانية المقبلة على تحولات جذرية ويجب أن لا نبالغ فيها ونصورها كأنها كانت عداءاً سافراً لا يمكن حله أو التوفيق بين الجهتين، وهو ما صوره الإنكليز للزعامة الكنسية وبثوا إشاعات بأن "أبن الأرملة"، أي أغا بطرس كما كانوا ينعتونه، ويروجون عنه بأنه لا ينتمي إلى طبقة أو فئة زعماء العشائر"ماليك" وأنه يريد إزاحة البطريرك من زعامة الأمة لكي يحتل مكانه وأن بمشروعه القومي يريد أن يكون زعيماً للآشوريين والكلدان. غير أن من يقرأ التاريخ بقلب صافي وبوعي ثاقب يدرك مدى إخلاص جنرال الأمة للزعامة الكنسية خاصة بالنسبة للبطريرك. ففي عهد أمير الشهداء مار بنيامين، رغم حساسيته المرهفة تجاه المبشرين الكاثوليك الغربيين واستهجان أعمالهم، فأنه كان يعتمد اعتماداً كلياً على إغا بطرس في حملاته العسكرية وكان يعتبره العنصر العسكري القوي والضارب في حماية الآشوريين خاصة من أتباع كنيسته "النسطورية" من اعتداءات الأكراد وهجمات الأتراك، وحتى بعد استشهاد البطريرك مار بنيامين فأن جنرال الأمة لم يفقد موقعه القيادي وقربه للزعامة لكنيسة وحاشيتها بل ظلوا هؤلاء يعتمدون عليه بما فيهم سرمه خانم وأخيها داود المارشمعوني. غير أن الإنكليز وبأساليبهم الثعلبية المعروفة في زرع الشقاق والفرقة تمكنوا بعد الحرب العالمية الأولى من إخضاع الزعامة الكنسية إليهم، بغياب دور البطريرك الطفل مار شمعون إيشاي، لغرض تحقيق مآربهم وعن طريق تخويف الزعامة الكنسية من مشاريع وطموحات أغا بطرس القومية وتصوريها كأنها تهديد لها من شخص علماني كاثوليكي يريد تدمير كنيسة المشرق "النسطورية" لذلك اقنعوهم بأن أبعاده من العراق سوف يخدم مصلحة الكنيسة والأمة. ومع كل هذا، من يقرأ مواقف أغا بطرس ورسائله الموجهة إلى زعامة الكنيسة سوف لا يجد إطلاقاً أي نقد أو معارضة أو تهجم على الكنيسة المشرقية أو على زعامتها أو على بطريركها بل على العكس من ذلك تماماً كان يكن لهم جميعاً احتراماً شديداً ويتعامل معهم بكل لطف وأدب، وهذا ما تثبه الأوراق والرسائل التي تركها بعد وفاته.

أن هذا الموقف هو نفسه الذي مارسه الإنكليز في تلك الفترة مع معظم رواد الحركة القومية الآشورية وتحديدا مع المبدع الكبير الشهيد فريدون أتورايا الذين تمكنوا من إيقاع الفرقة والشقاق والكراهية بين زعماء الكنيسة وزعماء الحركة القومية الآشورية وتصوير ذلك وكأنه صراع لا يمكن حله بالتفاهم حول تحديد مصلحة الأمة والكنيسة معاً وكيفية ارتباطهما ارتباطاً عضوياً تتحقق مصلحة كل واحد من خلال تحقق مصلحة الآخر، وأن أي ضرر يصيب الطرف القومي سيصيب الطرف الديني بالنتيجة والحتم والعكس صحيح أيضاً. ومن المؤسف أنه حتى بعد ابتعاد تأثير الإنكليز منذ سنوات طويلة فإننا نجد مثل هذا الفتور وعدم القدرة على التودد والتفاهم وتحديد الحدود بين الكنيسة والمؤسسات القومية والأحزاب السياسية والعمل سوية من أجل تحقيق الصالح العام لأبناء الأمة، وهي المسألة التي يتطلب بحثها في  صفحات طويلة نتركها لفرصة أخرى.

7) – إضافة إلى كون جنرال الأمة عسكرياً بارعاً ومن الدرجة الأولى ومعترف بمهارته القيادية من قبل رؤساء بعض الدول الكبرى وقادتها العسكريين حينذاك، فأنه كان أيضاً سياسياً محنكاً ودبلوماسياً ذكياً.  لقد أدرك الإنكليز منذ البداية بأن مثل هذا الشخص لا ينفعهم بل يضرهم ويضر بسياستهم في العراق لذلك كانوا يكرهون أغا بطرس ويحاولون إبعاده عن موقعه القيادي المؤثر لأنه كان عارفاً وبشكل جيد مناورات الإنكليز في استخدام الآشوريين لغرض تحقيق مصالحهم في العراق، كما كان، بفعل خبرته ومهنته في القنصلية التركية في أورمي واحتكاكه بالدبلوماسيين ورجال السياسة وكثرة تنقلاته بين الدول الكبرى وإتقانه لعبة المناورات السياسية والدبلوماسية، كان دبلوماسياً لا يفوت عليه إلا وأن يحاول الاستفادة من روسيا أو فرنسا أو حتى من بريطانيا لغرض تحقيق مصلحة لأبناء أمته، وكان هذا يزعج الإنكليز ويقلق أعوانهم من الآشوريين لعدم قدرتهم على السيطرة عليه، لهذا السبب حاولوا الإساءة إلى قدراته الدبلوماسية والسياسية وعن طريق تشويه سمعته ووصفه بالمنافق أو النفعي أو الانتهازي،  وهناك ألقاب أخرى أضاف إليها وكرام في كتبه عن الآشوريين مثل الماكر أو المخادع أو الدجال وغيرها من الألقاب السيئة من أجل حط من قيمته ومكانته بين الآشوريين ومن ثم تبرير أسباب نفيه خارج وطنه.

8) – في المنفى، كانت فرنسا بمثابة سجن كبير له يعيق نضاله القومي ويبعده عن ساحة المعركة الذي كان بطلها الحقيقي، لهذا لم يهدأ للسكينة والراحة خاصة بعد انكشاف نوايا الإنكليز  في منح العراق الاستقلال السياسي عام 1932 وتهيئته لاكتساب عضوية عصبة الأمم من دون إيجاد حل منصف للمسألة الكلدو آشورية أو تقييد الحكومة العراقية بقيود وقوانين أو إلزامها بحماية الأقليات. لذلك حاول جنرال الأمة جلً جهده العودة إلى بيت نهرين واللحاق برفاق النضال القومي للحركة القومية الآشورية التي كان قد بدأت بوادرها بالتبلور وتصاعد عنفوانها من جهة، وزيادة سعير حقد النخبة العراقية الحاكمة للانتقام من الآشوريين وسحق مطالبهم بالطرق العسكرية الفاشية من جهة أخرى. أدرك الإنكليز والنخبة العراقية الحاكمة جدية وخطورة وجود أغا بطرس على أرض العراق  وبين الآشوريين المطالبين بحقوقهم  في تلك الفترة الحرجة وما سيكون له من تأثير في تنظيم أو توجيه وقيادة الحركة بالشكل الذي قد يؤثر على مشاريع بريطانيا في العراق. وقد تجلى خوف وخشية بريطانيا من أغا بطرس في رفض القنصلية البريطانية في مدينة بوردو الفرنسية السماح له بالعودة إلى العراق. وعندما أحس الإنكليز والحكومة العراقية إصرار أغا بطرس وبكل السبل والطرق للعودة إلى بيت نهرين واللحاق بالحركة القومية الآشورية المتصاعدة، حاولوا اللجوء إلى أبخس الوسائل وأرذلها لمنعه من ذلك. وعندما أنهار جنرال الأمة في شارع عام بوسط مدينة تولوز الفرنسية في الثاني من شباط من عام 1932  ومات وبشكل مفاجئ من دون وجود أعراض مرضية مسبقة وضمن ظروف غامضة ومثيرة للتساؤل عن سبب وفاته في هذه الفترة الحرجة والحساسة، عند ذاك توجهت أصابع الاتهام إلى الحكومة العراقية والإنكليز وبعض أعوانهم من الآشوريين لتقول بأنه تم تدبير أمر تسميمه وقتله بهدف إسكات صوته ومحو صورته من التاريخ القومي والتخلص منه في مرحلة وصلت ذروة المؤامرة في تقليص وسحق تأثير الوجود الآشوري في العراق إلى مراحلها التنفيذية النهائية. وهذا ما تم تنفيذه فعلاً في عام 1933 في مذبحة  سميل وما أعقبها من مأساة سياسية واجتماعية واقتصادية أثرت بشكل عميق على مسار تطور الحركة القومية الآشورية وأفرزت نتائج سلبية على المجتمع برمته تواصلت لفترات لاحقة.

ولكن، إذا كان الإنكليز وأعوانهم في تلك الفترة قد وفقوا مرحلياً في مهمتهم هذه، فإنهم اغفلوا بأن البذور التي زرعها جنرال الأمة وغيره من أبطال التاريخ كانت قد بدأت تتجذر في الأرض وأخذت في الفترات اللاحقة تنمو وتورق وتزهر في ربيع جبال آشور وتثمر أبطالاً وأبطالاً يتبعون خطى جنرالهم الكبير من أجل إعلاء بناء كرمة الأمة العامرة بتلك القيم والمبادئ التي من أجلها أريقت دماء مار شمعون برصباي وماليك شليطا ومار بنيامين وتوما آودو وفريدون آتورايا وآشور بيت هربوت مروراً بدماء وأرواح شهداء العصر يوسف توما ويوبرت بنيامين ويوخنا إيشو وفرنسيس شابو والمطران فرج رحو ووغيرهم لتظل هذه الكرمة العظيمة عامرة.

أغا بطرس، جنرال الأمة هو رمز هويتنا القومية  ورائد من رواد حركة التحرر القومي الكلداني السرياني الآشوري، فإذا كانت أقلامنا وألستنا عاجزة عن وصف مآثره القومية الخالدة، فإن ضمائرنا وعقولنا صاحية ومدركة لمغزى نضاله المستميت ونفهم عناده وإصراره على مواصلة النضال حتى آخر لحظة من حياته، وهو النضال الذي يستلهمه اليوم مناضلون سائرون على نفس الخطى في أرض بيت نهرين  حتى يتم تحقيق الأهداف النبيلة التي كان ينشدها جنرال الأمة في مسيرة نضاله القومي.

مات واستشهد الجنرال أغا بطرس ولكن ظل وسيظل حياً خالداً في قلوب كل أبناء الأمة الكلدانية السريانية الآشورية المناضلين الشرفاء.

الجبناء يموتون كل يوم … والأبطال يبقون أحياء خالدون

272
لا مناصب وزارية لإعضاء الأحزاب والمنظمات الكلدانية السريانية الآشورية
==============================================

                                                                                                                                  أبرم شبيرا

في هذه الأيام تجري اللقاءات والمباحثات لتشكيل حكومة الأقليم برئاسة السيد نجيرفان البرزاني وشملت هذه المباحثات لقاءه مع وفد من "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" (وإختصاراً سنطلق عليه فيما بعد بـ "التجمع") وغيره من الأحزاب والتنظيمات الكلدانية السريانية الآشورية. تناول هذا اللقاء جملة مواضيع ومن المحتمل أن يكون موضوع توزير أحد أبناء أمتنا منصباً وزارياً أو أكثر في حكومة الإقليم المرتقبة قد تم مناقشته وربما يكون السيد نجيرفان قد طلب منهم أن يتفقوا على الشخصية التي ستتسنم منصب الوزراة،. من المؤكد بأن موضوع تسمية الشخص للمنصب الوزاري المرتقب سيكون موضوعاً حساساٌ ومهما والذي قد يشغل الحيز الكبير من المباحثات والإجتماعات التي ستدور بين أحزاب وتنظيمات التجمع لما لهذا المنصب من مدلولات مادية ومعنوية، شخصية وحزبية سواء للشخص نفسه أم للتنظيم الذي ينتمي إليه.

أسعدنا جداً وزدنا فرحاً وإفختارا بأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية عندما تكاتفوا بعضهم بالبعض تحت مظلة "التجمع" فوضعوا المسألة القومية على مسارها الصحيح الذي كان مطلوباً منهم منذ زمن بعيد من قبل أبناء أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية، وهي الحالة التي تكسبهم صفة الشرعية لتمثيل الأمة سياسياً بشكل عام باعتبارهم يمثلون الأغلبية من تنظيمات شعبنا وحتما سيكون لرأيهم في هذه المسألة وزناً لدى السيد نجيرفان. غير أن هذه الحالة الإيجابية والمبهرة يجب أن لا تكون غطاءاً يعمي بصرنا عن الواقع القائم لهذه الأحزاب والتنظيمات وعن بعض الجوانب السلبية الراكنة خلف ستارالمصلحة العامة التي يشتركون فيها ويجمعون عليها ويأخذونها إطاراً عاماً مشتركاً لتجمعهم وعملهم القومي، وهي مسألة طبيعية جداً في التحالفات السياسية بين أحزاب وتنظيمات بقية الشعوب التي لا يمكن إطلاقا أن تتطابق أهدافها وأجندتها السياسية وأسلوب عملها بالتمام والكمال ولكن ضغط الظروف وقسوتها تجعلهم أن يلتفوا ويتفقوا على المصلحة العام المشتركة، وهي الحالة التي تتصف بها أحزاب وتنظيمات التجمع، لذلك فإن كشف بعض الجوانب السلبية وبيانها وتناولها تشكل أمراً ضرورياً لإزاحة السلبيات عن طريق تحقيق المصلحة العامة المشتركة بينهم.

من المعروف بأن التجمع قائم على مجموعة من أحزاب وتنظيمات أشورية وكلدانية وسريانية لما لهذه التسميات من مدلولات مختلفة في عقول بعض من أبناء أمتنا، إضافة إلى ذلك فأنه يتكون من أحزاب سياسية بعضها تأسست منذ عدة عقود ولها باع ونشاط واسعين على الساحتين القومية والوطنية وتعتبر بالمعنى السياسي العلمي أحزاب سياسية كبيرة بكوادرها وجماهيرتها. وفي نفس الوقت هناك أحزاب متوسطة وبعضها صغير بكل مقومات تكوين الأحزاب السياسية، إضافة الى وجود تنظيمات يظهر من أسمها وهيكليتها بأنها غير سياسية بالمعنى المعروف للسياسة. وتجنباً لسوء الفهم فمن الضروري الإشارة بأن مسألة تحديد كبر وصغر الحزب السياسي يعتمد على جملة عوامل مرتبطة ببعضها منها الخلفية التاريخية والجماهيرية وسعة إنتشاره (الشعبية) والهيكلية والكوادر والتضحيات والقدرة على الوصول إلى مراكز رسمية في الحكومة وغيرها من الدوائر التي تعتمد على الإنتخابات والبرلمان، أي النجاح في الإنتخابات العامة.  لهذا السبب فالتفاوف في هذه المعايير كلها عوامل تضع مكونات التجمع في تباين وعلى مستوى غير متساوي. نعيد مرة أخرى ونؤكد بأن هذه حالة طبيعة لكل التحالفات السياسية وفي جميع أنحاء العالم، ولكن الجانب الآخر من هذه الحالة الطبيعية هي أن الحزب أوالأحزاب الكبيرة دائماً يكون لها حصة أكبر من الإمتيازات من الأحزاب الأخرى، فعلى سبيل المثال يكون للحزب الكبير عدد أكبر من الأصوات في التحالف، أي بمعنى آخر يكون له دوراً أكبر في عملية صنع القرارات. وهكذا، فحسب حجم الحزب وطبقاً للمعايير المذكورة في أعلاه يتم تحديد عدد الأصوات التي يحق لكل حزب. أي بعبارة أخرى يكون للإحزاب الصغير والمتوسطة أصوات أقل من أصوات الحزب الأكبر منها. ولكن من جانب آخر يجب أن لاننسى بأن مثل هذه الإمتيازات للحزب الكبير تضعه في مسؤولية أكبر من بقية الأحزاب الأخرى، فلا حق شرعي بدون مسؤوليات وواجبات ملزمة. جميع التحالفات والجبهات المتكونة من عدة أحزاب وتنظيمات التي يمكن نعتها بالناجحة والنشطة تعتمد على هذه المعادلة. لا بل حتى الدول والمنظمات الإقليمية المستقرة التي تعتمد الفدرالية نظاماً لها يكون سبب إستقرارها ونجاحها هو إعتمادها على هذه المعادلة. وتسهيلاً للأمر أذكر المثال التالي: (شخصان أتفقوا على تأسيس شركة يتكون رأسمالها من مليون دولار. الشخص الأول ساهم بثلاثة أرباع المليون من رأسمال الشركة والثاني ساهم بربع المليون. بعد زمن معين ربحت الشركة "لنقل" مائة ألف دولار فأنه من الظلم والإجحاف أن يقسم الربح بالتساوي بين الشخصين أي 50% لكل واحد. بل من الحق والعدل والإنصاف أن يحصل الشخص الأول على ثلاثة أرباع الربح والثاني على ربع الربح. وهذه الإمتيازات والمكافاءات للشخص الأول هي نتيجة تحمله مخاطر ومسؤوليات إستثمار أمواله أكثر بثلاثة مرات من مخاطر ومسؤوليات إستثمار أموال الشخص الثاني)

هذه المعادلة هي الحالة المثالية التي كانت مطلوبة لجميع التحالفات والإتحادات التي نشأت في مجتمعمنا لكي يكون حالها كحال بقية التنظيمات والتحالفات الناحجة وكسبيل لإستمرارها وتواصل تحالفها بنجاح، أي بمعنى آخر أن يكون للحزب الكبير إمتيازات وحقوق أكثر من بقية الأحزاب والتنظيمات. غير أن عدم إعتماد هذه المعادلة في معظم التحالفات والإئتلافات لأحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية كان السبب الرئيسي في فشلها وعدم إستمرارها. وإذا فرضنا بأنها كانت قد أعتمدت هذه المعادلة فإن الحزب الصغير لم يكن ليقبل أو يتفهم كثرة إمتيازات الحزب الكبيرة ولم يكن لهذا الأخير إستعداد للتنازل عن مكانته المتميزة وقبول المساواة في الإمتيازات والحقوق، لذا نرى بأن جميع التحالفات السابقة أصيبت بالشلل بسبب عدم إعتمادها على آلية صحيحة ومقبولة في عملية صنع القرارات فكان مصيرها إما الفشل والإختفاء أو "تملك" الحزب الكبير للتحالف ليصبح بالتالي ملكية خاصة له. أما الأمر بالنسبة للتجمع فأنه يختلف من جوانب عديدة عن التحالفات والتجماعات السابقة والتي فصلنا عنها في مناسبة سابقة. فبسبب الظروف الخاصة والإستثنائية التي تحيط بأمتنا والمعاناة الإستبدادية والظلم التي عانتها طيلة قرون طويلة من الإنظمة الديكتاتورية ترسب في نفوس أبناءها حساسية مفرطة من أي ظاهرة تنم عنها رائحة التسلط والديكتاتورية. كما إنني لا أكشف سراً عندما أقول بأن ضعف الوعي القومي بين أبناء أمتنا وتشتته بين إنتماءات طائفية وعشائرية وقريوية وشللية وتسموية ساهمت بشكل كبير في عدم قبول مثل هذه المعادلة وفي فهم أحقية الحزب الكبير في أن يكون له حصة أكبر من الأصوات من حصة الأحزاب الأخرى في عملية صنع القرارات. ففي مثل هذه الأجواء النفسية والفكرية تظهر هذه المعادلة كأنها هيمنة وتسلط من قبل الحزب الكبير على مقدرات الأمة.

هنا مربط الفرس بالنسبة للتجمع... فإستناداً إلى المعلومات اليسيرة التي تصلنا عنه، يظهر بأنه لا يعتمد على المعادلة أعلاه، فجميع الأحزاب والتنظيمات تتساوى من حيث الأصوات، أي إن لكل واحد منهم صغيرهم وكبيرهم ومتوسطهم صوت واحد في عملية صنع القرارات. ولكن مع هذا نحمد الله ونشكر أولاً ثم نثمن الجهود والنشاطات والتضحيات التي يقدمونها أعضاء التجمع في سبيل إنجاح تجمعهم والسير به قدما وإن لم يكن بمستوى الطموح الجماهيري إلا أنه لم يصيب بالشلل أو يفشل طيلة فترة تواجده على الساحة السياسية القومية والوطنية وبقى قائماً رغم مأساوية الظروف المحيطة بأبناء أمتنا وصعوبة العمل السياسي في أحوال العراق الحالية. ولكن ما سر ذلك وهو لم يأخذ بالمعادلة أعلاه التي تعتبر أساساً مهماً لنجاح كل تحالف بين الأحزاب والتنظيمات بل أخذ بمبدأ صوت واحد لكل واحد دون تمييز بين صغيرهم وكبيرهم ومتوسطهم ولكن مع هذا أستمر قائماً ولم يفشل لحد هذا اليوم؟ ولعل الجواب يمكن في الأسباب التالية:
1.   قساوة ومأساوية الوضع الذي تمر به أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية وقدرة قيادة أحزاب وتنظيمات التجمع على إدارك ووعي مخاطر هذا الوضع والمصير المجهول الذي يعانيه أبناء الأمة فرض قوته عليهم وأجبرهم على التحالف وبأي ثمن كان ومهما كان حجمه لأنه لا يساوي ثمن ضياع الأمة في متاهات الأرهاب والقتل وأمحاء الوجود القومي والديني لأمتنا، فبركة سيدة النجاة أنعمت عليهم في زيادة وعيهم وإدراكم للتحديات المصيرية.
2.   قدرة وأستعداد الأحزاب الكبيرة (لنذكر ذلك بالأسم ونقول الحركة الديمقراطية الآشورية – زوعا كمثال) على التنازل عن مكانتها المتميزة على الساحة القومية والوطنية وقبولها بصوت واحد مساوياً لبقية الأحزاب والتنظيمات في التجمع، وسبب هذا ليس قساوة الظروف المأساوية المذكورة في أعلاه فحسب بل إستجابة زوعا للمطلب الجماهيري الذي كان يطالب به أبناء الأمة منذ فترة طويلة بضرورة التحالف مع بقية الأحزاب والتنظيمات القومية لأمتنا كسبيل للعمل السياسي الناجح والشامل. صحيح إن زوعا هي حركة جماهيرية نشيطة وحققت عندما كانت وحدها على الساحتين القومية والوطنية أهداف مهمة طيلة عقود من السنين ولكن بفعل عمق وعي قيادتها وشمولية رسالتها القومية أدركت بأنها لا يمكن أن تحقق مطالب الأمة وحدها، خاصة بعد سقوط النظام البعثي عام 2003 وظهور قوى وتنظيمات سياسية جديدة، بل يستوجب أن يكون معها أحزاب وتنظيمات أخرى تتفق على الخط العام للمصلحة القومية المشتركة، فكان التجمع تجسيداً للمطلب الجماهيري في تحالف أحزابنا السياسية.

سبق وأن ذكرت مراراً وفي مناسبات أخرى، بأننا أمة إستثناءات تجعلنا مختلفين ومتمزين عن الآخرين، وعدم الأخذ بالمعادلة أعلاه ونجاح التجمع هو إستثناءاً آخر يضاف إلى جدول إستثناءات الأمة الكلدانية السريانية الآشورية.... إليست التسمية المركبة لأمتنا إستثناءاً بين الأمم الأخرى ؟؟؟ موضوع لنا جولة معه في مناسبة أخرى.

إذا فهمنا مسألة صوت واحد لكل حزب و تنظيم في التجمع، فإن مسألة النسبة المطلوبة في صنع القرارات هي الآخرى نقطة يستوجب التطرق إليها حتى نصل إلى صلب موضوعنا. أفهل يأخذ التجمع بالإجماع أم بالأغلبية المطلقة (ثلاثة أرباع أو ثلثي الأصوات) أم بالإغلبية البسيطة (50 +1) في عملية صنع القرارات؟ من السائد في معظم التحالفات تأخذ القرارات بالأغلبية البسيطة بالنسبة للمسائل غير المهمة أما المسائل المهمة والخطيرة فأنها تأخذ على الأغلب بالإجماع وإستثناءاً تأخذ بالنسبة المطلقة وهذا يعتمد على قوة ترابط أطراف التحالف وتقاربهم من حيث المبادئ والمصالح والأهداف. ومن المفروض أن تسري مثل هذه النسب على التجمع في عملية صنع قراراته. ومما لا شك فيه أن إختيار شخص لتولي منصب وزاري أو منصب أقل منه، كوكيل وزارة مسألة مهمة جداً في هذه الأيام وسيكون موضوعاً حساساٌ ومهما والذي قد يشغل الحيز الكبير من المباحثات والإجتماعات التي ستدور بين أحزاب وتنظيمات التجمع لما لهذا المنصب من مدلولات مادية ومعنوية، شخصية وحزبية سواء للشخص نفسه أم للتنظيم الذي ينتمي إليه، وكما ذكرنا في مقدمة هذا الموضوع. لهذا السبب فإن مسألة الوصول إلى إتفاق إجماعي في إختيار هذا الشخص ستكون مسألة صعبة عندما يكون هذا الشخص عضو في أحدى أحزاب وتنظيمات التجمع ويترتب على ذلك نتائج قد تكون وخيمة ولا تحمد عواقبها:

1.   أن إختيار شخص عضواً في أحدى أحزاب وتنظيمات التجمع لمنصب الوزير من المحتمل أن يكون مصدراً للخلافات بين أعضاء التجمع وربما إلى صعوبة الوصول إلى قرار موحد تجاه الشخص المرشح للمنصب، خاصة ونحن نعلم بأنه لا زال التجمع في بداية عهده وترابط تحالفهم ليس بتلك القوة والتماسك في مواجهة الإغراءات المادية والمعنوية الناجمة عن هذا المنصب. وصعوبة إتخاذ قرار بالإجماع حول شخص معين ومن حزب أو تنظيم معين قد يؤدي ذلك إلى إتخاذ قرار بالأغلبية سواء المطلقة أو البسيطة ولا نستبعد أن تؤثر الإغراءات المادية والمعنوية على الحزب الكبير أو يبدأ بإظهار قوته ليفرض رأيه في مسألة إختيار الشخص للمنصب الوزراي مما قد يسبب هذا خلافاً حاداً بين أعضاء التجمع وإلى رفض الآخرين لترشيح الشخص للمنصب الوزاري وربما إلى إنفراط عقد تحالف التجمع.
2.   هناك همسُ أوقولُ أوتصريحُ أونشرُ بين أبناء أمتنا وعلى نطاق لايمكن تجاهله، وهو إن أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية تعمل لمصالحها ولمصالح أعضاءها ولمنفعة قادتها وعندما يتم تعيين شخص منتمي إلى حزب أو تنظيم معين لمنصب وزاري أو منصب حكومي آخر خاصة عندما يكون مثل هذا الشخص من القياديين أو من أقرباءهم أو المقربين منهم حينذاك يبدأ الناس بتصديق الهمس والقول بأن أحزابنا وتنظيماتنا تعمل لمصالحها وليس لمصلحة الأمة. لا بل والأسوء من هذا عندما لا يمتلك مثل هذا الشخص المؤهلات المهنية والثقافية والقومية، أي ليس بالشخص المناسب في المكان المناسب، عندذاك يتحول الهمس أو القول إلى أمر مؤكد وحقيقة واقعية ونتيجتها ليس فقدان الحزب الذي ينتمي إليه الشخص المستوزر لمصداقيته وإنخفاض لشعبيته بل خروج الأمة من المولد بدون حمص، كما يقول المثل، وعدم الإستفادة من المنصب المخصص بالشكل الصحيح في تحقيق المصلحة العامة. 

للأسباب المار ذكرها وخشية من إنفراط عقد التجمع بسبب هذه المسألة الحساسة وضماناً لمصحلة أحزابنا وتنظيماتنا القومية التي نعتز بها ونخشى فشلهم وفقدان شعبيتهم وإنحسار نشاطهم ضمن نطاق مصالحهم الخاصة وتحقيقاً لمصلحة الأمة من خلال الإستفادة من المنصب الوزاري المخصص لها، نقترح على التجمع وعلى الأحزاب والتنظيمات القومية لأبناء أمتنا الغير متحالفة مع التجمع أن تتجنب ترشيح أو دعم أي شخص منتمي إلى أي حزب سياسي أو تنظيم قومي بل يتم الترشيح والدعم لشخص من خارج الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية. أي بمعنى آخر، أن يكون شخصاً تنظيماً مستقلاً وقومياً ملتزماً يمتلك المؤهلات العلمية والثقافية والقومية وله سمعة طيبة لدى أبناء شعبنا ويقف على مسافات متساوية من الجميع وكل حسب ظروفه وحاجته. ولا أعتقد أحد يختلف معي في القول بأن هناك المئات بل الألوف من أبناء أمتنا الصامدين في أرض الوطن يمتلكون مثل هذه الصفات ليكون أحدهم الشخص المناسب في المكان المناسب وسيكون هذا مكسباً عظيماً ليس للشخص المستوزر بل لأحزابنا وتنظيماتنا وسيثبتون بأن الأقاويل التي قيلت عن "أنانيتهم" غير صحيحة بل سيؤكدون بأنهم جزء من الأمة ويعملون لصالحها وليس لصالح أحزابهم، عندذاك تزداد شعبيتهم وتتسع الطرق والمسالك لكي يدخلوا قلوب أبناء الأمة أكثر فأكثر. ومن المفترض أن لا ينحصر هذا الترشيح في منصب وزير بل في المناصب الأخرى كوكيل وزارة أو مدير عام وغيرهما من الوظائف العليا التي يتم الحصول عليها عن طريق التعيين وليس الإنتخاب وأن يشمل هذا المقترح أيضا الترشيح لهذه المناصب في الحكومة المركزية...
 
والله ومصلحة الأمة ومصلحة أحزابنا وتنظيماتنا من وراء القصد... فهل من مستجيب؟؟ 

273

أين نحن في المهجر من إحتفالات الأول من نيسان في أرض الوطن ؟
======================================
                                                                                                                                 أبرم شبيرا

نحن الذين نصبنا خيامنا في المهجر، وجودنا القومي والحضاري والتاريخي كوجود الشجرة بأغصانها وأوراقها وزهورها وثمارها في السماء الطلق ولكن جذعها منتصباً راسخاً على أرض بيث نهرين وجذورها تمتد في أعماقها  تسقى وتتغذى منها، وأي أنفصال عن الجذع سيتهدم كيان الشجرة كما وإن أي إنقطاع عن الجذور ستتصلب أغصانها وتذبل أوراقها وتموت ثمارها وتصبح الشجرة عقيمة لا تصلح إلا أن تكون حطباً لنيران الغربة والضياع. ما فائدة من أن أكون كلدانياً أو سريانياً أو أشورياً وأنا من دون أن أكون منتصباً على جذع راسخ على أرض بيث النهرين؟ ما الفائدة من أفكاري ودعواتي القومية مالم يكون لي إرتباط بجذور أستمد منها مصدر وجودي القومي والحضاري والتاريخي ومن الأرض التي  ولدت فيها حضارتي وتاريخي ووجودي؟ فمن يدعي بإنتماءه إلى هذه الأمة الكلدانية السريانية الآشورية وإلى كنيستها المشرقية أينما كان من أقصى شرق العالم في أستراليا إلى أقصى الغرب في كاليفورنيا هو إدعاء كاذب وهراء ومزايدة مالم يكن مرتبط بجذوره في أرض بيث نهرين ويتفاعل معها ومع حراس جذع الشجرة وسقاة جذورها. فمن نافلة القول: لا شجرة بدون جذور إلا الأشجار البلاستيكية المستخدمة في الزينة التي لا حياة لها. فمصدر حياة الشجرة هي الجذور فإذا ماتت الجذور فحتماً ستموت الشجرة وهكذا هو حالنا نحن في المهجر، فلا وجود لنا إلا بوجود جذورنا في أرض بيث نهرين وبدونها سنموت قومياً وحضارياً وتاريخياً.

نظرة بسيطة إلى واقعنا القومي في المهجر وبالأخص إلى "الناشطين" في المجال القومي والسياسي وإلى منظماتنا القومية والسياسية نرى بأن في معظمه يستمد مصدر أفكاره وأصول حضارته وتاريخه من بابل وآشور ومن الحضارة العظيمة التي بناها أجدادنا البابلين والآشوريين والكلدانيين. ولكن مثل هذا الإشتقاق لا يمكن أن يكون منطقيا عقلانياً مقبولا ما لم يرتبط بجذوره في بيث نهرين ويستمد منها غذاءه القومي والحضاري. وسبيل الإرتباط بالأصول والجذور ليس بالكلام المعسول والكتابات المنمقة وإنما بالتواصل العضوي المستمر والفعلي. ليس مطلوباً منًا نحن أن نترك خيامنا المنصوبة في المهجر ونلملم أغراضنا ونسير على نهج الهجرة المعاكسة ونعود فعلاً إلى الوطن للعيش مرة أخرى فيه، وإن كان مثل هذا الحلم أملاً لنا إن لم يكن في حياتنا ليكن على الأقل لأولادنا وأحفادنا، بل المطلوب هو البقاء على التواصل الصميمي مع أبناء أمتنا والمعايشة معهم في أفراحهم وأتراحهم والتفاعل مع حياتهم الصعبة وظروفهم المأساوية التي فرضها الوضع الحالي للعراق، وهذا هو أقل الإيمان.

أتذكر قبل بضعة سنوات وأنا أستمع إلى خطبة (كرازة) أحد رجال كنيستنا في العراق أثناء القداس المقام بمناسبة صوم (باعوثا) نينوى وهو المعروف بصراحته وشجاعته في نقد الأوضاع الشاذة والممارسات الخاطئة، إذ قال وبكل حماس وعصبية وهو يحث المؤمنين على التمسك بهذا الصوم الإلهي بأن نينوى تقع في بلاد مابين النهرين والحدث التوراتي بخصوص الصوم حدث على هذه الأرض لذلك فصيامكم وأنتم تعيشون على هذه الأرض وتعانون المأساة والمظالم التي فرضت عليكم هو أكثر قبولاً عند الله من هؤلاء الذين يصومون وهم في دول المهجر وينعمون بخيراتها ويعيشون في أمان وسلام. فإذا كان قول نيافته يتجاوز حدود مفهوم الكنيسة والمسيحية والإيمان بالله والتذرع إليه لأن عبادته وطلب الغفران منه وممارسة الشعائر الدينية يمكن القيام بها إينما كان ومن دون حواجز حدودية، لكن من جانب آخر يصيب كلام نيافته جانب من الحقيقة التاريخية والتراثية والحضارية تصب في تأكيد ضرورة أرتباط الإنسان بأرضه ووطنه وممارسة شعائره التراثية والحضارية وفي نفس مكان نشوء وحدوث هذه الممارسات التاريخية والتي حتماً سيكون لها طعماً خاصاً وتمتلك مصداقية مقبولة لدى الآخرين.

وإذا حاولنا الإبتعاد عن الأمور الكنسية وتجنب الشعائر الدينية وأقتربنا أكثر من الممارسات التراثية والحضارية لأمتنا نرى بأن الأول من نيسان، رأس السنة البابلية الآشورية هي أكثر المناسبات العزيزة على قلوب أبناء شعبنا وأكبرها جماهيرياً ووقعاً على النفوس والعقول ولها طعماً خاصاً ومتميزاً في أرض الوطن حيث يشارك فيها عشرات الآلاف ومن مختلف الطوائف والمدن والقصبات والقرى بحيث تجد صورة حية للأمة وهي في حالة حركة ونشاط. شخصياً عندما أشارك في كل عام في مسيرات عيد الأول من نيسان في أرض الوطن أجد، كما يجد غيري من زملائي القادمين من المهجر، فرحة لا تضاهيها أية فرحة ومتعة لا تساويها أية متعة وإنبهار لا يبهرها أي إنبهار... لماذا... لأننا نجد في القادم من أستراليا وأوربا وأميركا متكاتف مع أخيه القادم من دهوك وعنكاوه وألقوش وبرطله شقلاوه وسرسنك وغيرها من المراكز التاريخية لأبناء أمتنا بحيث لا تستطيع أن تميز بين من هو كلداني أو آشوري أو سرياني فكلهم يرفعون لافتات وشعارات تقول بأننا أمة واحدة وسنبقى أمة واحدة ولنا لغة واحدة وثقافة واحدة ومصير واحد وسنناضل موحدين من أجل نيل حقوقنا المشتركة لا يفرقنا مفرق قابع في زواياه الطائفية والعشائرية والإنانية والإنفصالية والتحزبية المقيتة يقلد الغراب في نعيقه محاولاً تخويف أسد بابل ونسر آشور. نصبنا غضبنا وأمطرنا هجومنا على أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية لكونهم عاجزين عن التفاهم والتقارب بينهم للسيرخطوة واحدة نحو تحقيق أهداف أمتنا، واليوم بتكاتف أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية في أرض الوطن تحت مظلة "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" تمكنوا من أزاحة الإحباطات والمشاعر السلبية من عقولنا وشرعنا نرفع قبعاتنا لهم تقديراً وإكراماً على صمودهم في وجه كل التحديات الماحقة التي يواجهونها في الأرض الوطن ويسعون ليل نهار لإنجاز وتحقيق هدف لهذه الأمة حتى ولو كان صغيرا وبسيطاً. هكذا وجدت مناضلي أمتنا منتصبين واثقين سائرين إلى الأمام وهم في طليعة مسيرة الأول من نيسان في العام الماضي في دهوك ولنا أمل كبير أن يكونوا أكثر قوة وثباتاً وتنظيما ونحن نقترب من هذا العيد الخالد.

مهما قرأت من الكتب وحصلت على شهادات إكاديمية وحضرت ندوات أو محاضرات وحاولت أن أكون قومياً فأنها تبقى مصادر ناقصة في بناء ذاتي القومية وتعجز عن ربطي بحضارتي وأرضي ولا تكتمل هذه الذات إلا عندما تطأ قدمي أرض أبائي وأجدادي وأتعايش مع أبناء أمتي ... فعندما أزور ألقوش البلدة التي ولدت فيها وأتجول في أزقتها وألتقي بأبنائها الطيبين خاصة الذين يتذكرون جدي وأبي أجد نفسي بأنني ولدت من جديد. ومن الغرابة بل الطرافة المثيرة للإهتمام أن أحد الألقوشيين قادني في العام الماضي وأثناء إحتفالات نيسان ونحن في زيارة إلى ألقوش إلى احدى البيوت وقال بأن جدي سكن في هذا البيت لا بل وحتى أنه حدد الغرفة التي ولدت فيها ولا أدري إذا كان ذلك صحيحاً أم مجاملة معبرة عن رحابة صدره في ترحيبه لزيارتنا لألقوِش. عندما أتسلق وادي جبل الدير وأصلي في دير ربان هرمزد الذي تعمذت أنا وأخوتي وأولادي فيه يفيض قلبي أملاً وإيماناً بعظمة كنيستي وأمتي والتي خلدتها الكتابات السريانية في الصخور المنقورة في الدير وفي الأصابع التي سطرت المخطوطات المحفوظة، أو التي كانت محفوطة، في دير سيدة الزروع (الدير التحتاني). وحتى أبتعد عن الخصوصية، أجد نفسي أكثر إلتصاقاً بكل زواياً أرض أبائي وأجدادي عندما نزور قرى وقصبات سهل نينوى ثم نتسلق الجبال الشامخة نحو منطقة صبنا ونجول في كروم برواري بالا وننزل نحو سهل نهله وفي قراهه الجميلة وأجد نفسي بأنني فعلاً أبن هذه الأمة عندما ننغمر بالترحاب والاستقبال من أخوتنا هناك فأقول الحمد لله لازالت الدنيا بخير، فيمتلئ قلبي وعقلي تفائلاً يكفيني لكي أستمر كإنسان مرتبط بهذه التربة وأنا بعيد عنها. ولكن.... ولكن ... دائماً هناك ما يعكر هذه الصورة الجميلة ويشوهها ببعض الممارسات غير المقبولة إنسانياً وحضارياً. ففي الكثير من القرى والقصبات والكروم تجاوزعليها بعض العشائر الكردية وسكنوا فيها وحرفوا طبيعتها الديموغرافية والتاريخية لا بل وأفسدوها بشكل لا يقبلها الإنسان المتحضر. في العام الماضي عندما تسلقنا الجبل ووصلنا إلى قمته حيث قرية ديري وديرها العتيق المعروف بـ "دير مارعوديشو" الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي ويعلوه أثار لدير أقدم منه وهو "دير مار قيوما"، فعندما أنسرح نظرنا نحو الوادي والمروج التي تغطيه في أسفل الجبل وجدنا عدد كبير من البيوت الجاهزة (كرفانات) تسكنها عشيرة كردية منذ سنوات مشوهين منظر الوادي ومستغلين خيراته وعرفنا بأن شيخ هذه العشيرة لا يخشى أحد ولا يكترث لتجاوزه وإحتلاله للأراضي الكلدانية الآشورية الممتدة بين القريتين ديري وكومانه. أفهل نلوم ونلعن هذا الشيخ وعشيرته أم نلوم أنفسنا نحن الذين تركنا أراضينا وقرانا وبساتيننا ونصبنا عوضاً عنها خياماً في المهجر؟

 إن مسألة تجاوز الكرد على الأراضي الكلدانية الآشورية في هذه المناطق هي من المسائل المهمة في أجندة أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية ونقطة إرتكاز في خلافهم مع الحكومة الأقليمية والقوى السياسية المهيمنة على مقدرات الوضع في الأقليم الشمالي لبيث نهرين ولها تعقيدات سياسية وجغرافية وديموغرافية ليس حلها بالأمر السهل خاصة عندما تتداخل فيها جملة عوامل سياسية وقومية، ونأمل من أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية كل التوفيق في هذه المسألة العويصة. 

 أما الحديث عن بلدة عنكاوه، مركز الحضارة والثقافة والسياسة والتمدن فالحديث عنها عاجز عن التعبير عن الفرحة والمسرة. لا بل فقضاء بعض الليالي فيها والتفاعل الحقيقي مع أهلها الطيبين تكون مصادر حقيقية لتثقيف الذات وتوسيع مداركنا القومية والسياسية من خلال التعايش الحقيقي والواقعي مع أبناء كلدو وآشور في هذه البلدة العريقة. في العام الماضي وفي أيام إحتفالات نيسان حيث الجميع فرحين مبتهجين كنًا أنا والصديق توما روئيل يوخنا نتجول في شوارع وأسواق عنكاوه وعند توقفنا لدى أحدى محلات بيع المقتنيات الأثرية والتذكارية أعجبتني سبحة كان لها مدلولات تراثية فحاولت شرائها وعندما عرف صاحب المحل إسمي وإني قادم من المهجر حلف بمليون حلف بأن لا يأخذ فلساً واحداً  مني مقابل السبحة فأعطاها لي مجاناً وقبلتها مشكوراً... هذا نموذج بسيط جداً وشخصي لكرم ولطافة أبناء أمتنا في الوطن. فمن لا يصدق هذا فباب الوطن مفتوح لزيارته والتحسس مباشرة بما ذكرته في أعلاه بخصوص تأكيد الذات من النواحي القومية والحضارية والتراثية.         

جميل جداً أن نرى شعبنا في المهجر يهب في شوارع المدن ويتظاهر ويقدم الإحتجاجات عندما يواجه أبناء شعبنا في الوطن ممارسات إرهابية وتفرض عليه سياسات تعسفية وتهضم حقوقه. وجميل جداً أيضاً أن نرى شعبنا في المهجر يسيًر مسيرات ومواكب بمناسبات وأعياد قومية كالأول من نيسان ولكن الإجمل بكثير سيكون عندما نعايش أو نشارك في مثل هذه النشاطات ونحن على أرض الوطن فهي تأكيد وتصديق لكل هذه الممارسات في المهجر.... فلكل أبناء أمتي الكلدانية السريانية الآشورية وخاصة المهتمين بالشأن القومي أقول بأن إشتقاقكم لمصدر فكركم القومي والحضاري وتنسيب إنتسابكم إلى أرض بابل وآشور تبقى فاقدة لجانب من المصداقية ما لم تزوروا أرض الوطن ولو مرة واحدة في السنة ولتكن زيارة للمشاركة في إحتفالات الأول من نيسان لتتأكدوا ما ذكرته في أعلاه، وهذه بعض الصور المأخوذة في المناسبات السابقة لإحتفالات الأول من نيسان في أرض الوطن... وإلى الملتقى في المسيرة النيسانية في أرض بيث نهرين.



إستقبال حار للقادمين من المهجر


مع أبناء وبنات أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية أثناء مسيرة نيسان وهم بالزي التراثي لقرانا الجميلة

 

زيارة أرض الوطن لاتخلو من اللقاء برجال كنيستنا الأفاضل... صورة مع نيافة المطران  لويس ساكو رئيس أساقفة  كركوك للكدان الكاثوليك والأب الفاضل ألبير أبونا المؤرخ الكبير لكنيسة المشرق.




 

مشاركون في مسيرة نيسان من مختلف بلدان العالم من اليمين إلى اليسار: توما روئيل يوخنا من أربيل، أتور خنانيشو من طهران عضو البرلمان الإيراني السابق، أبرم شبيرا من سان دياكو – الولايات المتحدة، باسم رشو من سدني – أستراليا، وجلوساً عمانوئيل قليتا من لندن – المملكة المتحدة الشخصية الآشورية لعام 2010 المنتخب من قبل الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي.

 

كشافة شباب كلدو آشور في مقدمة المسيرة النيسانية

 

ملائكة وزهور يكللون مسيرة نيسان

 

طفل بالزي القومي يشارك في المسيرة النيسانية

 

نادرا ما نرى الشخصية القومية المعروفة عمانوئيل قليتا مبتسماً.... ما سر وراء هذه الإبتسامة ؟... أنه المشاركة في مسيرة الأول من نيسان في دهوك في العام الماضي.


وقفة راحة بعد المسيرة النيسانية الجماهيرية لعدة كيلومترات
 


نيساننا لا يغلو من زيارة المصايف وقرانا الجميلة

 
صرخة الوحدة الكلدانية السريانية الآشورية
 

لا حدود للعمر من المشاركة في المسيرة النيسانية



قطع كعكة نيسان المسيرة والميلاد مع الأصدقاء والفرحة تعلوا شفاة جميعهم



قادة "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" متكاتفين في مقدمة المسيرة النيسانية
ونأمل في هذه السنة أن يكونوا أكثر تكاتفاً .... ما أحلاك يا وحدة أمتنا.




274
في ذكرى إستشهاد أمير الشهداء البطريرك مار بنيامين شهيد الأمة والكنيسة




ولد مار بنيامين في عام 1887، وفي الثاني من شهر آذار من عام 1903 رسم مطراناً من قبل عمه البطريرك مار روئيل شمعون، وبعد انتقال هذا الأخير الى الحياة الأبدية، رسم مار بنيامين بطريركاً على كنيسة المشرق في الثلاثين من شهر آذار من نفس السنة وهو شاب يافع لم يتجاوز عمره أكثر من ستة عشر عاماً، غير أن معظم الذين عاصروه أكدوا بأنه كان يمتلك عقلاً نيراً وحكمـة بالغة وسلوكاً قويماً ووعياً ناضجاً وكأنه رجل في الأربعين من العمــر، كما يوصف بأنه كان سليم الجسم كسلامة عقله يتميز بكرامة واسعة وشهامة بالغة وشجاعة فائقة بحيث لم يكن يعرف معنى للخوف خاصة عندما تكون المسألة متعلقة بأبناء شعبه، وكان موضوع ثقة كبيرة ليس عند الآشوريين والمسيحيين فحسب وإنما أيضا عند الكثير من العشائر الكردية وزعمائهم الذين كانوا يؤتمنون حكمتـه وعدالته ويلجؤون إليه لفض نزاعاتهم ويحترمون قراراته، ففي الكثير من المرات استطاع أن يحل أصعب الخصومات والنزاعات وأن يعقد بينهم العدل والتفاهم، كما كانت له مكانة خاصة ومتميزة عند السلطات المركزية والمحلية يولونه احتراماً شديداً. ويؤكد المؤرخون بأن بعض العشائر الكردية المسلمة في عهد مار بنيامين كانت تأكل لحوم الحيونات المذبوحة من قبل عائلته وتعتبره لحملاً حلالاً غير محرماً كما هي العائدة عند المسلمين. هذه الصفات الفريدة والمكانة المتميزة التي كان يتمتع بها البطريرك مار بنيامين هي التي أدت إلى ازدياد حسد وهيجان بعض زعماء الأكراد المتطرفين والحاقدين عليه وعلى الآشوريين من أمثال المجرم سمكو أغا زعيم قبائل الشيكاك الكردية المتطرفة. 

لهذا السبب عندما أنتقل أمير الشهداء إلى عالم الخلود لم يكن هناك أي شخص آشوري، سواء الذين خلفوه في كرسي البطريركية أو في قيادة  الأمة يستطيع أن يحل مكانه ويجمع أبناء الشعب تحت قيادة موحدة. كان وبحق آخر قائد آشوري كنسي وقومي قادر على جمع شمل الآشوريين وأبناء طائفته تحت لواء قيادته التي لم تكن في يوم من الأيام قيادة منفردة أو متسلطة. فقد عرف عنه بأن معظم القرارات التي أتخذها تمت بعد التشاور والتباحث مع زعماء العشائر "ماليك"،  الذين كانوا يشاركون في مجلسه باعتبارهم أعضاء في المجلس القيادي للأمة. من هذا المنطلق يقول المؤرخ الآشوري الشماس كوركيس بنيامين في كتابه ( رؤساء الآشوريين في القرن العشرين) المكتوب باللغة الآشورية الحديثة  "بأن لو لم يكن الآشوريون قد فقدوا مار بنيامين في تلك الفترة لربمـا كانت مسيرة تاريخ أمتنا قد تطورت بشكل آخر، ومن دون أدنى شك كانت بشكل احسن مما هو عليه الآن لأنه بالتأكيد ما كان سيسمح للانتهازيين أن يلعبوا لعبتهم كما فعلوا بعد الحرب العالمية الأولى وكما يفعلون اليوم" (ص25).
   
نشأ مار بنيامين وترعرع في بيئة دينية وقومية وتربى على المثل العليا في الفداء والتضحية وتمثلت فيه روح الأباء والأجداد العظام في تحمل الصعاب والمشاق ونكران الذات والتضحية في سبيل الأمة والكنيسة. فبالرغم من كونه في العقد الثالث من عمره، استطاع قيادة الآشوريين في أحرج الظروف وأصعبها نحو الخلود وديمومة التواصل التاريخي رغم كل المأساة والفواجع التي أفرزتها الحرب الكونية الأولى ونتائجها المؤلمة التي فرضت قسراً وظلماً على  الآشوريين، كالجلاء عن أرض الوطن والابتلاء بالأمراض الفتاكة والمجاعات القاتلة وحملات التنكيل والإبادة الجماعية التي نفذتها السلطات التركية والعشائر الكردية والفارسية المتحالفة معها ضد الآشوريين. فإذا كان عمق إيمانه المسيحي وقوة إلهامه الروحي ووسع معارفه اللاهوتية قد أهلته اعتلاء كرسي بطريركية كنيسة المشرق فأن ذكاءه الحاد وفطنته السياسية وحبه اللامتناهي لأمته وشجاعته القومية التي لم يعرف لها حدود، كانت كلها عوامل وضعته في قمة قيادة الانتفاضة الآشورية ضد الدولة العثمانية أبان الحرب العالمية الأولى والسعي بكل إخلاص وتنافي من أجل تحقيق مصير شعبه والعيش بأمن وسلام .

كان مار بنيامين من بين القلائل الذين يدركون مضامين السياسة الشوفينية للدولة التركية ومغزاها الاستراتيجي القائم على أبعاد عنصرية تتخطى كل الحدود الإنسانية والأخلاقية، خاصة بعد استلام حزب الاتحاد والترقي التركي، والمعروف أيضا بـ " تركيا الفتاة"، مقاليد السلطة  في الدولة العثمانية عام 1908 والمعروف بسياسته في تتريك الأقوام غير التركية. فقبل حول نهاية القرن التاسع عشر خسرت الدولة العثمانية معظم مستعمراتها في شمال أفريقيا على اثر هزيمتها أمام الدول الأوربية التي سيطرت على تلك المنطقة، كما تقلص نفوذها في شرق أوربا وبشكل خاص بعد استقلال معظم دول البلقان نتيجة تصاعد حركات التحرر القومي في تلك المنطقة مما حدا بالدولة العثمانية إلى تعويض عن هذه الخسائر بتوجيه أطماعها نحو الشرق لتحقيق الأحلام العنصرية لحزب الاتحاد والترقي في إقامة الإمبراطورية الطورانية تشمل معظم مناطق بيت نهرين وفارس وبلدان آسيا الوسطى وباكستان وأفغانستان وحتى الهند . ومن الضروري الإشارة بأن شعوب هذه المناطق المسلمة وغير التركية لم تكن تشــكل، حسب اعتقاد الدولة التركية، أي عائق أمام تحقيق سياستها في تتريكهم وذلك بسبب عامل الدين المشترك وضمن مفهوم الخلافة الإسلامية أو تحت لواء الجامعة العثمانية، في حين شكلت الشعوب المسيحية الأخرى كالآشوريين والأرمن والروس عائقاً أمام تطبيق سياسة التتريك ودمجهم في الإمبراطورية الطورانية المسلمة لذلك وجدت في سياسة الإفناء والإبادة الجماعية والحروب المقدسة " الجهاد" ضد هذه الشعوب أو تهجيرها قسراً إلى مناطق أخرى، الوسائل الممكنة لإزاحتهم عن طريق تحقيق أحلامها الشوفينية،  كما وجدت في الحرب الكونية الأولى الفرصة المثالية لتنفيذ هذه السياسة .

وفعلاً عندما أعلنت الدولة التركية مذابحها المشهورة في التاريخ ضد الأرمن شملت هذه المذابح الآشوريين أيضاً حيث بدأت القوات التركية وبعض العشائر الكردية المتحالفة معها بشن هجمات على القرى الآشورية الآمنة وحرقها وتشريد سكانها والتنكيل بهم. ويروى بأن أحد المبشرين الأجانب سأل القائد التركي عن سـبب شن حملات الإبادة الجماعية ضد الآشوريين في الوقت الذي يخص قرار (فرمان) السلطة العثمانية الأرمن وحدهم دون غيرهم من المسيحيين، أجاب القائد التركي:  " إنني لا أستطيع التمييز بين الروث الجاف والروث الرطب فكلاهما كريــه. هذه السياسة البربرية وضعت الآشوريين وعلى رأسهم البطريرك مار بنيامين في موقف ماحق ومهلك لم يترك أمامه  خيارات متاحة سوى خيارين، إما الموت والفناء أو المواجهة والمقاومة لهذه السياسة وبكل الأساليب الممكنة والمتاحة. وفعلاً ففي شهر أيار من عام 1915 اجتمع البطريرك مع بقية الزعماء الآشوريين فاتخذوا قراراً جريئاً وشجاعاً في الانضمام إلى الحلفاء والاشتراك في الحرب ضد الدولة العثمانية وحلفائها بعد أن تأكد له عدم جدوى وقوف الآشوريين جانب الحياد والمذابح تفعل فعلها في أعناق أبناء شعبه المسالم وبعد أن ثبت بطلان وزيف وعود الأتراك والإغراءات المعروضة من مال ومناصب على البطريرك وبقية الزعماء الآشوريين لمنعهم من الاشتراك في الحرب ضدها .

وبعد اشتراك الآشوريين مع الحلفاء في الحرب ومن ثم نكوص وتخاذل روسيا أولاً ثم بريطانيا ثانياً عن الوعود الممنوحة لهم في المساعدة بالسلاح والتموين والإسناد في حربهم ضد الدولة التركية، اصبح الآشوريون منفردين في مواجهة القوات التركية والعشائر الكردية والفارسية الجيدة التسليح، خاصة بعد انهيار الجبهة الشرقية على اثر انسحاب روسيا من الحرب وعقد الهدنة مع تركيا ودول المحور عند قيام الثورة البلشفية الاشتراكية في أكتوبر من عام 1917 ، لذلك تعرض الآشوريون إلى الهجمات الانتقامية الشرسة وأخذت القوات التركية وحلفاؤهم تنكل بهم تنكيلاً وتقتل بهم تقتيلاً من أجل تنفيذ سياسة إفناء الوجود الآشوري من مناطقهم التاريخية، وهي مأساة مفصلة بشكل دقيق في الكثير من الكتب. ففي هذه الظروف المأساوية قاد مار بنيامين شعبه البائس والجائع والمتشرد من منطقة هيكاري إلى منطقة أورمي في شمال بلاد فارس في هجرة جماعية تعتبر وبحق سفر من أسفار اضطهاد ومعاناة الجنس البشري على الكرة الأرضية وهو في بداية قرن جديد لم يعرف الآشوريون منه غير الدمار والتشرد والجوع والأمراض الفتاكة والفواجع المهلكة .

وإذا كان بعض المحللين الذين درسوا تاريخ الآشوريين في تلك الحقبة الزمنية يرون في اندفاع الآشوريين وترك أوطانهم في هيكاري واللجوء إلى أورمي خطأً عسكرياً واستراتيجياً مميتاً كلفهم الكثير، فيــه نوع من القبول من الناحية النظرية العسكرية إلا أنه من ناحية أخرى يفتقر مثل هذا التحليل إلى النظرة الموضوعية التاريخية لطبيعة الشعب الآشوري وللظروف المهلكة التي كانت تحيطه من كل الجوانب بحيث لم تترك له فرصة الاختيار إلا الخيار الأصعب والوحيد ذلك لأن بقاء الآشـوريين مع عوائلهم منفردين ومعزولين عن العالم الخارجي ومحاطين بأعدائهم  همهم الوحيد التنكيل بهم وأبادتهم ما هو إلا ضرب من الانتحار الجماعي للأمة وإعطاء الفرصة لأعدائها في تنفيذ سياستهم المرسومة للقضاء على الآشوريين نهائياً. في حين ضمن الآشوريون بلجوئهم إلى المناطق الأخرى بعيدين عن أوطانهم عنصر الحياة والديمومة والتواصل كقومية تاريخية تمتد جذورها لقرون طويلة في التاريخ البشري. فالمقدرة العضوية التي اكتسبها الآشوريون في التكييف والتمحور تجاه المأساة والمعاناة المستديمة والفواجع الاجتماعية والطبيعية عبر تاريخهم السياسي الطويل ضمن لهم عنصر البقاء والخلود وأنطبق عليهم وبحق قانون الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح،  مع التحفظ للتفسيرات المختلفة لهذا القانون، وكان مار بنيامين قد أستلهم هذه الحقيقة وأدركها جيداً عندما أختار الخيار الأصعب والقرار الوحيد لأجل إنقاذ شعبه من الدمار الشامل رغم كل الخسائر الفادحة التي كلف اتخاذ مثل هذا القرار، بما فيه خسارة جزء من الوطن، وأقصد هيكاري، لأنه كان يدرك بأن بقاء شعب، مثل الشعب الآشوري الصلد والمقاوم، سيعوض عن هذه الخسائر طالما تمسك بالقيم والمبادئ التي خلقته كأمة خدمت العالم وأعطت للإنسانية كثير الكثير واستطاعت المحافظة على نفسها طيلة قرون طويلة من الظلم والاضطهاد .

ولو حاولنا، بكل موضوعية وبعيداً عن العواطف والمشاعر القومية، دراسة شخصية مار بنيامين كقائد أمة لوجدنا فيه خصال وميزات فريدة في تاريخ هذا الشعب الصغير يستوجبها الكثير من التفاصيل والبحوث ولكن باختصار شديد نشير إلى أهمها:
1) - أدرك مار بنيامين منذ البداية بأنه قائد شعب صغير لا حول له ولا قوة يعيش في مناطق عاصية محاطة بالشعوب المعادية المتعصبة دينياً وقومياً إضافة إلى كونه شعب لا يرتبط لا عقائدياً، أقصد كنسياً كالكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس، ولا قومياً بالشعوب والدول الأخرى لكي تساعده وتستجيب لحمايته عند تعرضه للاعتداء. لهذه الأسباب وجد في العامل الموضوعي الجيوبولوتيكي سبباً رئيسياً للتحالف مع روسيا باعتبارها أقرب الدول العظمى التي يمكن أن توفر المساعدة والحماية للشعب الآشوري في المنطقة. ومن الملاحظ بأن هذا العامل الموضوعي الجغرافي في التحالف مع روسيا تتبين أهميته من خلال عدم تأثره بالمبادئ السياسية والفكرية خاصة عندما ندرك بأن مار بنيامين أستمر التراسل مع لينين زعيم الثورة البلشفية في روسيا في أكتوبر عام 1917 من أجل ضمان التحالف معها ضد العدو المشترك.
2 ) - عرف عن مار بنيامين بحساسية شديدة ومفرطة تجاه المبشرين من الكنائس الغربية الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية الروسية، وهي مسألة طبيعية لرجل مسؤول يتربع على كرسي البطريركية كان يشاهد بألم ويتحسس بمرارة نهش المبشرين أوصال كنيسته ورعيته الصغيرة من دون أن يستطيع عمل شيء أو يوقف نشاطهم الذي تطاول حتى بيت البطريرك نفسه خاصة عندما أعتنق عمه نمرود وجميع أفراد عائلته المذهب الكاثوليكي. ولكن مع كل هذا، كان للعامل القومي لديه اعتباراً أساسياً وفوق جميع الاعتبارات عندما تكون المسألة متعلقة بتقرير مصير شعبه. من هذا المنطلق لم تمنع كاثوليكية أغا بطرس من أن يجعله قائداً عسكرياً مقرباً إليه يعتمده في معظم مهماته القومية والعسكرية كما لم تمنع أرثوذكسية فريدون أتورايا في أن يتفهم مشاريعه القومية وأن يكون له مكانة متميزة عنده، وهي حقائق حاول بعض أفراد عائلة البطريرك ومن القطب المؤيد لبريطانيا، أمثال سورما خانم شقيقة البطريرك واخوها داود شقيق البطريرك، تزيفها وتحريفها بقصد الإساءة إلى هذين الزعيمين القوميين واتهامهما بمختلف التهم، وبتخطيط من الإنكليز، منها زعمهم بأن هؤلاء يحاولون تجريد مار بنيامين من زعامة الأمة والاستلاء عليها من قبل "أبن الأرملة" و "الشيوعي الغوغائي" كما أشيع عن هذين الزعيمين القوميين. كل هذا من أجل إفشال أي تقارب مع روسيا وضمان التحالف مع الإنكليز، وهي المهمة التي نجحوا فيها في الفترات اللاحقة، خاصة بعد التخلص من فريدون أتورايا وأغا بطرس والقضاء عليهما.
3) – عند الحديث عن مار بنيامين كزعيم لأمة أستشهد من أجلها يجب أن نتجرد من الشمول والإطلاق وأن لا نقيس أعماله بمعاييرنا السياسية والقومية السائدة في هذا اليوم، بل يجب قبل كل شيء أن نضع في عين الاعتبار منصبه الديني باعتباره بطريركاً لفرع من كنيسة المشرق الممزقة له التزامات ومسؤوليات تجاه رعيته تنتظم بالقانون العثماني المعروف بـ "نظام الميليت". لهذا السبب كان مار بنيامين شديد الذكاء والحذاقة في مهماته القومية والسياسية بحيث عرف حدود مهماته هذه بكل دقة وتابعها في كل أقواله وأعماله. من هذا المنطلق لم يشمل في دعواته في تحرير وتقرير مصير طوائف الفروع الأخرى لكنيسة المشرق احتراما لغيره من البطاركة وتقديراً لموقفهم من سياسة الدولة التركية تجاه أبناء الأمة جميعاً. فواجب كل بطريرك كان يستوجب الدفاع عن رعيته، وهذا ما فعل مار بنيامين الذي ضحى بحياته من أجلها.
4 – مسألة أخرى يجب أن لا تفوتنا، بل يستوجبها الإشارة ولو كانت بسيطة ولكن غير معروفة للكثير من الآشوريين، وهي انقطاع أو توقف نظام التوارث لكرسي البطريرك في كنيسة المشرق في عهد مار بنيامين والمعروف بـ " ناطر كرسي". إذ هناك غموض أو قلة المعلومات فيما إذا كان مار بنيامين فعلاً "ناطر كرسي" عندما توفي عمه البطريرك مار روئيل، وأصبح هو البطريرك، أم كان هناك "ناطر كرسي" آخر من نفس البيت وتحديداً أحد أبناء عمه نمرود ؟. كما أنه من المعروف بأن مار بنيامين لم يكن له "ناطر كرسي" وعند استشهاده فخلفه أخوه مار بولص الذي أيضاً عندما توفي لم يكن له "ناطر كرسي"، وعندما رسم مار شمعون إيشاي، وهو طفل في الثانية عشر من العمر، لم يكن هو"ناطر كرسي" ولا غيره وحتى عندما قتل في عام 1975 لم يكن هناك "ناطر كرسي" يطالب بالبطريركية، عند ذاك انقطعت سلسلة بيت أبونا من البطريركية..  إن هذا النظام أي "ناطر كرسي" الذي نشأ بسبب جملة عوامل موضوعية وظروف خاصة خارجة عن إرادة أبناء الأمة والكنيسة، فإنه بالرغم من سلبياته في الفترات اللاحقة، إلا أنه يجب أن لا ننكر بأنه كان له دوراً كبيراً في حماية استقلال الكنيسة ومنع الحكام من التدخل في اختيار البطاركة ورسامتهم. ترى هل أدرك مار بينامين بأن هذا النظام لم يعد له أهمية في الكنيسة ومن ثم يستوجب إبطاله ؟؟  أم كانت هناك ظروف خاصة واستثنائية أملتها عوامل الحرب والتشرد والنزوح للحيلولة دون تطبيق هذا النظام ؟؟؟. أسئلة وأسئلة أخرى يتطلبها الكثير من البحوث والدراسات لهذه المسألة الحساسة التي عصفت في يوم ما بالكنيسة ومزقتها إلى شطرين. وهناك تأكيد في هذا الشأن من سورما خانم في أحدى كتبها بأن الظروف القاسية والمهلكة التي أحيطت بالآشوريين في تلك الأزمان وبالعائلة البطريركية لم تكن تسمح بتنظيم أمور موضوع ناطر كرسي لسدة البطريركية. 

كان مار بنيامين في عصر زمانه يجسد وبحق وصدق أسطورة التضحية والفداء في سبيل الكنيسة والأمة التي كتبها قبله أجداده الأبرار بدمائهم الزكية الطاهرة ويكمل ما شرع به مار شمعون برصباي بطريرك كنيسة المشرق في القرن الرابع الميلادي الذي جعل قرباناً لمبادئه وأيمانه بكنيسته وشعبه. وتتجلى عظمـة وتضحية مار بنيامين في كل يوم من أيام حياته القصيرة وفي كل موقف من مواقفه البطولية، وبعض الأمثلة التاريخية تؤكـد هذه الحقيقة :

1 -  عندما أدركت السلطات التركية عدم إمكانية خداع وإقناع مار بنيامين في استمالته إلى جانبها ضد دول الحلفاء أو إبقاءه على الأقل على الحياد رغم كل الإغراءات والامتيازات التي وعدته بها له  ولزعماء العشائر وللأشوريين، لجأت إلى وسائل الضغط والإكراه فوجدت في اعتقاله بتهمــة الخيانة والتحريض على الحرب أو اغتياله الوسائل الممكنة في منع الآشوريين دخول الحرب مع الحلفاء ضدها لأن الحكومة التركية أدركت بأن القضاء على البطريرك، هذا الشخص بالتحديد ، سيكون بمثابة الضربة الماحقة للآشوريين للاستسلام والخضوع. غير أن الإجراءات الاحتياطية التي اتخذتها القيادة الآشورية بنقل مقر البطريرك التقليدي في قرية قوجانس إلى  منطقة ديز حال دون ذلك. ثم وجدت في أخيه هرمز الأصغر الذي كان يدرس حينذاك في أسطنبول وسيلة أخرى للضغط على مار بنيامين لتغيير قرار المشاركة في الحرب. ففي منتصف شهر آب 1915 أنذرته السلطات العثمانية بأن أخاه هـرمز اصبح رهينة في يدها وسوف يعدم إذا لم يستسلم مار شمعون مع زعماء الآشوريين إلى الأتراك ويمتنعون عن الاشتراك  في الحرب ضدها فكان جواب البطريرك في رسالة وجهها إلى السلطات التركية تعبيراً عن موقفه البطولي واستعداده الدائم للتضحية والفداء حين قال كلمته التاريخية المشهورة التي لا يزال صداها يرن في أذان كل مناضلي هذا اليوم .. " إني قائد شــعبي وهم أولادي كثــار فكيف أستطيع أن أسلم شعبي من أجل أخي هرمز فهو  شخص واحد فقط فلتكن حياته قرباناً لامتــه ". ثم بعد ذلك جلب هرمز إلى مدينة الموصل واعدم، أو ربما كان قد قتل ثم جلب إلى الموصل وعرضت جثته بالقرب من القرى المسيحية كوسيلة أخرى للإرهاب والتخويف. ولا أحســب وجود مشقة وعناء في استقصاء عبر البطولة العجيبة لمار بنيامين وقدرته على التضحية في سبيل شعبه وكنيسته من كلمته هذه، خاصة عندما اعتبر كل الشعب الآشوري أولاده قولاً وفعــلاً. كما لا أحسب، إذا نظرنا للمسالة بنظرة موضوعية حيادية بعيدة عن عواطفنا وتصوراتها، وجود ملحمة بطولية من هذا النوع من التضحية حتى في الشعوب الأخرى خاصة عندما نعرف العلاقة القوية الحميمة التي كانت تربط مار بنيامين بأخيه هرمز،  فكان من أقرب أفراد عائلته إليه يرافقه في الكثير من جولاته ومهماته. من هذا المنطلق نقول بأن اتخاذ مثل هذا القرار لم يكن بالأمر الهين بل يفوق التصور الإنساني .

2 -  وفي نفس الشهر من نفس العام سافر مار بنيامين إلى مقاطعة أورمي في شمال بلاد فارس (إيران) للالتقاء والاجتماع بقيادة الجيش الروسي في مدينة سلامس لبحث موضوع الوعود والمساعدات الروسية الموعودة للآشوريين وحسب الاتفاق المعقود بين الطرفين. وفي طريق السفر وعبر الجبال العاصية والغابات الموحشة تعرض إلى هجمات قطاع الطرق والى مطاردات القوات التركية وغارات العشائر الكردية وبعد مشاق الطريق الذي أستمر عدة أيام وليالي، لم تكن نتيجة الاجتماع مع قيادة الجيش الروسي غير وعود جوفاء لم يحصل الآشوريون منها شيئاً غير المزيد من المأساة والفواجع. وأثناء الاجتماع حاولت القيادة الروسية إقناع البطريرك بالبقاء في سلامس تحت حمايتهم وتوفير الأمن والإقامة الآمنة له لضمان حياته من خطورة العودة إلى شعبه المعزول والمحاصر من قبل الأعداء، غير أنه أبى ذلك ورفض بشدة محاولات الروس حيث فضل الموت بين أبناء شعبه على العيش الرغيد بعيداً عنهم، فقال للقائد الروســي كلمة  أذهلته وأذهلت المجتمعيــن أيضاً : " جئت لأنقذ شعبي لا لأنقــذ نفســي فأنا عائد إليه حتى أعيش أو أموت معه " فقفــل راجعاً متحملاً مشــاق الطريق الطويل والصعب ومخاطر نيران أسلحة الأعداء .

مرة أخرى نتلمس بكل وضوح وجلاء استعداد مار بنيامين للتضحية، لا بأخيه فحسب بل بنفسه أيضاً من اجل شعبه ومن أجل أن يكون قريباً منه رغم شبح الموت الذي كان يخيم عليه مفضلاً الموت معه بدلا من أن يعيش هانئاً أمناً ولكن بعيداً عنه، ذلك لأن البطريرك البطل كان يشعر بأنه منه واليه يعود مهما كانت العوائق والمصاعب ومهما كانت المغريات والحوافز المعروضة عليه لإبعاده عنه. هذه الصفات هي التي أدخلت مار بنيامين في التاريخ الآشوري ومن أبوابه الواسعة وأصبح رمزاً قومياً ودينياً لأبناء أمتنا، وهي الصفة التي تجعله وبكل حق وأنصاف الزعيم العضوي للآشوريين في هذا القرن، أي الزعيم الذي كان جزء من الأمة، والأمة جزء منه لأنه لم يكن متصوراً إطلاقاً إمكانية العيش في الخارج أو بعيد عن شعبه وهي الفرصة التي أتيحت له في العديد من المرات ولكن رفضها لأنها كانت بمثابة خيانة للشعب وكفر بالله وبرسالة ربنا يسوع المسيح الذي عاش ومات من أجلنا جميعاً. هكذا يؤكد التاريخ الآشـوري بأن ضياع مار بنيامين كان يعني تشتت الأمة وتحطم نسقها الاجتماعي بين أمواج الحرب العالمية الأولى وبالتالي فرضت المأساة فرضاً مميتاً على أبناءها وشتتهم في مختلف زوايا العالم خاصة بعد أن عجزوا في إيجاد زعيم قومي وديني يوازي عظمة أمير الشهداء مار بنيامين.

3 -  في بداية  شهر آذار، وتحديداً في الثالث منه، وفي اليوم الأول من الصوم الكبير عام ،1918 عقد اجتماع بين البطريرك الآشوري مار بنيامين والزعيم الكردي إسماعيل الشيكاكي، والمعروف بـ " سمكو " زعيم قبائل الشيكاك الكردية المتطرف والمشاكسة لبحث موضوع تحالف الشعبين ضماناً للأمن والاستقرار وتمهيداً لتطبيق حقهم في تقرير مصيرهم القومي بأنفسهم في ضوء المصالح المشتركة بين الشعبين والتي أفرزتها أوضاع ونتائج الحرب العالمية الأولى. وكانت روسيا البيضاء تستهدف من هذا التحالف والتي سعت إلى ترتيبه ضمان الاستقرار في هذه المنطقة تمهيداً للسيطرة عليها عن طريق استخدام تحالف الآشوريين والأكراد لضرب القوات التركية وإيجاد موطئ قدم لها بعد الخسائر التي منيت بها من جراء وصول الشيوعية إلى السلطة في موسكو. كما لعبت الاستخبارات البريطانية دوراً كبيراً في تشجيع سمكو للاجتماع بمار بنيامين وعقد تحالف معه وذلك من اجل استغلال وحدة قواتهم لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة خاصة بعد أن وضعت ثقتها بسمكو الذي كان قد حلف على القرآن بأن يكون وفياً ومخلصاً للإنكليز وان يسعى بكل شرف وأمانة للاجتماع بالبطريرك الآشوري لعقد الحلف المنشود. غير أنه من جانب آخر كان مار بنيامين قد أدرك أهمية هذا التحالف مع الأكراد لضمان الأمن والسلم لشعبه التعيس، بالرغم من الخلفية العدائية بين قبائل الشيكاك والآشوريين والتحذيرات التي انذر بها مار بنيامين من أن محاولة اغتياله قد تكون مدبرة خلال الاجتماع للتخلص منه ومن إصراره على مواصلة النضال حتى أن ينال شعبه حقه في موطنه الذي طرد منه، غير أن كل ذلك لم يمنع البطريرك من الذهاب قدماً لان حبه وتفانيه من اجل إسعاد شعبه كان أقوى بكثير من مخاوف اغتياله لهذا وهب حياته ورخص دمه ذخراً وفداءً لأبناء شعبه عندما اغتيل غدراً وخيانةً من قبل المجرم سمكو بعد انقضاء الاجتماع، وهي ملحمة مأساوية في تاريخ الآشوريين ومعروفة للكثير منهم. وقد ثبت فيما بعد تورط الحكومة الفارسية في عملية اغتيال البطريرك عندما عثرت القوات الآشورية التي هاجمت مقر سمكو على كتاب من حاكم تبريز يحث فيه سمكو على قتل مار بنيامين مقابل وعود واغراءات قدمتها الحكومة الفارسية لسمكو لان هذه الحكومة كانت أكثر إصراراً على التخلص من مار بنيامين بسبب رفضه تجريد شعبه في أورمي من الســلاح لحين ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، لا بل فقد كانت المصالح الفارسية والتركية والكردية والإنكليزية كلها قد التقت واجتمعت في نقطة واحدة، وهي لا يمكن كسر شوكة الآشوريين وسحق صمودهم وإصرارهم على استرجاع حقوقهم المفقودة إلا بالقضاء على زعيمهم مار بنيامين والتخلص منه خاصة بعد أن فشلت المحاولات الأخرى، وهي المصالح التي تحققت فعلاً بعد استشهاد البطريرك.

ومن سخرية الأقدار، رغم كثرة محاولات القوات الآشورية في تلك الفترة من القضاء على سمكو ورغم الخسائر الكبيرة التي كبدوها لعشيرته وأملاكهم، إلا القدر حكم حكمه ليقضى على سمكو بنفس الطريقة التي أغتال مار بنيامين ومن قبل نفس الجهة. لم تهدأ الأمور بسمكو بعد الحرب الكونية الأولى فلم يتوانى من إستغلال ضعف الدولة الفارسية في مناطقها الشمالية فقام سمكو بمحاولات إخضاع العشائر في تلك المناطق غير أن السلطات الفارسية جردت عام 1922 حملة عسكرية ضخمة ضده فقضت على حركته غير أن سمكو بمكره المعروف تمكن من الفرار إلى منطقة راوندوز في شمال العراق والإختباء هناك. فوضعت الحكومة الفارسية نصب أعينها مسألة القضاء على سمكو بكل السبل فإستطاعت في عام 1930 من إستدراجه إلى منطقة أشنوك شمال بلاد فارس بإغراءات سياسية ووهمية تمنكنت من إيقاعة في الشرك الذي نصب له، فحال وصوله إلى المنطقة المتفق عليها إنهال الرصاص من بنادق القوات الفارسية ليقضي عليه نهائياً. هكذا رسم القدر خطته في قتل سمكو بالأسلوب نفسه الذي أغتيل به مار بنيامين ومن قبل نفس الجهة التي دبرت مؤامرة إغتياله.

لقد كان البطريرك مار بنيامين رمزاً للتضامن الآشوري تنطوي تحت سلطته الدينية والدنيوية وحدة الآشوريين القومية والدينية والفكرية واستطاع أن يجمع ويوحد جميع العشائر الآشورية وان يقودهم لسنوات عديدة حتى استشهاده. فهــو وبحق وجدارة يستحق لقب البطل القومي الآشوري وأميراً للشهداء، وحسناً فعلت كنيسة المشرق الآشورية بإحياء ذكراه في يوم الأحد السابق للصوم الكبير من كل عام واعتباره من شهداء الكنيسة وهي مسؤولية قومية أيضاً ملزمة لكل المنظمات والأحزاب الآشورية لإحياء ذكرى هذا البطل التاريخي في مسيرة النضال القومي الآشوري ويستلزم منهم إقامة صرحاً تذكارياً له في المراكز الدينية والقومية تخليداً لذكرى أمير الشهداء مار بنيامين. كما أنها مسؤولية المفكرين والكتاب الآشوريين للبحث والتنقيب في مغزى البطولة والاستشهاد التي أكدها مار بنيامين في التاريخ الآشوري والتي تعد دروساً في التربية الدينية والقومية وزاداً لكل مناضلي أمتنا في مواصلة مسيرة النضال القومي.

مات واستشهد البطريرك  مار بنياميــن ولكن بقـى وسيبقى مدى الدهر حياً خالداً في ضمائر أبناءه.
الجبناء يموتون كل يوم…. والأبطال يبقون خالدون مع خلود الأمة .
أبرم شبيرا


275
ألا تكفي الجرائم الأخيرة بحق شعبنا في كردستان أن يكون له كيان خاص به ؟؟؟
                                                                                                                                     أبرم شبيرا
إلى متى يبقى كتابنا وقادة بعض أحزابنا ورجال كنائسنا يرفضون أو يطرطمون أو يتخوفون بسبب أو آخر من إقامة كيان خاصة بشعبنا الكلداني السرياني الآشوري في وطنه الأم، إلا تكفي الجرائم الأخير بحق شعبنا في إقليم كردستان لتخلق ردة فعل إيجابية تحركهم من نومهم العميق أو تهز أفكارهم السلبية في بناء البيت الخاص بشعبنا وتضع جهودهم وأقلامهم وأفكارهم على الطريق الصحيح المؤدي إلى سلامة وأمن شعبنا في جميع أنحاء العراق. كانت لمذبحة كنيسة سيدة النجاة في العام الماضي ردة فعل إيجابية أنعكست في تقارب وتجمع بعض من أحزابنا وتنظيماتنا القومية وتشكيل كيان "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية" كسبيل في توحيد الخطاب السياسي القومي لهم. واليوم نتسائل أفهل ستترك هذه الجرائم ردة فعل أخرى إيجابية تزيد من تقارب هذه الأحزاب والتنظيمات أكثر فأكثر؟ أفهل تهز هذه الجرائم عقول وضمائر الرافضون أو المتحفظون أو الساكتون عن أقامة كيان قومي إداري سياسي لأمتنا... سواء أكان هذا الكيان حكم ذاتي أو إدارة محلية أو محافظة ... حتى إن كان قضاء أو محلة أو حتى زقاق... المهم هو ضمان أمن وسلامة شعبنا والعيش بالطريقة التي تطابق حياته وتراثه ودينه.

معظم الرافضين لإقامة أي كيان إداري أو قومي أو سياسي لأبناء شعبنا تقوم حجتهم على أن مثل هذا الكيان سيحصر أبناء أمتنا في منطقة محددة ضيقة وسيكون أكثر عرضة لهجمات الإرهابين وغيرهم من المجرمين والمتطرفين والسلفيين؟؟؟ بالله عليكم هل مثل هذه الحجة بقى لها أساس بعد كل هذه الهجمات على أبناء شعبنا وهم بدون أي كيان خاص بهم بل منتشرين من البصرة حتى زاخوا، أفهل يعرف الرافضون القراءة والكتابة لكي يقرأوا عن هذه الجرائم؟؟ أفهل لهم أذان يسمعون عن ما يجري بحق شعبنا من جرائم قذرة تنم عن أسلوب همجي؟؟؟ فإذا كانوا يعرفون القراءة والكتابة ولهم أذان يسمعون عن هذه الجرائم فلهم إذن أن يتحركوا ويضعوا أيديهم في أيادي الذين يطالبون بمثل هذا الكيان. أما أصرارهم على رفض مثل هذه المطالبة فلم يبقى لنا إلا أن نقول لهم بانهم أناس جهلة لا يعرفون القراءة والكتابة وليس لهم أذان يسمعون بها... وبالتالي نقول لا وجود لهم في هذا العالم الذي يحرق شعبنا ومن المؤكد ستصل لهيب هذه الحرائق إليكم ... فتحركوا قبل ان نشتعل جميعاً ونتحول إلى رماد.

هناك خياران لا ثلاث لهما.... أما أقامة كيان خاص بأبناء شعبنا في مناطق تواجده التاريخي ... وأما الهجرة وترك الوطن... وإذا أعترفنا بأن هناك خيار ثالث فأنه لن يكون إلا الفناء والدمار ومزيداً من الجرائم بحق شعبنا لحين زواله وإنقراضه نهائيا من أرضه. لقد سبق وأن أكدنا مراراً وتكراراً بأن الحياة عند الإنسان هي أغلى ما يملكه وأن حمايتها هو ناموس طبيعي... فإذا كان البقاء في الوطن في ظل الظروف التي يحكمها مجرمون من الدرجة الأولى لا يوفر الحماية لأبناء شعبنا فأن الهجرة إلى خارج الوطن يبقى الخيار الشرعي الوحيد الضامن لحياة أبناء شعبنا... من المؤكد يقول البعض بأن مثل هذا الطرح هو تشجيع أبناء شعبنا لتركه الوطن والهجرة إلى الخارج، وأنا أقول ليس تشجيعاً وأنما أسلوباً لحماية حياتهم خاصة بعد أن أصبح جميع الأساليب الأخرى غير مجدية في دولة يحكمها قانون الغابة. كفانا نفاقاً وتنمقاً ومجاملة واللعب بحياة شعبنا ومشاركة المجرمين في لعبتهم القذرة في إنهاء وجود أمتنا من الوطن... إلى متى نظل نتمسك بالقوانين والدستور في الوقت الذي غيرنا لا يتمسك بها بل يضربها عرض الحائط عندما لا تخدم مصالحه.... الدستور والقوانين أوراق لا معنى لها ولا تأثير في حياة المجتمع طالما المتسلطون على الحكم لا يعيرون أهمية لحياة المحكومين... أفهل يدرك سياسيو أمتنا هذه الحقيقة أم مشاركتهم مع هؤلاء المتسلطين على الحكم أو السكوت عن هذه الجرائم تعمي بصرهم وتحجب تفكيرهم في الفهم الحقيقي للدستور والقانون... فالدستور أو القانون الذي لا يستطيع حماية أبناء أمتنا ولا يخدم مصلحتهم فلا وجود له وبالتالي يجب أن يضرب عرض الحائط كما يفعل الآخرون. أما التمسك به وتكرار الإسطوانة المشخوطة في أن المطالبة بالكيان الخاص بأمتنا لا يتطابق مع الدستور فهو أمر نقوله بصراحة بأنه أسلوب جبان في التهرب من المسؤولية تجاه الأمة ومن المستحسن ترك كرسي المسؤولية إذا كان فعلاً مسؤولاً أو الإنزواء في عالمه الخاص وترك عالم السياسة القومية للآخرين.

قبل أسبوعين أو أكثر أجرت قناة العربية الفضائية مقابلة معي ضمن برنامج من العراق حول المسيحيين في العراق وعند سؤال المقدم عن إضطهاد المسيحيين في كردستان العراق... قلت له أن الحركة الكردية والقوى السياسية الرئيسية فيها يؤمنون بالعلمانية ويحاولون تطبيقها بحيث يمكن القول بأن هناك ليس إضطهاد للمسيحيين في إقليم كردستان بل الكثير من المسيحيين يجدون في هذا الإقليم الملجأ الآمن لهم، إنما المشكلة الحقيقية في إقليم كردستان تكمن في تجاوز الكرد وإحتلالهم الكثير من القرى والأراضي التابعة للكلدان السريان الآشوريين. لكن بعد الجرائم القذرة المرتكبة بحق شعبنا في مناطقه التاريخية من قبل جمهرة من الغوغاء المتطرفين والمتعطشين للجهاد ضد "الكفرة" يقودنا إلى أعادة النظر في فكرنا وموقفنا فيما يخص سلامة وأمن المسيحيين في إقليم كردستان. صحيح أن هذه الجرائم لم ترتكب من قبل القوى السياسية الرئيسية في الأقليم ولا من قبل رجال الحكم والسياسة فيه ولكن تغاضي وأهمال حكومة الإقليم في كبح جماح مثل هؤلاء المجرمين يجعل منها كشريك فيها... أين كان رجال الأمن والشرطة عندما كان يخطب خطباء الجوامع ويدعوا "المصلين" إلى الجهاد ضد "الكفرة"؟ أليس من واجب الحكومة أن تراقب أو تضمن بأن مثل هذه الخطب في أيام الجمع يجب أن تكون حضارية ومن دون إساءة لأبناء الوطن مهما كان دينهم أو قوميتم؟؟ يقول البعض بأن المسؤولين في إقليم كردستان يسعون إلى بناء الإقليم ليكون متطوراً وحضارياً مثل إمارة دبي. نقول لهؤلاء حتى تصبح كردستان العراق مثل دبي عليهم قبل كل شيء أن يدققوا ويراقبوا ويوحدوا جميع الخطب التي تخطب في الجوامع في أيام الجمع ويضمنوا بأنها غير مسيئة لغير المسلمين مثلما تفعل حكومة دبي حينذاك يمكن التفكير في كيفية بناء وتطوير إقليم كردستان ليصبح مثل دبي التي تعتبر من أكثر المدن في العالم من حيث الأمن والإستقرار وأكثرها تطوراً وجذباً للرأسمال الأجنبي. فإذا كانت حكومة إقليم كردستان جادة في ضمان الأمن والإستقرار فعليها محاسبة المجرمين الذين أعتدوا على ممتلكات أبناء شعبنا وأن تبدأ التحقيق والمحاسبة بقائمقام زاخو وسميل ومحافظ دهوك وبالمسؤوليين الحزبيين كما يستوجب التحقيق مع خطباء الجوامع التي أنطلوا منها الغوغائيين، أما إذا ترك الأمر للزمن فأنه سيبداً الأكل بهذه الجرائم وتنتهي التهمة ضد مجهول وبالتالي إلى إستمرار سلسلة الإعتداءات وإهتزاز الأمن والإستقرار في الإقليم وفقدان السمعة القليلة التي أكتسبها الإقليم خلال السنوات القليلة الماضية في ضمان الأمن والسلامة لجميع مواطني إقليم كردستان.

إن الجرائم الأخيرة المرتكبة بحق شعبنا في إقليم كردستان وما قبلها جريمة كنيسة سيدة النجاة وغيرهما ما هي في طبيعتها إلا جرائم لها توجهات دينية متطرفة تهدف إلى القضاء نهائيا على الوجود المسيحي في العراق ومن دون تمييز بين هذه الكنيسة وتلك الطائفة المسيحية فالكل "كفرة" في نظرة السلفيين والمتطرفيين الإسلاميين... فأين هذه الوحدة في عقلية رجال كنائسنا ... أين هم من صخرة بطرس التي أمر ربنا يسوع المسيح بناء كنيسته عليها... أليس من واجبهم الأول والمقدس الجلوس جميعهم على هذه الصخرة ومن ثم التكاتف والعمل سوية للحد من هذه الجرائم المرتكبة بحق رعيتهم... ألم يحن الوقت يا رجال كنائسنا الأعزاء أن نسمع صوتاً موحداً لكم جميعاً في التندين والتحرك سوية نحول المطالبة والعمل على ضمان سلامة رعيتكم؟؟ ففي ظل هذه الظروف الإجرامية لا يبقى أي معنى للكاثوليكية أو الأرثوذكسية أو المشرقية أو الإنجيلية أو البروتستانية طالما لا تستطيع أي منهم حماية رعيتها فالكل مستهدفين بشخص المسيح وليس بشخص البابا أو مار عمانوئيل دلي أو مار دنخا أو ما زكا عواس أو غيرهم.  أليس الوقت مناسبا يا أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية الخروج في مظاهرات في زاخوا وسميل ودهوك لا بل وحتى في ساندياكو وشيكاغو وديتروت و سان هوزيه و تورلك و لندن وأمستردام وباريس وسدني والتنديد وبصوت عالي ضد هذه الجرائم البشعبة؟؟؟ أليس الوقت مناسباً لكي نؤكد ونعيد التأكيد بأن إستقالة ممثلي أمتنا من مجلس النواب العراقي والكردستاني أيضا أوعلى الأقل تجميد عضويتهم سوف يسحب البساط من تحت أقدام حماة المجرمين والسلفيين المتربعين على كرسي الحكم في العراق... أن مشاركة ممثلي أمتنا في هذه الهيئات ما هي إلا شيك بدون رصيد.. وهو موضوع طويل سنعالجه في مناسبة لاحقة. 

   

276
حقوق الأقليات
في ضوء القانون الدولي
                                                                                                                                أبرم شبيرا
توطئة:
من الهوايات المحببة، بل إن صح التعبير، من الواجبات الإساسية لي، هي الغوص في المكتبات لساعات طويلة والبحث عن كل ما يغزر وعينا من كتب ووثائق تخص مواضيع تاريخ أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" وثقاقتها ويوسع من إدراكنا في أساليب حمايتها وضمان إستمرارها نحو آجال أبعد وأبعد حتي يستمر تواصلها لقرون آخرى. ومن هذه المكتبات المهمة والتي يكثر فيها مثل هذه الكتب هما المكتبة الشرقية في بيروت ومكتبة جامعة روح القدس في كسليك في لبنان. وقد كنت في الآونة الآخير محظوظا نوعا ما في هذا السياق عندما حصلت على آخر نسخة من كتاب "حقوق الأقليات في ضوء القانون الدولي" للدكتور رياض شفيق شيًا من مكتبة جامعة كسليك. وقبل أن نبحث في هذه المسألة المهمة خاصة في هذه الأيام الصعبة التي تعجز الحكومات الوطنية في منطقتنا وخاصة في وطننا العراق من حماية أقلياتها، أعرض الكتاب بشكل مختصر وفي سطور قليلة مع  بيان بعض من ملاحظاتنا وتعليقاتنا فيما إذا أستوجب ذلك على كل فصل من الكتاب، خاصة فيما يتعلق بموضوع حقوقنا القومية والوطنية والإنسانية في وطننا العراق. مؤلف الكتاب هو الدكتور رياض شفيق شيًا، وهو عميد ركن في الجيش اللبناني ... تبوأ مراكز عسكرية قيادية وأكاديمية مختلفة حائز على شهادة دكتوراه في القانون الدولي وصدر له عام 2003 عن دار النهار للنشر كتاب إتفاقية الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية لعام 1949 في ضوء القانون الدولي إضافة إلى كتاب موضوع بحثنا والذي من المحتمل أن يكون رسالته الجامعية في نيل شهادة الدكتوراه. الكتاب صدر من قبل دار النهار للنشر – بيروت ,الطبعة الأولى ، حزيران، 2010 ومن يرغب الحصول عليه يمكن الإتصال بها على : ص.ب: 226 – 11 – بيروت – لبنان فاكس 561693 -1 – 961.
darannahar@darannahar.com

مسألة الأقليات واحدة من المسائل التي أرقت ضمير الإنسانية قروناً طويلة. فمع تفاقم إنتهاك حقوق الأقليات وفشل القوانين الوطنية في التعاطي مع المسألة بشكل عام، باتت الإنظار، لإسباب إنسانية، متجهة ناحية القانون الدولي كوسيلة للحماية... ولما كان لكثير من الأقليات علاقات وإمتدادات تتعدى النظاق الداخلي للدولة، بحكم إرتباطها الإثني أو اللغوي أو الديني بدول أخرى تماثلهم نفس الصفات، أفسح ذلك المجال أمام التدخلات الخارجية بذريعة الدفاع عن الأقليات... وتسعير الكثير من النزاعات بين الدول المجاورة. واستمرت الأقليات أحد مواضيع أهتمام القانون الدولي، سواء بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة أو في النصف الثاني للقرن العشرين. فمعظم الصراعات الداخلية والدولية عكست وجود الأقليات في أساس تلك النزاعات، مما يبرر الحجة الدائمة إلى مجموعة كاملة من القوانين الخاصة التي ترعى هذه المسألة. إن العقبة الأساسية أمام تقدم القانون الدولي في إحاطته بمسألة الأقليات ومعالجتها بصورة جذرية هي إصطدامه بكيانات الدولة القائمة. فالخوف من أن يودي الإندفاع في تلبية طموحات الأقليات إلى زعزعة الإستقرار العالمي وإلى زيادة النزاعات الدولية والداخلية لا يبرر عدم الإهتمام بها أو المعالجة الخاطئة لها، لأن ذلك يبقي مسألة الأقليات مصدر توتر دائم (من متن الكتاب).

الكتاب في سطور مع ملاحظاتنا:
الكتاب يشمل 386 صفحة من القطع الكبير ويقع في بابين، الأول (تطور نظام حماية الأقليات) مقسماً إلى ثلاث فصول، الأول (حقوق الأقليات في ظل عصبة الأمم)، ويتناول هذه الحقوق وضماناتها في عهد عصبة الأمم ومن ثم فشلها وسقوطها. وكملاحظاتنا يمكن أن نقول بخصوص هذا الفصل بأن عصبة الأمم أهتمت إهتماماً كبير بمسألة الأقليات ولكن من جهة أخرى أيضا أستغلت هذه المسألة من قبل الدول الكبرى المنتصرة في الحرب الكونية الأولى، خاصة بريطانيا وفرنسا، إستغلالاً تعسفياً وفضيعاً بحيث أفرزت عنها نتائج مأساوية فرضت عنوة على الشعوب البسيطة والمقهور وتقرر مصيرها بموجبها، فالمسألة الآشورية في العراق في الثلث الأول من القرن الماضي، مثال على هذا الإستغلال الإجرامي والتلاعب بمصير الشعوب من دون مراعاة لأية حقوق المشار إليها في تشريعات عصبة الأمم والتي أودت بالأخير إلى فشلها ونشوب الحرب الكونية الثانية وقيام المنظمة العالية الجديدة، هيئة الأمم المتحدة، بعد وضع الحرب أوزارها. وهنا لابد من الإشارة إلى المسيحيين في العراق حيث تنتهك أعراضهم وتسلب ممتلكاتهم ويهجروا من بيوتهم ويغتالوا ويدمرون كنائسهم من دون أي وازع قانوني وأخلاقي فشريعة الغابة هي التي تحكم في مثل هذه الأوضاع وليس القوانين والتشريعات الدولية في حماية الأقليات.   

أما الفصل الثاني (حقوق الأقليات في ظل الأمم المتحدة)، فيتناول فيه صلاحية الضمانات المتعلقة بالأقليات بعد الحرب العاليمة الثانية، وحقوق الأقليات وميثاق الأمم المتحدة ومعاهدات السلام والأعلان العالمي لحقوق الإنسان ثم يتطرق إلى العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أصدرته الأمم المتحدة في عام 1966 وبالأخص المادة 27 منه ومدى إلزامها ثم يلي ذلك إعلان حقوق الأشخاص المنتمين لأقليات قومية أو إثنية، دينية ولغوية الذي صدر في عام 1992 والذي يشرح فيه ديباجة الإعلان ومحتوى المواد العملاتية ومدى تطبيقه . وكملاحظاتنا يمكن أن نقول بخصوص هذا الفصل بأن تجربة عصبة الأمم فيما يخص الأقليات وفشلها الذريع أثر ذلك كثيرا على مؤسسي الأمم المتحدة وعلى مشرعي ميثاقها مما قادهم إلى تجنب أي تطرق إلى مسألة الأقليات وحمايتها لذلك لا توجد أية إشارة في ميثاق الأمم المتحدة إلى موضوع الأقليات وحماية حقوقهم فحتى محاولات تشريع معاهدة خاصة بالأقليات في مؤتمر السلام المنعقد في لندن عام 1946 قد فشل في هذه المسألة. إن الأمم المتحدة أعتمدت على فلسفة جديدة قائمة على أعتبار أن حماية حقوق الإنسان سوف يعطي بالنتيجة حماية لحقوق الأقليات وكنتيجة لذلك شرع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 من دون أن تكون هناك أية إشارة إلى الأقليات. فخلال تلك الفترة نرى بأن كل المحاولات التي قامت بها الحركة القومية الآشورية برعاية قداسة بطريرك كنيسة المشرق مار شمعون إيشاي رحمه الله عن طريق الأمم المتحدة في بداية تأسيسها عام 1945 والسنين اللاحقة لم تفلح وكل الطلبات والتظلمات التي قدمها إلى الأمم المتحدة بخصوص حماية الآشوريين في العراق وإيران وإيجاد تسوية عادلة لقضيتهم لم تجد أذان صاغية لها، وهذا مثال قريب علينا من بين مئات الأمثلة في تلك الفترة.

في الفصل الثالث (حقوق الأقليات في المنظمات الدولية – الإقليمية)، يتناول مسألة الأقليات في أهم أربعة منظمات وهي المجلس الأوربي و منظمة الأمن والتعاون الأوربي و منظمة الدول الأمريكية وثم منظمة الإتحاد الأفريقي. وتعتبر المنظمات الأوربية رائدة في مجال حماية حقوق الإنسان والأقليات حيث صدرت عن منظمة الأمن والتعاون الأوربي عدد من المعاهدات والبيانات بهذا الخصوص وأشهرها وثيقة هلسنكي ووثيقة فينا ووثيقة كوبنهاكن والتي تعتبر من أرقى الأشكال التشريعية في حماية حقوق الإنسان والأقليات.

أما في الباب الثاني (حقوق الأقليات) فالكاتب يبتعد عن التشريعات الخاصة بحقوق الأقليات ويبدأ في هذا الباب بتفسير وتحليل الكثير من المفاهيم المتعلقة بالأقليات. ففي الفصل الأول (مفهوم الأقليات) يتطرق إلى الحاجة إلى تعريف الأقلية والمساعي التي بذلتها المنظمات الدولية والإقليمية والكتاب والباحثين والمعايير الموضوعية والذاتية المعتمد في التعريف  ثم يعرج على أهم الإتجاهات النظرية المعاصرة لتعريف الأقلية. والإهم من كل هذا يتطرق الكاتب في الفصل الثاني (الحقوق المفصلة للأقليات)، مفهوم هذه الحقوق وأنواعها منها القانونية والإنسانية والجماعية ثم الحقوق الخاصة بالأقليات فيشير إلى أهمها منها الحق في الوجود والحق في الهوية وكذلك إلى حق الأقليات بعدم التمييز والتشريعات الدولية الخاصة بهذا الموضوع وأخيرأ في الفصل الثالث (حقوق شعوب السكان الأصليين) ومدى علاقتهم بالأقليات والتعريف بهم والمنظمات الدولية التي وضعت معايير في حقوق السكان الأصليين ثم يفرد صفحات عن الأمم المتحدة والأعلانات والمواثيق التي أصدرتها بهذا الشأن. وهنا أود أن أشير إلى طروحات بعدض من كتابنا وسياسيونا ومنظماتنا القومية عندما ينعتون الآشوريين أو الكلدان أو السريان بالسكان الأصليين للعراق أو لبلاد الرافدين وهذا خطأ ينم عن جهل سياسي وقانوني في هذه المسألة... فالسكان الأصليين (Indigenous People ( لهم صفات وخلفيات أنثروبولوجية وظروف بيئية خاصة وفريدة بهم ويعيشون في حياة مغلقة أو شبه مغلقة ولهم مقومات بدائية لنمط حياتهم لا يشاركهم فيها غيرهم، في حين يعيش أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" في ظروف مختلفة تماما ولهم صفات قومية وتراثية ودينية وخلفية حضارية إنسانية معروفة تميزهم عن غيره ويعيش الكثير منهم في حاضر المدن أو القصبات المفتوحة للعالم الخارجي وينطبق عليهم بكل معنى القانوني والسياسي مفهوم الأقلية القومية وليس بالسكان الأصليين، فأصالتهم في بلاد الرافدين مستمدة من عمق حضارتهم وتواجدهم التاريخي الطويل على هذه الأرض ومساهمتهم الكبيرة في الحضارة الإنسانية وليس من البيئة الأنثروبولوجية التي يعيشون فيها.
     
ولما كان موضوع الأقليات وحق تقرير المصير من المواضيع المهمة والتي يدور حولها جدلاً قانونياً وسياسياً واسعاُ فقد أفرد الكاتب له فصل خاص به شمل أكثر من (40) صفحة حيث يبدأ بالجذور التاريخية لمبدأ حق تقرير المصير ونمو القومية ونشوء الدولة – الأمة و الأقليات القومية والظهور العلني لتقرير المصير. ثم يتطرق إلى اهم التشريعات القانونية في تقرير المصير منها ميثاق الأمم المتحدة وإعلان حقوق الإنسان وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية وأخيراً يتطرق ألى موضوع تقرير المصير والجماعات الأثنية ومدى علاقة تقرير المصير بالإنفصال وأخيرا إشكاليات الأقليات في تقرير المصير. للمزيد عن موضوع مبدأ حق تقرير المصير ومدى إنطباقه على أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية، أنظر كراسنا المعنون (حقوق الآشوريين السياسية في العراق – في ضوء حق تقرير المصير – دار عشار، لندن، 1966، ص 28).

خاتمة وإستنتاجات:
للكتاب خاتمة وفيها يصل المؤلف إلى إستنتاجات مهمة وهي خلاصة الجهد الذي بذله في بحثه هذا وبإعتقادنا هي إستنتاجات مهمة وفق الكاتب فيها بشكل كبير نستخلص منها مايلي:

البعد الإخلاقي للقانون الدولي:
المعروف في القانون الدولي بأنه مجموعة قواعد يحكم علاقات الدول وينظمها بينهم ولكن مع هذا يجب أن لا يوثر هذا التفسير على المحتوى الإخلاقي للقانون الدولي ... صحيح أن الدول ليست أفراد ولكن مع هذا أن الدول تشمل الأفراد وبدونهم لا يمكن أن تقوم لها قيامة لذلك فالبعد الإخلاقي الذي توصل الكاتب إليه في القانون الدولي يشمل حماية الأقليات وهو السبب الذي جعله أن يعنون بحثه بعنوان (حقوق الأقليات في ضوء القانون الدولي).

حقوق الأقليات وحقوق الإنسان:
يتفق الكتاب مع العالم القانوني (سييغرت) في القول بأن حقوق الإنسان إنما وجدت من أجل حماية الأقليات، فالحقيقة التي يعتمدها الكاتب هي أن حقوق الإنسان وجدت لصالح الضعيف، المعرض للإنتهاك بإستمرار، فاقد مقومات الصيانة والعاجز عن التعبير والتصريح بما هو عليه وبما يفكر به ويؤمن به. أما القوي فحاجته لحقوق الإنسان قد تكون شبه معدومة. ولما كانت الأقليات متصفة بهذه الصفات الضعيفة لذا فإنهم معنيين مباشرة بحقوق الإنسان. وبرأينا أن الأمر ليس كذلك عند تفسير مضامين حقوق الإنسان خاصة عندما يتأثر هذا التفسير بالعوامل السياسية لهذا السبب كان يستوجب على المجتمع الدولي أن يكون أكثر صراحة ومباشرة في معالجة مسألة حقوق الأقليات. لذلك ففي عام 1966 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها دون إستثناء وفرض على الدول التي توجد فيها أقليات إلتزامات بضرورة حماية حقوقها القومية والدينية. وفي عام 1976 دخل هذا العهد حيز التنفيذ وأصبحت له قوة القانون حيث صادقت عليه 87 دولي حتى عام 1987 ومنها دولة العراق. كثير من الدول التي يتواجد فيها أقليات قومية ودينية أنتهكت المواثيق الدولية الخاصة بهذا الشأن فكان ذلك موضوع نصب عيني الأمم المتحدة لإصدار تشريع أكثر قوة وإعداد صك دولي بشأن حقوق الأقليات وإقرار أليات وأجراءات معينة لإلزام الدول بحمايتها وصيانته، فجاء صدور "أعلان بشأن حقوق الإشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية وإلى أقليات دينية ولغوية" لعام 1992 لغرض تعزيز حقوق الأقليات وحمايتها إذ أكد الأعلان على حق تمتع الأقليات بثقافتها والمجاهرة بدينها وممارسة وإستخدام لغتها وإقامة الإتصالات مع سائر أعضاء جماعة الأقلية عبر الحدود ومع مواطني الدول الأخرى الذي تربطهم معهم صلات قومية أو دينية أو أثنية أو لغوية. كما ألزم الأعلان الحكومات المعنية على إتخاذ تدابير إيجابية لتعزيز الحريات الأساسية للإشخاص المنتمين إلى الأقليات ومنها التعليم والثقافة، كما طالب البيان هذه الدول بضرورة حماية وجود الأقليات وهويتها القومية أو الأثنية والدينية واللغوية وفرض عليها ضرورة إتاحة الحرية لأبناء الأقليات للمشاركة الفعالة في شؤون الدولة وفي إتخاذ القرارات المتعلقة بالأقليم التي يقيمون فيها وفي القرارات التي تخص الأقلية نفسها، كما ألزم البيان الدول على تعديل قوانينها بما تضمن هذه الحقوق.
ومن الأهمية الإشارة إليه بخصوص هذا الأعلان، هو أنه صيغ بعقلية أوربية متطورة جداً في فهم حقوق الإنسان والأقليات وبعيدة كل البعد عن العقلية الشرق الأوسطية وخاصة عقلية رجال الحكم والسياسة في الأقطار العربية وتحديداً في العراق. إذ أن أعطاء للأقليات حق إقامة الإتصالات مع سائر أعضاء جماعة الأقلية عبر الحدود، أي مع الدول الأخرى، هي جريمة خطيرة في هذه البلدان وفي العراق وعقوبها تصل إلى الأعدام.

الإطار الفردي لحقوق الأقليات:
يتفق الكاتب مع مقولة بأن معظم الحماية الممنوحة للأقليات الإثنية، الدينية واللغوية هي ذات طبيعة غير مباشرة، أي بما معناه بأن كثير من النصوص القانونية ذات الصلة لا توجد إشارة إلى الأقليات نفسها... أي أن القانون الدولي يتردد في تسمية الجماعات الأقلية كصاحبة للحقوق التي يمنحها بل يفضل تنسيبها إلى الإفراد المنتمين للجماعات الأثنية والأقليات القومية والدينية، فمثلاً أهم قرار في هذا الشأن هو إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1992، والمار ذكره في أعلاه. إذ الإشارة إليه هي للأشخاص وليس الأقليات أو الجماعات. ومرجعية الإطار الفردي لحقوق الأقليات ترجع بالإساس إلى إستحواذ فكرة حقوق الإنسان الشاملة للأقليات أيضاً. غير إن التشريعات المتعلقة بمكافحة التمييز العنصري وحماية سكان الشعوب الأصلية والقبلية كلها إشارات واضحة إلى الجماعات وليس إلى الأفراد. الكاتب في هذا الموضوع لم يبين سبب الإطار الفردي لحقوق الأقليات رغم أن تطبيقه يكون جماعياً وإختلافه عن الإطار الجمعي لبقية التشريعات المتعلقة بالعنصرية والشعوب الأصلية ولكن بإعتقادنا الخاص يقوم على فهم طبيعة عقلية المشرع في فهم نوعية الإنتماء. إذ أن الإنتماء إلى أقلية قومية أو دينية يقوم بالأساس إلى الشعور والوعي الذي يجعل الفرد إنتماءه إلى هذه الجماعة أو تلك، في حين أن إنتماء الفرد إلى عنصر (عرق) معين أو إلى أسلوب الحياة التي تتصف بها الشعوب الأصلية هو إنتماء جماعي مقرر سلفاً لا قرار له فيه. فعلى سبيل المثال قد يكون أحد من أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"  غير واعياً بإنتماءه إلى أثنيته ويقر بإنتماءه العربي أو الكردي أو أية قومية أخرى فمثل هذه الحالة لا يعالجه أي تشريع يخص حماية الأقليات. في حين أن الزنجي أو الأمازوني لا يمكن أن يكون إلا واعياً بطبيعة عنصره (عرقه) أو بمنط حياته الخاصة في الأمازون لأنه يستمد وعيه من إرتباطه المباشر والعضوي بالجماعة التي ينتمي إليها وبالتالي تأتي التشريعات الخاصة بحمايته في إطارها الجماعي.     
 
 والكتاب في نهايته يتضمن ملحق رقم (1) وهو النص الكامل لإعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو دينية وإلى أقليات دينية ولغوية الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18 كانون الأول 1992 وأيضا ملحق رقم (2) الخاص بالنص الكامل لإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية والذي أعتمد ونشر في 13 أيلول 2007. وكبقية البحوث والكتب، يدرج المؤلف عدد مهم من المصادر المعتمدة في البحث حيث أعتمد على (144) مرجع أجنبي وعلى (6) مرجع عربي أثنان منها مترجمة من اللغات الأجنبية، تصوروا الفرق الهائل بين الرقمين والذي له دلالات سياسية خطيرة تؤكد عدم إهتمام العقل العربي السياسي والثقافي بمسألة حقوق الإنسان وحماية الأقليات. والأغرب من كل هذا هو مسألة وزارة حقوق الإنسان التي هي ضمن تشكيلة مجلس وزراء في بعض الدول العربية ومنها العراق... لا أدري هل الحكومة العراقية هي جاهلة وليس لها مستشاريين سياسين وقانونيين يقولون لها بأن الحكومات هي  بالدرجة الأولى التي تنتهك حقوق الإنسان وتضطهد الأقليات بشكل مباشر أو غير مباشرة وإنها لا يمكن أن تكون المتهم والقاضي في عين الوقت. إن مهمة  الدفاع عن حقوق الإنسان والأقليات هي من إختصاص منظمات المجتمع المدني وليس الحكومات التي لا تعترف أصلا بحقوق الإنسان ولا بحق الأقليات في ممارسة حقوقها السياسية والقومية.     
         
وأخيرا:
أود أن أوصي هذا الكتاب لجميع الطلاب والباحثين في مسألة الأقليات وحماية حقوقهم لإقتناء نسخة منه من دار النشر المذكورة أعلاه، لا بل أيضا أوصيه لإبناء أمتنا للإطلاع على التشريعات الدولية التي تحمي حقوقهم وتشرعن مطالبهم خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي نمر بها. فالكتاب هو دراسة نظرية عن القوانين والتشريعات الدولية بهذا الشأن وليس هناك أية أشارة أو تلميح إلى أية أقلية أو مجموعة أثنية معنية في العالم، فهو إطار نظري لكل من يطلب العلم كمنهج لدراسة حقوق الأقليات ووسائل حمايتها. كما أود أن أذكر نقطة مهمة لها تأثيرات مباشرة على الكثير من أبناء الأقليات ومنهم أبناء أمتنا وتنظيماتهم السياسية. فالكثير يعتقدون بأن إستخدام مصطلح الأقلية أو الأقليات له دلالات سلبية ودونية تنقص من قيمة الأقلية ومكانتها ولكن هذا غير صحيح بتاتا لأن للأقلية معنى قانوني متداول في التشريع الدولي ومقبول فليس لإستخدامه دلالات سلبية بل له مضامين موضوعية تبين موقع الأقلية من الأكثرية وهذا هو عين الممارسة الديمقراطية بالنسبة للديمقراطيين الحقيقيين وليس للمحاصصيون. إن إستخدام مصطلح المكون أو المكونات الدارج على الساحة السياسية العراقية هو إستخراج جديد غير صحيح في نعت الأقليه به لأنه مصطلح لا معنى سياسي وقانوني له في التشريع الدولي.





277
ملف "الذكرى الاولى لمذبحة كنيسة سيدة النجاة و مستقبل المسيحيين في العراق"



ربيع عربي = خريف مسيحي
شتاء عراقي = فناء مسيحي
أبرم شبيرا

قد يبدو للوهلة الأولى بأن هذه المعادلة فيها نوع من الغرابة والمبالغة لا بل والتشاؤم القاتم بمستقبل المسيحيين في الوطن العربي عموماً وفي العراق خصوصاً. قبل كل شيء أود أن أبين الميزة الفريدة من نوعها الذي يتميز بها العراق عن بقية الأقطار العربية لا بل هناك أكثر من ميزة ينفرد بها العراق وحده دون سواه ولكن سنتطرق إلى الموضوع المتميز الذي يفيد موضوعنا هذا.... الغريب والعجيب قامت مظاهرات وإحتجاجات شعبية واسعة النطاق في بعض الأقطار العربية التي تتبنى النظام الجمهوري ولا تزال بعضها قائمة ومستمرة والتي عرفت بالربيع العربي فإجتازت دورتها ونضجت إلى مستوى الثورة فتمكنت من الإطاحة بالنظام القائم وبرأسه وتلاه صيفاً مثمراً في حين يبدو أن الربيع العربي سيطول في أقطار أخرى كاليمن وسوريا ويتطلبه المزيد من الدماء حتى يثمر صيفاً وفيراً. والدلائل تشير بأنه سوف لا يكون للمسيحيين حصة من الحصاد الصيفي العربي، والأصح الحصاد الإسلامي، بل سوف تحرق حرارة التطرف الإسلامي والتوجهات السلفية الحصاد المسيحي من الثورة وتجرده من مقومات الحياة الحضارية والدينية والإجتماعية وتدفعه نحو هاويات يصعب الإختيار بينهم، فأوضاع المسيحيين في مصر ونتائج الإنتخابات في تونس، رائد الربيع العربي، تؤكد هذا القول.
 
والإستتثناء العراقي الكبير والمثير، هو أنه بدأ شتاءه من دون أن يكون له ربيع. فالتغيير الجذري الذي حصل عام 2003 لم يكن بفعل ربيع لكي يليه صيفاً مثمرا بل حرق ربيع العراق بفعل البرق والرعد والعواصف الأمريكية والتدخلات الخارجية لذلك قاد العراق إلى شتاء قارص يقتل اليابس والأخضر. والعلة هنا ليست في التدخلات الخارجية بل في الشعب العراقي وتحديداً في القوى السياسية التي تدعي تمثيله. فلم يكن لهذه القوى، والتي كانت تسمى بالمعارضة، أمكانية لخلق الربيع ولم تكن قادرة أو تملك مقومات القدرة والقوة لكي تدخل في عملية حصاد الصيف بأستثناء قوى الحركة الكردية التي كانت تمتلك مثل هذه القدرة لذلك تمكنت من حصاد بما لم تكن تحلم به. والسبب في ذلك يرجع بالأساس في كون معظم هذه القوى بعيدة عن الشعب العراقي وعن معاناته، وأكثرها أما كانت تعيش وتنشط في الخارج أو كان تمثل طائفة معينة أو فئة. أي بعبارة أخرى لم يكن لها أية خبرة سياسية وطنية في الحكم والسلطة فجاءت إلى قمة السلطة بفضل القوات الأمريكية فخلق ذلك نوع من الشعور بالنقص فيهم. ولغرض أشباع مثل هذا الشعور وتغطيته أو إزالته يلجاً هؤلاء إلى الإستحواذ والإفتراس على مقدرات البلاد وبكل الوسائل المتاحة فتصبح المحاصصة والفساد والمحسوبية وسائل فعالة في هذا السياق كما يصبح للطائفة أولوية على الوطنية ويبقى الدستور حبراً على ورق يرمى عرض الحائط عندما يلجأ إليه الضعفاء، كالمسيحيين، طلباً للحماية لأن الوقت والجهد والإمكانيات مكرسة لإشباع الشعور بالنقص وليس هناك فائض منها لتكريسه في حماية المسيحيين وصيانة حقوقهم.

هذا من جهة، وبقدر تعلق الأمر بوضع المسيحيين في العراق خاصة ونحن في الذكرى الأولى لمجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد، فإن فهم طبيعة وضع المسيحيين يرتبط أساساً بالديموقراطية. فعندما يتم الحديث عن حقوق المسيحيين وحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية والتراثية وحقوقهم القومية فإن مثل هذا الموضوع لا يمكن أن يرى النور والحياة إلا في أجواء ديمقراطية صحيحة. في عراق اليوم فيه دستور وإنتخابات ومجلس نواب وأحزاب سياسية وصحف ومجلات وقنوات فضائية عديدة لكن كل هذا لا يتفق مع المحاصصة والفساد والمحسوبية وبالتالي نؤكد القول بأنه ليس هناك ممارسات ديمقراطية حقيقية طالما للطائفة أولوية والمحاصصة أسلوب للحكم ونهب المال العام أدواته وبالتالي فالمتربعون على السلطة هم بفعل نظام المحاصصة ولا يمكن أن نتصور أن يكونوا في يوما ما ديمقراطيون يعملون من أجل الوطن ولجميع أبناءه. إن الديموقراطية ليست بيانات ودساتير ومواقف وتصريحات بل هي تراكمات من مواقف وممارسات سياسية وفكرية وحضارية طويلة تنتج المبادئ الأساسية للديموقراطية وبالتالي تخلق فعلاً ديمقراطيين يمارسون الديمقراطية من دون أن يكون للحزب أو الطائفة أولوية على الوطن أو على المصلحة العامة للشعب. فمعظم القوى السياسية المهيمنة على مقدرات العراق كانوا يفتقرون إلى المواقف الفكرية الثابتة حيال الديمقراطية وإلى الخبرة في الممارسة السياسية الصحيحة وبالتالي فإن وصولهم إلى السلطة وبهذا الفقر في الفكر والممارسة لا يمكن أن يخلق منهم ديموقراطيين.

عرضنا هذه البدهية في طبيعة الحكم في العراق والقوى المهيمنة لنقول مرة أخرى بأن الإستثناء في وضع العراق قائم على حرق المراحل من دون أن يكون له ربيعاً أو صيفاً بل أكتفى بشتاء قارص يمكن لرجال الحكم أن يتدفئوا ويحتموا من قسوته عن طريق إستغلال السلطة والفساد وميليارات الدولارات التي سرقت في حين يترك الباقون ومنهم المسيحيين في العراء من دون كسوة وبالتالي لا يترك لهم خيارات إلا خيارين ... أما الموت أو الهجرة. فما الذي خلفته مجزرة كنيسة سيدة النجاة في العام الماضي غير الموت وهجرة المئات من العوائل سواء خارج العراق أو نزحوا إلى المناطق الشمالية الأكثر آمناً كمحطة إنتظار لحين إستقرار الأمور في الوسط والجنوب والعودة إلى ديارهم، وهو أمر بعيد المنال إن لم يكن مستحيلاً، أو الهجرة إلى خارج الوطن.

حتى لا نكون متشائمين بل واقعيين يستوجب أن ننظر إلى الواقع بعين موضوعية... منذ عام 2003 وحتى مجزرة كنيسة سيدة النجاة وبعدها إذا نظرنا إلى أوضاع المسيحيين لا يمكن لأي عاقل أن يمتلك إي نوع من الإيجابية والتفاؤلية إلا الأعمى والمنافق... فوضعهم يسؤء أكثر فأكثر.... أين مسيحييو البصرة ودورة والكثير من المناطق في بغداد والموصل وكركوك التي كانت شبه مجمعات سكنية مسيحية،؟؟ أين أهل هذه المناطق وماذا حل ببيوتهم وممتلكاتهم؟؟ .يقول الكثير من المنافقين وبالأخص السياسيين الفاشلين في تبريرهم لشمولية الإرهاب والقول بأن الأرهاب والتطرف الديني يعصف بالعراق وبجميع العراقيين دون إستثناء فهو، أي الإرهاب، متساوي في إرهابه ووحشيته فالإرهاب ليس موجهاً ضد المسيحيين فقط بل ضد كل العراقيين من دون أن ينظروا هؤلاء إلى النتائج المترتبة على ضحية الإرهاب. هذا صحيح ولكن بالنسبة للمسيحيين يهدد الإرهاب وجودهم القومي والديني ويقلعهم من جذورهم في حين الأمر ليس كذلك بالنسبة لبقية العراقيين. وحتى مثل هذا التبرير السخيف وصل إلى عقلية زعيم حزب الله اللبناني/الإيراني السيد حسن نصر الله عندما ذكر في مقابلة قبل بضعة أيام على أحدى الفضائيات اللبنانية بأن التهجير شمل الشيعة في العراق وليس المسيحيين وحدهم. إلا يدرك نصر الله بأن تهجير المسيحيين مسألة موت أو حياة بينما تهجير الشيعة هي مسألة سياسية وحلولها ممكنة لأنهم يقبضون على زمام السلطة والمال.  فإذا دمر الإرهابيون مسجداً أو حسينية فهناك مئات بل الألاف من المساجد والحسينيات ولكن إذا دمروا كنيسة واحدة فهناك فقط العشرات منها. وإذا قتلوا مسلماً واحداً فهناك أكثر من 25 مليون مسلماً ولكن إذا قتلوا مسيحياً واحداً فهناك أقل من نصف مليون مسيحي باقي في العراق حازماً حقيبته ومتهيئاً للسفر إلى بر الأمان والسلامة بعيد عن الإرهاب والتطرف الإسلامي. فالإرهاب يهدد وجود المسيحيين القومي والديني في العراق ولا يهدد شخص أو مجموعة أشخاص في حين الأمر ليس كذلك مع الآخرين غير المسيحيين فالأعمال الإرهابية لا يهدد وجودهم القومي والديني في العراق بل أشخاص أو مجموعات تشكل جزء من الصراعي الطائفي بين القوى السياسية وشكل من أشكال عدم الإستقرار السياسي في العراق.

إن وضع المسيحيين، وبالأحرى حماية وجودهم القومي والديني، مسألة يستوجب أن تستقطب إهتماماً إستثنائياً خاصا وإن لا تخلط الأوراق وينتهي وجودهم بحجة الإرهاب الذي يشمل الجميع. لقد سبق وأن أشرت إلى هذا المثال التالي الذي ينطبق على وضع المسيحيين في العراق وموقف الحكومة منهم: العراق كرمة خضراء مليئة بالأشجار بمختلف الإنواع والأحجام والألوان. فمن حيث المبدأ وفي الظروف الإعتيادية على صاحب الكرمة أن يهتم بكل الأشجار مهما كان نوعها او حجمها. ولكن عندما تهب على الكرمة عاصفة هوجاء فلا شك فيه بأن جميع الأشجار سوف تهتز وتتأثر بها وقد تتناثر أوراقها أو تتكسر أغصانها وكل طبقاً لحجم الشجرة وقوتها. ولكن أكثر الأشجار تهديداً وضرراً ستكون الأشجار الصغيرة والضعيفة لذلك على صاحب الكرمة أن يولي إهتماماً خاصاً وإستثنائيا بهذه الأشجار خاصة عندما تكون هذه الأشجار من النوعية النادرة والثمينة ومعرضة للإنقراض والفناء. هكذا هو حال المسيحيين في العراق. فإذا كان صاحب الكرمة، أي الحكومة والمتسلطين على زمام الأمور في العراق لا يدركون هذه الحقيقة فأن الوطن سيكون هو الخاسرالأول في نهاية المطاف. ولقد تبينت كل الحقائق الفكرية والواقعية، خاصة أثناء وبعد مذبحة كنيسة سيدة النجاة وما تلاها من هجمات على بيوت المسيحيين كحلقة من حلقات سلسلة حملة القضاء على الوجود المسيحي في العراق بأن صاحب الكرمة غير مهتم بهذه الإشجار الصغيرة والنادرة إهتماماً فعليا يحافظ على بقائهم وإستمرارهم طالما هو وطائفته محصن بالسلطة والمال وواثقاً بأنه ستمر عليه العاصفة من دون أن تقلعه وتهدد وجوده وحتى أن كان مثل هذا الوجود مبنياً على مفاهيم الفترة المظلمة والقرون الوسطى.

إن وضع المسيحيين بشكل عام في العراق لا يطمئن بخير، فهوم الأمر الذي يجعلنا أن نكون أكثر متشائمين لأن كلا الخيارين المتروكين لهم مهلكة ومميتة.... الموت أو الهجرة. فإذا كانت الحياة أحلى ما يملكها الإنسان والحفاظ عليها ناموس طبيعي، إذن يبقى باب الهجرة أمامهم مشروعاً لضمان وسلامة حياتهم. وإذا كانت الهجرة سواء إلى الخارج أو إلى المناطق الشمالية الأكثر أمنا هو الخيار الذي يبعدهم عن الإرهاب ويحمي حياتهم ولكن بالمقابل بأن الكثير من أبناء شعبنا وبالأخص أحزابنا السياسية والتنظيمات القومية يرفضون موضوع الهجرة من أساسه لأن ذلك سيكون سبباً لضياع الوطن وفقدان مقومات وجودهم القومي والتراثي. ولكن هل هناك فعلاً وطناً بكل معنى الكلمة لكي يخاف المسيحيون عليه أم أصبح خراباً تنهش فيه الذئاب ولا تحتمل الحياة فيه.  من هنا ظهر خيار ثالث بديل وهو إقامة حكم ذاتي لهم أو محافظة أو إدارة محلية في مناطق تواجدهم والتي ستكون موضوع جذب لبقية المسيحيين والإستقرار فيه. ومن الطبيعي أن يرفض المتسلطين على الحكم في العراق مثل هذا الخيار للمسيحيين وهو أمراً طبيعياً في العقلية العراقية المتسلطة. ولكن ليس طبيعياً، بل يعتبر أمر شاذاً أن يكون مرفوضاً من قبل الكنيسة في العراق ومن بعض القوى المسيحية وتنظيماتهم القومية لأن الحجة التي يؤسسون عليها والقائلة بأن حصر المسيحيين في منطقة معينة ومحددة سوف يصبحون هدفاً سهلا للإرهاب هي حجة غير منطقية إطلاقاً طالما المسيحيون مستهدفون سواء أكان لهم كيان خاص بهم أم منتشرين في مناطق مختلفة من العراق.

 إن من  يلعب بالنار يترك إحتمال كبير أن يحترق به. فالعاقل والمدرك والواعي والمجرب لا بد من أن يمتلك أدوات التحصن منه ... فالتعامل بالسياسة في هذه الأيام في العراق يفرض على القوى السياسية لإبناء شعبنا أن تدرك نتائجها والتي قد تكون وخيمة ولا بد أن تتحصن ضدها... لقد سبق وأن أطلقنا نداءاً عاجلاً إلى كافة ممثلي أبناء أمتنا في مجلس النواب ومجالس المحافظات بالإستقالة إحتراماً لدماء شهداء كنيسة سيدة النجاة. وبعد مرور سنة على هذه المجزرة نعيد اطلاق هذا النداء لأنه لا زال النظام في العراق فاسداً لا بل يزداد فساداً ومن المعيب أن نكون نحن الضحية جزء من هذا النظام وأن نكون محسوبين عليه، لأن المستفيد الوحيد من وجود ممثلين عن المسيحيين في الحكومة والهياكل البرلمانية والمحلية هم رجال السلطة الفاسدين حيث يستغلون هذه المشاركة الشكلية للمسيحيين معهم لكي  يظهروا أنفسهم بأنهم ديمقراطيون وتعدديون. فإنسحاب المسيحيين يجردهم من هذه  الميزة ويفضحهم أكثر فأكثر. ومما لا شك فيه أن إستفالة المسيحيين هذه أيضا ستكون لها ردود فعل على مستويات دولية قد تثير إهتمام بعض القوى العالمية والمنظمات الدولية ويطرح موضوع الحماية الدولية لهم وهي الحماية التي ستكتسب المطالبة بها شرعية دولية وقانونية طالما الحكومة نفسها عاجزة عن حمايتهم.

وأخيراً أتسائل نفسي قبل أن يسألني غيري، هل أنا متشائم إلى هذه الدرجة من وضع المسيحيين في العراق أم  إن الوضع هو مبعث تشائم جداً وما عملت أنا إلا في نقل جزء بسيط من هذا الوضع وعبر هذه السطور القليلة. 

278
نظرة من ثقب الباب على تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية
(أراء ومقترحات)
أبرم شبيرا
مقصد الكلام:
النظر من ثقب الباب ليس القصد أن نسترق السمع او نتصنت من باب الفضول أو التدخل في شؤون هذا التجمع، وإنما القصد منه هو النظر من الفسحة الضيفة المتاحة لنا نحن الذين نصبنا خيامنا في بلدان المهجر والتي من خلالها نستقرئ ما يجري في الوطن من تطورات سياسية وقومية تخص بالصميم أبناء أمتنا، وهي الفسحة التي قد توفر لنا صور عن نضال ومسار حركات وأحزاب أمتنا في الوطن والتحديات التي يواجهونها ونضالهم من أجل نيل حقوقنا القومية المشروعة. وعلى الجانب الآخر يجب أن يقوم فهمنا نحن في المهجر، مهما كانت سعة هذه الفسحة المعلوماتية، على المثل القائل "اليد التي في الثلج غير التي في النار" وعلى التحسس بالنيران التي تحرق أبناء أمتنا في الوطن وليس على التدخل في شؤونهم ونصب أنفسنا أوصياء عليهم ونحن مستمتعون بالرفاهية والأمان والحرية التي توفرها لنا مجتمعات المهجر وبعيدين عن التحديات المميتة التي يواجهونها. ليس أسهل من بناء "أشورستان" في "آشور المسلوبة" ونحن قابعون في بيوتنا الدافئة في المهجر. وبالمقابل ليس أصعب من أن يحقق أحزابنا وتنظيماتنا في الوطن هدف إسترجاع شبر من أرض متجاوز عليها أو توفير كتاب أو معلم للمدارس السريانية وهم محاطون بالنيران المحرقة. فشتان بين هذا وذاك: بين المناضل الحقيقي و الثرثار المتخطرص. إستغرب إستغراباً ممزوجاً بنوع من الألم والأسف عندما أحضر أو أشارك في ندوة أو تجمع لأبناء أمتنا في أحدى بلدان المهجر وأرى الوعي الزائف و "العنتريات" التي يظهرها بعض المحسوبين على المثقفين والقوميين في بناء تصوراتهم عن الحركة القومية وتنظيماتها في أرض الوطن. فلا شغل شاغل لهم إلا النقد ثم النقد لا بل التهجم على هذه التنظيمات أو على بعض من قيادييها... لماذا؟؟  لأنهم فشلوا في إعادة بناء الإمبراطورية الآشورية رغم "حفنة الدولارات" التي بعثوها إليهم... والأغرب من كل هذا فأن البعض من هؤلاء "أبطال الإنترنيت" لم تطئ قدمهم إطلاقاً أرض "آشور" والبعض الآخر غادرها قبل ما يزيد عن خمسة عقود. على أية حال وحتى لا نتجاوز حدود موضوعنا هذا، نقول إذا كان مفهوم "النظرة من ثقب الباب" لا يعطينا إطلاقاً الحق في التدخل في شؤون هذه الحركات والأحزاب أو نصب أنفسنا أوصياء أو "فلاسفة" نفلسف على رأسهم، فأن هذا لا يمنعنا من أن نبين رأيا أو نطرح مقترحا نراه من جانبنا مفيداً في إسناد الحركة القومية في الوطن. غير أن معيار الفائدة يبقى أولاً وأخيراً في خيار وحرية هذه الحركات والأحزاب في الأخذ به أو رفضه وهو أمر يهمهم بالدرجة الأولى وهم أصاحب القرار فيه. من هذا المنطلق نكتب هذا الموضوع مع بيان بعض الأراء والمقترحات عن تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية، وإختصارا سنشير إليه في هذا الموضوع  بـ "التجمع"

التجمع والتجارب السابقة: 
منذ زمن ليس بقصير كانت اللعنات والسباب تمطر وبشدة على منظمات وأحزاب أبناء أمتنا وتلقي اللوم عليها في تأخر الحركة القومية وعجزها عن السير نحو تحقيق أهداف الأمة وذلك بسبب عجزهم وفشلهم في توحيد صفوفهم وخطابهم السياسي. واليوم تجتمع عدد مهم من تنظيمات أمتنا "الكلدانية السريانية الآشورية" تحت مظلة واحدة ويبدو من الظروف المحيطة بها بأنها ستكون مختلفة من بعض الجوانب عن المحاولات والتجارب السابقة في توحيد الجهود وتشكيل الإتلافات والتحالفات وتبعث بصيصا من الأمل في هذا المجال ومن المؤمل لو سار هذا التجمع على الطريق الصحيح في بناء إستراتيجية عامة لعمله السياسي في تحقيق الأهداف المشتركة فأنه لاشك فيه سيتحول البصيص إلى شعلة نيرة ينبهر بها أبناء الأمة.

هناك مثل يقول بأن "الجاهل هو من يتعثر بنفس الحجر مرتين". ومن اليقين بأن زعماء وقادة أمتنا تعثروا أكثر من مرة بنفس الحجر ولم يستفيدوا من التجارب والأخطاء السابقة لأنهم لم يقرأوا التاريخ ولا فهموه ولا إستفادوا منه لذلك وقعوا في نفس حفرة الفشل. فمن الضروري جداً وضماناً لتجنب الوقوع في نفس المطبات السابقة أن نعي ماضي هذه التجارب لكي نتجنب إخطائها ونستفيد من تجاربها.  معظم أن لم يكن جميع المحاولات السابقة في التوحد أو التضامن بين الأحزاب والمنظمات القومية لمجتمعنا قد فشلت ولم يبقى منها حتى الذكرى. فمن خلال إستقراء ماضيها وحيثياتها يمكن إستخلاص بعض من أسباب فشلها وعلى ضوئها نقارنها مع التجمع:
1.   كانت المحاولات السابقة قائمة على حزبين أو تنظيمين وفي أقصاه  أربعة أو خمسة منها وكانت في غالبيتها أحزاب أو منظمات فردية أو كارتونية أو ورقية لا قاعدة جماهيرية لها أو نشاط سياسي قومي على أرض الواقع. وفي أحسن الأحوال كان تشكيل هذه المحاولات بمبادرة من حزب أو تنظيم له بعض الوجود والنشاط مع تنظيمات صغيرة وهامشية أو هي مجرد شخص أو شخصين لغرض الهيمنة عليها والتظاهر بزعامته في تمثيل الأمة.  في حين نرى على العكس من هذا فإن التجمع يقوم على عدد أكبر من التنظيمات والأحزاب المعروفة ولها قاعدة جماهيرية واسعة وتجارب حقيقية وواقعية في العمل القومي السياسي، لا بل وللبعض منها نضال مستمر ومتواصل لعقود عديدة حقق بعض من الأهداف المهمة لأمتنا، منها على سبيل الذكر لا الحصر الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا).
2.   في معظمها تشكلت المحاولات السابقة في توحيد النشاط السياسي في بلدان المهجر وكانت بعيدة كل البعد عن الواقع القومي والسياسي لأمتنا في الوطن وعن معاناة أبنائها وبالتالي لم تكن لها علاقات أو إتصالات لا معهم فحسب وإنما مع الوطن أيضاً ومع القوى الأخرى والأحزاب السياسية الوطنية. فكانت مجهولة بالتمام والكمال عن الساحة العراقية وعن قواها السياسية الفاعلة لذلك لم تكن مؤهلة إطلاقاً لتمثيل الأمة في الوطن وهي بعيدة عنها. في حين نرى على العكس من هذا فإن التجمع تشكل على أرض الوطن ومن قوى سياسية وقومية مؤسسة وقائمة وعاملة على أرض الوطن ولها إتصالات وعلاقات مع القوى السياسية العراقية الأخرى بحيث أصبحت في موقع شرعي يمكن تمثيلها للأمة في مطالبة حقوقها القومية المشروعة من السلطات المركزية والإقليمية في العراق.
3.   كانت المحاولات السابقة قائمة ومحصورة على فئة أو تشكيل محدد أوتسمية معينة، وبالأحرف الواضحة والمباشرة كانت محصورة بـ "الآشوريين" وما لهذه التسمية من جوانب سلبية وضيقة تبناها هؤلاء بمفهوم دمج بقية التسميات الكلدانية والسريانية عنوة في هذه التسمية من دون وعي أو إدراك لحقيقة وواقع أبناء شعبنا من الكلدان والسريان وبالتالي كانت بعيدة كل البعد عن هؤلاء ولم تفلح في تجاوز حدود شرنقتها فتعفنت وماتت فيها. أما التجمع فإن كل تنظيم من تنظيماته رغم إعتزازه بتسميته الخاصة به سواء أكانت كلدانية أو سريانية أو آشورية فإنه أدرك وبوعي قومي شامل منفتح وراقي بأن الواقع الفعلي الذي تعيشه الأمة في الوطن يفرض عليه تبني التسمية المركبة للتجمع كضمان لإحتواء جميع أبناء الأمة وبمختلف التسميات وكسبيل لتوحيد الخطاب السياسي القومي وإضافة ثقلا قومياً ديموغرافياً شاملاً عند المطالبة بالحقوق القومية.
4.   والأهم من هذا وذاك هو قبل كل شيء أن نفهم طبيعة تفاعل العوامل الذاتية الفردية مع العوامل الموضوعية الواقعية في فهم وإدراك نشؤء الظاهرة الإجتماعية، أي بعبارة أخرى يجب أن نفهم دياليكتيكية تفاعل العوامل الذاتية مع العوامل الموضوعية في خلق الظاهرة الإجتماعية والتي أوجدها هيغل وطورها كارل ماركس. إن المحاولات السابقة في تشكيل الجبهات والإتحادات الآشورية السياسية  كانت قد تشكلت بقرارات شخصية وفردية إما لغرض خلق توازنات لمواجهة وتحدي التنظيمات والأحزاب الآشورية الأخرى المنافسة لها إو لغرض التظاهر والمزايدة ولم يكن هناك أي إدراك أو فعل موضوعي واقعي مؤثر فيها للقيام بتنسيق جهود التنظيمات الآشورية وتوحيد الخطاب السياسي القومي. أي بعبارة أخرى، لعبت العوامل الذاتية دوراً رئيسياً في تشكيل هذه المحاولات ولم يكن للعوامل الموضوعية أي دور فيها وبالتالي جعل تجاهل أو عدم وعي تنظيمات المحاولات السابقة للعوامل الموضوعية أن ينحصروا في حدود الذات البعيدة عن الواقع العملي والفعلي وبالنتيجة انسحقت تحت وطئة العوامل الموضوعية المحيطة بأبناء الأمة ولم تستطيع السير خطوة واحدة نحو تحقيق أي هدف قومي لذلك أصبحت في خبر كان.  في حين نرى على العكس من هذا بالنسبة للتجمع، فأنه رغم ضعف بعض العوامل الذاتية القائمة بين تنظيمات التجمع، والتي سنأتي عليها لاحقاً، فإن ضخامة العوامل الموضوعية وقوة فاعليتها لعبت دوراً رئيسياً ومؤثراً في قيام التجمع. فالواقع المأساوي لأبناء أمتنا والتحديات الماحقة المحيطة بهم ومحاولات إمحاء وجودهم القومي والديني من الوطن، وأكثرها ألماُ ومأساوية كانت مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد، كلها عوامل فرضت سطوتها على أحزاب وتنظيمات أمتنا وطغت على العوامل الذاتية وعلى الخلافات والتباينات القائمة بينهم ودفعتهم وبوعي قومي جامع إلى التكاتف والتجمع في ظل تنظيم يكون وسيلة في مواجهة هذه التحديات الماحقة. من هنا نقول بأن إدراك قادة تنظيمات التجمع لهذه الظروف الموضوعية سيعطيهم قوة في الإستمرار والتواصل في عملها القومي وفي تحقيق بعض من أهداف الأمة خاصة عندما تتطور العوامل الذاتية والفكرية لتشكيلات التجمع وتصبح في موقع تكون قادرة على التفاعلة الإيجابي مع العوامل الموضوعية المحيطة بها.

التجمع بين قوة العوامل الموضوعية وضعف العوامل الذاتية:
 بدأً أود التوضيح بأن مقياس ضعف العوامل الذاتية هو تحصيل حاصل عند المقارنة مع قوة العوامل الموضوعية وقساوتها ومدى الإستعداد والتهيئ لمواجهة التحديات المميتة. هناك حقيقة مطلقة تقول بأن السياسي إذا لم يفهم الواقع الذي يعيش فيه ويستوعبه وينطلق منه في عمله السياسي لتحقيق الأهداف فمصيره لا محال هو الفشل أو في أحسن الأحوال يحصر نفسه في برجه العاجي شاغلا مشغولاً في عالم الخيال والرومانسية عاجزا عن النزول والثبات على أرض الواقع. كان فهم وإستوعاب قادة تنظيمات التجمع للواقع ولقوة وسطوة العوامل الموضوعية المتمثلة في مأساة الأمة وتأثيرها عاملاً مهماً في دفعها لتشكيل تنظيمها وبناء إطار لتوحيد الخطاب السياسي الهادف إلى المطالبة بالحقوق القومية للأمة وكانت خطوة على الطريق الصحيح. ويجب أن يكون مثل هذا الوعي منطلقاً لفهم واقع العوامل الذاتية التي تحيط بالتنظيمات والأحزاب المشكلة لهذا التجمع وإلا فإن تجاهلها وعدم التعامل معها بموضوعية عقلانية سوف تبقى تراوغ في مكانها لا تصل إلى الأهداف المرجوة فيدب فيها الخلاف وبمرور الزمن يتطور إلى صراع ثم الزوال.

أولى هذه العوامل الواجب إدراكها من قبل تشكيلات التجمع هو الوعي بحقيقة ذاتها وتكوينها ومستواها وجماهيريتها وقوتها وتاريخها، أي بكل مايتعلق بوجودها. لقد سبق وذكرنا مراراً وتكراراً بأنه لايمكن إطلاقا لحزب أو تنظيم واحد أن يمثل الأمة بكاملها ويحقق أهدافها وإلا أصبحنا ضمن الأساليب الدكتاتورية ومصيرها معروف في التاريخ السياسي للشعوب. فالديمقراطية التي تتغنى بها أحزابنا وتنظيماتنا السياسية ليل نهار لا يمكن ممارستها إلا بوجود عدد معين من الأحزاب والتتنظيمات، وفي مجتمعنا "الكلداني السرياني الآشوري" يجب أن يكون هذا العدد معقولاً ومتناسباً مع حجم الأمة وطموحاتها الآنية والمستقبلية. من هذا المنطلق تلجأ الأحزاب والتنظيمات السياسية والقومية الواعية الى الدخول في تحالفات وإتفاقيات لتمثيل الأمة على أوسع نطاق والسعي لتحقيق أهدافها. وسعير اوحمى أوأهتمام الأحزاب بتشكيل مثل هذه التحالفات يتصاعد تصاعداً طردياً مع إشتداد الأزمات وتضخم التحديات وتزايد خطورتها. ومن الضروري جداً أن نعي هنا بأن مثل هذه التحالفات نادراً ما تحدث بين أحزاب وتنظيمات متشابه أو متقاربة جداً في القوة والنشاط والحجم والإمكانيات والإنتشار، فهذه حالة مثالية بعيدة عن عالم السياسة، بل تحدث بين أحزاب وتنظيمات تكون متفاوتة من النواحي المذكورة ولكن تلتقي في نهاية المطاف في الهدف الأسمى للأمة التي تسعى لتمثيلها والمرتبط إرتباطاً عضوياً صميمياً بوجود ونشاط هذه الأحزاب والتنظيمات. من هنا نقول بأن على أحزاب وتنظيمات التجمع أن تدرك هذه الحقيقة، أي حقيقة وجودها وتشكيلها، وبعبارة أخرى أن تعرف ذاتها وذات الآخرين المشاركين معها والإ ستواجه العثرات والمطبات التي ستؤدي الى تفكك التجمع وفشله. وبصورة أوضح هناك أحزاب وتنظيمات كبيرة وفاعلة في التجمع إلى جانب أحزاب وتنظيمات متوسطة أو صغيرة. ومعيار قياس "الكبير والمتوسط والصغير" هنا ليس بالمعنى الفكري والمعنوي في تصغير هذا التنظيم وتكبير الآخر وإنما هو بالمعنى الواقعي الواجب إدراكه. فالحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا)، والتي دائماً نأخذها كنموذج لحزب سياسي متكامل الجوانب في دراسة الأحزاب السياسية، تعتبر بالمعنى الواقعي حزب كبير معروف على الساحة القومية والوطنية وحتى الإقليمية والدولية في مقارنتها مع بقية أحزاب وتنظيمات التجمع ولكن هذه الحقيقة إذا كانت ملزمة لبقية تنظيمات التجمع لإدراكها والتعامل معها بإيجابية كضمان لإستمرار تواصل التجمع فأنه من جانب آخر لا تعطي هذه الحقيقة  لزوعا الحق في التغطرس وفرض رأيها على الآخرين إذا فعلاً رغبت في إستمرار وتواصل التجمع. فالتحالفات والجبهات لا تتشكل أو تنجح إلا بتنازل كل طرف من أطرافها ببعض من أفكاره وسياساته حتى يلتقي الجميع عند الإفكار والسياسات الإستراتيجية المصيرية. أن الزمن والممارسة النضالية للتجمع وتحمل كل الظروف الموضوعية والذاتية المحيطة بتشكيلاته هو ضمان لقيام وإستمرار التفاهم بينها وتحقيق النجاح تلو النجاح وإلا فأن الحساسية والإرتباك سيسود بينهم وقد يؤدي ذلك إلى الفشل في تحقيق الهدف الجامع أن لم نقل إلى زوال التجمع. فرأس السنة البابلية الآشورية في الأول من نيسان الماضي (2011) الذي تم تنظيمه من قبل التجمع  خير مثال على ذلك، إذ بسبب حجم نشاط وأعضاء ومؤيدي زوعا (كالحضور والهتافات والأغاني والأعلام والشعارات) الخاصة بزوعا وحدها نتج عنها فعاليات خلقت نوع من الحساسية والإحتجاح والرفض لدى التنظيمات الأخرى ومغادرة ممثليهم موقع الإحتفال لأنهم أعتبروه خروجا عن بنود الإتفاق المعقود بينهم بهذا الشأن. ولكن بوعي منفتح ورغبة تشكيلات التجمع في ضمان الإستمرار فقد تم تجاوز هذه الحساسية وطيها. فالزمن المستهلك في تطوير الوعي الجمعي بين تنظيمات التجمع كفيل بتجاوز مثل هذه الحالات لا بل ومحوها عن طريقهم النضالي المشترك. وفي هذه الإيام سيتجاوز التجمع سنة على تشكيله والمؤشرات تشير بأنه سائر نحو طريق الإستمرار والتواصل.

هناك عامل أخر في سلة العوامل الذاتية المحيطة بتشكيلات التجمع وهي الخلفية التاريخية السلبية التي كانت قائمة في العلاقات بينهم. فالجميع يعرف حق المعرفة كيف كانت هذه العلاقات قائمة على النقد والتهجم الشخصي للقيادات وتكفير الآخر ونفيه ومحاولة تحقيره لدى أبناء الأمة أو إتهامه بشتى الإتهامات، أما اليوم، فأنا وغيري من المهتمين بشؤون هذه الأمة قد يدرك حق الإدراك لماذا يجتمع زوعا مع المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري أو مع الحزب الوطني الآشوري أو مع غيرهما الأقل "عداوة" في الماضي. هذا النوع من "العداوة" من المؤكد هو مدرك من قبل قيادات تشكيل التجمع وتمكنوا من تجاوزه من دون أن تكون هناك حساسية متوارثة، ولكن على أعضاء وقواعد وجماهير تشكيلات التجمع أن تدركها أيضا وإلا فيتقلص الدعم والإسناد الذي يحتاجه قياديو تشكيلات التجمع من قواعدها وجماهيرها، وهنا يأتي دور اللجنة الإعلامية للتجمع في بناء الثقة بين القاعدة والقيادة لغرض فهم التجمع وأهدافه ومن ثم ضمان نجاحه. وأخيرا يبقى موضوع التسمية المركبة لأمتنا من أكثر المواضيع حساسية. لقد سبق وأن ذكرنا في أعلاه بأن على كل تشكيل من تشكيلات التجمع أن يعتز ويفتخر بالتسمية التي يتبناها والتي تتطابق مع واقعه الحالي السائد ولكن عندما يضع المصلحة القومية فوق جميع الإعتبارات فإن التسمية المركبة ستكون المخرج المناسب لهذه الحساسية ووسيلة سياسية لتحقيق هذه المصلحة. وهو موضوع سنعالجه في مناسبة لاحقة.

شذرات من مقترحات:
يمكن طرح هذه المقترحات من ناحيتين:
من الناحية الشكلية: ويتعلق بتسمية "تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية". فمن الملاحظ بأن كلمة "تجمع" نادراً ما تستخدم في عالم السياسة، فلهذه الكلمة دلالات إجتماعية أكثر من سياسية كما أنه يشع منها مفهوما يتعلق بحالة أو بوضع له صفة مؤقتة، أي بعبارة أخرى قد يجتمع بعض الأفراد او التنظيمات للقيام بعمل معين ومحدد وينتهي التجمع إما بتحقيق الهدف أو فشله وبالتالي إنفكاك روابط التجمع. هذا من جهة، كما أن تسمية "التجمع" تعكس نوع من ضعف الروابط التي تجمع تشكيلاته وحالة من الحساسية للحفاظ على الذات والتخوف من ذوبان أو إندماج بعضهم بالبعض أثناء الإنشغال الدائم في خضم الصعوبات والتحديات التي سيواجه التجمع. لهذا السبب فمن المفضل والأصح أن يحل محل كلمة "التجمع" أما الجبهة أو الإئتلاف وهي من المصطلحات المهمة والشائعة في عالم السياسة وتعكس حقيقة وغرض تنظيمات التجمع في السعي لتحقيق مطاليب الأمة وهي التي تمتلك صفة الديمومة المرتبطة بديمومة الأمة وتواجدها على الأرض الواقع.
الكلمة الثانية التي لنا ملاحظات عليها هي "السياسية". صحيح إن هذه الكلمة تعكس نشاط وأهداف التجمع ولكن من المستحسن والمفضل إستبدالها بكلمة "القومية". لماذا؟ لأن، أولاً: قد يكون بين تنظيمات التجمع تنظيم أو أكثر غير سياسي بالمعنى المعروف للسياسة ولكن هو في حقيقته ومضمونه ونشاطه قومي. وثانياً: إن كلمة "القومية" تعطي مفوماً واضحاً ومبيناً بان هذا التجمع له صفة قومية واحدة للكدان السريان الآشوريين وتؤكد وحدة قوميتهم رغم التسمية المركبة. وخلاصة الكلام يمكن أن تكون "الجبهة القومية الكلدانية السريانية الآشورية" هي التسمية المفضلة والمستحسنة في عالم السياسة وإختصاراً يمكن أن تسمى مثلاً "مقدما" بالسريانية وأن يكون لها شعار ورمز سياسي مستمد من وحدة واقعنا وتاريخنا القومي.

من الناحية الفكرية: أما المقترحات من الناحية الفكرية والفحوى والممارسة السياسية، فيمكن إستقراء القليل منها سواء من خلال البرنامج السياسي للتجمع أو من خلال الأخبار والنشاطات التي يمارسها التجمع. ونتناول هذا من جانبين:
1 - الفصل بين القومية والكنيسة أو السياسة عن الدين:
 من خلال البرنامج السياسي  للتجمع نود أن نشير إلى نقطتين مهمتين تخص بالصميم أمتنا في هذا  الموضوع:
 أولا: تتعلق بالمبادئ العامة للبرنامج السياسي للتجمع وتحديداً الفقرة (رابعاً) المتعلقة بمسألة إيمان التجمع بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة وبالأخص قول هذه الفقرة "بأن التجمع يؤكد على الفصل بين المؤسسات والقوى السياسية لشعبنا وبين مؤسساته ومرجعياته الكنسية فلكل منهما مجاله وآلياته المستقلة عن الآخر، مع الإحترام المتبادل بينهما". في نفس الوقت نرى بأن التجمع يذكر في أهدافه على المستوى القومي ".... حماية الهوية والخصوصية القومية والدينية...(الفقرة رابعاً). وعلى المستوى الوطني من أهدافه له إشارات مباشرة في أكثر من فقرة من فقراته تتعلق بالمكونيات الدينية أو حقوق المكونات القومية والدينية في العراق أو ضمان خصوصية وحقوق المكونيات القومية والدينية... وما إلى ذلك. أي بعبارة أخرى يقع التجمع في نوع من تناقض بين ما أورده في الفقرة رابعاً أعلاه من أهدافه على المستوى القومي والفقرات الأخرى المشار إليها على المستوى الوطني.

إن مسألة العلاقة بين القومية والكنيسة أو بين السياسة والدين في مجتمعنا وبمختلف تشكيلاته الطائفية مسألة معقدة جداً ويجب النظر إليها بشكل مختلف عن المفاهيم السائدة في الفصل بين الدين والدولة. فعلاقة الدين بالسياسة أو القومية بالكنيسة في مجتمعنا علاقة عضوية ترابطية من الصعب إن لم يكن مستحيلاً الفصل بينهما وهي المسألة التي تناولتها في كتابي المزمع إكماله تحت عنوان "الفصل بين الكنيسة والسياسة في المجتمع الآشوري"، والذي باشرت الكتابة به منذ عام 1998 ولم إستطيع إنجازه لحد هذا اليوم ليس إلا بسبب صعوبة تناول هذا الموضوع بشكله المختلف عن المفاهيم العامة السائدة في عالم السياسة وحساسيته المفرطة. من هذا المنطلق نقول بأن على التجمع أن ينظر إلى الموضوع بشكل مختلف واضعاً نصب عينيه طبيعة العلاقة العضوية بين القومية والكنيسة. فالترابط العضوي أو العلاقة العضوية بين شيئين يعني بأنه لايمكن للشيء أن يتواجد إلا بوجود الآخر، فهكذا هو الحال في أمتنا، إذ لايمكن، طبقاً للترابط العضوي بين القومية والكنيسة، أن تتواجد القومية وبتسميتها "الكلدانية السريانية الآشورية" إلا بتواجد كنيسة المشرق بكل تفرعاتها، والأهم هو أن كنيسة المشرق بكل تفرعاتها لا يمكن أن تقوم لها قيامة أو تستمر وتتواصل في هذا العصر القائم على العولمة إلا من خلال الأمة التي نشأت فيها. هذا موضوع طويل ومتشابك وأكتفي بهذا القدر تجنباً للخروج من صلب موضوعنا. ولكن أستوجب إلإشارة إليه بإقتضاب بهدف الإقتراح للتجمع بأن يفتح مجالات أوسع للتواصل والتفاهم مع كنائسنا، وتحديداً رجالها المنفتحين والمدركين لطبيعة نضال أمتنا، والوصول إلى إتفاقيات أو مبادئ مشتركة تخدم المصلحة العامة لأمتنا بعالميها الدنيوي والزمني، خاصة واليوم في العراق هناك مفاهيم وتسميات كثيرة متداول عن المكون المسيحي وحقوق المسحيين وتمثيل المسيحيين ونواب المسيحيين وغيرها وهي المفاهيم التي ستعطي بشكل مباشر أو غير مباشر لزعماء الكنيسة حق تمثيل المسيحيين وتجعلهم مرجعاً لإتصال رجال الحكم والسياسة في العراق بهم والتباحث معهم عن مثل هذه الحقوق والمطالبات، وهو موضوع له جوانب سلبية بعضها خطيرة خاصة عندما نعلم حالة التردد والرفض عند بعض زعماء كنائسنا للمطالب القومية والسياسية التي يطالب بها التجمع مبررين ذلك بحجة عدم التدخل في السياسة أو أن مثل هذه المطالب ستضر بالمسيحيين في العراق. وهنا يجب أن نفهم طبيعة الأسباب المذهبية والسياسية الدولية والأقليمية لمثل هذا التردد والرفض لزعماء الكنيسة (الكنائس) والحجج المبينة عليها. فموقف الفاتيكان السلبي معروف تاريخياً تجاه المسائل القومية والحقوق القومية والسياسية للأقليات المسيحية في الأوطان الإسلامية وبالتالي من الطبيعي أن تتأثر زعامة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بهذا الموقف. والحال أيضاً بالنسبة للكنائس السريانية فهي متأثرة بالظروف السياسية والفكرية للدول المجاورة التي يتواجد فيها كرسي زعامة الكنيسة والتي تجعل من موقف هذه الكنائس متردداً أو رافضاً لأي مطالب قومية لإتباعهم. والحال يصعب بيانه بالنسبة للكنيسة الشرقية القديمة لعدم توفر أية مواقف لبطريرك الكنيسة تجاه هذا الموضوع،  ولكن وعلى العكس من هذا وذاك، نرى بأنه بسبب إستقلالية كنيسة المشرق الآشورية والخلفية التاريخية لها وقفت لا بل قاد بطاركتها الحركة القومية وساندوا مساندة قوية لكل مطلب قومي في الوطن ولا تزال هذه الكنيسة وبطريكها لا تفوت عليه فرصة إلا ويؤكد على وحدة أمتنا مهما أختلفت التسميات ويؤيد المطالب السياسية القومية التي تطالب بها أحزابنا ومنظماتنا ويبارك جهودهم النضالية لنيل الحقوق القومية للأمة ويرفض أن تحصر مثل هذه الحقوق بالمسيحيين أو أن تعاملنا السلطات الرسمية كمسيحيين فقط فنحن أمة لها مقومات خاصة بها ولها حقوق قومية وسياسية في الوطن. وكان موقف قداسة البطريرك مار دنخا الرابع واضحاً وصريحاً وشجاعاً عندما بارك العمل المشترك لتنظيمات التجمع للحصول على حقوقنا القومية في العراق خلال لقاء السيد شمس الدين كوركيس زيا رئيس المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري بقداسته في شيكاغو بتاريخ 2011.08.22  مؤكداً "بأن هذا التقارب بين تنظيماتنا يحمل في طياته مؤشرات مشرقة وإيجابية لأفاق مستقبل العمل القومي المشترك بين تنظيماتنا ليكون أساساً لتفاهمات وحوارات ومواقف مشتركة لمواجهة المخططات التي تستهدف شعبنا ومستقبله في الوطن...." نشر اللقاء في موقع عنكاوه دون كوم.
أسردت هذه المواقف المتباينة لكنائسنا وزعمائهم ليكون منطلقاً لفهم الواقع الذي تعيش فيها أمتنا لأنه من دون أدنى شك بأن أبناء الأمة سيتأثرون لا بل الكثير منهم متأثرين بهذه المواقف المتبانية تجاه المطالب القومية السياسية التي يطالب بها التجمع خاصة موضوع تشكيل كيان سياسي أو إداري لأمتنا. لهذا السبب فهذا موضوع مهم وحساس يستوجب على قادة التجمع بحثه والوصول رغم صعوبته إلى إتفاقيات ومبادئ مشتركة تكون مرضية ومطمئنة للجميع خاصة لزعماء الكنيسة الرافضين للمطالب القومية. 

2 – الكيان السياسي والإداري: وهي النقاط المتعلقة بأهداف التجمع على المستوى الوطني وتحديداً الفقرة (أولا) من منهاجه السياسي والخاصة "بالعمل لإستحداث محافظة في مناطق من أقضية ونواحي الحمدانية وتلكيف وبعشيقة وألقوش وبرطلة لشعبنا وبالمشاركة مع بقية المكونات القومية والدينية التي تتعايش فيها". قبل أن نبين رأينا في هذا الموضوع نود أن نؤكد على حقيقة مطلقة وهي نحن كقومية لها خصائصها المتميز وبالتالي لها كل الحق في أن تقرر مصيرها بنفسها سواء أكان ذلك عن طريق المشاركة الفعلية، وليس الشكلية، في الحكم أو تشكيل كيان قومي خاص بها سواء أكان ذلك على شكل دولة مستقلة أو حكم ذاتي أو محافظة أو أي كيان سياسي آخر يعبر عن خصوصيتها. ولكن مثل هذا الحق هو حق مطلق لا يتحقق على أرض الواقع إلا بالنضال والعمل المضني يتحدد حجمه بحجم الكيان المراد تشكيله من جهة وبالإمكانيات المتاحة والظروف الموضوعية السائدة من جهة أخرى. منذ سنوات قليلة مضت طالبت بعض تنظيمات شعبنا بالحكم الذاتي في سهل نينوى وغيرها طالب بالإدارة المحلية واليوم يطالب التجمع بالمحافظة كوحدة إدارية لإبناء شعبنا المتواجدين في هذه المنطقة مع غيرهم من الشبك واليزيديين. ولو حاولنا البحث في خلفيات كل مطلب، نرى بأن هناك جملة عوامل موضوعية سياسية متغيرة وراء كل مطلب من هذه المطالب والتي أثرت عليها وبالتالي إنتقلت الصفة المتغيرة للعوامل السياسية إلى تغيير المطلب من الحكم الذاتي فمروراً بالإدارة المحلية فوصولا إلى المحافظة ويظهر للتجمع بأن الظروف الحالية والقانونية هي الأنسب للمطالبة بالمحافظة بدلا من أي كيان سياسي قانوني آخر.

من خلال إستقراء نشاطات ولقاءات التجمع بالقوى السياسية القومية والوطنية يتبين بأن هناك جهداً كبيرا ومركزاً يبذله التجمع لتحقيق مطلب تشكيل محافظة سهل نينوى، ولكن باعتقادنا الشخصي نرى بأن التجمع قد دخل المعركة وحده لا بل وقاد حملات تشكيل هذه المحافظة التي تشمل أيضا المكونات الأثنية والدينية الأخرى فيها من اليزيديين والشبك وغيرهما لذلك ترك إنطباعاً بأنها ستكون محافظة مسيحية رغم أن المسيحيين يشكلون أقل من نصف سكان المنطقة فنتج عن ذلك مخاوف لدى بعض القوى العراقية ولدى رجال الكنيسة أيضا وبالتالي رفض الفكرة لا بل ومقاومتها بإساليب غير مبنية على الواقع والفهم الصحيح للمطلب. من هذا المنطلق وتخفيفاً لحدة الرفض لهذا المطلب القائم على حجة كونه مطلب مسيحي لمحافظة مسيحية نقترح أن تشكل لجنة تتكون من قادة التجمع وممثلي الشبك واليزيديين كأن تسمى "لجنة تشكيل محافظة سهل نينوى" لتقوم بتمثيل أبناء المنطقة جميعاً و قيادة الجهود واللقاءات مع القوى العراقية الأخرى ورجال الحكم والسياسة في الحكومة المركزية والإقليمية.

وهنا نتيجة سلبية أخرى نتجت عن قيادة التجمع لمطلب تشكيل المحافظة ونشؤ مخاوف من قيام مثل هذه المحافظة وبني عليها مواقف رافضة وحجج واهية وهي أن هذه المحافظة ستلحق بالمستقبل بإقليم كردستان وستنتزع من عرب الموصل وتخضع للكرد وذلك نتيجة للإمتدادات الديموغرافية لأبناء سهل نينوى بالمناطق الشمالية منها في إقليم كردستان من جهة والعلاقة التاريخية النضالية المشتركة بين أبناء الشعب "الكلداني السرياني الآشوري" مع الحركة القومية الكردية من جهة أخرى. لا شك فيه إن قيادة التجمع بذلت وتبذل جهود مضنية في إفهام الرافضين وإزالة مخاوفهم وتأكيدها على أن مثل هذه المحافظة ستكون جزءا أساساً من العراق وغير قابل للإنفصال أو الإلتحاق بإقليم كردستان ... وما إلى ذلك. غير أن ذلك يجب أن يقابلها جهود أخرى تتركز أيضا على مناطق أخرى لأبناء شعبنا وتحديداً في أقليم كردستان. فالعوامل التاريخية والظروف الديموغرافية والأحوال السياسية السائدة والغطاء القانوني كلها عوامل مساعدة في المطالبة بمحافظة في الإقليم تشمل بعض الأقضية والنواحي والقرى والتي قد يتطلب بعضها إعادة رسم حدودها الإدارية لتكون ملائمة وشاملة لحدود المحافظة المقترحة. هذه المطالبة بمحافظة في الإقليم ستخخف من دون أدنى شك مخاوف العرب ويبين لهم بأن لأبناء شعبنا إستحقاقات ومطالب مشروعة سواء أكانت في السهل أم في الجبل.

وأخيراً: لم يبقى، ونحن بصدد الجهود التي يذلها قادة "الجبهة القومية الكلدانية السريانية الآشورية" ...عذرا... أقصد تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية إلا أن نهيئ ونشكر قناة عشتار الفضائية، رغم عدم وصول إرسالها إلى بيتي، على تنظيمها لبرنامج "حوار خاص" شارك فيه ثلاثة من قادة تنظيمات التجمع لابل التهنئة الكبرى والشكر الجزيل يذهب أيضا إلى قناة آشور الفضائية التي عرضت البرنامج وأعادته أكثر من مرة وأتاحت لنا الفرصة لمشاهدته ونحن قابعون في بيوتنا المريحة في المهجر، فكان بكل المعايير برنامجاً ناجحاً فياضاً بالمعلومات والتحليلات التي طرحها المشاركون فيه بخصوص المطالب التي يطلبها التجمع وبالتحديد ما يخص موضوع تشكيل محافظة في سهل نينوى، فألف شكر للمشاركين في البرنامج ولفريق العمل على هذا البرنامج الناجح وأمل أن يصل إلى أكبر عدد ممكن من أبناء أمتنا وبكل الوسائل الإعلامية سواء في الوطن أم المهجر. فشكرنا وإمتنانا لمناضلي أمتنا في الوطن ولنضالهم في توحيد الصف القومي والسعي بكل إخلاص لتحقيق أهداف الأمة وهو أقل ما يمكن أن نفعله لهم ونصرح به ونحن في المهجر ومن يعمل أكثر فالله يباركه والأمة ستشكره.
           

       


   

279
بمناسبة الذكرى ألـ (78) لمذبحة سميل – آب 1933
===============================

الآشوريون وموت ملوك العراق
أبرم شبيرا
توطئة:
كلما أقترب شهر آب من كل سنة الذي أقترف فيه بعض من قطاعات الجيش العراقي بقيادة المجرم بكر صدقي  وبمساعدة حجي رمضان وبعض العشائر البدوية والكردية في عام 1933 حملة إبادة بحق الآشوريين من إتباع كنيسة المشرق الآشورية والتي كانت معروفة بـ "الكنيسة النسطورية" وإرتكاب مذبحة في اليوم السابع من نفس الشهر في قصبة سميل القريبة من مدينة دهوك وإزهاق أرواح الكثير من الأبرياء، يقدر البعض بـ 3000 شخص ، أمعن التفكير في هذا الحدث الدراماتيكي، الذي أعتبره الآشوريون يوماً للشهيد الآشوري يحتفلون به في موطنهم، مابين النهرين وفي بلدان المهجر، وأغوص في الأوراق والمجلات والمقالات والكتب التي كتبت عن هذا الحدث فأستخلص منها بعض النتائج والأفكار قد تكون مفيدة للكتابة عن هذا الموضوع.
أن ما كتب عن الحركة القومية الآشورية والمذبحة التي رافقتها في سميل عام 1933 كثيرة فالمؤرخون والكتاب العراقيون أساؤوا فهم هذا الموضوع ضمن السياق التطور السياسي للعراق في تلك المرحلة والكثير منهم أعتبروا هذه الحركة تمرداً على السلطة ودعوة للإنفصال عن الوطن وأصبح مثل هذا الفهم موقفاً رسميا للحكومة العراقية ورجال الحكم. كما أن الأجانب كتبوا أيضا عن هذا الحدث ولكن في معظمها أما كانت تدور في إطار التعاطف المفرط والمبطن بنزعة دينية تبشيرية أو كانت ضمن حدود المصادر الرسمية العراقية والبريطانية. والآشوريون رغم قلة إمكانياتهم فأن هذا الحدث لا يمر إلا أن نرى أكثر من مقالة أو إحتفال بهذه المناسبة ولكن مع الأسف في معظمها لا تتجاوز حدود سر حوادث المذبحة والمأساة التي حلت بالآشوريين من دون تحليل أو فهمها ضمن الإطار العام للتطور السياسي العراقي في تلك الفترة وإستخلاص أبعادها الوطنية والقومية.
وبدوري أنا، كشخص مهتم بهذا الحدث ويهمني كثيراً، حاولت أن إستخلص بعض العبر والنتائج من كل ما كتب عنه وطرحها ضمن السياق السياسي العراقي، فكتبت بعض ما يفيد في هذا المجال، على سبيل المثال أنظر موضوع "التعامل مع الأقليات في مسار تطور تاريخ العراق السياسي" الذي كتب بمناسبة ذكرى هذا الحدث ونشر في كتابي المعنون "الآشوريون في السياسة والتاريخ المعاصر" الذي نشره الإتحاد الآشوري في السويد عام 1997. كما تطرقت إلى هذا الموضوع بشكل أكثر تفصيلاً ولمن يريد الإستزادة فيه الرجوع إلى كتابي "الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة مسألة: في العقلية العراقية تجاه الأقليات، دار الساقي – بيروت، ط1، 2001 . في هذه السنة من المناسبة سنتطرق إلى موضوع آخر جديد يتعلق بعلاقة مذبحة الآشوريين في سميل بملوك العراق. فالعراق حكمه ثلاثة ملوك من عام 1921 لغاية 1958 وكان للملكين الأولين فيصل الأول وغازي الأول علاقة مباشرة بالمسألة الآشورية في العراق والمذبحة التي رافقتها في حين كان للملك الثالث فيصل الثاني علاقة غير مباشرة تمثلت بجانبين سنأتي على شرحها.

الآشوريون وملوك العراق:
كانت المسألة الآشورية منذ تأسيس دولة العراق في عام  قد طغت على السطح السياسي العراقي في الثلث الأول من القرن الماضي 1921 وكانت أكثر إنفعالاً وإثارة بعد رفع الإنكليز للإنتداب على العراق و منحه "الإستقلال" السياسي وإكتساب العراق عضوية عصبة الأمم، فلم يكن الشغل الشاغل للحكومة ورجال الحكم والأحزاب السياسية والصحف إلا موضوع "تمرد النساطرة" والقضاء عليهم وعلى حركتهم الإنفصالية. وخلال تلك الفترة وما بعدها من مواضيع أخرى مثل مشروع إسكان الآشوريين، طبيعته وتمويله، ومناقشة قضيتهم في عصبة الأمم وطرح مشاريع إسكانهم خارج العراق، تولى عرش العراق مليكان وهما الملك فيصل بن الشريف حسين الهاشمي وأبنه غازي بن فيصل بن الشريف حسين الهاشمي وتعاملا مع المسألة الآشورية بشكل مباشر وبنيا مواقفهما تجاها في تقرير مصيرها النهائي.

الملك فيصل الأول:
ولد فيصل الأول في قرية رحاب القريبة من مدينة الطائف عام 1883  وهو النجل الثالث للشريف حسين الهاشمي، شريف مكة. وتقديراً لمواقفه ومساعدته للقوات البريطانية في دحر القوات العثمانية وطرهم من سوريا والأردن وفلسطين ولبنان أثناء الحرب الكونية الأولى، وتنفيذا لبعض الوعود التي قطعها الإنكليز للعرب في إقامة دولة مستقلة لهم فقد نصبه الإنكليز ملكاً على سوريا في عام 1920. إلا أن هذا سبب إنزاعجاً لفرنسا فقاد الجنرال الفرنسي جيرو حملة عسكرية على سوريا فطرد الملك فيصل من عرشه ثم نصبه الإنكليز ملكاً على العراق بعد ثورة العشرين فتم تتوجيه في يوم 23 من شهر آب عام 1921 وهو شاب في الثامنة والثلاثين من عمره. نشأ فيصل الأول وتربى في كنف والده الشريف حسين في مكة وتحلى بالقيم الخلاقة والمبادئ العربية الأصيلة في الرأفة والعطف والتسامح والبساطة في العيش. ويعتبر فيصل وبحق وحقيقة رمزاً لتأسيس دولة حديثة على إنقاض ثلاث وليات (الموصل، بغداد والبصرة)  والتي كانت قد أنهكتها الحرب الكونية الأولى ودمرت حياتها الإقتصادية والإجتماعية. لقد أدرك الملك فيصل الأول منذ الأيام الأولى لحكمه مدى التناقض الصارخ القائم بين قوميات وأديان وطبقات الشعب العراقي. لقد عانى مرارة انقسامات الشعب العراقي وهو في موقع الراعي لها والمسئول عن حكمها، وقد سهلة مهمة معاينته والتحسس بتناقضات الشعب العراقي بنوع من الموضوعية والواقعية  في كونه ينحدر من بيئة خارجة عن هذه الانقسامات. وقد كتب رسالة مهمة جداً في عام 1933 بين مدى حسرته ومرارته من هذه الإنقسامات وتصرفات رجال الحكم والوزراء التي سببت الأزمات والكوارث للعراق وعانى الملك فيصل الأول معاناة شديدة من عدم إنصياع بعض الوزراء وزعماء الجيش العراقي خاصة أبنه غازي ولي العهد والذي تولى الحكم نيابة عن والده المسافر إلى خارج العراق للعلاج لنصائحه وإرشاداته في تهدئة الأمور بالطرق السلمية وتحديداً في موضوع معالجة المسألة الآشورية بحكمة وتأني وعدم إستخدام القوة ضد الآشوريين على الرغم من البرقيات التي كان يرسلها من سويسرا إلى ولده محذرا فيها من مغبة الإندفاع في قمع الآشوريين. وبينما كان الملك على فراش المرض في سويسرا سمع أنباء قمع الحركة الآشورية والمذبحة التي أرتكبت بحق الآشوريين فتألم كثيراً وتدهورت صحته فأضطر إلى قطع علاجه والرجوع إلى بغداد فعمل بكل مجهود في تحسين الوضع وتهدئته ولكن أدرك خلال تلك الفترة مدى تزايد قوة الجيش وبعض الوزراء من جراء سحقهم للحركة الآشورية وأن حكمه بدأ يفقد هيبته وشعر بأن هناك توجهات لإزاحته من الحكم وتهيئة الأجواء لأبنه الشاب الذي ألتف حول مجموعة من الضباط المتطرفين ليتولى العرش ووصل الأمر به إلى التفكير في التنحي عن العرش. وبسبب إنهيار صحته إلى درجة أضطر إلى السفر مرة أخرى إلى سويسرا حيث مات هناك في ليلة 7 – 8 من شهر أيلول عام 1933، أي بعد شهر واحد تماماً من مذبحة سميل.
ذكرت التقارير الطبية بأنه مات بالسكتة القلبية وتصلب الشرايين نتيجة للإنهاك الفكري والجسدي الناتج من جراء المعاناة وتبكيت الضميروالسفر، في حين ذكر المقربين للملك بأن تصلب الشرايين نادراً ما يحدث في إنسان لم يبلغ الكبر وأن الملك لم يكن قد تجاوز الخمسين من العمر يوم وفاته. لهذا السبب ليس غريباً أن معظم الذين عاصروا فترة موت الملك في أيلول عام 1933 كانوا قد أكدوا بأنه مات ألماً وحسرة من الواقع المرير لتناقضات وصراعات أهل العراق، خاصة بعد القمع الوحشي للآشوريين من قبل بعض قطاعات الجيش العراقي بقيادة الجنرال بكر صدقي وبعض العشائر البدوية والكردية في منطقة سميل في شمال العراق مخالفة بذلك أوامره بضرورة التعامل السلمي والهادئ مع مطالبهم القومية والدينية، وهو الحادث الذي أثر كثيراً على نفسيته وأدى إلى تفاقم وتدهور صحته فدفع بالنتيجة حياته ثمناً لأصالته العربية والإسلامية في التسامح والتفاهم مع الآخر المختلف. ولكن مع ذلك، فأن هذا لا ينفي ذكر بعض الكتاب والمؤرخون بأن الملك مات مسموماً بهدف التخلص من مواقفه الحيادية والسلمية تجاه القوى المتصارعة على السلطة في العراق وإفساح المجال لأبنه غازي المعروف بمواقفه المتطرفة لاعتلاء العرش.

الملك غازي بن فيصل:   
ولد غازي في مدينة مكة عام 1912 وهو الطفل الثالث للملك فيصل الأول والأبن الوحيد له وكان مقرباً جداً إلى أمه ومحبوباً من قبلها. وفي العراق بعد تأسيسه كدولة حاول والده الذي تولى عرشها أن يهيء أبنه غازي ويعلمه تعليماً حديثاً يؤهله لوراثة الحكم في العراق فأرسله إلى إنكلترا عام 1925 وهو في السن الثالثة عشر للدراسة في كلية هارو وهو يكاد لا يعرف كلمة إنكليزية واحدة مما أضطروا إلى إدخاله في مدرسة خاصة وإعطاءه دروس خصوصية لكي يتأهل لدخول االكلية. خلال تواجده في الكلية عرف عنه سوء أخلاقه وشذوذه الجنسي والإجتماعي والإخلاقي وإنغماسه في الملذات والسهرات فلم يستطيع إكمال دراسته في الكلية. ويذكر العقيد جرالد في كتابه السالف الذكر بأنه عندما ترك غازي كلية هارو قيل عنه بأنه قد هدد إستاذه بأنه سوف يعود بجيشه ويحرق كلية هارو (ص80). وعندما عاد إلى العراق بعد فشله في دراسته في إنكلترا دخل الكلية العسكرية وكان حينذاك ولياً للعهد فأستقبله الضباط الشباب المتحمسين والمتأثرين بالأفكارالنازية والفاشية والطورانية الأتاتوركية خاصة الذين أنتقلوا من الخدمة في الجيش العثماني إلى جيش العراق ووجدوا فيه الحاكم المناسب لتحقيق طموحاتهم الشخصية في الحكم والسياسة وإزاحة الملك فيصل الأول من العرش فمهدوا له الأفكار النازية والفاشية والأساليب العثمانية القمعية في التعامل مع الأمور السياسية المعارضة. وبعد وفاة والده الملك فيصل الأول تولى العرش في الثامن من شهر أيلول عام 1933 وهو في الحادي والعشرين من العمر وبعد ست سنوات من حكمه قتل في ليلة الرابع من شهر نيسان عام 1939 بحادث سيارة وهو في السابع والعشرين من العمر. ويقال عن شذوذ تصرفات الملك غازي بأنه كان يضع القطن في أذنيه حتى لا يدخل الجن إلى دماغه وذات مرة صبغ وجه أحد خدم قصره بصبغ فسلخ جلد وجهه. ومن أعماله الجنونية الأخرى فأنه كان يعامل بعض من زواره غير المرغوبين فيهم بكهربئة بعض الأدوات المنزلية ويطلب منهم إستعمالها حتى يصعقون بالصعقة الكهربائية بغرض السخرية بهم. وكان قد أنشأ إذاعة في قصره يبث بنفسه برامج يهاجم فيها الكويت. ومنذ أيامه الأولى كان مولعاً بالسيارات السريعة والطائرات وعرف عنه في كونه طياراً ماهراً يحب المغامرات الجوية وكان له مطاره الخاص في قصره. ... ومن المفيد جداً أن نذكر تعليل وتبرير السلوك الشاذ للملك عازي من قبل أحد أنصار ومؤدي العصر الملكي وهو الدكتور مأمون أمين زكي في كتابه المعنون (إزدهار العراق تحت الحكم الملكي 1921 – 1958 ) من منشورات دار الحكمة الذي صدر حديثاً في لندن حين يقول (أن إنهماك الملك غالزي بالسكر والنساء كان نتيجة لتمرد الآشوريين)   !!!!

الاختلاف بين الأب والأبن:
 الإختلاف الكبير بين الملك فيصل الأول وأبنه الملك غازي كان واضح جداً من جوانب عديدة. فالأول نشأ في بيئة عربية أصيلة ملئها التسامح والكرامة والتأني والفضيلة وأحترام الإنسان وهي البيئة التي لم تكن تتلائم مع الظروف التي كانت قائمة في العراق حينذاك.  في حين عاش أبنه وتربى في العراق وتأثر ببيئة فكرية وإجتماعية وسياسية مختلفة تماماً ملئها التعصب والتطرف والصلابة والهيجان السياسي والإجتماعي. تعاون الملك فيصل الأول مع القوات البريطانية أثناء الحرب الكونية الأولى من أجل التحررمن السيطرة العثمانية وبناء الدولة العربية الموحدة المستقلة. وفي العراق عمل بكل إخلاص وجد من أجل ترسيخ الكيان العراقي الجديد فوقف موقفاً إنسانياً مسؤولاً تجاه مطالب الآشوريين ورفض التوجهات الإستبدادية والطرق العسكرية القمعية لمعالجتها فذهب ضحية لمبادئه وأفكاره. في حين قاوم الملك غازي البريطانيين وعارض وبقوة المعاهدة الموقع بين بريطانيا والعراق لعام 1932 والتي يسرت إستقلال العراق وحصوله على عضوية عصبة الأمم وبارك مذبحة الآشوريين في سميل والحملات العسكرية الدموية الأخرى ضد عشائر الفرات الأوسط والجنوب وأيد إنقلاب بكر صدقي لعام 1936 ليكون فاتحة جديدة تفتح الأبواب مشرعة لسلسلة من الإنقلابات العسكرية والإرهاصات التي أصبحت فيما بعد في التاريخ السياسي العراقي المعاصر الأسلوب السائد في إنتقال السلطة وعدم الإستقرار.
على العموم، أن ما يهما من تصرفات الملك غازي الشاذة سواء في حياته أو في حكمه للعراق هو موقفه من الآشوريين وحركتهم القومية في الثلث الأول من القرن الماضي حيث كان يمقت الآشوريين مقتاً شديداً وبالأخص بطريركهم مار شمعون الذي أرتبطت الحركة القومية الآشورية حينذاك بأسمه. فكان يتربص الفرص للإنتقام منهم والتخلص من مار شمعون بأية طريقة كانت. وقد توافق هذا الموقف مع المواقف الإستبدادية والشوفينية لبعض رجال الحكم والجيش أمثال بكر صدقي وحكمة سليمان وغيرهم المتشبعين بالأفكار النازية والطورانية الأتاتوركية فأيد الأسلوب الإجرامي لهؤلاء في معالجة المسألة الآشورية مخالفاً بذلك رأي والده الملك فيصل الأول. وبعد المذبحة أنعمهم بالعديد من أوسمة "الشجاعة" على هؤلاء المجرمين لدورهم "البطولي" في القضاء على "الفتنة الآشورية" كما يطلق عليها في الفكر السياسي العراقي التقليدي في أعتبار مطالب الآشوريين فتنة هددت أمن وإستقرار العراق.

قبيل مذبحة سميل حاول الملك غازي وبتوصية من الضابط الإنكليزي الميجر طومسون المكلف بتسوية القضية الآشورية القضاء على الآشوريين وإمتصاص حركتهم وإخمادها بالطرق السلمية الهادئة كي لا تعكر المحاولات البريطانية في إقناع الرأي العام العالمي بأن العراق أصبح مؤهلاً للإستقلال ودخول عصبة الأمم وإنهاء نظام الإنتداب. فتم وضع خطة لإستدراج البطريرك مار شمعون إلى بغداد بحجة التفاوض معه وإخضاعه لقبول مشروع الحكومة العراقية والبريطانية في حل المسألة الآشورية بإعتباره، حسب أعتقادهم المبني على تقرير الميجر طومسون، بأن مار شمعون هو الرأس المدبير لـ "القلاقل والمشاكل" التي يثيرها الآشوريون في شمال العراق. وفي حزيران من عام 1932، قبيل مذبحة سميل ببضعة أسابيع تم إستدراج مار شمعون إلى بغداد بحجة مقابلة حكمة سليمان وزير الداخلية وعقد إتفاق معه حول المسألة الآشورية، وأثناء الإجتماع فرض على مار شمعون التوقيع على تعهدات مذلة به وبالآشوريين مقابل مغريات مجزية جداً له ولعائلته غير أن البطريرك مار شمعون أبدى شجاعة نادرة في مواجهة وزير الداخلية المعروف بأسلوبه الإستبدادي في تعامله مع الآخرين، فرفضها رفضاً قاطعاً مما أثار غضب وهيجان حكمة سليمان فحاول سجنه وإحالته إلى المحكمة وإدانته بحجة خيانة الوطن ومقاومة السلطات العامة. غير أن خشية من العواقب السياسية الدولية الوخيمة والمحتملة لاعتقاله حالت دون ذلك فأضطر إلى حجزه في بغداد ومنعه من السفر إلى أهله في الموصل كخطوة أولى للقضاء عليه والتخلص منه بطرق لا تثير مشاكل سياسية تسيء إلى سمعة العراق وتمنعه من الإنضمام إلى المجتمع الدولي.  فتم وبمباركة الملك غازي رسم خطة سرية لإغتيال البطريرك مار شمعون عن طريق إفتعال حادث إصطدام لسيارته، التي إعتاد على التنقل بها، بسيارة أخرى وإظهار الحادث كأنه قضاء وقدر. غير أن أسرار هذه الخطة تسربت إلى إحدى الجهات الدبلوماسية ومن ثم إلى بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الذي قام بدوره بإبلاغ البطريرك مار شمعون بالأمر فحال ذلك فشل خطة إغتياله فإضطرت الحكومة إلى إصدار قانون عام له مقاصد سياسية خاصة لغرض تطبيقه على البطريرك ما شمعون وتجريده من جنسيته العراقية ونفيه خارج العراق. دار الزمان دورته، وعاد القدر الذي رسم وخطط لقتل البطريرك مار شمعون لينقلب على غازي ويقضي عليه وبالأسلوب نفسه الذي كان يحاول القضاء على البطريرك مار شمعون حيث قتل في ليلة الرابع من نيسان عام 1939 بحادث إصطدام سيارته يثار حوله الكثير من الشكوك والغموض بإعتباره خطة مدبرة لإغتياله والقضاء على الملك غازي... هكذا كان مصير مشرع مذبحة سميل بحق الآشوريين الأبرياء.

الملك فيصل الثاني:
ولد فيصل بن غازي بن فيصل في الثاني من  شهر أيار عام 1935 وعند وفاة والده كان عمره لا يتجاوز الأربع سنوات فأصبح الملك الثالث على العراق وبأسم فيصل الثاني. وبسبب صغر سنه تكفل خاله الأمير عبد الإله بن الملك علي بن الشريف حسين رعايته وتربيته وأصبح وصياً على العرش بعد موافقة مجلسي الأعيان والنواب وحسب الدستور العراقي لعام 1925. وبعد إكماله سن الرشد (الثامنة عشرة) أستلم الملك فيصل الثاني في يوم الخميس المصادف الثاني من شهر أيار عام 1953 سلطاته الدستورية الرسمية والذي عرف في العراق بيوم التتويج. وفي صبيحة الرابع عشر من شهر تموز عام 1958 قتل مع أفراد عائلة وحاشيته في المجزرة الوحشية التي عرفت بـ "مجزرة قصر الرحاب" من قبل بعض أفراد الجيش العراقي.
صحيح أن الملك فيصل الثاني لم يكن له علاقة مباشرة بالمذبحة التي أرتكبت بحق الآشوريين في سميل عام 1933 ولكن لحياته ونشأته وحكمه ومصيره مرتبط بها بشكل غير مباشر. ويمكن أن نحدد هذه العلاقة غير المباشرة من جانبين:
الأول: كان الملك فيصل الثاني أخلاقيا و تربوياً وسلوكياً ونسباً صورة طبق الأصل من جده الملك فيصل الأول حيث عرف بدماثة أخلاقه ونبل تصرفاته وكان له عادات حسنة تسجل له بالفخر تقي يخاف الله فلم يشرب الخمر أو يدخن طيلة حياته وتعلم على أيدي كبار المثقفين في العراق أمثال مصطفى جواد وأتصف بالود وحسن الإصغاء للآخرين وإحترامهم... هذه الصفاة العربية النبيلة لم تكن تتوافق مع الحالة السياسية المتذبذة في العراق حينذاك وصراع القوى السياسية والعسكرية من أجل السلطة والجاه، كما كان الحال مع جيده الملك فيصل الأول،  فذهب ضحية لسلوكه النبيل المتسامح ومبادئه السلمية في الحكم والإدارة فسقط عرشه تحت أقدام العسكر في الرابع من تموز عام 1958 وسلبت حياته بقوة الرصاص والغدر.
الثاني: وهو الأهم، فبالرغم من كونه علاقة غير مباشرة ولكن لايمكن إطلاقاً أن نتجاهل الخيط الذي يربط الأسلوب الوحشي الذي تعامل بعض رجال السياسة والجيش مع الآشوريين في عام 1933 مع نفس الأسلوب الوحشي الذي تم تصفية الملك فيصل الثاني وعائلته وحاشيته من قبل بعض أفراد الجيش العراقي. فبين مذبحة سميل عام 1933 ومذبحة قصر الرحاب عام 1958 خيط يربطهما بالبعض يمر عبره سلسلة طويلة من الجرائم السياسية والمذابح والنكبات لم تنتهي بإنقلاب الرابع عشر من تموز بل تواصلت وأستمرت حتى يومنا هذا والتي قام أمثال الملك غازي وحمكة سليمان وبكر صدقي بإرساء أسس هذه الجرائم من خلال تدخل الجيش في السياسة وقمع المعارضة وتدبير الإنقلابات العسكرية كأسلوب وحيد لإنتقال السلطة فكانت مذبحة سميل بحق الآشوريين فاتحة لسلسلة مذابح في العراق وإنقلاب بكر صدقي لعام 1936 فاتحة لسلسلة إنقلابات عسكرية وإرهاصات سياسية.
وأخيراً ليعلم من لا يعلم أو يتجاهل العلم بأن الآشوريين كانوا من أوائل المضحين بدمائهم على تربة هذا الوطن ليس إلا من أجل حقوق بسيطة طالبوا بها لضمان إنسانيتهم وتأكيد وطنيتهم وترسيخ وجودهم الذي أستمر طيلة أكثر من خمسة آلاف سنة على تربة هذا الوطن، بلاد ما بين النهرين.     
================================================

 

أبرم شبيرا القادم من أقصى غرب العالم: كاليفورنيا/ الولايات المتحدة الأمريكية وباسم رشو من الطرف الآخر للعالم أستراليا يجمعهما وقفة على تل في قضاء سميل دفن تحته العشرات من ضحايا الآشوريين لمذبحة سميل في مقبرة جماعية ويعتقد أيضاً بأن تحت التل كنيسة مشرقية قديمة. وهناك برج للإتصالات نصب على التل ومسيج بسياج. وحسناً عملت حكومة إقليم كردستان بمنع التجاوزات على الأراضي المحيطة بالتل حيث تم إيقاف العمل في بناية من عدة طوابق بجانب التل الذي أعتبر كمنطقة أثرية محمية. ولا ندري إذا كان لممثلي شعبنا في برلمان وحكومة إقليم كردستان علم او دور في حماية هذا الأثر، ولكن المطلوب منهم العمل والمباشرة في الحفريات وتنظيف المكان وإكتشاف المقبرة والكنيسة ومن ثم بناء نصب لشهداء مذبحة سميل ليكون مزارا لأبناء أمتنا ورمزاً للتضحية والفداء  من أجل تربة هذا الوطن.
=========================
الهوامش:     

   - - يقول العقيد جرالد دي غوري، الملحق العسكري البريطاني ببغداد في كتابه "ثلاثة ملوك في بغداد" الذي ترجمه وعلق عليه سليم طه التكريتي، مكتبة النهضة العربية -  بغداد، ط2 لسنة 1990، يقول عن بكر صدقي  "رأيت رجلاً عراقياً متوسط العمر وذا شكل غير جذاب  ... يحتسي الوسكي، كان قفاً رأسه مسطحاً ورقبته غليظة وشفتاه تدللان على شدة الحساسية ووجه ومحياه صارمين بشكل فظيع. لقد كان وجه إنسان ولد لكي يصبح مجرماً" ص 140.

   -   تذكر المصادر الإنكليزية بأن عدد القتلى في سميل وحدها كان 315 قتيل والمصادر الآشورية تقول بأن العدد كان يتراوح بين 350 إلى 700 أما مجموع ما قتل في الحوادث وفي جميع المناطق فالتقديرات الإنكليزية تذكر 600 قتيل في حين بلغ عدد القتلى حسب المصادر الآشورية 3000 قتيل . وذكر لي ذات مرة المرحوم زيا الأشوتي الذي كان شاهد عيان للمذبحة بأنه بعد هدوء الأوضاع بدأ أفراد من الجيش العراقي بجمع الجثث المتروكة على الأرض والتي بدأت الروائح تفوح منها من شدة حرارة صيف شهر آب ووضعها في شاحنة عسكرية لدفنها في مقبرة جماعية في ضواحي قصبة سميل وكان عدد الجثث يزيد عن مائة جثة. وطبعاً المصادر العراقية تذكر رقماً أقل من هذه الأرقام بكثير حيث لم يكن هذا الحدث حسب إعتراف المندوب العراقي لدى عصبة الأمم إلا مجرد وقوع بعض التجاوزات من قبل الجيش العراقي على الآشوريين.

   -  بينما يقول العقيد جيرالد في كتابه المنوه في أعلاه بأنه ولد في مدينة مكة. ص 202.


   - من المحتمل أن يكون الدكتور مأمون أمين زكي نجل الدكتور محمد أمين زكي مؤلف الكتاب الموسوعي (تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن) المترجم من الكردية إلى العربية وهو كردي وكان وزيراً للمواصلات أثناء فترة مذبحة سميل وتولى عدة مناصب وزارية  ولم يتطرق إلى مذبحة سميل في كتابه هذا لأنه طبع في عام 1931 غير أن فيه إشارات كثيرة عن الآشوريين وكنيستهم تنم بشكل واضح عن الفكر العراقي التقليدي الإستبدادي تجاه الآشوريين.


280
قاموس آشوري  لجامعة شيكاغو
قفزة نوعية في علم الآشوريات

أبرم شبيرا
يمكن تسمية عام 2011 بعام علم الآشوريات في حقل الآثار وتاريخ حضارة بلاد مابين النهرين، لا بل حتى في تاريخ الحضارة الإنسانية. فبعد أن كتبنا عن معرض روائع حضارة بلاد الرافدين الذي أقيم في أبو ظبي وأثار إهتمام المختصين وغير المختصين وأظهروا أعجابهم به  كما عكس مدى حضارية وإنسانية هذا البلد الصغير الحديث على الخارطة السياسية، البلد الذي يثير تطوره وتقدمه السياسي والإجتماعي والإقتصادي حقد وكراهية وحسد الكثير من العاجزين عن التقدم خطوة واحدة نحو مستويات يمكن أن تساعد شعوبهم المقهورة للدنو من الرفاهية والإستقرار السياسي والإجتماعي، يأتي إصدار جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة ألأمريكية للقاموس الآشوري كقفزة نوعية في علم الأشوريات ويثير أهتمام الكثير من المختصلين وغير المختصين وأنا واحد من هؤلاء غير المختصين في هذا الحقل ولكن أثار أهتمامي بشكل كبير ومثير لأنه يأتي صدور هذا القاموس من جامعة في دولة تبعد ألاف الأميال عن موطن الشعوب التي تكلمت بلغة هذا القاموس، دولة تعتبر في نظر البعض "الشيطان الأكبر" لا بل تأتي الأهمية القصوى لصدور هذا القاموس بالنسبة لي ولغيري من أبناء بلاد مابين النهرين في كونه قاموس لغة تعتبر لغة أباؤنا وإجدادنا العظام الذين بنوا أعظم وأول حضارة في التاريخ القديم.   


تجلت أهمية صدور هذا القاموس من خلال تداول الصحف المختلفة والمواقع الألكترونية خبر صدوره. فقد وصلني أكثر من رسالة ألكترونية عن هذا الخبر وبعض من المقالات والبحوث التي كتبت عنه وكان أهمها المقالة التي كتبها جون نوبل ولفورد تحت عنوان (قاموس آشوري – شيكاغو – مع 28,000 كلمة: أنه نافذة ميسرة لحضارة بلاد الرافدين) وقد نشر في جريدة نيويورك تايمز نيوز سيرفس باللغة الإنكليزية وإعادت جريدة (كلف نيوز – Gulf News) نشره في في عددها المؤرخ في 15 تموز 2011 ، كما نشر على الموقع الألكتروني لجامعة شيكاغو. ونظراً للأهمية القصوى لهذا القاموس في علم الاشوريات فإنني، رغم كوني من غير المختصين في هذا العلم كما ذكرت، إلا أنه بسبب أهميته الخاصة وهو علم يخص أجدادنا وأرض أباؤنا بلاد مابين النهرين، أرتأيت أن أكتب بعض السطور لتكون فائدة بسيطة للقراء من جهة ولغرض تعميم الفائدة والمعرفة بهذا القاموس الذي أعتبره العلماء مدخلاً كبيراً لفهم حضارة بلاد الرافدين كما ويأتي إستكمالاً للموضوع السابق الذي كتبته عن معرض روائع حضارة الرافدين والذي سبق وأن نشر في هذا الموقع الألكتروني، وكلا الموضوعين يعكسان مدى أهتمام دول، كالولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات العربية المتحدة بالحضارة الإنسانية ومساهمتهم في تطويرها، ومنها حضارة بلاد الرافدين.

لا أريد أن أعيد كل ما كتب عن هذا القاموسي فالغرض من هذا الموضوع هو بيان بعض النقاط التي تهمنا معرفتها والتي سأتي على ذكرها ولكن مع هذا فبعض السطور عن ما كتب عن هذا القاموس يفيد القارئ الكريم خاصة الذي لم يطلع على ما كتب عنه هذا. أستهل العمل بمشروع هذا القاموس في عام 1921 من قبل جميس هنيري بريستيد، مؤسس المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو والذي عمل أيضا على قاموس برلين للمصريين القدماء. وأول جزء أنتهى منه كان في عام 1956 وتناوب وساهم في إنجازه بحدود 90 عالم وباحث ومؤرخ وآثاري حتى المجلد 21 الأخير في هذا العام فأصبح القاموس يجمع 28,000 مفردة.

يقول ولفورد في مقاله السابق الذكر، تسعون سنة مضت على تنظيم قاموس ذو 21 مجلداً لللغة القديمة لبلاد الرافدين ولهجتيها البابلية والآشورية والتي هي لغة غير محكية خلال 2000 سنة الماضية ولكن بقيت محفوظة على ألواح طينية ومنقوشات صخرية تم فك شفيرتها خلال القرنين الماضيين والتي أكتملت أخيرا على أيدي علماء من جامعة شيكاغو. هذه كانت لغة سركون الكبير، ملك أكد في الرابع والعشرين قبل الميلاد، تكلم بها وحكم أمبراطورية أعتبرت أول من نوعها كما هي لغة حمورابي أستعملت في حدود 1700 سنة قبل الميلاد لينشر ما عرف بأول تشريع قانوني في التاريخ كما أن مفردات هذه اللغة أستخدمت في ملحمة كلكامش والتي تعتبر أول تحفة من الأدب العالمي. ومن المفترض أن نبوخدنصر (الملك الكلداني البابلي) قد أستخدم هذه اللغة لإسترضاء زوجته المتشوقة للعودة إلى بلدها الجبلي وبناء لها الجنائن المعلقة في بابل.


صورة يظهر فيها مارثا روث عميدة كلية العلوم الإنسانية في جامعة شيكاغو ورئيسة تحرير القاموس الآشوري  مع جيل ستيان مدير المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو يبحثان في أحدى المدونات الآشورية من المتحف البريطاني. (الصورة منقولة من الموقع الألكتروني لنيويورك تايمز)
=================================================

الملاحظات التي يهمنا أن تذكر في سياق صدور هذا القاموس، يمكن إيجازها بما يلي:

1.   لماذا التسمية الآشورية للقاموس؟: على الرغم من التسمية الآشورية للقاموس إلا أنه من الواضح والمبين والمؤكد من قبل جميع علماء الآشوريات واللغات القديمة بأن لغة القاموس هي اللغة الأكدية وأن اللغة التي تكلم بها الآشوريون هي لهجة تابعة لهذه اللغة والتي تكلم بها البابليون أيضا لهذا سميت علمياً باللغة البابلية الآشورية. فالقاموس يركز على الشكل الجديد لللغة الآشورية وهي لغة أمبراطورية عظيمة تمثلت عظمتها ليس في قوتها العسكرية فحسب بل أيضا في تطورها الثقافي والعلمي وأنعكس ذلك بشكل كبير وواضح في محتويات مكتبة الملك الآشوري آشور بانيبال والتي كانت هذه المحتويات موضوع دراسة لأكمال القاموس الآشوري لجامعة شيكاغو. ويؤكد العلماء بأنه من المحتمل بأن هذه اللغة كانت أول نظام لغوي عرفه الإنسان وأن النظام السياسي الذي كان قائماً في بلاد الرافدين على أساس (دولة - مدينة) يمثل أول نظام حضري للإنسانية. ويذكر ولفورد في مقاله السابق الذكر بأنه عندما بدأ بريستيد بمشروع هذا القاموس في عام 1921 كانت معظم المدونات المكتوبة تخص حكام الآشوريين وأيضا فأن المراجع التوراتية تركت تأثيراً بأن المصطلح الآشوري كانت متناغماً مع معظم اللغات السامية في العصور القديمة.
إن موضوع نعت القاموس بالآشوري يمكن أن يكون قد تأثر بالعلم الذي أطلق عليه بعلم الآشوريات التي وضع أسسه الأولى العلامة الآثاري السير هنري رولنصن الذي ولد في أكسفورد عام 1810. حيث يذكر أي. رويست بايك في كتابه المعنون (قصة الآثار الآشورية) ترجمه يوسف داود عبد القادر طبع بمطبعة أسعد في بغداد – مودع في المكتبة الوطنية عام 1972، بأن رولنصن كان قد سمع الشيء الكثير عن الكتابات والنحوت الموجودة على واجهة أحدى الصخور في (بهستون) التي تقع غرب مدينة كرمنشاه الإيرانية فتوجه إليها حيث أستطاع إستنساخ الكتابات الموجودة عليها والتي كانت مدونة بثلاث لغات هي البابلية والفارسية القديمة والسوسية (العيلامية) ... فقد تمكن رولنصن من التوصل إلى حل رموز الكتابات المدونة على واجهة الصخرة وبعد أن تسنى له الوقوف على جميع الكتابات المسمارية المكتشفة في ذلك الوقت قاده إلى معرفة ثلاثة أسماء للشخصيات الملكية وهم داريوس و هستاسب وزوركسز وتلك كانت أولى الخطوات المهمة التي تلتها خطوات أخرى (ص123).  وفي عام 1847 تمكن من أن يقوم بترجمة كاملة للنص الفارسي مع وضع شروح وملاحظات نحوي وأبجدية كاملة وبعد ذلك تمكن من ترجمة النصوص الأخرى بمساعدة عدد من العلماء الآخرين. غير أن الشكوك أثيرت حول صحة هذه التراجم لذلك أستدع الأمر إلى فحصها وتدقيقها للتأكد من صحتها. ففي عام 1856 أفترح فوكس تالبوث والذي أشتهر بكونه أو رائد عمل في حقل إختراع التصوير الفوتوغرافي، أقترح أن تقوم الجمعية الأسيوية في لندن بدعوة ثلاثة من علماء المسماريات ليقوم كل واحد منهم على إنفراد بترجمة مقطع طويل من الكتابات الآشورية، وأن توضع كل ترجمة في ظرف مختوم وترسل إلى سكرتير الجمعية، وأقترح كذلك أن تولف لجنة تتولى فتح هذه الظروف ومقارنة التراجم مع بعضها وإعلان النتيجة، وأن تتم جميع هذه الإجراءات بجو من العلنية. وكانت الكتابات التي أختيرت لهذا الغرض هي المواد المدونة على منشور من الطين المفخور يعود إلى الملك الآشوري (تكلات – بلاصر) الذي سبق وأن أكتشف في مدينة آشور وتم تكليف كل من فوكس تالبوت و رولنصن وإدورد هنكس ( 1829 – 1866 وهو عالم آثاري أيرلندي ساهم في حل رموز الكتابات الهيروغليفية كما شارك مع رولنصن في حل رموز الكتابات المسمارية) وجوليس أوبرت (1825 – 1905 وهو عالم آثاري ألماني وضع ملفات عديدة أهمها النحو الآشوري و بابل والبابليون ودراسات سومرية) للقيام بترجمة هذه المدونة حيث أرسل كل منهم ترجمته بغلاف مختوم إلى الجمعية الأسيوية الملكية، وبعد مقارنتها وجدت متفقة مع بعضها إتفاقاً تاماً بحيث لم يعد ثم شك بأن علماء الآشوريات يفهمون ما يقرأونه فهماً تماماً. ثم أرتأى (أبو الآشوريات)، وهو اللقب الذي الذي أستحقه رولنصن عن جدارة، بأن الوقت قد حان لترجمة نصوص الوثائق الآشورية التي كانت متوفرة آنذاك نتيجة التنقيبات التي جرت في نينوى وأطرافها (ص124) وبذلك نشأ علم جديد عرف بعلم الآشوريات وأعتمد عليه في دراسة حضارة بلاد ما بين النهرين. من هذا نؤكد القول بأن تسمية القاموس بالآشوري لا يمكن أن يفهم إلا من خلال هذا العلم الذي توفرت له المراجع الأساسية من منحونات ومدونات آشورية عديدة خاصة التي حفظت في مكتبة الملك آشور بانيبال.

2.   أنسكلوبيدية القاموس الآشوري: هذا القاموس ليس مجرد سرد لكلمات ومعانيها بل هو إنسكلوبيديا بحق وحقيقة. فهو يتناول تاريخ ومجال إستعمالات كل كلمة فهو بكل معنى الكلمة إنسكلوبيديا ثقافية لشعوب بلاد مابين النهرين. يقول جيل ٍستيان المدير في المعهد الشرقي لجامعة شيكاغو (نشر على الموقع الألكتروني لهذه الجامعة) بأن هذا القاموس الفريد من نوعه هو في الجوهر إنسيكلوبيديا ثقافية لتاريخ ومجتمع وأدب وقانون ودين بلاد ما بين النهرين وأنه أداة لا غنى عنه في البحث العلمي للباحثين في إي مكان والذين يرغبون إماطة اللثام عن المدونيات المكتوبة لحضارة بلاد مابين النهرين. ويذكر سامي بدرو على أحدى المواقع الألكترونية بالقول بأن هذا القاموس هو دراسة تمخضت عن نصوص عمرها أكثر من 2500 سنة تحتوى على وثائق ذات صلة علمية أو طبية أو قانونية وأدب ملحمي وتضرعات إلى الآلهة، بل وحتى رسائل حب. فالعلماء والآثاريون لم يكن بإمكانهم قراءة النقوش والكتابات الكثيرة التي كتبت على الجدران أو على الألواح الطينية وفك رموزها ولكن الآن بفضل هذا القاموس فأنهم يستطيعون قراءة كلمات الشعراء والفلاسفة والسحرة وعلماء الفلك. وتقول السيدة مارثا روث، رئيسة تحرير هذا القاموس بأن المثير هو ليس الفروقات بين مفردات الحياة قديماً وحديثاً، بل التشابه بينهما... فبدلاً من أن نواجه عالماً غريباً عنا، ترانا نأنس بعالم مألوف جداً حيث إهتمام الناس بأمور يومية، فنرى الناس قديماً، كما هم حديثاً، يهتمون بقضايا العلاقات الشخصية والحب والعواطف والسلطة وأمور أخرى كالري وطرق إستغلال الأراضي ... وتضيف وتقول أن كثيراً من التفاصيل التاريخية التي أصبحت في متناولنا تخبرنا أن النقلة النوعية للإنسان حينئذ من كونه بشراً فقط إلى كونه كائناً متحضراً حديث في بلاد ما بين النهرين إذ يعتقد بأن بذور التقدم الهائل في مختلف مجالات الحياة زرعت أول مرة في تلك الأصقاع كما يعتقد بأن بلاد ما بين النهرين هي واحدة من ثلاثة أو أربعة بلدان في العالم حيث وجدت أول كتابة وإن الأحرف المسمارية التي كتبت بها كل من الآشورية والبابلية .... هي أقدم مخطوطة في العالم وكانت المهلم لنظيرتها الكتابة الهيروغليفية ... (نقله سامي بدرو).  وعلى العموم يمكن القول بأن هذه الإستكشافات العظيمة أثبت بأن حضارة بلاد الرافدين لم تكن ثقافة حصراً بالملوك والملكات وحاشيتهم بل كانت ثقافة حقيقية لحياة الشعوب اليومية أيضاً.

3.   القاموس بين لغة الأمس واليوم
:  كما ذكرنا في أعلاه القاموس ليس مجر سرد للكلمات فقط بل أنه يعطي لكل كلمة عدة معاني مرتبطة وبوثاق كبير بالتاريخ والحياة اليومية في ذلك الزمان. يأخذ ولفورد على سبيل المثال لا الحصر كلمة يومو (umu) حيث خصص لشرحها 17 صفحة والتي تعني (يوم) . وهناك أيضا كلمة كالو أو كاليه (Kalu) والتي تعني عدة معاني باللغة البابلية الآشورية لهذا القاموس فهي تعني حجز أو تأخر أو بقاء أو حجز في الموقف وهكذا.  ثم هناك كلمة أخرى مثل داي نو (di nu) والتي تعني القضية أو قضية قانونية أو قرار حكم وإدانة. ومن الملاحظ والمثير للإنتباه إن جميع هذه المفردات وغيرها هي تقريبا نفسها التي يستخدمها أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" في أدبياته وحياته اليومية ولكن بإختلاف بسيط في اللفظ وهو الإختلاف المقبول جداً فيما إذا إدركنا موضوع تطور اللغات عبر قرون طويلة من الزمن. وقد يثير عند البعض مثل هذا الإرتباط الوثيق بين لغة أبناء شعبنا في هذا اليوم مع لغة أجدادهم من الأكديين والبابلين والآشوريين والكلدانيين القدماء الذين تفصلهم عنهم أكثر من 2500 سنة شيئاً من الإستغراب والتعجب لا بل والرفض لمثل هذه الصلة بين الحاضر والماضي،  فإنني أنصح هؤلاء بزيارة المكتبة البريطانية في لندن (والتي أنفصلت عن المتحف البريطاني قبل عدة سنوات) ومعاينة كتابات وليم شكسبير(1564 – 1616) الأصلية المعروضة ليروا الفرق الكبير بين إنكليزية كتابات شكسبير ولغة الإنكليز وكتاباتهم في هذا العصر. فكلما زرت المكتبة البريطانية والتي لا تبعد إلا بضعة أميال عن منزلي في لندن أجد صعوب بالغة جداً في قراءتها لا بل عرفت من الإنكليز نفسهم بأنهم لا يفهمون لغة كتابات شكسبير الأصلية إلا ما يقارب نصفها ولكن مع هذا هي لغة إنكليزية يعتز بها الإنكليز كلغة قومية وجميع المتكلمين بها ويعتبرونها لغة كتب بها أروع أدبيات العالم وترجمت إلى اللغة الإنكليزية المعاصرة لكي يفهمها القراء.  فإذا كان الفرق الزمني بين لغة شكسبير ولغة الإنكليز في هذا اليوم ما يزيد بقليل عن 400 سنة فكيف والحال مع اللغة الأكدية (البابلية الآشورية) التي تبتعد بما يزيد عن 2500 سنة عن لغة أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري". إن اللذين لا يعيرون للتاريخ أو للزمان أو للماضي أهمية في تأثيره على الحياة العامة للناس وعلى ثقافتهم وحضارتهم فهم أناس لا أهمية لهم في الزمن الحاضر.         

وأخيراً، لم يعد شيء أن يذكر إلا أن نؤكد مرة أخرى مدى أهتمام الشعوب والبلدان الآخرى بحضارة بلاد الرافين وتاريخها بينما أهل هذا البلاد الذي أعتبر مهداً للبشرية لا بل حكام هذا البلد ينكرون هذه الحضارة ويتجاهلون تاريخها ولا نستغرب أبداً بأن لا يستطيعون حكام اليوم في بلاد ما بين النهرين من  توفير 1995 دولار أمريكي وهو سعر القاموس الآشوري بجميع مجلداته لشراءه ولا أدري فيما إذا كانوا قد سمعوا أصلاً عن صدور هذا القاموس لأنهم جداً مشغولين في سرقة أموال الشعب وملئ جيوبهم ولا وقت لديهم للتفكير أو القراءة عن هذا القاموس. وأخير لا نستغرب أبداٍ مثل هذه المواقف المشينة تجاه حضارة الأباء والأجداد عندما نعرف بأن المتحكمين في مصير العراق في هذا اليوم يتصارعون حول الحقائب الوزارية السيادية التي تضمن سرقات أكثر فأكثر بينما لا أحد يرغب في وزارة الثقافة لأنها وزارة ليس لها تخصيصات ضخمة حتى تتخم البطون الفاسدة. عيب والله عيب.

281
الآشوريون والبابليون في أبو ظبي

أبرم شبيرا
ما الذي يفعله الآشوريون والبابليون في أبو ظبي؟؟؟ سؤال غريب لكن جوابه موجود في معرض "روائع بلاد الرافدين"....
===========================================
أختتم في نهاية شهر حزيران الماضي في أبو ظبي معرض "روائع بلاد الرافدين" وأستمر من 29 آذار لغاية 27 حزيران والذي أقيم على القاعات المبهرة والرائعة لمبنى المنارة في جزيرة السعديات السياحية/الثقافية في إمارة أبو ظبي. والمعرض هو واحد من المعارض الدولية القائمة على الأعمال المعارة والتبادل الثقافي بين الدول حيث ساهم المتحف البريطاني و متحف مدينة العين في إمارة أبو ظبي وبتنسيق وتنظيم شركة التطوير والإستثمار السياحي، وهي جزء من هياكل هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث التي تهتم بالتطوير الثقافي والسياحي في إمارة أبو ظبي على أقامة المعرض. ويظهر من طول فترة أقامة المعرض، ثلاثة أشهر تقريباً، مدى أهميته وإستقطابه للمهتمين والمختصين بالشأن التاريخي لبلاد الرافدين والمثقفين والأدباء وطلاب الجامعات والمدارس بشكل خاص وكثافة الجمهور، سواء من الأمارتيين أو المقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام. ويكذر دليل المعرض بخصوص بلاد الرافدين "تغطي المساحة الجغرافية لبلاد الرافدين القديمة ما يعرف اليوم بالعراق وجزء من سوريا. ومنذ العام 6000 قبل الميلاد عاش سكان بلاد الرافدين في القرى وزرعوا الأرض وبدؤوا بتدجين الحيوانات. وفي حوال العام 3000 قبل الميلاد بدأت أولى المدن بالتشكل الأمر الذي ساعد على تطور العمليات الإدارية وبدء إستخدام الكتابة لتسجيل المعاملات التجارية. وإعتباراً منذ ذلك الوقت ركز التاريخ القديم في المنطقة على ثلاث حضارات مختلفة إلا أنها مرتبطة إرتباطاً وثيقا وهي الحضارة السومية والبابلية والآشورية".

يقول الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس مجلس ألإدارة لشركة التطوير والإستثمار السياحي في مقدمة دليل المتحف "يكتسب هذا المعرض أهمة خاصة كونه يستعرض تاريخ حضارة بلاد الرافدين العريقة، وهي المنطقة ذاتها التي قامت بدور جوهري في تطوير الحضارة الإنسانية كما يستكشف أيضا طرق إنتقال المعرفة من العالم القديم إلى المعاصر لاسيما في مجالات العلوم والإتصال والفن والأدب. ويقدم في الوقت ذاته العديد من القطع الرائعة والفريدة التي تم إستعارتها من مجموعة المتحف البريطاني المعروفة عالمياً والمسماة بمجموعة الشرق الأوسط. بالإضافة إلى آثار معارة من متحف العين الوطني والكنوز المهمة والوثيقة الصلة بتاريخ الإمارات العربية المتحدة"  

أهمية المعرض تتجاوز القطع الآثارية لبلاد الرافدين والمنحوتات والتماثيل والرقم الطينية ولقى ومجهورات وصيغ ذهبية نادرة المعروضة في القاعات إلى حسن تنظيمه وروعة تنسيقه للمعروضات إضافة كثافة برامجه الثقافية والفنية المتنوعة التي أشبعت تطلعات وأفكار معظم الحاضرين للمعرض والتي شارك في إلقاؤها أشهر المختصين الآثاريين في العالم وأساتذة الجامعات والمؤرخين. ومن المفيد أن أسرد بعض من هذه المحاضرات واللقاءات التي تعكس مدى أهمية المعرض وما صاحبه من نشاطات خلال فترة إقامته. لقد حاضر في المعرض الدكتور جون كورنيس وهو المسؤول عن مجموعات تحف الشرق الأوسط في المتحف البريطاني تحت عنوان "أكتشاف بلاد الرافدين". قصص لا يمكن أن تروى إلا على لسان أصحابها. من بلاد الرافدين إلى الإمارات العربية المتحدة كان عنوان محاضرة السيد نيل ماكجريجور مدير إدارة المتحف البريطاني. والبرفسور مارك فان دي ميروب، وهو أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا في نيويورك – حاليا يشغل منصب زميل في مركز الأبحاث الدولي للدراسات الثقافية في فيينا حيث حاضر عن "بلاد الرافدين – مهد البشرية الأول في العالم". هذا إضافة إلى مجموعة من ورشات عمل ولقاءات وزيارات وندوات وأخيراً وليس آخراً وتحت عنوان "إعادة إحياء أحدى عجائب العالم القديم – بابل معاصرة" أقيم أمسية أدبية موسيقة شارك في إحياؤها الشاعر عمر الفرا ثم سيدة المقام العراقي الفنانه فريدة محمد علي مع فرقة المقام العراقي.

لم يكن غريباً أن تحتل التماثيل والمنوحات والرقم الطينبة من العصر الآشوري مكاناً كبيراً ومتميزاً والتي أعيرت من المتحف البريطاني ذلك لأن القسم الآشوري في هذا المتحف يحتل مساحة كبيرة إلى جانب القسم الفرعوني. حيث عسكت عظمت الإمبراطورية الآشورية وفتوحات ملوكهم الذين وصلوا حتى الى المناطق الجنوبية من الخليج العربي جنوباً وفلسطين ومصر غرباً. ليس هذا فحسب بل من ناحية العلم والمعرفة تذكر أدبيات المعرض بأنه "كانت مدن بلاد الرافدين مراكز إشعاع للمعرفة والعلم. فقد درس علماء الفلك البابليون حالة السماء في الليل وسجلوا حركة القمر والكواكب السيارة وكان يتم الإحتفاظ بالألواح المسمارية في القصور الملكية والمعابد وكذلك قام الملك الآشوري آشور بانيبال ببناء مكتبة ضمن 25000 لوحاً طينياً في قصره في نينوى. أما الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني فبدأ ببناء متحف في بابل ضم منحوتات وثماثيل وألواح طينية يعود تاريخ بعضها إلى العهد السومري". ومن أهم المعروضات كانت الألواح التي تحكي تفاصيل قصة كلكامش التي عثر عليها في مكتبة آشور بانيبال والذي أطلق عليه أول بطل أسطوري في التاريخ وقد يكون هذا البطل حقيقياً. والنص يتكون من 12 لوحاً من الطين من مجموعة مكتبة الملك في القرن السابع قبل الميلاد وتحوي الملحمة المكتوبة بالأكادية – والتي عرفت علمياً فيما بعد باللغة البابلية-الآشورية توقيع أول مؤلف عرفه التاريخ وأسمه "شين إكي يونيني".

وبخصوص أسم بابل، يذكر بأنها تعني باللغة السامية "بوابات الآلهة" وهي جمع بين كلمتي "باب بالعربية و "إيل" التي تعني الآله باللغة العبرية. وبابل قبل سقوطها كانت منارة للعلوم والبحوث وقد ترك البابليون بحوث علمية ستظل آثارها ماثلة على مر الزمان. وبالإمكان رؤية الفكر البابلي في كل ساعة تستخدم في العالم اليوم. يعود إصطلاح الساعات والدقائق والثواني الذي قسم إلى ستين وحدة إلى نظام قديم للعد والقياس كان سائداً في بلاد الرافدين.  وبخصوص آشور تذكر أدبيات المعرض بأنه أسم مشتق من اللغة السامية ويعني "الآله المخفي" وكان آشور أحد أبناء نوح والذي أصبح أعظم إله عند الشعب الآشوري. ... ومن الملاحظ هنا الخطأ الشائع في التاريخ حول تسمية لغة الأكديين باللغة السامية حيث لا توجد في التاريخ لغة تعرف باللغة السامية، نسبة إلى سام بن نوح. كما أن كلمة "إيل" هي بالأساس أكادية أو بابلية-آشورية وليست عبرية الأصل وهي عينها في اللغة الآرامية السريانية أو الآشورية المعاصرة.

من الصعب بمكان أن نذكر بالتفصيل كل ما جرى في المعرض وما عرض فيه والنشاطات التي أقيمت طيلة فترة ثلاثة أشهر ولكن المهم، لا بل المهم جداً والمثير للإعجاب والإستغراب أيضا هو أن نذكر أسباب إقامة مثل كذا معرض في دولة الإمارات العربية المتحدة وتحديداً في العاصمة أبو ظبي وفي موضوع يخص حضارة بلاد الرافدين وهي حضارة لا تخصها بشكل مباشر بلادها وتاريخها الوطني. كل هذا الأعجاب والأهمية والإستغراب يزول ونتفهم الأمر عندما نذكر أسم شخص واحد وهو المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، رحمه الله في فسيج جناته. هذا الشخص، الذي يعتبر اليوم أباً ورمزاً للإمارات العربية، بنى دولة متوحدة مستقر قلمنا نجد مثيل لها ليس في العالم العربي والإسلامي فحسب وإنما أيضا في العالم أجمع. هذه الدولة ليست مجرد صحراء أنعم الله عليها بالثروة النفطية فحسب وإنما هي دولة إستقرار سياسي وضمان أمني وتطور ثقافي وتحضر إجتماعي وتفتح إنساني وحضاري أستطاع رعاتها من إستثمار وتكريس نعمة الله هذه (البترول) في بناء دولة بكل هذه المواصفات وفي تكريس خيراتها على جميع أبناء الدولة بحيث فاضت لتصل إلى المقيمين فيها من غير الإماراتيين. أنه حقاً البلد الوحيد الذي أرى فيه الأجانب المقيمين حالهم كحال المواطنين يحبون  المغفور له الشيخ زايد حباً كبيراً ويعظمونه تعظيماً. أتذكر قبل بضعة سنوات عندما كان المغفور له طريح فراش المرض كانت سيدة آشورية تقول أنها كل أسبوع تذهب إلى الكنيسة للصلاة والدعاء إلى الرب لكي يشفي الشيخ زايد لأنه بحكمته وإدارته لهذا البلد تمكن زوجها من تطوير أعماله وبناء ثروته وإستمتعنا بإستقراره وأمنه. وأتذكر أيضا تلك السنوات كيف كان بعض زملائي في العمل من البريطانيين في دبي قلقون على صحة المغفور له ويخشون بأن رحيله قد يتسبب تغييراً في البلد  ولكن غشيتهم وقلقهم لم يكونا في مكانهما إذ أن إنتقال السلطة بسلاسة وهدوء ضمن إستمرار إستقرار البلد وتطوره على نفس هدى المغفور له. وأخيراً، وأرجو أن يتفهم القارئ الإطالة في هذا الموضوع هو تعبيراً عن إعجابي بهذا البلد الإستثنائي في العالم العربي والإسلامي، بأنه لم لا يعرف كثيرا عن دولة الإمارات العربية فإنها تتكون من سبعة إمارات (أبو ظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، رأس الخيمة و الفجيره) والتي كانت محميات بريطانية وقبل إنسحاب بريطانيا منها في عام 1970 وطرح موضوع الإتحاد بين هذه الإمارات السبعة مع قطر والبحرين، إلا أن المنطق والتعقل وتفهم الجغرافيا وبعد قطر والبحرين جغرافياً عن بقية الإمارات السبعة المتلاصقة مع البعض قد أبعدا من مشروع الإتحاد فبقت الإمارات السبعة هي موضوع الإتحاد في دولة واحدة... والمطلع على النظام السياسي لدولة الإمارات يتأكد لديه بأنه من النظم السياسية الراقية والمنطقية التي تتوافق مع ظروف البلد وتخدم مواطنيها بالشكل الآمن والمريح. فالمنطق السياسي يقول بأن أنجح الأنظمة السياسية والإقتصادية هي الأنظمة التي تريح شعبها من جميع النواحي وتضمن أمنه. أن كل من هذه الإمارات خاصة الصغيرة منها لم تكن تملك مقومات دولة كاملة لذلك عاد المنطق والتعقل ليتحكم في مصير هذه الإمارات لتدخل في إتحاد تتكون منه دولة متقدمة ومتحضرة ... ولا أبالغ أن أنقل ما أسمعه من معظم الأجانب، خاصة الأوربيين، بأن مدن كأبو ظبي ودبي يعتبران هي أمن مدن في العالم وأكثر بكثير من لندن وباريس وغيرهما من المدن الأوربية الكبيرة... فالمئات من الجنسيات والعشرات من الثقافات واللغات كلها تتعايش في هذا البلد بسلام وأمن وطمأنينة وهي حالة نادرة جداً في عالم اليوم. فلو تصورنا بأن كل إمارة أستقلت بحالها وكونت لها دولة مستقلة فأن المنطق السياسي العربي السائدة لكان قد تحكم في علاقات بعضهم بالعض ودخلوا في صراعات لا نهاية لها كما هو الحال في معظم الدولة العربية المتجاورة.

أعود وأكرر أعتذاري للإطالة في موضوع دولة الإمارات وميزتها الفريدة في العالم العربي والإسلامي فالغرض ليس الإطناب والمديح وهي الدولة التي تستحق أكثر من هذا وإنما الغرض هو معرفة هذه الدولة وأبعادها الثقافية والإنسانية التي كانت هي المنطلق الذي أنطلق منه إقامة معرض "روائع بلاد الرافدين" الذي يتجسد في مجموعة القيم الراسخة التي ساهمت في إبقاء المجتمعات على تواصل مع بعضها البعض وعلى مدى الآف من السنين وهي القيم التي أدركها المغفور له الشيخ زايد بغريزته الفطرية أهمية هذه القيم التي شكلت رويته لدولة الإمارات العربية المتحدة الحديثة. ومثل هذه القيم الإنسانية النبيلة أنعكست بشكل واضح في تواصل حضارة بلاد الرافدين نحو المناطق الجنوبية وأثباتها بدلالات آثارية ومأثورات وآثار وجدت في جزيرة أم النار في أبو ظبي مما يتأكد على وصول إشعاعات الحضارات السومرية والبابلية والآشورية إلى هذه المناطق والتي ستتجسد هذه الإشعاعات كمقدمات لمتحف زايد الوطني الذي سيفتتح في العام 2014.

لست من المختصين في علم الآثار ولا في جغرافية البلدان لكي أفصل أكثر مما فصلت عن دولة الإمارات العربية ولكن السبب المهم في ذكر أهتمام هذه الدولة بالابعاد الإنسانية والحضارية للبابليين والآشوريين وتأثير ذلك في حضارة اليوم هو لغرض إثارة سؤال فيه نوع من الإستغراب والحيرة... فالعراق الذي يشكل في معظمه بلاد الرافدين وأقيمت على أرضه أعظم حضارات العالم يتنكر حكامه لهذا التراث العظيم ألذي تركه لنا البابليون والآشوريون... أليس عيباً وخزياً أن يتجاهل حكام العراق الحالي هذا التراث ويغفلوا وبقصد تكريس سطر أو سطرين في الكتيب الذي يسمى "دستور العراق" لذكر هذه الحضارات في ديباجته... أليس هذا إثبات بأن المتحكمين على مقدرات العراق ليس أصلهم من أصل هذه الحضارات الإنسانية... حقا قال المغفور له الشيخ زايد وكان كل الحق معه عندما قال "من ليس له ماضي ليس له حضار أو مستقبل". أليس عيباً وخزياً على المتحكمين على مقدرات العراق أن تكون مدن الحضارات السومرية والبابلية والآشورية كأور وبابل ونينوى وآشور خراباً وملجاً للحيوانات ومفتوحة الأبواب للصوص الآثار.... أليس عيباً وخزياً أن تذهب مليارات الدولارات إلى جيوب الحكام والسراق والحرامية ولا تستثمر على رفاهية شعب العراق ولا في إنماء حضارته العريقة وتطوير ثقافته ... أليس عيباً وخزياً على مثل هؤلاء الحكام أن يكون شعب أغنى بلد بالنفط في العالم بدون نفط ولا كهرباء ولا ماء.... ما أهمية الإنتخابات والديمقراطية والبرلمان والتعددية إذا كان شعب العراق يموت جوعاً وأهل الكثير من المدن بدون كهرباء وماء... عيب والله عيب. "طوز" – كما يقول المصريون – في النظام الذي لا يستطيع أن ينشر خيرات البلد على شعبه ويضمن أمنه وراحته وإستقراره ولا يهتم بثقافته وحضارته. وأخير أليس من حقنا أن نلعن حكام العراق ألف وألف لعنة على تجاهلهم وأهمالهم وتدميرهم لحضارة العراق... أليس من حقنا وكل الحق معنا أن نترحم بألف وألف رحمة على روح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأن نمجد كل التمجيد حكام دولة الإمارات العربية ليس فقط على تعميمهم نعمة الرفاهية على أبناء شعبهم والمقيمين الأجانب في هذه الدولة وإنما أيضاً على أهتمامهم الكبير بحضارة أجدادي البابليين والآشوريين... فألف وألف شكر لهم ولأهل الإمارات.          
  


282
آثار نينوى أو تاريخ تلكيف
كتاب للشماس يوسف هرمز جمُو يستحق القراءة والتقدير الكبير

                                                                                                                    أبرم شبيرا
توطئة:
قد يكون  القارئ مستغرباً بعض الشيء لتناول عرض كتاب سبق وأن نشر منذ أكثر من سبعة عقود ثم أعيد نشره بعد 56 سنة وتحديداً في عام 1993 وهي فترة طويلة حدثت فيها تغييرات كثيرة وتطورات كبيرة خاصة ما يهم أمتنا بمختلف مكوناتها الكلدانية والسريانية والآشورية والتي أثرت عميقاً في عقول وتوجهات الكثير منهم بحيث أمست متجاوزة للكثير من الحقائق الموضوعية خاصة المذكورة في هذا الكتاب الموثق بحقائق جغرافية وديموغرافية لا تقبل النفاش والإختلاف حولها كثيراً إلا في حدود المنطق الذي تسمح  الموضوعية بهذه الحقائق.

ولكي نخفف من هذا الإستغراب أو إزالته، أود أن أشير إلى ظاهرة ثقافية فكرية في مجتمعنا "الكلداني السرياني الآشوري" تعبر بشكل ما عن تخلف ثقافي وفكري تتمثل هذه الظاهرة في قلة صدور الكتب الخاصة بأمتنا في السنوات القليلة الماضية في مقارنة مع السنوات المنصرمة، لا بل والأكثر من هذا فقد تعلمنا من العرب عادة قبيحة وهي إننا قلمنا نقرأ كتاب ثقافي أو علمي أو سياسي يضيف إلى مداركنا معارف جديدة رغم إن الكثير منًا عاش ويعيش في المجتمعات الغربية منذ فترة طويلة ولم نتعلم منهم ظاهرة حب المطالعة والنهم في القراءة. بربكم ... هل شاهدتم يوماً عربياً، ولنكون أكثر قرباً، كلدانياً أو سريانياً أو آشورياً يقراْ كتاباً وهو جالس في القطار أو الباص أو يأكل في مطعم كما يفعل الكثير من الأوربيين والأمريكيين وغيرهم من شعوب المجتمعات الغربية المتقدمة؟ طبعاً الجواب هو بالنفي وحتى إذا صادف عكس ما نقوله فأن ذلك سيكون حدثاً غريباً لا بل تاريخياً. ولماذا نذهب بعيداً.... أنظروا إلى موقعنا الألكتروني "عنكاوه دوت كوم" أليس هو "ملتقى أبناء شعبنا كلداني آشوري سرياني"؟؟ ولكن لو قارنًا المواضيع التي تهم أمتنا مع المواضيع العامة الأخرى لنرى بأن نسبتها قليلة جداً وحتى هذا القليل ليس إلا مواضيع آنية خالية من عملية إغناء الفكر والثقافة التي من الممكن أن تفيدنا في دفع وعينا القومي نحو التوجهات الصحيحة في التنمية والتطور السياسي والفكري. واللوم طبعاً لا يقع على عنكاوه دوت كوم وإنما على المجتمع نفسه. فهذا الفقر الثقافي والفكري هو السبب الرئيسي الذي يدفعنا إلى أن نبحث في الرفوف العالية وفي زوايا مكتباتنا الفقيرة والمنسية عن كتاب أو موضوع يفيدنا في إنماء فكرنا ووعينا. وقد كنت محظوظاً عندما عثرت على هذا الكتاب في المكتبة الجانبية الصغيرة لأحدى الكنائس الكدانية الكاثوليكية في ديترويت في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء أعياد الميلاد ورأس السنة  الأخيرة وهو الكتاب الذي سمعت عنه كثيراً وكنت متلهفاً لإقتناءه وقراءته.
من الملاحظ بأن كاتب أو كاتبين قد أشار إلى هذا الكتاب وأعتمد عليه في بناء أفكاره وأراءه ولا أدري إذ كانت إشارته إلى هذا الكتاب بعد الإطلاع عليه مباشرة وقراءته أو إقتناء المعلومات منه بشكل غير مابشر ومن جهات أخرى، ولكن حتى هذه الإشارة لم يكن غرضها التحليل والتقيم للجهود التي بذلها الؤلف في تأليف هذا الكتاب والمغزى المستنتج منه بل كان الغرض منه توجيه التهم والنقد لبعض الأفكار التي جاءت في هذه الأيام مخالفة لما أورده الشماس يوسف هرمز جمًو في كتابه هذا.

نبذة عن مؤلف الكتاب:

يقول السيد يوسف ناظر في مقدمته عن الكتاب بأن الشماس يوسف هرمز جمو هو "وجه مشرق من وجوه الإعلام الكلدان الذين كرسوا جل حياتهم – إن لم يكن كلها – لخدمة شعبهم ووطنهم بحرص وتجرد ونكران ذات حتى وافاهم الأجل ليكونوا قدوة حسنة لنا وللأجيال القادمة ولكي لا يغيبوا عن ذاكرتنا بعد أن واراهم التراب، إعترافاً بجميلهم، طيب الله ثراهم... وهو أشرق وأعطر الوجوه التي إنجبتها الأمة الكلدانية في عصرنا الراهن.. فهذا الأبن البار للشعب الكلداني الذي بدأ حياته ملاحاً في السفن – الدوب – التجارية فوق مياه دجلة بين بغداد والبصرة دفعه طموحه الشخصي وعصاميته الفذة ومواهبه الفطرية إلى إقتحام الميدان الثقافي فأصبح مربياً فصحافيا فمؤلفاً فأستاذا لأبناء الأمراء، رحمة الله عليه... ص9.

هذا الإطراء الجميل للكاتب الشماس يوسف جمو الذي ولد في بلدة تكليف في 19.03.1892  لم يترك لنا الإستاذ يوسف ناظر مجالا للتفصيل في سعة مواهبه وقدراته، إلا أن نقول بأن الشماس يوسف لم تكن ظروفه الشخصية تؤهله للحصول على الشهادات الأكاديمية العالية، فبإصراره ومثابرته وإعتماده على قدراته الشخصية والتثقيف الذاتي أصبح فعلاً من أبرز كتاب الكلدان في زمانه. فبمجرد أن أستقرت الظروف المعيشية به في البصرة أخذ يبحث عن آفاق جديدة في عالم الثقافة والأدب والصحافة. ففي عام 1920 كان مراسلا لجريدة العراق وكتب العديد من المقالات في مجلة المقتطف المصرية. وفي عام 1924 أسس نادي التهذيب في البصرة وكان سكرتيرا له. ومن أبرز مآثره هو تأسيسه مطبعة الأمة، وهي اول مطبعة تؤسس في البصرة فأقام بإدارتها مع أصغر أخوته أحسن إدارة. كان أيضا من المساهمين النشطين في تأسيس مدرسة كلدانية سريانية في البصرة ومديراً لها، وخلال تلك الفترة نشط نشاطاً منقطع النظير في عقد إجتماعات ثقافية وسياسية وإلقاء المحاضرات ثم دخل المعترك السياسي فرشح نفسه لعضوية المجلس النيابي ممثلاً للمسيحيين إلا أنه لم يفز بالمقعد بحكم الظروف السياسية في تلك الفترة. غير أن هذا لم يثني عزيمته للإستمرار في معترك السياسة والثقافة، ففي عام 1934 حصل على إمتياز لإصدار جريدة يومية سياسية بأسم "صوت الشعب"، ويكفي أسم هذه الجريدة لتعبر عن مواقفه السياسية والوطنية فكان يشن حملات على الفساد الإداري والسياسي وتزوير الإنتخابات في تلك الفترة مما عرضه ذلك إلى مضايقات من أطراف رسمية وغير رسمية بحيث وصلت إلى درجة محاولة إغتياله عام 1937 بعد أن أغلقت صحيفته الجريئة من قبل السلطات الرسمية، وفي هذه الفترة تسنة له الفرصة والوقت ليؤلف كتابه هذا. ثم بعد أعادة إصدار الصحيفة وفتح المطبعة أعيدت غلق المطبعة والصحيفة عدة مرات إلى أن أضطر بيعها. كل هذا النشاط السياسي والثقافي لا يمكن أن نتجاهله وأن لا نربطه بحادث السيارة في 18.11.1965 الذي أودى بحياته  للحد من نشاطه السياسي والثقافي والقضاء عليه، وهو الأسلوب المعروف في تاريخ العراق السياسي في إغتيال الشخصيات البارزة المعارضة لفسادة السلطة. 

نبذة عن  أهم ماورد في الكتاب:
الكتاب طبع في مطبعة الأمة في بغداد عام 1937 وأعيد طبعه وتنقيحه وزيادته من قبل أبناء المولف طيبوا الذكر في المطبعة الشرقية في ميشيكن في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1993. يقع الكتاب في 140 صفحة من القطع المتوسط ويحتوي على إهداء المؤلف للكتاب إلى "الشبيبة النبيلة من أبناء مدينة تكليف فخر المدن المسيحية" ثم تقريظ الكتاب من قبل الأستاذ  يوسف غنيمة وزير المالية سابقاً فمقدمة المؤلف ثم كلمة عن المؤلف بعنوان "من روادنا الإعلام: يوسف هرمز جمو" للأستاذ يوسف ناظر، والتي سبق وأن نشرت في مجلة الرواد الصادرة في أميركا بعددها المؤرخ في تشرين الأول من سنة 1985. إضافة إلى ذلك يحتوي الكتاب على مجموعة من صور ورسوم عن شخصيات تلكيف وأهلها وعن ممارسة  تقاليدهم وتراثهم.
فهرسياً، الكتاب مقسم إلى قسمين، الأول يشمل على ستة فصول وهي تاريخ مدينة تلكيف وجغرافيتها، طبيعة أراضيها وآثارها الباقية، أصل المدينة، سكانها وخصائصهم، أخبار رجال تكليف ورؤسائها، أوضاعها الدينية، أشهر كهنتها وأدبائها وأخيراً الزواج والعادات الإجتماعية. أما القسم الثاني فيتضمن أهالي تكليف في الخارج وأسباب تنقلهم وهجرتهم، تاريخ الهجرة وأوضاع المهاجرين، الجالية التلكيفية في بغداد، تلكيف في عهدها الحالي وأخيرا ملحق الكتاب الذي يتحدث عن أهم شخصيات تكليف وهو الرئيس داود سيسي.

يظهر من مواضيع أقسام الكتاب تناول معالم ديموغرافية وجغرافية وأنثروبولوجية مهمة وشيقة قلما نراها في الكتب الأخرى. فالكثير منُا سمع عن تلكيف ولكن القليل يعرف عن أهلها وعاداتها وتراثها ومعالمها الجغرافية والتاريخية والأحداث والحوادت التي مرت عليها، لا بل الكثير من أبناء تلكليف نفسهم لا يعرفون عن مثل هذه المعالم التي تشكل جزء أساسي من وجودهم القومي والتراثي والفكري. صحيح أن الكثير من هذه المعالم والعادات  المختلفة لأهالي تكليف قد تتشارك أو تتشابه مع غيرها من أهالي القرى والقصبات الأخرى المنتشرة في سهل نينوى إلا أنها تبقى لها خصوصية معينة تصل إلى حدود يمكن من خلالها أن نميز التلكيفي عن الألقوشي أو التلسقوفي ..وهكذا. يقول المؤلف في المقدمة " تلكيف مدينة أو بلدة صغيرة في شمال العراق يسكنها الآن (وقت تأليف الكتاب) نحو عشرة آلاف من النفوس. وهي البلدة الوحيدة الباقية من آثار نينوى العظيمة في تلك البقعة. والذين هجروها من سكانها ويعيشون خارج بلدتهم هم أكثر من الذين فيها. وهم منتشرون في مدن العراق وغير العراق لكنهم لا زالوا ينتسبون إلى تلكيف حتى الذين هجروها منذ قرن أو أكثر فهي مسقط رأس آبائهم وأجدادهم وأغلبهم حافظ على لغتهم (سورث) وهي الأرامية الحديثة دخلتها كلمات كثيرة من اللغات العربية والكردية والتركية ولكن أهلها لا يتكلمون إلا بها مع إتقانهم لغات أخرى، وخاصة العربية". ص 7. ولكن الواقع غير ذلك إذ الكثير من أهل تلكيف الذين سكنوا في المدن الكبيرة سواء في العراق أم في المهجر، خاصة الأجيال الجديدة لم تعد تعرف الكثير عن بلدة أباءهم وأجدادهم ولا تتكلم غير العربية أو الأنكليزية، وهي الظاهرة التي أدركها المؤلف نفسه عندما ذكر ذلك في مقدمة الكتاب. واليوم يعتبر أهالي تكليف أقلية صغير في بلدتهم وذلك بسبب كثرة الهجرة إليها والإستقرار فيها من قبل الكثير من الطوائف المسيحية لكونها بلدة قريبة من مدينة الموصل وسهولة الوصول إلى القرى الأخرى المنتشرة في سهل نينوى ولا يضاهيها في هذه الأيام إلا بلدة عنكاوة في كثرة المهاجرين والمستقرين فيها.

وبخصوص أبناء بلدة تكليف والقرى العديدة المنتشرة في سهل نينوى يقول الشماس يوسف "يبلغ عدد الذين ينتسبون إلى بلدة تكليف نفسها نحو 30 ألفاً وليس هؤلاء فقط كل بقايا نينوى أنما هناك قرى عديدة في تلك البقعة أكثر سكانها هم من بقايا الشعب الآشوري.إنما أقتصرت على تاريخ تلكيف في هذا الكتاب لأنها البلدة الوحيدة الخالصة التي تمثل نينوى في بعض التقاليد الموروثة لأهالي تلك المدينة العظيمة... ص 7.
قيل "الكتاب تعرفه من عنوانه". هذا  القول ينطبق بحذافيره على هذا الكتاب والذي من عنوانه يعطي القارئ إشارات واضحة بأن تاريخ تكليف هو جزء من آثار نينوى وحتى الشعوب التي سكنت البلدات الأخرى في سهل نينوى ما هي إلا جزء أو ضواحي من نينوى فالكثير منها لها إمتدادات تاريخية طويلة تصل إلى ما قبل المسيحية، وهذا ما يؤكد الكاتب نفسه. في الفصل الأول من القسم الأول "تاريخ مدينة تلكيف" يقول " في سنة 612 قبل المسيح سقطت نينوى عاصمة مملكة آشور وفي سقوطها تلاشت آخر قوة للشعب الآشوري الذي شيد إمبراطورية عظيمة حكمت العالم المعروف في ذلك الزمن مدة ستة قون. وبعد سقوط نينوى عاصمة الآشوريين قلما يذكر التاريخ عن ذلك الشعب الباسل الذي كانت فرائص الجبابرة في العالم ترتعد فزعا من مجرد ذكر إسمه، او ذكر أسم الجنود الآشوريين. فقد آلت تلك الإمبراطورية إلى الدمار وأصبح مابقى من آشور عبارة عن ولاية أو أمة ضمن الأمم التي حكمتها الإمبراطورية الفارسية، ولم يرد أسم الجنود الآشوريين إلا نادر. وقد ذكرهم هيرودتس في تاريخه عن ذكر الحرب بين الفرس واليونان حينما وصف أبطال آشور الذين حاربوا تحت راية الفرس، بأزيائهم المهيبة وأسلحتهم البديعة وخوذهم الجميل. وما عدا هذا الخبر الذي جاء عرضا في تاريخ المؤرخ اليوناني لم يرد ذكر الآشوريين في سالف الأزمنة. وكان سقوط نينوى أمراً عظيماً لم يحدث مثله في تاريخ العالم فهو عبارة عن إنهيار حصون إمبراطورية معظمة تغير بسقوطها وجه البسيطة وأتجه التاريخ على أثرها إتجاها جديداً... ص 19. وهنا أود أن أشير بالتمام والكمال إلى ما ذكره هيرودتس في كتابه "التاريخ" بخصوص جنود الآشوريين بعد سقوط إمبراطوريتهم بحدود ثلاثة قرون حيث يوصف ملابس الجنود الآشوريين الحربية الذين كانوا من ضمن جيش داريوس الفارسي إذ يقول "ذهب الآشوريون إلى الحرب وهم يضعون خوذة مصنوعة من النحاس لها ضفيرة بأسلوب غريب يصعب وصفه وكانوا يحملون الدروع والرماح والخناجر… أضافة إلى ذلك كانوا لهم هراوات لها رؤوس حديدية ورباط من القطن ... هذا الشعب الذي يلطق عليه الإغريق أسم سريانس Syrians فإن البرابرة  - ويقصد الشعوب غير الإغريقية – يطلق عليه أسم أسريانس Assyrians .." ص 146 من كتاب تاريخ هيرودتس ترجمة العلامة جورج رولنسون – المجلد ، المملكة المتحدة، ط 5 لسنة 1924. ومن الجدير بالذكر إن وصف هيرودتس لجنود الجيش الآشوري يعني بأنه كان هناك دويلات، صغيرة كانت أم كبيرة، متحالفة أو تابعة للأمبراطورية الفارسية تملك جيوش حاربت إلى جانب جيش داريوس ضد الإغريق. وليس هذا فحسب فهناك العشرات من المراجع التاريخية التي تشير إلى الآشوريين بعد سقوط إمبراطورتهم وليس لنا مجالاً لذكرها تجنباً للإطالة والخروج عن موضوعنا الأساسي. 

أما بخصوص أسم المدينة فيقول الشماس يوسف : "المدينة ضاحية من ضواحي نينوى كما سيجئ وأسمها مأخود بعد ذلك من أسم التل الذي اختطت المدينة بجانبه والتل المذكور حصن قديم شيد أيام دولة آشور كباقي الحصون التي كانت تشاد دفاعا عن العاصمة نينوى. وهو إصطناعي كانت جوانبه مرصوفة بحجارة ضخمة فسمي تل كيف أو "تلكيبا". و"كيبا" بالياء الفارسية بمعنى الحجارة كما يقال تل عفر، أي تل التراب، وتل "يمشه" أي تل البحيرة ونحو ذلك – ص20. وفي مكان آخر يؤكد الكاتب بأن تلكيف كانت قلعة من قلاع نينوى فيقول "إذا كانت قرية نمرود وسلامية، كما يقول العلامة لايادر عباة عن محلتين ضمن نينوى... فلا يمكن حسبان نينوى إلا أن تكون تلكيف من مشتملاتها". ص21.

المغزى التاريخي والقومي للكتاب:
الربط التاريخي القومي الذي يربطه الكاتب بين أهل تلكيف والقرى الأخرى المنتشرة في سهل نينوى بالآشوريين القدامى يترك أهمية لها أكثر من مغزى قومي في فهم الوجود القومي لأهالي هذه البلدات العريقة التي لها تاريخ يمتد أبعد من تاريخ المسيحية. وحتى لا ندخل في متاهات التسميات القومية المنتشرة في هذه الإيام والأصول الثقافية والتراثية والإختلاقات الشكلية والسياسية بين أهالي هذه المناطق، وحتى نكون أكثر منطقيين وموضوعيين فإننا يجب أن نعالج هذا الموضوع مجردين من كل التوجهات والإنتماءات السياسية لهذه الفئة أو تلك. كما يجب أن نعالج موضوع من خلال إستنتاج المغزى القومي والسياسي لهذا الكتاب منطلقين من ظروف المرحلة التي عاش فيها الكاتب وليس من ظروف مرحلتنا الحالية، ويمكن إستخلاص المغزى القومي والسياسي لهذا الكتاب بما يلي:

1.   الكتاب صدر عام 1937، وهي الفترة التي كانت المسألة الآشورية، خاصة بعد مذبحة سميل في آب 1933 قد طغت على السطح السياسي العراقي وتركت إنطباعات ونتائج سلبية جداً على الآشوريين وتحديداً على أتباع كنيسة المشرق المعروفة حينذاك بـ "النسطورية" خاصة بعد نفي بطريرك كنيسة المشرق، المثلث الرحمات مار شمعون إيشاي من قبل السلطات العراقية إلى خارج العراق وتجريده من الجنسية العراقية والذي أرتبطت الحركة القومية الآشورية في تلك الفترة بأسمه. ففي تلك الفترة ساد هلع بين معظم الطوائف المسيحية من التدخل في المسائل السياسية أو المطالبة بحقوق قومية أو سياسية خوفاً من النتائج المدمرة التي قد تصيبهم من جراء هذه المطالبة كما أصابت الآشوريين من أبناء طائفة كنيسة المشرق. فالبرقيات والرسائل التي كانت تنهال على الحكومة العراقية حينذاك إستنكاراً بالحركة القومية الآشورية والمطالب القومية التي طالبوا بها وتأييداً للحكومة في قمع حركة الآشوريين لم تكن صادرة  فقط من غير أبناء طائفة المشرق بل أيضا من بعض أساقفة هذه الطائفة ورؤساء عشائرها. فالموضوع الذي كان يثير غضب وهيجات السلطات العراقية حينذاك ومؤرخيها وكتابها هو الربط التاريخي القومي الذي كان يربطه الآشوريون الثائرون حينذاك بالآشوريين القدامى وبالدولة الآشورية القديمة. في حين نرى عظمة وشجاعة الشماس يوسف جمو تتجاوز هذا الخوف من دون أي تردد أو مجاملة إلى حدود أبعد عندما ربط أصل أهل تكليف والقرى المسيحية الأخرى المنتشرة في سهل نينوى بالآشوريين القدامي. ولا نشك إطلاقاً بأن الشماس يوسف جمو، وهو ناشطاً سياسياً وعلماً من أعلام الثقافة والصحافة، في كونه ملماً بالحياة الساسية حينذاك وبكل مجريات الأمور التي كانت تعصف بالعراق ومنها المسألة الآشورية التي كانت قد طغت على سطح الساحة السياسية العراقية وأنه كان مدركاً كل الإدراك بما كان يكتبه ويؤمن به.  كل هذا يعكس مدى "ثورية" هذا الكاتب وعدم خشيته من إستبداد السلطات حينذاك. وهي شجاعة لا يضاهيه فيها إلا المفكر والكاتب يوسف ماليك والذي كان هو أيضا من أبناء تلكيف الذي كتب وعمل الكثير في هذا المجال ومنها كتابه المشهور "خيانة بريطانيا للآشوريين".
2.    كما سبق وأن ذكرنا في أعلاه بأن الكتاب أعيد نشره في عام 1993 من قبل أبناء المؤلف الطيبوا الذكر في مدينة ميشكين في الولايات المتحدة والتي تجمع أكبر جالية في المهجر من تكليف والقرى الكلدانية الأخرى. قد يكون لإعادة نشر الكتاب مغزى شخصي نابع من إعتزاز الأبناء بمنجزات وشجاعة والمكانة السامية للأب في المجتمع وهو حق مشروع لكل إنسان. كذلك قد يكون الحنين إلى بلدة الأباء والأجداد حافز آخر على إعادة نشر الكتاب وتعميم تراث تلكيف وتاريخها وثقافتها بين أبناء أمتنا. فالإنسان بطبيعته يحن إلى مسقط رأسه ويستمتع في إسترجاع ذكراته فيه. ولكن من جانب آخر نرى بأن اعادة نشر الكتاب يأتي في مرحلة يتصاعد فيها الوعي الكلداني القومي والدعوة إلى النهضة الكلدانية القومية بعيداً عن الطائفية والكنيسة قائمة على إستقلال قومي للكلدانية لها خصائصها القومية المتميزة. لا بل والأكثر من هذا ففي السنوات القليلة الماضية نشأت أحزاب سياسية وتجماعات كلدانية تطالب بحقوق سياسية وقومية خاصة بالكلدان وترفض أن تشارك سواء في التسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريين" لأمتنا أو في الحقوق القومية أوفي الإقرار الرسمي للتسمية المركبة من قبل برلمان إقليم كردستان العراق وتعتمد على تاريخ الكلدانيين القدماء ووجودهم الحضاري كأساس لدعواتهم القومية المستقلة عن الآشورية والسريانية. إن مثل هذه الدعوات حق مشروع لكل إنسان وأن يسمي نفسه بما يشاء ويسند وجوده القومي إلى حضارة أو شعب معين فلا حق لأحد أن ينكره أو ينفيه ولكن بالمقابل يجب أن تكون هذه الدعوات قائمة على موضوعية وعلى أسس تاريخية وواقعية. فكتاب الشماس يوسف جمو يقوم على مثل هذه الحقائق التاريخية والواقعية التي تثبت إنتماء أبناء تكليف والقرى المسيحية الأخرى في سهل نينوى إلى الحضارة الآشورية. فالحقيقة الموضوعية التي لا تقبل الشك والجدال هي أن تكليف وبقية بلدات سهل نينوى كانت جزء ومكون أساسي للدولة الآشورية وكان أبناؤها يشكلون جزء من شعب هذه الدولة منذ تلك الأيام ولا يزال يشكلون جزء أساسي من المكون الجغرافي والديموغرافي لبلاد آشور. قد نختلف حول تسمية لغتنا فيما إذا كانت أرامية أم آشورية أم كلدانية أم سريانية ولكن لا يمكن لأحد إطلاقاً أن يقول بأن تلكيف تقع في وسط أو جنوب العراق بينما هي تقع في قلب مدينة نينوى، والحال نفسه مع بقية بلدات سهل نينوى التي يقطها غالبية كلدانية منذ أقدم الأزمنة. ففيضان نهر دجلة وروافده وتدمير نينوى وغزوها من قبل الغرباء كل هذا لم يغير من حقيقة وجود هذه البلدات في قلب آشور منذ أقدم الأزمنة ولحد هذا اليوم. هذه الحقيقة الموضوعية التاريخية هي التي تجعلنا أن نقول بأن أهل تكليف وبقية البلدات هم آشوريون أكثر من أهل حكاري وأرومي وطور عبدين لأن هناك عامل موضوعي صلد يقوم على الجغرافيا ويقع في قلب آشور وليس في الحواشي يؤكد هذه الحقيقة خاصة عندما تقر هذه الحقيقة من قبل شخص يعتبر من أبرز كتاب الكلدان الذي له صولات وجولات في مجال السياسة والثقافة والتاريخ. فالجغرافيا أصبحت اليوم كما كانت في السابق عاملاً مهماً في تحديد هوية شعب ما رغم تشابه بقية العوامل الفكرية والذاتية كاللغة والعادات مع شعب أو شعوب أخرى. فالمكسيكي يثور غضباً عندما يوصف بأنه إسباني اللغة والعادات والإنتماء بل هو مكسيكي من المكسيك وهكذا الحال مع الأرجنتين وبقية دول أميركا اللاتينية. والحال نوع ما يشبه حال العرب، فبالرغم من وحدة اللغة والدين والتقاليد والتاريخ إلا إن الأرض والأدق الحدود الجغرافية الإقليمية تجعل من العراقي مختلف في تطلعاته السياسية القومية عن المغربي وهكذا مع بقية الأقطار العربية تبقى هذه االحدود الإقليمة الصلدة عامل إساسي في عدم التوحد السياسي القومي. ولو حاولنا إستقراء تاريخ الإمبراطوريتن الآشورية والكلدانية نرى بأن الجغرافيا لم يكن له أثراً في عقلية ملوكهم بل كانوا عالميوا النظرة لأراضي إمبراطوريتهم وكانت سياسة ترحيل الشعوب ونقلهم من أوطانهم تطبيقاً لهذه العقلية. واليوم يظهر بأن أصحاب دعوة النهضة الكلدانية قد ورثوا عن أجدادهم هذه الخصلة في عدم إعطاء أية أهمية للجغرافيا في تحديد هوية الشعوب خاصة عندما تكون الجغرافيا مرتبطة بتواجد يمتد من أعماق التاريخ إلى يومنا هذا وببقية المقومات الفكرية والذاتية لوجودهم القومي. من هذا المنطلق نقول بأنه حتى تكون الدعوات الكلدانية القومية دعوات منطقية وموضوعية يجب أن تنطلق من الموضوع والمنطق في فهم الواقع والجغرافيا والتاريخ لكي تكتسب مشروعية مقبولة من غالبية الكلدان وغيرهم. إن أقرار الشماس يوسف جمو في كون تكليف والبلدات الأخرى  في سهل نينوى وأهاليها جزء من الدولة الآشورية وشعبها لم يغير من شيء في أن بقى هو كلدانياً ومن أبرز مثقفيها وسياسييها في تلك الفترة لا بل وأن ينجب أبناء يعتبرون في هذا اليوم من الشخصيات الكلدانية البارزة في مجتمعنا.

أن التنوع الحضاري والفكري هو إغناء فكرياً وقومياً وسياسياً للأمة إذا نظرنا إليه بنظرة منفتحة وحضارية وتبقى التنظيمات التي تمثلها أكثر تقدماً وإزدهاراً. والعكس صحيح أيضا فإذا نظرنا إلى هذا التنوع بنظرة ضيقة مغلقة فهو إفقار فكري وقومي وسياسي للأمة وتبقى التنظيمات التي تمثلها أكثر إنغلاقاً وتأخراً. فالواقع القومي السياسي لأمتنا يؤكد هذه الحقيقة. فالإنتخابات في العراق سواء في أقليم كردستان أم في عموم العراق معيار بسيط في هذا السياق. فالتنظيمات التي أستمدت وجودها من التنوع الحضاري الكلداني السرياني الآشوري هي أكثر شعبية وإنتشاراً وأكثر إستجابة لعقلية وطموحات أبناء شعبنا من التنظيمات المنغلقة على الآشورية أو الكلدانية التي حشرت نفسها في زاوية ضيقة تحد من حركتها وتعجز عن الإنتشار والتقدم وبالتالي تبقى تراوغ في مكانها وتنشط على الأوراق والمواقع الألكترونية عاجزة عن تمتلك مقومات الحركة على الواقع العملي.
هناك مثل يقول "الصانع المهمل يلقي باللائمة على أداوته" واللبيب يكفيه إشارة أو كلمة لا مثل أو بيت قصيدة أو خطاب طويل لفهم الحقيقة.   

283

الحماية الدولية للمسيحيين العراقيين ... نعمة أم نقمة ؟؟؟

                                                                                                                أبرم شبيرا
أسئلة معقولة في زمن غير معقول:
بعد أن فقد المسيحيون في العراق الأمن والسلام والإستقرار، وبعد أن عجزت الحكومة العراقية وأي جهة أخرى من توفير الحماية اللازمة والضامنة لإستمرار حياتهم في العراق بشكل طبيعي تطرح  اليوم أسئلة تصبح في الزمن غير المعقول أسئلة معقولة  لا بل مقبولة أيضاً. هذا الزمن غير المعقول الذي يصبح فيه أبن الوطن الأصيل غريباً ومنبوذاً... هذا الزمن غير المعقول الذي جعل من أغنى بلد بالبترول في العالم أن يقف أبناؤه ساعات طوال وفي طوابير طويل من أجل الحصول على بضعة ليترات من البترول ... هذا الزمن غير المعقول الذي يجعل أبناء البلد ذو النهرين العظيمين عطاشا، هذا الزمن الذي جعل من أبناءه ألأصلاء محشورين في معضلة الخيار بين شرين أحلاهم مًر ... هذا الزمن الذي دفعنا أن نبحث في موضوع الحماية الدولية للمسيحيين العراقين ونتساءل فيما إذا سيكون ذلك نعمة عليهم تسترد أمنهم وسلامتهم في وطنهم الأم أم سيثير ذلك هيجان وغضب الحكومة العراقية والقوى السياسية الأخرى ويزيد الإرهابيون إرهاباً وقتلاً بالمسيحيين في العراق؟ أسئلة وأسئلة فرض عليها الظرف الحالي أن تطرح وتناقش.

معضلة  المسيحيين العراقيين:
المعظلة، وبالإنكليزية (Dilemma) تعني إكراه الشخص على إختيار واحد من خيارين وكلاهما صعب وفي غير مصلحته، أو كما يقال أحلاهم مُر. فمعضلة المسيحيين العراقيين في هذه الأيام هي إنجبارهم على مواجه خيارين لا يكفي أن نصف أي منهما بالصعب بل بالمهلك. فأمامهم أما خيار البقاء على أرض الوطن وتحمل الإرهاب ونتائجه المدمرة أو الهجرة إلى المجهول. يقال بأن ما يدفع المرء إلى المُر هو الأمرً منه. تفيد الإحصائيات الدولية بأن نسبة المسيحيين في العراق لا تزيد عن أربعة بالمائة ولكن نسبة المهجرين منهم، داخليا وخارجياً، مقارنة ببقية العراقيين تزيد عن أربعين بالمائة (المصدر: نشرة أخبار بي بي سي البريطانية ليوم 07.01.2011) مما يعني إن إختيار المسيحيين لخيار الهجرة رغم مرارته، خاصة في الظروف الحالية الصعبة، هو أقل مرارة من مواجهة نتائج الإرهاب المدمرة والفانية للحياة، فحال المقتلعين والمطرودين من بيوتهم في المناطق الجنوبية والوسطى والإحتماء في المنطقة الشمالية، كما وإن المهجرين إلى تركيا وسوريا والأردن والدول الغربية كلها حقائق واقعية تثبت ما ذهبنا إليه. من هنا يمكن القول بأن إختيار مسلك الهجرة وفي ظل الظروف المأساوية التي تسحق المسيحيين في العراق سحقاً يصبح أمراً غير مستغرباً في ظل غياب الأمن والسلام والإستقرار. فالعيش بأمن وسلام هما من سًنة حياة الإنسان، وهي السًنة التي تدفع بالإنسان للبحث واللجوء إلى أي مكان من العالم يوفر له عناصر البقاء والعيش. لذا يمكن القول بأن المكان الذي يستطيع أن يوفر الأمن والسلام للإنسان يصبح هو الوطن بالنسبة له. أما المكان أو الوطن الذي لا يستطيع أن يوفر لأبناءه مثل هذه العناصر في العيش فأن مسألة الإنتماء إلى أرض الأباء والأجداد تتراخى تدريجياً وبمرور الزمن تفقد أهميتها في المهجر وتتحول إلى الرومانسية في الشعر والأدب والموسقى بعيداً عن الواقعية.
ولكن على الجانب الآخر نرى بأنه لا توجد أية جهة سواء أكانت عراقية حكومية أم مدنية ، مسيحية أم غير مسيحية، دولية أم إقليمية تؤيد هجرة المسيحيين من العراق بشكل علني وفصيح، رغم وجود مؤمرات وخطط إرهابية تسعى إلى تفريغ العراق من المسحيين سواء قتلاً أو تهجيراً لغرض إقامة دولة الإسلام، مثلما كان يفعل العثمانيون بالمسيحيين قبيل الحرب الكونية الأولى وأثناءها. من هنا نقول طالما الحكومة العراقية لا تستطيع توفير الحماية اللازمة للمسيحيين من جهة وترفض هجرتهم إلى أماكن أكثر أمناً وإستقراراً من جهة أخرى، إذن موضوع الحماية الدولية للمسيحيين العراقيين أو تدويل قضيتهم تصبح مسألة مشروعة للطرح والمناقشة.     

دعوات الحماية الدولية للمسيحيين العراقيين:

أكتسب موضوع الحماية الدولية أو الأجنبية للأقليات في بلدان الشرق الأوسط وتحديداً المسيحيين منهم سمعة  تاريخية سيئة للغاية وذلك بسبب إستغلال هذا الموضوع من قبل الدول الكبرى كحجة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ولإغراض تحقيق مصالحهم الخاصة ومطامعهم الإستعمارية. فقبيل الحرب الكونية الأولى أستغلت بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية هذا الموضوع كمعبر للتدخل في شؤون الدول العثمانية حتى تمكنوا من تفتيتها وتحقيق مطامعهم الإستعمارية من دون أن يتحقق للأقليات المسيحية من أتباع هذه الإمبراطورية شيء يضمن لهم أمنهم وإستقلاهم، بإستثناء قليل في لبنان. ويعتبر إستغلال بريطانيا للمسألة الآشورية في العراقية بعد الحرب العالمية الأولى نموذجاً واضحاً في هذا السياق، فأرشيف دائرة الوثائق العامة البريطانية في لندن زاخر بوثائق ومراسلات وتصريحات تخص موضوع حماية الآشوريين المسيحيين وضمان حقوقهم وتحقيق مطالبهم غير أنهم لم يحصلوا من كل هذه الضمانات الكاذبة في حمايتهم إلا مزيدا من المأساة والمعاناة.
 
أفرزت الظروف المأساوية منذ نهاية الحرب الكوية الأولى التي مر بها المسيحيون في العراق دعوات  لحمايتهم دولياً وطرحت عدة مشاريع لإسكانهم في مناطق محددة وخاصة بهم كوسيلة لتخليصهم من الظلم والإستبداد وسؤ المعاملة التي فرضت عليهم سواء من الحكومات المتعاقبة على السلطة في العراق أم من قبل القوى التي تحكمت على مقدرات العراق السياسية وكانت في البداية تتركز هذه الحماية أو المشاريع على قسم من المسيحيين العراقيين وهم الآشوريون من أبتاع كنيسة المشرق، حيث طرحت عدة مشاريع دولية لإسكانهم في مناطق من شمال العراق وكانت عصبة الأمم قد تبنت في حينها مسألة تسوية القضية الآشورية وتمويلها غير أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل بعد أن ضربت بريطانيا بجميع وعودها عرض الحائط. وبعد الحرب العالمية الثانية طرح أيضا مشروع دولي لإسكان الآشوريين في مناطق أخرى من العالم وبرعاية الأمم المتحدة وكانت البرازيل أحدى هذه الدول غير أن المشروع رفضه الآشوريون رفضاً قاطعاً وخاصة زعيمهم القومي والروحي المثلث الرحمات مار شمعون الثالث عشر بطريرك كنيسة المشرق حينذاك حيث قال كلمته الرافضة المشهورة " لقد قاتل شعبي وقدم الكثير من التضحيات وعانى اقسى معاناة من أجل تربة وطنه وليس من أجل الهجرة إلى مناطق أخرى".

بعد إستقرار نسبي دام حتى بداية العقد الأخير من القرن الماضي، عادت الظروف المأساوية  والمتوترة لتدفع بالمسيحيين العراقيين إلى أوضاع أعيدت مرة أخرى طرح أفكار ودعوات الحماية الدولية للمسحيين العراقيين. وقبل ختام العقد الأخير من القرن الماضي، وأثناء إنتهاء أعمال المؤتمر الثاني للجبهة السريانية الثقافية الذي أنعقد في بيروت في  شهر مايس من عام  1998 صدر بيان ختامي يدعو إلى تخصيص منطقة خاصة بالمسيحيين في شمال العراق وتوفير الحماية الدولية لهم سواء من دول الحلفاء التي طردت نظام صدام من الكويت أو من قبل الأمم المتحدة أسوة بالحماية الدولية التي وفرت للكورد في عام 1992 وأصبحت منطقتهم خارج نطاق حكم بغداد. وكانت هذه الدعوة كرد فعل للإعتداءات والإغتيالات التي كان يتعرض لها الآشوريون المسيحيون في شمال العراق على يد بعض العناصر الكوردية المتطرفة. غير أن مثل هذه الدعوة لقيت أيضا إستهجاناً ورفضاً أوتحفظأ وذلك إما بسبب عدم واقعية مثل هذا الطرح من جهة أو بسب الخوف والخشية من قيام نظام البعث في بغداد بردود فعل عنيفة ضد المسيحيين وتشديد الخناق عليهم.
واليوم وفي ظل الظروف المأساوية التي يعانيها المسيحيون في العراق، خاصة بعد مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد وما أعقبلها من هجموم على بيوت المسيحيين وقتل أعداد منهم، تطرح بعض دعوات الحماية الدولية للمسيحيين العراقين من جهات غير رسمية يشوبها نوع من الخشية والخجل ولكن أكثر هذه الدعوات صراحة ووضوحاً كانت الرسالة المشتركة التي وجهتها كل من أيطاليا وفرنسا وبولندا والمجر بتاريخ 08.01.2011 إلى السيدة كاثرين أشتون الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي تطالب فيها بإدراج مسألة إضطهاد المسيحيين في الشرق الأوسط في جدول أعمال قمة مجلس وزراء الإتحاد الأوروبي المزمع عقده في نهاية الشهر الجاري، مؤكدين بأن الإتحاد الأوربي لا يمكن أن يبقى غير مبال بما حدث في الأشهر القليلة الماضية وإن إجراءات ملموسة يجب أن تتخذ بشأن حماية المسيحيين في العراق ومصر. لا بل كان وزير الخارجية الإيطالي أكثر وضوحاً عندما ذكر بأنه يجب عدم مساعدة الدول التي لا تستطيع حماية مواطنيها من المسيحيين.  ثم جاءت دعوة بابا الفاتيكان بضرورة حماية المسيحيين في الشرق الأوسط والتي أثارت غضب وهيجان جهات عربية عديدة منها مصر التي أستدعت سفيرها في الفاتيكان للحضور إلى مصر إحتجاجاً على تصريحات البابا. وكانت دعوة السيد وليام وردا رئيس منظمة حمورابي لحقوق الإنسان في العراق آخر هذه الدعوات وأكثر صراحة حين طالب في مقابلة مع جريددة إيلاف الألكترونية (ألإثنين 10.01.2011) حماية الأمم المتحدة للمسيحيين في العراق.

عجز الحكومات ورد الفعل تجاه الحماية الدولية:
لا شك فيه بأنه بسبب الخلفية التاريخية السيئة لدعوات أو مشاريع الحماية الدولية للأقليات المسيحية في الشرق الأوسط، تركت إنطباعاً سيئاً وردود سلبية غاضبة تجاه هذه الدعوات والمشاريع سواء من جهات حكومية رسمية أو قوى سياسية أخرى. وجميع هذه الردود الرافضة للحماية الدولية للمسيحيين تستند على أنه تدخل في الشؤون الداخلية وإنتهاك لسيادة الدولة وإعتبار حماية أمن وسلامة مواطنيها من المسيحيين شأناً داخلياً وليس دولياً. ولو حاولنا معرفة الدوافع الحقيقية النفسية والسياسية في رفض الحماية الدولية للمسيحيين من قبل رجال الحكم في الدول العربية الإسلامية التي يضطهد فيها المسيحيين نرى بأنها نابعة من الحساسية المفرطة في موضوع السيادة والمبالغة إلى درجة إنتهاك أبسط حقوق الإنسان من جهة، ومن الترسبات الماضية المتعلقة سواء بمفهوم الإستعمار أو الإحتلال الأجنبي من جهة ثانية، أو تأتي كغطاء لتغطية عجز هذه الحكومات في حماية المسيحيين في أوطانهم من جهة ثالثة وإستظهار كأنها فعلاً قادرة على حماية جميع مواطنيها من دون الحاجة إلى حماية خارجية والتي تعتبرها إهانة سياسية تحط من هيبة وكبرياء الحكومة في قدرتها على القيام بأهم واجباتها وهي حماية مواطنيها. فلو أخذنا العراق نرى بأن حكومتها هي نفسها غير قادرة على حماية نفسها وموظفيها فكيف والحال مع حماية المواطنين العادين وخاصة الطرف المختلف الآخر، ففاقد الشيء لا يعطيه، كما يقول المثل. فكيف توفر الحكومة الحماية للمسيحيين الذين لا حول لهم ولا قوة في الوقت الذي لا تسطيع الحكومة وأعضاءها العيش بحياة طبيعية من غير أن يكونو محاطين بأسوار بشرية تحميهم من نيران الإرهابين والتي هي أيضا غير مجدية في كثير من الأحيان. كما إن عقدة التدخل الخارجي في الشأن الداخلي مرتبطة بعقلية معظم الماسكين على زمام الحكم في العراق وتتحكم في سلوكهم بشكل سلبي لأنهم جمعيهم لم يتمكنوا من إزاحة النظام الدكتاتوري البعثي في العراق الذي فتك بهم وبالشعب العراقي طيلة أكثر من ثلاثة عقود إلا بالتدخل الأمريكي وإسقاط الصنم ومن ثم تربعهم على الحكم في العراق بفعل الدبابات الأمريكية. فهؤلاء يدركون كل الإدراك قابلية التدخل الإجنبي وإحداث التغيير، فخوفاً على أن ينقلب السحر على الساحر فأنهم يرفضون التدخل الأجنبي في مسألة حماية المسيحيين. والحالة في غير العراق من الدول العربية التي يعاني المسيحيون فيها الإضطهاد والتفرقة لا تختلف من حيث الجوهر حيث بقاءهم في السلطة مرتبط بشكل أو بآخر بمدى تناغهما وتناسقها مع مصالح الدول الكبرى. وأكثر وضوحاً لمدى خوف التدخل الخارجي في حماية المسيحيين يتجلى في تصريح ناطق بأسم وزارة الخارجية المصرية السيد حسام زكي في السابع من هذا الشهر على أثر أعلان بعض وزراء المجموعة الأوروبية ضرورة بحث موضوع حماية المسيحيين في المجلس الوزاري للإتحاد الأوروبي، إذ يقول زكي "أن مصر ترفض مثل هذه الدعاوي شكلاً وموضوعاً وأن مصر ستتصدى لها بكل قوة لأنها تزيد الفتنة وتوسعها وتؤججها" وإن مصر أقترحت على الجامعة العربية أن تناقش القمة العربية الإقتصادية في شرم الشيخ دعوات لتدويل أوضاع المسيحيين "العرب" بعد الإعتداءات عليهم في العراق ومصر. والأنكى من كل هذا يأتي تصريح السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية أثناء زيارته للعراق وتحديداً لكنيسة سيدة النجاة في بغداد بأن الجامعة العربية سوف تقوم بـ "الواجب" تجاه حماية المسحيين من دون أن يبين كيفية القيام بهذا الواجب والجميع يعرف بأن الجامعة العربية هي أضعف منظمة أقليمية في العالم. ومن المحتمل أن يناقش موضوع حماية المسيحيين في مؤتمر القمة العربية في بغداد المزمع عقده في شهر آذار القادم من هذا العام.
أما بالنسبة للحكومة العراقية و "مشاريعها" في حماية المسيحيين فهي لا تتجاوز حدود الكلام والتصريحات وردود فعل للمجازر التي أرتكبت بحقهم. صحيح أن هذه المجازر تعتبر كارثة ومصدر للهلع والخوف لكن مثل هذه التصريحات الفارغة والمعالجات العقيمة والأساليب "الدونكوشية" في تناولها للحيلولة دون وقوعها والإستقراء الخاطئ لأسبابها والطروحات الإستهلاكية في معالجتها هي الأكثر هلعاً وخوفاً لأنها بالتأكيد لا تضع اليد على الجرح بل سوف تزيده نزفاً وتدميراً. وطروحات تشكيل مجلس حماية المسيحيين وربطه برئاسة الجمهورية في العراق نموذجاً حديثاً لمعالجة عقيمة ومبتورة في هذا السياق. فمهما قيل عن تكريم رئيس جمهورية مصر السيد حسني مبارك للدكتور المبدع  السير مجدي يعقوب، القبطي المسيحي أرقى وسام مصري في كونه تكريماً وتقدير للكفاءة العالية والخدمة الممتازة التي قدمها لمرضى القلب في العالم فإن هذا التكريم يأتي في وقت ليظهر كمعالجة باهتة وخادعة للإنقسام الحاد في المجتمع المصري وللعمليات الأرهابية التي تطال الأقباط في مصر.
 
 جميع الحكومات المعنية ترفض لا بل تستكر الحماية الدولية للمسيحيين وتدويل قضيتهم في العراق ومصر مؤكدة بأنها سوف تخلق رد فعل وبالتالي ستزيد من إرهاب الأرهابين ضد المسيحيين. هذا الإدعاء لم يتأكد أو يثبت بعد ولم ينفذ لحد هذا اليوم أي مشروع في الحماية الدولية للمسيحيين لكي نجزم تزايد الأرهاب ضد المسيحيين، لكن من المؤكد والواضح بأن معظم تصريحات رجال الحكم في القضاء على الأرهاب وحماية المسيحيين هي التي أفرزت ردود فعل قوية لدى الإرهابين وزادوا من أرهابهم إرهاباً ضد المسحيين ولم يقل أو يتوقف عند حدود هذه التصريحات التي هي معروفة  لدى الإرهابين بأنها "كلام فارغ" أكثر مما هي معروفة لدى المواطن العراقي العادي. فالعمليات الإجرامية التي أرتكبها الإرهابيون بحق المسيحيين بعد مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد وحادث القطار في مصر بعد مجزرة كنيسة القديسين يثبتا ذلك، ودلائل الوضع القائم تشير بأن العمليات الإرهابية ضد المسيحيين ستزيد عنفاً وقوة رغم كثرة تصريحات وإجراءات الحكومة العراقية فيما يخص حماية المسيحيين طالما الحكومة تتنصل عن المعالجات الجذرية للمسألة وقلعها من جذورها. 

نوعية الحماية الدولية للمسيحيين ومسؤولية الحكومات:

 يتخوف الكثير من طرح أو قبول موضوع الحماية الدولية للمسيحيين بسبب تصورهم بأن مثل هذه الحماية ستكون عن طريق التدخل العسكري للقضاء على الإرهاب وفرض القوانين والإجراءات الخاصة في حماية المسيحيين. هذا الأسلوب الكولنيالي لم يعد له مكان في عالم اليوم، العالم الذي أصبح قرية صغيرة بفعل الثورة التقنية في وسائل الإتصالات والإعلام والتأثير متجاوزة كل الحدود السيادية التقليدية، العالم الذي أصبحت الدول فيه ملزمة لا محال منها بلعبة "العولمة" وقوانينها وبعكسه تصبح خارج اللعبة معزولة ومقيدة بجملة من التشريعات الدولية المتجاوزة للقوانين المحلية. فقبل كل شيء فأن الأسلوب الكولينيالي مرتبط بظاهرة الإستعمار التقليدي والذي لم يعد له وجود في عالم اليوم. كما أن مثل هذا الأسلوب الذي يتطلب التدخل العسكري مرتبط أساساٌ بجملة عوامل جغرافية وديموغرافية. فتمركز الكورد وبكثافة في المنطقة الشمالية سهل أمر حمايتهم دولياً حتى أمنت لهم الحكم الذاتي وبصلاحيات واسعة. في حين نرى بأن مثل هذه العوامل لا تتوفر في وضع المسيحيين العراقيين، فهم منتشرين في مختلف أرجاء العراق وغير متمركزين بكثافة في منطقة معينة يستوجب حمايتها. لذلك فإن موضوع الحماية الدولية بهذا الأسلوب مستبعد نهائياً في المرحلة الحالية مالم يكونوا ديموغرافيا متواجدين في منطقة معينة توفر لهم أولاً الحماية الذاتية وثانياً الحماية الدولية في حالة عجز الحكومة عن توفير مثل هذه الحماية، من هنا تأتي الأهمية المصيرية للمسيحيين في أن يكون لهم منطقة حكم ذاتي وإلا فمصيرهم سيتقرر بالخيارين المهلكين، أما مواجهة الموت على يد الإرهاب أم الهجرة نحو المجهول. 

الحقائق المنطقية أثبت بأن عملية القضاء على الإرهابين بشكل نهائي ومن خلال المواجهة العسكرية المباشرة أمر صعب ما لم يعالج الإرهاب والقضاء عليه من جذوره الذي نشأ منها. فالتصدي للمشاكل والتعقيدات الدينية والفكرية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية ومعالجتها أمر أساسي وأولي في القضاء على الإرهاب أو حصره في حدود ضيقة، وهي من المسؤوليات الإساسية والجوهرية للحكومة. فهناك خيط رفيع يوصل بين، على سبيل المثال لا الحصر، قرار منع بيع الخمور وغلق النوادي الإجتماعية في بغداد وبين مجزرة كنيسة سيدة النجاة والتي جميعها تصب في هدف أسلمة الدولة العراقية. فكيف تستيطع الحكومة العراقية من مكافحة الأرهاب في الوقت الذي هي تهيأ الأجواء لنشؤ وإستمرار هذا الأرهاب الذي له جذور وفروع تكمن في مثل هذا القرار وغيره. فالإرهاب يبدأ من الفكر والقرار وينتهي بالفعل الإجرامي في القتل والتنكيل. من هنا نقول، بأن الحكومة العراقية إن لم تكن قاصدة ومساهمة بشكل أو بآخر في هذا الإرهاب فهي جاهلة في فهم الواقع وفي أسلوب تحمل مسؤولياتها الإساسية في حماية مواطنيها وتحديدا المسيحيين منهم. فهذا القصد أو الجهل ليس بسبب لهث المسؤولين في الحكومة المستمر والمتواصل وراء مصالحهم الطائفية وتكريس كل إمكانيات الحكومة وأجهزتها في حماية هذه المصالح بحيث لم يعد لها وقت وإمكانيات كافية توفرها لحماية مصالح المواطن والوطن بشكل عام، بل أيضاً بسبب إفتقار معظم أعضاء الحكومة العراقية والمتولين لأمور السلطة الرسمية وغير الرسمية إلى خبرات وتجارب سياسية في الحكم والتعامل مع الآخر المختلف، والمختلف بنظر وعقيدة الإسلامي المتطرف، وما أكثرهم في الحكم، لا يعني إلا "الكافر" الذي لا يستوجب العيش والإختلاط معه في دولة الإسلام. من هنا نقول، لو تملكت الحكومة العراقية إمكانيات فكرية منفتحة ومناهج سياسية متمدنة في حل المشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي لأمكنت البدء في عملية القضاء على الإرهاب بشكل جدي ومنطقي. أليس الفعل الإجرامي بحق جمعية آشور بانيبال الثقافية في بغداد الذي أرتكبته الأجهزة الأمنية وبمباركة محافظ بغداد شكل من أشكال الإرهاب ويصب في نفس خانة مجزة كنيسة سيدة النجاة؟ فهذه المجزرة ما هي إلا قمة جبل الثلج في الفعل الإجرامي قائم على عدد هائل من القرارات والسلوكيات المتطرفة المتعفة في عقول رجال الحكم والسياسة في العراق.
من هنا نقول وبصريح العبارة بأن التدخل الدولي لحماية المسيحيين يصبح في مثل هذه الظروف أمرُ لا بد منه لتصحيح الأوضاع في العراق وتثبيت حق المسيحيين في البقاء في الوطن والقيام بواجباتهم وممارسة حقوقهم بشكل طبيعي. وعلى القابضين على السلطة في العراق أن يطمئنوا بأن شكل التدخل لن يكون بالتدخل العسكري لإزاحتهم من السلطة بل المطلوب من الدول التي تدعي بالديمقراطية وتدافع عن حقوق الإنسان أن تلجاً إلى الوسائل الأخرى في الحماية من إقتصادية وقانونية ودبلوماسية للتأثير على رجال الحكم في العراق بقصد تغيير سلوكهم الإرهابي حتى يتمكنوا من القضاء على الإرهاب الإجرامي. أي بعبارة أخرى ما لم يزاح  الفكر الإرهابي من عقلية رجال الحكم في العراق لا يمكن أن يقضى على العمل الإرهابي. وأولى هذه الوسائل القانونية في الحماية هو الفرض والضغط على الحكومة العراقية للإلتزام بالتشريعات والمعاهدات الدولية الخاصة بحماية الأقليات القومية والدينية والتي كان العراق ولا يزال طرفاً فيها. وأهمها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1977 الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة والذي فرض فيه على الدول التي توجد فيها أقليات إلتزامات بضرورة حماية حقوقها القومية والدينية. وفي عام 1976 دخل هذا العهد حيز التنفيذ وأصبحت له قوة القانون حين صادقت عليه 87 دولة حتى عام 1987 ومنها العراق. وبالنظر لتزايد إنتهاكات حقوق الأقليات في الكثير من البلدان قبل نهاية القرن الماضي وحرصاً من المجتمع الدولي في توفير الغطاء القانوني لحماية الأقليات القومية والدينية أصدرت الأمم المتحدة في نهاية عام 1992 أعلانها المشهور بهذا الصدد والمعروف بـ "إعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية وإلى أقليات دينية ولغوية" الذي أقر حق الأقليات بتمتع بكافة حقوقها القومية والدينية، لا بل فأن هذا الإعلان ألزم الدول المعنية على تعديل قوانينها بما تضمن هذه الحقوق. ولكن أين الحكومة العراقية من مثل هذه التشريعات الحضارية الإنسانية في الوقت الذي تمارس سياسات وسلوكيات كلها تصب في خانة الأرهاب وتحقق هدف الإرهابين في تفريغ العراق من المسيحيين.

  إذا كانت مثل هذه التشريعات ذات مغزى أخلاقي ولا يلتزم بها إلا الذين لهم إخلاقيات ديمقراطية، والحكومة العراقية بعيد كل البعد عن مثل هذه الأخلاقيات فأن الأمر يستوجب اللجوء إلى وسائل أخرى أكثر واقعية في التأثير على الحكومة العراقية وتغيير سلوكها نحو المسيحيين. ويبدو أن تصريح وزير الخارجية الإيطالي في عدم مساعدة الدول التي لا تستطيع حماية مواطنيها من المسيحيين هو نموذجاً في الوسائل الفعالة بهذا الشأن ولكن الأمر يبقى دائماً وأبداً في مدى مصلحة هذه الدول الكبرى في تنفيذ مثل هذه التصريحات والقرارت. أفهل يستطيع المسيحييون العراقيون من أن يكون لهم ثقلاً في هذه المصلحة حتى تلجاً حكومات الدول الكبرى إلى حمايتهم؟. في عام 1933 أنتهت مصلحة بريطانيا من إستخدام الآشوريين المسيحيين في تحقيق مشاريعها السياسية في العراق فتركتهم تحت رحمة سيف الحكومة العراقية حينذاك فأرتكبت بحقهم مذبحة سميل في شهر آب 1933. وبعد سبعة عقود، أي في عام 2003 لم يكن للأمريكان مصحلة مع المسيحيين العراقيين فتركوهم تحت رحمة سيف الأرهاب فكانوا أول الخاسرين من سقوط نظام البعث في العراق في الوقت الذي كان الكورد والشيعة والسنة أول الرابحين من سقوط هذا النظام... لماذا؟ لأن مصالحهم تطابقت مع مصالح الأمريكان في العراق، واليوم في هذا الزمن الغادر جعل من المسيحيون أن ينظر إليهم "ككفار وغرباء" يدينون نفس ديانة المحتل في حين أصبح أرهابيو الفكر والممارسة أصحاب الوطن الشرفاء معادين لكل أجنبي وغريب... أليس هذا الزمن غير المعقول الذي قلب الشعب العراقي الأصيل إلى غريب يستوجب طرده؟؟

وأخيرا:
أفهل يدرك السياسيون المسيحييون وأحزابهم وممثليهم هذه الحقائق؟؟؟ نحن قلنا منذ البداية ونستمر القول بأن لنا كل الثقة بممثلي شعبنا لدى الهيئات الحكومية وبقدراتهم الفكرية والسياسية ولكن لعبة المشاركة السياسية مع أرهابي الفكر المتمثلين في الحكومة العراقية لعبة خاسرة لم يجني شعبنا منها إلا مزيدا من الإرهاب والتقتيل والتهجير وأصبحت كل الوسائل والتصريحات في حماية المسيحيين العراقيين نقمة عليهم. من هنا نعيد ونكرر بأن إستقالة ممثلي شعبنا في البرلمان ومجالس المحافظات والحكومة سيكون فعل يسحب البساط من تحت أقدام الحكومة العراقية التي تستغل مشاركة المسيحيين معها في العملية السياسية لتغيطة فكرها الإرهابي تجاه المسيحيين ولا بد أن تكون إستقالة ممثلي شعبنا أمراً يترك أثراً على المستوى الدولي لكي تلفت الدول الكبرى المعنية بحقوق الإنسان والأقليات النظر بشكل جدي وعملي في أوضاع المسيحيين العراقيين، حينذاك تكون البداية الأولى لإمكانية فتح باب للحماية الدولية للمسيحيين التي حتماً ستكون نعمة بعد أن أصبح عجز الحكومة العراقية في حمايتهم نقمة عليهم.

 


 




284
أعظم موضوع كتب عن المسيحيين العراقيين

                                                                                                                     أبرم شبيرا
لا أبالغ إطلاقاً عندما أقول أن أعظم موضوع كتب عن المسيحيين العراقين، ومن جميع النواحي العلمية والموضوعية والتحليلية هو ما كتبه الكاتب و "العالم" أن صح التعبير فارس كمال نظمي عن تحليل الشخصية المسيحية العراقية والمنشور على موقع (www.ahewar.org). ومن شدة إعجابي بهذا المقال وشعوري بضرورة تعميم الفائدة للكثير من القراء خاصة قراء عنكاوه دوت كوم فلم أجد سبيلا لذلك إلا أن أرسله إلى هذا الموقع لتحقيق الفائدة المرجوة... ولم يبقى إلا أن أشكر الصديق الأخ أمجد مولان على إرساله هذا المقال لي... فمليون شكر للباحث الكبير الشاب فارس كمال نظمي ولموقع الحوار على نشرها لهذا البحث القيم.
=======================

تحليل الشخصية المسيحية العراقية


فارس كمال نظمي
الحوار المتمدن - العدد: 3194 - 2010 / 11 / 23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع       
هل نغالي عندما نقول أن أبرز فضائل الشخصية الاجتماعية الحالية في العراق، تتجسد بكثافة في شخصية الفرد المسيحي العراقي تحديداً؟ وبصياغة أخرى، ألم تكن هذه الأقليةُ السكانية على الدوام المرجعَ السوسيوثقافي الأساسي الذي استمدت منه الأكثرية السكانية في العراق أهم فضائلها السلوكية النوعية، في التأريخ المعاصر على الأقل؟ وبصراحة أكثر، إن الأقلية المسيحية "كماً" مارست دور الأكثرية المتحضرة "نوعاً"، إذا ما أعلنتُ انحيازي الكامل لفكرة أن ما يحدد الأكثرية والأقلية هو "النوع" لا "الكم"، وإن المسيحيين في العراق كانوا على الدوام الأكثريةَ الأشد تحضراً بممارساتهم الفعلية لقيم العقل والتسامح والحرية، على العكس من فئات مجتمعية أخرى ظلت مولعة بدرجة أو أخرى بقيم الغيب واحتكار الحقيقة والوصاية على إرادات الناس وحرياتهم.

يتخذ تحليلي الحالي من المنظور النفسي الاجتماعي منهجاً، إذ أن صفة "المسيحي" هنا يُراد بها التعبير عن بنية سوسيوسيكولوجية لا عن معتقد ديني له ثيولوجياته المذهبية المتنوعة، ولا عن أصول عِرقية لها امتداداتها الجينية رجوعاً إلى آلاف السنين على ضفاف الميزوبوتاميا عند فجر الحضارة. إن الانثربولوجيا النفسية وحدها متخصصة بالكشف عن الصلة التكوينية الوظيفية الدقيقة بين التمظهر الاجتماعي الحالي لفئة معينة، وبين جذرها الديني-العِرقي الموغل في عمق التأريخ. وذلك ليس منهجنا في هذه المقالة.

إن تشريح الشخصية الاجتماعية العامة أو الفرعية في أي مجتمع، يتطلب التبصرَ في ثلاثة مقومات تكوينية لها: القيم الاجتماعية-الحضارية لتلك الشخصية، وخصائصها العقلية والانفعالية، واتجاهاتها السياسية العامة. فمن هو المسيحي العراقي إذن طبقاً لهذا التصنيف، بصرف النظر عن جنسه أو مستواه التعليمي أو مكانته الاجتماعية-الاقتصادية؟
1- القيمة الأبرز في الشخصية المسيحية العراقية هي "احترام الحياة" قولاً وفعلاً، إذ يتجسد هذا الاحترام عبر منظومتين متفاعلتين: السلوك الاجتماعي والسلوك الشخصي. فالمسيحي العراقي مسالم ومتسامح وانبساطي ومتعاطف ومهذب ومنفتح على الآخر العراقي أياً كانت هويته الدينية أو العِرقية أو الفكرية، إذ يطغى الطابع العقلاني الصرف ويحل التوازن النفسي المريح أينما يكون للمسيحيين موطأ قدم ودور فاعل في الحياة العراقية.
أما على صعيد السلوك الشخصي للمسيحي، فيتجسد احترام الحياة لديه بقيم الجمال التي يعبّر عنها بممارسته الشغوفة للفن (الموسيقى والرقص والغناء)، وتوقير الطبيعة بكافة مخلوقاتها، والاهتمام بالنظافة والأناقة، واتقان الحرف اليدوية والفنون البيتية، وإقامة التجمعات الاجتماعية الحميمة. والأهم من كل هذا ذائقته الحسية العالية نحو جماليات المكان والوجود، استيعاباً وإبداعاً، على نحو يجعل من فرضية "الإنسان الفاضل" احتمالاً عقلياً لا يجوز رفضه ما دام المسيحيون يستوطنون أرض العراق.

2-التركيبة العقلية للفرد المسيحي العراقي جعلته متزناً في كافة تعاملاته الدنيوية، ومتحرر التفكير، وممجداً للعلم والكتاب، ومخلصاً لروح الاستكشاف والفضول المعرفي الفريد، وممارساً للمحاججة العقلية الهادئة، ومتفهماً لحقيقة الاختلاف والتنوع، وقادراً على التعلم بسرعة والتكيف بكفاية مع المستجدات، ومنظماً في أولوياته، ودقيقاً في التخطيط والإنجاز، وقوياً في ذاكرته المعرفية والاجتماعية. أما تركيبته الانفعالية فجعلت منه وسطياً، ومتريثاً، ورابط الجأش، ومعارضاً بود ومفاوضاً بأريحية، ورقيقاً، ومجاملاً، ورومانسياً محباً لمدينته وحارته وبيته وناسه ومهنته حد العشق، ومتعلقاً بوطنه لا يتنازل عن أحقيته الهوياتية فيه بالرغم من كل عوامل الطرد الكاسحة.

3- النزعة العلمانية الشديدة لدى مسيحيي العراق، جعلتهم سقراطيي البلاد دون منازع نتيجة ولائهم الأمين والعفوي لمفهوم الدولة بكل آثامها، وما ينتج عنها من قوانين تستدعي "التقديس" ما دامت تجعل كافة المواطنين سواسيةً أمام معيار موحد لآدميتهم. فالمسيحي العراقي بهذا المعنى هو المواطن الأشد مدنيةً وعقلانيةً من كل مواطني دولته التي ظلت ممزقة الهوية طوال الأربعين عاماً الأخيرة بين نرجسية البعث وصنمية اللاهوت السياسي. إنه ببساطة يجسد بسلوكه فكرةَ "المواطن" كما طرحتها فلسفات التنوير في القرن الثامن عشر، إذ استحالت عقيدته الدينية إلى فضائل شخصية سلوكية فحسب تنظم علاقته بنفسه وبالمجتمع وبالكون، فيما ظلّ ولاءه السوسيوسياسي باحثاً دون جدوى عن راية دولةٍ لا دين لها لأنها دولة الجميع. وإلى جانب هذه النزعة العلمانية، فإن مسيحيي العراق يساريو الهوى في عمومهم، عدالويو الميول، مساواتيو النزعة إلى حد كبير في نظرتهم وموقفهم من الجنسين، شغوفون بفكرة الحق وضعياً كان أم إلهياً. ولا غرابة أن يوسف سلمان" (فهد) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي 1934م ينحدر من أسرة كلدانية نزحت من الموصل إلى بغداد ثم إلى البصرة، بحسب "حنا بطاطو".
كتبتُ في رؤية سابقة لي: ((إن ما يحصل اليوم في بغداد وبقية أنحاء العراق، يمكن اختزاله بمقولة الصراع بين قيم التقدم وقيم التخلف، أو بين قيم الحداثة والتمدن وقيم التعصب وما قبل التمدن. إنه صراع بين ثقافتين، وبين منظورين فلسفيين اجتماعيين، وبالتالي هو صراع ثقافي وقيمي بين أسلوبين في الحياة)). ولأنه صراع من هذا النوع، فإن مسيحيي العراق اليوم، شاءوا أم أبوا، باتوا يتموضعون في قلب هذا الصراع المحتدم، إلى جانب اقرانهم من عقلانيي العراق وشرائحه المتنورة. ولذلك قضوا السنوات الثمانية الماضية يدفعون على نحو ممنهج ضريبةَ العنف الدموي الناتج عن تلاقح اللاعقلانيتين: الرأسمالية الكولونيالية، بالكهنوتية المتأسلمة. فالمسيحيون بهذا المعنى أصبحوا قوة ثقافية لها تأثيرها في موازين هذا الصراع، لأنهم ببساطة يكتنزون طاقة اللاعنف العاقلة غير المحدودة في سرمديتها. فلا يمكن أن نتصور تطوراً إيجابياً لديناميات هذا الصراع ونتائجه دونهم. وإذا كانت أعز المكتسبات البشرية في ميدان الحرية والعدل، قد عُزيت إلى الدافع المسالم المتحضر من الطبيعة البشرية، فإن ترويع المسيحيين من قوى التطرف الديني المسلح، وتهجيرهم وتغييبهم عن وظيفتهم الإصلاحية الضامنة - من بين عوامل أخرى- لتماسك النسيج المجتمعي، سيلحق أضراراً إضافية بالطبيعة البشرية العراقية المتضررة أصلاً، وسيدفع إلى استقطابات سياسية أكثر عنفاً ومأساوية على المديين القصير والبعيد.

إن تاريخنا العراقي المعاصر في السياسة والفن والأدب والصحافة والتعليم والطب والعلوم عامة، وذكرياتنا الحية عن الحب وأعز الصداقات في ليالي الكرادة والبتاويين والعرصات وشارع أبي نؤاس، تبدو جميعها باهتةً بل كاذبةً دونما الحرف المسيحي الدافيء. العراق ليس عراقاً إذا استبعدنا من ذاكرته الجمعية رموزاً تنويرية مسيحية كبرى أمثال المؤرخين مجيد خدوري و وجرجيس فتح الله والأخوة كوركيس وسركيس وميخائيل عواد، والصحفيين الرواد روفائيل بطي وتوفيق السمعاني وبولينا حسن، والآثاريينِ فؤاد سفر وبهنام أبو الصوف، والعلامة اللغوي الأب أنستاس الكرملي، والدكتور متي عقراوي أول رئيس لجامعة بغداد، والأطباء جلبرت توما وفكتور شماس ووليد غزالة وشوقي غزالة والدكتور حنا خياط أول وزير للصحة في الدولة العراقية الحديثة 1922م، والموسيقيين جميل بشير ومنير بشير وبياتريس أوهانسيان ورائد جورج، والمطربات زكية جورج وعفيفة اسكندر وسيتا هاكوبيان، وقديسة المسرح آزادوهي صاموئيل، والمخرجينِ عوني كرومي وعمانوئيل رسام، والمذيعين ناظم بطرس وجلاديس يوسف وشميم رسام، والشعراء يوسف الصائغ وسركون بولص وجان دمو ودنيا ميخائيل، والكتّاب فؤاد بطي وأدمون صبري ويعقوب أفرام منصور، والمترجم يوسف عبد المسيح ثروت، والمفكر الأب يوسف حبي، والمصورينِ ارشاك وكوفاديس، والرياضيين عمو بابا وعمو يوسف وناصر جكو، والسياسيين اليساريين فهد وجميل توما ونوري روفائيل وجورج تلو وكامل قزانجي وآرا خاجادور وفرانسو حريري وتوما توماس والفريد سمعان، والقائمة تطول وتطول، فمعذرة لهذا الإيجاز *.

إننا مدينون لكم يا مسيحيي بلادنا بأسمى فضائلنا بوصفنا عراقيين وبغداديين وبصريين وموصليين وأربيليين. لقد غرستم في أجيالنا فكرة التنوع والشوق للآخر واحترام الحياة حد افتداء الفرد لآثام الآخرين بحياته. فلا ترحلوا عن وطنكم وتتركوننا عالقين في غربتنا التي لا تمل من التناسل. سيكف العراق أن يكون عراقاً بدونكم. أنتم الأكثرية الحقيقية بحساب التمدن والجوهر الفاضل، فلا تتخلوا عن امتيازكم هذا. لا تغادرونا رجاءً، انتظروا هنا، وتناسلوا بقوة هنا. فلا وطن لكم إلا هنا !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


هامش:
* تتوافر تفصيلات أكثر عن أعلام المسيحيين العراقيين في دراسة للدكتور "سيار الجميل" بعنوان " المسيحيون العراقيون: وقفة تاريخية عند ادوارهم الوطنية والحضارية": http://www.bakhdida.net/Articles/SayyarAl-jamil.htm، ودراسة أخرى للدكتور "سعدي المالح" بعنوان" الثقافة السريانية: تاريخ طويل من الإبداع وأسماء لامعة": http://kaldayta.com/website




285
ملاحظات بسيطة عن الموقع الأثري المسيحي
في جزيرة صير بن ياس في أمارة أبو ظبي
(دير الراهب يوحنان)

                                                                                                                       أبرم شبيرا

أثار خبر "الإمارات تفتح أول موقع أثري مسيحي للزوار"  الذي نشره موقع عنكاوه دوت كوم نقلا عن سي أن أن العربية نوع من الإهتمام عندي فكان باعثاً لإسترجاع بعض الذكريات وأبداء ملاحظات بسيطة عن هذا الموقع المسيحي الأثري. كنت من المهتمين منذ عام 2000 بهذا الأثر المسيحي في جزيرة صير بن ياس التي تقع جنوب مدينة أبو ظبي أكثر 350 كلم حيث كنت قد قرأت بعض الكتب عن هذا الأثر الذي أثار أهتمامي وكان يزداد إهتمامي عندما كنت أسمع بأن علماء الآثار ينقبون في الموقع حيث لم يكن مسموحاً لعامة الناس من زيارة الجزيرة أو الموقع الأثري إلا بموافقات خاصة ذلك كون الجزيرة محمية وفيها الكثير من الطيور والحيوان والنباتات والإشجار النادرة التي يستوجب حمايتها والإعتناء بها بشكل خاص. صادف في تلك الفترة أن أنعقد في أبو ظبي مؤتمراً عالمياً للصحافة والإعلام  حضره العديد من الصحفيين والكتاب من مختلف الدول العربية والأجنبية وبالأخص من أوربا والولايات المتحدة الأمريكية ومن ضمنهم الصديق الدكتور سعدي المالح الذي كان يعمل في حينها كرئيس تحرير لأحدى المجلات الرئيسية في أبو ظبي . كان الدكتور سعدي يشاركني هذا الإهتمام المشترك ونسعى بكل السبل إيجاد معلومات أخرى عن هذا الأثر النادر في تلك الجزيرة النائية. بعد إنتهاء المؤتمر نظم القائمون على المؤتمر للمشاركين برامج متعددة ومتنوعة ومن ضمنها برنامج زيارة جزيرة صير بني ياس. بشرني الدكتور سعدي بهذه الفرصة النادرة التي كنا ننتظرها بفارغ الصبر ودعاني لمشاركته في زيارة الجزيرة مع بعض من الوفود المشاركة في المؤتمر. بعد ساعات طويلة من مدينة أبو ظبي إلى جنوبها وصلنا إلى الساحل المقابل للجزيرة التي تبعد بضعة كيلومترات، ثم أستقر الباص على عبارة "فيري" قاطعة البحر تجاه الجزيرة.... لم نكن موفقين في زيارة الموقع الأثري لأنه كان محصناً يمنع على الزوار زيارته حيث الحفريات كانت جارية فيه على قدم وساق، ولكن استمتعنا في زيارة الأطراف الأخرى للجزيرة ومشاهدتنا سكانها من الحيونات والطيور النادرة. أما العمران فيها والحياة العادية لم تكن بعد قد أكتملت في حينها ولكن الآن هناك مجمعات سكنية فاخرة وفندق ضخم ذات خمسة نجوم ومراكزترفيهية وثقافية عديدة.
أثمرت نهاية الزيارة بحصولنا على بعض الكتب عن المواقع الأثري لأبو ظبي بشكل عام ولجزيرة صير بني ياس بشكل خاص وكانت معظمها باللغة الإنكليزية ومؤلفة من قبل كتاب أجانب. والكتاب الذي كان يتناول هذا الموقع الأثري قد أهديته إلى أحد مطارنة كنيستنا المشرقية ولكن أتذكر ما قرأت فيه كان يلمح إلى معلومات لم تكن مؤكد في حينها لأن الحفريات لم تكن مكتملة بعد. ذكر في هذا الكتاب بأن هذا الموقع هو لدير بسيط شيد بحدود منتصف القرن الثالث الميلادي من قبل راهب أسمه يوحنان من أتباع الكنيسة "النسطورية"، ينعت كنيسة المشرق بـ "النسطورية" في حين لا نسطورس كان مولوداً في ذلك الزمن ولا كان النسطورية قد ظهرت والسبب في هذا النعت لأن كنيسة العراق كانت تسمى بـ "النسطورية". كان هذا الراهب قد أبحر من البصرة بإتجاه الجنوب بمهمة التبشير بين صيادي الأسماك في منطقة الخليج وعندما وصل إلى جزيرة صير بن ياس وجدها مكاناً مناسباً للعيش والتبشير بين صيادي الجزيرة وفعلاً بني هذا الدير لكي يمارس طقوسه الدينية. والآن يظهر بأن المكتشفات الأثرية الجديد تذكر غير ذلك ولكن مع هذا يبقى موضوع هذا الأثر المسيحي في هذه الجزيرة النائية مثيراً للإهتمام ويدل على مدى حكمة ورعاية الحكومة في دولة الإمارات العربية للأثار والمسائل الثقافية والتاريخية كذلك على مدى إنفتاحها على الثقافات الآخرى غير المسلمة والتي شيدها ورسخهها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان . ويبقى أن نذكر بأن هناك معلومات تشير بأن عائلة آل نهيان الحاكمة في أبو ظبي والتي منها يختار رئيساً لدولة الإمارات العربية هي من جزيرة صير بن ياس. ولم يبقى أن نشير بأن أسم ياس أو ألياس هو أسم يتسمى به المسيحيون أكثر من المسلمين.   

286
حق "الكلدان السريان الآشوريين" في الحكم الذاتي
في ضوء حل مشكلة ولاية الموصل وضمها إلى العراق

                                                                                                                   أبرم شبيرا
المقدمة:
لا شك فيه هناك العديد من الأسسس والمبادئ القانونية والتاريخية والسياسية تعطي لأمتنا الحق الكامل في تقرير مصيرها وفي حكم نفسها بنفسها، وهي حقائق لا يجهلها إلا الجاهل ولا ينكرها إلا الناكر. هنا نحاول أن نبين جانب أو أساس بسيط لهذا الحق ومن خلال مشكلة كان قد عانى منها العراق كثيراً في الربع الأول من القرن الماضي ولعب الآشوريون دوراً كبيراً في حلها وتأكيد حقوقهم القومية والسعي للعيش بأمن وسلام في موطن أبائهم وأجدادهم. وإنسجاماً مع هذا الموضوع يأتي وعدنا لللقارئ الفاضل في الموضوع السابق عن قوات الليفي العراقية بأن ننشر موضوعاً آخراً عن دور الآشوريين  الإيجابي في التاريخ السياسي العراقي الحديث، وهو دورهم في حل مشكلة الموصل وما صاحب ذلك من ضمها إلى العراق بدلا من تركيا في الربع الأول من القرن الماضي. وعندما أشير هنا إلى التسمية الآشورية لا يعني إطلاقاً إلغاء التسميات الحضارية الجميلة "الكلدانية والسريانية" لشعبنا العريق، بل الحقيقة الموضوعية التاريخية تفرض أن نشير إلى التسمية الآشورية إعتماداً على الحوادث والوثائق التاريخية بهذا الشأن ولا يمكن تجاوزها حفاظاً على موضوعية وسلامة المنهج العلمي في تناول هذا الموضوع.  قد يبدو بأن مثل هذه المواضيع التاريخية التي مضى عليها زمناً طويلاً كأنها تكرار لها وغير ذات فائدة خاصة في كونها أحداث أستقر المقام بها ووصلت إلى نهائيتها المعروفة من جهة وفي كونها من غير ذي أهمية في مقارنتها مع الأحداث الخطيرة والحاسمة التي يمر بها العراق  خاصة المكون المسيحي منه من الكلدان السريان الآشوريين من جهة أخرى. ولكن مع هذا كله فأن البحث في هذا الموضوع ليس الغرض منه تكرار لما سبقه وإنما هو كشف عن حقيقة تبين دور الآشوريين الإيجابي في هذه المسألة ومساهمتهم في بناء العراق وضمان حدوده الدولية ويؤكد وطنيتهم وإلتصاقهم بتربة العراق، وهو الدور الذي حجبه معظم الكتاب والمؤرخين العراقيين لا بل فسر من قبلهم كدور سلبي ومعادي للعراق وشعبه وبالتالي غبن حقهم القومي والوطني ليس في هذه المسألة وإنما في الكثير من المسائل الوطنية الحساسة، وما هذا الموضوع إلا محاولة لتصحيح بعض الأفكار الخاطئة التي ترسبت في العقلية العراقية تجاه الأقليات بشكل عام والآشوريين بشكل خاص ونأمل أن يكون مفيدا للنخب العراقية المهيمنة على مقدرات العراق الحالي في تصحيح هذه الأخطاء التااريخية المجحفة بحق الآشوريين وأن لا تستمر وتسود في العقلية العراقية وتتغلغل في أروقة الحكم والسياسة وأن ينفتح الطريق أمام عقليتهم لتقبل قيام كيان سياسي إداري للكلدان السريان الآشوريين في وطن أبائهم وأجدادهم.
 
نشؤ مشكلة الموصل:
لكي نبين دور الآشوريين في حل هذه المشكلة لا بد قبل كل شيء أن نبين وبشكل مختصر عن كيفية نشؤ هذه المشكلة حتى نستطيع أن نبين هذا الدور. كانت ولاية الموصل في العهد العثماني تشمل معظم المحافظات الشمالية في عراق اليوم (نينوى والسليمانية وأربيل ودهوك وكركوك) وكانت جزءاً من حصة فرنسا حسب إتفاقية سايكس – بيكو الموقعة في العام 1916 بين بريطانيا وفرنسا حول إقتسام ممتلكات الدولة العثمانية بعد إندحارها في الحرب. نشأة مشكلتها عشية توقيع معاهدة مودرس في 20.10.1918 بشأن وقف إطلاق النار لمعارك الحرب الكونية الأولى في الوقت الذي كانت القوات البريطانية تحارب القوات العثمانية قرب بلدة شرقاط ثم تواصل تقدمها حتى إحتلال مدينة الموصل في بداية شهر تشرين الثاني من نفس العام. غير أن تركيا أحتجت على ذلك ودفعت بعدم شرعية إحتلال بريطانيا للموصل، فأدعت بأحقيتها فيها معتمدة على أساسين: الأول، كون معظم سكان الولاية من العثمانيين المسلمين ومن أصول غيرعربية. والثاني: كون مناطق شمال بلدة شرقاط بما فيها مدينة الموصل قد أحتلت بعد توقيع إتفاقية وقف إطلاق النار. فكان رد بريطانيا لحجج الدولة العثمانية في الإعتماد على الإتفاقية الموقعة بين الطرفين والتي تعطي الحق لبريطانيا إحتلال أي مواقع إستراتيجية قد تهدد أمن وسلامة قواتها كما إن هذه الإتفاقية تلزم الدولة العثمانية بتسليم بريطانيا جميع المواقع والحمايات العسكرية في بلاد مابين النهرين بما فيها ولاية الموصل بأجمعها والتي تشكل جزءاً تاريخياً منها. وبسبب ضغوط القوات البريطانية وسيطرتها على أراضي الموصل أضطر القائد العثماني علي إحسان باشا في السابع من تشرين الثاني 1918 إلى الإستجابة لمطاليب القائد البريطاني الجنرال مارشال وأنسحبت جميع القوات العثمانية من مدينة الموصل في غضون عشرة أيام.
قبل نهاية عام 1918، تدفق النفط في مناطق الموصل وبكميات تجارية فباتت المشكلة أكثر تعقيداً وزاد من تمسك الأطراف المتنازعة بما فيها فرنسا على الولاية ودعا كل طرف بأحقيته فيها. غير أنه بسبب وجود بريطانيا الواقعي والعسكري في الولاية والذي فرضته قواتها المنتصرة، وكجزء من التسويات الدولية في توزيع ممتلكات "الرجل المريض" بين فرنسا وبريطانيا فقد تم في شهر كانون الأول من العام نفسه الإتفاق في لندن على تنازل فرنسا لبريطانيا عن مطالبتها بولاية الموصل مقابل منحها إمتيازات خاصة على نهر الراين في قلب أوربا مع نسبة 25% من أسهم شركة النفط التركية (البريطانية) المستثمرة لحقول النفط في الولاية. أما بالنسبة لتركيا، فإنها بعد هيمنة الزعيم القومي التركي كمال أتاتورك على المقدرات السياسية في البلاد وإنتعاش "الرجل المريض" وإستعادة حيويته ونشاطه خاصة بعد دحره للجيش اليوناني في الأناضول وإنسحاب الجيش الفرنسي من أضنه وحلول التفاهم بين الحكومة الفرنسية وحكومة أنقرة الجديدة لحل مشاكل ومخلفات الحرب، جعلت هذه الظروف تركيا دولة لها موقع مؤثر في المجريات السياسية وتسويات الحدود التي كانت تتم بين الدول المنتصرة في الحرب، فاستطاعت بحكم هذا الموقع القضاء على معاهدة سفير المهينة لها والموقعة في آب من عام 1920 بين الدولة العثمانية والحلفاء وبالتالي القضاء على مشروعي إقامة دولة أرمينيا الكبرى والحكم الذاتي للكورد في جنوب شرقي تركيا ومن ثم توقيع معاهدة لوزان عام 1923 لحل المشاكل الحدودية بينها وبين الدول المنتصرة في الحرب، حيث قضت المادة الثالثة من هذه الإتفاقية على حل مشكلة الموصل وذلك بتعيين خط الحدود الفاصل بين تركيا والعراق عن طريق تسوية سلمية تعقد بين الطرفين في غضون تسعة أشهر من تاريخ توقيع المعاهدة وفي حالة عدم التوصل إلى إتفاق بينهما خلال الفترة المحددة يصار إلى إحالة النزاع إلى عصبة الأمم لإقرار مصير الولاية. وفي تشرين الأول من عام 1924 وقعت كل من تركيا وبريطانيا إتفاقية بروكسل أقر بموجبها إتخاذ خط حدودي مؤقت بين العراق وتركيا عرف بخط بروكسل لحين إتمام التسوية النهائية وتقرير مصير ولاية الموصل، وهو الخط الذي أصبح حدود دائم وثابت وساري المفعول وأعتمد في حل النزاع فيما بعد. فشل الطرفين في الوصول إلى إتفاق نهائي وودي خلال الفترة المحددة مما أستوجب إحالة موضوع النزاع إلى عصبة الأمم والتي أقرت في النهاية إلحاق ولاية الموصل بالعراق مع إبداء بعض التحفظات والشروط المتعلقة بالتدابير الواجب إتخاذها من قبل حكومة العراق والدولة المنتدبة بريطانيا تجاه الكورد والأقليات القومية والدينية الأخرى مع بقاء بريطانيا دولة منتدبة لمدة خمسة وعشرين سنة. ومن جانب آخر وخارج إطار قرار مجلس العصبة قامت بريطانيا بترضية تركيا عن طريق منحها 10% من إمتيازات النفط المكتشف في الموصل ولمدة 25 سنة إضافة إلى قرارات أخرى جرى إتخاذها في الأروقة السرية تعلقت بمصير شعوب الولاية خاصة الآشوريين منهم والتي سنأتي على ذكرها فيما بعد.

عوامل نشؤ دولة العراق الحديث ودور الآشوريين والمسيحيين في ضمن ولاية الموصل إليها:
يمكن تقسيم هذه العوامل إلى قسمين: خارجية وداخلية، ومن خلالهما يمكن أن نبين دور الآشوريين والمسيحيين في نشؤء العراق الحديث وضم ولاية الموصل إلى العراق بدلا من تركيا في مقارنة مع القوميات والطوائف العراقية الأخرى.
1)   - العوامل الخارجية: من خلال إستقراء التاريخ السياسي الحديث لنشؤ دولة العراق وظهور كيانها السياسي كدولة عصرية في بداية القرن الماضي، يبدو أنه بسبب ضعف أو عدم تكامل وتوافق العوامل القومية والحضارية والثقافية والإجتماعية والدينية واللغوية في العراق لم تلعب دوراً مهماً وأساسياً في تأسيس كيانه السياسي أكثر مما لعبت عوامل عسكرية وسياسية بعضها خارجية. وبصورة أوضح نقول بقدر إحتلال القوات البريطانية لأراضي بلاد مابين النهرين أثناء معارك الحرب الكونية الأولى وقدرتها على طرد القوات العثمانية وإنتزاع الأراضي منها وتقدمها نحو الشمال، بقدر ذلك تحدد حدود كيان العراق السياسي. كذلك بقدر فاعلية الدبلوماسية البريطانية وإفلاحها في نقل الأمر الواقع العسكري في المنطقة إلى مستوى السياسة ونجاح مناوراتها السياسية في إبرام المعاهدات والمواثيق، بقدر ذلك تقرر شرعية وقانونية حدود الكيان السياسي للعراق. ففي مؤتمر القاهرة عام 1920 طرحت بعض المشاريع لتقرير مصير الولايات الثلاث، بغداد وبصرة والموصل المكونة لمعظم أراضي بلاد مابين النهرين فكان قرار مستر ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني حينذاك تكوين دولة واحدة من الولايات الثلاث المذكورة قراراً طبيعياً بالمفهوم الإستعماري في تغليب مصالحه الإقتصادية والسياسية على مصائر الشعوب الأخرى وعن طريق دمج المتناقضات الحضارية والإجتماعية والدينية والقومية المتوارثة عن المرحلة العثمانية في كيان سياسي واحد دون أي إعتبار لمثل هذه العوامل والمتناقضات. ثم جاء نصب الأمير فيصل بن الشريف حسين من خارج هذه المتناقضات ملكاً على عرش العراق كحل لها ورمزاً لوحدة كيانه السياسي.
وإستنتاجاً من فاعلية العوامل الخارجية العسكرية والسياسية في خلق الكيان السياسي للعراق يمكن القول بأن نفس هذه العوامل هي التي لعبت دورها الأساسي والفاعل في إقرار ضم ولاية الموصل إلى العراق بدلا من تركيا. فإذا كان يصح القول بإن ولاية الموصل في عهد الدولة العثمانية وحتى قبلها كان إرتباطها تاريخياً وجغرافياً وإقتصاديا بولاية بغداد وببر الشام أكثر من إرتباطها بالإستانة وأراضي الأناضول فإن ذلك لم يشكل متغيراً فاعلاً في تقرير مصير ولاية الموصل. فالحال لم يكن يختلف كثيراً من حيث إرتباط لواء الإسكندرونة حضارياً وجغرافياً وإقتصاديا ببقية مناطق الشام، إلا أن العوامل العسكرية والسياسية التي وفرتها فرنسا لصالح تركيا أفضت إلى تقرير مصير الإسكندرونة وسلخها من سوريا عام 1939 وضمها إلى تركيا. من هذا المنطلق يأتي إفتراضنا أن القوات البريطانية التي كانت تحارب القوات العثمانية قرب بلدة شرقاط إذا ما كانت قد فكرت في الإستجابة لإتفاقية "مودرس" الخاصة بوقف إطلاق النار وتوقفت عن زحفها نحو مدينة الموصل بعد سريان مفعول هذه الإتفاقية لكان مصير ولاية الموصل قد تحدد بالواقع العسكري للوجود العثماني فيها ومن ثم ضمها إلى تركيا. وإذا افترضنا أن الدبلوماسية البريطانية كانت قد أخفقت في ترجمة الواقع العسكري إلى نتائج سياسية ناحجة ومن ثم أستجابت لتأثيرات تنامي القوة العسكرية لحكومة الكماليين في أنقرة وخضعت لتهديداتها في اللجوء إلى الحرب لفض النزاع مثلما خضعت فرنسا لها وأنسحبت من أضنه وأنهار الجيش اليوناني وزال تهديده على أزمير ومضايق البسفور، لكان مصير ولاية الموصل كمصير الإسكندرونة. هكذا يتضح بأن العامل الخارجي المتمثل في الوجود البريطاني العسكري والسياسي كان له الدور الأساسي والحاسم في تكوين الحدود السياسية لكيان العراق الحديث وضم ولاية الموصل إليه بدلا من تركيا.
2)   – العوامل الداخلية: إن العامل الداخلي في تحديد وتثبيت حدود العراق خاصة الشمالية منه وحل قضية الموصل لصالح العراق لم يكن غائباً، بل تحدد دوره وفاعليته بمدى توافقه مع العوامل الخارجية، العسكرية والسياسية السالفة الذكر. كما أن هذا التوافق تحدد أيضاً بطبيعة علاقة أطراف العوامل الداخلية بالقوى الرئيسية الفاعلة قبل الحرب الكونية الأولى وأثناءها. وعلى العموم يمكن تصنيف العامل الداخلي طبقاً لمكونات الشعب العراقي وموقف كل واحد منهم تجاه هذه المسألة وكما يلي:
العرب: عندما قررت الحكومة البريطانية تشكيل حكومة عراقية في عام 1921 لم يكن هناك إلا عدد قليل من النخب السياسية التي يمكن أن تتولى شؤون الدولة وأن يشغلوا مناصب حكومية على مختلف الأصعدة وكان معظم هؤلاء من الطائفة السنية وجميعهم ممن خدوموا في المؤسسات العسكرية أو المدنية العثمانية أو تخرجوا منها، لذلك فإن خلفيتهم العسكرية والسياسية وتطبعهم بالحياة العثمانية في الحكم والسياسية ومحاربتهم كضباط في الجيش العثماني للقوات البريطانية وتأثرهم بكمال أتاتورك وبالأساليب الدكتاتورية في الحكم وتعطشهم الشديد للسطلة والجاه وعلى حساب المبادئ والقيم، فإن كل هذا وضعهم في موقف متناقض ومحرج عند تعاونهم مع الإنكليز في بناء كيان العراق السياسي خاصة في مسألة حل مشكلة الموصل. لهذا لم يكن لهم دوراً إيجابياً فاعلاً في التأثير على مجريات أمور حل هذه المشكلة بل تحدد دورهم فقط في ترك بريطانيا طليقة اليدين في حلها مقابل وعود بإمتيازات تمنح لبريطانيا تمثلت في المعاهدة العراقية – البريطانية والتي وقعت بعد أيام قليلة من قرار عصبة الأمم في ضم ولاية الموصل إلى العراق وتحديداً في 13.10.1926.
الكورد: أما بالنسبة للكورد، فإن الطبيعة العشائرية والدينية التي كانت تحكم سلوكهم السياسي، ومن ثم خضوعهم للتوجهات العثمانية سواء بإنخراطهم في القوات النظامية أو عن طريق "قوات الخيالة الحميدية" والتي سميت بعد إنقلاب تركيا الفتاة عام 1908 بـ "القوات الخيالة الخفيفة" السيئة الصيت في حملات التنكيل وتشريد وإبادة الآشوريين والأرمن، ثم تحالفهم مع العثمانيين أبان الحرب الكونية الأولى ضد قوات الحلفاء الروسية والبريطانية، كل هذه الظروف مضافاً إليها العوامل الدينية والتاريخية والجغرافية، جعلت الكورد أقرب إلى الأتراك وتركيا من أي كيان سياسي عربي مستقل في العراق وأن يتواصل عداؤهم للإنكليز حتى بعد إنتهاء معارك الحرب ويقفوا ضد مسعاهم في بناء كيان سياسي موحد في العراق. فكان من الطبيعي أن يميل غالبية الكورد بإستثناء قليل في مدينة السليمانية إلى تفضيل ضم ولاية الموصل إلى تركيا بدلاً من العراق.
التركمان: الحال لم يكن يختلف بالنسبة لتركمان العراق، لا بل كانوا بسبب اللغة والعنصر والثقافة والدين أكثر تحمساً لضم ولاية الموصل إلى تركيا. فليس عجباً أن يكون فتاح بك صهر الزعيم الكوردي المشهور الشيخ محمود وناظم النفطجي عميد أسرة النفطجي التركمانية المشهورة في كركوك، رغم جنسيتهما العراقية ممثلين لولاية الموصل عند حكومة إنقرة وخبراء ضمن الوفد التركي أثناء مباحثاته مع لجنة التحقيق التي أوفدتها عصبة الأمم إلى بغداد عام 1925 بخصوص تقرير مصير ولاية الموصل والذي سبب إحتجاج الإنكليز والعراقيين على ذلك لكونهما يحملان الجنسية العراقية. من هذا المنطلق نفهم أيضاً مواقف بعض العشائر الكوردية والتركمانية وحتى العربية في الموصل التي كانت تميل لصالح ضمن الولاية إلى تركيا بدلاً من العراق ولأسباب بعضها دينية وإقتصادية وبعضها الآخر بحكم عقليتها الدينية وإرتباطاتها العشائرية أو خوفها من بطش الأتراك في حالة ضم الولاية إلى تركيا.
الآشوريون والمسيحيون: أما بالنسبة للأطراف المسيحية، خاصة الآشوريين منهم، موضوع البحث، فإن مواقفهم تجاه مشكلة الموصل ومن ثم دورهم في حل هذه المشكلة تحددت أيضا بجملة عوامل دينية وسياسية وعسكرية أرتبطت بطبيعة القوى السياسية والعسكرية الفاعلة في النزاع بحيث أفصح الآشوريون منذ البداية رغبتهم الشديدة في ضمن الموصل إلى العراق وتحمسوا، لا بل شاركوا عسكرياً وسياسياً في التأثير على الوقائع السياسية وعلى إتجاهات لجنة تقصي الحقائق التابعة لعصبة الأمم في تبنيها لقرار يؤيد ضمن الموصل إلى العراق. ولتأكيد هذه الحقيقة وإعتماداً على المعيارين العسكري والسياسي في حل مشكلة الموصل وضمان حدود العراق يمكن قياس دور الآشوريين وفقا للوقائع التالية:
1 – عسكريا: في أعقاب تقويض الكماليين لأركان الحكومة العثمانية وإصدارهم الميثاق القومي في بداية 1920 طالبوا وبشكل صريح ومطلق بضرورة عودة الموصل وبكل السبل والوسائل إلى تركيا وإستطاعوا بقوة السلاح أن يقفوا على أهبة الإستعداد للمطالبة بمركزهم القديم في الموصل فأثاروا الكثير من القلاقل والإضطرابات في المنطقة وعن طريق تحريض بعض العشائر الكردية للثورة ومقاومة الإنكليز "الكفرة". وخلال عام 1923 أحتل الأتراك مناطق واسعة من شمال العراق بما فيها مدينة راوندوز وذلك لغرض تحقيق إحتلال بقية المناطق أو بهدف خلق واقع عسكري يساعدهم على حسم النزاع سياسيا لصالحهم والتأثير على لجنة تقصي الحقائق السالفة الذكر. فأزاء هذه الحقيقة لم يكن أما بريطانيا والحكومة العراقية من حل عسكري لإزالة الوجود العسكري التركي من شمال العراق سيما وأن جيش العراق الذي تأسس في العام 1921 لم يكن قد أكتمل بناؤه أو تدرب وأكتسب خبرة حربية خاصة في مناطق جبلية وعرة، لذلك لم يكن حينذاك أمام الحكومة العراقية ودولة الإنتداب (بريطانيا) سوى الإعتماد على القوات الآشورية المحلية "الليفي" المتمرسة في حرب العصابات والجبال العاصية لحسم الموقف. أتذكر بهذا الخصوص وأنا صبي يافع في بداية الستينيات من القرن الماضي عندما كنا نستمع إلى جارنا العم (خوشابا برنكو البيلاتي) في كركوك الذي شارك في هذه العمليات العسكرية وهو يروي لنا قصص بعض أفراد الجيش العراقي الحديث التأسيس الذين كانوا يرفضون لبس الملابس العسكرية الرسمية (الخاكي) و"البوسطال" العسكري ويفضلون لبس "الدشداشة" والنعال، وعندما كان يحاولوا تسلق تل أو جبل كانوا يتزحلقون ويتدحرجون نحو أسفل التل أو الجبل ومن ثم التراجع إلى مخيمهم وطلب الرجوع إلى ديارهم. خاض الآشوريون المعارك ضد القوات التركية المحتلة وفي غضون أيام قليلة تمكنوا من طردهم من المناطق التي أصبحت عراقية بعد إقرار خط بروكسل عام 1924، وبهذه المناسبة قال المؤرخ العالمي المشهور توينبي بأن الآشوريين هذه المرة أيضا كانوا متميزين في حماية حدود العراق، فكان هذا سبباً لظهور إقتراح يقضي بتبديل أسم قوات "الليفي" إلى قوات حماية الحدود، إلا أن المقترح لم ينفذ لأسباب مرتبطة بغيرة وإحتجاح بعض قادة الجيش العراقي حينذاك.
2 – إضافة إلى تأثير طلبات الآشوريين وبقية الأقليات المسيحية في الموصل على تقرير لجنة تقصي الحقائق والذي خصص حيزاً كبيراً لمسألتهم ومن ثم إنعكاس ذلك على قرار مجلس العصبة في إعطاء ولاية الموصل إلى العراق بدلا من تركيا، فإن المسألة الآشورية، وأقصد بها مشكلة قسم من الآشوريين المهجرين أبان الحرب الكونية الأولى من مناطقهم في حكاري شمال خط بروكسل والتي أصبحت بموجب هذا الخط الحدودي ضمن الأراضي التركية إلى مناطق جنوب هذا الخط والتي أصبحت من المناطق العراقية، فإن هذه المسألة قد أستغلت من قبل بريطانيا إستغلالاً كبيراً لا بل وبشعاً من أجل الفوز بولاية الموصل وضمها إلى العراق. تؤكد الوثائق البريطانية وأرشيف عصبة الأمم بأن مسعى بريطانيا في ضم ولاية الموصل إلى العراق كان يهدف إلى: (أ) – إقتصاديا، وعن طريق إضافة الثروة الطبيعية لولاية الموصل إلى بقية ثروات العراق. (ب) – عسكرياً، دفع القوات التركية خلف حدود طبيعية مانعة. (ج) – "إنسانية"، إحتواء وضم الآشوريين وبقية المسيحيين ضمن ولاية الموصل وتحت حماية بريطانية أوحماية الحكومة العراقية التي من المفترض أن تكون أرحم في تعاملها معهم من الأتراك الذين أضطهدوهم كثيراً.
من هذه المنطلقات "الإنسانية" جاء إستغلال بريطانيا للمسألة الآشورية وذلك عن طريق التذرع والتحجج بضرورة ضم ولاية الموصل إلى العراق لضمان الحرية والأمن للآشوريين وتخليصهم من الإضطهاد التركي ورفع المعاناة والمأساة التي حلت بهم من جراء الحرب العالمية الأولى وما خلفته من تشريد وضياع ومذابح. فخلال فترة الحرب أنضم آشوريو منطقة حكاري إلى الحلفاء بهدف التخلص والتحرر من نير وإستبداد الدولة العثمانية، غير أنه بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، وإنهيار الجبهة الشرقية، قام الأتراك وبعض العشائر الكوردية والفارسية المتحالفة معهم بالتنكيل بالآشوريين فأضطروا تحت تهديد الإفناء الجماعي ترك مناطقهم في حكاري والقدوم إلى المناطق التي أصبحت تحت سيطرة القوات البريطانية في العراق. أي بعبارة أخرى أنهم أنتقلوا من منطقة إلى منطقة أخرى ضمن بلاد مابين النهرين الذي كان خاضعاً للدولة العثمانية ولم ينتقلوا من دولة إلى أخرى كما يقول الكثير من الكتاب والمؤرخين ويعتبرونها حجة في شك ونكران وطنيتهم لأن العراق لم يكن قد تأسس كدولة في تلك الفترة بل كان جزء من الدولة العثمانية. وطيلة فترة مباحثات بريطانيا مع تركيا بشأن ترسيم الحدود وتقرير مصير ولاية الموصل كانت بريطانيا تثير مسألة الآشوريين النازحين من حيكاري كحجة قوية في هذه المسألة، فأعتبرت عودة الآشوريين إلى مناطقهم الأصلية في شمال خط بروكسيل شرطاً أساسياً لفض النزاع. غير أن تركيا رفضت رفضاً قاطعاً قبول عودتهم وأتهمتهم بالخيانة العظمى بسبب حمل السلاح ضدها أثناء الحرب. وعلى هذا الأساس طالبت بريطانيا بضم منطقة حكاري إلى العراق لضمان عودة الآشوريين إليها، فأنعكس هذا الخلاف على تفسير الفقرة الثانية من المادة الثالثة لمعاهدة لوزان حيث أعتبرت بريطانيا موضوع النزاع هو حل المشاكل الحدودية وتخطيط الحدود بين العراق وتركيا بحيث يشمل ذلك أيضاً تقرير مستقبل حكاري شمال خط بروكسل الحدودي، في حين أصرت تركيا على أن موضوع النزاع هو تقرير مصير ولاية الموصل جنوب خط بروكسل فقط وأكدت بأن منع عودة الآشوريين إلى مناطقهم في تركيا موضوع نهائي غير قابل للمناقشة والبحث.
عندما قرر مجلس العصبة ضم ولاية الموصل إلى العراق كان قد تخلل ذلك مباحثات في الأروقة السرية بقصد ترضية الأطراف المتنازعة، خاصة تركيا ذات النفوذ القوي والمتنامي. فقبول تركيا بقرار مجلس العصبة الذي إذا ما ظهر، من جانب، كنتيجة لهيمنة بريطانيا على مقدرات الشؤون الدولية وعلى العصبة وأعضائها، فأنه من جانب آخر كان قبولاً لبعض التنازلات التي أبدتها بريطانيا لتركيا ليس بالتنازل لصالح تركيا عن 10% من نفط الموصل فقط، بل تنازل ونكوص بريطانيا عن الوعود الكثيرة التي قطعتها للآشوريين النازحين بضمان عودتهم إلى مناطقهم في حكاري بعد ضمها إلى العراق. وبين إصرار أشوريي حيكاري على العودة إلى مناطقهم ورفض تركيا، إستطاعت بريطانيا الخروج من هذا المأزق عن طريق إستغلال الظروف المأساوية للآشوريين اللاجئين والضغط عليهم للتنازل عن مطالبهم بالعودة إلى حكاري مقابل وعود بريطانية وعراقية بتعوضيهم عن طريق إسكانهم بين بقية الآشوريين في مناطق من ولاية الموصل وتحديداً في دهوك والعمادية وزاخو والتي أصبحت مناطق عراقية جنوب خط بروكسل الحدودي،  فأستغلت بريطانيا هذه المسألة قبل صدور قرار العصبة، مدعية بضرورة ضم ولاية الموصل إلى العراق لغرض إسكان الآشوريين النازحين إليها من حكاري ومنحهم الإمتيازات التي كانوا يتمتعون بها في الدولة العثمانية. هكذا يظهر بأنه كان للآشوريين دوراً فاعلاً وحاسماً عسكرياً وسياسياً في ضم ولاية الموصل إلى العراق بدلا من تركيا وتثبيت حدود العراق الدولية وحمايته من الأطماع التوسيعة لتركيا في هذه الولاية.

الآشوريين وفق تحول المنطق الإستعماري البريطاني:
من المعروف أن منطق التحول الإستعماري من الكولونيالي إلى الحديث يقضي بغزو العقول لا غزو الأراضي وذلك عن طريق نصب حاكم أو نخبة حاكمة على سدة حكم دولة مركزية لا تقر للأطراف دوراً وترتبط بمعاهدة ضامنة لمصالحه الإقتصادية والسياسية. بالنسبة للوجود البريطاني في العراق تمثل هذا التحول من المنطق الكولنيالي إلى الحديث في معاهدة عام 1930 التي وقعتها مع الحكومة العراقية وفي تنازل بريطانيا عن نظام الإنتداب عن العراق ومنحه الإستقلال السياسي وقبوله عضواً في عصبة الأمم عام 1932. من خلال هذا المنطق في التحول الإستعماري نفهم سياسة بريطانيا في إستغلال مأساة الآشوريين من أجل تحقيق مصالحها في العراق ومن ثم طرحها للآشوريين خارج المنطق الإستعماري الجديد بعد أن كانوا من أدوات المنطق القديم ولم يعد لهم نفعاً في سماء المنطق الحديث للإستعمار. لذلك كان يقضي على بريطانيا التخلص من الآشوريين بعد أن أستنفذتهم وأستغلتهم في المرحلة الإستعمارية الكولونيالية والبحث عن إدوات جديدة تتوافق مع المنطق الجديد للإستعمار. هكذا وضعت بريطانيا الآشوريين على السفود حتى صيف عام 1933 عندما قام بعض من أدوات المنطق الجديد للإستعمار، أي من رجال السلطة الحاكمة في العراق، بحملة إبادة الآشوريين وذبحهم في بلدة سميل في شمال العراق في صيف عام 1933، وهو الحادث الذي بدا كحادث مدبر من قبل بعض ضباط الإنكليز وعن طريق بعض أعضاء النخبة الحاكمة أمثال بكر صدقي (هناك وثائق تؤكد بأنه كان جاسوس بريطاني) وحكمت سليمان (وزير الداخلية في العراق حينذاك وشقيق طلعت سليمان رئيس وزراء تركيا أثناء مذابح الأرمن والأشوريين)، وغيرهما من الضباط العثمانيين السابقين المتعطشين للسطلة والإستبداد للقضاء على الآشوريين وإتمام المهمة التي لم يتمكنوا من إتمامها أثناء مذابح الحرب الكونية الأولى وبالتالي القضاء على مطالبهم المشروعة في السكن بسلام وأمن في وطن أبائهم وأجدادهم. ويعتبر الآشوريون هذا الحادث (مذبحة سميل لعام 1933) بمثابة تحصيل حاصل للخيانة البريطانية وللحكومة العراقية حينذاك لقضيتهم وللخدمات الكبيرة التي قدموها في بناء العراق الجديد وما يزال يؤكدون هذه الخيانة حتى أيامنا هذه.
وأخيراً:
لعل البعض يتسائل ويقول: أفهل يعقل بأن الآشوريين وهم أقلية صغيرة، رغم مأساوية ظروفهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية، كانوا إلى هذه الدرجة من الرقي  في الوعي الوطني لكي يضحوا الكثير ويقاتلوا من أجل ضم ولاية الموصل إلى العراق و ضمان حدوده الدولية والسعي لوحدة أراضيه؟؟ وعلى نفس المنوال نتسائل أفهل يعقل أن يكون المسلمون من النخبة العراقية السياسية ومعظم عشائر الكورد وغالبية التركمان إلى هذه الدرجة من ضعف الوعي الوطني بأهمية وحدة تربة العراق والتضحية في سلبيه؟؟. إن طرح مثل هذا التساؤل قد يكون مجازاً ومنظوراً إليه بمفهومنا الحالي للوطنية ولظواهرة نشأت في فترات لم يكن مفهوم الوطنية واضحاً خاصة في مرحلة تأسيس دولة العراق ولم يكن له الأولية على المصالح السياسية الضيقة للنخبة أو لفئة أو لقومية أو لطائفة معينة. لهذا السبب فإن كل هذه الفئات عملت بما يفيد مصالحها الخاصة أكثر مما كان يفيد الوطن في تلك الفترة. فالسياسة هي عمل لتحقيق مصالح خاصة، سواء أكانت قومية أم طائفية أم نخبوية، ولا معنى آخر لها. ولكن لكي نجيب على مثل هذا التساؤل، المهم يجب أن نعرف مدى توافق هذه المصالح الخاصة (السياسة) وتطابقها مع المسائل الوطنية. بالنسبة للآشوريين في تلك الفترة كانت مصالحهم القومية والدينية تتطابق جزئياً أو كلياً مع مصالح بريطانيا في خلق كيان سياسي عراقي موحد كان متوقعاً منه أن يكون نظام الحكم فيه أرحم من النظام السياسي في تركيا ويضمن حقوقهم المشروعة ضمن وحدة العراق وكان الآشوريون يملكون أدوات ووسائل تحقيق مثل هذه المهمة والتي تمثلت في قوتهم العسكرية وفي مشروعية مسألتهم القومية وتطابقها مع وحدة العراق. في حين كانت مصالح معظم الكورد والتركمان وللأسباب والعوامل المذكورة سابقاً تتناقض مع مصالح بريطانيا وتتطابق مع مصالح تركيا ومع أن تكون ولاية الموصل لتركيا بدلا من العراق. أما بالنسبة لمصالح النخب السياسية في العراق فقد كانت تتطابق بشكل ما مع مصالح بريطانيا في ضم ولاية الموصل إلى العراق بدلا من تركيا وضمان حدوده ووحدته إلا أنهم لم يكن يملكون الأدوات والوسائل اللازمة لتحقيق هذه المهمة لذلك تركوا الأمر لبريطانيا وللقوات الآشورية للقيام بالمهمة.
من المؤسف حقاً أن يتناول معظم الكتاب والمؤرخين العراقيين المسألة الآشورية في العراق ضمن بنية فكرية تتماشى مع الأفكار والمناهج الإستبدادية للنخب الحاكمة والمتسلطة في تعاملها مع التطلعات المشروعة للأقليات القومية في العراق بما فيهم الآشوريين. فعلى الرغم من الدور الإيجابي للآشوريين في مقارنته مع المتغيرات الأخرى في دفع النزاع وحل مشكلة الموصل لصالح العراق على حساب تعاظم مأساتهم ومعاناتهم، وعلى الرغم من الإجحاف الظالم لبريطانيا بحق الآشوريين وجعلهم كبش الفداء لتحقيق مصالحهم وترسيخ حدود كيان العراق السياسي، وعلى الرغم من زوال النظم الإستبدادية في العراق، ونأمل أن تكون بغير رجعة، فإنه لايزال ينظر إلى حقوق الآشوريين من قبل بعض القوى العراقية والنخب المسيطرة على مقدرات العراق الحاضر بنوع من التردد وعدم المبالات والتجاهل وإغفال عراقتهم وتاريخهم والدماء التي أزهقوها على تربة العراق منذ عهود طويلة من أجل العيش بأمن وسلام مع بقية أبناء الشعب العراقي.

وطبقا لما تقدم نتسائل إلا يستحق الآشوريون بكل تسمياتهم الحضارية والتاريخية (الكلدانية والسريانية) أن يحكموا أنفسهم ويتمتعوا بالأمن والإستقرار في مناطقهم التاريخية التابعة لـ "ولاية" الموصل والتي كانت تشمل حينذاك محافظات دهوك وسليمانية وكركوك وأربيل؟.  فلولا دور الآشوريين الفاعل والمؤثر ولولا تعاظم مأساتهم ومعاناتهم لما كانت اليوم أراضي هذه المحافظات جزء من العراق. تصوروا لو كانت أراضي ولاية الموصل قد ألحقت بتركيا فأن حال الكورد في أربيل وسليمانية وكركوك ودهوك كان كحال الكورد الحالي في تركيا وكانوا مجرد "أتراك الجبال". والحال نفسه بالنسبة للعرب القاطنين في هذه المحافظات فأنه من المؤكد كان قد أصبح حالهم كحال عرب الأهواز في إيران. لا بل لكانت هذه المسألة أصبحت من أعقد المشاكل وأصعبها بالنسبة للحكومات العراقية المتعاقبة على الحكم ومصدراً للكثير من القلاقل والمشاكل الحدودية مع تركيا فيما إذا كان قد ألحقت أراضي ولاية الموصل بتركيا.  ولا أدي كيف نتصور حال التركمان في حالة ضم الموصل إلى تركيا فيما إذا كانوا قد أعتبروهم مواطنين أتراك من الدرجة الأولى أم الثانية؟.  
أفهل يفهم رجال الحكم والسياسة والفكر والسلطة في العراق هذا أم ستبقى أذانهم صماء وعيونهم مغلقة وأدمغتهم متحجرة مثلما كان يفعل رجال الأنظمة الإستبدادية السابقة التي سادت في العراق؟؟؟ .... أملاً أن يكون الجواب بالنفي، حينذاك سوف نؤمن بأن الدعوات التي يطلقها هؤلاء في الديمقراطية والتعددية وحماية حقوق الإنسان والأقليات تكتسب مصداقية مقبولة لدى الجميع خاصة لدى الذين عانوا كثير الكثير من أجل وحدة العراق وضمان إستقراره، وهو الأمل الذي ينشده معظم أبناء الأمة "الكلدانية السريانية الآشورية" وقواهم السياسية.  





287
كيف نفهم السياسة القومية: وجودنا القومي، الحكم الذاتي، يونادم كنا....

                                                                                                                أبرم شبيرا
توطئة:
جميل جداً أن نرى أبناء أمتنا مهتمين بشكل كبير في المسائل القومية والسياسية، خاصة عندما تكون هذه المسائل مصيرية متعلقة بأمتنا ومستقبلها في وطن الأباء والإجداد، وهي ظاهرة إيجابية تدل على مستوى متطور من الوعي القومي والسياسي لدى أبناء أمتنا "الكدانية السريانية الآشورية". ولا أخفي سراً أن أقول بأنني أستغربت بل تعجبت من العدد الكبير لقراء ومداخلات على ما كتبته تحت عنوان "نداء عاجل إلى ممثلي أمتنا في البرلمان ومجالس المحافظات... إستقيلوا رحمة بدماء شهدائنا" والذي عرضته مشكورة شبكة عنكاوه دوت كوم ضمن باب "الحوار الهادي". ولكن، وكما نعرف بأن مثل هذه المداخلات التي تتمحور حول مسائل مصيرية معقدة، لا تخلوا أبداً من بعض الإنتهاكات لحدود "الحوار الهادئ" وتتجاوزه نحو الإهانات والسباب والتهم التي لا تمت بأية صلة بالموضوع المطروح ولا بالسياسة والمسائل القومية التي تهمنا في هذا الزمن الغادر الذي لا يرحم أحد خاصة الصغير والضعيف.

السياسة = عمل لتحقيق المصلحة العامة
علينا جميعاً أن نفهم بأن السياسة والمسائل القومية وإبداء الرأي فيها لا تملك صفة الإطلاق والشمول. فليس هناك رأي سياسي صحيح ومطلق وشامل بل كل شيء نسبي. فمثلما لي رأي فلك رأي أيضا وكل جانب له الحق أن يعتز برأيه ويدافع عنه. فالذي يتحكم في صحة الرأي أو خطئه هو مصداقيته ومدى منفعته للصالح العام عند تطبيقه وممارسته في الواقع العملي، فالتطبيق هو الفيصل في تقرير طبيعة كل رأي. يقال عن السياسة بأنها علم وفن، وبعبارة أخرى هي فكر وممارسة. فكلنا نملك أفكار سياسية وقومية قد تكون منطقية ومقبولة ولكن الحكم عليها في مدى صدقها وصحتها يكون بتطبيقها وممارستها على الواقع لبيان مدى فائدتها ومنفعتها للأمة أو لغالبية أبنائها. فالسياسة بشكل أوضح هي تحقيق المصلحة العامة ولا يمكن أن تكتسب هذه المصلحة الصفة العمومية لتشمل غالبية أبناء الأمة إلا عندما تكون "نفعية" أي نافعة. فالحقائق التاريخية تؤكد بما لا تقبل الشك بأن البراغماتية "الفلسفة النفعية" قد أنتصرت في المجتمعات الغربية المتقدمة وتطورت بلدانها بعدما تنورت بالفلسفات البراغماتية وطبقت بما هو مفيد ونافع. فالكتب الفلسفية مليئة بمفاهيم الصراع بين البراغماتية والإيديولوجية الذي كان الشكل النظري للصراع بين الرأسمالية والشيوعية وشكلاً آخراً للحرب الباردة أو صراع القطبين والذي أنتصرت فيه البراغماتية على الإيديولوجية خاصة في بداية التسعينيات. لنأخذ الماركسية كأيديولوجيا، على سبيل المثال لا الحصر، فهي أعظم فلسفة أنجبها التاريخ خلال القرنين الماضين ولكن مدى أهميتها للشعوب والإستفادة من الجهود العظيمة التي بذلها كارل ماركس ورفيقه فريدريك أنجلز في تحليل المجتمعات وتطورها كان يكمن في كيفية قراءتها وفهمها وتطبيقها بالشكل الصحيح والمفيد. انهار الإتحاد السوفياتي وبقية بلدان كتلته بعد قرائتهم وتطبيقهم للماركسية بشكل خاطئ ونقلها إلى مرحلة الشيوعية ورأسمالية الدولة أو بالأحرى رأسمالية الحزب الواحد والنخبة الحاكمة، خاصة في الفترة الستالينية وما أعقبها. في حين نرى على العكس من هذا، ففي البلدان الغربية الديمقراطية والمعروفة بـ "الرأسمالية" فإنها لم ترفض الماركسية رفضاً قاطعاً، رغم معاداتها لها، بل قرأتها قراءة دقيقة حذرة وإستفادة منها في فهمها للعيوب التي تعتري النظام الرأسمالي وتسبب في إنهياره والتي أكتشفها ماركس، فعدلت من سياساتها وبشكل الذي ينفع غالبية أبناء المجتمع، خاصة في بريطانيا والتي كان ماركس يعقتد بأنها الدولة الأولى التي ستتحول إلى الإشتراكية بسبب تطور الصناعة وقوة تنظيم القوى العاملة فيها. غير أن الأمر لم يحدث بل على العكس من ذلك حيث تطورت القوى العاملة ووصلت إلى مراحل متطورة ومترفة لذلك يعتبر التنظيم العمالي ونظام الضمان الإجتماعي والصحي في بريطانيا من أرقى الأنظمة في العالم. والحال لا يختلف كثير عن بقية البلدان الغربية الديمقراطية فحتى الأحزاب الماركسية فيها رفضت الكثير من الأفكار الشيوعية وعدلت من إستراتيجيتها في التعامل والمشاركة في النظام الديمقراطي وساهمت في تطوره وتقدمه ضمن الحدود الدستورية للدولة. وأخير نقول بكل وضوح، السياسة الناجحة هي التي تفيد الأمة أو غالبية أبناؤها، أي بصريح العبارة هي عمل لغرض تحقيق المصلحة العامة التي تطغي على المبادئ والقيم المثالية والإيديولوجيا.

هكذا فالحال ينطبق على الأفكار والمبادئ السياسية والقومية لأبناء أمتنا. فمما لا شك فيه بإن معظم أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية تحمل أفكار ومبادئ قد تكون نبيلة وراقية ولكن لا يمكن التحقق من مدى منفعتها إلا عن طريق تطبيقها على الواقع العملي. ولقد سبق وذكرنا مراراً وتكراراً بأن الحزب السياسي، بالمعنى العلمي الصحيح للحزب، لايمكن أن يحقق أهدافه إلا عن طريق الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها. من هذا المنطلق لا يمكن أن نحكم على حزب معين في مدى نجاحه في حياته السياسية وتحقيق أهدافه والتي من المفترض هي أهداف غالبية أبناء الأمة إلا عندما يصل إلى مواقع السلطة أو يشارك فيها ويعمل على تحقيق أهدافه لصالح الأمة. تعتبر الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) نموذجاً لحزب سياسي بكل معنى الكلمة التي إستطاعت المشاركة في السلطة وتحقيق بعض الأهداف القومية لمصلحة الأمة ومنفعتها خاصة في إقليم كردستان وقبل سقوط النظام البعثي في العراق في نيسان عام2003. غير أن الواقع العملي يؤكد بما لا يقبل الشك بأنها لم تستطيع تحقيق أي هدف يصب في مصلحة الأمة من خلال مشاركتها في برلمان العراق لا وبل حتى ممثلي أمتنا في مجالس المحافظات لم يستطيعوا أن يعملوا شيئاً يفيد هذه الأمة ويطبق على الواقع العملي في مقارنة مع حجم المأساة والفواجع التي بمر بها أبناء هذه الأمة ويهدد وجودهم الشخصي والقومي.

يتصور البعض بأن الإشارة إلى هذا العجز في تحقيق المنفعة للأمة من خلال المشاركة في السلطة هو تقليل من قيمة ممثلي أمتنا في البرلمان ومجالس المحافظات وتجاهل لجهودهم المضنية المبذولة في خدمة الأمة. والبعض الآخر يرجع سبب هذا العجز إلى ضعف إداء ممثلي أبناء امتنا في هذه الهيئات. هذه تصورات خاطئة وتعبر عن قصر نظر للأمور السياسية والقومية والظروف السياسية السائدة في العراق والقوى المتحكمة في مقدراته. قبل كل شيء نحن لا نشك إطلاقاً في صحة وقانونية تمثيل هؤلاء لأمتنا لدى هذه الهيئات ولا في قدراتهم السياسية والفكرية وإستعدادهم للعمل والتضحية في سبيل هذه الأمة سواء أكنا متفقين مع أجندتهم السياسية أم لا، فهم منتخبين من قبل أبناء الأمة ولا يهم هنا عدد الأصوات أو عدد المقترعين طالما فازوا بأكثرية الأصوات المقترعة. أن سبب عجز ممثلي الأمة في مهمتهم يرجع بالأساس إلى طبيعة الظروف والأجواء السياسية والفكرية المهيمنة على هذه الهيئات والتي يعملون ضمنها والتي سبق وأن فصلنا فيها في المقال السابق. فالقوى السياسية والفكرية المهيمنة على مقدرات عراق اليوم لا تؤمن في كوامنها الفكرية وفي تربيتها الطائفية بالغير ولا بحقوق الآخر طالما هي في تعارض أو تناقض مع تطلعاتها الدينية والمذهبية منها والتي لها سلطة مطلقة على حياة العراق السياسية في أيامنا هذه. إن المسألة ليست بالكلام عن الديمقراطية وعن بعض السطور الدستورية في التعددية بل في الفكر والممارسة ومساعدة الطرف الأضعف في المعادلة لكي يتم تحقيق التعددية والديمقراطية وليس بترك الصغير طعاماً لضباع الأرهاب والتطرف. أعيد وأكرر هنا مرة أخرى وأقول أن تمثيل أبناء أمتنا في البرلمان ومجالس المحافظات ليس للأمة أية منفعة أو مصلحة بل المستفيد الوحيد هم القوى المهيمنة على الحكم في العراق وهي في غالبيتها طائفية مذهبية حيث تستعملهم كـ "ديكور" لديمقراطيتهم وتعدديتهم لكسب عطف ومساعدات الدول الديمقراطية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. إذاً لماذا أترك غيري يستفيد من وجودي إلى جانبه وأشاركه في عمليته السياسية وأنا اطلع من المولد بدون حمص، كما يقول المثل، فمن الأفضل أن أتركه وأتخلى عن المشاركة في العملية السياسية وأغسل يدي وأبرئ نفسي من دماء شهدائنا الأبرار التي أسيلت بفعل الجهات المهيمنة على مقدرات العراق سواء بقصد أو بأهمال أو بجهل.

وقبل أن أختم هذا الفصل، أود هنا أشير إلى بعض النماذج البسيطة جداً ولكن ذو مغزى كبير فيما يخص موضوعنا هذا. قبل فترة كنت أشاهد مقابلة في قناة فضائية عراقية مع أحد زعماء القوى المسيطرة على الحكم في العراق عن مجزرة كنيسة سيدة النجاة، تصورا كان يستنكف هو والقناة الفضائية أن يذكروا أسم الكنيسة بشكل كامل (سيدة النجاة) بل كانوا يشيرون إليها بـ (كنيسة النجاة) فقط لأن عقولهم العفنة لا تقبل أن تكون أم ربنا يسوع المسيح سيدة للنجاة، هذا شأنهم ولكن القيم الأخلاقية تلزم المسؤولين بتسمية الأشياء بأسمائها. في مؤتمر صحفي لوزير عراقي، طبعاً هو عضو بارز في أحدى القوى المسيطرة على العراق، بخصوص مذبحة كنيسة سيدة النجاة كان يرد على سؤال فيما إذا كان الأمريكان قد ساعدوا القوات العراقية في إقتحام الكنيسة، فبعد بيان نوع المساعدة وعند وصوله إلى موضوع إستخدام الكلاب البوليسية في العثور على الجثث تحت الأنقاض أو القنابل غير المتفجرة تردد وتلعثم ثم قال (تكرمون إستخدم الجلاب أيضا) لأن حسب عقيدته، رغم أنه تخرج من الجامعات الغربية، الكلب حيوان نجس فيجب أن يتكرم الإنسان قبل لفض أسم هذا الحيوان الذي يعتبر أخلص صديق للإنسان والذي كان شجاعاً وشاطراً أكثر من غيره في دخول الكنيسة المدمرة والبحث فيها. هذا من طرف أما من طرفنا، فقبل بضعة أيام كان في قناة فضائية لبنانية مقابلة مع وزيرة حقوق الإنسان في العراق وهي من "المكون المسيحي" في الوزارة العراقية "العالقة" عن مذبحة كنيسة سيدة النجاة تكشف بشكل واضح عن موقفها المتناقض في كونها ممثلة للمسيحيين في الوزارة و عضوة في هذه الوزارة عندما كانت تنتقد الحكومة، وهي جزء منها، عن ضعف إداء الحكومة في حماية المسيحيين. واليوم يبحث السيد نوري المالكي عن شخصية مسيحية لتوليه حقيبة وزارية!!! وهي الحقيبة التي لا تخدم إلا المالكي وأتباعه وليس أبناء أمتنا. أكرر مرة أخرى وأقول أن البقاء في الهيئات البرلمانية والمحلية والحكومية لا يخدم إلا "السيد" وليس لنا منها لا ناقة ولا جمل. 

الإرهاب يهدد وجودنا القومي والديني:
ليس بالأمر الغريب والجديد أن نؤكد بأن عواصف الأرهاب والتطرف الديني يعصف بالعراق وبجميع العراقيين دون إستثناء فهو، أي الإرهاب، متساوي في إرهابه ووحشيته إلا أن ضحية هذا الإرهاب تختلف من جهة إلى أخرى. فالغريب والمثير للعجب والدهشة أن لا يدرك الكثير من سياسيين وبعض من مفكرينا وكتابنا حقيقة ونوعية نتائج هذا الأرهاب. إذ الكثير منهم يلجاً، مقلداً بذلك تبرير وفشل الحكومة وتوابعها في الحفاظ على الأمن والاستقرار، إلى التأكيد الملح على أن الإرهاب ليس موجهاً ضد المسيحيين فقط بل ضد كل العراقيين من مختلف توجهاتهم القومية والدينية من دون الإشارة أو حتى التلميح إلا إختلاف نتائج هذا الإرهاب على المسيحيين عن المسلمين كافة. فإذا دمر الإرهابيون مسجداً أو حسينية فهناك مئات بل الألاف من المساجد والحسينيات ولكن إذا دمروا كنيسة واحدة فهناك فقط العشرات منها. وإذا قتلوا مسلماً واحداً فهناك أكثر من 25 مليون مسلماً ولكن إذا قتلوا مسيحياً واحداً فهناك أقل من نصف مليون مسيحي باقي في العراق حازماً حقيبته ومتهيئاً للسفر إلى بر الأمان والسلامة بعيد عن الإرهاب والتطرف الإسلامي. أعجبني جداً رد الصديق وليم نرسي رئيس جمعية حمورابي لحقوق الإنسان في العراق أثناء مشاركته في ندوة تلفزيونية في قناة "الحرة" في برنامج "بالعراقي" عندما هب ورد وبحماس منطقي على أحد المشاركين في الندوة عن كون الإرهاب يهدد الجميع دون إستثناء وليس مقصوراً على المسيحيين فقال "هذا خطاً كبير لإن الإرهاب يهدد وجود المسيحيين القومي والديني في العراق ولا يهدد شخص أو مجموعة أشخاص في حين الأمر ليس كذلك مع الآخرين غير المسيحيين فالأعمال الإرهابية لا يهدد وجودهم القومي والديني في العراق".

إن حماية المسيحيين في العراق، وبالأحرى حماية وجودهم القومي والديني، مسألة يستوجب أن تستقطب إهتماماً إستثنائياً خاصا وإن لا تخلط الأوراق وينتهي وجودهم بحجة الإرهاب الذي يشمل الجميع. لنأخذ المثال التالي: العراق كرمة خضراء مليئة بالأشجار بمختلف الإنواع والأحجام والألوان. فمن حيث المبدأ وفي الظروف الإعتيادية على صاحب الكرمة أن يهتم بكل الأشجار مهما كان نوعها او حجمها. ولكن عندما تهب على الكرمة عاصفة هوجاء فلا شك بأن جميع الأشجار سوف تهتز وتتأثر بها وقد تتناثر أوراقها أو تتكسر أغصانها وكل طبقاً لحجم الشجرة وقوتها. ولكن أكثر الأشجار تهديداً وضرراً ستكون الأشجار الصغيرة والضعيفة لذلك على صاحب الكرمة أن يولي إهتماماً خاصاً وإستثنائيا بهذه الأشجار خاصة عندما تكون هذه الأشجار من النوعية النادرة والثمينة ومعرضة للإنقراض والفناء. هكذا هو حال المسيحيين في العراق. فإذا كان صاحب الكرمة لا يدرك هذه الحقيقة فأنه سيكون هو الخاسر الأول في نهاية المطاف. ولقد تبينت كل الحقائق الفكرية والواقعية، خاصة أثناء وبعد مذبحة كنيسة سيدة النجاة وما تلاها من هجمات على بيوت المسيحيين كحلقة من حلقات سلسلة حملة القضاء على الوجود المسيحي في العراق بأن صاحب الكرمة غير مهتم بهذه الإشجار الصغيرة والنادرة إهتماماً فعليا يحافظ على بقائهم وإستمرار وجودهم.

في بداية العقد الرابع من القرن الماضي طالب "الآشوريون" بزعامة بطريركم مار إيشاي شمعون طيب الله ذكراه الحكومة العراقية إسكان الآشوريين المهجرين من منطقة حكاري في منطقة واحدة متنجانسة في شمال العراق إلى جانب بقية المناطق المسكونة من قبل الآشوريين لكي يتمكنوا من الحفاظ على تقاليدهم وعاداتهم ووجودهم القومي والديني، غير أن زبانية الحكومة العراقية حينذاك أصروا على إسكانهم في مناطق متعددة ومفقرة وبالتالي جاء هذا الإختلاف كسبب من أحدى الأسباب في إرتكاب جريمة مذبحة سميل. واليوم يتعرض أبناء أمتنا إلى أكثر من مذبحة سميل شدة وخطورة على كيانهم القومي والديني في عراق في الوقت الذي الكثير من سياسيي ومفكري أمتنا يترددون أو يرفضون قيام كيان خاص بالمسيحيين في العراق.. إن مصلحة الأمة تفرض على جميع أحزابنا ومنظماتنا القومية في الوقت الحاضر أن لا تهتم وتضيع الوقت في مناقشة نوعية أو تسمية هذا الكيان سواء أكان حكم ذاتي أو إدارة محلية أو محافظة مسيحية أو حتى دولة أو إمبراطورية، فالمشكلة ليست بالتسميات القانونية والسياسية طالما لم يعد هناك من قانون أو سياسة تحمي المسيحيين في العراق بل في ضرورة وجود مثل هذا الكيان كضامن وحيد للحفاظ على الوجود القومي والديني لأمتنا. لقد سبق وأن أكدنا مراراً وتكراراً بأن الأمة لا يمكن أن تحافظ على كيانها وممارسة حقوقها كاملة إلا بتواجد مجموعة شروط ذاتية وموضوعية، والذي يهمنا هنا هي الشروط الموضوعية التي تكمن في حجم أبناء الأمة وتركزها الجغرافي، وهي الشروط المطلوبة لكل كيان سياسي وقانوني خاص بأبناء أمتنا. صحيح قد تكون بعض الظروف الحالية غير مشجعة للعمل الفعلي لخلق مثل هذا الكيان القومي والديني لأمتنا ولكن المطالبة به والتخطيط له أمرُ مطلوب من الجميع خاصة من أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية. لقد كان إجتماع عنكاوة في يوم 26.11.2010 لقادة القوى السياسية لأبناء أمتنا مبهجاً جداً ومفرحاً للجميع دون إستثناء خاصة فيما يخص البحث والتداول في موضوع إيجاد كيان خاص لأبناء أمتنا ولكن الإختلاف حول نوعية هذا الكيان أمر غير مقبول ولا يدل على الدراية السياسية للكثير منهم. كما أن موضوع مطابقته للدستور مسألة لم تعد لها أهمية في ضوء الفلتان الأمني القاتل لوجودنا القومي والديني في العراق. فالمهم أن يعلو صوت المطالبة بمثل هذا الكيان وكما هو دارج في الحياة السياسية فأن معظم المطالبات السياسية والقومية تبدأ من حدودها القصوى من دون مراعاة لا للدستور ولا للقانون خاصة في الظروف الإستثنائية، فالمصلحة القومية تكون فوق جميع الإعتبارات ثم بعد ذلك تأتي مرحلة التفاوض حول المطالبات ومدى إمكانية التنازل أو الإستغناء عن بعضها والإبقاء على المطالب الأساسية والجوهرية غير القابلة للتفاوض أو التنازل. هكذا يجب أن تبدأ المطالبة بحق أمتنا في الحكم الذاتي لمناقشة موضوعه وتطبيقه مع القوى المتسلطة على الحكم في العراق ثم يتم خلال المناقشات البحث عن نوعية الحكم الذاتي ونطاق صلاحته التي سوف تحدد تسمية الكيان سواء أكان فعلاً حكم ذاتي أم إدارة محلية أم محافظة "مسيحية" وغير ذلك ومدى مطابقته لمصلحة أمتنا أولا ثم الدستور والقوانين ثانية. إذن يجب قبل كل شيء أن يتفق قادة أحزابنا السياسية على مبدأ المطالبة بالحد الأقصى لحقوقنا القومية ثم بعد ذلك تأتي التفاصيل الدستورية والقانونية ومدى إمكانية نقل المطالبة إلى الواقع العملي.

يونادم كنا:
أخيرا أود أختم هذا الموضوع بفصل عن الإستاذ يونادم كنا لأنه يظهر من المقال السابق الخاص بدعوة ممثلي أمتنا بالاستقالة من الهيئات الحكومية بأن هو المقصود بالدرجة الأولى.  إن رابي يونادم  يسحتق الكتابة عنه أكثر من فصل وكتاب ذلك لكونه لولب السياسة القومية في عصرنا الحالي. لقد عرفته منذ فترة طويلة وعبر مراحل عمرية متعددة من الصبا والمراهقة والدراسة الإعدادية والجامعية ومرحلة النادي الثقافي الآشوري في بغداد وتأسيس زوعا والمراحل الصعبة والإعتقالات التي مرت بها وأيضا خلال فترة الإنجازات التي حققتها خاصة في كردستان العراق وحتى يومنا هذا. فإذا كان موضوع كفاءته السياسية والفكرية خاضعاً لتقديرات شخصية غير أن إخلاصه لأمته وتفانيه من إجلها وقدرته على العمل في أقسى الظروف وأحلكها والتعامل مع الغير والمختلف مسألة مؤكدة منها لا أشك فيها إطلاقاً. لقد سبق وأن أكدنا في مقال سابق بأن أكثر الشخصيات السياسية في أمتنا المعرضة للنقد وأحياناً للتهجم هو الإستاذ يونادم والسبب في ذلك أرجعناه في كونه أكثر الشخصيات الفاعلة على الساحة القومية والوطنية. فالذي يعمل يحقق إنجازات وأهداف وكذلك يخفق ويخطأ أيضاً، وهي مسألة طبيعة خاصة في الحياة السياسية التي تزدحم فيها التناقضات القومية والدينية وتتعاظم التحديات المصيرية كما هو حالنا في العراق.

هذه الحقيقة يصعب على البعض من ضيقي الأفق والفكر فهمها. فإذا قيمنًا الأستاذ يونادم على ما عمله وحققه أستخرج المناهضين له قولاً بأنه مدح وتمشدق به، وإذا إنتقدنا فشله وإخفاقه هبً بعض المحسوبين عليه وعلى زوعا وقالو بأنه تهجم على "صديقنا" وهذا لايجب. أُوكد ما سبق وأكدناه مراراً وتكراراً بأن مثل هؤلاء يضرون بسمعة أبو يوسف وبزوعا أكثر مما يفيدونهم، فهؤلاء الذين يعتقدون بأن الأستاذ يونادم هو قديس لا يخطأ ومحصن ضد أي نقد بناء هو أمر في غاية الخطور يستوجب على زوعا عدم التصفيق له أو مؤازرته بل إستئصاله إذا كان جزء منها وإنكاره إذا كان من مؤيديها. من هذا المنطلق النقدي والذي نعتقد بأنه بناء تأتي دعوتنا إلى إستقالة ممثلي أمتنا في البرلمان، وبالأخص الإستاذ يونادم، ومجالس المحافظات لأن جهودهم ضائعة وفي غير محلها. فلعبة الكوتا التي تفيد الغير أكثر مما تفيد أمتنا تخلق وعياً زائفاً بأن الحكومة والقوى المسيطرة على مقدرات العراق منحت لنا الحقوق السياسية والقومية ولكن نحن أو ممثلي أمتنا لا يستطيعون العمل شيئاً وبالتالي يصبح موضوع المطالبة بالحقوق القومية وتطبيقها وممارستها أمر مشكوك فيه.   


288
نداء عاجل إلى ممثلي أمتنا في البرمان ومجالس المحافظات ... أستقيلوا رحمة بشهدائنا


أبرم شبيرا

هكذا ومنذ البداية نعيد إطلاق هذا النداء إلى جميع ممثلي أمتنا المعروفة دستوريا بـ (الكلدانية السريانية الآشورية) أن يستقيلوا من البرلمان ومن جميع مجالس المحافظات ويتركوا مسخرة الديمقراطية التي ما هي إلا تراجيديا مأساوية بحق هذا الشعب العريق. قبل بضعة سنوات وأثناء المشاركة في محاضرة في ديترويت في الولايات المتحدة أطلقت مثل هذا النداء كرد عملي ضد هضم حقوقنا القومية في الدستور العراقي. واليوم نعيد هذا النداء مرة أخرى في وضع أسوء بكثير مما كان عليه في الماضي... الكل يؤكد بأن هذه المذبحة هي الأكثر دموية ووحشية مما سبقتها ومن المؤكد فإن الأرهابين لا يتوقفون عند هذا الحد بل هدفهم الأساسي هو تنظيف الديار الإسلامية من "القردة والخنازير" كما يطلقون علينا. أن ما جرى في السابق وفي كنيسة سيدة النجاة وما سيجري في المستقبل القريب له بكل تأكيد إمتدادات أخطبوطية في أروقة الحكومة والبرمان وفي دهاليز القوى المسيطرة على مقدرات العراق وبالتالي نقولها بملئ الفم بأن هذه الجهات هي التي تتحمل المسؤولية إلى جانب المنظمات الإرهابية عن كل ما يجري بحق أمتنا وعلى ممثلي أمتنا أن لا يشاركوا في هذه المسؤولية.

إن مهزلة "الكوتا المسيحية" هي عنوان لمسرحية تراديجية جعلوا منا أن نمثلها على مسرح الجريمة ونشارك فيها من أجل أن تضحك علينا القوى الظالمة المسيطرة على العراق ونحن نبكي ونسيل دماء أبناؤنا... المعروف قانونياً وسياسياً عن الكوتا هو ضمان حقوق أقلية ليس لها قوة وتأثير حتى تستطيع أن تضمن وصول ممثليها إلى مراكز صنع القرار السياسي لضمان حقوقها الدستورية وتتجنب هيمنة الأكثرية عليها وإخضاعها لبرامجها الخاص بها. هكذا يكون في الدول الديمقراطية التي تتحكم فيها عقول ديمقراطية وتسود فيها مبادئ وممارسات ديمقراطية حقيقية وليس شكلية أو لفظية كما هو الحال في العراق. نحن متأكدون بأن الغالبية العظمى في الحكومة العراقية وفي البرلمان ومجالس المحافظات لا يؤمنون، لا فكريا ولا مبدئيا ولا ممارسة، بالحقوق القومية والدينية لأبناء أمتنا. هذه حقيقة معروفة من خلال ممارستهم للعمل السياسي وفي أحيان أخرى من سلوكيات وتصريحات في معظمها، أن لم تكن معادية بل هي متجاهل كل التجاهل عن الوجود القومي لأمتنا في العراق وعن أصالتها التاريخية وحقها الطبيعي في ممارسة كامل حقوقها مثلها مثل الآخرين من الأكثرية، حيث أصبحنا كـ "ديكور" في تلطيف وتحسين ممارسات القوى المهيمنة حتى يعطوا إنطباعاً جيداً للعالم الديمقراطي.

  إلى متى نظل نستنكر ونخرج في مظاهرات "سلمية" إحتجاجاً على المذابح التي ترتكب بحق أمتنا، أليست كافيا الدماء الطاهرة التي أزهقت في كنيستنا "سيدة النجاة" لكي نترك كراسي الدماء والجريمة في العراق ونبرئ أنفسنا من المشاركة في هذه الجريمة، ودماء شهدائنا لازالت تفور على أرض الكنيسة والمنطقة المحيطة بها. لنترك مهزلة اللعبة السياسية التي نشارك فيها في الوقت الذي يذبح أبناء أمتنا المسالمين لأننا نحن الخاسرين وهم، سواء أكان الأرهابيون الذين نفذوا مذبحة سيدة النجاة أم حكومة الشبح والقوى المسيطرة على مقدرات العراق، هم الرابحون أولاً وأخيرا. يقول البعض بأنه هذا ليس حلاً لوضع حد لهذه المأساة والمذابح... هذا صحيح، ولكن أقولها بصراحة بأنه لم يعد هناك حلا لمأساتنا في العراق طالما هناك من سيطرة على مقدرات العراق لا يؤمن بالإختلاف المشروع ولا يقر حقاً للغير والمختلف, فالحل الوحيد هو أن يكون لأمتنا حكماً ذاتياً في مناطقهم التاريخية ويجب على كل قوانا السياسية والدينية أن يعلنوا صراحة وعلناً ويطالبوا بهذا الحق كضمان وحيد وأساسي للبقاء في أرض الأباء والأجداد. أما من يتضرع ببعض الكلمات السخيفة في الكتيب الذي يسمى بـ "الدستور" في الوقت الذي يستمر القتل والخطف وتدمير كنائسنا وسلب بيوتنا والقضاء على حياتنا، حينذاك نقول لمثل هذا الدستور "طوز" في مثل هذا السدتور، كما يقول المصريون.  

نحن الخاسرون من المشاركة في اللعبة السياسية في العراق لأنه يضيف ويعطي للذين لا يؤمنون بحقوقنا تذكرة مرور إلى الرأي العام العالمي والدول الغربية الديمقراطية ليقول بأن حقوق الأقليات مضمونة في العراق، فحالهم كحال النظام البعثي المقبور الذي كان يتحجج ويعتمد على بعض قصاصات الورق تبين للمنظمات الدولية بأن حقوق الأقليات في العراق مضمونة في الوقت الذي كان يعلق أبطال أمتنا على المشانق ويرميهم في مهالك السجون. لماذا نلوم ممثل أمتنا في مجلس محافظة الموصل عندما يترك المجلس ولا يحضر إجتماعاته طالما هناك أكثر من عشرين ممثل في هذا المجلس عيونهم عمياء وأذانهم صماء لا يرون الواقع ولا يسمعون إلى دعوات وشكاوى ممثل أمتنا. فعندما يطرح موضوع، مثلاً كموضوع توزيع أراضي للغير في قضاء الحمدانية للتصويت في المجلس فمن المؤكد إن الغالية العظمى تصوت لصالحه. إذن ما الذي يستطيع أن يفعل صوت أو صوتين لممثلي أمتنا في هذا المجلس طالما الكل لا يؤمن بحق أهل الحمدانية أن يعيشوا في أرضهم أحرار ويحافظون على تقاليدهم وعاداتهم المورثة منذ قرون طويلة؟؟. والحالة أسؤ بكثير مع ممثلي أمتنا في القبة التي سميت بـ "البرلمان". نحن لا نشك إطلاقاً بالقدرات السياسية والفكرية والنضالية لممثلي أمتنا ولكن مع الأسف الشديد أن كل الطاقات والجهود المبذولة في شأن حماية أمتنا من نيران الحقد والكراهية ذهبت وتذهب هباءاً لأن بضعة أصوات "الكوتا" لا تقوى أمام العقلية الظلامية التي تسيطرة على كراسي القبة. أفليس هذا حكم الأكثرية وهي الديمقراطية بعينها. إذن لماذا نشارك في هذه العملية القذرة ونحن الخاسرون أولاً وأخيراً وغيرنا يربح على حسابنا؟؟.

يقول نائب وزير الدفاع بان عملية إقتحام كنيسة سيدة النجاة كانت "ناجحة"!!!  أليست هذه مهزلة من رجل من المفروض أن يكون قد درس علم الحساب والجبر.... لقد قتل أكثر من نصف المحتجزين في الكنيسة ويقول بأن العلية كان ناحجة... بالله عليكم هل هذا منطق، أليست هذه بكل معنى الكلمة جريمة أخرى شاركت القوى التي أقتحمت الكنيسة مع الإرهابيين. أتسائل وبكل صراحة وبدون أي قصد مذهبي وأقول لو كان الإرهابيون قد أحتجزوا مثل هذا العدد في مسجد أو حسينية أفهل كانت القوات الأمنية تقوم بإقتحام المسجد أو الحسينية وتعريض العدد الكبير من المصلين للقتل والإصابات. وحتى نبتعد عن النوايا السيئة التي قد تتهمنا بالقصد المذهبي أو الديني، لنقل كان الرهائن في نادي أو مجمع أو حتى مدرسة أو جامعة أعتقد بأن القوات الأمنية كانت قد فكرت ملياً وبحثت في وسائل أخرى لتخليص الرهائن ولن تقوم بهذه العملة الإقتحامية المتهورة التي أودت بحياة أكثر من خمسين بريئاً وعشرات الجرحى. اليس هذا الحدث يثبت بأن الدماء المسيحية رخيصة لدى رجال الحكم والسياسية في العراق؟؟؟ لقد دفعنا الثمن غالياً جداً حتى يثبت هؤلاء بأنهم قادرون على السيطرة على الأعمال الإرهابية، في الوقت الذي شاركون هم الأرهاب بحق أبناء أمتنا وهم في كنيسة يتذرعون إلى الله من أجل المحبة والسلم بين الجميع.

إن إستقالة ممثلي أمتنا من البرلمان ومجالس المحافظات سيترك أثراً على المستوى الداخلي والخارجي ويثير الرأي العام على المستويين وتصبح قضيتنا أكثر إثارة وإهتماما وكذلك تصبح دماء شهدائنا أكثر إشراقاً وزكاءا وسنبرئ أنفسنا من المشاركة في العملية القذرة التي تسمى بـ "السياسية" في العراق... أية عملية يتحدثون عنها في الوقت الذي لا زال العراق بدون حكومة منذ أكثر من سبعة أشهر... لماذا؟ هل السبب سياسي أم دستوري أم فكري... لا وألف لا... أنه الطائفية القذرة هي التي تتحكم في الأمور وتضع الحدود والسدود بين أبناء شعب العراق الذي هو في التحليل الأولي والآخير ضحية هذه الممارسات ونحن بأعتبارنا الحقلة الأضعف بين أبناء هذا الشعب فأن المصائب والويلات تأتينا من كل صوب وجهة... من كل طائفة أو حزب أو منظمة إرهابية في العراق.

يا ممثلي أمتنا في البرلمان ومجالس المحافطات، نحن نعرفكم جيداً ونعرف تضحياتكم ونضالكم ومعاناتكم من أجل هذه الأمة، فكروا في هذا النداء وأنا يقين بأن إستقالتكم من دوائر الخدر والظلم في العراق سوق يزيدكم إحتراماً وتقديراً لدى أبناء أمتنا في الداخل والخارج، فإن كان هذا أمراً صعباً ونحن كأناس عاديين غير سياسين لا نفهم الوضع جيداً كما تفهمونه أنتم، فعلى الأقل يستوجب عليكم إعلان تجميد عضويتكم في هذه الدوائر المسمومة.

يا بطاركة ومطارنة وكافة رجال كنائسنا الإجلاء... نحن نعرفكم حق المعرفة في تضحياتكم في سبيل رعيتكم ومعاناتكم الشديدة من أجل بقاء وصمود الكنيسة في العراق ولكن كفانا أن ندير الخد الآخر لكي تصفعنا أيادي الجريمة الخدر. إن الذي يده في المياه الباردة غير الذي يده في النار... إن كنائسنا في الغرب لم تبنى على "صخرة بطرس" بل على دولة قوية هي الضامن الحقيقي والفعلي لبقاء وإستمرار الكنيسة. إن الدعوات المرسلة من كنائس الغرب وبالأخص الفاتيكان، ونحن نحترق بنيران الإرهابين وتدعو بالصمود والتحلي بالصبر والإيمان لم تعد تفي بالغرض الإساسي في إيقاف جرائم الإرهابين بحق أبناء كنائسنا في العراق. قلنا في المقال السابق عن كنيسة المشرق بأن البيان الختامي للسينودس من أجل مسيحيي الشرق والمخيب للإمال لا يصد ولا يوقف الفعل الإجرامي للإرهابين بحق أبناء أمتنا ولم تمضي أيام حتى أرتكبت أبشع جريمة في العراق في كنيستنا سيدة النجاة. لقد تفتت صخرة بطرس ولغرض إعادة تجميعها حتى تبنى عليها الكنيسة التي لا يقوى عليها شياطين الجحيم نحتاج إلى بنائين ماهرين لا إلى إستنكارات لا تجدي نفعاً ولا تصبح فعلاً.

أقرأوا تصريح البيت الأبيض الأمريكي حول حادث كنيسة سيدة النجاة ويظهر فيه مدى سذاجة الأمريكيين في فهم الحقائق في العراق وبالخص وضعنا نحن المسيحيين حيث يظهر في هذا التصريح هزالته وتردده وخوفه من أن تزعل الحكومة الطائفية عند الإشارة إلى المسيحيين وإضطهاداتهم في العراق خوفاً على مصالحها... هكذا يبيع الغرب المسيحي مسيحيي الشرق بأبخص الأثمان وهم محسوبين عند الإرهابين جزء من هذا الغرب... أليس هذا ظلماً وبهتاناً من جميع الأطراف ضدنا... إلى متى نضل نعتمد على الآخرين ونترك الظروف تسحقنا ونحن مستمرين في تذرعنا للخلاص والنجاة من دون أن نتحرك ساكناً... كفانا وكفانا إحتجاجات وإدانات المطلوب هو العمل ثم العمل ثم العمل.

===================================================
The White House
Office of the Press Secretary
For Immediate Release
November 01, 2010


Statement by the White House Press Secretary Robert Gibbs on the Baghdad Hostage Situation

The United States strongly condemns this senseless act of hostage taking and violence by terrorists linked to al Qaeda in Iraq that occurred Sunday in Baghdad killing so many innocent Iraqis.  Our hearts go out to the people of Iraq who have suffered so much from these attacks.   We offer sincerest condolences to the families of the victims and to all the people of Iraq who are targeted by these cowardly acts of terrorism.  We know the overwhelming majority of Iraqis from all its communities reject violence and we stand with them as we work together to combat terrorism and protect the people of our two nations.
==============================================================

أستقيلوا يا ممثلي أبناء أمتنا من دوائر الشر والخدر أو جمدوا عضويتكم فيها.... إغلقوا الكنائس يا بطاركتنا الأجلاء، على الأقل لفترة قصيرة حتى يعرف العالم موقفنا جيداً تجاه ما يجري بحق أبناء أمتنا... إنها دعوة من قلب دامي إلى قلوب دامية... أفهل من مستجيب؟؟    







289
بمناسبة إنتهاء إجتماعات السينودس من أجل الشرق
============================
أين كنيسة المشرق من صخرة بطرس؟؟؟؟

أبرم شبيرا

أكره شيء إلى نفسي هو التدخل في شؤون الآخرين، فمثلما لا نقبل نحن العلمانيين من رجال الكنيسة التدخل في شؤوننا القومية والسياسية كذلك من المؤكد يجب أن لا نتدخل في شؤون الكنيسة ورجال الدين، هكذا يكون الأمر جميلاً في الحياة والظروف العادية. ولكن عندما تنقلب الحياة رأساً على عقب وتصبح الظروف إستثنانئية حالة عامة وتتفاقم الأمور وتتكسر الحدود بين شؤون هذه الجهة وتلك وتتشابك كل جوانب الحياة وتبدأ شؤون هذه الجهة تهم تلك الجهة وتتعلق بمصير وجودها، عندذاك يصبح التدخل أو إبداء الرأي فيها مسألة مهمة وواجبة وإلا سنصبح شيطان أخرس غير قادر على قول كلمة الحق. وبصورة أدق عندما تهاجم الإرهاصات والمشاكل شؤون أمتنا(الكلدانية السريانية الاشورية) وتؤثر على مصائر جميع أبنائها سواء أكانوا من العلمانيين أو الروحانيين فإن الأمر يخص الجميع دون إستثناء ولا تبقى حدود بين الشؤون القومية/السياسية والكنسية/الدينية. ففي هذه الأيام عندما تهضم حقوقنا القومية ويزاح ممثلي أمتنا من ساحة صنع القرار السياسي في العراق فأنه من حق رجال الكنيسة التدخل و إبداء الرأي. والعكس صحيح عندما يغتال رجل كنيسة ويذبح في شوارع بغداد والموصل عندذاك المسألة تهمنا نحن العلمانيين وعلينا أن نهب إحتجاجاً وغضباً لا بل والعمل شيئاً واقعياً يتجاوز الإحتجاج والغضب.  فالوضع الحالي لم يعد يتحمل الفصل بين هذه الدنيا والآخرة وقد خسرنا الكثير الكثير في هذا العالم من أجل الدنيا الآخرة ولم نعد نملك شيئا فحتى وجودنا وحياتنا مهددة بالفناء.  من هذا المنطلق أكتب هذه السطور بمناسبة إنتهاء إجتماعات السينودس من أجل الشرق في الفاتيكان والقرارات أوالتوصيات التي توصل إليها، ولا أدري هل إن كان مثل هذه القرارات سترهب الأرهابيون المتطرفون في العراق وفي بقية بلدان الشرق الأوسط وسيرمون خناجرهم ويستسلمون لكملة التسامح والسلم والمحبة والألفة بين الجميع دون تفريق.... أشك كثيراً في ذلك ... لأنه لا يجب أن ننظر للأمور من جهة الآخرين فقط بل من جهتنا نحن في الشرق الأوسط خاصة البلدان التي تلتهب النيران فيها سعيراً وتحرق أبناء أمتنا العلمانيين والروحانيين معاً وتهدم كنائسنا وتغتصب نساؤنا وتسلب بيوتنا. كان من الأجدر للسينودس أن ينظر أولاً في إمكانية تقارب وتفاهم، إن لم نقل توحد، بين كنائس الشرق الأوسط كخطوة أولى مشجعة لإبناء الأمة للبقاء والصمود في الوطن ثم بحث مشاكلتنا ومأساتنا الناجمة من أفعال الآخرين... إن مأساة إنقسام كنائسنا لا تقل تأثيراً على أبناء الأمة من تأثير الظروف الأخرى عليهم والتي تدفعهم إلى الإبتعاد عن الكنيسة وهجرة الوطن وإصابتهم بمرض اللامبالاة بالشؤون العامة ووضع أوليات سلامة حياتهم وحياة عوائلهم في المقدمة، وهي مسألة إنسانية طبيعية لا لوم عليها.

نحن نعرف جميعاً بأن الأرهابي هو "وحدودي" من الدرجة الأولى  في نظرته إلى جميع المسيحيين فلا يستطيع التفريق بين كاثوليكي ومشرقي وأرثودكسي وماروني وإنجيلي ولا بين كلداني أو آشوري أو سرياني أو أرمني فالكل بالنسبة له "كفار" يستوجب ذبحهم وتنظيف الديار الإسلامية من "قذارتهم". أثناء المذابح العثمانية للأرمن في بداية الحرب الكونية الأولى سأل أحد المبشرين الأجانب القائد العسكري العثماني وقال له "لماذا تقتل الآشوريين في حين أن الفرمان يخص الأرمن فقط" فأجابه القائد العثماني "أنا لا أفرق بين الروث الطري والروث الجاف فكلاهما روث وسخ وذات رائحة كريهة". يظهر منطقياً بأن مثل هذا الأرهابي وغيره من الأرهابيين في هذه الأيام أشطر بكثير من رجالنا في السياسة والدين لأن هذا الإرهابي تمكن من أن يوحد جميع الطوائف والملل المسيحية في نظره ولا يفرق بينهم، في حين نحن لا زلنا نفرق تفريقاً يصل حد "الزعل" والقطيعة بين هذه الملة وتلك الطائفة ولا نستطيع أن نمتلك نظرة توحيدية مثلما يفعل الإرهابي... ولكن طبعاً بإختلاف كبير في الغاية والهدف.

يقول الإنجيلي متى في الإصحاج 16 الفقرة 18 (قال يسوع لبطرس: أنت صخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وقوات الجحيم لن تقوى عليها) أين كنيسة اليوم من هذا الإصحاح؟ ولا أدري هل أن زعماء كنائسنا قد قرؤا هذا الإصحاح؟ فإذا كان الجواب بالنفي فهي مصيبة أما إذا كان الجواب بالإيجاب فهي مصيبة المصائب لأنه مع الأسف والألم الشديدين يظهر بأن صخرة بطرس قد تكسرت وتقطعت إلى قطع عديدة منتشرة في جميع أنجاء العالم. فهناك العشرات إن لم تكن المئات من الكنائس المختلفة والمتباينة من نواحي كثيرة لم تعد تبنى على صخرة بطرس بل تشرذمت هذه الصخرة إلى قطع أصغر فأصغر. وهذه نصف "الطامة" ولكن "الطامة" الكبرى هي في تنافس وتصارع هذه االشرذمة من الكنائس بعضها ضد البعض وتحريم وإطلاق صفة الهرطقة من قبل كنيسة إلى كنيسة أخرى. ففي هذه الأيام التي يختتم السينودس إجتماعاته من أجل مسيحيي الشرق كان قبل فترة وجيزة يرسل البابا شنودا بابا الأقباط الأرذوكسي الآشوريين إلى جهنم ويدعي بأن الآشوريين لا يدخلون الجنة.  فبهذا الإدعاء يصطف مع الآرهابيين الذين يرسلون الآشوريين وغيرهم من المسيحيين في العراق إلى الموت ... الموت الذي يمنحهم صفة الشهادة في سبيل المسيح وليس صفة الحقد والكراهية المستديمة للكنيسة القبطية تجاه الآشوريين وكنيستهم العريقة.

يتحدث السينودس عن مجلس كنائس الشرق الأوسط ويقول (قد سرنا حتى الآن معًا في مجلس كنائس الشرق الأوسط. ونريد أن نستمرّ في هذه المسيرة بنعمته تعالى ونعمل معا في تفعيل دوره، وهدفُنا الأخير الشهادة المشتركة لإيماننا وخدمة أبنائنا وبلداننا كلّها. وإننا نحيّي ونبارك عمل هيئات الحوار المسكونية المحلية في كلِّ بلد من بلداننا) – مقتبس من موقع عنكاوه دوت كوم. لا أدري كم من القراء يعرفون أو سمعوا عن هذا المجلس الذي مقره في قبرص والذي تتكون عضويته من مجموعات أو أسر كنسية، مثل الكنائس الكاثوليكية الشرقية (كالكدانية والسريانية الكاثوليكية والأرمنية الكاثوليكية) والكنائس الأرثوذكسية الشرقية (كالقبطية والسريانية الأرثوذكسية والأرمنية الأرثوذكسية)، والكنائس الأرثوذكسية البيزنطينية (كالروم الأرثوذكس والروسية الأرثوذكسية) وهكذا. ففي عهد قداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية حاولت كنيسته وبكل إمان وصدق الإنفتاح على بقية الكنائس والدخول في حوار كنسي معهم من أجل التقارب والتفاهم خاصة الكنيستين الأقرب لها، وهما الكلدانية الكاثوليكية والسريانية الأرثوذكسية باعتبارهما يرجعان إلى أصل وثقافة ولغة وتاريخ مشتركة. وعندما سعت كنيسة المشرق الآشورية العمل نحو هذا السياق طرقت باب مجلس كنائس الشرق الأوسط غير أن الباب صد أمامها باعتبارها كنيسة "هرطقية" ومع هذا لم تتراجع بل واصلت رسالتها التوحيدية في هذا المجال. فبعد توقيع قداسة مار دنخا الرابع في عام 1994 الوثيقة المسيحانية مع قداسة البابا المثلث الرحمات يوحنا بولص الثاني الذي بموجبه تم التأكيد على رسولية كنيسة المشرق وأصالة تعاليمها وإن الخلاف التاريخي بينها وبين بقية الكنائس لم يكن غير أن يكون خلافاً في اللفظ والكلام ولا علاقة له بإيمان كنيسة المشرق، فبعد هذا التأكيد على أصالة ورسولية كنيسة المشرق الآشورية عادت مرة أخرى وأصطفت مع شقيقتها الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وطرح موضوع عضويتها في مجلس كنائس الشرق الأوسط، غير أنه بسبب الفيتو القبطي الذي هيمن على المجلس، رفض طلب قبول كنيسة المشرق الآشورية كعضوة في المجلس حيث طلب منها رفض وإدانة تعاليم القديس نسطور بشكل صريح وعلني كأساس لقبول عضويتها في المجلس، غير أن كنيسة المشرق رفضت ذلك وأصرت على أصالة تعاليم نسطور ومعلمه تيادورس المصيصي وبالتالي بقيت كنيسة المشرق خارج أطار هذا المجلس الذي يتحدث عنه السينودس، بقيت أقدم كنيسة مستقلة في العالم خارج إطار العمل المسيحاني في الشرق الأوسط.

وطالما نحن نتحدث عن العداء السافر الذي تكنه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية للأشوريين وكنيستهم المشرقية الأصيلة، أود أن أشير إلى حادث آخر في هذه المسألة. عندما أنتهت كنيسة المشرق الآشورية  من مباحثاتها مع شقيقتها الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية صدر عقب هذه المباحثات عدة قرارات مهمة جداً في مسألة تقارب وتوحيد الكنيستين غير أنه لأسباب بعضها معروفة، منها عدم إستقلالية الكنيسة الكلدانية في قراراتها مقابل إستقلال كنيسة المشرق بكل قراراتها، وبعض الآخر غير معروف، مما إدى ذلك إلى عدم تطبيق القرارات المشتركة، بل العكس من هذا فبعد سنوات أصبح الفتور سد الموقف بين الكنيستين. عندما أنتهت هذه المباحثات في نهاية التسعينيات من القرن الماضي أتجه مطارنة كنيسة المشرق الآشورية إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية فعقدوا عدة إجتماعات مع مطارنة هذه الكنيسة في سوريا وتوصلوا إلى قرارات شبيهة بتلك التي توصلوا مع الكنيسة الكلدانية، غير أنه بعد فترة وجيزة عقدت أسرة الكنائس الشرقية الأرثوذكسية (السريانية والأرمنية والقبطية) ممثلة برؤسائها إجتماعات في القاهرة ولم يكن من بين قراراتهم إدانة تعاليم نسطور ومعلمه تيادورس المصيصي وتأكيد صفة "الهرطقة" لكنيسة المشرق الآشورية فقط وإنما أيضاً إضافت مثل هذه الصفة لكل كنيسة أو مجموعة تعقد إجتماعات مع كنيسة المشرق الآشورية أو تتباحث معها، وكان بالطبع المقصود الكنيسة السريانية الأرثوذكسية مما حدا بها إلى إيقاف مباحثاتها كنيسة المشرق الآشورية والتجاهل عن كل القرارات المتحذة معها في شأن التقارب بينهما. أتذكر بهذا الخصوص الطيب الذكر ... أحد مطارنة السريان الأرثوذكسية من الموصل، عندما ألتقيت به في دمشق وبين لي مدى أسفه وتألمه لقرارات إجتماعات القاهرة وقال: نحن رعايا الكنيسة السريانية والكنيسة الآشورية أبناء أمة واحدة تجمعنا عوامل قومية وثقافية وتاريخية مشتركة وبيننا "خبز وملح" وهناك المئات بل الألوف من الزيجات بين أبناء وبنات الرعيتين ولكن أنا مطران منذ سنوات طويلة في الكنيسة السريانية لا أتذكر بأن شاب سرياني تزوج من فتاة قبطية أو فتاة سريانية تزوجت من  شاب قبطي؟. أتذكر بهذا الخصوص ما كتبه أحد كبار القوميين من الطائفة السريانية الآرثوذكسية في مجلة "بيت نهرين الجديدة" لعام 1947 والتي كانت تصدر باللغة الإنكليزية في الولايات المتحدة بخصوص وحدة الكنيسة والأمة وذكر وقال بأن ملكوت السموات تشبه كقصر كبير وله طريق واحد فقط، وهو طريق المسيح، ولكن لهذا القصر عدة مداخل وكلها تؤدي إلى داخل القصر ولا أعتقد بأن صاحب القصر سوف يمنع أي من أبنائه دخول القصر ومن أي باب كان.  

 وحتى أكون أكثر منطقياً وقدرة على سيطرة عواطفي تجاه ما يواجه أبناء أمتنا في أرض الوطن من المصائب التي أبتلى بها، لنبدأ اولاً بترتيب بيتنا ومعالجة شؤؤننا ثم بعد ذلك  ننتقل إلى جيراننا فيما إذا كان أمرهم يهمنا.. وعندما أتحدث عن كنيسة المشرق أقصدها كنيسة الأم التي تفرع منها الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكنيسة المشرق الآشورية والكنيسة المارونية السريانية والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والكنيسة السريانية الكاثوليكية والكنيسة الشرقية القديمة، فهي الكنائس التي تجمعها خلفية "سريانية" من ثقافة ولغة وتاريخ وتقاليد ومن المؤسف حتى هذه الخلفية الموحدة لم تستطيع هذه الكنائس أن تأخذ صخرة بطرس أساساً موحداً لهم. وقد يبدو للكثير بأن الطقس وبعض الأسرار الكنسية تقف حائلاً أمام توحد هذه الكنائس، وقد يكون هذا صحيحاً من حيث النظرة الطائفية للمسألة ولكن بالنسبة لرعية هذه الكنائس هي غير ذلك خاصة للذين لهم رغبة العيش بسلام وأمن والتخلص من الظلم والإضطهاد وهي العوامل التي توحدهم في هذه الأيام وتصبح أهميتها أكثر بكثير من طقسهم وأسرار كنيستهم التي تفصلهم وتبعدهم عن أخوانهم أو أبناء عمومهم أو جيرانهم أو أبناء جلدتهم.
    
في رسالته الختامية افرد السينودس أربعة أو خمسة سطور فقط... فقط عن التحديات الداخلية التي تواجهها كنائسنا وذكر: (إننا نواجه اليوم تحدّياتٍ عديدة. أوّلها ما يأتينا من داخل أنفسنا وكنائسنا. ما يطلبه المسيح منا هو أن نقبل إيماننا وأن نطبِّقه على كامل حياتنا. وما يطلبه من كنائسنا هو أن نعزّز الشركة في داخل كل كنيسة من كنائسنا والشّركة بين الكنائس الكاثوليكية من مختلف التقاليد، وأن نبذل ما في وسعنا في الصلاة وأعمال المحبّة لبلوغ وحدة كل المسيحيين، لتتحقَّق فينا صلاة المسيح: "أيها الآب، ليكونوا واحدًا كما أنك أنت فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضا فينا، حتى يؤمن العالم أنّك أنت أرسلتني" (يوحنا 27: 21) – (مقتبس من موقع عنكاوة دوت كوم). بينما أفرد سطوراً وسطورا عن التحديات الخارجية وعن غيرها من المسائل الأخرى. نشكر السينودس على إفراده هذه السطور وأصاب الحقيقة ولكن ليس كل الحقيقة.  فأين هي موقع محتويات هذه السطور من الواقع الفعلي والعملي ونحن منذ زمن بعيد أصمت أذاننا وأملتئت أدمغتنا من السماع عن الوحدة الكنسية أو الشركة بين الكنائس سواء أكانت كاثوليكية أوغيرها خاصة في منطقتنا الشرق الأوسطية وتحديداً في وطننا المجروح العراق. إن الحقيقة الكاملة التي تجعل الكثير من كنائسنا عاجزة عن تفعيل هذه السطور على أرض الواقع هي فقدانها لإستقلاليتها خاصة في المسائل غير الطقسية. فالكنيسة الأرثوذكسية نطاقها محدود بأرثوذكسيتها خاصة بالقبطية، والحالة نفسها وأكثر بالنسبة للكنيسة الكلدانية فهي الأخرى تدار شؤونها المهمة والحاسمة من قبل الفاتيكان وليس من قبل بطريركها أو مجمعها السنهادوسي، وما المداخلة الهزيلة لقداسة مار عمانوئيل دلي الثاني بطريرك الكنيسة الكلدانية أثناء إجتماعات السينودس من أجل الشرق إلا دليلا على الضعف المسشري في إدارة هذه الكنيسة وعدم قدرتها على قول كلمة الحق عن كهنتها وأبنائها الذين يذبحون في شوارع بغداد والموصل وكنائسها تدمر في كل مكان من العراق. في حين نرى أن كنيسة المشرق الآشورية هي الكنيسة الوحيدة في العالم التي تتمع بإستقلالية خاصة ومتميزة طيلة قرون طويلة من الزمن، فليس هناك حاكم او دولة أو أكثرية سكانية تتبع هذه الكنيسة وليس لها حدود خارجية مقيدة لقرارت المجامع السينهادوسية لهذا نرى بأنها دائماً تدعو وبدون قيد أو تردد بأن جميع أبناء الكنائس الكلدانية والسريانية والمشرق الآشورية هم أبناء أمة واحدة وتصرح وبشكل علني بأن الحكم الذاتي لهم  في العراق هو ضروري لعيشهم بسلام وأمن. هذه المسألة هي حاسمة فيما يخص الحدود والحواجزعند تقارب وتفاهم وشركة بين الكنائس الكلدانية والسريانية والمشرق الآشورية، خاصة بالنسبة لنا نحن العلمانيين.
 إن مسألة الإختلاف الطقسي بين هذه الكنائس غير مقبولة في أيامنا هذه التي تسيل دماء رعيتهم في شوارع بغداد والموصل وغيرها من مدن العراق، فرؤساء هذه الكنائس الذين كلهم يدعون بأنهم ورثة القديس بطرس لهم صلاحية إلاهية تخولهم كامل التخويل للعمل في هذه الدنيا ممنوحة لهم من قبل ربنا يسوع المسيح عندما قال لبطرس (أعطيك مفاتيح ملكوت السموات: فكل ما تربطه على الأرض، يكون قد ربط في السماء، وما تحله على الأرض، يكون قد حل في السماء) – متى 19:16 ونحن كواقعين ومنطقيين لا نطلب الوحدة والإندماج بين هذه الكنائس وإن كان هذا طموح سامي في أن نرى كنيسة الأم الأصيلة تحضر إلى الحاضر والواقع، فالصعوبة مدركة بهذا الشأن ولكن المطلوب هو زرع بعض الأمل في أبناء الأمة من خلال عقد إجتماعات ولقاءات بين رؤساء هذه الكنائس فهي أكثر فائدة من الوعاظ والطلب من أبناء الأمة الصمود في أرض الوطن وعدم الهجرة إلى الخارج.

وأخيراً ... لم يبقى إلا أن نقول بأن هناك سبب رئيسي ومهم جداً في عجز زعماء كل الكنائس في العالم دون إستثناء في  بناء الكنيسة الموحدة على صخرة بطرس التي لا تقوى عليها قوات الحجيم، وهذا السبب مبين في الرابط أدناه. والله يغفر الخاطئين وأنا واحد منهم.    





290
قوات الليفي العراقية
في الوثائق البريطانية العسكرية

أبرم شبيرا
توطئة:
في التسعينيات من القرن الماضي كتبت العديد من المقالات عن الآشوريين ونشرت معظمها في الجرائد العربية التي تصدر من لندن مثل الحياة والشرق الأوسط والقدس العربي وكانت تتناول مواضيع تخص تاريخ الآشوريين في العراق الحديث مركزاً على بعض المفاهيم والأفكار السلبية والعدائية التي ترسبت في العقلية العراقية تجاه الأقليات بشكل عام وعن الآشوريين بشكل خاص. طرحت في هذه المقالات أفكار موضوعية بديلة فكان لها وبشهادة الكثير من غير الآشوريين تأثيرها العميق والإيجابي في النخبة العراقية نحو فهم تاريخ الآشوريين خاصة السياسي منه فهماً صحيحاً وموضوعياً. كان في حينها بعض من هذه المقالات والبحوث قد جمعت ونشرت في كتابين الأول تحت عنوان "ألآشوريون في السياسة والتاريخ المعاصر" من قبل إتحاد الأندية الآشورية في السويد عام 1997 و الثاني كتاب "محطات فكرية على طريق العمل القومي الآشوري – نظرة مقارنة بين الوطن والمهجر" من قبل مطبعة ألفا غرافيك في شيكاغو – الولايات المتحدة عام 2000. وبالنظر لطبع ونشر هذين الكتابين وغيرهما في المهجر وبسبب محدودية النسخ المطبوعة فإنها لم تصل إلى الكثير من أبناء شعبنا في العراق أو في سوريا المهتمين بالشأن القومي لكي يطلعوا عليها ويكتسبوا معارف في التاريخ الآشوري المعاصر وهي لا تتجاوز في كونها معارف مبدئية أولية تفيد بشكل خاص المبتدئين في الشأن القومي والسياسي خاصة بعد ظهور أحزاب وكتاب سياسيين وقوميين ما بعد عام 2003 و زوال النظام البعثي الدكتاتوري في العراق. إن أهمية إعادة نشر بعض من هذه المقالات مثل "قوات الليفي العراقية في الوثائق البريطانية العسكرية" تكمن في كون لايزال مثل هؤلاء المستجدين في الشأن القومي يعتمدون على المراجع والكتب الكلاسيكية الرسمية المتداولة في العراق وبالتالي يقعون في المستنقع الفاشي الذي غرق فيه الكثير من المفكرين والمؤرخيين العراقيين المعاديين إصلاً لكل مختلف ومغاير. فهؤلاء لا يزال يعتقدون، معتمدين على أساتذتهم في الفاشية والرجعية، بأن قوات الليفي كانت قاصرة على الآشوريين فحسب وإن هذه القوات كانت أداة طيعة بيد الإستعمار الإنكليزي في ضرب القوى الوطنية في العراق وهذا ما ينفيه هذا المقال وأمل أن يكون مفيداّ كما كان مفيداّ لعبض النخب العراقية في فهم حقيقة التاريخ السياسي للآشوريين في العراق وإزاحة التهم الباطلة والبشعة التي كانت توجه للآشوريين.

تهم باطلة وبشعة:

لا يوجد في قامون العراق السياسي شتائم قبيحة وتهم شنيعة وجهت إلى شعب أو قومية أو جماعة أو منظمة أو حزب أكثر مما وجهت إلى الآشوريين في العراق. فلا أجانب الحقيقة في القول بأن معظم الأدب السياسي العراقي أبان مرحلة تأسيس دول العراق عام 1921 وحتى إلى فترة قريبة لا يخلو من شتيمة ظالمة وتهمة باطلة وجهت إلى الآشوريين رغم الدور الإيجابي الذي لعبوه في تأسيس كيانه السياسي وفي حماية حدوده الدولية ضد أطماع تركيا في إقتلاع ولاية الموصل من العراق وضمها إليها، وهي المسألة التي سنعالجها في موضوعنا القادم. وحتى أبرئ نفسي من التجني على الأدب السياسي العراقي وعلى المؤرخين العراقيين أود أن أشير القارئ اللبيب إلى كتابي المعنون "الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة مسألة في العقلية العراقية تجاه الأقليات" منشورات دار الساقي – بيروت – 2001، والذي أسردت فيه نماذج من هذه التهم والشتائم لكبار المفكرين والمؤرخين العراقيين. وإختصاراً نقول بأن أكثر التهم البشعة والجائرة الموجهة إلى الآشوريين هي تهمة الإنخراط في القوات البريطانية المعروفة بـ "الليفي" – وهي كلمة إنكليزية تعني "التجنيد" – والادعاء بأن هذه القوات أستخدمت في ضرب الحركة الوطنية العراقية وفي تحقيق مصالح الإستعمار البريطاني كما أستخدمت في أعمال التجسس وفي حماية قواعد بريطانيا العسكرية في العراق وغيرها من التلفيقات والنعرات البغيضة التي نعت بها الآشوريين وكان البعض من هؤلاء المؤرخين يفضلون أن يطلقوا على الآشوريين بـ "الطابور الخامس".

حقيقة قوات الليفي العراقية:

في الكثير من المناسبات بحثت هذا الموضوع بشكل مفصل وأكدت في القول بأن هذه القوات لم تكن إطلاقاً قاصرة على الآشوريين وحدهم، بل شملت بالدرجة الأولى العرب والكورد والتركمان وحتى اليزيديين والفرس ثم بعد ذلك على الآشوريين. قد تكون مشاعري العاطفية وأحاسيسي الشخصية، والتي تحترق جمراً على الغبن المأساوي الذي حاول خنق الحق الآشوري في بيت أباءه وأجداده، قد تسربت إلى الموضوعية التي أعتمدها دائماُ في البحث في المسائل الحساسة والخطيرة في التاريخ الآشوري المعاصر وعلاقته بالتاريخ العراقي السياسي. غير إن هذه المرة سأحاول التجرد من المشاعر الشخصية وسأعتمد في الكشف عن جوانب عديدة في طبيعة قوات الليفي العراقية التي أسسها الإنكليز في العراق إذ سنعتمد على بعض من الوثائق البريطانية العسكرية التي تناولت هذه المسألة تناولاً مفصلاً ويومياُ ودقيقاً لبداية تأسيس قوات الليفي وعددها وتدريباتها وطبيعة مهماتها العسكرية وغير العسكرية وتكوينها الأثني والإداري والمشاكل السياسية والإجتماعية التي كانت تواجهها الإدارة البريطانية في إستخدام هذه القوات في العراق. وبالرغم من إدراكنا المسبق لطبيعة هذه الوثائق التي كتبت من قبل أعضاء في المؤسسة العسكرية البريطانية إلا إنها وبشهادة معظم الباحثين والمؤرخين تعتبر وثائق ومستندات تعكس حقائق موضوعية دقيقة ومبنية على الوقائع وأرقام وإحصائيات قلما نجد مثيل لها تناولت تلك المرحلة كما تناولتها هذه الوثائق.
هناك مجموعة ضخمة من هذه الوثائق التي كتبها كبار ضباط الجيش البريطاني العامل في العراق حينذاك، بعضها بقيت كأوراق منظمة على شكل تقارير عسكرية حفظت في مركز الوثائق البريطانية في لندن، وهو أغنى وأكبر مركز في العالم للوثائق الخاصة بالعراق، وبعض الآخر من هذه التقارير والبحوث جمعت وطبعت على شكل كراريس ومذكرات حفظت في مكتبة المتحف البريطاني (حاليا المكتبة البريطانية مستقلة عن المتحف البريطاني)،  ومن أهم هذه التقارير العسكرية والمذكرات التي طبعت سواء على شكل كتاب أو كراس أو مجلد نذكر بعض منها.

الوثائق البريطانية العسكرية:

أولاً – كتاب قوات الليفي العراقية 1915 -1932   :(Iraqi Levies)وهو كتاب جمع محتوياته العميد جي. كلبرت براون وطبعه المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن عام 1932 وأهم ما جاء فيه:
في عام 1915 قام الميجر جي.آي. أيدي من الجيش البريطاني في الهند، والذي أصبح فيما بعد ضابط المهمات الخاصة في فرقة المنتفك (الناصرية) البريطانية في بلاد ما بين النهرين، بتجنيد أربعين فارساً عربياً من القبائل المحيطة بمدينة الناصرية ومن أطراف الفرات وذلك لغرض القيام بخدمات تحت إشراف قسم الإستخبارات البريطانية في العراق. ومن هذا العدد الصغير نشأت تدريجياً قوة عسكرية والتي أطلق عليها، وبعد تسميات عديدة أسم "الليفي"، حيث وصل عددها في أيار (مايو) عام 1922 إلى 6199 فرداً، وهو التاريخ الذي بدأ فيه العدد بالتناقص بسبب النقل إلى الجيش العراقي الرسمي الذي بدأ تأسيسه في كانون الثاني عام 1921. فهذه القوات تغير تنظيمها من قوة خيالة صغيرة العدد إلى قوات متعددة المهمات والتسلح، ومن عناصر جميعهم عرب إلى عناصر مختلفة من العرب والكورد والتركمان واليزيديين والفرس وأخيرا قوات قاصرة على الآشوريين وعدد من الكورد. وفي عام 1919 وعندما صدرت الأوامر الإدارية واللوائح العسكرية المنظمة لقوات الليفي بدئ بتجنيد الكورد والتركمان وفي نهاية هذا العام كانت قوات الليفي أثنياً تتكون من:
العرب: معظمهم من سكان المدن ومن أبناء القبائل المتوطنة وعدد قليل من ضباط العرب الذين كانوا ضباطاً في الجيش العثماني أنظموا إلى هذه القوات.
الكورد: وهؤلاء شكلوا قوات الليفي في مدينتي السليمانية وأربيل، كما أنظموا إلى قوات الجندرمة في الموصل.
الكركوكليون: وهم التركمان الذين أنظموا إلى قوات الليفي في الكوت وبعقوبة وكركوك.
ومن المهمات العسكرية التي كانت تقوم بها هذه القوات تقديم الخدمات العسكرية الإستكشافية والإستطلاعية للقوات البريطانية العاملة في المنطقة وفي مقاومة الشيوخ المتمردة أو الثائرة وإخضاع القبائل للطاعة حيث شاركوا في مقاومة الشيخ بدر. وأثناء إندلاع أعمال الشغب والتمرد (ويقصد الكاتب ثورة العشرين) أصبحت هذه القوات مخلصة وموالية لقادتها البريطانيين. وفي آب (أغسطس) من عام 1920 أنتشرت الفوضى نحو الشمال، ولم يكن ذلك إمتداداً لثورة الجنوب أكثر من كونه تحريضاً من الأتراك للكورد للقيام بتمرد ضد الإنكليز، فقامت قوات الليفي بسحق التمرد وبقى الكورد المجندون في الليفي مخلصين لقيادتهم البريطانية.

وفي مؤتمر القاهرة لعام 1920 كانت الحكومة البريطانية قد قررت الإبقاء على قوات الليفي وتطويرها بما يخدم مهمة التخفيف عن عبئ القوات البريطانية والهندية العاملة في العراق لحين تأسيس الجيش العراقي الوطني ومن ثم يحل محل قوات الليفي. بعد تأسيس هذا الجيش توقف تجنيد المسلمين من العرب والكورد والتركمان وبدأت التنقلات من قوات الليفي إلى الجيش العراقي الجديد وتعويضاً عن النقص الحاصل في عدد هذه القوات بدئ بتجنيد الآشوريين. وكان الآشوريون في تلك الفترة قد نظموا أنفسهم في قوات خاصة بهم للدفاع عن عوائلهم في مخيم بعقوبة (للاجئين)، كما وإن أغا بطرس (وهو قائد عسكري آشوري من الطائفة الكاثوليكية) كان قد بدأ بتجنيد الآشوريين لتحقيق أهدافه في تسوية  المسألة الآشورية. ضمن هذه الظروف بدأت القوات البريطانية بتجنيد الآشوريين في الليفي. وبحلول عام 1923 كان الآشوريون يرفضون الإنضمام إلى قوات الليفي إلا أن الإنكليز أستطاعوا التأثير على بعض الزعماء الآشوريين وبالتالي أجبروا للإنضمام إليها.

ثانياً – تقرير قيادة لواء مشاة رقم 34:
 (Report on the Arab and Kurds Levies. No. B.M.51 of 22 April, 1920, Headquarter, 34th Infantry Brigade).


وهو من التقارير المهمة عن قوات الليفي العربية والكوردية كتبته قيادة لواء مشاة رقم 34 والذي يتناول التفاصيل الدقيقة للتدريبات والمعونان والمهمات والأنظمة التي تخص قوات الليفي العربية في منطقة القرات والحلة والديوانية والنجف ... إلخ وبقدر تعلق الأمر بهيكل تنظيمها فقد كانت تتكون من:
1 – القوات الضاربة: وتضم فرقة الفرات الثانية المتكونة من ثمانية فصائل خيالة تحت إمرة الكابتن ماكويني ومقر قيادتها في الحلة. والفصيل كان يتكون من خمسة ضباط عرب و 102 مراتب مختلفة مع مجموعة من الإفراد الذين يقومون بمهمات التجسس وجمع المعلومات. وكانت هذه الفصائل تتمركز في الحلة و أبو صخير والديوانية ... إلخ. وتتلخص مهمات هذه القوات في: (أ) -  قمع الشغب والإضطرابات والقيام بمهمات عسكرية محدودة. (ب) – تولي مهمات الخطوط الأمامية الإستكشافية والإستطلاعية والقيام بمهمات القوة الإحتياطية للقوات البريطانية في العمليات العسكرية الواسعة. (ج) – توفير الحماية والحراسة لخزينة الإدارة البريطانية في العراق ومرافقة الضابط السياسي البريطاني وحمايته.
2 – قوات الشرطة المحلية: شملت مفارز من قوات الليفي العربية في مناطق الحلة وطويريج وكربلاء والنجف والديوانية وكانت مهمتها حماية الأمن والنظام وغيرها من المهمات التي كان يطلبها الضابط السياسي التابع لدائرة الإستخبارات البريطانية.
ثم يتابع التقرير بيان أسلوب التدريب والأجهزة والأسلحة والحيوانات المستخدمة في التنقل ومراتب الضباط الإنكليز والعرب، ثم يعكف على تفاصيل قوات الليفي في بعقوبة والتي كانت تتضمن العرب والكورد معاً. أما بالنسبة لقوات الليفي في السليمانية فكانت تتكون من الكورد وعددهم 250 شخصاً ومن التركمان وعددهم 30 شخصاً وكان عدد الضباط 16 كوردياً وتركمانيين وكلهم من الضباط السابقين في الجيش العثماني. ويذكر الضابط البريطاني المسؤول عن قوات الليفي في السليمانية بأن الكورد والتركمان كانوا يكرهون العرب ولا يرغبون العمل معهم. أما قوات الليفي في راوندوز فكانت تشمل على 200 فرد، منهم 110 كوردياً و 60 تركمانياً و 20 مسيحياً. وكان ضباط هذه الفرقة من الكورد والتركمان الذين عملوا سابقاً في الجيش العثماني. كان قوام قوة جندرمة الموصل متكونة من 795 شخصاً منهم 200 من كورد الجبال و 100 عرب من الجانب الأيمن لنهر دجلة و 280 من أهالي الموصل المسلمين و120 من المسحيين وكان عدد الضباط 22 ضابطاً عربياً من الضباط السابقين في الجيش العثماني. (من الملاحظ بأن كاتب التقرير لم يذكر أسم الآشوريين بل ذكر المسيحيين وهو ما يؤكد بأن مسيحيين من الطوائف الأخرى خاصة في قرى منطقة راوندوز ومدينة الموصل كانت تجند في قوات الليفي)

ثالثاً: تقرير الميجر سي. بويلي:

وهو أيضا من التقارير المهمة عن قوات الليفي العربية والكوردية للسنتين 1920 و 1921 كتبه الميجر سي. بويلي المفتش العام لقوات الليفي العربية والكردية:
(Administration Report of Arab and Kurdish Levies for the year 1920 – 1921, Baghdad. 1921 Major C. Boyle, Inspector General, Arab and Kurdish Levies)

يتناول الميجر بويلي في تقريره واقع القوات العربية والكوردية وتقسيماتها وتدريباتها والمشاكل السياسية والإجتماعية التي كانت تواجهها. كما يذكر فيه العمليات العسكرية التي قامت بها أثناء فترة الإضطرابات التي عمت المناطق الجنوبية عام 1920 (يقصد ثورة العشرين) وكيفية بقاء هذه القوات مخلصة وموالية لقيادتها البريطانيين مما كان يسبب ذلك مشاكل كثيرة لأفرادها حيث كانوا منبوذين من قبل الناس الذين كانوا يشتمونهم ويدعونهم بالكفرة. وكان عمال المقاهي يرفضون تقديم الشاي أو القهوة لهم. أما عوائلهم فكانت معرضة للشتيمة والتحرش وفي بعض الأحيان للقتل أو التهديد بالقتل. وعقب تفاصيل دقيقة عن هذه القوات يختم الميجر بويلي تقريره بالقول بأن تاريخ السنة الأولى من قوات الليفي العربية والكوردية هو مفخرة للإدارة البريطانية في العراق وسجل قياسي للضباط البريطانيين في قيادة وإدارة قوات أسيوية حديثة التكوين ومحدودة التدريب.
(هناك تقارير أخرى تؤكد بأنه في عام 1923 كان المكون الأثني لقوات الليفي يتكون نصفهم من الآشوريين والنصف الآخر من الكورد إضافة إلى كتيبة من عرب الأهوار وعدد من التركمان)
(كل ما ورد أعلاه مقتبس من الكتاب والتقارير المذكورة أعلاه ما عدا ما ورد بين قوسين).

رابعاً: رسالة د. يونك الجامعية عن قوات الليفي:

أخيرا أود أن أشير إلى رسالة جامعية مهمة قدمت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي من قبل الدكتور يونك من بريطانيا إلى مدرسة لندن للدراسات الأفريقية والأسيوية التابعة لجامعة لندن (وهي أكبر وأهم مركز للدراسات عن المنطقة) تناولت قوات الليفي في العراق منذ تأسيسها حتى عام 1932. من المؤسف إنني لم أستطيع إقتناء نسخة منها لكونها محدودة التداول في حينها ولكن أطلعت على خلاصتها وعند لقائي بالدكتور يونك في جامعة لندن شرح لي مضمون الرسالة وتبين بأنه خدم كضابط في الجيش البريطاني في العراق حينذاك وكانت له صلة وإرتباط بقوات الليفي وببعض من ضباطها الآشوريين وأنه بذل جهداً كبيراً في البحث وإقتناء مصادر الرسالة رغم أنه كان وقت كتابة الرسالة قد تجاوز السبعين من العمر. في حينها تم دعوته إلى النادي الآشوري في لندن فألقى محاضرة عن رسالته هذه مؤكداً ما سبق وأن أكدته المصادر أعلاه في كون قوات الليفي شاملة العرب والكورد والتركمان واليزيديين والفرس ثم الآشوريين. كانت دهشته كبيره وفرحته عظيمة عندما ألتقى بشخصين في النادي كانوا قد خدموا في قوات الليفي وتم التعرف عليهم بعد أكثر من نصف قرن من الزمن. وأثناء محاضرته أعلن بأنه يحضر حالياً لإكمال أطروحته للدكتوراه عن نفس القوات للفترة من 1932 وحتى تاريخ حل هذه القوات في بداية الخمسينيات من القرن الماضي. وهي الفترة  الحساسة والحرجة التي إجتاح العراق خلالها أزمات وحروب وإضطرابات وكانت قوات الليفي في تلك الفترة قاصرة على الآشوريين وعدد أقل من الكورد والعرب.

خامساً: قوات الليفي من إستقلال العراق حتى حلها:

منحت بريطانيا العراق إستقلاله في عام 1932 وفي الرابع من نيسان من عام 1955 وقعت بريطانيا مع العراق إتفاقاً على سحب القوات البريطانية من العراق. وفي الثاني من شهر مايس (أيار) من نفس العام حلت قوات الليفي وسلمت آخر قاعدة عسكرية في الحبانية إلى العراق. وقبل عام من حل قوات الليفي، إي في عام 1954 كانت عدد أفراد قوات الليفي يتكون من 1200 آشوري من أبناء الطوائف المشرقية والإنكليكانية والكلدانية ومنهم القائد البطل المرحوم توما توماس، و400 كوردي و 400 عربي. خلال الفترة المحصورة بين التاريخين إجتاحت العراق أحداث وإرهاصات سياسية آثرت بشكل عميق على مستقبل العراق السياسي. فالمسألة الآشورية التي كانت قد طغت على السطح السياسي العراقي والدولي بقيت بدون حل وما صاحب ذلك من نتائح مأساوية على الآشوريين تعاظمت في مذبحة سميل وأستمرت لسنوات طويلة من دون حل لقضتيهم القومية. وفي تلك الفترة تأثر الوضع في العراق بالحرب الكونية الثانية وإنجرفت النخبة الحاكمة مع التيارات الفاشية والنازية ودخلت الحرب إلى جانب دول المحور ضد الحلفاء منهم بريطانيا. فبعد منح بريطانيا العراق إستقلاله وإنضمامه إلى عصبة الأمم من دون ضمانات مؤكدة في حماية الأقليات ومنهم الآشوريين، بدأ الآشوريون يفقدون ثقتهم ببرطانيا لذلك بدأت إستقالات وترك جماعي لقوات الليفي ولم تعد هذه القوات ذات شأن إلا الجزء الباقي منها والذي أستخدم في حماية القواعد الجوية البريطانية في الحبانية والشعيبة.
عندما أندلعت الحرب الكونية الثانية تمكنت قيادة القوات البريطانية من إقناع بعض من الشخصيات الآشورية لإعادة تنظيم الآشوريين في قوات الليفي كقوة مقاتلة نظراً لحاجتهم إليهم في مقاومة التيارات الفاشية التي تغلغت في الحكومة العراقية بقيادة رشيد عالي الكيلاني الذي تمكن من السيطرة على السطلة وقاد إنقلاباً ضد السلطة الشرعية في مايس من عام 1941غير أن قوات الليفي شاركت، التي كانت معظمها من الآشوريين وبعض من الكورد واليزيديين، وبشكل فعال مع القوات البريطانية والحكومة الشرعية في إسقاط الإنقلاب وإعادة الشرعية إلى العراق. وأثناء العمليات العسكرية ساهمت قوات الليفي الآشورية مساهمة فعالة في مساعدة الحلفاء ودحر النازية. وأكد معظم المؤرخين بأن قوات الليفي هذه لعبت دوراً كبيرا في حماية خطوط الحلفاء العابرة عبر العراق وإيران إلى الإتحاد السوفياتي لغرض تقديم العون والمؤون للقوات السوفياتية المحاصرة من قبل قوات النازية. وفي حينها كانت بريطانيا قد شكلت فصيل مظلي من جنود وضباط الآشوريين ساهموا في تحرير اليونان وألبانيا من النازية كما حاربوا إلى جانب قوات الحلفاء في قبرص وفلسطين ولبنان ويؤكد المؤرخين بأن القوات الآشورية لعبت دوراً مهماً في دحر سيطرة قوات المحور في الشرق الأوسط فجرح الكثير منهم كما أستشهدوا في المعارك. وهناك في اليونان مقبرة تتضمن خمسة قبور لجنود آشوريين كتبت على حجر القبر أسمائهم بالإنكليزية والسريانية وتواريخ إستشهادهم في المعارك. بعد أن حلت قوات الليفي في عام 1955 منحت الفرصة للكثير من الضباط الآشوريين للإنضمام إلى الجيش العراقي، وفعلآ أنضم بعضهم وكانوا بشهادة قيادة الجيش العراقي من أحسن وأنشط وأخلص الضباط العراقيين وأسماؤهم معروفة لدى الكثير من أبناء هذا الجيل.   

خاتمة وإستنتاج:

هذه بعض الوثائق البريطانية بهذا الشأن وليست كلها والتي تؤكد الحقيقة التاريخية الساطعة في كون قوات الليفي شاملة لجميع القوميات العراقية ولم تكن قاصرة إطلاقاً على الآشوريين فقط. قد أكون قد أسهبت بعض الشئ في تفاصيل وأرقام هذه التقارير والتي تبدو جافة ومملة إلا أن ذلك كان مفروضاً وضرورياً في إستكشاف الحقائق التي لا يزال الكثير من المؤرخين والسياسيين يتجاهلونها بقصد او بجهل ويزيفونها ثم يستغلونها في توجيه تهمة الخيانة إلى الآشوريين وإدانتهم بينما هي حقائق تاريخية تدينهم أكثر مما تدين الآشوريين. فهم يلاحظون القشة في عيون الآشوريين ولكنهم لا ينتبهون إلى الخشبة الكبير في عيونهم (مقتبس بتصر من أنجيل متى 3:7).
ولو حاولنا إستنتاج ما يمكن إستنتاجه وإستخلاصه من هذه الوثائق ومن ثم مقارنة المهمات التي قامت بها قوات الليفي العربية والكوردية والتركمانية مع تلك التي قامت بها قوات الليفي الآشورية من حيث نتائجها الوطنية لتوصلنا إلى حقائق قد تبدو ثقيلة ومؤثرة على المفاهيم السائدة في تاريخ العراق السياسي الحديث، ومن أبرز هذه الحقائق:

1)- أن الآشوريين في العراق لم يتعاونوا مع القوات البريطانية في ضرب الحركة الوطنية العراقية وبالأخص ثورة العشرية، بل على العكس من ذلك تماماً فإن قوات الليفي العربية والكوردية والتركمانية هي التي ساعدت القوات البريطانية وتعاونت معهم في قمع الثورة. فالآشوريون في تلك الفترة كانوا ضحية أعمال الشغب والنهب التي رافقت الثورة بإعتبارها ثورة "جهادية" ضد "الكفرة" المسيحيين سواء أكانوا أنكليز أم آشوريين، حيث كان الآشوريون منهمكون ومحتجزون في مخيم بعقوبة للاجئين لا سند لهم ولا قوة وحتى البنادق القديمة التي زودتهم بها الإدارة البريطانية للدفاع عن أرواحهم وأعراضهم لم تكن وافية أو مؤثرة في صد هجمات بعض القبائل من منطقة ديالي على المخيم المذكور.
2) – كنتيجة لقرارات مؤتمر القاهرة في تقرير مصير بلاد مابين النهرين، تأسست عام 1921 أول حكومة للدولة العراقية ونصب الملك فيصل الأول على عرشها وتأسس الجيش العراقي الرسمي فصاحب ذلك تقليص عدد قوات الليفي العربية والكوردية والتركمانية بسبب نقلهم إلى الجيش العراقي الحديث وتعويضاً عن النقص الذي حصل في قوات الليفي ونطراً لأهمية حاجة الإدارة البريطانية إلى قوات متمرسة في حروب الجبا لغرض ضمان الحدود الشمالية للدولة الفتية وحمايتها من أطماع وتهديدات تركيا في إقتلاع ولاية الموصل فقد بدأ رسمياً تجنيد الآشوريين ليتولوا هذه المهمة حيث إستطاعوا طرد القوات التركية في عام 1924 التي كانت كانت قد أحتلت أجزاء من المنطقة الشمالية لبلاد مابين النهرين ومنها مدينة راواندوز وأطراف مدينة العمادية. وتفاصيل مساهمة الآشورية في حماية حدود العراق الشمالية سنذكرها في المقال القادم عند الحديث عن حل مشكلة ولاية الموصل. هذا ناهيك عن دور قوات الليفي الآشورية في ضمان الأمن والإستقرار من جراء تمرد بعض شيوخ الكورد ضد السلطات العراقية والإنكليزية في الوقت الذي عجز جيش العراق الحديث التأسيس من القيام بهذه المهمة.
3) – تؤكد التقارير السالفة الذكر بأن الآشوريين لم يكونوا يرغبون في الإنطمام إلى قوات الليفي ولم يكن ذلك ممكناً إلا بعد تأثير وضغط الإنكليز على بعض الزعماء الآشوريين ومن ثم إجبارهم للإنضمام إليها. وحتى بالنسبة لهذه الحالة فإننا سنكون مخطئين جداً إذا قيمنا هذا التصرف لبعض الزعماء الآشوريين ولجزء من الشعب الآشوري في مسألة الإنضمام إلى قوات الليفي بمقاييس مستمدة من المفاهيم الفكرية والسياسية السائدة في هذه الأيام، بل من الضروري جداً فهمها وبشكلها الصحيح والحكم عليها ضمن ظروفها السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة والتي فرضت على الآشوريين فرضاً من دون أن يكون لهم خياراً آخر. وعلى العموم يمكن تلخيص هذه الظروف بما يلي:
أ) – كان الآشوريون قد نهبت ممتلكاتهم وسلبت أراضيهم وطردوا من مناطقهم ولم تكن لهم مهنة غير الزراعة وتربية الحيوانات. من هنا شكل إنضمامهم إلى قوات الليفي كمصدر مالي لرزقهم ولضمان لقمة  عيشهم في ظروف قاسية جداً خلفتها الحرب الكونية الأولى والسياسات الشوفينية التي مارستها السلطات الرسمية تجاههم.
ب) – خضوع بعض الزعماء الآشوريين إلى تأثيرات الإنكليز مسألة طبيعية في التعامل بين شعب صغير متشرد لا سند له ولا قوة وإمبراطورية قوية وذات نفوذ قوي وواسع. وخضوع ألآشوريين إلى مطالب زعمائهم الدينيين والعشائريين للإنضمام إلى قوات الليفي مسألة غير مستغربة أيضا في سياق فهم النظام الديني/العشائري الذي كان سائداً في المجتمع الآشوري.
ج) – إنسياق الآشوريين وخضوعهم لتأثيرات وضغوط الإنكليز يجب فهمه أيضاً ضمن مفهوم خيار أهون الشرور التي أحيطت بهم. فالشعب العراقي خاصة قادته السياسيين كان متأثراً جداً بالنزعة العثمانية في الفكر والسياسة والحكم تجاه المسيحيين بشكل عام والآشوريين بشكل خاص لذلك لم يكن أمام الآشوريين خيارات أخرى متاحة سيما وإن إعصار الحرب كان قد دمر كل البدائل ولم يبقى أمامهم سوى بديل التعلق بالطوق الإنكليزي للنجاة والوصول إلى شاطئ الأمان رغم شكوكهم الكبيرة بأمانة الإنكليز في تنفيذ الوعود التي قطعوها لهم وفعلاً تحققت تلك الشكوك عندما تركوهم بغرقون في بحر من الدمار أثناء مذبحة سميل التي أرتكبت بحقهم في آب من عام 1933.

ولكن مع كل هذه العوامل والظروف فإنه يجب أن لا يفهم أو يؤول بأن الآشوريين وقيادتهم كانوا معصومين من الأخطاء وأن نستمر في إلقاء اللوم على الإنكليز وعلى القدر ولعنته، بل على العكس من ذلك فإن القيادة الآشورية أرتكبت في تلك المرحلة أخطاء جسيمة وأثرت بشكل عميق على مسار تطور الحركة القومية الآشورية أنعكست جوانب منها في الأحداث المحيطة بمذبحة سميل والنتائج التي آلت إليها والتي إنسحبت آثارها السياسية والإجتماعية والفكرية وحتى النفسية على المجتمع الآشوري بشكل خاص وعلى المجتمع العراقي بشكل عام ونتائج البعض منها ما زالت محسوسة ومؤثرة حتى يومنا هذا.

أخيراً: اليوم يحاول الآشوريون بجميع تنظيماتهم السياسية إزالة الحواجز النفسية والسياسية التي خلفتها سلبيات التاريخ السياسي الحديث لنشؤ دولة العراق كضمان أولي وأساسي لوحدة الشعب العراقي بمختلف قومياته وأديانه وكركيزة جوهرية لإستقرار الأمن والسلام في العراق الموحد وهو الأمل الذي ينشده الآشوريون وغيرهم من الأقوام العراقية.
 

291
كونفينشن الاتحاد الآشوري الأمريكي القومي
77 سنة من الديمومة والتواصل
أبرم شبيرا
توطئة:
أحتفلت المنظمات المنضوية تحت تنظيم الإتحاد الآشوري الأمريكي القومي المعروف بـ "فيدريشن"  والبالغ عددها أكثر من 33 منظمة مختلفة الإتجاهات والأمزجة بمهرجانها السابع والسبعون والمعروف بـ "كونفينشن" في مدينة فيكنس بولاية أرزونا الأمريكية وللفترة من الثاني إلى السادس من هذا الشهر، أيلول 2010 وحضرها الآلاف من الآشوريين ومن مختلف الطوائف والممل ومن العديد من المستويات العمرية خاصة الشباب منهم ومن عدة ولايات Hمريكية ومن بلدان أوربية وكندا وأستراليا وأيضا من بلدان الشرق الأوسط وتحديداً العراق وسوريا ولبنان. ولقد سبق وأن كتبنا عن الكونفينشن في السنوات القادمة ونظراً لأهمية هذا الحدث التاريخي المهم في تاريخنا المعاصر نعيد بعض ما كتبناه في السابق وذلك لتعميم الفائدة للذين لا يدركون الأهمية التاريخية والقومية لهذا الحدث الذي أستمر لمدة 77 سنة ولايزال في عنفوان إستمراره للسنوات القادمة. 

الكونفينشن وخلفيته التاريخية:
لغوياً، الكونفينشن يعني إجتماع موسع لمجموعة من الناس أو المؤسسات وعلى الأغلب يكون إجتماعاً دورياً سنوياً. قومياً، هو الاجتماع الجماهيري الذي يعقده الاتحاد الآشوري الأمريكي القومي في الولايات المتحدة الأمريكية سنوياً ولمدة أربعة أيام تسبق أول يوم الإثنين من شهر أيلول من كل عام والذي يصادف عيد العمال وهو عطلة رسمية في الولايات المتحدة الأمريكية. تاريخياً: عشية المذابح المفجعة في سميل في شهر آب 1933، وتحديداً في منتصف شهر تشرين أول من عام 1933 تشكلت لجنة الطوارئ الآشورية القومية في الولايات المتحدة الأمريكية فدعت إلى إجتماع جماهيري موسع في مدينة نيو جيرسي. وبعد يومين من النقاش تقرر مندبو المنظمات الحاضرة عقد إجتماع في شهر تشرين ثاني من نفس العام في مدينة نيو بريتن في ولاية كونيكتيكوت حيث أقر النظام الداخلي وأنتخب الكابتن ألكس أمير كأول رئيس للإتحاد. والمنظمات التي حضر مندوبهم وأسسوا هذا الاتحاد، هي كل من إتحاد القومي الآشوري من ماسسشوسيتس و الجمعية الآشورية في يونكر/نيويورك والجمعية الآشورية في كونيكتيكوت و الجمعية الخيرية الآشورية المسيحية في فلاديلفيا وفروعها في نيووارك ونيو جيرسي كذلك حضرت لجنة الطوارئ الآشورية في نيو جيرسي.

وفي الاجتماعات السنوية اللاحقة تطور النظام الداخلي للإتحاد وتبنى شعاره وأهدافه والتي كانت بالأساس مساعدة ضحايا مذابح سميل وعوائلهم إضافة إلى أهداف قومية وإجتماعية أخرى تقوم على لم شمل الآشوريين المنتشرين في الولايات الأمريكية المختلفة وإقامة المحاضرات والندوات والحفلات الترفيهية والمباراة الرياضية. ومن الظواهر المهمة الواجب ذكرها هو أن معظم مؤسسي الإتحاد كانوا من رواد الفكر القومي الآشوري ومن الطائفة السريانية الأرثوذكسية وكان بينهم ديفيد بيرلي وجوزيف ديرنه وغيرهم. ومن المؤسف فيه أنه بمرور الزمن تقلص نفوذ وتواجد أبناء هذه الطائفة في الإتحاد ونشاطاته. أما أبناء الطائفة الكلدانية فكان وجودهم أو منظماته معدوماً تقريباً، في حين طغى أبناء الطائفة المشرقية (النسطورية) على الاتحاد وأصبح تقريباً في السنوات الأخيره قاصراً على عليهم وعلى منظماتهم. كما وأن التسمية الآشورية (Assyrian) طغت بالتمام والكمال على الاتحاد وعلى جميع المنظمات المنضوية تحد لواءه بإستثناء جمعية جديدة تأسست حديثاً وفي السنوات القليلة الماضية وهي الجمعية الكلدانية الآشورية الأمريكية في سان ديكو، وهي المدينة التي يطغي عليها تواجد الطائفة الكلدانية أكثر بكثير من الطوائف الآشورية الأخرى، وهي التي نظمت كونفينشن 74 قبل ثلاث سنوات.         

إيجابيات الكونفينشن:
بدءً أقول بأنني معجب بالكونفينشن، فاقطع المحيطات وأعبر القارات لكي أحرص على حضوره والاستمتاع بأيامه المعدودات. وسبب إعجابي به يعود إلى بعض الإيجابيات التي يتصف به:
1.   أنه أكبر تجمع آشوري في تاريخنا المعاصر وأوسع نشاطا وأطول مدةً. فنحن الآشوريين المشتتين في زوايا هذا العالم أحوج ما نحتاج إليه هو مثل هذه التجمعات الدولية الشاملة التي تلملم شتات الأصدقاء القدامى وتجمع الأقارب المتباعدين تحت سقف واحد. شخصيا وفي كل سنة من سنوات الكونفينشن ألتقي بأصدقاء فارقتهم منذ أيام الصبا والشباب وأجتمع مع أقاربي المشتتين في قارات العالم. إضافة إلى ذلك فهو ملتقى للتعارف وكسب أصدقاء جدد ذوي اهتمامات مشتركة، ناهيك عن بعض جوانب نشاطاته الثقافية والفنية والرياضية والسياسية إضافة إلى سماع أخبار الوطن الأم خاصة عند حضور ممثلين عنه. وأهمية هذه اللقاءات تكمن في كونها الحجر الأساسي في ديمومة أركان المجتمع ألآشوري بالمعنى السوسيولوجي والسياسي للمجتمع. فالمجتمع بهذا المعنى ليس كماً عددياً من الأفراد بل هو مجموعة من العلاقات والاهتمامات القائمة بين هؤلاء الأفراد.
2.   يتصف الكونفينشن بصفة لا تتوفر إطلاقاً في أي جانب من جوانب نشاطات المجتمع الآشوري في تاريخنا الحديث وهي الديمومة والتواصل. فمن المعروف عنا نحن الآشوريين نبدأ تجمعاتنا ونشاطاتنا ببدايات نارية وحاسمة ثم ما يلبث وبعدة فترة قصيرة ينطفئ نيران حماسنا ونبدأ بلوم بعضنا البعض أو إيجاد مبررات باهتة للفشل وعدم التواصل. أما الكونفينشن فهو الوحيد والنادر والاستثناء في هذه الحالة، فمنذ عام 1933 يتواصل نشاطه دون انقطاع، بغنى عن سلبياته وإخفاقاته. فهذا التواصل يؤكد، ولو من جانب ضيق، حيوية المجتمع الآشوري وإصراره على البقاء والديمومة. فالمجتمعات الحية لا تعرف بفعاليات أو مناسبات مؤقتة غير قادرة على الاستمرار والتواصل بل بديمومة هذه المناسبات وتواصلها لآجال مستقبلية، وهو الأمل المعقود على الكونفينشن ليتواصل نحو الأجيال الآشورية القادمة.
3.   هناك صفة أخرى يتصف بها الكونفينشن تتعلق بالصفة السابقة وهي حضور عدد كبير من الشباب والشابات له والاستمتاع بنشاطاته، خاصة الرياضية والاجتماعية منها وزيادة هذا الحضور من سنة إلى أخرى من سنوات الكونفينشن. فمن المؤكد بأن هؤلاء، والذين معظمهم يعيشون في المجتمعات الغربية يسهل عليهم الاستمتاع بمثل هذه النشاطات وخاصة الترفيهية منها وفي أمكان أخرى إلا أن الظاهر فيهم هو اهتمامهم الخاص وحماسهم الظاهر في حضورالكونفينشن لا بسبب شكلية الحفلات والنشاطات الترفيهية والرياضية وإنما بسبب مضمونها الآشوري. فشخصياً ألمس مثل هذا الاهتمام عندما اختلط بالكثير منهم وأتبادل الحديث معه وعن البلد الذي جاءوا منه والنشاط الذي سيقومون به في الكونفينشن وغايتهم من الحضور، فكثيراً ما يكون جوابهم مشبعاً بالفرح والبهجة وحتى المزاح ذات المضامين الإيجابية. على أن كل هذا يجب أن لا نغفل الشكاوى والاحتجاجات التي ترد على تصرفات عدد قليل من الشباب في الكونفينشن وما يسببونه من مشاكل وضوضاء وإزعاج لبعض نزلاء الفندق. وقبل أن نعلق على هذه الشكاوى يجب أن نؤكد ظاهرة بارزة فينا نحن الآشوريين، وهي إننا نملك عيون واسعة وقوية جداً نحو سلبياتنا في حين لنا عيون صغيرة وضعيفة نحو إيجابياتنا، من هذا المنطلق نبالغ كثيراً في سلبياتنا ونهمل إيجابياتنا. لذا يجب أن تؤخذ هذه المشاكل بنظرة موضوعية لا انفعالية سلبية مفصولة عن الايجابيات. فيجب أن نقر بأن في مثل هذه التجمعات الكبيرة والمبهجة وخاصة بالنسبة للشباب لا تخلوا من بعض المشاكل وهي حالة طبيعية لا يستثنى منها أي مجتمع من مجتمعات العالم المتحضرة. وأخيراً فمن الملاحظ بأن هذه المشاكل قد تقلصت كثيراً في السنوات القليلة الماضية وأصبحت أجواء الكونفينشن أكثر راحة وإستقرارا ومتعة بالنسبة للجميع خاصة الشباب منهم.
4.   وأخيراً يستمع الشباب إستمتاعاً كبيراً بالمبارات التي تجري في كرة القدم وفي الحفلات الإجتماعية التي تقام كل مساء حيث يهزون الشباب الأرض هزاً بدبكاتهم العنيفة ويزرعون الأمل والفرحة في قلوب الناس ويؤكدون تواصل هذه الأمة نحو المستقبل بكل سلبياتها وإيجابياتها.

سلبيات الكونفينشن:
بطبيعة الحال يجب أن لا تحجب هذه الجوانب الايجابية للكونفينشن العثرات والنواقص التي تعتري نشاطاته السنوية.
النشاطات السياسية والثقافية: نعالجها من الجوانب التالية:
1 - من ناحية الممضون: من الملاحظ أن مضمون هذه النشاطات لم تعد تستقطب اهتمام الجمهور لكونها مملة ومكررة ولا فيها شيء جديد يستجوب معرفته فهي لا تتجاوز المعلومات العامة والأخبار والتقارير السياسية التي نسمعها في وسائل الإعلام. لهذا السبب لا يتجاوز حضورها إلا بضعة أشخاص مما يسبب ذلك إحراجاً للمشارك والقائمين على تنظيمها. يستثنى من هذه الحالة الندوات التي يشارك فيها ممثلو الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) التي تحضر الكونفينشين بصفة ضيف أو متكلم رئيسي، أو المحاضرات التي تلقى من قبل أحد قيادي الحركة كما أن ندوات الحاضرين من بلدان خارج الولايات المتحدة تحضى بأهتمام لا بأس بها. من هذا المنطلق يستجوب إعادة النظر في مضمون هذه المحاضرات والندوات وضرورة إيجاد مضامين جديدة قادرة على استدراج إنتباه وإهتمام الجمهور. غير أن كونفينشن ألـ 77 إفتقر تقريباً على مثل هذه النشاطات أو ندوات الأحزاب السياسية خاصة ندوة ممثلي الحركة الديمقراطية الآشورية حيث يتلهف الحضور لسماع أخبار الوطن منها بإعتبارها ممثلة لشعبنا في برلمان الوطن.
2   - من ناحية المشاركين: في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها وطن الأم، فإن غياب المشارك الآشوري من العراق، خاصة السياسي، والذي أعتاد عليه الجمهور، وعلى الأغلب يكون من الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) يشكل نقطة ضعف في نشاطات الكونفينشن لأن مثل هذا الحضور يثير اهتمام الجمهور بشكل منقطع النظير خاصة عند حضور مسؤول كبير عن هذه الحركة. إن هذا الحضور ضروري جداً ويستوجب على الجميع، وخاصة قيادة زوعا، توفير كل السبل لتحقيقه، ونأمل أن يتحقق في السنة القادمة لأن الجميع متشوق لسماع أخبار الوطن مباشرة من المسؤوليين عن قيادة الأمة في الوطن. وحبذا لو حضر أيضاً ممثلون عن الحركات الأخرى لكي يستمتع الجمهور بتنوع الأراء والأفكار. وفي يومنا هذا يشغل الأحوال المأساوية لأبناء شعبنا في أرض الوطن وفي سوريا والأردن حيزا كبيراً من قلقهم وإهتمامهم وحبذا لو أن القائمين على تنظيم الكونفينشن القادم الإهتمام بهذا الموضوع المهم.
3   - من ناحية التنظيم: تفتقر تقريباً كل النشاطات إلى التنظيم وحسن الإدارة. أن معظم النشاطات تتأخر، ساعات عن موعدها المعلن، كعادة الشرقيين وخاصة العرب الذين تعلمنا منهم كل سلبياتهم. فتأخر المحاضرة، إما بسبب قلة الحضور أو سوء التنظيم، يؤثر بشكل مباشر على تأخر النشاط التالي وهكذا تتأخرت كل النشاطات عن موعدها المقرر مما يربك الجمهور وبعضهم يمل من الانتظار ويغادر القاعة.
4   - من الناحية السياسية والقومية: هناك غياباً شبه تام للأحزاب الآشورية في الكونفينشن وبالأخص القائمة في المهجر وتحديداً في أميركا. فمن المفروض أن يكون لهم حضور ملموس ونشاط مثير لإهتمام الناس. ولكن السؤال يبقى قائماً: هل من جديد لهذه الأحزاب حتى تقدمه للجمهور؟  فهذا الغياب ما هو إلا تعبير عن عجز هذه الأحزاب وضعف نشاطاتها. فعلى سبيل المثال قبل بضع سنوات في أحدى ندوات الكونفينشن السياسية كانت الندوة تتكون من قسمين، قسم يتحدث فيها مسؤول حكومي أمريكي ثم بعد إستراحة الشاي يبدأ القسم الثاني ليتحدث فيه ممثلوا بعض الأحزاب الآشورية في المهجر، فبعد إنتهاء القسم الأول خرج الحاضرون إلى صالة الشاي وبعد مضي 15 دقيقة المخصصة للراحة لم يدخل الحاضرون إلى القاعة لحضور القسم الثاني مما أضطر المنظمون للندوة إلغاءها. وعندما سئلت بعض الأصدقاء عن سبب عدم حضورهم للقسم الثاني، قالو.. نحن نعرف ماذا سيتكلمون ... أنه نفس الكلام الذي يتكلمون عنه منذ سنوات ونحن متأكدين لا جديد فيه فلماذا نضيع وقتنا هباءاً.
كونفينشن ألـ 77 : 
تميز كونفينشن ألـ ،77 الذي أنعقد في أجمل فندق ومصيف في مدينة فينكس بولايات أرزونا، بنشاطات معروفة ومتكررة ولكن حرارة هذه النشاطات تركزت في إجتماعات مندوبي المنظمات الممثلة في الفيدريشن وإنتخاب رئيس له حيث أعيد إنتخاب السيد أدد آشورسين رئيساً لدورة أخرى أمدها سنتان. وكان من ضمن قرارات إجتماعاتهم إختيار مدينة ديترويت مكاناً للكونفينشن القادم. أما بالنسبة للعشاء(الرئاسي) هو تجمع ما قبل يوم الأخير للكونفينشن (اليوم الأخير مخصص للسفرة)  يقتصرعلى كلمات بعض الشخصيات ورؤساء وممثلي بعض المنظمات أو الضيوف البارزين وكانت باكورة هذه الكلمات كلمة قداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية التي تلاها نيابة عن قداسته نيافة الأسقف مار أبرم خامس ثم تلت كلمة السيد يونادم كنا السكرتير العام للحركة الديمقراطية الآشورية والتي ألقيت نيابة عنه من قبل السيدة كاليتا عضو اللجنة المركزية لزوعا. وأنتهى التجمع بإختيار شخصية العام حيث أختير الناشط القومي السيد عمانوئيل كليتا شخصية عام 2101 والذي عرف بمواقفه القومية الصلدة وعطاءه السخي في مساعدة أبناء أمتنا في أرض الوطن في العراق وفي سوريا والأردن. كما صدر قرارات رئاسية إمتيازية لبعض المتميزين والناشطين القوميين في مختلف المجالات منهم السيد ولسن يونان كأحد أبرز وأنشط إعلامي أمتنا في المهجر والسيد أبرم شبيرا كأنشط كاتب قومي وغيرهم كما أختيرت منظمة كلدو آشور من سان ديكو كأحسن منظمة لعام 2010.

وأخير يبقى التساؤل قائماً وعلى الدوام، هل حقاً أن كونفينشين يستطيع بنشاطاته أن يساعد الآشوريين في العراق ويخفف من معاناتهم وهو الهدف الأساسي الذي من أجله أسس الفدريشن ... وهل أن الأموال التي تصرف في هذه المناسبة يصل قسم منها إلى الوطن... للأمانة نقول ... نعم بعض من هذه الأموال وصلت ولكن في مقارنتها مع حجم ما يصرف في هذه المناسبة من قبل الحاضرين يعد بمثابة " شعرة من جلد الخنزير" كما يقول المثل.

 



 

 

 






292
حلف غير مقدس
بين التحجر الآشوري والتعصب الكلداني

أبرم شبيرا

يروى بأن هنري فورد، مبتكر سيارة فورد الشهيرة، كان يشرح لفلاح بسيط تفاصيل مركبته الميكانيكية الجديدة وكيفية عملها بالاحتراق الداخلي، فبعد أن أنتهى من الشرح الطويل والمضني سأل فورد الفلاح وقال له هل فهمت الآن كيف تعمل مركبتي الجديدة ؟ فعاد الفلاح وقال نعم لقد فهمت كل شيء …ولكن لم تقل لي في أي مكان من المركبة الجديدة تشد الحصان ؟؟ !! . هذا هو حال بعض أفراد مجمعنا من المكون الآشوري والكلداني ، أكرر وأقول بعض الأفراد للتأكيد والانتباه، خاصة الذين يدعون اشتغالهم بالسياسة ويبدون اهتماماً بالمسائل القومية ، فحالهم كحال هذا الفلاح مصابين بمرض أنيميـا (فقر الدم) الفكري في فهم تطور الحياة والتاريخ وإدراك تقدم الواقع الموضوعي السائر دوماً إلى الأمام على خلاف استاتيكيا الجمود والتحجر الذي يلف صندوق دماغهم ويسيطر على فهمهم وإدراكهم للواقع،  ليس كما هو في الموضوع، وإنما كما هو في ذاتهم العاجية التي تعجز كتب العالم وموسوعات الدنيا من اختراقها وفتح كوة  فيها لتنير ظلامها الدامس وتكشف طريقها  نحو الواقع ومن ثم العمل فيه والتفاعل معه تحت أنواره الكاشفة.

أن مصدر نشوء مرض أنيميا السياسية والفكرية عند هؤلاء في فهم الواقع ومن ثم في فهم مشاكل الأمة وأمراضها أو في تقييم إنجازات الأمة وإبداعاتها أو حتى في فهم حقوقها القومية المشروعة وبنظرة موضوعية مقبولة وممكنة، ناشئة أساساً من جرثومة لها مصدران:

 الأول:  التحجر الفكري والتزمت الحزبي الذي نجده عند بعض الأفراد من المكون الآشوري الذي يصر على أن دماغه أصلد وأقوى من حجار نينوى وإن دم آشور بانيبال لايزال يجري في عروقه في الوقت الذي ينكر عظمة الثقافة الآشورية بما فيها اللغة التي تعظمت وتقدست بشفاه ربنا يسوع المسيح كمصدر مهم وأساسي وعلمي وواقعي للإنتماء إلى هذه الأمة التي حملت هذه الثقافة لأكثر من سبعين قرناً ووصلت إلينا بالتضحيات والدماء الزكية التي رخصها لها أبناؤها الأبرار. فإذا كان الدم عنصراً أساسياً عند هؤلاء المتحجرين في تحديد إنتماء أمتنا فعلى هذا الأساس نبشر أبناء أمتنا بأن لنا أخوة يعد تعدادهم بالملايين في تكريت ومعظم شمال العراق والكثير من أكراد تركيا وفرس إيران لا بل في ألمانيا أيضاً ومنه هتلر؟؟؟ أليس هذا تخريف ينافي المنطق والعلم والذي رفضته كل المدارس العلمية الإنثروبولوجية والبايولوجيا في تحديد أصل الشعوب وإنتماؤهم القومي؟؟؟ أمل أن مزيداً من القراء والمطالعة والتثقيف يذوب القليل من صلادة وحجارة هذا التفكير وليس لنا أكثر من هذه النصيحة.

الثاني: يتمثل في التعصب الأعمى والإنفصالي عند بعض الأفراد من المكون الكلداني لأمتنا. إن جرثومة الأنيميا الفكرية عند هؤلاء ناجمة من الشعور بالنقص في الفكر القومي والسياسي بسبب تأخر الوعي القومي عند الكلدان الذي كتبنا عنه كثيراً في مناسبات سابقة وبالتالي يحاولوا حرق المراحل باللجوء إلى التعصب والإنفصال وإلى بناء خطابهم القومي السياسي على أوهام والقفز من فوق الواقع والحقيقة التاريخية في كوننا جميعاً أبناء أمة واحدة. هناك حقيقة واقعية تبين بأن الكلدان لهم بنية تحتية قوية تتمثل في الديموغرافيا والتركز الجغرافي في الوطن وفي قوة الإقتصاد وسعة المعرفة والثقافة تؤهلم لكي يكونوا المكون الرئيسي في أمتنا لقيادة حركتنا القومية وهي حقيقة يدركها معظم الكلدان الواعين لحقيقة كوننا أمة واحدة رغم التسميات المتعددة ولكن القلة القليلة من المصابين بمرض الإنيميا الفكرية وبسبب التعصب الأعمى والنزعة الإنعزالية لهؤلاء السابحون في الأوهام والخيال يجهلون أو يتجاهلون هذه الحقيقة ويصرون على إنعزالتهم التي تزيدهم إنعزالا عن أبناء جلدتهم أكثر فأكثر وذلك بسبب إفتقارهم إلى أبسط مقومات المنطق في خطابهم القومي.

هناك نظرية في علم السياسية أثبتها التطبيق وتقول بأن أقصى اليمين يلتقي في المطاف الأخير مع أقصى اليسار ويعقدون حلفاً غير مقدساً لضرب الوسط والمعتدل خاصة في المرحلة التوفيقة التي تظهر أثناء نشؤء الإختلافات بين أفراد المجتمع وأحزابهم السياسية والتي تبقى قائمة لحين الوصول إلى الحلول النهائية. ففي مراحل الأزمات السياسية التي تنشأ في البلدان التي يقوم نظامها السياسي على التعددية الحزبية تنشأ تحالفات بين أحزاب الوسط والمعتدلة والساعية لحل الخلافات عندئذ يلتقي تطرف أقصى اليمين مع راديكالية أقصى اليسار لضرب مثل هذا التحالف الساعي لحل الخلافات بالطرق السلمية الهادئة. هكذا هو حال الآشوري المتحجر والكلداني المتعصب الإنعزالي فكلاهما وضعوا أنفسهم في حلف غير مقدس، وهو حلفاً غير مكتوباً وإنما ينشأ عمليا رغم عدم درايتهم به في ضرب كل مسعى لحل الخلافات في مجتمعنا، وليس أكثر الخلافات عمقاً مثل التسمية المركبة لأمتنا المطروحة سياسياً وقانونياً كأسلوب ضامن وعملي للمطالبة بحقوقنا القومية. سبق وأن قلنا أنه بسبب التحجر الفكري عند بعض الآشوريين خلق رداً فعليا عند بعض الكلدان أنعكس في إنعزاليتهم ودعوتهم في كون الكلدان قومية مستقلة منفصلة عن الآشوريين والسريان وبذلك يقلدون الجانب الآشوري المتحجر أحسن تقليد.

إن مرض الإنيميا الفكرية خلق عقلية عاجزة عن إدراك الواقع وفهم الكتابة عنه. ويظهر بأن بعض كتاباتي عن الوحدة القومية لأمتنا ودور الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) فيها وتأكيدي على كون الحضارة الآشورية العريقة مصدر إنتماء أساسي لأمتنا قد فتحت شهية هؤلاء المتحالفين على ضرب وحدة الأمة وأثارت مواضيع لا صلة لها بصلب الموضوع وغرضه لذلك لا تستحق أي رد عليها غير أن ننصحهم بالقراءة المتواصلة للتاريخ ومعاينة الواقع المعاش كما أنصحهم بأن يعودوا ويقرأوا مراراً وتكراراً لما كتبته لأنه يظهر بأن عقليتهم المتحجرة وتوجهاتهم الإنفصالية قد حجبت عن عقولهم فهم حقيقة المواضيع التي كتبتها. وإذا كانوا عاجزين أو خائفين من إعادة قراءة ما كتبته فأسهل الأمر عليهم وأكد مايلي:

1.   أنا آشوري وأعتز بآشوريتي وأستمد إنتمائي إليها إلى الحضارة العظيمة للأمة الآشورية أساسها اللغة والثقافة والتراث والتاريخ والجغرافيا. وحق الإعتزاز هذا لا يمنعني إطلاقاً أن أقبل إعتزاز الكلداني بكلدانيته والسرياني بسريانته وأحترمها لأنهما جزء من الأمة التي أنتمي إليها رغم تعدد التسميات في المرحلة الحالية.
2.   أن موضوع التسمية المركبة لا يعنيى تغيير أسم الأمة التي أنتمي إليها بل هو طرح سياسي وقانوني ودستوري كضمان لمطالبة معقولة ومنطقية لحقوق أمتنا. إن حقوق الإنسان لا تأخذ عدد الأفراد المطالبين بحقوقهم الإنسانية بنظر الإعتبار سواء أكان فرداً واحداً أم ملايين الأفراد فهي حق شرعي لكل فرد. أما الحقوق القومية فإن مسألة العدد والتركز الجغرافية يلعبان دوراً أساساً ومهما في الإقرار بمثل هذه الحقوق. فهل يوجد أكثرمن التسمية المركبة ضماناً لتوفير العدد والتركز الجغرافي لضمان حقوقنا القومية؟
3.   إن الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) لاعباً أساسيا في حركتنا القومية وفي المطالبة بحقوقنا القومية وهي حقيقة إن لم أقرها إنا وغيري فنحن عمياء لا ندرك الحقيقة الموضوعية. فزوعا مولود شرعي للأمة الآشورية بجميع تسمياتها المختلفة ولكن ليس المولود الوحيد كما يعتقد البعض الذين أصابوا بمرض (فوبيا زوعا) يرتعبون ويصابون بالحمى عن ذكر إسمها أو الكتابة عنها حتى ولو كان إنتقاداً لها وبيان إخطاءها. لقد سبق وأكدنا مراراً وتكراراً أن أي حزب مهما كانت قوته وعظمة نضاله لا يمكن إطلاقاً أن يمثل مصالح الأمة جميعاً، فهذا ضرب من الخيال. فنحن نحتاج إلى عدد معقول من الأحزاب السياسية النشطة وليست الورقية التي لا شغل لها ولا عمل إلا الجلوس على قارعة الطريق ورمي المارين الناشطين بالحجارة. فالديمقراطية التي نتغنى بها ليل نهار يستوجبها تعددية حزبية حقيقية ولكن هذا "العجز الحزبي" في أمتنا لا يمنعنا أبداً أن نشيد بزوعا كرائد في الساحة القومية السياسية ونأمل أن نجد قريباً أحزاب أخرى تحمل المعنى العلمي والواقعي للحزب السياسي وناشطة إلى جانب زوعا عندذاك سنبدأ بالكتابة عنهم تقييماً ونقداً كأسلوب علمي وواقعي في فهم حقائق أمتنا وأحزابها السياسية. لقد سبق وأن قلنا بأن الأمة التي لا يكون لها أحزاب قومية، بكل معنى الكلمة للقومية، نشطة وفاعلة ستكون إرادة الأمة مرهونة بإرادة الآخرين.


















     

 



293
التسمية الآشورية
للحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا)
أبرم شبيرا

توطئة:
في نيسان من عام 1979 ألتأمت مجموعة من الشباب الجامعي مع بعض التنظيمات الآشورية الصغيرة في العراق وأعلنوا إنبثاق حركة قومية جديدة سميت بـ (الحركة الديمقراطية الآشورية) وإختصاراً عرفت بـ (زوعا)، والتي تعني (الحركة) بالللغة السريانية. أستمرت زوعا في إستخدام التسمية الآشورية في جميع أدبياتها الحزبية والقومية بأعتبارها التسمية الشاملة لبقية التسميات الأخرى الكلدانية والسريانية. في حزيران من عام 2003 أي بعد سقوط النظام البعثي المقبور والتطورات السياسية الخطيرة التي أهتزت العراق بجميع تكويناته السياسية والقومية، عقد في بغداد وبرعاية زوعا مؤتمراً شعبياً كبيراً حضره العديد من التنظيمات السياسية والشخصيات القومية من الوطن والمهجر ومن جميع طوائف كنيسة المشرق ومن ضمن مقررات هذا المؤتمر كان تبني التسمية المركبة (كلدو آشور) كتسمية قومية شاملة  لأمتنا والتي تكللت أيضا بمباركة بعض رجال الدين وكنائسهم ثم أضيفت كلمة السرياني إليها فيما بعد لتصبح التسمية (كلدو آشوري سرياني) أو الكلدان السريان الآشوريون. ومنذ تلك الفترة بدأت زوعا بإستخدام التسمية المركبة في أدبياتها الحزبية والقومية ثم لحقتها أحزاب  وتنظيمات قومية آشورية أخرى وتبنت نفس التسمية مع تقديم او تأخير في هذا الأسم أو ذاك، ولكن بقيت التسمية الآشورية لزوعا (الحركة الديمقراطية الآشورية) دون تغيير، وبقت إذاعتها وفضائيتها "آشور" دون تغيير كما بقيت الجمعيات الخيرية والجماهيرية التابعة لها على نفس الحال حاملة التسمية الآشورية من دون أن تتبع القرار المتبني في التسمية المركبة لأمتنا.

تساؤلات وإنتقادات:
 ظهر للبعض بأن زوعا قد أوقعت نفسها في مأزق وتناقض بين التسمية المركبة لأمتنا من جهة وصفتها الآشورية، هي وتنظيماتها التابعة لها والملحقة بها من جهة أخرى، وبالتالي تعرضت لإنتقادات مختلفة الإتجاهات والنوايا:
الإتجاه الأول: يقوم على أساس أنه فخ ومصيدة وتأطير أسمي لغرض إحتواء الكدان ودمجهم في "الآشورية" وإزاحتم من الساحة "القومية الكلدانية" لغرض فرض الهيمنة عليهم وتحقيق مأربهم الآشورية، فلو كانت زوعا صادقة في قرارها في تبني التسمية المركبة لكانت قد غيرت إسمها إلى "الحركة الديمقراطية الكلدانية السريانية الآشورية" وكذلك غيرت أسم كافة التنظيمات والجمعيات التابعة لها. ويتمثل هذا الإتجاه في بعض الأحزاب الكلدانية الإنفصالية الحديثة التأسيس التي تزعم بأن الكلدان قومية مختلفة عن القومية الآشورية وبالتالي يحق للكدان أن يطالبوا بحقوقهم القومية الخاصة بهم من دون أن يكون لهم شأناً فيما يخص الحقوق القومية للآشوريين والسريان.
الإتجاه الثاني: وهو الإتجاه الذي يتمثل في بعض الأحزاب والتنظيمات الآشورية القومية التي تتخذ من التسمية  الآشورية... الآشورية فقط، إسماً لأمتنا من دون إي إضافات أو تسميات مركبة وتزعم بأن التسمية المركبة هي مؤامرة لتدمير وتشويه الأسم التاريخي العظيم للآشوريين وتصر على أن الكلدان والسريان ما هما إلا طوائف تابعة للقومية الآشورية وعليهما أن يندمجا مع الآشوريين في المطالبة بالحقوق القومية وبالتالي يتهمون زوعا بالخيانة والإفراط  بالتسمية الآشورية التاريخية من أجل مصلحة بعض قادتها وغيرها من التهم التي تصل إلى حد الشتائم.
 الإتجاه الثالث: تتسرب بعض الأخبار من الأروقة التنظيمية لزوعا بأن موضوع التسمية المركبة هو من المواضيع التي يثار حولها جدلاً كبير بين أعضاءها وقادتها في إجتماعاتهم الحزبية. فجزء من هذه الأخبار تقول بأن زوعا فقدت مصداقيتها بين أبناء الأمة لأنها منذ أن تبنت التسمية المركبة في عام 2003 لم تفعل عملاً جاداً وصادقاً في إقناع الناس بصدقها وجديتها في تبني التسمية المركبة، فأسم الحركة بقى نفسه ولم تغييره ليتماشى حالها مع حال التسمية المركبة. وحال تنظيماتها التابعة لها والملحقة بها بقى أيضاً وضعها وأسمها كما هو مأطر بالتسمية الآشورية فقط وليس بالتسمية المركبة. ففضائية آشور بقيت آشورية الصفة والمضمون وبالتالي ما الفائدة من تبني التسمية المركبة طالما هي غير مطبقة في العمل اليومي والواقعي.

إضافة إلى هذه الإتجاهات في إنتقاد زوعا حول التسمية المركبة والتي حصرناها في التنظيمات الحزبية والسياسية فهناك أيضا إنتقادات تسير على نفس المنحى مصدرها بعض الكتاب والمفكرين والمستقلين من أبناء أمتنا سواء من المؤيدين لزوعا أو المعارضين لها. لكن يجب أن لا يغيب عن بالنا عن وجود تنظيمات وأحزاب أخرى تؤيد التسمية المركبة وتؤكد عليها في أدبياتهم الحزبية والسياسية وفي خطابهم القومي السياسي أمثال المنظمة الأثورية الديمقراطية (مطكستا) والحزب الوطني الآشوري (أترنايا) وغيرهم ولكن صفتهم الآشورية بقيت رغم ذلك. هنا التساؤل الكبير يفرض هيمنته ويقول هل فعلاً يستوجب على هذه التنظيمات أن تغير إسمها  لكي يتلائم مع التسمية المركبة لأمتنا؟ وهل يجوز لحزب سياسي كزوعا باعتبارها اللاعب الرئيسي على الساحة القومية وأسم التنظيمات التابعة لها والملحقة به أن تغير أسمها لكي يتماشى مع الأوضاع السائدة والتطورات السياسية المتلاحقة في أمتنا؟؟ هذه التساؤلات ذات المضون الواحد تفرض علينا البحث المختصر في الأحزاب والتسميات التي تتخذها ومدى مطابقتها مع نشاطها وأفعالها وأهدافها.

زوعا كحزب سياسي بين الأسم والمضمون:
لقد سبق وأن عرفنا في مناسبات سابقة بأن الحزب السياسي هو عدد من الأفراد (الأعضاء) يؤمنون بمبادئ وأهداف  معينة ومشتركة (أيدولوجيا) ويخضعون لتنظيم سياسي واحد (نظام داخلي) ويسعون لتحقيق مبادئهم وأهدافهم عن طريق الوصول إلى السلطة (العمل السياسي). هذا التعريف المبسط ينطبق على زوعا بكل معانيه.  من هذا المنطلق نقول بأن الحزب السياسي ليس هدفاً بحد ذاته وإنما هو وسيلة لتحقيق الأهداف والمبادئ التي يؤمن بها وهو أداة من الأدوات السياسية، إن صح التعبير، يستعمل في العملية السياسية للوصول إلى الأهداف. لذلك ليس من الضروري دائماً أن يكون أسم الحزب مطابقاً للأهداف التي يؤمن بها لأن الأهداف هي متغيرة ومستجابة لكل مرحلة من المراحل السياسية التي يمر بها، وقد يشذ ويخرج قادة الحزب عن الأهداف ويسعون لتحقيق أهداف أخرى قد تكون خاصة بهم أو بالفئة التي تسيطرة على الحزب  ولكن مع هذا فإن طبيعة الحزب كأداة لا تتغير بتغير الأهداف في حيث يتصف أسم الحزب بالثبات وقلة التغيير في مقارنة مع الأهداف والمبادئ. وبعبارة أقصر نقول بأن فلسفة العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون تشذ عن القاعدة في مسألة الحزب السياسي فيما يخص العلاقة بين الأسم والأهداف او المبادئ وتكاد تكون في الظروف السياسية المتسارعة والمتغيرة هي القاعدة وليست الإستثناء، والأمثلة على ذلك عديدة:

هناك العديد من الأحزاب يحملون أسماء إشتراكية وحتى شيوعية ولكن في الواقع يعملون وفق مبادئ مخالفة بل مناقضة للأسم الإشتراكي أو الشيوعي. فالحزب الشيوعي الروسي ثم السوفياتي كان يعمل من أجل تحقيق أهداف نخبة سياسية حاكمة أكثر مما كان يعمل من أجل الطبقة العاملة أو البرولوتاريا العالمية. والحال لا يختلف مع الحزب الشيوعي العراقي الذي أبقى على إسمه القديم ولم يغيره عندما غير الكثير من أهدافه وإستراتيجيته السياسية والفكرية لتتلائم مع الأوطاع الجديدة. والأحزاب النازية والفاشية في ألمانيا وإيطاليا كانت تحمل أسماء إشتراكية ولكن كانت أحزاب عنصرية من درجة الإمتياز. وهكذا الحال مع الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوربا فهي لا تعمل بالضرورة وفق المبادئ المسيحية أو تطبقها في عملها السياسي. وحزب العمال البريطاني رغم صفته العمالية والإشتراكية الطوباوية إلا أنه يعمل وفق مبادئ برجوازية ورأسمالية ويسعى لتحقيق أهداف في مجملها ليست عمالية بالمعنى الكلمة بل تخص الأمة البرطانية جمعاء وهو حال جميع الأحزاب السياسية الأخرى فبرغم من أسمائهم التي قد تكون خاصة أو محددة إلا إنها جميعها تعمل أن تدعي بأنها تعمل من أجل المصلحة العامة للأمة التي ينتمون إليها. فمن الملاحظ في هذه الأحزاب التي تأسست منذ فترة طويلة بقيت أسماؤها ثابتة دون تغير إلا إن مبادئها وأهدافها تغييرت مع تغيير الزمن والظروف السياسية المحيطة بالبلد الذي ينشطون فيه وهي السمة التي جعلتهم أن يتكيفوا ويعملوا بإستمرار ويتواصلوا طيلة فترات طويلة وصعبة من الزمن. والحال أيضا لا يختلف عن زوعا فهي أداة سياسية وفكرية تعمل من أجل تحقيق مصلحة أو أهداف الأمة التي تنتمي إليها، وهي الأمة "الكلدانية السريانية الآشورية" التي أقرت وأعترفت بإسمها المركب رغم كونها تحمل إسماً آشورياً ولم تغييره. ولكن ماذا عن الأحزاب السياسية القومية التي تحمل إسماً قومياً الذي يخص أو يمثل قومية معينة دون غيرها كما هو الحال مع الحركة الديمقراطية الآشورية التي تحمل أسماً قومياً وترفع شعاراً قومياً ولكن تقر وتعترف بأن إسم القومية الذي تتبناه هو أسماً مركباً متكون من ثلاث مكونات: كلدانية سريانية آشورية؟ فلو كان جميع أو معظم الكلدان والسريان يقرون ويعترفون بالآشورية إسماً لقوميتهم أو يتبنون التسمية المركبة لكان الأمر هيناً لا يثير أية مشكلة ولكن هناك مجموعات أو أحزاب أو تنظيمات كلدانية وسريانية لا تعترف بالتسمية المركبة لأمتنا وتطرح خطاباً قومياً مستقلاً كلدانياً أكان أم سريانياً قائماً على أساس إن  الآشورية هي قومية مختلفة عن الكلدانية والسريانية وبالتالي فإن زوعا ما هو إلا حزباً قومياً آشورياً مهما كان إدعائه وتمسكه بالتسمية المركبة لأن الصفة الآشورية القومية التي يحملها لا تتطابق مع أسم الأمة "الجديد". هنا يثير التساؤل الكبير والمحرج وهو هل أن التسمية الآشورية هي قومية عرقية أثنية أم حضارية؟

آشور بين العرق  والحضارة:
كل النظريات العنصرية والعرقية التي تنسب أصل الشعوب والقوميات إلى عرق معين أصيبت بالسخف والبطلان وعلى هذا الأساس كل آشوري ينسب نفسه عرقياً إلى الآشوريين القدماء فهو إدعاء باطل لا يعتد العلم به. فمعظم الكتاب وعلماء الآشوريات يؤكدون تأكيداً قاطعاً بأن الآشوريين لم يبنوا إنتماؤهم إلى آشور على أسس عرقية وأثنية بل كان مبنياً على جملة معطيات فكرية وجغرافية وتاريخية متعددة ومتناسقة شكلت في مجملها حضارة واضحة المعالم أتخذها الآشوريون كأساس لإنتمائهم إليها وتحديد هويتهم. والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى كون "آشور" ذو مصادر متعددة ومتنوعة أنفرد بها الآشوريون وحدهم دون غيرهم من الشعوب القديمة والحاضرة.  ومثل هذا التعدد والتنوع في مصادر "آشور" نجده في كونه الأبن الثاني لسام أبن نوح كما ورد في التوراة كما هو أسم مدينة آشور المقدسة لدى الآشوريين وأول عاصمة سياسية ودينية لهم، وهو أيضا أسم منطقة جغرافية عرفت ببلاد آشور وعلى أساس هذه المعطيات عرفت المجموعة القاطنة في بلاد آشور بالآشوريين والذين أشتركوا في الهوية الآشورية القائمة على اللغة المشتركة والدين المشترك والثقافة فأسسوا على ضوئها كياناً سياسيا دام ما يقارب ألف عام توج بأمبراطورية واسعة الأطراف والمعالم عرفت بالإمبراطورية الآشورية التي أستمرت في عطاءها الإنساني والحضاري لعدة قرون. واللغة الأكدية التي عرفت حسب مراحلها التاريخية بالبابلية - الآشورية تطورت تطوراً كبيراً في عهد الإشوريين وأصبحت منبعاً للعلم والمعرفة خاصة بعد إكتشاف مكتبة آشور بانيبال العظيمة والتي أحتوت على أعظم الخزائن الثقافية والفكرية لشعوب تلك المنطقة فكانت أساساً لنشوء علم الآشوريات الذي أصبح مدخلاً لدراسة كل الحضارات الشرقية. هذه المصادر الإنتمائية المتعددة الحضارية للآشوريين جعلتهم أن لا يعطوا للعرق والدم إي أعتبار في تحديد إنتماءهم "القومي" إلى آشور. فسياسة التهجير والتوطين وخلط الشعوب ببعضها دليلاً على ذلك وهي العملية التي أغنت الآشوريين حضارياً وفكرياً وأصبحت أمبراطورتهم مركزاً للعالم.   

من هذا المنطلق نقول من يدعي بأن إنتماءه الآشوري قائم على العرق والدم فهو إدعاء باطل ويتصف بكثير من السخف والشعوذة. إن الإنتماء الآشوري هو إنتماء حضاري، إلى تلك الحضارة الآشورية العظيمة التي أقامت إمبراطورية عظيمة وأعطت للإنسانية الكثير الكثير وكانت أساساً لتطور الإنسانية والكثير من الشعوب تطوراً علمياً وحضاريا. والحضارة هي ممارسة الفكر والعقل على بقعة معينة من الأرض أي هي التطبيقات العلمية والفكرية على الأرض من هنا نقول بأن كل من سكن بلاد آشور وتكلم نفس لغتهم ومارس نفس عادتهم وتقاليدهم وشاركهم نفس الديانة سواء أكانت الديانة البابلية – الآشورية القديمة أم المسيحية فهم آشوريون بكل معنى الحضاري وتحددت هويتهم القومية بهذا الإطار الحضاري وليس العرقي والأثني. وقد كان قد أصاب كبد الحقيقة عندما أكد الشماس المرحوم يوسف جمو في كتابه القيم عن أصل مسيحيو سهل نينوى في كونهم آشوريون بكل المعنى الحضاري.

أشورية زوعا حضارية وليست عرقية:
مما تقدم يمكن الجزم والقول بأن الأسم الآشوري الذي تتصف به زوعا مستمد من الحضارية الآشورية وليس من أي عرق أو أثنية. وهذه الحضارة ليست ملك أية فئة أو طائفة بل هي ملك كل الذين تجمعهم لغة واحدة وثقافة واحدة وتاريخ مشترك وآماني مشتركة والذين تحدد هويتهم بهذه المقومات ويسكنون قلب بلاد آشور وضواحيها. فالكلداني اوالسرياني الذي يسكن في تكليف وألقوش وتلسكقف وعنكاوه وبتخديدا وبرطله وغيرها من قرى سهل نينوى هم أولى بهذه الحضارة لأنهم بقوا ملتصقين بقلب أرض آشور حتى بعد سقوط أمبراطوريتهم رغم تسميتهم بالكلدانية أو السريانية والتي هي تسميات تراثية تاريخية تشكل مكونات الحضارة الآشورية العميقة الجذور والقابلة على الإغتناء من هذه التسميات المتعددة فيما إذا أتخذت وأستعملت بالمنطق وفهمت بالعقل المنفتح. من هذا الباب نقول أليس أهالي سهل نينوى الذين يشكلون المكون الكلداني والسرياني لأمتنا أولى بالاعتزاز والتفاخر بالحضارة الآشورية حضارة أبائهم وأجدادهم، فمثل هذا الأعتزاز يزيدهم قوة ومنطقاً عند المطالبة بحقوقهم القومية.

عندما تأسست زوعا في عام 1979 وحملت الإسم الآشوري لم يكن تأسيسها قائماً على عناصر من طائفة معينة أو عشيرة محددة بل كان من جميع أبناء الذين يعتزون بحضارتهم الآشورية سواء أكان "نسطوريا" أم كلدانياً أم سريانياً وهنا يجب أن لا ننسى أبن ألقوش البار الأستاذ المرحوم أبرم عما الذي يعتبر ألأب الروحي لزوعا عند تأسيسه كما يجب أن نذكر المناضل الكبير المغفور له توما توماس الذي ساند ودعم زوعا أثناء إلتحاقها بفاصل المقاومة المسلحة ضد النظام البعثي المقبور في العراق. ففي عام 1979 لم يكن هناك وعياً كلدانياً أو سريانياً بالمسائل القومية والسياسية لذلك لم يكن أمام زوعا خياراً إلا تبني التسمية الآشورية لكونها التسمية القومية السياسية الشاملة والحضارية لجميع أبناء الأمة إضافة إلى ذلك كانت لهذه التسمية خلفية تاريخية في المطالبة بالحقوق القومية. وفي المراحل اللاحقة وبعد تزايد الوعي القومي بين الكلدان والسريان نتج عن ذلك تزايد إنتماء أبناء أمتنا من مختلف مكوناتها الكلدانية والسريانية و"النسطورية" إلى زوعا لكونه إنتماء حضاري وليس عرقي أو طائفي أو عشائري وهو الإنتماء الذي يعبر عن أرقى أشكال الوعي الحضاري والقومي لهؤلاء. إن فقدان مثل هذا الوعي أو فقره لدى البعض هو الذي يجعلهم أن يعجزوا عن فهم أساسهم المستمد من الحضارة الآشورية التي يعتز بها كل إنسان ويتفاخر بها وبالتالي يقودهم هذا الفقر في الوعي القومي الحضاري إلى الإنغلاق والتقوقع وإلى خطاب قومي يفتقر إلى أبسط مقومات المنطق والحقيقة التاريخية.
زوعا والتسمية المركبة:
يتصور البعض بأن بمجرد تبني التسمية المركبة فأنه قد تغير أسم أمتنا إلى "كلدانية سريانية آشورية" .إن مثل هذا التبني لا يمكن أن يغير أسم أمة عظيمة ذات حضارة عريقة بمجرد قرار واحد. نؤيد التسمية المركبة لأمتنا ولكن يجب أن لا يكون الغرض منها تغيير أسم قوميتنا أو أية من التسميات التي عرف بها شعبنا (آشوري، كلداني، سرياني) أو أحتوائها أو شطبها من التاريخ والواقع،  بل الغرض الأساسي منه يجب أن يكون تضمين جميع هذه التسميات وطرحها سياسياً ضمن تسمية موحدة، وإن كانت مركبة، تعبر عن جميع من يتخذون من هذه التسميات أسماً لهويتهم طالما تقوم هذه الهويات على أسس قومية وتراثية وتاريخية مشتركة، فهو الحل الوحيد الذي يعطي لأمتنا زخماً سياسياً ودستورياً عند المطالبة بالحقوق القومية ويكون أقوى وأنجع وأكثر تطبيقا من طرح المطالبة بهذه الحقوق تحت تسميات مختلفة ومنفردة. تصوروا مجازاً لو طالب الكلدان والسريان والآشوريون كل واحد على حد ومنفرداً بحقوقه القومية وتضمينها في الدستور والقوانين العراقية، فأي من اللغات سوف يقرها القانون وما هي المناسبات القومية والتراثية التي سوف تعتمد وأي تاريخ سيدرس في المدارس السريانية؟؟؟؟ أليس نفس اللغة والمناسبات والتاريخ مشتركة للجميع؟؟؟ من لا يقر بهذه الحقيقة فهو أعمى لا يبصر الواقع ولا يعرف من التاريخ شيئاً والأفضل له أن يجلس في بيته ويترك الآخرين يعملون من أجل أطفاله والأجيال الحاضرة والمستقبلية.

وزعا التي تعتبر أكثر وعياً ونشاطاً في المرحلة الحالية أدركت هذه الحقيقة وتعمل رغم تسميتها الآشورية ضمن التسمية المركبة لأمتنا لأنها لا يمكن لها أن تفرط بأكبر مكونات أمتنا التي ستكون في المستقبل القريب في قلب الأحداث السياسية والقومية عندما يدب في بواطن عقولهم وعياً قومياً صحيحاً بالحضارة التي ينتمون إليها وتكون الأطار الشامل الفكري والحضاري لجميع مكونات الأمة. فزوعا وغيرها من المنظمات السياسية والأحزاب القومية التي أتصفت بالتسمية الآشورية وتبنت التسمية المركبة لأمتنا يجب أن تدرك حق الإدراك بأن لا الكلدان ولا السريان يقبلون دمجهم عنوة وبقرار واحد في التسمية الآشورية كما على المنظمات والأحزاب السياسية التي تتخذ من الكلدانية أو السريانية هوية لهم أن تعمل وفق التسمية المركبة لأمتنا كضمان وحيد لمنطقية المطالبة بحقوقنا القومية وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع فالزمن والوعي القومي الحضاري الصحيح سيكونان كفيلاً لإيصالنا إلى اليوم الذي تقر جميع مكونات الأمة بتسمية واحدة تاريخية حضارية.

خاتمة وإستنتاج:
في الخاتمة نؤكد مايلي:
1.   الحزب السياسي أداة سياسية تعمل لتحقيق أهداف معينة وقد تتغير هذه الأهداف ولكن ليس بالضرورة أن يتغير أسم الحزب.
2.   الحضارة الآشورية، بسعتها وحجمها وتاريخها وعمقها هي حضارية إنسانية لا حدود لها وتشكل الخلفية الفكرية والتاريخية والحضارية لجميع مكونات أمتنا وطوائفها المختلفة وليست لها أية صفة عرقية أو طائفية أو شللية أو حزبية.
3.   تبني التسمية المركبة لأمتنا لا يعني تغيير أسم الأمة بجميع مكوناتها التاريخية والتراثية، فالمرحلة الحالية التي تتصف بضعف الوعي القومي والسياسي للكثير من أبناء أمتنا وإعتماد مصادر فرعية للإنتماء وتحديد هوية الفرد من خلالها، مطلوب من المهتمين بشؤون الأمة  طرح التسمية المركبة في المرحلة الحالية كأنجع وأقوى الوسائل في المطالبة بالحقوق القومية لجميع مكونات الأمة.
4.   إن الزمن وتنامي الوعي القومي بالحضارة الآشورية ومدى سعتها وعمقها كفيل بأن اليوم الذي سنجتمع ونطرح حقوقها تحت تسمية واحد آتي لا محال منه مهما كانت التحديات والتضحيات.
5.   إن الإعتزاز بجميع مكونات الأمة من كلدانية وسريانية وآشورية هو مدخلاً أساسياً لفهم حقوق الأمة والمطالبة بها ومن لا يقر بهذه الحقيقة فهو خارج التاريخ والواقع.

 

 

294

الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا)
كيف ننتقدها ونقيمها؟


Aprim w Ashor TV
أبرم شبيرا
توطئة:

نظرة بسيطة وسريعة على جميع المواقع الألكترونية ووسائل الإعلام المختلفة المهتمة بشؤون أمتنا "الكلدانية الآشورية السريانية" خاصة بشؤونها السياسية القومية ندرك على الفور بأن زوعا تحتل المقام الأول، إن لم تكن الوحيدة، في مسألة تعرضها إلى النقد بمختلفة أوجهه البناء والمجامل والتهجمي وقلما نرى تقييما لها أو الرد منها على هذه الإنتقادات، وهي السياسة التي إنتهجتها في عدم "تضيع" الوقت وإثارة النزعات الكلامية خاصة في المواضيع التي لم تبنى على أسس واقعية وصحيحة. ومن الملاحظ بروز ظاهرتين في هذا المجال. أولاهما، تركز معظمها إن لم تكن جميعها على نقد وتهجم على شخصية السيد يونادم كنا السكرتير العام للحركة وعضو البرلمان العراقي. وثانيهما، تناقص هذه الإنتقادات في مقارنة مع السنواات الماضية خاصة بعد فوز الحركة بثلاثة مقاعد من خمسة المخصصة لأمتنا، ويظهر بأن هذا أيضا جزء من ظاهرة عامة وهو تناقص إن لم نقل إختفاء مواضيع سياسية قومية عن الأحزاب والمنظمات القومية وبالأخص عن الحكم الذاتي والإكتفاء بمواضيع آنية ينتهي مفعولها بإنتهاء زمنها القصير ومن دون أن تخدم الفكر القومي والسياسي لأمتنا.  ومن المحزن أن لا تكون مثل هذه الظواهر موضوع بحث من لدن كتابنا وسياسيوننا ومفكروننا وإستخلاص العبر والنتائج منها تفيد في إغناء الفكر القومي السياسي ليس لزوعا وحدها بل لجميع أحزاب أمتنا وحركاتنا السياسية.
 صحيح في الظاهر هناك العديد من الأحزاب والمنظمات القومية، سواء أكانت فعلاً موجودة على الساحة السياسية أم كانت مجرد أسماء على ورق، غير أنها من جهة أخرى لا ينتقدها أو يقييمها أحد من كتابنا إلا ما ندر في مقارنتها مع الإنتقادات الموجهة لزوعا. لماذا...؟؟؟ هذا التساؤل البسيط يكمن خلفه ظاهرة مهمة ونتيجة واضحة المعالمة وهي إن هذه الأحزاب والمنظمات لا تعمل أو إن نشاطها غير واضح المعالم وغير مدرك أو محسوس ومن الطبيعي جداً أن لا تتعرض للنقد او التقييم. وعلى العكس من هذا فإن هذه النتيجة تقودنا للقول وبجزم بأن الكم الهائل من النقد الموجه لزوعا أو لسكرتيها العام هو معيار لمدى نشاطهما المستمر على الساحة السياسية، سواء أتفقنا معمهما أم لا. وحتى نكون موضوعيين غير متحزبين يجب القول وبجزم أيضا بأن هذا النشاط ليس على الدوام المطلق إيجابياً بناءاً، بل هو نشاط يخضع للمفهوم الفلسفي في التطور، والذي سنتأتي على ذلك في السطور القادمة، وهو الذي يشكل أس الإساس في نقد زوعا وتقييمها. فالحركة ليست كياناً مقدساً لا تخطأ  فهي من صنع البشر فمن الطبيعي أن يكون نشاطها معرضاً للخطا والتعثر، وهو الأساس الذي يقوم عليه النقد.     
   
مختصر في مفوم التطور:
يقال بأن المرء عندما يبلغ العقد الثالث من عمره، والذي يحسب كمحطة مهمة في منتصف الحياة، عليه أن يثبت قدماه ويبدأ وبإمعان أولاً النظر إلى الخلف وسرد كل مجريات العقود الثلاث الماضية وتدقيقها بشكل موضوعي دون أن يتباهى ويتعالى بالنجاحات التي حققها أو الإحباط والإنهيار بسبب العثرات والفشل التي أعترت طريقه ومن ثم إستخلاص الدروس والعبر منها لتكون مرشدا له للسنوات القادمة. من هنا يبدأ النظر إلى الأمام والتأمل الواقعي البعيد عن الخيال والأحلام الوردية حتى يتمكن من مواصلة مسيرة حياته نحو المستقبل ومواصلة التطور. وهي الحالة التي تنطبق على زوعا وهي تجتاز عقدها الثالث. والمفهوم الفلسفي للتطور يقوم على بديهية معروفة وهي "خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء" فالنجاح المطلق أو "جميع الخطوات إلى الأمام" أمر مستحيل ويدخل في باب الكمال والمثال. والسياسة لا تعرف الكمال ولا تبني عمليتها على المثالية وما وراء الطبيعة. فالواقع المنطقي الذي يجمع تناقضات الحياة من تقدم وفشل هو الذي يحكم عالم السياسة. وبعبارة أخرى نقول بأن التطور هو المحصلة النهائية الناتجة من جملة تفاعلات قائمة بين التقدم والإخفاق والتي في نهاية المطاف تفرز مقومات التطور والإستمرار.

مختصر في مفهومي النقد والتقيم:
النقد منهج فكري وعقلاني لإكتشاف الأخطاء والعثرات ومن ثم تصحيحها وإزالة عيوبها. وممارسة النقد لا غرض له غير النمو والتطور والتخفيف من الخطوات المتعثرة والبناء عليها خطوات متقدمة. وكانت الماركسية أول من أهتمت وفصلت في موضوع النقد، فكارل ماركس يعتبر من أكبر الفلاسفة الذين تناولوا هذا الموضوع وأعتبر ممارسة النقد والنقد االذاتي أمراً مهماً لصالح الثورة البروليتارية ونموها الخاص. ثم طور لينين هذا المفهوم وأعتبره مبدأ هاما وأحد منابع التطور الإجتماعي. ثم جاء الماركسيون الجدد أو الأوربيون وطوروا مفهوم النقد حتى يتلائم مع الظروف الرأسمالية المتقدمة في الدول الديمقراطية. ويعتبر النقد منهجاً علمياً في إكتشاف وحل تناقضات المجتمع وله دوراً خلاق في دفع مسيرة التطور نحو الأمام والتخيف أو علاج الخطوات المتعثرة والفاشلة. ولكي يتصف النقد بالمنهجية العقلانية والواقعية يجب أن يقوم على واقع أو موضوع، سواء أكان فكر أو ممارسة ولا يمكن أن يأتي من غير ذلك. فكلما كان الواقع أو الموضوع، فكراً ومماسة، واضحاً ومبيناً للعقل والمنطق كلما أكتسب النقد عقلانيته ويصبح أكثر فاعلية في عملية التطور. من هنا نقول بأنه لا يمكن إعتباره نقداً فيما إذا لم يمتلك أساسا أو موضوعاً صحيحاً ومبيناً ومنطقياً وإلا أعتبر كلاماً فارغاً لا مكان له في الصيرورة السياسية، لا بل قد يكون لمثل هذا الكلام إرتدادات عكسية سلبية على مصدر النقد أو الكلام نفسه، وهذا ما سنبينه في السطورة القادمة عندما نطرح بعض مثل هذه الإنتقادات الكلامية الفارغة.

أما التقييم فهو منهج علمي معياري في قياس وتحديد ممارسة المنظمات والأحزاب السياسية بما فيها الحركة الديمقراطية الآشورية، موضوع بحثنا، وبالتالي معرفة مدى تقدمها وتحقيقها لأهدافها أو فشلها. فبدون المعيار القياسي لايمكن إطلاقاً إمتلاك أدوات التقييم. والمعيار القياسي في تقييم الأشياء أو الأفعال يجب أن يكون دقيقاً ومحدداً بحدود دنيا وقصوى. ولتبسيط الأمر نسترشد بالمثال البسيط التالي: الإنسان ككائن حي له قدرات تتحد بحدود دنيا وقصوى. فمثلاً ان الإنسان مهما كان قوياً لا يمكن أن يرفع أكثر من 200 كليوغرام مرة واحدة كحد أقصى وإن رفع أكثر من ذلك فهو إنسان خارق غير طبيعي مع سواه. أما الإنسان الذي لا يستطيع رفع، مثلا أكثر 20 كليوغرام كحد أدنى فهو إنسان غير سوي لا بل إنسان مريض وفيه نقص جسماني. فهنا يتحدد المعيار القياسي لقوة الإنسان كحد أقصى بـ 200 كليوغرام وكحد أدنى بـ20 كليوغرام.

أمثلة من الواقع السياسي: نبدأ أولا بالقومية العربية ونأخذ التنسيق والتفاهم بين الدول العربية كحد أدنى والوحدة القومية كحد أقصى نرى بأن عجز هذه الدول في تحقيق الحد الأدنى من التنسيق والتفاهم حول مسائل لانقولها مصيرية بل عادية جداً، يعكس عن ضعف قدراتها ووسائل تحقيق أهدافها. إذن فالأمر ليس سوياً والإستمرار عليه يقود العرب إلى أوضاع أسوء مما هم عليه في الوضع الراهن. والحال لايختلف كثيرا عن العرب العراقيين، سواء أكانوا من السنة أو الشيعية، فعدم قدرتهم على التنسيق والتفاهم حول الحد الأدنى من المصلحة العربية في العراق جعلوا العراق أرضاً غصباً لعدم الإستقرار وإهتزاز "عروبته". وعلى العكس من هذا نرى الكورد في العراق أمتلكوا المعيار القياسي الواضح لتقيم مدى نجاح أو فشل حركتهم القومية. فالتنسيق القائم بين أحزابهم السياسية، خاصة الحزبين الرئيسين، نتج عنه خطوات متقدمة في تحقيق أهداف الكورد القومية وبالتالي إجتازوا الحدود الدنيا تصاعداً نحو الحدود القصوى والإقتراب من تخوم إقامة دولة كرودية مستقلة في شمال العراق. ولكن هل نلوم وننتقد الكورد لعدم قدرتهم على إقامة مثل هذه الدولة خاصة في الظروف الحالية التي يمر بها العراق؟ فالجواب يكون بالنفي. فالكورد يدركون أن تحقيق مثل هذا المطلب القومي المنتظر هو خارج الحدود القصوى لإمكانياتهم لأنهم لايملكون القوة أو الإمكانية الكافية لصد مقاومة تركيا وإيران والعرب عند إقامة دولتهم الكردية المستقلة. من هذا المنطق عندما ننتقد ونقيم زوعا يجب أن يكون ذلك ضمن الحدود الدنيا والقصوى لإمكانياتها بشكل خاص وإمكانية الأمة بشكل عام.       

زوعا وفق منظور التطور:
لقد سبق وأن ذكرنا في مناسبة سابقة بأن الحركة الديمقراطية الآشورية ولدت من مخاض ومعاناة الأمة ومن رحمها الشرعي لذا فهي حركة حية وعضوية في تفاعلها مع حياة الأمة وأبناءها تمتلك كل مقومات الكائنات الحية التي تنعكس في أيديولوجيتها وسياساتها وأفكارها وأسلوب حياتها، فهي إذن حركة طبيعية لها مقومات التطور الواجب توفرها في كل الكائنات الحية منها التقدم والتعثر، النجاح والفشل.     
والحركة الديمقراطية الآشورية التي ختمت عقدها الثالث وإجتازت محطة حياتها النصفية، وكحركة طبيعية حية وعضوية لا بد، لا بل ويجب، أن تكون قد دخلت مسيرة التطور عبر خطواتها الأمامية /الورائية والتي من خلالها يمكن أن ننظر إلى السنوات التي خلت وما فيها من إنجازات وإخفاقات وعلى ضوء ذلك ننتقدها و نقيم مسيرتها القومية والسياسية. أي بعبارة أخرى أن خضوع زوعا لمفهوم التطور القائم على "خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الوراء" يجعل موضوع نقدها وتقييمها قائماً على هذه المعادلة ويكسبها وضعاً موضوعياً وبالتالي فإن كل نقد أو تقيم  يجب أن يقوم على موضوع أو واقع وبعكسه فإن النقد يفقد خاصيته ولا يجدى أن يكون غير كلام فارغ لا معنى له أو تأثير في الصيرورة السياسية لزوعا. من هنا نقول بأن موضوع النقد والتقييم لزوعا يرتبطان إرتباطاً عضويا، فالنقد يقوم على معالجة خطوة إلى الوراء في حين التقييم يقوم على تناول خطوتان إلى الأمام.
وحتى نكون أكثر موضوعيين نؤكد مرة أخرى بأن زوعا ليس قديساً أو ملاكاً بالتمام والكمال كما أنه ليس شيطاناً بالتمام والكمال أيضا فطبيعته البشرية الإجتماعية تجعله أن يجمع بين هذا وذاك، بين الصواب والخطاً وربما قد يتطلب العمل السياسي أن يجمع أيضاً بين الخير والشر. ولكن التساؤل يبقى قائماً وهو: لماذا نقيس تطور زوعا بخطوتان للأمام وخطوة للوراء ؟ لماذ لا نعطي لها خطوة إلى إلأمام وخطوتان إلى الوراء؟؟. فلإجابة على مثل هذا التساؤل لابد أن ينطلق من الفهم الصحيح للتطور والواقع المعايش لزوعا. إن مفهوم التطور الذي ذكرناه سابقا والقائمة على "خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء" ليس له صفة الإطلاق في عدد الخطوات الأمامية أو الورائية. فصحيح القول هو أن التطور هو جملة خطوات إلى الأمام وإلى الوراء فقياس التطور ليس في عدد الخطوات الأمامية بل هو حصيلة تفاعل جميع الخطوات الأمامية والورائية التي يتولد منها إنجازات واقعية وملموسة. فبالنسبة لزوعا واجت خلال ثلاثين سنة الماضية خطوات سلبية ورائية ولكن خلال مسيرتها النضالية إستطاعت إحتواء هذه الخطوات بخطوات أخرى أمامية إيجابية كانت في المحصلة النهائية تطوراً مثمراً بإنجازات ملموسة. من هذا المنطلق يجب أن نفهم زوعا وننتقدها ونقيمها.

النقد الموضوعي لزوعا:
إذا قبلنا بأن زوعا يعمل وبقى يعمل طيلة ثلاثين سنة الماضية فإذن يجب أن نقبل أيضا بأنه أخطىء وقصر في نواحي معينة. وقد يكون هذا الخطاً او التقصير ناجم عن عدم إمتلاكه الحدود القصوى للإمكانيات لغرض تلافي هذه الأخطاء أو قد يكون ناجماً عن قلة الخبرة أو ضعف الوعي بالواقع السياسي لتلك الحالة. والنقد هنا يجب أن لا يقوم على "القيل والقال" والحالة الزمنية المعينة وهي الحالة الأكثر شيوعا في المهجر. فالكثير من أصحاب هذا النقد يقوم على أساس إنه في فلان مناسبة أو لقاء قال يونادم كنا أو أحد قيادي زوعا كذا وكذا وعلى هذا القول يؤسس كامل موقفه من تاريخ وإستراتيجة زوعا وهذا أمراً خاطئاً لأن كلام أو موقف معين من مسألة معينة لا يلغي إستراتيجية أو أيديولوجية زوعا. ولكن بتكرار هذه المواقف وبشكل مستمر فمن الطبيعي سوف تتراكم هذه المواقف تراكماً كمياً ثم تتحول نوعياً وبمرور الزمن إلى مبادئ وأيديولوجيات تحكم تطور مسيرة زوعا ومكانتها بين الجمهور لذلك يستوجب على قيادتها الإنتباه الشديد في مثل هذه المسائل. فالتقييم الموضوعي الكامل لزوعا وتحديد موقف الإنسان منها يجب أن لا يقوم على أساس خطاب معين في مناسبة معينة فحسب بل يجب أن يكون على مجمل سياسات زوعا ومواقفها من جميع القضايا القومية والسياسية العامة. فلا أستطيع أن أرفض زوعا بالكامل لأن فلان قيادي فيها قال كذا وكذا.
إنطلاقاً من طبيعة زوعا كحركة سياسية قائمة على مفهوم التطور الذي ذكرناه فأنه من الطبيعي أن يكون هناك مواضيع وممارسات خاضعة للنقد ويجب على زوعا أن تقبلها فيما إذا كان النقد موضوعياً لأن الفائدة الأولى والأخيرة سوف ترجع إليها. وليس من السهل أن نسرد معظم الأخطاء خاصة اليومية والآنية لزوعا لكي ننتقدها، بل سنأخذ أهم المواضيع التي نخضعها لمثل هذا الانتقاد الموضوعي والتي تتصف بصفة الديمومة وفي مقدمتها الإعلام. منذ البداية وبصراحة مطلقة نقول بأن إعلام زوعا ضعيف في مقارنته مع مسيرتها ونضالها الطويل والناجز فهوعاجز عن التعبير الواضح لمسيرة زوعا النضالية ولا يحقق الطموح القومي لزوعا بإعتباره اللاعب الرئيسي على الساحة السياسية القومية سواء في الوطن أم في المهجر. فهو غير قادر على أن يعكس هذه المسيرة والنضال كما أنه ضعيف في فهم العقلية السائدة بين أبناء أمتنا في المهجر. فعلى الرغم من الشعبية التي تتمع بها زوعا في بلدان المهجر خاصة في الولايات المتحدة إلا إنها لم تستطيع أن تستفيد من هذه الشعبية إستفادة مثمرة وتحولها إلى دعم كامل لها. صحيح أنه في السنوات القليلة الماضية تقلصت شعبيتها بعض الشي بسبب قدرة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري في التأثير على أبناء الأمة في المهجر و"الإنجازات" التي حققها في "إعادة" أعمار البيوت "الكارتونية" في أرض الوطن وفاعلية قناة عشتار الفضائية والدعم المالي الذي كان يتلقاه من الحزب الديمقراطي الكردستاني أو حكومة إقليم كردستان بشكل غير مباشر عن طريق السيد سركيس أغاجان وزير المالية السابق في حكومة الإقليم، إلا أن بعد نضوب المصادر المالية للمجلس الشعبي وإنتهاء مهمة السيد أغاجان كوزير للمالية أنخمدت فاعلية المجلس الشعبي وأنعكس ذلك بشكل إيجابي على شعبية زوعا خاصة بعد حملته الإنتخابية الناجحة وتحقيق النتائج المرجوه من إنتخابات برلمان العراق. ولكن مع كل هذه الشعبية، صعوداً أو هبوطاً، يبقى العجز قائماً في إستثماره بالشكل الكامل والإيجابي، ولعل السبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى ضعف أو عجز قنوات الإتصال سواء عن طريق منظمات زوعا وفروعا في المهجر أو قناة آشور الفضائية من تحقيق الهدف.
من الأخطاء التي عملتها زوعا ولا زالت مستمرة عليها هي فتح فروع لها في المهجر. هذا التوجه يعبر عن عجز زوعا وقيادتها في فهم طبيعة المجتمعات الغربية الديمقراطية التي لا تتقبل أو تتفهم مثل هذه التنظيمات الشرق الأوسطية التي هي  ملائمة للمجتمعات المتخلفة والتي تسودها أنظمة غير ديمقراطية. إن الحياة السياسية في الغرب الديمقراطي هي غير تلك التي في الشرق الأوسط، فالتنظيمات غير المباشرة والمساندين وهيئات الدعم المالي والمعنوي أو جماعات الضغط في المهجر هي الأكثر مناسبة وفاعلية في دعم زوعا في أرض الوطن. وهو موضوع سبق وأن تطرقنا إليه سواء في مناسبات عامة أو خاصة مع بعض قيادي زوعا ولا نرغب التكرار فيه. وأنا أوكد لكم بأن بعض عناصر زوعا في المهجر وتصريحاتهم اللهابة أو قنواتهم البوقية المساندة لها قد لعبوا دوراً سلبياً كبيراً في تضخيم الهوة وعدم الإلتقاء في بعض الرؤى بينها وبين كنيسة المشرق الآشورية وبطريركها الكلي الطوبى قداسة مار دنخا الرابع وبالتالي إنعكاس ذلك على سمعة زوعا في المهجر بإعتبارها معادية للكنسية ورجال الدين، وهو الموضوع الذي كان على قيادة زوعا في الوطن أن تتخذ موقفاً واضحاً وصريحاً من ذلك منذ البداية لإزالة الإلتباس والغموض فكانت زيارة السيد يونادم كنا لقداسته في مقر البطريركية في شيكاغو في الأشهر القليلة الماضية إيجابية في إزالة بعض من هذا الغموض والتي يتطلبها المزيد لتوضيح الأمور خدمة لهذه الأمة.
كلنا سمعنا أو قد حضرنا "الكونفينشن" الذي ينظمه الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي المعروف بـ "فيدريشن" طيلة 76 عاماً الماضية. كنت من المواضبين على حضور الكونفينشن ولا أعتقد أحد يستطيع أن ينكر بأن معظم المنظمات الممثلة فيه والحاضرين للكونفينشن هم من الموالين والداعمين الأساسيين لزوعا في الولايات المتحدة لأنهم يدركون حق الإدراك بأن زوعا هي الممثل الحقيقي لشعبنا في الوطن لذلك دائماً تكون من المدعوين الرئيسيين للحضور والمشاركة في النشاطات أو إلقاء الكلمات. غير إنه بسبب ضعف حضور زوعا، سواء في الممثلين الحاضرين لها، أو تصرفات بعض من أعضاء فروع زوعا في المهجر تعجز زوعا عن الإستفادة من هذا التجمع الذي يعتبر أكبر تجمع آشوري/كلداني/سرياني في تاريخ هذه الأمة والذي سينعقد الكونفينشن القادم ألـ (77) في مدينة فينكس في ولاية أرزونا في الولايات المتحدة الأمريكية في بداية شهر أيلول القادم ونأمل من قيادة زوعا أن تدرك هذه الحقيقة وأن تكون أكثر إستجابة ومشاركة في الكونفينشن القادم.
وقناة آشور الفضائية تعتبر موضوعاً آخراً للنقد. فلولا البرامج الخاصة القيمة  والمؤثرة التي عرضتها في يوم الشهيد الآشوري الآخير، آب 2010 لكان نقدي لها لاذعاً يصل إلى حدود التهجم. أن هذه القناة عاجزة بالفعل أن تصل إلى الطموح القومي لأمتنا فهي قناة عربية أكثر مما تكون كلدانية أو سريانية أو آشورية ويظهر بأنها تعبر عن الثقافة العربية والعراقية عموماً أكثر من تعبيرها عن الثقافة السريانية. وحتى الثقافة العربية والعراقية لم تصل إلى تلك الحدود المتدنية لبعض البرامج التي تأتي تحت باب "برامج ترفيهية مطلوبة من قبل الجمهور" في الوقت الذي هي صراخ ومضحكة وإلهاء الناس بالكلام الفارغ وحديث لا فائدة منه. لماذا أنا أو غيري يتفرج على البرامج الترفيهية أو المسلسلات العربية أو أن يستمع إلى الأغاني العربية في قناة آشور طالما هناك قنوات عربية أخرى تعرضها بشكل أحسن منها؟ أنا أحضر قناة آشور لكي أتفرج وأستمع إلى ملك الأغاني الآشورية الفنان المبدع آشور بيت سركيس أو غيره من مطربينا المبدعين ... هذا مثال من آلاف الأمثلة. أستغرب أن تكون هناك برامج دينية إسلامية أو طائفية وتأخذ وقتاً طويلاً في عرضها. لعل أحدنا يقول بأن هذا واجب على قناة آشور الفضائية لأنها لسان حال الحركة الديمقراطية الآشورية وهذه الحركة هي جزء من هذا الوطن ويجب مرعاة مشاعر الآخرين وتقدير مناسباتهم؟ ... جيد... ولكن هل القنوات العربية العراقية والإسلامية الطائفية تقدر مشاعرنا القومية والتراثية والدينية وتحترم ثقافة أمتنا؟؟؟ أنا لا أتصور قناة تلفزيونية تابعة لأحد الأحزاب الإسلامية أو الطائفية أن تعرض برنامج خاص عن دير ربان هرمز مثلاً أو تعرض أغاني جوليانا جندو؟؟؟؟؟ ألا يعتبر هذا كفراً وإلحاداً عندهم!!! وقد يكون سبب هذه "المجاملة" في عرض برامج عربية إسلامية في قناة آشور الفضائية أساسها بعض الدعم المالي الذي توفر هذه المجموعات إلى قناة آشور ولكن هذا الدعم يجب أن لا يكون على حساب المبادئ والرسالة القومية التي تحملها زوعا وإلا فلا تلزمنا هذه القناة. ثم هناك نقطة مهمة، ولا أدري إذا كان مسؤلوا أعلام زوعا يدركون حقيقة الذهنية السائدة في مجتمعنا في المهجر وخاصة الشباب ومنهم في كيفية تقبل مثل هذه البرامج الغريبة عنهم. وأكتفي بهذا القدر عن قناة أشور وأمل أن تكون هذه السطور مدخلاً بسيطاً لوضع آشور على المسار القومي الصحيح وتستمر في حمل الرسالة العظيمة الملقاة على عاتقها نحو آفاق أبعد مما هو قائم رغم إدراكنا الكامل عن التحديات والصعوبات التي تلاقيها في بقاء هذه القضاء حية على الهواء.



Aprim w ADM
السيد يونادم كنا في الميزان:
يبقى شيئاً مهماً وحساساً والتطرق إليه يثير الكثير من الحساسيات وردود أفعال قد تكون بعضها متشنجة وغير قابلة لفهم الواقع المعاش، وهو موضوع قيادة زوعا، وعلى الأخص السيد يونادم كنا ورفاقه. حيث كما سبق وأن لمحنا إلى أن الكثير من الإنتقادات هي بالأساس موجهة إلى السيد يونادم كنا ومواضيع بعض هذه الإنتقادات هي باهتة وسخيفة لا أساس لها من الصحة أو نعجز عن أثباتها وبالتالي لاتستحق الذكر وتضيع الوقت فيها ولكن الغريب والعجيب منه يجب ذكره وهو هناك بعض من أبناء أمتنا سواء أكانوا في الدول المجاورة للعراق أو في المهجر لم يزورا العراق أبداً ولم يلتقوا بزوعا إطلاقاً ولم يقابلوا السيد يونادم كنا بتاتاً في حين نرى يكيلون زوعا وقيادتها أكيالاً من التهجم والسباب على أساس أنه نقد قائم على حبه لزوعا وبقاء مسيرته!!! في الوقت الذي تكون معلوماتهم إما من مصادر معادية لأمتنا أو لزوعا أو تكون من بعض الذين طردوا من زوعا أو تركوها. ولكن موضوع بقاء السيد يونادم كنا على رأس قيادة زوعا أمر شغل بال الكثيرين سواء المعادين لزوعا أو المقربين لها. إن هذا الموضوع لا يمكن أن نعالجه بالتفصيل ونحن خارج زوعا ولكن هناك معطيات واقعية وعلمية يجب أن تأخذ بنظر الإعتبار عند كل من يرغب في نقد مسألة بقاء السيد يونادم لفترة طويلة في السكرتارية العامة وهي:
1.   أنه من المؤسسين الرئيسيين لزوعا وكان اللاعب الرئيسي في تأسيسها وإستمرار مسيرتها، ومن يتابع تاريخ ومسيرة الكثير من الأحزاب السياسية والحركات القومية يكون المؤسس لهذه الأحزاب من العناصر المستديمة في رأس قيادتها وفي كثير من الأحيان يتحول إلى رمز لها أو يتولى منصباً قيادياً رمزياً خاصة عندما يقضي سنوات طويلة من عمره مع حزبه وعجزه عن العمل الحزبي. وحال زوعا والسيد يونادم كنا لا يشذان عن هذه القاعدة.
2.   أنه منتخب إنتخاباً ديمقراطياً سواء قبلنا أسلوب الإنتخاب والتأثيرات التي مورست فيها أم لا فهو شأن المندوبين للمؤتمر وقرارهم الخاص وأصحاب السلطة في إختياره أو رفضه دون سواهم. ولكن هذا لا يمنعنا أبداً من النقد الموضوعي لهذا الإنتخاب وأسلوبه. إن إنتخاب السكرتير العام لزوعا محكوم بنظامها الداخلي وبقرارت اللجنة المركزية ومدة بقاءه في المنصب محددة بفترة زمنية معينة وقد تنتهي هذه الفترة ويحل محله شخص آخر فيما إذا لم تكن هناك ظروف إستثنائية تتطلب بقاء السكرتير العام في منصبه لفترة أخرى وهو الموضوع الذي تقره اللجنة المركزية أو مكتبها السياسي أو أعضاء المؤتمر العام وليس شخص واحد أو شخصين.
3.   مسألة إنتقال السطلة في بلدان العالم الثالث وبالأخص في البلدان العربية ومنها العراق مسألة تتميز بميزات خاصة سواء أكان ذلك بالنسبة لسلطة الدولة أو الأحزاب السياسية. فهناك تقاليد سياسية موروثة يصبح الخروج عنها تهديداً للأمن والإستقرار أو إهتزازاً لكيان الحزب السياسي وتعرضه للإنقسامات. ومن هذه التقاليد بقاء "الزعيم" أو "القائد" أو "الرئيس" في السلطة حتى مماته أو إغتياله وإذا استقال أو ترك منصبه أو إنتهى إستحقاقه للمنصب دون أن يطالب الإستمرار فيه فهذا يشكل حدثا وسابقة تاريخية تكون موضوع دراسة في كليات العلوم السياسية. لبنان هو البلد "العربي" الوحيد الذي فيه رؤساء جمهورية سابقين لا زالت رؤوسهم على أكتافهم غير مقطوعة ويمشون في الشوارع غير مقتولين ولكن هذا يعتبر بالنسبة للتقاليد السياسية في الدول العربية خروجاً عن المألوف والتقليد لذلك يتعرض لبنان إلى مختلف الصرعات والمشاكل من أجل أن يخضع للحظيرة السياسية العربية. وتأكيداً على ما نقوله لا يوجد في الدول العربية وربما الإسلامية أيضا رئيس وزراء أو رئيس جمهورية رشح نفسه في إنتخابات ولم يفوز بها. الإستثناء الوحيد هو الإنتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة فبالرغم من فوز القائمة العراقية بأكثرية الأصوات، ولو بصوتين، نرى بأن السيد نوري المالكي رئيس الوزراء المنتهية ولايته يتمسك بالكرسي ولا يرغب إطلاقاً التنازل عن هذا الكرسي ويشذ عن القاعدة. في إيران رغم ثبوت تزوير في الإنتخابات الأخيرة إلا أن أحمد ناجدي رئيس وزرائها المنتهية ولايته ثبت في الكرسي سواء بالقوة أو بالفتوى ولولاية ثانية. ربما كان معمر القذافي رئيس ليبيا أكثر إدراكاً وفلسفة عندما ذكر ذات يوم بأن معنى الديمقراطية (Democracy ) يعني ديمو (دايم) كراسي ... أي الإستمرار في كرسي الحكم حتى الموت!!. وموضوع التوراث في الجمهوريات العربية وحتى في الحركات السياسية موضوع آخر وطويل ولكن مرتبط إرتباطاً قوياً بهذا الموضوع ويكفي الإشارة إليه دون التفصيل. أن الحركة الديمقراطية الآشورية حزب سياسي نشأ ويعمل في وسط سياسي من هذا النوع فمهما حاولنا أن نكون ديمقراطيين ونتعلم من الأساليب الديمقراطية السلمية في إنتقال السطلة في المجتمعات الغربية الديمقراطية يبقى موضوع تأثر زوعا بالظواهر السياسية السائدة على الساحة العراقية أمراً مفروضاً يستوجب إداركه وتفهمه ومن خلاله نتفهم زوعا وقيادتها. ولكن حتى نكون أكثر حضارة وتقدماً يجب الإهتداء بالمثل الجيد وليس السيء.
4.   السائد في البرلمان العراقي بأن معظم زعماء الأحزاب السياسية يمثلون أحزابهم في البرلمان ويقودون كتلهم البرلمانية .. والسيد يونادم كنا جزء من هذه الحالة. فلو فرضنا بأنه تخلى عن منصبه في قيادة زوعا فهل يكون له مكاناً في البرلمان أو يقود الكتلة أو المجموعة التي يمثلها، إن كان هناك مجموعة يمثلها؟ فالإرتباط المباشر والأوتوماتيكي قائم بين زعامة الحزب وعضوية البرلمان وقيادة الكتلة البرلمانية. بالنسبة لوضع أمتنا  يبقى تواجد شخص أو شخصين في البرلمان يمتلك صفات في قوة الشخصية وخلفية سياسية غنية وإلمام بالأمور السياسية العراقية وتفهم عقلية السياسيين ذوي الإتجاهات الفكرية المختلفة والمتناقضة وله تجارب سابقة معهم أمر مهم جداً لا بل وضرورياً أيضاً ولا أشك بأن مثل هذه الصفات متوفرة في السيد يونادم كنا.
5.   الفقر السياسي المدقع في خلق الكوادر السياسية في أمتنا أمراً خطيراً جداً وسبق وأن تناولناه في مناسبة سابقة... فالمتبع لتاريخ الأحزاب السياسية لأمتنا سواء في الوطن أم في المهجر فإن المؤسس أو قائد الحزب يبقى في منصبه فترة طويلة جداً ولم نشاهد أي منهم يمتلك نية ترك كرسيه فحاله كحال زعماء العرب ولا يستوجبه التكرار مرة أخرى. ولكن قد يختلف حالنا عن حال العرب والكورد وغيرهم من القوميات من جانب آخر، فتسمر أي زعيم من زعماء هذه القوميات في كرسي القيادة حتى الموت يكون إما بسبب التوارث أو بسبب حبه لهذا الكرسي وتملكه القوة المادية والمعنوية للحفاظ عليه. في حين كما هو معروف وواضح فإنه ليس لأي قائد آشوري قوة مادية ومعنوية يملكها لكي يحافظ على منصبه فالبقاء فيه مقرون بمجموعته التي أعترفت به كقائد لهم. أي بعبارة أخرى أن الفقر السياسي والفكري في خلق الكوادر السياسية القيادية أمر يحكم هذه المجموعة في إختيار القائد لهم طالما ليس هناك خيار آخر أو بديل يحل مكانه ويكون أفضل منه. هنا نتسائل ونحن بصدد تقييم قيادة السيد يونادم كنا لزوعا... هل كان لزوعا أن تستمر طيلة ثلاثين سنة الماضية رغم الصعوبات والتحديات الخطيرة وأن يكون وضعها أحسن مما هو عليه؟؟؟ سؤال لا يمكن التيقن في الإجابة عليه إلا ضمن تخمينات وتوقعات وهي مسائل لا تفيدنا كثير في عالم السياسة.
 
التقييم الموضوعي لزوعا:

عندما تأسست زوعا رسمياً في عام 1979 لم تكن على الساحة السياسية لأمتنا في الوطن غير حزب أو حزبين غير نشيطين أو قليلة النشاط وغير معروفة. واليوم هناك عشرات الأحزاب والمنظمات القومية والجمعيات الثقافية والخيرية تنشط بكل حرية على الساحة السياسية، لا بل هناك أحزاب عربية وكردية وتركمانية ومنظمات دولية ودول عديدة تعرف عن أمتنا وتعترف بها وبحقوقها القومية في أرض الوطن.... أفهل يستطيع أحد منا أن ينكر سواء أكنا من المؤيدين أو المعارضين لسياسة زوعا بأن الفضل الكبير يعود لزوعا ولدورها الفعال على الساحة العراقية والإقليمية والدولية بخصوص إنماء الوعي القومي لأمتنا سواء أكان ذلك قبل سقوط النظام البعثي في العراق أم بعده. طبعاً الجواب هو بالنفي لأن من ينكر مثل هذا الدور فهو جاهل لا يعرف من السياسة شيئاً وغير ملم بالمجريات السياسية سواء في أرض الوطن أم في المهجر. إن إنجازات زوعا ليست معنوية فحسب بل هي حقائق ملموسة.... ماذا عن التعليم السرياني والصعوبات والتحديات التي واجهتها  أثناء إقرارها وإنتقاله إلى المرحلة الثانوية والأقسام الداخلية للطلاب والخدمات التي وفرتها لهم. إن هذه الإنجازات هي الأهم أما بالنسبة للمهم فهي لا تعد ولا تحصى ولا نريد التفصيل فيها. من خلال مراجعة بسيطة وسطحية للمؤتمرات الحزبية العامة التي تعقدها زوعا والعدد الكبير من المندوبين الحاضرين للهذه المؤتمرات والمناقشات التي تجري فيها وإنتخاب القيادة ندرك فوراً بأن الحركة الديمقراطية الآشورية هي حزب سياسي بالمعنى العلمي الكامل وأنها تسجل واقعة تاريخية في الحياة السياسية لأمتنا وتستحق كل الإستحقاق في تقييمها وشد اليد مع يد الحاضرين للمؤتمر للإستمرار في مثل هذه الظواهر التاريخية والوصول إلى أسلم  القرارات وتحقيق أفضل الإنجازات. ومن الملاحظات المهمة لهذه الظاهرة التاريخية هو الأسلوب الديمقراطي المتبع في إنتخاب اللجنة المركزية لزوعا ومكتبها السياسي وسكرتيرها العام ويكفي أن نشير إلى فوز السيد يونادم كنا بمنصب السكرتير العام لزوعا في مؤتمره الأخير بصوت واحد دليل قاطع على ذلك. لا بل والأهم من ذلك هو إن خسارة المنافس له السيد توما خوشابا وبعض الذين رشحوا لمناصب قيادة لم يتصرفوا بإنفعال وردود فعل سلبية وإنما بقوا جزء من زوعا كما كانوا في السابق ولم يتركوها كما هو الحال مع الكثير من أحزاب أمتنا وأحزاب غيرنا، لماذ؟ لأن زوعا ليس ملكاً لأحد بل هو ملك الأمة وهم جزء من هذه الأمة. أفلا يستحق هؤلاء أن نرفع قبعاتنا إحتراماً وتقديراً لهم لأنهم أضافوا إضافة تاريخية جديدة في حياتنا السياسية حيث من المعروف والجاري في مجتمعنا هو إن الكثير من الذين يخسروا الإنتخابات يتركون أحزابهم إما ليؤسسوا لهم فيما بعد حزب خاص معادي لحزبهم السابق أو أن يبدأون بالكيل والشتائم واللوم على الفائزين. إن خروج نفر أو نفرين من هذه المجموعة عن هذه القاعدة المتسمة بالروح الرياضية هو أمر شاذ لا يستحق المناقشة.
 
إرتداد النقد والتقيم:
لقد سبق وذكرنا في السطور السابقة بأنه عندما لا يقوم النقد على أسس واقعية موضوعية، أي على موضوع حقيقي قائم، يكون كلاماً فارغاً وله إرتدادات عكسية تفيد المنتقد أكثر من الناقد. وفي حالة زوعا معظم إن لم تكن جميع الإنتقادات المنشورة قائمة على هذا الأساس غير الموضوعي. لنأخذ موضوع التسمية المركبة التي تبنته زوعا والنقد أو التهم التي توجه لها من قبل الأحزاب الكلدانية الإنفصالية والحديثة التأسيس والتي يقوم نقدها على أساس أن زوعا حزب آشوري صرف مائة بالمائة وأنها تعادي التسمية الكلدانية وتحاول إمحاءها وغبنها أو إزاحتها من الساحة السياسية. غير إن الواقع عكس هذا تماماً. فزوعا كانت أول من تبنت التسمية المركبة ووضعت الكلدان في المقدمة ولها قبل تبني هذه التسمية أعضاء في قيادتها وتواجد واسع الإنتشار في القرى والقصبات الكلدانية ويكن غالبية الكلدان سواء في الوطن أو المهجر إحتراماً شديداً لها وتأييداً منقطع النظير. فعدم مطابقة مثل هذا النقد مع الواقع الفعلي وعدم مصداقيته يخلق إرتدادات إيجابية يزيد من إلتصاق أبناء الأمة خاصة الكلدان بزوعا. وما نتائج الإنتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة وفوز زوعا، رغم التحديات والصعوبات الكبيرة التي واجهتها، بثلاثة مقاعد من أصل خمسة إلا دليلاً على ذلك. فلو كانت لنا إحصائيات دقيقة وصحيحة عن المصوتين لزوعا لكنا قد أكدنا بكل جزم بأن الكلدان صوتوا لزوعا أكثر مما صوت الآخرين من أبناء أمتنا.
ولعل من المفيد أن نذكر بهذا الخصوص أيضاً الإحتجاج الذي وجهه خمسة أحزاب، وهي حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني والمجلس القومي الكلداني والحزب الوطني الآشوري وحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الإتحاد الوطني الكردستاني قبل فترة إلى السلطات الرسمية في محافظة نينوى ضد الصيغة التي جاء بها تعيين الشرطة في قضاء تلكيف ونواحيها والذي تبنته الحركة الديمقراطية الآشورية. فمثل هذا الإحتجاح يكون له إرتدادات تفيد زوعا أكثر مما يفيد غيرهم لأن دلالته واضحة لمن يعرف الأبجدية السياسية المنطقية. فهذه الأحزاب الثلاثة القومية المتحالفة مع الحزبين الكرديين من المفترض أن يكونون قوة في مواجهة زوعا في هذه المسألة وكان من المفترض أن يوجهوا سؤالاً لأنفسهم قبل توجيه إلى السلطات الرسمية، وهو لماذا إستطاعت زوعا أن يتبنى هذه المسألة ولم يستطيعوا هم؟ فالواقع يجيب على هذا التساؤل بالقول بأن لزوعا مقرات وإنتشار في قضاء تكليف ونواحيها ولها من يسمعها ويثق بها أكثر من غيرها وهو الواقع الذي يجب إدراكها لو نريد فهم الساحة السياسية واللاعبين فيها. وربما نقول أيضا بأن لزوعا علاقات قوية مع محافظ نينوى وبتأثيره تم تكليف زوعا بهذه المهمة. ولكن مع هذا يبقى التساؤل قائماً وسارياً وهو لماذا لزوعا علاقات قوية مع محافظ نينوى ولماذا ليس للبقية مثل هذه العلاقة.... فيجب على المتعاملين بالسياسة أن يعرفوا الأساليب التكتيكية في إقتناص الفرص والتأثير على صانعي القرارات لتحقيق المكاسب.
أما بخصوص التقييم، فيجب أن يكون منطقياً ومقبولاً وإلا أرتد على زوعا سلباً. فالبعض من المتعصبين لزوعا لا يرون فيه إلا إلاهاً لا يخطئ أبداً وإن السيد يونادم كنا قديساً يستوجب الركوع أمامه وهو الأمرالذي جلب لزوعا الويلات والمصاعب في إمكانية بث رسالته بين أبناء الأمة بشكل منطقي وسليم خاصة في بلدان المهجر وهو أيضا أمراً مهماً يستوجب على قيادة زوعا أن تدرك بأن مثل هذا النفاق والتنمق لا يجب أن يكون موضوع تفاخر وتباهي، بل يستوجب جلبه إلى الطريق السليم في فهم واقع زوعا ورسالتها النبيلة والبسيطة والمتوازية مع تطلعات أبناء أمتنا وأمل أيضاً أن لا يكون تقيمي للسيد يونادم كنا في ما ورد أعلاه أمراً للتباهي والتفاخر طالما أعتمدت على الحقيقة والواقع الموضوعي. فالحقيقة والواقع الموضوعي ليسا ملك أحد بل هما ملك الأمة جمعاء وإذا لم نلتصق بهما فلا أمل لهذه الأمة.

295
بمناسبة السابع من آب يوم الشهيد الآشوري - موضوعان
---------------------------------

الأول : ذكرى سميل في فكر فريد نزها
الثاني: لماذا الصفة الآشورية ليوم الشهيد
أبرم شبيرا
الموضوع الأول: ذكرى سميل في فكر فريد نزها:
توطئة:
كتب الكثير عن هذا اليوم الذي تصادف ذكراه السابعة والسبعين في السابع من شهر آب وألقيت العديد من القاصد ونظمت مهرجانات وإحتفالات بهذه المناسبة في الوطن الأم، سواء في العراق أم في سوريا أم في إيران وكذلك في بلدان المهجر، ولكن من المؤسف القول بأن معظم ما كتب وقيل بهذه المناسبة لم يكن إلا سرد لحوادث المأساة التي أرتكبت أثناء مذبحة سميل عام 1933 وتكرارها في كل عام من دون إضافات جديدة تقوم على تحليل الحدث والظروف المحيطة به والدوافع لإرتكابها والنتائج المترتبة عليها ليس على الآشوريين وحدهم وإنما على بقية المجموعات التي كانت مغتربة عن النظام الجديد الذي أنشأ في العراق في عام 1932 بعد منحه الإستقلال وإكتسابه لعضوية عصبة الأمم. في مناسبات سابقة كتبنا مواضيع خارجة عن نمط السرد والتكرار التاريخي للحادث فبينًا عن أسباب أعتبار السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري من دون غيره من الأيام السوداء والمذابح التي أرتكبت بحق الآشوريين طيلة تاريخه المأساوي الطويل كما كتبنًا عن النتائج القانونية والسياسية والإجتماعية وحتى النفسية التي ترتبت على بقية الطوائف والملل وعلى الشعب العراقي عموماً من جراء إرتكاب جريمة مذبحة سميل. واليوم نتطرق إلى شيء جديد لا يمت بصلة تاريخية مباشرة بمذبحة سميل وإنما هو موضوع يتصل فكرياً بهذا الحدث ويعبر عن مدى وعي مناضل كبير وقومي صلد وهو فريد نزها في إدراكه وتفهمه وتصوراته في خلود هذا اليوم الذي لم يكن في وقته محدداً أو مرسوماً كيوم للشهيد الآشوري.

من هوفريد نزها؟:

قبل بضعة سنوات، وعندما كتبت كتاباً عن المناضل والمفكر القومي  الوحدوي نعوم فائق، سألني أحد الأصدقاء وكان من الأقطاب القيادية في الإتحاد الآشوري العالمي (AUA)، عن من هو نعوم فائق وتبين بأنه في كل عمره و"نضاله" القومي السياسي لم يسمع عنه مع العلم بأنه يمكن إعتبار نعوم فائق الأب الروحي لهذا التنظيم العالمي. ولا أشك بأن حال صديقي هو نفس حال الكثير من القومانيين الآشوريين بخصوص معرفتهم بنعوم فائق، إذن كيف هو الحال مع فريد نزها الذي كان تلميذا قومياً وفكريا لنعوم فائق؟ هذا الجهل يقودني إلى أن أختصر في سيرة هذا المناضل الكبيرفريد نزها. ولد عام 1894 في مدينة حماه السورية ومن عائلة سريانية أرثوذكسية نزحت من هربوط في أعالي بلاد ما بين النهرين وأستقرت في سوريا. هاجر إلى الأرجنتين ومن هناك ومنذ الثلاثنيات وحتى الخمسينيات من القرن الماضي كان يصدر مجلته المعروفة بـ "الجامعة السريانية" التي عبرت عن مواقفه القومية الجريئة والشجاعة حيال مسألة وحدة الطوائف التي تمثل أمتنا. فعلى الرغم من أن فريد نزها لم يكن صارماً ومتحيزاً في رسم الأسم القومي الشامل لأمته في تلك الفترة إلا أنه لإعتبارات كان يقدرها حق تقدير فكان يخاطب أبناء أمته في مقالاته الإفتتاحية اللهابة بالقول "الأمة السريانية الأرامية الآشورية الكلدانية" وذلك بهدف التضمين الحضاري المشترك والمتواصل لهذه التسميات المرادفة لشعب واحد وأمة واحدة إلا أن المضمون الحقيقي والجوهري لهوية هذا الشعب كان واضحاً جداً عنده فهو لم يكن يشذ إطلاقاً عن إعتبار السريانية منحوتة من الآشورية ويتفاخر بها إيما إفتخار مثلما كان يفعل أمثاله من رواد الفكر القومي الوحدوي وعلى رأسهم معلمه الكبير نعوم فائق. فكان نتيجة هذه الأفكار القومية الصلدة أن حرمه بطريرك الكنيسة السريانية من الكنيسة. أن الذي يهمنا هنا هو قدرة هذا المفكر الكبير في إكتشاف الحقائق التاريخية واتحديد الأبعاد المستقبلية لأبناء أمته جمعاء خاصة فيما يتعلق بموضوع تكريس السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري.

رؤيا فريد نزها لذكرى الإستشهاد في سميل:
كان فريد نزها يصدر مجلته (الجامعة السريانية) باللغة العربية ثم أضاف اليها اللغتين الاسبانية والسريانية الغربية وكان يكتب أسم المجلة بالاسبانية كما يلي  ( ASOCIACION  ASIRIA)  وفي العدد  الثاني،  شباط 1939 للسنة الخامسة وفي الصفحات 10 – 12 كتب فريد نزها وقال :
"أحد الأفاضل من أدبائنا الأغيار في الوطن (وكان من أهل مدينة الموصل) كتب مرة الى مدير الجامعة السريانية ( وهو فريد نزها نفسه) بقوله : أمح أو أصلح أو غير أسم المجلة ( الاسباني ) فان هذا التعبير ( ASIRIA) لا يروق لحكومة البلاد عندنا وهو يفيد المعنى " الآشوري " وهذا لا يليق أيضا بك وأنت من عائلة سريانية معروفة بغيرتها وتمسكها بالعقيدة السريانية الخ.. فأبتسم المدير (أي فريد نزها) من هذا التضمين لدى قراءته تلك العبارة ولم ير غير العياذ بالله العظيم واللواذ بحوله من هذا البلاء المقيم. أنني أسأل جناب الأديب : اذا لم ترُق التسمية الآشورية لجناب الحاكم هل تجيز لك آدابك وشرف قوميتك وقواعد دينك أن تبدلها بغيرها إرضاءً لخاطر الأمير وإكراماً لسواد عينيه ؟؟ وماذا تصنع غداً متى خطر لحاكمك المطلق أن يقول لك أنزع هذا الصليب عن باب كنيستك ومحظور عليكم أنتم معشر النصارى قرع الأجراس ؟؟ . أو ماذا تقول اذا قالوا لكم غداً ان تعليم السريانية ينافي نظام دائرة المعارف الوطنية؟؟ أنك تستبعد حصول هذه الفواجع ولكن الليونة والخنوع اللذين ابديتموهما تجاه الحاكم المستبد سوف يحملانه على التمادي في ظلمه واستبداده. وقد يقول لك غداً : إن الخلاص ليس في اللغة بل في العقيدة،  فإذا كنتم انتم السريان مخلصين للحكومة والوطن وجب عليكم إتمام الخلوص وإخلاص الطاعة فاستبدال السريانية بالعربية لا مندوحة منها، فماذا تجيبون حكومتكم إذ ذاك يا حضرة الأستاذ ؟؟ . وبالحقيقة إذا لم يكن للسريانية غير المعنى الديني فأي حاجة لنا بها ؟ كان يجب عليك وأنت من كبار أساتذتها والخبيرين بتاريخها وباذخ  شرفها، أن تقول أن السريانية، قومية جنسية وطنية، لا دين ولا مذهب ، وقد يكون المذهب الواحد بين عدة أمم كما هو شأننا ( نحن السريان اليعاقبة) مع القبط والحبش. أما الجنسية ( ويقصد القومية ) فلا شركة فيها . فإذا انتزعنا العصبية الجنسية (ويقصد العامل القومي ) من أبنائنا ماذا يبقى ؟؟ أنت تجيب : الدين ‍‌‍، وأنا أقول لك انهم  يجدون الدين في مصر والحبشة وها هم يطلبونهُ بعيداً عنهما بفضل تعاليمك. ولو اننا علمناهم إن السريانية علم طبيعي لنا وهو أسم أمتنا القديمة  العظيمة وبسطنا لديهم آثار عظمتها لرأيتهم يحرصون على هذه التسمية ويفاخرون الأمم بالانتساب إليها على شرط أخطر المواقف وأحرج الظروف … ما أحلاك لما رحت تقول لي بكل بلادة وجهل، أن التسمية الآشورية تفيد المعنى المذهبي "النسطوري" ، وهو قولُ تبرأُ منه الحقيقة ويستنكره الجميع من الخاصة والعامة وأنك لعاجز عن إنكار هذه الحقيقة من ان السريان هم الآشوريون سلالة الكلدان القدماء ولا أرضى منك أبداً الانسحاب بدون ان تفحمني بالبراهين الساطعة عن فساد هذا الرأي، بل كل من له اطلاع في اللغة والتاريخ يعرف ان كلمة سريان أصلها أسريان وهو لفظ يوناني منحوت من الاصل الآشوري "أشوريان " . هذا عدا عن أن العالم كله يعلم أن الاسم الآشوري لا يفيد المعنى الديني وإذا راجعت صحف التاريخ الكنسي، لما رأيت إخواننا النساطرة يتميزون بهذا التعريف وإنما بقولهم نساطرة ولو انهم عرفوا تمييزا بالاسم الآشوري لكانوا في حال يحسدون عليها. وأقول بكل أسف إن التسمية المذهبية عندهم هي النسطورية فقط . أما إذا كانت هذه الصفة ( أي الآشوري ) تشير الى الغير راضين بالاندماج في العربية والخضوع للحكومات الغاشمة وقد نالهم بسبب ذلك القتل والاضطهاد والسلب وكل أنواع المظالم والفظائع ( ويقصد بها مذبحة سميل وما رافقها) ، فذلك شرف عظيم انفردوا به . وستردد الأجيال القادمة ذكر ذلك الاستشهاد وآثار تلك الفواجع التي أنزلها بهم أعداء الله والإنسانية ما بقي آدمي على وجه هذه البسيطة"
(النص مقتبس كاملا من دون تغيير أو إضافات عدا الأقواس فقد أضفتها لغرض زيادة في التوضيح كما إنني أدرجت الجملة الأخيرة باللون الأحمر تأكيداً على علاقتها المباشرة بموضوعنا هذا)


هكذا ومن خلال هذا النص تتبين عظمة فريد نزها في تصوراته القومية المؤمنة بالحركة القومية وإستمراريتها، فقبل واحد وسبعين عاماً أستنتج هذا المفكر القومي بأن الأجيال القادمة ستردد ذلك الإستشهاد وتحتفل به كيوماً للصمود والتحدي والتضحيات والتصدي ورفض الخضوع للحكومات الغاشمة والإندماج في العربية وهي الصفات التي إكتسبتها الحركة القومية الآشورية منذ نشوئها في عصر النهضة القومية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية قرن العشرين وأقرها الإتحاد الآشوري العالمي في عام 1970 كيوم رمزي للشهيد الآشوري بعد أن أحس به المفكر الكبير فريد نزها في عام 1939 وبعثه للأجيال القادمة ليستمر ذكرى الصمود والتحدي وتكريم تلك الدماء التي أريقت من أجل هذه الأمة.
 
الموضوع الثاني: الصفة الآشورية ليوم الشهيد:
لماذ ؟ا:
لماذا الصفة الآشورية لهذا اليوم الذي قد يعطي إنطباعاً بالعزلة والإنفصال عن التسميات الآخرى الكلدانية والسريانية ونحن نؤمن في هذا الزمن بأن كل الأمور الواقعية منها التسميات المختلفة كالكلدانية والسريانية والأرامية يجب أن تؤخذ بنظر الإعتبار في الفكر القومي الجامع وفي الحركة القومية الجامعة لأمتنا. قبل كل شيء يجب على المتزمتين للتسمية الآشورية أن لا تتطاير عواطفهم ويثور حماسهم من جراء الإشارة المركزة على على هذه التسمية كما يجب أن لا يغضب ويتشنج المتعصبون الإنفصاليون من بعض الكلدان من ذكر أو التشديد على التسمية الآشورية في هذا الموضوع. فالأشورية الواردة في هذا الموضوع هي من باب قبول الحقائق الواقعية التاريخية كما هي من دون مجاملة أو تحيز لإنصار هذه التسمية ضد الرافضين لها. ففي عام 1933 أرتكبت المذبح بحق المجموعة المعروفة بالآشوريين فقط وإن كان بعض من نتائجها السياسية والنفسية قد ترتبت على غيرهم إلا إنها تاريخياً ورسميا كانت مرتكبة بحق الآشوريين خاصة من أبناء كنيسة المشرق التي كانت تعرف حينذاك بالنسطورية. إذن الحقيقة التاريخية لا تقبل التأويل وتحريف أسم هذا اليوم إلى أسم يوم الشهيد الكلداني ألآشوري أو السرياني وما إلى ذلك، فالواقع يفرض علينا الحياد في فهم هذا الحدث من دون تحريف أو إضافات إرضاءاً لبعض المتعصبين الغائبين عن فهم الواقع والحقيقة التاريخية.



الحقائق التاريخية والواقعية لإقرار الصفة الآشورية:
في عام 1933 عندما أرتكبت جريمة سميل بحق الآشوريين أجتمع بعد بضعة أشهر في الولايات المتحدة الأمريكية خيرة مفكري الأمة ورجالاتها الأفاضل للبحث في إمكانية مساعدة ضحايا هذه المذبحة ودعم الحركة الآشورية الصامدة أمام جبروت الجيش العراقي والعشائر المتحالفة معه في إرتكاب جريمة إبادة الآشوريين من العراق. وعلى أثر ختام الإجتماع تم تأسيس الإتحاد الآشوري الأمريكي القومي المعروف بـ (فيدريشن) كأداة لتنفيذ القرارات التي أتخذها المجتمعون منها قرار عقد مؤتمر موسع لجميع أبناء الأمة في أميركا والذي عرف فيما بعد بـ (الكونفينشن) الذي أستمر إنعقاده في كل سنة وحتى يومنا هذا حيث في بداية شهر أيلول من هذا العام سينعد الكونفينشن ألـ (77) في مدينة فينكس بولاية أرزونا الأمريكية. كتبت شخصياً عن هذا الموضوع  وبمناسبات عديدة ومن المهم ذكره هو أن معظم إن لم يكن جميع الحاضرين للمؤتمر التأسيسي الأول للفدريشن والكونفينشن في تلك السنوات كانوا من أبناء الطائفة السريانية الأرثذوكسية وبعضهم من أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية أو البروتستانية أو الإنجيلية وحاولت أن أجد واحد من المؤسسين من أبناء الطائفة "النسطورية" فلم أوفق في ذلك.
فهؤلاء المفكرين الأبطال كانوا يدركون الحقيقة التاريخية للحركة القومية الآشورية منذ نشؤها وبناء أسسها الأيديولوجية من قبل مفكرين عظماء لم يكن لهم صلة طائفية بـ "النسطورية" بل كانت الآشورية الصفة الجامعة لجميع من أنتمى إلى هذه الحركة. كانوا يدركون كل الإدراك الواقع الطائفي للأمة والتسميات التي كانت تعتبر مرجعاً لإنتماء الكثير من أبناء الأمة ولكن حاولوا تجنبه وعدم إقحامه في مسألة سياسية قومية هي بالأساس غير مقبولة من قبل رؤساء هذه الطوائف. تصورا، مثلاً لو كانوا قد أطلقوا على الفدريشن تسمية الإتحاد الآشوري/الكلداني/السرياني الأمريكي القومي فماذا كانت ردة فعل مثلث الرحمات مار عمانؤئيل توما، بطريرك الكنيسة الكلدانية أو مثلث الرحمات البطريرك مار أبرم برصوم الثاني بطريريك السريان الأرثوذكس حينذاك في الوقت الذي كان الأول يرسل برقية تلو البرقية إلى الحكومة العراقية وعصبة الأمم يدين فيها الحركة القومية الآشورية وقادتها ويعتبرها تمرد قام بها نفر من المتمردين الخارجين عن القانون في حين كان الثاني، الذي كان مقيماً في سوريا، يرسل فتوى تلو الفتوى في تحريم زعماء ومفكري الحركة القومية الآشورية ويصفهم بالإقطاعيين والزنادقة في الوقت الذي كان هو من المطالبين بالحقوق القومية للآشوريين أثناء الحرب الكونية الأولى وكان يفتخر بكنيته الآشورية عندما كان مطراناً ويعرف بـ "مار أبرم برصوم أثورايا" غير إنه بعد أن تسنم كرسي البطريركية وإرتكاب مذبحة سميل بحق الآشوريين أنتابه الخوف والرهبة على كرسيه فخضع للحكم العربي المطلق  فأصبح من دعاة القومية العربية وأدباءها فلقب بـ "قس العروبة".

قرار يوم الشهيد الآشوري:
 في عام 1970 عندما أقر الإتحاد الآشوري العالمي بهذا اليوم (السابع من شهر آب) كيوم للشهيد الآشوري لم يكن إقراره إعتباطياً وإنما كان منطلقاً من حقائق تاريخية سياسية نابعة من واقع الأمة نفسها ومن الخلفية التاريخية للحركة القومية الآشورية بعيدا كل البعد عن التسميات المختلفة التي لم يكن بالإمكان في تلك الفترة من تضمينها في قراره الخاص بتخليد ذكرى الشهداء. وحال هذا الإتحاد والظروف المحيطة به لم تكن تختلف عن الفدريشن في إضفاء صفة الآشوري على هذا اليوم وتخليده بنفس الأسم. وحتى نؤكد هذه الحقيقة يستوجب علينا البحث المختصر في تاريخ تأسيس هذا الإتحاد ليتبين مدى صواب قرارهم في مواصلة التسمية الآشورية ليوم الشهيد. هذا الإتحاد تأسس عام 1968 في بال في فرنسا ولكن قبل هذا التاريخ كانت هناك جملة نشاطات قومية وسياسية من قبل نشطاء ومفكرين في إيران ومعظمهم لم يكونوا منتمين إلى الكنيسة "النسطورية" التي كان يتصورها البعض بأنها مرادفة للآشورية، فشكلوا هؤلاء لجنة تحضرية لعقد مؤتمر عالمي وكان منهج هؤلاء هو لم وضم جميع أبناء الأمة ومن جميع الطوائف التي يعتقدون بأنهم يشكلون الأمة نفسها كسبيل لتوحيدها والتقدم بزخم قوي للمطالبة بحقوقهم القومية. ففي منتصف الستينات من القرن الماضي، وتحديداً عام 1965 بعثت اللجنة التحضيرية رسائل بخصوص عقد مؤتمر عالمي أرسلت إلى جميع بطاركة فروع كنيسة المشرق منها المارونية والكلدانية والسريانية الأرثوذكسية والسريانية الكاثوليكية والمشرق "النسطورية" إضافة إلى زعماء وقادة ومفكرين علمانيين معرفين أمثال ماليك ياقو(من أتباع كنيسة المشرق) و وديمتري أبن الجنرال أغا بطرس (من أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية) و ديفيد بيرلي (من أتباع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية) وغيرهم. غير أن اللجنة التحضيرية لم تتلقى أي رد من البطاركة المذكورين عدا رد مقتضب وغير واضح من مثلث الرحمات مار شمعون إيشاي، بطريرك كنيسة المشرق "النسطورية" يشكرهم على الدعوة ويدعوهم بالنجاح والموفقية. هذه الحقائق التاريخية والواقيعة فرضت على الإتحاد الآشوري العالمي أن يعطي له الصفة الآشورية عند تأسيسه رغم تأكيده في مبادئه الأساسية في كون السريان والكلدان والآشوريين أمة واحدة كما لم يكن أمامه خيار آخر إطلاقاً غير التسمية الآشورية ليوم الشهيد عند إقراره في مؤتمر طهران عام 1970 إلى جانب العلم الآشوري والأول من نيسان.

الشهيد نتاج حركة سياسية قومية :
لقد سبق وكتبنا بحثاً مطولاً عن مفهوم الشهيد والإستشهاد وفصلنا كثيرا في مفهوم الشهيد الآشوري، معناه ومصادر نشؤه والظروف التي تؤدي إلى الإستشهاد. معظم المراجع تؤكد بأن مفهوم الشهادة أو الشهيد كان منذ البدء مرتبطاً بالديانة المسيحية وبالكنيسة خاصة. ثم في الشرق، خاصة الشرق الأوسط حيث تترابط المفاهيم الدينية والقومية ترابطاً عضوياً، أنتقل هذا المفهوم إلى القوميات والحركات السياسية. وخلاصة الكلام كنًا قد توصلنا إلى تعريف مبسط للشهيد وهو : كل من يموت أو يقتل من أجل مبادئ أو حركة قومية أو سياسية معينة يؤمن بها. فالشيخ حسن البنا، على سبيل المثال لا الحصر، أغتيل لأنه كان مؤسس ومؤمن بمبادئ حركة الأخوان المسلمين في مصر ومات من أجلها فهو شهيداً عند إخوان المسلمين وليس عند مصر. وهكذا الحال إيضا مع أبناء امتنا الذين كانوا ينتمون لحركات سياسية مختلفة. فمؤسس الحزب الشيوعي العراقي فهد رغم أنه كان آشورياً/كلدانياً إلا أنه لا يمكن إعتباره شهيداً لهذه الأمة بل هو  شهيداً شيوعياً لا آشوريا/كلدانياً لأنه أعدم من أجل القضية أو المبادئ الشيوعية التي كان يومن بها. وهكذا الحال مع المناضل المغفور له فرنسوا الحريري فبالرغم من آشوريته إلا أنه لا يمكن إعتباره شهيداً آشورياً بل هو شهيداً كردستانيا لأنه كان ينتمي إلى حركة كردية، حزب الديمراقراطي الكردستاني ويؤمن بمبادئها وقتل من أجلها. والحال أيضا، ولكن بشكل مختلف بعض الشيء، فألاف من أبناء أمتنا الذين قتلوا في الحرب العراقية الإيرانية، رحمة الله أرواحهم، لا يمكن إعتبارهم شهداء آشوريين أو كلدان أو سريان بل كانوا، مع الآسف الشديد،  "شهداء" عند النظام البعثي البائد لأنهم أجبروا للقتال والموت في ساحات الحرب التي جلبت الويلات لبلدنا. وعلى هذا الأساس نقول كل من يقتل أو يضحي بحياته من أجل مبادئ قومية آشورية يعتبر شهيداً آشورياً. فمفهوم الشهيد الآشوري  ينطبق بكل حذافيره على مناضلي الحركة الديمقراطية الآشورية سواء الذين أعدمهم النظام البعثي البائد أو الذين قتلوا في المعارك مع هذا النظام أو الذين أغتيلوا سواء أكانوا كلداناً أو سرياناً أو "نساطرة" أو بروتستان.
واليوم تعتبر الحركة القومية الآشورية البطريرك مار بنيامين الذي أغتاله المجرم سمكو الشيكاكي عام 1918 شهيداً آشورياً لأنه قاد حركة قومية ضد الاستبداد العثماني ومات من إجلها رغم "نسطوريته" والحال نفسه بالنسبة للمطران توما أودو الذي أعدمته السلطات العثمانية أثناء الحرب الكونية الآولى يعتبر شهيداً للحركة القومية الآشورية رغم "كلدانيته" وأيضا بالنسبة لأب الصحافة الآشورية آشور بيت هربوت الذي أعدمته السلطات العثمانية أثناء الحرب الكونية الأولى بسبب مبادئه ومواقفه القومية الجريئة  فهو شهيداً آشورياً رغم "سريانته". والحال ينطبق على كل الذين تشردوا من أوطانهم أثناء الحرب الكونية الأولى  سواء الذين قتلوا أو أعدموا أو ماتوا من الجوع والمرض فكلهم شهداء آشوريين لأنهم كانوا جزء من الشعب الذي نشأة فيه حركة قومية ورفضت الإستبداد العثماني وطالبت بحقوقها القومية.
إذن من خلال ما تقدم يمكن أن نجزم وبكل قوة بأنه لا شهيد لأمة معينة بدون أن تكون هناك مبادئ أو حركة قومية خاصة بها يموت أو يقتل من أجلها وبالتالي لا شهيد آشوري ما لم يقتل أو يموت من إجل مبادئه الآشورية أو حركته القومية وعلى نفس المنوال نقول لا شهيد عربي ما لم يكون قد مات أو قتل المرء من أجل مبادئ قومية يؤمن بها أو حركة قومية عربية. والحال نفسه أيضا بالنسبة للكرد والتركمان وهكذا. من هذا المنطلق نقول لا شهيد كلداني أو سرياني لما يكن قتل المرء من أجل حركته القومية ومبادئها التي يؤمن بها. فالحركة القومية هي صيرورة تاريخية تنشأ عبر مراحل زمنية طويلة تتطور خلالها الأفكار البسيطة إلى إيدولوجيات ومناهج قومية سياسية وتفرز قيادات تاريخية ومفكرين عظماء ويتطلبها تضحيات قد تكون جسيمة تصل إلى إراقة دماء أبناء الأمة والإستشهاد في سبيلها. أما من يجلس خلف شاشة حاسوبه الآلي ويقرر أيام ومناسبات يجعل منها رموز للأمة فهذا كلام بعيد كل البعد عن المنطق والمعقول ولا يستوجبه الكتابة عنه ولو بضعة كلمات. من هذا المنطلق نؤكد بأن مسألة تحديد يوما للشهيد الآشوري ليست مسألة قرار متعلق بأشخاص يقررون كيف ما يشاءون فمثل هذا الإقرار ما هو إلا كلام بدون مضمون ولا يعطي أي معنى أو تأثير في نفوس أبناء الأمة ما لم يكون مرتبط بمبادئ أو حركة قومية حقيقية تعبر عن ضمير ومطامح الأمة وتطلعاتها. فالشهيد الآشوري متولد من الحركة القومية الآشورية ولاغيرها. لهذا السبب نقول بأنه يعد تحريفاً فاضحاً ومناقضاً للحقائق التاريخية والواقعية عندما نحور هذه المناسبة ونقول بأنها ذكرى يوم الشهيد الكلداني السرياني الآشوري رغم إعتزازنا بهذه التسميات وأخذها بنظر الإعتبار عندما نتعامل بالسياسة القومية لأمتنا.
واليوم نحتفل إجلالاً وإكراماً لتلك الدماء الزكية التي أريقت في سميل عام 1933 كرمز للإستشهاد الآشوري خلال المراحل المختلفة للحركة القومية الآشورية ونعتبر كل ضحايا تلك الجريمة والجرائم التي سبقتها شهداء آشوريين مهما كان إنتماؤهم الطائفي والعشائري... لماذا؟... لأنهم كانوا من أبناء قومية نشأت عندهم حركة قومية ولم يذبحهم النظام العراقي حينذاك إلا لهذا السبب وأستشهدوا لكونهم البنية التحتية لهذه الحركة رغم عدم إنتماؤهم مباشرة إليها أو المشاركة في عملياتها ضد النظام لا بل لكونهم آشوريون غير موالين لنظام الظلم والإستبداد ورافضين الخضوع إليه كما أشاره إليه المفكر الكبير فريد نزها قبل واحد وسبعين عاماً.

 

296
مقابلة مع الفقيد مار أندراوس أبونا
مطران الصعوبات والتحديات

أبرم شبيرا


المطران الراحل أندراوس أبونا يتقبل بركة الرسامة من قداسة البابا في 6 كانون الثاني 2003

قبل بضعة أشهر عندما كنت في سان ديكو – كاليفورنيا صعقت عند سماعي نبأ مرض المطران أبونا وقبل بضعة أيام الصعقة كانت صعقتين عند سماعي نبأ رحيله عن هذا العالم وهو لا يزال، كما عرفناه منذ أيام تكريسه لخدمة الرعية في لندن، في كامل حيويته وإيمانه العميق بكنيستة وأبناء أمته. لم نخسر راعياً صالحاً ومخلصاً لرعيته بل خسرناه أيضاً كصديق عزيز وزميل في العلم والثقاقة والبحث وجليس هادئ الطبع ومليئ بالثقة والصبر لا بل أيضا خسرناه كجار في نفس منطقتنا في لندن حيث كنا كثير التزاور والبحث في في شؤون الأمة وكنائسها وفي أحدث الكتب والمراجع والتي كانت الكثير منها تعتلي رفوف مكتبته الصغيرة في بيته.  في لندن عرفناه جميعاً دون إستثناء كإنسان هادئ وكاهن مرغوب فيه ومحبوب لدى الجميع، نشيط ومنتج، مستقيم المنهج في خدمة رسالة ربنا يسوع المسيح وأبناء رعيته وكان له نفس الصفات منذ أيام تدريسه للتعليم المسيحي في ثانوية التقدمة للراهبات في الباب الشرقي في بغداد. كنت كثيراً ما أسئله عن عائلته "أبونا" المعروفة في التاريخ والثرات وهي عائلة أساسها من قصبة ألقوش العريقة والتي أنجبت خيرة بطاركة كنيسة المشرق في حين كان هو من قرية بيدرا قرب مدينة زاخو شمال العراق فكان يشرح لي تاريخ هذه العائلة والتي كانت كبيرة وغزيرة العلم والمعرفة مما كان يتطلب من بعض أبناءها الترحال أما لغرض التنقل والهجرة إلى أماكن أخرى أو لخدمة أبرشيات الكنيسة كما حدث بالنسبة لعائلة بيت مار شمعون التي أستقرت في منطقة هيكاري في قرية قوجانس وهكذا الحالة مع عائلة المطران التي أرتحلت إلى المناطق الشمالية من قصبة ألقوش وأستقرت فيها.   
في عام 1991 عندما وصل الفقيد إلى لندن كان وضع الرعية وكنيستها غير مستقر وكثيرة المشاكل والشكاوى والصعوبات. فوضع الكلدان في لندن كان مختلف عن بقية المجتمعات الكلدانية الموجودة في المهجر. فالكلدان في إنكلترا منتشرين بشكل واسع ويسكنون في أماكن متباعدة خاصة في لندن وهي من أكبر مدن العالم مما يجعل أمر الإتصال بهم وتقديم الخدمات الكنسية لهم صعب جداً أو إيجاد مبنى أو كنيسة لإداء مراسيم القداس لهم مما أضطر إلى أن يأخذ من كنيسة القديسة آن التابعة للكنيسة الإنكليزية الكاثوليكية الكائنة في وسط لندن المزدحمة جداً ككنيسة له لقيام القداديس حيث يكون أقل صعوبة لجميع الساكنين في أطراف لندن للوصول إليها. المشكلة الرئيسية التي واجهة المرحوم كانت في شراء أو بناء كنيسة خاصة بالكلدان وأيضا دفع الديون المتراكة من القرض التي أستخدم في شراء بيت الكاهن. ويقال وبحق بان المرحوم ناضل نضالاً مستميتاً من أجل حل هذه المشاكل المستعصية على الطائفة هناك والتي هي غريبة عن أبناء هذه الكنيسة سيما إذا قارنا هذا الوضع مع مثيلاته في بقية بلدان المهجر حيث الكنيسة الكلدانية  أكثر إستقرارا من النواحي المالية والإجتماعية والثقافية. ففي لندن هناك عوائل كلدانية غنية جداً ومستقرة في بريطانيا منذ فترة طويلة ولكن مع الأسف الشديد هي بالإسم "كلدانية" فقط حيث هي بعيدة كل البعد عن الكنيسة ولا تحضرها أو تشارك نشاطاتها أو تساهم ماليا ولو بالجزء اليسير في حل مشاكل الكنيسة في لندن. فالكنيسة الكلدانية ليست مثل شقيقتها كنيسة المشرق الآشورية التي تنظم أمورها المالية عن طريق إشتراكات سنوية منظمة ودورية لرعيتها في حين أن الكنيسة الكلدانية تعتمد على تبرعات رعيتها. فإذا كان الميسوريون منهم بعيدين عنها ولا يساهمون مادياً في تمشية أمورها فكيف إذن يحق لنا أن ننتقد الكنيسة لا بل والمشكلة أيضا هي أن الكنيسة تتحمل الكثير من تداعيات الهجرة فالكثير من العوائل القادمة الى بريطانيا تكون في وضع غير مستقر لا مالياً ولا إجتماعياً وبالتالي هذا العوز ينعكس على الكنيسة وتزيد من أعباء الكهنة. ؟؟ تصورا كان في لندن رجلاً كلدانياً بالأسم والعائلة يملك مئات الملايين من الجنيهات وأكثر من فندق راقي في الشرق الأوسط تبرع ببضعة من ملايينه (يقال ستة ملايين) إلى المقاومة الفلسطينية ولم يتبرع جنيهاً واحداً للكنيسة ولم يدنو طيلة حياته عتبة بابها ... لماذا؟؟؟ لأن زوجته فلسطينية!!! 
كل هذه الصعوبات والتحديات واجهه الفقيد عند وصوله إلى لندن فخلال عقد من الزمن وبجهود مكثفة وبصبر مسيحي ملئ بالحب والعمل تمكن من أن يحدث تغييراً ملموساً في وضع الكنيسة فتمكن من أحصاء أبناء الرعية والتي كانت تقدر في حينها بـ 520 عائلة أي ما يقارب بحدود 2500 فرد وأصبحت أمور الكنيسة أكثر إنتظاماً ونشاطاً حيث أنتظمت القداديس والمناسبات وتم تشكيل لجان مختلفة قامت بنشاطات إجتماعية وثقافية متنوعة لا بل والأهم تم تشكيل فرقة كورال للكنيسة والتي كانت تضم  أجمل الأصوات قاطبة ثم أصبحت النشرة "المجلة" التي سميت بـ "القيثارة" التي بدأت بالإصدار بشكل منتظم وكل أسبوعين والتي كانت تصدر باللغة الإنكليزية والعربية وفي بعض الأحيان بالسريانية الوسيلة الفعالة في الاتصال بأبناء الرعية وتوصيل أخبار الكنيسة والوطن إليهم فكانت توزع مجاناً وبالبريد وتزيد من العبئ المالي للكنيسة. وعلى العموم تمكن الفقيد من حل بعض الإشكال المالية للكنيسة حيث تمكن من تسديد ديون القرض الخاص ببيت الكاهن كما تم تجهيز مكتبه الخاصة بالمعدات اللازمة في الاتصال والطباعة لا بل وكان في بعض الأحيان يرسل مساعدات مالية لأبناء الرعية المحتاجين في الوطن. والأكثر من هذا فقد كان بيته الصغير (غرفتان نوم وصالة) المتواضع مقاماً لكل الزائرين للندن من الكهنة والمطارنة وحتى البطاركة ومركزاً للإجتماعات ومكتباً للبحث والكتابة والطباعة.
أما على المستوى الثقافي فقد كان الفقيد مهتماً إهتماماً منقطع النظير فكان كثير الحضور أو المشاركة في معظم النشاطات الثقافية والأكاديمية التي كانت تقيمها الجامعات والمعاهد الدراسية في لندن والمهتمة بالمسيحيين في الشرق أو بتراث بلدانهم أو بلغتهم خاصة التي كانت تنظمها مدرسة لندن للدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن والتي تعتبر من أهم المعاهد العلمية في العالم في هذا الشأن. كما كان في الكثير من الأحيان ضيفاً للبرامج الإذاعية والتلفزيونية والمقابلات الصحفية خاصة في المناسبات التي كانت تهم المسيحيين في العراق وفي بلدان المهجر. أهتم الفقيد إهتماماً كبيراً بالكتب والمطبوعات حيث لم يكن أن يظهر كتاب يخص المسيحيين وما يتعلق بهم إلا واقتناه لا بل في كثير من الأحيان عمل كـ "موزع" أو "وكيل" للمجلات التي كانت تصدر في أرض الوطن ويقوم بتوزيعها على أبناء الرعية في إنكلترا. والأهم من كل هذا وذاك هو حضوره الدائم والمستمر لدائرة الوثائق البريطانية  التي تعتبر أكبر خزين في العالم للوثائق التاريخية المهمة، والتي كان عضواً مشتركاً فيها. فكثير من الأحيان حضرنا سوية وبحثنا في ذخائر هذه الدائرة وفي مخطوطاتها الخاصة بأبناء أمتنا وكنيستنا. فقد صرف الكثير من وقته وماله في بحث وإستنساخ وثائق مهمة كتبت من قبل قناصل ورحالة بريطانيين عن كنيسة المشرق منذ القرن السادس وصاعداً تبين ظروف إنشقاق الكنيسة ودخول فروعها في صراعات لاهوتية والكثير منها تفصل تفصيلا دقيقاً عن مجريات الأمور في تلك الأزمنة الغابرة وشرح للأديرة والكنائس التي كانت قائمة في بلاد الرافدين.
على المستوى الكنسي والعلاقات الكنسية مع بقية الكنائس خاصة الشقيقة للكنيسة الكلدانية وأخص بالذكر كنيسة المشرق الآشورية، كان شخصاً محبوباً وموثوقاً به من قبل كهنة هذه الكنيسة ورعيتها لا بل كان كثير الحضور لمناسباتها خاصة عند قدوم قداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية إلى لندن أو أي مطران آخر وكان من أكبر دعاة الوحدة الكنسية والمشجعين للمباحات التي كانت تجري في حينها بين الكنيستين المشرق الآشورية والكلدانية الكاثوليكية. كما كانت له علاقات قوية مع كاهن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية ويشاركها الكثير من نشاطاتها. ومن المعروف كان الفقيد راعياً لـ " الإرسالية الكلدانية السريانية الكاثوليكية" أي كان كاهناً للطائفتين فكان هذا يخلق نوع من الأشكاليات لأن طقس الكنيسة الكلدانية قائم على طقس مار أدي كما هو الحال مع كنيسة المشرق الآشورية في حين إن طقس الكنيسة السريانية الكاثوليكية يقوم على الطقس الإنطاكي. هذا الإختلاف خلق بوادر تنم عن نوع من الإستقلال ونمو في توجهات السريان الكاثوليك في أقامة قداساً خاص بهم رغم قلة عددهم. هذه الاشكالية وضعت الفقيد في تحدي صعب وقوي في مواجهة حالات الإنفصال هذه وأقناع الرعية بضرورة الوحدة غير أن النزعة الطائفية كانت أقوى بكثير، كما هي العادة في مجتمعنا، حيث أستقل السريان في السنوات القليلة الماضية وأصبح لهم كاهناً خاص بهم وقداس يقام في مبنى آخر لهم. أي بهذا المعنى أصبح لهذا الشعب "المسكين" رغم قلة عدد نفوسه في بريطانيا ... أكثر التخمينات في الوقت الحالي لا يتجاوز العدد 6 آلاف شخص .... وله أربعة كنائس وهي الكلدانية الكاثوليكية والمشرق الآشورية (أكبر كنيسة ورعية في لندن تملك كنيسة ومبنى لنادي إجتماعي) والسريانية الأرثوذكسية والسريانية الكاثوليكية.
بعد أن رسم الفقيد مطراناً في السادس من شهر كانون الثاني 2003 من قبل البابا الخالد الذكر مار يوخنا بولس أجريت معه مقابلة ونشرت باللغة الإنكليزية في المجلة الألكترونية "زندا" في منتصف شهر شباط من نفس العام في الوقت الذي كان مثلث الرحمات مار روفائيل بداويد على فراش المرض يعاني من مرض مزمن يصعب الشفاء منه. فكان الحديث عن وضع الكنيسة وبطريركها مريضاً وإحتمال الصعوبات التي يمكن أن تواجها بعد غياب البطريرك وكيفية إنتخاب بطريرك جديد وهكذا.... وعندما سألته عن إنتخاب البطريرك الجديد بعد فراغ الكرسي وفيما إذا كان يحق لكل مطران ترشيح نفسه فذكر وقال: يحق لكل مطران ترشيح نفسه سواء أكان مقيماً في الوطن أم في المهجر شرط أن لا يكون قد تجاوز الخامسة والسبعين من العمر أما بالنسبة لمطارنة المهجر فأنه من الضروري أن نضع في الإعتبار بعض الظروف التي قد تكون صعبة لهم في ترك المهجر والعيش في العراق حيث الكثير منهم يعيشون من عوائلهم وتعودوا على الحياة هناك كما أن إزدواجية الجنسية قد تخلق لهم مشكلة خاصة عندما لا يكون البلد المقيم فيه في وئام وعلاقات طبيعية مع العراق.
موضوع شرط العمر (الخامسة والسبعين) ترك اليوم فينا تساؤلاً عن كيفية إختيار مار عمانوئيل دلي بطريركاً على الكنيسة الكلدانية وهو كان قد تجاوز هذا الحد من العمر (أطال الله من عمره) عند إختياره بطريركاً؟ حيث كما نعرف بأن كل من المطرانين الجليلين مار أنطون درمو ومار سرهد جمو كلاهما مقيمان خارج العراق فالأول في سوريا والثاني في أميركا فعند ترشيحهما لكرسي البطريرك بعد إنتقال مار روفائيل إلى جوار ربه لم يحصل أي منهما في الجولة الثانية على النسبة المطلوبة للأصوات التي تؤهله الفوز لذلك حسب نظام الكنيسة يستوجب عقد إجتماع المطارنة في الفاتيكان حيث يتم إختيار اللبطريرك وبالفعل تم إختيار مار عمانوئيل دلي بطريركاً على الكنيسة من دون إعتبار شرط العمر. لا ندري فيما إذا كان هناك إستثناء في هذه الحالة أم أن القرار الأخير يعود للفاتيكان في إختيار البطريرك بعد عجز المجمع السنهادوسي من إختياره، وهي مسألة ليس لنا إلمام كبير فيها وبالتالي لا تهم موضوعنا هذا.   
 ومن الأسئلة التي سألناه كان عن كيفية إنتخابه ومن ثم رسامته كمطران ومعاوناً بطريركياً فذكر وقال: كان المطروبوليت مار عمانؤئيل دلي، حالياً جالساً بنعمة الرب على كرسي بطريركية الكنيسة الكلدانية، قد تجاوز الخامسة والسبعين من العمر وحسب نظام الكنيسة فإن كل مطران تجاوز هذا العمر لا توكل إليه مهمات إدارية لذلك عندما شغر منصب معاون البطريرك تم إنتخابي في المجتمع السنهادوسي مطراناً ومن ثم معاوناً للبطريرك في شهر كانون الأول من عام 2002 حيث سبق وأن عملت سكرتيراً شخصياً لقداسة البطريرك الراحل عندما كنت في بغداد وفي شهر كانون الثاني من عام 2003 بعثت إلى فاتيكان لنيل الرسامة.
هناك ظاهرة تاريخية نادرة في الكنيسة الكلدانية وهي أن المطران الراحل مار أندراوس أبونا كان أول كاهن كلداني يرسم مطراناً من قبل البابا في الفاتيكان بعد رسامة مار يوحنان سولاقا قبل أكثر من خمسمائة سنة كبطريرك لفرع كنيسة المشرق المتحد مع روما والتي سميت فيما بعد بالكنيسة الكلدانية. وعند سؤالي عن سبب رسامته من قبل البابا فذكر وقال: هذه نعمة إلهية عظيمة لي أن أنال بركة الرسامة كمطران من قبل قداسة البابا وهو دافع قوي يزيدني قوة وإيمانا في خدمة الكنيسة. لقد كان كل شيء عادياً بحيث كان من المقرر أن تجري الرسامة في بغداد بعد إنتخابي غير أن مرض البطريرك الراحل قداسة مار روفائيل وإستحالة القيام بواجبه في الرسامة طرح قداسته فكرة الذهاب إلى روما ونيل البركة من قداسة البابا حيث كان عيد الغطاس (الظهور) على الأبواب وهي المناسبة التي يقوم فيها البابا برسامة مطارنة من مختلف بلدان العالم ففرحت كثيراً لهذه النعمة الإلهية التي كانت تنتظرني فهرعت وحضرت حالي للسفر وبأقص سرعة حيث كان الوقت ضيفاً لأنه حدد يوم السادس من كانون الثاني 2003 وهو عيد الغطاس موعداً للرسامة.
لقد عاش وعمل المطران الراحل أكثر من عشرة سنوات في بريطانيا من عام 1991 وحتى رسامته مطراناً ونقله إلى بغداد وتأقلم مع الهدوء والسلام في الوقت الذي كان الوضع مأساوياً في العراق سواء من حيث العقوبات الإقتصادية أم الحروب او التهديد بالحروب ولا أدري إذ كان هناك مطراناً او حتى كاهناً قد ترك حياة الغرب المترفة وجاء ليخدم كنيسته في العراق في مثل تلك الظروف أو الظروف الحالية. ربما يكون هناك واحد منهم أو أثنين ولم نسمع عنهما ولكن حال المطران الراحل مختلف تماماً فهو يعد أول من يترك الغرب ويأتي إلى الوضع الجهنمي في العراق ليخدمة كنيسته. وعندما سألته عن أمكانيته في العيش في العراق ووضعه غير مستقر وخطير خاصة أذا عين في مدينة أو قرية بعيدة، فذكر وقال:  هذه ليست مشكلة لي فأنا متسلح تسليحاً جيداً بروح القدس فأنا وغيري من المطارنة قد كرسنا أو من المفترض أن نكون قد كرسنا حياتنا لخدمة المسيح ورسالته وهذه الخدمة تمتد إلى كل الأماكن دون إعتبار للمخاطر والمهالك فأنا سعيد جداً بالعودة إلى وطني وخدمة شعبي هناك.
من هنا يمكن أن نسجل للمطران الراحل سابقتين تاريخيتين أولهما رسامته من قبل البابا وثانيهما تركه لحياة الغرب المترفة وقدومه إلى العراق والعيش فيه.... وهنا نتسائل إذا كان المطران الراحل قد بقى في لندن ورفض العودة هل كان المرض يصيبه ويهلكه أم كان علاجه ممكناً؟؟؟؟ أليس هذه تضحية تستحق الإشادة بها؟؟
ومن الأسئلة المهمة التي سألته في حينه هو عن محاولات بعض العنصريين والإنفصاليين من الطرفين الكلداني والآشوري في إعتبار أبناء الكنيستين الكلدانية والآشورية قوميتان مختلفتان فذكر وقال: أن هذا يعتبر من أكبر الأخطاء فأي متطرف من طرفي الطائفتين يشكل ضرراً كبيرا للجميع دون إستثناء ومهما كانت كنيسته. فنحن أمة صغيرة وضعيفة لذلك فأنه من المهم جداً أن نبحث عن ما يوحدنا وليس عن ما يفرقنا. صحيح نحن نختلف في التسميات ولكن بدون أدنى شك فهذه ليست بالمشكلة الكبيرة طالما نحن متحدين في اللغة والتاريخ والثقافة والمشاعر والطموحات ويجب أن نعمل لتطوير عناصر وحدتنا وليس إثارة النعرات المفرقة. وكرجل دين فأنا اؤمن إيماناً قوياً بأن الكنيسة هي البوتقة الموحدة فإنها الأم لجميع الطوائف. أنا متأكد بأن البعض يؤمن بطريقة مختلفة في وحدة أمتنا وواجبي أن أصلي من أجلهم لكي تتحقق أهدافهم ولكن دعني أقول شيئاً فإذا توحدت كنائسنا يوم غد فأنه عاجلاً أم آجلاً سوف يتوحد شعبنا ولنا أمل كبير في الأجيال الجديدة خاصة الذين يدرسون معاً في المدارس والمعاهد الكهنوتية مثل كلية بابل اللاهوتية حيث سيكونون هؤلاء قادة لتوحيد كنائسنا.
هكذا في ختام المقابلة شاركنا معه في الصلاة من أجل وحدة كنائسنا ومن ثم شعبنا لترجع الكنيسة كما كانت في عهدها الذهبي ككنيسة المشرق الجامعة وترجع أمتنا أمة قوة موحدة قادرة على الصمود أمام التحديات والصعوبات التي نواجهها خاصة في هذا العصر الذي لا يرحم الضعيف والمنقسم. 


       



297
في الذكرى ألـ (31) للولادة:
رسالة من الجنرال أغا بطرس
إلى الحركة الديمقراطية الآشورية

ينقلها: أبرم شبيرا

توطئة: لقد سبق وأكدنا في مناسبة سابقة وأثناء مقابلتنا مع المناضل الشهيد فريدون أتورايا  بأن تجليات روح أبطال الأمة وشهداءها المتواصلة تنعكس في مبادئ وقيم وسياسات الحركات القومية الأصيلة وفي سلوكيات أبناؤها الأصلاء ويمارسها البعض ليل نهار ويطبقها في حياته اليومية. والجنرال أغا بطرس إيليا دي باز، وأن رحل عن هذا العالم إلا أن وجوده من خلال هذه الروح متواجد بيننا يعيش معنا نلمس وجوده في كل نشاط من نشاطاتنا القومية ونقابله ونصغي إليه ونتعلم منه ومن خلال اتصالنا به عبر الفضاء السرمدي الذي يوفره لنا خلود الأمة ويفتح أمامنا فسحات تتلاشى فيها تباين الأزمنة وتختلط وتتداخل بعضها ببعض من دون قيود الزمان والمكان فيصبح بالتالي الماضي جزء من الحاضر والحاضر جزء من الماضي . وهذه الرسالة ما هي إلا جزء من هذا الاتصال الروحي عبر النسمة الروحية الرابطة بين الماضي والحاضر والتي يشهق عبيرها كل إنسان مؤمن بهذه الأمة التي زهق الجنرال إغا بطرس حياته من أجلها. فعبرنسمات هذا الإتصال الروحي حررت هذه  الرسالة وكلفت نفسي بنقلها للقراء.
******************************
من بطرس إيليا دي بازإلى الحركة الديمقراطية الآشورية:
أبنائي وأحفادي الأعزاء: في غمرة الأحتفالات التي تمطر عليكم في نيسان الربيع أبعث إليكم هذه الرسالة وقلبي فياض بالمشاعر الجياشة والمبهجة وأنا أشعر بهزات الأرض تهز هزاً تحت أقدامكم وعلى الأوتار الذهبية لحناجر أحفادي المبدعين أمثال الفنان الكبير آشور بيث سركيس ورامز بيث شموئيل وجوان ديفيد وولسن ايشا واوديشو موشي وموشي كوريل وكارميلان زودو الذين قدموا من البلدان البعيد ليقدموا لكم موهبتهم التي وهبها الله لهم ويسخوا بالعطاء لهذه الأمة من دون كلل أو ملل. فالجميع وكعائلة واحدة سواء من كان صامداً مناضلاً في أرضي... أرض أبائي وأجدادي أو من جاء من أقصى الدنيا: إستراليا فأوربا وحتى أميركا يتناغمون ويصرخون بأفراحهم عن إنتصاراتكم العظيمة في إنتخابات العراق البرلمانية ويهلهلون لنيسان الخير في المسيرة البنفسجية ويعدون العدة لأحتفالات ميلادكم في الثاني عشر من هذا الشهر... فمن خلال المسيرة التي بدأتها أنا ورفاقي قبل أكثر من قرن والتي إجتازت محطات كثيرة ووصلت إليكم أجد نفسي بينكم متكاتفاً معكم في مسيرتكم البنفسجية شامخ الرأس عامر القلب بالإنجازات والمفاخر التي حققتموها وشاغلاً مقعدي في إجتماعاتكم ومؤتمراتكم مشاركاً في مناقشاتكم ... نعم فمن خلال هذه المسيرة أجد نفسي بينكم لا بل أجد نفسي جزء منكم لأن مابدأته قبل أكثر من قرن أجده اليوم فيكم وفي مسيرتكم النضالية الصعبة. هذه هي فرحتي العظيمة وهذه البهجة الكبيرة هي التي تمحي كل الإجحاف والظلم الذي إنتابني أثناء قيادتي لمسيرة الأمة النضالية، فأطمئنوا يا أحفادي الأغراء بأن روحي سعيدة جداً في العالم الآخر رغم الحزن الشخصي الذي أنتابني عندما سمعت في غمرة إحتفالات أبناء أمتي بعيد الأول من نيسان برحيل أبني العزيز خوديدا الذي لم أراه إلا لبضعة أشهر ولكن عندما أتذكر زيارته لأرض الوطن بناء على دعوتكم وكيف وطئت قدمه تربة وطني وشرب من ماء نهر فيشخابور تطمئن روحي وتزول همومي فيزداد حبي وتقدير لكم جميعاً.

يا ورثتي الأمناء: لا تعتقدوا أبدأ ان حركتكم قد تأسست في نيسان عام 1979، فمثل هذا الإعتقاد خاطئ جداً.... فالحركة الديمقراطية الآشورية والتي هي إمتداد لما بدأته أنا  لم تؤسس بقرار سياسي أو كانت نتيجة بحوث ودراسات رجال العلم والمعرفة ولا كانت من صنع قرارات رجال السياسة وإنما ولدت من رحم الأمة الشرعي ومن مخاض آلامها ومعناتها فالأمة التي تكون حبلة بالتضحيات والنضال ونكران الذات يولد منها إبنها الشرعي فيظهر على العيان كحركة قومية أصيلة يتم تعميذها في المعبد القومي. هكذا تعمذت وتكللت حركتنا القومية بأسم الحركة الديمقراطية الآشورية في اليوم الثاني عشر من نيسان عام 1979 وتأكدت شهادة ميلادها بالانجازات الرائعة التي حققتها وكتبت حروفها بدماء الشهداء الأبطال أمثال يوسف توما و ويوبرت بنيامين ويوخنا إيشو وغيرهم من الكرماء في التضحية والفداء فمهدوا الطريق لكم لكي تحملوا رسالة الأباء والأجداد بأمان وصدق للأجيال الحالية والتي ستتواصل نحو الأجيال اللاحقة فهكذا تستمر مسيرة الأمة النضالية نحو المجد والخلود.

تلاميذي النجباء: إنطلاقا من خبرتي الطويلة والتجارب التي واجهتني وواجهت حركتي القومية قبل أكثر من قرن أود أن أضع بعض الخطوط الإرشادية التي حتما ستزيد من إضاءة طريقكم النضالي الصعب. فقبل كل شيء والأهم من جميع القضايا هو يجب ان تتجردوا من الإنانية والغرور والتعالي على أبناء الأمة. صحيح إن نضالكم الصعب والطويل وإن إنجازاتكم القومية، خاصة فوزكم بثلاثة مقاعد في البرلمان العراقي، هي موضوع فخر وإعتزاز إلا أن ذلك يجب أن لا يكون مصدراً للتكبر والتعالي على الآخرين.  فأنا أعرفكم جيداً مثلما أعرف نفسي، فالتضحية والشهادة ونكران الذات والعمل بإخلاص لهذه الأمة هي من بعض صفاتكم الجليلة والكثيرة ولكن نشوة النصر قد تصيب البعض منكم فتفسد نفوسهم وتوهمهم بأنهم أنبياء نزلت عليهم بركة الله من السماء فيتصورون بأنهم معصومين من الأخطاء ومحصنين من الإنتقاد والإستماع للرأي الآخر. من هنا أقول بأن حركتكم هي مسيرة قومية فكرية سياسية حضارية لهذه الأمة وغير مملوكة لأي من كان مهما كان موقعه في حركتكم. فشذوذ شخص أو بضعة أشخاص عن مسيرة الحركة لا يمكن أن يمسها مس ويشذها عن خط مسيرتها الذي يمتد لسنوات طوال وسيتمر لسنوات أطول. أنتهبوا إلى أولئك المتعصبين والمتشددين في حركتكم أو أنصاركم فهم يضرونكم أكثر مما يضركم أعداءكم فهؤلاء مثل النار الملتهب الحارق فسرعان ما ينطفون وينقلبون إلى دخان أسود ورماد متطاير في سماء حركتكم مشوهين نظرة الناس عن أصالة حركتكم ونبالة رسالتكم. فأنا واثق بأن هؤلاء قلة قليلة ولكن دائماً متواجدين بينكم خاصة في غمرة تصاعد نشوة النصر.

يا أبنائي المناضلين: الطائفية والعشائرية والشللية هي أخطر الأمراض التي تقتل الحركات القومية وهي نفسها التي عصفت بنا قبل أكثر من قرن وأعيقت تقدمنا وتحقيق أهدافنا. فلا تتصورا بأن الإنجازات القومية سوف تقضي على مثل هذه الأمراض بشكل نهائي فهي كجرثومة تركن في نوم سبات ولكن تعود مرة أخرى وتضرب ضربتها لا بل تزداد شراستها أكثر فأكثر عندما يتصاعد الوعي القومي بين أبناء الأمة ويصبح وضع هذه الأمراض مهدد بالزوال. أشد يدي وبقوة على يدكم لأنكم فعلاً وحقيقة تمكنتم من أن تخطوا خطوات متقدمة في هذا المجال. ما أعظم حركتكم عندما أرى فيها الكلداني والنسطوري والسرياني كلهم يد واحدة تعمل من أجل هدف واحد... صحيح أن أصل امتنا وحضارتها معروفة للقاصي والداني وأن رجال كثر قدموا حياتهم فداءاً لها ولكن الواقع المعاش الذي أدركتموه في عام 2003 وتبنيتم التسمية المركبة للأمة (الكلدانية السريانية الآشورية) حدث يضع كل أبناء الأمة في بيتاً واحداً من دون تميز وتصبح حديقتها مشكلة الألوان والأزهار والتي بالنتيجة ستغني الأمة إغناءاً كبيرا ومن مختلف جوانبها المتنوعة فبوعيكم السديد عرفتم بأن وحدة الأمة فوق كل شيء. هذا الحدث مهم جداً لا بل وخطير في عين الوقت لأنه يثير هيجان وجنون الإنفصالون الطائفيون والشلليون... لماذا؟؟  لأنهم أقزام لا يمكن أبداً أن يعيشوا مع البالغين الكبار في بيت الأمة الكبير. فأنا شخصياً أعرف حق المعرفة أصلي وثقافتي وحضارتي ومن أجلها ضحيت بحياتي ولكن الواقع كان يفرض عليً أن أتبنى أسم "كلدوا آشوري" كسور للبيت القومي الذي كنت أحاول أن أشيده على الحضارة التي ورثتها عن أجدادي. فحال هؤلاء ليس أحسن من حال الذي يسبح ضد تيار النهر فسرعان ما يتعبون وبالنتيجة أما يعدلون وضعهم ويتناغمون مع تيار الأمة الجاري نحو الأمام أو يصرون على عنادهم فيغرقون ويجرفهم التيار الجارف نحو المجهول.

يا أولادي الكرماء في التضحية والفداء.... أن ما أراه اليوم من إنجازات قومية هو نفس ما يراه أبنائي في عصركم فهو نتاج نضالكم المستديم... أن الوعي القومي والسياسي الذي دب في نفوس وضمائر أكثرية أبناء أمتي هو بفعل ما قدمتموهم من تضحيات ونكران الذات في سبيل هذه الأمة.. من يستطيع أن ينكر بأن التعليم السرياني ما كان أن يكون كما هو في مثل هذا اليوم لولا كفاحكم الدؤوب والمتواصل حتى تمكنتم من إنتزاع هذا الحق إنتزاعاً تاريخياً وقدمتم المستحيل من أجل إستمراره وتواصله نحو مراحل متقدمة... إن عشرات الألاف التي شاركت في المسيرة البنفسجية في هذا العام وفي كل الأعوام السابقة هي دليل على مدى حب الجماهير لكم وتقديره لتضحياتكم من أجل هذه الأمة... أفهل يوجد شيء لأية حركة سياسية أهم من حب الجماهير لها.... لا أدري هل أقول بأنني أحسدكم على هذا الحب الجماهيري لكم ... ولكن أفهل يوجد أب يحسد أبنائه؟؟؟ كلا وألف كلا.... فما أراه فيكم هو لي والذي من أجله نضالت وضحيت بحياتي له وهو نفس الشيء الذي ضحى المطران الشهيد توما أودو حياته من أجله والبطريرك مار بنيامين وفريدون آتورايا والألاف في مذبح سميل ونعوم فائق وفريد نزها ويوسف مالك ويوسف توما و يوبرت بنيامين و يوخنا إيشو والقافلة طويلة .... هؤلاء يظهر بأنهم قد خسروا حياتهم ولكن بالمقابل عاشوا وتخلدوا بحب أبناء الأمة لهم ... فحركتكم يا أبناء زوعا ستخلد مدى الدهر وستواصل نحو المستقبل لأنها كسبت حب أبناء الأمة.... فألف مبروك على هذا الحب والإحترام الذي كسبتموه بنضالكم الدوب ونكران الذات وألف مبروك على عيد ميلادكم الحادي والثلاثين و لايسعني في الختام إلا أن أشكركم على حشد عشرات الألاف من أبناء الأمة للأحتفال بعيد الأول من نيسان رأس السنة البابلية الآشورية لأنه هو أيضا عيد ميلادي الثلاثين بعد المائة حيث ولدت في الأول من نيسان عام 1988  ومن صدف الأقدار أن يكون أيضا عيد ميلاد مراسلي الذي أرسل معه هذه الرسالة. إلى اللقاء في مناسبة أخرى وفرحة أخرى.


المخلص
جدكم الوفي
بطرس إيليا دي باز

298
من أوراقي الآشورية:

 

تجليات روح شهداء الأمة في واقع اليوم... مقابلــة مع فريدون أتورايا


                                                                                              أبرم شـبيرا
قد يعمر الأفراد ويعيشون مائة سنة أو أكثر ولكن مع هذا يموتون ويرحلون عن هذا العالم، لكن الأمة التي ينتمون إليها تعيش عشرات القرون وربما تبقى خالدة أبد الدهر . لم يعيش فريدون أتوريا أكثر من سبعة وثلاثين سنة حيث أستشهد في نهاية عام 1926 ولكن الأمة الآشورية، والتي زهق فريدون روحه من أجلها، عاشت وخلدت لقرون طويلة ليس من خلال تواصل أجيالها كأفراد فحسب وإنما من خلال تجليات روح شهدائها المتواصلة في أفكار الأمة ومبادئها وقيمها وتراثها وحضارتها والتي تنعكس في أفكار وسلوكيات أبناؤها الأصلاء ويمارسها البعض ليل نهار ويطبقها في حياته اليومية. وفريدون أتوريا كشهيد من شهداء الأمة، وأن رحل عن هذا العالم إلا أن وجوده من خلال هذه الروح متواجد بيننا يعيش معنا نلمس وجوده في كل نشاط من نشاطاتنا القومية ونقابله ونصغي إليه ونتعلم منه ومن خلال اتصالنا به عبر الفضاء السرمدي الذي يوفره لنا خلود الأمة ويفتح أمامنا فسحات تتلاشى فيها تباين الأزمنة وتختلط وتتداخل بعضها بالبعض من دون قيود الزمان والمكان فيصبح بالتالي الماضي جزء من الحاضر والحاضر جزء من الماضي. وهذه المقابلة مع فريدون أتورايا ما هي إلا جزء من هذا الاتصال الروحي عبر النسمة الروحية الرابطة بين الماضي والحاضر والتي يشهق عبيرها كل آشوري ينعم بمثل هذه النسمات الروحية التي تربطه بهذا المفكر والمناضل والأديب الخالد الذي ساهم بنفحاته الثورية في انبعاث روح الأمة وتواصلها نحو عصر هذا اليوم .
**************
منذ البدء، وأنا في طريقي لمقابلته، لم أكن أتوقع إطلاقاً أن أجد صعوبة في التعرف عليه رغم أنها المرة الأولى التي ألتقي به، فسيماءه الشكلي والفكري واضحة المعالم لا يستوجبها العناء للتعرف عليه، خاصة بالنسبة لكل من أطلع على أبجديات تاريخ الحركة القومية الآشورية المعاصرة، ذلك لأن فريدون أتوريا كان يشكل بحد ذاته ظاهرة قومية يسهل التعرف عليها من خلال التعرف على المصدرين الرئيسين اللذين ساهما مساهمة كبيرة في خلق هذه الظاهرة. فبالنسبة للمصدر الأول، ابتداءً يمكن الاقتراب منه والنفوذ إليه ببساطة ومن خلال النظرة الأولى لصورته الفوتوغرافية الشائعة بين الآشوريين، سواء الملصقة على جدران بيوتهم أو المنشورة على صفحات مجلاتهم وكتبهم، حيث نستدل من هيئة ملابسه الرسمية المزركشة بأزرار نحاسية وكأنه فارس من فرسان الحرب الأهلية الأمريكية، ونتصور من طلعة تصفيف شعره كأنه يحمل أمواج البحر الهائج على رأسه، ونستشف من تركيبة نظاراته التروتسكية وكأنه أحد ثوار الحركات الراديكالية والقومية التي اجتاحت روسيا وأوربا في القرون الماضية. هذه السمات وإن كانت وصفية لكن في الحقيقة لا تبتعد أبداً عن الواقع الذي عاش فيه وتتطبع شكلا ومضموناً بظروفه لأنه فعلاً كان في قلب هذه الحركات الثورية وعايش أجوائها السياسية والأيديولوجية، وبالأخص الثورات والحركات التي اجتاحت روسيا القيصرية قبيل الحرب العالمية الأولى، منها ثورة عام 1905 والنتائج التي آلت من جراء فشلها وأثرت على جميع قاطني روسيا القيصرية وتوابعها، والثورة الاشتراكية البرجوازية في شباط عام 1917 والتي قادها أعضاء الجناح اليميني في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي (الشيوعي فيما بعد ) والمعروفين بـ "المناشفة" والتي تلتها الثورة الاشتراكية الشيوعية في أكتوبر من نفس العام والتي قادها أعضاء الجناح اليساري بقيادة لينيــن والمعروفين بـ "البلاشفة" وكذلك الانقلاب التركي عام 1908 الذي قاده حزب الاتحاد والترقي والذي أثرت مفاهيمه الليبرالية والإصلاحية على معظم المثقفين الآشوريين حينذاك. مضاف إلى هذه الأحداث الثورية تأتي الحرب العالمية الأولى والانقلابات الجذرية والنتائج المأساوية التي سببتها للبشرية عموماً وللآشوريين خصوصاً لتساهم مساهمة كبيرة في تكوين ظاهرة فريدون أتورايا. فكان من الطبيعي جداً أن تفعل هذه الأحداث التي عايشها فريدون آتورايا فعلها فيه، وهو ذلك المثقف الثوري الواعي ذو الحس المرهف، وأن تؤثر فيه تأثيراً كبيرا وتشكل له المنبع الذي أستمد منه أسلوبه الثوري وفكره السياسي ومنهجه الراديكالي في فهم الإشتراكية وبناء الدول القومية ضمن إطارها العام، أي بعبارة أخرى شكل الفكر الاشتراكي والمنهج الثوري في العمل السياسي المصدر الأول في بناء ظاهرة فريدون أتورياً .

أما المصدر الثاني في تكوينات ظاهرة فريدون أتوريا، هي الأخرى غير بعيدة عن ظروف المصدر الأول لا بل وترتبط بها والتي تتمثل في النتائج المؤلمة التي أفرزتها الحرب الكونية الأولى على الآشوريين والمظالم التي سبقتها والتي أعقبتها، ثم تفاعل هذه المأساة "الخارجية" مع المأساة "الداخلية" المتمثلة في التمزق الطائفي للأمة. ففريدون نفسه كان نتاج من نتائج هذين المنعطفين، أي الحرب والتمزق الطائفي. فمثلما أثرت الحرب وما أعقبها من نتائج، خاصة فيما يتعلق بتسويات الحدود وتكوين الكيانات السياسية الجديدة والتي زادت من تمزق الآشوريين سياسياً وقانونيا، أثر عليه أيضا التمزق الطائفي للمجتمع وبشكل واضح وعميق وأنعكس ذلك في برنامجه القومي. فهذان النوعان من المأساة، هما اللذان جعلتا من فريدون أتوريا أن يكون كما هو ووالديه وأقربائه من أتباع الطائفة الروسية الأرثوذكسية بفعل الحملات التبشيرية بين أبناء كنيسة المشرق وما لهذا الانتماء من معاني كثيرة عند الطوائف الأخرى وزعمائها ولها تأثيرات قومية وسياسية عندهم. كما جعلت هذه الظروف منه أن يصبح مواطناً جورجياً ثم روسياً سوفيتياً بفعل التشرد والهروب من الاستبداد، وبالتالي انعكاس هذه المأساة في أفكاره القومية ومشاريعه السياسية الهادفة إلى معالجة واقع الأمة الممزق، وهي الأفكار والمشاريع التي ستشكل محور اللقاء معه .                         
*****************
هكذا، وأنا في طريقي للقاء به، تكاملت الصورة في مخليتي عنه خاصة عندما توضح لدي المصدرين الأساسين في البناء الفكري لفريدون آتورايا الذي كان من حيث المنهج والرؤية والأسلوب اشتراكياً ديمقراطياً ومن حيث العمل والتطبيق والهدف قومياً آشورياً ثائرا ندر مثله في التاريخ الآشوري الحديث أنساناً قومياً وثورياُ وسياسياً ومثقفاً وشاعراً وصحفياً وخطيباً وطبيباً وعسكريا كفريدون آتورايا. ففكره السياسي وسعة ثقافته الثورية وإبداعه الأدبي الشعري والمسرحي والصحفي ونضاله السياسي والعسكري والإنساني ممزوجاً مع المصير المأساوي في استشهاده وإفناءه في سجنه وبشكل غامض من قبل السلطات الستالينية الاستبدادية نتيجة نضاله القومي، كل هذا  شكل صورة حية وناطقة لأسطورة تراجيدية تعكس بحق وحقيقة الأسطورة التراجيدية للشعب الآشوري. هذه الحقائق التي كونتها عن هذا المناضل الثوري الآشوري والمتعدد المواهب والتطلعات والطموحات جعلتني  أن أشعر كتلميذ صغير يسعى لمقابلة أستاذ كبير ومهيب وأن أنسرح هائماً في عوالم هذه الشخصية الفذة  التي استولت على تفكيري وعقلي وسيطرت على روحي مثلما يسيطر الساحر على المسحور. وهكذا بينما أنا في عالم هذه التصورات الروحية لم أجد نفسي إلا أمام باب مكتبه.

دخلت مكتبه وهو جالس خلف منضدته، ولا أعتقد أحداً  يخطأ فريدون أتورايا اطلاقاً، فهو هو نفسه كما عرفانه من صورته ولكن ما يختلف عنها هو روحه الهائجة والثائرة بين محتويات مكتبه والذي  من الصعب التعرف على نوعية  هذا المكتب والوظيفة المهنية المحددة التي يمارس صاحبها فيه، فهو يعكس بكل زواياه وأثاثه طبيعة صاحبه. إذ من جانب هو عيادة طبية متنقلة أو مركز إسعافات أولية في ساحة القتال، ومن جانب آخر هو مقر لضابط أو قائد عسكري في الجبهة الأمامية للحرب، كما وأن الأوراق وقصاصات صحف ومجلات وأوراق بما هو مسطر عليها من أبيات شعرية ومقاطع نثرية وأجزاء من مقالات غير مكتملة ومتناثرة هنا وهناك تدل على أن المكتب ما هو إلا غرفة لشاعر أو أديب وجودي هائم في هذا العالم لا يعرف من همومه وأحوال الدنيا غير ما هو مسطر في  هذه الأوراق والقصاصات. إضافة إلى المجلات السياسية والكتب لكبار رجال الفكر والفلسفة التي تعتلي رفوفه والتي  تعرف من تآكل دفتيها بأنها نهمت من قبل رجل شديد العطش للفكر والسياسة بحيث جعلت من مكتبه يبدو وكأنها غرفة رئيس تحرير جريدة سياسية ثورية لحزب لا زال في مرحلة النضال السلبي يواجه نظاماً مستبداً. ناهيك عن نسخ من بيانات وخطط وأنظمة داخلية لأحزاب سياسية ومنظمات ثورية متراكمة في زاوية من منضدته تجعل من غرفته وكأنها مقر لحزب سياسي من أحزاب بلدان العالم الثالث وهي في مرحلة النضال السلبي. هذا العالم المتعدد السمات والمتناقض الذي عاش فيه فريدون آتورايا، كان  صورة طبق الأصل لكل ما في داخله ولكن  امتزجت هذه السمات امتزاجاً عجيباً ومتناسقاً وبشكل هارموني أفرزت وبكل وضوح ما يعرف به اليوم بـ " فريدون أتورايا ".

على أية حال، وأنا في بناء تصوراتي من هذا الخليط المنسق، استفقت من انسراحي الروحاني بصوته المرحب بقدومي فتم التعارف بيننا. وبطبيعة الحال كان من السهل أن أتعرف عليه بسبب صورته المتكاملة والمؤثرة التي كونتها عنه سلفا، مثلما يتعرف التلميذ على الأستاذ مهما طال الزمن بينهما، غير إنني عندما عرفت نفسي له وقلت له بأني آشوري من العراق مقيم في بريطانيا أطلق ابتسامة ترحيب تخفي خلفها نوع من الاستياء والامتعاض فأدركته على الفور مستغرباً  ومستفسراً عن السر المخفي وراء هذه الابتسامة "الترحيبية" .
-   أجاب وقال : هذا موضوع طويل ومعقد سنأتي عليه في ما بعد ولكن قل لي ماذا تعرف أنت أو ماذا يعرف بقية الآشوريين في البلدان الاخرى عني وعن الحركة القومية الآشورية في روسيا.
-   قلت له : بسبب الستار الحديدي المشترك الذي كان يطوق الاتحاد السوفياتي والعراق كنا بالكاد نسمع شيئاً ولكن بعد انهيار النظام الشيوعي وتيسر الاتصال بالآشوريين هناك وصدور مطبوعات لهم وتأسيس إذاعات بدأنا نعرف أشياء كثيرة عن الحركة القومية الآشورية في روسيا ولكن الغرض الأساسي من مقابلتي لك هذه هو معرفة الغموض العجيب الذي يكتنف مسألتين وهما : الأولى : مشروعك القومي عن تأسيس كيان آشوري مستقل والثاني يدور حول الأسباب التي أدت إلى سجنك من قبل النظام الشيوعي ومن ثم إعدامك والأشخاص الذين تآمروا ضدك بهدف الخلاص منك .
غاص مفكرنا الكبير في تفكير وتأمل عميقين ثم ختمهما بنفس عميق وحسرة مؤلمة وأعقبها تهيأ لخوض معركة أثارت فيه حوافز الاندفاع والقتال من أجل كشف معالم الغموض المسيطر على هاتين المسألتين فقال :
-   المشروع القومي واضح المعالم في البيان المعروف بـ " مانفيستو أورمي" الذي أصدرته في عام 1917 مع مجموعة من القوميين الآشوريين والذي يقوم أساسا على فصل الدين عن السياسة والدولة ويدعو إلى تأسيس كيان مستقل للآشوريين بمختلف طوائفهم الدينية في مناطقهم التاريخية ويرتبط بالاتحاد السوفياتي ضمن اتحاد فدرالي كبقية الدول التي دخلت هذا الاتحاد، ويمكن معرفة تفاصيله من كتبكم ومجلاتكم التي نشرت بنود هذا البيان.
-    ألا تعتقد بأن مثل هذا المشروع، أن لم يكن خياليا، فأنه كان يقارب تطبيقه المستحيل ؟ .
أثير سؤالي هذا دهشته الممزوجة بنوع من الغضب وقال : من أية ناحية كان خيالياً أو يستحيل تطبيقه؟
 حاولت تهدئة غضبه برد مبسط وواضح وقلت له :
-   من عدة نواحي، جغرافياً، المنطقة غير متناسقة وتشمل أجزاء خاضعة بشكل أو بآخر لدول أخرى. عسكرياً، يصعب السيطرة على مثل هذه المناطق التي كانت ضمن نفوذ بعض الدول الكبرى المتنافسة أو المتحاربة. اجتماعياً، القوالب الطائفية والعشائرية الصلدة التي كانت سائدة في تلك الفترة والمحددة بعضها حصراً بمناطق جغرافية معينة، خاصة وأن حدود مشروع "دولتك" كان يمتد من منطقة أورمي شرقاً حتى إنطاكيا غرباً، فكان من الصعب جداً جمعهم في كيان سياسي واحد جامع وشامل خاصة وأن الزعماء التقليدين من رجال الكنيسة وزعماء العشائر، والذين كانوا متنفذين وسائدين في المجتمع الآشوري، يصعب تصور إمكانية أي تنازل منهم عن سلطاتهم ومصالحهم  لهذا الكيان العلماني الذي يتبناه رجل اشتراكي إن لم نقل شيوعي، كما كان هؤلاء يتهمونك، فالصراع معهم كان لا محال بل وحتمي . أما من الناحية السياسية فأنه بمجرد ربط مثل هذا الكيان بالاتحاد السوفياتي الذي يتبنى الشيوعية يكفي لكي يرفض، لا بل ويقاوم من قبل الآشوريين الذين تسود فيهم معتقدات دينية وسلفية لا تتفق مع هذه العقيدة .
   وقبل أن أكمل حديثي قاطعني المفكر الكبير بضحكة سخرية مصطنعة، وهو المعروف ببؤسه وعبوسيته، عبرت بكل وضوح عن رفضه القاطع لما ذكرته، فرديت عليه مقاطعاً
-   ما العيب في هذا التحليل عن صعوبة مشروعك القومي ؟ . فرد بأكثر جدية وحماسة ثورية وقال :
-   العيب هو أن تحليلك يتصف بسذاجة فكرية وضحالة سياسية بعيد عن الموضوعية والواقعية وتتحدث عن ظروف وكأنها قائمة في بداية الألفية الثالثة. أود أن أوضح لك يا "شبيرا" أن مشروعي القومي كان نتاج جملة عوامل وحقائق موضوعية كانت سائدة وطاغية في بداية قرن العشرين وأن وقائع الحرب الكونية الأولى  كانت قد وضعت كل العوائق التي ذكرتها في داخل قدر يغلي على نيران هذه الحرب مما جعلت تأثير هذه العوائق أن يتلاشى أو يضمحل.  فبالنسبة للعائق الاجتماعي المتمثل في تأثير الزعماء التقليديين وممانعتهم للمشروع، يجب أن نعرف بأنه في تلك الفترة كان المجتمع الآشوري بكل طوائفه وتركيباته الاجتماعية منهاراً من جراء مأساة الحرب ولم يكن يتطلبه إلا إعادة تنظيمه وبما يتوافق مع الظروف التي كنّا نتوقعها بعد الحرب كما كان شعبنا متعطشاً نحو مفاهيم جديدة تزيح القديمة، وهي المفاهيم التي تمثلت في نشاط وفعاليات نخبة من المثقفين القوميين. أما بالنسبة لرجال الدين فأود هنا أن أوضح نقطة مهمة تعتبر جزء من الأيديولوجية القومية التي آمنت بها وهي أنه من الضروري أن نميز بين الكنيسة نفسها كمؤسسة تاريخية تراثية من جهة وبين رجال الكنيسة أنفسهم، فإذا كانت الأولى حقيقة موضوعية لا تقبل التأويل والاجتهاد فأن الفئة الثانية، أي رجال الدين، يشكلون جزء من عوامل ذاتية فكرية ليس بالضرورة أن يمثلون حقيقة مطلقة ولا يمكن أن يكونوا كذلك إطلاقاً فهم كسائر البشر يخضعون لعنصر الخطأ والصواب وعملية تحديد هذه العناصر ترتبط بالأساس بمدى ارتباط مصالح هؤلاء بالمصالح الحقيقية للأمة نفسها دون فصل جوانبها الدينية التراثية عن جوانبها المادية القومية.
-   قاطعته على الفور متسائلا : أرى هناك نوع من الغموض أو صعوبة في فهم ما تقصده .
-   فأجاب وقال : لتبسيط الأمر، أود بهذا الخصوص أن أذكر الشهيد مار بنيامين في مقارنته مع غير من حاشيته المحسوبة كجزء من رجال المؤسسة الكنسية، فهؤلاء كانت مصالحهم مرتبطة بالدرجة الأولى ارتباطاً مصيرياً ببريطانيا وبالدرجة الثانية بمصالح الأمة، في حين على العكس من هذا تماماً كانت كل مصالح الشهيد مار بنيامين الروحية والقومية والمصيرية مرتبطة ارتباطاً عضوياً ومصيرياً وبالدرجة الأولى بمصالح الأمة ومن خلال هذه المصالح حاول أن ينسق مع مصالح الدول التي تتوافق مع مصالح أمته وكان الشهيد مار بنيامين على قدر كبير من الفطنة والذكاء بحيث أدرك منذ الوهلة الأولى، وبسبب العامل الجغرافي والفكري والسياسي، بأن التحالف الاستراتيجي مع روسيا ثم الاتحاد السوفياتي كان أكثر فائدة وضماناً لسلامة أمته من أي تحالف آخر مع الدول الكبرى كبريطانيا أو فرنسا، لهذا السبب تأمروا الإنكليز عل قتله. وكما تعرف ويعرف غيرك بأننا أمة صغيرة وفقيرة لا نملك مقومات بناء كيان قومي قادر على الصمود والاستمرار دون دعم أو تحالف مع دول كبرى وكان الاتحاد السوفياتي تلك الدولة المثالية في تلك الفترة. لا أريد الإطالة أنظر إلى الأرمن فظروفهم تشبه ظروفنا إلى أقصى درجة ولكن بفضل الاتحاد السوفياتي تمكنوا من بناء كيان شبه مستقل ثم بعد أنهيار الاتحاد السوفياتي أستقلوا كدولة كاملة السيادة. أين نحن من تجربة الأرمن؟                                                      فلو كنا ووفقنا مثلهم في تلك المرحلة لكان لنا دولة مثلهم قبل حلول الألفية الثالثة، ولكن مع الأسف الشديد أحبط "الملتفون" حول كرسي البطريركية والواقعون في غرام وهمي مع الإنكليز مثل هذا التحالف وسببوا أيضا، بشكل وبآخر، في إفشال أي مشروع قومي من هذا القبيل.
- إذن من تحليلك هذا أفهم بأنك كنت في توافق مع مار بنيامين في المسائل القومية والسياسية، وخاصة في المسائل الاستراتيجية حيال الدول الكبرى، ولم تكن في تنافر أو عداء معه كما كان يشاع عنك بأنك كنت شيوعياً وضده وضد الكنيسة .
أثار سؤالي هذا اهتمامه الكبير المقرون بنوع من الإثارة ثم هب وقال :
- هذا هراء مائة في المائة، صحيح أنني متأثر بالماركسية وكنت اشتراكي المنهج والتطلع إلا إنني لم أكن شيوعياً أبداً ووفق إيماني هذا كنت أكبر جل تكبير البطل الشهيد مار بنيامين وما قيل عني أو ما نسب إليّ تجاهه هو جزء من مؤامرة كانت تدبر في الخفاء من قبل الإنكليز وعملاءهم للقضاء علينا نحن الاثنين.
وقبل أن يكمل حديثه قاطعته، كعادتي القبيحة في مقاطعة المتحدث، وقلت على الفور:
- إذن هل صحيح بأن بعض حاشية البطريرك أو المقربين إلى الكنيسة "النسطورية" أو المحسوبين عليها والمتورطين مع الإنكليز دبروا مؤامرة الوشاية للسلطات الستالينية ومن ثم اعتقالك وإعدامك، وكما هو معروف لدينا في هذا اليوم ؟. 
- هذا صحيح ولكنه هو جزء من الحقيقية فقط، فهؤلاء ببساطة كانوا يكرهون ويحاربون كل ما هو غير "نسطوري" فلم يكن بإمكانهم أن يروا واحداً مثلي منتم إلى الطائفة الأرثوذكسية أن يتزعم الأمة فهؤلاء كانوا يروجون إشاعات مفادها بأنني أسعى إلى إزاحة البطريرك من الزعامة وتدمير الكنيسة، هكذا لقنهم الإنكليز، وهي نفس السياسة التي مورست ضد الجنرال أغا بطرس الذي كان ينتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية. لقد نجح الإنكليز في استخدام الورقة الطائفية في إفشال المشاريع الهادفة إلى توحيد الأمة في كيان متوحد. زد على ذلك فإن الإنكليز كانوا خائفين أشد الخوف من أن يكون هناك تحالف بين الآشوريين والروس في الوقت الذي كانوا هم في أمس الحاجة إلى خدمات وإمكانيات الآشوريين العسكرية لغرض تحقيق طموحاتهم الإمبريالية في المنطقة ولم يكن مثل هذا الأمر ممكنا إلا بالقضاء على الزعماء الآشوريين غير "المفيدين أو النافعين" لمآربهم والاعتماد على غيرهم الذين يمكن الاستفادة منهم وإبراز مواقعهم القيادية ثم دفعهم نحو حافات الهاوية وعصرهم في ظروف من العوز والتشرد ثم يظهر الإنكليز كمنقذ لهم، وهي سياسة قذرة مورست تجاه الآشوريين ونجحت بالتمام والكمال.
-   طيب إذا كان هذا جزء من الحقيقة، ولكن ما هو الجزء الاخر منها والذي أدى إلى القضاء عليك ؟ .
- أنه من المؤسف أن نقضي نحن الآشوريين معظم حياتنا في الحديث عن السياسة والقومية ولكن لا نعرف عنها إلا قليل القليل، وخاصة عن كيفية ارتباط السياسة بالمصلحة، ولاسيما بالنسبة للدول الكبرى التي لا تشكل مسألة القوميات الأخرى أية أهمية لها في مقارنة مع مصلحتها الوطنية. من هنا يجب أن نفهم المسألة الآشورية في تلك المرحلة ضمن مدى توافقها مع مصالح هذه الدول. بيان أورمي في بناء كيان سياسي مستقل للآشوريين كان يتوافق مع مصالح الدولة السوفياتية في بداية قيامها، ولكن بعد قضاء السلطة الستالينية على جميع الحركات القومية وزمها بالطوق السوفياتي واستقرار الأمور بها بدأت تلعب لعبتها في العلاقات الدولية ضمن تحالفات ومعاهدات مع الدولة التي اعتبرتها إمبريالية واستعمارية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، وكان من ضمن هذه التحالفات إبقاء دولة فارس، إيران فيما بعد، مستقلة ومحايدة وعدم التدخل في شؤونها. ولما كان "بيان أورمي" يطالب بجزء من المناطق التاريخية للآشوريين في شمال فارس  فهذا كان يتعارض مع التزامات الاتحاد السوفياتي تجاه الدول الأخرى بخصوص استقلال فارس وعدم التدخل في شؤونها والتي اعتبرت المطالبة الآشورية نوع من التدخل في شؤون فارس لذلك كان يتطلب من السلطة الستالينية القضاء على مثل هذا المشروع وعلى صاحبه. إضافة إلى ذلك فإن القضاء على هذا المشروع ومن كان وراءه كان يتوافق تماماً مع استبدادية ستالين في القضاء على أي شخص يشتبه بأنه قومي أو له نزعات قومية، وهي السياسة التي قضت على الملايين وكنت أنا واحداً منهم مع مجموعة أخرى من القوميين الآشوريين الذين أعدموا أيضا فيما بعد ولكن لم تسمعوا أنتم عنهم كثيرا. ويجب أن لا ننسى أيضاَ بأن مصالح الإتحاد السوفياتي في تلك الفترة توافقت مع مصالح بريطانيا في القضاء على مثل هذه الحركة القومية النزيهة.
- هناك أسئلة كثيرة محيرة عن كيفية إعدامك، فالبعض يقول بأنك قتلت مسموماً  والآخر يقول بأنك متُ تحت التعذيب وهناك فريق آخر يقول بأنه تتم محاكمتك ومن ثم إعدامك، فأي من هذا هو الصحيح ؟ .
- حقاً أنه لأمر مثير للضحك والسخرية وفي عين الوقت مثير للحزن والأسى، في إثارة مثل هذه الأسئلة ذلك لأنه هل يهم أي نظام دكتاتوري طريقة القضاء على معارضيه ؟؟ ، فمالفرق سواء أكان الإعدام شنقاً أو بالرصاص أو التسميم أو بالتعذيب فالمهم هو التخلص منه وكفى، فأنت من المفروض أن تعرف هذه الأمور خاصة وأنك وغيرك من الآشوريين عاشوا تحت ظل أنظمة دكتاتورية قضت على أرواح الآشوريين بطرق لا تعرفونها ولا نعرفها نحن أيضا ولكن هدفهم كان واحد، وهو التخلص من الآشوري القومي المطالب بحقوق قوميته.
عندما شعرت بالإحراج لسؤالي الساذج هذا حاولت أن أغير الموضوع وأنتقل مرة أخرى إلى مشروعه القومي فعلى عجل قلت :
- طيب لنعود مرة أخرى إلى بيان أورمـي، إلا تعتقد بأن مضامين هذا البيان كان يتطلبه منظمات أو مؤسسات لتنفيذه لإخراجه إلى حيز الوجود ؟؟.
- حقاً يا "شبيرا" أنك محير وتدعي بأنك تفهم السياسة وتحاول الكتابة عنها، ولكن من المؤسف يظهر بأن من خلال سؤالك هذا لا تفهم الكثير عن هذا العالم الغامض.
وقبل أن يكمل حديثه الملتهب بنيران ثوريته انسرحت في صمت مع نفسي التي أشعرتني بأنني فعلا تعرضت إلى نوع من الإهانة وأخذ تفكيري يلومني على إقدامي لإجراء هذه المقابلة، ولم أصحو من إنسراحي العميق إلا على صوته الجهوري وهو مستمراً في حديث :
-  بطبيعة الحال يجب أن تعرف بأن أي مشروع قومي لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود أداة سياسية لتنفيذه وإخراجه إلى النور وقد أدركنا ذلك منذ البداية لهذا السبب أسسنا الحزب الاشتراكي الآشوري للقيام بهذه المهمة والذي يعتبر أول حزب سياسي آشوري وكان قد حضر مؤتمره التأسيسي ما يقارب 200 شخص معظمهم من المثقفين البارزين ولكن كل شيء أنهار بعد اشتداد قبضة ستالين على السلطة .
- ألا تعتقد بأن تسمية حزبكم بالاشتراكي كان له نتائج سلبية على عقلية المجتمع الآشوري ومن ثم اتهامكم بالشيوعية ؟؟
- هذا صحيح فقط بالنسبة للمتخلفين والغارقين في ظلام القرون الماضية الذين يخافون من نور العلم، والاشتراكية علم ومنهج للحياة فبطبيعة الحال لا يفهمها هؤلاء، لا بل يخافون منها أيضا ويحاربونها، ولما كانت غالبية أبناء مجتمعنا من أصناف هؤلاء فلا الاشتراكية ولا الديمقراطية ولا أي منهج أخر يفيد هؤلاء لذلك من المؤسف أن الكثير من أبناء شعبنا ولا يزال حتى اليوم لا يستفيد من هذه التجارب الإنسانية معتقدين خاطئين بأنها الأفكار الاشتراكية أو التقدمية أو الليبرالية لا تتفق مع المجتمع الآشوري، والسبب الرئيسي في ذلك لا يرجع فقط إلى دور الإنكليز في هذا المجال وإنما إلى جهل الآشوريين بهذه الفلسلفات الإنسانية، فالماركسية على سبيل المثال يمكن أن يستفاد منها كمنج عمل وأن يستمد منها أسلوبها الثوري والعلمي في فهم تطور المجتمعات وليس كأفكار شيوعية للتطبيق. أنظر الدول الرأسمالية كيف تطورت بشكل عجيب فأن مثل هذا التطور لم يكن ممكناً لولا اكتشاف ماركس لعيوب النظام الرأسمالي ومن ثم تلقف الرأسماليون ذلك وعملوا على معالجتها ودفع المجتمع نحو خطوات أكثر تقدماً وتطوراً .
مرة أخرى قاطعت تواصله الفكري في هذه الفلسفة التي يستوعبها كثيرا وحاولت تغيير الموضوع وإلا لقضيت ساعات وساعات معه في هذا الموضوع الذي لا يتعب منه إطلاقاً، وهو الموضوع الذي لا ألمُ أنا منه حتى أبجديته الأولية لذلك وجدت لي مفراً للهروب منه عن طريق السؤال عن رأيه في الأحزاب الآشورية في هذه الأيام فقلت له:
- مهلاً يا مفكرنا الكبير، تقول بأنك من مؤسسي أول حزب سياسي آشوري، طيب ما هو رأيك بخصوص أحزابنا السياسية الآشورية في هذه الأيام .
وقبل أن يجيب رفع نظارته الطبية بحركة مسرحية تعبر عن شموخ رجل مجرب ورماها على منضدته بين أوراقه المتناثرة ثم أردف وقال :
- سمعت يا "شبيرا" بأنك تكتب بعض الأحيان عن السياسة والأحزاب السياسية الآشورية وفعلاً قرأت لك مقالة منشورة في إحدى المطبوعات الآشورية وأعتقد كان بعنوان " الأحزاب السياسية تعرف بالأفعال والإنجازات لا بالأقوال والشعارات " وهذا العنوان وأن كان يكفي ليعطي جواب لسؤالك ولكن أود أن أزيد شيئاً أخر وأقول بأنه لا يمكن أن يتحقق لأمتنا أي إنجاز ما لم يكن هناك حزب أو أحزاب سياسية تتبنى فكرة هذا الإنجاز وتسعى إلى تطبيقه والحفاظ عليه. الأحزاب ليست لمجرد هدف سياسي بحد ذاته بل هي وسيلة لتحقيق أهداف فكرية وثقافية واجتماعية وتربوية واقتصادية وفنية، فمن المؤسف أن تكون أحزابنا في معظمها أحزاب سياسية وحسب ولا غير وكأنها غير معنية بواجبها الأساسي في تطوير المجتمع الآشوري من النواحي الاجتماعية والفكرية والثقافية، من هذا المنطلق ووفق هذا المعيار، أي معيار تحقيق الإنجازات، فأن أحزابنا لا وجود فعلي وحقيقي لها .
ومنعاً من استمراره في "تهجمه" على أحزابنا "المناضلة" لعل قد "تزعل" من انتقاد مفكرنا الكبير لها حاولت تحويل الموضوع إلى الجانب الايجابي له فقلت على الفور :
-    ولكن ما هو رأيك بالإنجازات التي تحققت لأبناء شعبنا في شمال بيت نهرين، إلا تعتقد بأنها لم تكن ممكنا لولا تبنيها ودعهما من قبل أحزابنا السياسية هناك خاصة مسألة تدريس لغة الأمة التي قادها حزباً رائداً وهو الحركة الديمقراطية الآشورية ودعمها بكل إمكانياته ؟؟ .
أجاب إجابة قاطعة ومؤكدة وقال :
-    طبعاً … طبعاً، فالمسألة لا يتطلبها تحليل وجهد فكري، ببساطة أقول لك، كما ذكرت لك سابقا، فأن وراء كل انجاز قومي يجب أن يكون حزب سياسي فبدون هذه الوسيلة لا تتحقق الأهداف القومية، وأود بهذا الخصوص أن أقول، رغم المرارة التي تخنقني ورغم الحسرة التي تقتلني من جراء المأساة التي عاش فيها شعبنا، أود أن أقول بأنني سعيد جداً جداً عندما سمعت وتأكد لي بأن هناك عدة آلاف من أطفال آشور يدرسون مناهجهم التعليمية بلغة الأم وهناك إذاعة وتلفزيون آشورية ومركز ثقافي ومجلات ثقافية وسياسية، وهناك في المهجر مجلات وجرائد ومحطة تلفزيونية آشورية فضائية، فمن أجل نفس هذه الأهداف التي سعيت أنا وغيري إلى تحقيقها أزهقنا أرواحنا، فألف مبروك، أحزاباً وأشخاصاً ومؤسسات، لهذه الإنجازات العظيمة التي حققوها لأبناء شعبنا في ذلك الجزء من الوطن .
-    يظهر يا "رابي بريدون" من كلمات التهنئة هذه تريد ختم لقائها ؟
-    هذا صحيح … لأنني في عجل من أمري بسبب ارتباطي بجملة مواعيد وأمل أن تتاح لنا فرصة أخرى لأشرح لأبناء شعبنا عن همومي، تلك الهموم التي تولدت لدي ليس بسبب الخسائر التي كبدتها شخصياً بما فيها روحي من أجل شعبي، فهذا هو فخر واعتزاز لي أن أكون بمصاف شهداء الأمة عند عصركم وهو الذي، كما اعتقد، حفزك إلى أن تتسلق جبال الزمان وتقطع مسافات المكان لكي تلتقي بيّ، ولكن همومي هي بسبب كوننا لم نستطيع أن نحقق الحلم الذي سعينا إليه والفشل الذي سببه لنا بعض من أبناء جلدتنا، ولكن مع هذا فأن جزء من هذا الحلم بدأ يتحقق في شمال وطننا الحبيب بفعل سواعد شبابنا الأبطال، وهذا هو الذي يخفف قليلا من همومنا ويزيد من بهجة روحنا في عالمنا السرمدي .
-    وهل من كلمة لهؤلاء الذين يعملون لتحقيق هذا الجزء من أحلامك ؟
-    نعم  وألف نعم … أقول لهؤلاء الأبطال، لا تحزنوا على شهداؤكم فهم معنا في هذه الدنيا أرواحهم مبهجة بسبب استمرار النضال على نفس الدرب الذي سقوه بدمائهم ويترقبون منكم المزيد من الإنجازات لتزداد صفحات تاريخنا القومي أكثر إشراقاً، كما وأود أن أقول لكل الجبناء والسائرون عل دروب يهوذا الإسخريوطي والملتفين حول موائد الأنظمة الاستبدادية المتحكمة في رقاب أبناء أمتنا، بأن مكانكم هو في مزبلة التاريخ ولعنة شهداؤنا وأطفالهم  ستقع عليكم أن لم تكن اليوم فغداً …
سارعت على الفور لقطع حديثه التراجيدي هذا لأنني أعرف مدى تأثره بهؤلاء الذين غدروا به وبزملاءه الشهداء فلملت أوراقي وغادرت مكتبه قبل أن ينهال بالكلام اللاذع عليّ وعلى "أومتنايي" هذا الزمان بسبب تقصيرنا الفاضح في إجلال مكانة شهداؤنا الأبرار وفي أداء واجبنا تجاه أمتنا وبالشكل المطلوب والذي قد يكون محققا لجزء آخر، ولو كان بسيطا ويسيرا، من حلم شهيدنا فريدون آتورايا ونخفف من معاناته وهمومه التي عاناها في العالمين الزائل والسرمدي، فلم أجد نفس إلا وأنا أودعه هارباً من مكتبه راكباً مركبتي الزمنية وطائراً عبر فضاء الزمن عائداً إلى عالمنا في عصر هذا اليوم لأعيش همومه المثقلة بهموم شهيدنا الخالد فريدون أتوريا.

299
المضامين القومية
في الرسالة الرعوية لقداسة البطريرك مار دنخا الرابع
أبرم شبيرا
حضرت قداس منتصف ليلة عيد الميلاد المجيد في كنيسة القديسة مريم لكنيسة المشرق الآشورية في لندن كما حضرت قداس نهار يوم عيد الميلاد المجيد للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في نفس المدينة المثلجة والضبابية. طبعاً من حق القارئ اللبيب أن يتساءل وبنوع من الإستغراب عن مدى قوة إيماني المسيحي من خلال حضوري لقداسين وتناول القربان المقدس في كنيستين وفي أقل من 24 ساعة ولكن لكي أزيد من هذا الإستغراب أقول لو كانت الفرصة متاحة لي لكنت قد حضرت أيضا قداس الكنيسة السريانية بشقيها الأرثوذكسي والكاثوليكي وكذلك قداس الكنيسة الشرقية القديمة ولكن يظهر بأنني لم أكون محظوظاً بذلك القدر لكي يوفر الزمن فرصة أخرى لي حتى احضر هذه القداديس رغم وجود رعية وكاهن وكنيسة في لندن لهذه الطوائف. ولكي أزيح أو أخفف من حدة الإستغراب في هذا التساؤل أقول بأنني كمسيحي منتمي إلى كنيسة المشرق فإن إيماني لا يتجاوز الأساس من الإيمان المسيحي المفروض على كل إنسان علماني مثلي. ولكن حضوري للقداسين الآشوري والكلداني نابع بالأساس من صلتي بكلا الكنيستين وبمعرفتي بكهنتهما وشمامستهما ولجانهما الإدارية ورعيتهما وبأصدقائي الذين أجد في حضوري للقداس الرباني فرصة للقاء بهم خاصة الذين طال غيابي عنهم. هذا من الناحية الشخصية، أما من الناحية الفكرية والقومية فإن حضوري لأي من فروع كنيسة المشرق ينطلق من إيماني المبدئي المطلق بأن كل هذه التشرذمات في كنيسة المشرق تشكل وعبر مراحل تاريخية طويلة الجانب المهم والأساسي لكيونية ووجود أمتنا مهما كان تأثيرها سواء أكان بشكل سلبي أم إيجابي على الأمة وإستمرار وجودها أو في تفتيت وحدتها فهي تبقي، أي الكنيسة وتطورها، الحقيقة التاريخية للأمة ولايمكن نكرانها أو نسيانها لمن يرغب دراسة تاريخ الأمة من جوانه المختلفة.

هذا من جانب، ولكن يبقى الجانب الأهم في حضوري لأي فرع من فروع كنيسة المشرق هو المعايشة الواقعية ومعرفة واقع الحال لكل منهما من خلال الممارسة والطقوس والكهنة والرعية لكي يتسنى لنا معرفة الحقيقة التاريخية والواقعية لكل منهما والفروقات خاصة التراثية والإجتماعية وليس اللاهوتية والكنسية فحسب. لنأخذ الفرعين الكلداني والآشوري من كنيسة المشرق فنرى بأن الكنيسة الآشورية تتميز بالأصالة والعراقة والتقليد الموروث مما يجعلها في وضع قوي قادر على مقاومة المعاصرة والتحديث خاصة المؤثر على أصالتها لذا نرى بأنها تأخذ كل مسألة متعلقة بالتحديث والعصرنة بنوع من الحذر الشديد والتأني ويصل في بعض الأحيان إلى الشك والريبة خاصة عندما يحضر التاريخ الأسود للمبشرين في تمزيق كنيسة المشرق أمام الحاضر. هذا هو سبب كبير من أسباب عديدة مكن كنيسة المشرق الآشورية من الحفاظ على كيانها لقرون طويلة. أما الكنيسة الكلدانية فهي تتصف بالمعاصرة والتحديث والإنفتاح العالمي خاصة من خلال الكثلكة والإبتعاد عن الأصالة والعراقة والتقليد الموروث والإقتراب من الطقس اللاتيني المعاصر أو الكاثوليكي فأصبحت في وضع جعلها تقاوم أو ترفض أو تتردد في الرجوع إلى التراث والتقليد أو أعادة الذات التاريخية إلى وضعها المعاصر خاصة عندما يكون هناك تأثيراً خارجياً كالكاثوليكية على الكنائس القومية.

هذه  المقارنة المبسطة والمختصرة، والتي تم التفصيل عنها في كتابنا القادم والمعنون (الفصل بين الكنيسة والسياسة في المجتمع الآشوري)، تفيدنا كثيرا نحن العلمانيين المنادين بالقومية في معرفة موقف كل فرع من فرعي كنيسة المشرق من المسألة القومية. نحن كأمة لا دولتية (من الدولة) أفتقرنا منذ أقدم الأزمان ولحد هذا اليوم إلى المؤسسة الرئيسية التي تؤطر أبناء الأمة سياسياً وقانونياً وتصبح مرجعاً للإنتماء وتحديد هوية الفرد. فعوضاً عن ذلك أصبحت الكنيسة المؤسسة الرئيسية والوحيدة المتاحة في تحديد إنتماء الفرد والتي من خلالها كانت تمر هويته القومية والتراثية والثقافية خاصة في حقبة الدولة الإسلامية حيث كان الدين المرجع الأساسي والرسمي في تحديد إنتماء الفرد وهويته العامة الشاملة. هذا الظرف خلق علاقة جدلية عضوية بين الدين/الكنيسة والقومية/الشعب، علاقة غير قابلة للإنفصال لدرجة لم يكن بالإمكان تصور وجود أحدهما دون الآخر. هذه العلاقة الجدلية العضوية بين الدين أو الكنيسة والقومية أو الشعب أنتقلت كتقليد موروث إلى كنيسة المشرق الآشورية وهي العلاقة التي جعلت من رأس الكنيسة (البطريرك) زعيم الأمة وممثلها.

بعد هذه البدهية، أعود مرة أخرى إلى موضوع حضوري لقداس ليلة عيد الميلاد المجيد لكنيسة المشرق الآشورية في لندن. لا يخفى على أحد بأن التقليد الموروث في هذه الكنيسة يحمل في بعض جوانبه مظاهر لم تعد تتماشى مع هذا العصر كطول فترة القداس وإستمرارية الوقوف لفترات طويلة خاصة في كنيسة القديسة مريم في لندن حيث صغرالكنيسة وتزاحم الناس في أيام الأعياد والمناسبات تجعل الأجواء غير مناسبة للمصلين لإستيعاب كل القداس ومضامينه اللاهويته لذلك يصاب البعض بالملل والنعاس، خاصة ونحن في وقت تجاوز منتصف الليل، وكنت أنا شخصياً قد أقتربت من هذه الحالة غير أن بمجرد أن بدأ كاهن الكنيسة بقراءة الرسالة الرعوية لقداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة حتى دب النشاط والحيوية في كياني وعقلي وصحيت من حالتي السابقة وأصبحت آذانا صاغية بشغف ولهف لما تضمنته الرسالة من عبر ومعاني كثيرة تعكس بكل وضوح وصدق وضع شعبنا الحالي وتؤكد ما ذهبت إليه في ما سبق ذكره في العلاقة العضوية بين الكنيسة والقومية. هذه الرسالة الرعوية ليس الغرض منها الإشارة إليها هنا لغرض عرضها كاملاً، فمن يريد الإطلاع عليها منشورة في موقع عنكاوه كوم باللغة الآشورية الحديثة والتي يستوجب ترجمتها إلى العربية لتتوسع فائدتها لمن لا يجيد لغة الأم، بل أريد أن أركزعلى بعض النقاط المهمة التي تخصنا نحن المدعين بالقومية. الأولى، أن الرسالة وزعت على جميع الكنائس الآشورية في العالم وقرأت على الرعية في ليلة ويوم عيد الميلاد المجيد فجاءت تهئنة رأس الكنيسة وتمنياته بالعيد ورأس السنة الجديدة إلى كافة أبناء الرعية في العالم مما يترك مثل هذه الأسلوب إنطباعاً إيجابياً لدى معظمهم وبأوسع فائدتها لتؤكد إهتمام قداسته بأبناء رعيته وقربه منهم ومعايشته لأفراحهم وأتراحهم. أما النقطة الثانية المهمة فهي جاءت عندما أكد قداسته على إنتمائه الآشوري ولكن وبنفس القوة من التأكيد شدد على كون أبناء الكنيسة الكلدانية والسريانية والآشورية أبناء أمة واحدة تربطهم روابط الدم واللغة والثقافة والتاريخ وعلى ضرورة إقامة المحبة والتعاون بينهم كسبيل لإستمرار تواجدهم كامة واحدة قائمة في هذا الزمان. والنقطة الأخير المهمة التي أود الإشارة إليها من هذه الرسالة الرعوية هي قدرة قداسته على الفهم والإدراك لحقيقة وواقع الكنيسة وموقفها من السياسة وبالأخص السياسة القومية والأحزاب السياسية والمنظمات القومية. ففي منتصف التسعينيات من القرن الماضي كنت قد كتبت مقالاً عن كلمة قداسته كان قد ألقاها في النادي الآشوري في لندن حيث ذكر في حينها بأن الزمن الماضي، زمن هيكاري الذي كان البطريرك يقود الأمة وجيوشها ويترأس المفاوضات السياسية ويشارك المطارنة والأساقة في الحروب قد مضى ولا يمكن الرجوع إليه  فنحن في زمن آخر يختلف كلياً عنه تحكمه قوانين الدول التي نعيش فيها وعلينا ان نطيعها. هذا الموقف مؤكد مرة أخرى في هذه الرسالة الرعوية عندما ذكر بأن الكنيسة لا تتدخل إطلاقا في المسائل السياسية فهناك أحزاب سياسية ومنظمات قومية هي المعنية بهذه المسائل أما قداسته كآشوري يهمه جداً مسألة نجاح هذه الأحزاب والمنظمات في تحقيق أهدافها لأن نجاحهم هو فائدة للأمة وإخفاقهم خسارة لها فدوره كبطريرك يقتصر على الصلاة والدعاء لهم للنجاح في مهمتهم وتحقيق الصالح العام ولم ينسى قداسته أيضاً في الإشارة إلى ضرورة التتفاهم بين هذه الأحزاب والمنظمات كسبيل لتحقيق النجاح.

أكتفي بهذا القدر من الإشارة لهذه الرسالة الرعوية لأني متأكد كامل التأكيد بأن هذا القدر الضئيل من الإشارة لهذه الرسالة التي أحتوت على عدة صفحات تكفي لأثارة غضب وهيجان بعض "أصدقائي" القومانيين الذين يستمدون قومانيتهم من التهجم على الكنيسة والتعرض الشخصي لرجالها من دون أساس علمي قائم على النقد البناء المقبول والمفيد، بذلك ستزداد تهمهم لي بالتودد لقداسة البطريرك مار دنخا الرابع ومحاباته مع العلم بأن هم يعرفون مثلما أنا أعرف بأنه ليس لي صلة قرابة عشائرية ولا عائلية مع قداسته كما لست من المؤمنين الذين يشار إليه بالبنان ولست أيضاً من المواظبين على الحضور للكنيسة أوالمشاركة في لجانها الإدارية لكي ألجاْ إلى هذا الأسلوب. ولعل أهم سؤال سيثار من قبل هؤلاء هو أن كلام قداسته ليس بجديد فقد سبق وأن ذكر بعدم تدخل الكنيسة ورجالها في السياسة ولكن على العكس من هذا فهناك مناسبات تدخلت الكنيسة وبعض المطارنة لصالح هذا الحزب أم تلك المنظمة القومية فالقول شيء والفعل شيء آخر. إن الإجابة على مثل هذا التساؤل يجب أن ينظر إليه من جانبين: الأول: إن مثل هذا القول صدر من أعلى سلطة دينية والتي يمثلها البطريرك فبهذا فهي مسؤولية عامة يتحملها قداسته ومما لاشك فيه إن مثل هذا القول في عدم التدخل في السياسة والدعوة إلى الوحدة والأخوة بين جميع طوائف شعبنا هو موجه لعامة الناس وبأوسع مساحة وبالتالي فإن التأثير في أفكار ومعنويات عامة الناس سيكون له تاثيراً فاعلاً خاصة وهو كلام صادر من سلطة روحية يؤمن الناس بها وتحديداً في المرحلة الحرجة التي تمر بها أمتنا والتي تحتاج إلى رفع معنويات أبناءها أكثر من حاجتهم إلى شيء آخر. والثاني: إذا كان الفصل بين الكنيسة والسياسة ممكنا فأن مثل هذا الفصل غير ممكن بين الكنيسة والمسائل القومية خاصة في هذا الزمن الذي لازالت الكنيسة المؤسسة الرئيسية المؤثر في المجتمع. فهناك مسائل قومية تعتبر من مسؤوليات الكنيسة سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. فعندما ترتقي مؤسساتنا القومية إلى مستوى المؤسسة الرئيسية وتتولى مسؤوليات قومية حينذاك سواء رضينا أم أبينا فأن الكنيسة سوف تنسحب من الساحة القومية وتترك الأمور للمؤسسات المدنية الفاعلة والقادرة على تولي مثل هذه مسؤوليات قومية. إذن فالأمر ليس بيد شخص ما لكي يفصل بين الكنيسة والمسائل القومية بل مثل هذا الفصل يحكمه ظروف موضوعية قومية يسودها وعي قومي ناضج. كما يجب أن لا ننسى في عدم الخلط بين السياسة والمسائل القومية وإن كان هناك علاقة قوية بينهما إلا إن التمييز بين الإثنين واجب لفهم الحقائق. لذلك لايمكن أن نمنع رجل ديني يلتزم بقوميته ويدافع عنها من إبداء الرأي فيها وبالشكل الذي يخدم إيمانه بهذه المسألة القومية أو بتلك.

  فلو أمعنا النظر ولو بشكل سطحي إلى ما ورد في الرسالة الرعوية لقداسة البطريرك مار دنخا الرابع لأدركنا على الفور أهميتها الكبيرة لنا نحن الذين ندعي بالقومية. فأنا كأنسان موضوعي أومن بقوميتي وبكل جوانبها المادية والروحية تفرض الحقيقة التي تخدم أمتي أن تكشف وتبين وتدرس وتحلل سواء صدرت من رجل كنيسة أم من علماني وسواء أتفقنا مع هذا الشخص أم لا. والحقيقة الموضوعية تظهر أكثر وضوحاً من خلال المقارنة مع غيرها من الوقائع والمناسبات. ولأجل أن أبين هذه الحقيقة فأنني مضطر إلى إجراء مقارنة مع الغير.

كما سبق وذكرت، ففي يوم عيد الميلاد المجيد حضرت قداس الكنيسة الكلدانية في لندن حيث الأجواء أكثر راحة وأقل إزدحاماً وأكبر مساحة وأطول جلوساً وأقصر وقتاً حيث تكون الظروف أكثر مناسبة للإستماع إلى القداس الذي لا يختلف كثير عن القداس الآشوري. غير أن كل هذه الأجواء لم تكن تهمني كثيراً بقدر ما كان إهتمامي الشديد منصباً إلى الإستماع إلى وعظة كاهن الرعية ومن ثم ربما تكون هنا رسالة رعوية سيقرأها الكاهن مبعوثة من قداسة الكردينال مار عمانؤئيل الثاني دلي بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية إلى أبناء رعيته في العالم وبالتالي إستشفاف منها بعض العبر التي تعكس واقع المجتمع، لنكن أكثر تحديداً وحصراً ونقول واقع الكلدان، باعتبار قداسته بطريركاً للكدان، وترشدنا نحو الأحسن. غير أن الإستغراب كان كبيراً عندما لم تقراً أية رسالة رعوية من قداسته يبارك، على الأقل، رعيته ويبعث تمنياته بهذين المناسبتين. ليس من المعقول أن لا تكون مثل هذه الرسالة موجودة ومبعوثة للرعية فربما قد يكون هناك خطأ ما أو تقصيراً ؟؟؟؟ هذا الشك قادني لكي أذهب لأجول في المواقع الألكترونية بحثاً عن مثل هذه الرسالة غير أن من نتيجة بحثي لم أعثر إلا على مكالمة هاتفية قصيرة أجراها موقع عنكاوه كوم مع قداسته في يوم عيد الميلاد وتصريح لوكالة (آكي) الإيطالية وسطور كلا المكالمة والتصريح لم يخرجا عن الحدود الروتينية في التمنيات والتبريكات وعلى نوع من الدعوات المثالية والمجاملات الرسمية التي لم تعد تنفع أو تسمع من قبل الذين يفجرون كنائسنا في العراق ويغتالون الكهنة وأبناء شعبنا على أساس الإنتماء الديني. إننا نعيش في أحلك الظروف وأقساها ولم يعد مثل هذه المجاملات نفعاً ولا التقوقع والإنعزال فالتحديات التي نواجها اليوم ستقضي علينا واحداً واحداً مالم نزرع قليلاً من الأمل في قلوبنا من خلال توحيد صفوف جميع طوائف أمتنا وهي المهمة التي يمكن لرؤساء الكنائس التهيئة والتمهيد لها. فمن المؤسف حقاً أن زعيماً روحياً وإجتماعياً أيضا مثل قداسة البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلي أن يتجاهل موضوع كون جميع طوائف كنيسة المشرق أبناء أمة واحد ويبادر إلى زرع المحبة والتعاون والتوحد بين جميعهم، لا بل والأنكى من هذا تأتي دعوات الكلدان الإنعزالية والمطالبة بحقوق خاصة بهم وتضمينها في دستور العراق، كما أقر في المجمع الكلداني السينودي الذي أنعقد في العام الماضي في عنكاوة لتزيد من سعة الفرقة والتشتت بين أبناء شعبنا. ألم يكن الأجدر بقداسته وهو أعلى مقاماً دينياً مسيحياً في العراق أن يبعث دعوات نحو الوحدة والمحبة والآلفة بين الكلدان والسريان والآشوريين وينال بذلك تقديرنا الكبير لقداسته ونطبع القبلات على أياديه ونمجد دعواته وأفكاره في كل مكان. ومن باب المقارنة أيضا للرسالة الرعوية لقداسة البطريرك مار دنخا الرابع أشير إلى الرسالة الرعوية لقداسة مار دي الثاني بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة الموجه إلى رعيته وأيضا إلى كلمة قداسة إغناطوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الإنطاكي بمناسبة هذين العيدين والمنشورة في موقع عنكاو كوم وأترك للقراء، خاصة المعنيين بالشؤون القومية والسياسية، إلى إجراء المقارنة وإستنتاج العبر منهما فيما إذا كانت فعلاً هناك عبر تفيد واقع الأمة في هذا الزمن الغادر.

وأخيراً لم يبقى إلا إن أبين تمنياتي للمجمع السينودي لكنيسة المشرق الآشورية الذي سينعقد في الهند في منتصف هذا الشهر بأن يؤكد رسمياً مرة أخرى كون جميع أبناء الكنائس الكلدانية والسريانية، بشقيها الأرثوذكسي والكاثوليك، والآشورية أخوة وأبناء أمة واحدة وأن يدعو إلى المحبة والألفة والتعاون بينهم كما أتمنى من المجلس السينودي المشترك بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة الذي من المؤمل أن ينعقد في العراق عشية عيد القيامة في بداية شهر نيسان أن يؤكد نفس الموضوع لا بل تمنياتي أكثر بكثير للكنيسة الكلدانية ألتي تمتلك كل المقومات الفاعلة والمؤثرة، فيما إذا كرست لصالح جميع أبناء الأمة من دون تمييز طائفي، لكي تؤكد وحدة الدم والثقافة واللغة والتاريخ التي تربط الكلدان بالآشوريين والسريان والتي تجعلهم أمة واحدة حين ذاك يسهل المطالبة بالحقوق القومية للجميع ويقبلها الغير وبالتالي يسهل تطبيقها بهذا سيكون الجميع رابحاً من دون خاسر أي طرف أو أزاحة طرف لآخر أو محاولة السمكة الصغيرة لأكل السمكة الكبيرة كما يروجه بعض الفاشلين من أبناء الأمة والمتصيدين مفي المياة الطائفية النتنة.

300
حزب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري

                                                                                             أبرم شبيرا
توضيح:
قبل كل شئ الضرورة والإلتزام الأدبي يفرضان علينا أن نؤكد بأن هذا الموضوع ليساً طعناً أو تهجماً على المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ولا مدحاً به وليس ضمن نفس السياق والمغزى الذي ساد منهج الكثير من الكتاب سواء في النقد التهجمي على المجلس أو الإفراط في مدحه من دون بناء ذلك على أسس علمية مقبولة للكتابة الموضوعية المنطقية والتي سادت الكثير منها في مواقعنا الألكترونية خاصة بعد خروج مجموعات كلدانية من "مظلة" المجلس وفوزه بثلاثة مقاعد من الكوتة المخصصة لشعبنا في برلمان إقليم كردستان. من هنا أؤكد القول بأن بيان بعض سلبيات المجلس وبشكلها الصريح لا يقصد بها إلا نقداً موضوعياً وبناءاً قد ينظر فيها من يتولى مسؤوليته لربما تكون مفيدة في معالجة بعض عيوبه ونواقصه. والحال نفسه لايختلف عند بيان بعض الجوانب الإيجابية للمجلس فالقصد منها ليس التملق والإطراء الأعمى بل على تثبيتها وترسيخا وأخذها كمسلمات للإنطلاق نحو مستقبل إيجابي أكثر.

من هنا أقول للقارئ العزيز والمعنيين بالشأن القومي بأن هذا الموضوع لم يكتب من منطلقات حزبية أو تحيزا لجهة ضد جهة أخرى بل أنها معالجة موضوعية لواقع موضوعي أصبح ظاهرة وحقيقة واقعية سواء رضينا به أم لا وأصبح فاعلاً على الساحة السياسية لأمتنا وبالتحديد في إقليم كردستان العراق ولا ينكر بأنه أصبح منافساً قوياً للعديد من الأحزاب السياسية الكلدانية السريانية الآشورية وحتى العتيدة منها كالحركة الديمقراطية الآشورية، لا بل ويفوز على أحزاب أخرى التي تأسست منذ زمن طويل كالحزب الوطني الآشوري وحليفه في الإنتخابات منظمة كلدو آشور التابعة للحزب الشيوعي العراقي وحزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني وحلفاؤه. لذا هذا الواقع  يدعونا إلى أن نتناول هذا المجلس بنوع من الموضوعية بعيداً عن الحزبية وضيق الأفق وبعيدا أكثر عن المجاملة والمديح.

ولادة حزب جديد:
ضمن نفس السياق الذي أوردته أعلاه، أقول بأنني لا أدري هل أهنئ شعبنا بميلاد حزب جديد، وهو حزب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري, سيشار إليه فيما بـ "حزب المجلس" أو أن أعزيه على هذا التكاثر الأميبي لأحزابنا السياسية وتحديدا الجديدة المولد والتي لم نرى منهم سوى "القيل والقال" والكلام الفارغ وهم غير قادرون على توفير الإيجار الشهري للسكن الذي أتخذ مقراً لهم فيما إذا كان فعلاً لهم مقراً لحزبهم. منذ فترة طويلة قلنا ونستمر في القول بأن حزباً واحداً مهما كانت قوته لا يمكن أن يعبر عن مصالح الأمة كلها. فالمنطق والضرورة والواقع والتجارب كلها تثبت إثباتاً قاطعاً بأنه بدون وجود أحزاب سياسية متعددة ومتنافسة لايمكن أن تتحق الديموقراطية والتي من خلالها يمكن الوصول إلى العتبة التي ينطلق منها مسار تحقيق مصالح الأمة. فالأمة التي لا توجد فيها أحزاب سياسية فاعلة ونشطة ستكون إرادتها السياسية القومية مرهونة بإرادة الأمم الأخرى. ولكن ليس المقصود هنا بتعدد الأحزاب كثرتها وبشكل لا يتناسب مع حجم الأمة وعدد أفرادها وسعة طموحاتهم القومية السياسية. فالمقصود بالأحزاب الفاعلة والنشطة هو أن تتواجد على أرض الواقع لا على الأوراق وأن تعمل وبشكل يومي ودائم وليس تسطير بعض السطور على المواقع الألكترونية أو الظهور في وقت الإنتخابات فقط ومن ثم بإنتهاء الإنتخابات تختفي عن الإنظار والأسماع. فالذي لا يستطيع أن يصدر صحيفة أو نشرة ولو بصفحتين أو ينشر بياناً أن لم نقل يملك قناة تلفزيونية أو موقعاً ألكترونياً فهذا لايمكن أن يسمى حزباً بالمفهوم السياسي العلمي ولا يمكن أن يكون فاعلاً. فكم من المجموعات التي تدعي بأنها أحزاباً وتملك مثل هذه المقومات لكي تشرعن حالها ونسمح لأنفسها أن نسميها أحزابا؟ لاشك فيه بأن هناك مجموعات تطلق على نفسها حزباً أو تمثل أو تمارس دور الأحزاب السياسية لكن في الحقيقة والواقع ليست كذلك وهناك أيضاً مجموعات أخرى لا تدعي بأنها أحزاب سياسية ولكن في الحقيقة والواقع نرى بأنها تمارس عملاً سياسياً حزبياً وبالتالي تكتسب صفة الحزب السياسي ومن هذه المجموعات نذكر حصراً مجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، موضوع بحثنا. فمشاركة هذا المجلس وبقائمة منفردة وفوزه في الإنتخابات يؤكد ولادته الحزبية وأستطيع أن أضيفه إلى قائمة الأحزاب السياسية السائدة في مجتمعنا.

المجلس الشعبي ومقومات الحزب السياسي:
يحق لنا أن نطلق على هذا المجلس بالحزب والأسباب التي تجيز لنا نعته بهذه الصفة تقوم على المقومات التي يمكلها والمطابقة لأي حزب سياسي بالمعنى العلمي. فأي مجموعة بشرية لها (1) أفكار أو مبادئ، أي الأيديولوجيا، و(2) مجموعة أفراد مؤمنة بهذه الأفكار، أي العضوية، و(3) التنظيم أو النظام الداخلي أو القانون الإساسي، أي الهيكلية و(4) وهو الأهم، السعي للوصول إلى السلطة أو مراكز من السلطة لغرض تحقيق الأهداف وتطبيق الإفكار والايديولوجيا. فمن الواضح بأن الكثير من التنظيمات البشرية، كالنقابات وجمعيات حقوق الإنسان والإتحادات الثقافية والعلمية وغيرها، لها المقومات الثلاثة الأولى ولكن لا ينطبق عليها صفة الحزب السياسي لأنها لا تسعى نحو الوصول إلى السلطة لتحقيق أهدافها بل تحاول سواء عن طريق الأحزاب التي تنتمي إليها أو عن طريق التأثير على الأحزاب السياسية الفاعلة أو على الحكومة أو على أعضاء البرلمان لتحقيق أهدافها، وهي المنظمات التي تعرف بـ (الجماعات الضاغطة) أو (جماعات اللوبي) والتي يكثر منها في المجتمعات الديمقراطية التي وصلت إلى أرقى أشكال التنظيم السياسي. فمن خلال تميزها الواضح بين الأحزاب السياسية والجماعات الضاغطة ودور كل منهما في العملية السياسية وصلت هذه المجتمعات إلى هذا المستوى الراقي من النظام السياسي.

وعلى هذا الأساس نؤكد القول بأن المجلس هو حزب سياسي طالما له عضوية لمجموعة بشرية وأفكار ومبادئ وتنظيم أو نظام داخلي أي هيكلية و.. و .. وسعيه للوصول إلى السلطة، لابل فوز مرشحيه بمقاعد في السلطة التشريعية ولربما غدا سيحصل أحد مرشحيه أو أكثر على حقائب وزارية. والحال لا يختلف كثيراً بالنسبة للكيانات الأصغر من المجلس، فعلى الرغم من إنها لا تدعي بأنها أحزاب سياسية وربما ليس في نظامها الداخلي ولا في أفكارها أو مبادءها أية أفكار قومية سياسية ولا كان في نوايا مؤسسيها مثل هذه الأفكار السياسية القومية إلا إنها تصرفت كحزب سياسي عندما سعت إلى الوصول إلى السلطة عن طريق إقحام نفسها في العملية الإنتخابية بشكل مباشر ومستقل. هكذا "ضيعوا المشيتين" ولم يعد أن يعرفوا فيما إذا كانوا أندية إجتماعية أو كيانات ثقافية او أخويات كنسية أم أحزاب سياسية وبالتالي خرجوا من الإنتخابات صفر اليدين. حال المجلس التناقضية لا يختلف عن هؤلاء لا بل يعكس صورة أكثر تناقضاً. فهو الذي كان من المفترض أن يكون "مظلة" للعدد الأكبر من التنظيمات المختلفة والأحزاب السياسية لشعبنا نرى بأنه تحول فعلاً إلى حزب سياسي بكل معنى الكلمة وحقق "إنجازات" على أرض الواقع وخلال فترة عمره القصير الذي لا يزيد عن سنتين ونيف وتصرف بشكل مستقل في عملية سياسية "إنتخابات برلمان إقليم كردستان" عن الأعضاء الذين كانوا تحت "مظلته" وتركوه وفضلوا هطول الأمطار على رؤوسهم على حماية "المظلة" لهم وبالتالي وضعوا أنفسهم في موقف محرج لا يعرفون كيفية الخروج منه غير أن يكثروا من تبريرات إنخراطهم في السياسة وفشلهم في الحصول إن لم نقل على "كرسي" في البرلمان الكردستاني بل على أصوات معقولة من أبناء شعبنا تعزز مكانتهم في المجتمع، مكان يتناسب مع أصواتهم العالية ومطالبهم المعلنة. لا أريد الإطالة في هذه الكيانات لأن نتائج الإنتخابات الكردستانية كشفت الحقيقة ولم يبقى سوى أن يتعض أصحاب هذه الكيانات منها وأن يستفيدوا من دروسها وأن لا يكثروا التبريرات غير المعقولة والتي ربما هم في قرار أنفسهم غير مقبولة، ولكن أريد الاستفاضة في حزب المجلس الفتي من حيث مولده وكيفية تحقيق "الإنجازات" على أرض الواقع أكثر مما يستطيع أي حزب عتيد من تحقيقها.

حزب المجلس و"الإنجازات التاريخية":
يصف الكثير إنجازات المجلس التي حققها على أرض الواقع خاصة إعادة بناء وتعمير قرى أبناء شعبنا في إقليم كردستان العراق بـ "التاريخية"، سواء من أعضاءه أو المتعاطفين معه أو من الذين إستفادوا من "كرمه" أو كرم عراب الملجس السيد سركيس أغاجان. ونحن لضروريات البحث الموضوعي، نقتبس مجازاً هذه الصفة "التاريخية" منهم لمعرفة جوهر هذه الإنجازت التي أكتسب صفتها التاريخية من خلال كونها لأول مرة تحدث في مجتمعنا. وهنا أود التركيز على "إنجاز" له مدلولات سياسية قومية وهو مؤتمر عنكاوة التي تمخض عنه تأسيس المجلس وتفرغ الكوادر للعمل فيه وبالتالي تحقيق الإنجازات الظاهرة للعيان.

للحقيقة التاريخية نقول بأنه من حيث الشكل والنظرية يعتبر مؤتمر عنكاوه الذي أنعقد قبل سنتين ونيف في بلدة عنكاوه حدثاً تاريخياً في تاريخ الكلدان السريان الآشوريين. فلأول مرة يمكن جمع مايقارب 1200 شخص في إجتماع كبير صرف له أموال طائلة وكرست له إمكانيات كبيرة لإيواء وإدارة المدعوين لهذا المؤتمر من داخل الوطن وخارجه. في كثير من الجلسات مع الأصدقاء والذي يكون موضوع الوحدة القومية لأحزابنا السياسية أو الإتحاد بينهم، تحدث نقاشات طويلة ومعظمها غير مثمرة وكثيرا ما أختم حديثي معهم بالجزم في صعوبة ربما إستحالة مثل هذه الوحدة. ولسهول الفهم كنت أطرح لهم المثال التالي: لو دعيت جميع الأحزاب والمنظمات القومية لشعبنا لعقد مؤتمر في الوطن أو في أي بلد من بلدان المهجر لمناقشة إمكانية وحدة الخطاب السياسي والإتفاق على الحد الأدني في مصلحة الأمة أوتحقيق الوحدة أو الإتحاد، طبعاً هذه أفكار نبيلة أعتقد الكل يتفق معي بأن جميع الأحزاب والمنظمات القومية تدعوا إليها وسوف تلبي الدعوة من حيث المبداً والإندفاع المحموم ولكن عندما يطرح موضوع من يتحمل مصاريف تذاكر السفر والإقامة و"خرجيات" الجيب تبدأ الأمور تأخذ منحناً جدياً ومصيرياً في تقرير الحضور للمؤتمر من عدمه فتزيح هذه المصاريف الأفكار النبيلة القومية جانباً ولم يعد لها أهمية في حضور مثل هذا المؤتمر. فإذا كان صاحب الدعوة يتحمل كافة المصاريف أو معظمها سنرى بأن معظم الأحزاب والمنظمات القومية المدعوة، إن لم نبالغ ونقول جميعها، تهرع لحضور المؤتمر ما لم يكن هناك مانع أمني كعدم الحصول على فيزا وما شاكل ذلك أو الخوف من السفر إلى بلدان غير آمنه، عراق مثلاً أو إيران، ولكن إذا كان المدعوهو الذي سيتحمل هذه المصاريف فأحزروا كم من الأحزاب السياسية والمنظمات القومية سوف تحضر؟؟؟. هذه ليست حزورة ولكن الحقيقة هي أنه إذا كان التشاؤم يسيطر كلياً علينا نقول لا أحد وفي أحسن الأحوال نقول بأنه من بين العدد الكبير لهذه الأحزاب والمنظمات المدعوة لا يحضرها إلا عدد قليل جداً. وإذا كنا متفائلين بحضور هذا العدد القليل جداً وبحثنا في مسألة تمويل الوفد الحاضر سنرى بأن العامل الحاسم في تقرير حضور هذا العدد لهذا المؤتمر كان المال ومدى توفره أو الحصول عليه.

في الماضي وقبل مائة سنة تقريباً قال لينين: "قل لي من يمولك سأقول من أنت" هذه المقولة التي قالها تعبر عن الملامح العبقرية للينين في فهمه لعالم السياسة واللاعبين السياسين الحقيقيين فيه. فإذا كان التمويل يأتي إليك من جهة (أ) فأنت بكل بساطة تمثل جهة (أ) أو شكل من أشكاله أو أداة من أدواته. هذه حقيقة ثابتة ومعروفة في عالم السياسة أن لم تكن في حياتنا الإعتيادية. من المؤسف أن أذكر بأنه نحن أبناء هذه الأمة "الفقيرة" نخجل من التطرق للأمور المالية ودورها في المسألة القومية وتنظيماتنا القومية والسياسية. فعندما نعجز عن توفير تذكر سفر أو مصاريف إقامة أو حتى أخذ بضعة أيام إجازة من العمل والسفر لحضور مؤتمر قومي (بالمناسبة معظم مؤتمراتنا تنعقد في عطلة نهاية الأسبوع) نبرر غيابنا عن هذا المؤتمر بحجج مزعومة ونستحي أن نقول بأننا لم نستطيع توفير المصاريف اللازمة لحضور مثل هذا المؤتمر. كنا في السابق نرى في بعض من أبناء شعبنا من إيران وأقصد القوميين منهم والمهتمين بالشؤون القومية حالة شاذة ومادة دسمة للنكتة والنقد السمج عندما كان هؤلاء يدعون لحضور مؤتمر سواء أكان سياسي قومي أم ثقافي لغوي وأول سؤال كانوا يسألونه قبل تلبية الدعوة أو رفضها هو "من سيدفع تكاليف السفر والإقامة"؟؟ واليوم مثل هذه الحالة مسألة طبيعية فيما إذا كنا فعلاً نرغب في العمل السياسي المستديم والناجح.

فوفق هذه البديهية المنطقية يفرض السؤال نفسه وبقوة ليقول من مول مؤتمر عنكاوة ووفر كل الإمكانيات المالية والإدارية والتنظيمية لكي ينجح وينجب مجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ويستمر هذا الإخير في مسيرته الإنجازية وينافس أعتى الأحزاب والمنظمات القومية في مجتمعنا لا بل ويصبح في طليعتهم فيعيد بناء القرى وينشأ محطة تلفزيون فضائية تعتبر بالمقايس التقنية من أرقى المحطات ليس على المستوي القومي لمجتمعنا بل على المستوى العراقي أيضا ونحن نعرف جيداً بأن الحاضرين لمؤتمر عنكاوة والمتولين على أمر هذا المجلس الشعبي هم ليسوا من أصحاب الملايين لا بل أغلبهم كانوا مستجدين في العمل السياسي والقومي أو من المتقاعدين من الأحزاب الأخرى إن لم نقل من المناهضين للعمل القومي أو المستهزئين منه في السنوات التي سبقت تأسيس المجلس. أتذكر بهذا الصدد بأن الحركة الديمقراطية الآشورية تحفظت ولم تحضر مؤتمر عنكاوة وأسباب تحفضها كانت قد أستندت على ضرورة معرفة الجهة الممولة للمؤتمر ومدى إستقلالية قراراته. لا لوم على زوعا أن يثير مثل هذه التساؤلات وهو صاحب تجربة سياسية غنية لكي يعرف طبيعة المؤتمر الذي كان مزمعاً عقده في عنكاوة ومع من يجلس ويتعامل في مسألة قومية حساسة تتعلق بوحدة الأمة وتنظيماتها المختلفة، والحال لا يختلف كثيراً عن الأحزاب السياسية الأخرى التي ترددت كثيرا وتأخرت لحين إنضمامها إلى المجلس.

يقول البعض بأن الأموال تمطر على المجلس من جهات خارجية ملتزمة بالحفاظ على المكونات القومية المختلفة في العراق والآخر يقول بأن هذه الأموال أرسلها مستر بول بريمر وبملايين الدولارات "كاش" في صناديق إلى الحكومة الإقليمية الكردستانية لتخصيصها للشعب الكلداني السرياني الآشوري وهي حلال عليه. وجهات أخرى تقول بأنها من "كرم" الحكومة الكردية على "المسيحيين" والتخصيصات الخاصة لهم. ولكن مهما كان مصدر هذه الملايين ورغم الإختلاف أو تنوع مصدرها إلا إن الحقيقة الناصعة هي أنها تأتي عن طريق الحكومة الكردية وتحديداً عن طريق الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبر قنوات السيد سركيس أغاجان الوزير المالي السابق والعضو الموثوق به في البارتي. من هنا نقول طالما البارتي هو الذي يمول المجلس أو تمر أوتخصص الأموال عبره فإذن أن هذا المجلس إما هو قسم أو جزء من البارتي أو هو أداة من أدواته في التعامل مع المسألة القومية لشعبنا.

لقد سبق وذكرنا بأن الحزب السياسي يسعى للوصول إلى السلطة السياسية أو إلى مراكز منها لكي يحقق الأهداف التي يؤمن بها لأنه لايمكن أن يحقق أي هدف قومي أو وطني على أرض الواقع إذا كان حزباً سرياً بعيداً عن السلطة ويلجاً إلى ما يعرف في بلدان العالم الثالث بـ "النضال السلبي". في حين نرى بأن المجلس الشعبي قد حقق إنجازات كبيرة تعتبر جزء مهم من أهدافه قبل أن يصل إلى السلطة أو إلى أي مركز من مراكز السلطة. فعلى سبيل المثال كانت الحركة الديمقراطية الآشورية أول تنظيم سياسي لأمتنا في تاريخها يشارك في السلطتين التشريعية والتنفيذية وأقصد في إقليم كردستان العراق قبل سقوط النظام البعثي في العراق وإستطاع أن يحقق إنجازات توجها بالتعليم السرياني والمشاركة في تأسيس المدارس السريانية ونشر الوعي القومي السياسي من خلال وسائل أعلامه العلنية ولم يكن بالإمكان إطلاقا تحقيق مثل هذه الإنجازات وهو بعيد عن السلطة. واليوم غير الأمس فإن فتور علاقة زوعا مع الحكومة الكردستانية وتحديداً مع البارتي وتقلص مشاركته في السلطة حتما ينعكس على تقلص دوره في تحقيق الإنجازات لأبناء أمتنا خاصة بعد ظهور حزب المجلس كمنافس جدي لزوعا. من هنا نتسائل كيف استطاع حزب المجلس تحقيق مثل هذه الإنجازات وهو لم يكن في السلطة ويشذ عن نظرية الأحزاب المعروفة في علم السياسة والتي أشرنا إليها سابقا؟ فالجواب لا يمكن أن يكون ولا يمكن أن يصحح هذا الشذوذ إلا بالتأكيد في كونه جزء من البارتي أو أداة من أدواته الذي يتحكم في النظام السياسي في كردستان العراق. ثم ما العيب فيما إذا كان حزب من أحزاب أمتنا جزء من البارتي أو أداة من أدواته في التعامل مع أبناء الأمة الكلدانية السريانية الآشورية ويحقق منافع جمة لهم لا بل والكثير من أهدافهم وفي مقدمتها مطالبة الحكم الذاتي وشرعنته والعمل على إخراجه إلى النور؟
    
الكورد والتعامل مع المسألة القومية للكدان السريان الآشوريين:
هذا موضوع طويل وعميق ويتطلب بحد ذاته بحثاً مستقلاً ولكن نحاول هنا أن نبين الجوانب التي لها علاقة بموضوعنا هذا. قلنا في السابق ونكرر القول الآن ونستمر في القول بأن للكورد كامل الحق في أن يكون لهم دولة كردية مستقلة فهذا حق مطلق لا يمكن أن ينكره الإ المستبدين لا بحق الكورد فقط بل بحق الإنسانية جمعاء. فإذا كانت الظروف الحالية لا تسمح بإخراج مثل هذا الحق الطبيعي إلى النور والواقع العملي فأن هذا لا ينكر ولا يقلل من شأن بقاء هذا الحق حياً فاعلاً لحين أن ينضج الواقع ويولد هذا الحق المطلق الدولة كردية. وضلال هذا الحق المطلق تمتد بحكم التاريخ والجغرافية إلى الكدان السريان الآشوريين ويمنحهم نفس الحق ولكن بحكم الديموغرافيا والظروف المحلية والإقليمية، وبالأخص الدينية والثقافية منها، يصبح هذا الحق الكلداني السرياني الآشوري محدوداً بطبيعتهم الديمواغرافية والثقافية والدينية. أي بعبارة اخرى،  بالرغم من إختلاف الحق القومي المطلق بين الكورد والكلدان السريان الآشوريين إلا أن هذا الإختلاف يبقى دائماً في الكم وليس في النوع. أي بعبارة أدق أن الحقين مرتبطان مع بعضهما ويتفاعلان معاً ولا يمكن أن ينفصلان. فلا إستقرار وحياة هانئة للكورد ما لم يكن إستقرار وحياة هانئة للكدان السريان الآشوريين والعكس صحيح أيضاً. فهذا الترابط الجدلي بين الحقين يستوجب أن يكون مستوعباً ومدركاً ومبرمجاً للطرفين وبالأخص للكورد لأنهم هم القابضين على السلطة وصناع القرار السياسي الرئيسي. كما على القوى السياسية للكدان السريان الآشوريين أن يدركوا هذه الحقيقة ويعملوا وفقها وإلا فمن المستحسن يلموا "جوالاتهم" ويلجؤا إلى إحدى بلدان المهجر ومن هناك يغنون موالاتهم وعلى كيفهم.
  
السؤال المحير هو لماذا لجأ الكورد إلى تأسيس المجلس الشعبي للشعب الكلداني السرياني الآشوري وخلق تنظيم آخر شعبي في شكله وحجمه أكثر مما كان سياسي خاصة بأن المؤسسين لهذا المجلس لم يكن لهم خبرة سابقة في العمل السياسي والقومي في الوقت الذي كانت تعج الساحة بأحزاب آشورية كلدانية بعضها ناشطة على هذه الساحة ولها علاقات وتجارب مع الكورد وبالأخص مع البارتي كزوعا والحزب الوطني الآشوري وحزب بيت نهرين الديمقراطي وحزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني خاصة أن بعض مؤسسي وقيادي هذه الأحزاب هم أما كوادر في البارتي أم مقربين إليه. قد يكون الجواب في رغبة الكورد الصادقة والحقيقية في خلق "مظلة" للجميع ولم شملهم في تنظيم جامع ليكون سهل التعامل معه ويصبح قناة واحدة لتوزيع "المكارم" وتحقيق الإنجازات لأبناء شعبنا بشكل أكثر عملية ومنطقية. وقد يكون الجواب أيضا في إيجاد تنظيم يكون من خلفة السيد سركيس أغاجان رجل البارتي الموثوق به لطرحه كرمز من الرموز الكلدانية السريانية الآشورية المرتبطة بالقيادة الكردية لبيان مدى أهمية مثل هذا الإرتباط وكشرط لخدمة الكلدان السريان الآشوريين. وهنا يجب أن لا ننسى أيضاً رغبة الكرد في خلق مثل هذا التنظيم الشعبي الذي دعي إليه مختلف الشخصيات الكلدانية السريانية الآشورية من داخل الوطن وخارجه ولأسباب دعائية تظهر من خلاله أهتمامها بمسألة الأقليات وبالأخص المسيحية منها وحمايتهم في المنطقة الكردية. وإذا كنا أكثر تأثير بـ "نظرية المؤامرة"، فلربما يكون غرض الكورد من خلق المجلس الشعبي هو نكاية بالأحزاب الآشورية الكلدانية خاصة الفاعلة منها على الساحة السياسية والتي تملك قرارها المستقل ويصعب تطويعها ضمن السياسة الكوردية تجاه الأقليات. ولعل تبني المجلس الشعبي للتسمية المركبة للكدان السريان الآشوريين ومطالبتة بالحقوق القومية التي طالبت بها سابقا الأحزاب الآشورية الكلدانية وتحفظ الكورد في السابق تجاها أو عارضوها ضمناً وقبل ولادة المجلس الشعبي، يأتي ضمن نفس السياق ووفق منهج سحب البساط من تحت أقدام هذه الأحزاب وتقليص شعبيتهم وعن طريق إغداق الأموال على المجلس الشعبي وتوفير له كل الإمكانيات لتحقيق مثل هذه الأهداف القومية، وهي الأهداف التي تحقق بعضها في هذه المرحلة التي يلعب المال دوراً أساسياً في توجيه الجماهير وكسب تأييدهم خاصة عندما يكرس مثل هذا المال في تحقيق المنافع الشخصية وفي الإعلام الموجه.

أن معادلة العلاقة الجدلية بين حق الكورد القومي وحق الكلدان السريان الآشوريين يجب أن تبقى متوازنة وليس من السهل أن تبقى هكذا وتستمر خاصة عندما يكون هناك فرقاً شاسعاً بين طرفي المعادلة من النواحي الديموغرافية والثقافية والحضارية. ولكن مهما كان هذا الإختلاف فأن توازن هذه المعادلة الحقوقية ليس بالأمر المستحيل فيما إذا تعامل طرفي المعادلة بنوع من الواقعية التي تتطلبها السياسة الناجحة وأن يقبل كل طرف الطرف الآخر بعقلية قائمة على قبول الإختلاف كمنهجاً فكرياً وسياسياً وليس على الرفض السافر أو المستتر بكلام معسول أو المغطي بأموال مكرسة لتحقيق مصالح شخصية معينة وفي المحصلة النهائية تنصب الكارثة على الطرف الضعيف من المعادلة الحقوقية. فلو أخذنا موضوع الحكم الذاتي للكلدان السريان الآشوريين في مناطق تواجدهم الذي يعتبر من أرقى أشكال الحق القومي الذي سيحقق تطبيقه توزناً ممتازاً في المعادلة الحقوقية بين الكورد والكلدان السريان الآشوريين، نرى بأن دعم الكورد لهذا الحق ودفع المجلس الشعبي في مقدمة المطالبة يكتنفه نوع من الغموض الذي يثير الكثير من الشكوك في نواياه الكورد تجاه هذا الحق الطبيعي. فهناك في إقليم كردستان وقائع جغرافية وديموغرافية في مناطق معينة قابلة لتطبيق جانب من جوانب الحكم الذاتي فيما إذا توفرت الإرادة السياسية الحقيقية والمؤمنة بالحكم الذاتي. ومن الممكن أن تكون هذه المناطق منطلقاً أولياً وتجربة مطلوبة لتطبيق الحكم الذاتي في المناطق الأخرى خاصة في سهل نينوى الذي تتحكم فيه إرادات سياسية متصارعة بين الكورد والعرب من أجل الهيمنة على قرى وقصبات هذا السهل وبالنتيجة يكون الكلدان السريان الآشوريين وقوداً لهذه الإرادات المتصارعة والخاسر الأول فيها. وما التهجير الإجرامي بحق المسيحيين من مدينة الموصول وإغتصاب الأراضي في بعض القرى وتخصيصها للعرب إلا مثال على ذلك. لهذا نقول بأن المطالبة بالممكن تحقيقه خير من المطالبة بغير الممكن، أي بعبارة أخرى، المطالبة بأهداف قصيرة الآجل من حيث تطبقيها تسبق دائماً وأبداً المطالبة بأهداف بعيدة الآجل.  
  
المعادلة الحقوقية بين الكورد والكلدان السريان الآشوريين:
أنه من مصلحة الكورد القومية الكاملة، مثلما هي مصلحة الكلدان السريان الآشوريين أن يتحقق توزان في المعادلة الحقوقية بين الطرفين. من هنا يجب أولاً على القوى السياسية الفاعلة للكلدان السريان الآشوريين أن يدركوا وبعمق بأنه لا "راحة بال" لهم ما لم يتم التعامل السياسي الناضج والمنطقي مع الكورد. فالتاريخ والجغرافيا وقائع تتحكم بشكل فعال في العلاقة مع الكورد لذلك لا يمكن تجاهلهما إطلاقاً. والأكثر من هذا، فعلى الكورد وأحزابهم الفاعلة مسؤوليات أكبر باعتبارهم الفاعل الرئيسي وصانعي القرار على الساحة السياسية. فالكورد يعرفون حقائق وخفايا تنظيمات الكلدان السريان الآشوريين أكثر من غيرهم ويدركون جلً إدراك جوانب القوة والضعف فيهم. لا بل بشكل أدق يعرفون شعبية كل واحد منهم ومدى قوته السياسية وعمقه الفكري وتنظيمه الحزبي أيضا. من هذا المنطلق كان يجب على الكورد وتحديداً البارتي أن يتعامل مع هذ الحقيقة لا أن يلجأ إلى خلق "حقيقة" أخرى تخل بالتوازن المنطقي والعادل في المعادلة الحقوقية بين الطرفين. أي بعبارة أخرى كان يجب أن لا يلجأ إلى تأسيس المجلس الشعبي الكداني السرياني الآشوري ويتجاهل بشكل مباشر التنظيمات الكلدانية السريانية الآشورية الفاعلة على الساحة السياسية والقومية. فكان الأجدر بالكورد دعوة مثل هذه التنظيمات أو المساهمة في دعوتهم أو مساعدتهم في تشكيل تنظيم فيدرالي أو إتحاد كونفدرالي بينهم ومن خلاله كان على الكورد أن يتعامل مع الشعب الكلداني السرياني الآشوري باعتبار هذا الإتحاد أو التنظيم الفدرالي طليعة سياسية ممثلة لهذا الشعب لا أن يخلق تنظيم أو يساند أو يمول تنظيم يعمل له أكثر مما يعمل معه. وهنا يجب أن نفرق بين بين يعمل "لـ " وبين من يعمل "مع". فالكدان السريان الآشوريين يفترض عليهم أن يعملوا مع الكورد ضمن المعادلة الحقوقية المتوازنة الآنفة الذكر لا أن يعملوا للكورد ضمن معادلة حقوقية مختلة تضر أولاً بالكلدان السريان الآشوريين وبالنتيجة والحتم تضر أيضا الكورد. من هنا نؤكد القول بضرورة تعديل ميزان المعادلة الحقوقية بين الطرفين وأن يباشر  الكورد في إزالة إختلال ميزان المعادلة الحقوقية وأن تضع الأوزان الحقيقية في كفة الطرف الكلداني السرياني الآشوري لكي يتحقق العدل والإنصاف ثم السلام والاستقرار والإزدهار في المنطقة.
 
ولكن السؤال يطرح نفسه بقوة وبوضوح جسور:  هل فعلاً إن الأحزاب والقوى السياسية الكلدانية السريانية الآشورية تدرك هذه الحقيقة؟؟ وهل هي فكرياً وسياسياً مستعدة للدخول في هذه المعادلة ومن ثم تعديلها؟؟؟ وهل الكورد مستعدون لقبولهم كطرف في ميزان المعادلة الحقوقية؟؟؟ هذه كلها أسئلة لا يمكن الإجابة عليها بشكل موضوعي طالما لا نملك معلومات كافة تصلح لتكون مدخل للأجوبة. ولكن هذه الأسئلة تطرح سؤالاً آخر وهو: ألم تدعو اللجنة التحضيرية لمؤتمر عنكاوة الأحزاب الكلدانية الآشورية كالحركة الديمقراطية الآشورية والحزب الوطني الآشوري وحزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني وغيرهم ولم يحضروا للمؤتمر كما لم ينضموا إلى المجلس الشعبي وإن أنضم عدد منهم فإن إنضمامهم كان متردداً ومتأخراً وما ترشيح مرشحي هذه الأحزاب للبرلمان الكردستاني بشكل مستقل إلا تأكيد على كونهم خارج المجلس الشعبي أكثر من كونهم في داخله. واليوم يحاول المجلس الشعبي أن يفتح قنوات جديدة مع هذه الأحزاب لإيجاد مسلك يؤدي إلى فتح "المظلة" أكثر سعة لتتسع للجميع وتنضوي تحت ضلالها أكبر عدد ممكن من تنظيمات شعبنا ولكن هل فعلا المجلس الشعبي مؤهل لهذا العمل وهل فعلا ستتسع مظلته لكي تضلل الكبار والصغار معاً؟؟

المجلس الشعبي وعقدة المظلة:
يقال بأن الجاهل هو من يتعثر بنفس الحجر مرتين. والأمة أيضا التي لا تقراً التاريخ ولا تتعض من تجاربه ودروسه هي أمة متخلفة من حيث الوعي القومي السياسي. فكم من أحزابنا ومنظماتنا السياسية والقومية درست التاريخ القومي وأمعنت بشكل جدي في التنظيمات السابقة وعرفت أسباب فشلها أو أخفاقها أو نجاحها ومن ثم إستفادت منها؟ واقصد هنا التنظيمات الممكنة تسميتها بـ "الفدرالية"، أي التي تنتمي إليها منظمات أو أحزاب سياسية وتحافظ في نفس الوقت على كياناتها وعضويتها الداخلية وأفكارها وماليتها والخطوط العريضة لسياساتها، وهي المنظمات التي تعنينا في هذا الموضوع والقريبة الشبه بالمجلس الشعبي. لا أدري إذا كان مؤسسو المجلس الشعبي قد سمعوا عن الإتحاد الآشوري العالمي أو عرفوا أو أمعنوا في مرحلة تأسيسه ومراحل مسيرته والإخفاقات والنجاحات التي حققها؟ فالسطور التالية تكشف الجواب عن هذه الأسئلة.

هناك في تاريخنا القومي الحديث عدد من مثل هذه التنظيمات الفدرالية معظمها أصيبت بعقدة المظلة وفشلت في البقاء فترة طويلة أو في أحس الأحوال بقيت أسم بلا جسم أو جلً ما يقال عنها بأنها شبه ميتة. ولعل الإتحاد الآشوري العالمي والمعروف بـ  ((AUA خير مثال واضح وجلي نستفيد منه في المقارنة مع المجلس الشعبي في فهم عقد المظلة وما يترتب على ذلك من نجاحات وإخفاقات. لقد سبق وأن بيناه في مقال سابق مثل هذه المقارنة ولكن هنا أود أن أشير إلى نقطة مهمة مشتركة بينهما، وهي إصابتهم بعقدة المظلة..  ما الذي أقصده بعقدة المظلة والذي ربما هو مفهوم جديد للقارئ الكريم ويستوجب شرحاً وجيزاً ومختصرا كمدخل لموضوعنا هذا؟. عندما تصاب الأمة بنكبات وفواجع وتشرد وفقدان الكيان السياسي الرئيسي وتحديداً الدولة وما يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية أو إيجابية على مستوى الوعي القومي السياسي لأبناء الأمة فإن كل هذا يخلق نوع من رد فعل ينعكس في عقلية ووعي نخبة معينة من أبناء الأمة. وبسبب كون تناقضات المجتمع سياسية وإجتماعية وإقتصادية وغيرها كثيرة، وبسبب كون إمكانيات الأمة محدودة وضعف أو فشل التنظيمات القائمة في معالجة كل حالة على حده وإنعدام أو ضعف التنسيق فيما بينهم فإن هذا ينعكس في سلوك النخبة وفي محاولة لتأطير كل هذا الواقع المأساوي للأمة في إطار واحد وبهدف التنسيق بين تنيظمات هذا الواقع وتحقيق الصالح العام.

أن إنشاء مثل هذا الإطار التنظيمي لمعظم تنظيمات وأحزاب الأمة هو أمر نبيل وصحيح ولكن بسبب قوة التناقضات والمأساة التي أصيبت الأمة بها وتشتت أساليب وافكار التعامل مع هذه التناقضات يخلق نوع من رد فعل قوي ونهم لدى النخبة فتحاول أن تلمل وتجمع كل هذه التناقضات في إطار واحد وهو الذي يعرف بـ "المظلة"  من دون إي أعتبار لطبيعة كل تناقض من تناقضات المجتمع أو نوعية الكيان المطلوب منه الإحتماء تحت هذه المظلة. أن هذا الأمر يشبه كثيرا حالة شخص جائع جداً وتعرض عليه أشهى أنواع الأطعمة ويبدأ الأكل بشراسة وبكميات كبيرة من كل هذه الإنواع من الأطعمة من دون إعتبار لصحته وقابلية معدته على هضم كل هذه الإنواع من الأطعمة فبالتالي يصاب بسوء هضم وقد يصاب بأمراض أخرى. هكذا الحال مع النخبة المؤسسة للمظلة التي تعمل لبناء مثل هذه المظلة من دون أي إعتبار للأمور السياسية وفصلها عن بقية الأمور الإجتماعية والإقتصادية وسبل التعامل معهم وبالتالي أما يصاب هذا التنظيم المظلي بالشلل أوبفشل تحقيق أهداف أو إنتهاءه من الوجود.
 
أن السبب الرئيسي للأمراض التي يصيب بها مثل هذا التنظيم الفيدرالي هو جهل أو قلة وعي هذه النخبة بالأمور السياسية والتنظيمية. (1)- العضوية في التنظيم يجب ثم يجب أن تقتصر على المنظمات القومية والأحزاب السياسية ولا مكان لعضوية الأفراد مهما كانت قابليتهم الفكرية والعلمية إلا عن طريق إنتماءهم إلى منظمة او حزب معين. فكان ولا يزال الكثير من الأفراد بحد ذاتهم أعضاء في الإتحاد الآشوري العالم لا بل وفي قيادته أيضا وهم لا يمثلون أي تنظيم أو حزب داخل تحت مظلة الإتحاد، والحال نفسه بالنسبة للمجلس الشعبي. فإلتزام الفرد وفكره وأسلوبه وحقوقه ووجباته غير تلك التي لمنظمة أو حزب معين. (2) عالم السياسة غير العوالم الآخرى الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والدينية وغيرهم. فالسياسة عالم واسع لا حدود له خاصة بالنسبة للقوميات التي ليس لها كيان سياسي (دولة) أو منطقة حكم ذاتي كالقومية الكلدانية السريانية الآشورية فكل شيء، خاصة في بلدان العالم الثالث، هو سياسة... مثلاً العناية بلغة الأم وإحياء التراث وتطوير الفنون وحتى العناية بالعائلة وتربية أفرادها كلها أمور تعزز وترسخ من وجود الأقلية ويحصنها من الذوبان في الأمم الأخرى فهذا هو عين السياسة ولا غيرها. من هذا المنطلق نقول أن التنظيمات القومية السياسية تختلف كلياً عن التنظيمات الأخرى الإجتماعية والثقافية والرياضية... وهي من الأمور الواضحة جداً في المجتمعات الديمقراطية المتطورة من ناحية النظام الحزبي والسياسي. فلا يمكن أن نجد حزب سياسي داخل في تحالف مع نقابة أو نادي إجتماعي أوجمعية ثقافية او يتشاركون في عضوية منظمة معينة من أجل تحقيق هدف سياسي أو قومي بل نرى بأن مثل هذه النقابات والجمعيات تكون تابعة للحزب وبينهما حدود تنظيمية ومالية واضحة لا تخلط بين الإثنين رغم التبعية الواضحة بينهما.

ولما كان موضوع المظلة موضوعاً سياسياً صرفا خاصة بالنسبة للأقليات مثل الكلدان السريان الاشوريين لذلك فإن ظلال المظلة يجب ويجب أن تظلل فقط التنظيمات القومية السياسية ولا غيرها ولا يمكن أن تكون لبقية التنظيمات الإجتماعية والثقافية والرياضية مكان تحت المظلة إلا بشكل غير مباشر وعن طريق الأحزاب التي تنتمي إليها. عندما تأسس الإتحاد الآشوري العالمي دخل في عضويتة أندية إجتماعية ورياضية وثقافية وأحزاب سياسية وأفراد فخلطوا النابل بالحابل، السياسة بالرياضة والثقافة والإجتماع والدين وهكذا أصبح عالم يجمع كل هذه المناحي وما تحمله من تناقضات وإختلاف في الأهداف والمفاهيم. في حين كان يجدر بالإتحاد أن يقبل في عضوية أحزاب سياسية فقط ومن ثم يشكل لجان خاصة تعني بالشؤون الثقافية والرياضية وغيرهما وينسق من خلال هذه اللجان مع التنظيمات الإجتماعية والرياضية والثقافية الأخرى. والحال نفسه أيضاً بالنسبة للمجلس الشعبي حيث يضم في عضويته تنظيمات ثقافية واجتماعية وكيانات مجهرية لا علاقة لهم بالسياسة أو المسائل القومية الحقيقية وعددهم أكثر بكثير من عدد الأحزاب السياسية المنضمة إليه والتي أكتشفت أخيراً بأن مكانها غير مناسب تحت المظلة وإن تردد إنضمامها كان مبرراً وربما تصرفها المستقل في الإنتخابات الكردستانية كانت أيضاً مبررة. (3) – التنظيم الفدرالي المظلي يجب أن يميز بين القيادة والموظفين فيه. فالقيادة تكون بالتناوب بين التنظيمات المنتمية إليه ولفترات معينة. أما الموظفون فيكونون أشخاص حرفيين لا علاقة لهم بهذا التنظيم أو ذاك. نرى بأن في الإتحاد الآشوري العالمي تحول الموظفون إلى قادة وصانعي القرار ولا أعتقد بأنهم ينتمون إلى تنظيمات منضمة إلى الإتحاد لهذا السبب آلت عضوية الإتحاد تقريباً إلى عصبة من الأفراد ولا مكان للتنظيمات المنضوية تحت مظلته.  ويظهر بأن المجلس الشعبي سائراً على نفس الدرب، فالمسؤولون عن إدارته هم موظفون وقادة في نفس الوقت ولا أدري فيما إذا كانوا هم ينتمون إلى تنظيمات مظلة المجلس الشعبي وإذا أستمر على نفس المنوال فأن الأمر سيفضي إلى نفس النتيجة ويصبح المجلس قاصراً على نفر من الأفراد.

المستقبل السياسي للمجلس الشعبي:
أن الإتحاد الآشوري العالمي قد تحول فعلاً إلى شبه حزب سياسي وليس حزب سياسي كامل ومع الأسف هو بحكم المنتهي على الساحة القومية لمجتمعنا أو أكثر ما يقال عنه بأنه مصاب بشلل نصفي، فنشاطه مقتصر على بضعة أشخاص من إستراليا في إصدار بيان أو حضور ممثليه لمؤتمر.  والمجلس الشعبي أيضا تحول إلى حزب سياسي ... نعم حزب سياسي كامل كما سبق وأن شرحنا في أعلاه. وبغنى عن تبعية المجلس الشعبي للكورد، سواء أكان يعمل معهم أو لهم، فإنني سأخذ المجلس كحقيقة موضوعية من دون اعتيار لمسألة إنتماءه أو تمويله عند البحث عن مستقبله. وبدءاً أقول حتى لا يكون المجلس الشعبي حزباً سياسيا فاشلا أو يصاب بنفس أمراض الإتحاد الآشوري العالمي عليه أن يتخلص من التناقضات التي أغرق نفسه فيها وأن يدرس أخطاء الإتحاد ويتعض منها سواء بالاستفادة منها أو تجنبها.

المجلس أصبح حزباً سياسياً سواء أعلن بذلك أم لا، فالواقع والممارسة تؤكدان ذلك. لذا عليه أن يطوي مظلته ويكشف عن حقيقته الحزبية. وحتى يكون فعلاً حزباً سياسياً نشطاً عليه أن يحل نفسه من عضوية المنظمات والجمعيات والأحزاب المنتمية إليه ويغير هيكليته المظلية إلى نظام داخلي للحزب. أما إذا أصر المجلس على  إبقاء مظلته حفاظاً على الإنجازات التي حققها على الأرض والشعبية التي أكتسبها وإيفاءا بإلتزاماته سواء الوطنية أم الكردستانية أم القومية فعليه أن يتجنب أخطاء الإتحاد الآشوري العالمي:
1.   أن يقصر العضوية في المجلس على المنظمات والجمعيات والأحزاب دون الأفراد.
2.   أن يفرق بين القادة والموظفين في المجلس.
3.   والأهم، أن يغير أسلوب تعامله مع الأحزاب السياسية فليكن مدركاً ومعلوماً لا حزب سياسي يقبل أن ينظوي تحت مظلة المجلس بالأسلوب الحالي القائم وكأنه دعوة تبعية للمجلس لا دعوة تحالفية. من غير المنطق أن يدخل في تحالفات مع أحزاب سياسية وإلا تحول هو نفسه إلى حزب سياسي وبالتالي يفقد صفته المظلية، وهذا ما فعله الإتحاد الآشوري العالمي. فإذا كانت النوايا صادقة، ونتمنى أن تكون كذلك، فعلى المجلس أن يحل نفسه وهو بالشكل الحالي وأن يدعو الأحزاب السياسية لتشكيل لجنة تحضيرية من بين أعضاء الأحزاب السياسية لعقد مؤتمر تحالفي لأقامة تحالف أو منظمة مظلية تجمع القوى السياسية فقط تحت ظلها وأن تصبح قيادتها دورية بين الأحزاب الأعضاء. هناك فكرة خلق هيئة أو لجنة سياسية خاصة بالمجلس لغرض التعامل مع الأمور السياسية أو التباحث مع الأحزاب السياسية والتي طبقها الإتحاد الآشوري العالمي قبل أكثر من عقدين وشكل "الذراع السياسي" والذي كان كمناورة لغرض التباحث مع الأحزاب السياسية الآشورية والدخول في تحالفات معهم غير أن سرعان ما أنقطع هذا الذراع وبدأ يتصرف بشكل مستقل حتى أستقر المقام به إلى أن يؤسس منظمة سياسية مستقلة بالتمام والكمال عن الإتحاد لا بل يمارس نشاطاً بعيداً عنه أم لم يكن معارضاً له لذا على المجلس أن يتجنب هذا الخطا.
وأخيرا:
 لم يبقى إلا أن اعترف بأنني وضعت نفسي في تناقض بين تبعية المجلس الشعبي للكورد أو للبارتي والعمل له وبين ما طرحته في أعلاه والذي يتطلب إستقلالية في إتخاذ قرار مصيري للمجلس الشعبي الذي صرف له أموال طائلة وجهود كبيرة. ولكن لو أخذنا المعادلة الحقوقية بين الكورد والكلدان السريان الآشوريين والمبينة أعلاه بحسن نية تسعى لتحقيق المصلحة المشتركة بين الطرفين لأختفى مثل هذا التناقض وصحت الأمور على الأقل من حيث النظرية والمنطق. ويجب أيضاً أن ننوه بأن الأمور في الوقت الحالي غير ما كانت وقت تأسيس المجلس والسنتان التي خلت من عمره فلم يعد السيد سركيس أغاخان وزيراً للمالية كما أن رئاسة الوزارة أنتقلت إلى الإتحاد الوطني الكردستاني الذي يظهر بأنه ليس له رؤية أو إستراتيجية واضحة وكاملة عن الأقليات لأن منطقته خالية تقريباً منهم مما قد يؤدي هذا إلى جفاف الينابيع المالية التي كانت تسقي بساتين المجلس الشعبي فعلى القائمين بأمور المجلس أن يفطنوا هذه الحقيقة ويتصرفوا وفقها خدمة لصالح أبناء أمتنا. ويقيناً بأن رجال الدين من مختلف كنائسنا كانوا حذقين في إدراك حقيقة جفاف هذه الينابيع المالية وبالتالي خففوا من مديحهم المنمق وزياراتهم المجاملية للسيد أغاجان أن لم يكن بعضهم قد بدأ بخلق مبررات وحجج لنقده أو الهجوم عليه وعلى مجلسه الشعبي.    

من الضروري جداً ونحن لازلنا في الخاتمة أن نوضح ونفرق بين المجلس الشعبي ككيان تنظيمي وبين أعضاءه أو قيادته كأفراد، فالأول له إعتبار معنوي موضوعي والثاني له إعتبار شخصي ذاتي وموضوعنا هذا يتناول الإعتبار الأول ولا يمس الإعتبار الثاني إطلاقاً. فالعقلية الديمقراطية قادرة كل القدرة على الفصل والتمييز بين موضوعي عن الذاتي أو بعبارة أدق بين الحزب أو التنظيم وقيادته وأكثر وضوحاً بين الدولة وحكومتها. وهو عكس العقلية الاستبدادية التي تدمج الدولة في رئيسها ومن ينتقد الدولة في الإنظمة الاستبدادية فالويل له لأنه يتهجم ويهين رئيسها. فهو الدولة نفسها كما كان الحال مع صدام حسين وغيره في بلدان العالم الثالث. ونحن تناولنا هذا الموضوع بشكل منطقي وموضوعي وبحسن نية سواء تجاه المجلس الذي أخذناه بمعزل عن قيادته وأعضاءه والذين للبعض منه صلة صداقة قديمة وقرابة معي ولا شك في حسن نيتهم في السعي نحو العمل القومي. لذلك يستوجب أن نقرأه بعقلية ديمقراطية قادرة على فصل الموضوع عن الذات. وأخيراً أطلب العذر من القراء وموقع عنكاوه على إطالتي في هذا الموضوع وليس ذلك إلا بسبب كونه موضوعاً مهماً في هذه المرحلة خاصة وأن المجلس الشعبي يحضر حاله لعقد مؤتمره الثاني.


301
بمناسبة رحيل الأب الدكتور يوسف حبي فيلسوف كنيسة المشرق


 

كلمات بسيطة في شخصية عظيمة


                                                                                                      أبرم شبيرا

نشرت هذا المقال في السنوات السابقة بمناسبة رحيل فيلسوف كنيسة المشرق وليس إعادة نشرها إلا تذكيراً بعظمة هذا الرجل الذي دخل في قلب وعقل كل من عرفه سواء من قريب أو بعيد... وها هنا أعيد نشر هذه الكلمات في الذكرى التاسعة لإستشهاده وهو في طريقه إلى المهة التي ولد من أجلها وعاش من أجلها ومات من أجلها
************
ربما لا يتفق البعض معي في إطراء المغفور له الأب الدكتور يوسف حبي ووصفه كفيلسوف كنيسة المشرق لا بل ويتهمني بالمبالغة والانفعال العاطفي من جراء فقداننا لشخصية عظيمة وبمقام رفيع ونادر في عصر يومنا هذا. ولكن على العكس من هذا، فإنني اعتقد بأن من عرف الدكتور يوسف حبي سوف يشاطرني الرأي وربما سيتهمني، خاصة من شاركه في الساحة الثقافية والأدبية ، بالتقصير في ذكر هذه الشخصية العظيمة بكلمات بسيطة لا تتجاوز عدة أسطر.

عُرف الأب الراحل من خلال كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية كرجل دين بكل معنى الكلمة الصادقة والطاهرة لها، فكان فياض بالإيمان والمحبة والحنان والتعاون والتسامح والصدق والتأني والهدوء، أحبه كل من عرفه من العلمانيين والإكليريكيين. أما على الساحة الثقافية والأدبية فعُرف أكثر وبرزت معالم مواهبه المبدعة في عدة مجالات. فمنذ منتصف السبعينيات وأثناء المحاولات الصعبة للاستفادة وبقدر الإمكان من الحقوق الثقافية التي منحتها الحكومة العراقية للناطقين بالسريانية من الآثوريين والكلدان والسريان في عام 1972، بدأ نجمه يسطع أكثر فأكثر. وقد عرفناه منذ اللقاء الأول، ومن خلال المؤسسات الثقافية التي تم تأسيسها في تلك الفترة  بأنه رجل علم وثقافة وأدب وفلسفة وإدراكنا بسعة معارفه وكثافة نشاطه وغزارة إنتاجه بحيث لا تكفيها صفحات طويلة لسردها لأنه كان فعلاً موسوعة إنسانية متحركة مليئة بالنشاط والهمة والديناميكية لا يستقر به حال إلا ونجده محاضراً في هذه المؤسسة و مشاركاً في ذاك المهرجان أو محرراً في هذه الصحيفة أو تلك.

شاركته في بعض الأحيان كما شاركه غيري من زملائي من أدباء وكتاب أمتنا ومن مختلف الطوائف أحاديثه وأفكاره من خلال مشاركته معنا في مناقشات واجتماعات بعض المؤسسات الثقافية والأدبية لأبناء أمتنا في العراق عندما كانت تتاح له الفرصة أثناء تواجده في بغداد وهو قادما من مدينة الموصل، حيث كان يخدم الكنيسة والرعية هناك. وكان آخر مرة ألتقي به في نهاية الثمانينات ( أعتقد كان عام  988 أو 1989) أثناء إحدى اجتماعات الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء والكتاب الناطقين بالسريانية في بغداد والذي دمج في حينه مع اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين وأطلق عليه أسم المكتب السرياني. وقد عرفناه بخصاله الحميدة وأخلاقه السامية التي كانت تخلق فيه سحراً عجيباً يجعله قادراً على نيل الإعجاب والاحترام حتى من الذين كانوا يخالفونه الرأي. فبالرغم من كل مراكزه العلمية والمؤهلات الفكرية والثقافية والأدبية وعضويته في بعض المجامع العلمية واللغوية المرموقة فأن بساطته في الحياة والفكر والعمل ونبل أخلاقه كانت تحول دون أن يتفاخر بذلك ويتعالى على الآخرين فلم يظهر نفسه أمامنا بأنه أستاذ كبير ونحن تلاميذ صغار. فلم تكن أبحاثه وكتبه ونشاطاته الكثيرة موضوعاً للتفاخر والتباهي، بل على العكس من هذا كان يشارك بكل معارفه وجوارحه وعواطفه وأخلاقه النبيلة أحاديث اجتماعاتنا الطويلة والمملة أحياناً ويشاطر أفكارنا البسيطة والضحلة وكأنه جاء ليتعلم منا نحن التلاميذ.

كم من المرات أطفئ نيران نزقنا وفوران اندفاعنا في المسائل القومية ونحن في مرحلة "المراهقة القومية" نلعن صيغة "الناطقين بالسريانية" الموصوف بها قوميتنا من غير أن ندرك بأن مضمون هذه الحقوق لو طبق بشكل نزيه من دون تدخل السلطة أو مسخها لتحقق ما كنا نصبوا إليه في خدمة الأمة من الناحية الثقافية والتراثية. غير أن بهدوئه المعروف وسحر كلامه كان يضفي جواً من الود والمحبة والتفاهم والرزانة على مثل هذه المناقشات وبالمقابل كنَا ندرك ونقدر جلَ تقدير مشاعره وأفكاره كرجل دين له التزامات كنسية ليس من المعقول والمنطق تجاوزها أكثر مما يسمح به ومن ثم إقحامه في السياسة والمسائل القومية ذات الخطوط الحمراء خاصة في تلك المرحلة التي كان النظام الفاشي يحكم العراق. مع هذا كان في نهاية المطاف يفلح في فرز الخطوط السياسية الحمراء عن الساحة الثقافية والفكرية ذات المساحات الخضراء ويشرع بالتسلسل، وبهدوء وطيبة خاطر وبأسلوبه العلمي والأخلاقي الكبيرين، إلى قلوبنا وعقولنا فننصاع إلى كلامه الطيب وأراءه السديدة، كما ينصاع التلميذ إلى الأستاذ.  فكان وبحق يمثل نموذجاً مثالياً في أسلوب التعامل مع الغير. فما أكثر المهرجانات والمحاضرات والندوات والدراسات والمجلات والمؤتمرات الثقافية التي تحركت وتلمست طريقها نحو النور والتطبيق بفعل عظمة أفكاره وروعة نشاطه. ويكفي أن نشير هنا بأنه كان الأب الروحي واللولب المحرك لمهرجان أفرام وأسحق بن حنين الكبير عام 1974 مروراً عبر سلسلة طويلة من النشاطات الفكرية والثقافية حتى أيامه الأخيرة من حياته حيث كان العنصر البارز والنشيط في التحضير لاحتفالات الألفية الثالثة التي نظمها فرعا كنيسة المشرق الكلدانية والآشورية في شهر تشرين الأول من عام 2000 في العراق، لكن السفر نحو الموت غيبه عن حضورها.

هكذا كان المرحوم معلماً ومربياً لأجيال دينية أكانت أم علمانية. فمثلما تخرج على يده العشرات من الكهنة من كلية بابل اللاهوتية التي كان مؤسسها الفعلي وعميدها، كذلك تخرج وتربى على أفكاره وإبداعاته الأدبية والثقافية العشرات من العلمانيين. من هنا نقول بأن كنيستنا الكلدانية لم تخسر علماً من أعلامها الكبار فحسب وإنما الأمة كلها وبجميع طوائفها خسرت رجلاً عظيماً ومنظراً كبيرا لا بل وفيلسوفاً لكنيسة المشرق نفسها.

كانت فلسفة الأب الراحل، والتي جعلت منه باعتقادي أن يكون فيلسوفاً لكنيسة المشرق، تقوم على أساس فهم تاريخ كنيسة المشرق وتعميمه بين أبناء الرعية كعامل حيوي وجوهري في خلق أرضية مشتركة وعقلية منفتحة من أجل بناء أجواء تساعد على التفاهم والتباحث بين فروع كنيسة المشرق ومن ثم السعي نحو التقارب وربما التوحد مرة أخرى في كنيسة واحدة. وقد لعب الأب الراحل مع بعض من جيله من كهنة كنيستنا الكلدانية المتضلعون بالفكر النير والبحث العلمي الحديث، دوراً  مهماً في تنوير الكثير من أبناء رعية الكنسية بالحقيقة التاريخية المشتركة لجميع طوائف كنيسة المشرق. إذا كان الماضي، أي التاريخ، واحداً وبكل ما يحتويه من لغة وعادات وتقاليد وأعراف وإيمان وطقس واحد، إذن لماذا لا يكون الحاضر أيضا واحداً؟؟. هكذا كان إيمان الأب الراحل، ففي آخر لقائي معه أتذكر بأن كل اهتمامه كان منصباً على دراسة تاريخ كنيسة المشرق، وأتذكر ذات مرة ذكر بأنه من الممكن أن تتوحد، على الأقل في المرحلة الراهنة على الشكل، أي على التسمية المشتركة. ولما كانت تسمية كنيسة المشرق مقبولة ويتفاخر جميع الطوائف بالانتساب إليها، إذن لماذا لا تكون تسمية مشتركة لجميع فروع كنائس المشرق. وأتذكر ذات مرة قال بهذا الصدد لماذا لا تتسمى كل كنيسة طائفية بكنيسة المشرق ؟ كأن نقول كنيسة المشرق للأثوريين وكنيسة المشرق للكلدان الكاثوليك وكنيسة المشرق للسريان الأرثوذكس وكنيسة المشرق للسريان الكاثوليك وهكذا. وفي بعض الأحيان كنا نجادله على مسائل قومية بشأن أراءه هذه وعن مكانة شعبنا كقومية ضمن هذه التسميات التي تخلط القومية بالطائفة فكان بهدوئه وسعة قلبه يجادلنا مجادلة الواعظ الصالح ويوعدنا ويقول بأن الزمن ووعي الإنسان كفيل بفرز الأمور على حقيقتها وإزالة حساسية التسميات فيما إذا بدأنا بخطوات سليمة وبسيطة في الوحدة وبعيدة عن التعقيدات والأمور المستعصية حلها بمنظور سياسي في العصر الراهن، فهذا الأسلوب قد يخلق أجواء تساعد على أن يتوحد أبناء الأمة عن طريق توحد كنيستها. فالماضي المشترك يجب أن يخلق بفعل العمل والإخلاص والإيمان حاضر مشترك، فإذا توحدت طوائف كنيسة المشرق فسوف تتوحد ،عاجلاً أم آجلاً، الأمة نفسها لأن الغالبية العظمى من أبنائها هم من  طوائف كنيسة المشرق. وكانت أفكاره بخصوص تسمية "كنيسة المشرق" التي كان يعشقها قد تضمنت في الدراسة التي أعدتها اللجنة الخاصة بدراسة تسمية الكنيسة وقدمتها إلى المجمع السنهادوسي للكنيسة الكلدانية  الذي أنعقد في بغداد عام 1995 تدعو إلى تغيير أسم الكنيسة إلى "كنيسة المشرق الكاثوليكية" غير أن المجمع أجل موضوع اتخاذ القرار إلى إشعار.

كانت قناة الجزيرة الفضائية قد عرضت لقاءاً معه قبل رحيله بأيام وعندما شاهدت المقابلة أعيدت إلى ذاكرتي بعض من أفكاره عن وحدة الأساس القومي لمعظم أبناء طوائف كنيسة المشرق ولم يكن أمراً عجيباً أن أرى عظمة فيلسوفنا وبحر أفكاره السديدة وهو يشرح ويرد على أسئلة مقدم البرنامج التي كانت في بعض الأحيان محرجة ليس بسبب صعوبتها بل بسبب الظرف الذي كان يتحكم في العراق والدول العربية تجاه المسيحيين بشكل عام وعن ظهور كاهن مسيحي على شاشة تلفزيون عربية إسلامية يتكلم بصراحة بعيد عن الكلام المنمق ومن دون مجاملة أو نفاق . وعندما نشتكشف الظروف التي أحيطت بهذه المقابلة يمكن أن نحتكم إلى مدى روعة شرحه وأجوبته لموضوع المقابلة الذي كان عن المسيحيين في العراق والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. لهذا يجب أن نضع في الإعتبار مايلي:
(1)- المقابلة أجريت من قبل محطة فضائية عربية واسعة الانتشار لها موقع مؤثر وصوت مسموع من قبل معظم العرب في العالم تقريباً، والكل يعرف الأفكار والتيارات القومية والإسلامية المتطرفة التي تتحكم في العالم العربي وموقفها من أفكار وتطلعات الأقليات خاصة المسيحية منها. (2)- المقابلة  أجريت في العراق ومع شخص وكاهن عراقي ويعيش ويعمل ويخدم رعية الكنيسة في العراق وليس في خارجه، يستوجب عليه الالتزام بالقوانين والسياسات  العامة للنظام السياسي في العراق وبتوجهات كنيسته ورئاستها. (3)- المقابلة أجريت مع رجل دين يخدم الكنيسة بصفة نائباً بطريركياً للشؤون الثقافية وعميداً لمؤسسة علمية وعضواً في مجامع علمية محلية وعالمية تفرض عليه جميعاً التزامات تضعه في موقف يجعل منه أن يحترس ويدقق ويحذر من كل كلمة يقولها وإلا أنعكس كل تجاوز للخطوط المسموح بها على شخصيته ومنصبه وعلى الكنيسة والمؤسسات التي كان يمثلها.

ولو وضعنا هذه الاعتبارات أمام أعيننا وحللنا حديثه التلفزيوني عن الكلدان بنظرة موضوعية بعيداً عن المهاترات السياسية والقومية، خاصة المنطلقة من مجتمعنا في المهجر والبعيدة عن الواقع السياسي في العراق، لتأكد لنا بأن الأب الراحل استطاع، وكعادته في قوة البلاغة والمنطق، رد على أسئلة مقدم البرنامج بكل شجاعة وأدب وثقة من دون تملق أو تزلف أو مدح بهذه الجهة أو بتلك، خاصة فيما يتعلق بموضوع تعريب الكلدان في العراق التي كان يمارسها النظام البعثي المقبور حيث استطاع أن يوفق توفيقاً كاملاً بين أفكاره ومعتقداته من جهة، وبين الاعتبارات السالفة الذكر. وتجلت أفكاره الوحدوية العظيمة في معرض ردوده على كل سؤال كان يتعلق بالكلدان، باعتبار أن البرنامج كان مخصص لمناقشة هذا الموضوع، فكان جوابه، وعلى الدوام، يقوم على ذكر الكلدان والآشوريين والسريان معاً كشعب واحد، أو الإشارة إليهم كشعب بلاد ما بين النهرين أو وطن بيت نهرين وهكذا . ومن شاهد البرنامج في حينه لا أشك بأنه سوف لا يتفق معي في هذه النقطة. لقد استغربت أكثر عندما تجنب وبالكامل ذكر أسم النظام العراقي أو رئيسه أو مدح الحزب الحاكم أو التملق إلى السلطة أو الحكومة كما يحدث عادة عندما تجري مثل هذه المقابلات في العراق وخاصة في موضوع حساس كهذا والذي لا يمر إلا ويستغل لأغراض دعائية ولتبرير ممارسة السلطة السياسية في العراق. وحتى بالنسبة للحصار الاقتصادي الذي كان لمفروضا على العراق فأن حديثه لم يتجاوز بضعة كلمات عن تأثيره على جميع أبناء الشعب العراقي ولم يبالغ، كما هو معهود عند البعض من رجال الدين والعلمانيين في أحاديثهم التلفزيونية أو الصحفية، إلى درجة تصل مستوى تبرير ممارسات السلطة السياسة الإستبدادية ودورها في استمرار هذا الحصار.

لهذا السبب عندما لقي الأب الراحل مصرعه في حادث سيارة وجه البعض أصابع الاتهام إلى السلطة السياسية في العراق التي اشتهرت بهذا الأسلوب في القضاء على معارضيها السياسيين أو رجال العلم والفكر الذين لا يتفقون مع سياسة النظام تجاه مسألة معينة ويكون لهم دورا في الاتجاه المعاكس. ولكن التساؤل المحير هو هل فعلاً قتلت السلطة العراقية الأب الدكتور يوسف حبي، ولماذا تريد التخلص منه؟؟ وهل كانت أفكاره من القوة والتأثير في إعاقة سياسة حزب البعث في هضم أمتنا وجميع طوائفها في بطن الأمة العربية بعد أن تكون قد رسخت وعظمت من التمزق الطائفي وحولت الأمة إلى مجرد شراذم طائفية تجمعها تسمية "عرب مسيحيون" ؟؟. ألم تكن هناك أساليب أخرى كالتهديد والترهيب أو الترغيب بـ"المكارم الحاتمية"  متوفرة لإخضاعه وتسخير معارفه لخدمة السلطة كما كان حدث ويحدث مع بعض من رجال الدين والفكر والثقافة في العراق وخارجه؟؟؟ أسئلة وأسئلة لا وجود لجواب قاطع ومؤكد لها. فالكنيسة الكلدانية في حينها لم تكن ترغب في الخوض في مثل هذه المتاهات السياسية ولكن بعض كهنتها أو بعض الذين كتبوا عنه أكدوا تأكيداً قاطعاً بأن ما حدث للمغفور له كان قضاءاً وقدرا والحادثة حدثت بسبب هطول أمطار غزيرة على طريق بغداد – عمان الذي يصبح زلقاً من جراء تسرب النفط من الشاحنات العابرة على الطريق كما كان الحال في يوم الحادثة. ولكن بالمقابل، من يعرف ظروف يوم سفر الأب الراحل إلى عمان والغموض المحيط بالحادث مسألة تثير شكوك ضلوع السلطة العراقية في القضاء عليه والتخلص من أفكاره الوحدوية. يقول صديق لي ووثيق الصلة بالمغفور له حضر إلى بغداد للمشاركة في احتفال الألفية الثالثة لكنيسة المشرق بفرعيها الكلداني والآشوري بأنه كان معه في نفس يوم سفره، يوم 14- 15/تشرين الأول/2000، ووصف حاله بأنه كان مقبوض القلب ومتحسر الروح وكان منزعجاً جداً بسبب تغييب سفره عن حضور احتفالات الألفية الثالثة لكنيسة المشرق بفرعها الكلداني والآشوري وأكد لصاحبي بأنه لأول مرة في حياته ينتابه مثل هذا الشعور وهو في طريقه إلى الخارج للقيام بواجبه الفكري المعهود به في بيروت وروما، وهي الرحلات العلمية التي كان يستمع بها وينتظرها. وكان من المقرر أن يأتي سائق السيارة "التاكسي" الساعة الرابعة عصراً من ذاك اليوم، وهو سائق "مسيحي"  اعتاد الأب الراحل الركوب معه إلى عمان في كل سفراته. وذاك المساء لم يحضر السائق حسب الموعد المقرر ولكن بعد عدة ساعات حضر أخوه وذكر بأن أخيه "السائق الأصلي" مريض ولا يستطيع السفر فاقل الأب الراحل السيارة وسافر مع "السائق الجديد" إلى عمان وحدثت الحادثة في داخل الأراضي الأردنية وفي منطقة قريبة من مدينة الزرقاء حيث الطريق فعلاً ضيق وذو مسار واحد وقيل أنه بسبب فقدان السائق السيطرة انقلبت السيارة نتيجة تزحلقها وأن الأب الراحل وجد ميتاً خارج السيارة وعلى مسافة عدة أمتار منها أما السائق فقد نجى وبأعجوبة ولكن أصيب بإصابات خطيرة كما قيل !!!. سمعت هذه القصة من صديقي هذا الذي نفسه أكد تأكيداً قاطعاً بأن وفاة الأب الراحل في الحادثة كان قضاءاً وقدراً. ولكن مع كل هذا وذاك سواء اتفقنا أو اختلفنا على الجهة المسببة لمصرع الأب الراحل، فأن الحادثة قضت على رجل علم ودين كبير وخسرنا نحن جميعاً شخصية عظيمة خلدته الكتب والمؤلفات والذكريات التي تركها بين أبناء أمته ورعية كنيسته، كنيسة المشرق، التي عاش من أجلها ومات من أجلها.
 

بعد تسع سنوات نستمر ونكرر أسفنا العميق على رحيل أستاذنا وكاهننا الأب الدكتور يوسف حبي … لكن مع هذا نقول،  إذا قضت  الحادثة على رجل علم ودين كبير وخسرنا نحن جميعاً شخصية عظيمة فإن الكتب والمؤلفات والذكريات التي تركها خلدته بين أبناء أمته ورعية كنيسته، كنيسة المشرق، التي عاش من أجلها ومات من أجلها.


نبذة عن سيرة الأب الراحل الدكتور يوسف حبي
هذه نبذة مختصرة من سيرة الأب الراحل مقتبسة من مجلة "نجم المشرق" عدد 24 السنة السادسة/4 لسنة  2000 التي تصدرها بطريركية بابل الكلدانية في بغداد ومن جريدة "بهرا" 143 أواخر تشرين الأول 2000 التي تصدرها الحركة الديمقراطية الآشورية. أورد هذه النبذة كمدخل مبسط لتعريف الأب الراحل للذين لم يعرفوه حق المعرفة.

ولد الأب الراحل في 23/12/1938، في مدينة الموصول شمال بلاد ما بين النهرين، وأسمه الكامل فاروق داود يوسف وتسمى كهنوتياً، كعادة كهنة كنيسة المشرق، بأسم يوسف حبي. في عام 1950 دخل المعهد الكهنوتي ونظراً لتفوقه على أقرانه رشح لإكمال الدراسة في الكلية الاورانية  في روما وفي عام 1961 رسم كاهن وفي العام التالي حصل على الليسانس في الفلسفة واللاهوت ثم درس القانون الكنسي وحصل على الدكتوراه في الفلسفة عام 1966 من جامعة اللاتران بروما كما حصل أيضا وفي نفس العام على دبلوم عالي في العلوم الاجتماعية من معهد جيسك  ودبلوم عالي في الإعلام من جامعة برودو في روما. عاد إلى مسقط رأسه فخدم في مطرانية الموصل وفي كنيسة مسكنته والطاهرة ثم عين لخدمة كنيسة مار أفرام وكان أيضاً سكرتيراً للمطرانية ومحاضراً في جامعة الموصل للفترة من 1970 لغاية 1981 وأستاذا في المعهد الشرقي بروما منذ عام 1983 وحتى وفاته. وبعد تسنم مثلث الرحمات مار روفائيل بيداويد الكرسي البطريركي سنة 1989 طلبه لخدمة الأبرشية البطريركية فقدم إلى بغداد عام 1990. وبعد مخاض طويل وجهود مضنية من قبل قداسة البطريرك تكللت محاولاته بتأسيس كلية بابل للفلسفة واللاهوت عام 1990 وأسند عمادتها إلى الأب الراحل وبقى في منصبه حتى وفاته. وخلال تلك الفترة بذل فيها جهوداً كبيراً من أجل تقدمها والوصول بها إلى المستوى المطلوب والتي أصبحت بفضله صرحاً علمياً ليس للكنيسة الكلدانية وحدها وإنما لبقية طوائف كنيسة المشرق من المشرقيين والسريان، اكليريون وعلمانيون، حيث كانت أبوابها مفتوحة للجميع دون أي اعتبار طائفي. إضافة إلى ذلك كان نائباً بطريركياً للشؤون الثقافية وسكرتيراً للجنة التعليم المسيحي العليا المقامة بين الطوائف الكاثوليكية. كان عضواً في مجمع اللغة السريانية وعضواً عاملاً في المجمع العلمي العراقي ورئيساً لهيئة اللغة السريانية وعضو جمعية القانون الشرقي وعضو مؤازر في مجمعي الأردن ودمشق العلميين وعضو الجمعية الدولية لتاريخ الطب في باريس وعضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق وعضو الجمعية الفلسفية العراقية وعضو اتحاد المؤرخين وعضو نقابة الصحفيين العراقيين وعضو فخري في جمعية آشور بانيبال وهو أحد مؤسسي مجلة "بين النهرين" التراثية ورئيس تحريها وعضو هيئة تحرير مجلة "نجم المشرق" وكان مشاركاً  معروفاً في معظم المهرجانات والمؤتمرات داخل العراق وخارجها والمتعلقة بمواضيع اختصاصه فكان يتقن اللغات العربية والسريانية والفرنسية والإيطالية والإنكليزية والألمانية واللاتينية. أما مؤلفاته وأبحاثه ومقالاته فهي عديدة ومتنوعة نذكر منها الكتب التالية : الدير الأعلى وكنيسة الطاهرة/ حنين بن أسحق/دير الربان هرمزد/ دير مار كوركيس/ كتاب المولدين لحنين بن أسحق/ الإنسان في أدب وادي الرافدين/ طريق الفرح ترجمة عن الفرنسية/تاريخ إيليا برشينايا/ كنائس الموصل/ فهرس المؤلفين لعبديشوع صوباوي تحقيق عن السريانية/تواريخ سريانية/ رحلة أوليفييه إلى العراق/نيران – شعر/ دراسات إنجيلية/ كنيسة المشرق الجزء الأول/ نشوة القمم – خواطر/ خلجات – خواطر/ جوامع حنين بن أسحق في الآثار العلوية لأرسطو/ المجمع. كما ترك مخطوطة كاملة للجزء الثاني من كتابه كنيسة المشرق والذي كان قد أعده للطبع ومن المؤمل أن تقوم البطريركية الكلدانية بطبعه ونشره. هذا إضافة إلى العشرات من المقالات العلمية الرصينة المنشورة في مجلات عراقية وعربية وعالمية. وكانت آخر إطلالة له مساء يوم الاثنين المصادف 6/11/2000 على شاشة قناة الجزيرة الفضائية القطرية التي أجريت معه المقابلة التي سجلت قبل وفاته ببضعة أيام عن الكلدان ماضيهم وحاضرهم.



302
صورة وحدث من التاريخ الآشوري:

البقاء الآشوري سر من أسرار الطبيعة
أبرم شبيرا


تطرقنا في الموضوع السابق عن كيفية إتخاذ السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري وعن المذبحة التي إرتكبها بعض الزمر من الجيش العراقي في عام 1933 بحق الآشوريين في قصبة سميل كرمز قومي للمأساة والتضحيات التي قدمها الآشوريون في سبيل بقاءهم وإستمرار وجودهم القومي
وفي هذا الموضوع نأخذ نموذجاً بسيطاً يتكون من صورة معبر وبعمق عن سلسلة المأساة التي لحقت بهم من دون أن تنتهي ومن دون أن تنهي وجودهم، هذا الوجود التي يعتبر وبحق سراً من أسرار الطبيعة التي يصعب فك غموضه. ونحن نتذكر يوم الشهيد في السابع من آب في ظل وحدة شعبنا (الكلداني السرياني الآشوري) فتشت في أوراقي "الآشورية" القديمة فوجدت الكثير منها التي عالجت هذا الموضوع، وإليكم واحد منها.
=====================
للطبيعة  أسرار غامضة تتعدد الاجتهادات والدراسات حولها ساعية إلى الكشف عنها أو حل جانب من جوانب غموضها. لايزال حتى اليوم، رغم التقدم العلمي والتقنـي الهائل في وسائل البحث المختلفة، هناك ظواهر يصعب على العلماء والباحثين حل أسرارها وفك رموزها  لذلك يضطر البعض منهم الى اللجوء  إلى مناهج ميتافيزيقية (ما وراء الطبيعة) لتفسير بعض من هذه الظواهر وإرجاع مسبباتها الى عوامل خارقة وخارجة عن ارادة الانسان أو إلى تفسيرات ميثولوجية أو ثيولوجية ترى في الخالق الأوحد وفي الدين والتفسيرات اللاهوتية المرجع الأخير في تعليل هذه الظواهر وهذا كان سبب من أسباب نشوء العديد من النظريات الفلسفية في هذا المجال مثل النظرية القدرية  (Fatalism) والقائلة بأن القدر يحكم الانسان وان كل شيء في العالم وفي الحياة الانسانية محدد تحديداً مسبقاً بقدر. أو مثل النظرية اللاأدرية   (Agnosticism) والتي تنكر كلياً امكانية معرفة العالم والظواهر المختلفة فيه من خلال ارادة ومعرفة الانسان لأنها خارج أطار ارادته. وهكذا مع بقية النطريات المثالية والميتافيزقية الاخرى. والاسرار الغامضة في جوانب معينة من تطور الحياة لا تقتصر على الجانب الطبيعي فحسب بل تشمل جوانب اجتماعية أيضاً إذ هناك العديد من الظواهر الاجتماعية بين مختلف شعوب العالم لا يزال العلم عاجزاً عن فهم اسرارها أو تتعدد الاراء حولها وتتنوع بحث تعجز في الوصول الى بديهيات عامة ومقبولة في تفسير هذه الظواهر.

هذه  الحالة  تنطبق في جوانب معينة عند دراسة تاريخ الآشوريين الذي يشوبه الكثير من الغموض والقصور والعجز في تفسير بعض الظواهر في هذا الشعب العريق، ومنها سر بقاء وتواصل الشعب الاشوري لقرون طويلة وعدم إفناءه وانقراضه رغم قسوة الظروف وعمق المأساة والمذابح والتشرد والأمراض الفتاكه والفواجع المهلكة وغيرها من المصائب والويلات التي واجها عبر مسيرته التاريخية الاسطورية. والآشوريون عبر تاريخهم  المدون وحده  الذي يمتد الى أكثر من خمسة ألآف سنة عانوا من هذه المصائب والويلات أكثر مما عان أي شعب أخر معروف في منطقة الشرق الأوسط فسلبت منه كل مقومات القوة والجاه والمال وفقد التيجان والسلطان وتشرد في أقاصي وزوايا الدنيا الا انه مع كل هذا لم تستطيع أن تقضي عليه وتفني اسمه ويتلاشى وجوده. والتوراة، التي تعتبر أقدم مرجع تاريخي وأكثر سعة وانتشاراً في العالم كرس اليهود منه عشرات الصفحات في خراب نينوى وهلاك آشور، وبالاخص ما كتبه ناحوم الذي عاش في بلاد آشور وتحديدا في ألقوش، كرس كل ما كتبه عن دمار نينوى عرين الأسود، الا انه مع هذا يختم ما كتبه بأسم الرب قائلاً "لقد نعست رعاتك يا آشور واضطجعت عظماؤك وتشتت شعبك على الجبال ولا من جامع يجمعهم" (ناحوم : 3 : 18). وتفسير هذا واضح ومبين: فالرعاة، والذي يقصد بهم الملوك والزعماء والقادة، لم يفنوا ولم يضمحلوا وانما أصبحوا خاملين هادئين غير فعالين في الحياة العامة في حين قصد نفس الشيء بالنسبة لعظماء آشور والمعني بهم الحكماء والفلاسفة وكبار رجال الدين والعلم.  أما بالنسبة للشعب فواضح كل الوضوح بأنه لم يفنى ولم يتلاشى بل كل ما يقوله عنهم انهم تشتتوا في الجبال ولا يوجد تنظيم أو دولة أو كيان معين يجمعهم في وحدة واحدة. وبعد أكثر من ألفي وخمسمائة سنة يعود المبشر الأنكليزي وكرام، وأيضا تحت ستار الدين ويعيش بين الآشوريين ويدس سموم قاتلة للروح الآشورية بين سطور كتبه العديدة التي كتبها عنهم. ففي مخيم بعقوبة عام 1919 عندما شاهد الآشوريين في أوضاعهم المأساوية والمزرية كتب يقول "ان حياة هذه الكنيسة القديمة والفريدة قد قضي عليها وأنقرضت بسبب المحن الصعبة والفضيعة التي مرت عليها" (التسوية الآشورية – 1922  – ص 31). ولكن سموم هذا المبشر في قتل النفس الآشورية لم تفد كثيراً ولم تستطيع القضاء على شعب هذه الكنيسة وحتى محاولته بعد الحرب العالمية الثانية مع مجموعة من كبار رجال الانكليز "المتعاطفون" مع القضية الآشورية في تشتيت الاشوريين واسكانهم في البرازيل لم تفلح أما صمود الشعب الآشوري فاصطدمت بقوة إرادة هذا الشعب في الصمود وأصراره على البقاء على أرض أبنائه وأجداده .
 


هذه نماذج مختارة وبسيطة في التعامل في سر البقاء الآشوري ، وصورة اليوم هي نموذج أيضاً من هذه النماذج التي لا يكفيها المجلدات والموسوعات في شرح المأساة البادية على وجوه رجال هذه الأمة ولكن مهما فصلت هذه المجلدات والموسوعات وزادت من تفسيرات وشروحات مأساة الآشوريين فأن جميعاً تؤكد حقيقة واحدة غير قابلة للشك وهي البقاء الآشوري وصموده طيلة هذا الدهر الطويل والعامر بالفواجع والمصائب. والصورة، موضوع الحدث، أخذت على أكثر احتمال، في بداية عام 1920 من قبل ( الميجر دبليو. بي. رودد ) الضابط الذي كان يعمل  في القوات البريطانية التي دخلت بغداد أثناء الحرب العالمية الأولى عام 1917 وله مجموعة ممتازة من الصور الفوتوغرافية عن الشعب العراقي وتنوع طبقاته وقومياته، ومنها مجموعة عن الآشوريين أنثاء معايشتهم مأساة مخيم بعقوبة نشر البعض منها وكرام في كتابه المعروف " الآشوريون وجيرانهم". 

ولا أدري أفهل تحتاج القسمات البادية على وجوه هؤلاء أي شرح أو تفسير. لعمري لا أعتقد ذلك. فمن يحمل ذرة من الروح الآشورية يكفيه نظرة واحدة الى الصورة ويستكشف على الفور المأساة والمعاناة والتشرد التي واجهها هؤلاء في مسيرتهم الاسطورية  من هيكاري الى بعقوبة التي قضت على نصف عددهم، لا بل ويدرك، وعلى الفور أيضاً الاصرار البادي في نفوسهم على استمرار حياتهم ووجودهم. فإذا كان بوادر المأساة والمعاناة والتعب والارهاق بادية بشكل واضح على ملابس الرجل العجوز المرقعة وعلى تقاسيم وجهه وعلى تهالكه واتكاءه على عمود الخيمة في جلسة تعبر تعبيرا ساطعاً عن المسيرة الاسطورية التي اجتازها مشياً على الاقدام من منطقة هيكاري ومن ثم إلى أورمي في شمال إيران ومنها إلى مخيم بعقوبة في وسط العراق، فإن دلائل المستقل وآفاق الحياة وأستمرارها واضحة كل الوضوح في نظرات الطفل وفي وجهه المنبهر، لا بل ويبدو من قلنسوته (قبعته) بأنه يحمل آمال نصف الكرة الأرضية على رأسه ويظهر من جلسته وكأنه يترقب شيئاً ما  ويتأهيب للوثوب والانطلاق، ذلك الانطلاق الذي أستمر وتواصل حتى يومنا هذا .

أنها صورة من صور المأساة … صورة من صور الصمود والاصرار على التواصل القومي … صورة  لشعب مؤمن قدم قوافل من الشهداء من أجل استمرار وجوده … صورة لشعب عنيد يرفض الموت والفناء …. انها صورة الشعب الآشوري الخالد … صورة تعبر عن سر من اسرار الطبيعة … السر الذي يلف تاريخ هذا الشعب السخي والكريم  الذي أعطى للإنسانية كثير الكثير ولم يأخذ حتى قليل القليل .
مرة أخرى أعود وأكرر ما قلته سابقاً بأنني بقيت وفياً لأوراقي "الآشورية" وهذا الوفاء لا يستقوى ولا يتواصل مسيرته مع مسيرة هذا الشعب إلا بوحدة جميع مكوناته وتسمياته المختلفة. فوحدة شعبنا الكلداني السرياني الآشوري كفيل بأن يخفف من معاناة شعبنا الطويلة ويتحقق من خلاله الأهداف التي ناضل أجدادنا من أجلها.


303
لماذا السابع من آب يوما للشهيد الآشوري ؟
                                                                                                      أبرم شبيرا

يتساءل البعض لماذا تم اختيار مذبحة سميل لعام 1933 وتحديدا السابع من شهر آب ليكون يوماً للشهيد الآشوري في الوقت الذي هناك مئات الآلاف من الشهداء الآشوريين ومنذ قرون طويلة وهناك ضحايا الحرب والتشرد والفواجع أثرت وبعمق على الآشوريين سواء من حيث الكم أو الكيف وأثرت في نفسيتهم إلى درجة كبيرة، خاصة أحداث الحرب العالمية الأولى وما سبقتها من مذابح وما أعقبتها من تشرد وفواجع. وهذا صحيح لا أحد يستطيع أن ينكر بأن التاريخ الآشوري زاخر بدماء شهداء الأمة والجرائم التي أرتكبت بحق أبناءها منذ قرون طويلة. ولكن لماذا وكيف أختير السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري؟ فلا بد أن تكون هناك جملة عوامل نذكر منها ما يلي :

1 – العلم والشعار والنشيد الوطني ونصب الجندي المجهول وأبطال التاريخ القومي والأعياد القومية والمناسبات التراثية وغيرها، كلها رموز قومية لكل أمة من الأمم اكتمل وعيها السياسي والقومي. فالسابع من آب يوم الشهيد الآشوري يأتي ضمن هذا السياق كرمز قومي آشوري فرضته ظروف نضج الوعي السياسي القومي الآشوري وحاجة الأمة إلى هذا الرمز لإبراز هويتها القومية وأهمية الحفاظ على هذه الهوية من خلال التضحية والفداء بالدماء الزكية الطاهرة لأبناء أمتنا الآشورية.

2 – السابع من آب والمذبحة المأساوية في سميل عام 1933 هو تاريخ معاصر وقريب إلى أحداثنا القومية والسياسية المعاصرة وإلى المأساة الناجمة عن الممارسات العنصرية والشوفينية ضد الآشوريين في العقود الأخيرة وإلى يومنا هذا. إضافة إلى ذلك فإن الكثير من أبطال الحركة القومية الآشورية عام 1933 كانوا ولا يزالون لوقت قريب أحياء يرزقون، كما أن هناك شهود عيان لمذبحة سميل لا يزال الكثير منهم يعاصرون أحداث أيامنا هذه.

3 – لأول مرة في التاريخ الآشوري تتخذ الحركة القومية عام 1933 نهجاً اكثر تمييزاً واستقلالاً من حيث الشكل والمضمون عن نهج الكنيسة والدين وإن كانت في بعض جوانبها ، سيما من حيث القيادة والتنظيم ( الديني – العشائري ) لها مظاهر دينية وعشائرية، إلا إنها من حيث المضمون وضمن سياقها الزمني كانت تسعى إلى تحقيق أهداف قومية تتعلق بحق الآشوريين في تقرير مصيرهم القومي.

4 – في العقود الخمسة الأخيرة من تاريخنا المعاصر نشأة أحزاب سياسية ومنظمات قومية أولت أهمية للتاريخ السياسي للآشوريين الزاخر بالبطولات والتضحيات من أجل تحقيق الأهداف القومية المشروعة فكان من الطبيعي جداً، كما هو الحال مع بقية الأحزاب السياسية للقوميات الأخرى، الاستناد إلى أحداث تاريخية تتخذ منها دروس قومية لشحذ همم الآشوريين وتطوير وعيهم القومي بشكل ينسجم مع تطلعات الأمة الآشورية. فكانت أحداث الحركة القومية الآشورية والمذبحة التي أرتكبت بحق الآشوريين في سميل ملهمة لأبناء أمتنا في استمرار وتواصل النضال القومي، فأصبح السابع من أب رمزاً من رموز التضحية والفداء عند الشعب الآشوري ومنظماته وأحزابه السياسية.

5 – وفرة وتعدد المصادر والكتب والوثائق عن الحركة القومية الآشورية لعام 1933 والمذبحة التي رافقتها وباللغات التي يجيدها الآشوريون كالآشورية/السريانية والإنكليزية والعربية والفارسية، وسهولة الرجوع إليها واغتراف مضامينها التاريخية والسياسية وأبعادها القومية والإنسانية واستلهام معانيها النبيلة في الاستشهاد في سبيل الحرية. فهذه المصادر ساهمت بدورها في إنماء وتطوير الوعي القومي الآشوري وبالتالي إضفاء أهمية استثنائية لمعنى الفداء والتضحية بالدماء في مسيرة التحرر القومي الآشوري. ومن الجدير بالذكر في هذا الشأن كتاب ماليك ياقو ماليك إسماعيل "الآشوريون والحربان العالميتان " وكتاب يوسف مالك "خيانة بريطانيا للآشوريين" وكتاب البطريرك مار شمعون إيشاي "مأساة الآشوريين" والمنشور باسم مؤلف مجهول. فهذه الكتب سلطت أضواء مكثفة على تفاصيل الحركة القومية الآشورية عام 1933 والمذبحة التي رافقتها والتي كتبت بنوع يتسمه نسمات من الروح الآشورية، لذلك كان تأثيرها واضحاً على نفسية الآشوريين والذين تمكنوا من خلالها استخلاص العبر والدروس القومية وبالتالي المساهمة في إنماء وتطوير الوعي القومي السياسي للآشوريين في عصرنا الحالي. وتأتي أهمية هذه الكتب في كونها كتبت من قبل رجال عاصروا الحركة الآشورية وواصلوا النضال لفترات لاحقة واحتلوا مواقع قيادية فيها، فجاءت كصورة حقيقة ناطقة عن الضمير الآشوري الذي ذبح في سميل.
6- مأساوية مذبحة سميل ودراماتيكية أحداثها الدموية وتأثيرها بشكل عميق على نفسية الفرد الآشوري وعلى الأجيال اللاحقة من جهة، وانعكاساتها السلبية في البنية الفكرية العراقية والترسبات التي خلقت في عقلية رجال الحكم في العراق من جهة أخرى، ترتب على ذلك تبعيات سياسية وقانونية سلبية على الآشوريين، كموضوع الحصول على الجنسية العراقية مثلاً والمواقف السلبية للأنظمة المتعاقبة على السلطة في العراق تجاه الآشوريين وفي توجيه مختلف التهم والشتائم اليهم وفي اعتبارهم مجرد "عملاء أو جواسيس أن طابور خامس للاستعمار الانكليزي" . فكانت مثل هذه الممارسات السياسية والقانونية تجاه الآشوريين سبباً في خلق أهمية لهذا الحدث في نفسية المجتمع الآشوري لتفرز فيما بعد ردود فعل لها مغزاها القومي.

هذه بعض الأسباب التي دفعت بالحركة القومية الآشورية عام 1933 والمذبحة التي رافقتها في سميل إلى مصاف الأعياد القومية لدى الآشوريين جمعاء وان يصبح السابع من آب مناسبة تتكلل حولها أرواح الشهداء الآشوريين جميعاً سواء أكانوا قبل هذه الحادثة أم بعدها، وهذا ما يمكن تلمسه أيضا من خلال القصائد والكلمات التي تلقى في هذه المناسبة حيث يكثر الحديث عن مار شمعون بارصباي ومار بنيامين ثم يكثر الحديث المبجل عن شهداء الأجيال المعاصرة الذين ودعنا أجسادهم في الأمس القريب واحتفظنا بأرواحهم وذكرياتهم في اجمل زوايا قلوبنا نستمد منهم العبر القومية والإنسانية في تسطير تاريخ أمتنا وفي إصحاح يعتبر من اجمل إصحاحات التاريخ الآشوري ليكون بذلك وبحق رمزاً لخلود الأمة، ذلك الخلود الذي كان ثمنه دماء شبابنا الزكية وأرواحهم الطاهرة من أجل أن نستمر نحن في هذا العالم وأن يستمر أطفالنا في عالم الغد. فالسابع من آب يوم خالد، يجب أن يكون كذلك لكل الآشوريين ولكل مؤسساتهم الدينية والقومية معاً لأنه واجب قومي وديني وإنساني لكل من تعمذ بروح القدس وأستحق اللقب الآشوري هوية له.

والإشارة مستوجبة هنا للإشادة والتقدير للدور الكبير الذي لعبه الاتحاد الآشوري العالمي (AUA) في إقرار هذا اليوم ضمن قراراته في مؤتمره المنعقد في طهران عام 1970 والذي اصبح منذ عهده يوماً قومياً لجميع الآشوريين ورمزاً من رموز صمود وإصرار النضال الآشوري، وهذا القرار إلى جانب القرارات الأخرى التي أقرت المناسبات القومية الأخرى تعتبر من اعظم الإنجازات التي حققها الاتحاد الآشوري العالمي فقد كانت قرارات قومية وذكية جداً يستحق عنها التقدير الكبير. ومنذ تلك الفترة وبتصاعد الوعي القومي الآشوري توالت الاحتفالات بهذه المناسبة، خاصة من قبل الأحزاب السياسية والمنظمات القومية كما تناولته تقريباً معظم الصحف والمواقع الألكترونية الآشورية هذه المناسبة بالعديد من المقالات.

واخير لم يبقى إلا أن أقول وأنا أعيد نشر هذه المقالة بعد أن كتبته قبل سنوات، قبل أن تثار مسألة التسمية القومية لشعبنا وتبني التسمية المركبة (الكلدان السريان الآشوريين)، بأنني احتفظت  بالتسمية الآشورية وبالإثارة القومية و "الثورية" السياسية فيها، ذلك لأن التسمية الآشورية وحدها هي التي كانت سائدة على الساحة السياسية خلال العقد الماضي ومن خلالها كانت تطرح الهوية القومية والمطالبة بالحقوق القومية ولم يكن لائقاً ومقبولا إدراج الكلدان والسريان و "تطوريطهم" بأحداث سميل لعام 1933 والتي كانت بمثابة تمرد وعصيان وتهديد أمن الوطن للخطر عند النظام السياسي العراق وسيف أزلامه مسلطاً على الرقاب.

ويقيناً بأن الإكتفاء بالتسمية الآشورية في هذه المقالة سيدخدغ قلوب المتزمتين بالتسمية الآشورية ويزيدهم ثرثرة وفي نفس الوقت فإن طرح موضوع يوم الشهيد الآشوري وبالأسلوب الذي أتبعناه والإكتفاء بالتسمية الآشورية سيؤجج بركان عدد من الكلدان الإنفصالين وسيزيد حمم نيرانه على أبناء الأمة المتوحدين تحت تسمية موحدة شاملة للكل. وليس غريباً أن نرى في يوم ما بأن نفر الآشوريين المتزمتين يتحالفون مع النفر الآخر من الكلدان الإنفصاليين، كما يتحالف اليسار المتطرف مع اليمين المتطرف من أجل ضرب الوسط المعتدل والمنطقي رغم تناقضهم الصارخ. ولكن كل تجارب العالم أثبت فشل مثل هذه التوجهات. ومصير "أصحابنا" لا يختلف عنهم إطلاقاً. فالسباحة بعكس التيار ترهق السابح فمصيره أما الإنسحاب من السباق بعد نفاذ جهده وطاقته أو إنجرافه مع التيار نحو المسار الصحيح واللحاق بالبقية. ولنا عودة مع موضوع التسمية الموحدة.     


304
الحكم الذاتي للكدان السريان الآشوريين -2 
حقيقة أم أوتوبيا


الحكم الذاتي حق مطلق:
قد يوحي للبعض بأن ما ذكرناه في القسم الأول من هذا الموضوع بخصوص الصعوبات الموضوعية المتعلقة بحجم السكان والتركز الجغرافي هو رفض الحكم الذاتي للأمة الكلدانية السريانية الآشورية ولكن هذا غير صحيح إطلاقا، فالصعوبة لا تعني الإستحالة. فمنذ البدء أريد أن أوكد بأن الحكم الذاتي لهذه الأمة حق طبيعي ومطلق وحتى إن لم يكن واقعياً ولاتسمح الظروف الموضوعية الحالية إقامته أو تنفيذه في الوقت الحالي وللإسباب المار ذكرها، غير إن هذا لا يمنعنا من التفكير والبحث فيه والمطالبه به والنضال من أجله لجلب هذا الحق المطلق إلى الواقع العملي. والحق المطلق هو حق لصيق بالإنسان والمجتمع يولد معه. فمثلما للإنسان الحق في العيش والزواج وتكوين بيته وأسرته والعمل والحرية وغيرها من الحقوق الإنسانية المطلقة كذلك حق كل أمة أن يكون لها "بيت" تعيش فيه وتعزز كيانها كوسيلة لديمومة إستمرارها للأجال البعيدة المستقبلية. من هنا نقول بأن رفض الحكم الذاتي للأمة الكلدانية السريانية الآشورية أوإنكاره يعد إنتهاكاً للقانون الطبيعي لحق هذه الأمة مهما كانت أسباب هذا الرفض أو الإنكار لأنه إنكار للطبيعة الإلهية التي منحت الإنسان والمجتمع حق العيش بحرية وسلام وأن أرقى أشكال الحرية لأية أمة هي أن تعيش في كيانها الخاص بها سواء أكان هذا الكيان دولة مستقلة ذات سيادة كاملة أم حكم ذاتي أم أقليم فدرالي.

فعلى سبيل المثال  لا الحصر، الكرد أمة تستحق أن يكون لها كيان قومي خاص بها وهو حق طبيعي لا خلاف عليه ولكن تدرك قيادتها السياسية بأن هناك جملة عوامل موضوعية، داخلية وإقليمية ودولية، لا تسمح بإقامة كيانها القومي المستقل. فالظروف الحالية تجعل هذ القيادة أن تكتفي في الوقت الحالي بفدرالية كردية ضمن العراق. ولكن هذا الاكتفاء لا يسقط حقها في المطالبة وتحقيق مطمح الدولة المستقلة متى ما أصبحت الظروف الموضوعية مؤاتية لذلك. والحال لا يختلف مع حق الأمة الكلدانية السريانية الآشورية في الحكم الذاتي كحق طبيعي ومطلق إلا في بعض الحالات المتعلقة بالعوامل الذاتية وبالأخص بالوعي الوعي والسياسي ومدى تأثيرها على العوامل الموضوعية القاسية المتحكمة في إرادة الشعوب.

الحكم الذاتي بين العوامل الموضوعية والذاتية:
سبق وبينًا كيفية تحكم العوامل الموضوعية، من صغر الحجم السكاني والتوزيع الجغرافي للكدان السريان الآشوريين في جعل موضوع الحكم الذاتي صعب التطبيق في الوضع الراهن وأكدنا على صلابة هذه العوامل وبطئ تغيرها إن لم يكن مستحيلاً. فلا يمكن الفرض على الناس ليكثروا الإنجاب ولا إجبارهم على التنقل للسكن في منطقة معينة مالم تكن برضاء أنفسهم وبوعي كامل منهم. من هنا تأتي ألأهمية القصوى للعوامل الذاتية، من وعي قومي وتطور سياسي وحضاري في إدراك أهمية الحكم الذاتي للأمة الكلدانية السريانية الآشورية ومدى أستعداد أبناء هذه الأمة في العمل والتضحية من أجل دفع حقهم المطلق في الحكم الذاتي إلى الواقع التطبيقي وإستعداد الآخرين من غير أبناء هذه الأمة في تقبل وإقرار هذا الحق. ولكن الحقيقة الواقعية من دون أية رتوش أو مبالغات تبين بأن الوعي القومي السياسي لدى أبناء الأمة لم يصل إلى تلك الدرجة من العمل المضني والتضحية من أجل تحقيق الحكم الذاتي.

 والوعي القومي السياسي للأمة تجاه مسألة الحكم الذاتي لا يمكن قياسه ومعرفته إلا من خلال المؤسسات والأحزاب التي تمثل أبناء الأمة. وقد يكون المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ومن ثم الحركة الديمقراطية الآشورية نموذجان بارزان في هذا الصدد فيما يخص الحكم الذاتي.

المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري والحكم الذاتي: لقد سبق وأعتبرنا المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، بما يتضمنه من مؤسسات وأندية وجمعيات، وأنضمت إليه في الفترة الأخيرة بعض الأحزاب السياسية، رائداً في المطالبة بالحكم الذاتي وأعتبرنا السيد سركيس أغاجان الأب الروحي والفعلي لهذا المجلس ومبشراً في الحكم الذاتي. فبغنى عن من "يمول" هذا المجلس والدعم الكبير الذي يتلاقاه من الكرد فأنه لا يزال عاجزاً عن التعبير السياسي والإرتقاء بالوعي القومي إلى درجة يستطيع التأثير في العوامل الموضوعية لتهيئة الأرضية لإقامة الحكم الذاتي. أي بعبارة أخرى لم نجد لحد هذا اليوم أية إستعدادات ومشروعات عملية ومنطقية تهيئ الأرضية للحكم الذاتي تصل إلى قناعة أبناء الأمة وقناعة المتحفظين والرافضين من غير أبناء الأمة حتى تؤمن بالحملة الدعائية التي يعملها في هذا المجال وبجديتها. وقد يكون حدود عمل المجلس في هذا المجال محكوماً بالإرادة الكردية السياسية في إلهاء أبناء الأمة بالكلام عن الحكم الذاتي والدوران في نطاقه الإعلامي غير العملي، ولكن من جانب آخر يظهر بأن الأسس التي تأسس عليها المجلس لا تؤهله للقيام بالدور الفاعل والحقيقي في إنماء الوعي القومي المطلوب في دفع الحكم الذاتي من النظرية إلى التطبيق. أن موضوع الحكم الذاتي هو مسألة سياسية بحته تأطره مسائل فنية: قانونية دستورية. فالإشارة هنا جديرة بالذكر بأن تسمية المجلس بـ "الشعبي" تبعده بشكل ما عن السياسة وتعطي إنطباعاً في كونه "لملمة" لمجموعة من منظمات شعبية مهنية وإجتماعية وثقافية وبعض الشخصيات العلمية والثقافية. وهكذا كان واقع الحال عند تأسيسه ولربما أدركت الأحزاب السياسية التي أنظمت إليه فيما بعد هذه الحقيقة وترددت كثيرا لحين الإنظمام إليه.

منذ فترة كنت أنوي كتابة بحث مقارن بين الإتحاد الآشوري العالمي والمجلس الشعبي خاصة من حيث التشكيلة والهيكلية ولكن ضيق الوقت و "الكسل" عرقلني بعض الشيء، وهنا أود أن أورد بعض من مفاهيم هذا البحث. لاشك فيه أن فكرة تأسيس الإتحاد كانت فكرة عظيمة في زمانها ونبيلة في أهدافها ولكن من المؤسف أن نقول بأن هذا الإتحاد بمرور الزمن مات كجسم وفعل ولم يبقى منه إلا أسم وقول. لأنه كان هو الآخر "لملمة" لمجموعة من المنظمات والأندية والمؤسسات التي لم يكن لها أي علاقة بالسياسة القومية إطلاقاً غير في كونها "آشورية". وقد يكون لبعض هذه المؤسسات والإندية سواء المنضوية تحت لواء المجلس حالياً أو التي كانت منضوية تحت لواء الإتحاد أكثر إستقراراً وجماهيرية ونشاطاً وربما أكثر غنىً ولكن لايمكن بأية حال من الأحوال أن تحل محل الأحزاب السياسية أو أن تلعب دورها السياسي. فبغنى عن الإختلاف الكلي للأهداف فإن طبيعة عمل كل من هذه الجمعيات والأحزاب يختلف كلياً كما تختلف الأسس المبدئية التي يقوم عمل كل منهما خاصة في الأوقات الحرجة والصعبة. فالمجلس كتنظيم فدرالي، أي يتكون من مجموعة منظمات مستقلة، يكون نطاق عمله وأهدافه في التحليل الآخير قومي سياسي ولكن ليس كذلك بالنسبة للجمعيات المنضوية تحت لواء. فعندما تشتد الظروف ويضيق الخناق في الساحة السياسية تختفي هذه الجمعيات من الساحة وتحجم في حجمها الطبيعي، ولكن الأحزاب السياسية وإن أختفت أو تقلص عدد أعضاءها في مثل هذه الظروف الصعبة إلا أنها، لكونها قائمة على مبادئ سياسية قومية، فأن هذه المبادئ تبقى فاعلة على الساحة، وهي الحالة التي تسمى بـ "النضال السلبي" ولكن مثل هذا النضال لا ينطبق أبداً على الأندية والجمعيات. إذن ليس غريباً أن تتردد الأحزاب السياسية في الإنضمام إلى المجلس وأن ترى صعوبة العمل معاً. أنه من الغريب والنادر أن تنخرط مثل هذه الجمعيات والأندية في العمل السياسي بشكل مباشر، فالسائد هو أن يكون نشاطها بشكل غير مباشر وعن طريق الأحزاب السياسية. ففي المجتمعات المتقدمة سياسياً تكون هذه الجمعيات أما تابعة أو منظمة إلى الأحزاب السياسية وتلعب دوراً كبيراً في التأثير ورسم سياسية هذه الأحزاب ولا تتصرف بشكل مستقل. والحالة شاذة في المجتمع الكلداني السرياني الآشوري حيث نرى هناك جمعيات وأندية وحتى مجالس كنسية تنخرط في المسائل السياسية بشكل مباشر وتتحالف مع الأحزاب وتجعل نفسها نداً لها لا بل وتنافسها كأنها حزب سياسي ولكن هي ليست كذلك. هذا الخلط يجعل العمل السياسي غير مجدي وقصير العمر ينتهي عاجلاً أم آجلاً بالطلاق بين المتحالفين أو بإخلاء الساحة السياسية عند إشتداد الأمور.

قد يضعني البعض بعد هذا التحليل لمضامين المجلس الشعبي في خانة الرافضين والمعادين له جملة وتفصيلاً وهذا غير صحيح. إن فكرة تأسيس المجلس هي فكرة جيدة ولم شمل الأمة بكل مكوناتها وأهدافها قد تبدو من حيث النطرية نبيلة ولكن من المؤسف أن نتصور بأن مصيره سيكون كمصير الإتحاد الآشوري العالمي. فمن الأجدر كان أن يسمى بـ "المجلس القومي الكلداني السرياني الآشوري" وأن يتضمن في عضويتة أحزاب سياسية فقط وأن تكون رئاسته دورية بين هذه الأحزاب وليس محصورة بأشخاص أو موظفين مستقلين عنها. هذه الأسباب سوف تقود المجلس إلى التراخي وتفكك عضويته وسوف تعمل الجمعيات والأحزاب المنضوية تحت لواءه بشكل مستقل أو شبه مستقل خاصة في هذه المرحلة التي نشاهد فيها تراجع دور السيد سركيس أغاجان عن الساحة السياسية وما يترتب على إنحسار هذا الدور من نتائج سلبية سياسية ومعنوية وحتى مالية على المجلس وعلى محتوياته. وهذا ما نشاهد اليوم من خلال القوائم المرشحة لإنتخابات برلمان أقليم كردستان حيث بدأت الإنسحابات من المجلس كما بدأت الجمعيات والأحزاب التي كانت منضوية تحت لواء المجلس بطرح قوائمها الإنتخابية الخاصة بها لبرلمان إقليم كردستان وبالمقابل بدأ المجلس يتصرف هو الآخر كحزب سياسي، كما فعل ويفعل حتى اليوم الإتحاد الآشوري العالمي، ويطرح قائمته الخاصة به في هذه الإنتخابات.

لكل الأسباب المار ذكرها فإن المجلس عاجز عن إنماء الوعي القومي لأبناء الأمة الكلدانية السريانية الآشورية نحو ساحة تطبيق الحكم الذاتي الذي يعد رائداً في المطالبة به وعليه أن يدرك بأن أية مطالبة يجب أن تستند على وقائع وإستعدادات على الأرض وحتى إن كانت في حدودها الدنيا فإن الوعي السياسي القومي الفاعل سيكون له دوراً في رفع الحدود الدنيا للعوامل الموضوعية إلى مستويات أعلى قادرة على إقناع أبناء الأمة بجدية المطالبة بالحكم الذاتي بدون أية نفاق أو مجالات مسنودة بمساعدات مالية أو ببناء بيوت مزركشة بألوان كردية او بالكفاءة العالية لقناة عشتار ذات اليد الطولى التي تصل كل بيت شرقاً وغرباً.



الحركة الديمقراطية الآشورية والحكم الذاتي:       
درست هذه الحركة من كل جوانبها دراسة علمية موضوعية وعايشت بعض أعضاءها منذ زمن طويل معايشة مباشرة أو غير مباشرة ووجدت بأنها فعلا تمثل حزب سياسي متكامل من جميع الجوانب وإنها دخلت المعترك السياسي منذ أكثر من ثلاثة عقود وضمن مختلف الظروف سواء أكانت إستبدادية أم ديمقراطية وضلت على نهجها ومبادئها لذلك أتصفت بالصلابة والإستمرارية وذات قاعدة جماهيرية واسعة وعلى هذا الأساس ليس غريباً أن يتصاعد الخط البياتي لها أو ينحدر سواء من حيث شعبيتها أو فاعليتها فهي حالة طبيعية يجب فهمها ضمن السياق السياسي العام وليس الخاص. وكحركة بهذه الصفة السياسية المتكاملة لابد أن كونت رأيها بخصوص مسألة الحكم الذاتي ودرست كل العوامل والأسباب التي تستند إليها في المطالبة به وإقراره ومن ثم تطبيقه. أن الشعار أو المبدأ المرفوع من قبل هذه الحركة هو "عراق ديمقراطي حر وإقرار بالوجود القومي الآشوري" أي أن نضالها ينصب على أولاً إقامة أو المساهمة في إقامة نظام ديقراطي كأساس لإقرار الوجود القومي للأمة ثانياً. وضمناً يعني أن مثل هذا الوجود يجب أن يتواجد في مكان ما أو على بقعة معينة تتصف بسمات هذا الوجود. وكضمان لإستمرارية هذا الوجود على هذه البقعة من الأرض فأنها يجب أن تدار أو تحكم من قبل أبناءها وأن هذه الإدارة أو الحكم ضمن النظام الديمقراطي يعني ضمن دولة العراق الفدرالية الموحدة.

غير أنه من السائد والشائع بأن الحركة لا تطالب بالحكم الذاتي بل هي بالضد منه وتعارضه وتعارض أيضاً المنادين به وبالمقابل تطرح مسألة الإدارة المحلية للمناطق الكلدانية السريانية الآشورية عوضاً عن الحكم الذاتي. ترى هل أن سبب معارضتها للحكم الذاتي هو لأنها تقف بالند للمجلس الشعبي أم لها منطلقات نظرية سياسية تجعلها أن تفضل الإدارة المحلية على الحكم الذاتي. لا نرغب مناقشة السبب الأول، أن كان هو السبب فعلاً، في رفض الحكم الذاتي لأنه يدخل في المسائل الشخصية المنبودة ونحن بغنى عنها في هذا الموضوع وبالتالي ليس أمامنا إلا السبب الثاني. ليس لدينا مصادر كاملة عن إستراتيجية الحركة تجاه موضوع الإدارة المحلية غير بعض التصريحات التي يطلقها المسؤولون عنها ولكن على العموم يمكن أن نقرأ بعض مضامني هذه التصريحات والورقيات التي تصدر الحركة هنا وهناك حتى نصل إلى مفوم الإدارة المحلية وأحسن أسلوب للمعرفة هو المقارنة بينها وبين الحكم الذاتي.

الحكم الذاتي والإدارة المحلية:
من الناحية الشكلية يختلف مفهوم الإدارة المحلية ومكوناتها الأساسية عن الحكم الذاتي. فالأخير، كما سبق ذكره، يقوم على ثلاث أسس وهي الإقليم والشعب ثم الحكومة (هيئة تشريعية وتنفيذية وقضائية في حالة نظام فصل السلطات). والحكم الذاتي بهذا المفوم يفتقر إلى السيادة الكاملة لأنه حكم ضمن دولة ذات حكومة مركزية تملك وحدها السيادة الكاملة على جميع أقاليم الدولة. أما الإدارة المحلية فتقوم على (1) أقليم أو عدد من أقاليم و(2) الشعب أو مجموعات قومية أثنية و (3) هيئات إدارية تنفيذية. الإشارة واضحة إلى صغية المفرد فيما يخص الحكم الذاتي في حين الإشارة هي بصيغة الجمع بالنسبة للإدارة المحلية. فوحدة الإقليم في الحكم الذاتي شرط أساسي وممارسته تقوم على أرض الإقليم. أي إن الحكم الذاتي يتبع الإقليم فقط وليس القومية أو المجموعة الأثنية والتي هي ليست بتلك الأهمية كشرط أساسي. فعلى سبيل المثال أن الحكم الذاتي، أو الفدرالية تنطبق على إقليم المحافظات الشمالية ولا يهم فيما إذا كان ساكنوا هذه المحافظات كرد أم غيرهم من القوميات ولكن مع هذا المرعاة في منح الإمتيازات والحقوق يبقى قائما فيما يخص الأكثرية والأقلية. في حين أن الحكم الذاتي للكرد أو الفدرالية لا تنطبق على الكرد (الشعب) الساكنين في المحافظات الآخرى، أي ان الحكم الذاتي أو الفدرالية لا تلحق أو تتابع الكرد إينما كانوا بل يكون موضوعها الأساسي الإقليم والساكنين فيه وإلا أصبحنا في حالة دولة داخل دولة عندما، مثلا، يحاول الإقليم الفدرالي التحكم أو التدخل في الشؤون السياسية للكرد الساكنين في بغداد أو البصرة أو المحافظات الأخرى.

فمن الملاحظ في هذا اليوم أن بعض دعاة الحكم الذاتي يطرحون أفكار تقوم على إعادة رسم الخارطة الجغرافية والديموغرافية لمناطق سكن الكلدان السريان الآشوريين. وقد تبدو مثل هذه الأفكار مقبولة من حيث المبدأ والإيمان القومي ولكن تبقى غير منطقية وواقعية لأنها تقوم على أساس التمني والطموح الآجل من دون مراعاة الظروف الخارجية المحيطة بهذه المناطق وردود أفعال الكرد أو القوميات الآخرى المتعايشة مع أبناء الأمة الكلدانية السريانية الاشورية خاصة في منطقة سهل نينوى حيث يكثر الشبك والصابئة ناهيك عن المناطق الآخرى في إقليم كردستان حيث هناك إختلاطاً قومياً وديناً في العديد من القرى أو المحيطة بها خاصة في المرحلة الأخيرة التي إزداد تجاوز الكرد للقرى الكلدانية السريانية الآشورية ويزداد بإستمرار وهي الحالة التي ستعقد الوضع الديموغرافي أكثر فأكثر وتصعب عملية رسم خارطة للإقليم الذي يطبق عليه الحكم الذاتي.

 أما الإدارة المحلية فهي أسلوب أو نظام سياسي آخر مصغر عن الحكم الذاتي وأقل درجة منه. وكما سبق ذكره فأنه يفتقر إلى الهيئة التشريعية وأنه من الممكن أن تقوم مثل هذه الإدارة على عدة أقاليم أو مناطق وليس بالضرورة أن تكون هذه المناطق مرتبطة جغرافياً ومحاذية بعضها للبعض ولكن الإختلاف يبقى في مسألة تشريع القوانين والإنظمة الخاص في إدارة هذه المناطق والتي ستكون من صلاحيات الهيئة التشريعية في الحكومة المركزية. إن الإدارة المحلية ليست فقط تعيين قائمقام أو مدير ناحية من أبناء الكلدان السريان الآشوريين لقصبة معينة وإنما هو هيكل كامل من الإدارة والممارسة لتطبيق الحقوق المشروعة لأبناء الأمة. إن المشكلة تنحصر هنا في القوانين والأنظمة. فأعضاء الهيئة التشريعية في الحكم الذاتي هم أدرى من غيرهم في فهم الواقع ومعرفة طموحات المحكومين ومن ثم إصدار القوانين والإنظمة التي تخدم أبناء منطقة الحكم الذاتي وتحقق طموحاتهم. في حين تصدر القوانين والإنظمة من قبل الحكومة المركزية فيما يخص مناطق الإدارة المحلية وتقتصر صلاحية الإداريون (الحكومة، أن صح التعبير) في هذه  المناطق على إصدار التعليمات لتطبيق هذه القوانين والإنظمة. أي بعبارة أخرى، تكون مسألة التشريع وإصدار القوانين بيد حكام قد لا يكونون ملمين كثيراً بشؤون أبناء مناطق الإدارة المحلية.

ولكن مهما كان الإختلاف بين الحكم الذاتي والإدارة المحلية، خاصة فيما يخص التشريع، فإن الحكم الفاصل في فاعلية التشريع وجدواه هو مدى ديمقراطية النظام السياسي والحكومة المركزية وإيمانها مبدئياً وفعلياً بالتعددية وإقرار حقوق الأمة الكلدانية السريانية الآشورية في الإدارة المحلية أو الحكم الذاتي. فإذا كانت مثل هذه الحكومة غير ديمقراطية في الممارسة فأنه مما لا شك في ستفرض رقابة شديدة على القوانين التي تصدر من منطقة الحكم الذاتي وربما ترفضها أو تخلق آلية دستورية لكي لا تشرع إلا بموافقتها أو تتمسك بحق الفيتو تجاها هذا إذا أفترضنا أصلا بأن النظام السياسي ودستوره يقر بحق الأمة في الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية. من هذا نؤكد بأن الديمقراطية الحقيقية، ليس بالقوانين والتشريعات فحسب وإنما بالممارسة الفعلية أيضا، تعتبر العنصر الفاصل في إمحاء الفرق بين الحكم الذاتي والإدارية المحلية فيما يخص التشريع لأن من حيث المبدأ فالهيئة التشريعية للنظام الديمقراطي لا بد أن تقدر مطالب أبناء مناطق الإدارة المحلية وتصدر قوانين وأنظمة تلبي حاجاتهم وتحقق طموحاتهم وخاصة عندما يكون أعضاء من أبناء هذه المناطق في الهيئة التشريعية وتترك لهم حرية التطبيق بالشكل الذي يليق الأمة. من هنا يمكن القول بأن الشعار الإستراتيجي الذي رفعته الحركة الديمقراطية الآشورية في (عراق ديمقراطي حر وإقرار بالوجود القومي الآشوري) يؤكد بأن بدون ديمقراطية حقيقية وحرة لا يمكن أن يكون هناك لا حكم ذاتي ولا إدارة محلية لأبناء الأمة الكلدانية السريانية الآشورية.   


الكنيسة والحكم الذاتي:
كثير في الآونة الأخيرة الحديث عن إقحام الكنيسة في هذه المسألة وبروز طروحات عن "حقوق المسيحيين" أو الحكم الذاتي للمسيحيين. أنه لأمر غريب أن يكون الحديث عن المسيحيين في العراق وحقوقهم .... وعن أية حقوق يتكلمون وعن أي حكم ذاتي للمسيحيين؟؟؟. أن هذه المصطلحات غريبة لا بل يمكن القول أيضا أنها عجيبة لأن مثل هذه المفاهيم لا توجد في القاموس السياسي خاصة في منطقة الشرق الأوسط. أن حقوق المسيحيين في العراق معروفة منذ أمد طويل وهي حرية العبادة وبناء الكنائس وممارسة الطقوس الدينية والأعياد والتمتع بعطلها الرسمية وربما إمتيازات أخرى لا يتمتع بها غير المسيحيين وطبعاً لايهم أن يكون هناك منطقة معينة خاصة بهم للمارسة هذه الحقوق الدينية لأنها ممكن ممارستها إينما كان المسيحيون في العراق أم في خارجه. ففي العراق كنظام سياسي مهما كان طبيعته فأن المسيحيين مارسوا هذه الحقوق وإن أي إجحاف مورس بحقهم فأنه لم يأتي من النظام نفسه وإنما من طبيعة عقيدة الإسلام والأسس الشرعية التي فرضت على النظام لتضمينها في الدستور أو في القوانيين، خاصة فيما يتعلق بكون الإسلام دين الدولة الرسمي والذي بالتالي فرضيا يحرم المسيحيين من تولي مناصب قيادية عليا كرئيس للجمهورية أو رئيس للوزراء... إلخ.

أما بالنسبة للحكم الذاتي للمسيحيين، فأنه يأتي من البعض كـ "جفيان شر" التسمية المركبة لأبناء الأمة "كلدان سريان آشوريون" المركبة الطويلة ودرجهم كلهم في تسمية واحدة أو تأتي من رجال الدين باعتبارهم "قادة" المسيحيين يحق لهم التكلم عنهم ولا عن غيرهم. أوردت صغية المفرد للكنسية إنطلاقاً من إيماننا في كون جميع فروع كنيسة المشرق كنيسة واحد ولكن الواقع الأليم يفرض عليها أن نتكلم عن كل فرع وعن موقفه من الحكم الذاتي. تعتبر الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وعلى لسان بعض مطارنتها الأجلاء أكثر رفضاً للحكم الذاتي "للمسيحيين" وحجة الرفض تقوم على أساس رفض عزل المسيحيين في "صندوق" ومن ثم سهولة تعرضهم إلى العداء والإضطهاد من قبل المتطرفين لذلك فالخير لهم أن يعيشوا بين أبناء الديانات الآخرى في محبة وأخوة.... أن مملكتي ليست من هذا العالم .... يبدو إن هذا هو شعارهم. ولكن ألم يذبحُ المسيحيين وهم يعيشون بين أبناء الديانات الآخرى وليس في "صندوق". أن الواقع ينفي الحجج التي أستند عليها المطارنة الأجلاء. هناك نوع ما من تأييد للحكم الذاتي لمطارنة الكنيسة الكلدانية في المهجر، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن هذا لا يمكن أخذه بمعيار الجد والمنطق لأنه ينطلق من عقلية الإغتراب فالقرار الأخير هو من العراق وليس من الخارج. أما كنيسة المشرق الآشورية، فليس غريباً أن تكون مؤيدة في شخص بطريركها قداسة مار دنخا الرابع في تأييد الحكم الذاتي لأن موقفها تاريخياً معروف فيما يخص المسائل القومية. أن أعظم تصريح يستوجب إعطاءه لوسائل الإعلام من قبل رجال الدين من جميع فروع كنيسة المشرق هو القول: بأن الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية مسألة علمانية سياسية تخص منظماتنا القومية وأحزابنا السياسية وكرجال دين نحن نصلي لكي يوفقهم الله في تحقيق الأهداف التي تخدم أبناء شعبنا... والسلام عليكم ... هكذا.

خلاصة وإستنتاج:
مما تقدم نستنتج بالقول بأن الحكم الذاتي مطلب قومي إستراتيجي يستند على حق طبيعي وسماوي وموضوعي للأمة الكلدانية السريانية الآشورية والنضال من أجله بالطرق السلمية والديموقراطية أمر لابد منه للمنظمات القومية والأحزاب السياسية لتطبيقه عندما تتهيأ الظروف أو يهيئون العوامل الفكرية والموضوعية لهذا التطبيق ولكن كما يقول القول "من أستعجل الشيء حرم منه" لذلك يستوجب قبل كل شيء الاستعداد له من خلال ترتيب البيت الداخلي للأمة ومن ثم توضوح الأمور والسياسيات والاستراتيجيات مع القيادة الكردية أو الحكومة المركزية ليقام مثل هذا الحكم على أساس من التنسيق والمصالح المشتركة لا الفرض والجبر لتحقيق مصلحة طرف على آخر.

أما نظام الإدارة المحلية فهو مطلب قومي آخر ولكن تكتيكي مرحلي وإن أقامته وتطبيقه يعتبر من المسلمات الإساسية للإرتقاء نحو نظام أرقى وأشمل وهو الحكم الذاتي. فالإدارة المحلية ممكن التطبيق في الظروف الحالية ووفق الإمكانيات والوقائع الجغرافية والديموغرافية. فيجب أن لا نضيع الممكن (الإدارة المحلية) من أجل غير الممكن (الحكم الذاتي) في الوضع الراهن. فبين الممكن وغير الممكن عمل شاق يستوجب الكثير من التفاهم والتوحد بين الأحزاب السياسية والمنظمات القومية حتى تقصر المسافة بين الأثنين ويصبح الحكم الذاتي ممكناً. النضال هنا يستوجب قبل كل شيء السعي بكل الطرق والوسائل في دمقرطة النظام السياسي العراقي بديمقراطية حقيقية تقردستورياً بـ "الحقوق القومية للكدان السريان الآشوريين بما فيها الإدارة المحلية والحكم الذاتي في مناطقهم التاريخية والحالية وعلى أن تصدر القوانين والأنظمة من قبل هيئاتهم الخاصة لتطبيق هذه الحقوق". 

ولكن، كما يقول المثل الشك أساس البحث العلمي، أليس ممكناً أن تعيش أمتين أو أكثر في كيان مستقل واحد ومشترك؟ وما هو موقف مبداً حق تقرير المصير الذي لم يعد العالم يتكلم عنه وما مدى تطبيق ذلك على الأقليات نحو حقهم في إقامة دولتهم القومية المستقلة؟؟؟ أسئلة لنا عودة إلينا للإجابة عليها.

305
الحكم الذاتي للكدان السريان الآشوريين
حقيقة أم يوتوبيا

                                                                                                أبرم شبيرا
مبادئ نظرية:
تاريخ وحاضر معظم الحركات القومية في العالم  يؤكدان بما لا يقبل الشك بأنها تسعى إلى تحقيق هدفين أساسيين. الأول: تأسيس كيان سياسي مستقل خاص بها أو بعبارة أخرى إنشاء دولتها القومية (مثال على ذلك هو معظم الحركات القومية التي أنشأت دولها الخاصة بها). الثاني: الوحدة القومية الشاملة بين أبناء الأمة التي تمثلها أو بين مؤسساتهم الفرعية وتضمينها ضمن المؤسسة القومية الرئيسية كخطوة تمهيدية لتحقيق الهدف الأول(يعتبر العرب والكرد والأيرلنديون مثال على ذلك). وتاريخ الحركة القومية الآشورية (هنا لم أدرج الكلدان والسريان ضمن التسمية الجامعة المركبة لأنه لم يكن لهما حركة قومية سياسية في القرنين الماضين) يبين بأنه منذ البدايات الأولى لهذه الحركة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين سعت إلى تحقيق هذين الهدفين، لا بل كانت في معظم مراحل تطورها ظهور الهدف الثاني على السطح والتنظير عنه والبحث في مسببات انقسام الأمة إلى طوائف وممل والنتائج الناجمة عن هذا الانقسام. وحاضر الحركة القومية للشعب الكلداني السرياني الآشوري وبجميع أحزابها القومية المؤمنة بوحدة المكونات الثلاثة الشاملة لهذا الشعب تناضل مثلما كانت تفعل في الماضي لتحقيق هذين الهدفين أي إقامة كيان مستقل أو شبه مستقل  وعن طريق تحقيق وحدته القومية وكخطوة أساسية وجوهرية لتحقيق الهدف الأول.

ولكن كما هو معروف بأن هناك شعوب لم تحقق وحدتها القومية كاملة ولكن في نفس الوقت حققت هدفها الأساسي في إقامة كيان قومي سياسي لها. إذ قد يكون جزء من شعبها خاضع لكيان سياسي آخر أو مشتت بين كيانات سياسية متعددة. فالعرب والأيرلنديون والكرد فيما يخص فيدراليتهم العراقية ككيان قومي، مثال على ذلك. وسبب ذلك، أي تشتت الأمة بين عدة أقطار، يرجع بالأساس إلى جملة عوامل خارجية تكون خارج إرادة الأمة أو مفروضة عليها. إذن من هذا المنطلق يمكن القول بأن الحركة القومية لشعب ما وكحالة إستثنائية يمكن أن تحقق هدفها في إقامة كيانها الخاص بها، دولة أو مقاطعة فدرالية أو حكم ذاتي، رغم عدم تحقق هدفها الثاني المذكور أعلاه في تحقيق وحدتها القومية ولكن مع هذا تظل هذه الشعوب تناضل وتسعى في مسعاها الأخير إلى لم شمل جميع أبناء الأمة في كيان واحد. ولكن ما الذي يجعل لهذه الحالة الإستثنائية أن تظهر وتوفر للحركة القومية الظروف الملائمة لتحقيق هدفها في إقامة كيانها السياسي من دون تحقيق هدفها في وحدتها القومية؟.

عوامل نجاح الحركة القومية في إقامة كيانها السياسي:
هناك عاملان أساسيان وجوهريان لنجاح كل حركة قومية في تحقيق هدفها في إقامة كيانها السياسي القومي وهما:
الأول: الحجم السكاني للأمة: يخضع قياس حجم السكان إلى ظاهرة النسبية وتحكمه حكماً مطلقاً. أي بعبارة أخرى أن حجم السكان هي مسألة نسبية ولا يمكن معرفة هذا الحجم إلا من خلال (1) مقارنته مع حجم الشعب أو الشعوب المجاورة أو المختلطة معه أو المشتركة معه في نفس الأرض أوالوطن. و (2) مدى وعي الشعب وحجمه في المشاركة السياسية. أي بتفصيل أكثر نقول بأنه ليس هناك أهمية لحجم الشعب مهما كان عدده كبيرا ما لم يشارك في العملية السياسية أو يكون مهتماً بمطاليب الحركة القومية في تحقيق أهدافها. فعلى سبيل المثال إذا كان حجم شعب معين مليون شخص وأن نصف هذا العدد مؤهل للتصويب في الإنتخابات مثلاً، كعملية سياسية، ولكن صوتً في هذه الإنتخابات 100 ألف فقط فإن حجم هذا الشعب من الناحية السياسية هو 100 ألف وليس مليونا. وهذا المفهوم السياسي مأخوذ من علم الإجتماع في فهم المجتمع وتعريفه والذي يقول بأن المجمتع ليس تراكماً كمياً للأفراد بل هو مجموعة علاقات إجتماعية قائمة بين هؤلاء الأفراد. فالفرد لا قيمة إجتماعية له في المجتمع ما لم يكن مرتبطاً بعلاقات إجتماعية مع غيره من الأفراد الذين بمجموعهم يشكلون المجتمع. فمثل هذا الفرد لا يمكن أن يحسب سياسياً ضمن حجم السكان ولا يمكن للحركة القومية أن تعتمد عليه أو تحسبه في حساباتها في بناء قراراتها وتحقيق أهدافها.
     
الثاني: التركز الجغرافي للأمة:
هذا عامل مهم جداً في تحقيق الحركة القومية لهدفها في بناء كيانها القومي السياسي. لقد بيننًا سابقاً كيف أن هناك شعوب أقامت كيانها القومي السياسي رغم تشتت أفرادها بين كيانات سياسية مختلفة ومتعددة. والسبب الرئيسي يرجع إلى إمكانية الحركة القومية للأمة في الإستفادة من التركز الجغرافي للأمة في منطقة معينة منطبعة بخصائصها القومية والتاريخية. أي بعبارة أخرى، أن حجم سكان الأمة مهما كان كبيراً يفقد فاعليته عندما يكون أفراد هذه الأمة مشتتين في أرجاء مختلفة من الوطن أو في أقليم معين أو يكونون مجموعات صغير تكون مايكرومجتمعات في مقارنتها مع المجموعات السكانية المحيطة بها والمتركز بكثافة حولها. والعكس صحيح أيضاً فإن التركز الجغرافي للأمة في منطقة معينة منطبعة بطباعئها القومية والتاريخية وبفعل تدخل بعض العوامل الخارجية الإيجابية يمكن أن تنشأ كيانها القومي رغم صغر حجم سكان الأمة. فهناك دول لا يتكون سكانها إلا من بضعة آلاف من الناس ولكن هي دول مستقلة ذات سيادة كاملة. في حين هناك عدد كبير من أفراد ينتمون إلى نفس الأمة ولكن بسبب تشتتهم وتدخل عوامل خارجية سلبية حالت دون أن ينشأوا دولتهم أو كيانهم الخاص بهم.  من هنا يمكن القول بأن للجغرافياً تأثيراً كبيرا على الحياة السياسية وهو التأثير الذي يدرسه علم الجيوبولتكس.   

من الضروري ونحن في خاتمة هذه المبادئ النظرية التنويه هنا تجنباً للخلط وسوء الفهم بين حقوق الإنسان إلإنسانية والحقوق الإنسان القومية. فحقوق الإنسان الإنسانية بجميع تشريعاتها الدولية والإقليمية والوطنية بجانبيها الوضعية والسماوية تقر وتدافع عن حقوق الإنسان مهما كان موقعه في المجتمع ومهما كان حجم سكان الأمة. فالفرد الواحد أو مجموعة أفراد حتى وإن كانوا قليلي العدد، فأن تشريعات حقوق الإنسان تعني بهم وتعالج مواضيع حقوقهم المنصوص عليها في هذه التشريعات، أي أنها حالة أوتوماتيكية تنطبق على الإنسان سواء أكان فاعلاً في المجتمع أم خاملاً. في حين أن الحقوق القومية لا يمكن أن تقوم لها قيامة إلا بالمطالبة بها من قبل حركة قومية ولا يمكن أن تطبق هذه الحقوق على أرض الواقع بشكل فعال ومستديم إلا بفعل تواجد العوامل المذكورة أعلاه. فالمطالبة والعمل السياسي شرطاً أساسياً في نيل الحقوق القومية بينما مثل هذا الشرط لا يستوجب في حال تطبيق حقوق الإنسان الإنسانية. فمنظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية تناضل وتطالب بحقوق الإنسان سواء أكان هذا الإخير قد طالب بها أم لا. وأخيراً لم يبقى إلا أن نقارن بين الدولة المستقلة والحكم الذاتي والفرق بينما. فتقليدياً معروف أن الدولة تقوم على أربعة أركان: الشعب، الإقليم أو الوطن، الحكومة ثم السيادة. فالركنان الأوليان تحسب ضمن عوامل موضوعية في قيام الدولة وهي عوامل صلدة لا تتغير بسهول بل يستوجبها وقت طويل للتغير والتطور ويتطلبها عوامل ذاتية فكرية قوية وفاعلة للتغيرها أو تطويرها. في حين الركنين الثالث والرابع تحسب ضمن عوامل ذاتية تكون قابلة للتغير والتطور السريع. أم الحكم الذاتي فيقوم على ثلاثة أركان، وهي الشعب، الإقليم ثم الحكومة، أي بعبارة أخرى يفتقر إلى السيادة الكاملة والتي تكون حصراً من حصة الحكومة المركزية وتتمثل في سيطرتها على الوزارات المعروفة بالسيادية.

التجارب التاريخية:
لو حاولنا دراسة مطاليب الأمة الكلدانية السريانية الآشورية في الحكم الذاتي ضمن المبادئ النظرية أعلاه فمن الممكن أن نصل إلى نتيجة عامة يمكن من خلالها معرفة مدى حقيقة أم خيالية الحكم الذاتي الذي تطالب به الحركات والأحزاب السياسية لهذه الأمة. فمن خلال دراسة التاريخ القومي لهذه الأمة نجد بأنها تفتقر إفتقاراً شديدا للعاملين المذكورين أعلاه وهو الإفقار الذي حرم حركتها القومية من تحقيق أي نجاح في مسعاها لبناء كيان قومي خاص بها. ففي معظم المناطق التاريخية لهذه الأمة كان حجم سكانها في مقارنة مع الشعوب المجاورة أو المختلطة معها صغيراً. لا بل كان هذا الإفقار يزداد بتقادم الزمن ليس بسبب المذابح والتشرد والتهجير الذي فرض علي أفرادها فرضا مؤلماً وحاسماً في تقليص حجمه فحسب بل بسبب تزايد سكان الأمم الأخرى المحيطة بهم تزايداً هندسياً وتعاظم حجمها من جراء نظام تعدد الزوجات وكثرة الإنجاب يقابلها نظام الزوجة الواحدة وقلة الإنجاب عند الأمة الكلدانية السريانية الآشورية. هذا ناهيك عن التركز الجغرافي للأمة الذي تمزق من جراء الحروب والتشرد والتهجير. فالكثير من المناطق في شمال العراق وجنوب شرقي تركيا كانت ذات أغلبية كلدانية سريانية آشورية واليوم إما أصبحت خالية بالكامل أو شبه خالية أو أصبحوا أقلية فيها وهي مناطق تشكل موطناً تاريخياً لهم وأساساٌ شرعياً للمطالبة بها وإقامة كيانهم القومي الخاص بهم عليها.

تاريخياً يمكن الملاحظة بأن التركز الجغرافي لأشوريي حيكاي قبيل الحرب الكونية الأولى وفي منطقة عصية جبلية معزولة ساهم في أن يتمتعوا بنوع من الحكم الذاتي عن الدولة العثمانية المركزية. وعلى العكس من هذا نرى بأن كلدان سهول نينوى رغم تركزهم الجغرافي إلا أنه بسبب غياب الوعي القومي السياسي لم تنشأ حركة قومية فغابت المؤسسات والأحزاب السياسية وبالتالي تركت الساحة للكنيسة لكي تلعب دورها في الاستفادة من التركز الجغرافي وبالتالي أن تتطور بشكل عصري ومتقدم ومنفتح. فعندما تشرد آشوريو حيكاري من مناطقهم التاريخية التي أصبحت خاضعة لدولة تركيا الجديدة عشية إنتهاء الحرب نشأت أزمة أسكانهم في شمال العراق عوضاً عن أراضيهم المفقودة، وعندما حاول الأنكليز وحكومة العراق إسكانهم في وحدات متفرقة ومتباعدة رفض البطريرك مار شمعون إيشاي الزعيم الديني والقومي لهم هذا المشروع وطالب بإسكانهم في منطقة واحدة ومتجانسة لأنه أدرك بأنه يستحيل حماية الكيان القومي والديني لأبناء أمته وهم يعيشون في مناطق متفرقة ومتباعدة. غير أن جميع مطاليبه ذهب أدراج الرياح ولم يجني منها غير نفيه هو وعائلته خارج العراق وتجريدهم من الجنسية العراقية.     

عشية الحرب العالمية الأولى وبعدها طالب زعماء الحركة القومية الآشورية أمثال فريدون آتورايا والجنرال أغا بطرس الحكم الذاتي لأبناء أمتهم غير أن الجغرافية المتمثلة في تشتت أبناء الأمة في مناطق متباعدة وبين دول مختلفة حالت جميع مشاريعهم القومية إلى الفشل فدفعوا بأرواحهما ثمناً لمشاريعهم وأستشهدوا من أجلها. فالمشروع القومي في بناء دولة ذات حكم ذاتي التي طالب بها فريدون آتورايا كانت تمتد من منطقة أورميا في شمال إيران إلى منطقة إنطاكيا شرقا كشريط حدودي شمال سوريا وجنوب تركيا حالياً. فهو حاول عنوتاً حشر الكلدان السريان الآشوريين في هذه المنطقة غير أن الأنكليز والقيادة الآشورية الدينية أدركوا خطورة المشروع وتأثيرها على مصالحهم فدبرت ضده مؤامرة الخيانة فزجت السلطات الستالينية به في السجن ومن ثم أعدم. والحال نفسه مع مشروع أغا بطرس في إسكان الكلدوالآشوريين في شمال العراق ضمن نظام ذات حكم ذاتي  فكان نتيجة إصراره على النضال من أجل الحصول على مطلبه النفي خارج العراق إلى فرنسا. وعندما تأجج نيران الحركة القومية الآشورية في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي حاول بكل السبل الرجوع إلى العراق والإلتحاق بالحركة غير أن الإنكليز لم يسمحوا له بمغادرة فرنسا. وبينما كان راجعاً من القنصلية البريطانية في مدينة تولوز وجد ميتاً على قارعة الطريق وقيل بأنه مات بسبب السكتة القلبية بينما وجهت أصابع الإتهام إلى الإنكليز في قتله لمنعه من السفر إلى العراق.

التطبيقات الواقعية الحالية:
واليوم لا يختلف كثيرا عن الماضي إن لم يكن أسؤ منه. فليس غائباً على أحد غير المنافقين والدجالين والجهلاء بأنه بسبب قلة حجم سكان الأمة الكدانية السريانية الآشورية في مقارنته مع العرب والكرد والتركمان وتشتتهم في منطاق مختلفة ليس بين الدول المجاورة فحسب وإنما في مناطق العراق المختلفة يصعب تحقيق مطاليب حركتها القومية في بناء كيان قومي سياسي لها أو أقامة حكم ذاتي لهم. والأمور تزداد سوءاً بتقادم الزمن، فعدم الاستقرار السياسي في العراق خلال السنوات القليلة الماضية وتزايد حدة التطرف الديني والإرهابي ضدهم أدى إلى تهجيرهم ضمن إطارين داخلي وخارجي. فالكثير أن لم يكن معظم مناطق هذه الأمة في البصرة مثلاً أصبحت شبه خالية. والحديث عن نزوحهم من مناطق في بغداد والموصل وكركوك ذات شجون ونتائج مؤلمة جداً ومفتتة لكل تركز جغرافي. صحيح أن الكثير من العوائل التي نزحت من هذه المناطق قد أستقرت بشكل مؤقت في المناطق الشمالية الأكثر آمناً إلا أن مسألة رجوعهم إلى مناطقهم الأصلية يحوم حولها الكثير من الشكوك كما أن أستقرارهم بشكل دائمي في هذه المناطق الجديدة هي أيضاً مسألة حساسة وخطيرة قد لا تتوافق مع مطامح الحركة القومية الكردية في تكريد المنطقة. أن غمور بسيط في نفسية وعقلية هولاء اللاجئين نكتشف بأن هذه المناطق الجديدة ما هي إلا محطات ترانزيت للهجرة إلى خارج العراق.

أن مسألة الهجرة إلى خارج الوطن، هي مسألة خطيرة ومؤثرة وبعمق على جميع مناحي الحياة القومية والسياسية للأمة الكلدانية السريانية الآشورية. فمن المؤسف أنه لحد هذا اليوم لم نسمع أو نجد مشروعاً من قبل أي حزب او منظمة أو كنيسة تتعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة غير النفاق والنصح والوعظ، خاصة من قبل رجال الدين، في البقاء والتمسك بالوطن بينما نرى وهم يساعدون أقاربهم للهجرة أو يتمنى هذا القس أو المطران أن يكون راعياً لرعية في أوربا أو أميركا أو إستراليا. أن تقادم الزمن مع الهجرة أدى بأبناء الأمة أن يكون حجم سكانها في المهجر أكثر من حجمها في الوطن وأن يكون عدد الرهبان والمطارنة والأحزاب السياسية والمنظمات القومية في المهجر أكثر مما هم في الوطن. لا بل وحتى عدد المطربين في المهجر أصبح أكثر مما هم في الوطن وأكثر شهرة !!! فالتشتت هذا ليس إقليمياً أو مناطقياً وإنما هو دولياً والذي يجعل مهمة الحركة القومية للأمة صعبة للغاية في تطبيق مطامحها في إقامة كيانها القومي أو الحكم الذاتي الخاص بها في الوطن الأم.

واقعية الحكم الذاتي والمطالبة به:
اليوم هناك عدد من أحزاب ومنظمات الأمة الكلدانية السريانية الآشورية تطالب بالحكم الذاتي لها في مناطقها التاريخية ويكثر الحديث عن سهل نينوى. لا نناقش هنا مطلب الحكم الذاتي الخيالي الذي يطالب به بعض الأحزاب في المهجر فهي لا تستحق المناقشة لأنها تنطلق من منطلقات شخصية ضيقة لا تفهم شيئاً منطقيا من واقع الأمة في الوطن. يقود في الوطن مطلب الحكم الذاتي المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري الذي تأسس قبل بضعة سنوات والذي يضم تحت لواءه عدد من الأحزاب والتنظيمات والشخصيات ومعظمهم، بإستثناء حزب أو حزبين، هم حديثي العهد في السياسة والمسألة القومية. تأسس هذا المجلس بمبادرة السيد سركيس أغاجان وهو، على الأقل كان، من الأعضاء البارزين في الحزب الديمقراطي الكردستاني وكان وزيراً للمالية أيضا ويعتبر من حيث الشكل على الأقل راعي هذا المجلس والأب الروحي والفعلي له وتعتبر قناة عشتار الفضائية الإداة الدعائية له للترويج عن المطالبة بالحكم الذاتي.

هناك حقيقة لا يمكن أخفائها وهي أن تأسيس هذا المجلس والمبالغ الطائلة التي صرفت له ولمشاريعه ولقناة عشتار والعاملين فيها تأتي من الحزب الديمقراطي الكردستاني. يقول لينين: قل لي من يمولك فسأقول لك من أنت. إذن يمكن القول بأن هذا المجلس تابع لهذا الحزب ويستخدم كأداة في تحقيق الحكم الذاتي للأمة الكلدانية السريانية الآشورية. ورب قائل يقول أن الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) عندما كانت في الجبهة الكردستانية وربما لا تزال تستلم مخصصات مالية من الحكومة الكردية أو من الحزب الديمقراطي الكردستاني. هذا صحيح ولكن هناك فرق بين أن تكون قائماً ومؤسساً قبل إستلام هذه المخصصات وأن تقام وتؤسس بمباركة ودعم من قبل دافع هذه المخصصات وإستمرار إستلامها. هناك فرق كبير بين أن تعمل(مع) وأن تعمل ( ل ). وقد تفرض المصلحة القومية المشتركة أن تعمل الأحزاب الكلدانية السريانية الآشورية (مع) أحزاب ومنظمات الحركة القومية الكردية أو أية أحزاب عراقية أخرى ولكن العمل لـهذه الأحزاب تكون دائماً في التحليل الأخير لمصلحة الأحزاب الكردية والعراقية.
               
هناك مثل يقول "خير يراد به باطل".  في بداية السبعينيات من القرن الماضي أصدر نظام البعث المقبور قرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية من (الآثوريين والكلدان والسريان) وكان من حيث الشكل مقبولاً نوع ما ولكن كان المراد منه جذب أبناء هذه الأمة إلى جانب النظام وتجنيدهم ضد الحركة القومية الكردية. ولكن بتوافر الوعي القومي تمكنت بعض المنظمات والشخصيات القومية الاستفادة من الأساس القانوني لهذا القرار والاعتماد عليه في تأسيس أندية وجمعيات ثقافية وأصدار مجلات وأقامة الكثير من المحاضرات والندوات ولكن عندما أنتكست الحركة الكردية عام 1975 وأدرك النظام تجاوز هذه المنظمات للخطوط الحمراء ولم يعد لها نفعاً فقضى عليها أما بدمجهم في الإتحاد العراقي للكتاب والأدباء أو محاصرتهم وشلهم عن نشاطاتهم القومية وتحويلها إلى حانات لتعاطي الخمور ولعبة البنكو.

التساؤل يبرز ويقول هل أن الكرد يستخدمون المجلس الشعبي كـ "خير يراد منه باطل"؟ أم فعلاً يريد الكرد تحقيق مصلحة الشعب الكلداني السرياني الآشوري في الحكم الذاتي لهم. إذا كان الجواب بنعم للشق الثاني من التساول فلماذا يفعل الكرد ذلك ونحن نعرف بأن معظم الحركات القومية ترغب في أقامة كياناً خاص بها في أرضها ولا تريد أن تشاركها القوميات الأخرى خاصة في بلدان العالم الثالث والشعوب التي أكتوت بنيران الحروب والإضطهادات وتتداخل معها إختلافات تاريخية ودينية وحتى حضارية. ولكن من جانب آخر نقول بأن الكرد أدركوا جيداً المصير المشترك التاريخي الذي يربطهم بالأمة الكلدانية السريانية الآشورية وأنهم وعوا بأن خيراً لهم وأكثر إستقرارا أن تتمتع الأقليات الأخرى التي تشاركها نفس الأرض بحقوقها القومية. هذه نعمة من السموات يشكر لها الكرد إذا كانت فعلا هذه غايتهم من مساندة الحكم الذاتي لهذه الأمة.

وإذا رجعنا إلى الشق الأول من التساؤل أعلاه وقلنا هل أن الكرد يريدون من ملاطفة ودغدغة مشاعر الأمة الكلدانية السريانية الآشورية ومساندتهم للمجلس الشعبي في المطالبة بالحكم الذاتي هو خير يراد به فعلاً باطل وشر لهذه الأمة؟ طبعاً لا نستطيع الغور في بواطن وأسرار قيادة الحركة الكردية لمعرفة النية من هذه المساندة ولكن لنأخذ شيئاً من الواقع ونستنبط منه نتيجة قد تفيدنا في معرفة هذه النية:
1.   هناك وضوح وبيان في بناء القرى الكلدانية السريانية الآشورية في منطقة كردستان العراق التي يرعاها المجلس الشعبي وتنفق في بناء البيوت في هذه القرى بالملايين التي لاشك فيها بأنها تأتي من مصدر أو مصادر كردية أو من خلالها. فالظاهر هو خيراً لهذه الأمة في تعمير قراهم ولكن حتى الجاهل يعرف إنعدام المنفعة من هذه البيوت التي بالفعل لم تساهم في عودة أهاليها إليها والاستقرار فيها بشكل دائم، ماعدا بعض القرى ولأسباب معينة، لأنها تفتقر كلياً إلى البنية التحتية والخدمات الإساسية للعيش والإقامة الدائمة. وحال هذه البيوت سيكون في المستقبل القريب مأوى لبعض العشائر الكردية للسكن الدائم فيها ويصبح حالها كحال القرى والمناطق الأخرى التي استكردت. من الجميل أن نرى برنامجاً في قناة عشتار الفضائية يتحدث عن العمق التاريخي لبعض القرى الكلدانية السريانية الآشورية وعن البيوت المزركشة المبنية حديثاً. فمثلاً شاهدت قبل فترة برنامجاً عن قرية ديري القريبة من العمادية وعن سحر جمالها وعراقة كنائسها غير أن لو الكاميرا توجهت بضعة مئات من الأمتار نحو أراض الوادي الذي تطل عليه ديري والتي كانت كروم وبساتين أهل القرية لشاهدنا المئات من البيوت للعشائر الكردية المنصوبة هناك من دون أي حق. وحال ناحية كاني ماسي وكوريكفانى وغيرهما لا يختلف إن لم يكن أسو حيث أصبحوا أبناء هذه القصبات أقلية صغيرة بين أكثرية كردية.
أن مسألة التجاوز على القرى الكلدانية السريانية الآشورية معروفة ومدركة لقيادة الحركة الكردية وبعض من هذه التجاوزات هي خارج إرادتها وتخضع للتوجهات العشائرية أكثر من حكومية ولكن معالجتها يبقى موضوعاً عالقاً وحالة خاضعة لقانون الجذب والطرد... فأصحاب القرى الأصليين أما هم يعيشون في المدن الكبرى أو هم خارج العراق وبالتالي بتقادم الزمن تجذب خصوبة أراضي هذه القرى ووفرة مياها العشائر الكردية إليها للسكن والإستقرار. وهي مسألة وإن لم يكن للقيادة الكردية شأن فيها ولكن تبقى متفرجة عليها من دون حراك نحو حل جذري طالما تخدم في التحليل الأخير مصلحة إستقرار الشعب الكردي في مناطق ممتازة وخصبة، وطالما أصحابها الأصليين لا يطالبون بها عملاً وفعلاً بل بالكلام الفارغ الذي لا ماكن له على الواقع.
2.   أن نسبة الأراضي الكلدانية السريانية الآشورية التي تقع في كردستان العراق تزيد بكثير  عن الأراضي الموجودة في سهل نينوى. وضم هذه الأراضي مع البعض كمناطق للحكم الذاتي هو المطلب المطالب به. إذا كانت الحركة الكردية حقا تنوي مصلحة الأمة الكلدانية السريانية الآشورية في الحكم الذاتي ويكسب المجلس الشعبي واقعية أكثر في مطالبته بالحكم فمن الأولى أن يرتبوا الأمور على أرض الواقع في كردستان العراق ويهؤا المناخ واقعياً وفكرياً لإقامة الحكم الذاتي في هذه المناطق والتي هي تحت الهيمنة الكردية أحسن مما يبذلون قصار جهدهم نحو مناطق سهل نينوى وهي غير خاضعة للكرد. هذا الإختلال في التوازن بين المطالبة والواقع يخلق شك لدى أبناء الأمة وحتى لدى غيرهم في القول بأن الكرد يستخدمون الشعب الكلداني السرياني الآشوري والمجلس الشعبي لغرض ضم مناطق سهل نينوى إلى المنطقة الكردية وتوسيع فدراليتهم لتشمل هذه الأراضي. أن تحقيق الأهداف يبدأ بالأمور السهلة ثم الصعبة. فترتيب الأراضي في كردستان العراق وإقامة الحكم الذاتي للكلدان السريان الآشوريين فيها إذا كانت نية الكرد صادقة أسهل بكثير من المطالبة بالحكم الذاتي في سهل نينوى وضمها إلى بقية الأراضي والتي حتماً ستلاقي مقاومة شديدة من العرب العراقيين وغيرهم خاصة في محافظة الموصل والحكومة المركزية.

هناك  قول صادر من المطالبين بالحكم الذاتي في أراض سهل نينوى يقولون بأنه لا أحد يطلب ضم هذه الأراضي إلى المنطقة الفدرالية الكردية ولا إلى الحكومة المركزية وإنما سيكون هناك إستفتاء لتقرير هذا الإنظام. هذا مجرد قول ولا يمكن أن يكون فعل وإن يكن فأنه سيكون مشوهاً أو غير معبر عن ضمير الأمة لأن الكرد سيستخدمون كل الأجهزة والأدوات من مال وتأثير سياسي وحتى تهديد وكلام معسول لتقرير مصير سهل نينوى لصالحهم وفي نفس الوقت يتدخل العرب خاصة من منطقة الموصل لمقاومة مثل هذا الإستفتاء وربما ممارسة التخويف والعنف ضد أهالي سهل نينوى وبالتالي يكون الخاسر الأول هو الشعب الكلداني السرياني الآشوري وأهل سهل نينوى بالذات.

من كل ما تقدم يمكن القول بأن الظروف الموضوعية غير متاحة حالياً لإقامة الحكم الذاتي للأمة الكلدانية السريانية الآشورية بسبب إفتقارها إلى المقومات الأساسية والجوهرية لإقامة مثل هذا الكيان القومي. فهذه المطالبة تبدو وكأنها تحميل أحمال ثقيلة لحمال لا يستطيع حملها وبالتالي تؤدي إلى قصم ظهره ومن ثم توبيخه ولومه على ضعفه وعدم إمكانيته في تنفيذ طلباته. هناك فلسفة ميكيافيلية تقول بأن لا تنكر حق أحد في المطالبة بحق معين وهو غير قادر على تحمل هذا الحق لأنه سيرد بالمقاومة والإصرار في المطالبة بل أعطيه هذا الحق وأكثر طالما أنت مطمئن بأنه غير قادر على تحمله وتطبيقه على الواقع العملي. هل فعلاً يعمل الكرد والمجلس الشعبي على تحميل الأمة حمل الحكم الذاتي ونحن نعرف بأنه بسبب ظروف القهر والحرمان التي فرضت على أبناء الأمة الكلدانية السريانية الآشورية عبر قرون طويلة حرمهم من التجارب السياسية في الحكم والإدارة وبالتالي هم غير قادرون على تحمل هذه الأثقال في الوقت الحالي... أشدد على جملة (في الوقت الحالي). لماذا؟؟ ... للموضوع صلة في الأيام القليلة القادمة.     
 


306
لماذا نرضى بأقل من فتات الخبز

                                                                                                                أبرم شبيرا

عندما سحقت المادة 50 تحت أقدام الأكثرية الخاصة بحصة "الأقليات" في مجالس المحافظات المقررة تألمنا كثيرا وخرجنا جميعاً دون إستثناء في الشوارع سواء في الوطن أم في المهجر محتجين على هذا الأسلوب اللايمقراطي في إلغاء حقوق أهم وأقدم مكونات الشعب العراقي فغضبنا كثيراً وشاطرنا بعض "المنافقين" المحسوبين على الأكثرية في البرلمان الذين صوتوا لصالح الألغاء ومن ثم تباكوا في تصاريحهم الفردية على حقوقنا المهضومة. وقبل هذا فعلنا نفس الشئ وعبرنا عن إحتجاجنا الثوري الغاضب على التلاعب في صناديق الإنتخابات البرلمانية العامة في منطقة سهل نينوى وهكذا أصبحنا بارعين محترفين في الاحتجاجات والإدانة لا يضاهينا في هذا المجال إلا العرب فيما يخص القضية الفلسطينية.

أطرشنا بإحتجاجنا على إلغاء المادة 50 أذان الأكثرية البرلمانية فرحمة بطبلة أذانهم لا بحقوقنا المسلوبة ومحاولة لإسكاتنا أقروا "إرضاء" الأقليات وبالأخص "المسيحية" منها فرحموا بحالهم فمنحوهم منحة مغزية وبحصة تكاد أن تصل الصفر في مقارنة مع عدد أعضاء مجالس المحافظات خاصة المعنية منها كبغداد والموصل والبصرة. مرة أخرى بدأنا بإحتجاجنا ضد هذا التصغير لوجود الأقليات ولكن بثورية أقل لأنه كان بعض "الصغراء" من أبناء أمتنا يليق بهم هذا التصغير ويتناسب مع حجمهم ويحقق مطمحهم في الجلوس على الكرسي الذي يقدسونه.

رغم كل هذه الثورية في الاحتجاجات والغضب الغادر رضى "ممثلي" شعبنا بأقل من فتات الخبر ودخلوا لعبة الأكثرية المكراء في النفاق والكلام المعسول في الديمقراطية والتعددية وأصبح وضعنا كوضع الذي كان قائماً في عهد النظام البعثي المقبور عندما كان يتبجح في إهتمامه بحقوق الأقليات في الوقت الذي كان يحسقهم فكرياً وجسدياً ولا يختلف كثيراً الأكثرية البرلمانية في هذا اليوم في إمحاء وتصغير لا بل تحقير التاريخ العظيم لوجود الأقليات في العراق وتصفيتهم جماعياً وإن كان بالإنابة عن طريق عصابات إرهابية لا يمكن أن تفعل فعلها الإجرامي المنظم كما فعلت في الموصل من دون أن تكون لها أيادي قوية ماكنة في أجهزة السلطة ومنها الأكثرية المسيطرة على البرلمان.

إذا كنا نلقي اللوم على الآخر فإن اللوم الأكبر يقع علينا.... عيب أن نكون ذيلاً لمثل هذه الجماعات وأن نطاوع قوانينهم التي نعتقد كلنا بأنها مجحفة وظالمة... الغريب والعجيب هو أين أختفت الاحتجاجات والغضب وما هو السر؟؟؟ لماذا نطاوع ونشارك اللعبة البرلمانية التي لا ناقة لنا ولا جمل فيها غير كرسي مهلل لا يقوى على الصمود أو التنفس أمام الكراسي القوية التي يجلس عليها الآخر الغير المعني بحقوقنا القومية. ما الذي يستطيع "نفر" واحد أن يفعله وما هو تأثيره في هذه المجالس وهل ستكون هناك إذان صاغية له وأصحابها لا يستطيعون فهم صوت وفكر هذا "النفر"؟؟؟  فالمجموعات أو الكتل التي رشحت هذا "النفر" تعرف قبل أن نعرف نحن بأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً فهذا ليس مهما بالنسبة لهم بل الأهم هو الجلوس على هذا الكرسي حتى ولو كان مهلهلا مكسوراً فهو الكرسي الذي تعتقد بأنه سيعيطها "الشرعية" في تمثيل الأمة.

من الضروري أن نفهم، وبعمق سياسي وقانوني، بأن نظام المحاصة بشكل عام لا يمكن أن يكون سليما إلا في أطر ديمقراطية صحيحة يكون لأطرافها القدرة على فهم الآخر وقبولها لطموحاته ومستعدة لسماع صوته إذا كان منطقياً ومحقاً. أما نظام المحاصة في نظم تتمشدق بالديمقراطية وتنافق بالتعددية فهو لا يمكن أن يكون سوى أسلوب من أساليب الدجل السياسي وهضم حقوق الأقلية بأساليب تبدوا على السطح وكأنها ديموقراطية برلمانية. هكذا الحال نفسه ينطبق على الوضع في إنتخابات مجالس بلديات المحافظات القادمة والحصة الفقيرة المعدومة المقررة للأقليات. فمن المؤسف له القول بأن معظم أعضاء الأغلبيات المسيطرة على البرلمان وعلى أجهزة الدولة الأخرى غير قادرة على فهم الخلفية الحضارية للأقليات وحقوقها المشروعة ولأسباب كثيرة تتعلق بالعقلية السياسية الخاصة بهذه الأغلبيات والتي سبق وأن فصلنا عنها في كتابنا المعنون (الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة في العقلية العراقية تجاه الأقليات).

أن نظام المحاصة للأقليات في الإنتخابات هو بالأساس غير ديمقراطي ولكن مع هذا لا يوجد أحسن منه في ضمان حقوق الأقليات خاصة عندما يكتسب ويتحول إلى أسلوب ديمقراطي إذا مورس في نظام ديمقراطي يكون للأغلبية قدرة على فهم هذه المحاصة والأعتراف بدورها في النظام الديمقراطي ككل. فإذا كانت الأغلبيات البرلمانية العراقية تتمشدق بالديمقراطية ولكن في أساسها قائمة على محاصة طائفية وشللية غير ديمقراطية فكيف نتصور بأنها تسطتيع فهم حقوق الأقليات المختلفة عنها طائفيا أو شللياً خاصة أن تجربتها في الحكم والتعامل مع الآخر المختلف معدومة تقريباً.

قبل بضعة سنوات كنت مشاركاً في ندوة في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة عن إجحاف حقنا القومي الشرعي في دستور العراق المقترح حينذاك وعندما سألت من قبل أحد الحاضرين عن الحل فقلت "طالما لا يقدر الأغلبيات المسيطرة على البرلمان على فهم الحقوق المشروعة لشعبنا فإذن لماذا نشاطرهم في لعبتهم المساة بالديمقراطية أو التعددية. فالمحاولات "النضالية" التي قام بها ممثلي شعبنا في البرلمان لم تجد نفعاً فالحل هو الإستقالة الإحتجاجية وترك كراسيهم فارغة لعل تشعر الأغلبيات بأننا لا نشاطرهم لعبتهم المرفوضة في التعامل مع الأقليات وتكون رسالة قد تصل إلى المجمتع الدولي لحين يدرك حقيقة الوضوع في الوطن ومعاناة الأقليات". ويظهر بأن غالية الحاضرين قد رضوا بهذا الحل ومن خلال التصفيق الحاد والمتواصل لجوابي.

واليوم الحالة نفسها دون تغيير.... أن المشاركة في الإنتخابات القادمة لمجالس بلديات المحافظات القادمة وبالحصص الفقيرة جداً للأقليات هو إذعان مهين لقوانين الأغلبيات وممارساتهم المحجفة بحق شعبنا وأن رفض المشاركة فيها هو شيء يسير جداً قد يحفظ ماء الوجه ويصون كرامتنا القومية ويحترم حق وجودنا التاريخي الشرعي في موطن أجدادنا وأن الإستقالة الاحتجاجية للمثلي شعبنا في البرلمان والحكومة موضوع يستوجب النظر فيه من قبلهم والمعنين بالشان القومي والسياسي لشعبنا أو الكتل أو الأحزاب التي يمثلونها وأن هذا الاحتجاج "السلبي" يستوجب أن يقابله خطوة إيجابية من لدن معظم القوى والأحزاب السياسية الفاعلة على الساحة القومية وأن يتمحور صوتها في قناة واحدة تكون فاعلة وقابلة للسماع من قبل الغير يتفقون على الحد الأدنى وهي مسألة طال الحديث عنها كثيراً وأصبح المثل القائل "لمن تقراء مزاميرك يا داود" ينطبق عليها.     
 

307
بمناسبة رحيل الأب الدكتور يوسف حبي فيلسوف كنيسة المشرق



كلمات بسيطة في شخصية عظيمة

أبرم شبيرا

في منتصف هذا الشهر، وتحديداً في 15 منه عام 2000 رحل عنا الدكتور البروفيسور يوسف حبي نتيجة تعرضه لحادثة سيارة بتاريخ على طريق بغداد – عمان وهو في طريقه إلى المعهد الشرقي في روما لإلقاء محاضراته المعهودة به سنوياً وهذه الذكرى الثامنة لرحيل هذا الرجل العظيم الذي خدمة الأمة والكنيسة طيلة حياته وحتى إستشهاده وهي ذكرى تستحق منا وعلى الأقل بعض السطور إكراماً له وتعريفاً لم لم يعرفه.   

ربما لا يتفق البعض معي في إطراء المغفور له الأب الدكتور يوسف حبي ووصفه كفيلسوف كنيسة المشرق لا بل ويتهمني بالمبالغة والانفعال العاطفي من جراء فقداننا لشخصية عظيمة وبمقام رفيع ونادر في عصر يومنا هذا. ولكن على العكس من هذا، فإنني اعتقد بأن من عرف الدكتور يوسف حبي سوف يشاطرني الرأي وربما سيتهمني، خاصة من عرفه  وشاركه في الساحة الثقافية والأدبية ، بالتقصير في ذكر هذه الشخصية العظيمة بكلمات بسيطة لا تتجاوز عدة أسطر.

عُرف الأب الراحل من خلال كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية كرجل دين بكل معنى الكلمة الصادقة والطاهرة لها، فكان فياض بالإيمان والمحبة والحنان والتعاون والتسامح والصدق والتأني والهدوء. أحبه كل من عرفه من العلمانيين والإكليريكيين. أما على الساحة الثقافية والأدبية فعُرف أكثر وبرزت معالم مواهبه المبدعة في عدة مجالات، فمنذ منتصف السبعينيات وأثناء المحاولات الصعبة للاستفادة وبقدر الإمكان من الحقوق الثقافية التي منحتها الحكومة العراقية للناطقين بالسريانية من الآثوريين والكلدان والسريان في عام 1972، بدأ نجمه يسطع أكثر فأكثر. وقد عرفناه منذ اللقاء الأول، ومن خلال المؤسسات الثقافية التي تم تأسيسها في تلك الفترة  بأنه رجل علم وثقافة وأدب وفلسفة وإدراكنا بسعة معارفه وكثافة نشاطه وغزارة إنتاجه بحيث لا تكفيها صفحات طويلة لسردها لأنه كان فعلاً موسوعة إنسانية متحركة مليئة بالنشاط والهمة والديناميكية لا يستقر به حال إلا ونجده محاضراً في هذه المؤسسة و مشاركاً في ذاك المهرجان أو محرراً في هذه الصحيفة أو تلك.

شاركته في بعض الأحيان كما شاركه غيري من زملائي من الأدباء والكتاب من الطوائف الكلدانية والمشرقية والسريانية أحاديثه وأفكاره من خلال مشاركته معنا في مناقشات واجتماعات بعض المؤسسات الثقافية والأدبية لأبناء أمتنا في العراق عندما كانت تتاح له الفرصة أثناء تواجده في بغداد وهو قادما من مدينة الموصل، حيث كان يخدم الكنيسة والرعية هناك. وكانت آخر مرة ألتقي به في نهاية الثمانينات ( أعتقد كان عام  988 أو 1989) أثناء إحدى اجتماعات الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء والكتاب الناطقين بالسريانية في بغداد والذي دمجه نظام البعث المقبور مع اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين وأطلق عليه أسم المكتب السرياني. وقد عرفناه بخصاله الحميدة وأخلاقه السامية التي كانت تخلق فيه سحراً عجيباً يجعله قادراً على نيل الإعجاب والاحترام حتى من الذين كانوا يخالفونه الرأي. فبالرغم من كل مراكزه العلمية والمؤهلات الفكرية والثقافية والأدبية وعضويته في بعض المجامع العلمية واللغوية المرموقة فأن بساطته في الحياة والفكر والعمل ونبل أخلاقه كانت تحول دون أن يتفاخر بذلك ويتعالى على الآخرين فلم يظهر نفسه أمامنا بأنه أستاذ كبير ونحن تلاميذ صغار. فلم تكن أبحاثه وكتبه ونشاطاته الكثيرة موضوعاً للتفاخر والتباهي، بل على العكس من هذا كان يشارك بكل معارفه وجوارحه وعواطفه وأخلاقه النبيلة أحاديث اجتماعاتنا الطويلة والمملة أحياناً ويشاطر أفكارنا البسيطة والضحلة وكأنه جاء ليتعلم منا نحن التلاميذ.

كم من المرات أطفئ نيران نزقنا وفوران اندفاعنا في المسائل القومية ونحن في مرحلة"المراهقة القومية" نلعن صيغة "الناطقين بالسريانية" الموصوف بها قوميتنا من غير أن ندرك بأن مضمون هذه الحقوق لو طبق بشكل نزيه من دون تدخل السلطة أو مسخها لتحقق ما كنا نصبو إليه في خدمة الأمة من الناحية الثقافية والتراثية. غير أن بهدوئه المعروف وسحر كلامه كان يضفي جواً من الود والمحبة والتفاهم والرزانة على مثل هذه المناقشات وبالمقابل كنَا ندرك ونقدر جلَ تقدير مشاعره وأفكاره كرجل دين له التزامات كنسية ليس من المعقول والمنطق تجاوزها أكثر مما يسمح به ومن ثم إقحامه في السياسة والمسائل القومية ذات الخطوط الحمراء.  مع هذا كان في نهاية المطاف يفلح في فرز الخطوط السياسية الحمراء عن المسائل الثقافية والفكرية ذات المساحات الخضراء ويشرع بالتسلسل، وبهدوء وطيبة خاطر وبأسلوبه العلمي والأخلاقي الكبير، إلى قلوبنا وعقولنا فننصاع إلى كلامه الطيب وأراءه السديدة، كما ينصاع التلميذ إلى الأستاذ.  فكان وبحق يمثل نموذجاً مثالياً في أسلوب التعامل مع الغير. فما أكثر المهرجانات والمحاضرات والندوات والدراسات والمجلات والمؤتمرات الثقافية التي تحركت وتلمست طريقها نحو النور والتطبيق بفعل عظمة أفكاره وروعة نشاطه. ويكفي أن نشير هنا بأنه كان الأب الروحي واللولب المحرك لمهرجان أفرام وأسحق بن حنين الكبير عام 1972 مروراً عبر سلسلة طويلة من النشاطات الفكرية والثقافية حتى أيامه الأخيرة من حياته حيث كان العنصر البارز والنشيط في التحضير لاحتفالات الألفية الثالثة التي نظمها فرعا كنيسة المشرق الكلدانية والآشورية في شهر تشرين الأول من عام 1999 في العراق، لكن السفر نحو الإستشهاد غيبه عن حضورها.

هكذا كان المرحوم معلماً ومربياً لأجيال دينية أكانت أم علمانية. فمثلما تخرج على يده العشرات من الكهنة من كلية بابل اللاهوتية التي كان مؤسسها الفعلي وعميدها، كذلك تخرج وتربى على أفكاره وإبداعاته الأدبية والثقافية العشرات من العلمانيين. من هنا نقول بأن كنيستنا الكلدانية لم تخسر علماً من أعلامها الكبار فحسب وإنما الأمة كلها وبجميع طوائفها خسرت رجلاً عظيماً ومنظراً كبيرا لا بل وفيلسوفاً لكنيسة المشرق نفسها.

كانت فلسفة الأب الراحل، والتي جعلت منه باعتقادي أن يكون فيلسوفاً لكنيسة المشرق، كانت تقوم على أساس فهم تاريخ كنيسة المشرق وتعميمه بين أبناء الرعية كعامل حيوي وجوهري في خلق أرضية مشتركة وعقلية منفتحة من أجل بناء أجواء تساعد على التفاهم والتباحث بين فروع كنيسة المشرق ومن ثم السعي نحو التقارب وربما التوحد مرة أخرى في كنيسة واحدة. وقد لعب الأب الراحل مع بعض من جيله من كهنة كنيستنا الكلدانية المتضلعون بالفكر النير والبحث العلمي الحديث دوراً  مهماً في تنوير الكثير من أبناء رعية الكنسية بالحقيقة التاريخية المشتركة لجميع طوائف كنيسة المشرق. فالدراسات والكتب والبحوث العلمية والتاريخية التي كتبوها لم تقتصر على مرحلة نشوء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في منتصف القرن السادس عشر فحسب، بل شملت في معظمها تاريخ كنيسة المشرق ككل، فاستطاعوا بفعل ما كتبوه خلق أجواء من الثقة، لا بل وأفلحوا في كثير من الأحيان في إزالة ومحو بعض الأخطاء التي عقلت في رؤوس أبناء الرعية وأفلحوا أكثر في ردم الهوة الفاصلة بين تاريخ كنيسة المشرق وتاريخ نشوء الكنيسة الكلدانية وما كتبه الأب الراحل بهذا الخصوص دليل واضح ومبين على ما أقوله. وقد لعب مثلث الرحمات  مار روفائيل بيداويد بطريرك الكنيسة الكلدانية حينذاك دوراً كبيرا في هذا المجال خاصة وعندما نعلم بأن أطروحة قداسته للدكتوراه هي عن البطريرك مار طيماطيوس الكبير ورسائله المعروفة، وهو بطريرك سابق لفترة نشوء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بقرون عديدة. هذا التأكيد بوحدة التاريخ واشتراكه بين طوائف كنيسة المشرق، كان يعتقد الأب الراحل، بأنه سوف يلعب دوراً في إزالة الفتور والخلافات بينهم ويفتح الطريق نحو التقارب والتفاهم.

فإذا كان الماضي، أي التاريخ، واحداً وبكل ما يحتويه من لغة وعادات وتقاليد وأعراف وإيمان وطقس واحد، إذن لماذا لا يكون الحاضر أيضا واحداً؟؟. هكذا كان إيمان الأب الراحل، ففي آخر لقائي معه أتذكر بأن كل اهتمامه كان منصباً على دراسة تاريخ كنيسة المشرق، وأتذكر ذات مرة ذكر بأنه من الممكن أن تتوحد، على الأقل في المرحلة الراهنة على الشكل، أي على التسمية المشتركة. ولما كانت تسمية كنيسة المشرق مقبولة ويتفاخر جميع الطوائف بالانتساب إليها، إذن لماذا لا تكون تسمية مشتركة لجميع فروع كنائس المشرق. وأتذكر ذات مرة قال بهذا الصدد لماذا لا تتسمى كل كنيسة طائفية بكنيسة المشرق ؟ كأن نقول كنيسة المشرق للأثوريين وكنيسة المشرق للكلدان الكاثوليك وكنيسة المشرق للسريان الأرثوذكس وكنيسة المشرق للسريان الكاثوليك وهكذا. وفي بعض الأحيان كنا نجادله على مسائل قومية بشأن أراءه هذه وعن مكانة شعبنا كقومية ضمن هذه التسميات التي تخلط القومية بالطائفة فكان بهدوئه وسعة قلبه يجادلنا مجادلة الواعظ الصالح ويوعدنا ويقول بأن الزمن ووعي الإنسان كفيل بفرز الأمور على حقيقتها وإزالة حساسية التسميات فيما إذا بدأنا بخطوات سليمة وبسيطة في الوحدة وبعيدة عن التعقيدات والأمور المستعصية عن حلها بمنظور سياسي في العصر الراهن، فهذا الأسلوب قد يخلق أجواء تساعد على أن يتوحد أبناء الأمة عن طريق توحد كنيستها. فالماضي المشترك يجب أن يخلق بفعل العمل والإخلاص والإيمان حاضر مشترك، فإذا توحدت طوائف كنيسة المشرق فسوف تتوحد ،عاجلاً أم آجلاً، الأمة نفسها لأن الغالبية العظمى من أبنائها هم من  طوائف كنيسة المشرق. وكانت أفكاره بخصوص تسمية "كنيسة المشرق" التي كان يعشقها قد تضمنت في الدراسة التي أعدتها اللجنة الخاصة بدراسة تسمية الكنيسة وقدمتها إلى المجمع السنهادوسي للكنيسة الكلدانية  الذي أنعقد في بغداد عام 1996 تدعو إلى تغيير أسم الكنيسة إلى "كنيسة المشرق الكاثوليكية" غير أن المجمع أجل موضوع اتخاذ القرار إلى إشعار.

وقبل إستشهاده كانت  قناة الجزيرة الفضائية القطرية قد أجرت معه لقاءاً عن "الكلدان في العراق" وعندما شاهدتها أعيدت إلى ذاكرتي بعض من أفكاره عن وحدة الأساس القومي لمعظم أبناء طوائف كنيسة المشرق. وقبل أن نحكم على ما ورد في هذه المقابلة ونبني آراؤنا حول ما ورد فيها ، من الضروري جداً أن نضع في الاعتبار ما يلي:
 
(1)- المقابلة أجريت من قبل محطة فضائية عربية واسعة الانتشار لها موقع مؤثر وصوت مسموع من قبل معظم العرب في العالم تقريباً، والكل يعرف الأفكار والتيارات القومية والإسلامية المتطرفة التي تتحكم في العالم العربي وموقفها من أفكار وتطلعات الأقليات خاصة المسيحية منها وبعض من هذه الأفكار المتطرفة تنعكس في هذه الأيام في إلغاء المادة (50) من قانون إنتخاب المحافطات . (2)- المقابلة  أجريت في العراق ومع شخص عراقي ويعيش ويعمل ويخدم رعية الكنيسة في العراق وليس في خارجه، والكل يعرف أيضاً نظام البعث المقبور في العراق وتوجهاته السياسية فيما يخص سيطرته المباشرة على وسائل الإعلام وتوجيهها بما تخدم مصلحته، خاصة فيما يتعلق بسياسته تجاه الأقليات وتحديداً قوميتنا بمختلف طوائفها حول تجريدهم من المقومات القومية التاريخية وصهرهم في القومية العربية. (3)- المقابلة أجريت مع رجل دين يخدم الكنيسة بصفة نائباً بطريركياً للشؤون الثقافية وعميداً لمؤسسة علمية وعضواً في مجامع علمية محلية وعالمية تفرض عليه جميعاً التزامات تضعه في موقف يجعل منه أن يحترس ويدقق ويحذر من كل كلمة يقولها وإلا أنعكس كل تجاوز للخطوط المسموح بها على شخصيته ومنصبه وعلى الكنيسة والمؤسسات التي كان يمثلها.

ولو وضعنا هذه الاعتبارات أمام أعيننا وحللنا حديثه التلفزيوني عن الكلدان بنظرة موضوعية بعيداً عن المهاترات السياسية والقومية، خاصة المنطلقة من مجتمعنا في المهجر والبعيدة عن الواقع السياسي في العراق، لتأكد لنا بأن الأب الراحل استطاع، وكعادته في قوة البلاغة والمنطق، رد على أسئلة مقدم البرنامج المحرجة بكل شجاعة وأدب وثقة من دون تملق أو تزلف أو مدح بهذه الجهة أو بتلك، خاصة فيما يتعلق بموضوع تعريب قوميتنا في العراق حيث استطاع أن يوفق توفيقاً كاملاً بين أفكاره ومعتقداته من جهة، وبين الاعتبارات السالفة الذكر. وتجلت أفكاره الوحدوية العظيمة في معرض ردوده على كل سؤال كان يتعلق بالكلدان، باعتبار أن البرنامج كان مخصص لمناقشة هذا الموضوع، فكان جوابه، وعلى الدوام، يقوم على ذكر الكلدان والآشوريين والسريان معاً كشعب واحد، أو الإشارة إليهم كشعب بلاد ما بين النهرين أو وطن بيت نهرين وهكذا . ومن شاهد البرنامج لا أشك بأنه سوف لا يتفق معي في هذه النقطة. ولقد استغربت أكثر عندما تجنب وبالكامل ذكر أسم النظام العراقي المقبور أو رئيسه أو مدح الحزب الحاكم أو التملق إلى السلطة أو الحكومة كما يحدث عادة عندما تجري مثل هذه المقابلات في العراق وخاصة في موضوع حساس كهذا والذي لا يمر إلا ويستغل لأغراض دعائية ولتبرير ممارسة السلطة السياسية في العراق. وحتى بالنسبة للحصار الاقتصادي المفروض على العراق فأن حديثه لم يتجاوز بضعة كلمات عن تأثيره على جميع أبناء الشعب العراقي ولم يبالغ، كما هو معهود عند البعض من رجال الدين والعلمانيين في أحاديثهم التلفزيونية أو الصحفية، إلى درجة تصل مستوى تبرير ممارسات السلطة السياسة ودورها في استمرار هذا الحصار.

لهذا السبب عندما لقي الأب الراحل مصرعه في حادث سيارة وجه البعض أصابع الاتهام إلى إزلام البعث المقبور في العراق التي اشتهرت بهذا الأسلوب في القضاء على معارضيها السياسيين أو رجال العلم والفكر الذين لا يتفقون مع سياسة النظام تجاه مسألة معينة ويكون لهم دورا في الاتجاه المعاكس. ولكن التساؤل المحير هو هل فعلاً قتل نظام البعث المقبور الأب الدكتور يوسف حبي، ولماذا تريد التخلص منه؟؟ وهل كانت أفكاره من القوة والتأثير في إعاقة سياسة حزب البعث في هضم أمتنا بجميع طوائفها في بطن الأمة العربية بعد أن تكون قد رسخت وعظمت من التمزق الطائفي وحولت الأمة إلى مجرد شراذم طائفية تجمعها تسمية "عرب مسيحيون" ؟؟، ألم تكن هناك أساليب أخرى كالتهديد والترهيب أو الترغيب بـ"المكارم الحاتمية"  متوفرة لإخضاعه وتسخير معارفه لخدمة السلطة كما كان يحدث مع بعض من رجال الدين والفكر والثقافة في العراق وخارجه؟؟؟ أسئلة وأسئلة لا وجود لجواب قاطع ومؤكد لها. فالكنيسة الكلدانية نفسها في وقتها لم ترغب في الخوض في مثل هذه المتاهات السياسية ولكن بعض كهنتها أو بعض الذين كتبوا عنه أكدوا تأكيداً قاطعاً بأن ما حدث للمغفور له كان قضاءاً وقدرا والحادثة حدثت بسبب هطول أمطار غزيرة على طريق بغداد – عمان الذي يصبح زلقاً من جراء تسرب النفط من الشاحنات العابرة على الطريق كما كان الحال في يوم الحادثة. ولكن بالمقابل، من يعرف ظروف يوم سفر الأب الراحل إلى عمان والغموض المحيط بالحادث مسألة تثير شكوك ضلوع أزلام نظام البعث المقبور في القضاء عليه والتخلص من أفكاره الوحدوية. يقول صديق لي ووثيق الصلة بالمغفور له حضر إلى بغداد للمشاركة في احتفال الألفية الثالثة لكنيسة المشرق بفرعيها الكلداني والآشوري بأنه كان معه في نفس يوم سفره، يوم 14- 15/تشرين الأول/2000، ووصف حاله بأنه كان مقبوض القلب ومتحسر الروح وكان منزعجاً جداً بسبب تغييب سفره عن حضور احتفالات الألفية الثالثة لكنيسة المشرق بفرعها الكلداني والآشوري وأكد لصاحبي بأنه لأول مرة في حياته ينتابه مثل هذا الشعور وهو في طريقه إلى الخارج للقيام بواجبه الفكري المعهود به في بيروت وروما، وهي الرحلات العلمية التي كان يستمع بها وينتظرها. وكان من المقرر أن يأتي سائق السيارة "التاكسي" الساعة الرابعة عصراً من ذاك اليوم، وهو سائق  اعتاد الأب الراحل الركوب معه إلى عمان في كل سفراته. وذاك المساء لم يحضر السائق حسب الموعد المقرر ولكن بعد عدة ساعات حضر أخوه وذكر بأن أخيه "السائق الأصلي" مريض ولا يستطيع السفر فاقل الأب الراحل السيارة وسافر مع "السائق الجديد" إلى عمان وحدثت الحادثة في داخل الأراضي الأردنية وفي منطقة قريبة من مدينة الزرقاء حيث الطريق فعلاً ضيق وذو مسار واحد وقيل أنه بسبب فقدان السائق السيطرة انقلبت السيارة نتيجة تزحلقها وأن الأب الراحل وجد ميتاً خارج السيارة وعلى مسافة عدة أمتار منها أما السائق فقد نجى وبأعجوبة ولكن أصيب بإصابات خطيرة كما قيل !!!. سمعت هذه القصة من صديقي هذا الذي نفسه أكد تأكيداً قاطعاً بأن وفاة الأب الراحل في الحادثة كان قضاءاً وقدراً. ولكن مع كل هذا وذاك سواء اتفقنا أو اختلفنا على الجهة المسببة لمصرع الأب الراحل، فأن الحادثة قضت على رجل علم ودين كبير وخسرنا نحن جميعاً شخصية عظيمة خلدته الكتب والمؤلفات والذكريات التي تركها بين أبناء أمته ورعية كنيسته، كنيسة المشرق، التي عاش من أجلها وأستشهد من أجلها.

نبذة عن سيرة الأب الراحل الدكتور يوسف حبي
هذه نبذة مختصرة من سيرة الأب الراحل مقتبسة من جريدة "بهرا" 143 أواخر تشرين الأول 2000 التي تصدرها الحركة الديمقراطية الآشورية.
ولد الأب الراحل في 23/12/1938، حسب قناة الجزيرة، في مدينة الموصول شمال بلاد ما بين النهرين، وأسمه الكامل فاروق داود يوسف وتسمى كهنوتياً، كعادة كهنة كنيسة المشرق، بأسم يوسف حبي. في عام 1950 دخل المعهد الكهنوتي ونظراً لتفوقه على أقرانه رشح لإكمال الدراسة في الكلية الاورانية  في روما وفي عام 1961 رسم كاهن وفي العام التالي حصل على الليسانس في الفلسفة واللاهوت ثم درس القانون الكنسي وحصل على الدكتوراه في الفلسفة عام 1966 من جامعة اللاتران بروما كما حصل أيضا وفي نفس العام على دبلوم عالي في العلوم الاجتماعية من معهد جيسك  ودبلوم عالي في الإعلام من جامعة برودو في روما. عاد إلى مسقط رأسه فخدم في مطرانية الموصل وفي كنيسة مسكنته والطاهرة ثم عين لخدمة كنيسة مار أفرام وكان أيضاً سكرتيراً للمطرانية ومحاضراً في جامعة الموصل للفترة من 1970 لغاية 1981 وأستاذا في المعهد الشرقي بروما منذ عام 1983 وحتى وفاته. وبعد تسنم غبطة مار روفائيل بيداويد الكرسي البطريركي سنة 1989 طلبه لخدمة الأبرشية البطريركية فقدم إلى بغداد عام 1990. وبعد مخاض طويل وجهود مضنية من قبل قداسة البطريرك تكللت محاولاته بتأسيس كلية بابل للفلسفة واللاهوت عام 1990 وأسند عمادتها إلى الأب الراحل وبقى في منصبه حتى إستشهاده. وخلال تلك الفترة بذل فيها جهوداً كبيراً من أجل تقدمها والوصول بها إلى المستوى المطلوب والتي أصبحت بفضله صرحاً علمياً ليس للكنيسة الكلدانية وحدها وإنما لبقية طوائف كنيسة المشرق من المشرقيين والسريان، اكليريون وعلمانيون، حيث كانت أبوابها مفتوحة للجميع دون أي اعتبار طائفي. إضافة إلى ذلك كان نائباً بطريركياً للشؤون الثقافية وسكرتيراً للجنة التعليم المسيحي العليا المقامة بين الطوائف الكاثوليكية. كان عضواً في مجمع اللغة السريانية وعضواً عاملاً في المجمع العلمي العراقي ورئيساً لهيئة اللغة السريانية وعضو جمعية القانون الشرقي وعضو مؤازر في مجمعي الأردن ودمشق العلميين وعضو الجمعية الدولية لتاريخ الطب في باريس وعضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق وعضو الجمعية الفلسفية العراقية وعضو اتحاد المؤرخين وعضو نقابة الصحفيين العراقيين وعضو فخري في جمعية آشور بانيبال وهو أحد مؤسسي مجلة "بين النهرين" التراثية ورئيس تحريها وعضو هيئة تحرير مجلة "نجم المشرق" وكان مشاركاً  معروفاً في معظم المهرجانات والمؤتمرات داخل العراق وخارجها والمتعلقة بمواضيع اختصاصه فكان يتقن اللغات العربية والسريانية والفرنسية والإيطالية والإنكليزية والألمانية واللاتينية. أما مؤلفاته وأبحاثه ومقالاته فهي عديدة ومتنوعة نذكر منها الكتب التالية : الدير الأعلى وكنيسة الطاهرة/ حنين بن أسحق/دير الربان هرمزد/ دير مار كوركيس/ كتاب المولدين لحنين بن أسحق/ الإنسان في أدب وادي الرافدين/ طريق الفرح ترجمة عن الفرنسية/تاريخ إيليا برشينايا/ كنائس الموصل/ فهرس المؤلفين لعبديشوع صوباوي تحقيق عن السريانية/تواريخ سريانية/ رحلة أوليفييه إلى العراق/نيران – شعر/ دراسات إنجيلية/ كنيسة المشرق الجزء الأول/ نشوة القمم – خواطر/ خلجات – خواطر/ جوامع حنين بن أسحق في الآثار العلوية لأرسطو/ المجمع. كما ترك مخطوطة كاملة للجزء الثاني من كتابه كنيسة المشرق والذي كان قد أعده للطبع ومن المؤمل أن تقوم البطريركية الكلدانية بطبعه ونشره. هذا إضافة إلى العشرات من المقالات العلمية الرصينة المنشورة في مجلات عراقية وعربية وعالمية. وكانت آخر إطلالة له مساء يوم الاثنين المصادف 6/11/2000 على شاشة قناة الجزيرة الفضائية القطرية التي أجريت معه المقابلة التي سجلت قبل وفاته ببضعة أيام عن الكلدان ماضيهم وحاضرهم.



308
إلغاء المادة 50
في ضوء العقلية العراقية السياسية

أبرم شبيرا


الكتابة السياسية ليست كلام عن الواقع وتفصيله فحسب وإنما بالأساس هي تحليل هذا الواقع وخلفيته ومسبباته ومن ثم الوصول إلى بعض الإستنتاجات التي من خلالها يمكن قراءة المستقبل وإستباط بعض التوقعات والأحداث التي من الممكن أن تحدث في المستقبل أو تتحدد معامله أو مساراته، وهو النهج الذي عرفناه ودرسناه سواء في الأروقة الأكاديمية أو في المدرسة الحياتية اليومية، لا بل ومارسناه في كتاباتنا والتي أثبت بتشكل قاطع وجلي صحتها وحقيقتها العلمية في الواقع العملي.

في عام 2001 كتبت كتاباً بعنوان (الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة مسألة في العقلية العراقية تجاه الأقليات ) والذي نشرته دار الساقي في بيروت ولندن، وهو بحثاً علمياً يعرض كيفية فهم العقلية العراقية تجاه الأقليات بشكل عام وأتخذنا الآشوريين كنموذج لأقلية عراقية باعتبار كون مسألتهم السياسية ومطاليبهم القومية أكثر وضوحاً وإثارة للعقلية العراقية والطبقة الحاكمة والتي أصبحت المنهج السياسي والفكري المعتمد للأنظمة السياسية التي تعاقبت على السلطة في العراق منذ نشؤء كيانه السياسي في بداية العشرينيات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا في التعامل مع مسألة الأقليات في العراق.

في هذا الكتاب أخذنا مختلف النماذج العقلية العراقية سواء السياسية منها كالقومانية و"الوطنية" والشيوعية والبعثية أو القومية كالعربية والكردية والتركمانية أو الدينية كالتيارات السنية والشيعية وفي كل الإتجاهات والأحوال والأزمان والأنظمة تبين بأن العقلية التي كونها هذا التنوع العراقي السفسطائي تأطرت بإطار واحد متشابه وأستمدت أساس هذه العقلية من مصدر واحد أو مصادر متشابه أو متقاربة سواء على مستوى الفكر أو الممارسة السياسية وبالتالي أنتجت هذه العقلية توجهات فكرية وسلوكيات إجتماعية وقرارات سياسية متشابهة في معالجة مسألة الأقليات في العراق وتحديداً المسألة الآشورية التي أتخذت كمعياراً للدراسة ولم تتغير هذه السلوكيات والقرارات بمضمونها العام بتغيير الأزمنة والأنظمة السياسية في العراق.

ومن الملاحظ بأن المصدر أو المصادر، وهي في مجملها عدائية،  والتي بنيت عليها العقلية العراقية السياسية ليست علة العلل وحدها بل المنهج أو الأسلوب المستخدم في معالجة مسألة الأقليات العراقية. حيث طغى أسلوب "العداء السافر" ورفض الطرف الآخر المختلف وعدم قبوله ضمن اللعبة السياسية في العراق شكل منهجاً سياسياً وفكريا لأسلوب الحكم في العراق. فالإختلاف المشروع كمنهج سياسي وفكري متحضر كان ولا يزال غائباً عن الأنظمة السياسية التي تعاقبت على السلطة في العراق. والإختلاف المشروع كمنهج فكري لا يمكن أن يعيش أو يتواجد أو يستمر إلا في إطار أو نظام ديمقراطي حقيقي وليس شكلي. والديمقراطية هنا ليس القصد منها مفهومها الليبرالي في أسلوب الإنتخابات الحرة وفي غلبة الأكثرية على الأقلية كما هو متعارف عليه بل القصد منها هو نظام إجتماعي يقبل التعددية بغنى عن حجم أو عدد أطراف اللعبة السياسية ويحترم تطلعاته ويفسح له المجال في المشاركة السياسية وفي صنع القرار السياسي الذي يخصه تحديداً ويخص الآخرين عموماً. من هنا نقول بأن الاختلاف سواء أكان قومياً أو دينياً أو لغوياً أو حضارياً أو فكرياً أو سياسياً يشكل أداة لعدم الاستقرار لا بل عامل في تدمير الوطن والمجتمع أذا فهم هذا الاختلاف من خلال منهج العداء السافر في حين يشكل هذا الاختلاف إغناءاً سياسياً وفكرياً وحضارياً إذا عولج وفق منهج الاختلاف المشروع. فهذا المنهج الحضاري في قبول الآخر المختلف لا يعطي الحق لأي من كان ومهما كان حجمه وثقله في إلغاء الآخر لأن مثل هذا الإلغاء ما هو إلا شكل قبيح من أشكال الدكتاتورية والاستبدادية التي لا مكان لهما في المجتمع الذي يسعى إلى التقدم والتحضر. فالديمقراطية والتعددية لا يمكن إقامتها بالدستور وإنما بروح هذه الدستور ومدى إعتماده كمبدأ أساسي لا غنى عنه للقوى السياسية في التعامل مع الآخر المختلف.

واليوم لا يمكن فهم معنى إلغاء مجلس النواب العراقي المادة 50 من قانون انتخابات مجالس المحافظات وإمحاء حق الأقليات في تمثيل أنفسهم إلا من خلال العقلية العراقية للأكثرية المطلقة المسيطرة على المجلس والتي هي ممارسة دكتاتورية لا إنسانية لا يقبل بها المجتمع المتحضر إلذي يسعى العراقيون الخيرون الى إقامته. إن هذا الإلغاء يزيل رتوش الديمقراطية والتعددية التي يتغنون بها ليل نها ويكشف قباحة القرار السياسي للأكثرية المسيطرة والذي يبدو بأن النظام السياسي في العراق تحول من نظام دكتاتوري فردي إلى نظام دكتاتوري جمعي طالما أن مثل هذ النظام في كلا الحالتين لا يعطي أهمية للأخر المختلف ويستبده أن لم يكن جسدياً وإنما فكرياً وسياسياً وحضارياً وهو الآسوء من كل استبداد عرفه الإنسان. وإستبداد الأغلبية المطلقة للأقليات العراقية، وبشكل أدق للقومية الكلدانية السريانية الآشورية يتضاعف ويتعقد أكثر فأكثر بسبب الاختلاف الديني واللغوي والحضاري وحتى النفسي الذي يجعل كل هذه الاختلافات أمراً يصعب على العقلية العراقية التي تحكمت في قرار مجلس النواب عند إلغاء المادة 50 من فهمها.

هناك حقيقة ثابتة تقول بأن فاقد الشيء لا يعطيه. ومن المؤسف أن تكون المجموعات الكبيرة المسيطرة على الحكم في العراق تفقد النهج الديمقراطي في تعاملها مع الآخر المختلف وبالتالي لا يمكن لها أن تعالج المسائل السياسية لهذا الآخر المختلف بأسلوب ديمقراطي لأنه من لا يكون ديمقراطياً فهو حتماً دكتاتورياً. والمهزلة التي أعتمدتها هذه الأغلبية المستبدة بقرارها في إلغاء المادة 50 وتبرير هذه الألغاء بحجج وأسباب لا يقبلها حتى المجنون والجاهل تنطبق عليها قبل أن تنطبق على الأقليات العراقية... فهم لا يرون الخشبة التي في عينهم وإنما يرون القشة الصغيرة في عين الآخرين... كيف يكون العميان وعديم البصيرة؟؟؟؟  ان مثل هذه الممارسات اللاديمقراطية تجاه الأقليات تنبع بالأساس من الفقر النظري والعملي لهذه القوى المسيطرة. فالمبدأ النظري الثابت حيال مسألة الأقليات في العراق غائب عند معظم هذه القوى إضافة إلى ذلك فهي تفتقر إلى الخبرة والممارسة السياسية للحكم بأسلوب ديمقراطي وبالتالي فأن مسألة الأقليات تعتبر عندهم مسألة ثانونية وهامشية في مقارنة مع مسائلهم ومصالحهم والتي لم تتاح لهم الفرصة لتحقيقها خلال الأنظمة السابقة. كما أن برامجهم السياسية تخلو من النهج الموضوعي في تناول مسألة الأقليات تناولاً مبدئياً وديمقراطياً وفاعلاً ومقنعاً لأبناء وممثلي هذه الأقليات إقناعاً منطقياً بجدية برامجها السياسية التي تستعملها للإستهلاك السياسي. وحتى بالنسبة لبعض هذه القوى التي وفرت بعض الكلمات والسطور في برامجها السياسية عن مسألة الأقليات في العراق فإنها جاءت كسياسة تكتيكية فرضتها ضرورة دمقرطة برامجها وكأسلوب للظهور بمظهر ديمقراطي مخالف ومناهض للنظام الدكتاتوري السابق.

والغريب العجيب في أسلوب بعض أفراد هذه القوى هو أنهم صوتوا أنفسهم أو قائمتهم للإلغاء هذه المادة في حين يظهرون على شاشات التلفزيون ويطلقون تصريحات في أعتبار هذا الألغاء مجحفاً بحق الأقليات وغير صحيح !!! أليس عجيباً وغريباً أن يقرون بحق الشعب الكلداني السرياني الآشوري في الحكم الذاتي في الوقت الذي يمحون حقاً بسيطاً من حقوقهم في تمثيل أنفسهم؟؟؟ أليس هذا نفاقاً سياسياً توارثوه عن الأنظمة السياسية الفاشية في العراق؟؟؟ كيف سيقر الكرد بحق الشعب الكلداني السرياني الآشوري في الحكم الذاتي في حين صوتوا لصالح إلغاء المادة 50 ... أفهل يحاول الكرد أن يبينوا لنا بأنهم هم الذين سيمنحون حقوقنا القومية وليس الحكومة المركزية أو البرلمان العراق؟؟؟؟.

وأخيراً يجب أن لا نرش كل الحبر في وجه القوى المسيطرة على البرلمان العراقي بسبب إجحاف حقنا المشروع في تمثيل أنفسنا وإنما نبقي القليل منهم لنرشه في وجهنا ونكشف الجانب القبيح لممارساتنا السياسية والقومية والتي تستغل إيما إستغلال من قبل هذه القوى في التمادي في إجحاف حقنا المشروع. من المؤسف أن نقول وأن نكرره عدة مرات بأنه نقلد العرب كثيراً في المسائل السياسية وبالنتيجة يصيبنا الكثير من الويلات في الفشل السياسي كما أصاب العرب في قضيتهم القومية. لقد أصبحنا مثل العرب أمة رد فعل وليست أمة فعل. ننتظر أن يحدث الحدث ويقع الفأس على الرأس ثم بعد ذلك نتحرك لمعالجة الكارثة. لقد سبق وأن نبهنا في الكثير من كتاباتنا بأن مسألة نيل حقوقنا المشروعية ونزعها من بين أنياب "الذئاب" ليست بالأمر السهل والهين. فأول الأوائل يستوجب أن نرتب بيتنا الداخلي وأن نحصن سور بيتنا وأن نجادل ونناقش ونتنازع داخل هذا السور ونحدد الإطار العام للمصلحة القومية بحدها الأدني ثم نظهر خارج السور ونواجه الآخرين بسلاح واحد فقط أسمه "المصلحة القومية" ولا غيرها.... أما مشكلة التسمية وعدد الكراسي والمناصب وأولية هذا الحزب على الآخر فهي مسائل داخلية لا بد أن تكون قد نوقشت داخل سور البيت قبل الخروج إلى خارجه... في مناسبة سابقة ذكرنا بأنه نتمنى أن نرى يونادم كنا متكاتف مع أبلحد أفرام و سركيس أغاجان وهم يقودون المسيرات والتظاهرات كتعبير بسيط لوحدة أمتنا بجميع تنوعاته غير أنني لم أتلقى غير سوء الفهم والتهجم من البعض في فهم هذا المغزى.... واليوم كم هو جميلاً أن نسمع أبلحد أفرام يقر بأن مشكلة التسمية يجب أن تطرح جانباً في هذا الوقت العصيب وأن نركز على الأهم ما هو منها في ضمان حقوق الأمة الكلدانية السريانية الآشورية وليس "الكلدانية" فحسب كما كان ينادي بها هو وحزبه. والأجمل من هذا أن نرى قناة عشتار وهي لأول مرة في تاريخها تذيع أخبار عن يونادم كنا وأن تبين المسيرة الجماهيرية الإحتجاجية في ألقوش التي كان في مقدمتها جورج أسحق عضو المكتب السياسي للحركة الديمقراطية الآشورية وباسم بلو قائمقام تلكيف وعضو اللجنة المركزية لهذه الحركة بعد أن كانت مثل هذه الأسماء محرمة على هذه القناة.. أتذكر بهذا الصدد قصة الدكتور يوسف التي عرضتها في مقالتي "الآثوري الحقير" التي نشرت في أعداد سابقة لعنكاوه دوت كوم  وكيف أن الاستبداد والاضطهاد يخلق رد فعل في إنهاض وإنماء الوعي القومي، أفهل أن إستبدادية إلغاء المادة 50 سيساهم في توحيد القوى السياسية لمجتمعنا وأن نرى فعلا يونادم كنا في إجتماع مع أبلحد أفرام وهما يناقشون المصلحة القومية العليا وأن يعرض هذا الاجتماع في قناة عشتار؟؟؟

هناك سؤال آخر محير وهو موقف الكرد من هذه التطورات.... فمن الواضح والمبين بأن أبلحد أفرام له علاقة قوية وإنتسابية للحزب الديمقراطي الكردستاني وكان قد فاز بعضوية مجلس النواب العراقي ضمن القائمة الكردستانية ولا يمكن فهم إنسحابه من هذه القائمة بعد أن صوت معظم أعضاء هذه القائمة لصالح إلغاء المادة 50 إلا نوعاً من الجرأة والشجاعة وكسب بهذا أحترامنا الكبير. وقناة عشتار، التي يشرف عليها سركيس أغاجان وهو وزير في حكومة إقليم كردستان وكادر متقدم في الحزب الديمقراطي الكردستاني، في البارحة سكبنا لومنا الشديد عليها لأنها حجبت عن نقل ولو جزء بسيط من مسيرة نيسان الكبيرة لشعبنا في هذا العام التي نظمتها الحركة الديمقراطية الآشورية وكان أسماء قيادي هذه الحركة محرمة عليها واليوم تفتح هذه القناة أفاق أوسع ليقبلها الجميع ونستمتع بأخبار شعبنا. ترى هل هذه البوادر الخيرة ستكون فاتحة نحو تحقيق نوع من التفاهم بين هذه القوى السياسية الفاعلة على الساحة؟؟؟ وما هو موقف الكرد وقواه التي أيدت إلغاء المادة 50..... نحن ومن موقع بعيد لا يمكن أن نجزم في أمر قاطع عن غاية الكرد من هذا السلوك السلبي ولكن يمكن الاستنتاج بأن مسألة كركوك قد تكون أحد الاسباب وليس كل الأسباب. وبالمقابل نعتقد بأن حكومة إقليم كردستان ستقوم بخطوة إيجابية تجاه مجتمعنا تعويضاً عن هذا الإلغاء وقد تكون هذه الخطوة تهيئة الأجواء أو غض النظر عن تحركات أبلحد أفرام وقناة عشتار نحو "المصالحة" مع الحركة الديمقراطية الآشورية إرضاءاً لهم والتخفيف من "زعلهم". أن الكرد وقواهم السياسية الفاعلة يعرفون شعبنا الكلداني السرياني الآشوري أكثر من أي مجموعة عراقية أخرى.  فنحن عشنا معهم تاريخاً وأرضاً بحلاوتها ومرارتها وعرفوا بأننا شعب مسالم لا نحب إلا الخير للجميع وخاصة لجيراننا لا بل وخدمنا الحركة القومية الكردية بدمائنا وأموالنا وراحتنا وخسرنا معظم أراضينا بسبب هذه الحركة فبالمقابل على الكرد أن يردوا الجميل بأجمل منها وأن يفسحوا المجال للقرار السياسي للشعبنا أن يكون مستقلاً لا تابعاً حينذاك سيتقرر نوع الكيان السياسي والإداري الي سيقرره القوى الفاعلة في مجتمعنا سواء أكان حكما ذاتياً أو إدارة محلية أو ... أو ... فالمهم أن تتوحد الكلمة ولا يهم حينذاك فيما إذا أرتبط هذا الكيان بالحكومة المركزية أم بإقليم كردستان أم بجزيرة واق واق أو أستقل إستقلالا كاملاً وبنيت على أساسه "آشورستان" ولكن ليكن الكرد تمام اليقين بأن مثل هذا الكيان المستقل في قراره سيكون إغناءاً لأقليم كردستان سواء أرتبط به أم لا وليس تهديداً أو إنقاصاً منه لأن الواقع الموضوعي يفرض نفسه أن نحكم مثل هذا الحكم من الان، فالجغرافيا تحكم حكماً قاطعاً لايمكن التلاعب أو التأثير فيها. وبعد البوادر الإيجابية التي بدرت من الشخصيات السياسية المذكور، فعلى القوى السياسية الفاعلة في مجتمعنا أن تتهيء نحو الخطوة التالي في الأعلان عن الحكم الذاتي لشعبنا في مناطق تواجده والتاريخية وأن تضع جانباً الدستور أو القوانين التي لا تعير أهمية لوجودنا في أرض أبائنا وأجدادنا..... فالدساتير والقوانين الفارغة من روح التسامح ومبادئ الديمقراطية والقائمة على العداء السافر في إلغاء الآخر المختلف لا مكان لها إلا في الزبالة.     



309
مذبحة الآشوريين في سميل -  7 آب ( أغسطس) 1933
========================================

الأقليات في مسار تطور تاريخ العراق السياسي

أبرم شبيرا

بتصفح صفحات تاريخ العراق السياسي لعقود خلت وبتحليل أحداثها وسياسات أنظمة الحكم تجاه مشكلة الأقليات القومية والدينية، رغم اختلاف وتنوع أشكالها وأساليب ممارسة السلطة من نظام إلى أخر، إلا أنه مع هذا يمكن استخلاص بعض الأسس أو المبادئ العامة المشتركة بينهم والتي حكمت هذه السياسات الثابتة في جوهرها والمختلفة في شكلها العام. فتقادم الزمن الذي فرض عليها ضرورة تحديثها بأطر شكلية متلونة بالديمقراطية وسيادة القانون وغيرها من المفاهيم السياسية المتقدمة لم تغير من جوهرها أو مضمونها بشيء إذ بقيت دون تغيير أساسي في الممارسة الواقعية. ويمكن إيجاز هذه المبادئ العامة بما يلي :
1 – انعدام تأثيرات العوامل الجيوبوليتكية، من اثنوغرافية وطوبوغرافية وطبيعية، التي تزخر بها أرض العراق وشعبه، على عقلية صانعي القرار السياسي العراقي وبالتالي تجاهل تنوع الوجود الفعلي والمتميز للمجموعات العرقية والدينية والثقافية وانعدام تأثيرها الحقيقي والإيجابي على رسم السياسات العامة للدولة أو المشاركة فيها.
2 – غياب الفكر السياسي أو الموقف النظري الثابت والمبدئي حيال معالجة مسألة الأقليات القومية والدينية وبالتالي طغيان الأسلوب الفاشيستي العسكري في التعامل مع التطلعات المشروعة للأقليات التي فرضت الضرورة التاريخية عليها للعيش في الدولة الواحدة والتمسك بالقيم الوطنية والتعايش السلمي والحضاري مع بقية التنوعات القومية والدينية للشعب العراقي سواء أكانت أكثرية أم أقلية.
3 – عدم قدرة صانعو القرار السياسي في العراق، بقصد أو بجهل ، على استيعاب المفهوم الاجتماعي للديمقراطية باعتباره شكلاً من أشكال التعبير عن تطلعات ومخاوف هذه الأقليات، وبالنتيجة ابتعاد القوانين والسياسات العامة للدولة عن التعبير الحقيقي لمصالح ومواقف هذه الاقليات بشكل خاص وعن الرأي العراقي بشكل عام.
4 – ابتكار سياسات فكرية وقانونية وإدارية تكتيكية لاحتواء مخاوف الأقليات وامتصاص تطلعاتها وإضفاء الصفة الشرعية عليها، سواء عن طريق تخويف وإخضاع البعض منهم وتقديمهم على أساس كونهم ممثلو هذه الأقليات،  أو عن طريق تبرير الأسلوب الفاشيستي بطرق قانونية شكلية.
5 – استغلال التعدد الطائفي والديني في العراق واستخدامه في تحقيق سياسات النخبة الحاكمة وعن طريق تصعيد الخلافات الطائفية والدينية إلى مستوى الخلافات السياسية والفكرية وحتى إلى مستوى المصادمات المسلحة.
6 – عدم جدية رجال الحكم في العراق في إشراك الأقليات في صفة المواطنة والجنسية وتعقيد الإجراءات الرسمية لتحقيق هذه الصفة وإبقائهم ضمن حدود المواطنة من الدرجة الثانية أو أدنى واللجوء في كثير من الأحيان إلى إضفاء صفة "التبعيـة " للدول الأخرى المتخاصمة معها وبالتالي تعميق نظرة الشك والريبة في واقعهم وتاريخهم مساهمين بذلك في خلق استعداد فكري وسياسي لقبول الأكثرية أو عامة الشعب النعوت والتهم التي تلصق بالأقليات وحركاتها الساعية للتعبير عن مخاوفها وتطلعاتها، كالخيانة والعمالة والارتباط بالأجنبي وإنعاكس ذلك كردود فعل في سياسات الدولة الرسمية أو السلوكيات العامة الكامنة في مضامين الشعارات المرفوعة كمحاربة الاستعمار والإمبريالية وإزالة المخاطر التي تهدد سيادة الوطن وحدوده، وغيرها من البدع والشعارات التي يزخر بها قاموس العراق السياسي.

ضمن هذه الأسس النظرية يمكن فهم واستيعاب ظاهرة عدم الاستقرار السياسي في العراق وما صاحبها من انفجارات وحروب أهلية على أساس كون معظمها مرتبطة بشكل أو بآخر بمسألة الأقليات الاثنولوجية والدينية والطائفية في العراق.

والآشـوريون، أقلية عراقية انعكست المعايير القومية والدينية والتاريخية وحتى الطبقية والنفسية التي تحدد المعالم الأساسية للأقلية، انعكست في أقصى صورها على وضعهم كأقلية  لتفرزها في النصف الأول من القرن الماضي ضمن حدود هذه المعايير على السطح السياسي كأقلية قومية ودينية تختلف قومياً ودينياً وتاريخياً لا عن الأكثرية فحسب بل عن بقية الأقليات القومية والدينية الأخرى في العراق. فالخاصية الاثنولوجية والميثولوجية وتشابك وتعقد ومن ثم الترابط بشكل عضوي لا يقبل الانفصام بين المعايير القومية والدينية للآشوريين عبر تواصلهم التاريخي الطويل، أفرزت وضعاً فريداً في نوعه وجوهره وتناقضات قومية ودينية وتاريخية استحال على رجال الفكر والسياسة في العراق فهم واستيعاب خاصيته المتميزة ومن ثم وضع الحلول المناسبة للمسألة الآشورية منذ تأسيس دولة العراق وحتى يومنا هذا، فأنعكس ذلك بشكل مباشر على سلوك صانعي القرار السياسي وعلى أساليب القمع الفكري والعسكري والتي تراوحت بين سياسة الاحتواء الفكري وتجريد الآشوريين من صفتهم القومية والتعامل معهم كطائفة دينية غريبة ووافدة إلى العراق أخضعت حقوقها لـ "مكارم القائد" وللجمعيات الخيرية،  وبين الحملات "التأديبية" العسكرية للقضاء على "عملاء الاستعمار والإمبريالية " أو للحروب الجهادية المقدسة ضد "الكفرة" . ولعل الحركة الآشورية ومذبحة سميل التي رافقتها في شهر آب من عام 1933 والسياسات الأخرى التي تلتها خير مثال على ذلك.

ففي الأيام الأولى من قيض شهر آب (أغسطس) عام 1933، وبتشجيع من نائب الملك العراقي وولي العهد غازي بن فيصل وبتوجيه وإشراف النخبة الحاكمة ، نفذ الجنرال بكر صدقي قائد القوات العراقية في المنطقة الشمالية عملية تنفيذ المذبحة الجماعية ضد الآشوريين في بلدة سميل، أكبر التجمعات الآشورية في شمال العراق والقريبة من مدينة دهوك، مرسياً بذلك مبادئ وقيم سياسية وعسكرية في أسلوب معالجة المشاكل الوطنية وفي كيفية التعامل مع التطلعات المشروعة للتنوع القومي والديني في العراق، وهي القيم والمبادئ نفسها التي طغت على منهج السياسة العراقية في تعاملها مع الاقليات في المراحل اللاحقة والتي حكمت مسار تطور تاريخ العراق السياسي ليس تجاه هذه المسألة فحسب وإنما تجاه المسائل السياسية الأخرى المختلفة عن نهج النخب الحاكمة في العراق.

المغزى المراد استخلاصه من إحداث الحركة الآشورية لعام 1933 والمذبحة التي رافقتها لا تكمن أهمتها التاريخية باعتبارها أول حركة سياسية اجتماعية نادت بأهدافها بعد أشهر قلائل من الاستقلال الشكلي للعراق واكتسابه لعضوية عصبة الأمم في عام 1932، بل يكمن هذا المغزى أيضا في :
1 – الاستعداد الحكومي والشعبي، فكرياً وسياسياً ، والتخطيط المنظم المسبق لارتكاب المذبحة والهالة الدونكيشوتية التي أحيط بها مرتكبوها .
2 – دراماتيكية الحدث نفسه والنتائج التي أعقبته ليس على الآشوريين فحسب، بل على بقية المجموعات القومية والدينية الأخرى .
فالاستعداد المسبق المنظم للحدث كانت تنبع نواياه من ترسبات تاريخية تمتد جذورها لعقود سابقة له، أبان الحملات العثمانية "التأديبية" تجاه الآشوريين وبقية القوميات غير التركية. فمعظم أعضاء النخبة الحاكمة التي عالجت الحركة الآشورية عام 1933 بأسلوبها الفاشيستي العسكري كانوا بشكل أو بأخر جزءاً من المؤسسة العسكرية العثمانية، فالاستعاضة عن الفيسة ( وهي القبعة الرسمية لرجال الحكم العثماني ) بالسـيدارة ( وهي القبعة الرسمية لرجال الحكم العراقي) لا تعني استبدال وتغيير اساليب ومناهج الحكم والسياسة، والدين (كتاب خيانة بريطانية للآشوريين لمؤلفه يوسف مالك الموظف المدني في الحكومة العراقية المطبوع عام 1935 في الولايات المتحدة الأمريكية ).

فعشية انهاء الانكليز لنظام الانتداب على العراق  عام 1932 ومنحه الاستقلال الرسمي وتهيئة اجراءات دخوله لعصبة الأمم، كان أعضاء النخبة الحاكمة في العراق، ضمن سياق تأثرهم العميق بأفكار الفاشية والنازية واعجابهم الشديد بهتلر وموسيليني وكمال أتاتورك ، يبحثون عن هدف لتحقيق شعاراتهم في مقاومة الاستعمار والامبريالية ومكافحة أعوانه وجواسيسه وحماية حدود الوطن وصيانة سيادته واستقلاله لغرض استخدام هذه الشعارات "الوطنية" الطنانة في اضفاء نوع من الهالة البطولية على الاستقلال الممنوح وأظهاره كناتج عن كفاح شعب وحكومة العراق وعمل من الأعمال "الخارقة" للجيش العراقي الذي لم يكن قد دخل أية معركة او اختبار حقيقي. وبسبب الظروف المأساوية التي أفرزتها نتائج الحرب الكونية الأولى وتسويات الحدود والمعاهدات الدولية على الآشوريين وجدت النخبة الحاكمة فيهم "الحلقة الأضعف" في سلسلة الحلقات الساعية الى البحث والمطالبة عن ضمانات حماية وجودهم القومي والديني المتميز والتي برزت بشكل أكثر وضوحاً بعد اعلان الانكليز عن نواياهم في التخلي عن نظام الانتداب في العراق ومنحه الاستقلال. كما وجدت في عمق التناقضات القومية والدينية والتاريخية وفي خلفية طبيعة علاقة الآشوريين بالانكليز الناجمة عن تحالفهم مع الحلفاء أبان الحرب العالمية الأولى وما بعدها في مقارعة استبداد ومطامع الدولة التركية، وجدت فيها الظروف الملائمة جداً لاستغلالها وجعل الآشوريين الهدف الأمثل لتحقيق أهداف النخبة الحاكمة في تأطير الاستقلال بصور بطولية ووطنية تثير حماس واندفاع الشعب نحو حكومة الدولة الفتية .

ولما كان الآشوريون "الحلقة الأضعف" في السلسلة الاجتماعية والسياسية العراقية ولا يشكلون أي خطر حقيقي أو تهديد جدي على الدولة العراقية، مقارنة مع الحلقات الكردية والشيعية الأقوى، فإن مسعاهم في المطالبة بجزء يسير وبسيط من الحقوق التي كانوا يتمتعون باضعافها في ظل الدولة العثمانية كانت من الممكن وبسهولة جداً حلها والإيفاء بها واحتواء الملابسات التي رافقتها من دون إراقة الدماء. غير أن ذلك لم يكن يخدم أهداف النخبة الحاكمة، بل على العكس من ذلك تماماً حيث استوجب عليها تصعيد الأحداث وإيصالها إلى حافات الهاوية وتصوير الآشوريين ومطالبهم كخطر حقيقي داهم على أرض الوطن وتهديد جدي لأمن حدوده وسلامته. وهذا ما دفع، على سبيل المثال لا الحصر، عبد الرحمن البزاز (استاذ جامعي ورئيس وزراء أسبق ) إلى اعتبار الحركة الآشورية لعام 1933 من أهم المخاطر الجمة والفتن الداخلية الجسيمة التي واجهها العراق المستقل وعرضت سمعته الدولية إلى الكثير من الغمـز " (كتاب العراق من الاحتلال حتى الاستقلال – فتنة الآثوريين ص 223-232 ) .

من هذا المنطلق بدأت حملة رسمية وشعبية منظمة ضد الآشوريين قبيل مذبحة سميل … ففي الفترة الممتدة من الأول إلى الرابع عشر من شهر تموز (يوليو) 1933 نشرت أكثر من 80 مقالة رئيسية في الصحافة العراقية والتي كتبت من قبل مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية وكانت جميعها تطالب بالقضاء على الآشوريين وافنائهم. وخلال شهر آب أعلنت الحكومة العراقية والصحافة وبعض الأحزاب والمنظمات السياسية الحرب المقدسة "الجهاد" على الآشوريين "الكفرة" وأصدرت الأوامر للتطوع ووزعت السلاح على المتطوعين، كما وجهت الحكومة شكرها وامتنانها للتجار وزعماء بعض العشائر البدوية والكردية للجهود التي بذلوها من أجل حماية وصيانة الوطن من الآشوريين "المرتزقة والجواسيس وعملاء الاستعمار والامبريالية … " . وأصدرت الحكومة العراقية أيضاً عشية مذبحة سميل أوامرها بمكافئة كل شخص بدينار واحد عن كل آشوري يُجلب إلى السلطات الحكومية حياً أو ميتاً، كما أعلنت الحكومة وبعض العلماء، البعيدين كل البعد عن سماحة الدين الاسلامي ، قرارات وفتاوى حللت بموجبها سلب ونهب قرى وممتلكات الآشوريين واعتبرت أعمال العنف والمذبحة المرتكبة قانونية وشرعية واتهمت كل من لا يشارك فيها بالخيانة بحق الوطن. وخلال شهر آب من نفس العام ، قبيل وأثناء وبعد المذبحة، نشرت الصحافة العراقية أكثر من 230  عمود صفحي ومقالة مهينة جميعها تدعو ألى تخليص البلاد من "الملحدين والمتمردين" الآشوريين والقضاء نهائياً على " ذئاب آشور" كما نعتهم الشاعر "الوطني" معروف الرصافي، عضو البرلمان العراقي، في قصائده وخطبه "الوطنية" الحماسية. من كتاب خيانة بريطانيا للآشوريين ليوسف مالك.

ضمن هذا التصور دخلت مذبحة سميل، رغم بشاعتها ووحشيتها، في قاموس العراق السياسي وترسخت في البنية الفكرية العراقية  كحدث تاريخي وطني وعمل من أعمال البطولة والنضال ضد الاستعمار والامبريالية وأعوانهم .. وكانت "وبحق الواجب الوطني الذي انقذ البلاد وحمى استقلاله وسيادته" . وأصبح قادة الجيش العراقي المتمثلون في النخبة العسكرية وعلى رأسها بكر صدقي، رمزاً وطنياً للإخلاص والتفاني في سبيل الوطن، فأحيط مرتكبي المذبحة بهالة البطولة الدونكيشوتية وزينت صدورهم بأنواط الشجاعة والبطولة التي تراصت مع الأنواط السابقة الممنوحة لهم من قبل أسيادهم السابقين العثمانيين عن "بطولاتهم" العسكرية اثناء حملات سحق حركات تحرر الشعوب غير التركية إبان انهيار "الرجل المريض" في الحرب الكونية الأولى. وكان من الطبيعي أن تلجأ السلطة ورجالها إلى تبرير المذبحة بحج شرعية وقانونية مختلفة، فبالإضافة إلى التبريرات السياسية المكتسية بألوان وطنية ودينية لجأت إلى استثمار مخاوف بعض الآشوريين والفرض عليهم بإرسال برقيات تأييد وتهنئة لقادة الجيش العراقي وللحكومة على نجاحها في القضاء على "الفتنـة الآشورية " واستنكار مطالب الآشوريين الوطنية والقومية والدينية والتهجم على زعمائهم بما فيهم بطريرك كنيستهم في العراق واظهاره وكأنه "زعيم عصابة متمردة " (عن هذه البرقيات أنظر كتاب عبد الرزاق الحسني  : تاريخ الوزارات العراقية – الجزء الثالث)، ومثل هذا الأسلوب في خلق ممثلين زائفين للمجموعات المعارضة للحكومة أسلوباً قائماً في العراق وكان نظام البعث العراقي بارعاً في هذا الأسلوب عند مقاومته للحركات الكردية والشيعية والآشورية.

أما دراماتيكية المذبحة فإنها لا تكمن فقط في المنظور المادي فحسب ، وفي بشاعة المذبحة التي قدر ضحاياها بما يزيد عن ثلاثة آلاف قتيل آشوري وفي نهب 66 قرية وتدمير العديد منها ومحوها من الخريطة وتشريد عشرات الآلاف من سكانها أو في بقـر بطون الحوامل أو في قتل رجال الدين وصلبهم وبشكل مقلوب بعد أن نزع الصليب من صدرهم ووضع في ثغرهم وبعثرت أوراق الكتاب المقدس الممزقة على أجسادهم والتي تم اختصارها بسطور قليلة في التقرير السري الذي أعده لحكومته أحد المستشارين البريطانيين العاملين في خدمة الحكومة العراقية حيث ذكر "لقد رأيت وسمعت الكثير من الأحداث المروعة والتي حدثت خلال الحرب العالمية … ولكن الذي رأيته في سميل بعيد عن تصور الإنسان"، بل أن دراماتيكية هذه الأحداث تكمن أيضاً، وبشكل أكثر عمقاً وشمولاً، في المنظور السياسي لها وفي النتائج التي أعقبت المذبحة ضمن سياق تطور تاريخ العراق السياسي حيال مشاكله القومية والدينية. ففي جوابه على شرح المفتش الإداري البريطاني لدى الحكومة العراقية لخطورة الموقف الآشوري من جراء هذه المذبحة ، يقول السياسي العراقي ناجي شوكت، أحد أعضاء النخبة الحاكمة ورئيس وزراء أسبق في تلك الفترة : " اوه … هذا لا شيء … الخطورة الحقيقية تكمن في تمرد الشيعة .. "  . وفعلاً بعد الضربة القاصمة التي وجهت إلى "الحلقة الأضعف" وجهت ضربات قاصمة أخرى إلى "الحلقات الأقوى" فشنت حملات عسكرية ضد الشيعة وعشائر الفرات الأوسط وضد حركات التحرر الكردية وعولجت تطلعاتهم بأسلوب فاشيستي ظل المنهج الأساسي المهيمن على عقلية صانعي القرار السياسي في بغداد طيلة عقود طويلة في تعاملهم مع المطالب المشروعة للأقليات القومية والدينية في العراق حتى إنهيار النظام البعثي الإستبدادي.

كل هذه  "البطولات" التي قام بها بكر صدقي أهلته للبروز على السطح السياسي كبطل قومي يسعى لتحقيق العهد الذي قطعه على نفسه عشية مذبحة سميل حين خاطب جنده وذكر بأنه على الجيش أن يستمر بمهماته " الوطنية " الأكثر أهمية. وفعلاً قام مع من لفه من بعض أعضاء النخبة الحاكمة الحالمين بأحلام هتلر وموسيليني وكمال أتاتورك بتنفيذ هذه المهمات عندما دبر انقلابه العسكري عام 1936 ليكون بذلك فاتحة جديدة، ليس في العراق وحده وإنما في غيره من الأقطار العربية، تفتح الأبواب مشرعة لسلسلة من الانقلابات العسكرية والارهاصات السياسية التي أصبحت الأسلوب "الشرعي والقانوني" للوصول إلى الحكم في غياب الديمقراطية والتقاليد السلمية لانتقال السلطة. فكانت البداية التي شرعت فيها الأفعى تأكل نفسها، كما يقول المثل، فقُتل جعفر العسكري مؤسس جيش العراق بأمر من بكر صدقي، كما اغتيل الأخير وفي الذكرى الرابعة لمذبحة سميل في 11/8/1937 ومن قبل بعض أفراد المؤسسة العسكرية في الموصل وهو في طريقة إلى تركيا لحضور مناورات الجيش التركي مع "بطله الملهم" أتاتورك في منطقة تراقيا.

أما نتائج مذبحة سميل بالمنظور السياسي على الآشوريين فقد كانت أكثر مأساوية من غيرهم من المجموعات القومية والدينية الأخرى في العراق، لا لكونهم الغاية والوسيلة في آن واحد لأهداف النخبة الحاكمة فحسب، بل لكون طبيعة "الحلقة الأضعف" على عدم قدرتها لتحمل الضربات القاصمة والإجتياحات العسكرية العنيفة لذلك أصيب الآشوريون من جراء ذلك بالتصدع الاجتماعي والسياسي والديموغرافي كما قامت الحكومة العراقية بإصدار سلسلة قرارات وقوانين جائرة بحقهم، حيث جرد زعيمهم الديني البطريرك مار شمعون وعائلته ومعظم زعمائهم ومئات غيرهم من جنسيتهم العراقية ونفوا إلى خارج العراق، كما أصدرت قوانين مجحفة بحقوقهم وعقدت اجراءات حصولهم على الجنسية العراقية حتى وصلت المستحيل والتي أصبحت سارية المفعول حتى إلى وقت قريب، فحرموا من جراء ذلك من حقوقهم السياسية والثقافية ومن حق التعليم ودخول الجامعات وتقلد المناصب الإدارية والعسكرية الرفيعة بسبب صعوبة حصولهم على الجنسية العراقية واثبات عراقيتهم. وفي زمن نظام البعث المقبور دخلت بدعة "الولادة من أبوين عراقيين بالأصالة" جدول التعقيدات فحرم الكثير منهم من "حقوق" التي أقرها دستور العراق فكانت الهجرات الجماعية إلى خارج العراق، والتي لا زالت مستمرة حتى اليوم، الملاذ المتاح للخلاص من هذه المعاناة. وكان من الطبيعي أن يخلق كل هذا نوعاً معيناً من تراكمات سلبية في نفسية الفرد العراقي وترسبات فكرية في بعض الأحزاب السياسية العراقية وفي بعض المؤرخين والمثقفين تجاه التطلعات القومية المشروعة للآشوريين في العراق، مساهمين بذلك، بشكل أو بآخر، في ظاهرة عدم الاستقرار السياسي والتجانس الفكري والاجتماعي والتي أصبحت السمة المميزة أيضا في عدم استقرار وثبوت الأنظمة السياسية المتعاقبة على الحكم في العراق. ومن المؤسف حقاً أن تنسحب هذه التراكمات السلبية والترسبات الفكرية على بعض القوى والتيارات المحسوبة على الديمقراطية أو الوطنية أو التقدمية لتحكم تفسيرها وفهمها للتطلعات المشروعة للأقليات العراقية بشكل عام والآشوريين بشكل خاص. وحتى وأن كان البعض من هذه القوى قد أدرجت في مناهجها السياسية سطراً أو سطرين عن ضمان حقوق الاقليات في عراق المستقبل كأسلوب لـ " دمقرطة " مناهجها في مواجهة المناهج الديكتاتورية التي كانت سائدة في السابق فأن الواقع والممارسة الحقيقية لهذه المناهج هي الكفيلة الوحيدة لمصداقيتها، ولعل يأتي إهمال وعدم ذكر مأساة الآشوريين خاصة مذبحة سميل في ديباجة الدستور العراقي الحديث جزءا من ترسبات الماضي.

واليوم، وبمناسبة هذه المذبحة وما سببته للآشوريين من نتائج سلبية على مختلف الأصعدة ، يحتفلون، سواء أكانو في الوطن أو في بلدان المهجر، يحتفلون في السابع من آب من كل عام يوماً للشهيد الآشوري تكريماً للذين ذبحوا في سميل ويتطلعون في دعواتهم الاحتفالية إلى اليوم الذي تتحول عجلة تطور تاريخ العراق السياسي من السياق القائم على القهر السياسي والقمع الفكري للتطلعات القومية المشروعة للآشوريين إلى السياق الذي يتراصون فيه دون تميز أو خوف أو ريبه مع بقية أبناء الشعب العراقي وبكل قومياته وأديانه وتحت ظل نظام ديمقراطي تعددي إنساني يقر بحقوقهم جميعاً وبحقوق جيرانهم أيضاً كأساس لضمان واستمرار العيش بسلام وأمن، وهو الحلم الذي تنشده كل الشعوب المحبة للحرية .     

310
المنبر الحر / الآثـوري الحقيـر
« في: 20:17 28/07/2008  »
الآثـوري الحقيـر

أبرم شبيرا


بين الأمس واليوم أختلف الدكتور يوسف اختلافاً كليا من حيث توجهاته القومية بحيث أثار في عقلي الكثير من التساؤلات لا بل والحيرة عن هذا الاختلاف العجيب الذي رأيته فيه وتحوله من مجرد شاب متدين غارقاً في عالمه الطائفي والكنسي لا يهمه غير كلمة الرب وكتابه المقدس إلى إنسان قومي متحمس ملتزم بتنظيم قومي يهمه الكثير من المسائل السياسية والقومية لا بل ومنخرطاً فيها. في الماضي عرفته منذ فترة الصبا زميلاً لي في مدرسة القديس مار يوسف التابعة للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في منطقة قورية في مدينة كركوك التي أستولى عليها حزب البعث العراقي بعد اغتصابه السلطة عام 1968. فكان الكثير من الأشياء تجمعنا... حبنا وأعجابنا الكبير بمدرستنا الراهبة (ماسيره ...) التي كان لها وجهاً ملائكياً طاهراً نتلمس منها الكثير من حنان الأم وإطمئنان المربي الصالح إلى تلاميذه إلى درجة كنا نعتبرها قديسة بسبب هيبة ملابسها الرهبانية البيضاء وغطاء رأسها الأسود وتسبحتها الطويلة ذات الصليب الخشبي المعلق في نهايتها. لحد هذا اليوم أتذكر صوتها الهادئ الحنون الذي لم يكن له يوماً مظاهر أي غضب أو إنفعال مهما تكاسلنا أو أخطئنا.  أما أبونا (القس ....) مدرسنا للتعليم المسيحي والمشرف على صفنا الدراسي، كان ذو شخصية مرهبة للتلاميذ بسبب قسوته في معاقبة الكسالة منهم، فكان هو الاخر يجمعني بيوسف ولكن مع إختلاف بسيط حيث كان كثير التودد والأعجاب بيوسف بسبب شطارته وإداء واجبه البيتي بإنتظام في حين كان شديد القسوة معي بسبب شقاوتي وثرثرتي أثناء الدرس. صحيح بعد سنوات طوال زال ألم أصابعي ولكن أسلوبه في معاقبتي وبقية التلاميذ الكسالة لازال في ذاكرتي حيث كان يضع قلم الرصاص بين أصابعنا ثم يعصرها وبقوة بكفه القوي المشعر.

هكذا مرة سنواتنا أنا ويوسف في المدرسة الابتدائية وبنيت صداقتنا على أساسها ثم تفرقنا بعد تخرجنا من المدرسة الابتدائية ولم نعد نلتقي حتى بدأت الدارسة الثانوية تفرقنا شيئاً فشيئاً ولم يعد لقائنا إلا قاصراً على بعض الأيام في أزقة منطقة ألماس ونحن مقبلين على مرحلة المراهقة حيث كان دهن "اليردلي" يلمع شعرنا ونلبس بناطيل "الجارلستون" العريضة من التحت ونجول في الأماسي على دراجتنا الهوائية في أزقة مدينة كركوك الجميلة والمعروفة بنظافتها. فكان يوسف الصديق الشريك في بعض من هذه الجولات التي كانت تشمل أيضا زيارة بعض الأصدقاء في منطقة عرفة (نيو كركوك) إما للقاء والتسامر مع بعض الاصدقاء أو لمشهادة مباراة كرة القدم في الساحة التي كانت تقع خلف (الكانتين). وفي المساء وقبل حلول الضلام، كنا نعود مسرعين بدراجاتنا إلى بيوتنا خوفاً من الشرطة لأن ركوب الدراجات كان ممنوعاً في بعض الأوقات في منطقة عرفة لا بل وفي أحيان أخرى، وحسب مزاج ضابط مركز شرطة كركوك، كان يحجزون الدراجة لعدة أيام ولا ترجع إلا بعد دفع بضعة دنانير كغرامة لاسترجاعها. أنه كان فعلاً أمراً محيراً  ولحد هذا اليوم لم نعد نعرف سبب حجز الشرطة لدراجاتنا الهوائية في تلك الأيام.

هكذا كانت حياتنا ولم يكن أي شيء من المسائل القومية والسياسية تجمع بيني وبين يوسف، بل كل ما كنا نعرفه هو أن هناك إختلاف كبير بيننا نحن الذين كان يطلق علينا التركمان أسم "كاور" أي المسيحي أو "أسوري" أي آشوري أو أثوري وبين أولئك المسلمين من التركمان والكرد وبعض العرب الذين كنا نعرفهم جميعاً كـ "مشلمانه" من دون أن نميز بين هذه القومية وتلك. ثم جاءت أعوام الستينيات من القرن الماضي وبدأ أهالي كركوك خاصة من الآشوريين الذين كانوا يعملون في شركة نفط العراق (آي. بي. سي) بترك كركوك والرحيل إلى بغداد بعد أن بدأت الشركة بتسريح العمال ومنح مكافأة مالية لهم. فكان هذا الحدث سبباً للفراق النهائي بيني وبين يوسف حيث أرتحلت عوائلنا إلى بغداد ولم نعد نلتقي أو نسمع أخبار بعضنا.

في بغداد دخلت الجامعة وكنت يقيناً بأن الكثير من زملائي من المراحلة الابتدائية والثانوية أيضا يكونوا قد دخلوا الجامعة خاصة الشاطرين منهم كصديقي يوسف. في الحقيقة لم أكن أتوقع أن أجد أحد من أصدقائي القدامي في الكلية التي كنت أدرس فيها (كلية القانون والسياسة) لأنها غير مرغوبة لدى المسيحيين عموما والآشوريين خصوصاً بل معظمهم كانوا يذهبون إلى الكليات العلمية خاصة الطب والهندسة. وإذا كانت الدراسة قد جمعتني بيوسف في السابق والآن تفرقني عنه إلا أن الكنيسة عادة مرة أخرى لتجمعني به حيث أستطيع القول بأنها كانت مشيئة الله أن نلتقي مرة أخرى في كنيسة القديسة ريتا الكلدانية الكاثوليكية في منطقة الكرادة خارج في بغداد وأن يتكرر اللقاء كل يوم الأحد أثناء القداس ومن بعده. لكن هذه المرة وجدت إختلافاً كبيرة بيني وبين صديق الطفولة والشباب، فالقومية والمسائل السياسية بدأت تشغل عقلي وأهتمامي أكثر فأكثر وهي التي كانت قد دفعتني لترك قبولي في كلية الآداب والتحول إلى كلية القانون والسياسة في حين لمست من صديقي تعمقه الكبير في المسائل الدينية وأهتمامه البرئ بالطائفية فكانت سبباً تحول دون أن يتعمق في القومية والشؤون السياسية التي كانت تشغل بال الكثير من الآشوريين وبمختلف طوائفهم خاصة بعد إصدار نظام حزب البعث في بداية السبعينيات من القرن الماضي القانون الذي عرف بـ "منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية". وعندما كنت أفاتح يوسف بمثل هذه المواضيع كان لا يبالي بها إطلاقاً بل كان يعتبرها هباءاً ومضيعة للوقت والأكثر من هذا كان يعتقد بأنها تشكل خطورة على حياة المهتمين والمتداولين بمثل هذه الأفكار القومية والسياسية في ظل نظام مستبد لا يمكن الوثوق بوعوده وقوانينه وكان حديثنا ينتهي بهز رأسه تعبيراً عن إستياءه لمثل هذه الأفكار والأحاديث.

كان أمراً غريباً أن لا أرى يوسف في يوم الأحد في الكنيسة، لا بل كان أكثر غرابة عندما ينقطع عن الكنيسة لبضعة أسابيع والتي كان توحي لي بأنه يواجهة مشكلة ما أو أنه مشغول بأمر معين حيث كان يساعد والده في الكافتريا التي كان يمكلها في شارع السعدون خاصة في أيام العطل ونهاية الأسبوع. كانت غرابتي شديدة وصلت إلى درجة الصدمة عندما ألتقيت بيوسف بعد عدة  أسابيع وهو في حالة نفسية وعقلية وسلوكية غير معتاد فما أن ألتقيته حتى قذفني بسؤال غريب وعجيب فقال: "لماذا أنتم الآثوريين يكرهونكم العراقيون" تفاجئت بسؤاله الغريب الذي لا يشبه أطلاقاً أي سؤال سابق طرحه يوسف عليً والتي كانت في معظمها أسئلة دينية وكنسية. فقلت له "لا أعتقد أن رأيك صحيح مائلة بالمائة فهناك الكثير من العراقيين يحبون الآثوريين ثم لماذا تقول هكذا ومن أين جاءك هذا التصور". فقال "دعني أشرح لك هذا الموقف التراجدي الذي مزق قلبي وشوش فكري وهز كياني". فقلت له وعلى عجل " يلا ... أعطيني فكره عن هذا العدو الغادر الذي مزق قلبك" فقال "في ليلة الخميس الماضي كنت في كافتريا والدي أساعده من الزاحام الشديد الذي كان يعج به محله وكان من الصعب عليً أن أستجيب فوراً لجميع الطلبات خاصة عندما نعرف بأن بعض الزبائن كانوا يتصرفون بشكل جنوني وبأسلوب إستبدادي عندما لايستجاب طلبهم على الفور من قبل عمال الكافتريا الذين كان ينظر إليهم بنظرة دونية باعتبارهم طبقات أو فئات دون مستوى بعض من هؤلاء الزبائن ويكون الأمر أسوء بكثير عندما يكون هؤلاء من أعضاء حزب البعث أو له مركز وظيفي في الشرطة أو جهاز الأمن أو المخابرات فهؤلاء يتصورن بأنه يحلو لهم أهانة الناس وتحقيرهم" فقلت له طيب أين وجة الإهانة والتحقير لك في هذا الوضع ... أفهل فعلاً واجهت مثل هذا الموقف؟؟" قال وبنوع من العصبية:

 "طبعاً ... طبعاً وإلا لماذا أسرد لك هذه المقدمة ... تصور طلب مني أحد الزبائن، ويظهر بانه كان من هؤلاء – الشوكولات – طلب مني أن أتيه بزجاجة صلصة الطماطم غير إنني تأخرت بعض الشيء في تلبيت طلبه بشكل فوري وبعد أقل من دقيقة وأنا مجتازاً طاولته نهض من مكانه وبحركة جنونية دافعاً معقده نحو الخلف فأنقض عليً كأنقضاض رجال الأمن بالمجرمين فمسك بكفه الملثوث بدهون السندويش الذي كان يلتهمه كالضباع الجائعة بقميصي من جهة رقبتي وكأنه أراد أن يخنقني فصرخ في وجهي صرخة الذئاب قائلا : آثوري حقير ...  فأجمع بصاقه في فمه وبصقها وبقوة العاصفة في وجهي قائلا: والله ما تصيرون أوادم أنتم الآثوريين...  ثم دفعني وبعنفوان نحو الخلف فسقطت على الكراسي التي كانت من خلفي..  ؟؟ !! فصعد الدم إلى رأسي وأمتلئت غيضاً وغضباً وعزمت على أن أرفع من أحدى الكراسي التي وقعت عليها وأضربها بقوة على رأسه وأن أعيد له الصاع صاعين غير إنني عندما شاهدت والدي أمامي حائراً خائفاً من هذا المشهد المأساوي ولمحت في وجهه السنين الطويلة القاسية التي قضاها في هذه الكافتريا التي كانت مصدر رزقنا الوحيد وتخيلت النتائج المدمرة التي ستأتي على موردنا وسمعة مطعمنا من جراء رد فعلي العنيف لهذا المجنون خاصة عندما تتدخل الشرطة وتبدأ الاستدعاءات أمام أعين الزبائن وما يترك ذلك من آثار سلبية على سمعة الكافتريا التي بناها والدي طيلة سنوات طويلة فعزفت عن فعلي العنيف ضد هذا المجنون المتعجرف بعدما لمست يد والدي الحنونة تمسك بذراعي ويرفعني لأقف على رجلي ويسحبني إلى أحدى زوايا الكافتريا بعيداً عن هذا المجنون... ثم نظر يوسف في عيني وبنوع من الحسرة والألم فقال لي: هذا هو السبب الذي قلت لك لماذا يكره العراقيون الآثوريين... لا بل الدهشة والحيرة هي إنني كما تعرف ويعرف غيرك بأنني كلداني ومن عائلة كلدانية معروفة فلا أدري لماذا هذا المجنون وصفني بالآثوري وأنا عمري لم أدع لأحد بأنني آثوري رغم أنك شرحت لي تاريخنا بشكل مفصل ولكن لم أكن مهتماً كثيرا بكلامك عن تاريخنا فأنا ولدت ونشأت وكبرت كلدانياً فما علاقتي بالآثوريين غير الدين المسيحي الذي نشترك به، ترى ما الذي فعله الآثوريون للعراقيين وتحديداً لمثل هذا الشخص المجنون لكي يصفهم بالحقارة ... أفهل قتلوا والده أو أحد أقرباءه ؟؟ أفهل نهبوا بيوتهم وسلبوا حلالهم؟؟؟ أفهل هددوهم بالقتل أو دفع الجزية ؟؟؟ أفهل طلبوا منهم ترك بيوتهم والهجرة وإلا مصيرهم القتل؟؟؟ أفهل طلبوا من بناتهم أن يتحجبوا وإلا يرشون وجوههم بحامض الكبريتيك (تيزاب) قل لي بالله عليك هل فعلتم هذا بالعراقيين لكي يكرهونكم إلى هذه الدرجة؟؟؟

كان ردي ليوسف وأنا أحاول تهدئة مشاعرة وأحساسيه الغاضبة هادئ فقلت له: "طبعاً لم نفعل أي من هذه الأشياء إطلاقاً ... وأود أيضاً أن أوضح نقطة مهمة أنت تعييد تكرارها في تعميم هذه السلوك على جميع العراقيين... صحيح هناك ناس لإسباب قد تكون سياسية أو حقدية دينية أو عنصرية يكرهون لا الآثوريين فحسب وإنما كل مختلف عنهم ولكن ليس كل العراقيين خاصة عندما نعرف بأن بعض الأنظمة التي تعاقبت على السلطة في العراق وبالأخص نظام حزب البعث كانوا يغذون مثل هذه الأحقاء والسلوكيات المريضة بين أبناء الشعب الواحد". لم يكن ردي مقنعاً كثيراً ليوسف فأردف قائلا" "إذا كان ما تقوله صحيح ولكن لا بد أن تكون هناك أسباب وعوامل عملت فعلها في عقلية هذا المجنون لكي يسلك مثل هذا السلوك العدواني وينعت الآثوريين بالحقارة". قلت له: "قد يكون هذا صحيحاً ولقد شرحت لك فصول من تاريخنا ونضال شعبنا من أجل نيل حقوقه المشروعة والتي لم تكن مثل هذه المطالب مقبولة من قبل الأنظمة السياسية في العراق وبالتالي كانوا يصفون الآثوريين بالعمالة والمخربين وغيرها من الشتائم والسباب والتي كانت أكثر من صفة الحقارة والتي ترسبت في عقلية بعض العراقيين، ولكن طالما كنت غارقاً في العالم الديني لم تكن مثل هذه الأمور ذات أهمية بالنسبة لك لتعرف الحقيقة في هذا اليوم والسبب الذي من وراءه دفع هذا المجنون أن يسلك سلوكه العدواني تجاهك ويصفك بالآثوري الحقير".... "أريد أن أعرف الحقيقة وما ورائها من أسرار تخص الآثوريين في العراق"، قال يوسف وبنوع من التحمس في معرفة هذه الحقيقة. قلت له "الثقافة وقراءة التاريخ سوف يكشف لك الكثير من الحقائق وبعض الوقائع التي هي أسرار غير معروفة بالنسبة لك، ومثل هذه الثقافة لا تجدها إلا في بعض الكتب القليلة المتوفرة بين أيادي بعض الشباب الآثوريين" ثم وعدت يوسف بتزويده بمثل هذه الكتب ليوسع معارفة عن تاريخ الآشوريين ونضالهم من أجل نيل حقوقهم وما ترتب على ذلك من نتائج مأساوية على واقعهم في العراق والتي جزء منها أنعكس في سلوك هذا الزبون الذي أهان يوسف في مطعم والده.

كان من أكثر الكتب عن تاريخ الآشوريين ونضالهم المتوفرة حينذاك في بداية السبعينات من القرن الماضي كتابين مشهورين وهما "تاريخ الآثوريين" للبروفسور الآشوري الروسي ماتييف بار متي الذي ترجمه أسامة نعمان بطريقة محرفة وغير أمينة  وكتاب "الآشوريون في التاريخ" الذي جمع محتوياته " إيشو مالك خليل جوارو" آشوري من لبنان وهما الكتابان اللذان كانا متوفران لديً وتم تزويد يوسف بهما. وبعد فترة أيام قليلة ألتقيت يوسف وإذ به متعطشاً أكثر لقراءة المزيد من الكتب فتم تزويده ببعض المجلات والدوريات التي كان يصدرها الآشوريون في المهجر وتصل إلى أيادينا في العراق سراً كما نصحته بأن يتردد على النادي الثقافي الآشوري في بغداد لكي يلتقي بالشباب القومي هناك ويحضر المحاضرات والندوات القومية التي كان يقيمها النادي لكي يستفاد أكثر فأكثر. ثم أخبرته بضرورة قراءة الكتب الأخرى عن الآشوريين والتي تعبر عن وجهة النظر الرسمية للأنظمة السياسية الحاكمة في العراق أمثال كتب عبد الرزاق الحسني وعبد الرحمن البزاز وحسين التكريتي وغيرهم الذين كتبوا أسوء ما كتب عن الآشوريين في العراق وخلقوا أجواء معادية في نفسية الكثير من العراقين تجاه الآشوريين وربما يكون الزبون اللعين الذي أهان يوسف من الذين قرأوا مثل هذه الكتب العدوانية. هكذا فبعد أن أغترف يوسف المعارف التاريخية وأحس بأحاسيسه الفياضة الواقع الحالي لأمتنا توسعت مداركه القومية ولم يعد ذلك الشاب الهادئ المتدين الذي لم يكن يعرف من عالم السياسة والقومية والمجتمع الذي كان يعشيه فيه غير دينه وطائفته حيث بدأ يدرك كل الإدارك بأن ما يجمعني به ليس الدين المسيحي أو الكنيسة فقط فهذا الدين يجمعه مع الأفريقي والأوربي والأسيوي وغيرهم من القوميات المسيحية ولكن ما يجمع يوسف بي وبشكل خاص هو عوامل قومية كاللغة والتاريخ والعادات والثقافة وألأماني والمصير المشتركة. واليوم يوسف منتمي ويعمل ضمن أحدى التنظيمات القومية لأمتنا ينضال رغم الظروف الصعبة من أجل وحدة أمتنا كأساس لنيل حقوقها المشروعة في أرض الأباء والأجداد. هكذا عملت الثقافة والإغتراف بتاريخ أمتنا من يوسف أن يخرج من شرنقته الطائفية ويدخل عالم القومية الواسع والرحب الذي يسع لكل الطوائف والملل والأحزاب والمنظمات. والأكثر من كل هذا فإن التساؤل يفرض نفسه وبقوة لنقول: لو لم يكن ذاك اللعين الذي أهان يوسف قد قام بفعلته الشنيعة أفهل كان يوسف يصح من سباته الطائفي ويدخل عالم السياسة والقومية؟؟؟ هذا يذكرني بالمظالم والقهر والمأساة التي لحقت بجزء من أبناء شعبنا، وأقصد تحديداً رعية الكنيسة المشرقية "النسطورية والتي خلقت فيهم رد فعل قوي أنعكس في نشؤء بينهم حركة قومية سياسية، في حيث تأخر نشؤ مثل هذه الحركة بين أبناء الطوائف الأخرى التابعة لكنيسة المشرق الأم وأقصد تحديداً رعية الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والكنيسة السريانية ربما لأنهم لم يعانو بنفس الدرجة من المعاناة والمأساة والقهر... !!! أنه من سخرية القدر أن يكون الإضطهاد وما يخلقه من رد فعل مصدراً للوعي القومي!!! أفهل الشعوب المريحة التي لم تواجه إضطهاداً يمكن أن يولد فيها وعياً قومياً سياسياً؟؟؟؟ أفهل لأن الكلدان والسريان لم يواجهوا مثل هذه الإضطهادات القومية وبالتالي لم تنشأ فيهم حركة قومية؟؟؟ أم أن الثقافة القومية والسياسية بما فيها الكتب والمجلات والأندية والمنشورات السياسية هي مصدر الوعي القومي والتي توفرت عند أبناء الطائفة المشرقية "النسطورية" أكثر مما نشأت وأنتشرت بين أبناء الطوائف الأخرى؟؟؟  أسئلة محيرة والجواب عنها لاشك فيه تتعدد الأراء وتتضارب وهي حالة صحية يجب أن نرتقي إلى مستواها كوسيلة لبيان الحقيقة وكشف الواقع.
     


311
برج بابل - 1
وبلبلة التسمية القومية
أبرم شــبيرا

كلمة لابد منها:
قبل كل شيء أود أن يطمأن القراء خاصة المتطرفين من الكلدان والسريان الذي يرتعبون  من ذكر التسمية الآشورية، فأن تكرار ذكرها في هذه المقالة لا يعني إطلاقاً إلغاء التسميات الأخرى التي تسمى شعبنا بها في حقبات تاريخية مختلفة وتحت تأثيرات متعددة،  فالموضوعية تفرض نفسها أن نشير إلى الآشورية باعتبارها حقيقة تاريخية قبل المسيحية وبعدها وكانت التسمية الأكثر شيوعاً لشعبنا والتي خضعت عبر مراحل تاريخية طويلة ومثيرة إلى تأثيرات سياسية وحضارية ودينية ولغوية فإختلطت مع السريانية والكلدانية والأرامية وسورايا وغيرها من التسميات والترجمات. ومنذ منتصف القرن التاسع عشر ومابعده وفي مراحل نشؤ الفكر القومي كانت الآشورية الأبزر على الساحة وعلى أثرها قامت حركة قومية سياسية وتأسست أحزاب ومنظمات قومية وطالبوا بحقوق قومية خاصة وطغت القضية الآشورية على السطح السياسي العراقي والدولي خلال الفترة المحصورة بين الحربين العالميتين، ولكن الواقع الفعلي في هذا اليوم غير ذلك وتحديداً منذ بداية الألفية الثالثة وضمن ظروف إستثنانية أرتقت التسميتان الكلدانية والسريانية إلى مستويات سياسية وتاسست على ضوئها أحزاب ومنظمات سياسية وقومية، وهو الموضوع الذي تم شرحه في مناسبات سابقة.

 كما أود القول بأن لا يرتعب المهوسون من "آشورايه" المحسوبين على الآشوريين من الإشارة إلى التسميات الكلدانية والسريانية وإرتقائهما إلى المستويات السياسية التي فرضها الواقع لأن مثل هذه التسميات لو فهمت تاريخياً وأستوعب واقعياً لأصبحت إغناءً حضارياً لأمتنا. ومن لا يفهم التاريخ ويستوعب الواقع فهو إنسان لا وجود أو تأثير له على الساحة القومية التي هي ميدان فعل وليست لغو فارغ وكلام منمق. فالرقي السياسي للتسميتين الكلدانية والسريانية ما هو إلا نتيجة لنمو وتصاعد الوعي السياسي عند الكلدان والسريان ومن ثم وصولهما إلى مستويات تمكنهم موضوعياً من معرفة حقيقتهم التاريخية القومية والبحث في التسمية الموحدة لأمتنا. إما من لا يؤمن بالحقيقة التاريخية للتسمية الآشورية والواقع الموضوعي للكلدان والسريان فمن المستحسن أن يبقى في برجه العاجي ويثرثر من خلف شاشات الفضائيات ويتفلسف بكتاباته في المواقع الألكترونية لعل يجد متنفساً لنرجسيته التي لا يفهمها إلا من هم سائرون في نفس دروب العزلة والتفرقة بين أبناء الأمة الواحدة. فبالبحث الوضوعي التاريخي والسياسي لـ "آشوريتنا" والفهم الواقعي والمنطقي لـ "كلدانيتنا" و "سريانتنا" سوف يدفعنا إلى مستوى راقي من الوعي القومي والسياسي الذي سيؤهلنا للبحث أو معرفة التمسية القومية الموحدة لأمتنا.   

التعدد الطائفي في المجتمعات:
أن التعدد الطائفي في كل مجتمع قومي هو حالة طبيعية لا يستثنى منه أي مجتمع من مجتمعات البشرية  المعاصرة، بما فيه مجتمعنا الذي تتواجد فيه طوائف دينية يمتد تاريخها النابع من جذر مشترك واحد ولغة وتقاليد وأماني مشتركة إلى عدة قرون طويلة تداخلت معه مختلف التأثيرات الفلسفية والسياسية والجغرافية وسكبتها في قوالب محددة وصلتنا على شكل كنائس مختلفة أصبحت المرجع الرئيسي لانتماء الفرد وتحديد هويته والتي وضعته في دوامة البحث عن التسمية القومية الجامعة لأبناء الشعب الواحد. وقد يكون التعدد الطائفي في مرحلة  غياب أو ضعف الوعي القومي حالة معكرة للانسجام الاجتماعي ومفسدة للوحدة القومية للكثير من الشعوب ولكن أن يكون سبباٌ لتشويه الهوية القومية ومانعاً من الوصول الى تسمية موحدة لجميع الطوائف هو حالة نادرة واستثنائية قد تنفرد بها أمتنا وربما شعوب أخرى غير معروفة لدينا. فتعدد الطوائف الإسلامية الشيعية والسنية والدرزية والإسماعيلية والأباظية وغيرها قد يعيق الوفاق الاجتماعي والسياسي ويعكر الانسجام الفكري بين العرب أوالكرد أوالتركمان ولكن لا يخلق مشكلة في تحديد الهوية القومية المشتركة للطوائف الدينية لكل من هذه القوميات. فما يجمع بين عربي شيعي وعربي سني، رغم الاختلاف المذهبي الكبير بينهما والذي قد يصل في بعض الأحيان الى مستوى الخلاف السياسي والصراع المسلح، هو انتماؤهم القومي وتحدده بالهوية العربية المشتركة. فمهما تعصب العربي الشيعي أو السني الى طائفته فأن هذا التعصب لا يخلق مشكلة في انتماءه الى القومية العربية واشتراكه بها مع غيره من العرب. وهكذا الحال بالنسبة للكرد والتركمان وحتى بالنسبة للأرمـن الذين انتشرت فيهم طوائف مسيحية، فعلى الرغم من انتشار الكاثوليكية بينهم في القرون القليلة الماضية وتأسيس كنيسة مستقلة لهم مع بطريرك خاص لها ومن ثم دخولهم في خلافات مع كنيسة الأم، الأرمنية الأرثوذكسية، فإن هذا لم يضع حواجز في تحديد هويتهم القومية ولم يصل خلافاتهم الطائفية الى مستوى خلافات قومية في تحديد الهوية المشتركة، فالأرمني بقى أرمنياً سواء أكان أرثوذكسياً أم كاثوليكياً. والحال نفسه مع الأقباط وحتى مع الإنكليز والايرلنديين والفرنسيين والألمان وغيرهم من الأمم والشعوب. ومن الملاحظ بأن الخلافات الطائفية التي سادت بين بعض من هذه الشعوب، والتي وصلت في كثير من الأحيان إلى صراعات دموية وحروب طاحنة، كانت أكثر بكثير من الخلافات الطائفية التي سادت بين الآشوريين والتي لم تكن تتجاوز أكثر من التناطح اللاهوتي، إلا أنه مع هذا فإن الصراعات والحروب لم تدمر الهوية القومية للشعوب المذكورة في حين مزقت الإختلافات الطائفية الهوية القومية الآشورية. … تُرى ما هي الأسباب ؟… هل نزلت “لعنة بابل " على الآشوريين وبلبلت هويتهم القومية ؟؟.

قبل كل شيء نؤكد بأن المنطق والحقيقة التاريخية تجعلنا أن نشك في قصة بلبلة أحوال الناس وألسنتهم وهم منشغلون في بناء برجهم البابلي التي أوردها التوراة في الكتاب المقدس، فهذه القصة من صنع اليهود الذين كانوا يكنون للآشوريين والكلدانيين كرهاً شديداً، وبالتالي لا نؤمن بأن لعنة إلهية أو فوقطبيعية أصابت الهوية الآشورية ومزقتها، بل هناك جملة عوامل تاريخية خاصة واستثنائية متجذرة في تاريخ الآشوريين ومتواصلة حتى اليوم لعبت دورها الفاعل والحاسم في بلبلة هذه الهوية وتعدد التسميات القومية. فالنظرة الكلاسيكية لهذه المسألة هي عندما تمزقت كنيسة المشرق وتفرعت إلى كنائس وتصاعدة حدة الطائفية تمزقت معها الأمة وتعددت الانتماءات والتسميات وبالتالي أصبح هذا العامل الشغل الشاغل للقوميين الآشوريين في لعنة الكنيسة ليل نهار وإعتبارها السبب الرئيسي في هذا التمزق القومي. ولكن مرة أخرى نعود لنفس التساؤل السابق: لماذا لم تتمزق الهوية القومية أو تعددت التسميات للشعوب الأخرى رغم تعدد طوائفها الدينية وإقامة أكثر من كنيسة أو مذهب ديني بينهم؟ إذن لابد أن يكون هناك سبب انفرد لآشوريون به دون غيرهم من القوميات الأخرى. ويمكن التأكيد بأن مثل هذا السبب لايمكن أن نجده إلا في قوة الترابط العضوي بين الدين والقومية عند الآشوريين. 

الترابط العضوي بين الدين والقومية عند الآشوريين:
فقبل الولوج في هذا الموضوع من الضروري توضيح معنى "العضوي" او الترابط العضوي. فالمعنى الفلسفي لهذا المفهوم هو أنه لا يمكن أن يتواجد عنصر أو يدوم تواجده من دون الآخر. فالعلاقة الدياليكتيكية (الجدلية) بين هذين العنصرين قائم على أساس التفاعل والتأثير فيما بينهما كأساس لاستمرارهما. وبمعنى أوضح، لا يمكن إطلاقاً تصور وجود شيء مرتبط عضوياً بشئ آخر من غير وجود الشيئين في آن واحد. والحال نفسه أيضا فعند زوال أو إفناء أحدهما يزول أو يفني الآخر أيضا بالنتيجة والحتم، وعندما يتأثر أحد العنصرين بعامل معين فأن العنصر الثاني يتأثر أيضا بالنتيجة والحتم. هكذا كان الحال مع الآشوريين في الماضي فيما يخص تداخل وترابط العناصر الدينية الروحية مع الزمنية المادية إي بشكل ادق بين الدين والقومية (مع التحفظ في إستخدام مصطلح القومية الذي بالتأكيد لا يعني المفهوم السياسي الحديث لها الذي نشأ في عصر القوميات في القرون القليلة الماضية). إذ لم يكن ممكناً تصور وجودهم منذ أقدم العصور من دون تواجد وترابط الدين والقومية مع بعضهما عندهم، لا بل كان من الصعب الفصل بينهما والذي لم يكن يعني مثل هذا الفصل الإ الفناء لأحدهما ومن ثم موت الآخر عاجلاً أم آجلاً. فكان آشور الآصرة العضوية التي ربطت بينهما، فهو الإله الديني والقومي لهم ولم يكن هناك إطلاقاً إمكانية الفصل بين العنصرين المكونين لوجود آشور أو النظر إلى هذا من دون الآخر. هذه الصفة، أي الترابط العضوي بين ماهو روحي (الدين) مع المادي (القومي) هو أهم بل الأساس في إستمرارية وتواصل الشعوب لحقبات تاريخية طويلة ويحفظها من الإنقراض وهذه الحالة تنطبق على الآشوريين بكل جلاء. هذه صفة هي من بين عدة صفات إستثنائية فريدة أتصف بها الآشوريون عن غيرهم من الأمم الأخرى. ويتمحور هذا الاستثناء الفريد ويتكاثف الترابط العضوي لعنصري آشور في كونه، ليس إلاهاً دينياً وقومياً فحسب، وإنما أيضا في كونه أسماً لمدينة آشور وإقليم أو وطن آشور وأمبراطورية آشورية والأكثر من هذا كان أسم لشعب أو أمة... أفهل توجد أمة في التاريخ والحاضر سميت بإسم إلاهها؟. هذا التركز والتمحور حول آشور هو الذي جعل الآشوريون مختلفين ومتميزين دينياً وقومياً عن الآخرين. فمن كان يؤمن بآشور كان آشورياً دينياً وقومياً ووطنياً وإقليمياً أما بقية الشعوب التي كانت ضمن الإمبراطورية الآشورية فلم يكونوا كذلك بل كانوا رعايا أو مواطنو الأمبراطورية الآشورية، وهي الحالة التي أكدها معظم العلماء بأن الإنتماء الآشوري لم يكن عنصرياً أو عرقياً إطلاقاً. فالآشوريون لم يعيروا أهمية كبيرة لمسألة الدم والعرق وهناك أدلة تؤكد بأن بعض ملوكهم، ومنهم سركون الثاني، لم يكونوا من السلالة الآشورية المالكة.

بعد سقوط نينوى، على الرغم من قلة أو إنعدام المصادر الكافية، استمر نفس الترابط قائماً وإن تقلص حدوده ديموغرافياً. فالذين تركوا العبادة الآشورية لم يعد يعرفون بالآشوريين بل أختلطوا مع الشعوب الأخرى وإنصهروا فيهم، إما البقية القليلة التي تمسكت بالإله آشور ومارسوا عبادته ظلوا معروفين كآشوريين. وقد أشار إليهم الكثير من الباحثين والمؤرخين وميزوهم عن غيرهم من الأقوام، أمثال المؤرخ الإغريقي "هيرودوت" المعروف بـ "أبي التاريخ". وقد أحتل شعوب وقبائل مختلفة بلاد آشور وأستوطنوه وربما تكلموا اللغة الآشورية ولكن لم يكونوا معروفين كأشوريين بل بأسماء قومية ودينية مختلفة في حين بقى الآشوريون معروفين ومتميزين بسبب عبادتهم الآشورية وما لهذه العبادة من جوانب ثقافية وحضارية. وعندما جاءت المسيحية هب الاشوريون هبوب العاصمة نحوها فاعتنقوها بإمان قوي وصادق لأنها كانت معتقد متقارب من عقليتهم ومكملة أو مطورة لعبادتهم  فأصبحت العنصرالديني الملتصق عضوياً بالعنصر القومي لهم، أي بعبارة أخرى حلت المسيحية محل العبادة الآشورية وأصبحت أحد طرفي المعادلة العضوية في تحديد الهوية الآشورية. وعندما أستقلت كنيسة المشرق إدارياً وكونت شخصيتها القومية منذ القرن الخامس الميلادي، أصبحت المرجع  الأساسي بل الوحيد لهم في تحديد إنتماؤهم الديني والقومي معاً وتميزهم عن غيرهم كما أصبحت كنيسة المشرق التي تطبعت بطباعهم القومية، خاصة اللغة وبعض العادات المتوارثة من الماضي، الأطار الوحيد والمتاح لهم في تحديد هويتهم القومية والدينية معاً. وهكذا كانت لغة وثقافة وتقاليد وتاريخ الكنيسة هي نفسها لغة وثقافة وتقاليد وتاريخ الأمة لا بل و كان زعيم الكنيسة (البطريرك) هو زعيم الأمة وممثلها أيضاً وزاد من ترسخ الترابط العضوي بين الدين والقومية عند الآشوريين وتحددت معالمها المستقلة أكثر فأكثر في الحقبة الإسلامية الذي أصبح الدين فيها هو العامل الحاسم والوحيد في تحديد إنتماء الفرد وهويته الدينية والحضارية والثقافية والقومية معاً. من هذا المنطلق فان تاريخ الآشوريين في معظمه هو تاريخ كنسي وديني ولكن في الحقيقة هو أيضا تاريخ قومي لهم.

أن الترابط العضوي بين الدين القومية أو بين الكنيسة والشعب كان قوياً إلى درجة لم يكن بالإمكان تصور أحدهم منفصلا عن الثاني إطلاقاً وأي تأثير على هذا الجانب الروحاني كان يؤثر مباشرة على الجانب المادي. فكل ما كان يصيب الكنيسة من كوارث ومذابح كان يصيب الأمة نفسها والعكس صحيح أيضا فكل تقدم في الكنيسة وتطور كان ينعكس على تطور الأمة وتقدمها. وبإختصار نقول عندما جاءت المسيحية زادت من تداخل المقومات القومية، خاصة اللغة، مع مقوماتهم الدينية فامتزجت امتزاجاً عضوياُ في كنسية المشرق التي أصبحت ، في سياق تطورها التاريخي وخضوعها لمختلف التأثيرات السياسية والتيارات الفكرية وبغياب الكيان السياسي الخاص بأتباعها، المؤسسة الوحيدة والمتاحة التي من خلالها كانت تمر الرسالة القومية والتاريخية والتراثية للآشوريين الى الشعوب الأخرى وبها كانت تتحدد هوية الفرد الآشوري بحيث حتى تسميتهم القومية ( Assyrian  ) اللاتينية والمعروفة بالعامية عند الآشوريين بـ " سـورايا " وعند العرب بـ ( السريان ) ، وهي نفس أسريان، لأن حرف اللام الشمسية تكتب ولا تلفظ ، اكتسبت طابعاً دينياً وهو الطابع الذي زاد من هيمنته وتوسع انتشاره بزيادة انتماء غير الآشوريين الى كنيسة المشرق وتوسعها في مناطق مختلفة بحيث قاربت هذه التسمية معنى "المسيحي"، خاصة في مرحلة الدولة الإسلامية التي كانت تتعامل مع الشعوب على أسس دينية لا قومية (لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى)، وهو المعنى الذي أشاعه الآشوريون كوسيلة لاحتواء الشعوب الاخرى ضمن الكنيسة والديانة المسيحية. هكذا أصبحت كلمة "سورايا" تشمل، بالإضافة إلى الآشوري، العربي والفارسي والمغولي والهندي والصيني الصابؤون الى الديانة المسيحية. غير إن هذا المعنى المسيحي لـ "سورايا" بدأ بالتقلص تدريجياً مع بداية تقلص نفوذ الكنيسة وانحصار وجودها واستقرارها تقريبا في الموطن الذي نشأت فيه "بلاد آشور"، كما بدأ بالتقلص أكثر مع نمو وتصاعد الوعي القومي، ولكن مع هذا، وحتى اليوم لا يزال بعض الآشوريين يطلقون نفس الكلمة "سورايا" وبشكل عفوي على المسيحيين من الإنكليز والروس والبلغار والأفارقة وغيرهم.




برج بابل – 2
وبلبلة التسمية القومية
أبرم شبيرا
تمزق الترابط العضوي:
لما كان الترابط العضوي بين الدين والقومية عند الآشوريين والمتجسد في المؤسسة الكنسية المحددة لهويتهم القومية والدينية بهذا القدر من القوة والتأثير كان من الطبيعي جدا عندما انقسمت كنيستهم المشرقية إلى كنائس سريانية ومشرقية "نسطورية" ثم كلدانية أن ينقسم معها مصدر إنتماء هويتهم وأن يتحد ولاءهم وانتماؤهم طبقاً لهذا الانقسام وتصبح الاطر الكنسية المؤسسات الرئيسية السائدة والمتاحة لهم في تحديد هويتهم الدينية الكنسية والإجتماعية. وعندما أشملت الدولة العثمانية في القرون الماضية جميع الطوائف المسيحية المذكورة بنظامها القانوني المعروف بـ "نظام المليت" وأقرت بالامتيازات الدينية والدنيوية التي كانت تتمتع بها هذه الطوائف زاد ذلك من ازداوجية انتماء الفرد انتماءاً دينياً وقومياً كما زاد من خلط الحدود بين ما هو قومي مع ما هو ديني خاصة عندما نعرف بأن كلمة "ميليت" التركية تعني الأمة ( Nation ) أي الشعب أو القومية أو الأمة. هكذا تبلبلت هويتنا القومية طبقاً لبلبة كنيسة الأم المشرقية وتوارثنا تسميات خلطت بين ماهو قومي  مع الديني وأصبح على الكثير من الشعوب الأخرى صعوبة فهم هذا الترابط والخلط وبالتالي لم ينظروا إلى شعبنا إلا كمجوعة طوائف دينية مختلفة من نسطورية وكلدانية وسريانية. وهكذا حلت الكنيسة محل برج بابل في بلبلة التسمية القومية ولم يعد لأتباع هذه الكنيسة (الكنائس) وتحديداً زعماؤها قدرة على التفاهم والتباحث بينهما طيلة قرون طويلة من الزمن وبالتالي لم يستطيعوا إكمال برجهم البابلي (وحدة الكنيسة) للوصول إلى كلمة الله التي توحد أتباعهم تحت ظل كنيسة واحدة وتسمية دينية وقومية واحدة. هكذا فمثلما ينهار البناء الكبير والضخم والصلد وتكون نتائجه وخيمة كذلك الحال مع شعبنا فإن إنهيار إمبراطوريته الآشورية قبل المسيحية ومن ثم إنهيار وتمزق إمبراطوريتهم الدينية (كنيسة المشرق) كان له نتائج وخيمة ومؤلمة انسحبت نحو الأجيال اللاحقة ووصلت شرذمتها إلى يومنا هذا.

وإذا كنا بصدد الدور التدميري للكنيسة في تمزيق وحدة الهوية القومية لشعبنا وبلبلتها، فأنه يجب أن لا نتجاهل دورها البناء والإيجابي لها في الحفاظ على هوية الشعب ولو بأجزاءه المتناثرة ضمن أطار كل كنيسة من الكنائس الرئيسية الثلاث، السريانية والمشرقية "النسطورية" والكلدانية. فلا يستطيع أحد في هذا الكون أن يثبت بأن أحوالنا القومية كانت بالإمكان أن تكون أحسن مما هو عليها في الوقت الحالي بدون هذه الكنائس. فالحديث هنا ليس عن دور الكنيسة في الحفاظ على اللغة والتراث والتاريخ والعادات وإنما أيضاً في بقائها كمؤسسة رئيسية إجتماعية وتراثية وقومية والمرجع الوحيد في إنتماء الفرد وتحديد هويته من خلالها. فالسرياني بقى سريانياً لأنه كان منتمياً إلى الكنيسة السريانية وكذلك الكلداني بقى كلدانياً لأنه كان منتمياً إلى الكنيسة الكلدانية ومن ترك كنيسته أو بالأحرى ديانته المسيحية ترك مرجع إنتمائه وبالتالي تغيرت لغته وعاداته وتقاليده وتبنى لغة وتقاليد الدين الجديد. والتاريخ يؤكد لنا تحول الكثير من المسيحيين من أتباع هذه الكنائس وبالأخص السريانية والمشرقية "النسطورية" منذ نشؤ الدولة الإسلامية إلى الدين الإسلامي وتحت ظروف مختلفة، إجبارية أو إختيارية، وبالتالي تحولت لغتهم إلى العربية أو التركية أو الكردية وكذلك تغيرت عاداتهم وتقاليدهم وأيضاً تغيرت قوميتهم أيضا. وهناك أدلة تاريخية تثبت بشكل قاطع قوة الترابط الديني والقومي عند الآشوريين والذي تميزهم عن غيرهم من الشعوب. فعلى سبيل المثال رغم تحول الكثير من البلغار والألبانيين والبوسنيين وغيرهم من الشعوب السلافية من الديانة المسيحية إلى الإسلام بعد إجتياح العثمانيون لبلدانهم غير إنهم بقوا محتفظين بقوميتهم ولغتهم وعاداتهم وتسميتهم القومية ولم تتحول إلى التركية. والحال نفسه مع الهنود والباكستانيين الذين تحول من الهندوسية أو البوذية إلى المسيحية أو الإسلام فقد بقوا محتظفين بلغتهم وعاداتهم وتسميتهم القومية.

 هكذا كان حال أمتنا في القرون الماضي تختلف مراجع انتماؤهم طبقاً لاختلاف كنائسهم، فبعد أن كنًا آشوريين ويجمعها مصدر إنتماء واحد ضمن "آشور" وما يتضمه من معاني قومية ودينية أصبحنا منذ القرن الخامس الميلادي  سرياناً و"نساطرة" أو "مشرقيين" يجمعنا مصدرين: الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكنيسة المشرق "النسطورية" ثم منذ القرن السادس عشر أصبحنا سرياناً ونساطرة وكلداناً يجمعنا ثلاثة مصادر (كنائس) لإنتماء وتحديد الهوية ولكن كانت كلمة "سورايا" ذات الإشتقاق الآشوري بكل جوانبها القومية والدينية هي الجامع التاريخي لللتنوع الكنيسي الطائفي.

السياسة وبلبلة التسمية القومية:
عندما هبت عواصف الفكر القومي التحريري من أوربا وما حمله من مبادئ في مقاومة الظلم والاستبداء و بناء الشعوب لكيانهم الخاص على أسس قومية وفقاً لمبدأ حق تقرير المصير وغيره من مبادئ التحرر والاستقلال وفصل الدين عن الدولة بدأت بوادر هذه الأفكار القومية السياسية بالتأثير على النخبة المثقفة فكانت نتيجتها نشؤ حركة قومية آشورية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ومن المهم الإشارة بأن معظم رواد الفكري القومي الآشوري والحركة القومية كان أكثريتهم من الطوائف السريانية والكلدانية وقلة من الطائفة "النسطورية" وكان "المجلس القومي" الذي أسس في أورمي في شمال شرقي إيران قبيل وأثناء الحرب الكونية الأولى ذات غالبية من الطوائف غير "النسطورية" وعلى رأسهم المطران الكلداني الشهيد مار توما أودو وفريدون آتورايا من الكنيسة الأرثوذكسية إلا انه بفعل بعض العوامل الموضوعية التاريخية والمأساوية التي تجاوزت وبشكل كبير ورهيب كل االعوامل الفكرية والإمكانيات الذاتية للآشوريين تعثر هذا الفكر القومي الوحدوي وعجز عن استكمال بناء الهوية القومية الموحدة لجميع الطوائف الآشورية وحتى التسمية المركبة (AssyrianChaldo) التي تبناه زعماء وقادة أمثال الجنرال آغا بطرس والقائد ماليك قمبر، وكلاهما من أتباع الكنيسة الكاثوليكية لم تفلح في الوصول إلى نتيجة مثمرة فظلت الهوية القومية مبلبلة بين تسميات مختلفة ومأطرة ضمن النطاق الكنيسي. وقد لعب بعض زعماء الكنيسة (الكنائس) دوراً كبير في إفشال مساعي الحركة القومية الجديدة المتجاوزة للحدود الطائفية والتي صوروها كحركة معادية لهم وأنها تسعى إلى إزاحتهم عن زعامة الأمة.

وعندما قامت الحرب الكونية الأولى أهتزت الكيانات الكنسية كبنية فوقية إهتزازاً قوياً وكنتيجة منطقية للمأساة التي أصابت رعيتها كبنية تحتية وتعرضها إلى مختلف أنواع الإضطهادات والتشرد من الأوطان فكان نصيب كنيسة المشرق "النسطورية" أكبر بكثير من بقية الكنائس وبالتالي قادها إلى الإنخراط في حركة قومية سياسية وتزعم بطريكها لهذه الحركة. ويكفي أن نذكر بأن رعية هذه الكنيسة تشردت بالكامل من مناطقها التاريخية في هيكاري جنوب شرقي تركيا وفقدت إلى الأبد مقر كرسي البطريرك في قرية قوجانس وما كانت تحمله هذه القرية، والتي كانت بمثابة عاصمة لهم، من ذكريات ومآثر شكلت في سياقها التاريخي جزء من مكونات الأمة التاريخية هناك. وسقوط العاصمة يعني كثير الكثير في علم السياسة والحرب. ويأتي فقدان هذه الكنيسة ورعيتها للإمتيازات والإستقلال النسبي الذي كانوا يتمتعون به في ظل الدول العثمانية خاصة في مناطق العشائر عاملاً آخر في خلق ردة فعل قوية أجبرت بطريرك هذه الكنيسة على التدخل في السياسة والبدء بمطالبة حقوق قومية تخص رعيته. وعندما تغيرت الأوضاع وزالت الإمبراطورية العثمانية وظهرت أنظمة سياسية جديدة، منها دولة العراق، لم تتغير توجهات ومطالب زعماء هذه الكنيسة فظلوا يطالبون  بحقوق قومية في ظل نظام سياسي جديد يقوم على المركزية المشددة يستحيل عليها قبول مطالب المجموعات الصغيرة والهامشية لذلك واجهتها بالرفض العنيف والقمع العسكري وتمثل مذبحة سميل في آب عام 1933 التي أرتكبها النظام العراقي ضد الآشوريين من أتباع الكنيسة "النسطورية" قمة هذا الرفض العنيف.

بعد مذبحة سميل أستمر بطريرك كنيسة المشرق "النسطورية" المثلث الرحمات مار شمعون إيشاي  بمطالبة الحقوق القومية لأبناء أمته فتزعم الحركة القومية الآشورية الجديدة وبدأ نشاطاً مكثفاً على المستوى الدولي مما أثار غضب وإستياء الحكومات العراقية التي تعاقبت على السلطة في العراق وبالنتيجة بدأت التسمية الآشورية والآشوريين تترسخ في العقلية العراقية كمرادفات للفتنة والتمرد والعمالة للإستعمار الإنكليزي كما أصبحت الآشورية أكثر فأكثر إلتصاقاً بالنسطورية إلى درجة أصبحتا مرادفتان لمجموعة واحدة  فأستقوت الحواجز بين الطوائف الثلاث إلى درجة كبيرة جداً بحيث أصبح أي تجاوز لهذه الحواجز محرمة وأصبح التصريح بالإنتماء إلى القومية الآشورية من قبل بقية الطوائف الكلدانية والسريانية بمثابة ارتداد عن الطائفة التي ينتمون اليها والاهتداء الى الطائفة الاخرى، أي النسطورية، وعلى بنفس منوال العقلية القرون وسطية التي كانت سائدة في الماضي. وهكذا تعرض رواد الفكر القومي الآشوري من الطائفة السريانية الأرثوذكسية  أمثال فريد نزها ونعوم فائق وغيرهما أو الذين صرحوا علناً بإنتمائهم القومي الآشوري سواء أشخاصاً كانوا أو منظمات كالمنظمة الآثورية الديمقراطية (مطكستا) إلى التحريم الكنيسي أو مقاطعتهم أو محاربتهم. لقد كان، على سبيل المثال لا الحصر، البطريرك مار أفرام برصوم الآثوري يفتخر بكنيته الآثورية مثلما كان يفتخر الكثير من مطارنة وأساقفة الكنيسة السريانية الآرثوذكسية بهذه الكنية، فكان من رواد الحركة القومية الآشورية وشارك في المؤتمرات الدولية عشية الحرب الكونية الأولى دفاعاً عن القضية الآشورية غير أنه بعد مذبحة سميل وتسنمه كرسي البطريركية نكر بالكامل كنيته الآثورية وأخذ يهاجم الحركة القومية الآشورية وبطريرك كنيسة المشرق مار شمعون إيشاي الذي قاد هذه الحركة، لا بل وعلى نقيض ماضيه القومي فقد أنخرط البطريرك مار أفرام في حركة إنماء الفكر القومي العربي مدافعاً عن العروبة والذي أصبح فيما بعد معروفاً عند العرب بـ "مطران العروبة". وفيما يخص أتباع الكنيسة الكلدانية فأن فواجع الحرب الكونية الأولى ومذبحة سميل التي أصابت أتباع كنيسة المشرق "النسطورية" وبطريركها من جراء تدخلهم في السياسة حجبتهم بالكامل عن أية مطالب قومية ولم يتدخلوا إطلاقاً في السياسة القومية ولا طالبوا بأية حقوق وبالتالي أبتعدوا كنيسياً مذهبيا وقومياً سياسيا عن بقية أبناء جلدتهم من الطوائف الأخرى وظلوا متمسكين بهويتهم الطائفية ضمن الكنيسة من دون تجاوز لحدود أبعد قومية أم سياسية، وهو الموضوع الذي سبق وأن تطرقنا إليه بالتفصيل في مناسبة سابقة كما تم تفصيل ذلك بشكل أوسع في كتابنا المعنون "عقد الخوف من السياسة في المجتمع الآشوري" الذي صدر قبل بضعة سنوات في أميركا.

هكذا بدأ العامل السياسي يتدخل وبعمق كبير في بلبلة التسمية القومية إلى جانب العامل الكنسي. فلم تكتفي الكنيسة في تمزيق هوية أبناء الأمة الواحدة بل جاءت السياسة أيضا لتكمل المشوار بشكل أكثر حساسية وتثير نزعات طائفية أكثر صلادة. إذ أن نشؤ وتطور الحركة القومية بين أتباع كنيسة المشرق الآشورية وتخلف نشؤ مثل هذه الحركة في أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ونشؤ مثل هذه الحركة في بعض أتباع الكنيسة السريانية الآرثوذكسية الذين تمسكوا بـ "آشوريتهم" ومن ثم محاربتهم من قبل كنيستهم، خلق بوناً شاسعاً على المستوى المدني بين هذه التكوينات الثلاثة في أمتنا ليظهر ويلتقي مع البون الشاسع الذي خلقه الاختلاف الطائفي الثلاثي. إذن يمكن القول بأن الإختلاف في المذهب والطائفة من جهة وتفاوت في نمو الوعي القومي وتجسده في حركة قومية في طائفة معينة من جهة آخرى سببين أساسين في ترسيخ التسميات الثلاث الآشورية والكلدانية والسريانية في أمتنا سواء أكانت تسميات قومية أم طائفية فهي أصبحت جزء من ضمير المؤمنين بها وليس من السهل الطلب منهم التنازل عنها أو تبديلها بغيرها خاصة إذا عرفنا أن جانبي المشكلة، الدين، أو بالأحرى الكنيسة أو الطائفة والقومية، مرتبطان عضوياً ببعضهما في أبناء أمتنا منذ القدم. ويجب أن لا يفوتنا أن نذكر بأن بعض احزاب ومنظمات الحركة القومية الآشورية وحتى بعض كتابها ساهموا، وعلى الأغلب بشكل عفوي، في خلق ردود فعل لدى أبناء الطوائف الأخرى غير النسطورية في الإبتعاد عن التسمية الآشورية عندما حاولوا عنوة دمج الكلدان والسريان بالآشوريين من دون أن يتبعوا المنطق والواقع في فهم الحقيقة التاريخية والواقعية  الخاصة بأمتنا.

الحل التوافقي - كلدو آشوري سرياني: تنوع ضمن الوحدة:
عندا تفشل الحلول المنطقية ويعجز السياسيون عن معالجة الأمور والمشاكل السائدة وتغيير الواقع السياسي على أساس قرار الأكثرية يلجأ القادة السياسيون إلى الحل التوافقي كخيار وحيد ومقبول من الجميع وذلك تجنباً لإستمرار الخلافات وتصاعدها نحو تناقضات أو صراعات قد تدمر المجتمع. لقد أدرك قادة الحركة القومية الآشورية في بداية عهدها في أوائل القرن الماضي الواقع الطائفي وقوة تأثيره على المجتمع فتبنت التسمية القومية المركبة "أِلآشوريون الكلدان" كما سبق وشرحه أعلاه. غير أن مثل هذه التركيبة الوحدوية كان يعني للكنيسة بجميع فروعها الثلاثة تهديداً لزعامتها لذلك قاومتها وأستطاعت بفعل قوة تأثيرها على المجتمع ومساندة القوى خارجيةأستطاعت من أفشال المشروع الوحدي والتسمية المركبة المعبر لوحدة أمتنا. ثم عندما نشأت التنظيمات القومية والأحزاب السياسية الآشورية لم تتمكن من التعامل مع الواقع الطائفي بشكل مرضي فأعتمدت على النظرة الكلاسيكية في دمج الكلدان والسريان ضمن التسمية الآشورية وما ترتب على ذلك من ردود فعل قوية عند الكلدان والسريان أنعكس في تأسيس منظمات وأحزاب خاصة بهم، وهو الموضوع الذي سبق وأن فصلنا فيه في مناسبة سابقة.

 لاشك فيه تعتبر الحركة الديموقراطية (زوعا) حركة شعبية أنطلقت ونشأت من واقع الأمة وكان إستمرارنضالها في الوطن منطلقاً من الواقع القومي الذي نشأت وترعرت وعملت فيه وفهمت قوة الترابط العضوي بين الدين والقومية في مجتمعنا. وعندما طلت الألفية الثالثة علينا وقضمت  النظام البعثي الإستبدادي في العراق وزال ظلمه وكبته للتطلعات القومية والسياسية للمجموعات الصغيرة وما صاحب ذلك من وعي قومي وسياسي لدى الطوائف الكلدانية والسريانية، أستوعبت (زوعا) هذا الواقع فبادرت إلى طرح الحل التوافقي للتسمية القومية "كلدوآشوري" ثم أضيفت "سرياني" إرضاءً للسريان ليكون الحل التوافقي مرضياً للجميع ويعبر عن وحدة قائمة على التنوع من دون إعتبار كون هذا التنوع قومي أم طائفي طالما يجمع الأمة ويوحدها. فالتسمية كشكل قد يتنوع ويتعدد ولكن المضمون يبقى واحد لهذا التنوع والتعدد وهو الأهم في المعترك السياسي. غير أن زوعا تعرضت إلى هجوم قاسي على مبادرته هذه من قبل المجموعات الآشورية والكلدانية ذات الفهم الكلاسيكي العاجزعن فهم ثنايات واقع الأمة وخفايات اللعبة السياسية متهمين أياها بالتلاعب في التسمية القومية وإستغلالها لأغراض نفعية خاصة بالحركة.  ثم تبع زوعا منظمات وأحزاب أخرى في هذه التسمية التوافقية، مع تعديل بسيط في تقديم وتأخير تسمية على أخرى، رغم كون بعض من هذه المنظمات والأحزاب قد هاجم زوعا في البداية ولكن أخيراً أضطر أن يشاطر الواقع ويقبل بالحل التوافقي للتسمية لأنه لم يكن أمامه حل آخر غير هذه الوحدة القائمة على التنوع والتعدد لدخول معترك السياسة والمطالبة وبزخم قوي بالحقوق القومية خاصة بعد أن ثبت صواب مبادرة زوعا في التسمية المركبة والتي ظهرت نتائجها في فوزها مرتين في الإنتخابات العامة التي جرت في الوطن في السنين القليلة الماضية.

 أما بالنسبة لموقف الكنيسة بجميع تفرعاتها فالوضع لم يتغير عن الماضي فيما يخص موقفها من الحركة القومية التي لا تكون لها فيها يد طولى ولا تعمل بوصاية منها. فالمخاوف من  إنتزاع  زعامة الأمة منها متجذرة في رجال الكنيسة حيث يعتقدون بأن أية وحدة في أبناء الأمة وبقيادة العلمانيين  قد تكون سبباً في إزاحة كراسيهم والتقليل من شأنهم على المستوى المدني. لذلك كان من الطبيعي أن ترفض الكنيسة ضمناً أو عللنا مثل هذا الحل التوافقي أو أية مطالبة بحقوق قومية سياسية. وبسبب خلفيتها التاريخية وموقفها من الحركة القومية والسياسية فأنه من الطبيعي أن تكون الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية أكثر الكنائس رفضاً وتخوفاً لأية وحدة خارج إطار الدين ويساندها في هذا الإتجاه الفاتيكان الذي يهمه أن يكون المسيحيون منتشرين في بقاع مختلفة أكثر مما يهم أن يكونوا متجمعين في منطقة واحدة  ويأتي رفضهم لمطلب الحكم الذاتي لشعبنا "الكلدو السرياني الآشوري" في سهل نينوى نموذجاً في هذا السياق. أما موقف الكنيسة السريانية والمشرقية "الآشورية" فلم يصرح به لحد الآن بشكل واضح وجلي ونترك التطرق إليه للتطورات السياسية اللاحقة التي ستكون كفيلة بكشف مثل هذا الموقف وبشكل أكثر تصريحاً ووضوحا.

نعيد ونؤكد ونقول مرة أخرى ونحن في الخاتمة بأننا أمة الإستثناءات، وقد سبق وأن بينا مثل هذه الإستثناءات في تعدد المعاني لـ "آشور" وفي تسمية الأمة ولغتها ووطنها وعاصمتها بإسم إلاهها آشور وفي قوة الترابط العضوي بين الدين والقومية وفي سر خلود هذه الأمة لقرون طويلة  من دون أن يكون لها وطن خاص بها يكون الأطار أو الحامي أو الممثل القانوني والسياسي لها وأيضا من دون أن يكون لها مساند أو داعم مادي أو سياسي أو فكري أو قانوني لها طيلة أكثر من عشرين قرناً. واليوم يأتي إستثناءاً آخراً يتمثل في التسمية المركبة للأمة. فلو حاولنا البحث في تاريخ معظم الأمم والشعوب فإننا لا نجد  شعباً له أسماً مركباً يتكون من ثلاث تسميات. ولكن كما نعرف بأن الإستثناء وهو الجزء الأصغر للجزء الأكبر(القاعدة) من الظاهرة الإجتماعية. فإذا كنا كقاعدة عامة معرفيين كـ "آشوريين" في التاريخ وبمختلف ترجماتها ومرادفاتها، أ ي معروفين بالتسمة القومية المفردة كبقية شعوب العالم، فإن اليوم الحالة الإستثنائية تحكم واقع أمتنا ويفرض علينا لتبني التسمية المركبة لتجعلنا مختلفين عن بقية شعوب العالم. ولكن السؤال المحير هو: إلى متى يبقى الإستثناء يتحكم في أمور أمتنا؟ فالإجابة على مثل هذا التساؤل يقوم على أساسين:
1.   أن إزاحة الإستثناء (التسمية المركبة) وإحلال القاعدة (التسمية المفردة) محله يعتمد على مدى تطور وعي شعبنا القومي والسياسي وعلى تقليص أو محو الفارق في تطور الوعي السياسي والقومي والإنخراط في المسائل السياسية بين المجموعات الثلاث المكونة للتسمية المركبة (الكلدان والآشوريون والسريان). ومثل هذا التطور في الوعي لا يتحقق إلا عندما يدرك جميع أبناء شعبنا وبكل منظماته القومية والسياسية والمؤسسات الدينية بأننا شعب واحد له مقومات وجود واحدة لا بل ويعملون من أجل ترسيخ هذه الوحدة متجاوزين لكل الحدود والفواراق التي أعترضت مثل هذه الوحدة وبالأخص التفرقة الطائفية والتمزق الكنيسي وهذه الأخيرة تكشل عاملاً رئيساً مؤثراً في هذه الوحدة.
2.   كان قداسة البابا يوحنا بولص الثاني أول من أشاع مفهوم "التعدد ضمن الوحدة" أو الوحدة بالتنوع، وهو المفهوم الذي يعني بأن المجتمع قد تتعد فيه الطوائف والملل والمجموعات ولكن من الممكن أن تتوحد ضمن إطار واحد متكامل للجميع من دون تناقض أو تضارب بين الأجزاء المكونة لهذه الوحدة. من هنا نقول بأن الوحدة الكنسية مع بقاء المكونات الثلاثة (الكلدانية والآشورية والسريانية) سوف تلعب دوراً حاسماً في إزاحة الإستثناء وإحلال القاعدة. مهما أختلفنا مع الكنيسة أو رجالاتها أو قلٌ إيماننا بالكنيسة أو تعصبنا لها فأنه لايمكن أن ننكر بأن الكنيسة (الكنائس) لازالت المؤسسة الرئيسية الأكثر تنظيماً وقوة وتأثيراً في مجتمعنا. وبصريح العبارة بأن أي تقارب بين الكنائس الثلاثة سوف ينعكس بالحتم والنتيجة على تقارب بين المجموعات أوالرعية التي تنتمي إلى هذه الكنائس. فكما بينً التاريخ لنا بأن الفرقة بينهم أدت إلى فرقة وتمزق وحدة الشعب وهويته فأنه كذلك بالتقارب والتفاهم ... ولنكن أكثر طموحاً ونقول بالوحدة... سينعكس على وحدة الشعب وتسميته.

مما تقدم يمكن التأكيد ونقول بأنه بقدر تفاهم وتنسيق وتعاون بين السياسة والدين أو مجموعات الحركة القومية والكنائس بقدر ذلك يمكن إزاحة الإستثناء وأحلال محله القاعدة ومثل هذا التفاهم لايمكن أن يتحقق طالما هناك بوناً شاسعاً في فقدان الثقة والخوف على المصالح الشخصية والطائفية، ومثل هذا العوز في الثقة والمخاوف على المصالح الشخصية والطائفية لايمكن أن تزول إلا بالنضال المستمر نحو الوحدة ومثل هذا النضال لا يمكن أن يكون فعالاً مالم تتوحد أولا مكونات الحركة القومية، أي الأحزاب والمنظمات .. إلخ لأن إمكانية التفاهم والتقارب نحو الوحدة بينهما، لو تجردوا من النزعات الفردية والطائفية، أسهل من التفاهم والتقارب بين الكنائس الثلاث، فالإختلاف بينهم حديث العهد وليس عقائدياً فكرياً في حين الخلاف لا بل التناقض بين الكنائس الثلاث هو عقائدياً تاريخياً وبالتالي ليس بالأمر السهل في أزالة الخلاف بينهما في شهور ولا حتى في سنين. إذن فالكرة في الساحة السياسية لأحزابنا ومنظماتنا ولهم أن يلعبوا دورهم في هذه الساحة وعندما يحققون بعض النتائج وتطمئن الكنائس بأن مثل هذه النتائج تفيدهم أكثر مما تضرهم حينذاك تبدأ الثقة بين الكنيسة والسياسة بالنمو كخطوة أولى نحو إزاحة الإستثناء من واقعنا القومي. ولكن الطاغي على أحاديثنا السياسية هو لماذا لا تتوحد هذه الأحزاب والمنظمات؟؟ وهو موضوع طويل وشائك نتركه لمناسبة أخرى.   

 

   
       

312
بمناسبة مرور (51) عاماً على تأسيس المنظمة الآثورية الديمقراطية
==========================================


إلى مطكستا … مع التحيات

أبرم شبيرا


قبل بضعة سنوات كتبت مقالاً بمناسبة مرور 44 عاما على تأسيس المنظمة الآثورية الديمقراطية (مطكستا) ووجدت من المناسب أن نكتب شيئاً عن هذه المنظمة العتيدة وهي في ذكراها الـ (51) من تأسيسها غير أنني لم أجد شيئاً إلا أن أعيد وبشكل عام ما كتبته في السابق عن هذه المنظمة رغم أن ظروف داخلية تخص مطكستا وأخرى خارجية استجدت وتطورت بشكل مؤثر على جميع مناحي الحياة في مجتمعنا وعلى هذه المنظمة أيضا ولكن مع هذا بقى الجوهر والمبدأ نفسهما قائمان رغم تغير القيادات والزعامات والظروف المحيطة بمطكستا.
+++++++++++++++++++++++++++++++++

أكاديمياً، أعلم بأن علماء وطلاب العلوم السياسية يحددون ظروف معينة في نشأة الأحزاب السياسية وتكوينها كما ويشيرون إلى جملة عوامل أو عناصر يجب توفرها لكي تؤسس الأحزاب السياسية وتظهر للوجود ومن دون أي أهمية للاسم أو الصفة. فبمجرد توفر هذه العناصر يكفي أن يكون الاتحاد أو المنظمة أو الجمعية أو أية تسمية أخرى لمجموعة بشرية حزباً سياسياً، وهي مواضيع طويلة لا أريد غير الإشارة إليها فقط، ولكن الشيء الذي أود التطرق إليه، ولو باختصار، هو: أن نظرية الأحزاب السياسية التي تدرس في كليات العلوم السياسية، هي كغيرها من النظريات في العلوم الاجتماعية الليبرالية نشأت في البلدان الغربية الديمقراطية وأقامت فرضياتها وقواعدها على ظروف وأحوال هذه المجتمعات. أي بعبارة أخرى، أن مثل هذه النظريات لا يمكن أن تطبق بحذافيرها وتفصيلاتها وبشكل ميكانيكياً على ظروف أخرى غير تلك التي درستها هذه النظريات، كظروف وطننا الأم بيت نهرين، المختلفة كلياً عن ظروف البلدان الديمقراطية. ولكن مع هذا، فأن هذه النظريات وغيرها هي معطيات إنسانية ونتائج حضارية أثبتت، بالاعتماد عليها وتطبيقها في البحوث والدراسات كمناهج علمية لا كمسلمات غير قابلة للتفسير والتأويل، أثبتت صحتها وفائدتها لعموم الجنس البشري خاصة في عصر هذا اليوم. هذه الازدواجية بين خصوصية هذه النظريات وعموميتها بالنسبة لنا نحن الذين نشأنا في بلدان الشرق الأوسط، جعلت مهمة الاستفادة القصوى أو الصحيحة من هذه النظريات مهمة صعبة يستوجب الدقة والحذر في استخدامها عند بحث ودراسة بعض الظواهر الاجتماعية في مجتمعنا الآشوري، ومنها ظاهرة الأحزاب السياسية.     

انطلاقاً من هذه البديهية واعتماداً على منهجية نظرية الأحزاب السياسية، حاولت، ولا زلت أحاول، ومنذ مدة تزيد عن ثمانية سنوات أن أكمل مشروع كتابي الذي عنونته (الأحزاب السياسية الآشورية بين النظرية والممارسة) ولكن من دون جدوى. والصعوبة التي وجدتها في إكمال هذا الكتاب ليست في تطبيق هذه النظرية، وإنما في قلة أو انعدام المعلومات عن بعض الأحزاب الآشورية التي لا أعرف عنها غير اسمها، وربما ليس لها بالأصل أية معلومات أو مطبوعات متوفرة ومتاحة للغير. هذا من جهة، كما وأن كثرة المعلومات عن عدد آخر من الأحزاب الآشورية من جهة أخرى يخلق نوع من  الاختلال المعرفي في المعلومات عن جميع أحزابنا السياسية يجعل أية دراسة عنها ناقصة وفاقدة للموضوعية وبالتالي غير نافعة في فهم أهم مؤسسات حياتنا السياسية، وهي الأسباب الرئيسية التي تجعلني أن أتردد في إكمال مشروع هذا الكتاب.

من الأحزاب السياسية التي توفرت لدي معلومات عنها، هي المنظمة الآثورية الديمقراطية (مطكستا)، سواء أكانت مطبوعاتها العامة أو أدبياتها الحزبية، أو معلومات حصلت عليها عبر التراسل مع أعضاءها أو اللقاء مع بعض أعضاء قياداتها أو المشاركة في نشاطاتها. ويجب أن لا أخفي وأقول بأن هذه المعلومات التي تعتبر نموذجية وكافية لإعداد دراسة عن هذا الحزب أصبحت متيسرة لي ليس بسبب كرم قيادة هذا الحزب واهتمامها الكبيرة بتعميم الثقافة السياسية بين أبناء الأمة أو بحكم صداقتها معي أو مع غيري من المهتمين بالكتابة في شؤون الأمة فحسب، وإنما بسبب الوجود أو التوفر الحقيقي لهذه المعلومات وكثرتها من جانب، وثقة قيادته بأن ما تطرحه من معلومات وأفكار ومناهج هي واقعية وموضوعية وغير مبالغ فيها من جانب آخر، وأنها معلومات وأفكار تعبر عما تؤمن به وتسترشد بها في عملها السياسي ولا تخشى النقد أو المواجهة الفكرية والسياسية طالما هي معلومات وأفكار لا يمكن تطويرها وتطبيقها في المجتمع إلا بالمشاركة الجماهيرية والنقد البناء من قبل الغير، وليس بخزنها في خزائن حديدية سرية باعتبارها من "أسرار الحزب" كما يفعل بعض الأحزاب الآشورية وهم يمارسون نشاطهم في أرقى المجتمعات الديمقراطية التي تحمي حرية ونشاط الأحزاب السياسية دون استثناء.

في هذه الأيام التي تمر الذكرى (51)  لتأسيس مطكستا، أجدها فرصة لأحرك جانب من جوانب مشروعي الكتابي عن الأحزاب السياسية الآشورية المجمد وأعيد تصفح المعلومات المتوفرة عن مطكستا واسترجع ذكرياتي وأحاديثي مع بعض قادتها وأعرضها مستخدماً منهج نظرية الأحزاب السياسية لتقيم مدى انطباق ظروف تأسيسها فقط مع المبادئ العامة لهذه النظرية وأترك بقية الجوانب الأخرى من حيث الأعضاء والنظام الداخلي والأيديولوجية والمنهاج السياسي لمناسبة أخرى.

لو حاولنا إلقاء نظرة عامة لظروف تأسيس أحزابنا السياسية لوجدنا بأن بعضها تأسس كرد فعل ضد الحزب السياسي الأصلي أو الأم، أي انشقاق أو خروج عدد من الأفراد، واحد أو أكثر،  من حزبهم الأصلي واللجوء إلى تأسيس حزب جديد، وقد يكون هذا الانشقاق وجيه ولأسباب أيديولوجية، أو الأصح بسبب مواقف فكرية معينة، أو يكون لأسباب شخصية بحتة. كما وهناك أكثر من حزب آشوري تأسس لسبب آخر يرتبط بإرادة فرد أو عدد صغير من الأفراد، وخاصة الأقارب والأصدقاء، حيث يلجئون، رغبة منهم أو إظهاراً لبعض طموحاتهم، إلى المشاركة في الحياة السياسية العامة، إلى تأسيس حزب سياسي، وهي الأحزاب التي يمكن أن نطلق عليها بـ"أحزاب القرار". أما المجموعة الأخرى من الأحزاب التي يهمنا هي الأحزاب التي تنشأ في ظروفها الطبيعية والتي يمكن دراستها طبقاً لنظرية الأحزاب السياسية. فهناك أكثر من حزب سياسي آشوري نشأ نشأة طبيعية وتأسس وفق قواعد مبدئية وسياسية عامة، ومنها المنظمة الآثورية الديمقراطية. فمثل هذه الأحزاب ليست محض صدفة أو نتاج إرادة بشرية آنية وإنما هي محصلة لجملة ظروف تاريخية مختلفة تثمر في نهايتها وتتبلور في تنظيم سياسي يعرف بالحزب. فأيديولوجية هذه الأحزاب أو فكرها أو مبدئها ينشأ أو يظهر بفترة تاريخية سابقة لظهور الحزب تتجسد في الفترات اللاحقة في تنظيم معين يتلاءم مع طبيعة الظروف المحيطة بالمجتمع في تلك المرحلة والتي تلعب الإرادة البشرية الواعية فيها دوراً متميزاً يتمثل في قراءة الظروف المحيطة بالمجتمع وفهمها وتقييمها من قبل المعنيين ثم توقيت تأسيس الحزب وظهوره رسمياً كنتيجة منطقية لتفاعل جملة عوامل فكرية وتاريخية وسياسية. أي بعبارة أبسط، أن الأحزاب السياسية تتأسس فكرياً أو أيديولوجياً قبل أن تتأسس تنظيمياً أو شكليا أو رسمياً أو إسمياً.

على هذا الأساس نقول، بأن تأسيس مطكستا ليس من بنات أفكار مؤسسيها ولا نتاج قرار أتخذ في الخامس عشر من تموز من عام 1957، وإنما هي المحصلة الفكرية والتنظيمية لعقود طويلة من نضال الآشوريين وأفكار رواد الفكر القومي الآشوري وعبر سلسلة من النشاطات القومية  تمتد من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين والتي تبدأ بأسماء أمثال يوسف بيت هربوت وفريدون أتورايا ونعوم فائق وفريد نزها وسنحاريب بالي وغيرهم وتنتهي عند شكري جرموقلي وغيره الذين أسسوا رسمياً هذه المنظمة. أي بعبارة أخرى، أن المكونات الأخرى لمطكستا كالفكر والأيديولوجيا والأهداف، والتي تشكل الجوهر الأساسي لكل حزب، ولدت منذ فترة طويلة وقبل أن تولد رسمياً في عام 1957، فحالها كالحالة العضوية الاعتيادية للإنسان الذي يبدأ تكوينه بجنين ومن أبوين شرعيين ثم يمر عبر سلسلة من التحولات البيولوجية للنمو حتى يولد طبيعياً ثم بعد فترة من الزمن يتخذ أسماً بعد تعميذه في الكنيسة. هكذا هو الحال مع مطكستا فإنها تكونت كجزء من الصيرورة القومية للأمة قبل عام 1957 ولكن تعمذت في هيكلها القومي في الخامس عشر من شهر تموز واتخذت أسم المنظمة الآثورية الديمقراطية. وقد لعبت بعض العوامل الخارجية، والتي استطاع مؤسسيها قراءتها واستيعاب تأثيرها، ومن ثم تحديد زمن ولاتها أو المباشرة بتأسيسها رسمياً وإظهارها ككيان سياسي للوجود. وأهم هذه العوامل هو تصاعد المد القومي العربي أثناء مرحلة بداية الوحدة بين سورية ومصر ومحاولة إلغاء الوجود القومي للآخرين بما فيهم الآشوريين، والذي أدى ذلك إلى رد فعل لدى المجموعة الآشورية الأكثر وعياً وثقافية ومن ثم لجوءها إلى جمع كل التاريخ الآشوري والنضال الفكري والسياسي للرواد ومنهجته في منظمة سياسية تكون الأداة التنظيمية المناسبة والأكثر توافقاً وفاعلية في مواجهة التحدي الجديد. ومن الملاحظ بأن هذه الولادة الطبيعية وضمن نفس صيرورة الأمة، مع اختلاف الظروف الخارجية، هي نفسها التي أنجبت الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) في العراق، والذي كان من نتائج ذلك تشابه كبير بينهما في الأفكار والنظام والأسلوب والأهداف وغيرها، وهي مسألة سبق وأن تطرقنا إليها بعض الشيء في مناسبات سابقة (للمزيد عن هذه المواضيع أنظر كتابي – محطات فكرية على طريق العمل القومي الآشوري، طبع في أميركا في عام 2000).

ضمن هذه الولادة الطبيعية لمطكستا، كان من الطبيعي جداً أن تستمر مسيرتها بشكل طبيعي كحزب سياسي رائد في الحركة القومية الآشورية، وأرى أنه من المناسب أن أشير إلى بعض جوانب الريادة في هذا السياق:
1)- صحيح تعتبر مطكستا أول حزب سياسي آشوري بالمعنى العلمي لهذه الكلمة، لا بل وإنما تعتبر الحزب العتيد والوحيد الذي يمارس نشاطاً لمثل هذه الفترة الطويلة في مقارنته مع بقية الأحزاب الآشورية التي قد تنشأ ثم بعد فترة تختفي من الوجود أو يتلاشى نشاطها، فالإستمرارية لمطكستا تجعلها منظمة فريدة من نوعها.
2)- كانت مطكستا أول حزب سياسي آشوري يستطيع أن يدفع مرشحه لانتخابات البرلمان في وطن الأم سورية ويفوز بمقعد فيه، وهي سابقة لم يحققها أي حزب آشوري في بلد يتمتع بهامش ضئيل جداً من الديمقراطية ليس من السهل طبقاً للإمكانيات السياسية والمادية والفكرية الشحيحة للآشوريين من استغلالها والنفاذ من خلالها للوصول إلى البرلمان. وهو مستمر في المحاولة كلما توفر مثل هذا الهامش الديمقراطي.
3)- لمطكستا أيديولوجية واضحة وفكر علمي وعملي قابل للتطبيق في الظروف التي تعيش فيه، وهو من أهم المستلزمات الحزبية الذي يفتقر إليه الكثير من أحزابنا السياسية التي تتبنى أفكار رومانسية وبعيدة عن واقع التطبيق. أن وضوح الرؤية الفكرية وقدرتها على قراءة الوقائع قراءة صحيحة هي التي جعلت المنظمة أن تكون قادرة على التوفيق، وكل التوفيق، بين أهدافها القومية والوطنية، بحيث استطاعت، وفي ظروف كظروف بلد سورية، أن تصوغ أهدافها القومية وأن تطالب بها بشكل لا تتعارض أو تتناقض مع الأهداف الوطنية وأهداف بقية الأحزاب السورية، خاصة التي تتبنى النهج الديمقراطي، لا بل وأن يتجاوز هذا التوافق حيز الفكر والنظرية إلى الواقع والممارسة.
4)- بسبب المواقف المبدئية الثابتة لبعض قياديي المنظمة، فهي أول حزب سياسي آشوري يتعرض بعض قيادييه إلى الاعتقال مرتين في سورية ولأسباب سياسية وقومية ومن دون أن يزعزع ذلك مواقف المنظمة المبدئية القومية والوطنية، ومن دون أن تستغل المنظمة هذا الاعتقال للمهاترات السياسية.
5)- لمطكستا تنظيم سياسي وفكري وإداري ممتاز ومثالي، والذي هو من أهم مقومات الحزب السياسي، استطاعت بفعل هذه الميزة التحرك الواسع والشعبي في ظروف سياسية صعبة واكتسبت من خلاله شعبية واسعة النطاق. ويكفي أن أشير هنا إلى الاستقبال الجماهيري الواسع والكبير جداً لقياديي المنظمة الثلاثة الذين  أطلق سراحهم من السجن عام 1997 عقب مشكلة المياه في سوريا، وإلى مهرجانات الأول من نيسان من كل عام. وشخصياً لمست مثل هذه الجماهيرية وقوة التنظيم والإدارة لمطكستا عندما أكون زائراً لهم في وطن الأم سورية، فخلال فترة لا تتجاوز ساعة أو أكثر بقليل تتمكن من تجميع، ومن دون استخدام التقنيات المتطورة في الاتصال أو توجيه الدعوات، ما يزيد على مائة شخص للاستماع إلى محاضرة أو المشاركة في ندوة أو دعوة عدد من المثقفين والمهتمين بشؤون الأمة لعقد لقاء معين، في حين لا يمكن لأي حزب سياسي آشوري في بلدان المهجر أن يجمع مثل هذا العدد خلال أسبوع أو أكثر.
6)- تواجه مطكستا تحديات قومية ووطنية قلما يواجها أي حزب سياسي آشوري، وهي غير معروفة أو مدركة للكثير من الآشوريين خاصة المتواجدين في المهجر والذين ينظرون للأمور في بلدان الشرق الأوسط بمنظار غير واقعي أو عملي. فمطكستا تنشط في ظروف سياسية واجتماعية وحتى دينية صعبة للغاية يستوجب منها أن تتكيف طبقاً لها وأن تحافظ في نفس الوقت على فكرها القومي، وهي موازنة يصعب تحقيقها ويتطلبها جهود فكرية وتنظيمية استثنائية. فإذا كان البعض يعرف الصعاب والمشاكل التي تعانيها المنظمة من تبني الفكر القومي الآشوري في مجتمع طائفي صلد، فأن الكثير لا يعرف بأن العمل السياسي لمنظمة لها شعبية كبيرة يعد أمراً صعباً جداً، إن لم يكن مستحيلاً، في ظروف أقل ما يقال عنها بأنها غير ملائمة للعمل السياسي الآشوري وضمان حريته. أي بعبارة أخرى، أن أي حزب سياسي ، خاصة عندما تزداد جماهيريته، لا يمكن أن يظل فاعلاً ومؤثراً في الأحداث مع بقاءه حزباً سرياً، فهناك معادلة نسبتها طردية بهذا الشأن وهي : كلما زادت جماهيرية الحزب وكثر مفعول تأثيره كلما تقلصت سريته، والعكس صحيح أيضا، أي كلما زادت سرية الحزب تقلصت جماهيريته وخف تأثيره في الأحداث، وهي الحالة التي تعرف أحياناً بـ "النضال السلبي"، وهي معادلة صعبة جداً تواجهها مطكستا، لأنها حزب سياسي غير مجاز في سورية للممارسة نشاط سياسي، ولكن لحق يقال، بأنه رغم أن الحكومة السورية لا تعترف بالآشوريين كقومية أو أقلية قومية ولأسباب متعلقة بأيديولوجية الدولة، ولكن في نفس الوقت تغض النظر، ولاعتبارات سياسية محلية، عن بعض نشاطات مطكستا أو الفعاليات القومية للآشوريين عموماً التي لا تتجاوز الخطوط الحمراء. ولممارسة نشاط مطكستا ضمن الهامش الديمقراطي المتاح عليها أن تمتلك مواهب سياسية وتجارب في التعامل مع الشؤون الوطنية ومع القوى السياسية الأخرى، وهي المسألة التي وفقت فيها إلى حد ما، ومن المؤمل أن توفق أكثر في المرحلة الجديدة في سورية والتي يتطلب منها مراقبتها ودراستها ومن ثم المشاركة فيها لتحقيق أهدافها في خدمة شعبنا الآشوري هناك. ومطكستا تدرك كل هذه الأمور وتعرف بأنها ليست بالأمر الهين والسهل بل يتطلبها جهود استثنائية نادرة قلما تتوفر في أي حزب سياسي آشوري، كما وليس من السهل توفيرها من قبل مطكستا نفسها وضمن الإمكانيات السياسية الشحيحة لعموم الآشوريين، خاصة في تعاملهم مع الشؤون الوطنية والقوى والأحزاب السياسية الأخرى غير الآشورية.

هذه الاستثناءات والخصوصيات التي تتمتع بها مطكستا والتي جعلت منها حزباً سياسياً مثالياً في التعامل مع شؤون الأمة، أملت علينا بهذه المناسبة أن نشير إليها بكل احترام وتقدير وأن نرفع قبعاتنا في الهواء وننحي قامتنا احتراماً لمؤسسيها ولجميع الخيريين من أبناء أمتنا، وهي المناسبة التي دفعتني إلى أن أنفض الغبار عن بعض أوراقي عن الأحزاب السياسية الآشورية، وأمل أن تكون أيضاً دافعاً قوياً لإكمال مشروعي المؤجل.  وبهذه المناسبة أرسل هذه الكلمات عبر الأثير إلى مطكستا،  قيادة وأعضاءً،  كتعبير عن مشاركتي لفرحتهم وأمل أن تكون مقبولة وأن لا تكون صراحتها قد أزعجت البعض، لأن القصد منها لم يكن إلا بيان مدى اعتزازي بكل حزب آشوري أو منظمة قومية آشورية أو شخصية تعمل، قولاً وفعلاً، خيراً لهذه الأمة، والله يوفق الخيرين من أبناء أمتنا ويزيدهم عدداً وعدةً.

بدون أحزاب سياسية نشطة …  تصبح إرادة أمتنا خاضعة لإرادة الأمم الأخرى
مع تحيات أبرم شبيرا

313
الكلدان والدعوة القومية – 3

أبرم شبيرا

تقدمة:
في الحلقة الأخيرة من هذا الموضوع شرحنا إبتعاد الكلدان والكنيسة الكلدانية عن السياسة وتجنب مطالبتهم لأي حقوق قومية خاصة بهم مستقلة عن بقية الطوائف التي تنتمي تاريخياً وموضوعياً إلى نفس الأثنية وتحديداً أقصد أبناء رعية كنيسة المشرق "النسطورية" والسريانية بشقيها الأرثوذكسي والكاثوليكي. غير أن منذ بداية الألفية الثالثة بدأت دعوات قومية كلدانية تطالب بحقوق قومية  باعتبارهم قومية أو أثنية مستقلة يحق لها مثل هذه الحقوق وعلى أثر ذلك تأسست جمعيات وأحزاب سياسية كلدانية ونزلت إلى الساحة السياسية في المهجر ثم في العراق خاصة بعد زوال حزب البعث من السلطة. وقد تساءلنا ما السبب في هذا الظهور القومي السياسي المتأخر قياساً للحركات القومية الأخرى، أفهل هو "وعي متأخر" ظهر في الكلدان أو على الأقل في النخبة الكلدانية الواعية التي دعت إلى اعتبار الكدان قومية ولها حقوق قومية خاصة بها أم هو طفرة طائفية نحو القومية وضمن أطر قومية جديدة برزت في الكلدان في السنين الأخيرة ؟ وقبل الإجابة على هذه التساؤلات نود أن نوضح التصنيفات التي تنطلق منها هذه الدعوة القومية لكي نحدد نوعها وتوجهاتها التي نتحدث عنها.
تصنيفات الدعوة القومية الكلدانية:
الأولى: هي دعوة قومية أصيلة تدعو إلى أعتبار الكلدان مع بقية أبناء رعية فروع كنيسة المشرق قومية واحدة ذات حقوق قومية واحدة وتحاول بموضوعية البحث عن حلول لمشكلة تعدد التسميات. يؤازها في هذا التوجه دعوات وحركات سياسية من أبناء بقية فروع كنيسة المشرق وتحديداً الآشورية منها. ويتمثل أصالة هذه الدعوة في عمق إداركها ووعها للظروف التاريخية التي فرضت قوتها في خلق  تسميات متعددة لهوية أبناء الأمة الواحدة كما تدرك أهمية الثقل السياسي الذي ستخلقه هذه الدعوة الوحدوية. وكانت الحركة الديمقراطية الآشورية رائدة في هذا المجال والتي آزرتها نخبة سياسية كلدانية وسريانية مثقفة مع عدد من التنظيمات الكلدانية والسريانية الواعية لمثل هذه الظروف التاريخية والسياسية ثم تبعها تنظيمات وتشكيلات آخرى في فهم هذه الظروف ومن تم تبني الأسم المركب للهوية القومية كضمانة أساسية في أعطاء ثقل سياسي وديموغرافي للحقوق القومية المشتركة لأبناء الأمة الواحدة. أستوجب توضيح هذه الدعوة القومية للكلدان تجنباً للخلط بينها وبين الدعوات الأخرى. أما التصنيف الثاني للدعوة القومية فهي تدعو إلى اعتبار كل أبناء رعية فروع كنيسة المشرق كلداناً وفي اعتبار التسمية الكلدانية هي القويمة تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً. فالبنسبة لهذه الدعوة فإن سركون الأكدي وحمورابي وآشور بانيبال وطيطيانوس ومار أبرم ومار نرسي وغيرهم من رموز العصور الحديثة كلهم كلداناً. تفتقر هذه الدعوة إلى أبسط قواعد المنطق والتاريخ، وهي دعوة فانتازية وبالتالي لا تسحتق تضيع الوقت في مناقشتها. أما التصنيف الثالث للدعوة القومية الكلدانية فهي تدعو إلى أعتبار  الكلدان قومية مستقلة ولها حقوق قومية خاصة بها ولا علاقة لها ببقية أبناء فروع كنيسة المشرق وبالأخص كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة السريانية بشقيها الأرثوذكسي والكاثوليكي. وهذا التوجيه هو السائد على الساحة السياسة لأمتنا ويتمثل في عدد من الأحزاب والتنظيمات التي تأسست في الألفية الثالثة وفي أفكار وكتابات بعض المثقفين الكلدان، وهذه الدعوة هي موضوع مقالتنا هذه.

الكلدان والوعي المتأخر: 
جدلاً نفترض أن الكلدان قومية قائمة بذاتها ولها حقوق قومية متميزة خاصة بها تختلف عن بقية أبناء طوائف كنيسة المشرق وذلك مسايرة مع التيار الثالث المبين أعلاه. لقد سبقنا وأن ذكرنا في السابق بأن عصر الحركات القومية بدأ منذ منتصف القرن التاسع عشر وأستمر حتى بداية القرن العشرين ومنها الحركة القومية الآشورية والأرمنية والكردية في حين لم تظهر أية حركة قومية كلدانية في تلك الفترة والفترات اللاحقة وقد أرجعنا سبب ذلك إلى كون الكنيسة الأطار الأمثل والوحيد في تمثيل الكلدان وطرحهم كطائفة وليس كقومية. غير أنه منذ عام 2000 تقريباً بدأت دعوات كلدانية قومية متأخرة بفترة أكثر من قرن من الزمن عن بقية الحركات القومية التي نشأت في نفس الظروف السياسية والجغرافية المحيطة بالكلدان وربما يمكن تفسير هذا التأخر في الظهور ضمن الإطار النظري لمفهوم "الوعي المتأخر"

الوعي المتأخر، مفهوم فلسفي تبناه الفلاسفة الألمان في القرنين الماضيين في تفسير بعض الظواهر الإجتماعية التي تظهر في وعي الأفراد متأخرة عن زمانها الطبيعي وذلك لأسباب أو ظروف عديدة تكون بمثابة حاجب أو مانع لظهور الوعي عند الجماعة. وفي حالة زوال هذه الظروف أو الأسباب أو تغيرها وبالتالي زوال الحاجب أو المانع من عقلية أفراد المجتمع أو النخبة المفكرة منهم تجاه الظاهرة يبدأ الوعي فيها بالظهور والنمو في فترة لاحقة قد تطول أو تقصر. هذا الأطار النظري يمكن إستخدامه في فهم ظاهرة الوعي الكلداني تجاه قوميته. لقد دلت تجارب بعض الشعوب خاصة في منطقتنا التي تسلطت عليها حكومات إستبدادية تقوم على الدمج أو الصهر القومي للمجموعات الأثنية المختلفة عن أثنية المتسلطين على السلطة، دلت على أن مجاهرة الفرد لهويته القومية يتوقف على الوضع السياسي والإجتماعي السائد. فالإستبداد السياسي والفكري يكبح وعي الأفراد تجاه هويته القومية في مثل هذه الأنظمة، وقد ناقشنا هذا الموضوع في إنكار الكثير من الكلدان لهويتهم أثناء أحصاء نفوس العراق عام 1977. والحال كان هكذا ليس بالنسبة للكلدان وحدهم وإنما أيضا لبعض الشعوب المجاورة لهم مثل الكرد. ففي العصر العثماني، الكثير من الكرد أعتبروا نفسهم أتراك أو كما كان يطلق عليهم أتراك الجبال، وهي الحالة التي خلقت مشكلة كردية بعد ظهور الوعي القومي الكردي المتأخر في تركيا الحديثة. وبعد تأسيس العراق كان بعض النخب الكردية السياسية ولأسباب سياسية وبعضها نفعية يتجنبون المجاهرة بهويتهم الكردية بل أعتبروا أنفسهم عرب وذلك مسايرة للظروف الجديدة أو كضمانه للحصول على كرسي وزاري أو الحفاظ عليه. وحديثا كان بعض الكرد في مدينة كركوك يعتبرون أنفسهم تركماناً وذلك تماشياً مع السيطرة التركمانية لمدينة كركوك لضمان سلامتهم أو رزقهم.

والحال كان نفسه مع الكلدان ولكن مع إختلاف بسيط عن الكرد من حيث الديانة. إذ إن الديانة المسيحية للكلدان وفي مجتمع يعتمد الدين الإسلامي معياراً للإنتماء إلى الوطن في الدولة العثمانية كان عاملاً رئيسياُ في أبقاء الكلدان ضمن الإطار الكنيسي الذي كان مقننا بنظام "الميليت" العثماني ولم يكن هناك مجالاً لكي يكون أتراكاً. ولكن في العراق الحديث الذي أعتمد العلمانية في نظام الحكم وضمن ظروف الإستبداد والقهر السياسي والفكر وهيمنة أثنية رجال الحكم على الساحة العراقية وإنعكاسها في قراراتها السياسية كبت الكلدان عن التعبير عن هويتهم وبالتالي لم تظهر على السطح أو تنعكس في مؤسسات قومية أو أحزاب سياسية خاصة بهم بل أكتفت بالإطار الكنسي. وهكذا ظل الوعي الكلداني مكبوتاً ومحصوراً ضمن الإطار الكنسي المسموح به في النظام الاستبدادي في العراق حتى أهتزاز أسس هذا النظام في التسعينيات من القرن الماضي ومن ثم البدء في إنهياره وظهور الوعي الكلداني في عام 2000 إستعداداً لمرحلة جديدة ظهرت بعد إنهيار النظام السياسي والاجتماعي في العراقي نهائياً عقب سقوط نظام البعث عام 2003 وزوال الأسباب السياسية التي كان تمنع الكلدان من المجاهرة بهويتهم الخاصة ومن ثم ظهور أحزاب سياسية وجمعيات قومية كلدانية بشكل أكثر وضوحاً.
سنة 2000 - عام الوعي الكلداني:
البداية الحقيقية والأكثر وضوحاً بدأت أولاً في المهجر وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية. فقبل البدء بعملية أجراء أحصاء النفوس في الولايات المتحدة لعام 2000 كان جميع أبناء شعبنا المنتميين إلى فروع كنيسة المشرق وغيرها من الكنائس البروتستانتية والإنجيلية، وتحديداً الآشوريين والكلدان والنساطرة والسريان والأراميين وغيرها من التسميات كانت تندرج أثنياً تحت تنصيف  "الآشوريون – Assyrians". غير أنه قبل بدء عملية الأحصاء أحتج نخبة من المثقفين الكلدان يقودهم نيافة المطران سرهد جمو إدراج الكلدان تحت تصنيف الآشوريين وأقترحوا التصنيف المركب (الآشوريون/الكلدان/السريان) والذي عرف بتصنيف (Slash) – أي الفاصلة أو الشارحة. بالمقابل قامت قيامة الطرف "النسطوري" الآشوري ورفض بشدة هذا التصنيف المركب الجديد من قبل بعض القوميين الآشوريين المتشتددين وقادة هذا التيار سركون داديشو زعيم ما يسمى بـ "المجلس القومي الآشوري" ومسؤول مؤسسة بيت نهرين في سيرس في كاليفورنيا وقيادي كبير في حزب بيت نهرين الديموقراطي وصاحب تلفزيون "الفضائية الآشورية" حيث شن حملة شديدة مكرساً كل إمكانياته في مقاومة هذا التصنيف الجديد مطالباً السلطات الرسمية بضرورة التمسك بالتصنيف القديم. غير أن السلطات الرسمية وبتأثير قوة وفاعلية النشاط الكلداني تبنت التصنيف المركب الجديد. أثار هذا النزاع حول التصنيف الجديد بلبلة في أبناء مجتمعنا في المهجر مما أدى إلى نتائج سلبية على مستوى أحصاء نفوسهم هناك فتبينت نتيجة الإحصاء بأن نفوس أبناء شعبنا في أميركا تحت التصنيف المركب أقل مما كان قبل عام 2000 تحت التصنيف المفرد "الآشوريون"، وربما السبب يرجع إلى إشمئزاز الكثير من أبناء شعبنا من هذا النزاع غير المجدي وبالتالي عدم إكتراثهم بعملية الإحصاء. هذا النزاع ولد ردود فعل قوية على الجانب الكلداني، فتولد "داديشو كلداني" مقابل "داديشو نسطوري" وبدأت معركة الصراع على التمسية القومية وعلى أثرها بدأ عدد المنظمات القومية والسياسية الكلدانية بالإزدياد وتوسع نشاطها مركزت على الكلدانية بشكل مكثف، فمقابل "آشورايا وبس" ظهر "كلدنايا وبس".

غير أن هذا الظهور البارز للكلدانية في عام 2000 لم يكن سببه الإحصاء الأمريكي فحسب بل كان أيضا كرد فعل على الجانب الكلداني عما كان يحرزه الجانب الآشوري من تقدم في المجالات السياسية والقومية. فعندما بدأت الساحة السياسية العراقية بالغليان قبيل سقوط النظام البعثي في العراق كان الآشوريون  وبتنظيماتهم السياسية، وبالأخص الحركة الديمقراطية الآشورية، نشيطون على هذه الساحة ومشاركون في إجتماعات المعارضة العراقية. فالإسم الآشوري كان في كل مكان حتى أن القانون الأمريكي المعروف بـ "قانون تحرير العراق" الذي خصص ميزانية قدرت بـ (97) مليون دولار أمريكي للمعارضة العراقية أشمل الحركة الديمقراطية الآشورية ضمن هذه المعارضة وهذه التخصيصات. وفي إجتماع المعارضة العراقية الموسع في لندن عام 2002 جاء تأكيداً في بيانهم على الحقوق القومية للآشوريين ولم تكن هناك أية إشارة للكلدان أو السريان حيث كان هذا بفعل الناشطين من الآشوريين في تعميم مفهومهم الخاصة حول أعتبار الكلدان والسريان كطوائف دينية وأن أسم قوميتهم هو "الآشوري". كان من الطبيعي أن يولد رد فعل قوي لدى الكلدان في رفض اعتبارهم كطائفة تابعة للآشوريين، من هنا كان لازماً على النخبة الكلدانية أن تعزز موقعها وأن تبداء بمقاومة الهيمنة الآشورية على الساحة السياسة وتمنعهم من التكلم نيابة عن الكلدان. فهكذا بدأت المؤسسات القومية والسياسية الكلدانية بالتاسيس أو بفعالية أكثر وسعت بكل جهد أن يكون لهم نفس ما للآشوريين وأن يكون لهم موقع أو أسم مستقل عنهم فبرزت ظاهرة الندية حيث أصبح لهم ناد مقابل ناد، موقع ألكتروني مقابل موقع ألكتروني، وكالة أنباء كلدانية مقابل وكالية أبناء آشورية، فدريشن كلداني مقابل فدريشن آشوري، مركز ثقافي كلداني مقابل مركز ثقافي آشوري علم وشعار كلدانيان مقابل علم وشعار آشوريان، مجلس قومي كلداني مقابل مجلس قومي آشوري، حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني مقابل الحركة الديمقراطية الآشورية... وهكذا وبفعل قوة البنية التحتية الإقتصادية والثقافية والعلمية والديموغرافية للكلدان، وبمساندة الكنيسة، تمكنوا من أن يرتقوا إلى مستويات تضاهي المستويات الآشورية فأصبحوا في مواقع تجعلهم يرفضون الصيغ الكلاسيكية القديمة في إعتبارهم جزء من الآشوريين أو تابعين لهم.   

الكنيسة والدعو القومية الكلدانية:
من حيث المبدأ، الكنيسة ضد الحركات القومية خاصة بالنسبة للقوميات اللادولتية، أي المجموعات الأثنية التي لا دولة قومية لها أولا تملك سلطات سياسية خاصة بها كما هو الحال بالنسبة لأمتنا حيث تكون الكنيسة هي المؤسسة الرئيسية المهيمنة ولا ترغب في أن تكون هناك مؤسسات أخرى سياسية قومية تنافسها في هذه الزعامة فهذا الموقف يحكمه مصلحة الكنيسة وخوفها من فقدان هيمنتها. فبالنسبة للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية تشجع أو لا تمانع من قيام حركة قومية كلدانية وبناء مؤسسات سياسية وإجتماعية لها طالما هي (1) تعزز وترسخ هذه المؤسسات مفهوم الكلدانية في عقل الكلداني وتبعده عن الآشورية، وهناك أمثلة عديدة في تخوف الكنيسة الكلدانية من التسمية الآشورية وأسباب هذا التخوف تكون إما طائفية أو مصلحية و (2) أن تعمل هذه المؤسسات وتنشط داخل الخطوط الحمراء التي رسمتها الكنيسة منذ القدم وأن لا تتجاوزها، أي بعبارة أخرى أن تكون تابعة لها أو تعمل بوصاية من الكنيسة أو أن لا تنافسها في زعامة المجتمع. والموقف الرافض للكنيسة الكلدانية المدعوم من قبل الفاتيكان لفكرة الحكم الذاتي في سهل نينوى التي يقودها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري وعرابها سركيس أغاجان نموذج في هذا السياق.     
 
وأنا شخصياً لا أشك أبداً بأن المسألة القومية وموقف الكنيسة منها، طبعاً إلى جانب عوال أخرى، أثرت كثيراً في إفشال مساعي البحث في إمكانية توحيد شقي كنيسة المشرق: الآشورية والكلدانية الكاثوليكية. فالمسافة التي تبعد كل فرع من هذين الشقين عن المسألة القومية من جهة ومن الحداثة والمعاصرة من جهة أخرى كانت عوامل قصمت ظهر المناقشات الوحدوية بين الفرعين. لقد أثبت تجارب السنين الماضية في التفاوض والتقارب بين الفرعين للكنيسة: الآشورية والكلدانية وجود عدم توازن وتوافق بين الإمكانيات الكنسية واللاهوتية من جهة وبين الوعي القومي والتطور السياسي من جهة أخرى الكنيستين وأتباعهما. فالكنيسة الكلدانية، ككنيسة عالمية مرتبط بالعالم الكاثوليكي، متطورة من الناحية التنظيمية ومستقرة مالياً وإدارياً، فكهنتها متعلمين وحاصلين على أعلى درجات العلم والثقافة. بالمقابل فأن الكنيسة الآشورية كانت تتبع الأساليب القديمة في تعليم وتعيين رجال الدين من المطارنة والكهنة. وإرسال مجموعة من الشباب الآشوري للتعلم في المعاهد الكاثوليكية سواء في روما أم في كلية بابل الكلدانية في بغداد لكي يصبحوا مطارنة المستقبل كان من باب سد الثغرة العملية واللاهوتية بين الكنيستين فكانت خطوة ممتازة. أما على الجانب القومي فإن رجال الكنيسة الآشورية وأتباعها أكثر تطوراً وتقدماً ولهم مؤسسات سياسية وقومية فاعلة بينما موقف الكنيسة الكلدانية سلبياً تجاه الحركة القومية بشكل عام والكلدان أنفسهم كانوا غائبون عن المسألة القومية ويفتقرون إلى المؤسسات السياسية ذات الطابع القومي. في منتصف التسعينيات من القرن الماضي عقد المجمع السنهدوسي للكنيسة الكلدانية في بغداد وكان موضوع تغيير أسم الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية إلى أسم كنيسة المشرق الكاثوليكية من المواضيع الساخنة في مناقشات المجمع وهذا الأسم الجديد/التراثي كان خلاصة توصل إليها دراسة أعدها ثلاثة من فطاحل مطارنة الكلدان ومنهم الطيب الذكر المرحوم الدكتور يوسف حبي الذي كان يعد بمثابة فيلسوف كنيسة المشرق. غير أن بالنتيجة تم تأجيل البث في هذا المقترح إلى إشعار آخر وقد تسربت الإنباء فيما بعد عن  سبب هذا التأجيل فأشيع بأن الكنيسة الكلدانية سوف تنتظر لما سيحصل بالنسبة للكنيسة الآشورية فيما يخص الأسم الآشوري المرتبط بها لأنه لا يمكن أن تتوحد فرعي هذه الكنيسة مالم يزال عنهما التسميات القومية وتحديداً الآشورية والتي لها مدلولات سياسية غير مرغوبة عند النظام العراقي الاستبدادي.

من هنا أدرك دعاة الوحدة بين الكنيستين وتحديداً المطران سرهد جمو من الجهة الكلدانية والأسقف مار باوي سورو من الجهة الآشورية الوضع غير المتوازي أعلاه. فمار باوي أندفع إندفاعاً حماسياً نحو التقارب مع الكاثوليكية فدرس في معاهد الفاتيكان وحصل على الدكتوراه في تاريخ كنيسة المشرق وفي كل لقاءاته ومحاضراته وكتاباته شجع مثل هذا التقارب مما أضطرت رئاسة الكنيسة الآشورية إلى عزله من الكنيسة، فلم تتاح أما مار باوي سوري خيارات إلا خيار تأسيس أبرشية خاص به في كاليفورنيا وأطلق عليها "الأبرشية الآشورية الكاثوليكية". وعلى الجانب الكلداني، لم يكتفي المطران سرهد جمو في تشجيع أو الدفع نحو تأسيس مؤسسات مدنية وسياسية كلدانية بل لعب دوراً مهماً في "كلدنة" الطقس الكنسي بالكامل ومحاولة تخليصه من الدخيل اللاتيني للوصول إلى مستوى "كنسي قومي" يوازي قومية كنيسة المشرق. كنت في بغداد من رعية كنيسة القديسة ريتا الكلدانية في كرادة خارج فكان الطقس من البداية إلى النهاية بالعربي، ما عدا صلاة قصيرة أقل من دقيقة يقرأها الشماس بالسريانية في نهاية القداس. وفي لندن كنت من رعية كنيسة الإرسالية الكلدانية الكاثوليكية والقداس كان أكثريته بالعربي وقليلاً بالسريانية وحالياً أنا من رعية كاثدرائية الرسول مار بطرس الكلدانية في سان دياكو، وهي تحت إشراف المطران سرهد جمو والقداس فيها بالتمام والكمال بالسريانية لا بل باللهجة الكلدانية والمثير للإنتباه، مقارنة مع رعية الكنيسة الكلدانية في بغداد خاصة في المناطق الراقية، أن رعية كاثدرائية الرسول مار بطرس الكلدانية كلهم كلداناً بالتام والكمال أيضا، تقاليداً ولغة وشعوراً. حقاً يقال بأن المطران سرهد جمو نجح نجاحاً باهراً في "نهضة الكلدان" على الأقل على المستوى الكنيسي والذي بالنتيجة والحتم أنعكس على المستوي الاجتماعي والمدني والقومي الكلداني مثلما حدث في السابق بالنسبة للكنيسة الآشورية الذي أنعكست "قوميتها" على المستوي السياسي. لقد نتج من جهود مار سرهد في "كلدنة" الكنيسة وقومنتها ومن تحديث الكنيسة الآشورية و"كثلكتها" تأسيس مطرانية الكلدان والآشوريين في كاليفورنيا وعند إعلان هذا التأسيس على الرعية في كنيسة مار بطرس في سان دياكو شاهدت الفرحة الغامرة والحماس الشديد في وجوه وأحاديث الرعية وفي إستمرار تصفيقهم بقوة لهذا الحدث. وأخيراً لم يبقى في هذه العجالة عن "مطرانية الكلدان والآشوريين الكاثوليكية" إلا أن نثير تساؤلا عن الموقف الرسمي للكنيسة الكدانية من هذا التوحد أم ترك تحديد مثل هذا الموقف إلى الفاتيكان باعتبارها هي المسؤولة والمشرفة من الناحية الإدارية والتنظيمية على جميع شؤون الكنيسة الكلدانية خارج العراق.

مما تقدم يبدو بأن هناك في الظاهر تناقضاً بين "نهضة الكلدان" التي دعا إليها المطران سرهد جمو وتوحده مع الجانب الآشوري ذات المغزى القومي وتوجهات الكنيسة الكلدانية الرسمية من "قومنة" الكنيسة والإرتقاء بها إلى مستوى "قومانية" الكنيسة الآشورية. فإذا كان موقف الكنيسة الآشورية الرسمي معرفاً من تحركات وتوجهات مار باوي سورو نحو "كثلكتها" فأن موقف الكنيسة الكلدانية الرسمي من "قومنتها" لا زال غير معروفاً بشكل واضح علما بأن هذه الكنيسة لم تبدي إستعداداً لتقبل دعوة مار باوي سورو في الإنتماء إليها ولكن اليوم نرى مطرانية كلدانية وليس الكنيسة الكلدانية نفسها ككل تتوحد مع مار باوي سورو. وعلى العموم يمكن القول بأن توجهات المطران سرهد جمو نحو "كلدنة" مطرانيته وقومنتها وتخليصها من التأثيرات اللاتينية، مهما كانت نواياه سواء إنعزالية طائفية وكنيسة ومنثم  وضع الـ (و) التفريقة والتميزية بين الكلدان والآشوريين أم هي مجرد خطوة أولية لخلق إستعداد لرفع هذه (و) في المستقبل القريب بعد خلق وعي متكامل بين الكلدان لتقبل الوحدة مع الكنيسة الآشورية وربما قبول التسمية المركبة (كلدو آشوري).

خلاصة وإستنتاج:
إن فكرة ترقية الكلدان من المستوى الطائفي إلى المستوى القومي فكرة جيدة بهدف رفقع مستوى الوعي القومي عند الكلدان ولكن ليس بالشكل المطروح في التصنيفين الثاني الثالث المار ذكرهما. فالكلدان كأثنية أو قومية قائمة بحد ذاتها ومستقلة عن بقية أبناء جدلتهم فكرة هدامة لا تودي إلا إلى خسارة من الناحية السياسة والقومية للجميع فهذه الفكرة لا تستقيم مع الحقائق التاريخية في كون الكلدان والآشوريون والسريان أمة واحدة مقومات وجودها معروفة يشارك الجميع فيها ولا تقبل الإنفصال او الاختلاف حولها. ولا شك فيه بأن الحركة القومية الآشورية وبأحزابها المتنوعة التي هيمنت عليها أكثرية "نسطورية" فشلت فشلاً ذريعاً في إمكانية إقناع الكلدان بـ "آشوريتهم"  ولم تستطيع إستيعابهم في تنظيماتهم لا بل أصروا على أعتبارهم توابع وملحقين بالآشورية فكان من الطبيعي أن يتولد من جراء هذا الإصرار الآشوري رد فعل كلداني قوي في مقاومته ومن ثم الدعوة إلى إعتبار الكلدان مختلفين عن الآشوريين. فإذا كان كل شيء وكل الأرض وكل الحضارة وكل التاريخ آشوري عند الآشوريين فلماذا لا يكون بالمقابل كل شيء وكل الأرض وكل الحضارة وكل التاريخ كلداني عند الكلدان؟؟؟

لقد أدركت الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) بعد تجارب طويل في هذا المضمار عن خطأ الحركة القومية الآشورية التقليدية وأحزابها وفشلهم في لم شمل الكلدان مع الآشوريين في حركة قومية متوحدة فكانت المبادر الأول في التحرك وبأسلوب مرن بعيد عن التصلب والتعنت على الأسم الآشوري وفرضه على الكلدان، رغم أنه كان هناك في قيادة الحركة وكوادره وجماهيره عدد لا بأس بهم من الكلدان. ففي عام 2003 جاء تنظيمه مع المنظمة الديمقراطية الآشورية لمؤتمر العام في بغداد وإقرار التسمية المركبة "كلدو آشوري" ضمن هذا التوجه الجديد. فكان من الطبيعي أن تتعرض زوعا وتبنيه للتسمية المركبة هجوماً عنيفاً من قبل تنظيمات الحركة القومية الآشورية وبعض الجهات الكلدانية غير أن بمرور الوقت بدأت تنظيمات آشورية وكلدانية تسير على نفس خطى زوعا في تبني هذه التسمية المركبة بعد أن "وعت متأخرة" أهمية هذه التسمية الموحدة في ضمان حقوق الأمة بشكل يتناسب وحجمها وتأثيرها السياسي والديموغرافي.

ولو أفترضنا جدلا بأن تحركات مار سرهد جمو ومار باوي سورو في التوحد بين أبرشيتهما تحت مظلة "الكلدان والآشوريين" هي بداية تمهيدية لرفع الـ (و) المفرقة في المستقبل القريب ومن ثم تصحيح أسم مطرانيتهم وجعلها "مطرانية الكلدو آشوريين" لأصبحت جهودهم ملتقية مع جهود زوعا وغيرها من التنظيمات السياسية الكدوالآشورية المتقبلة للواقع وبالتالي يرتقي الكلدان قومياً إلى المستوى القومي الآشوري ويصبحون على أرضية مشتركة من حيث السياسة والكنيسة وبالتالي تصبح إمكانية حل إشكاليات التسمية المركبة متاحة أكثر مما توفره وهما، أي الكلدان والآشوريون، في عالمين مختلفين. وأخيراً لم يبقى إلا أن نبين الفرق بين الحقيقة والواقع ومدى تطبيقهما على وضعنا القومي وتفهم هذا الوضع،  فالكثير منا يردد هاتين المفردتين من دون أن يفرق بينهما. الحقيقة، وبالأخص الحقيقية التاريخية تؤكد بلا مجال للشك بأن معظم أتباع فروع كنيسة المشرق الكلدانية والمشرقية "النسطورية" والسريانية بشقيها الأرثوذكسي والكاثوليكي، هم أبناء أمة واحدة ولها تاريخ ولغة وحضارة معروفة للعالم أجمع غير أن الواقع الحالي لا يتطابق مع هذه الحقيقة فنحن في الواقع مجموعات أو كتل أو هويات مختلفة وأحيانا متباينة ومتناقضة، فنحن كلداناً وسرياناً وآشوريون وقد لعبت الكنيسة دوراً في خلق هذا الواقع وأبعدته عن الحقيقة ومن لا يفهم الواقع ويتعامل معه لمعالجته وتقريبه من الحقيقة فهو إنسان فاشل لا يستطيع إنجاز غير الكلام الفارغ. والأبجدية السياسية تقول بأن السياسة هي فن الممكن كما هي  "كائن" وليس "كان". فإذا كانت الحقيقة التاريخية تقول بأننا كنا آشوريون وأتباع كنيسة واحدة متوحدة فالواقع في هذا اليوم يقول غير ذلك فإننا كلداناً وآشوريين وسريان وأتباع "كنائس" متعددة ومختلفة لا بل ومتباين. والسياسي الناجح هو الذي يجب أن يقف على الأرض الواقع ويعمل كلدانياً /آشورياً/سريانياً  من دون (و) التي فرضها الواقع علينا كسبيل أولي للوصول إلى الحقيقة التاريخية التي تقول بأننا أمة واحدة وأسم واحد. فالميدان الفكري المرن لا المتزمت واسع لفهم هذا الواقع ومعالجته طبقاً لمعطيات الحقيقة التاريخية فما على الكلدان المتصاعدين نحو أعالي المستويات القومية إلا أن يفهموا الحقيقة التاريخية وما على الآشوريين المتقوقعين في البوتقة الآشورية المتشرنقة بالتاريخ الغابر أن يفهموا الواقع الحالي وإلا ستصبح جميع الجهود في خبر كان.   

314
الكلدان والدعوة القومية – 2

أبرم شبيرا
تقدمة:
بينُا في القسم الأول إبتعاد الكلدان منذ تأسيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية عن السياسة وعدم مطالبتهم بأية حقوق قومية أو سياسة خاصة بهم أو اعتبار أنفسهم قومية أو أثنية مختلفة ومتميزة عن بقية أتباع فروع كنيسة المشرق وحتما كان يتوجب على هذا الموقف أن يترتب نتائج جمة على مختلف الأصعدة، وفي هذا القسم سنبين بعض من هذه النتائج.


ثمار الابتعاد عن المطالب القومية:
بالتأكيد أن تجنب الكلدان للسياسة وعدم المطالبة بحقوق قومية وإستمرار المولاة للسلطات الحكومية خاصة في الأنظمة الإستبدادية التي طغت على العراق يترتب عليها منافع جمة على الجوانب غير السياسية والقومية طالما كانت المطالبة بمثل هذه الحقوق جريمة بشعة يستوجب قمعها في نظر هذه الأنظمة. هكذا كان الحال مع الكلدان في العراق أذ بدأوا بجني الثمار في الاستقرار الكنسي والتطور الإقتصادي والعلمي. فبعد الحرب العالمية الثانية وتحقق نوع من الاستقرار السياسي والإقتصادي في العراق فبدأت هجرات جماعية من القرى والقصبات الكلدانية في  شمال العراق إلى المدن العراقية الكبيرة خاصة إلى بغداد والموصل وشملت أيضا نقل البطريرك مار يوسف غنيمة (1947 – 1958) كرسي البطريركية الكلدانية من الموصل إلى بغداد. فبدؤا الكلدان وبشكل أكثر نشاطاً وكثافة الانخراط في الأعمال التجارية وفي أعمال الخدمات المدنية والوظائف الحكومية والمؤسسات العلمية فكان ذلك بداية مرحلة جديدة وواضحة من إنسجام وتكامل الكلدان مع المجتمع العراقي وتحديداً في المدن الكبيرة.

أستقرت وأزدهرت الكنيسة الكلدانية بشكل كبير في بغداد والمدن العراقية الكبيرة الأخرى وحقق الكلدان تقدماً على مختلف الأصعدة خاصة في الفترة الطويلة لخدمة مثلث الرحمات مار بولص شيخو (1958 – 1988) كبطريرك للكنيسة، حيث بنيت في عهده عدد كبير من الكنائس ورسم كهنة ومطارنة جدد وحصل معظمهم على تعليم عال فكانت المدارس الكدانية من أحسن المدارس العراقية وفي عهده زاد عددها وتوسعت أكثر كما أسست معاهد كهنوتية وطورت بعضها بشكل تنسجم مع المرحلة الجديدة. وعلى المستوى العلماني والمدني، فقد حقق الكلدان أكثر تقدماً بين العراقيين قاطبةً فكانوا أكثر تعليماً وثقافة فالكثير منهم كانوا أساتذة ومحاميين وأطباء وصحافيين مشهورين ومؤرخين كبار وكتاب وشعراء ويكفي أن نذكر بأن أول فتاة عراقية دخلت الكلية الطبية بجامعة بغداد ثم تخرجت كأول سيدة تمارس الطب كانت كلدانية. وعلى مستوى الأعمال والإقتصاد فقد ساهم الكلدان مساهمة كبيرة في الإقتصاد العراقي حيث كانوا في كل مكان، في البنوك ودوائر الدولة وفي الصناعة والتجارة والأعمال الحرة وفي مرحلة معينة سيطروا سيطرة تامة على صناعة السياحة والفندقة وتمكنوا من خلق نمط جديد ومتمدن للحياة الإجتماعية في العراق حيث ساهموا في تأسيس أشهر الأندية الإجتماعية منها العلوية والهندية والأنوار والتي كانت أندية الطبقة الراقية والشخصيات المهمة في بغداد ولكن كانت بدون أية نشاطات ثقافية متعلقة بالكلدان حيث كانت أندية عربية من حيث اللغة والثقافة ونمط الحياة وكلدانية من حيث أكثرية الرواد والإنتماء الطائفي.

الكلدان والنظام البعثي في العراق:
لم يكن حزب البعث يضطهد المسيحيين في العراق بسبب إنتمائهم الديني فالبعث حزب قومي علماني لم يكن للدين مكاناً كبيراً في فكره بقدر ما كان يفرض الإسلام كدين رسمي للعراق، حاله كحال بقية الدول الإسلامية، الإلتزام به وفرض ما يستوجب فرضه على الآخرين، لا بل في فترة الحرب مع إيران حاول النظام التودد إلى المسيحيين كي يترك إنطباعاً للغرب بأنه نظام مفتوح ومتسامح ويحارب نظام إسلامي إستبدادي متطرف في إيران كما حاول إستغلال وضع المسيحيين في العراق وزجهم في حملة رفع الحصار عنه الذي فرضته الأمم المتحدة بعد طرده من الكويت في بداية عام 1991، غير أن هذا لم يمنعه من إستخدام الإسلام بشكل مارق و وضع كلة ألله أكبر على العلم العراقي والذي كان ينم عن نفاق ورياء في مواجهة قوات الحلف الدولي والحصار المفروض عليه. فخلال مرحلة الحكم البعثي العراقي (1968- 2003) أصبح الكلدان أكثر ابتعاداً عن السياسة القومية وحساسية تجاهها، فحالهم كان كحال معظم العراقيين في ظل هذا النظام الاستبدادي بإستثناء قليل لبعض الثوريين والرافضين الإندماج في سياسة البعث. أنه من الإطناب الحديث عن هذه المرحلة ذلك لأنها مرحلة معاصرة ومعروفة للكثير ولكن للتأكيد عليها أود أن أسوق المثال التالي الذي حدث في صيف عام 1977:

كان السيد هشام شبيب مدير الصحافة في وزارة الثقافة والإعلام العراقية وأحد عناصر المخابرات العراقية في النصف الأخير من السبعينيات من القرن الماضي قد كلف من قبل قيادة البعث للتعامل مع القضية الآشورية والمسيحيين في المهجر. ففي صيف من عام 1977 ترأس وفداً من أندية ومؤسسات الناطقين بالسريانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإنكلترا حيث التقى هناك بأتباع الكنيستين الكلدانية والمشرقية "النسطورية" وعقدوا هناك عدد من الندوات وألقوا الكثير من الخطب ونظموا الحفلات واللقاءات كلها مدحاً وتطبيلاً بالنظام العراقي والترويج عن سياسيات حزب البعث الحاكم. ففي جميع التجمعات الكلدانية التي زاروها رحبوا بهم أيما ترحيب في حين لقوا الإهانات عندما التقوا بالآشوريين من أتباع كنيسة المشرق "النسطورية". وشخصياً كنت في لندن في تلك الفترة وحضرت مع إثنان أو ثلاثة من الأصدقاء الحفلة التي أقامها المركز الثقافي العراقي في لندن على شرف هذا الوفد كما كان قد حضرها نفر من الآشوريين المارقين والمتزلفين لنظام البعث لم يكن عددهم يتجاوز نصف عدد أصابع اليد فدخلنا مع هاشم شبيب في نقاش حامي الوطيس حول قضايا آشورية وتبين من خلال ردود فعله مدى حقده وكراهيته للآشوريين ولهذه التسمية ثم قارن تصرفنا بمدى ترحيب الكلدان بهم في أميركا وفي نهاية الحديث توعد بأن يحاسبنا ويحاسب مجلة "المثقف الآشوري" التي كان يصدرها النادي الثقافي الآشوري في بغداد. وفعلاً فعل ذلك عند عودته إلى بغداد حيث أستدعاني مع رئيس تحرير المجلة إلى وزارة الثقافة والإعلام للتوبيغ والمحاسبة. إضافة إلى هذا فأنه كان قد كتب تقريره إلى قيادة حزب البعث ومن ضمن ما جاء فيه هو "سيبقى الكلدان مخلصين دائماً للحكومة وموالين لسلطة البعث وموضع ثقة واعتماد في تحقيق إستراتيجيتها تجاه أقلياتنا المسيحية في المهجر، بينما سيبقى "الآثوريون" دائماً خونة وغير مخلصين للحكومة العراقية وحزب البعث". وقد كان سكرتير السيد هاشم شخص له توجهات قومية ومن أتباع الكنيسة الكاثوليكية وأسمه (زيا) هو الذي كشف لنا موضوع هذا التقرير عند الالتقاء به في خارج العراق.

في عام 1972 أصدر النظام البعثي قراره التكتيكي والمسمى بـ "الحقوق الثقافية للنطاقين بالسريانية من الآثوريين والكلدان والسريان" كما كان قد شكل لجنة خاص بـ "المسيحيين" برئاسة ماليك ياقو إسماعيل وشارك فيها بعض من رجال الدين من الكنيستين الكلدانية والسريانية الأرثوذكسية والكاثوليكية. ومن الملاحظ إهتمام حزب البعث بـ "الأثوريين" ووضعهم في مقدمة بقية الناطقين بالسريانية من الكلدان والسريان وكذلك توليهم قيادة لجنة المسيحيين كل ذلك من أجل إستغلال وضعهم وخلفتيهم التاريخية السياسية في محاربة الكرد وكأحدى السياسات المتعددة التي مارسها نظام البعث في إفشال وإسقاط قانون الحكم الذاتي الذي منح للكرد عام 1970 في حين كانت مشاركة الكلدان والسريان مجرد مشاركة شكلية وسرعان ما أختفوا من اللجنة بمجرد أن بدأت بوادر الفشل تظهر عليها بعد أن رفض ماليك ياقو إسماعيل المخطط الشيطاني للبعث في تشكيل قوات آشورية وزجهم في محاربة الكرد.
 
أعقب صدرو القرار أعلاه في منح الحقوق الثقافية تأسيس عدد كبير من الأندية الكلدانية بحيث يمكن القول بأن كل قرية أو بلدة كلدانية تأسس لها نادي اجتماعي في بغداد وتسمت بتسميات ثراثية مثل سومر وأكد وبابل ونينوى ورافدين وكانت هذه الأندية في الحقيقة ذات مستوى أقل من مستوى الأندية السابقة،  حيث سرعان ما أن أصبحت مراكز لتعاطي الكحول ولعبة البنكو وأصبحت أبوابها مفتوحة لكل واحد من دون اعتبار للانتماء الديني أو القومي ولم تكن تمارس أية نشاطات ثقافية تذكر خاصة بالكلدان باستثناء نادي بابل الكلداني (غالبية مؤسسها وأعضائها من بلدة ألقوش) ونادي الإخاء الأهلي (غالبية مؤسسها وأعضائها من منطقة زاخو) اللذان مارسا بعض النشاطات الثقافية وعرضا بعض المسرحيات من قبل بعض أعضاءها الواعيين. كما كان قد تأسس بعض المؤسسات الثقافية للناطقين بالسريانية في بغداد منها الجمعية الثقافية واتحاد الأدباء والكتاب وجمعية الفنانين السريان حيث بتشجيع من الجهات الحكومية المعنية شارك رجال الدين وبعض المطارنة من الكلدان والسريان في تأسيس هذه المؤسسات وإدارتها في سنواتها الأولى ولكن بمجرد أن بدأ بعض العناصر القومية من الطائفتين الكلدانية والمشرقية "النسطورية"، وكان بعضهم من أعضاء النادي الثقافي الآشوري، المشاركة في نشاطات هذه المؤسسات وتحويلها نحو المسار الثقافي القومي الصحيح والذي نتج عنه تحقيق بعض الإنجازات الثقافية واللغوية المهمة بدأ وجود رجال الدين بالاختفاء والتلاشي فأدركت السلطات المعنية خطورة هذه المؤسسات فلجأت إلى إغلاقها ودمجها مع الاتحاد العام (الرسمي) للكتاب العراقيين فأصبحت بحكم المنتهي.

النتائج السلبية من تجنب المطاليب القومية:
على أية حال، كان إزاء هذا الابتعاد عن المسألة القومية وتجنب المطالبة بحقوق قومية ثمناً باهظاً يستوجب دفعه على حساب الهوية القومية والأثنية للكلدان  حيث بدأ تدريجياً بزوال المقومات الأساسية لهوية الكلدان في المدن الكبيرة. فاللغة والتاريخ والثقافة والعادات، والتي هي مقومات كل قومية أو أثنية  لا بل هي أيضاً العناصر القومية المشتركة مع بقية أتباع فروع كنيسة المشرق، بدأت تفقد معناها عندهم. هذا في المدن الكبيرة أما في القرى والقصبات فأن الكلدان حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم ومقومات وجودهم حيث كان كل هذا مع التركز الجغرافي والحجم الديموغرافي عوامل مساعدة في نشؤء حركة قومية  إلا أن الأمر لم يحدث فالكلدان أو الكلدانية بالنسبة لهم كانت مجرد كنيسة أو طائفة مسيحية وأية معنى قومي أو أثني معطى لهذه التسمية والتي تجعلهم في شركة مع نفس الهوية القومية للآشوريين كانت حالة غير مرغوبة فيها ولها نتائج وخيمة، ذلك لأن الآشورية بالنسبة للكدان تعني السياسة وأن تجنب السياسة والمسائل القومية هو تقليد كلداني قديم يستجوب التمسك به وعدم التدخل في السياسة عن طريق ربط الكلدان بالآشوريين. وحتى في فترة التقارب والبحث في إمكانية توحيد الكنيستين كان يرى بعض رجال الدين الكلدان بأنها لا تنجح بسبب كون الكنيسة الآشورية "النسطورية" هي قومية ومسيسة في حين الكنيسة الكلدانية بعيدة عن هذا التوجه. فأية وحدة أو تقارب بين الكنيستين سوف يجر الكلدان نحو مشاكل سياسية غير محمودة العواقب لهذا السبب فأن تجريد الاسم الآشوري من الطائفة الكلدانية ومن كنيستها والابتعاد عنها هي مسألة مهمة في تجنب غضب وهيجان السلطات العراقية وفي الحفاظ على الإنجازات الكبيرة التي حققها الكلدان في العراق وحماية وضعهم المتقدم من الانهيار، مثل ذلك الانهيار والتشتت الذي أصاب "النساطرة" وكنيستهم من جراء تدخلهم في المسائل القومية ومطالبتهم لحقوقهم، ويأتي وصف بطريرك الكنيسة الكلدانية الحالي قداسة مار عمانوئيل دلي الثاني كل كلداني يدعي الآشورية بالخائن ضمن هذا التوجه.

هذه الظروف خلقت ذهنية خاصة بالكثير من الكلدان خاصة في بغداد وبقية المدن العراقية الكبيرة. فمثلاً لو كان قد سأل عربي أحد الكلدان في بغداد أو في إالموصل أو البصرة عن هويته القومية فعلى الأرجح كان سيقول بأنه مسيحي أو مصلاوي (من الموصل) وينكر أو يشعر بنوع من الخجل أو الخوف من القول بأنه من بلدة تلكيف أو تلسقف أو بطناية أو أية قرية كلدانية ذات جذور تاريخية ضاربة في العمق الحضاري. والأكثر من هذا، فالأجيال الكلدانية التي كانت تعيش في المدن الكبيرة خاصة بين الطبقات الغنية والراقية لم تعد الكلدانية هوية لهم، فهم يفضلون المسيحية أو الكاثوليكية، لا بل فالبعض يفضل أسم "العرب المسيحيون" على الكلدان، وهي الحالة التي شجعت مفهوم "العرب المسيحيون" عند حزب البعث العراقي الحاكم وتطبيقه على جميع الطوائف المسيحية في العراق، وإحصاء نفوس العراق عام 1977 مثال تطبيقي على ذلك. وقصة هذا الإحصاء وموقف عموم الكلدان منه معروف للكثير حيث معظمهم تقريباً عبروا عن تسمية قوميتهم إما العربية أن الكردية وكان من بينهم عدد من معارفي وأصدقائي الذين رفضوا رفضاً قوياً طلبي منهم في الكتابة في حقل القومية "كلداني" او "من الناطقين بالسريانية" فأصروا على كتابة "عربي" وذلك خوفاً من مشاكل حزب البعث التي قد تضر بمصالحهم الخاصة. غير أنه على العكس من هذا الموقف المبتعد عن التعبير القومي للهوية الكلدانية إذ عندما أصدر نظام البعث قراره الخاص بتدريس القرآن في المدارس على جميع الطلاب بما فيهم المسيحيين وكذلك قرار إلحاق الكنائس ورجال الدين المسيحيين بوزارة الأوقاف في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وقف الكلدان وعلى رأسهم مثلث الرحمات مار بولص شيخوا موقفاً صلدا تجاه هذين القرارين وقابل وزير الأوقاف والشؤون الدينية مدافعاً عن كنيسته ورجالاتها كما قابل طارق عزيز، ويقال بأنه غرز عكازته في صدر طارق عزيز مهدداً  بالنتائج الوخيمة التي سيجنيها العراق عموماً من تطبيق هذين القرارين. 

في عام 1992 عندما أقر برلمان إقليم كردستان العراق اعتماد اللغة السريانية كلغة تعليم وتعلم في المدارس ذات الأغلبية المسيحية رفض الكثير من الكلدان إرسال أبنائهم إلى هذه المدارس أو نقلوهم منها بحجة أن التعلم باللغة الكردية أو العربية خير لمستقبل أطفالهم من التعلم بالسريانية وإن السريانية لا "توكل الخبر" فللبعض من هؤلاء كانت السريانية العظيمة، لغة سيدنا المسيح، مجرد "كلام فليحي" ، أي لغة الفلاحين، أوطئ وأحقر الطبقات الاجتماعية في العقلية العراقية. ومن سخرية الأقدار أن نرى مثل هؤلاء المستنكفين من السريانية العظيمة يقفون اليوم خلف المايكروفونات ويظهرون على شاشة التلفزيون ويحسبون أنفسهم حماة هذه اللغة ورعاتها، وهي ظاهرة محمودة لا بأس بها طالما يشجعون تدريس هذه اللغة، ولكن نأمل أن يستمروا في موقفهم هذا من دون أعتبار أو تخوف من ظروف سياسية أو إقتصادية أو مالية مختلفة.

وأخيراً يجب التوضيح بأن حالة التخوف من السياسة والابتعاد عن المطالبة بالحقوق القومية لم تكن حالة محصورة في الكلدان فحسب بل كان هناك عدد من أبناء الطائفتين المشرقية "النسطورية" والسريانية الأرثوذكسية كانوا بنفس حال الكلدان يتخوفون من التدخل في السياسة أو المطالبة بحقوق قومية أو المجاهرة علناً عن إنتمائهم القومي، غير أن حال هؤلاء كان إستثناءاً وليس عاماً كما كان معظمهم تقريباً لا ينكر إنتماؤه القومي سواء أكان ضمن نطاق ضيق أو واسع وقادراً على التمييز بين ماهو قومي عن ديني.

الكلدان والإطار المتاح في التعبير عن الهوية:
من خلال ما تقدم من تاريخ مختصر حول موقف الكنيسة الكلدانية والكلدان من السياسة القومية أو الفكر القومي يمكن أن نستخلص والقول بأن الكنيسة الكلدانية بقية ككنيسة أصيلة ومؤمنة بمبادئها ومخلصة في إرشاد مؤمنيها نحو الطريق الصحيح في فصل الكنيسة عن السياسة، فالكنيسة لم تتدخل في السياسة ولا في المسألة القومية ولا طالبت بحقوق قومية ولا ادعت بأن لإتباعها قومية أو أثنية متميزة ومستقلة وذلك لسبب بسيط جداً وهو لأنها كنيسة، الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، والتي كانت ولازالت تمثل الكلدان ومصالحهم  تمثيلاً ناجحاً ومخلصاً فكانت الأطار الأمثل والمتاح في تعبير الكلدان عن هويتهم الذاتية وإنتماؤهم. لهذا السبب لم يكن هناك أبداً حاجة للكلدان لتأسيس أحزاب سياسية أو منظمات قومية خاصة بهم طالما كانت هويتهم الكلدانية ومصالحهم العامة محددة بالكنيسة والتي مارست واجبها بكل نجاح في تمثيل هذه الهوية، وهي الحالة التي أضفت أن تجعل من الكلدان طائفة ضمن طوائف أخرى لكنيسة المشرق تجمعهم جميعاً مقومات قومية مشتركة تجعل منهم قومية متميزة عن بقية القوميات العراقية بغنى عن التسميات المتعددة لهذه القومية المشتركة أو إنكار لهذه التسمية أو تفضيل التسمية الأخرى، فكلها مواريث تراثية تغنى واقعنا وتزيده ثراءً فيما إذا تعاملنا معها بعقلانية بعيدا عن التعصب الطائفي. 

غير أن هذا لا ينفي بأنه لم يكن للكلدان طموحات سياسية وقومية أو لم ينتموا إطلاقاً إلى أحزاب ومنظمات قومية، إذ ألتحق بعضهم بالحركة القومية الآشورية في بداية القرن الماضي كما التحقوا فيما بعد بالاتحاد الآشوري العالمي (خويادا) وبالحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا). والبعض الآخر ألتحق بأكثر المنظمات والأحزاب ثورية في العراق التي تبنت الكفاح المسلح في مقاومة الحكومات العراقية المركزية لا بل بعضهم شارك في تأسيسها كالحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني غير أن إنتمائهم إلى هذه الأحزاب كان بصفتهم الآشورية أو الأممية أو العراقية وليس بصفتهم الكلدانية.

يدعي البعض إن سبب عدم تأسيس الكلدان أحزاب سياسية أو منظمات قومية خاصة بهم يرجع إلى تخوفهم من سطوة الحكومات الاستبدادية التي أعقبت على السلطة في العراق وبدلا من ذلك لجئوا إلى تأسيس أحزاب سياسية عراقية أو الانضمام إليها من أجل ضمان حقوقهم غير أن هذا غير صحيح إطلاقاً، فالكرد والتركمان والآشوريون وحتى الأرمن كانوا قد تعرضوا إلى اضطهاد نفس الحكومات لا بل أكثر بكثير من الكلدان ولكن في عين الوقت أسسوا لهم أحزاب سياسية قومية لأن كل واحد منهم كان بمثابة قومية أو أثنية مستقلة عبرت أحزابهم عن طموحاتهم القومية. في حين كانت الكنيسة للكلدان خير من تمثل طموحاتهم  ولم تكن هناك حاجة لأحزاب سياسية أو منظمات قومية خاصة بهم تقوم بهذه المهمة التمثيلية. وصحيح جداً  بأن بعض الكلدان انضموا أو أسسوا أحزاب سياسية عراقية وأكثرها شهرة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني ووصل بعضهم إلى مستويات قيادية والبعض الآخر لعب دوراً بطولياً في نضالهم ضد الأنظمة الدكتاتورية في العراق، ولكن عملوا كل ذلك لأن هذه الأحزاب كانت تمثل وتضمن مصالحهم القومية مثل الحركة الديمقراطية الآشورية أو مصالحهم وحقوقهم العراقية العامة مثل الحزب الشيوعي العراقي أو مصالحهم وحقوقهم الإقليمية مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني ولم تكن تمثل مصالح وحقوق الكلدان بشكل خاص. فقد أنظم الكلدان إلى هذه الأحزاب كآشوريين وأمميين عراقيين وكردستانيين. إذن فأنه ليس من المنطق والمعقول القومل بأن الكلدان الذين تعرضوا دوماً  لاضطهاد الأنظمة العراقية وبالتالي تجنبوا تأسيس أحزاب سياسية ومنظمات قومية خاصة بهم في الوقت نفسه شاركوا في تأسيس أو انظموا إلى أكثر الأحزاب السياسية ثورية والتي كانت وعلى الدوام معرضة لاضطهاد الحكومة العراقية ومطاردة السلطات الأمنية كالشيوعي العراقي والكردستاني الديمقراطي والحركة الديمقراطية الآشورية.

والآن، وبعد أكثر من قرن ونصف القرن بدأ الكلدان بتأسيس أحزاب سياسية ومنظمات قومية خاصة بهم وشرع الآخر بالمجاهرة بقوميته الكلدانية ومطالبة حقوقها القومية الخاصة بها... ترى هل هو "وعي قومي متأخر" في مقارنته مع عصر القوميات الذي نشأ في القرنين الماضيين أم هي "نهضة الكلدان" كما يسميها غبطة المطران مار سرهد جموا، أم هي ظاهرة املته ظروف العراق الإستثنائية التي جعلت من الطائفية مصدراً أساسياً في إنتماء الفرد وتكوين التنظيمات السياسية على أساسها، أم هو "موديل" يتبجح به البعض من أجل الاستهلاك السياسي والقومي لتحقيق أغراض طائفية ضيقة أو مصالح شخصية وبقصد مواجهة الحركة القومية والأحزاب التي هيمنة عليها من قبل أبتاع بقية فروع كنيسة المشرق وتحديداً "النساطرة" والسريان الأرثوذكس.... أسئلة يستوجب بحثها في القسم الثالث من هذا المقال. 



315
الكلدان والدعوة القومية - 1

أبرم شبيرا

 
كلمة لابد منها:
استخدم التسمية الكدانية أو الكلدان في هذا الموضوع حصرياً بأتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية لتعني مفهوم الطائفة الكلدانية بغنى عن المفاهيم الأخرى القومية واللغوية والتراثية والجغرافية لهذه التسمية. فهذا الحصر الطائفي لهذه التسمية والتي فرضتها ضروريات البحث التاريخي الموضوعي لا يعني إلغاء المفاهيم والمعاني الأخرى لهذه التسمية التي تداولت لعقود طويلة وآمن بها أتباعها وتجذرت فيهم. فالتاريخ لا يمكن أن يلغى ببعض السطور كذلك يجب أن لا يلوى هذا التاريخ بشكل سافر ليعني معنى آخر بعيداً عن الواقع العملي لمجرد أن يتماشى مع متطلبات هذا العصر ويتوافق مع معتقدات ومصالح الب. هناك حقيقة تاريخية بخصوص الكلدان سواء قبلناها أم رفضناها، فهذه حالة ذهنية للفرد في قبول الواقع أو رفضه، تبين بأنه إبتداْ من عام 2000 تقريباً بدأت دعوات قومية كلدانية تدعو إلى إعتبار الكلدان قومية مستقلة وتطالب بحقوق قومية وسياسية خاصة بها وعلى أساسها تأسست جمعيات وأحزاب سياسية كلدانية وهي ظاهرة جديدة ظهرت في الألفية الثالثة ويستوجبها الكثير من البحث الموضوعي والتقصي التاريخي الواقعي. غير أنه من المؤسف له أن مثل هذه الظواهر المهمة تثير الكثير من الحساسية خاصة في هذه الفترة التي يحتدم النقاش والنزاع حول التسمية القومية وبالتالي يتجنب كتابنا ومثقفينا الكتابة عنها أو مناقشتها خشية من النقد والتهجم والتجريح الشخصي الذي يسود معظم الكتابات النقدية في هذه الأيام. ومع كل هذا فأن هذا المقال هو محاولة بسيطة للغور في هذه الظاهرة وصدرنا مفتوح وكالعادة لكل الانتقادات البناءة والملاحظات العلمية.
     
الخلفية التاريخية:
في منتصف القرن التاسع عشر تحددت المعالم الرئيسية للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية واستقرت أمورها القانونية والرسمية وتحديداً في شهر كانون أول من عام 1847 عندما ثبت الفاتيكان مار يوسف أودو بطريركاً على الكنيسة وأطلق عليه ولأول مرة أسم بطريرك بابل على الكلدان بعد أن خضع للفاتيكان فيما يخص قضية أتباع الكنيسة في ماليبار الهندية، ثم اعترفت السلطات العثمانية بالكنيسة وشملتها بنظامها المعروف بـ "نظام الميليت" الذي كان ينظم العلاقة بين المسلمين الحاكمين والمسيحيين الخاضعين. فمنذ تلك الفترة بقيت الكنيسة الكلدانية ورعيتها دائماً وبشكل مستمر موالون للسلطات المركزية والمحلية ولم يتدخلون في المسائل السياسية إطلاقاً ولم يطالبوا بحقوق سياسية أو قومية ولا ادعوا بأنهم يشكلون قومية معينة أو اثنية خاصة بأتباعها منفصلة أو مختلفة عن بقية أتباع فروع كنيسة المشرق وتحديداً أتباع كنيسة الأم، الكنيسة "النسطورية".

فمنذ نشوء الفكرة القومية وقفت الكنيسة الكاثوليكية وبشكل عام موقفاً مضاداً للأيديولوجية القومية وحاربت كل حركات التحرر القومي. ففي عام 1894 عقد مجمع كنسي من خمسة وثلاثين أسقفاً في فينا عاصمة النمسا حول التحرر القومي والفكرة القومية الداعية إلى انفصال الأقاليم الخاضعة للإمبراطورية الواحدة وتشكيل الدول القومية منها على أساس اللغة والثقافة والتاريخ. ففي بداية اجتماعهم صلوا وتضرعوا لله ليحفظ الإمبراطور فرانز جوزيف (1830 – 1916) إمبراطور النمسا والمجر، الذي  "أستلم نعمة من السماء في حماية وتقوية وتوحيد الشعوب في إمبراطورية واحدة" وفي ختام اجتماعهم أعلنوا بأن " اختلاف الشعوب في اللغة، وهو الأساس الرئيسي للفكرة القومية، هو نتيجة خطيئة ومعصية الإنسان ودليل على غضب الله على عليه".

كان من الطبيعي أن تتأثر الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وأتباعها بهذا التوجيه العام والرسمي للكنيسة الكاثوليكية وأن تتحدد مصالحها واهتمامها ونشاطها بالأمور الكنسية والطائفية فحسب من دون شيء آخر. ولكن عندما وصلت الفكرة القومية وأفكار التحرر القومي، ومنها حق تقرير الشعوب لمصيرهم إلى الناطق العثمانية، وألهب الشعوب المحبة للحرية والاستقلال بدأت الأمور بالتغير، كما بدأ موقف الكنيسة الكاثوليكية بشكل عام بالتغير أيضاً وعدم معارضتها لهذه الحركات بل تأييد بعضها، ولكن موقف الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وأكليركيتها ورعيتها لم يتغير أبداً فبقى كما كان في السابق.

أثناء الحرب العالمية الأولى أعلن الأتراك الجهاد (الحرب المقدسة) ضد المسيحيين شاركت فرنسا، "حامية الأقليات المسيحية الكاثوليكية في الإمبراطورية العثمانية"، في الحرب ضد الأتراك، غير أن الكنيسة الكلدانية بقيت على نفس موقفها السابق وموالية للسلطة العثمانية المتهاوية، بل وأكثر من ذلك، حيث وقفت بالضد من بعض أتباعها الذين شاركوا في الحركة القومية أو الذين أيدوا وروجوا الأيديولوجية القومية الآشورية. وقد كان مثل هذا الموقف فرصة مناسبة للأتراك لاستغلاله ضد الحركة القومية الآشورية الناشئة التي كانت بقيادة بطريرك كنيسة المشرق "النسطورية". فعندما اغتيل بطريرك هذه الكنيسة مار شمعون بنيامين في آذار عام 1918 من قبل المجرم سمكو آغا زعيم قبائل الشيكاك الكردية المشاكسة وتولى من بعده كرسي البطريركية أخوه مار شمعون بولص، حاولت السلطات التركية استغلال هذا الوضع المأساوي عن طريق البطريرك الكلداني مار عمانوئيل الثاني لقبول مار شمعون بولص العروض المغرية التي عرضت عليه مقابل الخضوع للسلطات التركية والتنازل عن المطالب القومية إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل. وعندما توفي البطريرك مار شمعون بولص في عام 1920 لم يكن لأتباعه كنيسة في بغداد لإجراء مراسيم الجنازة والدفن فطلبوا من البطريرك مار عمانوئيل الثاني بأجراء تلك المراسيم في كنيسة كلدانية غير أنه رفض طلبهم، فاضطروا اللجوء إلى الأرمن حيث تم قبول طلبهم وأجريت مراسيم الجنازة والدفن في الكنيسة الأرمنية. والموقف كان نفسه مع النازحين من حيكاري من أتباع كنيسة المشرق "النسطورية" في الموصل عشية إنتهاء الحرب الكونية الأولى حيث رفض الكلدان السماح لهم بإداء مراسيمهم الكنسية في الكنائس الكلدانية خوفاً من المشاكل التي ستأتيهم من جراء مشاركة هؤلاء في مقاومة السلطات العثمانية، وقضية تقرير مصير ولاية الموصل كانت لازالت قيد البحث حول عائديتها للعراق أم لتركيا، في حين سمحت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية لهم في إقامة قداديسهم في كنائسها.

الكلدان والحكم البريطاني في العراق
تغير العالم كله بعد الحرب العالمية الأولى ولم يتغير إطلاقاً موقف الكلدان من المسألة القومية والمطالبة بحقوق خاصة بهم. فقد زالت الإمبراطورية العثمانية ونشأت حركات قومية جديدة بما فيها العربية واليهودية والآشورية والكردية والأرمنية، وتأسست الدولة التركية الحديثة ودول قومية أخرى ومنها دول عربية جديدة كما شكل من القسم الأكبر من بلاد ما بين النهرين دولة العراق الحديثة. وطبقا لهذه المجريات السياسية تحدد أيضا مسار الحركة القومية الآشورية، ولكن كل هذه العاصفة التي أحدثتها الحرب الكونية الأولى والنتائج التي ترتبت عليها لم تزحزح الموقف المبدئي للكلدان من عدم التدخل في السياسة أو تبني مسألة قومية أو المطالبة بحقوق قومية. غير إن هذا لا ينفي بأنه بعد إنهيار النظام الإقليمي وزوال السطلة العثمانية بدأ بعض المجموعات الأثنية والطائفية وحتى البدوية المطالبة بحقوقها وإرسال الطلبات إلى مؤتمر الصلح في فرساي في فرنسا (1919 – 1920) ومنهم مجموعة من الكلدان. غير أنه سرعان ما أن تأسست دولة العراق وأستقرت الأوضاع الاقليمية اختفت مطالب الكلدان ولم يعد أحد يطالب بحقوق معينة أو متميزة ضمن الدول الحديثة التي تأسست، بل على العكس من هذا تماما فقد أكدوا خلال هذه الفترة وما بعدها على إخلاصهم وولاءهم للسلطات الحكومية مطبقين قول الرسول متي الإنجيلي عندما قال "أعطوا لقيصر ما لقيصر ولله ما لله" (متى 22:21) و متابعين قول القديس بولص عندما قال مخاطباً الرومانيين "على كل نفس أن تخضع للسلطات الحاكمة. فلا سلطة إلا من عند الله، والسلطات القائمة مرتبة من قبل الله. حتى إن من يقاوم السلطة، يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيجلبون العقاب على أنفسهم" (رسالة إلى مؤمني روما: 13).

هكذا في كل الأماكن والأزمان بقيت الكنيسة الكلدانية، ككنيسة حقيقية بعيدة عن السياسة، وظل أكليريتها، باعتبارهم أكثر المؤمنين ثقافة ودراية في كنيسة المشرق بجميع فروعها، مخلصين لكلمة الله ومتابعين لتعاليم ربنا يسوع المسيح بأسلم الطرق وأدقها. ففي فترة الحكم البريطاني المباشر للعراق (1917 – 1921)، أجرى مكتب المفوض البريطاني المدني في العراق استفتاءا شعبياً بين جميع فئات وطبقات وطوائف وملل وعشائر الشعب العراقي حول طبيعة ونوعية الحكم الواجب أقامته في العراق ، فكان جواب الطائفة الكلدانية كما يلي "نحن جماعة الطائفة الكلدانية الكاثوليكية، نحي إمبراطورية بريطانيا العظمى التي حررتنا من عبودية الأتراك ومن السخرة التي مورست ضدنا. نتوسل لعنايتكم أن نبقى تحت ظل الإمبراطورية البريطانية حتى نكون مثل بقية الشعوب نعيش في دولة متقدمة ومزدهرة، ونصلي دوماً لجلالة الملك جورج الخامس الجالس بسعادة على العرش – موقع من قبل البطريرك الكلداني مع 30 شخصية معروفة من الكلدان الكاثوليك في الموصل" (أنظر وثيقة – تقرير المصير في العراق – مكتب المفوض المدني  1914 – 1917 ، المكتبة البريطانية – رقم الوثيقة ST. 48/14  ).

الكلدان والحكم العربي في العراق
في عام 1921 تأسست الحكومة المدنية العراقية وفي عام 1932 رفع الانتداب البريطاني على العراق وأعلن العراق كدولة مستقلة وقبل عضواً في عصبة الأمم بدون إلزام هذه الدولة الفتية بأية ضمانات أو مسؤوليات تجاه حماية الأقليات في العراق، في الوقت الذي كانت الحركة القومية الآشورية في قمة غليانها والتي عرفت في التاريخ السياسي العراقي بـ "المسألة الآشورية" المتوارثة من الحقبة العثمانية من دون حل. زادت هذه الظروف المتوترة والحساسة التي أحيط بها أتباع كنيسة المشرق "النسطورية" من مخاوف الكلدان من التورط في السياسة والمطاليب القومية فاستمروا موالتهم للسطلة الجديدة وتجنب المطالبة بأية حقوق أو إمتيازات قومية وسياسية خاصة بهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يذكر جون جوزيف الباحث المعروف في الشؤون الآشورية والنسطورية في كتابه (النساطرة وجيرانهم) "بأن زعماء الطوائف المسيحية بما فيهم الكلدان كانوا على عكس زعماء الطائفة النسطورية قد أبدوا ولاءاً مطلقاً للحكومة العراقية وعدم مطالبتهم بأية حقوق قومية أو سلطات زمنية أو إمتيازات خاص بهم. فعندما أجاز الدستور العراقي عام 1927 فرصة تمثيل الأقليات غير المسلمة في مجلس النواب عارض رجال الدين الكدان ذلك مؤكدين بأنهم لا يسعون إلى حقوق سياسية خاصة بهم بل أكدوا وضع ثقتهم المقرونة بالمحبة والود في أبناء وطنهم من المسلمين في هذا الشأن السياسي". وهناك كتاب آخرون يؤكدون بأن زعماء هذه الطوائف كان يعتقدون بأنه مجرد التفكير بنوع من الاستقلال الذاتي أو المطالبة بحقوق قومية أو الإدعاء بها هو تهديد خطير لإستقرارهم ووجودهم في العراق وسوف يصبهم من الويلات والمصاعب ما أصاب أتباع الكنيسة "النسطورية". (أورده الكاتب روبرت قليتا – أنظر مجلة الإكاديمية الآشورية – المجلد السابع – ص 14). غير إن هذا الإبتعاد عن السياسة والمطالبة بإمتيازات لا يعني بأن بعض الشخصيات الكلدانية لم تحترف السياسة أو شاركت فيها، حيث كان البطريرك مار عمانوئيل الثاني عضواً في مجلس الإعيان (كان البرلمان العراقي يتكون من مجلسين: مجلس الإعيان ويختارهم الملك و مجلس النواب الذي ينتخب من قبل الشعب) إضافة إليه كان هناك شخص أو شخصين من الطائفة الكلدانية أعضاء في مجلس النواب إلا أن جميعهم كانوا إما بصفتهم الشخصية أو الدينية ممثلين عن المسيحيين ولم يكن أحد يدعي بأنه ممثل للكدان بصفة قومية خاصة.

الكلدان ومذبحة سميل – 1933
كتب الكثير عن مذبحة سميل غير انه قليل ما كتب، أو لم يكتب بالأحرى، عن النتائج السياسية والقانونية التي ترتبت على أبناء شعبنا وبالأخص من الطائفة المشرقية "النسطورية. فالنتائج لم تكن مادية وجسدية وديموغرافية فحسب والتي شملت في بعض مراحلها الكلدان أيضا خاصة معاناة الألقوشيين أثناء الوقفة البطولية في حصار ألقوش أو القرى الكدانية الأخرى التي كانت معرضة للنهب والسلب. فلمذبحة سميل نتائج قانونية وسياسية وإجتماعية أيضا، حيث أقرت الحكومة العراقية على أثر هذه المذبحة قوانين وأنظمة وسياسات حرمت الآشوريين من أتباع كنيسة المشرق "النسطورية" من أبسط حقوق المواطنة، بعد أن نفت بطريرك كنيستهم مار شمعون إيشاي وعائلته وبعض من مساعديه وجردتهم من الجنسية العراقية وأصبح موضوع الحصول على الجنسية العراقية شائكاً ومعقداً نتيجة للعقليات والسلوكيات التي تكونت لدى السطات العراقية تجاه الآشوريين. حيث كان يستوجب على طالب الجنسية العراقية أن يوقع تعهداً رسمياً في دائرة الجنسية بأن لا يطالب بأي حقوق قومية أو إنشاء موطن أو دولة آشورية وأن يثبت بأن هو ووالده وبشهادة شاهدين لم يشاركا في الحركة الآشورية لعام 1933.  وبأختصار حرموا من أبسط حقوق المواطنة والإنسان التي كان قد أقرها الدستور. إذ أصبح الآشوريون بنظر السلطات الرسمية مجرد حفنة مهاجرة إلى العراق وخونة وعملاء الإستعمار البريطاني وهم مصدر للقلاقل والفوضى والتمرد يعرضون العراق إلى الخطر والتدخل الأجنبي (للتفصيل أنظر كتابي: الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دار الساقي – بيروت 2001)

كان من الطبيعي أن تترك هذه السياسات الإستبدادية تجاه الطائفة النسطورية آثار سلبية عميقة على بقية الطوائف المسيحية وبالأخص الكلدان موضوع بحثنا حيث أستمر الخوف من السياسة القومية بشكل أوسع مهيمناً على عقولهم فزاد بذلك ولائهم للحكومة الجديدة وإخلاصهم لها مع بقائهم أكثر عزلة عن السياسات القومية أو المطالبة بأية حقوق قومية أو أثنية خاصة معتقدين بأن مثل هذه المطالب القومية لا تجلب لهم سوى المذابح والدمار وغضب الحكومة مثلما أصاب أبناء الطائفة المشرقية "النسطورية". هكذا بقى الكلدان مخلصون وبشكل مستمر لجميع الحكومات التي تعاقبت على السلكة في المنطقة إبتداءً من العثمانيين فالإنكليز ثم العرب ومن دون أن يتدخلوا في السياسة القومية أو يعلنوا إستقلاليتهم الأثنية أو القومية عن بقية الطوائف الأخرى التي تجمعهم معهم جامع قومي مشترك وأقصد الطائفة المشرقية "النسطورية" تحديداً.
أنتهى القسم الأول ويليه القسم الثاني.

316
نيسان التأسيس والمسيرة القومية – 3
بين الإتحاد الآشوري العالمي والحركة الديمقراطية الآشورية


أبرم شبيرا
سبق وتطرقنا في القسمين الأول والثاني عن الإتحاد وزوعا وبمناسبة تأسيسهما في نيسان وذكرنا بأنه بسبب إختلاف طبيعة تأسيس وظروف كل واحد منهما جعل الحديث عنهما مختلفاً بعض الشيء. والآن نحاول بقدر المستطاع المقارنة بينهما وهي مهمة ليست بالسهل بسبب قلة المعلومات التفصيلة عنهما خاصة بالنسبة لزوعا إضافة إلى كونها مهمة جديدة من نوعها في المقارنة بين تنظمين قوميين من تنظيمات شعبنا ولكن مع هذا سنحاول بقدر المستطاع تحقيق هذه المهمة رغم القصور الذي سيشوبها والذي نأمل من مؤسسي التنظيمين أن لا يبخلوا على شعبنا في ملئ الفراغ الكبير الذي نعانينه في التوثيق السياسي.

1.   من حيث ظروف السياسية: تأسس الإتحاد ضمن ظروف إقليمية وعالمية وبتأثير منهما من جهة وظروف وطن الأم، العراق من جهة أخرى، وكان تأثير الظروف الأولى ووقعها وفاعليتها أقوى بكثير من الثانية وهذا يظهر بكل وضوح في غياب موفودين من العراق مباشرة عند تأسيس الإتحاد. وقد إختصرنا هذه الظروف في نقطتين في القسم الأول من الموضوع. أما بالنسبة لزوعا فقد تأسس في ظروف عراقية صرفة متأثرة بنوعية السياسة التي مارستها أنظمة الحكم في العراق تجاه الآشوريين والتي تصاعدة حدتها في زمن نظام حزب البعث. تأسس الإتحاد في ظروف أكثر شفافية وديمقراطية وفي بلد أوربي ديمقراطي (مدينة باو في فرنسا) في حين تأسس زوعا في ظروف صعبة وعصيبة ومحفوفة بالمخاطر والمهالك وفي ظل نظام عرف بالإستبدادية (نظام البعث في العراق). أي بعبارة أخرى الإتحاد تنظيم مهجري في حيث زوعا تنظيم وطني.
2.   من حيث المؤسسين: تأسس الإتحاد من شخصيات معروف في المجتمع على مستويات إجتماعية وثقافية أكثر من سياسية ومعظمها من المقيمين في المهجر وكانت المبادرة من جهة ثقافية، على الأقل من حيث الشكل، في حيث كان مؤسسو زوعا معظمهم من الشباب وطلاب الجامعات ولم يكونوا معرفين على المستويات الإجتماعية والثقافية في الوطن ولا في المهجر كما جاء زوعا إلى الوجود من إندماج وتوحد بعض التنظيمات القومية الصغير.
3.   من حيث التنظيم الهيكلي: كان بحكم ظروف التأسيس والتكوين أن يكون تنظيم الإتحاد عالميا مفتوحاً يقارب أسلوب الجمعيات أو جماعات الضغط ويتوافق مع طبيعة الإنظمة الديمقراطية التي نشط فيها ومع أوضاع مجتمعنا المشتت في إرجاء العالم. في حين كان تأسيس زوعا قائماً على تنظيم الخلايا والمحليات والفروع والمعروف بتنظيم لينين، مؤسس حزب الشيوعي الروسي. وهو التنظيم الذي يتوافق مع ويتحصن من السياسات الإستبدادية التي تمارسها السلطة ضد معارضيها، وبالنتيجة يكون النظام الداخلي للإتحاد مختلفاً كلياً عن النظام الداخلي لزوعا.
4.   من حيث العضوية: عضوية الإتحاد قائمة على إنضمام الأحزاب والجمعيات والأندية وغيرها إليه ولكن مع هذا شهد الواقع إنضمام الأفراد إليه أيضا. ومن المعلومات المتوفرة لدينا أن هذه الأحزاب والجمعيات تدفع إشتراكاتها العضوية ولكن ليس لدينا معلومات عن دفع الأفراد إشتراكات عضويتهم في الإتحاد. في حين عضوية زوعا قائمة على الأفراد ويتطلبها إجراء تنظيمية معينة عند طلب الفرد الإنضمام إليها وهناك إشتراكات محددة يدفعها العضو.
5.   من حيث الإلتزام: إلتزام العضو في الإتحاد هش وتقريباً غير موجود أو قد يكون بشكل غير مباشر وعن طريق الجمعية التي ينتمي إليها وحتى هذا يفقد أهمية الإلتزام بالإتحاد لأن الكثير من أعضاء هذه الجمعيات والأندية لا يعروفون فيما إذا كانت جمعيتهم أو ناديهم مرتبط بالإتحاد أم لا. في حين الإلتزام في زوعا موجود وواجبات العضو وحقوقه واضحة ومبينة في النظام الداخلي يتسوجب عليه الإلتزام الصارم بهما وإلا خضع للمحاسبة الحزبية.
6.   من حيث المضمون: بسبب طبيعته التشكيلية القائمة على مجموعة من التنظيمات الإجتماعية والثقافية والرياضية وحتى السياسية فأن مضمون الإتحاد لم يتحدد بالسياسة فحسب بل خلط الأمور الثقافية والإجتماعية بالأمور السياسية والقومية في حين المضمون الوحيد والواضح لزوعا هو السياسة فحسب و لاغيرها. غير أن هذا لا ينفي وجود منظمات نسائية وشبابية وخيرية مستقلة ولكن ملحقة بزوعا. فالمنظمات الملحقة تكون لها إستقلالية مالية وإدارية ولكن تسعى إلى تحقيق أوإلى إكمال أهداف تصب في نهاية المطاف في أهداف الحزب.
هذا بشكل مختصر عن بعض وليس كل نقاط الإختلاف بين الإتحاد وزوعا والذي كان الهدف من هذا العرض هو بيان إختلاف طبيعة ونوعية ونشاط وهدف كل واحد منهما. فزوعا كتنظيم سياسي حزبي مارس السياسة وشارك في نشاطات سياسية وإنتخابية وحصل مقعد أو مقاعد في البرلمان العراقي أو في برلمان إقليم كردستان وعقد تحالفات سياسية وحزبية مع غيره من أحزاب أمتنا أو الأحزاب العراقية. وكان من المفروض للإتحاد أن يمارس نشاط يتوافق مع طبيعته في كونه تجمع فدرالي مهمته الأساسية هو التنسيق بين المؤسسات والجمعيات التي تنظوي تحت لوائه وتمثيلها على المستويات الإقليمية والدولية. فإذا كان قد وفق بعض الشيء في الحصول على عضوية في واحد أو أثنين من التنظيمات العالمية غير الحكومية فأن الواقع خلال أربعة قرون من عمر الإتحاد يبين بكل وضوح عدم توفيقه في المجالات القومية الأخرى والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى التناقض الفاضح الذي أوقع الإتحاد نفسه فيه والذي تمثل في خروجه عن "جلده" وإلباس نفسه جلداً آخر لا يتوافق مع طبيعة وأهداف تأسيسه.

لا شك فيه إطلاقاً أن الفكرة التي تأسس الإتحاد من أجلها هي فكرة نبيلة وقويمة كما سبق وأن أكدنا عليها مراراً وتكراراً غير أن الفقر في الأدوات التنفيذية والممارسة الواقعية جعلت من هذه الفكرة مجرة فكرة مطلقة مثالية لم يستطيع أن تنقلها إلى الواقع العلمي. فكما سبق وأن شرحنا بأن الطبيعة الفدرالية للإتحاد جعله أن يكون تنظيماً تنسيقياً وممثلاً لتنظيمات وأحزاب وجمعيات أمتنا غير أن الواقع يظهر بأن مثل هذه المهمة لم تتحقق فالمتحكمين في شؤون إدارة الإتحاد يظهر بأنه لاعلاقة لهم بالنتظيمات الملحقة أو المنضمة للإتحاد. فمثل هذا الإنظمام ماهو إلا شكلياً فقط ذلك لأنه لا نرى أي ممثل من هذه التنظيمات عضواً في اللجنة التنفيذية للإتحاد فهذه الأخير ما هي إلا مجرد مجموعة أشخاص لا يعرف عنهم حتى طريقة إنتخابهم ولا يمثلون إلا أنفسهم ويتصرفون تماماً كما تتصرف الأحزاب السياسية أو تنظيمات قومية أخرى ويدخلون في تحالفات ويعقدون مؤتمرات قومية مع غيرهم من الأحزاب والتنظيمات القومية في حين كان يجب أن يكون هو المظلة التي يجتمع هؤلاء في ظلها.

أدرك بعض قادة الإتحاد هذه الإزدواجية في خلط الأمور السياسية  مع غيرها من الأمور لذلك، وقبل أكثر من عقديين من الزمن، لجاً إلى تأسيس ما سمي بـ "الذراع السياسي" ليكون الواجهة السياسية للإتحاد في تعامله بالشؤون السياسية والحزبية. وفعلا بدأ الذراع السياسي وبقيادة بعض أعضاء الإتحاد المتمرسين والضالعين في الشؤون السياسية والقومية بالنشاط المكثف فعقدوا تحالفات مع بعض التنظيمات والأحزاب السياسية للآشوريين كما عقدوا مؤتمرات ولقاءات مع مجموعات سياسية عراقية وشاركوا في الكثير من نشاطات المعارضة العراقية قبل سقوم نظام البعث المقبور في العراق مما خلق هذا النشاط نوع من التناقض والصراع بين الذراع السياسي والقيادة المتحكمة في الإتحاد وبالتالي وصلوا إلى الطلاق النهائي بينهم إما بترك أعضاء الذراع السياسي لتنظيمهم أو لجوء البعض منهم إلى تأسيس تنظيم سياسي آخر.

كان الغرض من خلق الذراع السياسي هو تحقيق هدفين: (الأول) إعطاء واجهة سياسية واضحة للإتحاد وبقصد (ثانيا) التعامل بالسياسة بشكل مباشر وسلس ومع بقية الأحزاب السياسية الآشورية. غير أن هذه المحاولة التي كانت تشبه حال من يحاول وضع القدمين في حذاء واحد لم تأتي بالنتيجة المرجوة حيث آلت معظم تحالفات الذراع والإتحاد إلى الفشل بعد فترة وجيزة لا بل لم تكن فكرة الذراع السياسي بالأساس مقنعة لبقية الإحزاب السياسية. فكل هذه الإحباطات أدت بالنتيجة إلى تقلص دور الإتحاد وتراجع سمعته بين أبناء شعبنا ولم يعد له أي نشاط او ذكر إلا في مناسبة ذكرى تأسيسه وهي الذكرى التي بالكاد يسمع الناس عنها لا بل وحتى أعضاء الإتحاد نفسهم. ومن الجدير بالذكر أحتفل الإتحاد في إستراليا بالذكرى الأربعينية للتأسيس في يوم 12 من شهر نيسان 2008  ولكن هناك محاضر الإجتماع الأول للإتحاد تؤكد في إعتبار 10 من نيسان يوم التأسيس.

لقد كان عام 2007 عام الإحباطات للإتحاد حيث أنهى الإتحاد القومي الآشوري الأمريكي المعروف بـ (فيدريشن) والذي يضم أكثر من 34 تنظيماً، أنهى عضويته في الإتحاد وسبب بذلك خسارة معنوية كبيرة له وقد برر الفيدريشن طلاقه من الإتحاد في فشل هذا الأخير تحقيق أي هدف من أهدافه والخروج عن نهجه المعروف والذي من أجله تأسس. وكان الإتحاد أيضا قد تعرض إلى إحباط كبير آخر في عام 2006 عندما إستقال الدكتور عمانوئيل قمبر من منصب السكرتير العام للإتحاد وهو شخصية قومية متمكنة ومتمرسة في المجال القومي والسياسي ولم يعلن في إستقالته إسبابها غير الشخصية منها ولكن المتداول عنها هو أنه إستقال بسبب تصرف بعض أعضاء قيادة الإتحاد بشكل مخالف لنهج الإتحاد، ولم يعد يعرف لحد الآن فيما إذا جرى إنتخاب جديد للسكرتير العام أم لا ولكن من المؤكد أن السيد فريدون درمو من لندن يمارس مهماته كسكرتير عام بالوكالة.
 
أن الغرض من بيان النتائج المحبطة التي وصل إليها الإتحاد ليس طبعاً التقليل من شأنه وتاريخه وفكره والأهداف النبيلة التي كان يسعى إلى تحقيقها، بل الغرض هو إعادة إرسال رسالة أخرى إلى الإتحاد على ضرورة الرجوع إلى الأصول التاريخية للإتحاد والتمسك بها وتعديل ما يمكن تعديله ليتناسب وهذا الزمن. فمن الأخطاء الكبيرة التي إرتكبها الإتحاد هو تصغير وحصر نفسه في شكل حزب سياسي والبدء بالتصرف مثله كمثل بقية الأحزاب الأخرى وفقدان صفته الفدرالية ودعوته في كونه مظلة قومية وبهذا التصرف أفقد ثقة بقية الأحزاب به ولم تستطيع التعامل معه. فكيف  نتصور حزباً سياسياً أن يأتي وينظم إلى الإتحاد وليس له أي دور في رسم سياسته وتطبيقها لا بل والأنكى من ذلك هو تصرف الإتحاد والتعامل مع غيره من التنظيمات الفدرالية التي تتبنى نفس الفكرة فبدى تصرفهم كأنهم مجموعة أحزاب أو زمر سياسية تتصرف بالضد من أحزاب سياسي أخرى. من هنا نقول، لو كان المتنفذين على شؤون الإتحاد فعلاً جادين في صيانة فكرته النبيلة في جمع شمل أبناء الأمة تحت لواء تنظيم عالمي فدرالي عليهم أن يتصرفوا كموظفين في الإتحاد لا كقياديين لحزبن حينذاك يستوجب عليهم توجيه دعوات لجميع الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية وليكن ذلك حصراً بالموجودة في المهجر فقط لعقد إجتماع عام يتم فيه إنتخاب قيادة للإتحاد من ممثلي هذه الأحزاب ومن ثم يتم إختيار هيئة تنفيذية له وبهذه الحالة يمكن، على الأقل نظرياً، الإقتراب من الفكرة الأصلية للإتحاد في تحقيق التنسيق والتعاون بين الأحزاب السياسية والتنظيمات القومية المنضمة إليه وبالتالي يتناغم نشاطهم نحو تحقيق أهداف الأمة أو على الأقل توحيد الخطاب السياسي لهم. 





317
نيسان التأسيس والمسيرة القومية – 2
بين الإتحاد الآشوري العالمي والحركة الديمقراطية الاشورية

أبرم شبيرا

عرضا في القسم الأول مرحلة تأسيس الإتحاد الآشوري العالمي (إتحاد) والأهداف التي رصفها في مؤتمره الأول والآن جاء الدور للحديث عن الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) وقد يتيح لنا المجال الحديث في قسم آخر عن المقارنة بينهما. وقبل الولوج في موضوع تأسيس زوعا وهو يحتفل بـ ذكراه ألـ (29) يجب أن نوضح بأن الأمر هنا سيختلف عما سبق الحديث عن مرحلة تأسيس الإتحاد وذلك بسبب طبيعة الوثائق المتوفرة من جهة والظروف السياسية والموضوعية التي كانت سائدة في فترة تأسيس كل منهما والبلد الذي تم فيه إنعقاد مؤتمر التاسيس من جهة أخرى. لهذا السبب سوف لا يكون الحديث عن زوعاً حديثاً وثائقياً وإنما سيكون بنوع من التحليل السياسي للطبيعة تأسيس زوعا ومسيرتها القومية. وقبل الدخول في تفاصيل الموضوع أود أو أؤكد بكل وضوح مايلي:
1.   أن إستخدام التسمية الآشورية بكثرة جاء ضمن السياق الموضوعي والسياسي وقد استخدمته بشكل عام وواسع ليعني في بعض الأحيان إيضا التسميات الأخرى كالكلدانية والسريانية التي شاع إستخدامهما في المسائل السياسية في السنوات القليلة الماضية.
2.   لقد أخذنا زوعا كنموذج وهي في ذكرى ألـ (29) لتأسيسها وما يرد في هذا الموضوع لا يعني بأنه مقصور عليها فحسب بل ينطبق أيضا على بعض من أحزابنا السياسية الصامدة في أرض الوطن.
**************

أن الإلمام بالحياة السياسية وبأبجدية الحركات القوميــة الأصيلة والنابعة من ضمــير الأمة يستلزم أن نعرف بأن مؤسسات وأحزاب وحركات الأمة هي كيانات حية غير جامدة فهي الأخرى كالكائنات العضوية الحية تمتلك مقومات النشوء والتطور والتقدم وتحمل أيضاً في طبيعتها التطورية جملة تناقضات تشكل الأساس الذي يبنى عليه تقدمها وتأخرها، حياتها وموتها، فهي تحمل مقومات الحياة من حركة ونشاط مثلما تحمل مقومات الموت من جمود وتخلف. من هذا المنطلق يجب أن نعرف بأن تطور حياة الإنسان ليس على الدوام حركة مستمرة إلى  الأمام فحسب بل أن المفهوم الفلسفي لتطور الحياة والإنسان وحتى الحركات السياسية هو المحصلة النهائية الناتجة من جملة تفاعلات قائمة بين التقدم والإخفاق والتي تفرز في نهاية المطاف مقومات التطور والاستمرار لهذه الحركات، وهي الظاهرة التي يمكن تفسيرها  بمفهوم " خطوة إلى الوراء وخطوتان إلى الأمام "، مع التحفظ والاعتذار لكتاب لينين : خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء  .

والحركة الديمقراطية الآشورية، كحركة قومية لم تلد بقرار سياسي محض أو كانت نتاج بحوث أكاديمية أو قرارات رجال السياسة والقانون والمعرفة، وإنما ولدت ولادة طبيعية ومن  مخاض ومعاناة الأمة الآشورية ومن رحمها الشرعي لذلك فهي تمتلك كل مقومات الكائنات الحية التي تنعكس مفاهيمها الفلسفية في الظواهر والكائنات الاجتماعية والسياسية. فإذا كان هذا الإقرار الواضح والصريح بحيوية الحركة الديمقراطية الآشورية وبامتلاكها للمقومات الأساسية في كونها حركة عضوية وحية في تفاعلها مع معاناة وطموحات الشعب الآشوري، فهي أذن حركة طبيعية لها مقومات التطور الواجب توفرها فيها مثل كل الكائنات الحية والعضوية كالتقدم والتعثر وبالتالي التطور لا بل وحتى الموت والفناء. أي بعبارة أخرى إن المفهوم الفلسفي للتطور القائم على "خطوة إلى الوراء وخطوتان إلى الأمام" ينطبق على الحركة الديمقراطية الآشورية عندما نريد الكشف عن المسار السياسي لها ومعرفة مدى تطورها في تحقيق أهدافها ومنهاجها وبالتالي تحقيق طموحات الأمة الآشورية وبجيمع تسمياتها ومكوناتها.
 
من هذا المنطلق يعد من السذاجة الفكرية والضعف  السياسي عندما ينظر إلى مسيرتها السياسية من خلال تعثر وتراجع في خطوة معينة وتقييم تطورها من خلالها ومن دون النظر إلى الخطوات الإيجابية الناجزة. والعكس صحيح أيضا، فلا يجوز النظر إلى مسيرتها من خلال خطواتها الإيجابية فحســب وتجاهل خطوة التعثر والتراجع، بل أن استمرارها وديمومة تواصلها يقوم بالأساس على دفع الخطوات الإيجابية دفعاً أمامياً مع النظر العميق والتفحص الدقيق والنقد النافذ للخطوات السلبية والمعوقات التي واجهتها في مسيرتها هذه واستخلاص الدروس والعبر منها واعتمادها في تصحيح مسار المستقبل. وهذا المنطلق هو الأساس أو المصدر الذي ينبع منه الفكر السياسي الواقعي النير للحركة وتتسلح به في مواجهة التحديات التي تواجه الأمة وتتحصن به أيضا من المفاجئات والاحتمالات غير المتوقعة .

وعلى هذا الأساس، لا يمكن إطلاقا فصل السلبيات عن الإيجابيات في مسيرة كل حركة قومية سياسية، كالحركة الديمقراطية الآشورية. فحتى نفهم معايير تطور مسيرة هذه الحركة لابد من اعتماد المحصلة النهائية لهذا التطور الناتج من تفاعل مجمل عوامل التقدم والتعثر في مسيرتها المتواصلة. أي بعبارة أخرى يجب النظر إلى تطور مسيرتها من خلال الكل وليس الجزء أو من خلال العام وليس الخاص. والعكس من هذا صحيح أيضاً، أي النظر إلى الخاص دون العام هو نظرة أو فكرة  انتقائية وانتهازية مريضة تسعى في مرماها الأخير إلى نقل مرضها وانتهازيتها إلى أبناء هذه الأمة وبالتالي إلى طعنهم في الصميم وتحجيمهم في الخاص الضيق والمظلم دون العام المنفتح وبأسلوب ســادي يقوم على خنق كل محاولة أو نشاط وهو في مهده الأول الذي حتماً تواجهه خطوات سلبية تزداد بزيادة التناقضات المحيطة بها من جهة وبتواصل استمرار مسيرتها من جهة أخرى. ومن هو الخاص الضيق والمظلم بالنسبة للحركات السياسية القومية لأمتنا غير النزعات الطائفية والقريوية والعشائرية والأنانية والتوجهات الشللية والنفعية السائدة في الزوايا العفنة من مجتمعنا والتي لا يستقيم بها المقام إلا في  محاربة الفكر القومي المستقل والأصيل ومنظماته وحركاته الشرعية  .
 
وانطلاقاً من هذا المفهوم ، فان الحركة الديمقراطية الآشورية لا تدعي ولا ترغب إطلاقا الادعاء بأن مسيرتها القومية الطويلة والصعبة تقوم على خطوات في جميعها خطوات ناجحة وعظيمة وأن دعت إلى ذلك فهي مخطئة بالتمام والكمال. فهذه المثالية الخيالية في عالم السياسة والبعيدة المنال لا وجود لها في أفكار ومنهاج الحركة لأنها لا تعتد بالنظريات المثالية والرومانسية في النضال القومي ولا تسلك السلوك الافلاطوني القائم على "الكلام البيزنطي" في عملها السياسي بل تعتمد الممارسة السياسية والتطبيق السياسي للأفكار (Political Praxis) على ارض الواقع في  مسيرتها المأطرة بوعي قومي ناضج نابع من ضمير الأمة ، تلك الأرض المليئة بتناقضات ومعوقات متوارثة ومستديمة  تجاوزها ليس بالأمر السهل والهين. وممارسة زوعا للسياسة الواقعية لا يعني إلا اشتقاق أساس تطورها من مبدأ  الخطأ والصواب المسترشد بوعي قومي قادر على مواصلة مسيرتها وفاعلة في عملية البناء  السياسي للفكر القومي السليم المنير لطريق المناضلين نحو  تحقيق أهداف الأمة المشروعة. ومن يلتصق ضميرياً بهذه الحركة وبغيرها من الحركات السياسية الآشورية الأصلية ويتعمق في فكرها ووجودها سوف يكتشف هذه الحقيقة وبسهولة ومن دون أن يكون تنظيمياً مرتبط بها، ذلك لأن من هو ضميره مرتبط بالداخل وحراً في الخارج يكون قادراً على اكتشاف الحقائق أكثر بكثير من مًن هو في الداخل أو في الخارج فقط ومن دون ضمير ملتزم. والحركة الديمقراطية الآشورية تدرك هذه الحقيقية إدراكاً كبيراً ولهذا السبب نرى الكثير من المثقفين والمفكرين ورجال العلم والمعرفة يرتبطون ضميرياً وفكرياً بها ولكن ليسوا أعضاء فيها ولا طلبت الحركة منهم الانضمام إليها، لأنها تعرف بأن هؤلاء يخدمون الأمة أكثر من خدمتهم وهم في داخل زوعا،  وهذا شعور ينم عن نكران الذات وعن تفضيل مصلحة الأمة على مصلحة الحزب. 

من المؤسف الشديد  أن يسود في جوانب معينة من مجتمعنا ، ولأسباب موضوعية وفكرية ونفسية ، نوع من عدم النضوج الفكري تجاه المسائل السياسية الجادة وتجاه الحركات القومية التي تخوض غمار حرب المواجهة مع التحديات المصيرية للأمة، هذا العجز الفكري أفرز، ولا يزال يفرز،  نوع  من حالات الغموض والارتباك في فهم الفلسفة السياسية لمسيرة الأحزاب والحركات القومية ، بما فيها مسيرة الحركة الديمقراطية الآشورية. والبعض من هذه الحالات لا تخلو من سذاجة فكرية نابعة من أسباب طبيعية ونفسية راكنة في الزوايا المظلمة لنفسيات بعض أفراد مجتمعنا في بناء تصوراتها وسلوكها السلبي تجاه كل الأحزاب السياسية والمسائل القومية بشكل عام والتي فسرناها بـ " عقدة الخوف من السياسة في المجتمع الآشوري" في كتابنا الذي صدر في السنوات القليلة الماضية. كما أن البعض الآخر من هذه الحالات ليس طبيعياً  بل هو مقصود ولأسباب دنيئــة قد تكون قائمة على أسس عشائرية أو طائفية أو مصلحية أو تحزبية أو شخصية صرفه  تجد في تصاعد وتقدم مسيرة زوعا أو غيرها من الحركات السياسية لأمتنا تهديدا خطيراً لوجودها وتوجهاتها والتي هي بالأساس ليست معادية لهذه الحركة أو ذاك الحزب فحسب بل لكل ما هو إيجابي وخير لهذه الأمة.

ولعل من أكثر الحالات إساءة أو غموضاً للفهم هي ظاهرة احتكار القيادة العليا من قبل شخص أو شخصين أو في أحس الأحوال عدد قليل جداً من الأفراد، وبقاءهم فيها، أو كما يسمونها، إعادة انتخابهم أو اختيارهم لفترات طويلة ومن دون إعطاء الفرصة لغيرهم. وشخصياً أكره هذه الظاهرة كثيراً وانتقدها بشدة لأنها هي بالضد تماماً من المفاهيم الديمقراطية التي ننادي بها ليل نهار، خاصة نحن الذين نصبنا خيامنا في المهجر. فهذه الظاهرة تصلح  كمثال في الحديث عن مسار تطور الحركة السياسية الآشورية. لقد إنتقدنا وتهجمنا على ظاهرة إحتكار قمة القيادة في أحزابنا السياسية قبل شخص  ووصفناه بحب السيطرة والظهور، وإلى غير ذلك من الوصفات والشتائم، لا بل شخصياً وصفت هذه الحالة وكأنها تقليداً لسياسة العرب في الحكم بعقلية شرق أوسطية، وهي ظاهرة لا شك فيها إطلاقاً بأنها تحمل جوانب سلبية خطيرة تؤثر كثيراً على مسار التنظيمات السياسية الآشورية وتفقد مصداقيتها وشعبيتها بين الجمهور الآشوري.

ولكن هذه الظاهرة السلبية التي تعتبر نوع من التراجع في مسيرة القومية السياسية والاستمرار بها هي خطوة إلى الوراء، يجب أن لا ينظر إليها كحالة خاصة فقط ، كما سبق ذكره،  من دون أخذها ضمن الظروف العامة، خاصة الإمكانيات السياسية لمجتمعنا، وضمن الخطوات الإيجابية الأخرى التي تتفاعل معها وتحاول التقليل من سلبياتها من أجل دفع المسيرة نحو الأمام. فمن الخطأ الكبيرة جداً أن نلعن ونشتم كل ما له علاقة بزوعا أو بغيرها من التنظيمات السياسية ونقاطعهم نهائياً ونلغي بكلمات غير محترمة كل الإنجازات الكبيرة التي حققوها لأمتنا بمجرد أن هذا الشخص أو ذاك بقى في القيادة لسنوات عديدة أو أنه صرح بكلمة أو أتخذ موقفاً معيناً لا يرضى البعض. أقول هذا ليس دفاعاً عن هذه التنظيمات والشخصيات الآشورية وإنما تحليلاً علمياً لهذه الظاهرة ليس من خلال مقارنة هذه التنظيمات الآشورية السياسية بغيرها من الأحزاب السياسية في المهجر وحتى مع الأحزاب الأخرى في الوطن من حيث الإمكانيات الفكرية والسياسية والمالية والتنظيمية. فنحن، كما يعرف الجميع، حديثي العهد في التنظيم السياسي  كما لا نملك أخصائيين أو مستشارين أو كوادر متفرغة بالتمام والكمال لشؤون التنظيم، فالمطلع لحال هذه التنظيمات سوف يرى بأن كل نشاطها وفكرها وتمويلها وتنظيمها يقع على عاتق هؤلاء الذين هم في قمة القيادة. لنسأل هذه القيادة ونبحث معهم، كم مستشار أو خبير سياسي أو قانوني أو مالي يحيط بيونادم كنا أو أو بغيره ويعملون معهم ليل نهار من أجل خدمة التنظيم. أعتقد الجواب معروف ولا يستوجبه إلا أن نقول بأن كل ما يتلقونه من استشارة أو مساعدة لا تأتي إلا من الذين هم حولهم وحال هؤلاء لا يختلف عنهم، حيث يسرقون من وقت عملهم وعائلتهم وراحتهم ليخصصوها لتنظيمهم، أو قد تأتي بعض الشذرات من أشخاص قد تتوفر لديهم في بعض الأحيان سويعات قليلة لنقاش موضوع. إذن لماذا نلوم هؤلاء وخيرة المثقفين الآشوريين والمتعلمين من المستويات العليا لا يقتربون من هذه التنظيمات ولا يساعدونهم في مهمتهم القومية ولكن في عين الوقت يتهجمون عليها وينعتونها بأشنع النعوت. فالمسؤولون على التنظيمات الآشورية، مهما ادعوا وتظاهروا بسعة المعرفة وإدراك الأمور ومعرفة خفاياها، إلا أنهم لا يمكن أن يكون دائماً هكذا وفي كل المجالات والأوقات ولا يمكن أن يكون خبراء وعلماء في عالم السياسة والاقتصاد والدبلوماسية والتفاوض وغيرها من حقول المعرفة التي يتطلبها ممارسة السياسة، فبدون المساعدة من غير أعضاء تنظيمهم قبل أعضاء تنظيمهم لا يمكن أن يكون الحال أحس مما هو عليه الآن.

لنأخذ الحركة الديمقراطية الآشورية كمثال، ليس لأنها تحتفل في هذه الأيام بذكراها الرسمي لتأسيسها فحسب وإنما باعتبارها قد تأسست في الوطن وتنشط هناك وفي ظروف سياسية صعبة للغاية، ذلك لأن الجميع يعرف بأن الاشتغال بالسياسة ليس بالأمر الهين والسهل في بلدان كبلد وطننا الأم فهو كاللعب بالنار الحارق محفوف بالمخاطر والتضحيات والتحديات التي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى إزهاق الأرواح أو إقلال للراحة أو التورط في مشاكل خطيرة هي بعيدة تقريباً عن الذين يشتغلون في السياسة في المهجر الديمقراطي الذي تعتبر السياسة بالنسبة للبعض، خاصة الآشوريين منهم، نوع من قضاء الوقت أو التسويق الدعائي الشخصي وربما نوع من "الونسة" أو أسلوب للعبة التنافس مع غيرهم وتحديهم في هذا المجال. لقد سبق وذكرنا بأن الحركة تأسست طبيعياً من مخاض الأمة ومعاناتها ولم تؤسس بقرار من خبراء في السياسة وعلم الاجتماع أو الاقتصاد ولا من رجالات الحكم والبرلمانات وإنما تأسست من مجموعة شباب وطلبة وهم في مقتبل حياتهم السياسية لا يعرفون من فنون السياسة وألاعيبها غير حبهم الشديد والمتفاني لأمتهم الآشورية، فكيف والحال معهم عندما يلتحقون بركب الكفاح المسلح ويتحالفون مع أحزاب وحركات لهم باع طويل وخبرات متمرسة في السياسة والنضال، كالحزب الشيوعي العراق وأحزاب الحركة الكردية والتنظيمات التركمانية وحتى الإسلامية. أليس من المنطق والمعقول أن تعرف مع من تتعامل وتكون ملماً بأفكارهم وسياساتهم وأهدافهم؟ ، وإلا كيف تتعاون أو تتنافس معهم من أجل تحقيق أهدافك القومية. هنا الضرورة تفرض نفسها لنؤكد للقارئ الكريم بأن السياسة هي تعاون وتنافس مع الطرف الآخر  وبأشكال مختلفة وليس من الضروري أن يكون أراء وأهداف وأساليب العمل السياسي للطرفين متطابقة أو متشابه، بل المهم هو أن يكون كل طرف مدرك ومطلع ومتفهم للطرف الآخر حتى يستطيع التعامل معه تعاونياً أو تنافسياً. وكلما زاد حدة الاختلافات والتناقضات بين الطرفين وبالتالي زادت حدة التنافس على حساب التعاون ووصلت إلى حالة الصراع، كلما يتطلب ذلك خبرات وإمكانيات أكثر وسعة كبيرة في المدارك والوعي. وكلنا نعرف مدى التناقض التاريخي والصراع الدامي الذي كان يحكم علاقة أمتنا بالقوميات المختلفة في العراق ومدى صعوبة التعامل معهم في هذا اليوم، خاصة عندما يحضر التاريخ أمام أعيننا.

من هذا المنطلق نقول بأن حدة التناقضات العميقة التي تحيط بالآشوريين في وطن الأم، وخاصة في مسألة التعامل السياسي، يتطلب ذلك تسلح في المعرفة والخبرة وتوفير الإمكانيات المطلوبة لخوض العملية السياسية(تعاون/تنافس). إذن من أين تأتي زوعا بهذه المستلزمات ونحن نعرف جميعاً بأنه ليس لها مصادر مالية ثابتة ومستمرة، فلا دولة تمولها أو تساندها سياسيا، كما هو الحال بالنسبة للتركمان مع تركيا على سبيل المثال، كما ليس لها معاهد وأكاديميات تخرج خبراء وكوادر في السياسة، هذا إلى جانب الفقر السياسي والفكري الذي يسود تقريباً معظم المجتمع الآشوري، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الغير والمختلف، فالآشوريون، بحكم تجربتهم المريرة والدامية  في التعامل مع الغريب، فأنهم بطبيعتهم يخاف البعض منه ولا يريد التعامل معه، خاصة الغريب الذي يرتبط بالماضي الأليم وبمذابح ارتكبت بحقهم من قبل، مثل الكرد والترك والفرس والعرب وغيرهم من المسلمين الذين هم بحكم التاريخ والجغرافية جيراننا ولا يمكن نكران ذلك والتعايش معهم مفروض لا بديل عنه.

هذه الشحة أو الفقر في مصادر توفير كوادر سياسية وملمين بشؤونها وبشؤون غيرها من الحقول المهمة في الحياة السياسية، تجعل أن يكون هناك قلة قليلة متواجدة وعلى الدوام في قمة الهرم التنظيمي للأحزاب الآشورية، وهي الحقيقة تنطبق على معظم الأحزاب العراقية وحتى العربية تقريباً. ولكن إلى متى نبقى على هذه الحالة، هل ننتظر إلى ذلك اليوم الذي نؤسس فيه مدارس حزبية وأكاديميات قومية تخرج أكفاء يخدمون تنظيمات حركتنا القومية؟؟. طبعاً الجواب هو بالنفي. لأنه إذا انتظرنا فغيرنا، المنافس والمعادي، لا ينتظر في هضم حقوقنا وسلبها ونحن في سبات الانتظار. إذن فالحل الأمثل يكون في الممارسة الفعلية الحقيقية للسياسة نفسها وعلى أرض الواقع لا في سماء الخيال، فهي أي الممارسة السياسية الواقعية هي أكثر فاعلية من المعاهد الأكاديمية ومدارس الكوادر الحزبية، فهي وحدها، في هذه المرحلة والظروف الراهنة، التي تستطيع أن تخلق لنا كواد سياسية وحزبية قادرة على ركوب موجة التطور السياسي التعاوني والتنافسي وعلى تفهم الغير والاختلاط به وانتزاع الحقوق منه إذا تعدى عليها أو سلبها

هكذا نؤكد مرة أخرى بأنه من خلال الممارسة السياسية الحقيقية الحاوية على الخطوات الإيجابية والسلبية تتوصل في نهاية المطاف إلى نتائج مفيدة ومثمرة. فإذا كانت ظاهرة تربع نفر قليل من الشخصيات على قمة القيادة في زوعا حالة سلبية في الوقت الحاضرة ومبررة بالفقر السياسي والفكري للآشوريين بشكل عام وعدم قدرتهم على خلق كوادر وقيادات كافية للتناوب على القيادة فإن التاريخ القريب للعقد الماضي وما خاضته زوعا من تجارب سياسية وتحديات مصيرية خلقت بعض الكوادر التي استطاعت أن تفي بالمطلوب في الوقت الحاضر، ولكن المستقبل القريب سيشهد تخرج دفعات ودفعات من الكوادر السياسية المتمرسة القادرة على تحدي الصعاب وانتزاع الحق من بين أسنان الضباع، وهذا ما لمسته شخصياً في كل زيارة أقوم بها إلى أرض الوطن، فالشاب اليافع الخجول الذي كان قبل بضعة سنوات مجرد عضو بسيط في الحركة ولكن نقي وطاهر بوعي قومي صادق، فاليوم، وبدون أكاديميات أو معاهد حزبية أو علمية، أصبح قيادي بارع قادر على تعامل كآشوري مع الغير، مدرك لحقوق أمته كما يدرك أهداف وأساليب الطرف الآخر سواء أكان هذا قائماً على أساس التعاون أم التنافس. ويجب أن لا نستعجل كثيراً في قضايا الأمة التي يتطلب تحقيق أهدافها سنوات طويلة جداً، فغداً سيكون مليئاً بأكثر من كادر سياسي آشوري سياسي يتنافس مع غيره على قيادة هذه الحركة أو ذاك الحزب تنافساً ديمقراطياً حقيقياً. ولكن، بالرغم من بعد هذا المطمح من الناحية الزمنية إلا إنني أراه يتحقق اليوم لأن مسيرة زوعا قائمة على الطريق الصحيح في النضال القومي. وضمن هذه المسيرة وفي هذا اليوم، أبعث للحركة الديمقراطية الآشورية ولقيادتها وكافة أعضاءها ومناصريها لا بل ولكل الآشوريين النبلاء، أصدق التهاني بهذه المناسبة وأن أباركهم بكل وجداني على صواب الطريق المستقل الذي يسيرون عليه رغم الصعاب والتحديات التي يواجهونها، فأنا واثق بأن بنشاطهم المثمر سوف يجعل إرادة الأمة بخير وبصون، لأن إيماني قوي جداً  بأن الأمة التي لا يوجد فيها أحزاب سياسية ومنظمات قومية قوية ونشطة ومستقلة ستكون إرادتها مرهونة بإرادة الأمم الأخرى.   



318
مشاهداتي عن مسيرة أكيتو (السنة البابلية الآشورية) الجديدة – 6758  التاريخية

أبرم شبيرا

كانت فرصة تاريخية فعلاً أن أشارك في مسيرة أكيتو لعام 6758 في نوهدرا المعروفة حاليا بـ (دهوك) يوم الأول من نيسان مع مجموعة من وفود جاءت من بلدان المهجر من أوربا وأميركا وأستراليا ومن بلدان الشرق الأوسط وكما جاء من دبي في الإمارات العربية المتحدة وفداً متكوناً من 5 أعضاء، إضافة إلى ذلك شارك فيها وفداً رسمياً برلمانيا من بلجيكا وهولندا قادته الناشطة الآشورية المعروفة عطيا كبري فقد وضع الكل جانبا كل التحديات والمخاطر وشارك في المسيرة.

المسيرة بكل جوانبها النتظيمية والجماهيرية والمعنوية والسياسية والإجتماعية قد حققت هدفها وتمكنت من إيصال رسالتها بكل وضوح إلى العالم الداخلي والخارجي لتؤكد بأننا شعب أصيل للعراق والوارث الحقيقي لتراثه وأننا أصحاب حق لنا صوت عالي مستقل قابل للمطالبة بحقنا في أرضنا بجميع الحقوق التي شرعتها الإنظمة السماوية والموضوعية. وعلى الجانب الحزبي، ثبت وبكل وضوح بأن الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) هي و لازالت حركة جماهيرية قادرة على تنظيم وقيادة مثل هذه التجمعات الجماهيرية الضخمة وأنها أحدى الممثليين الحقيقين لشعبنا في الوطن. بالتأكيد أن جميع اللذين شاركوا في المسيرة ليسوا أعضاء في زوعا وربما ليسوا من مؤيدها أو مسانديها ولكن مشاركتهم فيها كان تعبيرا عن حبهم لشعبهم وتراثهم ورغبتهم الجامحة في المشاركة في المناسبات القومية المهمة رغم كونها منظمة من جهة حزبية ولا يهم سواء أتفقوا مع نهجها أم لا، وكانت مشاركتي ورفاقي في هذه المسيرة التاريخية منطلقة من هذا الفهم لأن مثل هذه الفعاليات الضخمة لايمكن أن تنظم أو تسير عفوياً ما لم تكون جهة أو حزب أو منظمة تقوم بتنظيمها وهنا يتبين من هو الشاطر والحريص والمهتم والمصمم على مواصلة المسيرة بأية وسيلة وحبذا لو تشاطرت جهات أو أحزاب أخرى في تنظيمها أو التنسيق معها.

مشاهداتي المثيرة للمسيرة ليست فقط في العدد الكبير المشارك فيها، فالبعض قدرها بأكثر من خمسة آلاف مشارك. فالعدد لايهم حتى ولو كان بضعة مئات ولكن المثير والمدهش حقاً هو مشاركة أبناء شعبنا من مختلف الطوائف والمجموعات والمحافظات والقصبات والقرى وشارك فيها أناس من رجال ونساء وأطفال لا بل المثير للإنتباه هو طغيان عنصر الشباب على المشاركين في المسيرة بحيث يمكن القول بأنه كان أكثر بكثير من النصف والأكثر دراماتيكية كان وجود أطفال ورضع في عرباتهم تدفعها أمهاتهم رسموا على وجوههم العلم القومي المعروف، تدفع بيد عربة طفلها وبالاخرى ترفع العلم. أما كبار السن فكان مشهدهم عجيباً وغريباً، فلأول مرة في حياتي وحياة غيري من الذي تكاتفوا معي في المسيرة أن نشاهد المئات منهم وأعمار بعضهم تجاوز الثمانين وكان الشخص الطاعن في السن من شقلاوة والمتزين بملابسه التراثية رافعاً بيده العلم القومي وبالأخرى علم زوعا اكثر جذباً لإنتباه الناس لا بل وزادت دهشتنا كثير الكثير عندما عرفنا بأنه كان قبل شهرين في مستشفى يعاني من قصور في القلب ثم علمت بأن هذا الشهم ياتي كل سنة من شقلاوة لكي يشارك في المسيرة. ولم تكن مشاركة أعضاء من اللجان الشبابية والطلابية القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية أقل أعجباً وإثارة حيث قدموا خصوصاً للمشاركة في المسيرة والتجوال في قرى وقصبات أبناء شعبنا وعقد الاجتماعات واللقاءات مع اللجان الشبابية والطلابية في الوطن، وهنا أود أن أهنئ أولياء أمر هؤلاء الشباب على شجاعتهم وهمتهم في إرسال بناتهم وأولادهم وهم في سن المراهقة إلى الوطن دون أن يهابوا المخاطر المحيطة به. فقد شاهدت في وجوه هؤلاء الشباب والشابات مستقبل الأمة وطمأنت نفسي بأن أمتنا لازالت بخير فهؤلاء سيواصلون حمل الرسالة للجيل القادم.... ألف شكر لهم ولأهاليهم الذين تكبدون الحمل المالي والنفسي في إرسال بناتهم و أولادهم إلى الوطن ليتعلموا معنى الوطن وليتحسسوا بمعاناة أخوتهم في الأمة.

خط المسيرة كان من المركز الثقافي الآشوري إلى منطقة سد دهوك والتي هي بحدود 2,5 – 3 كيلومترات عبر شوارع عامة وقبل الوصول إلى منطقة الاحتفال على ساحة سد دهوك يبدأ الطريق بالطلوع على التل ويصعب عليه المشي وقد عانيت أنا وزملائي من إكمال المسيرة حتى النهائية ولم نكملها إلا بعد عنان طويل وتصبب عرقاً رغم الهواء البارد القوي الذي زادت حدته عند هطول زغات المطر. كان مشهد المشاركين في المسيرة وهم يندفعون بكل قواهم نحو الوصول إلى خط النهاية أمراً مؤثراً للغاية ولا يمكن وصف إصرارهم على المواصلة رغم التعب والارهاق والبرد اللاسع أحياناً وهم أما يهتفون أو يصفقون أو يغنون أو يلوحون بأعلامهم ببضعة كلمات أو سطور لأن أصرارهم كان حقيقياً ومشاعرهم صادقة، لا يستطيع أن يفهمهم إلا الذي كان مشاركاً معهم. كان أمامي في خط المسيرة أمرأتان عجوزان ربما كانت أعمارهن تقارب السبعين يرفعن العلم القومي ويتحدثن مع البعض حيناً ويرددن هتافات حيناً آخر فحاولت أن أستطرق السمع لحديثهن فما سمعته كانت تقول أحداهن للأخرى ... "بالله عليك لو كان يوماً عادياً هل كان بإستطاعتنا المشي كل هذه المسافة... فأجابت الثانية ... "طبعاً لا ... فحلاوة المشي في المسيرة مع أولادي وأحفادي في الأول من نيسان غير المشي في الأيام الاعتيادية". ثم وقفت بجانبهن على نفس خط سيرهن أشاركهم الحديث الجميل عن ربيع نيسان وعن إصرار شعبنا في مواصل مسيرته القومية عبر مسيرته النيسانية.

أما منهاج الأحتفال، فتقديرا للظروف المأساوية التي يعيشها شعبنا في الوطن وتقديساً لشهادة المطران بولص رحو فأنه أقتصر على الكلمات بالمناسبة وقصائد وأغنيتين قوميتين فقط وكلمات الوفود القادمة من المهجر وخلت تماماً من أية مظاهر الرقص أو الدبكات الشعبية أو الموسيقى بل أقتصرت على طبول شباب الفرق الكشافية المتناغمة مع المسيرة. كما تزينت ساحة الإحتفال بصور شهداء الأمة وكانت صورة الشهيد المطران تكبر الكل وتطغي على الناظر إليها من خلال الأعلام القومية واللافتات والشعارات التي تمجد إستشهاده وتؤكد بأن ذلك ليس إنتصارا للإرهاب بل إنتصاراً عليها. الشباب المشارك لم يكن شباباً بالأعمار فحسب بل بالأفعال المثيرة للإنتباه والتي أحيطت بعضها بمخاطر مميتة لم يأبى لها هؤلاء المغامريين حينماً بدأوا يتسابقون في تسلق الجبال المحيطة بساحة الإحتفال وهم يرفعون بيدهم العلم القومي فبدا وكأنه سباق بينهم للوصل إلى أعلى بقعة في الجبل ووضع العلم القومي عليه حيث تمكن شابان من الوصول إلى أعلى نقطة وغرز العلم في الجبل فما كان من المشاهدين من تحت الجبل إلا بدؤا بالتصفيق لهم.

بالطبع لم تكن ساحة الاحتفال بتلك السعة لتستوعب الآلاف المشاركين في المسيرة لذلك بمجرد أن وصلوا نقطة النهاية وحققوا الهدف من المسيرة شرعوا بالرجوع والتي كانت بحق مسيرة ثانية نحو شوارع نوهدرا والأكثر إثارة كان أحتلالهم للمطاعم المحاذية للشوارع خط المسيرة بحيث بدا لأهالي المنطقة كأن هناك غزو للمدينة وإحتلال لتلك المطاعم فكانت بحق وحقيقة مشاهدة لم أرى منها في حياتي كما أكدوا نفس الشئ أصحابي المشاركين معي في مسيرة الرجوع. وأريد هنا أن أوكد أن الدهشة والإعجاب لم تكن من حقي وحق غيري من المشاركين في المسيرة بل من أهالي نوهدرا الذين وقفوا على أرصفة الشوارع أو أوقفوا سياراتهم على الجانب الآخر لمشاهدة إنفعالية الناس المشاركين في المسيرة.. وهنا تذكرت حديث أحد أصحابي الذي شارك في أحدى مسيرات أكيدو قبل بضعة سنوات عندما قال بأنه سمع من أحد الأكراد الواقفين على رصيف الشارع الذي سيرت فيه المسيرة يقول "والله يستحقون هؤلاء أن تكون لهم دولة" وذلك تعبيرا عن شدة إعجابه بالمسيرة وضخامة المشاركين فيه... ترى ماذا كان سيقول لو شاهد هؤلاء المحتفلين بسنة 6758 وهم بالآلاف منهم؟ ربما كان سيقول "والله يستحقون هؤلاء أن تكون لهم إمبراطورية"؟؟!!

حسناً فعلت اللجنة المنظمة وبالتنسيق مع المركز الثقافي الآشوري في نوهدرا بعقدها في اليوم التالي ندوة مصغرة حضرها الوفود القادمة من المهجر لمناقشة وتقيم المسيرة وبيان نواقصها لتجنبها في العام القادم وتم الاتفاق على نقاط كثيرة خاصة التأكيد على زيادة حجم الوفود القادمة من المهجر وبشكل أكثر تنسيقا وتنظيماً، كما تم الإتفاق على أن تشمل إحتفالات أكيتو بالإضافة إلى المسيرة نشاطات ثقافية وفنية وخلال أسبوع كامل.

هذا بشكل مختصر عن مشاهداتي التي لا يمكن أن توصف كلها بخصوص المسيرة التي أعتبرناها وبحق تاريخية في تاريخ أمتنا ... فهي حقاً تاريخية لأنها نجحت بكل المقايسس رغم الصعوبات والعراقيل سواء المقصودة منها أم غير المقصودة. نذكر منها بأنه تأخر الوصول إلى المسيرة بعض الباصات القادمة من قصبات سهل نينوى حيث قضت وقتاً طويلا في نقاط التفتيش ولا ندري إذ كان المسؤولين عن هذه النقاط قد أستلموا تعليمات بتأخير الباصات أم لا غير أن اللجنة المنظمة تدخلت وتمكنت الباصات من إجتياز النقطة والوصول إلى المسيرة متأخرة بعض الشيء. كان رئيس المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري قد أصدر بياناً يدعوا إلى عدم المشاركة في إحتفالات ومسيرة أكيدو أحتراماً لشهادة المطران بولص رحو ولكن المسيرة نظمت بشكل يليق كثيراً إستشهاد هذا المطران الجليل. أشيعت أخبار بأن المساعدات التي يتلقاها أبناء شعبنا من وزير المالية في حكومة إقليم كردستان السيد سركيس أغاجان سوف تقطع عن كل من يشارك في المسيرة ولكن العدد المشارك في هذه السنة كان أكثر من السنة الماضية. وسمعت وأنا في قرية هيزاني في منطقة نال قبل يوم من المسيرة من شخص يتلقى مثل هذه المساعدات فقال لي بأنه بلغه أحدهم بأنه سوف تقطع المساعدة إذا شارك في المسيرة، فرد عليه وقال "لو يقطع رأسي فأنا سأشارك في المسيرة بدون رأس". هكذا كان إصرار شعبنا على التعبير عن هويته في مسيرة أكيتو من دون خوف من قطع لقمة العيش. المسيرة قاطعها معظم أحزاب شعبنا ووسائل أعلامهم، خاصة قناة عشتار.... أليس عيباً علينا أن نرى قنوات عراقية وعالمية تنقل الحدث ومقاطع منه بشكل مباشر وتبقى قنوات شعبنا خرساء؟؟؟؟ عيب والله عيب.

أنا إنسان أنتمي إلى هذه الأمة ولا يهمني من ينظم إحتفالات شعبي سواء أكان شيطاناً أم قديساً طالما يتحقق الغرض الذي ابتغيه وحبذا لو كان الغير شارك مع زوعا ورفع بعض الحمل عنه... وقد يقول قائلا بأن زوعا لا يريد المشاركة مع الغير... حسناً ليباشر الغير بتنظيم مثل هذه الأحداث التاريخية الضخمة ولنا منا عهداً بأننا سنشارك فيها إذا تمكن من تحقيق الغرض الذي أبتغيه وتبتغيه أمتي. يقول البعض بأن زوعا أستغل هذه الحدث لتحقيق أغراض سياسية ضيقة.... مسألة لا تعبر إلا عن جهل في السياسة وعالمه... كل حزب في العالم يحاول أن يستغل أي حدث وطني أو قومي لصالحه فيضع كل ثقله لتحقيقه ويحاول أن يطغي عليه طابعاً شمولياً قومياً فهذا حق مشروع لكل الأحزاب في العالم فلماذا أحزابنا مستثناة؟؟؟؟ خرج الآلاف من أبناء شعبنا في مسيرة أكيتو 6758 وطرحت الأسئلة  التالية نفسها... هل خرجوا لأن زوعا فرض عليهم وأجبرهم على الخروج؟؟؟ هل كان هؤلاء الرضع والأطفال والشباب والرجال والنساء والشيوخ أعضاء في زوعا وأجبرهم على الخروج وإلا فصلهم من الحزب؟؟؟ هل كانوا أعضاء في نقابة وزوعا رئيس النقابة وأجبرهم على الخروج وإلا فالطرد هو مصيرهم كما كان يفعل نظام البعث المقبور؟؟؟ هل كان هؤلاء موظفين حكوميين طلب منهم مديرهم العام المشاركة في المسيرة وإلا صدر العقوبة بحقهم إذا لم يشاركوا كما كان يفعل نظام البعث المقبور؟؟؟ هل زوعا يمول هؤلاء أموالأ وأرزاقاً وهددهم بقطعها إذا لم يشاركوا في المسيرة؟؟؟ هل يملك زوعا أجهزة أمنية وسجون ومعتقلات هدد أبناء شعبنا بأستخدامها ضدهم إذا لم يشاركوا في المسيرة؟؟؟ هل كان يملك زوعا أجهزة إعلامية نافذة ومؤثرة وقنوات تلفزيونية أثرت على الناس للمشاركة في المسيرة ا؟؟؟ .... هنا ألف وألف (هل) ... وجواب كلها هو بالنفي ويعرفها غير الزوعاويين قبل غيرهم.

لقد إستجاب أبناء الأمة لضمير الأمة ودعاهم للمشاركة في المسيرة عند حلول يومها وشعروا بالمسؤولية تجاه هذا الحدث وأدوا واجبهم عن طريق المشاركة في المسيرة ولم تخرج تلبية لنداء زوعا ولكن الحقيقة تبين بأن زوعا جزء من هذا الضمير وشاركهم وتشاطر في تنظيمها وحتى في إستغلالها لصالحه والذي هو صالح الأمة وهذا حق مشروع لكل أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية فالشاطر من يتحرك ويفعل لا أن يستنكر ويمنع. وأخيراً أتسائل مع نفسي هل كل هذا النجاح الذي حققته المسيرة والإقرار بحسن تنظيمها وقيادتها من قبل زوعا يجعلني أكثر عرضة لإتهامي المشرف من قبل "الغير" بإنني "متحدث غير رسمي عن زوعا" او "مساند أعمى لها"  فإذا كان الجواب بنعم، لا أستطيع أن أقول شيء إلا أن أتمنى أن يكون هذا "الغير" قد شارك في المسيرة بقلب وضمير نظيفين لأدرك الحقيقة وأصبح زوعاوي أكثر من زوعاويين أنفسهم.   



319
نيسان التأسيس والمسيرة القومية - 1
بين الإتحاد الآشوري العالمي والحركة الديمقراطية الآشوري


أبرم شبيرا

لا أدري إذا كانت مصادفة أم مقصود في تأسيس الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) والإتحاد الآشوري العالمي (الإتحاد) في نفس الآسبوع الثاني من نيسان أو خلال نفس اليومين أوالثلاثة. حيث تأسس الإتحاد في 10 من نيسان عام 1968 وزوعا في 12 منه عام 1979، ولكن من دون أدنى شك يمكن الجزم بأنه كان للإتحاد تأثيرا فكرياً وسياسياً على الشباب والتنظيمات التي أسست زوعا لا بل أيضا على عموم المعنيين بشؤون الأمة سواء من خلال مؤتمراته العامة التي عقدها أو منشوراته التي كانت تصل سراً إلى العراق. أنها مناسبة نيسانية أن نعيد فتح ملفات هذين التنظيمين والبحث في تاريخهم وأفكارهم وأنجازاتهم وإخفاقاتهم وغيرها رغم كونه موضوع طويل وشائك يتطلبه وقتاً طويلاً ومراجع ووثائق تخص الموضوع، وهي مسائل يصعب في هذا الزمن الغادر توفيرهم. وعلى العموم يمكن عرض الموضوع في قسمين أو أكثر مبتدئن بالاتحاد والظروف التي قادة مجموعة من المعنيين بشؤون الأمة إلى تأسيسه.
في بداية الستينيات من القرن الماضي برزت تحديات خطيرة واجهة أبناء شعبنا الآشوري أو "الكلدوآشوري السرياني" وأثرت على إستقراره ومسيرة حياته الإعتيادية والسياسية والقومية وتمثلت في:
1.   بروز الناصرية والحركة القومانية العربية في مصر وإنتشارها في سوريا والعراق ومن ثم الإنقلاب العسكري لحزب البعث العربي الإشتراكي ووصوله إلى السلطة في هذين البلدين عام 1963 وبالتالي ظهور جيل قومي متطرف مسبباً وضعاً مقلقا وخطيرا لوجود الأقليات غير العربية وغير المسلمة في هذه البلدين ومن ثم نشوء أوضاع غير مستقرة نتيجة إستمرار الأنقلابات العسكرية.
2.   إشتعال الحركة الكردية عام 1962 في شمال العراق، والذي يمثل لشعبنا قلب موطنه الأصلي المتكون من معظم قراهه وقصباته وكنائسه وأديرته، وبدء المقاومة المسلحة ضد الحكومة العراقية والذي ترتب على ذلك نزوح أبناء شعبنا من قراهم ومناطقهم والهجرة إلى المدن الكبيرة لضمان سلامتهم.

تزامن هذان العاملان مع نمو الوعي القومي الآشوري وأثرتا كثيراً على بعض المثقفنين القوميين، خاصة في إيران، حيث أخذت الجمعية الثقافية للشباب الآشوري في طهران مسؤوليتها القومية لخلق تنظيم قومي لمواجهة هذه الأحداث الخطيرة التي واجهتها الأمة في تلك المرحلة. فشرعت بالاتصال بعدد من الشخصيات والمنظمات في المهجر ودعت مثلث الرحمات مار شمعون إيشاي بطريرك كنيسة المشرق إلى تولى قيادة هذا التنظيم غير أنه في جوابه لهم رفض الدعوة مما أضطرت اللجنة إلى البحث عن شخصية عالمية أخرى فوجدت في السيد ديميتري الأبن البكر للقائد أغا بطرس الذي كان يعيش في تولوز في فرنسا، ضالتها المنشودة حيث وافق على الدعوة والمقترح في إنشاء التنظيم القومي العالمي. بدأ السيد ديميتري بتوجيه الدعوات إلى المنظمات الآشورية والشخصيات المعروفة داعياً لهم للإجتماع في مؤتمر عالمي. وفعلاً عقد "المؤتمر الثقافي العالمي" في مدينة باو الفرنسية للفترة من 10 – 13 نيسان عام 1968 والذي حضره مندوبون من مختلف بلدان العالم: الولايات المتحدة الأمريكية وبعض بلدان أميركا الجنوبية وأوربا وإيران وسوريا ولبنان وأستراليا، وتم فيه مناقشة قضايا قومية عديدة وأتخذت عدة قرارات مهمة وفي اليوم الأخير تم التصويت والموافقة بالإجماع على تأسيس منظمة تحت أسم "الإتحاد الآشوري العالمي" وصدرت مقررات المؤتمر والتي يمكن إيجازها كما يلي:
1.   سوف لا يكون هناك تعدد في التسميات التي تجزأ الشعب الآشوري. فالجيمع سوف يشار إليها بـ(الآشوري – أتورايا).
2.   التوصية بأن يعترف رسمياً بلغتين (أو لهجتين) آشوريتين، اللغة الحديثة (سوادايا) واللغة الأدبية (سبرايا).
3.   تشكيل لجنة لتأليف حروف أبجدية موحدة لغرض تسهيل تركيب الأحرف الآشورية  لتكون قابلة للإستعمال من قبل الجميع.
4.   حماية حقوق شعبنا للعيش بالكرامة والحرية كما هو منصوص في ميثاق الأمم والمتحدة ولائحة حقوق الإنسان.
5.   توفير المدارس والزمالات الدراسية لشبابنا بهدف رفع مستوى التعليم لديهم.
6.   تقديم ونشر الثقافة الآشورية في العالم من خلال أجهزة الإعلام.
7.   الإقرار بالأول من نيسان كـ "عيداً قومياً آشوريا" لجميع الآشوريين في العالم.
8.   تأسيس ثلاثة فروع للإتحاد : آسيا وأوربا والولايات المتحدة الأمريكية لغرض جمع المعلومات المهمة فيما يخص حاجات أبناء شعبنا لمناقشتها في المؤتمر القادم.
9.   إتخاذ الإجراءات اللازمة لعقد الإجتماع الثاني في لندن/أنكلترا وحسب طلب وفد بريطانيا العظمى.
10.   تأسيس قسم خاص لغرض التنسيق بين أقسام الاتحاد.
11.    جميع هذه القرارات يجب أن تقدم إلى المنظمات وأعضائها التي مثلت في المؤتمر لغرض الموافقة عليها أو رفضها.
12.    مطالبة جميع بطاركة الكنائس للإجتماع بغرض توحيد الشعب الآشوري.
13.    يعرب المؤتمر عن إمتنانه لجميع الدول والحكومات التي أعطت للآشوريين حرية تدريس لغتهم في بلدانهم.
14.    يعرب المؤتمر عن عمق إمتنانه للحكومة الفرنسية ومسؤولي مدينة باو لمساعدتهما السخية ولجميع الآشوريين الذين مدوا يد المساعد لضمان نجاح هذا المؤتمر....
15.    يوصي المؤتمر علماً موحداً لجميع التنظمات التابعة للإتحاد.
16.   تأسيس قيادة آشورية موحدةعالمية في أحدى الدول الحرة.
17.   توصيل المساعدات الإقتصادية للآشوريين المحتاجين.
18.    ينعقد المؤتمر الثاني في الوقت الذي تقرر الفروع الثلاثة أعلاه إستعدادهم للحضور.
19.    يكون المندوبون للمؤتمر وحدهم الحق في التصويت في الإجتماعات.
20.    تقرر بالإجماع من قبل جميع المندوبين لهذا المؤتمر بأنه فعلاً تم تأسيس "الإتحاد الآشوري العالمي" ... لذلك يعتبر الإتحاد قد تأسس رسمياً في 10 من نيسان 1968 في مدينة باو في فرنسا.
ومن الملاحظ في هذه القرارات طغيان الجانب الثقافي عليها أكثر من السياسي كما أنi وصف المؤتمر بالثقافي وليس القومي أو السياسي. وعند الاستفسار من أحد مؤسسي الإتحاد عن سبب ذلك في الوقت الذي كان مغزى تأسيس الإتحاد هو سياسي فأجاب بأن الغرض من عدم التطرق إلى الحقوق السياسية والقومية للإشوريين في مقررات المؤتمر كان الغرض منها عدم إثارة حفيظة أو حساسية حكومات بعض الدول، كالعراق وسوريا وإيران، تجاه هذه المسألة وما يترتب عليهh من نتائج سلبية على الآشوريين في هذه البلدان.
 
وفي إجتماع لندن عام 1969 أتخذت قرارات مهمة وظهرت التركيبة التنظيمة وتحددت المسؤوليات وهكذا استمرت مؤتمرات الاتحاد للسنوات اللاحقة لحين أصبحت في يومنا هذا بحكم المنسي أو المجهول ليس لأبناء شعبنا بل لبعض أعضاء الإتحاد نفسه. وقبل الدخول في تفاصيل الأزمات والعثرات التي أعترضت الإتحاد فلا بد من إنصافه وبيان إنجازاته التاريخية المهمة والمؤثرة على الأحزاب السياسية الآشورية وعلى عموم المثقفين والمعنيين بشؤون الأمة.

لاشك فيه أن تأسيس الإتحاد كان حدثاً مهماً في الحياة السياسية للآشوريين ولا يمكن نكران ذلك سواء كنا من مناصريه أو لا. إن تأسيس الإتحاد كان قائم على فكرة نبيلة لا يرقى إليها الشك. فالمطلع على أبسط الأمور السياسية والقومية لأمتنا سوف يدرك بأن الاتحاد بما فيه التركيبة التتنظيمة هو أفضل أسلوب لتمثيل أبناء الأمة المبعثرين في زوايا العالم. فالفكرة التي قام عليها الإتحاد لا زالت مطلوبة في يومنا هذا بل أهميتها تزداد يوماً بعد يوم كنتيجة مباشرة ومنطقية لزيادة تبعثر أبناء الأمة ونمو الوعي القومي فيهم أخذين بنظر الأعتبار الظروف المختلفة داخليا وخارجياً خلال أربعة عقود من عمر الإتحاد. ولكن رغم سمو ورفعة فكرة الإتحاد لكن الأهداف التي سعى إليها فيها الكثير من المثالية بحيث تبدو وكأن مؤسسي الإتحاد كانوا بعيدن عن واقع الأمة الموضوعي ولم يدركوا عمق التناقضات التي كانت تحيط بالأمة. من هذا المنطلق فإن الإتحاد لم يستطيع تحقيق أي من أهدافه على الواقع العملي التي رصفها عند التأسيس في حين نرى مثالية هذه الأهداف تحققت على الجانب المعنوي والفكري دون الواقعي، وأهمها إعتبار الأول من نيسان كعيد قومي رسمي للأمة وتحديد العلم القومي كما أقر على إعتبار السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري إضافة إلى ذلك كان له تأثيراً كبيرا فكرياً ومعنوياً على الكثير من الأحزاب والمنظمات القومية خاصة التي أنضوت تحت لوائه أو التي تعامل معهم.

أنه من المؤسف أن يكون تاريخ تأسيس الإتحاد مجهولاً للكثير من أبناء الأمة وبالأخص المهتمين بشؤونها لا بل يبدو وكأنه منيساً بالنسبة لأعضاء الإتحاد نفسه ولعل سبب ذلك يرجع إلى:
1.   تقريباً معظم المؤسسين للإتحاد هم حالياً غائبين عنه، فإما تركوه ولجأوا إلى تأسيس أحزاب ومنظمات أخرى وبعضها معادية للإتحاد نفسه، أو تركوا الحياة السياسية نهائيا ولم يعد للإتحاد أهمية عندهم.
2.   عدم توفر الوثائق الخاصة بالإتحاد وخاصة المتعلقة بمرحلة التأسيس وحتى إذا توفرت فهي إما مبعثرة في أماكن أو بلدان متعددة وذلك بسبب عدم وجود مقر مركزي للإتحاد محدد وثابت أو هي من الممتلكات الشخصية لأعضاءه القدماء.
3.   إفتقار الإتحاد إلى وسائل إعلامية قادرة على توصيل فكرة الإتحاد إلى إبناء الأمة.
4.   فشل الإتحاد بالمقايسس العملية السياسية في تحقيق أي من أهدافه وبالتالي غيابه تقريباً عن الساحة السياسية والقومية بحيث أصبح بحكم المنسي أو جزء من الماضي. فهذا موضوع يصلح بحاله لبحث آخر في أسباب فشل الإتحاد في تحقيق أهدافه أو جزء منها ومقارنة ذلك بالمعايير السياسية والحزبية السائدة في تقييم المنظمات السياسية.
هذا بشكل عام ومختصر عن الإتحاد الآشوري العالمي وهو في ذكراه الأربعينية من تأسيسه ولنا موعد مع الحركة الديمقراطية الآشورية في ذكراها ألـ (29) من تأسيسها.

320
ألقوش في القلب والوجدان... والفكر أيضاً

أبرم شبيرا

للكتابة والبحث العلمي أصول وقواعد تهدف بالأساس إلى غاية جمالية معرفية تخدم الإنسان بشكل عام والمجتمع المعني بالبحث بشكل خاص. وعندما يشذ الكاتب، إذا صح هذا التعبير لمن يكتب وينشر، عن هذه القواعد تفقد الكتابة جماليتها وغايتها الإنسانية وتصبح مفسدة للعقول ومضيعة للوقت ونحن في هذا العصر الذي تعصف بنا العواصف من كل الجهات خاصة في الوطن الأم أحوج ما نحتاج إلى الكتابات السليمة الهادفة إإلى خدمة مجتمعنا. فهذه رسالة سامية من رسائل مثقفينا جميعاً لا بل هي مسؤولية أيضاً تقع على الكاتب والناشر سواء أكان موقعاً ألكترونياً أو مجلة أو جريدة أو نشرة .. إلخ. وما يزيد من جمالية الكتابة وغايتها الإنسانية ليس فقط رصانة الكاتب ومضمون الموضوع ومدى واقعيته وفائدته للمجتمع بل أيضاً الردود الفعلية التي يتركها الموضوع لدى القراء من إنتقادات بناءة وتعليقات مبهرة ومعلومات إضافية تصبح في التحليل الأخير جزءاً مهماً في بناء وتكامل الموضوع نفسه ومفيداً للكاتب والقراء أيضاً. أما ما يفسد جمالية الكتابة ويخرجها عن طورها الأصولي والإنساني والإخلاقي هو التهجم الشخصي والطعن بالكاتب بتهم لا تمت بصلة بالموضوع المطروح إطلاقاً وتخوين الكاتب ونسج أراء وطروحات وتصورات وتأويلات وتحميلها عليه في الوقت الذي لم ينطق أو يدعي بها.

إنني أورد هذه البديهية النطرية ليس فقط كمدخل للموضوع الذي كتبته تحت عنوان (ألقوش في القلب والوجدان) ونشر على موقع عنكاوة والردود المختلفة الذي تركه على القراء والتي نشرت بعضها على موقع عنكاوة والبعض الآخر كانت بواسطة رسائل ألكترونية أو إتصالات هاتفية، وإنما بالأساس كتوضيح لكل من يستحق لقب "كاتب" أو "باحث" أو "مؤرخ" في ضرورة الإلتزام بالقواعد الأصولية والاخلاقية للكتابة والنقد. وأود هنا أن أوكد بأن الردود التي وردت على الموضوع تعكس بشكل مباشر الأهمية التي تركها عند القراء وأن هذه الردود والتوضيحات والإضافات المعلوماتية كلها أغنت الموضوع لا بل وأقولها بصراحة أسعدتني وتقبلتها بروح رياضية ولكن بالتأكيد كانت ستكون سعادتي وتقبلي لها أكثر بكثير لو لم تنحرف بعض هذه الردود في بعض جوانها عن الأصول الصحيحة للكتابة.

من المؤسف أن أقول بأننا، كشعب شرق أوسطي، تعلمنا عادات سيئة من العرب خاصة في المسائل السياسية والقومية. لقد أصبح الكثير من نشاطاتنا المجتمعية وتحديدا السياسي والقومي رد فعل أكثر مما هو فعل مباشر. كما وأن نظرية المؤامرة تهيمن على عقول الكثير من كتابنا ومثقفينا وسياسيينا، وتخوين الفاعل وفقدان الثقة أصبحا منهجاً في معظم ردود الأفعال. والأسوء من كل هذا ضعف أو صعوبة أو خطأ فهم مغزى الموضوع وبالتالي بناء تصورات وردود خاطئة وتأويلات لا تمت بصلة بالموضوع والكاتب نفسه. وهنا أود إأن أعلق على بعض وليس كل الردود التي وردت على موضوع (ألقوش في القلب والوجدان) ولكن من دون أن إنسى شكري وإمتناني الكبيرين للمعلومات القيمة والردود الإيجابية التي أغنت الموضوع كثيراً لأن بالتأكيد ما كتبته لم يكن بمستوى الكمال بل كان موضوعاً تمهيديا بسيطاً يتطلبه معلومات تاريخية كثيرة يستوجبها بحثاً منفصلا ومسهباً، فما كتبته كان تعبيرا عن مشاعري وأحاسيسي تجاه هذه البلدة عند زيارتها والتي كان يستوجب بيان شهامة أهاليها ووقفتهم البطولية تجاه أحداث تاريخية مهمة وموقفهم الحالي في مقارنة مع القرى والقصبات الأخرى التي زرتها والتي تتعرض إلى تجاوزات تأثر تأثيراً عميقاً على طبيعة ديموغرافيتها التاريخية والقومية. 

يتهمني أصحاب بعض الردود بأنني "غرزت سهامي في قلب ألقوش وفي وجدان كل ألقوشي أصيل" ... وإنني "كاتب مفخخ بكل الأساليب الملتوية والمستفزة لتمريري غايات دعائية لتوجيه السياسي والطائفي ....  وأنني خبير في دس السم بالعسل ... والتدليس على التاريخ والحقيقة ... وإنني جلبت الضرر للألقوشيين... لأنني أستخدم عنوان ومفردات المدح المبطن ...  وحطيت من قدر وشأن الألقوشيين في سبيل الترويج للبضاعة الآشورية وأنني ناكر الجميل ... وجردت الألقوشيين من الفضائل والمفاخر عن طريق التلاعب بتاريخ وهوية ألقوش وشعور أهلها واستخدمتها للدعايات الحزبية والطائفية أو لغايات وأهداف رخيصة" وهكذا تهم وتخوينات ومشاعر قائمة على نوع عجيب وغريب من سوء النية لما كتبته عن هذه البلدة العريقة.  بالله عليكم هل هذا منطق ؟؟!!!... لو كان أصحاب هذه التهم قد قرأوا الموضوع بشكل عميق وفهموا المغزى بقلب نظيف وعقل منفتح لما استنتجوا مثل هذه التخريفات السوداء تجاه ما كتبته. فإذا كان لأصحاب هذه الردود قصر في الفهم وضعف في إدارك المغزى من الكتابات الصادقة فإنني أطلب منهم أن يقرؤا المقال مرة أخرى بقلب صادق وبنظرة منفتحة لا حاقدة وأن يسألوا أنفسهم لماذا كتبت عن ألقوش ؟ هل هي قوجانس أم كوريكفانه أم بختمه؟ طبعاً الجواب معروف إلا إذا كانوا هؤلاء لا يستطيعون التمييز بين ألقوش وهذه القرى والمغزى المراد من التمييز بين طرفي المقارنة.

هذا من حيث منهج التخوين والتأويلات التي تشتهيها مخليتهم ... أما من حيث فكرة المؤامرة التي تعلموها من العقول العربية السياسية العاجزة عن العيش في هذا الزمان فالحديث عنها غريب وعجيب تثير في كثير من الأحيان الإشمئزاز وأيضاً الأسف من سؤء النية تجاه أفكار وأراء يعجزون عن فهم المغزى. أن العقل المكبل بنظرية المؤامرة هو نتاج أو صورة عاكسة لحالة تعرف في علم الاجتماع النفسي بـ (الفوبيا) أي الهلع أوالخوف الشديد من ظاهرة أو أسماء أو أشياء معينة.. فمن خلال قراءتي لبعض الانتقادات لموضوعي السابق الذكر عن ألقوش يظهر بأن أصحابها قد أصابوا في جوانب معينة من كتاباتهم بهذا المرض وفسروا الأمور بما تتلائم مع حالتهم النفسية. وأود أن أشير هنا إلى ظاهرتين: سياسية وطائفية. وفي البدء أقول لهم أقرأوا الموضوع مرة أخرى وأنظروا إليه بعين وقلب وعقل مفتوحة لا منغلقة مطوقة بنظرية المؤامرة والهلع عند ذكر أسم الحركة الديموقراطية الآشورية أو الحركة الآشورية أو تسمية الآشوري وحدها حسبما يتطلبها السياق التاريخي والمنطقي لهذه التسمية. أقولها صراحة وبلمئ الفم والعقل بأن كل من يعتقد بأنه عندما ذكرت كلمة الآشوريين أو الأشورية في المقال السالف الذكر هو إلغاء وإمحاء لبقية تسميات أمتنا الكلدانية والسريانية فهو غبي وأن كل من يحاول بالأسم الآشوري بلع وهضم بقية تسميات أمتنا الكلدانية والسريانية فهو أغبى. لقد زهقنا من هذا الموضوع الذي يشبه قتال الصلعان على المشط ولا أريد الدخول فيه وأرجو أن يكون المقصودين بهذا الموضوع قد فهموا... والإشارة تكفي اللبيب!!!

 فعندما ذكرت علاقة المناضل توما توماس والمعلم أبرم عما، وكلاهما من ألقوش، كان بهدف أخذ نماذج معاصرة لدور الألقوشين في الحركة القومية لشعبنا وليس مدحاً بزوعا. أما إذا كان زوعا لم يأخذ بنصائح المناضل والمعلم فهذا أمر يعود إليهم ولو كنت عضوا في قيادتها ربما كنت قد بحثت عن الجواب لهذا التسائل وأعطيته لهم ولكن يظهر بأن لهؤلاء "الفوبيين" جواب مسبق أصبح في أيامنا هذه بحكم الإسطوانة المشخوطة.
 
لم ألتقي بالمعلم أبرم عما إلا ثلاث مرات، مرتين في السليمانية مع مجموعة من الطلاب الآشوريين الجامعيين  ومرة أخرى في النادي الثقافي الآشوري في بغداد أثناء أحد المهرجانات الشعرية وكلا الحالتين كانتا في السبعينيات من القرن الماضي ولم نتطرق في حينها إلا إلى قضايا قومية وسياسية عامة حيث لم يكن زوعا قد تأسس بعد ولكن كانت له علاقة قومية ببعض اللذين أسسوا زوعا. أما المناضل توما توماس فقد ألتقيت به عشرات المرات وعقدنا سوية جلسات سياسية وقومية وحزبية طويلة وكانت أخرها في دمشق وقبل رحيله ببضعة أيام. وفي جميع الحالات، خاصة عندما كانت اللقاءات في مقر الحركة الديمقراطية الآشورية في دمشق كانت المناقشات تدور عن نضال شعبنا وسبل نيل حقوقه وكانت زوعا محور مناقشاتنا سواء بالنقد أو الإرشاد ونحن نستمع إليه ونناقشه وكانت علاقته الرفاقية مع زوعا قوية سواء كانت محتكرة لساحة النضال أم لا. على العموم أود أن أقول بأنني كنت أتوقع أن يأتي الرد على مقالتي عن ألقوش من أعضاء في زوعا لأنه يظهر من خلال تقيمي الكبير للمناضل والمعلم كأنه تهميشاً لزوعا ولكن أخوتنا في الرد فهموا الصور مقلوبة فجالوا وصالوا في إعادة وتكرار الاسطوانة المشخوطة التي ينشرح في سماعها أعداء أمتنا والمتعطشين لدولارات كردستان. إضافة إلى المناضل والاستاذ المذكورين كنت أود أن أذكر أيضا أسم المناضل فرنسوا الحريري وهو في السنوات الأخيرة وقبل إستشهاده وموقفه من زوعا ولكن لأنه أولا: ليس من ألقوش، وثانيا: خشيت أن أتهم بـ "النسطورية والطائفية" من المنتقدين لذلك تجنبت ذكر أسمه. فالغريب والعجيب عن هؤلاء المنتقدين هو حشر أسمي بمناسبة أو بدون مناسبة بالحركة الديمقراطية الآشورية وأقولها صراحة هذا شرف لي لا بل ويزيدي شرفاً أكثر وأكثر أن تكون لكل حركاتنا وأحزابنا القومية الشريفة مكاناً في قلبي إلى جانب ألقوش.

أما الظاهرة الثانية التي فسروها المنتقدون للموضوع وفق نظرية المؤامرة، هي الظاهرة الطائفية. أن المصاب بهذا المرض يتصف بالارتباك والتخبط وخلط الأمور ببعضها ويتصور بأن العالم كله ضده و "المؤامرجية" يحيطون به من كل الجوانب. فمن خلال قراءة الردود يظهر بأن هؤلاء يصعب عليهم التفريق بين الآشورية والنسطورية كما كان يفعل نظام البعث المقبور في العراق وتلاميذه وينظرون إلى الآشوريين وفق العقلية العراقية التقليدية في تخوينهم وربطهم بالنسطورية. أنصح هؤلاء في قراءة كتابي المعنون (الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة حال في العقلية العراقية تجاه الأقليات) نشر عام 2003 من قبل دار الساقي في بيروت ولندن فهو حتماً سيكون مفيدا لهم في فهم هذه الحالة ومفيدا لي وللقراء في عدم الإطناب في هذا الموضوع.

وأخيرا لم يبقى إلا أن أقول شيئاَ آخر عن المنهجية في القراءة والكتابة والتي تظهر بوضوح في المقالات التي ردت على مقالتي، أن الإطلاق والعمومية شيئان مرفوضان في القراءة والكتابة. فالمطلق منهج مثالي ميتافيزيقي لا وجود له في عالم الواقع. فالقارئ والكاتب  يجب أن يضعا النسبية أو الأصح مصطلح "بشكل عام" موضع نظرهما قبل قراءة أي موضوع أو الكتابة عنه. فعلى سبيل المثال عندما قلت بأن الألقوشيين كانوا يجلسون في المقاهي ويلعبون الورق أو القمار ثم مايلبث أن يدق ناقوس الكنيسة حتى يهروا للقداس ... بالله عليكم هل هناك متعلم يفهم بأن المقصد هو كل الألقوشيين... هل كل الألقوشيين لا شغل لهم ولا عمل إلا لعب القمار؟؟؟؟ أم يكون مثل هذا اللعب لبعض الرجال وأيام العطل والأحاد؟؟؟  والحالة نفسه بالنسب للألقوشيين الذين قدموا طلباً للإنظمام إلى الكنيسة النسطورية فالمقصد كان بعض وبالأخص المعنيين بشؤون الأمة وليس كل الألقوشيين.. موضوع لا أريد الإطالة فيه لأنه ساذج لا معنى له.

هذا من حيث النظرية والمنهج، أما من حيث الوقائع التاريخية التي حاولت من خلالها بيان شهامة الألقوشيين فهي مواضيع ووقائع تاريخية معروفة وتفسير تفاصيلها قد لا يتفق أثنان عليها، وهي حالة صحية لا غبار عليها ولكن مع هذا لا يقلل أختلاف التفسيرات من أهمية الحدث التاريخي أو يمحوه. فإذا كنت قد قصرت في ذكر تفاصيل مسبهة لهذه الحوادث فهو أمر كان يتطلبه سياق الموضوع وحسناً فعل المنتقدون عندما اسهبوا فيها سواء أكان ذلك ضرورياً للموضوع أم غير ضروري ولكن من دون شك كان ذو فائدة لي وللقراء أيضا. وعلى العموم يمكن أن أشير إلى بعض من هذه الحقائق التاريخية المتعلقة بألقوش.

موضوع تعاطف أو تأييد الألقوشيين للحركة القومية الآشورية وهي في بدايتها في أوائل القرن الماضي طبعاً ليس القصد هنا كل الألقوشيين 100 بالمائة فلا مطلق في الحياة وإنما الحديث هو بشكل عام ويخص المعنيين بالشؤون القومية والسياسية والفكرية، وما العيب فيما إذا كان كل الألقوشيين أو قلة منهم أو حتى نفر واحد منهم يتعاطف ويساند الحركة القومية الآشورية خاصة في ظروف ماحقة وصعبة، أليس هذا فخراً لهم؟؟؟. ذكر هذه الحقيقة التاريخية، سواء أكان كل الألقوشيين أم بعضهم،  ليس فيه أبداً تنقيص من قيمة الألقوشيين، كما يتصورها أحد المنتقدون... وكيف تصورها ؟؟؟ الله أعلم...  بل كان المغزى بيان شجاعة الألقوشيين في تلك المرحلة الصعبة. وهنا أود أن إذكر رموز من ألقوش سطرت أسماؤهم من ذهب في تاريخ نضال قوميتنا. فالأسقف مار توما الألقوشي (أسقف ألقوش) كان جنباً إلى جنب مع الشهيد مار بنيامين بطريرك كنيسة المشرق (النسطورية) في جميع جولاته وصولاته المميتة. أما مار توما أودو مطران الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في أورمي (حالياً رضائية في شمال شرقي إيران) يعتبر رائد من رواد الحركة القومية ومفكر كبير في تاريخ أمتنا وكان من أكبر مؤسسي المجلس القومي قبيل الحرب الكونية الأولى ومن بين الذين دعوا إلى إحلال تسمية (آشوري - أثورايا) بدلا من (سورايا) باعتبار الأولى لها دلالات قومية تاريخية أكثر من الثانية وساند الجنرال إغا بطرس وقواته الكلدوآشورية في حروبها التحريرية التي باركها بابا روما في تلك الأزمنة. أستشهد المطران من أجل قضية شعبه وسطر أسمه من ذهب في سجل شهداء أمتنا. فلا أدري إن كان المنتقدون يعرفون أسماء هؤلاء الأبطال ويفتخرون بهم؟؟؟ هل ذكر هذه الرموز العظيمة هو تقليل من شأن الألقوشيين وإهانتهم أم هو تبجيل لهذه البلدة التي أنجبت (التؤمان) ...توما أودو وتوما توماس؟؟؟

ظاهرة تاريخية أخرى يظهر بأن المنتقدين يعممونها كثيراً ولا يميزون المقدصد منها أو فهم المغزى. صحيح أن الظروف الصعبة أثناء الحرب العالمية الأولى كانت تهدد معظم الشعوب في منطقتنا وبالأخص المسيحيين منهم بسبب معتقدات العثمانيين وسياستهم تجاه الأقليات المسيحية ولكن الظروف المحيطة التي عصفت بأبناء أمتنا من الطائفة المشرقية "النسطورية" كانت مدمرة ومميتة بحيث أقلعتهم من أماكنهم التاريخية وهجرتهم كلياً من مناطقهم وفقدوا نصف عددهم فصب العثمانيون نار حربهم عليهم لأنهم كانوا إلى جانب الأرمن، الوحيدين من الأقليات المسيحية الذين شاركوا إلى جانب الحلفاء ضد الدولة العثمانية ومقاومة ظلمها. وحتى بعد إنتهاء الحرب وتوقيع إتفاقيات السلام وتسويات الحدود منعهم العثمانيون من الرجوع إلى مناطقهم التي أصبحت ضمن الحدود الجديدة للدولة التركية حيث وصفتهم بـ "الخونة". في حين بقى بقية أبناء شعبنا من الكلدان والسريان في مناطقهم ولم تفرغ منهم إلا في السنوات القليلة الماضية. من هنا أقول بأن التهديد المهلك لـ "النساطرة" لم يكن من الكاثوليكية إطلاقاً، كما يؤوله أحد المنتقدين ويحملني نتائجه الطائفية. فالإنتقال من مذهب إلى آخر ليس هلاكاً لشعب أو أمة بل هلاكاً للطائفيين المتزمتين فقط. من هذا المنطلق كان الألقوشيون .... طبعاً ليس كل الألقوشيين ... بل المعنيين بشؤون الأمة كانوا قد قدموا طلباً للإنظمام إلى كنيسة المشرق "النسطورية" كتعبير عن تضامنهم مع أخوتهم في الدم، وما العيب في ذلك طالما نحن أبناء أمة واحدة، كما يقول أحد المنتقدين !!!

 الموضوع التاريخي الآخر الذي أطنب فيه المنتقدون هو الحاكم التركي المدعو صقيلي ودور قوات الليفي الآشورية في قتله، هذا واقع تاريخي يعرفه الكثير من الألقوشيين وغيرهم وليست حكايات جدي فقط. كنت أود أن يكون قد قرأ المنتقدون كتابي المعنون "الآشوريون في السياسة والتاريخ المعاصر" نشره إتحاد الأندية الآشورية في السويد عام 1995 وعرفوا حقيقة هذه القوات.... فإختصار أقول لهم أن العقلية العراقية التقليدية القائمة على تخوين ورفض المختلف هيمنت على عقولهم بخصوص هذه القوات فإعتبروها قوات "مرتزقة" أستعملوها الأنكليز في ضرب الحركة الوطنية ... اية حركة وطنية ؟؟؟؟ ثورة العشرين ... قاومها قوات الليفي العربية المعروفة بالشبانة ... حركة المجرم بكر صدقي أم حركة رشيد عالي الكيلاني المعروفين بميولهم النازية؟؟؟ إن قوات الليفي التي تأسست رسمياً بعد ثورة العشرين كانت تضم رجال من الكلدان، ومنهم المناضل توما توماس الذي أنخرط فيها في الأربعينيات من القرن الماضي، إضافة إلى بعض التركمان واليزيديين ولكن كانت تسمى (Assyrian Levy ) لكون معظمهم من الآشوريين. لقد لعبت هذه القوات دورا كبيراً ومهماً في ضمان إستقرار الدولة العراقية الفتية وليس العكس كما يتصورها "الآخر" خاصة من الناحية الشمالية عند الحدود مع تركيا. فبعد إستسلام الدولة العثمانية وفق معاهدة فيرساي 1919 – 1920 عاد الرجل المريض قوياً بعد وصول الكماليون القوميون إلى السلطة وضربوا عرض الحائط المعاهدات التي كانت موقعة مع الحلفاء فتغلغلوا داخل الأراضي العراقية الشمالية واحتلوا مناطق واسعة حتى عام 1923 حيث لم تتمكن القوات الإنكليزية ولا جيش العراق الفتي من طرد القوات التركية إلا بعد أن تقدمت قوات الليفي الآشورية وتمكنت من دحر القوات التركية وطردهم خلف خط بروكسل الحدودي. هناك المئات من الوثائق في " معهد الوثائق البريطانية" في لندن تتطرق إلى الدور الكبير الذي لعبته هذه القوات بعد الحرب العالمية الأولى وأثناء الحرب العالمية الثانية. وأود أن أشير بهذه المناسبة إلى رسالة الماجستير والدكتوراه التي قدمها الدكتور (يونك) التي كتبهما عن شجاعة هذه القوات وقدمهما إلى جامعة لندن (مدرسة لندن للدراسات الأسيوية والأفريقية) المعروفة بـ (سواس). شخصياً ألتقت بالدكتور (يونك) الذي كان في الثمانينيات من العمر عدة مرات ودعيته إلى النادي الآشوري في لندن حيث ألقى محاضرة عن هذه القوات وألتقى ببعض كبار السن الذين كانوا أفرادا في قوات الليفي.... هذه حقائق تاريخية وليس حكايات جدي .... ألم يطم ممكنا لهذه القوات أن تقتل المجرم صقيلي وهو شخص واحد في الوقت الذي قاتلت وطردت جيش أسياده من شمال العراق؟؟؟؟ ليس هذا فحسب وإنما عندما تقدمت قوات الليفي في بداية العشرينيات من القرن الماضي إلى مدينة الموصل ودخلتها كان لا يزال العادات والسياسات العثمانية الظالمة تمارس ضد المسحيين، حيث لم يكن للمسيحي الحق ركوب الحمار أو الحصان والمرور في شوارع أو أسواق المدينة كما كان مطلوباً منه أن يحمل على كتفه منشفة لكي يمسح بها المسلم المار به يده أو وجهه وعندما سيطر قوات الليفي الآشورية على المدينة أوقفت هذه الممارسات اللاإنسانية بحق المسحيين... هذه حقائق تاريخية وليست حكاية جدي!!! ولا هي نزعات طائفية مقيتة ؟؟؟

أما بالنسبة لحوادث عام 1933 لم أسمع كما لم يتداول الناس بأن أبناء شعبنا من الطائفة المشرقية "النسطورية" أحتموا في القرى الأخرى عدا ألقوش وحكاية توصيل الخبر إلى المثلث الرحمات مار عمانوئيل بطريرك الكلدان من قبل الأشخاص الثلاثة ورد البطريرك عليهم هي معروفة وسمعتها من مصادر عديدة وكان آخر من مطران في الكنيسة الكلدانية. وقد يكون ممكنا أن تدخل البطريرك ولعب دوراً في رفع الحصار عن ألقوش بعد تدخل فرنسا وتأثيرها على الحكومة العراقية، وهنا لايسعني إلا أن أشكر جميع الألقوشيين ... وبشكل مطلق هذه المرة ... وعلى رأسهم البطريرك على حماية جدي وبالتالي بقائي في الحياة. وهناك حقيقة تاريخة معاصرة أخرى تتعلق بالشهيد هرمز ماليك جكو... هناك شهود عيان لا زالوا أحياء يذكرون تفاصيل قصة هجوم الشهيد مع قوته الصغيرة لمركز شرطة ألقوش في اليوم الثاني من شهر كانون الأول عام 1963 وخوض معركته مع الحرس اللاقومي واللاأخلاقي وجحوش النظام ثم بعد ذلك تقدم إلى منطقة ألوكه قرب دهوك حيث أصطدم مع دبابات تابعة لكتيبة من الجيش السوري وأستشهد هناك. وفي كانون الأول من العام الماضي أحتقل الألقوشيون في ألقوش وأقاموا دورة في كرة القدم بمناسبة إستشهاد البطل هرمز.... لماذ أحتفل الألقوشيون بهذه المناسبة ولم تحتفل قرية كوريكفانه، قرية الشهيد هرمز وقرية يونادم كنا أيضاً؟؟؟؟ الجواب معروف ولا لبس فيه.

وأخيراً أود أن أعتذر للقراء وأصحاب الرد عل الإطالة كما أود أن أشكرهم على المعلومات التي زادات من معلوماتي عن ألقوش وبالتالي زادت من عمق مكانتها لا في قلبي ووجداني فحسب وإنما في فكري أيضا وإنني مزمع على زيارتها مرة أخرى في نيسان القادم لأزيد من مكانتها وعزتها وتاريخها في تفكري سواء رضي البعض أم لا. ولا يسعني هنا أيضا إلا أن أشير إلى الكرم الذي منحني أحد المنتقدين وعلمني بأن للألقوشيين جمع تكسير هو "الألاقشة" في الوقت الذي أعرف بأن الأسماء غير العربية لا تخضع لقواعدها المعروفة رغم أن معرفتي باللغة العربية وقواعدها ضعيفة وأعلى درجة حصلت عليها في السنة النهائية للدراسة الثانوية كانت 58 من المائة.       

321
ألقوش في القلب والوجدان


أبرم شبيرا

زرت موطني آشور شمال بلاد مابين النهرين العديد من المرات ولكن لأول مرة وبعد عقود في الغربة أتيحت لي الفرصة أن أزوره  خلال أعياد الميلاد ورأس السنة وأن أعيد مع إصدقائي وأتناول القربان المقدس في أحدى كنائسنا في نوهدرا المعروفة حاليا بـ (دهوك) وأن أزور الكثير من القرى والقصبات في مناطق صبنا وبرواري بالا وسهل نينوى رغم البرودة القارصة جداً إلا أن حرارة اللقاء مع الأصدقاء وأبناء أمتي من مختلف التوجهات والأفكار جعلتني قادراً على مقاومة البرودة لفترة  زادت عن10 أيام التي قضيتها هناك. أتصل بي بعض الأصدقاء مستغرباً عن عدم كتابة بعض الملاحظات عن هذه الزيارة كما كنت أفعل في الماضي  بعد كل زيارة للوطن، فذكرت لهم بأن الأمر ليس بهذه السهولة لأن الواقع الذي تعيشه أمتنا هناك مليئ بالتناقضات والأحداث قد يصعب المسك برأس الخيط والإنطلاق منه لفهم الواقع بشكل منهجي معقول. ولكن مع هذا حزمت أمري أن أكتب بعض السطور لعل يزيل إستغراب أصدقائي المتسائلين ولو إنني تأخرت بعض الشئ.

ليس لي أقارب أو أفراد من عائلتي الصغيرة يعيشون هناك ولا قرية أنتمي إليها ولكن كل أبناء أمتي هم أفراد عائلتي الكبيرة هناك وكل القرى كانوا قريتي وبيتي لهذا كان الواجب والحنين يلزمانني أن أزور كل من أستطعت زيارتهم والتعايش معهم عن كثب وأحس بمعاناتهم وأفراحهم وأحلامهم. وكالعادة فإن المسائل القومية والسياسية تبقى دائماُ في قمة أهتماماتي ولكن مع هذا لم تثنيني من قضاء أوقات ممتعة ومثيرة مع أبناء أمتي في القرى والقصبات التي لازالت بعضها صامدة في وجه الزمن الغادر، وهنا سأكتفي ببلدة ألقوش في هذا الجزء أملاً أن يليه جزءاً آخر عن المسائل القومية والسياسية.

لا أنكر بالقول بأن مشاعري ووجداني الذاتي قد سيطرت على جوانب من موضوعيتي عندما زرت بلدة ألقوش العريقة وأن أبدأ الحديث عنها وأن أضعها عنوانا لمقالتي هذه. ولكن مع هذا أن الموضوعية التاريخية لأصالة هذه البلدة معروفة للداني والقاصي ولا يستوجبها أية مشاعر وجدانية خاصة لكي نزيد من قيمتها. ألقوش البلدة التوراتية العريقة القدم في التاريخ. ويكفي أن تكون بداية إسمها (إلـ ) المصغر للكلمة البابلية/الآشورية (إيل) لتكون مصدراً لعظمة قدسيتها منذ أقدم العصور وأن تنجب خيرة بطاركة كنيسة المشرق وعظماء كتاب الأمة ومفكريها وسياسيها. هذه الصفة الفريدة لألقوس وشهامة رجالها جعلتها أن تكون موضوع حقد وكراهية وعداوة من قبل الآخريين الحاقدين على هذه الأمة منذ العهد الفارسي مروراً بالعهد العثماني فالحكومات العراقية وحتى عصر صدام المقبور وذلك بسبب صلابة رجالها وتمسكهم بقيم أجدادهم العظماء ورفض الإنصهار والخضوع رغم قوة الظلم والإكراه والاستبداد الذي فرض عليهم وإستطاعوا مقاومته حتى يومنا هذا.

وإذا كان التاريخ القديم لا يسعفنا بمعلومات وافية موثقة إلا أن وقائع من التاريخ القريب يعطينا إدلة على مواقف الوقفة البطولية لهذه البلدة والهجمات والاضطهات التي تعرضت لها. فالعثمانيون كان يحقدون أشد الحقد على هذه البلد لأن أهاليها كانوا من المؤيدين للحركة القومية الآشورية التي كانت بوادرها قد بدأت قبل نشوء الحرب الكونية الأولى، وهناك معلومات تشير إلى أن الألقوشيين كان قد قدموا طلباً إلى الباب العالي مبينين فيه رغبتهم في التخلي عن الكاثوليكية والإنظمام إلى كنيسة المشرق (النسطورية) كتعبير لتأييد ومساندة هذه الكنيسة التي كانت الأمواج والعواصف تعصف بها وتهددها بالدمار، غير أن بسبب تدخل فرنسا والضغط على السطان العثماني رفض طلب الألقوشيين وهددوهم بالقمع إذا رفضوا قرار السلطان. أملك مصدر عن هذه المعلومات ولكن من المؤسف أنني لم أستطيع العثور عليها أثناء كتابة هذا الموضوع بسبب إستمرار تنقلي من بلد إلى آخر ووعداً للقراء بأن أعثر عليها وأكتب عنها في فترات لاحقة.

عشية إنتهاء الحرب العالمية الأولى كان هناك في ألقوش لا يزال حاكماً تركياً طاغياً وفاسداً جداً معروف بأسم صقلي تحميه قوات عثمانيه قوية التسليح فكان يعبث بالبلدة وبأهاليها فعندما وصل خبر هذا الطاغي إلى قوات الليفي الآشورية فتقدموا إليه من الجنوب فدخلوا ألقوش فقتلوا كل حراسه وحاشيته ثم أمسكوا بالصقلي وأخذوه إلى الجبال المحيطة بالبلدة وربطوه بالحبل من قدميه ورموه في الوديان ثم سحبوه ورموه مرة أخرى حتى أصبح كتلة من اللحم فإنتقموا من هذا المجرم ونال العقاب الذي كان يستحقه. سمعت هذه القصة من جدي وبعض كبار السن في ألقوش.هذا الحادث كان قد ترك أثر في نفوس أبناء البلدة وأصبح دينا على رقابهم بنتظرون بفارغ الصبر لإيفاءه. وفعلاً ففي عام 1933 لجاً عدد كبير من أبناء شعبنا من أتباع كنيسة المشرق "النسطورية" إلى هذه البلدة هرباً من المذبحة التي أرتكبتها القوات العراقية وبعض العشائر العربية والكردية المتحالفة معهم بحقهم في سميل والقرى الأخرى فأحتموا في بيوت أهاليها وحموهم خير حماية وعلى أثر ذلك قامت القوات العراقية والعشائر المتحالفة معها بمحاصرة البلدة مهددين أهاليها إما بتسليم "النساطرة" لهم أو بهدم البيوت على ساكنيها بالمدافع وإجتياحها ونهب ممتلكاتها. غير أن جميع الألقوشيين وقفوا وقفة رجل واحد وأبوا التنازل لقرار الحكومة وتسليم أخوتهم في الدم حتى تم فتح الحصار بفعل التأثير الفرنسي على قرار الحكومة العراقية. هنا يفرض السؤال نفسه لماذا لجأ الآشوريون من أتباع كنيسة المشرق إلى هذه البلدة دون سواها؟؟؟ الجواب واضح لانهم كان يعرفوا شاهمة الألقوشيين وشجاعتهم في مثل هذه المواقف وأمكانية حمايتهم ومساندتهم في مثل هذه المواقف الصعبة.

وهناك قصص عن هذا الحصار تتصف إلى جانب مأساويتها نوع من الطرافة، وهي الصفة التي يتصف بها الكثير من الألقوشيين. سمعت من جدي الذي كان من بين المحاصرين في البلدة (من الطريف تزوج جدي من المرأة التي كان يحتمي في بيت أهلها) بأن ثلاثة من رجال ألقوش تمكوا من إختراق الحصار والوصول إلى مقر مار عمانوئيل يوسف في الموصل الذي كان بطريركا على الكنيسة الكدانية الكاثوليكية في تلك الفترة لكي يستخدم نفوذه لدى السلطات العراقية أو الفرنسية لفك الحصار، ويقال أن البطريرك قال لهم "إرجعوا إلى بلدتكم فأن مريم العذراء ستحميها" فقفلوا راجعين مؤمنين بأن الحصار سيتم إنهاءه غير إن الحصار إستمر والتهديد بقصف البلدة توعد وتصاعد أكثر فأكثر. فعادوا ورجعوا مرة أخرى إلى البطريرك شاكيين عن قساوة الحصار وصعوبة العيش في البلدة المحصورة بعد أن نفذ المؤن والأرزاق عنها. فعاد البطريرك وقال لهم مرة أخرى "أذهبوا يا أولادي إلى بلدتكم وكما قلت لكم سابقاً فإن مريم العذارء ستحميها" فصعد الدم إلى رؤوسهم وملئوا يأساً وإحباطاً فردوا على البطريرك قائلين "يا سيدنا البطريرك لقد شاهدنا مريم العذراء وهي تهرب من الألقوش ولم تستيطع حمايتها"... العهد على الراوي.

لقد أشرنا في مناسبات سابقة عن ألقوش التي أنجب أبطال عاصرونا في هذا الزمان... فمن لا يعرف توما توماس (أبو جوزيف) سوف لا يعرف شيئاً عن شهامة وبطولة هذه البلدة فهو عنواناً للنضال المستميت من أجل الحرية والكرامة وعزة النفس. فنضال هذا المناضل تجاه شعبه واضح وملموس لأبسط مطلع على شؤون هذه الأمة وهي كثيرة جدا بحيث لا يسعها حتى المجلد الضخم. وللاستشهاد أعيد وأكرر ما سبق وأن كتبته في مناسبة سابقا، لأن مثل هذا البطل يستحق أن نشيد به دائماً وأبداْ وفي كل مناسبة تتعلق بنضال شعبنا. أشير هنا إلى واحدة منها، إلى الوقفة البطولية الشهمة التي وقفها في معركة ألقوش عام 1963 واصطفافه مع القائد الشهيد الشجاع هرمز ماليك جكو في نصرة أهل هذه البلدة والدفاع عنها من هجوم قوات الحلف الشيطاني الذي كان قائماً بين مصاصي دماء الشعوب "الحرس القومي" التابع لحزب البعث الحاكم وأحفاد هولاكو و تيمورلينك من الفرسان المعروفة بـ "الجحوش" والمدعومة من قبل قوات شرطة وجيش النظام البعثي الحاكم في العراق وقتذاك وغيرهم من الحاقدين على هذه البلدة العريقة وعلى أهلها الشهماء، فكانت وبحق ملحمة بطولية أعجز شـخصيا وصف البسالة التي تميز بها هذه المواقف، فغيري من أبناء هذه البلدة كتبوا عنها في مناسبات عديدة وفي أماكن أخرى. ومن المآثر القومية الأخرى لأبي جوزيف، والتي لي معرفة خاصة بها ، تتمثل في دعمه الكبير واللامحدود للحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) في العراق، فعندما التحقت هذه الحركة بركب الكفاح المسلح واصطفت مع بقية الحركات الوطنية من كان غير توما توماس الشهم والمعلم الأول في هذا الأسلوب من النضال أن يمد لها يد العون والإرشاد في وديان وجبال آشور العاصية وظل كذلك وعلى الدوام بحيث لم تمر فرصة وألتقي شخصيا بقياديي هذه الحركة إلا وأمطروا أبا جوزيف بوابل من المديح والامتنان مكررين وعلى أسماع الجميع الدعم الكبير الذي قدمه لهم هذا المناضل الكبير في هذا المجال. وهل ننسى الإستاذ المرحوم أبرم عما أبن ألقوش البار والأب الروحي للحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) الذي لعب دوراً أساسياً في البناء الفكري والتنظيمي للحركة لتجد طريقها نحو المسار القومي الشامل لكل طوائف أمتنا. وعندما زرت مقر زوعا في ألقوش وجدت في أعضاءها نفس روح توما توماس وأبرم عما ومدى إصرارهم على الصمود والنضال في وجه التحديات التي تواجها أمتنا في المرحلة الحالية. وكانت فرصة جيدة أن ألتقي بمدير ناحية ألقوش عند الأستاذ يونادم كنا في أربيل وأن أجد فيه حرصه الكبير على الأهتمام والحفاظ على بلدة الأباء والأجداء وحمايتها من غدر الزمان والحاقدين.

ولا أنسى أن أذكر شيئاً عن حقد نظام البعث المقبور على هذه البلدة التي كان يكرهها كثيراً لأنها أولاً كانت بلدة الكثير من قادة وزعماء الحركة اليسارية والماركسية وكذلك الحزب الشيوعي العراقي ومؤسسه وأول سكرتير عام للحزب يوسف سلمان يوسف (فهد)، ثم كانت نموذجاً للبلدة المتمسكة بتراثها وعراقتها وأصالتها التي لم تكن سهلاً لبلعها من قبل النظام وهضمها ضمن منهاجه في تعريب القوميات العراقية غير العربية. أتذكر كيف أن أزلام النظام ومن لف لفهم قد قاموا بنهب وسرقة المتحف التراثي في دير سيدة الزروع (ديره خثايا) ليس بسبب غلاء ثمن موجودات المتحف لأنها مادياً لم تكن تساوي شيئاً وإنما تدميراً وإمحاءاً للشواهد والمأثورات التراثية والقومية لهذه البلدة التي كانت جزء من هويتها القومية.


ألقوش، جغرافياً ليست كما كانت في عهد طفولتي.... فالطريق الطويل من البلدة إلى دير سيدة الزروع "ديره خثايا – الدير التحتاني" لم يعد طويلاً وموحشاً كما كان في السابق بل غزى العمران هذا الطريق وأضحى بيوت البلدة مرتبطة ومتواصلة حتى الدير. أما الطريق إلى دير علايا (دير ربان هرمز) فالطريق الجبلي الوعر الذي كان يستغرق قطعه للوصول إلى الدير ساعات عديدة أصبح اليوم قصيراً بعد أن أصبح سالكاً بالسيارات غيرأن "شجرة الأماني" التي يربط الزائرون للدير عليه قطعة من القماش (اليوم كان الكثير منه كلينكس) طلباً لتحقيق الآماني والشفاء من الأمراض هو نفسه وفي مكانه يتحدى الزمن. أما دير ربان هرمز رغم بعض التغييرات التي طرأت عليه فأن هبيته ورهبته باقية كسابق عهده يعكس تاريخ كنيسة عانت من الاضطهادات لم تعانيها أية كنيسة في العالم... السلسلة التي تشفي الأمراض كانت في مكانها بدون تغيير ولكن لا ادري إذ كانت لاتزال لها قوة خارقة في عمل المعجزات وتطهير الأرواح والأجساد؟؟؟  أفهل بقى لنا نفس إيمان إجدادنا الذين كان يؤمنون بالمعجزات والقوى الخارقة؟؟؟ هناك شواهد لازالت تركن في زوايا ذكرياتي وكنت أمل أن أراها على الواقع لأعرف فيما اذا كانت باقية أم لم يعد لها وجود أو أهمية تذكر عند الألقوشيين... تذكرت "كبه د مايه" أي كهف الماء الذي كان في قلب جبل ألقوش والذي كان يحرسه رجل طاعن في السن، فهو كهف كبير وكان في وسطه حوض كبير للماء يجري من ينبوع في الجبل. وكانت هناك قصة شبيه بالأسطورة تقول بأن هناك أفعى كبيرة تشبه التنين تأتي كل يوم لتشرب الماء من الحوض ويقال أيضا بأنها كانت أليفة وصاحبة لحارس الكهف. تذكرت، وأنا أسير في شوارع ألقوش، البيادر والتي نطلق عليها "بثراته" وكيف كانت العربة التي يجرها ثور أو حمار، وأعتقد كانت تسمى "جنجر أو ما شابه ذلك" تسحق بالفؤوس المركبة على عجلاتها حبوب الحنطة وتفصلها عن قشرتها وكنا نستمتع كثيرا بركوبها والتباهي بشجاعتنا في ركوب هذه العربة الخطرة... تذكرت المقاهي التي كان يجلس الألقوشيون فيها يلعبون الورق وفي أحيان أخرى القمار ثم ما أن يدق ناقوس الكنيسة الذي كان يهز بيوت البلدة حتى يسرع الجميع إلى القداس والصلاة ثم بعد الانتهاء منها يعودون للعب القمار. تذكرت كيف كان الناس عند غروب الشمس يصعدون على السطوح لتناول العشاء، وفي كثير من الأحيان كان يتكون من خبز الرقاق مع الجبن الأبيض المصنوع في البيت ومع البطيخ (الشمامه) المشهور في ألقوش بـ "بشيله"... تذكرت أشياء وأشياء كثيرة بعضها كانت لازالت قائمة وبعضها الآخر زالت والبعض الآخر لم يسمح وقتي للبحث عن مصيرها فيما إذا كانت قائمة أو إضمحلت؟ 
 
ألقوش منذ القدم كانت بلدة مستقرة في أهاليها وبيوتها وكانت بالنسبة للقرى الأخرى كبيرة بعض الشئ وكانت من الناحية الإدارية ناحية تابعة لقضاء الشيخان (عين سيفني) أو تكليف بعد أن أصبحت هذه الأخيرة مركزاً قاضياً (لست متاكداً من هذه التبعية الإدارية بسبب التغير المستمر في الحدود الإدارية للمنطقة) لهذا كانت تستحق أن تكون مركز قضائيا غير أن الألقوشيين رفضوا أن تكون بلدتهم مركز قضاء لأن ذلك كان سيؤدي إلى دخول "الغرباء" البلدة والسكن فيها ومن ثم تغيير معالمها التراثية والديموغرافية ولا زالت ألقوش لحد هذا اليوم صافية مصفية لا يملك "الغرباء" أملاكاً أو بيوتاً فيها. كنت أمل أن أشتري بيتاً في ألقوش التي ولدت فيها وتعمذت أنا وأخوتي وأولادي جميعاً في دير ربان هرمز "ديره علايا" ولكن عرفت من أهاليها الذين ألتقيتهم بأنه بالرغم من أن هوية الأحوال المدنية العراقية التي أحملها تبين ألقوش كمكان للولادة فأنهم قالوا "أنت لست ألقوشي "أصلي – فصلي" ولا يحق لك شراء بيت في ألقوِش فهذا ينطبق على كل الذين ليسوا من عوائل ألقوشية أصيلة"!! توقف تفكري برهة ثم سألت نفسي أهذا نوع من النزعة القريوية القاتلة والمفتتة لوحدتنا القومية أم نوع  من الإصرار على الحفاظ على الهوية القومية ... هوية البيت فالقرية فالبلدة فالمنطقة ... فسهل نينوى ثم الأمة؟؟؟؟ بكل صراحة أنا من الرأي الثاني ومتحمس له... فالكل يجب أن يحافظ على جزئه الخاص الذي بالأجزاء يتكون الكل ويتكون الوطن الذي هو أساس كل أمة.
 
     

322
نهضة الآشوريين وفق منظور الكتاب المقدس


أبرم شبيرا

تعتبر الكنيسة البروتستانتية، بكل تفرعاتها ومذاهبها الكثيرة والمنتشرة في العالم الغربي، من أكثر الكنائس إهتماماً بالمسائل القومية ونهضة الأمم والشعوب. فمنذ نشوئها في أوربا في القرون الوسطى تزامنت أو دعمت أو أرتبطت بالنهضة القومية في أوربا وبالفكر القومي والمبادئ الأساسية المترتبطة به. وليس غريباً ان تكون الوحدة الألمانية في القرن التاسع عشر نموذجاً للوحدة القومية ومصدراً كلاسيكياً للفكر القومي وللحركات القومية الأخرى. ولهذه الكنيسة أيضاً دوراً في تاريخ الآشوريين المعاصر. فعلى الرغم من الجانب السلبي والمؤثر الذي تركه مبشروا هذه الكنيسة على وحدة كنيسة المشرق وإزدياد تمزقها إلى طوائف، فإن لهؤلاء المبشرين دوراً إيجابياً على المستويين الثقافي والقومي. فعندما وصلوا إلى المناطق التاريخية للآشوريين في شمال غربي إيران وجنوب شرقي تركيا في نهاية القرن التاسع عشر بدأوا، وكأسلوب من أساليبهم التبشيرية، بنشرة الثقافة القومية بين الآشوريين وأهتموا إهتماماً كبيرا بموضوع اللغة وطبع الكتب والمجلات وفتح المدارس ويرجع إليهم الفضل في التطور الكبير الذي حصل في الثقافة والأدب واللغة وتخريج مثقفين وكتاب وشعراء برزوا على الساحة القومية الآشورية.

من الضروري الإشارة هنا إلى ظاهرة فريدة في هذه الكنيسة التي أنتشرت بين الآشوريين وأسسوا كنائس خاصة بهم وهي أنهم رغم تركهم لكنيسة المشرق إلا أنهم لم يتركوا مصدر إنتمائهم القومي الآشوري بل كانت كنيستهم كنيسة قومية حالهم كحال جميع الكنائس البروتستانتية التي هي قومية أكثر من كونها عالمية بعكس الحال مع الكاثوليكية التي وقفت في فترات نشوء الفكر القومي ضده وحاربته بإعتباره فكر لمعصية الله ووحدة شعبه، وهي مسألة طويلة نأمل أن نتطرق إليها في مناسبة أخرى. من هنا لا نستغرب أن يكون الكثير من رواد الفكر القومي الآشوري والكثير من أشهر أدباء وكتاب وشعراء الآشوريين من أتباع هذه الكنيسة البروتستانتية وتوابعها, ولازلنا نسمع حتى يومنا هذا الكثير من الخطب والوعظ لإباء هذه الكنيسة فيها جوانب كثيرة منها تدور حول القومية والدعوة إلى تنمية الوعي القومي لدى الآشوريين.

والملاحظة الأخرى عن هذه الكنيسة هو إعتمادها الكبير على التوراة، أي العهد القديم، في تفسير وتحليل الكثير من ظواهر اليوم وفي دعم التوجهات السياسية وإعطاءها زخماً حماسياً يصل في الكثير من الأحيان إلى التطرف. من هذا المنطلق، ليس غريباً أن تكون بريطانيا ومن ثم أميركا ومعظم الدول التي تكون البروتستانتية أو أي فرع من فروعها، هي الكنيسة المهيمنة من أوائل من دعم نشؤء دولة إسرائيل ولايزالوا حتى اليوم هم من أكثر الداعمين لها متخذين من التوارة منهجاً محتوماً في قيام وبقاء إسرائيل.

أما بالنسبة للآشوريين، فمثل هذا التوجه يمكن أن نتلمسه أيضاً في كتابات وأفكار بعض القساوسة أو أساتذة الكتاب المقدس. وتعتبر كتابات القس كين جوزيف والقس جون بكو نموذجاً في هذا السياق فكلاهما آشوريان ينتميان إلى الكنيسة البروتستانتية أو إحدى فروعها. فعلى سبيل المثال أصدر جون بكو كتابه المعنون (آشور النبوءة المنسية) في عام 1992 الذي أكد فيه بشكل جازم بأن كتاب المقدس قد ضمن نشؤء وقيام الدولة الآشورية مرة أخرى في هذه الألفية وأن الآشوريين هم شعب الله، إلى جانب المصريين والإسرائليين، إلذي سيسودون في منطقة الشرق الأوسط.

ومن أشهر الكتاب، غير الآشوريين، الذين تناولوا هذا الموضوع هو البرفسور الدكتور جوزيف جيمبرز الذي يعد من أكبر فلاسفة اللاهوت والكتاب المقدس في أميركا والعالم حيث كتب بحثاً عن نهضة الآشوريين (The Rebirth of the Assyrians) طبقاً للتوارة ونشر على بعض المواقع الألكترونية. هذا البروفسور ألف ستة كتب وشارك في تأليف كتابين وكتب أكثر من 185 كتيب وعمل 18 فيديو كاسيت وعدد لا يحصى من المقالات والبحوث ومعضمها تدور حول تفسير الكتاب المقدس والمسائل المتعلقة به. كان البرفسور جوزيف قساً قبل أن يدخل عالم البحث في اللاهوت والديانة المسيحية. ويظهر من سيرة حياته بأنه كان يهودياً ولم يكن يعرف القراءة والكتابة حتى السن السادسة عشر عندما أعتنق المسيحية وبعد إنتحار والده المدن على الكحول. بالإضافة إلى نشاطه العلمي والكنسي الكبيرين فهو من أعضاء الحزب الجمهوري الأمريكي ويظهر بأنه من المحافظين المتشددين أو قد يكون من المسيحيين الجدد. له أهتمامات خاصة بتاريخ العراق القديم بأعتباره موطن أبراهيم النبي ومركز قصص التوراة كما كتب عن مدينة بابل وحتى عن صدام حسين وحروبه ومحاولة مقارنة ذلك بالأحداث التاريخية التوراتية. وكتب أيضا عن المسيح الدجال الذي سيأتي إلى العالم وأنه سيكون من العراق وتحديداً من الآشوريين، غير أنه يظهر بأنه في السنوات القليلة الماضية أطلع على نشاط الآشوريين في العراق والخارج وعلى ضوئها تبدل رأيه في هذه المسألة. وأدناه بعض المقتطفات من مقالته أعلاه وأضفت إليها بعض ملاحظاتي وباللون الأحمر وبين قوسين لتكون واضحة للقارئ.

يقول البروفسور جيمبرز: أنه لمثير للإنتباه مراقبة ثقافة كانت بنظر الكثير من الناس ميتة ولكن فجأة بدأت بالإنبعاث والاستنهاض. أنه من غير شك هذا ما يحدث حالياً بالنسبة للآشوريين القدماء. أنه يحدث هذا بحسب تصميم النبوءة. فهناك نبوءتان تطالبان بالوجود الآشوري في هذا العالم وتحديداً في العراق. أولاً: إن عدو المسيح أو المسيح الدجال سيكون آشورياً (هذا ما كتبه في أحدى بحوثه والذي يناقض ما يكتبه في هذه المقالة وبالتالي غير رأيه ) وسيكون معروفاً للعالم بهذه الهوية. ثانياً: أن الثقافة الآشورية سوف تستيقظ تدريجياً وتسيطر في شمال العراق خلال الألفية التي يأتي يسوع المسيح على هذه الأرض. سوف يكون (الآشوريون) أحدى الأمم الرئيسية الثلاث فقط في الشرق الأوسط في خلال هذه الألفية من السلام المثالي. إن النبي إشعيا قد ثبت هذه النبوءة قبل 2700 سنة.
لنرى ما تقول هذه النبوءة العجيبة....  "في ذلك اليوم يمتد طريق من مصر إلى أشور، ومن أشور إلى مصر، فيعبد المصريون والآشوريون الرب معاً. في ذلك اليوم يكون إسرائيل ثالث ثلاثة مع مصر وأشور، وبركة في وسط الأرض" .... ولو استمرينا في هذا السفر الذي يقول " فيباركهم الرب القدير فائلاً: مبارك شعبي مصر، وصنعة يدي أشور، وميراثي إسرائيل"  (أشعيا 23-24 :19 )

ويستمر الكاتب ويقول: عندما نستكشف تواصل الثقافة الآشورية ومميزاتها الخاصة والواضحة منذ 2600 سنة،  منذ أن دمر الجزء الأكبر منها من قبل تحالف جيوش الأعداء في عام 612 قبل الميلاد (البعض يذكر تاريخ 603 قبل الميلاد) (في 612 ق.م .سقطت نينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية وفي 603 ق.م. سقط آخر كيان سياسي آشوري)، سوف يتبين بأن قبضة الله المهيمنة هي في كل شيء. فمن خلال تعلم ودراسة الأحداث المختلفة للسنيين الطويلة لأحفاد هذه الثقافة المتميزة وجدت بأنها ليست سوى مسألة فوقطبيعية عن هؤلاء الأحفاء وعن كيفية بقائهم على قيد الحياة. إن هؤلاء الأحفاد يدعون بأنهم كانوا من أوائل المجموعات المتجانسة ومن أصل واحد الذين أعتنقوا المسيحية في القرن الأول من الديانة المسيحية. فاليوم هناك خمس كنائس صغيرة مترابطة مع البعض (ربما يقصد الكنيسة الكدانية الكاثولكية وكنيسة المشرق الآشورية والكنيسة السريانية الآرثوذكسية والكنيسة الشرقية القديمة والكنيسة السريانية الكاثولكية) تمثل الآشوريين. وكل واحدة منهم تدعي بالآرثوذكسية (أي الإيمان القويم) من المسيحية.

ثم يتابع الباحث بالقول: تدعي الكنائس الآشورية بأنها حققت نجاحاً كبيراً في خلال 500 سنة الأولى من المسيحية. ساهموا في إنشاء العديد من الكليات والمعاهدد وكانوا جزء من حملة نشر الإيمان المسيحي حتى سقوط القسطنطينية بيد المسلمين الغزاة وبعد أن إنشأ محمد الدين الإسلامي الذي سعى إلى إخضاع الشرق الأوسط بالكامل لهذا الدين. لقد كان نجاح الآشوريين معتمداً على مدى تسامح كل حاكم. فالآشوريون هم تحديداً الشعب الأصيل من أهل الرافدين الذين يعيشون في العراق حالياً. فإمبراطورية العرب في العراق لم تنشأ إلا في القرن السادس للميلاد. فهناك بحدود مليون ونصف المليون من الآشوريين يعيشون حالياً في العراق. (وبطبيعة الحال يقصد بالآشوريين هنا جميع طوائف الكنائس الخمس المذكورة أعلاه كما أن هذا العدد نقص بسبب الهجرة والأحداث غير المستقرة في العراق). في عام 1935 بعد الميلاد أسكنت عصبة الأمم عدد كبير من الآشوريين في منطقة تعتبر اليوم جزء من سوريا (ويقصد منطقة الخابور في الجزيرة السورية) . ويبدو أن هذا المشروع للإسكان كان كجزء استرضائي لأن الشعب الآشوري كان قد أهمل وترك خارج التسويات التي أجريت بحق الشعوب الأخرى. لقد دمر صدام حسين العديد من قراهم وقتل الآلاف منهم، فتاريخهم الطويل واضح في كونه من بين الأحداث الأكثر معاناة وحرماناً التي لا تصدق.  الإحصائيات تشير إلى أن 400,000 منهم يعيشون حاليا في أميركا. وهناك قصص جميلة عن رجوع الآشوريين إلى وطنهم ومن مختلف البلدان التي هاجروا إليها من أجل البقاء على الحياة. (هذه القصص غير مؤكدة فالواقع لا يزودنا بدلائل عن رجوع الآشوريين إلى وطنهم بإستثناء عدد قليل جداً من رعايا الكنيسة السريانية الآرثوذكسية الذين رجعوا إلى موطنهم في جنوب غربي تركيا).

حالياً أحد أعضاء مجلس الحكم العراقي هو آشوري وأسمه يونادم كنا. (حالياً السيد يونادم كنا هو عضو البرلمان العراقي والوحيد المنتخب بشكل مستقل عن قائمة الرافدين ومن قبل الشعب الكلداني الآشوري السرياني). وفي الفترة من 10 – 11 مايس 2002 عقد الآشوريون مؤتمراً دولياً في موسكو. (شخصياً حضرت هذا المؤتمر والذي كان يطغي عليه المسائل الفكرية والثقافية ولم تكن له أجندة سياسية ولكن كان من أنجح المؤتمرات الآشورية). فهذا الشعب المتميز يتوحد ويبحث عن منطقة جغرافية محددة لتكون دولة آشور في القطر العراقي ولكن نجاحهم في هذا المجال يبدو محدوداً جداً. فكل حركة لها مغزى توراتي تواجه مقاومة. فالشيطان يكهره الكتاب المقدس  لأنه ربما يعرف بأنه خير لغالبية المسيحيين. فأي مقدار ضئيل من التقدم ومن خلال الحقيقة التوراتية  سوف تكون محك للنقد والهجوم ولكن سوف تسود – أي الحقيقة التوراتية -  -  وتدرج في مواعيد الله وتنتصر. (أي بهذا المعنى يقصد الكاتب بأن الحركة القومية الآشورية باعتبارها حركة مرسومة وفق ما ورد في الكتاب المقدس، ستكون موضوع محاربة ونقد وتهجم من قبل الآخرين).

وبخصوص أعداء المسيح أو المسيح الدجال، يقول البرفسور جيمبرز: في مقالات سابقة كتبت ووثقت بأن المسيح الدجال سيكون من القومية الآشورية، غير أن هذه الفكرة قد رفضت من غالبية علماء الكتاب المقدس ربما لأنهم يفضلون الإنتظار لحين إنجلاء الحقائق قبل أن يتجروأ وإطلاق رأيهم الأخير...  فالحقيقة لا توحي أو تتهم الشعب الآشوري في كونهم ثقافة لفكرة المسيح الدجال، بل في واقع الأمر هي العكس من ذلك تماماً (هنا يظهر بأن الكاتب قد أطلع على تاريخ الآشوريين وكنائسهم ودورهم في نشر المسيحية والتضحيات التي قدموها من أجل كلمة المسيح وبالتالي غير رأيه تماماً بخصوص كون الآشوريين معادين للمسيحية).

ويختم الكاتب بحثه بالقول: أن الآشوريين لهم مستقبل رائع وسوف يحيون من خلال تجدد المسيحية الأصيلة وسوف يكونون أمة عظيمة خلال هذه الألفية. سوف يخدمون الرب يسوع المسيح كملك للملوك وهذا سيساعد لجعل منطقة الشرق الأوسط مركز للحكم الديني في هذه الألفية. فاليوتيبا (أي دولة الخيال أو المثالية) التي حلم بها الرجال (ويقصد الآشوريين) الذين حاربوا الجيوش وماتوا الملايين من أجلها سوف تتحقق على هذه الأرض والتي  ستصبح جنة عدن.
++++++++++++++
وأخيراً نود أن نوضح للقارئ الكريم بأن عرض هذا الموضوع المثير والمهم لا يعني إطلاقاً إتفاقنا مع رأي الكاتب أو غيره من الذين أتخذوا من التوراة منهجاً لتفسير الوقائع السياسية السائدة في عصرنا هذا، فالسياسة واقع ومماسة وأهداف ملموسة قابلة للتطبيق وليست مسائل فوقطبيعية لا نلمسها ونتحسسها ولكن عرضها والإطلاع عليها ستغني الحركة القومية الآشورية بمزيد من المعرفة وبتجارب الشعوب الأخرى، خاصة عندما تأتي من فلاسفة كبار.


323
في ذكرى الـ (90) لاستشهاد البطريرك
center]

   مار   بنيامين   شمعون
امير شهداء الأمة والكنيسـة
   
أبرم شبيرا

ولد مار بنيامين في عام 1887، وفي الثاني من شهر آذار من عام 1903 رسم مطراناً من قبل عمه البطريرك مار روئيل شمعون، وبعد انتقال هذا الأخير الى الحياة الأبدية، رسم مار بنيامين بطريركاً على كنيسة المشرق في الثلاثين من شهر آذار من نفس السنة وهو شاب يافع لم يتجاوز عمره أكثر من ستة عشر عاماً، غير أن معظم الذين عاصروه شهدوا بأنه كان يمتلك عقلاً نيراً وحكمة بالغة وسلوكاً قويماً ووعياً ناضجاً وكأنه رجل في الأربعين من العمر، كما يوصف بأنه كان سليم الجسم كسلامة عقله يتميز بكرامة واسعة وشهامة بالغة وشجاعة فائقــة بحيث لم يكن يعرف معنى للخوف، خاصة عندما تكون المسألة متعلقة بأبناء شعبه، وكان موضوع ثقة كبيرة ليس عند الآشوريين والمسيحيين فحسب وإنما أيضا عند الكثير من العشائر الكردية وزعمائهم الذين كانوا يؤتمنون حكمتـه وعدالته ويلجؤون إليه لفض نزاعاتهم ويحترمون قراراته، ففي الكثير من المرات استطاع أن يحل أصعب الخصومات والنزاعات وأن يعقد بينهم العدل والتفاهم. كما كانت له مكانة خاصة ومتميزة عند السلطات العثمانية المركزية والمحلية يولونه احتراماً شديداً. ويؤكد المؤرخون بأن بعض العشائر الكردية المسلمة في عهد مار بنيامين كانت تأكل الحيوان المذبوح من قبل عائلته وتعتبره لحملاً حلالاً غير محرماً كما هي العائدة عند المسلمين. هذه الصفات الفريدة والمكانة المتميزة التي كان يتمتع بها البطريرك الشهيد مار بنيامين هي التي أدت إلى ازدياد حسد وهيجان بعض زعماء الأكراد المتطرفين والحاقدين عليه وعلى الآشوريين من أمثال المجرم سمكو أغا زعيم قبائل الشيكاك الكردية المتطرفة. 

لذلك عندما أنتقل أمير الشهداء إلى عالم الخلود لم يكن هناك أي شخص آشـوري، سواء الذين خلفوه في كرسي البطريركية أو في قيادة  الأمة يستطيع أن يحل مكانه ويجمع أبناء الشعب تحت قيادة موحدة. كان وبحق آخر قائد آشوري كنسي وقومي قادر على جمع شمل الآشوريين وأبناء طائفته تحت لواء قيادته التي لم تكن في يوم من الأيام قيادة منفردة أو متسلطة. فقد عرف عنه بأن معظم القرارات التي أتخذها تمت بعد التشاور والتباحث مع زعماء العشائر "ماليك"،  الذين كانوا يشاركون في مجلسه باعتبارهم أعضاء في المجلس القيادي للأمة. من هذا المنطلق يقول المؤرخ الآشوري الشماس كوركيس بنيامين أشيتا في كتابه ( رؤساء الآشوريين في القرن العشرين) المكتوب باللغة الآشورية الحديثة  "بأن لو لم يكن الآشوريون قد فقدوا مار بنياميــن في تلك الفترة لربما كانت مسيرة تاريخ أمتنا قد تطورت بشكل آخر، ومن دون أدنى شك كانت ستكون بشكل احسن مما هو عليه الآن لأنه بالتأكيد ما كان يسمح للانتهازيين أن يلعبوا لعبتهــم كما فعلوا بعد الحرب العالمية الأولى وكما يفعلون اليوم" (ص25).
   
نشأ مار بنيامين وترعرع في بيئة دينيـة وقومية وتربـى على المثل العليا في الفداء والتضحية وتمثلت فيه روح الأباء والأجداد العظام في تحمل الصعاب والمشاق ونكران الذات والتضحية في سبيل الأمة والكنيسة، فبالرغم من كونه في العقد الثالث من عمره، استطاع قيادة الأمـة الآشورية في أحرج الظروف وأصعبها نحو الخلود وديمومة التواصل التاريخي رغم كل المأساة والفواجع التي أفرزتها الحرب الكونية الأولى ونتائجها المؤلمة التي فرضت قسـراً وظلمـاً على الشعب الآشوري، كالجلاء عن أرض الوطن والابتلاء بالأمراض الفتاكة والمجاعات القاتلة وحملات التنكيل والإبادة الجماعية التي نفذتها السلطات التركية والعشائر الكردية والفارسية المتحالفة معها ضد الآشوريين .

فإذا كان عمق إيمانه المسيحي وقوة إلهامه الروحي ووسع معارفه اللاهوتية قد أهلته اعتلاء كرسي بطريركية كنيسة المشرق الآشورية فأن ذكاءه الحاد وفطنته السياسية وحبه اللامتناهــي لأمته وشجاعته القومية التي لم يعرف لها حدود، كانت كلها عوامل وضعته في قمة قيادة الانتفاضة الآشــورية ضد الدولة العثمانية أبان الحرب العالمية الأولى والسعي بكل إخلاص وتنافي من أجل تحقيق المصير القومي لشعبه والعيش بأمن وسلام .

كان مار بنيامين من بين القلائل الذين يدركون مضامين السياسة الشوفينية للدولة التركيــة ومغزاها الاستراتيجي القائم على أبعاد عنصرية تتخطى كل الحدود الإنسانية والأخلاقية، خاصة بعد استلام حزب الاتحاد والترقي التركي، والمعروف أيضا بـ " تركيا الفتاة"، مقاليد السلطة في الدولة العثمانية عام 1908 والمعروف بسياسته في تتريك الأقوام غير التركية. فقبل حلول نهاية القرن التاسع عشر خسرت الدولة العثمانية معظم مستعمراتها في شمال أفريقيا على اثر هزيمتها أمام الدول الأوربيــة التي سيطرت على تلك المنطقة، كما تقلص نفوذها في شرق أوربا وبشكل خاص بعد استقلال معظم دول البلقان نتيجة تصاعد حركات التحرر القومي في تلك المنطقة مما حدا بالدولة العثمانية إلى تعويض عن هذه الخسائر بتوجيه أطماعها نحو الشرق لتحقيق الأحلام العنصرية لحزب الاتحاد والترقي في إقامة الإمبراطورية الطورانية تشمل معظم مناطق بيت نهرين وفارس وبلدان آسيا الوسطى وباكستان وأفغانستان وحتى الهنــد .

ومن الضروري الإشارة بأن شعوب هذه المناطق المسلمة وغير التركية لم تكن تشكل، حسب اعتقاد الدولة التركية، أي عائق أمام تحقيق سياستها في تتريكهم وذلك بسبب عامل الدين المشترك وضمن مفهوم الخلافة الإسلامية أو تحت لواء الجامعة العثمانية، في حين شكلت الشعوب المسيحية الأخرى كالآشوريين والأرمن والروس عائقاً أمام تطبيق سياسة التتريك ودمجهم في الإمبراطورية الطورانية المسلمة لذلك وجدت في سياسة الإفناء والإبادة الجماعية والحروب المقدسة "الجهاد" ضد هذه الشعوب أو تهجيرها قسراً إلى مناطق أخرى، الوسائل الممكنة لإزاحتهم عن طريق تحقيق أحلامها الشوفينية،  كما وجدت في الحرب الكونية الأولى الفرصة المثالية لتنفيذ هذه السياسة .

وفعلاً عندما أعلنت الدولة التركية مذابحها المشهورة في التاريخ ضد الأرمن شملت هذه المذابح الآشوريين أيضاً حيث بدأت القوات التركية وبعض العشائر الكردية المتحالفة معها بشن هجمات على القرى الآشورية الآمنة وحرقها وتشريد سكانها والتنكيل بهم. ويروى بأن أحد المبشرين الأجانب سأل القائد التركي عن سـبب شن حملات الإبادة الجماعية ضد الآشوريين في الوقت الذي يخص قرار (فرمان) السلطة العثمانية الأرمن وحدهم دون غيرهم من المسيحيين، أجاب القائد التركي:  "إنني لا أســتطيع التمييز بين الروث الجاف والروث الرطب فكلاهما كريــه".

هذه السياسة البربرية وضعت الآشوريين وعلى رأسهم البطريرك مار بنيامين في موقف ماحق ومهلك لم يترك أمامه  خيارات متاحة سوى خيارين، إما الموت والفناء أو المواجهة والمقاومة لهذه السياسة وبكل الأساليب الممكنة والمتاحة. وفعلاً ففي شهر أيار من عام 1915 اجتمع البطريرك مع بقية الزعماء الآشوريين فاتخذوا قراراً جريئاً وشجاعاً في الانضمام إلى الحلفاء والاشتراك في الحرب ضد الدولة العثمانية وحلفائها بعد أن تأكد له عدم جدوى وقوف الآشوريين جانب الحياد والمذابح تفعل فعلها في أعناق أبناء شعبه المسالم وبعد أن ثبت بطلان وزيف وعود الأتراك والمغريات المعروضة من مال ومناصب على البطريرك وبقية الزعماء الآشوريين لمنعهم من الاشتراك في الحرب ضدها.

وبعد اشتراك الآشوريين مع الحلفاء في الحرب ومن ثم نكوص وتخاذل روسيا أولاً ثم بريطانيا ثانياً عن الوعود الممنوحة لهم في المساعدة بالسلاح والتموين والإسناد في حربهم ضد الدولة التركية، اصبح الآشوريون منفردين في مواجهة القوات التركية والعشائر الكردية والفارسية الجيدة التسليح، خاصة بعد انهيار الجبهة الشرقية على اثر انسحاب روسيا من الحرب وعقد الهدنة مع تركيا ودول المحور عند قيام الثورة البلشفية الاشتراكية في أكتوبر من عام 1917، لذلك تعرض الآشوريون إلى الهجمات الانتقامية الشرسة وأخذت القوات التركية وحلفاؤهم تنكل بهم تنكيلاً وتقتل بهم تقتيلاً من أجل تنفيذ سياسة إفناء الوجود الآشوري من مناطقهم التاريخية، وهي مأساة مفصلة بشكل دقيق في الكثير من الكتب. ففي هذه الظروف المأساوية قاد مار بنيامين شــعبه البائس والجائع والمتشرد من منطقة هيكاري إلى منطقة أورمي في شمال بلاد فارس في هجرة جماعية تعتبر وبحق سفر من أسفار اضطهاد ومعاناة الجنس البشري على الكرة الأرضية وهو في بداية قرن جديد لم يعرف الآشوريون منه غير الدمار والتشرد والجوع والأمراض الفتاكة والفواجع المهلكة.

وإذا كان بعض المحللين الذين درسوا تاريخ الآشوريين في تلك الحقبة الزمنية يرون في اندفاع الآشوريين وترك أوطانهم في هيكاري واللجوء إلى أورمي خطأً عسكرياً واستراتيجياً مميتاً كلفهم الكثير، فيه نوع من القبول من الناحية النظرية العسكرية إلا أنه من ناحية أخرى يفتقر مثل هذا التحليل إلى النظرة الموضوعية التاريخية لطبيعة الشعب الآشوري وللظروف المهلكة التي كانت تحيطه من كل الجوانب بحيث لم تترك له فرصة الاختيار إلا الخيار الأصعب والوحيد ذلك لأن بقاء الآشوريين مع عوائلهم منفردين ومعزولين عن العالم الخارجي ومحاطين بأعدائهم  همهم الوحيد التنكيل بهم وأبادتهم ما هو إلا ضرب من الانتحار الجماعي للأمة وإعطاء الفرصة لأعدائها في تنفيذ سياستهم المرسومة للقضاء على الآشوريين نهائياً. في حين ضمن الآشوريون بلجوئهم إلى المناطق الأخرى بعيدين عن أوطانهم عنصر الحياة والديمومة والتواصل كقومية تاريخية تمتد جذورها لقرون طويلة في التاريخ البشري. فالمقدرة العضوية التي اكتسبها الآشوريون في التكييف والتمحور تجاه المأساة والمعاناة المستديمة والفواجع الاجتماعية والطبيعة عبر تاريخهم السياسي الطويل ضمن لهم عنصر البقاء والخلود وأنطبق عليهم وبحق قانون الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح،  مع التحفظ للتفسيرات المختلفة لهذا القانون، وكان مار بنيامين قد أستلهم هذه الحقيقة وأدركها جيداً عندما أختار الخيار الأصعب والقرار الوحيد لأجل إنقاذ شعبه من الدمار الشامل رغم كل الخسائر الفادحة التي كلف اتخاذ مثل هذا القرار، بما فيه خسارة جزء من الوطن، وأقصد هيكاري، لأنه كان يدرك بأن بقاء شعب، مثل الشعب الآشوري الصلد والمقاوم، سيعوض عن هذه الخسائر طالما تمسك بالقيم والمبادئ التي خلقته كأمة خدمت العالم وأعطت للإنسانية كثير الكثير واستطاعت المحافظة على نفسها طيلة قرون طويلة من الظلم والاضطهاد .

ولو حاولنا، بكل موضوعية وبعيداً عن العواطف والمشاعر القومية، دراسة شخصية مار بنيامين كقائد أمة لوجدنا فيه خصال وميزات فريدة في تاريخ هذا الشعب الصغير يستوجبها الكثير من التفاصيل والبحوث ولكن باختصار شديد نشير إلى أهمها:
1) - أدرك مار بنيامين منذ البداية بأنه قائد شعب صغير لا حول له ولا قوة يعيش في مناطق عاصية محاطة بالشعوب المعادية المتعصبة دينياً وقومياً إضافة إلى كونه شعب لا يرتبط لا عقائدياً، أقصد كنسياً كالكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس، ولا قومياً بالشعوب والدول الأخرى لكي تساعده وتستجيب لحمايته عند تعرضه للاعتداء. لهذا الأسباب وجد في العامل الموضوعي الجيوبولوتيكي سبباً رئيسياً للتحالف مع روسيا باعتبارها أقرب الدول العظمى التي يمكن أن توفر المساعدة والحماية للشعب الآشوري في المنطقة. ومن الملاحظ بأن هذا العامل الموضوعي الجغرافي في التحالف مع روسيا تتبين أهميته من خلال عدم تأثره بالمبادئ السياسية والفكرية للثورة البلشفية في روسيا، خاصة عندما ندرك بأن مار بنيامين أستمر التراسل مع لينين زعيم الثورة البلشفية في روسيا في أكتوبر عام 1917 وبقية زعماء وقادة الروس البلاشفة من أجل ضمان التحالف معها ضد العدو المشترك.
2 ) - عرف عن مار بنيامين بحساسية شديدة ومفرطة تجاه المبشرين من الكنائس الغربية الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية الروسية، وهي مسألة طبيعية لرجل مسؤول يتربع على كرسي البطريركية كان يشاهد بألم ويتحسس بمرارة نهش المبشرين أوصال كنيسته ورعيته الصغيرة من دون أن يستطيع عمل شيء أو يوقف نشاطهم الذي تطاول حتى بيت البطريرك نفسه خاصة عندما أعتنق عمه نمرود وجميع أفراد عائلته المذهب الكاثوليكي. ولكن مع كل هذا، كان للعامل القومي لديه اعتباراً أساسياً وفوق جميع الاعتبارات عندما تكون المسألة متعلقة بتقرير مصير شعبه. من هذا المنطلق لم تمنع كاثوليكية أغا بطرس من أن يجعله قائداً عسكرياً مقرباً إليه يعتمده في معظم مهماته القومية والعسكرية كما لم تمنع أرثوذكسية فريدون أتورايا في أن يتفهم مشاريعه القومية وأن يكون له مكانة متميزة عنده، وهي حقائق حاول البعض  تزيفها وتحريفها بقصد الإساءة إلى هذين الزعيمين القوميين واتهامهما بمختلف التهم، وبتخطيط من الإنكليز، منها أعطاء تفسيرات لمشاريع أغا بطرس وفريدون آتورايا بأنهما يحاولان تجريد مار بنيامين من زعامة الأمة والاستلاء عليها من قبل "أبن الأرملة" و "الشيوعي الغوغائي" كما كان ينعت هذين الزعيمين القوميين من قبل المؤيدين لبريطانيا. كل هذا من أجل إفشال أي تقارب مع روسيا وضمان التحالف مع الإنكليز، وهي المهمة التي نجحوا فيها في الفترات اللاحقة، خاصة بعد التخلص من فريدون أتورايا وأغا بطرس والقضاء عليهما.
3) – عند الحديث عن مار بنيامين كزعيم لأمة أستشهد من أجلها يجب أن نتجرد من الشمول والإطلاق وأن لا نقيس أعماله بمعاييرنا السياسية والقومية السائدة في هذا اليوم، بل يجب قبل كل شيء أن نضع في عين الاعتبار منصبه الديني باعتباره بطريركاً لفرع من كنيسة المشرق الممزقة وله التزامات ومسؤوليات تجاه رعيته وتجاه غيره من رعايا فروع الكنيسة وبطاركتها. لهذا السبب كان مار بنيامين شديد الذكاء والحذاقة في مهماته القومية والسياسية بحيث عرف حدود مهماته هذه بكل دقة وتابعها في كل أقواله وأعماله. من هذا المنطلق لم يشمل في دعواته في تحرير شعبه وتقرير مصيره طوائف الفروع الأخرى لكنيسة المشرق احتراما لغيره من البطاركة وتقديراً لموقفهم من سياسة الدولة التركية تجاه أبناء الأمة جميعاً. فواجب كل بطريرك كان يستوجب الدفاع عن رعيته، وهذا ما فعل مار بنيامين الذي ضحى بحياته من أجلها.
4 – مسألة أخرى يجب أن لا تفوتنا، بل يستوجبها الإشارة ولو كانت بسيطة ولكن غير معروفة للكثير من الآشوريين، وهي انقطاع أو توقف نظام التوارث لكرسي البطريرك في كنيسة المشرق في عهد مار بنيامين والمعروف بـ " ناطر كرسي". إذ هناك غموض أو قلة المعلومات فيما إذا كان مار بنيامين فعلاً "ناطر كرسي" عندما توفي عمه البطريرك مار روئيل، وأصبح هو البطريرك، أم كان هناك "ناطر كرسي" آخر من نفس البيت وتحديداً أحد أبناء عمه نمرود وأقصد المطران أوراهم. كما أن مار بنيامين لم يكن له "ناطر كرسي" وعند استشهاده خلفه أخوه مار بولص الذي أيضاً عندما توفي لم يكن له "ناطر كرسي"، وعندما رسم مار شمعون إيشاي، وهو طفل في الثانية عشر من العمر، لم يكن هو ألآخر "ناطر كرسي" ولا غيره وحتى عندما قتل في عام 1975 في كاليفورنيا/أميركا لم يكن هناك "ناطر كرسي" يطالب بالبطريركية. هذه الظروف المأساوية التي فرضت على الآشوريين وعلى كنيستهم وبالأخص على عائلة مار شمعون لم تكن مناسبة أبداً للتفكير والتحضير لـ "ناطر كرسي" للمستقبل. وهكذا تكون سلسلة بيت أبونا قد أنقطعت عن البطريركية بعد أن خدمة الأمة والكنيسة أكثر من 500 عاماً. هذا النظام أي "ناطر كرسي" الذي نشأ بسبب جملة عوامل موضوعية وظروف خاصة خارجة عن إرادة أبناء الأمة والكنيسة، فإنه بالرغم من سلبياته في الفترات اللاحقة وإتخاذه حجة للإنشقاق عن كنيسة الأم، إلا أنه يجب أن لا ننكر بأنه كان له دوراً كبيراً في حماية استقلال الكنيسة ومنع الحكام من التدخل في اختيار البطاركة ورسامتهم. ترى هل أدرك مار بينامين بأن هذا النظام لم يعد له أهمية في الكنيسة ومن ثم يستوجب إبطاله ؟؟  أم كانت هناك ظروف خاصة واستثنائية أملتها عوامل الحرب والتشرد والنزوح للحيلولة دون تطبيق هذا النظام ؟؟؟. أسئلة وأسئلة أخرى يتطلبها الكثير من البحوث والدراسات لهذه المسألة الحساسة التي عصفت في يوم ما بالكنيسة ومزقتها إلى شطرين.

هذه المسائل المهمة والحساسة مفصلة بشكل كبير في كتابنا "الفصل بين الكنيسة والسياسة في المجتمع الآشوري" الذي ينتظر الإنجاز والطبع.

كان مار بنيامين في عصر زمانه يجسد وبحق وصدق أسطورة التضحية والفداء في سبيل الكنيسة والأمة التي كتبها قبله أجداده الأبرار بدمائهم الزكية الطاهرة ويكمل ما شرع به مار شمعون برصباي البطريرك الآشوري الذي وهب حياته في القرن الرابع الميلادي قرباناً لمبادئه وأيمانه بكنيسته وشعبه. وتتجلى عظمـة وتضحية مار بنيامين في كل يوم من أيام حياته القصيرة وفي كل موقف من مواقفه البطولية، وبعض الأمثلة التاريخية تؤكـد هذه الحقيقة:

1 -  عندما أدركــت السلطات التركية عدم إمكانية خداع وإقناع مار بنيامين في استمالته إلى جانبها ضد دول الحلفاء أو إبقاءه على الأقل على الحياد رغم كل المغريات والامتيازات التي وعدته بها له  ولزعماء العشائر وللشــعب الآشوري، لجأت إلى وسائل الضغط والإكراه فوجدت في اعتقاله بتهمــة الخيانة والتحريض على الحرب أو اغتياله الوسائل الممكنة في منع الآشوريين من دخول الحرب مع الحلفاء ضدها لأن الحكومة التركية أدركت بأن القضاء على البطريرك، هذا الشخص بالتحديد ، سيكون بمثابة الضربة الماحقة للآشوريين للاستسلام والخضوع. غير أن الإجراءات الاحتياطية التي اتخذتها القيادة الآشورية بنقل مقر البطريرك التقليدي في قرية قوجانس إلى منطقة عشيرة ديز حال دون ذلك. ثم وجدت في أخيه هرمز الأصغر الذي كان يدرس حينذاك في أسطنبول وسيلة أخرى للضغط على مار بنيامين لتغيير قرار المشاركة في الحرب والتنازل عن حقوق شعبه. ففي منتصف شهر آب 1915 أنذرته السلطات العثمانية بأن أخاه هرمز اصبح رهينة في يدها وسوف يعدم إذا لم يستسلم مار شمعون مع زعماء الآشوريين إلى الأتراك ويمتنعون عن الاشتراك  في الحرب ضدها. فكان جواب البطريرك في رسالة وجهها إلى السلطات التركية تعبيراً عن موقفه البطولي واستعداده الدائم للتضحيـة والفداء حين قال كلمته التاريخية المشهورة التي لا يزال صداها يرن في أذان كل مناضل آشوري شريف .. " إني قائد شــعبي وهم أولادي كثار فكيف أستطيع أن أسلم شعبي من أجل أخي هرمز فهو  شخص واحد فقط فلتكن حياته قرباناً لامته ". ثم بعد ذلك جلب هرمز إلى مدينــة الموصل واعدم، أو ربما كان قد قتل ثم جلب إلى الموصل وعرضت جثته بالقرب من القرى الآشورية كوسيلة أخرى للإرهاب والتخويف. ولا أحســب وجود مشــقة وعناء في استقصاء عبر البطولة العجيبة لمار بنياميــن وقدرته على التضحية في سبيل شعبه وكنيسته من كلمته هذه، خاصة عندما اعتبر كل الشعب الآشوري أولاده قولاً وفعلاً. كما لا أحسب، إذا نظرنا للمسالة بنظرة موضوعية حيادية بعيدة عن عواطفنا وتصوراتنا، وجود ملحمة بطولية من هذا النوع من التضحية حتى في الشعوب الأخرى خاصة عندما نعرف العلاقة القوية الحميمة التي كانت تربط مار بنيامين بأخيه هرمز،  فكان من أقرب أفراد عائلته إليه يرافقه في الكثير من جولاته ومهماته. من هذا المنطلق نقول بأن اتخاذ مثل هذا القرار لم يكن بالأمر الهين بل يفوق التصور الإنساني.

2 -  وفي نفس الشهر من نفس العام سافر مار بنيامين إلى مقاطعة أورمي في شمال بلاد فارس (إيران) للالتقاء والاجتماع بقيادة الجيش الروسي في مدينة سلامس لبحث موضوع الوعود والمساعدات الروسية الموعودة للآشوريين وحسب الاتفاق المعقود بين الطرفين. وفي طريق السفر وعبر الجبال العاصية والغابات الموحشة تعرض إلى هجمات قطاع الطرق والى مطاردات القوات التركية وغارات العشائر الكردية وبعد مشاق الطريق الذي أستمر عدة أيام وليالي، لم تكن نتيجة الاجتماع مع قيادة الجيش الروسي غير وعود جوفاء لم يحصل الآشوريون منها شيئاً غير المزيد من المأساة والفواجع. وأثناء الاجتماع حاولت القيادة الروسية إقناع البطريرك بالبقاء في سلامس تحت حمايتهم وتوفير الأمن والإقامة الآمنة له لضمان حياته من خطورة العودة إلى شعبه المعزول والمحاصر من قبل الأعداء، غير أنه أبى ذلك ورفض بشدة محاولات الروس حيث فضل الموت بين أبناء شعبه على العيش الرغيد بعيداً عنهم، فقال للقائد الروسي كلمة  أذهلته وأذهلت المجتمعين أيضاً : " جئت لأنقذ شعبي لا أنقــذ نفســي فأنا عائد إليه حتى أعيش أو أموت معه " فقفل راجعاً متحملاً مشاق الطريق الطويل والصعب ومخاطر نيران أسلحة الأعداء .

مرة أخرى نتلمس بكل وضوح وجلاء استعداد مار بنيامين للتضحية، لا بأخيه فحسب بل بنفسه أيضاً من اجل شعبه ومن أجل أن يكون قريباً منه رغم شبح الموت الذي كان يخيم عليه مفضلاً الموت معه بدلا من أن يعيش هانئاً آمناً ولكن بعيداً عنه، ذلك لأن البطريرك البطل كان يشعر بأنه من الشعب واليه يعود مهما كانت العوائق والمصاعب ومهما كانت المغريات والحوافز المعروضة عليه لإبعاده عنه. هذه الصفات هي التي خلدت مار بنيامين في التاريخ الآشوري ومن أبوابه الواسعة وأصبح رمزاً قومياً ودينياً لكل من يحمل صفة الآشوري بفخر واعتزاز، وهي الصفة التي تجعله وبكل حق وأنصاف الزعيم العضوي الوحيد للآشوريين في هذا القرن، أي الزعيم الذي كان جزء من الأمة، والأمة جزء منه لأنه لم يكن يتصور إطلاقاً إمكانية العيش في الخارج أو بعيد عن شعبه وهي الفرصة التي أتيحت له في العديد من المرات ولكن رفضها لأنها كانت بمثابة خيانة للشعب وكفر بالله وبرسالة ربنا يسوع المسيح الذي عاش ومات من أجلنا جميعاً. هكذا يؤكد التاريخ الآشـوري بأن ضياع مار بنيامين كان يعني تشتت الأمة وتحطم نسقها الاجتماعي بين أمواج الحرب العالمية الأولى وبالتالي فرضت المأساة فرضاً مميتاً على أبناءها وشتتهم في مختلف زوايا العالم خاصة بعد أن عجزوا في إيجاد زعيم قومي وديني يوازي عظمة أمير الشهداء مار بنيامين.

3 -  في بداية  شهر آذار، وتحديداً في الثالث منه، وفي اليوم الأول من الصوم الكبير عام،1918 عقد اجتماع بين البطريرك الآشوري مار بنيامين والزعيم الكردي إسماعيل الشيكاكي، والمعروف بـ " سمكو " زعيم قبائل الشيكاك الكردية المتطرف والمشاكسة لبحث موضوع تحالف الشعبين ضماناً للأمن والاستقرار وتمهيداً لتطبيق حقهم في تقرير مصيرهم القومي بأنفسهم في ضوء المصالح المشتركة بين الشعبين والتي أفرزتها أوضاع ونتائج الحرب العالمية الأولى. وكانت روسيا البيضاء تستهدف من هذا التحالف والتي سعت إلى ترتيبه لضمان الاستقرار في هذه المنطقة تمهيداً للسيطرة عليها عن طريق استخدام تحالف الآشوريين والأكراد لضرب القوات التركية وإيجاد موطئ قدم لها بعد الخسائر التي منيت بها من جراء وصول الشيوعية إلى السلطة في موسكو. كما لعبت الاستخبارات البريطانية دوراً كبيراً في تشجيع سمكو للاجتماع بمار بنيامين وعقد تحالف معه وذلك من اجل استغلال وحدة قواتهم لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة خاصة بعد أن وضعت ثقتها بسمكو الذي كان قد حلف على القرآن بأن يكون وفياً ومخلصاً للإنكليز وان يسعى بكل شرف وأمانة للاجتماع بالبطريرك الآشوري لعقد الحلف المنشود.

من جانب آخر كان مار بنيامين قد أدرك أهمية هذا التحالف مع الأكراد لضمان الأمن والسلم لشعبه التعيس، بالرغم من الخلفية العدائية بين قبائل الشيكاك والآشوريين والتحذيرات التي انذر بها مار بنيامين من أن محاولة اغتياله قد تكون مدبرة خلال الاجتماع للتخلص منه ومن إصراره على مواصلة النضال حتى أن ينال شعبه حقه في موطنه الذي طرد منه، غير أن كل ذلك لم يمنع البطريرك من الذهاب قدماً لان حبه وتفانيه من اجل إسعاد شعبه كان أقوى بكثير من مخاوف اغتياله لهذا وهب حياته ورخص دمه ذخراً وفداءً لأبناء شعبه عندما اغتيل غدراً وخيانةً من قبل المجرم سمكو بعد انقضاء الاجتماع والتمثيل بجثته ولم تسلم حتى أصبعه التي قطعت ونزعت منها محبس البطريريك وهي ملحمة مأساوية في تاريخ الآشـوريين ومعروفة للكثير منهم وصفحة سوداء في التاريخ الكردي يستوجب شجبها من قبل زعماء الكرد لا اعتبار المجرم سمكو بطلاً من أبطال الكرد.

بعد إغتيال البطريرك قد ثبت فيما بعد تورط الحكومة الفارسية في عملية اغتيال البطريرك عندما عثرت القوات الآشورية التي هاجمت مقر سمكو على كتاب من حاكم تبريز يحث فيه سمكو على قتل مار بنيامين مقابل وعود واغراءات قدمتها الحكومة الفارسية لسمكو لان هذه الحكومة كان أكثر إصراراً على التخلص من مار بنيامين بسبب رفضه تجريد شعبه في أورمي من السلاح لحين ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، لا بل فقد كات المصالح الفارسية والتركية والكردية والإنكليزية كلها قد التقت واجتمعت في نقطة واحدة، وهي لا يمكن كسر شوكة الآشوريين وسحق صمودهم وإصرارهم على استرجاع حقوقهم المفقودة إلا بالقضاء على زعيمهم مار بنيامين والتخلص منه خاصة بعد أن فشلت المحاولات الأخرى، وهي المصالح التي تحققت فعلاً بعد استشهاد البطريرك. ومن سخرية الأقدار أن يقتل سمكو من قبل الفرس بنفس الطريقة التي إغتال مار بنيامين حيث بعد سنوات استدرجته السلطات الفارسية إلى منطقة محددة بهدف الإجتماع معه فاغتالته.

لقد كان البطريرك مار بنيامين رمزاً للتضامن الآشوري تنطوي تحت سلطته الدينية والدنيوية وحدة الآشوريين القومية والدينية والفكرية واستطاع أن يجمع ويوحد جميع العشائر الآشورية وان يقودهم لسنوات عديدة حتى استشهاده. فهو وبحق وجدارة يستحق لقب البطل القومــي الآشوري وأميراً للشهداء الآشوريين، وحسناً فعلت كنيسة المشرق الآشورية بإدراج ذكراه في توقيم الكنيسة وإحيائها في يوم الأحد السابق للصوم الكبير من كل عام، وفي هذا العام يصادف في 27 من كانون الثاني، واعتباره من شهداء الكنيسة وهي مسؤولية قومية أيضاً ملزمة لكل المنظمات والأحزاب الآشورية لإحياء ذكرى هذا البطل التاريخي في مسيرة النضال القومي الآشوري ويستلزم منهم إقامة صرحاً تذكارياً له في المراكز الدينية والقومية. كما أنها مسؤولية المفكرين والكتاب الآشوريين للبحث والتنقيب في مغزى البطولة والاستشهاد التي أكدها مار بنيامين في التاريخ الآشوري والتي تعد دروساً في التربية الدينية والقومية وزاداً لكل المناضلين الآشوريين في مواصلة مسيرة النضال القومي الآشـوري .

مات واستشهد البطريرك  مار بنياميــن ولكن بقـى وســيبقى مدى الدهــر حياً خالداً في ضمائــر كل الآشـوريين الشرفاء... فالجبناء يموتون كل يوم والأبطال يبقون خالدون مع خلود الأمة .

أبرم شبيرا

324
في ذكرى الـ (90) لاستشهاد البطريرك
center]

   مار   بنيامين   شمعون
امير شهداء الأمة والكنيسـة
   
أبرم شبيرا

ولد مار بنيامين في عام 1887، وفي الثاني من شهر آذار من عام 1903 رسم مطراناً من قبل عمه البطريرك مار روئيل شمعون، وبعد انتقال هذا الأخير الى الحياة الأبدية، رسم مار بنيامين بطريركاً على كنيسة المشرق في الثلاثين من شهر آذار من نفس السنة وهو شاب يافع لم يتجاوز عمره أكثر من ستة عشر عاماً، غير أن معظم الذين عاصروه شهدوا بأنه كان يمتلك عقلاً نيراً وحكمة بالغة وسلوكاً قويماً ووعياً ناضجاً وكأنه رجل في الأربعين من العمر، كما يوصف بأنه كان سليم الجسم كسلامة عقله يتميز بكرامة واسعة وشهامة بالغة وشجاعة فائقــة بحيث لم يكن يعرف معنى للخوف، خاصة عندما تكون المسألة متعلقة بأبناء شعبه، وكان موضوع ثقة كبيرة ليس عند الآشوريين والمسيحيين فحسب وإنما أيضا عند الكثير من العشائر الكردية وزعمائهم الذين كانوا يؤتمنون حكمتـه وعدالته ويلجؤون إليه لفض نزاعاتهم ويحترمون قراراته، ففي الكثير من المرات استطاع أن يحل أصعب الخصومات والنزاعات وأن يعقد بينهم العدل والتفاهم. كما كانت له مكانة خاصة ومتميزة عند السلطات العثمانية المركزية والمحلية يولونه احتراماً شديداً. ويؤكد المؤرخون بأن بعض العشائر الكردية المسلمة في عهد مار بنيامين كانت تأكل الحيوان المذبوح من قبل عائلته وتعتبره لحملاً حلالاً غير محرماً كما هي العائدة عند المسلمين. هذه الصفات الفريدة والمكانة المتميزة التي كان يتمتع بها البطريرك الشهيد مار بنيامين هي التي أدت إلى ازدياد حسد وهيجان بعض زعماء الأكراد المتطرفين والحاقدين عليه وعلى الآشوريين من أمثال المجرم سمكو أغا زعيم قبائل الشيكاك الكردية المتطرفة. 

لذلك عندما أنتقل أمير الشهداء إلى عالم الخلود لم يكن هناك أي شخص آشـوري، سواء الذين خلفوه في كرسي البطريركية أو في قيادة  الأمة يستطيع أن يحل مكانه ويجمع أبناء الشعب تحت قيادة موحدة. كان وبحق آخر قائد آشوري كنسي وقومي قادر على جمع شمل الآشوريين وأبناء طائفته تحت لواء قيادته التي لم تكن في يوم من الأيام قيادة منفردة أو متسلطة. فقد عرف عنه بأن معظم القرارات التي أتخذها تمت بعد التشاور والتباحث مع زعماء العشائر "ماليك"،  الذين كانوا يشاركون في مجلسه باعتبارهم أعضاء في المجلس القيادي للأمة. من هذا المنطلق يقول المؤرخ الآشوري الشماس كوركيس بنيامين أشيتا في كتابه ( رؤساء الآشوريين في القرن العشرين) المكتوب باللغة الآشورية الحديثة  "بأن لو لم يكن الآشوريون قد فقدوا مار بنياميــن في تلك الفترة لربما كانت مسيرة تاريخ أمتنا قد تطورت بشكل آخر، ومن دون أدنى شك كانت ستكون بشكل احسن مما هو عليه الآن لأنه بالتأكيد ما كان يسمح للانتهازيين أن يلعبوا لعبتهــم كما فعلوا بعد الحرب العالمية الأولى وكما يفعلون اليوم" (ص25).
   
نشأ مار بنيامين وترعرع في بيئة دينيـة وقومية وتربـى على المثل العليا في الفداء والتضحية وتمثلت فيه روح الأباء والأجداد العظام في تحمل الصعاب والمشاق ونكران الذات والتضحية في سبيل الأمة والكنيسة، فبالرغم من كونه في العقد الثالث من عمره، استطاع قيادة الأمـة الآشورية في أحرج الظروف وأصعبها نحو الخلود وديمومة التواصل التاريخي رغم كل المأساة والفواجع التي أفرزتها الحرب الكونية الأولى ونتائجها المؤلمة التي فرضت قسـراً وظلمـاً على الشعب الآشوري، كالجلاء عن أرض الوطن والابتلاء بالأمراض الفتاكة والمجاعات القاتلة وحملات التنكيل والإبادة الجماعية التي نفذتها السلطات التركية والعشائر الكردية والفارسية المتحالفة معها ضد الآشوريين .

فإذا كان عمق إيمانه المسيحي وقوة إلهامه الروحي ووسع معارفه اللاهوتية قد أهلته اعتلاء كرسي بطريركية كنيسة المشرق الآشورية فأن ذكاءه الحاد وفطنته السياسية وحبه اللامتناهــي لأمته وشجاعته القومية التي لم يعرف لها حدود، كانت كلها عوامل وضعته في قمة قيادة الانتفاضة الآشــورية ضد الدولة العثمانية أبان الحرب العالمية الأولى والسعي بكل إخلاص وتنافي من أجل تحقيق المصير القومي لشعبه والعيش بأمن وسلام .

كان مار بنيامين من بين القلائل الذين يدركون مضامين السياسة الشوفينية للدولة التركيــة ومغزاها الاستراتيجي القائم على أبعاد عنصرية تتخطى كل الحدود الإنسانية والأخلاقية، خاصة بعد استلام حزب الاتحاد والترقي التركي، والمعروف أيضا بـ " تركيا الفتاة"، مقاليد السلطة في الدولة العثمانية عام 1908 والمعروف بسياسته في تتريك الأقوام غير التركية. فقبل حلول نهاية القرن التاسع عشر خسرت الدولة العثمانية معظم مستعمراتها في شمال أفريقيا على اثر هزيمتها أمام الدول الأوربيــة التي سيطرت على تلك المنطقة، كما تقلص نفوذها في شرق أوربا وبشكل خاص بعد استقلال معظم دول البلقان نتيجة تصاعد حركات التحرر القومي في تلك المنطقة مما حدا بالدولة العثمانية إلى تعويض عن هذه الخسائر بتوجيه أطماعها نحو الشرق لتحقيق الأحلام العنصرية لحزب الاتحاد والترقي في إقامة الإمبراطورية الطورانية تشمل معظم مناطق بيت نهرين وفارس وبلدان آسيا الوسطى وباكستان وأفغانستان وحتى الهنــد .

ومن الضروري الإشارة بأن شعوب هذه المناطق المسلمة وغير التركية لم تكن تشكل، حسب اعتقاد الدولة التركية، أي عائق أمام تحقيق سياستها في تتريكهم وذلك بسبب عامل الدين المشترك وضمن مفهوم الخلافة الإسلامية أو تحت لواء الجامعة العثمانية، في حين شكلت الشعوب المسيحية الأخرى كالآشوريين والأرمن والروس عائقاً أمام تطبيق سياسة التتريك ودمجهم في الإمبراطورية الطورانية المسلمة لذلك وجدت في سياسة الإفناء والإبادة الجماعية والحروب المقدسة "الجهاد" ضد هذه الشعوب أو تهجيرها قسراً إلى مناطق أخرى، الوسائل الممكنة لإزاحتهم عن طريق تحقيق أحلامها الشوفينية،  كما وجدت في الحرب الكونية الأولى الفرصة المثالية لتنفيذ هذه السياسة .

وفعلاً عندما أعلنت الدولة التركية مذابحها المشهورة في التاريخ ضد الأرمن شملت هذه المذابح الآشوريين أيضاً حيث بدأت القوات التركية وبعض العشائر الكردية المتحالفة معها بشن هجمات على القرى الآشورية الآمنة وحرقها وتشريد سكانها والتنكيل بهم. ويروى بأن أحد المبشرين الأجانب سأل القائد التركي عن سـبب شن حملات الإبادة الجماعية ضد الآشوريين في الوقت الذي يخص قرار (فرمان) السلطة العثمانية الأرمن وحدهم دون غيرهم من المسيحيين، أجاب القائد التركي:  "إنني لا أســتطيع التمييز بين الروث الجاف والروث الرطب فكلاهما كريــه".

هذه السياسة البربرية وضعت الآشوريين وعلى رأسهم البطريرك مار بنيامين في موقف ماحق ومهلك لم يترك أمامه  خيارات متاحة سوى خيارين، إما الموت والفناء أو المواجهة والمقاومة لهذه السياسة وبكل الأساليب الممكنة والمتاحة. وفعلاً ففي شهر أيار من عام 1915 اجتمع البطريرك مع بقية الزعماء الآشوريين فاتخذوا قراراً جريئاً وشجاعاً في الانضمام إلى الحلفاء والاشتراك في الحرب ضد الدولة العثمانية وحلفائها بعد أن تأكد له عدم جدوى وقوف الآشوريين جانب الحياد والمذابح تفعل فعلها في أعناق أبناء شعبه المسالم وبعد أن ثبت بطلان وزيف وعود الأتراك والمغريات المعروضة من مال ومناصب على البطريرك وبقية الزعماء الآشوريين لمنعهم من الاشتراك في الحرب ضدها.

وبعد اشتراك الآشوريين مع الحلفاء في الحرب ومن ثم نكوص وتخاذل روسيا أولاً ثم بريطانيا ثانياً عن الوعود الممنوحة لهم في المساعدة بالسلاح والتموين والإسناد في حربهم ضد الدولة التركية، اصبح الآشوريون منفردين في مواجهة القوات التركية والعشائر الكردية والفارسية الجيدة التسليح، خاصة بعد انهيار الجبهة الشرقية على اثر انسحاب روسيا من الحرب وعقد الهدنة مع تركيا ودول المحور عند قيام الثورة البلشفية الاشتراكية في أكتوبر من عام 1917، لذلك تعرض الآشوريون إلى الهجمات الانتقامية الشرسة وأخذت القوات التركية وحلفاؤهم تنكل بهم تنكيلاً وتقتل بهم تقتيلاً من أجل تنفيذ سياسة إفناء الوجود الآشوري من مناطقهم التاريخية، وهي مأساة مفصلة بشكل دقيق في الكثير من الكتب. ففي هذه الظروف المأساوية قاد مار بنيامين شــعبه البائس والجائع والمتشرد من منطقة هيكاري إلى منطقة أورمي في شمال بلاد فارس في هجرة جماعية تعتبر وبحق سفر من أسفار اضطهاد ومعاناة الجنس البشري على الكرة الأرضية وهو في بداية قرن جديد لم يعرف الآشوريون منه غير الدمار والتشرد والجوع والأمراض الفتاكة والفواجع المهلكة.

وإذا كان بعض المحللين الذين درسوا تاريخ الآشوريين في تلك الحقبة الزمنية يرون في اندفاع الآشوريين وترك أوطانهم في هيكاري واللجوء إلى أورمي خطأً عسكرياً واستراتيجياً مميتاً كلفهم الكثير، فيه نوع من القبول من الناحية النظرية العسكرية إلا أنه من ناحية أخرى يفتقر مثل هذا التحليل إلى النظرة الموضوعية التاريخية لطبيعة الشعب الآشوري وللظروف المهلكة التي كانت تحيطه من كل الجوانب بحيث لم تترك له فرصة الاختيار إلا الخيار الأصعب والوحيد ذلك لأن بقاء الآشوريين مع عوائلهم منفردين ومعزولين عن العالم الخارجي ومحاطين بأعدائهم  همهم الوحيد التنكيل بهم وأبادتهم ما هو إلا ضرب من الانتحار الجماعي للأمة وإعطاء الفرصة لأعدائها في تنفيذ سياستهم المرسومة للقضاء على الآشوريين نهائياً. في حين ضمن الآشوريون بلجوئهم إلى المناطق الأخرى بعيدين عن أوطانهم عنصر الحياة والديمومة والتواصل كقومية تاريخية تمتد جذورها لقرون طويلة في التاريخ البشري. فالمقدرة العضوية التي اكتسبها الآشوريون في التكييف والتمحور تجاه المأساة والمعاناة المستديمة والفواجع الاجتماعية والطبيعة عبر تاريخهم السياسي الطويل ضمن لهم عنصر البقاء والخلود وأنطبق عليهم وبحق قانون الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح،  مع التحفظ للتفسيرات المختلفة لهذا القانون، وكان مار بنيامين قد أستلهم هذه الحقيقة وأدركها جيداً عندما أختار الخيار الأصعب والقرار الوحيد لأجل إنقاذ شعبه من الدمار الشامل رغم كل الخسائر الفادحة التي كلف اتخاذ مثل هذا القرار، بما فيه خسارة جزء من الوطن، وأقصد هيكاري، لأنه كان يدرك بأن بقاء شعب، مثل الشعب الآشوري الصلد والمقاوم، سيعوض عن هذه الخسائر طالما تمسك بالقيم والمبادئ التي خلقته كأمة خدمت العالم وأعطت للإنسانية كثير الكثير واستطاعت المحافظة على نفسها طيلة قرون طويلة من الظلم والاضطهاد .

ولو حاولنا، بكل موضوعية وبعيداً عن العواطف والمشاعر القومية، دراسة شخصية مار بنيامين كقائد أمة لوجدنا فيه خصال وميزات فريدة في تاريخ هذا الشعب الصغير يستوجبها الكثير من التفاصيل والبحوث ولكن باختصار شديد نشير إلى أهمها:
1) - أدرك مار بنيامين منذ البداية بأنه قائد شعب صغير لا حول له ولا قوة يعيش في مناطق عاصية محاطة بالشعوب المعادية المتعصبة دينياً وقومياً إضافة إلى كونه شعب لا يرتبط لا عقائدياً، أقصد كنسياً كالكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس، ولا قومياً بالشعوب والدول الأخرى لكي تساعده وتستجيب لحمايته عند تعرضه للاعتداء. لهذا الأسباب وجد في العامل الموضوعي الجيوبولوتيكي سبباً رئيسياً للتحالف مع روسيا باعتبارها أقرب الدول العظمى التي يمكن أن توفر المساعدة والحماية للشعب الآشوري في المنطقة. ومن الملاحظ بأن هذا العامل الموضوعي الجغرافي في التحالف مع روسيا تتبين أهميته من خلال عدم تأثره بالمبادئ السياسية والفكرية للثورة البلشفية في روسيا، خاصة عندما ندرك بأن مار بنيامين أستمر التراسل مع لينين زعيم الثورة البلشفية في روسيا في أكتوبر عام 1917 وبقية زعماء وقادة الروس البلاشفة من أجل ضمان التحالف معها ضد العدو المشترك.
2 ) - عرف عن مار بنيامين بحساسية شديدة ومفرطة تجاه المبشرين من الكنائس الغربية الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية الروسية، وهي مسألة طبيعية لرجل مسؤول يتربع على كرسي البطريركية كان يشاهد بألم ويتحسس بمرارة نهش المبشرين أوصال كنيسته ورعيته الصغيرة من دون أن يستطيع عمل شيء أو يوقف نشاطهم الذي تطاول حتى بيت البطريرك نفسه خاصة عندما أعتنق عمه نمرود وجميع أفراد عائلته المذهب الكاثوليكي. ولكن مع كل هذا، كان للعامل القومي لديه اعتباراً أساسياً وفوق جميع الاعتبارات عندما تكون المسألة متعلقة بتقرير مصير شعبه. من هذا المنطلق لم تمنع كاثوليكية أغا بطرس من أن يجعله قائداً عسكرياً مقرباً إليه يعتمده في معظم مهماته القومية والعسكرية كما لم تمنع أرثوذكسية فريدون أتورايا في أن يتفهم مشاريعه القومية وأن يكون له مكانة متميزة عنده، وهي حقائق حاول البعض  تزيفها وتحريفها بقصد الإساءة إلى هذين الزعيمين القوميين واتهامهما بمختلف التهم، وبتخطيط من الإنكليز، منها أعطاء تفسيرات لمشاريع أغا بطرس وفريدون آتورايا بأنهما يحاولان تجريد مار بنيامين من زعامة الأمة والاستلاء عليها من قبل "أبن الأرملة" و "الشيوعي الغوغائي" كما كان ينعت هذين الزعيمين القوميين من قبل المؤيدين لبريطانيا. كل هذا من أجل إفشال أي تقارب مع روسيا وضمان التحالف مع الإنكليز، وهي المهمة التي نجحوا فيها في الفترات اللاحقة، خاصة بعد التخلص من فريدون أتورايا وأغا بطرس والقضاء عليهما.
3) – عند الحديث عن مار بنيامين كزعيم لأمة أستشهد من أجلها يجب أن نتجرد من الشمول والإطلاق وأن لا نقيس أعماله بمعاييرنا السياسية والقومية السائدة في هذا اليوم، بل يجب قبل كل شيء أن نضع في عين الاعتبار منصبه الديني باعتباره بطريركاً لفرع من كنيسة المشرق الممزقة وله التزامات ومسؤوليات تجاه رعيته وتجاه غيره من رعايا فروع الكنيسة وبطاركتها. لهذا السبب كان مار بنيامين شديد الذكاء والحذاقة في مهماته القومية والسياسية بحيث عرف حدود مهماته هذه بكل دقة وتابعها في كل أقواله وأعماله. من هذا المنطلق لم يشمل في دعواته في تحرير شعبه وتقرير مصيره طوائف الفروع الأخرى لكنيسة المشرق احتراما لغيره من البطاركة وتقديراً لموقفهم من سياسة الدولة التركية تجاه أبناء الأمة جميعاً. فواجب كل بطريرك كان يستوجب الدفاع عن رعيته، وهذا ما فعل مار بنيامين الذي ضحى بحياته من أجلها.
4 – مسألة أخرى يجب أن لا تفوتنا، بل يستوجبها الإشارة ولو كانت بسيطة ولكن غير معروفة للكثير من الآشوريين، وهي انقطاع أو توقف نظام التوارث لكرسي البطريرك في كنيسة المشرق في عهد مار بنيامين والمعروف بـ " ناطر كرسي". إذ هناك غموض أو قلة المعلومات فيما إذا كان مار بنيامين فعلاً "ناطر كرسي" عندما توفي عمه البطريرك مار روئيل، وأصبح هو البطريرك، أم كان هناك "ناطر كرسي" آخر من نفس البيت وتحديداً أحد أبناء عمه نمرود وأقصد المطران أوراهم. كما أن مار بنيامين لم يكن له "ناطر كرسي" وعند استشهاده خلفه أخوه مار بولص الذي أيضاً عندما توفي لم يكن له "ناطر كرسي"، وعندما رسم مار شمعون إيشاي، وهو طفل في الثانية عشر من العمر، لم يكن هو ألآخر "ناطر كرسي" ولا غيره وحتى عندما قتل في عام 1975 في كاليفورنيا/أميركا لم يكن هناك "ناطر كرسي" يطالب بالبطريركية. هذه الظروف المأساوية التي فرضت على الآشوريين وعلى كنيستهم وبالأخص على عائلة مار شمعون لم تكن مناسبة أبداً للتفكير والتحضير لـ "ناطر كرسي" للمستقبل. وهكذا تكون سلسلة بيت أبونا قد أنقطعت عن البطريركية بعد أن خدمة الأمة والكنيسة أكثر من 500 عاماً. هذا النظام أي "ناطر كرسي" الذي نشأ بسبب جملة عوامل موضوعية وظروف خاصة خارجة عن إرادة أبناء الأمة والكنيسة، فإنه بالرغم من سلبياته في الفترات اللاحقة وإتخاذه حجة للإنشقاق عن كنيسة الأم، إلا أنه يجب أن لا ننكر بأنه كان له دوراً كبيراً في حماية استقلال الكنيسة ومنع الحكام من التدخل في اختيار البطاركة ورسامتهم. ترى هل أدرك مار بينامين بأن هذا النظام لم يعد له أهمية في الكنيسة ومن ثم يستوجب إبطاله ؟؟  أم كانت هناك ظروف خاصة واستثنائية أملتها عوامل الحرب والتشرد والنزوح للحيلولة دون تطبيق هذا النظام ؟؟؟. أسئلة وأسئلة أخرى يتطلبها الكثير من البحوث والدراسات لهذه المسألة الحساسة التي عصفت في يوم ما بالكنيسة ومزقتها إلى شطرين.

هذه المسائل المهمة والحساسة مفصلة بشكل كبير في كتابنا "الفصل بين الكنيسة والسياسة في المجتمع الآشوري" الذي ينتظر الإنجاز والطبع.

كان مار بنيامين في عصر زمانه يجسد وبحق وصدق أسطورة التضحية والفداء في سبيل الكنيسة والأمة التي كتبها قبله أجداده الأبرار بدمائهم الزكية الطاهرة ويكمل ما شرع به مار شمعون برصباي البطريرك الآشوري الذي وهب حياته في القرن الرابع الميلادي قرباناً لمبادئه وأيمانه بكنيسته وشعبه. وتتجلى عظمـة وتضحية مار بنيامين في كل يوم من أيام حياته القصيرة وفي كل موقف من مواقفه البطولية، وبعض الأمثلة التاريخية تؤكـد هذه الحقيقة:

1 -  عندما أدركــت السلطات التركية عدم إمكانية خداع وإقناع مار بنيامين في استمالته إلى جانبها ضد دول الحلفاء أو إبقاءه على الأقل على الحياد رغم كل المغريات والامتيازات التي وعدته بها له  ولزعماء العشائر وللشــعب الآشوري، لجأت إلى وسائل الضغط والإكراه فوجدت في اعتقاله بتهمــة الخيانة والتحريض على الحرب أو اغتياله الوسائل الممكنة في منع الآشوريين من دخول الحرب مع الحلفاء ضدها لأن الحكومة التركية أدركت بأن القضاء على البطريرك، هذا الشخص بالتحديد ، سيكون بمثابة الضربة الماحقة للآشوريين للاستسلام والخضوع. غير أن الإجراءات الاحتياطية التي اتخذتها القيادة الآشورية بنقل مقر البطريرك التقليدي في قرية قوجانس إلى منطقة عشيرة ديز حال دون ذلك. ثم وجدت في أخيه هرمز الأصغر الذي كان يدرس حينذاك في أسطنبول وسيلة أخرى للضغط على مار بنيامين لتغيير قرار المشاركة في الحرب والتنازل عن حقوق شعبه. ففي منتصف شهر آب 1915 أنذرته السلطات العثمانية بأن أخاه هرمز اصبح رهينة في يدها وسوف يعدم إذا لم يستسلم مار شمعون مع زعماء الآشوريين إلى الأتراك ويمتنعون عن الاشتراك  في الحرب ضدها. فكان جواب البطريرك في رسالة وجهها إلى السلطات التركية تعبيراً عن موقفه البطولي واستعداده الدائم للتضحيـة والفداء حين قال كلمته التاريخية المشهورة التي لا يزال صداها يرن في أذان كل مناضل آشوري شريف .. " إني قائد شــعبي وهم أولادي كثار فكيف أستطيع أن أسلم شعبي من أجل أخي هرمز فهو  شخص واحد فقط فلتكن حياته قرباناً لامته ". ثم بعد ذلك جلب هرمز إلى مدينــة الموصل واعدم، أو ربما كان قد قتل ثم جلب إلى الموصل وعرضت جثته بالقرب من القرى الآشورية كوسيلة أخرى للإرهاب والتخويف. ولا أحســب وجود مشــقة وعناء في استقصاء عبر البطولة العجيبة لمار بنياميــن وقدرته على التضحية في سبيل شعبه وكنيسته من كلمته هذه، خاصة عندما اعتبر كل الشعب الآشوري أولاده قولاً وفعلاً. كما لا أحسب، إذا نظرنا للمسالة بنظرة موضوعية حيادية بعيدة عن عواطفنا وتصوراتنا، وجود ملحمة بطولية من هذا النوع من التضحية حتى في الشعوب الأخرى خاصة عندما نعرف العلاقة القوية الحميمة التي كانت تربط مار بنيامين بأخيه هرمز،  فكان من أقرب أفراد عائلته إليه يرافقه في الكثير من جولاته ومهماته. من هذا المنطلق نقول بأن اتخاذ مثل هذا القرار لم يكن بالأمر الهين بل يفوق التصور الإنساني.

2 -  وفي نفس الشهر من نفس العام سافر مار بنيامين إلى مقاطعة أورمي في شمال بلاد فارس (إيران) للالتقاء والاجتماع بقيادة الجيش الروسي في مدينة سلامس لبحث موضوع الوعود والمساعدات الروسية الموعودة للآشوريين وحسب الاتفاق المعقود بين الطرفين. وفي طريق السفر وعبر الجبال العاصية والغابات الموحشة تعرض إلى هجمات قطاع الطرق والى مطاردات القوات التركية وغارات العشائر الكردية وبعد مشاق الطريق الذي أستمر عدة أيام وليالي، لم تكن نتيجة الاجتماع مع قيادة الجيش الروسي غير وعود جوفاء لم يحصل الآشوريون منها شيئاً غير المزيد من المأساة والفواجع. وأثناء الاجتماع حاولت القيادة الروسية إقناع البطريرك بالبقاء في سلامس تحت حمايتهم وتوفير الأمن والإقامة الآمنة له لضمان حياته من خطورة العودة إلى شعبه المعزول والمحاصر من قبل الأعداء، غير أنه أبى ذلك ورفض بشدة محاولات الروس حيث فضل الموت بين أبناء شعبه على العيش الرغيد بعيداً عنهم، فقال للقائد الروسي كلمة  أذهلته وأذهلت المجتمعين أيضاً : " جئت لأنقذ شعبي لا أنقــذ نفســي فأنا عائد إليه حتى أعيش أو أموت معه " فقفل راجعاً متحملاً مشاق الطريق الطويل والصعب ومخاطر نيران أسلحة الأعداء .

مرة أخرى نتلمس بكل وضوح وجلاء استعداد مار بنيامين للتضحية، لا بأخيه فحسب بل بنفسه أيضاً من اجل شعبه ومن أجل أن يكون قريباً منه رغم شبح الموت الذي كان يخيم عليه مفضلاً الموت معه بدلا من أن يعيش هانئاً آمناً ولكن بعيداً عنه، ذلك لأن البطريرك البطل كان يشعر بأنه من الشعب واليه يعود مهما كانت العوائق والمصاعب ومهما كانت المغريات والحوافز المعروضة عليه لإبعاده عنه. هذه الصفات هي التي خلدت مار بنيامين في التاريخ الآشوري ومن أبوابه الواسعة وأصبح رمزاً قومياً ودينياً لكل من يحمل صفة الآشوري بفخر واعتزاز، وهي الصفة التي تجعله وبكل حق وأنصاف الزعيم العضوي الوحيد للآشوريين في هذا القرن، أي الزعيم الذي كان جزء من الأمة، والأمة جزء منه لأنه لم يكن يتصور إطلاقاً إمكانية العيش في الخارج أو بعيد عن شعبه وهي الفرصة التي أتيحت له في العديد من المرات ولكن رفضها لأنها كانت بمثابة خيانة للشعب وكفر بالله وبرسالة ربنا يسوع المسيح الذي عاش ومات من أجلنا جميعاً. هكذا يؤكد التاريخ الآشـوري بأن ضياع مار بنيامين كان يعني تشتت الأمة وتحطم نسقها الاجتماعي بين أمواج الحرب العالمية الأولى وبالتالي فرضت المأساة فرضاً مميتاً على أبناءها وشتتهم في مختلف زوايا العالم خاصة بعد أن عجزوا في إيجاد زعيم قومي وديني يوازي عظمة أمير الشهداء مار بنيامين.

3 -  في بداية  شهر آذار، وتحديداً في الثالث منه، وفي اليوم الأول من الصوم الكبير عام،1918 عقد اجتماع بين البطريرك الآشوري مار بنيامين والزعيم الكردي إسماعيل الشيكاكي، والمعروف بـ " سمكو " زعيم قبائل الشيكاك الكردية المتطرف والمشاكسة لبحث موضوع تحالف الشعبين ضماناً للأمن والاستقرار وتمهيداً لتطبيق حقهم في تقرير مصيرهم القومي بأنفسهم في ضوء المصالح المشتركة بين الشعبين والتي أفرزتها أوضاع ونتائج الحرب العالمية الأولى. وكانت روسيا البيضاء تستهدف من هذا التحالف والتي سعت إلى ترتيبه لضمان الاستقرار في هذه المنطقة تمهيداً للسيطرة عليها عن طريق استخدام تحالف الآشوريين والأكراد لضرب القوات التركية وإيجاد موطئ قدم لها بعد الخسائر التي منيت بها من جراء وصول الشيوعية إلى السلطة في موسكو. كما لعبت الاستخبارات البريطانية دوراً كبيراً في تشجيع سمكو للاجتماع بمار بنيامين وعقد تحالف معه وذلك من اجل استغلال وحدة قواتهم لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة خاصة بعد أن وضعت ثقتها بسمكو الذي كان قد حلف على القرآن بأن يكون وفياً ومخلصاً للإنكليز وان يسعى بكل شرف وأمانة للاجتماع بالبطريرك الآشوري لعقد الحلف المنشود.

من جانب آخر كان مار بنيامين قد أدرك أهمية هذا التحالف مع الأكراد لضمان الأمن والسلم لشعبه التعيس، بالرغم من الخلفية العدائية بين قبائل الشيكاك والآشوريين والتحذيرات التي انذر بها مار بنيامين من أن محاولة اغتياله قد تكون مدبرة خلال الاجتماع للتخلص منه ومن إصراره على مواصلة النضال حتى أن ينال شعبه حقه في موطنه الذي طرد منه، غير أن كل ذلك لم يمنع البطريرك من الذهاب قدماً لان حبه وتفانيه من اجل إسعاد شعبه كان أقوى بكثير من مخاوف اغتياله لهذا وهب حياته ورخص دمه ذخراً وفداءً لأبناء شعبه عندما اغتيل غدراً وخيانةً من قبل المجرم سمكو بعد انقضاء الاجتماع والتمثيل بجثته ولم تسلم حتى أصبعه التي قطعت ونزعت منها محبس البطريريك وهي ملحمة مأساوية في تاريخ الآشـوريين ومعروفة للكثير منهم وصفحة سوداء في التاريخ الكردي يستوجب شجبها من قبل زعماء الكرد لا اعتبار المجرم سمكو بطلاً من أبطال الكرد.

بعد إغتيال البطريرك قد ثبت فيما بعد تورط الحكومة الفارسية في عملية اغتيال البطريرك عندما عثرت القوات الآشورية التي هاجمت مقر سمكو على كتاب من حاكم تبريز يحث فيه سمكو على قتل مار بنيامين مقابل وعود واغراءات قدمتها الحكومة الفارسية لسمكو لان هذه الحكومة كان أكثر إصراراً على التخلص من مار بنيامين بسبب رفضه تجريد شعبه في أورمي من السلاح لحين ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، لا بل فقد كات المصالح الفارسية والتركية والكردية والإنكليزية كلها قد التقت واجتمعت في نقطة واحدة، وهي لا يمكن كسر شوكة الآشوريين وسحق صمودهم وإصرارهم على استرجاع حقوقهم المفقودة إلا بالقضاء على زعيمهم مار بنيامين والتخلص منه خاصة بعد أن فشلت المحاولات الأخرى، وهي المصالح التي تحققت فعلاً بعد استشهاد البطريرك. ومن سخرية الأقدار أن يقتل سمكو من قبل الفرس بنفس الطريقة التي إغتال مار بنيامين حيث بعد سنوات استدرجته السلطات الفارسية إلى منطقة محددة بهدف الإجتماع معه فاغتالته.

لقد كان البطريرك مار بنيامين رمزاً للتضامن الآشوري تنطوي تحت سلطته الدينية والدنيوية وحدة الآشوريين القومية والدينية والفكرية واستطاع أن يجمع ويوحد جميع العشائر الآشورية وان يقودهم لسنوات عديدة حتى استشهاده. فهو وبحق وجدارة يستحق لقب البطل القومــي الآشوري وأميراً للشهداء الآشوريين، وحسناً فعلت كنيسة المشرق الآشورية بإدراج ذكراه في توقيم الكنيسة وإحيائها في يوم الأحد السابق للصوم الكبير من كل عام، وفي هذا العام يصادف في 27 من كانون الثاني، واعتباره من شهداء الكنيسة وهي مسؤولية قومية أيضاً ملزمة لكل المنظمات والأحزاب الآشورية لإحياء ذكرى هذا البطل التاريخي في مسيرة النضال القومي الآشوري ويستلزم منهم إقامة صرحاً تذكارياً له في المراكز الدينية والقومية. كما أنها مسؤولية المفكرين والكتاب الآشوريين للبحث والتنقيب في مغزى البطولة والاستشهاد التي أكدها مار بنيامين في التاريخ الآشوري والتي تعد دروساً في التربية الدينية والقومية وزاداً لكل المناضلين الآشوريين في مواصلة مسيرة النضال القومي الآشـوري .

مات واستشهد البطريرك  مار بنياميــن ولكن بقـى وســيبقى مدى الدهــر حياً خالداً في ضمائــر كل الآشـوريين الشرفاء... فالجبناء يموتون كل يوم والأبطال يبقون خالدون مع خلود الأمة .

أبرم شبيرا

325
المنبر الحر / صوم نينوى
« في: 11:59 09/01/2008  »
صوم نينوى

أبرم شبيرا
لآشك فيه بأن الآشوريين يعروفون ويسمعون عن الكثير من الممارسات التراثية العريقة بل ويشاركون في إحيائها بعضها، مثل باعوثا دننوايه (صوم نينوى أو النينويين) والأول من نيسان رأس السنة البابلية الآشورية وعيد نسردل (عيد الرشاش) وغيرها من المناسبات التراثية التي تشكل جزءاً مهما من مكوناتهم القومية. لهذا فالكتابة عنها تعد أمراً قد لا يثير إهتماما كبيرا لديهم ما لم تستكشف جوانب جديدة وتحليلات مختلفة ومقارنات بين كل مرحلة من مراحل التاريخ التي إجتازت هذه الممارسات ووصلت إلى العصر الراهن. أما بالنسبة لغير الآشوريين فالأمر يختلف كلياً حيث بالكاد يعرفون أو لا يعرفون إطلاقاً شيئاً عن هذه الممارسات التراثية وعمقها التاريخي وتواصلها الدائم حتى هذا العصر فيكون هذا الجهل المقصود إو غير المقصود عاملاً في إصابتهم بالعمى التاريخي في معرفة الحقائق وتحليلها بما يستقيم بها العلم والمنطق وبالتالي لا يجدون لهم إلا ملجأً بائساً في نكران الأصل التاريخي للآشوريين وأصالتهم العريقة في وطنهم الأم.

يرتبط آشوريو اليوم أصولهم التاريخية بالآشوريين القدما الذين حكموا بلاد ما بين النهرين في الألف الثاني وحتى منتصف الألف الأول قبل الميلاد بجملة روابط حضارية تاريخية ومعطيات ثقافية تراثية ظلت لصيقة بهم على رغم الفواجع والنكبات التي حلت بهم طيلة تاريخهم المديد. فهذه الروابط والممارسات التراثية تسمتد جذورها من أعماق التاريخ القديم وتمتد إلى مرحلة ما قبل تدوين أحداث العهد القديم من الكتاب المقدس. ولعل الأكثر إثارة وبروزاً من هذه الممارسات التراثية هو (صوم نينوى) الذي تتداخل فيه مجموعة عوامل قومية ودينية تداخلاً مترابطاً يصعب الفصل بينهما وتتعثر مهمة تحديد أصولها القومية المادية وفرزها عن الآصول الدينية الروحية. فخلال ثلاثة أيام من كل سنة، وحتى يومنا هذا يحتفل الآشوريون بهذه المناسبة والمعروفة عندهم بـ (باعوثا دنينوايه) أي صوم أو نذر النينويين. وعادة يصادف في الربع الأول من كل عام وفي هذه السنة 2008 تقدم بعض الشي حسب التقويم الغريغوري لكنيسة المشرق الآشورية وسيصادف في الرابع عشر من هاذا الشهر (كانون الثاني).

قبل الإكتشافات الآثارية التي أزاحت الكثير من الغموض والأسرار عن التاريخ القديم لشعوب الهلال الخصيب وظهور وتطور علم الآشوريات، كانت التوراة المرجع الأساسي والمهم، إن لم تكن الوحيد، لأخبار شعوب هذه المنطقة، خصوصاً الآشوريين والمصريين منهم. وظل ولا يزال تأثيرها كبيراً ومحسوساً في اتجاهات الكثير من الكتاب والمؤرخين الذين عالجوا تواريخ هذه الشعوب. ومن جملة ما ورد في التوراة عن الشعب الآشوري( صوم نينوى) الذي من المتحمل أن يكون قد وقعت أحداثه في القرن الثامن قبل الميلاد وفي مدينة نينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية ودونت قصته في سفرالنبي يونان التوراتي وهو معروف عند الآشوريين بـ (يونان إنويا) وعند العرب بأسم (النبي يونس). وفي مدينة الموصل العراقية (نينوى القديمة) كنيسة قديمة مشيدة عليها جامع يعرف بهذا الأسم ويعتقد بأنه كان معبداً آشورياً قديماً ومن هناك خاطب النبي يونان شعب نينوى في حين تذكر مراجع آخرى بأنه كان دير قديم تابع لكنيسة المشرق المعروفة بـ (النسطورية) شيد من قبل راهب أسمه يونان.

جاء في هذا السفر أن الرب طلب من النبي يونان حمل رسالته إلى بلاد آشور، وهي المملكة التي قامت بتدمير مملكة إسرائيل في حدود العام 722 ق.م. وعندما تسلم يونان الرسالة أبت عليه عواطفه اليهودية أن يحذر مملكة هاجمت إسرائيل ونهبت كنوز معبدها وإستهانت بإلاها (يهوا) من قضاء الله في تدميرها. وبعد سلسلة أحداث وتجارب مريرة يمر بها يونان بما فيها قصة الحوت الذي أبتلعه وبقى في بطه لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالي ومن ثم لفظه على شاطئ البحر.... أذعن يونان إلى أمر الرب فأنطلق إلى نينوى عاصمة الآشوريين ليبلغ أهلها وملكها سنحاريب (705 – 681 ) ق.م. بقضاء الله. وعندما دخلها بدأ ينادي قائلاً: بعد أربعين يوماً تتدمر المدينة (سفر يونان 3 : 4). فبلغ إنذار يونان ملك نينوى فقام عن عرشه وخلع عنه حلته وأرتدى المسح وجلس وركع على الرماد ثم دعا جميع رعاياه إلى الامتناع عن الأكل والشرب، وكذلك البهائم والغنم والبقر لا ترعى ولا تشرب ماء. وطلب من جميع الناس أن يرتدوا المسوح متضرعين إلى الله تائبين عن طريقهم الشريرة وعما أرتكبوه من ظلم لعل الرب يرجع عن اقتدام سخطه فلا يهلكون ... هكذا كما مدون في سفر يونان ( 3 : 7 : 9). فلما رأى الله أعمالهم وتوبتهم عن طرقهم الآثمة عدل عن العقاب الذي كان مزمعاً أن يوقعه بهم وعفا عنهم ( 3 : 10). وهذا ما سبب غيظ يونان وسخطه الشديدين بسبب كون الله رحيماً رؤوفاً مع الشعب الآشوري وملكه وبطئ الغضب وكثير الإحسان يرجع عن العقاب. لذلك فضل يونان الموت على الحياة (4 : 3 ) لأن الرب لم ينتقم من الآشوريين وملكهم، وهذا يؤكد حقد اليهود على الآشوريين في تلك الأزمنة كذلك يؤكد بشكل قاطع محبة الله لجميع الأمم وتحديداً للآشوريين حسب هذا السفر.

عندما تمت الإكتشافات الآثارية في المدن الآشورية في القرنين الماضيين وأماطت اللثام عن بعض الغموض الذي كان يكتنف تاريخ الشعب الآشوري وكشفت جانباً من أسرار أو إلتباسات بعض الوقائع التاريخية فإنها أكدت بعض الأحداث التي وردت قصصها في التوراة من جهة ونفت أحداثاً أخرى لا بل وتناقضت أو أختلفت معها من جهة أخرى. وبقدر تعلق الأمر بقصة مجئ يونان إلى نينوى وتبليغ رسالة الرب إلى الآشوريين وتحذيرهم من دمار المدينة العظيمة، كما يوصف ذلك في التوراة، فإن الآثار والرقم الطينية والإسطوانات الكتابية المكتشفة في خرائب نينوى وغيرها من المدن الآشورية والتي تعد أكثر تفصيلاً وتدويناً للأحداث التاريخية ووقائعها من أي آثار أخرى مكتشفة في بلاد ما بين النهرين، خصوصاً حول علاقة الآشوريين وملوكهم باليهود وأنبيائهم، لا تحمل أية إشارة إلى النبي يونان وقدومه إلى نينوى لتبليغ قضاء الرب في تدميرها، في الوقت الذي نعرف بأن فترة حكم الملك سنحاريب أتصفت، إلى جانب التفاصيل الدقيقة عن الحروب التي شنها ضد اليهود وغيرهم من الأقوام، بإنجازات كبيرة وأعمال ضخمة في البناء والتعمير، خصوص في مجال الري وتنظيم السقي والسيطرة على المياة وخزنها وتوزيعها في ظروف بيئية وموسمية مختلفة ومتباينة حيث عرف عن الملك سنحاريب في كونه مهندساً بارعاً في مجال الري وبناء السدود ولايزال آثار بعضها قائماُ في بلاد آشور. فالمنطقة تعرف بغزارة مياها وكثر أنهارها وسيولها الجارفة والتي كانت تفيض في نهاية الشتاء وبداية الربيع وتشح ويجف بعضها في منتصف الصيف وبداية الخريف مما يوحي بأن الفياضانات كانت عاملاً حاسماً في تهديد أستقرار الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية والسياسية في بلاد آشور، وهي الظاهرة التي كانت سائدة حتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي حينما لم تكن السدود الحالية وأنظمة الري مبنية في العراق فكان يفيض نهر دجلة وروافده الموسمية ويدمر أجزاء كبير من المدن المطلة عليه مثل الموصل وبغداد. وتؤيد التواريخ الإغريقية بأن سقوط نينوى عام 612 ق.م. لم يكن ممكناً دون فيضان هائج دمر أسوارها العظيمة وهناك إشارة أيضاَ في التوراة إلى طوفان طام يخفي معالم نينوى (ناحوم 8 :1).

تخبرنا التواريخ القديمة بأن الملك سنحاريب قد قام بأعمال بناء ضخمة جداً لضمان قصره ومدينة نينوى من الفيضانات التي كان يسببها نهر الخوصر أو (خو أصر ) ويعنى باللغة الآشورية (عشر أمثال). فهذا الرافد الموسمي من نهردجلة الذي يجتاز من جوانب أسوار نينوى ويصب في نهرت دجلة كان يفيض في مواسم الفيضانات أكثر من حجمه الطبيعي بعشرة أضعاف أو أكثر ويسبب أضراراً جسيمة للبلاد فيجرف البيوت والقرى والمجمعات السكنية القائمة حول النهر ويتلف محاصيلها الزراعية وبالنتيجة يسبب المجاعات وإنتشار الأمراض والأوبئة لا بل ويهدد الأمن والاستقرار الاجتماعي نتيجة هذه الأضرار والفواجع. هناك ملاحظة شخصية بهذا الخصوص يستوجب ذكرها... ففي ربيع من عام 1981 كنت في مدينة الموصل وشاهدت نهر الخوصر الذي يحاذي التلة المغطاة لسور نينوى يفيض فيضاناً هائجاً بحيث كانت مياهه الطينية الكثيفة تغطي جسر النهر وتغلق الطرق المؤدية إليه مسبباً إزدحاماً في السير وإرتباكاً بين الناس ثم سمعت عن مخاوف الناس من أرتفاع أسعار المنتوجات الزراعية أو شحتها فكانوا يضطرون إلى التزاحم على المحلات التجارية لاقتناء حاجياتهم وإختزانها، فتصورا كيف كان الحال قبل أكثر من 2700 سنة والناس لايملكون تكنولوجيا متطورة في السيطرة على مثل هذه الظواهر الطبيعية أو معالجة الحالات الطارئة.

على أساس ما تقدم قد تكون قصة يونان ومجيئه إلى نينوى لتبليغها قضاء الرب في تدميرها متوافقة ومتزامنة مع فيضان وأعصار عصفا بنينوى ومن ثم الجهود العظيمة التي بذلها الملك سنحاريب وأتباعه في السيطرة عليه ومعالجة نتائجه المدمرة. ومن المعروف عن الطبيعة البشرية بأنه عندما يمر الإنسان في أزمات وفواجع أو يتوقع حدوثها فأنه يلجأ الى الممارسات الروحية مثل تقديم القرابين والصوم والصلوات إلى الرب طلباً للنجاة والخلاص من هذه الشرور، خاصة في مجتمعاتنا الشرقية وتحديداً في كنائسنا المشرقية. وللعرب المسلمين أيضاً مثل هذه الممارسة الروحية والمعروفة بـ (صلاة الاستسقاء) والتي تودئ عندما لا تمطر السماء في الشتاء ويتسبب الجفاف وشحة المنتوجات الزرعاية.

 من هنا يمكن القول بأن صوم النينويين وخشوعهم مع ملكهم الجبار إلى الرب طلباً للرحمة والخلاص يأتي ضمن هذا السياق وفي فترة كان فيضان يهدد بلاد آشور والذي تم تدونه في التوراة بما يتوافق مع المنهج التوراتي في تدون الأحداث ومع التقليد اليهودي في تفسير الظواهر الطبيعية التي تفتقر الكثير من المنطق والسياق التاريخي. وفيما يخص هذا الحدث، كيف يعقل أن ملكاً جباراً وشعباً قوياً أن يخضع لنداء أحد أنبياء اليهود والمعروفين تاريخاً بالعداء والكره للآشورين (كما جاء في سفر يونان) ويقبلون دعواته، ثم كيف يعقل أن يكون الآشوريون وثنيين يعبدون الأصنام وفي عين الوقت يخضوع لرسالة الرب. أليس من المنطق القول بأن الآشوريين كانوا في تلك الفترة يعرفون الله، الخالق الأوحد، ويخضعون لمشيئته، كما يؤكد هذا السفر من التوراة وأن عبادة الله ومخافته والتضرع إليه طلباً للشفقة والخلاص لم يكن حكراً على اليهود وحدهم في تلك الأزمنة بل شملت شعوب أخرى ومنها الشعب الآشوري.
 
بغض النظر عن طبيعة الحدث الذي فرض قوته على الشعب الآشوري وإلزام نفسه بالصوم خشوعاً للرب، فإنه يوكد بما لا يقبل الشك حقيقة تاريخية شكلت في سياقها الزمني وإمتداداتها التاريخية ممارسة طقسية تراثية وقومية دينية أرتبطت بالآشوريين فترة تزيد عن سبعة وعشرين قرناً. فبعد سقوط نينوى في العام 612 ق.م. ومن ثم سقوط آخر كيان سياسي لهم في 605 ق.م. وبعد إنتهاء الحروب وإستقرار الأوضاع باشر الآشوريون والذين كان غالبيتهم من المزراعين في إعادة تعمير المناطق المدمرة وبناء القرى الجديدة قرب مدنهم الكبيرة ومن ثم إستمرار مواصلة ممارسة مهنتهم في الزراعة وبالتالي أستمرار وإحياء الطقوس الدينية والتراثية من جديد. وهناك دلائل تاريخية تشير إلى أن الآشوريين مارسوا أعيادهم القومية والدينية ومناسباتهم التقليدية خلال تلك الفترة، أي بعد تلاشي كيانهم السياسي المستقل، منها إحتفالات رأس السنة الجديدة التي كانت تصادف في الأول من نيسان من كل عام إلا أنه ليس بالإمكان تحديدة إشارة أو دليل واضح على ممارسة الآشوريين لصوم نينوى في تلك المرحلة بسبب قلة أو إنعدام المراجع بهذا الشأن.

بعد ظهور المسيح، عليه السلام، وأعتناق الآشوريين المسيحية وهي في سنواتها الأولى، أصبح للتوراة وقعاً كبيرا على عقلية الشعب الآشوري وتأثيرعميق في إحياء ذكرياتهم القومية والتراثية عن بلادهم ومدنهم وملوكهم، خصوصاً عن سحر وعظمة نينوى التي شكلت محور أساطير العهد القديم بما فيها قصة قدوم النبي يونان إليها وخشوع الملك سنحاريب لإرادة الرب فهناك إشارة للآشوريين في التوارة تزيد عن 150 مرة. وتدلنا مخطوطات كنيسة المشرق "الآشورية" خصوصاً تلك التي دونها القديس مار أفرام (306 – 373) إلى ممارسة الآشوريين لهذا الصوم حيث كانوا يصمون مدة 40 يوماً خاصة في أوقات الأزمات أو خلال المذابح التي كانت تفرض عليهم من قبل الفرس وغيرهم.

وبسبب إرتباط تاريخ الآشوريين وكنيستهم بالمآسي والفواج والتشرد عن أوطانهم وخضوعهم لشتى أنواع الإضطهادات، أرتبط هذا الصوم بهم طيلة تاريخهم الطويل وتتابعوا على ممارسته حتى إنتظامه سنوياً في العصور الحديثة بشكل ثابت ومستقر وأدراجه في تقويم كنيسة المشرق باعتباره من المناسبات المهمة. حيث يعتبر إلى جانب الصوم الكبير صوماً إلاهياً لكونهما الصومين الوحيدين المذكورين في الكتاب المقدس. وباعوثا دنينوايه مناسبة ينتظرها الكثيرون ممن يسعون إلى تحقيق آمالهم عن طريق الصيام والتذرع إلى الرب ولكن في الأزمنة الحديثة وبسبب ظروف العصر والمدينة أختصر الصوم إلى ثلاثة أيام وهو الإنقطاع نهائياً عن الأكل والشرب أو إقتصار ذلك على الصباح ثم الإفطار ظهراً بتناول مأكولات نباتية فقط ويختم الصوم في اليوم الثالث بإقامة القداديس في الكنيسة مع توزيع الذبائح والنذور في باحة الكنيسة. ومن الجدير بالذكر بأن هذا الصوم كان يلتزم بها بعض الشعوب، كالأقباط وبعض العرب المسيحيين في بلاد الشام، غير أنه منذ سنوات طوال أنقطعوا عنه وأصبح في عالم النسيان، وحتى بعض من أبناء شعبنا الذين سيطر عليهم رهبة التوراة والمفاهيم القديمة البالية وفقر المعرفة العلمية في قراءة التاريخ أو الذين يتجاهلون خوفاً أو عمداً أصولهم التاريخية يحاولون إطلاق على هذا الصوم بـ (صوم يونان أنويا) او ذكر باعوثا فقط في تقاويمهم أو أدبياتهم من دون النينويين أو نينوى أو آشور كما يحاولون ربط الصيام لمدة ثلاثة أيام بمدة بقاء يونان في بطن الحوت وهو ربطاً يفتقر إلى أبسط مقوم أو منطق لأن يونان كان يستحق العقاب لا النذر والصيام له بسبب مخالفته رسالة الرب وتردده في تأديتها. من هذا يفرض السؤال قوته: لماذا ظل الآشوريون، حتى وإن كانوا قلة في هذا الزمان، متمسكين بهذا الصوم؟ أعتقد الجواب واضح وضوح الشمس ومن لا يستطيع إستنتاجه من هذه المقالة فهو إنسان أعمى لايستطيع أي يرى حتى نور الشمس.

كان من الطبيعي أن ترتبط بصوم النينويين، عبر مراحل تطوره التاريخي، جملة ممارسات وعادات بعضها أكتسب طابعاً غيبياً أسطورياً يتعلق بالتمنيات والرغبات التي لم يتمكن الآشوريون ضمن ظروفهم المأساوية من تحقيقها في الواقع المادي. ولا يخلو قسم من هذه التقاليد من الطرافة والفكاهة وبراءة الإيمان بكل وسيلة ينسج حولها قوة إمكانية تحقيق الرغبات المستعصية، ومن هذه التقاليد ما يعرف باللغة الآشورية بـ (بوخن) – الباء يجب أن تلفظ ( P )، وهي بالأصل خليط يتكون من سبعة أنواع من الحبوب التي يشتهر بها سهل نينوى، تطحن وتحمص ثم تملح وفي الليلة الأخيرة من الصوم توخذ كمية منها يتم تقديرها عن طريق وضع إبهام اليد فيها وتحميل ظهر الإبهام (الظفر) ووضعها في الفم ثلاث مرات ومن ثم دفعها تحت اللسان والركون إلى النوم بأمل الحلم بأحلام ستتحقق في الواقع. وجانب الطرافة في هذا الطقس يقوم على كون مادة البوخن شديدة الملوحة وتسبب العطش وجفاف الفم أثناء الليل وهما مصدر أحلام الشباب والشابات العازبين الذين يعتقدون بأنهم سيحلمون بشخص يروي عطشهم وسيكون فارس المستقبل أو عروس الغد. ولايزال بعض الآشوريين يصرون على أن ما قسمه الله لهم من نصيب في حياتهم الزوجية كان مرسوماً في حلم من أحلام صوم نينوى.

واليوم، رغم ظروف القهر والاستبداد التي فرضت على الآشوريين ومن ثمت تهجيرهم من أوطانهم التاريخية وتشتتهم بين أقطار العالم من أقصاه (أستراليا) إلى أقصاه الاخر (أميركا) ورغم ظروف التطور الهائل الذي تشهده هذه المجتمعات وتجاوزها للوحدات الاجتماعية التقليدية وتوجهها نحو الثقافة العالمية، فأن الآشوريين لا يزالون متمسكين بقيهم وعاداتهم وتراثم ولغتهم ويسعون من ممارستها الحفاظ على كيانهم القومي والديني ويأملون أن يمارسونها جميعاً في يوم ما وبآمان وحرية في وطنهم التاريخي الذي أنبثقت منه أقدم حضارة عريقة أعطى شعبها للإنسانية كثير الكثير ولم يأخذ منها حتى قليل القليل.... ترى هل ستحقق أحلام صوم نينوى أماني الشعب الآشوري في يوم ما، تلك الأماني التي حملها ولا يزال يحملها ويدفنها في صدره طيلة قورون طويلة من الزمن القاسي والظالم والتي لم يستطيع أعتى عتات العالم من تحطيمها. 

326
هل يتعلم الآشوريون من طيور الأوز


أبرم شبيرا

حول صديق عزيز لي رسالة ألكترونية تحت نفس العنوان وبالإنكليزية مع مجموعة من الصور لطيور الأوز تحكي عن قصة التعاون والانسجام القائم بينهم كوسيلة لاستمرار الحياة وديمومتها.  والأوز مخلوفات لا شك فيها بأنها أقل ذكاءً وفطنة من الإنسان الذي خلقه الله ليكون سيد الطبيعة وبقية المخلوفات... فإذا كانت هذه المخلوقات تتصرف بنوع من الفطرة المتوارثة فإن الإنسان يتصرف لا بالفطرة وإنما أيضا بالوعي والتخطيط... أفهل نتعلم من هذه المخلوفات البرية البسيطة ونحن أصحاب أعظم أمبراطورية عرفها التاريخ؟؟؟؟ لنستمع الى قصة الأوز، وقد يكون البعض قد شاهد وقرأ هذه الرسالة على بعض المواقع الألكترونية وهي بالإنكليزية :تجدها هنا ايضا: www.ankawa.com/images2/awz.pps  وفي أدناه ترجمة مع بعض التصرف وإضافة بسيطة لتفيد المعنى المراد منه.

دروس من طيور الأوز


عندما تهاجر الأوز وتقطع  مسافات طويلة جداً فهي تطير سرباً على شكل حرف (V)، فهل سألت نفسك يوماً لماذا تطير بهذا الشكل؟ ... أن الخالق وجد دائماً سبباً منطقياً لتصرف الحيوانات بهذا الشكل أو بآخر لأنها مسألة متعلقة بوجود الحياة وإستمرارها. فكل أوزة عندما تفرش جناحيها وتطير فأنها تخلق نوع من قوة الدفع نحو الأمام للطير الذي يليه، أي بعبارة أخرى فالطير الأمامي يساعد الطير الذي خلفه وهذا الأخير يساعد الذي يليه ... وهكذا. فقد دلت المعلومات بأن عندما تطير الأوز على هذا الشكل فأنها تضيف قدرة للطيران تزيد عن 71% مقارنة بالطير الذي يطير لوحده.

عندما تشذ أوزة واحدة عن السرب فأنها فجأة تشعر بالتأخر والتخلف عن بقية أعضاء السرب وتشعر بصعوبة في الطيران لوحدها لذلك سرعان ما ترجع وتدخل السرب مع بقية الطيور. هكذا الحال مع الإنسان فالأشخاص الذين يشتركون في الهدف والاتجاه ولهم شعور جماعي مشترك فأنهم يستطيعون تحقيق الأهداف والوصول إلى مقصدهم بسهول أكثر بكثير من الذين يسيرون لوحدهم.... وعندما تشعر الأوزة "القائدة" التي تكون في مقدمة السرب بالتعب والإرهاق فأنها تنسحب وتدخل السرب وتحل محلها أوزة أخرى وتتولى قيادة السرب.... فإذا كان للناس مثل سلوك الأوز سوف يدركون بالنهاية بأن نجاحهم يعتمد بالدرجة الأولى على العمل كفريق موحد وأخذ أدوار المهماة الصعبة "القيادة" بالتشارك والتناوب.... أين نحن الآشوريين بكل تنظيماتنا السياسية والقومية والدينية من هذا السلوك الجماعي؟؟؟؟؟ أفهل لنا قدرة على التعلم من هذه الطيور؟؟؟

لكل طير من طيور سرب الأوز دوراً محدداً حتى الطير الأخير الذي لا يوجد خلفه أي طير ليساعده برفرة جناحيه في السير قدماً فأن له واجب الصياح من مؤخرة السرب لتشيجع بقية أعضاء السرب للإستمرار قدماً وطمأنتهم على سلامة سيرهم نحو الاتجاه الصحيح.... هكذا يجب أن يكون صياح الناس مشجعاً ومطمئناً لبقية أفراد المجتمع وقيادته لا تهجماً شخصياً أو كذباً محبطاً للنشطين والعاملين في المجمتع.

عندما تمرض أو تجرح أحدى الأوزات فأن إثنين من الأوز يلحقونها وينزلون معها إلى الماء لمساعدتها وتوفير الحماية لها ويبقون مع الطير المريض حتى يشفى  ويستطيع الطيران أو يموت ثم بعد ذلك يبدءان بالحاق بسرب آخر أو محاولة اللحاق بسربهم الأول..... هل نستيطع أن نكون مضحيين مثل هذه الطيور حتى نكون جديرين بمثل هؤلاء الأصدقاء في وقت الشدة والحاجة ؟؟؟؟. ... آخر زمان ... لم يعد لنا قدرة التعلم حتى من الطيور... متى يكون الآشوريون سرباً ويكون لكل واحد منهم دوراً محدداً ومتناوباً.... قلت سابقاً وأستمر في القول بأننا تعلمنا أسوء عادات العرب السياسية، وهي البقاء في القيادة حتى الموت... والثرثرة الفارغة بدل من صياح الأوز المشجع وترك المريض واليائس واللاجئ يموت جوعاً وعراءاً في بلدان غريبة من دون أن نمد له يد العون والمساعدة... أن نعمل فراداً فراداً من دون أن نعرف ما هو العمل الجماعي المنتج ... متى نكون سرباً من أسراب خلق الله ونحن ليل نهار نتباهي بماضينا ونركع ونصلي لأسد بابل و الثور المجمع حتى ينفح الله فيهما الحياة ويعيدوا لنا مجدنا ..... أرجو من زعمائنا السياسيين والكنسيين مراقبة مواسم هجرة طيور الأوز ويتعلمون ولو شيئاً قليلا منهم.... التعلم حتى من أبسط المخلوقات ليس عيباً إنما العيب، كل العيب،هو أن ندعي العلم ونحن فراغاً منه، وأن ندعي الحكمة والمنطق ونحن طبلاً فارغاً، وأن ندعي الوعي والقومنة ونحن نياماً ونفاقاً، فهل أصبح الزمان غداراً لدرجة يحشرنا في زاوية اليأس والقنوط؟؟؟ أم لازال هناك ضوءاً بسيطاً جداً في نهاية النفق.

لننتقل من قصة الطيور إلى الإنسان، قبل فترة ألتقيت بصديق قديم وذكر لي قصة مناقشاته مع أبنته الشابة حول الوضع المأساوي لأمتنا في العصر الحالي فقالت له: لا يوجد حل إلا أن يموت ويفني جيلكم ويأتي جيلنا الجديد ليتولى الأمور بإيجابية أكثر. فقال لها فكرة جيدة ولكن أخشى أن يكون الفايروز قد أنتقل إليكم. قد يبدو من قصة الطيور وصديقي هذا بأن التشائم قد سيطر على عقولنا فيما يخص مستقبل أمتنا ولكن هذا غير صحيح لأنه يجب أن نفرق بين الوضع المأساوي للأمة كما هو في الواقع والحقيقة وبين منهجنا في التفكير ونظرتنا للأمور الواقعية والمستقبلية، فالأسود يبقى أسوداً مهما نظرنا إليه بنظرة إيجابية ولا يمكن أن تحوله إلى اللون الأبيض بمجرد النظر إليه والحديث عنه وعقد الإجتماع والمؤتمرات حوله للخروج من إسوداده، وإن كان هذا مهماً كمبدأ أساسي ولكن إذا لم يعقبه عملاً واقعياً منتجاً سوف يزيد من إسوداد الوضع ويكثر أنصار التشائم. اليوم معظم أبناء شعبنا لهم مواقف سلبية تجاه الأحزاب والمنظمات القومية وتجاه الواقع السياسي... لماذا؟؟؟ لأنهم فقدوا الثقة بهم،  فاجتماعات وتحالفات ومؤتمرات هذه الأحزاب والمنظمات لم تخرج بنتيجة ملموسة واقعية وبالتالي زادت من تشائمية أفراد المجمتع تجاه السياسة وواقعنا القومي.   

قبل فترة أيضا ألتقلت بصديق "متفائل" جداً عن وضع أمتنا الآشورية، لأكن أكثر واقعية وأقول شعبنا الكلداني السرياني الآشوري، وهو أحد ""ممثلي" شعبنا في أميركا لـ "مؤتمر عنكاوه" وشخصياً أثق به وبقدراته الفكرية وعملت معه في السياسة والمسائل القومية أثناء فترة حكم البعث المقبور في العراق في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وأثناء المناقشات الاعتيادية حول شؤون الأمة وشجونها ومآسيها خاصة موضوع هجرة الوطن وتفريغه من أبنائه، وبعد بيان رأيي عن ضعف قدراتنا في مواجهة موجات الهجرة إلى الخارج وإيجاد حلول لها تكون أكثر واقعية ومثمرة من حلول بناء البيوت المزركة الألوان في قرى أبناء شعبنا في شمال الوطن، قال لي "يا أبرم أنك تغيرت كثيراً وأصبحت متشائماً كثيراً ولم تعد ذلك الرجل الذي عرفته طيلة أكثر من ثلاثة عقود" فقلت له أن الوضع هو متشائم وليس أنا. إذن ما الحل؟؟؟ كثير من الأصدقاء يقولون بأننا ننقاش الوضع ونحدد المشكلة ونضع يدنا على الجرح ولكن لا نطرح الحلول...  سؤال قد يتصف بنوع من البساطة وأحياناً السذاجة، لأن الإجابة بسيطة جداً مثل الإجابة والقول بأن الغذاء هو الحل للجائع وأن الماء هو الحل للعطشان وأن الدواء هو الحل للمريض وهكذا ببساطة نقول بأن الحل لأمتنا هو أن نتعلم من طيور الأوز في التعاون الجماعي والمثمر وفي التضحية من أجل الجماعة وأن يكون الفرد للجميع والجميع للفرد. وإذا كانت الأوز تعمل ذلك بالفطرة فإن الإنسان يجب أن يعمل بالوعي ... أفهل لنا وعي كافي لنعمل مثلما تعمل الأوز؟؟؟؟ سؤال نترك جوابه لفرصة أخرى. 

327
الدولة الكرديــة
حقيقة أم يوتوبيــا
أبرم شبيرا
يعتبر الكرد في هذا اليوم، والذين يقدر نفوسهم بين ( 20-25 ) مليون نسمة، من القوميات الكبيرة  في العالم التي ليس لها كيان سياسي متميز، أو دولة خاصة بها رغم كون " كردستان " ، والذي  يعني بلد الكرد، يمتد جغرافياً إلى مناطق واسعة تشمل أراضي من العراق وإيران وتركيا وأذربيجان وحتى سوريا، ولكن هو بلد بدون حدود  معينة ومثبتة على الخريطة السياسية للعالم، ولا يدل على انه وطن يتطابق مع شعب ومع دولة كردية موحدة وإنما هو عدة مناطق منقسمة بين عدة دول إسلامية متجاورة أو متصلة ببعضها. ومما لا شك فيه هناك جملة عوامل سياسية وإقليمية ودولية لعبت دوراً مهماً في إفقار الكرد من وحدة قومية أو من كيان سياسي قومي خاص بهم. وقد تنطبق هذه العوامل أيضا على بعض القوميات الأخرى التي مزقتها الحدود السياسية للدول، كالآشوريين مثلا، إلا أن ما يميز الكرد عنهم هو تفاعل هذه العوامل مع عوامل داخلية اجتماعية مرتبطة بطبيعة الكرد أنفسهم ساهمت مساهمة فاعلة في هذا الإفقار. وعلى العموم يمكن حصر هذه العوامل في : أولاً : علاقة الكرد بالدين الإسلامي، وثانياً : التركيبة الاجتماعية لهم.

بالنسبة للعامل الأول، يجمع معظم المؤرخين على أن الكرد لم يكن معروفين للعالم كقوم لهم خصائص قومية متميزة إلا بعد اعتناقهم الإسلام ولم تبدأ بوادر هويتهم الكردية بشكل واضح إلا بعد الفتوحات الإسلامية. فمنذ دخولهم الإسلام في العام العشرين للهجرة وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب شمل حالهم كحال بقية الشعوب الآرية حيث لم يؤسس العرب الفاتحون لبلدان هذه الشعوب مستوطنات سكانية، ربما بسبب اختلاف الطبيعة الجغرافية، بل تركوهم لحالهم محافظين على تقاليدهم وعاداتهم وخصائصهم المتميزة، لكن مع هذا،  برزوا كمحاربين أشداء ومقاتلين في سبيل دينهم. وصلاح الدين الأيوبي، معروف بالأمثال المضروبة به في شجاعته وبسالته في خدمة الإسلام، فهو الذي كان على رأس أقوى دولة إسلامية في زمانه إلا أنه لم يفكر أو يسعى إلى تأسيس كيان خاص لأبناء شعبه الكردي أو تخصيص إمتيازات معينة وخاصة لأبناء جلدته، فحياته كلها كانت مكرسة في بناء الدولة الإسلامية ومحاربة أعدائها. والتاريخ أيضاً يزودنا بدلائل كثيرة على إخلاص الكرد للدين الإسلامي والجهاد في سبيله إذ لم يسجل أية ردة دينية قامت بينهم أو انحراف أو اجتهاد فكري بعيد عن روح الإسلام. وحتى المدارس أو الفرق الدينية التي ظهرت بينهم في فترات معينة فهي الأخرى لم تكن في تناقض أو تعارض مع الاجتهادات العامة للدين الإسلامي، كما أنهم لم يقوموا بثورة أو بتمرد واسع النطاق ضد سلطات الدول الإسلامية التي عاشوا في كنفها مطالبين بحقوق قومية خاصة بهم ومتميزة أو داعين إلى تأسيس دولة كردية أو إلى تثبيت مكانة سياسية خاصة بهم في ديوان الحاكم أو الخليفة أو اقتناء امتيازات خاصة بهم، كما كان الحال مع الفرس والترك والشراكسة والمماليك، بل كانوا وعلى الدوام، رغم اختلاف انتماؤهم القومي عن الحكام أو عن الأكثرية المسيطرة، كانوا مواطنون من الدرجة الأولى باعتبارهم جزء من أبناء الأمة الإسلامية ودولتها التي لم تكن تفرق بين العربي والأعجمي إلا بالتقوى.

أما بالنسبة للعامل الثاني، والمتعلق بالتركيبة الاجتماعية للمجتمع الكردي، فأن الطبيعة الجغرافية القاسية وعزلة المنطقة وصعوبة الاتصال بينها وبين العالم الخارجي من جهة وبين الأقسام المكونة لـ "كردستان" من جهة أخرى ساهمت في خلق نظام اجتماعي متميز شكلت العشيرة البنية الأساسية له والتي تمتعت بنوع من الاستقلال الذاتي تجاه السلطة المركزية.  فالكرد وعبر التاريخ لم يشكلوا أمة موحدة لها كيانها الخاص بها، بل كانوا مجموعة من العشائر تفتقر إلى التماسك والتضامن فيما بينهم، فكانوا يعيشون في جبالهم المعزولة ويبدون طاعة شديدة إلى شيخ العشيرة ويخضعون إلى أي نوع من الحكومة طالما كانت سلطتها إسلامية وتدعو إلى تطبيق الشريعة والسنة. وقد يبدو أن مثل هذه الظاهرة قد تكون سائدة في بعض شعوب المناطق المجاورة أيضا، إلا أن قوة وصلابة النظام العشائري في الكرد واستقلالية وحداته الاجتماعي بعضهم عن البعض وإفتقارهم إلى سلطة قومية مركزية جعلتهم في حالة مختلفة خاصة عندما كانت الحكومات المركزية وتحديداً الدولة العثمانية، تستغل وضعهم الاجتماعي وتزيد من ترسيخ استقلالية الوحدات الاجتماعية، أي العشائر، وانعزالها عن البعض وقطع الصلة بينهم سواء من خلال سياسة "فرق تسد" أو عن طريق تأليب بعضهم على البعض أو استغلال بعض العشائر ضد البعض الآخر في حالة قيام تمرد أو ثورة أو محاولة الخروج عن هيمنة السلطة أو تجاوز حدود النظام الاجتماعي السائد ومن ثم إخضاع الجميع في نهاية المطاف وحصرهم في قوالبهم الأصلية وحدودهم الطبيعية. ومما ساعد على استمرار هذا النمط من التركيبة الاجتماعية للنظام الكردي هو تداخله وتفاعله مع عامل الدين ومن خلال رأس أو زعامة هذه التركيبة المتمثلة في شيخ العشيرة. فكلمة الشيخ عند الكرد لا تعني زعيم عشيرة فحسب، كما هو معروف عند العرب، بل يقصد بها ذلك الشخص الديني التقي والورع الذي أوقف نفسه لخدمة الله والدين، سواء أكان منحدر فعلاً من أصول دينية أو مكتسباً لهذه الصفة من الممارسة الدينية في حياته، لذلك نجد بأن الكثير من السادة أو الملالي أو الشيوخ  يدعون انحدارهم من نسل النبي محمد (ص) أو من أئمة دينية معروفة، رغم جذورهم القومية والعرقية المختلفة.

وحال الكرد يشبه كثيرا حال الآشوريين من حيث التركيب الإجتماعي القائم على البنية العشائرية وقوة علاقتهم بالدين المسيحي. إلا أن ما ميزً الآشوريين عن الكرد هو أن الألفة والترابط بين العشائر الآشورية كانت أقوى بكثير من العشائر الكردية ولم تدخل في صرعات مسلحة ودموية بينهما. كما كان لهم ولاءً مركزياً قومياً ودينياً تمثل في زعامة البطريرك لهم طيلة قرون طويلة. إضافة إلى ذلك فإن المسيحية، وتحديداً كنيسة المشرق، كانت المعيار المتاح في تحديد المصدر الإساسي لإنتماء الفرد للمجموعة عاملاً قوياً في تحديد المقومات القومية والدينية للآشوريين في عالم أعتمد الدين الإسلامي معياراً أساسياً في إنتماء الفرد وولاءه للسلطات السياسية حينذاك.   

ولكن مع هذا، فالتاريخ الكردي في المنطقة لا ينفي أبداً قيام كيانات كردية مستقلة في السابق نالت استقلالها عن السلطات المركزية للدول العثمانية، إلا أنها سرعان ما كانت تنهار بعد فترة غير طويلة، إما بسبب موت الشيخ المؤسس الذي قاد الاستقلال، أو باندحاره في نهاية المطاف أمام قوات الدولة المركزية، أو عن طريق تحريض حكام هذه الدولة  لبقية شيوخ العشائر الكردية للانقضاض عليها. وفي معظم الحالات تقريباً جاء  زوال هذا الاستقلال القصير للدولة الكردية بفعل تفاعل العاملين السابقين، حيث كان مثل هذا الاستقلال يسبب لبقية الشيوخ الهلع والخوف من جراء تنامي سلطات الشيخ المؤسس للدولة الكردية والذين كانوا يعتقدون، أو كما كان يصور لهم من قبل السلطات المركزية، بأن مثل هذه الدولة ستكون على حساب مصالحهم واستقلالهم العشائري من جهة وأنه، من جهة ثانية، هو أجراء أو تمرد أو عصيان مخالف للدين والشريعة الإسلامية لأنه لا يجوز مقاومة السلطان العثماني باعتباره خليفة المسلمين. وفي تاريخ هذه الكيانات الكردية فتاوى أفتيت بحقها من قبل شيخ أو سيد كردي كانت من ورائها السلطات العثمانية لعبت دوراً كبيراً في انهيارها. هناك أمثلة كثيرة من هذه الثورات الكردية في القرن التاسع عشر والتي سقطت بمجرد صدور فتوى من شيخ كردي وبتحريض من السلطات العثمانية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قام محمد الكردي أمير إمارة سوران في القرن التاسع عشر بثورة شكلت خطورة على الدولة العثمانية فاستعان السلطان العثماني بالملا محمد وهو كردي أيضاً لإخماد الثورة، فأصدر هذا الملا فتوى دينية ضد الأمير محمد تقول "من يحارب جيش الخليفة فهو كافر وغير مؤمن وأن زوجته طالق" فترك جنود الكرد أميرهم يلاقي مصيره أمام السلطان بسبب هذه الفتوى. لهذه الأسباب قيل بأن الصراع الكردي – الكردي الداخلي كان وعلى الدوام أشد بكثير من صراعهم مع أعدائهم ومضطهديهم.

وهناك روايات كثيرة قيلت في عدم وفاق الكرد وتوحدهم وإبقاء الفتنة والقتال بينهم وصلت غرابة بعضها إلى حدود الأساطير. وأغربها قصة لعنة رسول الإسلام النبي محمد (ص) على الكرد والتي أوردها كاتب كردي مشهور أسمه البدليسي في كتابه المعروف (شرفنامه) الذي كتبه في القرن السادس عشر، وهو أول كتاب كردي يبحث في تاريخهم، حيث ورد فيه بأن في بداية الرسالة الإسلامية أرسل (أغورخان – ملك تركستان) وفداً إلى رسول الإسلام (ص) برئاسة شخص يدعى (بغدور) وكان من أمراء الكرد وكان هذا كريه المنظر، فظاً غليظاً شديد المراس، فلما وقع نظر النبي (ص) على هذا الشخص الكريه المنظر والضخم الجسم، فزع ونفر منه نفوراً شديداً. وعندما سأل عن أصله وجنسه قيل بأنه من الطائفة الكردية وعندئذ دعا النبي قائلاً "لا وفق الله تعالى هذه الطائفة إلى الوفاق والإتحاد"..(أورده زبير سلطان في كتابه القضية الكردية من الضحاك إلى الملاذ، دار الكشاف، دير الزور – سوريه،ط1، 1990، ص 28-29).  وعلى الرغم من أن بعض الكتاب ينفون هذه القصة في لعنة الرسول للكرد ويكذبونها لأن الرسالة الإسلامية لم يكن خبرها قد وصل في عهد الرسول إلى بلاد التركستان إلا أن مع هذا يعطون أهمية لها لكونها قد أوردها كاتب كردي في القرن السادس عشر الميلادي كان له دراية ومعرفة في عدم وفاق الكرد وتوحدهم. إضافة إلى ذلك فأنه ليس من المعقول والمنطق أن يصدر سلوك بهذه السلبية من نبي جاء لخدمة البشر من دون تمييز وأن يحكم عليهم بالشكل والمظهر. كما أنه مهما كانت قباحة وفظاظة هذا الأمير الكردي فأنه ليس من المعقول والمنطق أن تنفر النفوس منه تصل إلى درجة اللعنة خاصة إذا عرفنا بأن الكرد كشعب آري يتمتع بقدر مقبول جداً من حيث اللياقة الجسدية والشكلية فهم ليسوا بتلك الدرجة من القباحة الموصوفة في هذه القصة.   

 في فترة قدوم الأفكار القومية الحديثة من أوربا في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين،  بما فيها مبدأ القوميات وحق تقرير المصير وغيرها من المبادئ والمعتقدات التي نادت بضرورة إقامة الدول على أسس قومية ووصولها إلى المنطقة، والتي بدأت تتفاعل مع غيرها من العوامل السياسية  في نخر جسم "الرجل المريض" والقضاء عليه وتفتيت إمبراطوريته. فكانت الفرصة المناسبة للكرد للتحرك والتخلص من الاستبداد العثماني واقتطاع حصتهم من التركة وتأسيس دولتهم الكردية في "كردستان". ومما كان يساعدهم على تحقيق ذلك هو  قدرتهم العسكرية وخبرتهم القتالية في المناطق العاصية مع كثافتهم السكانية وتركزهم الجغرافي، إضافة إلى السياسات الدولية التي كانت تقضي  بتفتيت الإمبراطورية  العثمانية وتقسيمها إلى دول قومية. غير أنه يظهر إن هذه الأفكار والمبادئ ، والتي كان الأتراك يروج عنها باعتبارها أفكار مسيحية كافرة وافدة من أوربا تهدف إلى القضاء على الدولة الإسلامية، لم تغير من واقع الكرد بشيء ولم تؤثر على العوامل المتحكمة في المصير القومي الكردي المندمج مع الدولة العثمانية ولا أن تفعل فعلها نحو توحيدهم في كيان قومي أو تعمل على تبنيهم مبدأ قومي واضح يتجاوز البنية الاجتماعية العشائرية السائدة ويتوحدون تحت زعامة قومية. لا بل وإنما على العكس من هذا، بدأ الكرد  بالدفاع المستميت عن الإمبراطورية العثمانية المتداعية فاستطاع الأتراك استغلال هذا الاندفاع والزج بالعشائر الكردية في أتون نيران الحرب التي لم يكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل غير رغبة الانتقام المنقادة بعقلية عشائرية متحكمة في حياة الكرد. ففي عام 1885 شكلت السلطات العثمانية قوات عسكرية من العشائر الكردية عرفت باسم (قوات الخيالة الحميدية ) بهدف توطيد السلطة العثمانية في جبال "كردستان" والتي أصبحت أداة فاعلة ومؤثرة ليس في استبداد وقهر الشعوب المسيحية، كالآشوريين والأرمن فحسب، وإنما أيضا في قمع بعض الحركات أو العشائر الكردية الأخرى التي ناهضت سلطة الدولة. فاستمرت هذه القوات في أداء خدماتها الممتازة للأتراك حتى بعد فترة استيلاء حزب الاتحاد والترقي (تركيا الفتاة) على السلطة السياسية وإزاحة السلطان عبد الحميد وإعلان الدستور العثماني في عام 1908 حيث تبدل أسمها إلى (الخيالة الخفيفة) والتي أصبحت القوة الضاربة في يد القوميين الأتراك لاضطهاد الشعوب غير التركية بهدف تحقيق سياسة التتريك ومن ثم إنجاز حلم إقامة الإمبراطورية الطورانية. ثم وبعد سنة من قيام الحرب الكونية الأولى، ألغيت هذه القوات نهائيا، ولكن مع هذا استمر معظم الكرد  في خدمة دولة الأتراك، سواء من خلال انخراطهم في المؤسسة العسكرية أو المدنية أو من خلال تحريض العشائر الكردية واستخدامهم في الحرب.

ومن سخرية الأقدار أن يستمر الكرد في تقديم خدماتهم العسكرية الكبيرة للترك حتى بعد زوال الدولة العثمانية وقيام الجمهورية التركية رغم انتشار الوعي القومي بين قطاعات معينة منهم. يقول المؤرخ الكردي الكبير محمد أمين زكي (كان وزيراً للمالية في العراق أثناء مذابح الآشوريين في سميل عام 1933) في كتابه الموسوعي (تاريخ الكرد وكردستان) الذي كتبه عام 1931 وترجم إلى العربية عام 1936 وطبع في القاهرة، يقول بأنه لما زالت كلمة (العثماني) العامة من الوجود في تركيا، وهي الكلمة الشاملة لجميع العناصر والشعوب الخاضعة للدولة العثمانية والتي كانت قد خدرت نوعا ما أعصاب كل واحد منا نحن أبناء القوميات الأخرى، وحلت محلها كلمتا التركي والطوراني،  شعرت أنا أيضا بطبيعة الحال، كسائر أفراد العناصر العثمانية غير التركية، شعوراً قوياً بقوميتي المستقلة من الترك فحملني ذلك على إظهار الشعور القومي الفياض والإحساس بالعاطفة الوطنية القوية (من مقدمة الكتاب )، وهو الشعور الذي كان يعم بين العديد من المثقفين الكرد وبين بعض شيوخ العشائر الكردية التي طالبت بحق الكرد في تقرير مصيرهم القومي وتأسيس دولة كردية لهم والذين كانوا قد قدموا مطالبهم وأرسلوا الوفود إلى مؤتمر السلام في فرساي بفرنسا (1919-1920 )، إلا أنه مع هذا كله أستمر وبشكل عام معظم الكرد في مساندة الترك وتقديم خدماتهم لإنجاح الحركة القومية  التركية وتأسيس الجمهورية التركية الحديثة حيث شاركوا مشاركة فعالة في توطيد أركان النظام التركي الجديد وفي القتال ضد الآشوريين والأرمن وضد القوات الروسية حتى تمكنوا من إفشال معاهدة سفير (1920) وانتعاش " التركي الميت " كما يقول زكي (ص268) ومن ثم إحلال محلها معاهدة لوزان (1923) والقاضية بموت كل من أرمينيا الكبرى وكردستان المصغرة ومن ثم بروز تركيا بقيادة كمال أتاتورك كقوة فاعلة ورئيسية في المنطقة وقادرة على مفاوضة الإنكليز والفرنسيين لضمان استقرار حكمها. وبالمقابل لم يحصل الكرد إلا مزيداً من الاستبداد والظلم والحرمان من أبسط حقوقهم القومية، بما فيها منعهم من التكلم والتعلم بلغتهم الكردية، لأنه لم يعترف بهم كقومية كردية بل اعتبروهم  مجرد أتراك الجبال.

 
صورة لمجموعة من أعضاء برلمان كردستان يظهر فيها أحد رجال العشائر نائماً ومثقفاً يتثاوب ورجل دين يقرأ وسيدة في الخلف. صورة منقولة عن جريدة الحياة اليومية (28/9/2005)

وبعد استقرار الأوضاع وتوقيع المعاهدات وإقرار تسويات الحدود بين دول المنطقة والدول المنتدبة عليها من قبل عصبة الأمم والتطورات التي مرت بها شعوبها، لم تتمكن الحركة القومية الكردية  الإفلات من نفس العوامل السابقة المتحكمة في تقرير طبيعتها والتقيد بها، خاصة في الدولتين الإيرانية والتركية باعتبارهما دولتان مسلمتان، لا بل وعلى العكس من هذا حيث ظهر الإقليم السياسي كعنصر إضافي وحاسم ومؤثر في سياق تطور هذه الحركة نحو إقامة الدولة الكردية، إذ تقولب الكرد وحركتهم السياسية طبقاً للدول التي تشكلت حدودها بعد الحرب الكونية الأولى وجزأت الشعب الكردي إلى أجزاء تفصله حدود سياسية صارمة، خاصة في بداية هذا القرن حيث أصبحت مسألة السيادة أكثر قدسية وحساسية بالنسبة للدول الجديدة في  المنطقة،  فسارت حركة كل جزء من الشعب الكردي متأثرة بالعوامل السياسية الخاصة والمحيطة بالدولة التي عاشوا تحت سلطتها. ففي العراق، الذي برز كيانه السياسي في عام 1920، استمرت الحركة الكردية  كحركة إقليمية أو "قطرية" ولكن من دون أن تستطيع الخلاص من تأثير العوامل السابقة المتحكمة فيها، إذ استمر شيوخ العشائر في قيادة الحركة الكردية وتأسيس دولتهم، كما كان الحال مع الشيخ محمود الحفيد وهو من كبار شيوخ عشيرة الزيبار، ومملكته في مدينة السليمانية في شمال العراق في عام 1922 والتي لم تستمر أكثر من سبعة أشهر.

أما بالنسبة لعامل الدين، فهو الآخر أستمر أيضا يلعب دوره السابق المؤثر في  الحركة الكردية،  إذ أن خضوع الأكراد في  العراق إلى الحكم البريطاني المتمثل في نظام الانتداب ومن ثم إدارة البلاد عن طريق حكومة عربية على رأسها ملك عربي، كانت بالنسبة لهم ظاهرة جديدة  جعلتهم ولأول مرة في التاريخ أن يخضعوا لحاكم غير مسلم، بريطانيا، وأن تدار شؤونهم  من قبل حكومة عربية بعد قرون طويلة، إذ أن طيلة تاريخهم تعودوا الخضوع إلى حكومات مسلمة وإلى عناصر آرية أقرب إليهم من العناصر السامية. وقد يكون ذلك سبباً لتأييد العشائر الكردية، باستثناء قليل في السليمانية، انضمام ولاية الموصل إلى تركيا بدلا من العراق في بداية العشرينات، وكان من بينهم شخصيات وزعماء أمثال فتاح بك صهر الشيخ محمود الحفيد، الذي كان يحمل شهادة الجنسية العراقية ولكنه كان عضواً ضمن الوفد التركي المفاوض حول تقرير مصير الولاية ومدافع عن حق تركيا في هذه الولاية بدلا عن العراق. هذه الظروف هي التي ساهمت مساهمة مباشرة في بروز الحركة الكردية المعاصرة في العراق ومن ثم تبلورها وتطورها نحو مراحل سياسية أكثر وضوحاً وتقدماً، في مقارنتها مع مثيلتيها في إيران وتركيا، خاصة فيما يتعلق بتأسيس أحزاب سياسية ومنظمات قومية وقيامهم بحركات مسلحة ضد السلطة المركزية والتي استمرت لفترات طويلة في  مقارنة مع الحروب والحركات السابقة، ومن ثم الوصول إلى الحكم الذاتي في عام1970 وحكومة إقليمية وبرلمان في عام 1992. وبسبب التأثير الديني في العقلية الكردية، فهناك احتمال كبير بأن الظروف المحيطة بالكرد في شمال العراق سوف تصبح أرض خصبة للحركات والنزعات الإسلامية المتطرفة، خاصة عندما يزول أو يخف الدعم الدولي والإقليمي في حماية المنطقة الآمنة وتتضاءل حملات محاربة الإرهاب الدولي المتمثل جانب منه في الحركات الإسلامية المتطرفة، والتي كانت تنشط ويتوسع نفوذها وقوتها في المنطقة الشمالية من العراق وتتحدى القوى الكردية الرئيسية الأخرى، وهي الحقيقة التي أدركها زعماء الأكراد في هذه الأيام والتي تتمثل جانب منها في قتالهم للمنظمات الإرهابية وفي إصرارهم على العلمانية في السياسية والحكم وإستبعاد الدين عن السياسة ومحاربة التطرف الديني.

وهكذا، بقدر اطراد استقرار الحدود الدولية بين الدول الرئيسية، تركيا وإيران والعراق الحاوية على أراضي "كردستان"، وإقرار هذه الحدود في تسويات واتفاقيات معترفة بين الأطراف ومحققة لمصالحهم الخاصة، بقدر ذلك تعاظم تأثير عنصر الإقليم أو القطر على الحركة الكردية، ليس من حيث تغيير مسارها القومي وتحويل مطامح تأسيس دولة كردية إلى مجرد يوتوبيا و"حلم وردي" فحسب، وإنما زادت القطرية من خطورة هذه الحركة على هذه الدول، بحيث أصبح مدركاً للجميع بأن أي استقلال كردي في أي من الأقطار مهما كان نطاقه سيؤثر حتماً وبالنتيجة المباشرة على الكرد في القطر المجاور ويدفعهم نحو نفس المنحى، وبالتالي ظهور بواد نحو المطالبة بالاستقلال بالجزء الآخر من "كردستان" في الدولة الأخرى والانسلاخ منها لغرض تحقيق حلم "كردستان الكبرى"، خاصة وأن العاملين الجغرافي والديموغرافي، من تجاور الأقاليم وتركز السكان في مناطق متاخمة لبعضها، يساعدان كثيرا على تحقيق مثل هذه الدولة، والتي ستكون من دون أدنى شك على حساب أراض الدول الثلاث الأخرى، إيران وتركيا وسوريا، وهو السبب الكافي لأن تكون مواقف هذه الدول مفرطة في الحساسية ومعارضة بشدة لأي نوع من الاستقلال الكردي. والجدير بالذكر أن الخوف من وحدة الكرد وبالتالي قيام الدولة الكردية، كان مدركاً منذ أيام كون بريطانيا القوة الفاعلة في المنطقة والتي عملت الكثير من أجل دون تحقيقها وتضمين ذلك في اتفاقيات دولية. يقول الضابط البريطاني ( دبليو. آر. هاي ) في كتابه المعنون ( سنتان في كردستان ) المطبوع في لندن عام 1921، والذي زار المنطقة ودرس طبائع الشعب الكردي، يقول ( أن اليوم الذي يستيقظ الكرد وبوعي قومي ويتوحدون سوف تتفتت أمامهم الدولة التركية والفارسية والعربية، ويقصد العراق، وتتطاير كالغبار، ولكن مثل هذا اليوم لا يزال بعيد المنال) ص36.

ومثل هذه المخاوف، الذي بأستمرارها وتصاعدها وتفاعلها مع ظروف إقليمية ودولية، قد تحولت إلى نوع من العقدة تجاه مطالبة الكرد بحقوقهم القومية، بحيث وصلت إلى ناطق يمكن وصفه بـ "بالفوبيا الكردية".  وهي التي تتحكم في سلوك صانع القرار السياسي لدول المحور الثلاثي لكردستان، إيران وتركيا وسورية، في رسم وتقرير سياسة أمنهم القومي. فجانب من هذا السلوك الجامع والمقلق يمكن استخلاصه من  الحديث المتلفز لرئيس النظام العراقي المقبور صدام حسين في معرض رده  لبوادر الاستقلال الكردي، عندما سحب قواته عام 1991 من شمال خط العرض 36 وخضعت للحماية الدولية وبدأ الكرد بتأسيس حكومتهم الأقلية، حين قال بأنه قبل أن يحرك قواته لسحق أي استقلال كردي عن العراق سوف تكون القوات التركية والإيرانية قد سبقته في هذه المهمة. وفعلاً فأن الاجتياح المستمر للقوات التركية لشمال العراق وتدخل إيران في شؤون المنطقة لاحتواء الاستقلال الكردي النسبي ضمن نطاقه الضيق يعكس هذه الحقيقة، كما وأن الاجتماعات الدورية التي كانت تعقدها إيران وتركيا وسوريا في الشأن الكردي كانت تدور ضمن نفس السياق القائم على التخوف من الاستقلال الكردي في شمال العراق .

واليوم، ومن أي يوم مضى، تدرك قيادات الحركة الكردية القومية كل هذه الحقائق وتحاول أن تحقق جانب من طموحاتها القومية ضمن الأطر المسموح بها والعمل على عدم التضحية بالمطمح الممكن من أجل المطمح غير الممكن، لا بل ويظهر بأن قيادتها تدرك أيضا بأن سكب المزيد من الدماء وإزهاق الكثير من الأرواح من جراء اللهث وراء تحقيق  مطمح دولة "كردستان الكبرى" اليوتوبية غير ممكن في الوضع الراهن المقيد بقيود صارمة مفروضة من قبل ثلاث دول يغلب عليهم عنصر القوة أكثر من عنصر التفاهم في التعامل مع الاختلاف القومي، وأن السعي وراء المطمح البعيد المنال  سوف يحرمهم من تحقيق المطمح القريب والذي يتمثل جانب منه بالفدرالية فيما يخص العراق وفي تصريحات القياديين الكرد في اعتبار "الدولة الكردية" مشروعاً مؤجلاً في الوقت الحاضر. وهي كخطوة أولى نحو الاستقرار وضمان حقوقهم المشروعة والتي ظلت وعلى الدوام مهضومة من قبل الحكومات التي خدموها كثيراً عبر التاريخ الطويل ولم يحصلوا بالمقابل إلا المزيد من الظلم والاضطهاد والذي حول حق للكرد في دولة مستقلة إلى مجرد يوتوبيا.

وإذا كان يحق للكرد كقومية متميز في العصر الراهن أن يكون لها كيانها الخاص والذي يتقرر بإرادة شعبها وقيادته فيما إذ يكون هذا الكيان على شكل دولة مستقلة أو كيان يتمتع بفدرالية مرتبطة بالعراق فإن مثل هذا الحق المطلق يجب وبالضرورة أن ينطبق أيضاً على بقية القوميات المتميزة وبالأخص الآشوريين منهم الذين تتداخل جغرافيتهم وتاريخهم ومصالحهم معهم وأن يتركوا لهم ولقيادتهم وأحزابهم حرية إختيار شكل الحكم الذي يفضلون أن يعيشون فيه من دون أن يكون هناك أي تأثير من "الكبير" على "الصغير" ومن "الغني" على "الفقير" ومن الأكثرية على الأقلية حينذاك يتشرع حق الكرد في كل ما يرونه مناسباً لهم ويكون مقبولاً بالتمام والكمال من قبل الكل وخاصة الآشوريين منهم.   

328
"الجالية المسيحية" وفق العقلية العراقية

أبرم شبيرا

أثارت الكتاب الرسمي الذي أصدرته الأمانة العامة لمجلس الوزراء في العراق بتاريخ 27/7/2007 ونعت المسيحيين في العراق بـ "الجالية" موجة من السخط والاحتجاجات بين المسيحيين، وخاصة الآشوريين والعلمانيين من دون رجال الدين، متهمين الحكومة العراقية أما بالجهل بالتاريخ الحضاري والقومي للمسيحيين في العراق أو بالقصد والنية السيئة من أجل النيل بالمسيحيين ومحو خلفيتهم التاريخية العراقية الأصيلة، وهي ظاهرة جيدة تنم عن مدى تمسك المسيحيين بحقهم التاريخي في موطنهم الأصلي، إلا أن مع هذا أفتقرت هذه الاحتجاجات التحليل النظري والإطار الفكري في فهم هذه الظاهرة عند الحكومة العراقية ورجالاتها وأقتصرت على الردود الفعلية الطبيعية لكل مجموعة أو قومية تحاول الحفاظ على كينونيتها والدفاع عن أساسها الشرعي والتاريخي.
وقبل الولوج في طرح الإطار النظري في فهم العقلية العراقية بخصوص هذه المسألة، نود أن نوضح بعض الأمور بخصوص الكتاب المكذور أعلاه:
الكتاب صدر بتاريخ 26/7/2007 مختومة بـ (سري وعاجل) وموجه إلى مكاتب الوزراء التاليين: الداخلية والنفط والإعمار والإسكان والمهجرين والمهاجرين وحقوق الإنسان وأيضا إلى مكتب الأمين في أمانة بغداد. وموضوع الرسالة هو (طلبات الجالية المسيحية في العاصمة بغداد) وجاء في متن الكتاب مايلي (حصلت موافقة السيد رئيس الوزراء على تقديم المساعدة الممكنة بخصوص تنفيذ طلبات الجالية المسيحية في بغداد وبعد إطلاعه على الملف (المرفق طيا) ... للتفضل بالإطلاع وإتخاذ مايقتضي كل حسب إختصاصه) المرفقات: نسخة من الملف حول الموضوع أعلاه).... الكتاب موقع من قبل الأمين العام لمجلس الوزراء وكالة ومؤرخ 27/7/2007 ...
الغرض من سرد مضمون الرسالة هو بيان بعض الملاحظات ذات الإهتمام والمثيرة للتساؤل منها: أن الكتاب  سري ولكن لم يمضي شهرين حتى أصبح منشوراً على الكثير من المواقع الألكترونية كما أنه من الغريب أن يكون الكتاب موجهاً إلى وزارات قد لا تعني المسيحيين بشئ أو بمشكلتهم، منها وزارة النفط وزارة النقل ... ترى لماذا وجه الكتاب لهاتين الوزارتين في الوقت الذي نعلم كلنا بأن مهما كانت مشكلة المسيحيين في العراق فأن لا علاقة لهم بهاتين الوزارتين من غير أن يكون هناك سر لا نعرفه. والمثير للإنتباه والتساؤل هو إشارة الكتاب إلى طلبات الجالية المسيحية وتلبية هذه الطلبات. وقد يكون الملف المذكور والمرفق بالكتاب يتضمن أجوبة لمثل هذه التساؤلات والتي لم يكشف عنها. ومن الملاحظ بأن الكتاب صدر في فترة كانت التفجيرات الإرهابية للكنائس في بغداد وبعض المدن العراقية في أوجهها لذا من المحتمل أن تكون "الطلبات المسيحية" صادرة من جهات دينية بخصوص توفير الحماية لهم، ولكن مع هذا تبقى علاقة الوزارتين النفط والنقل موضوع تساؤل مثير للإستغراب... أفهل طلبت "الحالية المسيحية" تخصيصات مالية من واردات النفط لبناء الكنائس؟ وهل طلبوا باصات من وزارة النقل لنقل رعيتهم؟؟؟ قد يكون في هذه الأجوبة نوع من المزحة أو السخرية ولكن هل بقى في العراق في هذه الأيام نوع من الجدية في الحياة العامة؟؟؟

على العموم، مهما كان مقصد الجهة التي أصدرت الكتاب ونعتت أقدم شعب في التاريخ لا زال يسكن موطنه الأصلي بـ "الجالية" لهو أمر مقزز ومثير للإشمئزاز سواء أكان هذا النعت بقصد أو بغير قصد، فأنه لايمكن أن نفهمه إلا من خلال الأطار النظري للفكر العراقي والعقلية العراقية تجاه الأقليات، مع التحفظ في ستخدام هذا المصطلح. في عام 2001 كتبت كتاباً بعنوان "الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة مسألة في العقلية العراقية تجاه الأقليات" أصدرته دار الساقي في بيروت ولندن. ومصطلح "الجالية المسيحية" الذي أورده كتاب مجلس الوزراء ما هو إلا نموذج تطبيقي آخر للنماذج التي ذكرتها في الكتاب.  فالكتاب يعرض أسلوب أو طريقة فهم العقلية العراقية لمسألة الأقليات وأخذت الآشوريين كمسألة للدارسة، مؤكداً القصد من الآشوريين هو كل الطوائف المنتمية إلى فروع كنيسة المشرق وتحديدا الكلدانية والسريانية مع التركيز على الطائفة المشرقية "النسطورية" التي أرتبطت تسميتها في الفكر العراقي بالتسمية الآشورية ولأسباب سياسية بحته ذكرتها بشكل مفصل في متن الكتاب. الكتاب هو دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة لأفكار وممارسات لمجموعات رئيسية من حزبية وقومية وطائفية سائدة في العراق وكيفية النظر أو التعامل مع الآشوريين في العراق ومع مسألتهم القومية والتي تبينت في نهاية المطاف بأن الجميع ينظرون إليهم نظرة متشابهة أطرتها العقلية العراقية التي تكونت من تراكمات المواقف السياسية المستمرة تجاه الآشوريين طيلة فترة طويلة وعبر مختلف النظم السياسية التي تواكبت على السلطة في العراق. ومرد هذا التشابه يرجع إلى نفس المصادر من دينية وتاريخية ونفسية وسياسية التي أقتبسوا منها وكونوا عقليتهم تجاه الآشوريين. وأتضح في التحليل الأخير بأن المفهوم العثماني عن الشعوب غير المسلمة وعن المختلف ترسبت في العقلية العراقية ولم تستطيع التخلص منها، بإستثناء قليل جدا، رغم إختلاف المذاهب السياسية والدينية والطائفية والقومية في العراق. وأخذنا نماذج من كل مجموعة قومية وحزبية وطائفية وسياسية لأثبات ما ذهبنا إليه في كيفية فهم العراقيين للمسألة الآشورية بشكل خاص والأقليات بشكل عام. وما هو "الجالية المسيحية" إلا مصطلح جديد في قاموس العقلية العراقية. من هذا المنطلق فإن إختلاف الدين أو الطائفة أو الموقف السياسي أو الايديولوجي أو الفكري لم يؤثر في العقلية العراقية تجاه الآشوريين لا بل وحتى إختلاف النظام السياسي لم يؤثر أيضا فالعقلية العراقية بقي هي هي دون تغيير إلا في بعض الأحيان وحسب الظروف السياسية الداخلية والدولية ولكن في جوهرها بقيت دون أي تأثير إيجابي في طبيعة العلاقة بين الآشوريين كشعب أصيل للعراق وبقية المجموعات العراقية والتي تستحتق البعض منها أن يطلق عليها بالجاليات لأنها نزحت قبل أقل من قرن من الزمن إلى بلاد مابين النهرين، موطن الآشوريين الأصلي.

واليوم النظام السياسي في العراق، بغنى عن الظروف السياسية والارهاصات التي تحيط به، هو غير الأنظمة السابقة من نواحي عدة إلا أن عقليته تجاه الأقليات المسيحية وتحديداً الآشوريين منهم بقيت نفسها دون تغيير. فإذا كان الآشوريون في ظل الأنظمة السابقة مجرد "طائفة دينية نزحت إلى العراق ولا تربطها بصلة بتاريخ العراق أو بالآشوريين القدماء" فإن مصطلح "الجالية المسيحية" هو نفس المفهوم أو الموقف الرسمي تجاه المسيحيين والآشوريين تحديداً يمتد جذوره إلى المرحلة العثمانية الفاسدة. من هذا المنطلق أيضا يجب أن لا نستغرب أن تكون ديباجة الدستور العراقي خالية من الإشارة إلى بابل وآشور والتاريخ القديم للعراق ولا إلى الإضطهادات التي عانها الآشوريون في ظل الأنظمة السابقة ذلك لأن هذا ليس جزء من تاريخ القابعين على السطلة في العراق ولا المتحكمين على مقدرات الوطن. فتاريخهم في العراق له عمراً لا يتجاوز بضعة قرون. وحسناً فعلوا بهذا السلوك العثماني لأنه سيبقي بتصرفهم هذا تاريخ أكد وسومر وبابل وآشور حصراً على الآشوريين بكل طوائفهم وتفرعاتهم الأصيلة.

والتساؤلات العديد والمثيرة تبقى دائماً قائمة ... أفهل وفق هذه العقلية المتخلفة التي تدور ضمن عقلية "العداء السافر" ورفض المختلف نستطيع نحن أن نضمن حقوقنا في العراق.... أفهل نصدق بعض السطور المهلهلة والخجولة في الدستور العراقي، إذا كا يصح أن نسميه دستوراً، أن تحمينا من سيف الأرهاب الجسدي والفكري وتضمن حقوقنا القومية في أرض أجدادنا في الوقت الذي كراسي صنع القرار وساحة اللعب  بمقدار الشعب الأصيل للعراق محجوزة سلفاً ومخصصة طائفياً وعرقياً، ولكن إذا طالبنا بالحكم الذاتي أو منطقة إدارية لشعبنا أنهالت علينا النعرات العنصرية والعرقية كما كان يفعل العثمانيون والأنظمة السابقة للحكم في العراق. واليوم تأتي بدعة "الجالية المسيحية" لتقول لنا أنتم يا معشر بابل وآشور ما أنتم إلا مجرد جالية غرباء عن العراق لا تستحقون غير أن تكونوا أهل ذمة تدفعون الجزية وألا فالويل لكم كما هو حالكم في منطقة الدورة ومناطق أخرى في بغداد التي تحدث من دون وازع قانوني وأخلاقي. أفهل أعتذار من الحكومة العراقية بخصوص الجريمة التي إقترفتها بحق المسيحيين في العراق بنعتهم بـ "الجالية" يزيل المفاهيم العثمانية من عقول رجالاتها؟؟؟؟ أشك في ذلك! وأمل أن أكون مخطئاً وما على رئيس الحكومة العراقية إلا إثبات ذلك.   

329
في الذكرى السنوية الـ (11) لرحيل أبي جوزيف

_________________________________

صفحات قومية في نضال توما توماس

أبرم شبيرا
يحق للشيوعيين العراقيين كل الحق كما يحق لأهالي ألقوش (نينوى الثانية) أن يحتفوا لا بل أن يتباهوا بهذا المناضل الكبير لما له من صفحات نضالية طويلة في تاريخ العراق الحديث يفتخرون بها كسجل ذهبي في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي وأهالي ألقوس. ولكن كان لأبي جوزيف صفحات نضالية قومية وإنسانية يجب للجميع أن يحتفوا بنضاله أيضاً خاصة القوميين منا. ولكن "الفوبيا" التي تهمن على عقول الكثير من القوميين من أبناء شعبنا يجعلهم بعيدين خائفين عن التقرب إلى كل ما هو شيوعي أو دراسة الماركسية والاستفادة من فلسفتنا وإستخدامها كمنهج تحليلي في دارسة أحوال مجتمعنا وحركتنا القومية. وإكراماً وبجلال وقار كنت في السنوات القليلة الماضية قد كتب عن هذا المناضل بعض السطور في ذكرى رحيله... واليوم أثار إنتباهي أحتفال الآلقوشيين والشيوعيين بذكرى هذا البطل أن أفتش في أوراقي القديمة وأن اعيد صياغتها وأنشرها بهذه المناسبة.

عرفنا أبا جوزيف مناضلاً شيوعيا صلداً أمضى زهوة شبابه ونضوج رجولته ووقار شيبه في مقاومة الظلم والاستبداد من دون أن يعرف معنى للراحة والاستقرار. عاش في الجبال العاصية مقاتلا أعداء الحرية والإنسانية أكثر مما ناضل من خلف الموائد المستديرة وفي قاعات المؤتمرات الفسيحة. قضى حياته مع رفاق الدرب أكثر مما قضاها مع عائلته وأبنائه، فكانت ساحة الوغى الدائرة على الأنظمة المستبدة حديقة منزله، فلا يهدأ له بال ولا يستقر به حال إلا في مقاتلة هذا المستبد ومناصرة ذلك المضطهد المحروم فكانت هذه الساحة أكثر من بيته وملتقى حياته ونشاطه … وعجبي… فهل كان له بيتاً ثاباً مستقراً ..؟؟؟ .

شخصيا عرفتُ الكثير من الآشوريين الشيوعيين ودخلتُ معهم في نقاشات طويلة ووطيسه حول الماركسية والشيوعية وموقفهما من مسألة القوميات بشكل عام والقضية الآشورية بشكل خاص وأثرتُ غضب وهيجان البعض منهم بسبب انتقادي الحاد للمواقف المتذبذبة للحزب الشيوعي العراقي حيال القضية الآشورية في العراق، والتي كانت تتراوح هذه المواقف وتتأثر بمدى قرب أو بعد هذا الحزب من السلطة السياسية. فعندما يكون في المعارضة مقاوما للأنظمة الاستبدادية، سواء بالكفاح المسلح أو بالنضال السياسي ، تكون مسألة الاقليات عنده، بما فيها الآشورية منها، مسألة تقدمية والدفاع عنها ضرورة نضالية تفرضها أيديولوجية الحزب. وعندما يشم رائحة السلطة ويبدأ بالتلذذ بامتيازاتها تصبح مسألة الاقليات عنده بما فيها الآشورية، مسألة رجعية وشوفينية يستوجب مقاومة النزعات القومية فيها ودمجها في السياسة العامة للدولة مهما كانت طبيعة النظام السياسي الحاكم. وقد يبدو هذا الحكم قاسياً على حزب معروف بنضاله المقاوم للإستبداد والظلم، ولكن تجربته السوداء في الجبهة المشؤومة التي عقدها مع حزب البعث الحاكم في العراق في بداية السبعينيات من القرن الماضي يجعلني أن أصدر مثل هذه الأراء القاسية. فعندما شارك مع البعث المستبد في العراق وشارك معه في السلطة، سكت على أو إنتقد وبخجل وتردد بعض السياسات الاستبدادية لحزب البعث الحاكم تجاه الآشوريين مما أدى بهم إلى الشعور بنوع من الخيبة تجاه الحزب الشيوعي العراقي الذي ظل وعلى الدوام رافعا شعارات إنسانية وتقدمية كانت من القوة لجذب الآشوريين والانضمام إليه أو التعاطف معه في سنوات نضاله السلبي. فأدرك الآشوريون القوميون في حينها بأنهم خسروا أحد أقوى دعاة الحرية والديمقراطية في العراق. ولهذه السياسية السلبية تجاه الآشوريين كانت ملموسة في النشاطات القومية والثقافية للمجتمع الآشوري في تلك الفترة فأتذكر، على سبيل المثال لا الحصر، بأن حدة مناقشاتنا مع بعض الآشوريين الشيوعيين، أثناء الأيام الذهبية للنادي الثقافي الآشوري في بغداد، وانتقاداتنا إلى الجبهة التي انضم إليها الحزب الشيوعي العراقي وصلت إلى درجة تهديد أحدهم بتبليغ سلطات الأمن العراقية عن مواقفنا السلبية تجاه الجهة والمشاركين فيها مقلدا بذلك رفاقه الآشوريين البعثيين المعروفين بقدرتهم الفائقة على الخيانة والوشاية لرجال الأمن عن الآشوريين القوميين. وتطبيقا أخر لهذه السياسة الشيوعية السلبية تجاه الآشوريين تمثلت أيضا في تلك الفترة وأثناء إنتخابات النادي الثقافي الآشوري، الذي كان مركزاً لاستقطاب الآشوريين المثقفين في العراق، ففي نهاية عام1970 تآلف الآشوريون المنظمون إلى الأحزاب ، البعث العربي والشيوعي العراقي والديمقراطي الكردستاني، في قائمة موحدة لمنافسة قائمة الآشوريين القوميين والمستقلين، إلا أن هزيمة جميعهم كانت ثقيلة. (للمزيد عن هذا الموضوع أنظر كتابي المعنون : النادي الثقافي الآشوري، مسيرة تحديات وإنجازات ، 1970-1980، ألفا غراف – شيكاغو ،1993، ص2)

ولكن كل هذا لا ينفي إطلاقاً حقيقة مفادها كون معظم الآشوريين المنظمين إلى الحزب الشيوعي العراقي من أكثر الآشوريين عمقا من حيث الثقافة السياسية والفكرية، وهي الصفة التي جعلتني شخصيا أن أكن لمعظمهم احتراماً كبيراً وأن أصون معهم صداقة متينة ومستديمة لم يزعزعها الاختلاف الفكري القائم بيننا. غير أن أبا جوزيف، رغم انضمامه إلى الحزب الشيوعي العراقي وتسنمه مناصب قيادية عليا فيه، كان استثناءً ومن طراز خاص لا يضاهيه في هذا الاستثناء والخصوصية إلا فريدون آتورايا ، خاصة من حيث غزارة إنتاجه الأدبي والفكري، فهذا الأخير كان أيضا في بداية القرن الماضي منتمياً الى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشيوعي السوفيتي فيما بعد، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يكون مناضلاً قومياً صلداً ومحارباً شجاعاً في سبيل وحدة وسعادة أبناء أمته حيث ظل رافعاً شعار "آشور حرة" حتى تمكنت منه سلطات ستالين الاستبدادية فأعدمته في عام 1926. وأبو جوزيف، وأن كان عاصياً ومقاتلاً للظلم والاستبداد ومطارداً من قبل الأنظمة التي تعاقبت على السلطة في العراق ولم يستقر به المقام بشكل دائم في مكان ما وبالتالي لم تسنح له فرصة كتابة صفحات نضاله، وهي المسألة التي لمست شخصيا فيه نوع من التقصير فيها بحيث كان يؤنب ضميره وعلى الدوام، إلا انه "هل يخفى القمرعلى الناس" حتى يخفى علينا نضاله وبسالته في الدفاع عن الشعوب المسحوقة والمضطهدة ... وهل كان هناك شعب أكثر اضطهاداً وانسحاقا من الشعب الآشوري في العراق .؟؟ هذه الحقيقة جعلت من أبا جوزيف أن يكون دائماً وأبداً بالقرب من هذا الشعب متحسساً بمعاناته ومتألماً من حرمانه لأبسط حقوقه السياسية والقومية ومدافعاً عنه، مهما كانت مواقف الحزب الذي كان ينتمي إليه، لهذا السبب نال احترام وتقدير معظم فئات الشعب الآشوري بجميع طوائفه وتفرعاته.

وعظمة المواقف الشجاعة لهذا المناضل تجاه شعبه الآشوري واضحة وملموسة لأبسط مطلع على شؤون هذه الأمة، وهي كثيرة جدا بحيث لا يسعها حتى المجلد الضخم. وللاستشهاد أشير إلى الوقفة البطولية الشهمة التي وقفها في معركة ألقوش عام 1963 واصطفافه مع القائد الآشوري الشجاع هرمز ماليك جكو في نصرة أهل هذه البلدة والدفاع عنها من هجوم قوات الحلف الشيطاني الذي كان قائماً بين مصاصي دماء الشعوب "الحرس القومي" التابع لحزب البعث الحاكم وأحفاد هولاكو و تيمورلينك من الفرسان المعروفة بـ "الجحوش" والمدعومة من قبل قوات شرطة وجيش النظام البعثي الحاكم في العراق وقتذاك وغيرهم من الحاقدين على هذه البلدة العريقة وعلى أهلها الشهماء، فكانت وبحق ملحمة بطولية أعجز شـخصيا وصف البسالة التي تميز بها هذه المواقف، فغيري من أبناء هذه البلدة كتبوا عنها في مناسبات عديدة وفي أماكن أخرى. ومن المآثر القومية الأخرى لأبي جوزيف، والتي لي معرفة خاصة بها ، تتمثل في دعمه الكبير واللامحدود للحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) في العراق، فعندما التحقت هذه الحركة بركب الكفاح المسلح واصطفت مع بقية الحركات الوطنية، من كان غير توما توماس الشهم والمعلم الأول في هذا الأسلوب من النضال أن يمد لها يد العون والإرشاد في وديان وجبال آشور العاصية وظل كذلك وعلى الدوام بحيث لم تمر فرصة وألتقي شخصيا بقياديي هذه الحركة إلا وأمطروا أبا جوزيف بوابل من المديح والامتنان مكررين وعلى أسماع الجميع الدعم الكبير الذي قدمه لهم هذا المناضل الكبير في هذا المجال.

وشخصياً عرفتُ أبا جوزيف معرفة صميمية ، عرفته كإنسان قومي أكثر مما هو شيوعي وأممي. فانتمائه إلى هذه الأمة واعتزازه بها لم يكن أبداً يتعارض أو يتناقض مع شيوعيته. فبغنى عن تاريخ صفحات نضاله السياسي الذي تتداخل فيه أبعاد إنسانية ووطنية وقومية تجعل من المضطهدين والمحرومين، والذي كان قد وضع الآشوريين في مقدمتهم، في جبهة والمستبدين والظالمين في جبهة أخرى. فبغنى عن هذه الصفحات المعروفة للداني والقاصي، فأن له صفحات أخرى في المسائل القومية نؤسف لها عميق الأسف لان المنية منعته من إكمالها وتطبيقها على الواقع العملي. فبعد أن زار الولايات المتحدة الأمريكية وكندا في عام 1994 وأستقبل هناك استقبال الأبطال من قبل أبناء شعبنا ومن جميع الطوائف الكلدانية والسريانية والمشرقية، وبعد أن عقد عدة لقاءات وندوات توصل إلى قناعات ثابتة زادت من إصراره واهتمامه بمشاكل شعبه في الداخل والخارج وتحسس وبعمق المعاناة التي يواجهها شعبنا في بلدان المهجر من تمزق طائفي وعشائري وقريوي. كما أدرك أدراك المدرك السياسي الواعي للقدرات الكامنة في هذا الشعب وقوة فاعليته فيما لو وضعت على الطريق الصحيح في دعم الحركة القومية الآشورية المتصاعدة في أعالي بيت نهرين .

وعندما عاد إلى الوطن لم تكن مسألة شغلت باله واهتمامه طيلة تاريخ نضاله الطويل أكثر مما شغلت مسألة وحدة شعنا والعمل على وضع منهاج أو آلية عمل لتحقيق هذا الهدف أو السعي لتحقيقه، فبادر بالاتصال بـي مرسلاً العديد من الرسائل ومقدما الكثير من المقترحات بشأن هذه المسألة ثم أعقب ذلك عدة لقاءات واجتماعات في سوريا شـارك في جانب منها أيضا السكرتير العام للحركة الديمقراطية الآشورية حينذاك وبعض العناصر القيادية من المنظمات الآشورية الأخرى. تركزت هذه اللقاءات في معظمها على مسألتين، الأولى: التسمية ، خاصة التسمية أوالصفة القومية التي يجب أن يظهر به منهاج العمل أو المنظمة المزمع تأسيسها، والثانية : الطبيعـة الهيكلية لهذا المنهاج أو المنظمة. فمن خلال هذه اللقاءات تم اكتشاف صفات أخرى عن أبي جوزيف فهو من القلائل الشيوعيين الذي يملكون رحابة صدر عجيبة وغريبة في تقبل الآراء الأخرى والاستماع إليها بشغف واهتمام ومن ثم فهمها واستيعابها ومن دون أن يفرض أو يقيم الأموروفق عقيدته الشيوعية، خاصة عندما تكون متعلقة بمسائل تساهم في الجهود المبذولة نحو وحدة شعبنا، لهذا نرى منذ البدء كان يقبل تقريبا معظم الآراء المطروحة والهادفة لتحقيق هذا الهدف القومي النبيل. غير أن المنية حالت دون تحقيق أبا جوزيف للعهد الذي قطعه على نفسه بأن يعمل شيئاً من أجل أن يخدم وحدة شعبنا. وقد كان مدركاً أن مسألة التقولب الطائفي وتأثيرها العميق على التسمية القومية ستكون من أهم المعوقات التي ستتعثر بها وحدة شعبنا. وكثيرا ما كنتُ أمازح أبا جوزيف بشأن تردد بعض أبناء شعبنا وتخوفهم من انتماؤهم القومي الآشوري وأقول له " أنتم أبناء ألقوش البلدة الآشورية العريقة لو تم تحليل دمكم في المختبر لتبين بأنه نفس الدم الذي كان يجري في عروق السلالة الآشورية الملكية التي أنجبت سنحاريب وأشور بانيبال وغيرهم من جبابرة ملوك آشور.

للأسف الشديد كان الموت أسرع منا جميعاً واخذ معه توما توماس الأب الروحي لفكرة خلق كيان يجمع جميع فئات شعبنا في وحدة تنظيمية سياسية وأوراقنا كانت لم تزل متناثرة هنا وهناك تنتظر عودته لا بشحمه ولحمه بل بروحه وفكره وإصراره على مواصلة النضال من اجل وحدة أبناء شعبه. هكذا عرفتُ أبا جوزيف مناضلا شيوعياً وإنسانياً وقومياً  صميماً عنيداً في مقاومته للظلم والاستبداد محباً لشعبه حباً عظيماً، بسيطاً في حياته وفي أسلوب تعامله مع الآخرين وذو حساً مرهفاً بمعاناة هذه الأمة ساعياً مخلصاً للتعاون مع الجميع وبذل المستحيل لتحقيق وحدتها، وهو الحلم الذي منعه الموت من السير على طريقه... نعم ... مات أبو جوزيف موتاً طبيعياً، وحتى بموته هذا، سحق قلوب الطغاة وأرباب الأنظمة الاستبدادية لأنهم لم يتمكنوا منه ومن اغتياله أو لوي ذراعه أو إخماد نيران ثورته وإصراره على النضال رغم ترصدهم الدقيق ومطاردتهم المستمرة له طيلة عقود طويلة … نعم لقد مات توما توماس ولكن هل ماتت ألقوش البلدة الآشورية العريقة التي أنجبته .. لا وألف لا… لن تموت .. ألقوش عام 1933 التي عرفناها بوقفة شيوخها ورجالها ونسائها وأطفالها، وقفة الأبطال المدافعين عن الآشوريين من الطائفة المشرقية الذين احتموا بها هربا من مذابح المجرم بكر صدقي والصامدين أمام قوات جيشه التي حاصرتها عدة أيام وهددتها بقصف البيوت بالمدافع وهدمها فوق سكانها، ولكن أبى شموخ أهلها البسلاء التخلي عن أخوتهم في الدم فضلوا متأهبين صامدين حتى سحبت الحكومة العراقية قواتها المنتشرة حول ألقوش. وهذه أسطورة بطولية في التاريخ الآشوري المعاصر ، سمعت جانب منها من جدي الذي كان من ضمن المحتمين بهذه البلدة، تنتظر أقلام المفكرين والكتاب الآشوريين لاستخلاص منها دروس في الصمود القومي وفي الوحدة القومية ووحدة المصير. أفليس من حقي أيضاً أن أفتخر بهذه البلدة التي ولدت فيها وتعمذت مع جميع أخوتي وأخواتي وأطفالي في "ديره علايا" – الدير الأعلى. هذه هي ألقوش التي أنجبت خيرة الكتاب والمفكرين وأثمرت عراقتها التاريخية والفكرية بولادة عائلة "أبونا " التي قادت الأمة والكنيسة لقرون طويلة ... هذه هي ألقوش التي أنجبت الـ"التؤمين"، توما أودو و توما توماس، وعهدي بها بأنها قادرة على إنجاب ألف وألف توما أخر .

330
حقائق عن أوضاع  شعبنا الآشوري في الأردن وسوريا
في مقابلة مع السيد توما روئيل يوخنا

أبرم شبيرا


في هذه الأيام وفي معظم المناسبات، خاصة في مجتمعاتنا في المهجر يكثر الحديث عن الأوضاع البائسة  لشعبنا في الأردن وسوريا وعن مستقبله المجهول. وتزداد حدة هذه المحادثات والمناقشات خاصة عندما يزور وفداً أو مجموعة من الاشخاص لهذين البلدين ومن ثم يرجعون إلى بيوتهم في المهجر ليلقوا محاضرة أو يعقدوا لقاءاً أو ينشروا تقريراً او موضوعاً  لتبيان حقائق شعبنا هناك. ومن الملاحظ بأن الكثير من المعلومات التي تتضمنها هذه المناقشات أو الكتابات تفتقر إلى الحقيقة والواقع أو هي غير وافية في اعطاء صورة واضحة عن المأساة التي يعانيها شعبنا هناك أو بأكثر الأحوال تطرح هذه المناقشات المشكلة وتشرحها من دون أن تعرض لها بعض الحلول أو المقترحات التي قد تساهم ولو بجزء قليل في تخفيف معاناة شعبنا هناك، لا بل  لقد سمعت وقرأت البعض من هذه المناقشات والمواضيع خاصة من الوفود أو الأشخاص الذين زاروا هاذين البلدين فيها جانب من المزايدة التراجيدية الهادفة إلى جلب إنتباه الناس وإظهار أنفسهم كمهتم ومعني بمعاناة أبناء هذه الأمة.

أثارت هذه الحالة حافزاً للكتابة عن مأساة شعبنا هناك، فعلى الرغم من إنني زرت هاذين البلدين وكنت على إتصال مستمر مع المعنيين بأمورهم إلا أن المعلومات التي كانت تتاح لي خلال الأيام القليلة من زيارتي لم تكن كافية إطلاقا لبيان الحقيقة المأساوية لشعبنا هناك وعن أموره الحياتية ومشاريعه المستقبلية لذلك وجدت في السيد توما روئيل يوخنا مصدراً مهماً ومباشراً في استقصاء الحقيقة الواقعية لشعبنا هناك. والسيد توما مهندس ورجل إعمال مقيم في عمان/ الأردن منذ عام 1991 كان معروفاً في العراق بإهتماماته القومية ونشاطاته الاجتماعية خاصة في النادي الثقافي الآشوري في بغداد. ومنذ أن وطئت قدمه في عمان أنخرط في الشؤون القومية والاجتماعية لجالية شعبنا هناك وإزداد نشاطه أكثر فأكثر في السنوات القليلة الماضية بإزدياد اللاجئيين من أبناء شعبنا من العراق في الأردن وفي الأونة الأخيرة في سوريا. لنترك المجال للسيد توما ليبين حقيقة شعبنا في هاذين البلدين ومن خلال بعض الأسئلة.

+ السيد توما انت مقيم في الأردن وزرت سوريا عشرات المرات وعايشت الواقع هناك، فهل تحدثنا عن عدد ابناء شعبنا اللاجئ هناك؟
- قبل كل شيء أود أن أببن حقيقة قد تكون مرة ومحبطة لمعظمنا ولكن مع هذا يجب أن لا تخفى على أحد وهي أن الكنيسة بطوائفها المختلفة فرضت وجودها على الواقع المأساوي لشعبنا هناك فوضعته في قوالب طائفية كلدانية وآشورية صلدة ومتباعدة وبالتالي أفرزت نتائجها على تجمعاتنا ونشاطنا ومؤسساتنا هناك. وإنطلاقا من هذا الواقع المرير أقول بأن حديثي كله هو عن أبناء شعبنا من رعيى كنيسة المشرق الآشورية فقط بشقيها، التقويم القديم والجديد. بدءأً أقول بأن عدد المهاجرين في الأردن  وصل إلى ما يقارب 1500 عائلة. غيرأن منذ السنتين الماضيتين أنخفض العدد إلى 500 عائلة تقريباً حيث رحل بعضهم إلى سوريا لسهولة الحياة هناك مقارنة مع الأردن والعدد الآخر أكتملت أوراق الهجرة وسافر إلى الغرب أو أستراليا أما العدد الباقي حالياً فهو أما رفضت أوراقه للهجرة عدة مرات ولسنوات طويلة واصبح حالهم ميؤساً منه في حين لازال هناك عدد آخر ينتظر فرج الله. وخلال الشهر الماضي سافر إلى الغرب وتحديداً إلى أميركا بحدود 25 عائلة من بين المئات من العوائل العراقية وعن طريق الأمم المتحدة UNHCR.

+ نحن نسمع عن الظروف المأساوية التي يعيشها شعبنا هناك، هل تشرح لنا هذه الظروف وكيف يعيش هناك وهل من مصادر مالية تمول معيشتهم .

- كما هو معلوم إن معظم الناس في الأردن ترك الوطن وباعوا كل مايملكونه ولم يعد لهم خط رجعة. وعندما وصلوا إلى عمان وخلال فترة وجيزة صرفوا كل ما كان بحوزتهم من مال.  وكان محظوظاً من كان له أقارب في الغرب قادرين على تمويلهم ببضعة دولارات، أما غيرهم فعاشوا على هامش الحياة وسكنوا في بيوت لا تصلح لسكن البشر. كما كان يصل لهؤلاء بعض المال من بعض الجهات الخيرية ولكن لم تكن تكفي لقوتهم اليومي.

+ وماذا عن الجهات أو الجمعيات الآشورية أو كنيسة المشرق الآشورية، فهل أستلم الناس في الأردن أية مساعدة مالية من هذه الجهات؟

- للإمانة التاريخية يجب أن أذكر بأنه منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، كانت المؤسسة الآشورية في أميركا والمعروفة بـ (Assyrian Foundation of America) وإختصارا (AFA) والتي مثلها السيد سركون شابص أول من بادرت بإرسال المساعدات المالية للمحتاجين ودعم تعليم لغة الأم في الأردن ولازالت هذه المؤسسة الموقرة والكريمة ولحد هذا اليوم مستمرة في إرسال المساعدات والتي تمثلها حاليا السيدة سهى أودة. كما بادر السيد سركون لوي الذي كان رئيساً للأتحاد الآشوري القومي الأمريكي المعروف بـ (فدريشن) بالمساعدة ودعم النشاطات الثقافية خاصة تدريس لغة الأم عند زيارته للأردن. وفي خريف من عام 2001 كان نيافة الأسقف مار باوي سورو، راعي أسقفية كاليفورنيا لكنيسة المشرق الآشورية في أميركا أول مسؤول كنسي يخصص زيارة خاصة ليزور أبناء شعبنا في الأردن ويتفقد أحوالهم هناك وكان معه وفد من الآشوريين من دبي في الأمارات العربية المتحدة مثلهم السيدان عمانوئيل قليتا وأبرم شبيرا حيث عقدنا معهم عدة إجتماعات بهدف تنظيم قنوات خاصة لمساعدة المحتاجين من أبناء شعبنا وكيفية صرف الأموال عليهم. وكان مار باوي قد جلب لنا مساعدات مالية ساعدت الكثير من المحتاجين هناك كما أقام قداس حضره عدد كبير من الناس. كما تلقينا بعض المساعدات من الآشوريين في دبي والأهم فقد زودونا بعدد من الكومبيوترات لغرض تعليم وتدريب الشباب عليها ليكونوا مؤهلين عمليا وعلمياً عندما يهاجرون إلى الغرب لكي تسهل عليهم مهمة إيجاد وظائف لهم. وفعلاً كان بحدود 250 شاب وشابه قد تدربوا وتعلموا أصول الكومبيوتر. وأستمرت المساعدات التي كانت تأتي من رعية أبرشية مار باوي في شمال كاليفورنيا سواء عن طريقه أو عن طريق المؤسسة الآشورية أو الجمعية الخيرية الآشورية في أميركا وأستطيع أن أقول بأنه منذ زيارة مار باوي إلى الأردن في عام 2001 ولحد هذا اليوم إستلمنا تقريباً بحدود 40 ألف دولار وزعت جميعها إلى المحتاجين في الأردن وسوريا ، كذلك أستمر الآشوريون من دبي ولا يزال مستمرين في مساعدتنا عندما تكون هناك حاجة لبعض الأموال.


 
(في الوسط توما روئيل وعمانوئيل كليتا وأبرم شبيرا مع بعض من أعضاء اللجنة والتدريس في عمان)

+ المسألة المهمة والحساسة التي تهم الناس هي كيفية استلام هذه المبالغ ومن ثم توزيعها على المحتاجين وهل هناك سجلات بهذا الخصوص.

- هناك طريقتان لاستلام المساعدات المالية، فإما أن تجلب مباشرة من قبل ناس قادمين إلى الأردن، خاصة رجال الدين أو ترسل عن طريق البنوك لحساب خاص وهناك لجنة خاصة بهذا الشأن. وطبعاً هناك سجلات خاصة عن المبالغ المستلمة والموزعة على المحتاجين وإيصالات منهم وهناك محاسب يقوم بتنظيم والسيطرة على هذا الأمر.

+ لمن توزع الأموال، هل هناك أفضلية أم توزع بشكل عام ومطلق

- المساعدات توزع بأفضلية معينة تبدأ من الناس المرضى والمحتاجين للمال للمعالجة أو إجراء عمليات جراحية وتأتي الأرامل وكبار السن غير القادرين على العمل والذي لا معون لهم بالمرتبة الثانية ثم العوائل الكبيرة التي لا معون لهم دائم ومستمر وهكذا يأتي الباقون وعلى أساس كل حالة بحالها. ولدينا سجلات بأسماء هؤلاء الذين يستلمون المساعادات ومقدارها وتاريخها وتوقيعهم على المساعدات المستلمة وأرقام جوازات سفرهم وأرقام هواتفهم حيث ترسل على شكل قوائم إلى المتبرعين ليتأكدوا بأن المبالغ التي تبرعوا بها قد حققت غايتها. وأقولها صراحة هناك ناس ماتوا من المرض ولم تكن لهم مساعدات مالية كافية لإدخالهم المستشفى وإجراء العملية أو المعالجة في الوقت المناسب.

+ كنا نسمع بأن بعض رجال الكنيسة وبعض المؤسسات الآشورية كانوا يخافون من مساعدة الآشوريين اللاجئين في الأردن من سطوة النظام البعثي العراقي لعل يفسر بأنهم يساعدون الآشوريين على الهجرة فإذا كان هذا صحيحاً فهل تغير موقفهم بعد سقوط هذا النظام في عام 2003.
 
- لهذا القول جانب من الصحة ولكن ليس بشكل عام ومطلق لأن إزدياد اعداد اللاجئين الآشوريين في الأردن وعلى الاخص سوريا بعد سقوط النظام وتعاظم مأساتهم حفز بعض رجال الكنيسة للإهتمام بهذا الموضوع. وفعلاً بدأت بعض الزيارات والمساعدات تأتي إلى اللاجئين الآشوريين في الأردن حيث كنا قد استلمنا مبلغ 900 دولار أمريكي من نيافة الأسقف مار ميلس من أستراليا وكذلك كان غبطة المطروبوليط مار نرسي من لبنان قد تبرع بمبلغ 800 كجزء من راتب قس كان يقوم بخدمة القداس في الأردن وأخيراً خلال هذا الشهر (أيلول) استلمنا 13 ألف دولار من القس جميل مرسلة من قبل قداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية وعلمنا بأنه حاليا هناك جهود مكثفة من قبل مار باوي أثمرت بجمع مبلغ قدره 31 ألف دولار والتي سيتم إرسالها إلى المحتاجين في الأردن وسوريا. كما هناك مساعدات مالية بسيطة وصلتنا من جهات عديدة. وأود الذكر بأن مساعدات عينية  تقدمها مؤسسة كاريتاس وكابني والكنائس الإنجيلية وتسهيلات من المستشفى الإيطالي في عمان للمرضى الآشوريين في عمان.

+ ماذا عن النشاطات العامة من ثقافية ودينية وإجتماعية التي يقوم بها الآشوريون اللاجئون في الأردن.

- كما تعرف بأن أي آشوري بمجرد أن تطئ قدمه في أي بلد غريب يبدء بروحية قومية خاصة البحث عن أبناء جلدته فيما إذا يعيشون في نفس البلد لغرض الاختلاط معهم. وهو سلوك عام لجميع الأقليات في العالم حيث يجدون في التجمع مع البعض أسلوباً لحماية الذات من الضياع وهو حالنا في كل مكان ومنه في الأردن. فإذا بدأنا بالنشاطات الدينية، أقولها صراحة لم يكن للكنيسة وجود في البدايات الأولى للتسعينيات من القرن الماضي ولم يكن لنا قس رغم إن عددنا كان أكبر بكثير من بعض الأبرشيات في العراق والخارج. ولكن مع هذا كنا نقوم بالصلاة في بادئ الأمر في كنيسة مار أفرام للسريان الأرثوذكس في منطقة الأشرفية ولحد هذا اليوم وكان راعيها القس جورج البنا من الموصل حيث كان يقوم بخدمة مراسيم الزواج والتعميذ والجنازة. أما الصلاة الآسبوعية فكان يقوم بها الشماس عوديشو، ولهذا الشماس فضل كبير في تنظيم أمور الآشوريين هناك ولايزال حتى اليوم حيث يقوم بتعليم الترانيم الدينية وغيرها من الأمور الكنسية. هذا بالنسبة لرعية التقويم الجديد أما بالنسبة لرعية التقويم القديم فأن أمورهم أحسن بكثير حيث وفرت لهم بناية كنيسة مريم العذراء للروم الكاثوليك في منطقة الهاشمي الشمالي ووضعت تحت تصرفهم لقيام بنشاطاتهم الدينية والثقافية والاجتماعية وتعليم لغة الأم وتعليم الكومبيوتر وخاصة بعد تشكيل لجنة جديدة  لإدارة شؤون الرعية برئاسة السيد أدور ننو.

+ ألم تعين الكنيسة قساً للأشوريين هناك.

- كانت هناك فكرة طرحت على مسؤولي الكنيسة لتعين قس وبشكل دائمي ولكن الفكرة لم تحقق لعدة أسباب. ولكن عندما يكون هناك قس زائر أو عابر في طريقه إلى العراق أو إلى الخارج يقوم بإداء القداديس لهم. وفي فترة ما كان القس عوديشو إيشو مقيماً في عمان لغرض الهجرة إلى الخارج قد قام بإداء القداديس لفترة تقارب ستة أشهر لحين مغادرة الأدرن إلى كندا. إضافة إلى هذا فعندما يزور أو يمر مطران أو البطريرك عبر الأردن يقوم بتقديم قداس يحضرها عدد غفير من الآشوريين. فقد زارنا قداستا البطريركين مار دنحا الرابع و مار أدي الثاني وغبطة المطربوليطين مار نرسي ومار كوركيس ونيافة مار باوي ومار عمانوئيل أسقف كندا. وخلال زيارة قداسة البطريرك مار دنخا الرابع في بداية عام 2000 عين للرعية مار نرسي كمسؤول عن الأردن ولكن منذ الاجتماعي السينودي الأخير في شيكاغو تم تعيين مار كوركيس من بغداد بديلا عنه.

+ نسمع كثيرا عن مدرسة تعليم لغة الأم فما هي هذه المدرسة وعدد طلابها وأين يدرسون.

_ تعليم لغة الأم بدأ منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي وكان للأخ (أبو آشور) لا أتذكر أسمه الكامل، دورا كبيرا في هذا الشأن فكان يتم تدريس الطلاب في البيوت. وعندما جاءت الأخت فريدة من العراق إلى عمان في نفس الفترة، وهي ناشطة آشورية معروفة في مجال الثقافة وتدريس اللغة في بغداد، أنتظمت أمور تدريس اللغة فبدأت بتعليم الطلاب لغة الأم ثم أنشأت فرقة إنشاد الترانيم الكنسية التي كانت رائعة إشاد بها قداسة البطريرك مار دنخا عند زيارته للأردن في عام 2000. ثم أنتظم تدريس لغة الأم في كنيسة مار أفرام المار ذكره وكذلك كنا ندرس اللغة في منطقة ماركا الشمالية في كنيسة مار إيليا للروم الكاثوليك ثم إنتقلنا إلى مقر الجمعية الخيرية للروم الكاثوليك في الأشرفية حيث لا زلنا ندرس اللغة هنا ونمارس أيضا بعض النشاطات الثقافية والاجتماعية. كذلك يتم تدريس لغة الأم في كنيسة مريم العذراء للروم الكاثوليك في منطقة الهاشمي الشمالي. أما بالنسبة لعدد الطلاب فكان عددهم يزيد عن 400 طالب وطالبة ولكن في الأونة الأخيرة بسبب الهجرة إلى الخارج والرحيل إلى سوريا أصبح عددهم تقريبا 150 طالب وطالبة. إضافة إلى تعليم لغة الأم والتي هي أساس نشاطنا نقوم بتعليم الكومبيوتر واللغة الإنكليزية كما هناك نشاطات إجتماعية وعائلية أخرى كتنظيم السفرات وإقامة الحفلات في المناسبات المعروفة.
+ هذا بالنسبة للأردن، ماذا عن الآشوريين اللآجئين في سوريا؟

_  الوضع بشكل عام للاجئين في بلدان هذه المنطقة وهو نفسه ولكن يمكن القول بأن الوضع في سوريا يختلف بعض الشيء من ناحية أن أغلبية الآشوريين في سوريا هم من النازحين بعد سقوط النظام البعثي في العراق وإزداد عددهم بشكل كبير بتزايد سوء الأوضاع الأمنية في العراق وهؤلاء هربوا من العراق وأغلبهم تركوا بيوتهم وممتلكاتهم هناك ولم تصفى أمورهم بعد في العراق وبالتالي أصبح حالهم أسوء بكثير من الذين كانوا قد رحلوا إلى الأردن أو سوريا طلباً للهجرة. من ناحية أخرى كانت سوريا تسمح بدخول العراقيين والإقامة فيها بدون فيزا غير أن الوضع تغير في الآونة الأخير وتصعبت أمورهم جداً وأصبح مطلوباً منهم مغادرة سوريا كل ثلاثة أشهر والعودة إليها وما يتطلب هذا السفر من مصاريف ومخاطر، خاصة عبور الحدود العراقية السورية. ولكن هناك ميزة في سوريا لا تتوفر في الأردن هي وجود الآشوريين السوريين في سوريا وربما يكون من بينهم أقارب للنازحين من العراق قد يكون بإمكانهم مساعدتكم.

+ كم عدد الآشوريين الاجئين في سوريا، وأين يسكنون وهل عددهم مستمر في الازدياد؟

- يمكن القول بأن عدد الآشوريين من رعية التقويمين القديم والجديد حاليا هو أكثر من 3 آلاف عائلة، أي بحدود 15 ألف فرد وأكثريتهم يعيشون في مناطق شعبية في أطراف دمشق مثل منطقة جرمانه ومساكن برزه وفي قصبة صدنايا وقسم قليل في المناطق الآشورية كالحسكة والقامشلي. أن هذا العدد مستمر في الإزدياد بشكل مضطرد مما يزيد من أحوالهم المأساوية سوءاً. ومما لا شك فيه بأن هذا العدد سيزداد أكثر فأكثر في سوريا والأردن خاصة عندما سمعوا بأن الأمم المتحدة بدأت بتوفير تسهيلات ترحيلهم إلى بلدان المهجر، وهي مسألة خطيرة جداً توثر بشكل فعال على وجودنا القومي والديموغرافي في العراق.

+ وماذا عن المساعدات المالية لهذا العدد الكبير من اللاجئين في سوريا؟

بالنظر لكوني مقيماً بشكل قانوني ورسمي في الأردن وأتمتع بسهولة التنقل إلى سوريا فأن المساعدات التي تأتي إلى الأردن تحول قسم منها إلى سوريا. ومنذ البداية لم تكن هناك لجنة خاصة تقوم بتنظيم أمور الآشوريين في سوريا وشخصياُ قمت بتشكيل لجنة برئاسة السيد ملكزدق ياقو يونان وثلاثة أعضاء لهذا الغرض لتقديم المساعدات إلى بعض العوائل المحتاجة من المبالغ التي تبرع بها نيافة مار باوي و المؤسسة الآشورية في أميركا. وحالياً توجد لجنة من ثمانية أعضاء مؤلفة من رعية الكنيسة من التقويمين الجديد والقديم تقوم بإدارة شؤون الآشورين من توزيع المساعدات المالية وتعليم لغة الأم. ومؤخراً استلمنا تبرعات من الآشورين في دبي ومن بعض الاصدقاء في المناطق الأخرى ولا أنسى الكرم الكبير للمؤسسة الآشورية في أميركا (AFA) في التبرع المالي للأشورين في سوريا.

+ كما هو معلوم هناك رعية لكنيسة المشرق بشقيها القديم والجديد ولكل منهما أسقف وقساوسة مقيمين هناك فما دور هؤلاء في المساعدة.

- في البداية لم يكن للكنيسة دور يذكر، ولكن للحق أقول بأن الكنيسة الشرقية القديمة قامت بواجبها بارسال قس عند الطلب وفي المناسبات كالأعياد للقيام بواجبه الكنسي وكان للسيد ملكزدق دورا كبيراً في متابعة هذه المسألة مع الكنيسة. وبعد وصول أعداد كبيرة من اللاجئين تابع المطران مار نرسي من لبنان أمور الرعية وعين قس رسمي لهم في منطقة جرمانه حيث تقام القداديس في مجمع كنيسة أبراهيم الخليل للروم الكاثوليك كما بدأ مار أبرم أسقف كنيسة المشرق الآشورية في سوريا بزيارات للرعية لتفقد شؤونهم وأحوالهم. كما عينت الكنيسة الشرقية القيدمة قس رسمي للرعية. ولا يفوتني ونحن بصدد الكنيسة أن أذكر حالة نادرة وغير موجود في مكان آخر في المجتمع الآشوري حيث منذ العام الماضي يحتفل جميع الآشوريين من الكنيستين (القديم والجديد) بعيد مولد المسيح في 25 من كانون الثاني حسب التقويم الجديد (الغريغوري) ويحتفلوا بعيد القيامة حسب التقويم الشرقي القديم (اليوليالي) وهذه البادرة الفريدة نالت بركة البطريكين مار دنخا ومار أدي وأتمنى أن أرى الآشوريين يحتذون حذوة هؤلاء اللاجئين في سوريا.
 
(طلاب وطالبات المرحلة الابتدائية لتعليم اللغة الآشورية في جرمانه – دمشق )

+ سمعنا بأن هناك عدد كبير من الطلاب يدرسون لغة الأم... هل تحدثنا عن هذا.

- بعد ازدياد أعداد عوائل اللاجئين في سوريا طرحنا فكرة تنظيم دورات لتعليم لغة الأم على السيد ملكزدق كونه أقدم آشوري مقيم في سوريا ومتابع لأمور الرعية. وبعد حصول الموافقة من مطران الروم الكاثوليك في سوريا تم فتح دورات صيفية لتعليم اللغة في مجمع كنيسة إبراهيم الخليل في منطقة جرمانه. بداية كان عدد الطلاب 23 واليوم بحدود 500 طالب وطالبة تم تخرجهم يوم 10/أيلول/2007 وكانت حفلة التخرج برعاية المطروبوليط مار نرسي دي باز حيث ألقى كلمة قيمة أشاد فيها بالدور الكبير للمدرسة في تعليم الأطفال لغة الأم وقد حضر هذا الحفل أكثر من 1500 شخص، ونأمل أن تستمر الدورات بشكل منتظم بمساعدة المتبرعين لها. كما هناك مدرسة لتعليم اللغة في قصبة صيدنايا حيث تخرج منها اكثر من 90 طالب وطالبة. وأود بهذا الخصوص أن أشكر مسؤولي كنيسة الروم الكالثوليك، وبالأخص مطرانها الجليل في سوريا الذي زار أبناء الرعية، حيث يقدمون لنا التسهيلات التي نطلبها منهم.

 
(بعض من المتخرجون والمتخرجات من دورة تعليم اللغة الآشورية الأخيرة (أيلول 2007) في منطقة جرمانه في دمشق)

+هل من كلمة أخيرة.

- أود الاعتذار إذا نسيت بعض الأسماء التي ساعدت المحتاجين هناك أو لعبوا دوراً في تنظيم أمور اللاجئين في الأردن وسوريا، وما ذكرته هي معلومات حقيقية بدون تحيز لهذه الجهة أو تلك وهي مجرد لتعريف القارئ الآشوري في كل مكان عن واقع الآشوريين اللاجئين في الأردن وسوريا. وكما تعرف أن مثل هذا الموضوع، خاصة مسألة استلام التبرعات وتوزيعها وأمور تخص الكنيسة هي مسائل حساسة جداً خاصة في الوقت الراهن ولكن لمقتضيات تبيان الواقع للجميع خاصة للآشوريين في المهجر حاولت بكل قصار جهدي وأمانة أن اذكر الحقيقة كما عايشتها في الأردن وسوريا منذ 1991. ولكن مهما فعلنا وساعدنا أبناء أمتنا اللاجئين في الأردن وسوريا يبقى السؤال المحير والأهم هو: ما مصير هؤلاء ومن المسؤول عنهم؟ الكنيسة أم الأحزاب الآشورية أم أقاربهم المقيمين في المهجر؟؟؟ سؤال يبقى مصير هؤلاء مرتبط بجواب صادق وعملي ينقذهم من الحياة المأساوية التي يعيشون فيها... هذا السؤال موجه للجميع، ليفكر كل واحد منا فيه... وشكراً.
 
وأخيراً أنا أود أن أضيف كلمة أخيرة في مشاطرة السيد توما روئيل بخصوص حساسية هذه المسألة وخطورتها على مستقبل وجودنا القومي في الوطن ومقارنة هذا المستقبل بالمأساة التي يعانيها شعبنا في الوطن وفي هذين البلدين الذين يأوون اللاجئين الآشوريين وهي مسألة يستجوب أن تكون في مقدمة أهتمام مؤسساتنا الدينية والقومية وأن لا نكتفي بالحديث وتفسير هذه المعاناة بل يتطلبها البحث عن حلول آنية ومستقبلية وهي مسؤولية الجميع دون إستثناء.           

331
كونفينشن 74
للإتحاد الآشوري الأمريكي القومي
أبرم شبيرا

أنعقد المؤتمر العام للإتحاد الآشوري الأمريكي القومي والمعروف بـ (Assyrian American National Federation ) وإختصاراً (AANF) أو (الفدريشن) في نفس الوقت الذي اقيم كونفينش 74  للفترة من يوم الخميس 30 آب ولغاية يوم الإثنين 3 أيلول 2007 في فندق شيراتون في مدينة سان ديكو الرائعة الجمال وتحت شعار (وحدة شعبنا الكداني السرياني الآشوري). كما سبق وأن أكدت في المقال السابق حول الكونفينشن بإنني معجب إعجاباً كبيرا بهذا الحدث الكبير وأقطع المحيطات لكي أحضره ليس بسبب برامجه الترفيهية المسلية، كما لست مندوبا أو عضواً في أحدى تنظيماته ولا لي أقارب في إدارته وإنما أحب الكونفينشن بسبب مدلولاته القومية والإجتماعية الرائعة لهذا الاجتماع  الجماهيري الضخم  والفريد من نوعه في تاريخ أمتنا المعاصر.
الحق يقال بأن هذا الكونفينشن نجح نجاحاً باهرا قل نظيره في الاجتماعات السابقة. ومرجع هذا النجاح المتميز يتمثل في :
1.   العدد الكبير الضخم والهائل للحاضرين لهذا الكونفينشن والذي تجاوز عدة آلاف ومن مختلف مناطق الولايات المتحدة الأمريكية ومن بلدان العالم الآخرى وعلى مختلف الأعمار والمشارب والتوجهات والأفكار والمستويات. إن إنعقاد مثل هذا التجمع والحضور الهائل له ولمدة خمسة أيام هو حدث فريد من نوعه ليس في تاريخ إمتنا وإنما في تاريخ الكثير من الأمم الآخرى خاصة إذا أخذنا بنظر الإعتبار الوضع السياسي والقومي والديموغرافي لأمتنا التي لا تملك دولة قومية خاصة بها وأبناؤها مبعثرين في زوايا العالم الأربع.  ففندق شيراتون الضخم كان منذ اليوم الأول محجوزاً وبكامل طاقته مما أضطر الكثير من الحاضرين إلى المكوث في الفنادق المجاورة له.
2.   تمثلت وحدة شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في هذا الكونفينشن وأنعكست بشكل واضح وجلي فيه. فبعكس الكونفينشنات السابقة حيث كان للقسم الكلداني من شعبنا في هذا الكونفينشن دوراً كبيراً وفعال في الحضور والتنظيم والإدارة وفي نشاطاته المختلفة وفي الضيوف والمتحدثين الرسمين والمحاضرين. فبالنسبة لتنظيم الكونفينشن وإدارته، فقد قامت المنظمات الكلدانية الآشورية في جنوب ولاية كاليفورنا وتحديداً في مدينة سان ديكو بأحسن ما يكون رغم العدد الهائل للحضور الذي فاق تصور اللجنة المنظمة. فمن الأنصاف أن نذكر وبإمتنان أسماء كل من رامند جورج رئيس الكونفينشن القومي وفيفيان شابيلا الرئيسة المحلية للكونفينشن و سام بازا و وليم جوليان أعضاء إدارة الكونفينشن و وسام كوسا منسق لجنة الكونفينشن و جينيا جوزيف المسؤول المالي إضافة إلى أعضاء اللجنة المحلية. كما يجب أن نثمن الدور الممتاز الذي لعبه كل من اللجنة القومية الآشورية في سان ديكو و الجمعية الخيرية الآشورية فرع سان ديكو فكلهم أبلوا بلاءاً حسناً في السيطرة والنظيم.
3.   الحضور المتميز والبارز لبعض رؤساء و أعضاء التنظيمات الكلدانية من خارج مدينة سان ديكو مثل الاتحاد الكلداني في أميركا والغرفة الكلدانية للتجارة وأعضاء بارزين من الاتحاد القومي الكداني السرياني الآشوري. وللمزيد من المعلومات نود أن نبين للقارئ اللبيب بأن هذين التنظيمين، أي الاتحاد الكلداني في أميركا والغرفة التجارية الكلدانية قد دخلوا في تحالف مع الاتحاد الآشوري الأمريكي القومي والمجلس الآشوري القومي في ولاية ألينوي في تحالف وأسسوا تنظيم عرف بـ (المجلس الكلداني الآشوري السرياني في أميركا) -   (ChaldeanAssyrianSyriac Council of America ) وإختصارا بـ CASCA ) ) بهدف القيام بنشاطات وإتصالات مع الجهات الحكومية الرسمية والشعبية لمساندة شعبنا وقضيته في أرض الوطن.
4.   أنعكس حسن التنظيم والسيطرة في عدم حدوث مشاكل أو مشاغبات بين الشباب الحاضرين فكان كلهم منسجمين إنسجاماً متناغماً مما وفرواً أجواءاً مريحة ومبهجة رغم الزحام الكبير في صالات الفندق وقاعاته.
5.   تعتبر مدينة سان ديكو من أجمل مدن الولايات المتحدة فكان جمالها وشواطئها عنصرا مهماً أيضاً في جذب الناس لحضور هذا الكونفينشن فالكثير منهم قضوا أوقاتاً ممتعة خارج نشاطات الكونفينشن فكان لحضورهم متعة مزدوجة بين ماهو قومي وإجتماعي وما هو معرفي وسياحي.
6.   وأخيراً أنعكس نجاح الكونفينسن 74 في الحضور البارز والجيد لأعضاء في قيادة الحركة الديمقراطية الآشورية ومسؤولون في التنظيمات المدنية في الوطن مثل رئيس الجمعية الخيرية الآشورية ومدير دائرة الثقافة الآشورية والتي أصبحت حاليا مديرية الثقافة السريانية، في الحكومة الإقليمية في كردستان وعضو من المكتب السياسي لزوعا/عضو برلمان أقليم كردستان وأثنين من مقاتلي الحركة وبعض من مثقفي وكتاب شعبنا في الوطن فكانوا كلهم عنصر جذب للحضور إليهم لسماع أخبار الوطن والتحادث معهم في مختلف الشؤون القومية والسياسية السائدة في الوطن.
7.   ولا أدري أن كنت محقاً في ذكر الحفلات الغنائية التي حضرها جمهور كبير جداً مع عدد كبير من المطربين هو عامل آخر لنجاح الكونفينشن. فبالرغم من إنني لست من  المتشوقين لمثل هذه الحفلات إلا إنني أستغربت من الحضور الكبير والتي قد يكون عدده وصل إلى ألف شخص أو أقل بقليل وهي المرة الأولى في حياتي أشاهد مثل هذا الحضور لحفلة غنائية ولسلسلة طويلة جداً من الدبكات الشعبية المحببة للشباب والشابات.
8.   من المواضيع المهمة جداً التي أثيرت في الإجتماعات العامة للفدريشن ونوقشت كثيرا في أروقة الفندق هو موضوع معاناة شعبنا في سوريا والأردن والحلول المطروحة لانقاذه من محنته المأساوية هناك... أفهل نقله إلى بلدان المهجر، كما تفعل الأمم المتحدة حالياً هو الحل وما هي النتائج القومية السلبية المترتبة على هذا الحل؟ أم يستوجب فقط مساعدته مالياً لحين الفرج. أسئلة وأسئلة لم يكن لأي منهم جواباً قاطعا وشافياً يرضي الأغلبية من الناس.. موضوع يستوجب طرحه في مناسبات أخرى.

ولكن مهما تحدثنا عن إيجابيات ونجاحات هذا التجمع القومي الكبير فأنه من الطبيعي جداً أن ترافقه بعض السلبيات والمعوقات والتي لا نتوخى من وراء تبيانها إلا معالجتها وتجنبها وعدم تكرارها في المناسبات القادمة. وأهم ما يستوجب ذكره بهذه المناسبة هو:

1.   أن عقدة سوء التوقيت وعدم أحترام الزمن وتداخل نشاطات الكونفينشن مع بعضها، كما سبق وأن نوهنا عنها في المقال السابق، أصبحت علة مرتبط بالكونفينشن. فهي حالة أصبحت معالجتها ضرورية جداً حتى يستفاد من معظم او العدد الأكبر من النشاطات المختلفة التي تقام خلال أيام الكونفينشن. فبعض المحاضرات والندوات أفتقدها الحاضرون بسبب حضورهم لإجتماع معين أو نشاط آخر مقام في نفس الوقت. مسألة يستوجب البحث فيها في الكونفينشن القادم. 
2.   إن إنعقاد الاجتماعات العامة للمنظمات التابعة للإتحاد الآشوري الأمريكي القومي يشغل إهتمام الكثيرمن الناس والتي يحضرها عدد كبيرمن مندوبي هذه المنظمات والضيوف. غير أن هذه الاجتماعات تعقد في نفس الوقت الذي تقام فيه المحاضرات والنشاطات الثقافية والسياسية المهمة الأخرى لذا من الضروري على مسؤولي الفيدريشنأن يرتبوا أوقات أخرى لاجتماعاتهم لا تتزامن مع هذه النشاطات لكي يتسنى للمندوبين والضيوف حضور هذه النشاطات.
3.   هناك عقدة نفسية مرتبطة ببعض المسؤولين في مجتمعنا وحتى ببعض المثقفين الذين يقومون بإلقاء المحاضرات أو المشاركة في الندوات. فعندما يستحوذ مسؤول عن الكونفينشن المايكرفون أو محاضر على المنبر يستحوذ على معظم الوقت في إشباع رغباته في الحديث وتفريغ بكل ما في جعبته تاركاً وقتاً قليلآ للحاضرين لطرح استفساراتهم. في حين أن الاجتماعات المهمة والناجحة هي التي تستطيع إشباع رغبات الحاضرين والتجاوب معهم فيما يخص استفساراتهم او تعليقاتهم. فالمسؤول الجيد والمحاضر الناجح هو الذي يستطيع إيصال فكرته بأقل وقت ممكن للمستمعين وترك مجال أكبر لهم لمداخلاتهم وتساؤلاتهم. غير أنه من المؤسف لم يحدث هذا في كونفينشن 74 فخرج الكثير من الحاضرين لهذه الاجتماعات وتساؤلاتهم مسجونه في عقولهم من دون جواب شافي من المسؤول او المحاضر.
4.   ظهرت بعض السلبيات أثناء أيام الكونفنيشن الخارجة عن سيطرة المنظمين له والتي نستيطع أن نسميها بـ (السلبيات التقنية). فكل السبل التكنولوجية لم تفلح في معالجة موضوع إصدار البطاقات الألكترونية للمسجلين لحضور نشاطات الكونفينشن وبالتالي لجأت اللجنة المنظمة إلى أسلوب بدائي يدوي يقوم على وضع شريط بلاستيكي حول معصم اليد، كما هو معمول به في المستشفيات، كعلامة أو بطاقة دخول لنشاطات الكونفينشن والذي كان أسلوباً محرجاً للحاضرين والذي ظهر وكأنهم مرضى هاربين من المستشفى. كان من سوء حظ الحاضرين أن يكون اليوم الأخير من الكونفينشن المخصص للسفرة في أحدى ضواحي المدينة أشد حرارة من أي يوم من أيام مدينة سان ديكو والذي تضايق بعض الناس من الجو الحار ولم يتمتعوا بكامل اليوم وبالتالي حرموا من المناظر الجميلة المحيطة بالمدينة. ولكن من جانب آخر لم تمنع حرارة الجو من حماس الشباب من المشاركة في الدبكات الشعبية بشكل مكثف وكبير.

ولا يفوتني أن أذكر بأن عندما دخلت على الموقع الألكتروني للفدريشن الذي وضع فيه إستفتاء عن مدى رضى الناس عن الكونفينشن 74 فوجدت أن عدد المصوتين يبلغ فقط 65 شخص فقط، بتاريخ كتابة هذا المقال، وكانت نسبة التصويت على مدى نجاح الكونفيشن 74 كما يلي:
18% ممتاز و 14% جيد جداً و 23% جيد و 45% سيء. مما يدل بأن النسبة العالية من المصوتين غير راضين عن كونفينشن 74 ولكن مع هذا أن مثل هذه الاحصائية لا يمكن أن يعتد بها إذا أخذنا في الاعتبار نسبة المصوتين (65 شخص) إلى الألاف من الاشحاص الحاضرين للكونفينشن.

هنا يجب أن لا يفوتني أن أذكر أهم النشاطات الثقافية والفكرية التي أقيمت أثناء أيام الكونفينشن وأذكر منها:

1.   الحلقة الثقافية القومية التي حاضر فيها كل من الدكتور سعد سطيفان، رئيس المجلس القومي الآشوري الكلداني السرياني ورئيس الجمعية الخيرية الآشورية في سدني/ استراليا عن "نظرة حول الحقوق القومية لشعبنا من خلال التطورات الحالية في العراق" والأب الدكتور يوسف توما رئيس تحرير مجلة الفكر المسيحي وأستاذ في كلية بابل للاهوت والفلسفة في العراق عن "جذور التغيرات بين الشرق والغرب وتأثيرها على شعبنا في العراق" والدكتور حكمت حكيم، خبير في القانون الدولي في العراق عن "الدستور العراقي وحقوقنا القومية" والدكتور بهار بيوتي، أخصائي في علم النفس وعضو المجلس القومي الكلداني الآشوري السرياني في العراق عن "التأثيرات النفسية للحرب على المدنيين في العراق" وكان السيد وسام كوسا، رئيس الجمعية الآشورية الأمريكية في سان ديكو منسقاً للندوة.
2.   الإجتماع العامة لمندوبي المنظمات التابعة للإتحاد الآشوري الأمريكي القومي الأخير الذي يحضره هؤلاء المندوبين وبعض المهتمين بشؤون هذا الاتحاد. حيث تم في هذا الاجتماع مناقشة مواضيع قومية مهمة ليست فقط تلك المتعلقة بشؤون الاتحاد ومنظماته التابعة له وإنما بمسائل أخرى متعلقة بشؤون أمتنا مثل زيارة رئيس الاتحاد وبعض أعضائه لشمال العراق واللقاء مع المسؤوليين هناك وكذلك زيارتهم للأردن وسوريا وتفقد أحوال شعبنا هناك. ومن القرارات المهمة التي أتخذها الاجتماع وبأغلبية ساحقة هو قرار إلغاء الفدريشن عضويته في الاتحاد الآشوري العالمي والمعروف بـ (AUA) حيث كان منذ سنوات قليلة قد جمد عضويته في هذا الاتحاد بسبب فشله في تحقيق أي من أهدافه وفقدان مصداقته بين أبناء شعبنا وتورطه في مشاكل تنظيمية وشخصية بحيث لم يعد له وجود حقيقي وملموس على الساحة القومية وبالتالي زالت الاسباب التي ربطت الفدريشن بهذا الاتحاد وأتخذ قراره بالانفصال عنه.
3.   كان لحفل العشاء الرئاسي وقعاً مؤثراً على معظم الحاضرين له. ففي هذا التجمع الكبير تم تثمين وبشكل منقطع النظير نضال الحركة الديمقراطية الاشورية في الوطن وأشاد معظم المتحدثين فيه عن الصعوبات والتحديات التي يلاقيها أعضاء هذه الحركة كما تم  تقييم عمل اللجنة الخيرية الآشورية في الوطن ودورها الكبير في مساعدة أبناء شعبنا هناك. وكان لحديث الدكتور سمير جونا رئيس الجمعية الآشورية الطبية وقعاً كبيراً جداً على الناس عندما شرح قصة أحضار طفل مع والدته من الوطن إلى أميركا لغرض علاجه من عجز كبير في قلبه والتي تكللت عملية علاجه بالنجاح الكامل وإنقاذ حياة الطفل ثم أرتقى الطفل الصغير المنصة مع أمه التي شكرت  في كلمة مؤثرة جداً  كل من الدكتور سمير وغيره الذين ساعدوها لاحضار طفلها إلى أميركا للعلاج فلم تمضي إلا لحظات حتى كانت عيون الجميع مغروقة بالدموع. ولكن مع هذه المشاعر الجياشة التي تغلغلت في قلوب الجميع بقى في عقول الحاضرين سؤالاً يقول إذا كان هذا طفلاً واحداً عولج وأنقذت حياته والحمد لله فماذا بخصوص آلاف الأطفال من أبناء شعبنا يموتون في العراق مرضاً أو قتلاً؟؟؟

وأخيرا لا يفوتني إلا أن أذكر الملاحظتين التاليتين:
1.   سألت أحد أعضاء الوفود القادمة من أرض الوطن عن مشاعره وتقييمه للكونفينشن فغرق في سكوت محفوف بالتفكير والحزن. فقلت له ما الأمر فقال نعم أنها مناسبة جيدة ومبهجة لأبناء شعبنا المترف في هذا الجزء من العالم ولكن ماذا بشأن أخوتهم الصامدين في أرض الوطن ويعانون من آشد أنواع الصعوبات لا بل يواجهون الموت كل يوم. أفهل لنا الحق في المقارنة بين هذه الظروف وتلك. قلت له الحياة يجب أن تستمر بحلاوتها ومرارتها فهذه سنة الحياة. فقال لا مانع من ذلك فكل إنسان يسعى إلى حياة جميلة وسعيدة ولكن التطرف في هذه الحياة وإهمال الجانب الآخر مسألة غير طبيعية فالتوازن النسبي بين الأثنين واجب على الجميع خاصة الذين لهم مشاعر قومية وإنسانية تجاه أخوتهم الذين يعانون معاناة غير إنسانية في الوطن. فما الحل؟؟؟ هل يترك أبناء شعبنا في المهجر حياته المترفة ويعزف عن حضور مثل هذه المناسبات ويلبس الحزن وينحب ليل نهار على معاناة شعبنا في الوطن... طبعاً لا. هل يستطيع الكونفينشن، ونحن بصدد الحديث عنه وعن الحاضرين له، العمل ولو بشيء قليل ليخفف من معاناة شعبنا في الوطن ويضمن مستقبله ... نعم . أن الملايين من الدولارات التي تصرف في الكونفينشن لا بد للقائمين على إدارته النظر في هذه المسألة بشكل جدي والبحث في سبل تخريج جزء منها وبأي شكل من الآشكال وتخصيصها في مساعدة أبناء شعبنا هناك ليس بالطريقة التقليدية في إرسال النقود إليهم وإنما بطرق عملية أخرى تتمثل في تخصيص هذه النقود في مشاريع ثقافية وتعليمة وأقتصادية تكون مدروسة وراعية من قبل الكونفينشن نفسه أو لجان متخصصة يقوم بتشكيلها فهذه مسألة يستوجب على القائمين على إدارة الفدريشن دراستها أو طرحها للدراسة في الكونفينشن القادم الذي سينعقد في كونيكتيكوت قرب مدينة نيويورك في العام القادمن فهذا هو واجبه الأساسي والأولي لأن الفدريشن أسس في عام 1933 لغرض مساعدة أبناء شعبنا في الوطن.
2.   ربما يسأل البعض لماذا نضيع وقتنا في الكتابة عن هذا الحدث وعن نشاطاته والتي تبدو للبعض عديمة الأهمية أو تافه في مقارنة بالمسائل الأخرى والمشاكل التي تحيط بأبناء شعبنا. سؤال قد يكون من الناحية الشكلية مقبولا ولكن ليس كذلك من حيث المضمون العميق القومي لهذا الحدث. لقد سبق وأن أكدنا في المقال السابق أهمية هذا الحدث من حيث قدمه ومواصلته لمدة 74 سنة بغنى عن نشاطاته وسلبياتها المرافقة لها. فالبعض منا المتشائمين في مصير هذه الأمة التي تمر في ظروف صعبة جداً تهدد مستقبله بالضياع التام وإنصهارها في المجتمعات الكبيرة خاصة الغربية منها يقولون بأنه خلال بضعة عقود من السننين ستضيع الأمة بكاملها وتدخل عالم اللا وجود. أن الكونفينشن الذي أحتقل قبل أسبوع بعيد ميلاده الرابع والسبعون والذي تأسس في ظروف مذبحة سميل المفجعة في عام 1933 وما تبعها من مأساة مستديمة لا شك فيه أنه سيستمر لعقود طويلة أخرى خاصة في هذه الزمان الذي سهل عملية السفر والتنقل بين الدول والمدن وأن كلمة أبناء شعبنا ستتردد فيه والمفكرين سيحاضرون فيه وشبابنا سيدبكون في حفلاته والأهم أن علم أمتنا سوف يرفرف في قاعات مختلف المدن الأمريكية تاركة نيسمها لبقية أبناء شعبنا في البقاع الأخرى من العالم. أحب الكونفينشن لأنه البصيص الصغير المتاح حاليا في الحفاظ على الروح القومية لأبناء شعبنا في بلدان المهجر والوسيلة الوحيدة والفاعلة في تجميع أبناء أمتنا في مكان واحد.

وأخيراً أسأل أبناء شعبنا في الدول الأوربية وأقول لماذا لا يقومون بتنظيم مثل هذا الكونفينشن سنويا وكل مرة في دولة أوربية، خاصة أن الظروف الأوريية السياسية والجغرافية تسهل عقد مثل هذا الكونفينشن. فالوحدة الأوربية ألغت الحدود والفيزا بين الدول كما أن المسافة بين السويد وإنكلترا أو ألمانيا أو إيطاليا أقصر بكثير من المسافة بين نيويورك وسان ديكو. أن الاتحاد الآشوري في السويد مؤهل للقيام بمثل هذه المبادرة خاصة وهو عريق في تاريخ تأسيسه ونشاطه الشامل لجميع فئات أبناء شعبنا في أوربا.... رسالة ... فهل من جواب؟؟ إلى اللقاء في الكونفينشن القادم الـ 75 في نيويورك. ونأمل أن نرى قريبا كونفينشن أوربي.

332
ماذا تعرف عن كونفينشن
للاتحاد الآشوري الأمريكي القومي
+++++++++++++++++++++

أبرم شبيرا
توطئة:
للفترة من 30/آب/2007 ولغاية 3/أيلول/2007 سينعقد في مدينة سان ديكو في جنوب ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية كونفينشن الـ (74)  للاتحاد الآشوري الأمريكي القومي. وبالنظر لكون هذا التجمع الجماهيري الواسع محصوراً بالمنظمات الآشورية الأمريكية وضيوفه القادمين من خارج الولايات المتحدة الذين يستطيعون توفير المستلزمات المالية لحضوره فأن المعلومات عنه وعن نشاطاته قد تكون قليلة لأبناء شعبنا في المشرق وفي بلدان المهجر الأخرى، لذا نقدم هذه السطور كتوضيح معلوماتية قد تكون مفيدة في معرفة هذه الاجتماع السنوي.

الكونفينشن وخلفيته التاريخية:
لغوياً، الكونفينشن يعني إجتماع موسع لمجموعة من الناس أو المؤسسات وعلى الأغلب يكون إجتماعاً دورياً سنوياً. قومياً، هو الاجتماع الجماهيري الذي يعقده الاتحاد الآشوري الأمريكي القومي في الولايات المتحدة الأمريكية سنوياً ولمدة أربعة أيام يبدأ من نهاية الأسبوع الأخير من شهر آب وينتهي في يوم الأثنين الأول من شهر أيلول من كل عام والذي يصادف عيد العمال في الولايات المتحدة وهي عطلة رسمية. تاريخياً، ولد الاتحاد الآشوري القومي عشية المذابح المفجعة في سميل في شهر آب 1933. ففي منصف شهر تشرين أول من عام 1933 تشكلت لجنة الطوارئ الآشورية القومية في الولايات المتحدة الأمريكية فدعت إلى إجتماع جماهيري موسع في مدينة نيو جيرسي. وبعد يومين من النقاش تقرر مندبو المنظمات الحاضرة عقد إجتماع في شهر تشرين ثاني من نفس العام في مدينة نيو بريتن في ولاية كونيكتيكوت حيث أقر النظام الداخلي وأنتخب الكابتن ألكس أمير كأول رئيس للإتحاد. والمنظمات التي حضر مندوبهم وأسسوا هذا الاتحاد، هي كل من إتحاد القومي الآشوري من ماسسشوسيتس و الجمعية الآشورية في يونكر/نيويورك والجمعية الآشورية في كونيكتيكوت و الجمعية الخيرية الآشورية المسيحية في فلاديلفيا وفروعها في نيووارك ونيو جيرسي كذلك حضرت لجنة الطوارئ الآشورية في نيو جيرسي.

وفي الاجتماعات السنوية اللاحقة تطور النظام الداخلي للإتحاد وتبنى شعاره وأهدافه والتي كانت بالأساس مساعدة الآشوريين المتضررين من مذابح سميل إضافة إلى أهداف قومية وإجتماعية أخرى تقوم على لم شمل الآشوريين المنتشرين في الولايات الأمريكية المختلفة وإقامة المحاضرات والندوات والحفلات الترفيهية والمباراة الرياضية. ومن الظواهر المهمة الواجب ذكرها هو أن معظم مؤسسي الإتحاد كانوا من رواد الفكر القومي الآشوري  ومن الطائفة السريانية الأرثوذكسية وكان بينهم ديفيد بيرلي وجوزيف ديرنه وغيرهم. ومن المؤسف فيه أنه بمرور الزمن تقلص نفوذ وتواجد أبناء هذه الطائفة في الإتحاد ونشاطاته. أما أبناء الطائفة الكلدانية فكان وجودهم أو منظماته معدوماً تقريباً، في حين طغى أبناء الطائفة المشرقية (النسطورية) على الاتحاد وأصبح تقريباً في السنوات الأخيره قاصراً على عليهم وعلى منظماتهم. كما وأن التسمية الآشورية (Assyrian) طغت بالتمام والكمال على الاتحاد وعلى جميع المنظمات المنضوية تحد لوائه بإستثناء جمعية جديدة تأسست حديثاً وفي السنوات القليلة الماضية وهي الجمعية الكلدانية الآشورية الأمريكية في سان ديكو، وهي المدينة التي يطغي عليها تواجد الطائفة الكلدانية أكثر بكثير من الطوائف الآشورية الأخرى، وهي التي ستقوم بتنظيم كونفينشن 74 لهذا العام. وأخيراً لم يبقى إلا أن نذكر مصادفة غريبة هي أن عدد الجمعيات المنضوية تحت لواء الإتحاد الآشوري الأمريكي القومي حالياً هو (33) جمعية وهو العدد الذي تلون بدماء شهدائنا في مذبحة سميل في عام 1933 والذي على أثرها تأسس هذا الاتحاد.         

 إيجابيات الكونفينشن:
بدءً أقول بأنني معجب بالكونفينشن، فاقطع المحيطات وأعبر القارات لكي أحرص على حضوره والاستمتاع بأيامه المعدودات. وسبب إعجابي به يعود إلى بعض الإيجابيات التي يتصف به:
1.   أنه أكبر تجمع آشوري في تاريخنا المعاصر وأوسع نشاطا وأطول مدةً. فنحن الآشوريين المشتتين في زوايا هذا العالم أحوج ما نحتاج إليه هو مثل هذه التجمعات الدولية الشاملة التي تلملم شتات الأصدقاء القدامى وتجمع الأقارب المتباعدين تحت سقف واحد. شخصيا وفي كل سنة من سنوات الكونفينشن ألتقي بأصدقاء فارقتهم منذ أيام الصبا وأجتمع مع أقاربي المشتتين في قارات العالم. إضافة إلى ذلك فهو ملتقى للتعارف وكسب أصدقاء جدد ذوي اهتمامات مشتركة، ناهيك عن بعض جوانب نشاطاته الثقافية والفنية والرياضية والسياسية إضافة إلى سماع أخبار الوطن الأم خاصة عند حضور ممثلين عنه. وأهمية هذه اللقاءات تكمن في كونها الحجر الأساسي في ديمومة أركان المجتمع ألآشوري بالمعنى السوسيولوجي والسياسي للمجتمع. فالمجتمع بهذا المعنى ليس كماً عددياً من الأفراد بل هو مجموعة من العلاقات والاهتمامات القائمة بين هؤلاء الأفراد.
2.   يتصف الكونفينشن بصفة لا تتوفر إطلاقاً في أي جانب من جوانب نشاطات المجتمع الآشوري في تاريخنا الحديث وهي الديمومة والتواصل. فمن المعروف عنا نحن الآشوريين نبدأ تجمعاتنا ونشاطاتنا ببدايات نارية وحاسمة ثم ما يلبث وبعدة فترة قصيرة ينطفئ نيران حماسنا ونبدأ بلوم بعضنا البعض أو إيجاد مبررات باهتة للفشل وعدم التواصل. أما الكونفينشن فهو الوحيد والنادر والاستثناء في هذه الحالة، فمنذ عام 1933 يتواصل نشاطه دون انقطاع، بغنى عن سلبياته وإخفاقاته. فهذا التواصل يؤكد، ولو من جانب ضيق ووحيد، حيوية المجتمع الآشوري وإصراره على البقاء والديمومة. فالمجتمعات الحية لا تعرف بفعاليات أو مناسبات مؤقتة غير قادرة على الاستمرار والتواصل بل بديمومة هذه المناسبات وتواصلها لآجال مستقبلية، وهو الأمل المعقود على الكونفينشن ليتواصل نحو الأجيال الآشورية القادمة.
3.   هناك صفة أخرى يتصف به الكونفينشن تتعلق بالصفة السابقة وهي حضور عدد كبير من الشباب والشابات له والاستمتاع بنشاطاته، خاصة الرياضية والاجتماعية منها وزيادة هذا الحضور من سنة إلى أخرى من سنوات الكونفينشن. فمن المؤكد بأن هؤلاء، والذين معظمهم يعيشون في المجتمعات الغربية يسهل عليهم الاستمتاع بمثل هذه النشاطات وخاصة الترفيهية منها وفي أمكان أخرى إلا أن الظاهر فيهم هو اهتمامهم الخاص وحماسهم الظاهر في حضورالكونفينشن لا بسبب شكلية الحفلات والنشاطات الترفيهية والرياضية وإنما بسبب مضمونها الآشوري. فشخصياً ألمس مثل هذا الاهتمام عندما اختلط بالكثير منهم وأتبادل الحديث معه وعن البلد الذي جاءوا منه والنشاط الذي سيقومون به في الكونفينشن وغايتهم من الحضور، فكثيراً ما يكون جوابهم مشبعاً بالفرح والبهجة وحتى المزاح ذات المضامين الإيجابية. وأطرف هذه الأجوبة كان جواب أحد الشبان القادمين من أستراليا حينما قال بأنه جاء للكونفينشن ليبحث عن فتاة آشورية جميلة ويتعارف عليها ثم يأخذها في المستقبل زوجة له. ولا أدري إذ كان مازحاً أم جاداً إلا أن جوابه أسعدني كثيراً. على أن كل هذا يجب أن لا نغفل الشكاوى والاحتجاجات التي ترد على تصرفات بعض الشباب في الكونفينشن وما يسببونه من مشاكل وأضرار لممتلكات الفندق الساكنين فيه. وقبل أن نعلق على هذه الشكاوى يجب أن نؤكد ظاهرة بارزة فينا نحن الآشوريين، وهي إننا نملك عيون واسعة وقوية جداً نحو سلبياتنا في حين لنا عيون صغيرة وضعيفة نحو إيجابياتنا، من هذا المنطلق نبالغ كثيراً في سلبياتنا ونهمل إيجابياتنا. لذا يجب أن تؤخذ هذه المشاكل بنظرة موضوعية لا انفعالية سلبية مفصولة عن الايجابيات. فيجب أن نقر بأن في مثل هذه التجمعات الكبيرة والمبهجة وخاصة بالنسبة للشباب لا تخلوا من بعض المشاكل وهي حالة طبيعية لا يستثنى منها أي مجتمع من مجتمعات العالم. وأخيراً فمن الملاحظ بأن هذه المشاكل قد تقلصت كثيراً في السنوات الأخيرة بعد أن قرر القائمون على إدارة الكونفينشن على عدم إقامة النشاطات في قاعات الفنادق وإنما في مراكز المؤتمرات المنفصلة عنها كما وأن الحضور إلى الكونفينشن وضرورة التسجيل مسبقاً وعن طريق موقع ألكتروني خاص بالفدريشن سهل عملية السيطرة والنظام وقلل من حضور المشاغبين.
4.   وأخيراً تبقى النشاطات الثقافية والسياسية والرياضية والفنية للكونفينشن لأيام عديدة ظاهرة إيجابية لو أحسن اختيار مضامينها وضمن تنظيمها بشكل أفضل مما هي عليها، وهي النشاطات التي يتطلب التعليق عليها في السطور القادمة.

سلبيات الكونفينشن:
بطبيعة الحال يجب أن لا تحجب هذه الجوانب الايجابية للكونفينشن العثرات والنواقص التي تعتري نشاطاته السنوية.

النشاطات السياسية والثقافية: نعالجها من الجوانب التالية:
1 - من ناحية الممضون: من الملاحظ أن مضمون هذه النشاطات لم تعد تستقطب اهتمام الجمهور لكونها مملة ومكررة ولا فيها شيء جديد يستجوب معرفته فهي لا تتجاوز المعلومات العامة والأخبار والتقارير السياسية التي نسمعها في وسائل الإعلام. لهذا السبب لا يتجاوز حضورها إلا بضعة أشخاص مما يسبب ذلك إحراجاً للمشارك والقائمين على تنظيمها. يستثنى من هذه الحالة الندوات التي يشارك فيها ممثلو الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) التي تحضر الكونفينشين بصفة ضيف أو متكلم رئيسي، أو المحاضرات التي تلقى من قبل أحد قيادي الحركة كما أن ندوات الحاضرين من بلدان خارج الولايات المتحدة تحضى بأهتمام لا بأس بها. من هذا المنطلق يستجوب إعادة النظر في مضمون هذه المحاضرات والندوات وضرورة إيجاد مضامين جديدة قادرة على استدراج إنتباه وإهتمام الجمهور.
2   - من ناحية المشاركين: في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها وطن الأم، فإن غيباب المشارك الآشوري من العراق، خاصة السياسي، والذي أعتاد عليه الجمهور، وعلى الأغلب يكون من الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) يشكل نقطة ضعف في نشاطات الكونفينشن لأن مثل هذا الحضور يثير اهتمام الجمهور بشكل منقطع النظير خاصة عند حضور مسؤول كبير عن هذه الحركة. إن هذا الحضور ضروري جداً ويستوجب على الجميع، وخاصة قيادة زوعا، توفير كل السبل لتحقيقه، ونأمل أن يتحقق في السنة القادمة لأن الجميع متشوق لسماع أخبار الوطن مباشرة من المسؤوليين عن قيادة الأمة في الوطن. وحبذا لو حضر أيضاً ممثلين عن الحركات الأخرى لكي يستمتع الجمهور بتنوع الأراء والأفكار. ولكن هل يجتمع الأخوة الأعداء تحت سقف واحد؟؟؟ وفي يومنا هذا يشغل الأحوال المأساوية لأبناء شعبنا في أرض الوطن وفي سوريا والأردن حيزا كبيراً من قلقهم وإهتمامهم وحبذا لو أن القائمين على تنظيم الكونفينشن القادم الإهتمام بهذا الموضوع المهم.
3   - من ناحية التنظيم: تفتقر تقريباً كل النشاطات إلى التنظيم وحسن الإدارة. أولا: أن معظم النشاطات تتأخر، كعادة الشرقيين وخصوصاً العرب الذين تعلمنا منهم كل سلبياتهم، ساعات عن موعدها المعلن ولا يستثنى أي نشاطا منها. فتأخر المحاضرة، إما بسبب قلة الحضور أو سوء التنظيم، يؤثر بشكل مباشر على تأخر النشاط التالي وهكذا تتأخرت كل النشاطات عن موعدها المقرر مما يربك الجمهور وبعضهم يمل من الانتظار ويغادر القاعة. ثانياً:  ضعف قدرة منظم المحاضرة في الادارة والسيطرة مما يؤدي إلى فلتان الأمور وعدم تقيد المحاضر بالوقت المحدد وبالتالي يسبب تضايق وتململ الجمهور القليل العدد ومن ثم مغادرة بعضهم القاعة. كما أن ضعف الإدارة والسيطرة تنعكس في ضياع محدودية الوقت المخصص للمحاضر وبالتالي لا يبقى شيئاً من الوقت لأسئلة الجمهور في حين يبقى رنين تلفونات (موبايل) المستمر هو سيد الموقف بدون منازع رغم الإنذارات المتكررة من قبل منظم المحاضرة على  ضرورة غلق التلفون وعدم استعماله في القاعة.
4   - من الناحية السياسية والقومية: هناك غياباً شبه تام للأحزاب الآشورية في الكونفينشن وبالأخص القائمة في المهجر وتحديداً في أميركا. فمن المفروض أن يكون لهم حضور ملموس ونشاط مثير لإهتمام الناس. ولكن السؤال يبقى قائم: هل من جديد لهذه الأحزاب حتى تقدمه للجمهور؟  فهذا الغياب ما هو إلا تعبير عن عجز هذه الأحزاب وضعف نشاطاتها. فعلى سبيل المثال قبل بضع سنوات في أحدى ندوات الكونفينشن السياسية كانت الندوة تتكون من قسمين، قسم يتحدث فيها مسؤول حكومي أمريكي ثم بعد إستراحة الشاي يبدأ القسم الثاني ليتحدث فيه ممثلوا بعض الأحزاب الآشورية في المهجر، فبعد إنتهاء القسم الأول خرج الحاضرون إلى صالة الشاي وبعد مضي 15 دقيقة المخصصة للراحة لم يداخل الحاضرون إلى القاعة لحضور القسم الثاني مما أضطر المنظمون للندوة إلغاءه. وعندما سئلت بعض الأصدقاء عن سبب عدم حضورهم للقسم الثاني، قالو.. نحن نعرف ماذا سيتكلمون ... أنه نفس الكلام الذي يتكلمون عنه منذ سنوات ونحن متأكدين لا جديد فيه فماذا نضيع وقتنا هبائاً. كما هناك نقطة سلبية لها مدلولات قومية هي غاب العنصر الكلداني في السنوات الأخيرة من الكونفينشين، وربما قد يحضر مسؤول عن منظمة كلدانية معنية قريب من حيث الفكر والميول لمنظمي الكونفينشين ولكن يبقى حاله في كثير من الأحيان كحال أي زائر أو ضيف عادي لا يخصص له أي نشاط أو فرصة للحديث او المشاركة في نشاط قومي أو سياسي. وهناك ظاهرة أخرى مثيرة للعجب أود الإشارة إليها لكي يشاركني القارئ عجبي هذا، وهو غياب شبه كامل لأفراد ومؤسسات الطوائف الأخرى وأخص بالذكر الطائفة السريانية الأرثوذكسية، حيث كان معظم رواد الفكر القومي الآشوري الوحدوي من أبناء هذه الطائفة وكانوا من المؤسسين للإتحاد الآشوري الأمريكي القومي عام 1933 وتناولوا رئاسته وإدارته لسنوات عديدة كما سبق وأن نوهنا عنه في أعلاه، واليوم غابوا عن هذا الحدث المهم، ترى ما هو السبب؟ هل هو دليل على تراجع الوعي القومي وتحدد مؤسساتنا القومية بحدود طائفية معينة؟ أسئلة مهمة يستجوب الانتباه إليها ومناقشتها. 
5   - من الناحية الاجتماعية والترفيهية والرياضية: ربما كان التباري الرياضي للفرق في كرة القدم أكثر اهتماماً واستقطابا للجمهور، فألف مبروك لشبابنا الآشوري ويستحقون كل التقدير والاهتمام. كما أن كثرة الحفلات الساهرة، تقريباً يوميا، لم تكن مبررة خاصة في الليلة الأولى للكونفينشن حيث لا يحضرها إلا عدد قليل جداً. أما بالنسبة للعشاء (الرئاسي) هو تجمع أخير وفي اليوم الأخير للكونفينشن يقتصر على كلمات بعض الشخصيات ورؤساء وممثلي بعض المنظمات أو الضيوف البارزين وينتهي بإختيار شخصية العام. وبقى أن نقول بأن السنة التي يجري فيها إنتخاب رئيس للإتحاد الآشوري الأمريكي القومي والذي يجري كل سنتين، يعد من المناسبات المهمة والمثيرة للإهتمام الحاضرين خاصة المنظمات المتنافسة على الرئاسة والمناصب الأخرى.

وأخير يبقى التساؤل قائماً وعلى الدوام، وهو هل حقاً أن كونفينشين يستطيع بنشاطاته أن يساعد الآشوريين في العراق ويخفف من معاناتهم... وهل أن الأموال التي يجنيها في هذه المناسبة يصل قسم منها إلى الوطن... للأمانة نقول ... نعم بعض من هذه الأموال وصلت ولكن في مقارنتها مع ما يصرف في هذه المناسبة من قبل الحاضرين يعد بمثابة " شعرة من جلد الخنزير" كما يقول المثل.

333
في ذكرى السابع من آب يوم الشهيد الآشـوري
-----------------------------

لماذا السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري ؟

أبرم شبيرا

توضيح:
هذا موضوع طويل لكتاب تحت عنوان " مفهوم الاستشهاد عند الآشوريين" لازال منذ فترة طويلة تحت قيد الانجاز، ولكن لظروف خاصة وبعضها متعلقة بهذا الزمان الغادر الذي يسحق إمتنا سحقاً حالت دون إنجاز هذا العمل بشكل متكامل. فالتأثيرات النفسية السلبية التي تراكمت في إعماق نفوسنا من جراء ما تعينها أمتنا في أرض الوطن وعجزنا جميعاً أو عدم قدرتنا في المساهمة ولو بشكل قليل للخروج من هذا المأزق المأساوي يخلق فينا حالة ذهنية معينة تشلنا عن الكتابة والتي تبدو وكأنها نوع من "البطر" وأمتنا تذبح في أرض أجدادنا. ولكن مع هذا،  إكراماً لشهداء أمتنا الذين سقطوا بيد التطرف الإسلامي والإجرام المباح ولأولئك الذين يعيشون في ظروف الإرهاب والتنكيل والخطف وتضعهم في ظروف قد تجعلهم في مطاف شهداء الأمس نسطر لهم هذه السطور القليلة المقتبسة من الموضوع الأصلي.
==============================================================

يتساءل البعض لماذا  تم اختيار مذبحة سميل لعام 1933 لتكون يوماً للشهيد الآشوري في الوقت الذي هناك مئات الآلاف من الشهداء الآشوريين ومنذ قرون طويلة وهناك ضحايا الحرب والتشرد والفواجع أثرت وبعمق على الآشوريين سواء من حيث الكم أو الكيف وأثرت في نفسيتهم إلى درجة كبيرة ، خاصة أحداث الحرب العالمية الأولى وما سبقتها من مذابح وما أعقبتها من تشرد وفواجع . وهذا صحيح لا أحد يستطيع أن ينكر بأن التاريخ الآشوري زاخر بدماء شهداء المذابح التي أرتكبت بحقهم منذ قرون طويلة ولكن، كما سبق القول ، بأنه كان يجب اختيار تاريخ معين ليوم الشهيد الآشوري وكان يجب أيضا أن يأتي هذا الاختيار بسبب جملة عوامل نذكر منها مايلي :

1 – العلم والشعار والنشيد الوطني ونصب الجندي المجهول وأبطال التاريخ القومي والأعياد القومية والمناسبات التراثية وغيرها، كلها رموز قومية لكل أمة من الأمم اكتمل وعيها السياسي والقومي. فالسابع من آب يوم الشهيد الآشوري يأتي ضمن هذا السياق كرمز قومي آشوري فرضته ظروف نضج الوعي السياسي القومي الآشوري، خاصة في نهاية الستينات وبداية السبعينيات من القرن الماضي عندما تبنى الإتحاد الآشوري العالمي هذا اليوم كيوم للشهيد الآشوري .فحاجة الأمة إلى هذا الرمز هو بهدف إبراز مكوناتها التاريخية القومية وأهمية الحفاظ على هذه المكونات من خلال التضحية والفداء بالدماء الزكية الطاهرة لأبناء أمتنا.

2 – السابع من آب والمذبحة المأساوية في سميل عام 1933 هو تاريخ معاصر وقريب إلى أحداثنا القومية والسياسية المعاصرة وإلى المأساة الناجمة عن الممارسات العنصرية والشوفينية ضد الآشوريين في السنوات الأخيرة وإلى يومنا هذا. إضافة إلى ذلك فإن الكثير من أبطال الحركة القومية الآشورية عام 1933 كانوا ولا يزالون لوقت قريب أحياء يرزقون ، كما أن هناك شهود عيان لمذبحة سميل لا يزال الكثير منهم يعاصرون أحداث أيامنا هذه .

3 – لأول مرة في التاريخ الآشوري تتخذ الحركة القومية عام 1933 نهجاً اكثر تمييزاً واستقلالاً من حيث الشكل والمضمون عن نهج الكنيسة والدين وإن كانت في بعض جوانبها، سيما من حيث القيادة والتنظيم ( الديني – العشائري ) لها مظاهر دينية وعشائرية، إلا إنها من حيث المضمون وضمن سياقها الزمني كانت تسعى إلى تحقيق أهداف قومية تتعلق بحق الآشوريين في تقرير مصيرهم القومي.

4 – في العقود الثلاثة الأخيرة من تاريخنا المعاصر نشأت أحزاب سياسية ومنظمات قومية أولت أهمية للتاريخ السياسي للآشوريين الزاخر بالبطولات والتضحيات من أجل تحقيق الأهداف القومية المشروعة. فكان من الطبيعي جداً، كما هو الحال مع بقية الأحزاب السياسية للقوميات الأخرى، الاستناد إلى أحداث تاريخية تتخذ منها دروس قومية لشحذ همم الآشوريين وتطوير وعيهم القومي بشكل ينسجم مع تطلعات الأمة. فكانت أحداث الحركة القومية الآشورية والمذبحة التي أرتكبت بحق الآشوريين في سميل ملهمة لأبناء أمتنا في استمرار وتواصل النضال القومي، فأصبح السابع من أب رمزاً من رموز التضحية والفداء عند الشعب الآشوري ومنظماته وأحزابه السياسية.

5 – وفرة وتعدد المصادر والكتب والوثائق عن الحركة القومية الآشورية عام 1933 والمذبحة التي رافقتها وباللغات التي يجيدها الآشوريون كالآشورية/السريانية والإنكليزية والعربية والفارسية، وسهولة الرجوع إليها واغتراف مضامينها التاريخية والسياسية وأبعادها القومية والإنسانية واستلهام معانيها النبيلة في الاستشهاد في سبيل الحرية لتساهم بدورها في إنماء وتطوير الوعي القومي الآشوري وبالتالي إضفاء أهمية استثنائية لمعنى الفداء والتضحية بالدماء في مسيرة التحرر القومي الآشوري. ومن الجدير بالذكر في هذا الشأن كتاب ماليك ياقو ماليك إسماعيل "الآشوريون والحربان العالميتان" وكتاب يوسف مالك "خيانة بريطانيا للآشوريين" وكتاب البطريرك مار شمعون إيشاي "مأساة الآشوريين" والمنشور باسم مؤلف مجهول، فهذه الكتب سلطت أضواء مكثفة على تفاصيل الحركة القومية الآشورية عام 1933 والمذبحة التي رافقتها والتي كتبت بنوع يتسمها نسمات من الروح القومية، لذلك كان تأثيرها واضحاً في نفسية الآشوريين والذين تمكنوا من خلالها استخلاص العبر والدروس القومية وبالتالي المساهمة في إنماء وتطوير الوعي القومي السياسي للآشوريين في عصرنا الحالي. وتأتي أهمية هذه الكتب في كونها كتبت من قبل رجال عاصروا الحركة الآشورية لعام 1933 وواصلوا النضال لفترات لاحقة واحتلوا مواقع قيادية فيها، فجاءت كصورة حقيقة ناطقة عن الضمير الآشوري الذي ذبح في سميل.

6- مأساوية مذبحة سميل ودراماتيكية أحداثها الدموية وتأثيرها بشكل عميق على نفسية الفرد الآشوري وعلى الأجيال اللاحقة من جهة، وانعكاساتها السلبية في البنية الفكرية العراقية والترسبات التي خلقت في عقلية رجال الحكم في العراق من جهة أخرى، ترتب على ذلك تبعيات سياسية وقانونية سلبية على الآشوريين ، كموضوع الحصول على الجنسية العراقية مثلاً والمواقف السلبية للأنظمة المتعاقبة على السلطة في العراق تجاه الآشوريين وفي توجيه مختلف التهم والشتائم اليهم وفي اعتبارهم مجرد " عملاء أو جواسيس أن طابور الخامس للاستعمار الانكليزي" ، فكان مثل هذه الممارسات السياسية والقانونية تجاه الآشوريين سبباً في خلق أهمية لهذا الحدث في نفسية المجتمع الآشوري لتفرز فيما بعد ردود لها مغزاها القومي.

هذه بعض الأسباب التي دفعت بالحركة القومية الآشورية عام 1933 والمذبحة التي رافقتها في سميل إلى مصاف الأعياد القومية لدى الآشوريين جمعاء وان يصبح السابع من آب مناسبة تتكلل حولها أرواح الشهداء الآشوريين جميعاً سواء أكانوا قبل هذه الحادثة أم بعدها، وهذا ما يمكن تلمسه أيضا من خلال القصائد والكلمات التي تلقى في هذه المناسبة حيث يكثر الحديث عن مار شمعون بارصباي ومار بنيامين وشهداء زمن "سيفو" ثم يكثر الحديث المبجل عن شهداء الأجيال المعاصرة الذين ودعنا أجسادهم في الأمس القريب واحتفظنا بأرواحهم وذكرياتهم في اجمل زوايا قلوبنا نستمد منهم العبر القومية والإنسانية في تسطير تاريخ أمتنا  في إصحاح يعتبر من اجمل إصحاحات التاريخ الآشوري ليكون بذلك وبحق رمزاً لخلود الأمة، ذلك الخلود الذي كان ثمنه دماء شبابنا الزكية وأرواحهم الطاهرة من أجل أن نستمر نحن في هذا العالم وأن يستمر أطفالنا في عالم الغد. فالسابع من آب يوم خالد، ويجب أن يكون كذلك لكل الآشوريين ولكل مؤسساتهم الدينية والقومية معاً لأنه واجب قومي وديني وإنساني لكل من تعمذ بروح القدس وأستحق اللقب الآشوري هوية له.

واليوم يذبح أبناء أمتنا مع بقية أبناء العراق، ولكن معاناتهم تختلف عن البقية. حيث أنهم يذبحون مرتين، مرة في كونهم مسيحون من جهة وعراقيون من جهة ثانية، فلهم معاناتهم الخاصة والعامة. لا بل والأكثر من هذا بكثير فوجودهم المهدد والمككل بهالة الاستشهاد ليس بصفتهم الفردية فحسب بل إيضاً بصفتهم المجتمعية بما تحمل هذه الصفة من مدلولات ثقافية وإجتماعية وتراثية تارخية. إي بمعنى آخر إن المعاناة في العراق هي معاناة أمة بأكملها تهز وجودها من الأعماق وتقلعها من جذورها، فالرياح العاتية والمدمرة تفعل فعلها الشنيع في الضعيف والصغير قبل القوي والكبير، حينذاك هل يفحل كرسي في البرلمان العراقي أو منصب وزاري أو دولارات الكرد وبناء البيوت الملونة والمزركة بألوان عمامة الكرد في إنقاذ أمتنا وتثبيت جذورها في الوطن وتوجيهها نحو الحياة لا الموت ... موضوع لنا عودة إليه.   

334
زوعا... وأنا ... والآخرون؟؟؟

أبرم شبيرا

يظهر بأن المآساة الدموية التي يعانيها شعبنا في هذه الأيام في الوطن أثرت بشكل عكسي في عقول ونفوس البعض بحيث سمحوا للشيطان أن يدخدخ ويخلخل عقولهم وبالتالي يلجؤا إلى التخريف ونشر الأكاذيب والأباطيل للطعن في كل فكرة نبيلة أو طرح ممكن أن يخفف من معاناة أمتنا في الوطن. فالحالة الفكرية والنفسية لهؤلاء جعلتهم يظنون بأن اعتماد هذا التخريف وإهانة الآخرين سوف يجعلهم كتاباً مشهوريين يقرأ الناس لهم ويصدقونهم وهم مشغولين بمعالجة جروحم النازفة. أنظروا إلى صفحة عنكاوا دوت كوم وسترون أن معظم مكوناتها هي عن معاناة شعبنا في الوطن، أما هؤلاء "الآخرون" فلا زالوا يسبحون في مستنقع الكذب ويلحسون ماضيهم الذي يحاولون تعسيله. أنا لا أريد الاطناب في هذا الموضوع لإنه حيفاً أن نستهلك صفحات عنكاوا ونضيع وقت القراء من جهة، كما إنني لست من الذين يضيعون الوقت للرد على مثل هذه المهاترات من جهة أخرى. أقول لبعض، أكرر وأقول مرة أخرى للبعض كما سبق وأن ذكرت ذلك مراراً وتكراراً، وليس لكل القافزين من قطار زوعا بأنكم لو فعلاً كنتم منتميين إلى زوعاً بالصميم والفكر لكنت عرفتم أبرم شبيرا وعلاقته بهذه الحركة المناضلة وبقيادتها وأعضائها.... ويظهر بأنكم لا تعرفون، لذا أنصحكم أن لا تذهبوا إلى رابي يونادم كنا الذي تحسبونه صديقاً لدي وبالتالي لا تصدقونه، بل اذهبوا وأسئلوا عني من الكوادر الأخرى والقواعد، إسئلوا أخوتكم وأقربائكم الذين لا يزالون يناضلون هناك  حيث ستعرفون منهم علاقتي بزوعا وبقية الحركات والاحزاب الآشورية الشريفة المناضلة.

إنني لا أستغرب أبداً في زمن كثر المنافقون والمآربون الذين يلجؤون إلى أبخس الوسائل لتبرير مواقفهم أو ماضيهم الفاشل عن طريق الطعن بالآخرين وأن ينسب لي مقالة لا أعرف عنها شيئاً ولم أراها أو قرأتها في حياتي ولا سمعت عن الموقع الألكتروني الذي يقال بأنه نشرت فيها. عن أية مقالة يتحدثون هؤلاء التي هاجمت فيها زوعا وقيادتها.... أن الحليب القومي الذي شربناه لا يسمح لنا بمثل هذه المهاترات والأساليب الخبيثة في الحديث عن حركاتنا السياسية المناضلة، بل يعطينا شجاعة كافية لنقد صريح وواضح ومبدئي وبيان عيوب أية حركة أو شخص طالما أعتقد أنه مفيد لهما. فزوعا غير معصومة من الأخطاء وقيادتها تعرف ذلك جيداً. فعندما ألتقي بهم أنتقد بعض ممارساتهم الخاطئة ولم أرى أي زعل منهم. ألا كان الأجدر بهولاء المتصيدين في بركة الكذب والدجل أن يتحققوا من الموضوع عن المصدر الذي كتب المقالة ولو كان عن طريق الاتصال بي أو بقيادة زوعا.  واليوم وبعد أربع سنوات من المقالة الشيطانية يطلبون من رابي يونادم الرد، تصوروا هكذا عقل وتفكير... أين كنتم في حينها؟؟؟. أم أن الشيطان دخل عقلكم في هذه الأيام وحرك ألاعيبه الغبيثة. فإذا كان هؤلاء حقاً ذات يوماً منتميين إلى زوعا صميمياً وفكرياً لعرفوا على الفور بأن هناك يهوذا أسخريوطي كتب هذه المقالة ليسئ إلى علاقتي الجيدة التي كانت و لازالت قائمة مع زوعا. أين أنتم ؟؟ هل قرأتهم كتبي ومقالاتي في تقدير وتقييم نضال هذه الحركة أم الحقيقة عمت عيونكم ولم ترى إلا سطراً أو فقرة كتبتها أيضا من أجل حماية أمتي من مخالب النظام البعثي الحقير. أسئلوا أعتى عتاة عملاء نظام البعث المقبور، مثل وليم شاؤول، وستعرفون من هو أبرم شبيرا... أبحثوا في سجلات الأمن التي أصبحت مكشوفة بعد سقوط النظام وستعرفون من هو أبرم شبيرا، أبحثوا في سجلات كلية القانون والسياسية وستعرفون كيف قبلت في الدراسات العليا وحصلت على أول شهادة ماجستير في العلوم السياسية بدرجة إمتياز والتي كانت وبحق وحقيقة شوكة في عين عميد الكلية والبعثيين في الجامعة... أسئلوا الأستاذ الدكتور الفاضل منذر الفضل الذي يعيش في السويد حالياً وكان زميلاً قريباً لي في الجامعة فهو يعرفني حق المعرفة لأنه إنسان نبيل وشريف يميز الشرفاء عن غيرهم.

في بداية شهر حزيران من عام 2003، إي بعد أقل من شهرين من سقوط النظام البعثي الطاغي في بغداد سافرت إلى الوطن، لا لعقد مؤتمر أو حضور إجتماع وفي النهاية أحزم أمتعتي وأقول لعائلتي الكبيرة هناك "مع السلامة"، بل ذهبت هناك لأفرح مع أبناء شعبي بسقوط الطاغية ولأقضي أيام عديدة في مقر زوعا في زيونة في بغداد وأشاركهم الفرحة وكانت فرصة لكي أثبت حسن نيتي تجاه بقية الأحزاب الآشورية التي أحترمها لأنها تعمل من الوطن وعلى أرض الوطن مثل حزب الوطني الآشوري الذي زرت مقره في بغداد وألتقيت مع قيادته مرتين وعلى رأسهم السيد نمرود بيتو يوخنا. أسالوا زوعا عن مدى إلحاحي الشديد والمزعج في بعض الأحيان عن ضرورة دخولهم في تحالفات مع الأحزاب العاملة في الوطن لا في المهجر... لو كنتم من المنتميين لزوعا صميماً وفكرياً ولكم نضال قويم لعرفتم هذه الحقيقة وعرفتم عن هدف زيارتي إلى الوطن. لقد كانت فرصة عظيمة أن توفر لي جمعية آشور بانيبال الثقافية في بغداد الوقت لإلقاء محاضرة لإبناء شعبنا وكانت فرص أكبر أن احضر جانب من الاجتماعات التحضيرية لمجلس الكلدو آشور، الذي كان في بداياته الأولى، والذي مهد الطريق لمؤتمر بغداد في شهر تشرين أول 1993 والذي آزرته مآزرة كبيرة وشجعت الكثير من الإصدقاء في المهجر لحضوره ولكن مع الأسف الشديد لم يتسنى لي حضوره ولإسباب صحية ولا غير... أفهل استطيع أن أجرم بحق هكذا مؤتمر نبيل وهكذا حركة قومية شريفة مناضلة وأن أكتب عنها بسوء.... الشريف والمناضل الصميمي يقول بملئ الفم لا وألف لا، لأنه يعرف معدني جيداً، أما المتصيدين في مياه المجاري والبلاليع فيخلقون كذبة أو قصص مفبركة ليطعنوا في الشريف والمناضل الصميمي.

كما وعدت، فلن أطيل كثيرا لإني لست من هواة الجري وراء المهاترات الذين لا "شغل لهم ولا عمل" غير النبش في النفايات التي لا تخدم روائحها الكريهة غير أعداء أمتنا... يعجبني في زوعا وبقية الأحزاب المناضلة على أرض الوطن هو أبتعادهم عن مثل هذه المهاترات لأن وقتهم لا يكفي إلا للتفكير والعمل من أجل شعبنا المذبوح في الوطن.     

335
هل نطلب المستحيل أم الممكن؟؟؟

أبرم شبيرا - لندن

في المقالة السابقة المعنونة (عيب ... والله عيب)  ناشدنا قداسة بطاركة كنيسة المشرق بكل فروعها الاجتماع والتباحث حول مصير شعبنا في العراق والمعاناة التي يعانيها هناك كما ناشدنا أحزابنا ومنظماتنا القومية في التجمع والخروج في مظاهرات جماهرية ضخمة.. أفهل هذا مطلب مستحيل أم ممكن التحقيق؟ لنبدأ أولاً بكنيسة المشرق بكل فروعها المعروفة. لماذا؟ لأن  أولاً: الكنيسة لازالت هي المؤسسة الرئيسية الفعالة في مجتمعنا الكلداني السرياني الآشوري. ثانياً: لأنها هي المؤسسة الأكثر تنظيماً وأستقراراً. ثالثاً: لأنها مؤسسة تاريخية ثقافية وتراثية ودينة لها إمكانية استيعاب كل مناحي حياة شعبنا وحتى السياسية، خاصة في الظروف التي يمر بها شعبنا في الوطن الأم. رابعاً: وأخيراً وليس آخراً إنها أكثر استقرار من الناحية المالية ووفرة من أي تنظيم أو كيان آخر. إذا  كانت مؤسسات كنيسة المشرق بهذه الصفة والإمكانيات والقابليات إذن نتسائل أفهل من المستحيل أن يجتمع بطاركة كنيسة المشرق أم هناك نوعاً من الحساسيات والاختلافات والتناقضات هي أقوى تأثيراً عليهم من الواقع المأساوي لشعبنا في الوطن فتحول دون مثل هذا الإجتماع؟

قبل عدة سنوات كنت في زيارة إلى سوريا ألتقيت ببعض قيادي المنظمة الديمقراطية الآثورية وكالعادة جرت بيننا منقاشات قومية وسياسية وكان في حينها موضوع اللقاءات والاجتماعات الجارية بين فروع كنيسة المشرق (الكدانية والسريانية والمشرقية) موضوع حديث الساعة. سألني أحد أعضاء قيادة مطكستا عن النقاشات العقيمة التي تجري بين رؤساء هذه الكنائس والطوائف والمواضيع والاختلافات التي لم يتمكنوا من الوصول إلى نتيجة حتى في حدودها الدنيا. فقلت له مع نوع من المزاح: (فنجان قهوة)!! فأستغرب رفيقي وقال ما المقصود به؟ فقلت لا نريد من البطاركة أن يجتمعوا حول مواضيع لاهوتية وتاريخية كانت سبب الخلاف والانشقاق في الكنيسة لأنه من المؤكد في الوقت الراهن لا يمكن أن يتوصلوا إلى حلول أو تفاهم أو إلى نتائج تريح قلوب رعيتهم وبالتالي فشلهم سيترك أثاراً سلبية في الرعية ويزيد من نزعتها الطائفية ويقلل من إيمانها بإمكانية التفاهم والتقارب نحو الوصول إلى وحدة الكنيسة، وهو ما حدث فعلاً. فنتائج فشل المباحثات بين الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية مع كنيسة المشرق الآشورية وهذه الأخيرة مع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وحتى مع الكنيسة الشرقية القديمة إدت في نهاية المطاف إلى تصاعد حدة النزعات الطائفية ووصلت إلى حدودها القصوى وتجاوزت الى درجة تقومنت كل طائفة في حدود كنيستها وكستها بلباساً قومياً بحيث لم يعد يجمعهم شيئاً حتى العدو المشترك الذي يسلط سيفه على رقاب الجميع دون إستثناء. من هناك فإن المقصود بـ (فنجان قهوة) هو أن يلتقي البطاركة كلهم في إجتماع موحد من دون أي أجندة للمناقشة وحتى ولو كان الاجتماع لفترة قصيرة جداً يحتسون القهوة فيه ومن ثم يظهرون على الملل وعلى شاشات التلفزيون وهم متصافحين مبتسمين لرعيتهم مؤكدين لهم حبهم وإحترامهم بعضهم للبعض تاركين لديهم إنطباعاً في إمكانية اللقاء بينهم كخطوة أولى لربما تعقبها خطوة ثانية تكون أكثر من فنجان قهوة.

اليوم، هناك أكثر من فنجان قهوة ومواضيع وأجندات أكثر مرارة وخطورة... أنه سيف الإرهاب والتكفير الذي يفعل فعله في اعناق رعيتهم في العراق. أنه الموضوع الذي يطغي تماماً على جميع الخلافات اللاهوتية التي لم يعد لها معنى ودم رعيتهم يسيل في شوارع بغداد وبقية المدن العراقية. فرغت مدينة البصرة من أبناء رعية كنيسة المشرق بكل فروعها ومن المؤكد أيضاً فرغت من رجال الكنيسة... الكاهن بدون رعية لا معنى له، وقريباً جداً ستفرغ منطقة دورة في بغداد من جميع المسيحيين، وهي المنطقة التي كانت حصراً للمسيحين منذ أكثر من نصف قرن، وغداً ستفرغ كركرك التي لم يبقى فيها سوى عدد قليل من العوائل ومن ثم تليها بغداد فالموصل ولا يستغرق الأمر كثيراً حتى يبتلع الأكراد سهل نينوى وغيرها من منطاق سكن المسيحيين في شمال الوطن. كنت قبل سقوط نظام البعث الطاغي في العراق من أكثر المتشائمين عن مصير شعبنا في العراق بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام فكنت أقول بأنه في حدود نصف قرن سوف يفرغ العراق من المسيحيين وحتى من إيران وربما سوريا أيضاً. واليوم كما هو ظاهر بأنني كنت مخطاً فالخمسون عاماً كثيرة جداً في مثل ظروف الذبح والتشريد والجزية السائدة في العراق. فإذا أستمر الوضع كما هو و "زعماؤنا" الدينيين والعلمانيين ساكتين دون حراك فأن الأمر من تفريغ العراق من المسيحيين لا يستغرق كثيراً. فعندما يفرغ العراق من المسيحيين ويصبح حاله كحال منطقة حكاري وماردين ودياربكر والبصرة عندذاك لم تعد حاجة للكنيسة هناك ولا لرجال الدين. قبل سقوط النظام البعثي المجرم في العراق، كنت في حديث مع أحد المطارنة الأفاضل فقلت له إذا منح أبناء شعبنا فيزا للسفر إلى البلدان الغربية فأنه أكثر من 90% من أبناء شعبنا سوف يهاجرون. فقال لي أنت مخطاً فالنسبة ستكون 100% لأن أنا أيضا سأهاجر لأنني لا يمكن أن أكون مطراناً لبضعة أشخاص!!! حقاً كان صادقاً هذا المطران الجليل.

إذن هناك أجندة موحدة لقداسة بطاركة كنيسة المشرق لا فيها مواضيع غير موضوع واحد وهو مصير شعبنا في العراق. فهذا الموضوع لا علاقة له بنسطورس أو قورلس وموقفهما من طبيعة المسيح ومن مريم العذراء ولا علاقة له بمار يوحنا سولاقا وبمار شمعون برماما ولا في كيفية رسم الصليب من اليمين أو اليسار فهذه المسائل والاختلافات غسلها دم الأب رغيد الطاهر وأصحابه الشمامسة وغيرهم من ضحايا الأرهاب في العراق كما غطى عليها الأتربة والحجارة المتطايرة من تفجيرات الكنائس من قبل الآرهابين الذين لا يميزون بين هذه الكنيسة وتلك. فضمن هذه الظروف لا واجب أمام قداسة البطاركة إلا حماية رعيتهم كأساس لحماية كنيستهم من الضياع، وهي مسؤولية كبيرة تقع على أعناقهم خاصة في هذه المرحلة. إذن الجميع متفقين على أن هذا الموضوع هو في مقدمة المواضيع ولا خلاف عليه فهو موضوع الاجتماع الذي نطالب به قداسة بطاركة كنيستنا ولا يختلف عليه إلا من لا يعنيه الأمر، أي أنه إنسان مجرد من دين ومشاعر إنسانية، ومن هو هذا الذي لا يعنيه الأمر غير الارهابي والتكفيري الذي يفعل فعله كذئب مفترس في قطيع من دون راعي أو حامي.

إذا كان الموضوع الوحيد المدرج في جدول الاجتماع واضح لا لبس فيه، فالسؤال يبقى مطروحاً عن آلية تنظيم مثل هذا الاجتماع، أفهل يقبل قداسة البطاركة مثل هذه الدعوة للإجتماع؟؟؟ أفهل هناك جهة تقوم بتنظيم مثل هذا الاجتماع ودعوة البطاركة إليه؟؟؟ من المعروف إننا مبدعين ومكثرين جداً في طرح الأفكار واختلاق المشاريع وعقد المؤتمرات والتحالفات ولكن مفلسين أو ضعيفين في تنفيذ مثل هذه الأفكار والمشاريع أو متابعة مقررات المؤتمرات والتحالفات. فمجازاً نقول بأننا أقوياء في الهيئة التشريعة وضعفاء أو لا شيْ في الهيئة التنفيذية... إذن أين نجد المبادر في تنظيم هذا الاجتماع وخلق آليه لتنفيذ مقرراته. لقد سبق وأن ذكرنا في المقالة السابقة بأن معظم كنائسنا أعضاء في مجلس كنائس الشرق الأوسط والذي مقره في قبرص فمن الضروري على بطاركة كنيستنا أن يطرحوا الموضوع على المجلس، إن لم يكن قد فاتحوه مسبقاً بهذا الشأن، فهو الجهة التي من الممكن أن يكون مناسباً في تنظيم مثل هذا الاجتماع وليكن على شكل دوري يناقش فيه وضع شعبنا في العراق والوصول إلى بعض النتائج والحلول التي قد يمكن أن تخفف من معاناته وفي نفس الوقت يوقض ضمير العالم لما يجري في العراق بحق شعبنا. فإذا كان متعذرا على المجلس أعلاه القيام بهذه المهمة لإسباب قد لا نعرفها، فإنني أقترح أن تقوم الرابطة السريانية ومقرها في بيروت والتي يرأسها ملفونو حبيب أفرام بمهمة تنظيم مثل هذه الاجتماع لبطاركة كنيستنا. ففي لبنان لا زال هناك هامشاً من الحرية والديمقراطية تسمح للأستاذ حبيب أفرام التحرك بهذا الشأن. كما أنه يحتفظ بمسافات متساوية مع جميع فروع كنيستنا وهومعروف لديهم أيضاً. فمثل هذه المهمة قد تكون صعبة بعض الشيء لرابطة واحدة وشخص واحد لهذا يتطلب أن يكون هناك تنسيقاً وتعاوناً مع بقية الاتحادات الأخرى مثل الاتحاد الآشوري الأمريكي القومي والاتحاد الكلداني القومي وغيرهما من الاتحادات التي تحتفظ بعلاقات جيده مع الاستاذ حبيب أفرام.

أما بالنسبة لاجتماع أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية والبحث في مسألة معاناة شعبنا في الوطن والخروج بنتيجة موحدة قابلة للتأثير في الاحداث الجارية في العراق والتي تسحق شعبنا سحقا،ً فإن حالهم أسهل بكثير من حال إجتماع بطاركة الكنيسة بكل فروعها لأن الخلاف بينهم الذي يحول دون التقارب والاجتماع هو ليس خلاف أيديولوجي فكري عقائدي وإنما خلاف مواقف أو شخصي ليس إلا. والدليل على ذلك نأخذ مثالاً واحداً، فهناك أحزاب تتفق في التسمية المركبة، وهو موضوع أساسي وجوهري يهم شعبنا، إلا إنهم لا يزالوا في خلافات لا معنى لها ولا طعم. فالتجاذبات السياسية من القوى المحلية والمواقف الشخصية تلعب دوراً كبيراً في مثل هذا الاختلاف الذي لم تعد مقبولة إطلاقاً في ظل الظروف الراهنة التي يمر شعبنا بها. لقد سبق وأن ذكرنا بأنه إذا فرغ العراق من شعبنا الكلداني الآشوري السرياني فهل يصبح معنى لوجود هذه الاحزاب وهل تهمه مسألة التسمية وتداعياتها على المستويات الشعبية والرسمية وخاصة الدستورية. وحتى بالنسبة لبعض أبناء شعبنا المنتمين للأحزاب الأخرى سواء أكان الحزب الديمقراطي الكردستاني أو الحزب الشيوعي العراقي أو الكردستاني. فعندما يخلى العراق من الكلداني والسرياني والاشوري (بواو أو بدون واو) فأنه لا يبقى لسركيس أغاجان، على سبيل المثال لا الحصر، معنى من تمثيل هذه الأمة ولا يعد له قيمة كأشوري أو كلداني أو سرياني عند الأكراد لأنه أصبح ممثلاً لشعب لم يعد له وجود أو تأثير أو مكان في الوطن. وهكذا الحال مع الحزب الشيوعي الكردستاني حيث سيصبح فرعه أو لجنتة "كلدوآشور" أسم بلا جسم يختفي عاجلا أم آجلاً. إذن فالتحرك لبحث مسألة مصير شعبنا في الوطن واجب كل واحد من أحزابنا ومنظماتنا القومية دون إستثناء.

كان جميلاً عندما سمعنا بأن رابي يونادم كنا، السكرتير العام للحركة الديميقراطية الآشورية وعضو برلمان العراق قد اجتمع مع السيد عبد الأحد أفرام رئيس حزب الاتحاد الكلداني وعضو برلمان العراق رغم الاختلافات والقطيعة التي كانت قائمة بينهما. لقد وضعوا هذه جانباً وأدرجا مسألة ضمان حقوق شعبنا في دستور العراق في مقدمة المسائل المشتركة التي لا خلاف عليها. فهذا مثال بسيط وممكن تحقيقه مع بقية الاحزاب الاخرى. أن مسألة التخوين والشتائم والتهجمات التي لا معنى لها قد أنتهى وتلاشت في ظل الظروف المأساوية التي يعيشها شعبنا في العراق. لهذا عندما نطلب من الحركة الديمقراطية الآشورية، باعتبارها الحركة الرائدة والفاعلة على الساحة العراقية، وعلى رأسها رابي يونام كنا أن يخرج في مظاهرة وهو بجانب نمرود بيتو وعبد الأحد أفرام وجورج منصور و سركيس أغاجان وروميو هيكاري ويقدمون أحتجاجهم ضد ما يجري في العراق بحق شعبنا عندذاك ترتفع قاماتهم جميعاً أمام أبناء شعبنا ويعلوا شأنهم وأحترامهم عندهم. أفهل هذا صعب المنال؟؟؟ لا والله !! فهم يقفون على أرض مشتركة ولغتهم مشتركة ومتقاربين جغرافياً وقومياً ودينياً فما الصعوبة في أن يجتمعوا وبشكل دوري للبحث في مسألة مصير شعبنا في الوطن... فإذا كان مثل هذا المطلب النبيل والسهل جداً الذي يخدم أبناء شعبنا ويخدم في عين الوقت الأحزاب نفسها صعب التحقيق فمن الأفضل لأحزابنا السياسية أن تحل نفسها ويجلس قادتها في بيوتهم من دون أن يلهوا شعبنا بمسائل لا ناقة له ولا جمل فيها. صفوا قلوبكم وسترون كم الاجتماع والتباحث مع البعض سهلاً.

إنها دعوة من ضمير إلى ضمير ... فهل من مستجيب؟؟؟

336
المنبر الحر / عيب ... والله عيب
« في: 23:00 06/06/2007  »
عيب ... والله عيب

أبرم شبيرا – لندن

والله عيب علينا نحن الجالسين في بيوتنا المريحة في المهجر نتفرج ونسمع أخبار أبناء شعبنا في الوطن وهم يحترقون بنيران التطرف والارهاب ويهجرون من بيوتهم.... عيب علينا أن نستمر في التفلسف والتناطح حول إسمنا القومي وشعبنا في الوطن يبحث عن زاوية أمينة ليسلم رأسه من سيف التطرف والارهاب .... عيب علينا أن نملئ بطوننا بأشهى وألذ الأكلات وشعبنا في الوطن يموت جوعاً .... عيب على أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية أن تستمر في التناطح فيما بينهم من أجل أهانة بعضهم البعض والتنافس على مسائل لا فيها ناقة أو جمل يفيد شعبنا المحروق في الوطن والمرهوب من رصاصة إرهابية غادرة .... كان جميلاً من كنائسنا ورجالها الأفاضل الخروج على الملل والظهور على شاشات التلفزيون وهم يدينون الاضطهاد والتهجير والقتل الذي يطال كل أبناء شعبنا الأصيل في الوطن بما فيهم رجال الكنيسة نفسها. أفهل يكفي هذا ليوقف الأرهاب والجريمة عند حدها ؟؟؟ أفهل يكفي هذا لتعيد الحكومة العراقية والأحزاب الحاكمة والمتسلطة موقفها من شعبنا في الوطن ؟؟؟ أفهل يكفي هذا ليوقظ ضمير العالم المسيحي ويهرع لمساعدة أبناء أقدم كنيسة في العالم؟؟؟ أفل يكفي هذا ليحرك وجدان رؤساء الدول الكبرى الداعية للديمقراطية وحقوق الإنسان وتسرع لحماية حياة أبناء شعبنا في الوطن؟؟؟ أفل يكفي هذا لتشعر الأمم المتحدة وجميعتها في حماية حقوق الإنسان وأن تنظر في موضوع حماية أبناء شعبنا في الوطن عن طريق توفير وضمان منطقة آمنة لهم في موطنهم الأصلي الذي يسلب من قبل لصوص السياسة والإرهاب.

أين شعبنا المحروق في الوطن من مناقشاتنا البيزنطينية حول التسمية القومية؟؟؟ أين شعبنا المضطهد في الوطن من التجادل والتنافس الطائفي بين كنائسنا؟؟؟ أين شعبنا المذبوح في وطنه من تكفير هذه الطائفة لتلك ونعتها بالهرطقة والخروج عن تعاليم المسيح ؟؟؟ أفهل يفرق سيف الارهاب والتكفير بين كلداني أو سرياني أو نسطوري؟؟؟ أتذكر بهذا الخصوص ما أورده لنا التاريخ من زمن الحرب العالمية الأولى وفي أيام (سيفو) عندما سأل أحد الصحفيين الغربيين القائد العثماني المكلف بمهمة ذبح الأرمن و تهجيرهم من موطنهم قائلاً: أن فرمان (قرار) الحكومة العثمانية يخص ذبح الأرمن فلماذا تذبح بقية المسيحيين من نساطرة وسريان ويونانيين. أجاب القائد العثماني: إنني لا أستطيع التميز بين الروث (البراز) الجاف والروث السائل فكلاهما روث كريه!!! لماذا لا نتعلم من تجارب الماضي والتاريخ، أليس هو الجاهل من لا يأخد الدروس من الماضي؟؟؟  هكذا نحن اليوم في عين الارهابين كلنا كفرة وملحدين فلا يميزون بين الكلداني والسرياني والنسطوري والمشرقي والارثذوكسي والكاثوليكي كما أن سيف التكفريين المجرمين لا يعرف الرحمة سواء كان إسم قومتنا "كلدانية" أو "آشورية" أو "سريانية" أو "كلدوآشوري سرياني" أو "سورايا" حتى ولو كنا مجردين من الإسم فجميعنا عند الإرهابي التكفيري كفرة ونستحق الموت. أفهل ندرك هذا ... أفهل تدرك أحزابنا هذه الحقيقة .... فعندما يفرغ الوطن من أبناء شعبنا ... أفهل تكون هناك حاجة للأحزاب أو لكنائس؟؟؟ فما فائدة المناداة بمنطقة للحكم الذاتي عندما لا يكون هناك من يسكنها؟؟؟ أفهل يدرك رجال الكنيسة أن لا أهمية لهم ولا شغل لهم من دون رعية... أفهل تكون هناك رعية صالحة وملتزمة عندما يكون همها الأول والأخير حماية رقابها من سيوف المجرمين واللجوء إلى مناطق آمنة ولا يهما سواء أكان هناك كنيسة أم لا؟؟؟

يوم أمس كنت منغمساً في كتابة موضوع عن مشكلة التسمية القومية التي نتناطح فيها ليل نهار فعندما سمعت عن أخبار خروج أبناء شعبنا في ستوكهولم - السويد في مظاهرة جماهيرية ضخمة، وشاهدت جزء منها على شاشة التلفاز، تعبيراً عن غضبهم العميق تجاه المذابح والاغتيالات والتشريد الذي يجري بحق شعبنا في الوطن عندذاك أهتز كياني على الفور وتشوشت مشاعري وتجمد قلمي ولم أعد قادر من بعد ذلك على كتابة حرف واحد فشعرت كأنني قزم صغير وتافه أمام هذا الحدث الكبير وأمام المأساة التي يعانيها شعبنا في الوطن.... لقد شبهت حالي كحال ذلك الشخص المدخن الذي طلب من أخوه الذي يحترق بنيران لهابة قاتلة أن يشعل سيجارته من النهيران التي كانت تلتهمه.... أليس عيباً علينا أن نلهي حالنا بمسائل تظهر تافه جداً في هذه الأيام في الوقت الذي يحترق شعبنا في الوطن بنيران الحقد والكراهية. أنني أشد يدي وبقوة في يد جميع الذين شاركوا في مسيرة ستوكهولم ويجب علينا جميعاً أن ننحني بقاماتنا ونرفع قبعاتنا أحتراماً وإجلالا لجميع المشاركين وفي مقدمتهم المطارنة والكهنة الأجلاء الذين كانوا  وبحق أبطال في جبهة ... أنهم حقاً أبطال  وشجعان لأنهم لم يتحججوا مثل بعض رجال الدين الذين يمتنعون عن المشاركة في مثل هذه الفعاليات التي تخص حياة شعبنا بحجة عدم التدخل في السياسة. أن هؤلاء المطارنة والكهنة الأبطال لم يتدخلوا في السياسة بل تدخلوا في صلب الحياة وعملوا واجبهم الديني الذي يطلبه منا ربنا يسوع المسيح في مناصرة المضطهدين فكيف إذا كان هؤلاء المضطهدين أخوتنا وأخواتنا وأولاد وبنات أعمامنا.... أنكم تستحقون كل التقدير والتبجيل ... أوا يجوز أن ننسى عنكاوا دوت كوم على إطلاق هذه المبادرة للمسيرة... كلا وألف كلا فهي التي أيضا تستحق كل الاحترام والتقدير.

مرة أخرى نعود ونتسائل: أفهل هذه المسيرة المبجلة تغير من الأحوال المأساوية لشعبنا في الوطن.... وقد يكون الجواب بالنفي، ولكن بكل تأكيد وبملئ الفم نقول بأنها مبادرة أولية وتجربة موفقة في الاحتجاج والرفض لما يجري في وطننا الأم. من هنا فإننا جميعا مطالبين، لا بل هو واجبنا جميعاً دون استثناء، أن نحذوا حذوهم في القيام بمزيد من المسيرات الاحتجاجية لكي يسمع العالم صوتنا. فهو الواجب الأول الديني والقومي والإنساني لقداسة بطاركة كنيسة المشرق بكل فروعها…  أن شعبنا بكل طوائفه تواقاً جداً جداً أن يرى قداسة مار عمانوئيل دلي بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية و قداسة مار أغناطوس زكا الأول بطريرك الكنيسة السريانية الارثوذكسية وقداسة ماراغناطوس بيير السابع عبد الأحد بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية وقداسة مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية وقداسة مار أدي الثاني بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة مجتمعين جميعاً تحت سقف واحد معبرين بتضامن أخوي عن رفضهم القاطع وسخطهم الشجبي ضد الممارسات الاجرامية التي تقترف بحق أبناء شعبنا ويرفعون احتجاجهم إلى حكومة العراق وإلى جميع القوى الفاعلة هناك وأيضا إلى جميع شعوب العالم ورؤساء الدول الكبرى وإلى الأمم المتحدة وبقية المنظمات الانسانية والدينية. وحتى نرفع الحجج والاعتذارات التي لا يمكن أن يقبلها شعبنا في مثل هذه الايام العصيبة، فإننا نقترح أن  يجتمعوا في منطقة آمنة بعيدة عن التأثيرات السياسية في العراق وقريبة من وطننا في نفس الوقت، إننا نقترح قبرص كمكان لمثل هذا الاجتماع حيث هناك مقر مجلس كنائس الشرق الأوسط. وبالمناسبة ونحن نتذكر هذا المجلس... ما فائدته ومعظم كنائسنا أعضاء فاعلين فيه إذا لم يستطيع أن يفعل شيئاً تجاه مأساة شعبنا في العراق؟؟؟ سؤال يستوجب على بطاركتنا الاجلاء طرحه على رئاسة المجلس.

 لقد عرفنا الحركة الديمقراطية الآشورية كتنظيم كبير ورائداً في المسيرة القومية لأمتنا ولنا ثقة بأنك قادرة على تنظيم مسيرة احتجاجية ضخم جداً ويكون عدد المتواكبين فيها أضعاف مسيرة أعياد نيسان التي سيرت فيها ما يقارب 40 ألف شخص. ولكي يتحقق هذا المطلب الملح يتوجب أن لا يكون يونادم كنا في مقدمة المسيرة مع أصحابه ومؤيده وإنما يستوجب في هذه الأيام الصعبة أن يكون متكاتفاً جنباً إلى جنب في الخط الأول للمسيرة مع سركيس أغاجان ونمرود بيتو يوخنا و عبد الأحد أفرام و جورج منصور و روميو حيكاري وكلهم سوراً واحداً وصوتاً واحداً من دون شعارات حزبية أو لافتات شللية تصغر إنفسنا أمام الغير. فمثل هذا المطلب هو ملح في يومنا هذا ولنكن متأكيد بأنه سيفرح قلوب شعبنا في جميع أنحاء العالم أن يرى كلكم صارخين بصوت واحد في وجه الاضطهاد والاجرام الذي يمارس بحق شعبنا والحكومة العراقية لا تعمل شيء غير الاحتجاجات الخجولة. ليس هذا فحسب بل على رجال كنيستنا أن يؤدوا واجبهم الضميري والديني تجاه شعبهم وعليهم المشاركة في مثل هذه المسيرة وأن يكون صوتهم واحداً مدوياً قابل للسمع في كل زوايا العالم لا أن يكون صوتاً طائفياً واحدا لا يسمعه أحد. أين الاتحاد الآشوري الأمريكي القومي والاتحاد الكلداني الامريكي وغيرهما من الاتحادات والمنظمات الكبيرة في الولايات المتحدة الذين يستطعون تنظيم كونفينشنات ومهرجانات يجمعون فيها الآلاف من أبناء شعبنا... أفلا يستطيعون أن يجمعوا نفس الناس لا بل وأكثر لدعم أبناء شعبنا في الوطن.... أن كونفنشن الذي سينظمه الاتحاد الاشوري الامريكي القومي هذه السنة في نهاية شهر آب في مدينة سانت دياكو مطلوب منه أن يخصصها كلها لنصر شعبنا في العراق وإلا ما فائدة المحاضرات المملة والدبكات والاغاني التي أصبحت مخجلة وشعبنا يحترق بنيران الحقد والكراهية في الوطن. ألم يؤسس الفدريشن من أجل شعبنا في العراق وهو تحت رحمة سيف الاضطهاد والارهاب في عام 1933؟؟ فعليه أن يقوم بواجبه هذا في مثل هذه الايام العصيبة.

أين محطات وقنوات الفضائية الآشورية والكلدانية والسريانية والأرامية والسريويية والبيتنهرينية و... و ... خاصة التي في المهجر من الاحوال المأساوية لأبناء شعبنا  ؟؟؟ إلا يكفي بث السباب والشتائم فيما بينكم ؟؟؟ أن الواجب القومي والانساني يناديكم أن توقفوا برامجهم فوراً خاصة تلك المهينة لشعبنا في تهجم بعضكم البعض وأن تبدؤا بحملة واسعة لعدة أيام أو أسابيع في نصرة أبناء شعبنا في الوطن ورفع صوتكم المدوي للعالم أجمع لكي يكون مسموعاً. حينذاك سوف يرفع أبناء شعبنا في العراق لكم أيات الشكر والتقديم على الواجب الذي أديتموه لهم من موقعكم الخاص وحينذاك أيضا سوف يعرف بأن لهذه القنوات الفضائية فائدة ملمومسة. كما أن جميع أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية في العالم مطالبة بالخروج في مسيرات احتجاجية ليعبروا عن سخطهم تجاه ما يجري في العراق لأبناء أمتنا... كفانا ثرثرة والتفلسف حول أيدولوجيتنا الفارغة ومطاليبنا الطوباوية فشعبنا في العراق يحتاج إلى خبز وحماية واستقرار وأمن لا إلى ثرثرة فارغة.... العذر من القيام بهذا الواجب لا يفهم في هذه الأيام فقد حان الوقت لنثبت للعالم بأننا فعلا أبناء أصلاء لبلاد ما بين النهرين. فعندما نهرع لنجدة أخوتنا المكتويين بنيران الحقد والإرهاب عندذاك نثبت للعالم فعلاً بأننا مسيحيون بكل معنى الكلمة. فعلى الجميع من كنائس وبطاركة ورجال دين وأحزاب سياسية ومنظمات قومية كلها مدعوة لتحديد يوم واحد للخروج في مسيرات أحتجاجية لنثبت للعالم بأننا فعلاً ناس نستحق الحياة في وطننا الأم.

أنها دعوة من ضمير إلى ضمير فهل من مستجيب؟
 

337
البدايات الأولى لتأسيس الحركة الديمقراطية الآشورية

حقائق أم مهاترات وأحباطات شخصية


أبرم شبيرا - لندن


هناك مثل شائع يقول: "عندما يفلس التاجر يبحث في الدفاتر القديمة". ولكن يظهر أن هذا المثل تطور في مجتمعنا الآشوري في هذا الزمان بحيث لم يعد لمثل هذا التاجر نفعاً من الدفاتر القديمة المستهلكة في الزمن الحالي لذا يلجأً إلى الحيل والكذب وإهانة الآخيرين من أجل تبرير تصرفاته أو تغطية خسائره أو إفلاسه. هكذا هو الحال مع بعض "مناضلي" هذا الزمان أو"المحاربين القدماء" أو "أعضاء سابقين في حركة أو حزب ما". لقد كتبت مقالة بجزئين عن ذكرى تأسيس الحركة الديمقراطية الآشورية ونشرفي موقع (عنكاوا) وتلقيت إنقادات وملاحظات وإطراءات سواء كتابةً أو هاتفياً أو شخصياً. وبصراحة أكره الإطراءات وأفضل الانتقادات لأنها المصدر الإساسي لكل إنسان منفتح للتطور الفكري. وليس غريباً أبداً عن مجتمعنا مثل بقية مجتمعات العالم أن يكون بين هؤلاء المنتقدين من يتجاوز حدود الآداب والمجاملات المطلوبة وينحو منحى شخصي، فإما بالتهجم على شخص ما ولإسباب ترتبط بتصفية حسابات قديمة أو لمجرد تبرير بعض مواقف الماضي التي عفى عليها الزمن. وطيلة عقود من زمن كتبت العديد من المقالات والكتب ولم أتطرق بعين إلى أسم شخص أو حاولت إهانته أو الرد عليه بسلبية مهانة في وسائل الإعلام ذاكراً أسمه فهذا ليس من شيم من يؤمن بأننا أبناء أمة واحدة قد نختلف قليلا أو كثيراً ولكن يجب أن نبقى ضمن حدود المجاملة المطلوبة عندما ننتقد بعضنا البعض مهما كان إختلافنا كبيرا، وحتى هذا الانتقاد يجب أن يكون بشكل عام في معالجة ظاهرة معينة عامة لا تخص تحديداً شخص معين او حزب أو منظمة معينة. أنتقدت بعض أحزابنا ومنظماتنا القومية وممارساتهم ولكن أحترم كتيراً المسؤولين عنهم وأعضائهم وقد أنتقدهم أثناء اللقاء معهم إنتقاداً بناءاً مقبولا وفي حدود الاحترام والمعقول الذي يحفظ صلتي بهم كأبناء أمة واحدة ولكن من المستحيل أن أتطرق إلى أسمائهم في وسائل الإعلام.

نشر موقع عنكاوا في الأيام القليلة الماضية رد على ما كتبته عن مناسبة تأسيس الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) من أحد الاعضاء السابقين التاركين لهذه الحركة وكنا نأمل أن يكون هذا الرد علمياً وموضوعياً يضيف معلومات أخرى إلى المرحلة الأولى لتأسيس زوعا ولكن للأسف الشديد يظهر أن كاتب الرد "عضو مكتب سياسي سابق" لزوعا قد ركز جل رده على مسائل شخصية لا علاقة لها إطلاقاً بالموضوع الذي كتبته فإنهال بالشتائم على رابي يونادم كنا السكرتير العام للحركة وربما لإسباب تتعلق بتصفية حسابات الماضي وبأسلوب متخلف ينم عن حقد دفين لم يجد سوى صفحات عنكاوا لتفريغه. ولكن عجبي الكبير كان هو الشتائم الكبيرة التي خصني بها مع العلم بان معرفتي بكاتب الرد سطحية ولم ألتقي به إلا مرتين، مرة في دمشق في منتصف التسعينيات من القرن الماضي عندما كان لازال عضو مكتب سياسي لزوعا حيث كان "يناضل" بكل الطرق للهرب من زوعا واللجوء إلى الخارج. ومرة أخرى في ستوكهولم في عام 1998 عندما كان خارج هذا المكتب وتحدثنا عن موضوع إنتسابه إلى سلك الكهنوتية للكنيسة الشرقية القديمة فعدا هذا لم ألتقي به ولم أشارك معه في أي عمل قومي أو نشاط آخر أو زاحمته على كرسيه في المكتب السياسي لزوعا والتي لا علاقة تنظيمية لي بها سوى مناصرتها فكرياً في المسائل القومية التي أومن بها أنا أيضا. كما لم يكن لي معه أية مسائل أو مشاكل شخصية قطعاً. عجبي كبير ولكن يظهر بأن مثل هذا العجب الكبير سيخف عندما نعلم بأن مجرد ذكر أسم الحركة الديمقراطية الآشورية والحديث عن بعض المنجزات التي حققتها يصيب بعض الذين تركو قطار زوعا أو الحاقدين عليها القشعريرة والهذيان فليجئون إلى أبخس الوسائل في الطعن والإهانة الشخصية لقادة هذه الحركة ومن كتب او تكلم عنها.

على أية حالة، وحتى لا أطيل على القارئ اللبيب وأستهلك صفحات عنكاوا الثمينة، أود أن أفرغ ما في جعبتي حول موضوع كاتب الرد من خلال ثلاث قنوات وأرجو أن يطول باله في هذا الخصوص.

الأول: فحوى الموضوع: يظهر بأن كاتب الرد لم يقرأ الموضوع، ولو الفقرة الأولى منه، بشكل دقيق ومعرفة المغزى المراد منه. فأنا لم أذكر إطلاقاً بأن رابي يونادم كنا هو مؤسس الحركة أو المؤسس الوحيد للحركة، كما لم أتكلم عن تأسيس الحركة ومن كان مؤسسيها. فالفقرة الأولى والوحيدة التي تكلمت عن رابي يونادم لم تكن إطلاقاً عن المواضيع التي تشعوذ كاتب الرد فيها وإنما هي مجرد ذكرى لقاء معه والنقاش حول تأسيس الحركة وموقفي من توقيت تأسيس الحركة، أية حركة سياسية والتي لم أفصل فيها. فمثل هذا اللقاء لم يكن قاصرا على رابي يونادم بل كان أيضا يشمل بعض الأصدقاء في السنوات اللآحقة الذين كانوا يثقون بي وكانوا من الرواد فتركوا قطار زوعا وهم في قمة القيادة ولجأوا إلى الخارج مثل صاحب الرد. بهذا الخصوص أتذكر الزيارات العائلية التي كنت أقوم بها إلى بيت السيد زيا بتيو (ميخائيل) في الموصل عام 1981 والتي كان يحضر بعضها السيد نورا القس زيا (المعروف بدكتور هرمز) وكلاهما كانا في قيادة زوعا وتركوها وهاجروا إلى الخارج وضمن ظروف تختلف عن ظروف "الشماس المناضل" فكنا نتباحث في أمور سياسية وقومية كثيرة فكانوا يعرضون عليً الإنظام إلى زوعا وفي بعض الأحيان كانوا يجلبون معهم مطبوعات سياسية بسيطة صادرة عن الحركة الديمقراطية الآشورية ومنها "بهرا" التي كانت نشرة بسيطة متكونة من صفحتين أو أربع صفحات. إذن كيف يدعي صاحب الرد بأن زوعا تأسست في عام 1983 عند إنعقاد الكونفراس الأول؟ مسكين هذا "المحارب القديم" الذي يجهل أبسط أبجديات السياسة... فمعظم الأحزاب السياسية في العالم تأسست في بداية الأمر فكرياً وأيدولوجياً ومن مجموعة بسيطة من الأشخصاص ثم في حالة تطور هذه الأحزاب وزيادة أعضائها يبدأ الإطار التنظمي بالتأسيس سواء عن طريق عقد كونفراس، كما كان الحال مع زوعا، أوعن طريق مؤتمر عام. والكونفراس يعقد دائماً في ظروف صعبة وإستثنائية، خاصة في بلدان عالم الثالث حيث يكون إستبداد السلطة قائماً على رقاب المعارضين في حين يكون إنعقاد المؤتمر العام للحزب في ظروف أخف وفي أجواء فيها هامش من الحرية والديمقارطية كحد أدنى.

إذن وبإختصار... الرد لم يكن له علاقة إطلاقاً بالموضوع الذي كتبته بل كان تهجماً شخصياً إليً وإلى رابي يونادم ومن دون مناسبة أو علاقة بالموضوع. ألم يكن الأجدر بصاحب الرد ومع عدد آخر من القياديين الذين حالهم كحاله، تركو قطار زوعا أيضاً ورحلوا إلى الخارج، أن يثبتوا إخلاصهم للحركة التي أسسوها وقادوها وهي في بداية مسيرتها وأن يوفروا دموع التماسيح التي يذرفونها على الأيام الخوالي وأن يبقوا في الوطن ويشكلون الأكثرية في اللجنة المركزية أو المكتب السياسي لزوعا ليزاحموا رابي يونادم ويطردوه من الحركة أو غيره من القياديين الذين لا يرضون عليهم أو لا يتفقون معهم  ومن ثم يمارسوا أو يطبقوا السياسات والأفكار التي يومنون بأنها المناسبة والصحيحة لزوعا وليست المنحرفة التي يزعمون بانها تمارس حالياً. فما الذي أخاف أو أدى بهؤلاء الذين يبكون ليل نهار على زوعا أن يتركوها ويفروا إلى الخارج. أ فهل كان لزوعا حكومة أو سلطة أو سجون وقوى أمن ومخابرات تطارد المعارضين لها أو تسجنهم أو تطردهم من الوظائف أو تقطع عنهم أرزاقهم كما كان يفعل حزب البعث في نظام صدام المقبور؟ فالجواب معروف سلفاً ... قطعاً لا. وما يؤكد هذا الجواب القطعي هو أن جميع الذين تركو قطار زوعا لم يبقوا في الوطن ليقاوموا المنحرفين بل رحلوا إلى الخارج، فلو كانوا جادين في إنتقادهم أو تهجمهم لزوعا ولقيادتها وهم في أرض الوطن ينافسون رابي يونادم كنا وغيره من القياديين بالطرق السياسية الصحيحة لكان الناس قد صدقوهم وآمنوا بهم وبأفكارهم ولكن الأمر يظهر وهم بعيدين آلاف الأميال عن أرض الوطن بأن المسألة هي حالة ذهنية مرتبطة بتبرير الماضي بحج واهية لا يصدقهم إلا الحاقدين على المسيرة الصحيحة لأمتنا. وأنا أتحدى هؤلاء القافزين من قطار زوعا إذا كان بإمكانهم أن يبينوا وبوضوح  إختلافهم الفكري أو الايديولجي عن زوعا... إليس هو خلاف شخصي فحسب؟ بلى والله. والرد على مقالتي واضح وضوح الشمس. والمسألة لا تتعلق بزوعا وحدها وإنما بالتنظيمات والأحزاب الآشورية الأخرى. فهناك عدد من خرج أو إنشق عن هذه الأحزاب والتنظيمات ولكن ثرثرتهم وهيجانهم وتهجم الشخصي لقادة هذه الأحزاب لم تلغيها من واقع الوجود بل بقية سائر في مسيرتها وصامدة لأنها تخلصت من الجراثيم والأمراض وأصبحت معافية أكثر من السابق. 

وأخير لم يبقى في هذا الشأن إلا أن أكون منصفاً بحق الذين تركوا قطار زوعا ورحلوا إلى الخارج بأن أوضح بأن أمر أو ظروف بعضهم تختلف عن الآخرين. فالبعض منهم تركوا قيادة زوعا لظروف عائلية قاهرة مقبولة بشكل عام ولجوا إلى المهجر للتخفيف من هذه الظروف أو معالجتها ولكن بقوا بشكل أو بآخر ضمن المسيرة العامة لزوعا ومخلصين أو آمنيين بتاريخها يحترمونها ويحترموا قيادتها في حين قفز الآخرين من القطار بحثاً عن حياة أسهل في المهجر ومن هناك أصبحو مطرطمين ومناضلين من الصنف الكارتوني الذي يعج به مهجرنا الآشوري. وفي الختام أطلب من كاتب الرد والقراء الكرام إعادة قراءة الفقرة الأولى من المقالة أعلاه ليتأكدوا بأن ما كتبه "المحارب القديم" لا علاقة له إطلاقاً بصلب الموضوع.

الثاني: مقالتي في مجلة المثقف الآثوري: أود قبل كل شي أن أوضح للقارئ الكريم ولكاتب الرد على السواء بأن الإنتقائية منهج رجعي وإنتهازي تدميري، فهو المنهج الذي يلجأً إليه كاتب أو سياسي أو أي شخص آخر للبحث في الظواهر العامة شيئاً ما ليخدم غرضه ومهما كان هذا ضيلاً أو حقيراً في الأطار العام للموضوع. وتعتبر الجماعات الإسلامية الإرهابية رائدة في استخدام هذا المنهج عندما تلجاً إلى القرآن وتأخذ منه بعض الآيات وتعطيها تفسيرات بغرض تبرير عملها الإجرامي في قطع الرؤوس أو قتل الأطفال والأبرياء وتكفير الآخرين وتحليل سرقة أموالهم. ويظهر بأن صاحبنا "المحارب القديم" لجأ إلى هذا الأسلوب عندما استخدم فقرة واحدة متكونة من بعض السطور لمقالة كتبتها في مجلة المثقف الآثوري عدد تموز 1977 لا بل حتى أنه لم يكمل هذه الفقرة لأنه لم تكن تخدم غرضه في الطعن الشخصي. فكاتب الرد يحاول بخجل وبتردد مفضوح ومهزوز إتهام بعلاقتي بحزب البعث أو التعاطف مع النظام وهو بمضيره الحي يعرف مواقفي حق المعرفة من حزب البعث والنظام الصدامي المجرم والذي يعرفه البعثيون قبله وقبل غيره من المتصيدين في المياه العكرة. فبمجرد قراءة مئات المقالات وثمانية كتب كلها كتبت عن الآشوريين وتاريخهم وحقوقهم ونضالهم ومدى استبداد حزب البعث تجاهم يعرف حق المعرفة عن مواقفي تجاه هذا النظام والذي أصدر، ممثلاً بالمجرم المقبور عدي صدام حسين باعتباره رئيساً لإتحاد كتاب وأدباء العراق حينذاك، قائمة بأسماء تزيدة 350 شخصاً، وأسمي من ضمنهم، يتهمهم بالخونة الذين يكتبون ضد النظام فتعرض شقيقي وأقاربي في العراق إلى الإستدعاء إلى دوائر الأمن والمخابرات لتوجيه التهديد والوعيد والإهانات الشخصية لهم بسبب كتاباتي ضد النظام.

هذه المقالة ،التي استخدم كاتب الرد نصف فقرة من فقراتها العديدة، كتبتها قبل ثلاثة عقود، بدءً لابد من معرفة طبيعة الظروف المحيطة بمجتمعنا الآشوري في تلك الفترة. فالمقالة المعنونة بـ (النادي الثقافي الآثوري في ظل الضمانات الدستورية في حماية الأقليات) – من الملاحظ أن كاتب الرد حذف "في حماية الأقليات" ... لماذا؟ الجواب في منهجه الانتقائي الانتهازي لخدمة غرضه في الطعن الشخصي. في تلك الفترة كانت وزارة الداخلية العراقية قد أصدرت قراراً إلى كل الأندية الآشورية والكلدانية بضرورة رفع أية شروط "عنصرية" في أكتساب عضوية النادي وأعتبرت تسميات مثل الآشورية أو كلدانية أو سريانية كلمات عنصرية يجب رفعها من النظام الداخلي للنادي وإلا سيعاقب أعضاء الهيئة الإدارية بموجب قوانين النظام. كما تضمن قرار الوزارة بضرورة قبول غير الآشوريين في النادي وعدم قصره على الآشوريين أو الكلدان أو السريان فقط. سارع معظم الأندية إلى الركوع أمام هذا القرار ففتح باب العضوية لغير الآشوريين وأصبح الكثير منها مجرد بارات لشرب الخمور، وفي مقدمتهم نادي سنحارب الذي كان يتراسه عميل نظام البعث "وليم شاؤول" المعتقل حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية، فلم يكتفي بتعيين غير الآشوريين في النادي وإنما عين المدعو "هاشم شبيب" مدير الصحافة العامة في وزارة الإعلام ورجل مخابرات النظام كرئيس فخري للنادي، والذي سنأتي على ذكره فيما بعد.

أصبح النادي الثقافي الآثوري في موقف محرج عقب صدور هذا القرار وهو معروفاً كمركزاً قومياً وثقافياً للشباب الآشوري فكان عليه مقاومة مثل هذه السياسات الاستبدادية بكل الوسائل للحيلولة دون رفع تسمية "آثوري" من النظام الداخلي أو قبول غير الآشوريين فيه. أين كان "المحارب القديم" في تلك الأيام أفهل كان عضواً في أحد هذه الأندية، وبالآخص النادي الثقافي الآثوري أم كان لا يجراً الاقتراب منه لأنه كان في نظره نادياً عنصرياً. قام النادي بجملة نشاطات ثقافية وفكرية كسبيل أو سلاح ذكي في محاربة هذا القرار، فأستدعى بعض من كبار المثقفين العراقيين ومن أعضاء حزب البعث المقبور لإلقاء محاضرات عن حقوق الأقليات في العراق وعن ضماناتها الدستورية لكي يتم أحراجهم أثناء طرح الأسئلة عليهم ومقارنة ما سيقوله عن هذه الحقوق مع قرار وزارة الداخلية الآنف الذكر. وضمن نفس السياق طلب مني رابي عوديشو آدم الذي كان رئيساً لتحرير مجلة المثقف الآثوري حينذاك أن أكتب موضوعاً في نفس الإطار. فكتبت المقالة المذكورة أعلاه ونشر في الصفحات الأولى من المجلة وهي تدور في نفس الإطار يبين الضمانات الدستورية التي يتمتع بها النادي ولا يجوز المساس به من خلال تطبيق قرار وزارة الداخلية. وفي تلك الأشهر كان أحد "المسيحيين" من موظفي مكتب المجرم المقبور صدام حسين الذي كان نائباً لرئيس ما يسمى مجلس قيادة الثورة قد تبرع بمبلغ قدره ألفين دينار عراقي إلى النادي ... أعيد وأكرر بالرقم ( 2,000) دينار عراقي وبأسم صدام حسين .... تصورو أليس تبرع مثل هذا المبلغ الضئيل جداً إلى النادي إهانة لصدام ونظامه؟ فالحالة المهانة هذه تشبه كما يتبرع أحد المليارديرية مائة دولار لجميعة خيرية فقيره، لهذا من يقرأ المقالة يدرك على الفور مدى الإحراج أو ربما الإهانة التي كنًُا نصب إليه من كتابة ونشر المقالة إلا إن صاحبنا كاتب الرد لم يكن بمستوى فكري وسياسي يمكنه من إدارك هذه الحقيقة لأن صندوق دماغه مليئ بالاحقاد الشخصية والنزعات العشائرية والتوجهات النفعية فلا قابلية فكرية له لإدراك مثل هذه الحقيقية.

كتبت المقالة مستخدما اسماً مختصراً (أ . د. شبيرا) ضاناً بسذاجتي أن هذا سيفوت على النظام المقبور ومخابراته. ففي صيف من نفس العام كنت في لندن لجمع بعض المصادر عن أطروحتي الجامعية، صادف أن كان هناك في تلك الفترة وفداً من الناطقين بالسريانية من "الآثوريين والكلدان والسريان" برئاسة المدعو هاشم شبيب المار ذكره يتجولون في أميركا وبعض بلدان أوربا الغربية لغرض التطبيل والتزمير لسياسات النظام المقبور، فعقدوا ندوة في المركز الثقافي العراقي في لندن وحضرتها مع بعض الآشوريين المقيين في لندن و بعد إنتهاء الندوة عقدت جلسات جانبية أثناء العشاء فبدأ هاشم شبيب بالوعيد والتهديد للآشوريين الذين لا يقدرون أفضال النظام وسياسات البعث تجاه "ضمان وحماية حقوق الأقليات" ومنهم الآشوريين فأشار إلى المقالة التي كتبتها في المثقف الآثوري والتي كان يحملها بين يديه حيث جلبت إلى لندن وقام البعض بتوزيعها هناك، فعبر هاشم شبيب خلال حديثه عن سخطه الشديد تجاه مضمون المقالة وكاتبه الذي وصفه باللئيم والخبيث وركز على جملة ذكرتها في المقالة تقول "بأن تبرع صدام بمبلغ ألفين دينا كان له تأثير ليس على الآثوريين فحسب وإنما على جميع أبناء الآشوريين" قائلا بأن خبث الكاتب يظهر من خلال جملة "جيمع أبناء الآشوريين" لأنه يقصد أيضا الكلدان والسريان وهذا غير مقبول اطلاقاً  وعندما عرف بأنني هو الكاتب من خلال دخولي معه في نقاش حاد طلب مني زيارته في مكتبه في وزارة الإعلام عند العودة إلى بغداد. وفي بغداد أستدعاني أنا ورابي عوديشو إلى مكتبه وهناك وجه لنا نحن الأثنين تهديدات صريحة ووعيد غاضب مؤكد ضرورة منع استخدام اسم "الآشوريين أو الآشوري" في المجلة وإلا فالسجن مصيرنا. هكذا استلمت فاتورة المقالة من رجل المخابرات العراقية هاشم شبيب مثلما استلمت فاتورتي من كاتب الرد على مقالتي حول ذكرى تأسيس زوعا من إهانات وتجريحات.

هناك نقطة مهمة جداً يستوجب ذكرها هنا ونحن بصدد مجلة المثقف الآثوري والمقالة التي يختلس منها كاتب الرد جملة قصيرة للطعن الشخصي وإتهامي بعلاقة بنظام البعث المقبور، وهي أن صورة قداسة البطريرك مار دنخا الرابع وهو يصافح صدام حسين كان غطاءاً لغلاف المجلة، ولا أتذكر بأن كان نفس العدد من المجلة أو غيره لأن المجلة غير متوفره عندي حاليا عند كتابة هذا الموضوع. أ فهل نتهم "استغفر بالله" قداسته بالعمالة والتعاطف مع النظام المقبور "معاذ الله"... حسب منهج المتصيدين في مياه المجاري وذوي الأفكار الشحيحةوالخبيثة يصح لهم مثل هذا الإتهام اما أصحاب العقول النيرة والضمائر الحية فتعرف بأن قداسته هو رأس لرعية كبيرة تعيش في العراق ومن واجبه الديني والإنساني أن يتبع أسلوب المجاملات والبروتوكولات المعروفة في هذا السياق مع الرؤساء والحكام مهما كانت طبيعة النظام السياسي، أما من لا يفهم ذلك فليضرب رأسه بالحائط. تصوروا كتبت آلالاف السطور والفقرات في النضال القومي الآشوري وعن حقوق الآشوريين وعن استبداد النظام البعثي المقبور في العراق فكل هذا عمى عيون "المحارب القديم" ولم يرى إلا فقرة أو بالأصح نصف فقرة ليستخدمها في الاهانات الشخصية وحتى هذا الاستخدام استخدم بحالة من التردد والخوف وكانه يحاول سرقة شيء وهو غير واثق من نفسه.

الثالث: دراستي العليا للماجستير:
عندما يلجأ الإنسان إلى أبخس وأغبث الوسائل في تحقيق هدف ما فهذا لا يعني إلا أن هذا الشخص في مأزق فكري وإنساني كبير. هكذا الحال مع كاتب الرد فهو يستخدم قبولي في الدراسات العليا وسيلة لكي يتهمني بتهم حقيرة وبذيئة. إن إستخدام الوسائل النبيلة لتحقيق أهداف حقيرة سرطان فكري يأكل دماغ هؤلاء. فدراستي للحصول على ماجستير في العلوم السياسية هي ثمرة جهود فردية ومعاناة شخصية لم أحصل عليها بفعل فاعل أو بفضل شخص أو النظام كما يتهمني كاتب الرد ولم أستفد من هذه الشهادة في الحصول على لقمة العيش أو منصب معين بل استخدمتها في خدمة أمتي التي هي أحوج ما تحتاج إليها من جاجة أية أمة أخرى إليها. مقدماً أعتذر من القارئ الكريم وأرجو أن لا يتهمني بالنرجسية عند الحديث عن هذا المضوع.

في عام 1972 قبلت في الجامعة المستنصرية كلية الآداب القسم المسائي وكنت في حينها موظفاً صغيراً (كاتب طابعة) في وزارة المالية وكانت الدراسة في الجامعة بأجور والتي كانت تشكل ثقلاً كبيراً عليً وأنا من عائلة فقيرة ولكن وضعت خدمة أمتي بالعلم والفكر نصب عيني ولم يهمني صرف كل راتبي من أجل إكمال دراستي. في نفس العام تحولت إلى كلية القانون والسياسة لأني وجدتها أنفع في تحقيق الهدف من دراستي. عندما يضع الإنسان نصب عينه هدفاً نبيلاً ويسعى بكل إمان وجهد لتحقيقه فمن المؤكد سيحققه. وفعلاً في عام 1976 تخرجت من الجامعة حاصلا على البكلوريوس وبدرجة جيد جداً وكنت الأول في قسم العلوم السياسية (وثائق الجامعة تؤكد ذلك) وبغية الإستمرار حتى الدكتوراه أستقلت من الوظيفة وقدمت إلى الدراسات العليا في جامعة بغداد (لم تكن في حينها درسات عليا في المستنصرية ) فكنت من الأوائل المقبولين وذلك بسبب درجات تخرجي العالية من جهة وكون منافسي من الجامعة المستنصرية شيوعياً من جهة أخرى فكان من الأفضل، كما ذكر لي صديق فيما بعد، بأن يكون قبول المستقل أهو من قبول الشيوعي بالنسبة للجامعة. وفي بداية عام 1980  تخرجت بدرجة إمتياز وحصلت على شهادة الماجستير، وكانت الدرجة الوحيدة والأولى التي تمنح لطالب في تلك الكلية. وطبقاً لقوانين الجامعة كان من المفروض أن أتعين معيد أو مدرس في نفس الكلية، وهو الحلم الذي كنت أتمنى تحقيقه، إلا الجامعة لم تقبلني بسبب كوني غير منتمي إلى حزب البعث وكان هذا يقال لي مباشرة وبصراحة فأصبحت بذلك ملتزماً بدفع كافة أجور الدراسة، بعد أن كان الطيب الذكر إيشو دنخا يقيرا الذي كان يعمل كمدير صيانة في النبك المركزي العراقي قد كفلني كفالة مالية عند الجامعة. وفعلآ بعد أن تيسرت حالتي المالية بعض الشيء (بعد عملي في شركة أجنبية) دفعت ومن قوت يومي كل الأجور إلى الجامعة. بعد أن حرمتني الجامعة من التعيين أضطررت إلى العمل في شركة بريطانية إنشائية كمساعد مدير إدارة ثم مدير إدارة وحتى وصلت إلى مدير فرع العراق وأستمريت العمل معها في إنكلترا ولازلت أعمل معها حتى هذا اليوم متنقلا بين إنكلتزا ودولة الإمارات العربية. لو كان صاحب الرد يحمل ثقافة صافية النية لكان قد عرف هذه التفاصيل الشخصية مثلما عرفه معظم المثقفين الآشوريين لا بل عرفه حتى أعدائنا الذين كانوا ينصبون الفخاخ للوقوع بنا وبسمعتنا كما يفعل الآن كاتب الرد.

الأطروحة التي كتبتها لنيل الماجستير كانت معنونه " دور المثقفين في التحولات الإجتماعية" وهي دراسة سياسية فلسفية  مقارنة بين الفكر الماركسي والرأسمالي عن المثقفين وعلاقاتهم بالطبقات الاجتماعية ودورهم في التغييرات السياسية، وتعتبر أول دراسة جريئة من نوعها وفي مرحلة كان بمجرد التطرق إلى الماركسية أو الشيوعية يكون السجن أو المطاردة مصير الفرد. لا بل كانت الأطروحة الوحيدة في تلك المرحلة التي لم تتطرق إطلاقاً إلى النظام الحاكم مدحاً أو إلى حزب البعث تمجيداً كما كان الحال مع كل الاطروحات الأخرى دون إستثناء خاصة في العلوم الاجتماعية وتحديدا السياسية منها. فلو كان لكاتب الرد فرصة قراءة رسالتي الجامعية مع إنفتاح عقله لما لجأً إلى الأساليب البذيئة في إتهامي بتهم لا يعقلها حتى المختل عقليا وهي التهم التي يبدو بأنه تعلمها من إختصاصي الشتائم والاهانات. لقل نلت عن هذه الأطروحة درجة الماجستير بإمتياز وناقشني حولها في جلسة مفتوحة لجنة متكونة من أربعة من كبار أساتذة كلية القانون والسياسة ولم يكن أي منهم بعثياً كما حضر المناقشة أكثر من مائتين شخص نصفهم من الأصدقاء من النادي الثقافي الآثوري. إضافة إلى درجة الإمتياز أوصت لجنة المناقشة بطبع الأطروحة عل شكل كتاب على حساب جامعة بغداد إلا أن رئاسة الجامعة وبتوصية من هيئة رقابة المطبوعات منعت من طبعها بحجة كون الأطروحة "لم تضيف بشئ إلى الفكر السياسي السائد في الوطن" ، كما ذكر على مسودة الأطروحة. أي بمعنى آخر أن الأطروحة لم تساهم في مناقشة أو تطوير حزب البعث كما كان جارياً في تلك الفترة في أطورحات العلوم السياسية، في الوقت الذي وصف رئيس لجنة المناقشة الأطروحة بأنها تستحق شهادة الدكتوراه. كم كنت أتمنى لو كان كاتب الرد من بين جموع الحاضرين للمناقشة ليرى ويسمع المناقشات الحادة والطويلة التي دامت أكثر من أربع ساعات وفي أمور ومسائل كان الكثير ولايزال حتى اليوم يخاف من التطرف أو الاستماع إليها. أين كان كاتب الرد في ذلك الزمان وفي أية زواية من زوايا مجتمعنا الآشوري كان يناضل؟ ... ففي الوقت الذي كان النادي الثقافي الآثوري في بغداد وفرعه في السليمانية مراكز للنضال القومي والفكري وبؤر لنشوء التنظيمات الآشورية، أفهل كان كاتب الرد قريباً منهم ومعروفاً بنشاطه؟ فلو كان قريباً منهما لكان له توجهاً آخر ولا يلجاً إلى إتهامي بتهم لا تليق بإنسان يعرف ولو جزء قليل من هذه الحقيقة ... الحقيقة التي إن لم يصدقها فليسأل من كان حاضراً في تلك المناقشة من أعضاء النادي ليعرف عين الحقيقة.

بعد سنة من حصولي على شهادة الماجستير قدمت إلى دائرة البعثات للسفر والدراسة في الخارج للحصول على شهادة الدكتوراه فرفض، ثم قدمت وقدمت ... ورفض... ثم قدمت للدراسة على حسابي الخاص وكنت مقبولاً في أكثر من جامعة محترمة بريطانية وأميركية إلا إن الجواب شفهياً كان وعلى الدوام ... (مو بعثي ها ) وتحريرياً ... "عدم حصول موافقة الجهات العليا". والمسألة أصبحت واضحة فيما بعد، أنها متعلقة ببصمة الإبهام... أو كما كان يقولون تبصم تقبل... أي توقع على إستمارة الانتماء للبعث تحصل على شهادة الدكتوراه... لقد فعل بعض من زملائنا ومنهم آشوريين فبصموا وسافروا وأصبحوا من الحاصلين على شهادة الدكتوراه والكثير منهم لم يرجع بل بقى في المهجر، وهي مسألة تخصهم وحدهم وليس لنا عتاب عليهم من إقتناء مثل هذه الفرص للإستفادة منها. لقد كان عنادي عناد "تخوما" نحمد الله ونشكره على هذه النعمة ولم أخضع لا إلى التهديدات و لا إلى الإغراءات ... لا إلى العصى ولا إلى الجزره... فركبت فرس العناد مؤمناً بأنه السلاح الوحيد المقاوم لاستبداد البعث المجرم. وعندما ضاقت الأمور بي وبعائلتي من التهديدات والمضايقات المستمرة تركت الوطن وتركت ورائي كل شيء عدا ضميري النظيف والحي الذي جلبته معي وسيموت معي وأنا سعيد غير نادم على خسارتي لشقاء عملي في العراق، فالضمير القومي النظيف والحي هو الكنز الذي لا يفنى أبداً والذي أسعى بكل جهدي وطاقتي أن أعكسه في كتاباتي ومواقفي التي أقفها تجاه أي مسعى قومي شريف. فمن كان ضميره حياً يعرف الضمائر الحية الأخرى ومن كان ضميره ميتاً أو خاضعاً للأحقاد الشخصية    لا يعرفها أبداً.

وأخيرا ... أرجو من القارئ الكريم أن يستميحني عذرا من الإطالة في هذا الموضوع وإنتقادي لأحد من أبنائنا الآشوريين الذي أجرم بحقي من دون أساس أو شرع، فأنا إنسان آشوري ملتزم بحدود الأخلاق القومية والإنسانية ولا أسعى أبداً إلى أنتقادات شخصية لأبناء أمتنا. فنحن أبناء بيت واحد نتناقش ونختلف ونتخاصم ولكن ضمن سور البيت الآشوري. ولكن مع الأسف الشديد يظهر بأن كاتب الرد قفز من فوق هذا السور وأصبح خارج البيت الآشوري وأصطف مع الاختصاصين في الإهانات الشخصية ومع خبراء التهجم على مؤسساتنا القومية المناضلة وعلى الأقلام الشريفة النظيفة.                                 

338
بمناسبة الذكرى الـ (28) لتأسيس الحركة الديمقراطية الآشورية - 2
 ----------------------------------------------------------------

زوعا بين مسيرتي نيسان 1979 و نيسان 6757


أبرم شبيرا – لندن

تحتفل الحركة الديمقراطية الآشورية في هذا الأيام من نيسان مع أبناء شعبنا وأنصارهم الجماهرية الواسعة أحتفالات لها طعم خاص ومغزى سياسي وإجتماعي يعكس في جوانب عدة تواصل هذه الحركة في مسيرتها مع تواصل مسيرة الأمة نحو ألآف السنين وأرتباطهما بأبناء شعبنا عبر عقود وقرون طويلة.

قبل الولوج في هذا الموضوع، هناك نقطة مهمة يستوجب توضيحها للقراء الكرام. أن الوعي القومي الأصيل الذي يتحلى به المرء يجعله أن ينظر للأمور بمنظار قومي شامل ومن جميع الجوانب دون الاهتمام أوالإلتزام بالمسائل الشخصية أو الحزبية أو الشللية. فالنظر إليها لا يتم إلا من خلال المنظار القومي فحسب وبالنتائج القومية التي من الممكن أن تترتب من جراء التطبيقات الفعلية لهذه المسائل. من هذا المنطلق نقول، على سبيل المثال لا الحصر، عندما يكتب كاتب معين أو يحاضر مثقف قومي عن حزب ما وعن إنجازاته لا يعني بالضرورة بأنه ينتمي إلى هذا الحزب ويسخر كل إمكانياته له. لكن من المؤسف له بأنه بسبب ضعف الوعي لدى البعض والتحزبية الضيقة المقيتة لدى الحزبين منهم تنهال التهم على هؤلاء الكتاب والمثقفين تصل حتى الاهانات الشخصية من قبل المتحزبين وضعاف الوعي متهمين أياهم بالعمالة لذاك الحزب أو لسان حال تلك المنظمة. شخصياً نلت قسماً من هذه التهم والألقاب، نحمد الله ونشكره على كثرتها، عندما كتبت عن الحركة الديمقراطية الآشورية او عن المنظمة الديمقراطية الآثورية أو عن الاتحاد الآشوري العالمي أو عن غيرهم. إنني كمتحزب لأمتي لا أنظر أو أكتب عن أي حزب أو منظمة إلا من خلال النظرة الواعية لمسيرة وإنجازات هذه الأحزاب والمنظمات. وعلى الرغم من إنني لم أشبع من هذه التهم والتي هي ألقاب شرف أسعى المزيد منها، فإنني هذه المرة سأحاول أن أشرك معي بعض الشخصيات المعروفة في تقييهم لمسيرة الحركة الديمقراطية الآشورية والتي نحن بصددها.   

المسيرة الأولى المنطلقة في نيسان 1979 هي سجل حافل بالنضال والمعاناة وإكتساب الخبرة وتحقيق بعض الانجازات عبر ظروف صعبة للغاية. من دون أدنى شك قد يكون تأثير هذه المسيرة على بعض من أبناء شعبنا ضئيلا ولأسباب مختلفة قد تكون مرتبطة بقلة أو ضعف الوعي القومي السياسي أو الكف عن الاكتراث والاهتمام بمثل هذه المسائل بعد أن اصبحت وسيلة للمزايدة والشهرة لبعض الاحزاب والمنظمات القومية أو قد تكون بسبب كون هذه المسيرة كقصص ومآثر مرتبطة بأشخاص قياديين في زوعا يعصب تصديقها من قبل المناوئين أو المعارضين لهم أو من قبل عامة الناس وللأسباب المار ذكرها. واليوم ونحن نتحدث عن مسيرة نيسان النضالية فمن الأرجح أن نستند على شاهدات لا (زوعايا) ومن شخصيات قيادية مناضلة لا تربطهم بزوعا لا أيدولوجياً ولا تنظيمياً.

من لا يعرف المناضل توما توماس (أبو جوزيف) "ألف رحمة على روحه" لا يعرف شيئاً عن الحياة السياسية في العراق. هذا المنضال الشيوعي لا بل الانساني من بلدة ألقوش المناضلة وقف دوماً وطيلة حياته إلى جانب الفئات المظلومة ووضع أمته الكلدوآشورية في قمة الفئات المظلومة في العراق فدافع عنها دفاع الأبطال وهو بجانب المنضال هرمز جكو "ألف رحمة على روحه". فبطولاته مسطرة في تاريخ النضال العراقي ولا يستوجب تكرارها. في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي عندما ألتحقت زوعا بمسيرة الكفاح المسلح في شمال الوطن كان المنضال أبو جوزيف أول المتسقبلين لطلاع زوعا فعايش حياته اليومية النضالية معهم فعلم وتعلم منهم الكثير الكثير. وبعد سنوات طوال من النضال المشترك ضمن الجبهة الكردستانية أصبحت الحركة الديمقراطية الآشورية، كحركة معبرة عن طموحات أبناء الأمة التي أصبحت عنده موضوع فخر وإعتزاز. ففي منتصف التسعينيات من القرن الماضي إلتقيت العشرات المرات بأبي جوزيف في دمشق فكان مقر زوعا هناك البيت الثاني أو المسائي له نجلس معه ونناقش الكثير من قضايا أمتنا ووطنا. لم تكن أذني أن تصدق الشهادة القيمة والتكبير العظيم التي كان يتلوه عن زوعا فهو لم يكن يعتبرها مجرد حركة قومية بسيطة بل كانت عنده حركة وطنية مناضلة تساوي في نضالها ومعاناة مسيرتها بقية الحركات الوطنية العراقية التي عانت الكثير من التشرد وظلم النظام البعثي العراقي. فكان يؤمن إيماناً عميقاً بأن على يد زوعا ستحقق آماني أمتنا. رحل أبو جوزيف عن عالمنا المادي ولم يمهله العمر طويلا لكي يشاهد تحقيق آمال أمتنا لكن مكانته الفكرية والروحية تبقى دائماٌ في القلوب في كل القلوب الطيبة الشريفة والمناضلة. فأبو جوزيف خالد خلود شهدائنا الأبرار.

الشهادة الثانية في مسيرة زوعا النضالية هي من مناضل آخر لا "زوعايا" وهو المناضل فرنسو الحريري. معظم الناس تعرف هذا المناضل كقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وكرس جل حياته في خدمة هذا الحزب وأخذ الكثير من القوميين الآشوريين إنطباعاً خاطئاً عنه. أن المتابع لفكر هذا المنضال يلاحظ بأنه شهد تطوراً خطيرا فيه. ربما كان يبدو في بدايه حياته النضالية وهو قيادي في هذا الحزب بأنه غير مهتم بالنضال القومي الآشوري ولكن في الفترات الأخيرة من حياته كان له شأناً وتوجهاً قومياً بدأ بالاهتمام بالمسائل القومية السياسية وبالحركة الديمقراطية الآشورية خاصة والتي تعنينا في هذا الموضوع. فكانت علاقته قد توطدت مع هذه الحركة وهو في موقع حزبي وسياسي قوي وحساس كمحافظ لمدينة أربيل وعضو في قيادة حزب البارتي ومسؤول عن الأمن في الأقليم. شخصياً ألتقيت به مرتين أو أكثر في أربيل ولندن وترك لدي إنطباعاً مختلفاً كلياً عن الانطباع الذي كونته أنا وغيري من الناس عنه. ففي كل اللقاءات كان معظم حديثه عن زوعا ونضالها عبر ظروف صعبة وتأكيده بأنها الحركة القومية الفاعلة الوحيدة في مجتمعنا. وقبل رحيله بأشهر كان لقائي معه في لندن أكثر تفصيلا ومثيراً. إذ أكد امام جمع من الزائرين له في بيته أثناء حديثه عن زوعا بأن معظم قيادي هذه الحركة كانوا من الشباب اليافعين وطلاب الجامعات عندما إلتحقوا بالكفاح المسلح في المنطقة الشمالية ولكن بسبب مثابرتكم وإصرارهم على الاستمرار في النضال وتحمل الظروف الصعبة مع بقية الثوار في المنطقة وإختلاطهم مع عناصر رفيعة في الأحزاب الأخرى الكردية والشيوعية والقومية العربية وحتى الإسلامية أكتسبوا خبرة سياسية وفكرية وتنظيمية قلما نجدها في احزابنا الآشورية لا بل وحتى في الأحزاب العراقية خاصة عندما نقارنها من حيث الاسناد الخارجي والدعم المالي والخبرة السياسية والتعامل مع السلطات. وحتى عن تنظيم زوعا في لندن قال بأنه سمع من الناس بأن الحزب الوحيد الناشط في لندن هو الحركة الديمقراجية الآشورية ولا توجد أحزاب أو فروع أو تنظيم لهم في لندن يقومون بنشاطات قومية وسياسية، وهو الموضوع الذي أثار استغرابه بعض الشئ لأنه إذا كانت الظروف الصعبة في الوطن قد تحول لبعض الاحزاب الاشورية من دون التواجد على أرض الوطن والقيام بنشاطات فكيف والحال في المهجر والظروف مهيئة ولا فيها مخاطر من  القيام بنشاطات سياسية.

أوردت هذين الشاهدين من خارج زوعا ليشهدا على مسيرتها وهي الشهادة التي تفرض نفسها للتسائل والقول: لماذا هذا البارتي القيادي وذاك الشيوعي القيادي تحول رأيهما، أو كونا رأئياً إيجابيا، تجاه زوعا وهي حركة قومية آشورية وهما ينتميان لحزبين مواقفهما معروفة وليست بالشكل المرضي دائماً تجاه أمتنا. أليس هناك سراً يكمن في تحسس هذان المناضلان وإدراكهما لأصالة مسيرة زوعا؟ بلى ثم وبلى. وأخيرا لم يبقى بخصوص مسيرة زوعا النضالية خلال ثمانية وعشرين سنة الماضية إلا أن نقول: إذا كان هناك من لا يصدق بما نكتبه أنا وغيري من الكتاب الموضوعيين عن هذه المسيرة النضالية لأنهم يتهموننا بالانحيازية لها والصداقة لقيادتها، وهذا شأنهم الخاص، ولكن من لا يصدق شهادة أكثر موضوعية مشهودة من سياسين بارعين ومناضلين ولهم باع طويلة على الساحة السياسية العراقية أمثال توما توماس وفرنسو الحريري فإنه من دون أدنى شكي قد غطى العمى والعتم على فكر ووعي هؤلاء المتشككين ولم يعدوا أن يفرقوا بين الحق والشر وبين النهار والليل.

أما مسيرة نيسان 6757، فنود أن نشكر قناة آشور الفضائية التي أعطت تفاصيل كاملة عن عظمتها وجماهيريتها حيث شاهدها مئات الألوف من أبناء شعبنا في الوطن والعالم ولم تترك لنا شيئاً للقول والتفصيل إلا أن أقول بأنه طيلة حياتي التي تجاوزت نصف القرن شاهدت مسيرات ضخمة معدودات أتذكر منها الاستقبال الضخم والمسيرة الكبرى لأبناء شعبنا عند استقبال البطريرك مار شمعون إيشاي ومن ثم مسيرة منح الحقوق الثقافية "للناطقين بالسريانية من الآثوريين والكلدان والسريان" في أوائل السبعينيات من القرن الماضي ولكن يجب أن نتذكر بأن من وراء هذين المسيرتين كان النظام العراقي الذي كان يرمي إلى تحقيق أهداف شيطانية تجاه أمتنا في تلك الفترة كما أن المسائل الدينية والعواطف الناجمة من عودة البطريرك من المنفى إلى الوطن دوافع أخرى خلف ضخامة المسيرتين. أما مسيرة نيسان 6575 في نوهدرا (دهوك) التي شارك فيها عشرات ألاف من أبناء شعبنا من أطفال وشباب وشيوخ ونساء وفي أجواء ممطرة وباردة، يقال بأن عددهم تجاوز الأربعين ألف، إضافة إلى المئات التي بقيت في السيارة أو وصلوا متأخريين فإن هذه المسيرة لم يكن من خلفها لا حكومة ولا نظام ولا أعتقد بأن المشاركين كانوا كلهم من أبناء عشيرة رابي يونادم كنا أو نينوس بتيو أو غيرهما من القياديين، ولم يكن يملك زوعا قوة إكراهية يفرضها على الناس للخروج إلى المسيرة ولم يكن أحد منهم في الوزارة لكي يستغل منصبه ويؤثر على الناس ويدفعهم للمشاركة في المسيرة، ولا أعتقد أن زوعا من الغنى وله الكثير من الدولارات الخضراء ويدفع لأربيعن ألف مشارك لكي يخرجوا إلى المسيرة، فمن يعتقد هذا فهو مختل عقلياً من دون أدنى شك، وأنصحهم للإستماع إلى أحاديث وأغاني العدد الكبير من الفنانيين الذي قدموا من المهجر للمشاركة في المسيرة وإحياء المهرجانات والحفلات لعل يكون علاجاً شافياً لعقلهم.

إذن ماالذي دفع بهؤلاء العشرات الألاف من الشيوخ والنساء والأطفال والشباب بمختلف فئاتهم العمرية إلى تلبية نداء زوعا للمشاركة في المسيرة؟ أعتقد بأن من له بعض من الوعي القومي، حتى ولو كان بحجم الذرة، يدرك أن الدافع الحقيقي والفعال هو عظمة مسيرة نضال زوعا وعلو مكانته بين أبناء شعبنا وثقته العالية به. أفلا يكفي هذا لكي نصدق بأن زوعا لا زال بألف خير وأن موقعه في قلوب جماهير أمتنا. أما من لا يصدق ذلك فأنا على يقين تاماً بأنه حتى لو قام الملك العظيم آشور بانيبال من بين الأموات وحضر بيننا وقاد مثل هذه المسيرة الجماهيرية فإن هؤلاء يبقون على جهلهم المعتم ولا يتحسسون بعظمة مثل هذه المسيرة لأنهم مرضى مصابون بأمراض لا تشفى إلى بالاختلاط مع الأطفال والأمهات والشيوخ المشاركين في المسيرة وتحسس مشاعرهم المعبرة عن مشاعر الأمة وآمالها. وإذا كانوا مثل هؤلاء القابعين في بيوتهم الدافئة في المهجر ومستمتعين بحياة الرفاهية هناك ولا يجرؤا أن يخطو خطوة واحدة نحو بلاد آشور والاختلاط بأبناء جلدتهم هناك فأن مشاهدة المسيرة عبر قناة آشور الفضائية والتطلع في عيون الأطفال والشيوخ لعل قد يشفيهم ذلك من مرضهم المزمن ثم يرجعوا فيشكروا زوعا على توفير هذا الدواء الشافي لهم ... الدواء الذي صعنته المسيرتان نيسان 1979 ونيسان 6757.     

339
في الذكرى الـ (28) لتأسيس الحركة الديمقراطية الآشورية

نظرة واقعية في مسيرة زوعا
+++++++++++++++++++++++
أبرم شبيرا - لندن

كلما تأتي ذكرى تأسيس الحركة الديمقراطية الآشورية يبدأ الشريط التاريخي للفترات التي سبقت هذا الحدث بأستعراض الذكريات واللقاءات التي كانت تتم حول جمع شمل الشباب الآشوري المثقف وبالأخص من أعضاء النادي الثقافي الآشوري في بغداد وفرعه في السليمانية وغيرهم من القوميين في تنظيم قومي شامل يلملم جهودهم وأفكارهم ويضعها على مسار واحد لتحقيق أهداف الأمة وبالقدر المستطاع. وأكثر هذه اللقاءات وقعاً وتأثيراً هو لقاءات شقلاوة في صيف عام 1978 مع رابي يونادم كنا. ولا أدري أن كانت تحفظاتي حول دعوة رابي يونادم لتأسيس الحركة نوع من التردد والتخوف من الارتباط بتنظيم سياسي وتقولب أفكاري ونشاطي ضمن هذا التنظيم أم كانت مبررة تبريراً غير مشروعاً تخفي خلفها نوع من الخوف والرهبة من سطوة النظام الدكتاتوري حينذاك من الاعتقال وحتى الاستشهاد وأنا في مرحلة الدراسات العليا. وعلى العموم مهما كانت التبريرات والحجج في ترددي من مشاركة رابي يونادم في تأسيس الحركة فأن لذكراها شعورعجيب ينم عن الكثير من الاعجاب العظيم باولئك الشباب القومي الشجاع الذين لم يكن للخوف مكاناً في قلوبهم ومستعدين للتضحية وحتى الاستشهاد في سبيل الأمة كما ينم هذا الشعور من جانب آخر عن مرار وحسرة قلبي من عدم مد يدي لهم في تلك المرحلة الصعبة ومساعدتهم في تأسيس الحركة بحيث يجلعني أشعر شعوراً مريراً وأن اعترف بأنني قصرت كثيراً بحقهم وبحق أمتنا في تلك الفترة. من هنا فالدين القومي على اعناقي كثير ويجب أن أرده ولو بكلمات قليلة بهذه المناسبة العظيمة. لقد سبق وأن كتبنا وبمناسبات سابقة عن تأسيس الحركة وعن طبيعة ولادتها الطبيعية، واليوم نحاول وبسطور قليلة بيان وتحليل مسيرتها الصاعدة والنازلة خلال ما يقارب ربع قرن من الزمن.

عندما يكون الوصول إلى هدف سامي من خلال أرض وعرة أو جبلية موحشة ومحفوفة بالمخاطر يتطلب جهود استثنائية وتضحيات جسيمة لتجاوز هذه الصعوبات والمخاطر. لذلك لا يكون السائرين على هذا الطريق إلا عدد قليل مستعد للتضحيات ومواجهة المخاطر. أما عندما تكون الأرض سهلة ومنبسطة، كإنبساط سهل نينوى، لا مخاطر فيها ولا وحوش بعثية مفترسة فإن المهرولين يكثرون على مسارها طالما لا يتطلبها تضحيات وتحديات جسيمة وطالما هناك من يصطف على جانبي الطريق ويصفق لهم ويهلهل على رؤوسهم. هذه البديهية تذكرني بـ (كوركيس) ودراجته الهوائية والذي كان جارنا يتصف بنحافة البنية ولكن كان يعمل في وظيفة محترمة تخشاه كل الناس. أتذكر وأنا في عمر الصبا نظمت شركة نفط العراق (IPC) في مدينة كركوك في الخمسينات من القرن الماضي مسابقة ماروثونية للدراجات لموظفيها وشارك مستر جورج، كما كانوا يسمونه، فيها بدراجته الجديدة المدهشة والمصنوعة خصيصاً للسباقات الطويلة والتي كانت تبهر العيون وتحسد القلوب فتثير اعجاب وحسد الكثير من الناس وكنا ننظر إليه وهو راكباً دراجته كأنه ملكاً عظيماً متبختراً يقضي أوقات طويلة بتنظيفها وتلميعها ولا يجرأ أحد على لمسها. في يوم السباق أصطف المشاركون في ساحة الملعب والمعروف حينذاك بملعب النفط وكان مستر جورج في الصف الأول مستعداً للإنطلاق متكبرا شامخاً أنفه بهذه الوسيلة السحرية التي ستضمن له الوصول إلى خط النهائي. فبمجرد سماع صفارة المراقب أنطلق الآف المتسابقين ومستر جورج على رأسهم طائراً كالصاروخ تاركاً إنطباعاً لدى الجميع بأنه لا محال سيكون الأول والفائز بالجائزة طالماً يملك هذه الوسيلة السحرية الغالية الثمن. وبعد ساعات من الانتظار بدأ سرب المتسابقين بالظهور من بعيد يلوح كأن كوركيس في المقدمة ولكن عند الوصول إلى خط النهاية خاب ظن الجميع أن يرى كوريال، المعروف باسم كورا، العامل البسيط في الشركة يركب دراجته القديمة يعصر بعضلات رجليه القوية عليها ويدفعها دفعاً صاروخياً نحو خط النهاية ليفوز بالجائزة الأولى. طال إنتظارنا لكوركيس حتى بعد وصول آخر المتسابقين فحام شبح الخوف على أفراد عائلته التي كانت أيضا بإنتظاره من عدم وصوله رغم إنتهاء السباق حتى لاحت في الأفق السيارة المرافقة للمتسابقين تحمل المتسابقين الذين لم يستطيعوا إكمال السباق وبعض الدراجات في عربتها الخلفية وكان مستر جورج بينهم يلعن عضلاته الهزيلة التي خانته ولم توصله إلى خط النهاية حتى ولو كان اخر الكل. لقد خسر كوركيس السباق لأنه لم يعتمد على إرادة قوية وتصميم راسخ بل على شكلية وجمال دراجته الهوائية. في حين أعتمد كورا على قوته وتصميه الفولاذي على الفوز والوصول إلى خط النهاية رغم دراجته المستهلكة وفقر حاله.

  هذا الحال ينطبق على بعض تنظيماتنا السياسية القومية. فقبل سقوط النظام الاستبدادي البعثي في بغداد كانت الحديدة حارة جداً تضرب وتقطع رأس كل من يتجرأ أو أن يؤسس، لا بل حتى التفكير في تأسيس، حزب أو تنظيم أو طالب بحقوق قومية أو إنسانية أو حتى ثقافية أو إدارية أو عقد مؤتمرا أو تجمعاً لغرض معين لا يتماشى مع تفكير وسياسة حزب البعث المقبور. لقد دخل سامي ياقو و داود إيشا و ألبرت أوسكار السجن وعذبوا فيها لمجرد انهم غنوا أغاني قومية. فكيف الحال إذا أسسنا حزباً وطالبنا بحقوق قومية. الله يستر.

لقد كان مؤسسو الحركة الديمقراطية الآشورية مدركين لهذه الحقيقة ومستعدين للسير بالطريق الخطر غير مهابين بالتضحيات المطلوبة واضعين هدفهم الأسمى خدمة الأمة نصب أعينهم. فلم يكن هناك خوفاً من الاعتقال والتعذيب والتشرد والسجن وحتى الاستشهاد. فأحداث تموز من عام 1984 عندما اعتقل النظام المقبور العشرات من قياديي الحركة وأعضائها ومن ثم إستشهاد الأبطال يوسف ويوبرت ويوخنا عام 1985 كان ثمناً غالياً دفعته الحركة من أجل الاستمرار في مسيرة الأمة. فعندما يدفع المرء ثمناً غالياً يصل إلى درجة التضحية بالحياة لا بد أن يكون لشئ غالياً جداً أو لهدف سامي. وهل كان لزوعا شيئاً غالياً أو هدفاً سامياً أكثر من خدمة الأمة ؟. ففي تلك الفترة لم يكن أبداْ هدف زوعاً حقيبة وزارية أو منصب رفيع أو نيل رضا الحكام أو الركض خلف الشهرة ولملمة الجماهير حولهم والتصفيق لهم ولم يكن ينتظر لمن سيصفق لهم ويردف على أكتافهم بسبب نضالهم القومي. لقد كان زوعا مدركاً بأن النظام الغاشم لم يكن مستعدا لإعطاء شيء لأحد حتى لو باع أغلى ما يملك لهم. لقد عايشت أحداث اعتقال المناضلين في تموز عام 1984 واستشهاد الأبطال في شباط 1985 فلم يكن هناك من يلفظ كلمة احتجاح أو سخط حتى أثناء الحديث في البيوت الآشورية الخاصة، لا بل هرب الأقارب والأصدقاء يميناً وشمالاً من اصحابهم المناضلين ولم يدنو بيوتهم أو حتى يمرون من شارع بيوتهم خوفاً من استبداد النظام المجرم. هكذا كان الحال مع زوعا وهو في طريقه الصعب المحفوف بالموت سائراً دون خوف أو تردد نحو أهداف الأمة السامية.

لا يستطيع أي من كان، صديقا كان أم عدواً لزوعا، أن ينكر بأن مسيرة الحركة الديمقراطية الآشورية كانت محفوفة بالمخاطر الشديدة. من الطبيعي لمثل هكذا مسيرة أن تشهد عملية فرز وغربلة للسائرين على مسارها. فالضعيف والخائف والمتردد والانتهازي الراكب لقطار زوعا أو المساهم في دفعه لا يمكن أن يستمر معها خاصة عندما يدرك بأن المسيرة طويلة جداً والوصول إلى المحطة النهائية بعيد المنال. لهذا ليس من المستغرب أن يقفز هؤلاء من القطار ويتخلصوا من اشكالات المسيرة الصعبة ويلجئوا إلى الغرب المترف ليكونوا قوميين خلف المايكروفونات أو يشكلون أحزاب أو يعقدون مؤتمرات لا لشئ إلا لتبرير هروبهم من النضال القومي الشريف. فهذه الحالة تشبه كثيرا حالة تخلص جسم الإنسان الحي من الأمراض والجراثيم ليكون أكثر حيوية ونشاطاً وصحة. فمهما كانت الظروف، صعبة أو سهلة أو وسطية أو غامضة أو غير مستقرة بالحركة الديمقراطية الآشورية تبقى كما هي مستمرة في مسيرتها ولكن يبقى المظهر الخارجي والاسلوب التكتيكي في الحركة والعمل مختلفاً بعض الشيء وحسب ظروف كل مرحلة، وهي الحالة التي يصعب على البعض من أبناء شعبنا فهمها أو إدراك مغزاها وذلك بسبب قلة التجارب السياسية وضعف الوعي السياسي الصحيح الذي يسود بعض أبناء شعبنا وحتى بعض تنظيماته السياسية والقومية.

اليوم وبعد رحيل النظام الغاشم وأصبحت الظروف أكثر ملائمة للعمل السياسي المفتوح أي بعبارة أخرى الطريق سهل ومنبسط ولا مخاطر من تأسيس حزب أو تنظيم قومي والمطالبة بحقوق قومية أو بحكم ذاتي أو حتى بتحرير آشور. فأولومبياد المؤتمرات قائمة على قدم وساق، فهناك مؤتمرات من المشرق في عنكاوه إلى أقصى الغرب في موديستو/ كاليفورنيا وحتى أقصى الشمال في استوكهولم في السويد وليس من المستبعد أن يكون مؤتمراً آخر في أقصى الجنوب في كيب تاون في جنوب أفريقيا إذا تواجد آشوري واحد هناك مع أبن عمه أو خالته. فلا قيود هنا للمهرولة على سهل نينوى المنبسط بين أقاربهم وأصدقائهم يصفقون لهم ويكللونهم بالورود ويمطرونهم بالجكليت مطالبون بالحكم الذاتي أو تحرير آشور من المحتل. أهناك أسهل من هذا العمل خاصة عندما يكون هناك من يدفع الفواتير ويسهل الأمور.

فاليوم يراقب أبناء شعبنا المنهلك من الظلم والاستبداد والحاجة الشديدة إلى الاستقرار وتنفس هواء الرفاهية والطمأنينة هرولة هذه المجموعات على الأراضي المنبسطة السهلة وضمن ظروف لا يتطلبها تضحيات جسيمة غير بعض السويعات خلف المايكروفونات أو صرف دولارات امريكية تسهل من مهمتهم في الجري والبكاء على حقوقنا القومية والصراخ عاليا عن الحكم الذاتي. كما ان الحالة السائدة في مجتمعنا في هذه الأيام جعلت من البعض أن تكون نظرتهم للأمور ووعيهم للأحداث والتطورات السياسية آنية لما يجري في الساحة. أما تطبيقات هذه الصراخات والدعوات ونتائجها فهي مسألة مستقبلية لاحقة لا يريد ان يعرفها هذا البعض من أبناء شعبنا في الظروف الراهنة. فإذا نظرنا إلى زوعا من خلال هذه الظروف الشاذة سوف يتبين لنا بأنه غير متعاون مع هوى هذه المجموعات وبالتالي يبقى السؤال مطروحاً بين بسطاء الناس "ماذا يفعل زوعا". ولكن إذا نظرنا إلى زوعا من خلال مسيرته الطويلة للسنوات الماضية واستمراره نحو المستقبل يتبين لنا بأن هذه المسيرة النضالية الصامدة هي التي جعلت زوعا أن يقود قائمة الرافدين الوطنية بالفوز الساحق في الانتخابات الوطنية العامة لمرتين متتاليتين وهي التي جعلته قادراً على ان ينظم مواكب أعياد أكيتو ويشارك فيها عشرات الآلاف من أبناء شعبنا.

أن حال زوعا كحال (كورا) العامل المسكين ولكن القوي المثابر والصابر قادرا على تحد الظروف والصعاب للوصول إلى الهدف الأسمى رغم إمكانياته الشحيحة في حين حال الآخرين المهرولين على الأراضي المنبسطة والممولين بأموال وامكانيات ضخمة هو كحال صاحبنا مستر جورج ودراجته الفخمة المبهرة للعيون والعقول ولكن هيهات أن يصلوا إلى خط النهاية غير أن يكون مشلولين محملين على عربات الغرباء.       

340
استمرار الخيانة الكردية للقضية الآشورية



أبرم شبيرا – لندن
توضيح: في خريف من عام 1998 كتبت مقالاً بعنوان ( في ضوء المصالحة الكردية – الكردية والمشروع الفدرالي - هل تخضع حقوق الآشوريين في شمال العراق إلى مساومات سياسية) ونشرته تحت أسم قلمي (حنا سوريشو) تناول نشاطات الكرد في العراق في زرع الفتنة الطائفية بين الآشوريين للقضاء على مطالبهم القومية المشروعة عن طريق تعظيم وترسيخ تقسيمهم الطائفي لكي يسهل القضاء عليهم قومياً. كما تناول المقال المصير الذي سيلحق بالآشوريين في حال ضمان الكرد حقوقهم وفدراليتهم عن طريق التفاوض مع النظام البعثي الاستبدادي حينذاك والوصول إلى اتفاق معه وأين سيكون موقع الآشوريين من هذه الفدرالية وهذا الاتفاق؟
واليوم، وخلال ثمان سنوات التي تلت كتابة هذا المقال حدثت أشياء دراماتيكية عديدة منها تحرير العراق ومحق النظام البعثي وبلبلة الأمور كلياً وظهور الكتلة الشيعية والكردية كقوى سياسية بارزة ومسيطرة يفرضان إرادتهما على المصائر السياسية للعراق ولشعبه بمختلف تنوعاته القومية والدينية ويظهران وكأنهما ماردان جائعان جداً انهالوا على الكعكة أكلاً ونهباً ولم يتركوا شيئاً للصغار ولم يقدروا أو يتذكروا النضال الشريف الذي خاضه الآشوريون بقيادة الحركة الديمقراطية الآشورية خلال فترة حكم النظام العراقي المقبور وما عانوه من مختلف المآسي والمظالم خلال فترة هذا الحكم. فهذه ممارسة غير سياسية ولا ديمقراطية إطلاقاً بل هو تصرف غير حضاري وثقافي وفكري ينم عن قلة التجربة في السلطة وفي التعامل مع الغير المختلف، لا بل هي نسخة تقليدية لبعض السياسات الاستبدادية للأنظمة العراقية السابقة التي تناوبت على السلطة في العراق. رسالة الآشوريين الكلدانيين السريان لجميع القوى العراقية هي أن يفسحوا المجال لهم للممارسة حقوقهم بشكل قويم ومستقل وبدون تدخل من أحد وسوف يرون الفائدة التي سيجنون من هذه الممارسة وعلى مختلف المجالات الوطنية. والتاريخ شاهد على ما قدموه لهذا الوطن من تضحيات ودماء وإخلاص وتفاني أكثر مما قدموه غيرهم ولكم بالمقابل لم ينالوا إلا مزيد من الاضطهادات والمظالم والتي استنكفها حتى ديباجة الدستور المقترح أو تشكيل الوزارة الجديد ولا ندري ماذا يخفي  المستقبل لأبناء أمتنا في أرض الوطن من هذه الممارسات غير الديموقراطية... فهل يعود صدام حسين تحت أسم أخر سواء أكان كردياً أو شيعياً أو سنياً أم يرجع التاريخ بنا إلى مذابح سميل لعام 1933؟ ... ليس بشكل مذابح جسدية وإنما بإفناء فكري وقومي وثقافي لأعرق شعب من شعوب العراق. حقاً قال المفكر الآشوري الكبير يوسف مالك عند انتقال العراق من الحكم العثماني إلى العربي (أن تغيير الفيسة – القبعة الرسمية التركية – بالسيدارة - القبعة الرسمية العربية في العراق – لا يعني تغييرا في المفاهيم والأفكار والسياسات).       
 وكما خطط الكرد وباشر بها قبل بضعة عقود فيما يخص ترسيخ التقسيم الطائفي للآشوريين وتسخيره لخدمة سياستهم غير المنصفة تجاه الآشوريين بشكل عام وتجاه أحزابهم ذات القرار المستقل بشكل خاص، فأن الفرص الذهبية متاحة في هذه الأيام للكرد لتطبيق ما خطط له في تدمير الأساس القومي للآشوريين سواء في معاداته للأحزاب الآشورية المستقلة أو عن طريق خلق أحزاب كارتونية أو إيجاد شخصيات اعتادت على تناول فتات موائد أسيادهم و يقومون بأدوارهم المشبوهة والمفضوحة نيابة عنهم في مزاحمة المناضلين المستقلين والبعيدين عن سياساتهم التآمرية وطرحهم على أساس أنهم يمثلون الشعب الآشوري/الكلداني/السرياني.
بعد سقوط النظام الاستبدادي في العراق خطت الحركة الديمقراطية الآشورية تساندها المنظمة الأثورية الديمقراطية يساندوهما معظم المثقفين والوحدويين من جميع الطوائف، خطت خطوة جريئة ومقدامة في مشروع محاولة احتواء التنوع الطائفي للآشوريين عن طريق الإقرار الرسمي بتسمية مركبة "كلدوآشوري" فنجحوا في إدراج هذه التسمية في قانون إدارة الدولة العراقية كأساس لإقرارها في الدستور المقترح فهز من جراء ذلك وفزع أعداء أمتنا الخارجيين التاريخيين والداخليين من الطائفيين المتزمتين في ظلام الماضي، فحشدوا أسلحتهم البشمركية والطائفية ضمن حلف غير مقدس فشنوا هجوماً عنيفاً ضد هذه الخطوة الوحدوية التاريخية وضد الشرفاء من الآشوريين وكرسوا أموالاً من المساعدات الأمريكية لبناء شمال الوطن لها لإسقاط هذا المشروع الوحدوي التاريخي فنجوا في وضع ( و) الكردية والطائفية بين الأخوة وأبناء أمة واحدة في مسودة الدستور المقترح لغرض يسهل تفتيتهم والتعامل معهم على أساس طائفي عاملين أسوت بما عمله حزب البعث الفاشي، فتمكن الحزب الديمقراطي الكردستاني من خلق أكثر من شخص يسخي بملايين الدولارات على الآشوريين ليس حباً بهم وإنما لغرض سحب البساط من تحت أرجل الحركة الديمقراطية الآشورية واحراجها في مثل هذه الظروف التي يصفق الجائع والفقير لكل من يدفع له دولارا واحداً ويجعله من أكبر القوميين والمناضلين.
واليوم وبعد ثمان سنوات، نعيد نشر هذا المقال كما هو بدون تغيير ليطلع القارئ الكريم على المخططات التي كان يخطط لها الكرد مع أعوانهم الأقزام في تدمير الأساس القومي للآشوريين، ذلك الأساس الذي تقوم عليه زخرفة من الطوائف والملل والعشائر والذي ليس عيباً أن نقر ونعترف بها ونوحدهم تحسب أية تسمية كانت بل أن العيب وكل العيب بل الجنون والخيانة هو أن نقلب الأمور رأساً على عقب ونجعل من الأساس فرعاً ومن الفرع أساساً ويستغلون ذلك لأهدافهم الشيطانية... هؤلاء يتخوفون من أية أسم يوحد أبناء الأمة سواء أكان مركباً من أسمين أو من عشرة أسماء لأنه يقضي مضجعهم ويفلس عقولهم العفنة وجيوبهم الخرقاء.
وأخيراً وليس آخراً، أود أن أبين للقارئ الكريم أن الكتابة السياسية ليست سرداً للأحداث والتنكيل الفكري بالآخرين وإنما هو تحليل للواقع وبناء تصورات للمستقبل. من هذا المنطلق نرى أن ما كتبناه قبل ثمان سنوات ينطبق اليوم إن لم يكن بتفاصيله الكاملة وإنما بالتأكيد ينطبق في جوهر وأهدافه.
     
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
في ضوء المصالحة الكردية – الكردية والمشروع الفدرالي
----------------------------------
هل تخضع حقوق الآشـوريين في شمال العراق إلى مساومات سياسية
حنا سوريشو
من الواضح أنه رغم عدم استقرار المنطقة الشمالية من العراق، فإن الآشوريين يتمتعون في ظل الهامش الديمقراطي الذي توفره جملة ظروف محلية وإقليمية ودولية استثنائية في تاريخ المنطقة، يتمتعوا بنوع من الحقوق والتي تعد الأولى من نوعها في تاريخ العراق السياسي.  فالآشوريون يشاركون في البرلمان كما تشارك الحركة الديمقراطية الآشورية في الجبهة الكردستانية إضافة إلى حصة وزارة الأشغال والإسكان. والأهم من هذا الجانب السياسي هو المنجزات الثقافية التي تم تحقيقها خلال خمس سنوات الأخيرة كتعليم المناهج الرسمية المقررة في المرحلة الابتدائية باللغة السريانية في المدارس التي أكثريتها من الآشوريين وتأسيس المركز الثقافي الآشوري ومديريات للثقافة الآشورية  وتعليم اللغة السريانية وإصدار المجلات والجرائد وطبع الكتب وغيرها من المنجزات الثقافية والفنية .
 وإذا كان صحيحاً بأن هذه الحالة الاستثنائية في تاريخ العراق السياسي الحديث التي أناحت للآشوريين فرصة ممارسة جانب من حقوقهم القومية المشروعة هي إحدى إفرازات حرب الخليج الثانية وخروج المنطقة الشمالية من سيطرت النظام العراقي في بغداد الذي حرمهم من حقوقهم القومية والثقافية، فأن لهذه الفرصة الاستثنائية جانب آخر يتمثل جزء منه في قدرة الأكراد وزعامتهم وتنظيماتهم السياسية على التفهم المنطقي لطبيعة علاقتهم السياسية والجغرافية مع الآشوريين خاصة في العقود الخمسة الأخيرة. فمن المعروف أن الآشوريين عاشوا إلى جانب الأكراد منذ فترة طويلة حيث تتداخل أراض موطنهم التاريخي مع الحدود الجغرافية للمنطقة التي عرفت فيما بعد بـ " كردستان " فكان هذا التداخل إلى جانب الاختلافات الدينية والقومية التي استغلتها الدولتين العثمانية والفارسية في تحريض الكرد ضد الآشوريين وارتكاب المذابح بحقهم وتشريدهم من أراضيهم، من العوامل التي جعلت أن تتصف صفحات تاريخ العلاقات بينهما بالكثير من العداء والنفور والتوتر حتى نضوج وقيام الحركة القومية الكردية وتبلورها في أحزاب سياسية ومنظمات قومية، خاصة عند تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في الأربعينيات وبقيادة الزعيم ملا مصطفى البارزاني الذي كانت له علاقات وطيدة مع الكثير من الشخصيات الآشورية، وربما بسبب أصوله التاريخية التي ترجع إلى جذور آشورية مسيحية وتحديداً إلى عائلة القس داود التي كانت تسكن في قرية برزان قبل إسلامها في القرون الماضي، كما تذكر ذلك بعض الكتب الآشورية القديمة. فكان للإدراك الواعي للمصالح المشتركة في المنطقة وخضوعها ككل من دون تمييز بين كردي وآشوري إلى استبداد أو إهمال السلطة المركزية عامل أخر ساعد على انضمام بعض الآشوريين إلى حزب الديمقراطي الكردستاني،  وهو الحزب الذي حاول إبعاد كلمة "كردي" من أسمه وإحلال محله " الكردستاني " كدليل على أنه حزب لسكان منطقة كردستان وليس للأكراد وحدهم، وهو الأسلوب الذي أتبعه مجموعة من الكرد بزعامة جلال الطالباني عندما انفصلت عن حزب الديمقراطي الكردستاني وأسست اتحاد الوطني الكردستاني.
ومن الملاحظ بأن اتحاد الوطني الكردستاني الذي يتركز وينشط في منطقة سوران، ومركزها مدينة السليمانية،  لا يعاني من مشكلة الأقليات كما هو الحال مع حزب الديمقراطي الكردستاني الذي ينشط ويتركز في منطقة بهدينان ومركزها مدينة دهوك حيث هناك أقليات آشورية وتركمانية وحتى يزيدية وبعض الجيوب العربية والتي يستوجب التعامل معها بشيء من الفطنة السياسية خاصة في ظروف استثنائية كظروف المنطقة التي من ممكن أن تستغل من أجل زيادة التوتر وعدم الاستقرار أو تحقيق بعض المنافع أو تثبيت بعض المراكز كما هو الحال مع تركيا تجاه الأقلية التركمانية في العراق وهي نفس الورقة التي حاول اتحاد الوطني الكردستاني استخدامها في حربه "الباردة" مع الديمقراطي الكردستاني في دعواته المستمرة بضرورة حماية وصيانة حقوق الآشوريين والتركمان في المنطقة وكأسلوب لإحراج خصمه في هذه المسألة الحساسة.
إضافة إلى ذلك فإن هناك عوامل أخرى ساهمت في بناء العلاقة المتفهمة للأكراد مع الآشوريين، منها وجود شخصيات آشورية مقربة إلى عائلة البارزاني وأعضاء في اللجنة المركزية والمكتب السياسي وبعضهم ناضلوا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وظلوا مخلصين للحركة الكردية ولقيادتها وضحوا من أجلها واستشهدوا في سبيلها. كما وأن الكرد الذين عانوا الأمرين من استبداد السلطة المركزية مثلما عانوا بقية الأقليات،  خاصة الآشوريين منهم ، كان يستوجب على زعماؤهم  أن يكونوا أكثر ديمقراطيةً مع الأقليات ويتفهموا معاناة المضطهدين لذلك كان لازم عليهم إظهار الحركة الكردية كحركة تقدمية ديمقراطية أمام الرأي العام العالمي فيما يخص تعاملها مع الآشوريين كأقلية قومية ومسيحية،  سيما وإن الحقوق الممنوحة لهم لا تشكل تهديداً لا من الناحية العسكرية والسياسية ولا من الناحية الديموغرافية على السياسات الكردية في المنطقة وتجاه السلطة المركزية أو تجاه دول المنطقة. ولكن السؤال المفروض الآن هو: الى أي مدى يبقى الاكراد ديمقراطيون مع الآشوريين ومتسامحون مع ممارسة حقوقهم في المنطقة في ظل المصالحة الكردية – الكردية التي تمهد الطريق للمصالحة وتطبيع العلاقات مع النظام العراقي بعد مرحلة رفع العقوبات الاقتصادية أو بعد تحسين السمعة الدولية والإقليمية للنظام، خاصة إذا عرفنا بأنه للأكراد مشاكلهم التاريخية المستعصية تكفيهم للحد الذي لا يستطيعون تحمل مشاكل الغير أو الدفاع عنها والتضحية في سبيل حلها عندما يكون الموضوع متعلقاً بمصلحتهم القومية وتحقيق فدراليتهم مع النظام العراقي.  ثم ماذا سيكون موقف الأكراد من حقوق الآشوريين في ظل هذه الفدرالية التي من غير الممكن أن تتم إلا ضمن الإطار الموحد للعراق وضمن اتفاق مع الحكومة المركزية في بغداد ؟. أي ما هو مصير حقوق الآشوريين في حالة التصالح مع هذا النظام الذي يرفض التعامل مع أية حقوق أخرى للأقليات،  كحقوق الآشوريين، خارج إطار المشكلة الكردية ؟
ولمعرفة موقف الكرد تجاه الآشوريين في ظل المتغيرات الجديدة المحتملة لابد أن نتعرف على طبيعة تعامل الكرد مع الآشوريين وهي الطبيعة التي تدور ضمن إطارين :
الأول: علاقة الكرد مع الآشوريين كأقلية: وهي العلاقة المبنية على أساس إن الآشوريين أقلية كردستانية وفي بعض الأحيان يتماد التطرف في هذا المجال لدرجة اعتبار الآشوريين مجرد أقلية كردية مسيحية أو كرد مسيحيون يتم التعامل مع حقوقهم كجزء من حقوق الكرد بشكل عام دون تمييز أو اختلاف. وقد وجدت الحركة الكردية من يؤيدها في هذا السياق من بعض الآشوريين المنتمين إلى أحزاب هذه الحركة أو الذين يعادون أو يعارضون التطلعات القومية الآشورية ويتراصون مع النظام العراقي في معاداته لحقوق الآشوريين القومية. هذا الاتجاه لا يترك أية مشكلة بالنسبة لكرد ولا يشكل إعاقة أمام تحقيق المشروع الفدرالي الكردي مع النظام العراقي باعتباره جزء من مشكلة مجموعة "كردستانية“ تعالج ضمن إطار المشكلة الكردية ككل، وهو سبب رئيسي يدفع زعماء الحركة الكردية وعلى الدوام إلى تجاهل القضية الآشورية في وسائل الأعلام الدولية لا بل وحتى في تجاهل الدور الكبير الذي لعبه الآشوريون في الحركة الكردية وفي إسنادها ودعمها، وبالمقابل يترك مثل هذا الموقف حساسية وحالة من التوتر والقلق لدى المنظمات والحركات القومية الآشورية بشكل خاص ولدى الآشوريين بشكل عام ويثير لديهم نوع من المخاوف من ابتلاع قضيتهم وهضم حقوقهم ضمن القضية الكردية.
الثاني: علاقة الكرد مع الآشوريين كحركة قومية سياسية: للآشوريين حركة قومية تمتد بدايتها إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى، غير أنها لم تتبلور في تنظيمات سياسية حديثة إلا في منتصف هذا القرن. وبقدر تعلق الأمر في العراق وبمنطقته الشمالية فإن الحركة الديمقراطية الآشورية والمعروفة بـ "زوعــا" التي تأسست رسمياً عام 1979 والتحقت بالحركة المسلحة المعارضة للنظام العراقي في شمال العراق عام 1981، تعتبر أول حركة سياسية آشورية يتبلور في أهدافها وشعاراتها الطموحات القومية والوطنية وبشكل واضح ومتميز ومستقل عن غيرها من الحركات السياسية وبالأخص الحركة الكردية وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني. لقد فرض قوة تنظيم زوعـا وكثافة نشاطها ودعمها من قبل أكثرية الآشوريين سواء في العراق أم في بلدان المهجر أن تكون حقيقة واقعية لم يكن من السهل تجاهلها من قبل الحركات الكردية والسياسية في شمال العراق أو من قبل تنظيمات المعارضة العراقية فأتيح لها فرصة المشاركة في معظم النشاطات السياسية، خاصة مشاركتها في اللعبة الديمقراطية في شمال العراق وتحقيق بعض المكاسب في إطار الحقوق المشروعة للآشوريين التي سبق الإشارة إليها. هذه العلاقة السياسية مع الآشوريين وتنظيماتهم السياسية هي أساس الاتفاق القائم بينهما في ممارسة الآشوريين لحقوقهم القومية ضمن إطار المؤسسات والأنظمة الرسمية والسياسية والحزبية في المنطقة. ومما لا شك فيه إن المصالحة الكردية – الكردية والتي سيعقبها حتماً استقرار في المنطقة وازدهارها سينعكس ذلك إيجابياً على وضع الآشوريين من الناحية الأمنية والسياسية وتتعزز ممارسة حقوقهم القومية في المنطقة.
ولكن إلى أي حد تستطيع الحركة الكردية وأحزابها السياسية التعامل مع الآشوريين سياسياً ؟ أي التحالف مع الحركة الديمقراطية الآشورية فيما إذا تمت المصالحة الكردية – الكردية وتحققت على الواقع السياسي وأصبحت طريقاً ممهداً ومشجعاً للتفاوض مع النظام العراقي لتحقيق الفدرالية في المنطقة الشمالية أو تحقيق الحد الأدنى من العدالة للقضية الكردية. وأين ستكون حقوق الآشوريين أو موقع الحركة الديمقراطية الآشورية من هذا التفاوض وهل ستتخلى الأحزاب الكردية عنها أو تساومها أو ستعتبرها مجرد جزء من المشكلة الكردية على أساس اعتبار الآشوريين مجرد كرد مسيحيون ؟ وماذا سيكون موقف الحركة الديمقراطية الآشورية في حالة تفاوض الكرد مع النظام العراقي ؟ وماذا سيصبح مصير حقوق الآشوريين في المنطقة ؟؟ هذه التساؤلات التي تشغل بال الآشوريين بالدرجة الأولى نجد جانب من أجوبتها في التاريخ القريب عندما فاوض الكرد حكومة العراق عام 1992 حيث كانت الحركة الديمقراطية الآشورية والحزب الشيوعي العراقي الوحيدان اللذان أبديا تحفظاً على هذا التفاوض، وأساس تحفظ هذه الحركة كان ولا يزال هو أن النظام العراقي وحزب البعث الحاكم لا يعترف بوجود الآشوريين فكيف يتم التفاوض أو منح حقوق لشيء غير موجود وغير معترف به، فأساس حقوق الآشوريين في العراق يقوم على الشعار الذي رفعته هذه الحركة في "عراق ديمقراطي حر والإقرار بالوجود القومي الآشوري" وهو المبدأ الأساس الذي لا يمكن التنازل عنه، كما تقول عناصر في قيادة هذه الحركة، وبالمقابل هو المبدأ الذي لا يقبله النظام العراقي وحزب البعث الحاكم ولا يقبل التفاوض حوله لا بشكل مباشر ولا بواسطة الكرد، لذلك سيكون المبدأ الذي قد يشكل عاملاً معكراً لطبيعة علاقة الكرد مع الآشوريين ومعياراً لاختبار مصداقية الأكراد تجاه حقوق الآشوريين عند دخولهم في مفاوضات مع النظام العراقي.
إن ممارسة الآشوريين لبعض من حقوقهم القومية والتفافهم حول منظمتهم الطليعية، الحركة الديمقراطية الآشورية   أصبحت جزء من الواقع الراهن ليس أمر إلغائها أو تجاهلها مقبولا على الإطلاق لا محلياً ولا دوليا لذلك عندما تحين فرصة التفاوض والمساومات لتحقيق المشروع الفدرالي قد تدفع الكرد إلى سياسة تحجيم هذه الحقوق وحصرها في مجالات معينة أو إيجاد منظمة آشورية بديلة للحركة الديمقراطية الآشورية تقبل بمثل هذه الحقوق كحل وسط تتوافق مع خفايا المشروع الفدرالي أو في كون الآشوريين مجرد أكراد مسيحيون ويرضي في نفس الوقت النظام العراقي ويحقق الحد الأدنى من مصداقية الكرد تجاه الآشوريين ويطمئنوا العناصر الآشورية القيادية في الحزب الديمقراطي الكردستاني وهي السياسة التي ليست بخافية على المطلع لأوضاع الآشوريين في شمال العراق رغم استثنائية الحالة الايجابية في ممارسة الآشوريين لحقوقهم القومية. فوراء هذه الممارسة الايجابية جملة سياسات ومواقف كلها تصب في هدف تحجيم حقوق الآشوريين وإضعاف وجود ونشاط الحركة الديمقراطية الآشورية.
لقد كان من المنطق أن يكون تكاثف وتوسع نشاط زوعا بين جميع الطوائف الآشورية في المنطقة وتزايد انتماء أبناء الطائفة الكلدانية الكاثوليكية إليها وتسلم بعضهم مناصب قيادية في المكتب السياسي واللجنة المركزية أن يؤدي ذلك إلى تحجيم انتماء الآشوريين إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني وحتى إلى الحزب الشيوعي العراقي أو الحزب الشيوعي الكردستاني والى انحسار نشاطهم بين الآشوريين فظهرت الحركة الديمقراطية كمنافس حقيقي وجدي في هذا المجال.  ففي عام 1992 عندما خصصت خمسة مقاعد للآشوريين في برلمان الإقليم دفع الحزب الديمقراطي الكردستاني بقائمته تحت أسم "القائمة المسيحية" كما دفع الحزب الشيوعي العراقي بقائمته تحت اسم "قائمة كلدو وآشور" لمنافسة قائمة زوعا والتي فازت بأربعة مقاعد وفاز ممثل القائمة المسيحية بالمقعد الخامس. وإذا كان مثل هذه الإجراءات الديمقراطية شرعية ومقبولة ولا اعتراض عليها فأن الإجراءات الأخرى كالاغتيالات وتعرض مقرات زوعا إلى الهجوم المسلح والتي كان وراؤها "عناصر مجهولة" واستيلاء الكرد للقرى الآشورية كلها تصب في سياسة ترهيب الآشوريين وتحجيم نشاطهم السياسي والقومي وبالأخص ترهيب أبناء الطائفة الكلدانية من مغبة الانتماء إلى هذه الحركة الآشورية القومية، خاصة عندما نتذكر بأن المهندس فرنسيس شابو عضو البرلمان،  اغتيل عام 1993 والذي يعتبر أول شهيد برلمان الإقليم، كان من أبناء الطائفة الكلدانية المنتمين للحركة الديمقراطية الآشورية ومن أكثر العناصر النشيطة في توحيد الطوائف الآشورية.
ليس هذا فحسب، فقد لجأ الاكراد والشيوعيون أيضاً إلى لعب الورقة الطائفية وكشفها على الساحة السياسية لغرض تحجيم النشاط القومي الآشوري في المنطقة،  فالحزب الشيوعي الكردستاني لم يتوان من أجل لعب هذه الورقة إلى تأسيس فرع له باسم " كلدو وآشور " أي بأسماء الطوائف الآشورية بحجة كون ذلك مطلب من الطوائف الآشورية. كما وإن قيادي حزب الديمقراطي الكردستاني، رغم تعاملهم الحزبي والسياسي والرسمي مع الحركة الديمقراطية الآشورية باعتبارها ممثل الآشوريين في المنطقة وفي مؤسساتها الحزبية والرسمية، فأنه لا يفوتهم الفرص للإشارة إلى الآشوريين من الطائفة الكاثوليكية باسمهم الطائفي أي "الكلدان" رغم عدم وجود مؤسسة أو كيان سياسي لهم ، فالكلدان نفسهم كطائفة دينية لا يرغبون التدخل في المسائل السياسية أو يطالبون بحقوق سياسية وقومية إلا ضمن الإطار القومي الخاص بهم والمتمثل في التسمية "الآشورية" الجامعة لكل الطوائف . فالكرد رغم معرفتهم الجيدة بذلك فإن القصد من  تأكيدهم للفروقات الطائفية بين الآشوريين هو إضعاف نشاط زوعا ومن ثم  تحقيق سياسة تحجيم حقوق الآشوريين في المنطقة وجعلها في متناول المساومات السياسية عندما يحين وقت التفاوض مع النظام العراقي من اجل تحقيق الفدرالية .
هذه السياسات التي تثير الكثير من التساؤلات عن مصير "تحالف" الآشوريين مع الاكراد وجدوى ممارستهم لحقوقهم القومية في المنطقة الشمالية، وهي التساؤلات التي تثير مخاوف الآشوريين في الداخل والخارج وتخلق حالة من التشكك في مصداقية الاكراد تجاه الآشوريين، وهو حق وشعور مشروعان لهم في الخوف على ووجودهم في المنطقة الممتد في أعماق التاريخ والذي لم تحدد معالمه مستقبله بعد في ظل المشروع الكردي للفدرالية.
=========================
هذا ما كتبته في عام 1988 وأطلب من القارئ اللبيب أن يقارن هذا بما يحدث على الساحة العراقية من تحجيم للحقوق القومية الآشورية الحقيقية ومواقف القوى الكبيرة السلبية تجاه الحركة الديمقراطية الآشورية التي ناضلت معهم جنباً إلى جنب في السنوات المظلمة التي عممها النظام البعثي على جميع الشرفاء... أفهل من الأصول والشرف أن ينسى مناضلوا الأمس نضال رفاقهم في الدرب؟       
    [/b]

341
شلاما إلى زوعا في ذكرى الـ (26) لتأسيسها
مفاهيم في التطـور والممارسة السياسية
أبرم شبيرا – لندن

إن الإلمام بالحياة السياسية وبأبجدية الحركات القوميــة الأصيلة والنابعة من ضمــير الأمة يستلزم أن نعرف بأن مؤسسات وأحزاب وحركات الأمة هي كيانات حية غير جامدة.
فهي الأخرى كالكائنات العضوية الحية تمتلك مقومات النشوء والتطور والتقدم، وتحمل أيضاً في طبيعتها التطورية جملة تناقضات تشكل الأساس الذي يبني عليه تقدمها وتأخرها، حياتها وموتها. فهي تحمل مقومات الحياة من حركة ونشاط مثلما تحمل مقومات الموت من تخلف وجمود.
من هذا المنطلق يجب أن نعرف بأن تطور حياة الإنسان ليس على الدوام حركة مستمرة إلى  الأمام فحسب بل أن المفهوم الفلسفي لتطور الحياة والإنسان وحتى الحركات السياسية هو المحصلة النهائية الناتجة من جملة تفاعلات قائمة بين التقدم والإخفاق والتي تفرز في نهاية المطاف مقومات التطور والاستمرار لهذه الحركات. وهي الظاهرة التي يمكن تفسيرها بمفهوم " خطوة إلى الوراء وخطوتان إلى الأمام ".
فالحركة الديمقراطية الآشورية، كحركة قومية لم تلد بقرار سياسي صرف أو كانت نتاج بحوث أكاديمية أو قرارات رجال السياسة والقانون والمعرفة، وإنما ولدت ولادة طبيعية ومن مخاض ومعاناة الأمة ومن رحمها الشرعي. لذلك فهي تمتلك كل مقومات الكائنات الحية التي تنعكس مفاهيمها الفلسفية في الظواهر والكائنات الاجتماعية والسياسية.
فإذا كان هذا الإقرار الواضح والصريح بحيوية الحركة الديمقراطية الآشورية وبامتلاكها للمقومات الأساسية في كونها حركة عضوية وحية في تفاعلها مع معاناة وطموحات الشعب، فهي أذن حركة طبيعية لها مقومات التطور الواجب توفرها فيها مثل كل الكائنات الحية والعضوية، كالتقدم ثم التعثر وبالتالي الوصول إلى محصلة التطور أو الموت والفناء.
أي بعبارة أخرى إن المفهوم الفلسفي للتطور القائم على "خطوة إلى الوراء وخطوتان إلى الأمام" ينطبق على الحركة الديمقراطية الآشورية عندما نريد الكشف عن المسار السياسي لها ومعرفة مدى تطورها في تحقيق أهدافها ومنهاجها وبالتالي تحقيق طموحات الأمة.
من هذا المنطلق يعد من السذاجة الفكرية والضعف السياسي عندما ينظر إلى مسيرة زوعا السياسية من خلال تعثر وتراجع في خطوة معينة وتقييم تطورها من خلالها ومن دون النظر إلى الخطوات الإيجابية الناجزة. والعكس صحيح أيضا، فلا يجوز النظر إلى مسيرتها من خلال خطواتها الإيجابية فحســب وتجاهل خطوة التعثر والتراجع، بل أن استمرارها وديمومة تواصل نضالها يقوم بالأساس على دفع الخطوات الإيجابية دفعاً أمامياً مع النظر العميق والتفحص الدقيق والنقد النافذ للخطوات السلبية والمعوقات التي واجهتها في مسيرتها هذه واستخلاص الدروس والعبر منها واعتمادها في تصحيح مسار المستقبل.
وهذا المنطلق هو الأساس أو المصدر الذي ينبع منه الفكر السياسي الواقعي النير للحركة وتتسلح به في مواجهة التحديات التي تواجه الأمة وتتحصن به أيضا من المفاجئات والاحتمالات غير المتوقعة .
وعلى هذا الأساس، لا يمكن إطلاقا فصل السلبيات عن الإيجابيات في مسيرة كل حركة قومية سياسية، كالحركة الديمقراطية الآشورية.
فحتى نفهم معايير تطور مسيرة هذه الحركة لابد من اعتماد المحصلة النهائية لهذا التطور الناتج من تفاعل مجمل عوامل التقدم والتعثر في مسيرتها المتواصلة. أي بعبارة أخرى يجب النظر إلى تطور مسيرتها من خلال الكل وليس الجزء أو من خلال العام وليس الخاص. والعكس من هذا صحيح أيضاً، أي النظر إلى الخاص دون العام هي نظرة أو فكرة انتقائية وانتهازية مريضة تسعى في مرماها الأخير إلى نقل مرضها وانتهازيتها إلى أبناء هذه الأمة وبالتالي إلى طعنهم في الصميم وتحجيمهم في الخاص الضيق والمظلم دون العام المنفتح، وبأسلوب سادي يقوم على خنق كل محاولة أو نشاط وهو في مهده الأول الذي حتماً ستواجهه خطوات سلبية تزداد بزيادة التناقضات المحيطة بها من جهة وبتواصل استمرار مسيرتها من جهة أخرى.
ومن هو الخاص الضيق والمظلم بالنسبة للحركات السياسية القومية الآشورية غير النزعات العشائرية والطائفية والأنانية والتوجهات الشللية والنفعية السائدة في الزوايا العفنة من مجتمعنا والتي لا يستقيم بها المقام إلا في محاربة الفكر القومي المستقل والأصيل ومنظماته وحركاته الشرعية.
 وانطلاقاً من هذا المفهوم، فان الحركة الديمقراطية الآشورية لا تدعي ولا ترغب إطلاقا الادعاء بأن مسيرتها القومية الطويلة والصعبة تقوم على خطوات في جميعها خطوات ناجحة وعظيمة، فهذه المثالية الخيالية في عالم السياسة والبعيدة المنال لا وجود لها في أفكار ومنهاج الحركة لأنها لا تعتد بالنظريات المثالية والرومانسية في النضال القومي ولا تسلك السلوك الافلاطوني القائم على "الكلام البيزنطي" في عملها السياسي بل تعتمد على الممارسة السياسية والتطبيق السياسي للأفكار (Political Praxis) على ارض الواقع في مسيرتها المأطرة بوعي قومي ناضج نابع من ضمير الأمة، تلك الأرض المليئة بتناقضات ومعوقات متوارثة ومستديمة وتجاوزها ليس بالأمر السهل والهين.
وممارسة زوعا للسياسة الواقعية لا يعني إلا اشتقاق أساس تطورها من مبدأ الخطأ والصواب المسترشد بوعي قومي قادر على مواصلة مسيرتها النضالية وفاعلة في عملية البناء السياسي للفكر القومي السليم المنير لطريق المناضلين نحو تحقيق أهداف الأمة المشروعة.
ومن يلتصق ضميرياً بهذه الحركة وبغيرها من الحركات السياسية الأصيلة في مجتمعنا ويتعمق في فكرها ووجودها سوف يكتشف هذه الحقيقة وبسهولة ومن دون أن يكون مرتبط بها تنظيمياً، ذلك لأن من هو ضميره مرتبط بالداخل وحراً في الخارج يكون قادراً على اكتشاف الحقائق أكثر بكثير من مًن هو في الداخل أو في الخارج فقط.
والحركة الديمقراطية الآشورية تدرك هذه الحقيقية إدراكاً كبيراً ولهذا السبب نرى الكثير من المثقفين والمفكرين ورجال العلم والمعرفة يرتبطون ضميرياً وفكرياً بها ولكن ليسوا أعضاء ولا طلبت الحركة منهم الانضمام إليها، لأنها تعرف بأن هؤلاء يخدمون الأمة أكثر من خدمتهم وهم في داخل زوعا،  وهذا شعور ينم عن نكران الذات وعن تفضيل مصلحة الأمة على مصلحة الحزب. 
من المؤسف الشديد أن يسود في جوانب معينة من المجتمع الآشوري، ولأسباب موضوعية وفكرية ونفسية، نوع من عدم النضوج الفكري تجاه المسائل السياسية الجادة وتجاه الحركات القومية لمجتمعنا التي تخوض غمار حرب المواجهة مع التحديات المصيرية. هذا العجز الفكري أفرز، ولا يزال يفرز،  نوع من حالات الغموض والارتباك في فهم الفلسفة السياسية لمسيرة الأحزاب السياسية والحركات القومية، بما فيها مسيرة الحركة الديمقراطية الآشورية المتصاعدة.
وبالبعض من هذه الحالات لا تخلو من سذاجة فكرية نابعة من أسباب طبيعية ونفسية راكنة في الزوايا المظلمة لنفسيات بعض أفراد المجتمع في بناء تصوراتها وسلوكها السلبي تجاه كل الأحزاب السياسية الآشورية والمسائل القومية بشكل عام والتي فسرناها بـ " عقدة الخوف من السياسة ".
في كتابنا الذي صدر في السنوات القليلة الماضية. كما أن البعض الآخر من هذه الحالات ليست طبيعية بل هي مقصود ولأسباب دنيئــة قد تكون قائمة على أسس عشائرية أو طائفية أو مصلحية أو تحزبية أو شخصية صرفه تجد في تصاعد وتقدم مسيرة زوعا تهديدا خطيراً لوجودها وتوجهاتها والتي هي بالأساس ليست معادية لهذه الحركة أو ذاك الحزب فحسب بل هي معادية لكل ما هو إيجابي وخير لهذه الأمة.

ولعل من أكثر الحالات إساءة أو غموضاً للفهم هي ظاهرة احتكار القيادة العليا من قبل شخص أو شخصين أو في أحسن الأحوال عدد قليل جداً من الأفراد، وبقاءهم فيها، أو كما يسمونها، إعادة انتخابهم أو اختيارهم لفترات طويلة ومن دون إعطاء الفرصة لغيرهم. شخصياً أكره هذه الظاهرة كثيراً وانتقدها بشدة لأنها هي بالضد تماماً من المفاهيم الديمقراطية التي ننادي بها ليل نهار، خاصة نحن الذين نصبنا خيامنا في المهجر.
فهذه الظاهرة تصلح كمثال في الحديث عن مسار تطور الحركة السياسية الآشورية. لقد انتقدنا زوعا وانتقدها غيرنا لا بل تهجموا عليها ووصفوا يونادم كنا وغيره بالدكتاتورية وحب السيطرة والظهور، وإلى غير ذلك من الوصفات والشتائم، لا بل شخصياً وصفت هذه الحالة وكأنها تقليداً لسياسة العرب في الحكم بعقلية شرق أوسطية في الاستمرار في كراسي الحكم لمدى الحياة وهي الحالة التي وصفها معمر القذافي رئيس ليبيا في تفسيره لمفهوم الديمقراطية (Demo- cracy  - ديمو كراسي)  بـ الاستمرار في الكراسي. وهي ظاهرة لا شك فيها إطلاقاً بأنها تحمل جوانب سلبية خطيرة تؤثر كثيراً على مسار التنظيمات السياسية وتفقد مصداقيتها وشعبيها بين الجمهور.
ولكن هذه الظاهرة السلبية التي تعتبر نوع من التراجع في المسيرة القومية السياسية والاستمرار بها هي خطوة إلى الوراء، يجب أن لا ينظر إليها كحالة خاصة فقط ، كما سبق ذكره،  من دون أخذها ضمن الظروف العامة، خاصة الإمكانيات السياسية للآشوريين، وضمن الخطوات الإيجابية الأخرى التي تتفاعل معها وتحاول التقليل من سلبياتها من أجل دفع المسيرة نحو الأمام.
فمن الخطأ الكبيرة جداً أن نلعن ونشتم كل ما له علاقة بزوعا أو بغيرها ونقاطعهم نهائياً ونلغي بكلمات غير محترمة كل الإنجازات الكبيرة التي حققوها لأمتنا بمجرد أن هذا الشخص أو ذاك بقى في القيادة لسنوات عديدة أو أنه صرح بكلمة أو أتخذ موقفاً معيناً لا يرضى البعض. أقول هذا ليس دفاعاً عن هذه التنظيمات والشخصيات وإنما تحليلاً علمياً لهذه الظاهرة ليس من خلال مقارنة هذه التنظيمات السياسية بغيرها من الأحزاب السياسية في المهجر وحتى مع الأحزاب الأخرى في الوطن من حيث الإمكانيات الفكرية والسياسية والمالية والتنظيمية.
فنحن، كما يعرف الجميع، حديثي العهد في التنظيم السياسي لا نملك أخصائيين أو مستشارين أو كوادر متفرغة بالتمام والكمال لشؤون التنظيم، فالمطلع لحال هذه التنظيمات سوف يرى بأن كل نشاطها وفكرها وتمويلها وتنظيمها يقع على عاتق هؤلاء الذين في قمة القيادة. لنسأل هذه القيادة ونبحث معهم، كم مستشار أو خبير سياسي أو قانوني أو مالي يحيط بيونادم أو بغيره من قيادي الأحزاب في مجتمعنا ويعملون معهم ليل نهار من أجل خدمة التنظيم.
أعتقد الجواب معروف ولا يستوجبه إلا أن نقول بأن كل ما يتلقونه من استشارة أو مساعدة لا تأتي إلا من الذين هم حولهم، وحال هؤلاء لا يختلف عنهم، حيث يسرقون من وقت عملهم وعائلتهم وراحتهم ليخصصوها لتنظيمهم، أو قد تأتي بعض الشذرات من أشخاص قد تتوفر لديهم في بعض الأحيان سويعات قليلة لنقاش موضوع معهم، كما هو الحال معي. إذن لماذا نلوم هؤلاء بينما خيرة المثقفين والمتعلمين على المستويات العليا لا يقتربون من هذه التنظيمات ولا يساعدونهم في مهمتهم القومية ولكن في عين الوقت يتهجمون عليهم وينعتونهم بأشنع النعوت.
فالمسؤولون على تنظيمات مجتمعنا، مهما ادعوا وتظاهروا بسعة المعرفة وإدراك الأمور ومعرفة خفاياها، إلا أنهم لا يمكن أن يكون دائماً هكذا وفي كل المجالات والأوقات ولا يمكن أن يكون خبراء وعلماء في عالم السياسة والاقتصاد والدبلوماسية والتفاوض وغيرها من حقول المعرفة التي تتطلبها ممارسة السياسة. فبدون المساعدة من غير أعضاء تنظيمهم قبل أعضاء تنظيمهم لا يمكن أن يكون الحال أحس مما هو عليه الآن.
لنأخذ الحركة الديمقراطية الآشورية كمثال، ليس لأنها تحتفل في هذه الأيام بذكراها الرسمي لتأسيسها فحسب وإنما باعتبارها قد تأسست في الوطن وتنشط هناك وفي ظروف سياسية صعبة للغاية، ذلك لأن الجميع يعرف بأن الاشتغال بالسياسة ليس بالأمر الهين والسهل في بلدان كبلد وطننا الأم فهو كاللعب بالنار الحارق محفوف بالمخاطر والتضحيات والتحديات التي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى زهق الأرواح والاغتيالات أو إقلال للراحة وإثارة الخوف والرعب أو التورط في مشاكل خطيرة هي بعيدة تقريباً عن الذين يشتغلون في السياسة في المهجر الديمقراطي الذي تعتبر السياسة بالنسبة للبعض، خاصة الآشوريين منهم، نوع من قضاء الوقت أو التسويق الدعائي الشخصي وربما نوع من "الونسة" أو أسلوب للعبة التنافسللتنافس مع غيرهم وتحديهم في هذا المجال.
لقد سبق وذكرنا بأن زوعا تأسست طبيعياً من مخاض الأمة ومعاناتها ولم تؤسس بقرار من خبراء في السياسة وعلم الاجتماع أو الاقتصاد ولا من رجالات الحكم والبرلمانات وإنما تأسست من مجموعة شباب وطلبة وهم في مقتبل حياتهم السياسية لا يعرفون من فنون السياسة وألاعيبها غير حبهم الشديد والمتفاني لأمتهم الآشورية، فكيف والحال معهم عندما يلتحقون بركب الكفاح المسلح ويتحالفون مع أحزاب وحركات لهم باع طويل وخبرات متمرسة في السياسة والنضال، كالحزب الشيوعي العراقي وأحزاب الحركة الكردية والأحزاب الإسلامية المتطرفة والمعتدلة والتنظيمات التركمانية وحتى الزيدية والفيلية والشبكية. أليس من المنطق والمعقول أن تعرف مع من تتعامل؟
وأليس من المفروض أن تكون ملمة بأفكارهم وسياساتهم وأهدافهم؟ ، وإلا كيف تتعاون أو تتنافس معهم من أجل تحقيق أهدافها القومية. هنا الضرورة تفرض نفسها لنؤكد للقارئ الكريم بأن السياسة هي تعاون وتنافس مع الطرف الآخر وبأشكال مختلفة وليس من الضروري أن يكون أراء وأهداف وأساليب العمل السياسي للطرفين متطابقة أو متشابه، بل المهم هو أن يكون كل طرف مدرك ومطلع ومتفهم للطرف الآخر حتى يستطيع التعامل معه تعاونياً أو تنافسياً.
وكلما زاد حدة الاختلافات والتناقضات بين الطرفين وبالتالي زادت حدة التنافس على حساب التعاون ووصلت العلاقة إلى حالة الصراع، كلما يتطلب ذلك خبرات وإمكانيات أكثر، وسعة كبيرة في المدارك والوعي. وكلنا نعرف مدى التناقض التاريخي والصراع الدامي الذي كان يحكم علاقة أمتنا بهذه الشعوب ومدى صعوبة التعامل معهم في هذا اليوم، خاصة عندما يحضر التاريخ أمام أعيننا.
من هذا المنطلق نقول بأن حدة التناقضات العميقة التي تحيط بأمتنا في وطن الأم، وخاصة في مسألة التعامل السياسي، يتطلب ذلك تسلح في المعرفة والخبرة وتوفير الإمكانيات المطلوبة لخوض العملية السياسية(تعاون/تنافس).
إذن من أين تأتي زوعا بهذه المستلزمات ونحن نعرف جميعاً بأنه ليس لها مصادر مالية ثابتة ومستمرة، فلا دولة تمولها أو تساندها سياسيا، كما هو الحال بالنسبة لتركمان مع تركيا، كما ليس لها معاهد وأكاديميات تخرج خبراء وكوادر في السياسة، هذا إلى جانب الفقر السياسي والفكري الذي يسود تقريباً معظم نواحي مجتمعنا، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الغير والمختلف، فأبناء أمتنا، بحكم تجربتهم المريرة والدامية في التعامل مع الغريب والمختلف، فأنهم بطبيعتهم يخافون منه ولا يريدون التعامل معه، خاصة الغريب الذي يرتبط بالماضي الأليم وبمذابح ارتكبت بحقهم من قبلهم، مثل الأكراد والترك والفرس والعرب وحتى غيرهم من المسلمين.
هذه الشحة أو الفقر في مصادر توفير كوادر سياسية وملمين بشؤونها وبشؤون الغير تجعل أن يكون هناك قلة قليلة متواجدة وعلى الدوام في قمة الهرم التنظيمي للأحزاب. ولكن إلى متى نبقى على هذه الحالة، هل ننتظر إلى ذلك اليوم الذي نؤسس فيه مدارس حزبية وأكاديميات قومية تخرج أكفاء يخدمون تنظيمات حركتنا القومية؟؟. طبعاً الجواب هو بالنفي. لأنه إذا انتظرنا فغيرنا، المنافس والمعادي، لا ينتظر في هضم حقوقنا وسلبها ونحن في سبات الانتظار.
إذن فالحل الأمثل يكون في الممارسة الفعلية الحقيقية للسياسة نفسها وعلى أرض الواقع لا في سماء الخيال، فالممارسة السياسية الواقعية هي أكثر فاعلية من المعاهد الأكاديمية ومدارس الكوادر الحزبية، فهي وحدها، في هذه المرحلة والظروف الراهنة، التي تستطيع أن تخلق لنا كواد سياسية وحزبية قادرة على ركوب موجة التطور السياسي التعاوني والتنافسي وعلى تفهم الغير والاختلاط به وانتزاع الحقوق منه إذا تعدى عليها أو سلبها.
أتذكر بهذا الخصوص الطيب الذكر المناضل فرنسو فرنسوا الحريري، رحمه الله، عند اللقاء به في لندن قبل بضعة سنوات واستغربت جداً من كلمات الإطراء والمدح والتقييم التي قالها بحق الحركة الديمقراطية الآشورية،  فقال لي "عندما اشتركت زوعا في الكفاح المسلح والتحقت بالفصائل الأخرى للجبهة الكردستانية، كانت تتكون من مجموعة شباب لا يحملون شيئاً من الخبرة والمعرفة بشؤون السياسة وخفاياها غير الوعي القومي الآشوري النابض من ضميرهم ويطغي عليه نوع من العاطفة والحماس أكثر من المنطق والواقعية، ولكن اليوم وبعد سنين من الخبرات والتجارب القاسية والتعامل الصعب مع مختلف الاتجاهات والتناقضات السياسية والفكرية في المنطقة أصبحوا اليوم فعلا وحقيقة كوادر سياسية متمرسة، فالممارسة السياسية خلقت منهم أن يكون خبراء في شؤون المنطقة وفي التعامل مع القوى المتحكمة فيها" ثم أشار إلى نشاط وفاعلية ممثلو زوعا في برلمان الإقليم وكيف أصبحوا بعد هذه السنين الطويلة من أنشط أعضاء البرلمان واستطاعوا في كثير من الأحيان تحقيق إنجازات مهمة للآشوريين عن طريق الحصول على قرارات أو تشريع قوانين تخص حقوق أمتنا، كما استطاعوا إفشال مشاريع لقرارات وقوانين مضرة بمصلحة الأمة.
هذه الشهادة من شخص من خارج زوعا وكانت له مواقف وأفكار قد تكون مختلفة تماماً عنها، هو تأكيد موضوعي وحقيقي للدور الكبير الذي لعبته زوعا من خلال ممارستها السياسية الواقعية في خلق كوادر بالمستوى السياسي وبكل معنى العلمي لهذه الكلمة.
هكذا نؤكد مرة أخرى بأنه من خلال الممارسة السياسية الحقيقية الحاوية على الخطوات الإيجابية والسلبية نتوصل في نهاية المطاف إلى نتائج مفيدة ومثمرة. فإذا كانت ظاهرة تربع نفر قليل من الشخصيات على قمة القيادة في زوعا حالة سلبية في الوقت الحاضرة ومبررة بالفقر السياسي والفكري في الأمة بشكل عام وعدم قدرتهم على خلق كوادر وقيادات كافية للتناوب على القيادة فإن التاريخ القريب للعقد الماضي وما خاضته زوعا من تجارب سياسية وتحديات مصيرية خلقت بعض الكوادر التي استطاعت أن تفي بالمطلوب في الوقت الحاضر، ولكن المستقبل القريب سيشهد تخرج دفعات ودفعات من الكوادر السياسية المتمرسة القادرة على تحدي الصعاب وانتزاع الحق من بين أسنان الضباع، وهذا ما لمسته شخصياً في كل زيارة أقوم بها إلى أرض الوطن، فالشاب اليافع الخجول الذي كان قبل بضعة سنوات مجرد عضو بسيط في الحركة ولكن نقي وطاهر بوعي قومي صادق، فاليوم، وبدون أكاديميات أو معاهد حزبية أو علمية، أصبح قيادي بارع قادر على تعامل مع الغير، مدرك لحقوق أمته كما يدرك أهداف وأساليب الطرف الآخر سواء أكان هذا قائماً على أساس التعاون أم التنافس.
ويجب أن لا نستعجل كثيراً في قضايا الأمة التي يتطلب تحقيق أهدافها سنوات طويلة جداً، فغداً سيكون مليئاً بأكثر من كادر سياسي آشوري سياسي يتنافس مع غيره على قيادة هذه الحركة أو ذاك الحزب تنافساً ديمقراطياً حقيقياً.
ولكن، بالرغم من بعد هذا المطمح من الناحية الزمنية إلا إنني أراه يتحقق اليوم لأن مسيرة زوعا قائمة على الطريق الصحيح في النضال القومي، من هذا المنطلق ومن دون انتظار سنوات طويلة، أبعث للحركة الديمقراطية الآشورية ولقيادتها وكافة أعضاءها ومناصريها لا بل ولكل شرفاء أبناء امتنا، أصدق التهاني بهذه المناسبة وأن أباركهم بكل وجداني على صواب الطريق الذي يسيرون عليه رغم الصعاب والتحديات التي يواجهونها، فأنا واثق بأن بنشاطهم المثمر سوف يجعل إرادة الأمة بخير وبصون، لأن إيماني قوي جداً بأن الأمة التي لا يوجد فيها أحزاب سياسية ومنظمات قومية قوية ونشطة ستكون إرادتها مرهونة بإرادة الأمم الأخرى. [/b][/size][/font]   

342
الأول من نيسان
بين الافتراء والحقيقة التاريخية
أبرم شبيرا – لندن

لا يخفى على الكثير من الناس المقالب والافتراءات التي تمارس في الأول من شهر نيسان (أبريل) من كل عام ولكن قلة قليلة تعرف الحقيقة التاريخية لهذا اليوم الذي كان في الزمان الغابر حدثاً مهماً وبداية للسنة التقويمية قبل تبني التقويمات الحديثة السائدة في يومنا هذا.
تذكر المراجع الغربية بأن مصدر هذا الحدث والافتراءات التي تمارس في هذا اليوم لا يزال غامضاً ولكن معظمها تؤكد بأن البداية كانت في أوربا وتحديداً في فرنسا حيث كان الناس يحتفلون لمدة ثمانية أيام من 25 آذار (مارس) حتى الأول من نيسان وعلى نفس الطريقة التي يحتفل بها اليوم في أعياد رأس السنة الميلادية من حفلات وسهرات حتى ساعات متأخرة من الليل.
ولكن في عام 1562، وعندما تبنى بابا الفاتيكان (غريغوري) التقويم الميلادي الجديد والمعروف باسمه (التقويم الغريغوري) وفرضه على العالم المسيحي أصبحت بداية السنة تقع في الأول من كانون الثاني (يناير). ولما كانت وسائل الاتصالات والنقل بطيئة في ذلك الزمان فأن الكثير من الناس لم يسمعوا بهذا التغيير كما وأن بعض المتزمتين لم يقبلوا التغيير إطلاقاً وأصروا على الالتزام بالأول من نيسان فضلوا متمسكين به كبداية للسنة الجديدة يمارسون احتفالاتهم المعهودة، فأطلق عليهم من قبل المحدثين بالمغفلين، أو كما هو معروف بالإنكليزية بـ (أبريل فول - April Fools) ثم بدأ المحدثون يدبرون المقالب والافتراءات على المتزمتين.
هكذا استمرت هذه الممارسات إلى يومنا هذا وانتقلت إلى البلدان الأخرى ومنها بلدان الشرق الأوسط والتي تعرف بـ (كذبة نيسان). ومن الملاحظ بأن جميع هذه المراجع الغربية تغفل الإشارة إلى جذور أو منشأ رأس السنة القديمة التي ذكروها، إضافة إلى ذلك فأن الأوربيين كانوا يحتفلون برأس السنة الميلادية ولكن بالتقويم اليوليالي الذي يقل عن التقويم الغريغوري بـ (13) يوماً والذي تم تبنيه بعد منتصف القرن الخامس عشر الميلادي كما ذكرنا أعلاه.
هذا التناقض في هذه المراجع الغربية يحمل نوعاً من الإهمال أو التهرب من البحث في المنشأ التاريخي الأصلي لعيد الأول من نيسان كرأس السنة الجديدة وهو ما نحاول استبيانه في السطور القادمة.   
هذا من ناحية الافتراءات والمقالب، أما الحقيقة التاريخية للأول من نيسان فهي متجذرة في أعماق تاريخ حضارات الشرق الأوسط وتحديداً حضارة بلاد مابين النهرين، عراق حالياً، وبشكل يعكس عظمة هذه الحضارات والممارسات الدينية والعلمية والإنسانية التي كانت تمارس في حينها.
كان الأول من نيسان عيداً دينياً وقوميا لشعوب بلاد مابين النهرين يشكل بداية لسنة تقويمية جديدة. وكغيره من الأعياد التي ترتبط بمراحل تطور الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والدينية، كذلك كان الحال مع عيد الأول من نيسان.
ولكن قبل الولوج في تفاصيل هذا العيد علينا أن نذكر وباقتضاب بأن شعوب بلاد مابين النهرين عرفت نوعين من الأعياد وهي السابقة لاكتشاف الزراعة واللاحقة لها. فالأولى كانت مرتبطة بظواهر طبيعية طارئة غير منتظمة أو بجوانب اجتماعية أخرى كالانتصار في الغزو وجني الغنائم أو تنصيب زعيم أو بناء معبد.
غير أن بعد اكتشاف الزراعة وتطورها وتدجين الحيوانات بدأ الإنسان يترقب المناسبات المتعلقة بمواسم الدورة الزراعية كالبذر والحصاد وجني الغلة حيث شرع الإنسان يحتفل بالأعياد الموسمية الموقوتة والمنتظمة كإقامة الأفراح والابتهاج بنجاح الموسم الزراعي أو وفرة الأمطار. من هنا ارتبطت هذه الأعياد الموسمية المنتظمة بفصول معينة من السنة التي تعتدل الأجواء فيها كالربيع والخريف أي في مواسم الحرث والبذر أو السقي أو نمو العشب ومن ثم جني الغلة أو بتكاثر الحيوانات المدجنة.
أما من الناحية الثيولوجية (الدينية) فإن الأول من نيسان كبداية للسنة التقويمية الجديدة أرتبط بجملة معتقدات وأساطير سادت في حضارات بلاد مابين النهرين خاصة السومرية والبابلية والآشورية.
وحسب المدونات والرقم الطينية المكتشفة في مكتبة الملك الآشوري آشور بانيبال (883 – 859 ق.م.) في نينوى ( حالياً مدينة الموصل في شمال العراق) كانت بداية السنة الجديدة رمزاً لبداية خلق الأرض والسماوات وإنبعاث الحياة على الكون والتي جاء ذكرها بشكل ملحمي في أسطورتين معروفتين في الأدب البابلي – الآشوري القديم عن الخليقة والتي أستمد اليهود منهما قصة الخليقة وغيرها من القصص، كالطوفان مثلاً، وأدرجت في التوراة أو في التقليد اليهودي بعد عودتهم من السبأ البابلي في الربع الأخير من القرن السادس قبل الميلاد.
وردت تفاصيل قصة الخليقة في سبعة ألواح اكتشفتها البعثة البريطانية أثناء التنقيب في بقايا مدينة نينوى عاصمة الآشوريين وتم فك رموزها وترجمتها في العام 1876 والتي يربطها بعض الآثاريين بالأيام السبعة لقصة الخليقة الواردة في سفر التكوين من التوراة. ثم جاءت حفريات البعثة الألمانية في بداية القرن العشرين في مدينة آشور (حاليا شرقاط) لتضيف أضواء أخرى على ملحمة الخليقة ووفق التصور الآشوري والذي يورد الآلة آشور كزعيم للآلهة محلة الآلة مردوخ (آلة البابليين) ويتداخل معه ليصبح مركز العبادة الرئيسية عند الآشوريين.
لقد حقق العديد من الآثاريين والمؤرخين في هذه الأساطير فكتب عنها الكثير من البحوث والمؤلفات، وبإيجاز، فالأسطورة الأولى تتضمن قيام الآلة مردوخ (عند البابليين) أو آشور (عند الآشوريين) بخلق السماوات والأرض ومن ثم خلق الإنسان ضمن صراع ملحمي بطولي مع مجموعة من الآلهات الشريرات. أما الأسطورة الثانية فتقوم على أساس انبعاث الآلة تموز وقيامه من عالم الأموات بعد أن حكم عليه الشياطين والأشرار بالموت فيعود إلى الحياة في موسم اعتدال الجو ونمو العشب وتكاثر الزرع وتناسل الخرفان كرمز لبدء الخليقة على الكون في نيسان أو (ني سانو).   
ومن الناحية العلمية والتاريخية يرى بعض الباحثون بأن بداية التقويم القديم في الأول من نيسان كان بالأساس كبداية للمدنية أو للحضارة في بلاد مابين النهرين، فالمعتقدات التي كانت سائدة في سومر وبابل وآشور هي بأن الحضارة هبة من الآلة إلى الإنسان وأن الملك – الآلة (مثل مردوخ وآشور) كان قد نقل أو أنزل من السماء إلى الأرض وإكراماً له أقيمت المدن والحضارات والمعابد. فكان يعرف عيد الأول من نيسان عند السومريين بـ (أكيتي) ومعناه (بناء الحياة على الأرض) مشيراً إلى تسليم الحياة من الآلة إلى الإنسان وهو العيد المعروف عند البابليين  بـ (أكيتو).
ففي الخمسينات من القرن التاسع عشر تمكن الآثاريون من التوصل إلى استنتاج مفاده بأن معبد مدينة آشور كان قد شيد بحدود عام 4750 ق.م. ثم اعتمد هذا التاريخ كبداية للمدنية والحضارة وتم على ضوءه حساب سنوات التقويم الآشوري القديم والذي ستكتمل سنة 6755 في 1/4/ 2005 (ميلادية) وتبدأ سنة 6756 الآشورية.
لقد ورث الآشوريون عن أجدادهم البابليين علم الفلك والتنجيم واستطاعوا بدقة مراقبة النجوم والأجرام السماوية وتدوين تواريخ الظواهر الطبيعية كالكسوف والخسوف وتنظيم الدورات الزراعية، كما عرفوا تقسيم السنة إلى أشهر والأشهر إلى أيام والأيام إلى ساعات وهكذا... والتي تعد اليوم أساساً مهماً لعلم الفلك ومعرفة الأجرام والكواكب، كما أصبحت القاعدة العلمية التي أقيم عليها تقسيم الزمن إلى الوحدات الزمنية المعروفة بشكلها الحال، فكانت بداية تنظيم التقاويم السنوية ومعرفة شهور السنة وتسميتها بأسماء الآلهة أو أشباه الآلهة أمثال ني سانو (شهر نيسان) و تموز (شهر تموز) وآبو (شهر آب) وإنليل (شهر أيلول)... الخ والمعروفة حاليا بالأشهر السريانية، والتي قلدها الإغريق والرومان فيما بعد في تسمية شهور تقويمهم السنوي بأسماء آلهتهم وملوكهم وأباطرتهم.
فكان ذلك كله مساهمة كبيرة للفترات اللاحقة في تقسيم السنة بدقة متناهية بحيث استطاع الفلكي سيدناس البابلي المعروف عند الغرب بـ (Babylonian Cidenas) عام 375 ق.م. من قياس السنة الشمسية وضبطها بدقة بحيث لم تكن تختلف أكثر من 4 دقائق 23,56 ثانية عن قياس وضبط السنة الشمسية التي تم ضبطها عام 1887 والمعتمد عليها في عصرنا الحالي.
هذه المعرفة العلمية هي التي سهلت على الآشوريين تنظيم تقويمهم السنوي وضبط الأحداث وتاريخ الظواهر الطبيعية والتي دون الكثير منها وحفظت في مكتبة الملك آشور بانيبال، والتي تعد أول مكتبة مفهرسة في التاريخ، كما دونت أيضاً تفاصيل الاحتفالات التي كانت تجري في الأول من نيسان من كل عام.
وقد تم تفصيل هذه الاحتفالات والتعليق عليها وتفسير رموزها ومضامينها في العديد من الكتب والبحوث التي تناولت هذه الألواح، وإن كان البعض منها قد تأثر بعوامل التعرية الجوية والغزوات وأصيب أجزاء منها بالتلف إلا أن خبراء علم الآشوريات تمكنوا من إعادة تركيبها وبناء سياقها بشكل منسق مكنهم من قراءتها وترجمتها.
تدل هذه الألواح بأن الاحتفالات بعيد رأس السنة كانت تستمر لمدة أثني عشر يوماً، ربما بحسب عدد أشهر السنة الواحدة، وتتضمن ممارسة جملة شعائر وطقوس دينية وسحرية وذبح القرابين وتسيير المواكب الاحتفالية وكذلك إقامة بعض المسرحيات التي كانت ترمز إلى بداية الخليقة وميلاد الأرض والسماوات والإنسان. وتشير هذه الألواح أيضا إلى أن التنكر خلال الاحتفالات كانت عادة سائدة ولاسيما في يوم الأول من نيسان مثلما هو الحال في يومنا هذا في احتفالات رأس السنة الميلادية.
كان يشارك في هذه الاحتفالات الملك وحاشيته والكهنة ورئيسهم والممثلون والمهرجون والموسيقيون والسحرة وعامة الناس الذين كان يقتصر دورهم على المشاهدة فقط، كما كان يحضرها بعض ملوك وزعماء الدول الأخرى كضيوف شرف وكانت تقام الاحتفالات في أوقات السلم في ساحات كبيرة خارج المدن في حين كانت معرضة للتأجيل أو الإلغاء في أوقات الإضطرابات والحروب أو كانت تقتصر على احتفالات بسيطة رمزية تقام داخل معابد العاصمة وبقية المدن الكبيرة ولا يشارك فيها إلا الملك وكبار الكهنة كضرورة فرضها عليهم واجبهم الديني المطلوب أداءه مهما كانت الظروف. وهناك نصوص آشورية تؤكد إلغاء هذه الاحتفالات خارج المدة لمدة تزيد عن عشر سنوات بسبب الحروب والاضطرابات. 
 تفاصيل هذه الاحتفالات التي كانت تجري خلال ألاثني عشر يوماً طويلة ومسهبة فهناك أيام في هذا العيد مخصص للزواج المقدس وإظهار أهمية الخصب وتشجيع التكاثر والإنجاب وأخرى مخصصة لمعرفة الغيب والطالع وتحديد آجال البشر التي عينتها الآلهة للسنة الجديدة، وهي العادة نفسها التي انتقلت وتواصلت حتى يومنا هذا حيث يمارس الكثير من الناس في ليلة رأس السنة الميلادية ألعاب الحظ والبخت، ويتجاوز التطرف عن البعض إلى المقامرة أو السهر حتى فجر اليوم الأول من العام الجديد ضمن احتفالات خاصة بهذه المناسبة وكأساس لتمني استمرار الفرحة والبهجة في العام الجديد.
كما هناك أيام مخصصة لتقديم القرابين وتقديس المعبد بتلطيخ جدرانه بدماء الذبيحة والطواف حوله وغيرها من الممارسات الطقسية والتقليدية. إلا أن الذي يهم موضوعنا بخصوص الافتراءات والمقالب هو اليوم السابع الذي كان الملك يتنازل عن سلطانه ويعم الفوضى والاضطراب بين الناس فيعلن عن هجرة الآلة للناس فيتسلم الغوغائيين والشحاذين مقدرات البلاد لحين يتم إدراك عامة الناس أهمية سلطة الملك والنظام السياسي ثم في اليوم الثامن يعلن عن عودة الآلة مرة أخرى واسترجاع الملك لعرشه وفرض الاستقرار والنظام في البلاد مرة أخرى. هذه الممارسة جعلت بعض المؤرخين يعزون ظاهرة كذبة نيسان وتدبير المقالب إليها، ولكن مثل هذا الاستنتاج يتنافى مع الحقائق التاريخية التي تؤكد بأن كذبة نيسان ظهرت بعد ظهور المسيحية وبالتحديد بعد تبني التقويم الميلادي اليوليالي ثم الغريغوري ومن ثم البدء باحتفالات عيد رأس السنة الميلادية.
فعندما تبنت الإمبراطورية البيزنطينية الديانة المسيحية كدين رسمي للدولة في منتصف القرن الميلادي الرابع وفي عهد الإمبراطور قسطنطين الأكبر تسربت عن طريقها الكثير من العادات والتقاليد والاحتفالات الإغريقية والرومانية إلى الشعوب المسيحية في المشرق وبمرور الزمن ظهر التناقض عند الملتزمين بالمناسبتين في أعرافهم وتقاليدهم ووجباتهم المرفوضة في ما يخص ممارسة الطقوس الدينية وتقديم القرابين والهدايا وتوزيع الحلوى وغير ذلك.
وجرياً على عادة تقديم الهدايا في عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة لإضفاء المسرة والبهجة في نفوس الناس، أخذ الكثير منه في تقديم هدايا زائفة وصناديق أو علب هدايا فارغة ووهمية للذين ظلوا ملتزمين بطقوس واحتفالات الأول من نيسان وذلك سخرية منهم ونكاية بهم وبعيد رأس سنتهم الزائلة.
من هنا يعتقد بأن ممارسة الكذب والمقالب والافتراءات في الأول من نيسان ظاهرة لم يمارسها شعوب بلاد مابين النهرين سواء قبل المسيحية أو بعدها بل مارسها شعوب أخرى، كالإغريق والرومان ثم انتقلت إلى الشعوب الأوربية ومنها إلى الشرق والتي كانت بالأساس نوعاً من الغيرة والحرب الثقافية والنفسية التي مارسها الإغريق والرومان تجاه حضارة شعوب بلاد مابين النهرين وتجاه طقوسه وأعياده التي كانت قد انتشرت وسادت بين الناس في جميع بلدان المشرق القديم.
ومهما كانت شراسة هذه الحرب النفسية والثقافية فأنها لم تستطيع أن تقضي بالتمام والكمال على هذا العيد العريق. فإذا كانت الجوانب الدينية لهذا الاحتفال قد اختفت تقريباً إلا أن المظاهر الاقتصادية التي كانت ترمز إلى قدوم الربيع وتكاثر الحيوانات أصبحت عرفاً اقتصاديا ومالياً حتى للشعوب الأخرى في تنظيم أمور الدولة الاقتصادية والمالية واعتبار الأول من نيسان بداية السنة المالية الجديدة التي لازالت سائدة في الكثير من بلدان العالم.
والآشوريون، وهم أقلية أثنية مسيحية في العراق وبعض البلدان المجارة له هاجر أكثر من نصف عددهم إلى البلدان الغربية وخاصة الولايات المتحدة، كانوا ولا يزالوا إلى وقت قريب يمارسون هذا العيد كعيد قومي وتراثي لهم.
حيث كانوا في قراهم في شمال العراق يشرعون منذ الفجر الباكر بقلع قبضة من العشب الأخضر ووضعها في أعلى مدخل البيت للدلالة على قدوم الربيع وبداية السنة الجديدة حسب تقويمهم القديم ثم كانت تبدأ الاحتفالات والأفراح في القرية حتى المساء حيث تذبح الذبائح وتقام الولائم وتوزع الحلوى ويمرح الأطفال والصبية في المروج وفي تسلق الأشجار العالية.
واليوم، فرضت ظروف العصر وبيئة المدينة وأجواء الغربة بصمات واضحة على طبيعة ونوعية الاحتفالات عند الآشوريين بهذه المناسبة. فاحتفالات اليوم لا تتعدى المهرجانات الثقافية والفنية وبعض الحفلات الشعبية والمسيرات الجماهيرية والخطابية وكانت الحكومة الإقليمية في شمال العراق قد أعلنت في عام 1992 الأول من نيسان عيداً قومياً للآشوريين وعطلة رسمية لهم.
أما في بلدان المهجر، وخاصة في المدن الأمريكية الكبرى كشيكاغو وديتروت وسان هوزيه وغيرها من مدن تجمع الآشوريين في أستراليا والسويد وألمانيا حيث تقام إلى جانب الاحتفالات مواكب تاريخية زاهية يشارك فيها الآلاف منهم كما يشارك فيها بعض الجهات الرسمية والمنظمات غير الرسمية وكان قرار الحكومة الإقليمية في ولاية إلينوي في الولايات المتحدة الأمريكية في تسمية أحد شوارع مدينة شيكاغو الذي تسير فيه هذه المواكب باسم شارع سركون الثاني، وهو الملك الذي حكم في نينوى للفترة من 722 – 705 ق.م.، تأكيداً على أهمية الأول من نيسان كظاهرة تراثية إنسانية وإعجاباً بالتزام الآشوريين بعيدهم القومي ولقرون طويلة.
واليوم في الأول من نيسان يحتفل الآشوريون برأس سنتهم 6756 الجديدة بينما ينشغل الناس والشركات والمؤسسات التجارية بتنظيم حساباتهم وإغلاقها في هذا اليوم. [/b] [/size]  [/font]   

صفحات: [1]