عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - رحيم سكماني

صفحات: [1]
1
المنبر الحر / السلطان والحصان
« في: 18:37 23/03/2013  »
السلطان والحصان

رحيم سكماني
يحكى في قديم الزمان أن السلطان عبد الحميد كان في اجتماع مع أعضاء حكومته وأعوانه. وفي احدى مراحل المناقشة، إحتدم الجدل بين السلطان والأعوان وعلا صراخ القوم، فسقط السلطان عن كرسيه إلى الأرض مغشياً عليه.
وللحال استدعى طبيبه الخاص فحضر مسرعاً ومعه بعض الروائح والماء البارد. وقام بمعالجة السلطان حتى أستفاق من إغمائه وعاد إلى مجلسه سالماً معافى. فهنأئه الحاضرون على سلامته بعباراتهم التقليديىة (سلامات - سلامات) ياحضرة السلطان. وقبل أن يهم الطبيب بالإنصراف سأله السلطان وقال: (باش دكتور) ما سبب ظهور هذه الإغماء؟ وكلمة باش بالتركية تعني كبير أو رئيس كقولهم باش مهندس وتعني رئيس المهندسين وباش جاويش وتعني رئيس العرفاء ... إلخ
فنظر الطبيب إلى السلطان نظرة فاحصة ومسك رسخ يده اليسرى لحساب دقات قلبه وبعد صمت قصير قال: أكثر الظن يا حضرة السلطان أنك مصاب بتصلب شرايين القلب. فقال السلطان: وهل هذه الحالة خطيرة يا دكتور؟ فأجاب الطبيب: جميع الحالات المرضية تكون خطيرة إن لم نستدركها ونعالجها لإيقاف خطورتها وأستفحالها. فقال السلطان: كيف نستدركها وكيف نعالجها؟ أجاب الطبيب: تمتنع عن تناول المشروبات الروحية وعن المأكوت الدهنية الدسمة وأن تبتعد عن فراش النساء، ومن شائع القول أن الملوك والسلاطين وحتى بعض الخلفاء في قديم الأيام، كانوا يميلون إلى مجالس الطرب ويفرطون في الشراب والطعام ومصاحبة السرائر ومعاشرة النساء. وبعد صمت قصير قال السلطان: إذا عملت بهذه الوصايا كلها كم سنة تظن بأنني أعيش يا دكتور؟ فأجاب الطبيب: بالنسبة لسنين عمرك الآن قد تعيش 10-12 سنة والأعمار بيد الله، فأجابة السلطان وقال: إذا مارست كل هذه الأمور ولم ألتزم بوصاياك فكم سنة تظن بانني سأعيش؟ فأجاب الطبيب: 5-6 سنين والأعمار بيد الله يا حضرة السلطان. فأبتسم السلطان وقال: باش دكتور، أني أشكر لك رعايتك ونصائحك لي جزيل الشكر، ولكن إسمح لي أن أقولها بصراحة بأنني أفضل العيش 5-6 سنوات مثل الحصان ولا أعيش 10-12 سنة مثل البغل. فضحك الجميع وأبتسم الطبيب وأطرق إلى الأرض وهو يردد مع نفسه ويقول، ليست عظمة الرجال باموالهم ورتبهم ومناصبهم التي ورثوها أو حازوا عليها، بل بقدرة الأنسان على التحكم بنفسه وتوجيه أمواله وقدراته ورغباته للخير والصلاح. وبهذا المعنى قال  الشاعر الهندي الكبير رابندرات طاغور في دعائه:
يارب إذا أعطيتي مالاً فأحفظني من شره
وإذا أعطيتني قوة فأمنحني نوراً ساطعاً لفعلي
لقد قيل قديماً أن المال هو أصل كل الشرور، وإن القوة التي لا يضبطها العقل والحكمة تصبح قوة غاشة ومدمرة


2
للذكرى والتاريخ
وذكّر عسى أن تنفع الذكرى
الدينار العراقي وحشرة السون

في عقد الأربعينيات من القرن الماضي ونيران الحرب العالمية الثانية تحرق الأخضر واليابس في معظم اقطار العالم. حينها كنت لا أزال في مرحة دراستي الإبتدائية في بلدة ألقوش الجميلة شمال محافظة نينوى. كان العالم كله يعاني من ويلات تلك الحرب الضروس وانعكاساتها السلبية على الحالة المعيشية وشحة المواد الغذائية وأرتفاع أسعارها، حتى في بلدنا العراق رغم بعده عن محاور القتال الدائرة في البلدان الغربية آنذاك.
 وأتذكر في إحدى تلك السنين أن مزارع الحنطة والشعير كانت في أوج نموها وأرتفاعها حتى بلغت في بعض مستوياتها قبل موسم حصادها قامة رجل معتدل الطول، وأكتشف بعض الفلاحين حشرات كثيفة تشبه الذبابة الصغيرة بلون رمادي تتجمع على سنابل الحنطة فقط وليس على الشعير وغيرها، وتنتقل تلك الحشرات في حقول الحنطة من سنبلة إلى أخرى. وشخّصَ الفلاحين من كبار السن تلك الحشرة لخبرتهم المتراكمة في المجال الزراعي وتسمى (حشرة السون) وبالآرامية (السنن)، وإنها تلتصق بسنابل الحنطة حصراً وتغرس خرطومها الرفيع في حبّات القمح الطرية لتمتص رحيقها الحلو وتركها قشرة فارغة لا تنفع بشيء حتى كعلف للحيوان لما تخلفه فيها تلك الحشرة من رائحة كريهة.
 ولعدم وجود وسائل لمكافحة الآفات الزراعية في ذلك الزمان، فقد إستمرت تلك الحشرة تفتك بحقول الحنطة في تلك البلدة، فأتلفت المزارع وشرّدت المزارعين وأفقرت حتى الأغنياء وأصحاب المزارع الكبيرة إلى أن فيّض الله تلك المنطقة البائسة شتاءً قاسياً تساقطت فيه الأمطار والثلوج بكثافة وغزارة كبيرة، ففسدت بيوض تلك الحشرة وأنقطع نسلها وعاد الفلاحين إلى زراعة أراضيهم تدريجياً فأنتعشت زراعتهم وعادوا إلى أعمالهم وكانت الحرب العالمية الثانية قد وضعت أوزارها في صيف 1945.
وما ذكرني بهذه القصة المأساوية ما آل إليه الدينار العراقي من حالة متدنية بعد أن إلتصقت عليه حشرة الحرب العراقية الإيرانية الملعونة منذ 33 سنة، وأحالته إلى مجرد قشرة وورقة لا قيمة لها ولا وزن بالقياسات العالمية النقدية.
والفرق بين سنابل الحنطة والدينار العراقي، إن حشرة السون التي ضربت حقول الحنطة وأمتصت رحيقها لعدة سنين، إنقرضت بإرادة ربانية من خلال التقلبات الجوية، اما حشرة الحرب العراقية الإيرانية وما بعدها من حصار إقتصادي وصولاً إلى الحالة الكزرية في عراق اليوم والتي ضربت الدينار العراقي والتصقت به، فالكارثة الإقتصادية لا زالت تمتص قوته ورحيقه برغم التبدلات التي طرأت على أسعار النفط العالمية التي وصل فيها برميل النفط إلى مبلغ 100 دولار عالمياً.
وبرغم مئات المليارات من الدولارات التي تدخل خزينة العراق سنوياً كونه من أوائل الدول النفطية في العالم، فلا يزال الدينار العراقي مثل تلك القشرة الفارغة وورقة نقدية لا وزن لها ولا قيمة عالمياً، ولا زال سعر صرفه إلى ساعة نشر هذا المقال يساوي 1200 دينار لكل دولار أميركي واحد! بينما كان سعر صرف الدينار العراقي حتى السنين الأولى من الحرب العراقية الإيرانية مساوياً لقيمة الجنيه الأسترليني وكان سعره بالنسبة للدولار الأميركي يساوي (3.03$). أليس هذا شيء عجيب وأمر غريب؟

صفحات: [1]