عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - قيس سعدي

صفحات: [1]
1
المنبر الحر / زهـو "المَصبوتا"
« في: 17:52 21/05/2023  »
زهـو "المَصبوتا"
د. قيس مغشغش السعدي

مبارك للصابئة المندائيين زهو صباغتهم.. مبارك لهم بياض ردائهم ونهر مائهم الذي يأتون إليه في كل مناسبة بلهفة متجددة. مبارك لهم محبتهم للحي القائمة في نفوسهم تمدهم إيمانا موصولا بسومر ويعبر بابل بالرافدين وكارون فيشهد على تلك الأصالة، وعلى محبة الله لهم ليظلوا شاهدين.
وما عافوا رغم أن الزمن جار.. وما باعوا رغم تشتتهم اليوم في الأمصار. جديدون تماما على بلاد الغربة فلم يعرفوا غير العراق وطن باق في نفوسهم أينما حلوا. وما أن لملموا ظروفهم حين صار الكثير منهم خارجه، حتى تحركت مجساتهم نحو الماء الحي.. نحو النهر والشريعة المناسبة لإقامة الرسم الأعز والطقس الأنقى والأطهر. يصطبغون بصبغة الله الحية الشفافة.. فتتطهر النفس والبدن ويثبت الدعاء والإيمان.
صاروا مثار إنبهار من يشاهدهم من أبناء البلدان ويسألون باستغراب، فيكون الجواب الأسرع للتعريف: هذه صباغة يوحنا المعمدان للسيد المسيح، فتقفز الصورة المحفوظة لهذا الطقس في أذهانهم ليصيح البعض كل بلغته:
Oh mon Dieu, Herregud, Oh mein Gott, O my God يا إلاهي،
والبعض تفيض دموعه مشاعر فرح وإنبهار ويبدأ بالكثير من السؤال والإستفسار.
أربع مناسبات في العام غير أيام الآحاد يتكرر نزول المندائيين الى الماء بالرداء الأبيض وبالنفس المهيئة التي تأتيه لتشهد: (أنني جئتك يا ماء بإرادتي مرتديا رداء النور ومكللا بإكليل الآس البهيج، أصطبغ وأنال الرسم الطاهر فيثبت عليّ ويقويني وتتقوم نفسي بصباغتي باسم الحي العظيم الذي يظل اسمه يحرسني). ويتباركون بعهد محبة وبمسحة زيت السمسم على الجبين بيد رجل الدين الصابغ وبالقراءات الإيمانية التي ظلت نفسها منذ آلاف السنين وكأن الزمن عندهم قد توقف، فلم يتغير الإيمان ولا الرسم الأول  الذي كان.
وحيث عايشت كل الصباغات في وطني، وحيث صرت اليوم خارجه، راقبت الصابئة المندائيين على إمتداد رقعة تشتتهم، تألمت لمآل التشتت كثيرا وما يضمر في قادم السنين، إلاّ أن ما جبر خاطري هو هذا الحرص القادم إلى النهر كلٌّ في بلد، بل كلٌّ في مدن ضمن البلد، فكفكفت دمعتي ومسحتها بمنظر الماء الصابغ لتنتقل عيني عبر الصور من البصرة ومنها إلى الأهواز في إيران ثم تعود إلى الناصرية وتمر بالعمارة فالديوانية وتتوقف طويلا في بغداد العزيزة وتصل إلى كركوك فأربيل، بعدها تمر بالأردن فألمانيا وهولندا والسويد شمالا وجنوبا وفرنسا والنرويج وتعبر المحيطات حتى أمريكا بولايات وكندا، وهناك بعيدا في أستراليا أيضا. وأحس أنني إصطبغت معهم جميعا لكني فضّلت الرافدين لأنهما الأصل الأطهر.
ياه أيها الماء الذي نحن صنوك، شكرا لأنك لا تغير خواصك ولا ترفض من ينزل إليك لينال الطهارة ثم يقف على ضفتيك متعبدا مؤمنا بالحي وليشهد له أنك علامة الحياة الإعجازية. نشكرك لأنك مازلت تجمعنا رغم تشتتنا، ونعاهدك أننا نبقى نردد النص نفسه في ختام صباغتنا: (أيها الماء الجاري الذي اصطبغنا فيه ستظل شاهدنا أننا لا ننفك عن رسمنا، ولا نبدل كلمتنا الطاهرة).



2
" الدين والسلم الإجتماعي: التحديات والآفاق"
مؤتمر أكاديمي دولي مشترك بين الجامعة الكاثولكية وجامعة كويا



أ. د. قيس مغشغش السعدي
ألمانيا
على مدى يومي الأربعاء والخميس 16- 17 شباط إنعقد في أربيل مؤتمر "الدين والسلم الإجتماعي" بإقامة مشتركة بين الجامعة الكاثوليكية في أربيل وجامعة كويا في مدينة كويسنجق. ظهرت إستعدادات الجامعتين من خلال التنظيم العالي الذي لمسناه كمدعوين منذ المفاتحة للمشاركة وتقديم الدراسات وحتى الإستقبال الحافل في الجامعتين. وفي كلمتيهما في الإفتتاح أكد كل من الأستاذ الدكتور ولي حماد رئيس جامعة كويا والأستاذ الدكتور رياض فرنسيس رئيس الجامعة الكاثوليكية على أهمية عقد هذا المؤتمر في موضوعة أساسية في حياة البشر عامة وحاجة العراق لها بعد كل الظروف الصعبة التي مر ويمر بها. فالدين للسلام، والسلام للناس من أجل عيش آمن للجميع بتآلف ومحبة وأخوة حقة، وأن يسعى الدين دائما لتقديم النماذج الإيجابية التي تتجاوز الكلام إلى فعل وسلوك ملموس. وعزز ذلك د. ديفيد تريمبل نائب رئيس المعهد التربوي للحريات الدينية في الولايات المتحدة الأمريكية في المبحث الذي قدمه والذي أكد فيه على أهمية التعليم لجعل الدين كفيلا بإشاعة السلام وحب الآخر. وأغنت جلسات اليوم الأول الصباحية والمسائية في مباحثها عن الحريات الدينية ودور الفرد والمؤسسات الدينية في ثقافة السلام وأهمية حرية المعتقد في السلم الإجتماعي وأهمية الحوار في التعايش السلمي.
وفي اليوم الثاني إنتقلت أعمال المؤتمر إلى مدينة كويسنجق حيث جامعتها جامعة كويا. وكان إستقبالا حافلا وترحابا رائعا كما في الجامعة الكاثوليكية عبّر عن محبة السلام وإشتراك الجميع فيه على تعدد أديانهم. الفرح الذي على الوجوه الجميلة للطالبات والطلاب كان يفيض بالمحبة، ودفء السلام من قبل أساتذة الجامعتين جعلنا وكأننا نعرفهم من قبل هذا اللقاء. كانت محاور جلسات هذا اليوم الصباحية والمسائية تعرض تعريفا وبيانا لعدد من الديانات القائمة في العراق ديانة الصابئة المندائية، والزرادشتية، والكاكائية، ودراسات مقارنة في الصلاة والتماسك المجتمعي وموضوعة التطرف الديني السياسي وترسيخ قيم التعايش ومواضيع أخرى.
تميز هذا المؤتمر بموضوعته الأساسية في تأكيد أهمية الدين لغرس السلام في النفوس وإشاعته بين الناس ليتحقق بذلك الإيمان بأن السلام هو هبة الخالق لحاجة المخلوق، وما لم يشبع الدين، ورعًا وتقوى، حاجة النفس لذلك، فإن حياة الفرد والمجتمع تكون مهددة بالخطر. وعلى هذا، فما من دين إلا ويحض على السلام في عقيدته وسلوك الرسل والمعلمين فيه، وهذا ما يجب أن يكون نهجه دائما، وأن لا ينشغل الدين عن ذلك ولا يشتغل بخلافه. وقلنا بأن ليس هنالك دين كبير وآخر صغير، فلكل دين معتقد وطقوس ومثولوجيا، إنما هنالك أتباع كثيرون لهذا الدين وأتباع قليلون في بلد معين، ولا يجب أن تعمل الكثرة على الإستحواذ على القلة وإضطهادها لأن ذلك مبعث ظلم، والله لا يحب الظالمين. وقلنا أن من خزائن العراق الكثيرة والكبيرة على أرضه وبين نهريه أن فيه أول الديانات التوحيدية، وهذا التعدد في أديانه على مر عصوره الذي يؤشر أن الدين ليس  أداة للغلبة ولا للفرقة. فالدين ليس دولة وهذا يعني أنه ليس سلطة، فإن تحوّل الدين إلى دولة سينسحب الإيمان لأنه لا يدخل القلوب بسلطة فـ "لا إكره في الدين". هكذا كان الدين بتعدده مصدر قوة في العراق لأنه مؤشر الحرية والتسامح والعيش المشترك الذي يتوحد بقيم المواطنة وأهلية الكفاءة وليس غير. وإشتراك الدين بهذه الروح يمكن أن يوجه السلطة إذا ما تجبرت أو إنحازت وليس العكس في أن تتوجه السلطة لخدمة دين أو مذهب بعينه في بلد يحتوي مثل هذا التنوع القيّم والمؤصل الذي يُشاد به نطريا عند دراسة الدين والدين المقارن، ولكنه وبكل أسف تم سحبه بإتجاهات غرضية وسياسية إلى الحد الذي شوه هذه الصورة وجُعل مصدر فرقة وتمايز، بل وإضطهاد وإقتتال. وما يحزننا أن يأتي آخرون إلى العراق ليحدثونا عن أهمية التعايش السلمي ودور الدين والتعددية الدينية في اللحمة الوطنية في وقت كان العراق نموذجا فعليا ومعلما في ذلك.
هذا ما أكد عليه الباحثون الأكاديميون الذين شاركوا في المؤتمر من الديانة الإسلامية شيعيا وسنيا ومن الديانة المسيحية والصابئة المندائية والإيزيدية والزرادشتية والكاكائية والبهائية أيضا. والحاضر المراقب للروح الذي ساد في المؤتمر ولقاءاته يملؤه الفرح وهو يلمس هذا الحوار البناء القائم على القبول دونما أي تمايز. فقد إتفق الجميع أن لا سلام ولا تعايش سليم ما لم يتم قبول الآخر قبولا صحيحا كاملا وباشتراك غير مبني على الغلبة، إنما على حقوق المواطنة الصحيحة والحرية الدينية دون أن يكون ذلك منّة أو منحة. وقوام هذا القبول هو معرفة الآخر معرفة صحيحة من قبل القائمين على الأديان أنفسهم مصدقين لما هم عليه، والعمل بجد لإشاعة هذه المعرفة بين الناس سلوكا وتربية. وهنا تم التركيز على:
1- التربية والتعليم في المدارس وحتى الجامعات ودورها في التعريف الصحيح بأديان العراق وأهمية قبول الآخر والتعايش السلمي والمحبة وكيفية أن يكون ذلك مصدر قوة وسلامة.
2- إعداد المناهج الدراسية بشكل صحيح ومتكافئ في منح مساحات كافية للتعريف والتعليم عن أديان العراق إن كان في كتب التربية الدينية أو التأريخ أو التربية الوطنية. وهذا يتطلب قرارا يلزم وزارت التربية والتعليم بمتابعة ذلك ومن خلال لجان يشترك فيها أكاديميون من الديانات ذاتها.
3- وضع كتب التعريف بأديان العراق ضمن مناهج إعداد المعلمين والمدرسين ليكونوا على معرفة صحيحة وكاملة بخصوص هذه الأديان لكي يحققوا النجاح المطلوب في التعريف بها لدى تلاميذهم وطلبتهم.
4- طباعة كتب مساعدة للتعريف بأديان العراق توضع في مكتبات المدارس والمعاهد والجامعات لكي تكون متاحة للطلبة من أجل مزيد التعرف عليها.
5- التأكيد على دور الإعلام بكل أنواعه وضرورة إشتراكه بشكل ممنهج للتعريف بهذه الأديان وبيان قيم التسامح الديني وأهميته في التعايش وتحقيق السلم المجتعي.
6- توجيه الإعلام المرئي من خلال إعداد برامج و نتاجات تلفزيونية تعرف بأديان العراق وطبيعة حياة وطقسيات كل دين ومشاركتهم إحتفالاتهم ومناسباتهم وتتحدث أيضا وبشكل موجه في بيان أهمية التعايش والقبول ضمن الحياة المجتمعية في العراق عامة.
7- إقامة نشاطات مشتركة يتم تمثيل تلاميذ وطلاب وأفراد من جميع الأديان لتعزيز روح التأخي.
8- تحديد يوم سنوي لإقامة شعائر وطقوس مشتركة من قبل جميع الأديان كأن يكون (الصلاة من أجل العراق) ويكون تظاهرة وإحتفالية إيمانية شاملة وموحدة.
أما الجوانب الأخرى التي تتعلق بسبل ضمان السلام بين المكونات الدينية والإثنية من حيث الحقوق والواجبات والتشريعات فقد تم التأكيد عليها من خلال ما أقرته الأمم المتحدة في إعلانها لحقوق المنتمين للأقليات الدينية والإثنية والتي تتلخص في المحافظة على الوجود، والمحافظة على الهوية، وتحقيق المساواة، ووضع اللوائح التي تكفل تحقيق ذلك والتي ستظهر في توصيات المؤتمر.
إن هذا المؤتمر، بروح إنعقاده السامية ومشاركاته التي شملت جميع من دعوا وقدموا إليه من ألمانيا وفرنسا وأمريكا والهند الذين شاركوا زملاءهم من محافظات إقليم كوردستان والكوفة وبغداد، هو بحق مؤشر عافية وإشتراك في المحبة العراقية، ودليلا على أن التنوع كان مصدر لهفة الجميع للتعرف على ما لدى الجميع، والأمل بأن تشيع هذه المحبة التي تجلب التوحد على مستوى المجتمع العراقي عامة فيكون الإسهام جادا وحقيقيا في إشاعة السلام، لأن السلام هو الطريق. فما أجمل أن يعمل الجميع على تحقيق طمأنة الله سبحانه ومساواته للجميع المؤمن بقوله: "لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون" (سورتي البقرة والمائدة) 
 

3
وَعـدُ الله للصّابئين
بماذا يُحتج غير القرآن في بلاد المسلمين؟ وإذا كان هو الحجة فلا يجب أن يُفسَّر حسب الأهواء، ولا يُفسِّر إلا ذو علم يقين. فالقرآن الكريم قد وعد الصابئين شأن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، إنْ هم جميعا آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحا (الآية 62 سورة البقرة، الآية 69 سورة المائدة). أليس في هذا ذكر بيّنٌ وصريح وبالإسم ودلالته وأتباعه؟
ولكن، أشد ما يعاني منه الصابئة المندائيون هذا التناول الساذج من قبل بعض المعممين والمغرضين  الذين يبيحون لأنفسهم الحكم فينعتونهم بأنهم (كفرة وعبدة نجوم وكواكب!) ولا نعرف كيف أنهم يبيحون لأنفسهم القفز على كلام الله ووعده في الآيتين وحصرا فيما يتعلق بالصابئين، حتى جعلوهم يضجون من هذه الإساءات التي ساهمت في مغادرة نسبة عالية منهم وطنهم العراق. فهل كان الله يخشى أو يستحي من أن يصفهم بما شاء لو كانوا كذلك؟
وما يؤسف له أن الصابئة المندائيين، وهم من سكان العراق الأصليين، تظل عيونهم ولهفتهم بل وحرمة دمائهم وأعراضهم وممتلكاتهم متعلقة بفتاوى المراجع بعد ما يزيد على 1400 عاما من نزول القرآن وذكرهم فيه ذكرا صريحا!
ويضيف هؤلاء المعممين الذين وضعوا العِمَّة للعـتمة، أن الصابئين لو دفعوا الخمس والزكاة وسوى ذلك  مما يحكمون به عليهم جاز النظر في أمرهم! وكأن أرواحهم ودماءهم التي سالت مع دماء العراقيين في الدفاع عن الوطن غير كافية! وكأن عرقهم وجهودهم في بناء الوطن شأن العراقيين ليس كافيا! وكأن تعليمهم وخدمتهم لمجتمعهم ومحبتهم الخالصة لوطنهم غير كافية! بل وكأن مفردات لغتهم التي مازالت لصق اللسان العراقي شاهد إثبات لعمق وجودهم فيه غير كافية!
أليس هذا دليل غباء في قراءة النص القرآني؟ أليس في هذا دليل نقص وحقد المتحدثين المغرضين؟ أليس في هذا علامات عدم الحرص على الوطن ومواطنيه؟ ألا يصطف هؤلاء مع الدواعش حينما إضطهدوا الإيزيديين والمسيحيين، ولو كان الصابئة المندائيون معهم لطالهم ما طال أخوانهم الآخرين.
ولا نتعرض هنا لتفسيرات الآيات القرآنية التي ذكر فيها الصابئون شأن بقية الأديان الكتابية فهذا يطول وقد كتبنا وكتب المنصفون فيه كثيرا، ولكننا نقول إن الله سبحانه هو من أقر لهم جميعا وعده الحق بشروط، كما أن الله سبحانه حينما يذكرهم جميعا في نص (الآية 17 سورة الحج) يقرر أنه هو وحده الذي "يفصل بينهم يوم القيامة"، ولم يفوض الله سبحانه الفصل في أمرهم لأي غيره ولا حتى لنبيه الكريم محمد (ص)، فكيف يأتي من يأتي ويبيح لنفسه ذلك وعلنا؟
ونقول: لو أن هذا المعمم الساذج أو ذاك المغرض المارق كان في عهد الخليفة العباسي الطائع لله عبد الله بن عبد الكريم أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، أتراه يتفوّه ويتهم الصابئين وهو يقرأ منشور الخليفة  الصادر بختمه والمحفوظ في دار مخطوطات جامعة لايدن بهولندا؟











((هذا كتاب منشور من عبد الله عبد الكريم لجماعة الصابئين .. أن أمير المؤمنين يأمر بصيانتكم وحراستكم والذّب عن حريمكم والحياطة من ورائكم ودفع الظلم والضيم عنكم وتوفيتكم ما يوجبه العهد والذمّة لكم وإنصافكم فيما يُجتبى من جواليكم وحِملكم فيها على عادل رسومكم والتخلية بينكم وبين مواريثكم الحشريّة وغيرها أصولها وفصولها وكثيرها وقليلها، وترك مداخلتكم فيها ومشاركتكم في شيء منها على الوجوه والأسباب كلها إذ كان أمير المؤمنين يرى فيها وفي مواريث المخالفين بأسرها رأي رسول الله عليه وآله السلام في الأثر الثابت عنه قوله إذ يقول: لا يتوارث أهل ملتين، وتمكينكم من حضور مصلياتكم ومساجدكم ومجامعكم ومشاهدكم لإقامة فرائض دينكم على ما جرت عاداتكم من غير منع لكم ولا إلحاق أذيّة ولا هضيمة بكم، فليعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين وأمره، وليعمل به جميع من عُرض هذا الكتاب عليه من ولاة الخراج والمعونة والأحكام والمواريث والحسبة وغيرها من الأعمال ومن خاصة المسلمين وعامتهم، وليحذروا من مخالفته والتجاوز له إن شاء الله.))

بل، وحتى زمننا المعاصر كان لبعض المسؤولين ما يلجم أفواه الباطلين في مثل هذا التطاول.
فإن لم تكفهم هذه الوضاعة في الإتهام فقد كفانا نحن الصابئة المندائيين ما شرحنا وما أوضحنا بالحجة والدليل وحسبما يرد من ذكر التوحيد والإيمان الحق في ديانتهم وكتبهم بأن الله المنزه إلاها واحدا أوحدا وهم له عابدون. ومع ذلك فنحن على إستعداد لمناظرة حقة ومباشرة وعلى الملأ في كل ذلك إن كنا نبلغ به المنتهى.
وما أبلغ ما موثق عن الإمام علي (رض) حين يقول:

النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التِّمْثَالِ أَكْفَاءُ -- أَبُــــوهُـــمُ  آدَمُ  وَالْأُمُّ  حَــــوَّاءُ
وقِيمةُ المرءِ مَا قَدْ كان يُحسنـُـهُ -- وَالجاهِلونَ لِأَهلِ العِلمِ أَعداءُ

أ. د. قيس مغشغش السعدي
ألمانيا   

4
معجم المفردات المندائية في العامية العراقية

أول إصدار عربي لباحث عراقي
استجابة لقرار الأمم المتحدة باعتماد 2019 عاما للغات الشعوب الأصيلة


لا جدال في أن اللغة تعد أهم إختراعات الإنسان عامة، بها تميز عن الحيوان، وبها سجل ووثق ونقل وتبادل المعرفة، وتفاهم وأثار الوجدان حبا، وتغزل وتغنى ومدح ورثى حد أن بكى وأبكى، بل أن توحيد الله يؤمن بأن كل شيء كان بكلمة الخالق حين قال: كن، فكان.
وتعددت لغات الإنسان التي وثقتها الجهات المعنية فوصل عددها إلى حوالي 7000 لغة. وصنفت هذه اللغات إلى لغات عالمية بحسب شيوعها إنتصارا أو قدرة في الإبتكار، وأخرى محلية محدودة، وثالثة خصوصية تحددت بأفرادها وصار بقاؤها مرتهنا ببقاء أتباعها الذين يتحدثون بها، وهذه هي المهددة بخطر الإنقراض.
ولأهمية اللغة عامة كونها إرثا إنسانيا متميزا، وأن وجودها دليل وجود إنساني، صار الإهتمام بها كبيرا، وتوجهت الكثير من المؤسسات والجامعات لدراسة وتوثيق هذه اللغات والمحافظة على تدوينها. وقامت منظمة اليونسكو بأدوار مهمة في هذا الخصوص وأنشأت أطلس اللغات المهددة بالإنقراض ليتم تدوين جميع اللغات فيه بحسب تصنيفات خاصة.
واليوم تأتي مبادرة كبيرة وقيّمة من منظمة الأمم المتحدة لإعتماد عام 2019 عاما دوليا للغات الشعوب الأصلية التي مكنتها قدراتها من إبتكار لغتها الخاصة في زمن، لكن العصر الراهن لم يمكنها من المحافظة عليها لأسباب عديدة تتعلق بالعولمة أو الإنحسار أو غلبة اللغات الأخرى. وتأتي هذه المبادرة، التي أوكلت مهمتها لمنظمة اليونسكو، من أجل التنبيه للحفاظ على لغات السكان الأصليين في بلدان وجودهم والعمل على رعايتها وتنشيطها. وفي ضوء هذه الدعوة فإن الأمم المتحدة أوصت الدول والمنظمات والجهات الأكاديمية بضرورة دعم السكان الأصليين في المحافظة على لغاتهم وتشجيع النشاطات التي من شأنها ديمومتها وتعليمها للنشء الجديد وتوثيق كل ما يتعلق بها وبتراثها.
وفي البلدان العربية هنالك عدد من لغات الشعوب الأصلية التي بعضها معرض لخطر الإنقراض. وما يؤسف له حقا أنه لم يتم التنبه لموضوعها والإهتمام بها على الرغم من الإهتمام الدولي المتزايد بهذا الموضوع.   
واللغة المندائية، وهي لغة الصابئة المندائيين في العراق، تعد من أكثر اللغات المعرّضة لخطر الإنقراض، ذلك أن المتحدثين فيها لا يتجاوز عددهم اليوم 100 فردا، كما أن تحدثها داخل الأسرة قد توقف منذ عشرات السنين. وما حافظ على بقائها أنها مازالت تستخدم في طقوسهم الدينية وتنسخ بها كتبهم الدينية. والإهتمام بها ليس من أجل المندائيين أنفسهم وحسب، بل لأنها لغة العراقيين الأوائل وبعض إرثهم، وقد ظلت تحفظ الصيغ القواعدية وأساليب بناء ولفظ وإشتقاقات الكلمات التي ما تزال ميزة العامية العراقية لحد اليوم وستبقى.
كان تسجيلها في أطلس اليونسكو للغات المهددة بالإنقراض عام 2006 بسعي شخصي منا، كما قمنا بالكثير من النشاطات مساهمة في الحفاظ عليها تمثلت بوضع أول كتاب تعليمي منهجي لها، ثم وضع قرص تعليمي للنطق والتلفظ، وإصدار قاموس مندائي عربي وبالعكس، وقاموس آخر مندائي إنكليزي وبالعكس، وعملنا على تصميم أكثر من حرف طباعي لغرض تسهيل عملية الطبع باستخدام الكومبيوتر، وكذلك إبراز الخط المندائي بأعمال فنية مشابهة لأعمال الخط العربي، وكتابة العديد من المقالات بخصوصها ومطالبة الجهات الدولية والعراقية للإهتمام بها. كما تابعت، مثل منقب الآثار، مئات المفردات التي مازالت شائعة في اللسان العراقي وثبـّتُ عائديتها للغة المندائية كفرع نقي من الآرامية الشرقية وعملت على إصدار كل ذلك بهذا الكتاب الموسوم "معجم المفردات المندائية في العامية العراقية".
فمن من العراقيين لا يقول "أكو، ماكو"؟ بل إن هاتين الكلمتين صارتا سمة اللهجة العراقية. والثابت قاموسيا أن مرجعيتهما من اللغة المندائية، لغة العراقيين القدماء التي ظل الصابئة المندائيون محافظين عليها وإلى اليوم. وهكذا حينما نقرأ ونعرف معاني ألفاظ مثل (جـا، أبو خريان، دللول..) ومئات المفردات التي تم تثبيت طريقة ورودها في العامية العراقية ومن ثم لفظها بالمندائية ومعناها العربي والإنكليزي وشرح عائديتها وكيفية ورودها أصلا في الإستخدام مع الأمثلة وبشكل أكاديمي. كما تمت الإشارة إلى الأمثال والأشعار والأغاني القديمة التي ورد فيها ذكر هذه المفردات تعزيزا وتشويقا.
يأتي هذا الكتاب، الذي تبنت إصداره مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية ودار الرافدين للطباعة والنشر، ليقدم عرضا للغات العراقيين والمندائية على وجه الخصوص وتأصيل حوالي 1250 مفردة، ليكون أول إصدار عربي عراقي متوافق مع قرار الأمم المتحدة ومستجيب لدعوتها أملا بأن يتحقق إهتمام وتجاوب من لدن الجهات المسؤولة.   

أ. د. قيس مغشغش السعدي

5
الأصل الآرامي لكلمة موسيقى

أ. د. قيس مغشغش السعدي
 
كلمة "موسيقى" من أشهر الكلمات التي تشترك جميع لغات العالم في إعتمادها لوصف فنون الصوت والسكون والنغمات التي تصدر عن المصدر. وفي البحث عن أصل هذه الكلمة ورد أن منشأها  إغريقي، جريا على أن العديد من المفردات العالمية الشائعة وخاصة الكلمات غير المعروفة المصدر التي تشترك لغات عديدة في إعتمادها يتم البحث عنها أولا في اللغة الإغريقية. وأمام كلمة "موسيقى" لا يوجد جذر أو إستخدام لهذه الكلمة بما يفيد المعنى أو ما يقاربه، بل شاع التصريح بأن هذا الإشتقاق من المصدر اليوناني إنما إنسحب من كلمة (ميوسا) بمعنى الملهمة. فالمثولوجيا الإغريقية اعتمدت تسعة (ميوسات) آلاهات ملهمات لكل أنواع الفنون والعلوم يتم التضرع لها طلبا للإلهام، ومنها (ميوسا) آلهة النغم والطرب.
وإعتماد الكلمة الإغريقية (ميوسا) تسمية للموسيقى يصطدم، برأينا، في حصر هذه التسمية على الموسيقى دون غيرها من الفنون والعلوم رغم أن كلا من هذه الفنون والعلوم هو (ميوسا) ومجموعها (ميوسات) أي آلهات لهذه الفنون والعلوم وملهمة لها.
واللغة العربية تستخدم كلمة موسيقى أيضا دون وجود تأصيل لها، بل يُرى أنها كلمة معرّبة ولا ينفع أي جذر لغوي لها في "وسق" مثلا حيث يرد هذا الفعل بمعنى الجمع والضم ومن ذاك قوله تعالى "والليل وما وَسَق" الإنشاق/17. ولا استخدام في العربية لفعل (مسق) لكي ينظر في الإشتقاق منه.
وقد وجدنا أنه يرد في اللغة المندائية الآرامية أصل لهذه الكلمة في جذر الفعل الذي هو أساس الإشتقاق. فالمعروف أن عائلة جميع اللغات السامية تعتمد الفعل أصل إشتقاق للكلمات. والكلمات التي لا جذر لها ينظر في أنها أما أن تكون دخيلة أو متشكلة من فعلين في الأصل. والفعل " زيق" في اللغة المندائية الآرامية يعني عصف، والإسم منه (زيقا) بمعنى: عاصفة، ريح، هواء شديد. والعامية العراقية تحتفظ باستخدام هذه الكلمة المسحوبة من لغة العراقيين القديمة في كلمة "زيك" بعد قلب القاف إلى كاف ثقيلة، والتي تعني العفط وهو الضرط بالشفتين. وما هذه العملية إلا ضغط الشفتين ودفع الهواء بشدة من خلالهما ليحدث الصوت. فالصوت الخارج هو الـ "زيك". والعاصفة هي الريح الشديدة التي تحدث صوتا مدويا حينما تمر على الأذن، وهي التي تحرك الأشجار والموجودات حينما تصدم بها فينتج عنها مختلف الأصوات، منها الدوي والكثير منها شجي. وقد فطن الإنسان القديم إلى هذه الأصوات وقرن بينها وبين الريح والعواصف (زيقا) التي تسببها أما بصوتها أو بإرتطامها بالأجسام المختلفة وخاصة الأشجار والقصب والبردي في بيئة بلاد ما بين النهرين. وهكذا نرى أن تسمية الريح والعاصفة (زيقا) زحفت على الصوت فصار هذا الصوت الصادر عن الأجسام التي ترتطم بها العواصف على إختلافه هو الـ(زيقا) أيضا.
ومعهود في عائلة اللغات السامية إضافة حرف الميم قبل الفعل ليصبح اسم آلة كما في (برد: مِبرد، كتب: مَكتب، غزل: مِغزل..) وبإضافة حرف الميم أمام كلمة (زيقا) تصبح الكلمة اسم آلة (مزيقا). وكلمة (مزيقا) بلفظها هي المعتمدة في العامية العراقية وخاصة في الجنوب العراقي كتعبير عن الأصوات المنغمة. ومعروف أن الناي من أقدم الأدوات الموسيقية التي ابتكرها الإنسان وتوصل إليها من خلال مشاهدته لما تحدثه الريح في القصب المعروف في بيئته منذ البداية. هكذا عمد إنسان ما بين النهرين إلى النفخ في  قصبة بسيطة مجوفة تقليدا لعملية نفخ الريح في القصب وما يخرج منها من أصوات ونغمات، فحصل على مبتغاه في أصوات ونغمات جميلة، طورها فصارت أشيع الآلات الموسيقية.
وقد إقترنت كلمة موسيقى في اللغة العربية بكلمة معزوفة وتجمع على معزوفات ، فيقال لمن يضرب  بالآلات أنه يعزف الموسيقى والعازف هو الموسيقي أو اللاعب بالأدوات الموسيقية، وتجمع على عازفون وعازفات، وفعل الكلمة (عزف). أما في اللغة الإنكليزية وسواها فالفعل المستخدم هو "يلعب موسيقى". وفعل عزف يرد في اللغة العربية بمعنيين أحدهما الترك والإنصراف عن الشيء والزهد فيه، والآخر الصوت والدوي. ومما يرد في لسان العرب: وقد عَزَفَتِ الجنُّ تَعْزِفُ بالكسر عَزيفاً. وسحابٌ عزَّافٌ: يُسْمَعُ منه عَزيفُ الرعد، وهو دويُّه. والمَعازفُ: الملاهي. والعَازفُ: اللاعبُ بها والمُغَنِّي. وقد عَزَفَ عَزْفاً. وأيضا العزف ضرب من الطنابير، والمعازف هي المِلاعبُ التي يُضْرب بها، يقولون للواحد منها عَزْف، وعَزْفُ الدُّفِّ: صوتُه. وعَزْفُ الرِّياح: أَصواتها. وكان صوت الرياح في البادية يسمع ليلا كالطبل فقيل عنه توهما أنه عزف الجن!
فالعزف إذاً قد إقترن بالريح وما يصدر عنها وهو إرتباط بكلمة (زيقا) التي ترد آراميا بمعنى العاصفة والعصف هو الصوت الصادر عنها ويلاحظ التقارب بين كلمة عصف وعزف. هكذا نرى أن كلمة موسيقى العالمية هي من أصل لغة بلاد ما بين النهرين في آراميتها التي مازالت محفوظة بالمندائية والكلدانية والسريانية والآشورية وليست من أصل إغريقي، بل ربما أن الإغريق أخذوها ضمن ما أخذوا عن بلاد ما بين النهرين بعد أن قدم الإسكندر المقدوني.

6
طقوس الصابئة المندائيين: رموز ومعاني
(كتاب جديد يوزع مجانا)
قيس مغشغش السعدي

عن دار درابشا المندائية صدر في ألمانيا كتاب طقوس الصابئة المندائيين: رموز ومعاني لمؤلفة الأستاذ الدكتور قيس مغشغش السعدي. الكتاب باللغة العريىة ويأتي لمزيد التعريف بديانة الصابئة المندائيين وطقوسها، هذه الديانة التي تـُدرس أكاديميا على أنها أحد منابع أديان الشرق، وقد تميزت بأول معتقد توحيدي يظهر بشكل نصوص عديدة في كتبهم المقدسة، كما تميزت بطقوس دينية تعتمد أغلبها الماء الجاري مادة لإجرائها، ووسيلة لتطهير النفس والبدن من الأخطاء والخطايا. عرفوا في بلاد ما بين النهرين بهذه الطقوس العلانية التي تجرى على ضفاف الأنهار، ونقلوها معهم حين أصبحت غالبية منهم تعيش اليوم في بلدان المهجر. وهم بذلك يحفظون أشكال عبادة أصيلة تذكـّر بالتقديس السومري والبابلي للماء هبة الحياة من عالم النور على الأرض، ومادة تطهير النفس/ الروح (نشمثا: نسمه) التي هي بضعة من الحي الخالق غرست في الجسد الفاني للإنسان. وهكذا يكون إيمانهم بأن الماء الجاري والنفس هما سمة الحياة والشيئان الوحيدان السماويان المقدسان على الأرض.
الكتاب حظي بإقرار رئاسة طائفة الصابئة المندائيين والمراجع الدينية لإشتماله على المعرفة الصحيحة، ويقع بـ 252 صفحة من القياس المتوسط 17/ 24 سنتيمترا موزعة على ثمانية فصول.
 ورغبة بالتعريف بهذه الديانة وعراقتها فقد إقر المؤلف والناشر توزيع الكتاب مجانا لمن يطلبه الذي يتحمل أجور البريد فقط.

يشتمل الكتاب على ثمانية فصول ومزود بأكثر من مئة صورة فتوغرافية وتوضيحية مقترنة بالطقوس الدينية.
الفصل الأول: معنى الدين ومكوناته، ويتضمن:
تعريف الدين. الدين والمجتمع. مكونات الدين: المعتقد ، الطقوس ، الأساطير، وملاقاة ذلك مع ديانة الصابئة المندائيين.
الفصل الثاني: متطلبات الطقوس في الديانة المندائية، ويتضمن:
أسس المعتقد المندائي. الطقوس الدينية المندائية. متطلبات الطقوس وإدواتها: رجل الدين، النصوص الدينية، المساعد، الماء الجاري، بيت العبادة، القبلة، الراية، الإسم الديني، اللباس الديني، إكليل الآس. أدوات طقسية أخرى. المندلثا. نباتات وثمار ذات قيمة قدسية. رمزيات الأعداد والأشكال في الطقوس المندائية. أهم الأسماء والمصطلحات المندائية.
الفصل الثالث: المناسبات الدينية وإجراءاتها الطقسية، ويتضمن:
الرسم/ الوضوء (رشاما). المباركة (براخا). التقويم والمناسبات الدينية. الأعياد والمناسبات: العيد الكبير، العيد الصغير، عيد الديمومة، عيد شوشيان، مناسبة أبو الفل، مناسبة أبو الهريس. الأيام المبطلة. المحرمات في الديانة المندائية. نواهي الديانة المندائية. أخلاقيات ووصايا الديانة المندائية وقيمها التربوية. الماء الحي. تكريس بيت العبادة. الصدقات. الأضاحي والنذور. النحر.
الفصل الرابع: الصباغة/ التعميد (مصبوثا) ويتضمن:
معنى الصباغة. فلسفة الصباغة. قيمة الصباغة. محددات الصباغة. المناسبات التي تجري فيها الصباغة. يوم الأحد وقدسيته. خطوات وإجراءات الصباغة.
الفصل الخامس: رجل الدين المندائي، ويتضمن:
أهمية رجل الدين. الإنتساب للسلك الديني. مراحل إعداد رجل الدين. الدرجات الدينية.تكريس رجل الدين. خطوات وإجراءات التكريس: مرحلة الأندرونا، مرحلة الشخنتا، مرحلة الطهارة والعزلة. الإرتقاء. حياة رجل الدين. زواج رجل الدين. ترقيات رجل الدين ودرجاتها. وفاة رجل الدين.
الفصل السادس: الزواج، ويتضمن:
الرجل والمرأة ودور كل منهما بحسب التعاليم. أهمية الزواج والوصايا بخصوصه. شروط الزواج. الفحص للرجل والمرأة. متطلبات إجراء طقوس الزواج. إجراءات ومراسيم عقد الزواج. رعاية الأبناء. الفراق والطلاق.
الفصل السابع: الوفاة وإجراءات الدفن، ويتضمن:
معنى الموت بحسب العقيدة المندائية. الحياة الآخرة. إجراءات الدفن. النفس ومسيرة العروج بعد الموت. المطهرات. الإستقرار النهائي للنفس. الوصايا بخصوص الموت. القبور لدى الصابئة المندائيين.نقل الرفاة. طعام الغفران. الإرتقاء والعروج.
الفصل الثامن: ممارسة الطقوس الدينية اليوم، ويتضمن:
الصابئة المندائيون اليوم. المعرفة الدينية والطقسية. دور العبادة (المندي) الموجودة اليوم. ممارسة الطقوس في الوطن الأم. ممارسة الطقوس في بلدان المهجر. الصعوبات والتحديات والإصرار. الصابئة المندائيون بين الوطن الأم والمهجر.

للحصول على نسخة مجانية من الكتاب يرجى مخاطبة المؤلف: drabsha@yahoo.com
 



7
لميعة عباس عمارة واستحقاق الدكتوراه الفخرية
أ. د. قيس مغشغش السعدي
لميعة، سليلة مملكة ميسان العراقية.. ماؤها السيح، ورستتها" رداؤها" الأبيض. هي امتداد الحضارة ترنيمة وشعرا في بلاد ما بين النهرين. حملت العمارة لقبا تتباهى به فتباهت بها العمارة أيضا. بغدادية الولادة يمتد جذرها لبغديدة، وتتصافح مع أبي إسحق الصابي، وتعاصر عبد الجبار عبد الله. عراقية الجمال حد الرواية أن عينيها كانتا وراء أنشودة المطر لزميلها الشاعر الكبير السياب، ورؤية الجواهري فيها أنها ليست شاعرة وحسب، بل هي باقة ورد في بيت الشعر أيضا. نشرت الشعر وهي "حْديثة" فتاة الرابعة عشرة فقال عنها شاعر المهجر إيليا أبو ماضي " إن كان في العراق مثل هؤلاء الأطفال، فعى أية نهضة مقبل العراق!" وحين نكتب في " الكزكل" ،على سعته، كلمة لميعة يكون اسم لميعة عباس عمارة أول الأسماء. تجاوزت الخامسة والثامنين ومازالت تنبض بالحياة والعطاء، تحضَر الدواوين وتطبع الدواوين.
هي ابنة الفنان الأديب الصائغ المبدع عباس عمارة، صاحب قلم النقش الألمع الذي ربما كان في لمعته سببا لأن يسمي ابنته لميعة، أو أنه تنبأ لها اللمعان فكان. حمل من العراق فن الصياغة إلى مصر فأبهر خان الخليلي حرفة، وكان وراء معرفة عباس العقاد بالصابئة المندائيين ليذكرهم في كتابه" ابراهيم أبو النبياء" بمعلومات صحيحة، وهو صديق شاعر المهجر إيليا أبو ماضي، والمكرم من الرئيس الأمريكي روزفلت في معارضه الفضية التي أبهرت الغرب، معلم ابنته وصديقها.
لميعة، الأكاديمية المتخرجة في دار المعلمين العالية ببغداد، المدرسة والشاعرة والممثلة للعراق في المنظمات الدولية.. جمالها وفتنتها انعكس فتنة وارهافا وسحرا في شعرها.. حنينة حانية. فيها معنى طين العراق الحرّي وشموخ نخل العراق الواقف منذ الأزل، وثمره الكنطار والبرحي. طافت البلدان العربية بكل الترحاب، انشدت، بل غردت للحب والأمل وللمعرفة.. انشدت للعراق، للعمارة، ولبغداد الصوبين كرخا ورصافة. كـُرمت بوسام أرز لبنان، وثناء ياسر عرفات في فلسطين، وبوسام الآس من أهلها الصابئة المندائيين. نالت الجوائز العديدة، ورغم أنها قدمت نفسها جائزة للعراق، لكنها ماتزال تنتظر جائزة العراق.
وإذ استقرت لميعة في المهجر منذ سنين في ساندياغو بكالفورنيا أمريكا التي هي ليست أحق بها من العراق، لكن ذاك كان العيش ليبقى الوطن مصدرا للحنين. ويظل العراق في قلبها والضمير.. تسكنه ويسكنها.. تشتاقه ويشتاقها.. تكتبه ويكتبها... ويبقى دمعة تسيل على خدها ومخدتها حين، بعد سهد، تأوي للسرير.
تباركتُ بمعايدتها مهاتفة في عيدنا المبارك الكبير ورأس السنة المندائية قبل يومين.. تمدحني وهي الممتلئة مديحا، وتشد في همتي وخدمتي، ووجدتها الهميمة بهذا العمر، الذي أدعو الحي العظيم أن يطيله صحة وعافية، تحكي إنشغالها بالكدس المتجمع مما كتبت والذي تحرص على أن يرى النور، فتجدّ بمتابعة الطباعة والتصويب والتصحيح.
فكرت أن أخاطب أهلها الصابئة المندائيون في كيف نكّرم اللميعة، ثم عدلت لمخاطبة العراق والعراقيين في تكريمها فهم أهلها وشعبها، وهم أرضها وسماؤها، هم ماؤها وهواؤها، مسقط رأسها ونبوغها، تاريخها، وطنها الذي يعيش فيها أينما كانت. وكلنا صار يعرف ويشيد بمكانة لميعة عباس عمارة في نفوس العراقيين والعرب، كونها علامة بارزة في الشعر العربي المعاصر، وهي دليل شاعرية المرأة العراقية ومؤشرها في الثقافة العربية. لنا في عراقيتها فخر متفق عليه في جميع لغات العراقيين المندائية/ الآرامية، والعربية، والكردية، والتركمانية. لنا في عطائها مثال المثابرة، لنا فيها كلها نخلة باسقة شماء لم تحنها السنين. ورغم أنها تعيش في كاليفورنيا بلد نخيل أمريكا، لكنها تظل النخلة العراقية المتميزة بين نخيل كل العالم.
ومعذرة في أني لا أكتب عنها إشادة وحضورا ونتاجا، فذلك يتطلب الكثير، لكني، وهي والله لا تدري، أكتب إستحقاقا لأقول: ألا تستحق نخلة العراق أن تكرّم من العراق؟ وأول التكريم شعرا وثقافة من وزارة الثقافة العراقية. وثاني التكريم وأكثره إستحقاقا أكاديميتها، فهي تعد من الرعيل الأول لدار المعلمين العالية، والرعيل الأول والرائد في الشعر العراقي والعربي المعاصر ومثال النبوغ والبروز منذ بداية خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم. إنها علامة من علامات التميز لجامعة بغداد في أول مراحل تأسيسها بل وقبل ذلك بقليل. ونرى، وندعو معنا من يرى أنها الجديرة بأن تمنح شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعتها الأم جامعة بغداد فتكرم وهي في سني عمرها المديد، ويكون لجامعة بغداد في ذلك سبق قيم وتميز في قيمة المُكرمين. إنها مناشدة موجهة لجامعة بغداد أولا، ونطلب إسنادها من جامعة ميسان كون لميعة ابنة ميسان أيضا وجذورها ضاربة في هذا الجزء من العراق العزيز وتأريخه الأصيل، وهي مناشدة تتطلب دعم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في إشارة النباهة والتنبيه المعهودة من السيد الوزير علي الأديب.
بمثل هذا التكريم سيكون للميعة عباس عمارة شهادة وستكون لجامعتها شهادة، وكل يشهد بشهادته.
                        drabsha@yahoo.com


8
لمناسبة عيد الخليقة (16-20 آذار)
رمزيات التعميد في الماء لدى الصابئة المندائيين

أ. د. قيس مغشغش السعدي

" إن رسمي بالماء الجاري العظيم ماء الحياة الذي لا يدرك الانسان كنهه "




عـُرف الصابئة المندائيون بأبرز طقس من طقوسهم وهو التعميد      "مـُصبـُتا" كما يرد في لغتهم الآرامية  إشتقاقا من الفعل " صبا " الذي يعني اصطبغ. فالتعميد هو صبغة دينهم التي يحصلون بها على رسم الإنتماء ومغفرة الخطايا. والصبغة هي الدين والشريعة. ويرد في القرآن الكريم صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة/ البقرة. وحيث أن لكل دين صبغته التي تميزه، فإن صبغة الصابئة المندائيين بالماء الجاري الذي صارت منه الحياة لأنه من الحي الخالق الأزلي.               
لقد عَرف الإنسان قيمة الماء كعنصر أساسي في الحياة، فأقام وسكن حيث يوجد. وقدس الماء بعد أن أدرك أن كنهه ليس أرضيا، فتشكلت بذلك عبادات الماء وبخاصة في بلاد ما بين النهرين التي ورثتنا نصوص حضاراتها هذا التقديس. والدليل المادي الذي مازال ملموسا في نسل حضارات وادي الرافدين هو ما لدى الصابئة المندائيين بجذرهم الرافديني المؤسس في تقديس الماء الجاري.                                         
وحين يكون في الماء عبادة فلا يقصد عبادة الماء لذاته، بل هو العنصر الذي يعتمد رسما في هذه العبادة. فالماء حاجة حياة البدن، ومادة نظافته. هكذا صار الإستحمام وصار غسل الأعضاء تهيئة للصلاة كما في الوضوء لدى الملسمين الذي يشابه " الإرتسام: الرشاما" لدى الصابئة المندائيين بغسل جميع الأعضاء الظاهرة من بدن الإنسان قبل أداء فريضة الصلاة" البراخا". وقد اعتمدت شعوب عديدة الماء شعيرة فردية وجماعية في أديانها طهارة ونقاء، كما لدى المعمدانيين من المسيحيين والأسينين في حوض نهر الأردن والهندوس حين ينزلون ماء نهر الغانج. وما يميز الصابئة المندائيين أن طهارتهم في الماء لا تتم بمجرد النزول إلى الماء والإغتسال فيه، ففي هذا طهارة للبدن فقط. إنهم يذهبون أكثر من ذلك في أن الماء طهارة للنفس إذا ما تم بالتعميد الكامل. ولذلك نجد لديهم رسمان هما "الطمس: طماشا"، والصباغة "مصبُتا". الأول إرتماس في الماء يقوم به الشخص بنفسه ويكون بعد الجنابة أو مس الميت مثلا. أما الثاني فهو رسم متكامل لا يجرى إلا بمراسيم ومتطلبات متكاملة.                                                 
والتعميد بحسب ما يرد في كتب الصابئة المندائيين رسم سماوي أجري أولا للملائكة في عالم الأنوار العلوي. وأبرز من أجري له الملاك جبرائيل " هيبل زيوا". فكان أن أكتسى به سلاحا ضد كائنات الشر عندما كـُلف بالمهام التي أوكلت له على الأرض، ثم بعد عودته مكللا بنجاحه في تصليبها وإعمارها بالزرع والضرع. وهم في إعتماده إنما يحيون الرسم القائم في عالم الأنوار ويكونون على تواصل معه. بل هم يتباهون ويتباركون أنهم يحيون ما في عالم الأنوار على الأرض، بالماء وبالرداء الأبيض والنفس "النسمة: نيشمثا" التي هي منـّة الحياة. ومثلما أجري التعميد للملاك جبرائيل من قبل ملائكة موكلين، فإنه لا يجرى للفرد الصابئي المندائي إلا من خلال شخص آخر أوكلت له هذه المهمة وهو رجل الدين الذي يتوج ملكا بالتاج " تاغا" على رأسه.                                                                                     
والتعميد عند الصابئة المندائيين يعتبر ولادة جديدة للفرد من خلال الماء عنصر الإخصاب، والأرض له الرحم الواسع للحياة. ولذلك نجد أن هذا الطقس يقام لأكثر من مرة واحدة في حياة الفرد، أولها بعد اليوم الثلاثين من الولادة وهو صبغة رسم الإنتساب للديانة، ويقام هذا الطقس بمساعدة الأب لأن الرضيع لا يقوى على ذلك ولا يستطيع ترديد النصوص، فيرددها الأب بدلا عنه، ويكون هذا التعميد غير تام ويكمل بإجراء تعميد آخر بعمر ست سنوات حين يكون الطفل قادرا على ترديد الأدعية التي تقرأ عليه. ويكون التعميد بالإسم الديني "ملواشا". فالفرد المندائي لا يسمى كيفما اتفق، بل على أساس ساعة ولادته وشهر الولادة واسم والدته، فهذه الإشارات تحدد دخوله إلى الحياة. وبهذا يكون للفرد الصابئي المندائي إسمان أحدهما ديني يتكون من الإسم الذي يستخرج له واسم والدته بدلا من اسم والده، والآخر الإسم المدني. والإسم الديني هو الذي يُعتمد في جميع الطقوس الدينية التي تجرى له في الحياة والممات.                   
والتعميد شرط أساسي للزواج، فلا تتم إجراءات عقد القران ما لم يسبقها تعميد منفصل للعروسين كل على حدة. كما أنه يُعتمد بعد أسبوع الزواج للتخلص من خطايا التماس الجنسي، وللمرأة بعد فترة النفاس، ولرجل الدين الذي يريد أن ينتسب للسلك الديني أو الإرتقاء إلى منزلة أعلى، بل، وهذا ما يميز ديانة الصابئة المندائيين، أن التعميد يمكن أن يتناوله الفرد كلما أحس بحاجة للتخلص من خطاياه، والتكفير عن ذنوب إقترفها من التي يمكن غفرانها. أما التي لا تغتفر، كالزنا والسرقة والقتل، فيتعمد الفرد من أجل التوبة، ويبقى حسابه عليها في العالم الآخر عسيرا.                                                                   
والتعميد يجرى في الماء الجاري، وبما أن النهر هو صاحب الجريان فقد كان ومازال هو المعتمد لدى الصابئة المندائيين، لكن ظروف العصر والتوزع الراهن أملت أن يُعتمد حوض الماء لأغراض التعميد شرط أن يصمم بحيث يبقى الماء فيه جاريا إيمانا بأن توقف الماء يعني توقف الحياة فيه. وهذه الحياة إنما جاءته من عالم الأنوار. فالماء لدى الصابئة المندائيين مكون من تسعة أجزاء ثمانية منها مجرد سائل أجاج، والجزء التاسع هبط من عالم الأنوار وهو مادة الحياة والحلاوة والعذوبة التي تجعله فراتا. والهبوط كان في النهر الجاري فصار ماء النهر هو الصالح للتعميد ولا تعميد في البحر أو البحيرات المقطوعة.   
ولكي يتعمد الفرد لابد أن يرتدي الملابس الدينية البيضاء "رستا" وهي حلـّة النور التي تتكون من خمسة قطع تغطي البدن بحواسه الخمسة. القميص الطويل والسروال والنصيف والحزام "هميانا" والعمامة للرجل أو الشال للمرأة. والتعميد يكون منفصلا فلا تعميد مشترك بين النساء والرجال. ولأن التعميد رسم يقدم عرفانا لهبة الحياة من قبل الخالق الحي الأزلي، فإن طقوسه لا تجرى سرا، بل علانية على النهر أو في المواقع الخاصة، ويكون جهارا في إجراءاته وقراءاته، وهو إحتفالية بهيجة.   

 
                           
ويجرى التعميد على وفق خطوات ثابتة ومنصوص عليها يتدرب عليها رجل الدين في فترة إعداده وقبل  تكريسه للسك الديني بحيث لا يختلف إثنان في إجرائها بأدق التفاصيل، وهكذا يتم توارثها ممارسة. وقبل أن يدخل المتعمد إلى الماء يكون قد أدى قسم أمام الراية المندائية البيضاء "درابشا" التي تنتصب والتي يكون دورها أن تعكس النور على الماء الذي يجرى فيه التعميد، كما يقرأ نص النية لإجراء التعميد والذي يشير إلى أن الفرد قد قدم بإرادته لنيل هذا الرسم وهو سيكون مزهوا وسعيدا إذا ناله.                                                                               
يدخل رجل الدين الماء قبل المتعمدين بعد أن أدى صلوات طلب الرحمة  "رهمي" ويقف في مكان يصل فيه الماء إلى ما فوق ركبته، ويكون مواجها لجهة الشمال، فالصابئة المندائيين يعتقدون أن الشمال هو بوابة عالم الأنوار لذلك يعتمدونه قبلة يستقبلونها في جميع طقوسهم الدينية . ثم يحرك الماء بكلتا يديه راسما ثلاث دوائر حوله يحد بها مكان التعميد، ليكون نظيفا بعيدا عن الشر، كما يفتح بها وجه الماء ليلتقي مع نور عالم الأنوار.                                                                                                                       
يمد رجل الدين يده اليسرى ليمسك المتعمد بها إشارة إلى كل خطيئة كانت للمتعمد، ويدور المتعمد من خلف رجل الدين من اليسار إلى اليمين حيث يجلس في الماء، ذلك أن اليمين أكثر قدسية من اليسار في المعتقد المندائي كما أن هذا يشير إلى إنتقاله من عالم الأرض إلى العالم النوراني. ثم يغطس المتعمد ثلاث مرات في الماء وفي كل مرة يقوم رجل الدين برش الماء عليه. والغطس الكامل هنا دليل إنقطاع النفس والموت، ومن ثم العودة إلى الحياة بولادة جديدة طاهرة. وفي هذه الحالة تنتنزع خطايا المتعمد تحت الماء الذي يأخذها بجريانه فيتطهر المتعمد منها ويبرأ. هكذا تتميز المندائية بأن تطهير خطايا البشر إنما يكون بمادة الحياة، الماء الذي يطهر النفس والبدن سواء. ولهذا سعى النبي يحيى عليه السلام لتعميد جموع الخاطئين بالماء الجاري لتبرئتهم وأن يتوبوا إلى الله حتى إرتقى التعميد قيمة وشهادة حين طلب النبي عيسى التعميد على يده وبطريقته  فناله. بعد ذلك يرسم رجل الدين وجه المتعمد بالماء ثلاث مرات ليتبارك به، كل مرة باسم أحد الملائكة المساهمين وهم " هيبل، شيتل، وأنش" وكل رسم لمكون من مكونات الإنسان الثلاثة، الجسم والنفس والروح. ويرفع رجل الدين خاتم نبات الآس الذي كان يلبسه المتعمد في خنصر يده اليمنى ويضعه تحت عمامة المتعمد على جهة جبينه اليمنى ليكون إكليلا له. والآس دليل الحياة والإزدهار المعطر بالرائحة الزكية. كما تقدم للمتعمد وهو جالس في الماء ثلاث جرعات ماء لكي يشرب وفي كل مرة يُردد النص بين رجل الدين والمتعمد "الحق يقويك ويثبتك، ويكون الجواب أطلب تجد، قل تـُسمع". ويأخذ العهد منه من خلال المصافحة بينهما باليد اليمنى وتقبيلها ووضعها على الجبين ثلاث مرات.                                                                                                         
يخرج المتعمد من الماء من الجهة اليمنى لرجل الدين بعد أن دخل من جهة اليسار، وحين يخرج يدورعلى " بيت ريهي" بيت الروائح المكون من طبق طين بسيط وضعت عليه مجمرة ومبخرة فيها بخور وهو يردد نص التبريك للخالق الحي ولملائكته، وفي دورانه الذي يكون عكس عقارب الساعة يثبت دوران الأرض وأن كل ما في الكون يتحرك ويدور بأمر خالقه. ثم يجلس مواجها جهة الشمال. وبعد أن يكمل رجل الدين قراءة الأدعية يخرج من الماء فيقوم برسم جبين المتعمد بزيت السمسم ثلاث مرات باسمه الديني، مشيرا إلى أن رسم الجبين لا يكون بالنار أو بالمسح إنما بالزيت، وزيت السمسم حصرا حيث يرد في التعليم الديني أن فيه الشفاء والقوة فهو نبات من نباتات عالم الأنوار وهو ابن الماء غذاءًا ودواءًا. ثم يكون عهد آخر بين رجل الدين والمتعمد. بعد ذلك  يُطلب إلى المتعمد الذهاب إلى الماء الجاري لتطهير يده اليمنى وكأنه يقدم العهد للماء الجاري ويمسك عن الكلام إستعدادا لتناول الـ "بهثا" وهي كسرة خبز فطير يخبز من قبل رجل الدين في نفس الوقت مكونة من دقيق الحنطة والماء الجاري وقليل من الملح وتشوى على النار. يتناول المتعمد هذه الكسرة والتي تشير إلى غذاء البدن، وتقدم له ثلاث جرعات من الماء كان قد جلبها رجل الدين من ماء النهر بقنينة زجاجية صغيرة، جرعة للنفس وأخرى للروح وثالثة ترمى على الكتف الأيسر للبدن ثم يكون عهد آخر بين رجل الدين والمتعمد. خمس عهود تقدم خلال التعميد وكأن كل عهد مخصص لحاسة من الحواس فيشمل كيان الإنسان بحواسه حميعا.  ثم يكمل رجل الدين قراءة الأدعية على رأس المتعمد مباركا لمكان العقل وإدراك الخالق ومجمع كل الحواس. كما يمنح المتعمد الفرصة للدعاء الصامت بما يحقق آماله وما يرجوه من ربه في مغفرة وتوبة وصحة ونجاح له ولمن يحب.                                                                                                                   
وتنتهي الإجراءات بمباركة رجل الدين للمتعمد وشكر الأخير الذي يكون مزهوا ومنتعشا ونقيا.             
هكذا يكون التعميد في الديانة المندائية رسما متكاملا للإعتراف للخالق الحي الأزلي بنعمة خلقه من خلال التبارك بالماء الذي هو إعجاز الحي  للحياة والذي أنزل من عالم الأنوار العلي ليحيي  كل شيء، وهو تشارك في الطقس مع ما يقام في عالم الأنوار من رسم إيماني، للتبارك وللنقاء ولمغفرة الخطايا فيكون رسما دائما.                                                                                                                   


9
عـقـدان على زيارة الفاتيكان

                                                                                    د. قيس مغـشغـش السعـدي


تمر اليوم الذكرى العشرون لزيارة وفد رئاسة الصابئة المندائيين للفاتيكان ولقاء قداسة البابا. هذا اللقاء الذي حصل بقيمته الروحية والمعنوية بعد حوالي 2000 عام مما سجل في ذاكرة الإنسانية من لقاء بين المندائية ممثلة بالمعلم الكبير ومحيي الديانة والطقس " يهيا يوهانا" وبين عيسى المسيح، ذلك اللقاء الذي تكلل بالتعميد الأساسي والذي صار من رموز المسيحية بعد تكونها وإنتشارها بحسب ما يشار تأريخيا. إختلافات وتقاطعات وهجرة ومعاناة وسيرة حياة مرت قبل أن يفكر المندائيون بزيارة الحبر الأعظم حتى عام 1990. حيث سعوا، من خلال الكيان التنظيمي الذي أسسوه لإدارة شأنهم، للعمل على إنفتاح في العلاقات تأسيسا على أنهم لا يمكن أن يعيشوا في الظلام وهم أبناء النور ، وأن يظل هاجسهم الخوف وهم أبناء هيبل زيوا المنتصر، وأن يضيعوا وهم دليل العرفان بالسبحان. وكان إحساسهم قد تأسس على محبة الجميع للمندائية والمندائيين بعدما صار كيانها محددا بها، وبعد أن تعلم الجميع منها توحيد الخالق والإيمان بيومه الآخر في عالم الأنوار، وبعد أن أكبروا أن الحياة في ماء الله الحي" يردنا إد من هيي هو: من الحي كان يردنا"، ومثلما هو حاجة البدن للحياة فهو حاجة النفس للنقاء، فأحيا كثيرون هذا الرسم مثلها إنْ تعميدا أو وضوءً. كما إن الإرث الذي يملكون لا ينازع في كل مكونات الدين والطقس واللغة والتأريخ وطبيعة المنتمين كفاءة وسلاما... وهكذا عزموا.                                                                       
كنيسة العراق تعرف المندائيين فكانت البداية من خلالها يوم كان راعيها غبطة مار روفائيل بيداويد الأول بطريارك بابل على الكلدان الذي عزز العلاقة بتوكيل معاونه المطران سابقا والكاردينال حاليا غبطة عمانوئيل دلي، الذي كانت معرفته وطيبته ومحبته للعراق ملتقية مع محبة المندائيين فصار صديقا عزيزا. وعلى ذلك تأسست العلاقة مع سفارة الفاتيكان برعاية سفيرها يومذاك المطران ماريان أوليش الذي بلغ من حبه للمندائيين أنه يتفقد المندي ببغداد كما يتفقد الكنائس أثناء ضرب أمريكا لبغداد في عام 1991 حين غادر عموم المندائيين بغداد.                                                                 
لقد تم تدارس كل جوانب الزيارة بتحضير يتناسب وطبيعة المهمة وأهدافها، باعتبارها زيارة تأريخية على مستوى رئاسة الديانتين بقيمة ما يملكون وليس بعدد المنتمين. كما أن منطلقها من الجانب المندائي كان يقع ضمن توجه" الأمن الكياني أو القومي" بحكم أبعاد ومبتغيات الزيارة وما بعدها. والأمر ذاته كان لدى حاضرة الفاتيكان من خلال مجلس الحوار بين الأديان الذي كان معنيا بزيارة الوفد والتحاور معه.                                                                                         
كان لقاء قداسة البابا يوحنا بولص الثاني رحمه الله في يوم 9/6/1990 مسك ختام الزيارة (سبق أن تناولنا تفاصيل هذا اللقاء في موضوع سابق بعنوان: يوم إلتقى المندائيون قداسة البابا، وإليه نشير القارئ الكريم                                       
  ).http://www.mandaeanunion.org/Views/AR_Views_115.htm

وما أريد أن أشير إليه هنا، بعد بيان أهمية الإحتفاء بذكرى مرور عقدين من الزمن على هذه الزيارة المباركة، أنها كانت خطوة جرئية وأساسية من قبل قيادة المندائيين يومذاك وسجلت علامة من علامات سعيهم للإنفتاح على الآخر وإحياء علاقة قائمة في ضوء جوانب مشتركة ومتقاربة مع الإدراك المسجل بأن هذا الإنفتاح إنما هو مدخل نحو ديمومة هذه العلاقة والبناء عليها. فلم تكن الزيارة رحلة عابرة أو نزهة سياحة، بل إن إستعدادات الزيارة كانت بالمستوى الذي طمح إليه المندائيون فيما يملكون من عمق وقيمة ووجود باق حرصوا على أن يستمر فسعوا بذلك للظهور. ولذلك فقد كان التحاور بأعلى مستوياته تحضيرا من خلال قسم الحوار وتتويجا بين رئاستي الكيانين المندائي والمسيحي. كما أن قيادة المندائيين أدركت بأن مسعاها هذا في الإنفتاح يتطلب منها أن تتهيء لما بعده في الإدامة وتنظيم العلاقات التي ستبنى عليه، وأول دلالات ذلك تمثلت بإستقبال الوفود الفاتيكانية التي تزور العراق أو الكنيسة والتي سعت لشمول المندائيين بهذه الزيارات ولقائهم في مقرهم بمندي بغداد. لقد أبهج ذلك المندائيين ونظم وجودهم وجعلهم يحسون بقيمة حقيقية من أنهم في عين الحدث وأنهم موجودون ليس على مستوى إقرارهم بنفسهم بل بإعتبار الآخرين لهم. كما حرك ذلك الجهات الرسمية لمزيد إهتمام وتوجه مع حفظ الكيان. وكان من نتيجة ذلك زهو المندائي بمندائيته فسعى لمزيد إرتباط وإعلان عن هذه المندائية التي كثيرا ما نازعتها عوامل النظرة الثانوية والدونية. كما كان ذلك وراء الحضور المكثف للمندائيين في جميع المناسبات التي كانت تقام والتي كان سعي الحكومة فيها شمول الأديان، فكان أن تحركت المندائية لتأخذ كرسيها جنبا إلى جنب مع الأديان المشاركة وعلى منصة المشاركة والحديث. وصار المندائي يتقدم بخطوة معلنة أكثر مما يسعى للبقاء في الظل. وكان من تلك الزيارة أن تحفز الإهتمام المندائي برعاية شأنه وتحضير وجوده للبناء على التأسيس الذي أسسه. وكان في تأسيس اللجنة الحبرية للحوار بين الديانتين المندائية والمسيحية مؤشرا طيبا على الحاجة لتعميق العلاقة وإيجاد جوانب مشتركة في العمل والتعاون، كما كان تمثيل المندائيين في مؤتمرات الكنيسة في خدمة السلام والإنسانية مبرزا، وصارت كلمات المندائيين ونشاطاتهم تبث إعلاميا فنبهت الجميع في ضوء ما يُذكر للمندائيين من وجود مؤسس وقيمة في المعتقد والطقس والكفاءة. وتواصل الزهو المندائي حين زار ممثل البابا المندائيين ردا لزيارتهم وحين خص وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال سلفستريني المندائيين بزيارة في منديهم خلال زيارته الرسمية للعراق وتباحثه مع رئيس النظام السابق، كما تواصل ذلك بقدوم الأم تيريزا للعراق وزيارة الوفد المندائي لها في مقرها ثم قيامها بزيارة المندي في بغداد، وتواصل أيضا في دعوات جمعية سانت أجيدو للسلام في المؤتمرات العالمية التي تقيمها. بل كانت تحضيرات المندائيين فاعلة حين تم التخطيط لقيام قداسة البابا يوحنا بولص الثاني بمسيرته التي كان من المقرر أن تبدأ من أور، وكنا نأمل أن سيكون للمندائيين في ذلك مشاركة وإعلام دولي مسجل.                                                                                           
ولم يمهل إحتلال الكويت وحرب الخروج منه هذه العلاقة في أن تأخذ شكلها المناسب في آفاق التعاون والإستفادة من الإمكانيات المشتركة فيما يجده المسيحيون عند المندائيين وما يجده المندائيون عند المسيحيين. وحددت ظروف الحصار على العراق الكثير من النشاطات وبعثرت الكفاءات والطاقات التي أسست، ولا شك أن المندائية كانت الخاسر الأكبر بحكم ضياع فرص الإدامة والإفادة. هذا ما أشرنا إليه حين دعينا لحضور الإحتفالية العالمية التي أقامتها الفاتيكان إحياء للألفية الثالثة لميلاد السيد المسيح في أكتوبر عام 1999 والتي كانت مؤشر إحترام الفاتيكان للعلاقة معنا فكانت المندائية ضمن الحشد الكبير لجميع الأديان والتمثيل الدولي والمنظماتي من أرجاء المعمورة.                                                       
ومع إزدياد ظروف العراق سوءا، فقد ذهبت النشاطات حتى حل محلها بعد إحتلال العراق عام 2003 الهروب الجماعي ليس للمندائيين وحسب، بل وللمسيحيين. أحببت تعميم المسيحيين بأن لا يغادر رجل دين منهم العراق، أما المندائيين فليس لهم عوضا عن أنفسهم! وتوفى قداسة البابا السابق " رحمه الحي الأزلي"، وكان على المندائيين حضور تشييع جثمانه والمشاركة في القداس الذي شاركت فيه أديان عديدة، لكنهم لم يتمكنوا من المشاركة! وصار الأمر في العلاقة محدودا وفرديا متحددا ببرقيات التهنئة المتبادلة التي حرصنا على إستمرارها في أعياد الميلاد. وحين عزمت على زيارة الفاتيكان أثناء تواجد لي في روما عام 2008 إضطررت إلى أن أحمل معي العديد من الصور التي توثق للزيارات واللقاءات السابقة، خاصة بعد أن تقاعد الكاردينال ( أرينزا) رئيس قسم الحوار الأسبق، ومغادرة المطران ( فيتزكيرالد) رئيس قسم الحوار السابق ليكون سفيرا للفاتيكان في مصر والجامعة العربية وبعده باول  باوبرد وحتى إعتماد الحالي الكاردينال لويس توران، وقد صاحب ذلك بالتأكيد تغير الملاكات. وفعلا فقد أنقذت الصور الموقف على قدر التباحث في إمكانية إعادة البناء في ضوء المستجدات الخطيرة التي تعرضت لها الكيانات الأساسية لشعب بلاد ما بين النهرين وبخاصة المندائيين والمسيحيين، وعن إمكانية دفع زيارة أخرى للفاتيكان ولقاء الحبر الأعظم بنيدكت السادس عشر. وخرجت بترحاب لم تتحق منه نتائج فعلية بأسباب ما نحن فيه من توزع وضعف كيان أملته ظروف الشتات.                                                   
إستعرضت مسيرة 20 عاما وأنا بطريق عودتي من مشاركة في مؤتمر عقد في مدينة منشن الألمانية 4- 7/6 حضرته أديان عديدة ممثلة بالمسيحية بالكنيستين الكاثوليكية والإنكليزية والإسلام واليهود والهندوس والبوذيين والبهائيين، وتكوينات دينية جديدة. كنت معهم مثل أي مندائي يحضر في نشاط مشابه معرفا ومبرزا للقيمة والعمق والوجود. وبقدر ما يتباحث المشاركون في أسس الإنفتاح والعلاقات والآمال ومساعي القبول، فإن هاجسنا نحن المندائيين الخشية والخوف من الضياع الآن والذوبان في المستقبل، ولذلك تجدنا دائما نطلق ذلك صرخة استنجاد. كان بين الحضور سانتور هولندي، فاغتمنتها فرصة للإفادة فيما يمكن أن يرشد ويعين على مستوى أهلنا في هولندا، وحين عرّفته عن المندائية ذكر لي أنه كان المستشار العسكري للأمين العام للأمم المتحدة ولثلاثة أمناء بدءا من بطرس غالي وكوفي عنان والحالي كي مون، وذكر لي عن وجوده في العراق، وأنه كان سيكون مسرورا لو إلتقى المندائيين في العراق، لكنه اليوم متقاعد، ثم أشار في معرض كلمته وخبرته في المجال الإنساني في صناعة السلام عن حالة العراق ومثالها السكان الأصليين مشيرا إلى المندائيين والمسيحيين بإعتبارهم أحفاد سومر وبابل.                                                                                                                 
                                                                                                                       
نعم، يتعاطف الجميع معنا، ولكنهم يسهمون بالتقبل، أما الفعل فهو يقع على المندائيين أنفسهم. فالأساس نحن والآخرين مساهمين. ولكي نكون الأساس علينا توحيد قدراتنا وإستنهاضها، وعلينا ممارسة كل الطيبة التي في نفوسنا والتي نصف بها أنفسهنا ونوصف بها، وأن نضع كل النزاهة في نصوص ديانتنا وكل العهد( الكشطا) الذي هو أساس القول والرسم لدينا، وكل البياض صفاءً، وكل العطر تنشقا ونقاء، وكل الضوء نورا وبهاءً، كل هذا يجب أن نظهره من حيز النفس إلى حيز الفعل، ومن وعاء الإكتناز إلى فضاء الإبراز في مجالات العمل، حينذاك سنجد لدينا الكثير مما يمكن أن يحفظ كيان المندائية ويديم وجودها وشأنها في أن تبقى حية لأنها إبنة الحي والحياة. وهيي زكن                                                 
                                                           
                                                                             
                                                                                                     
   

10
المندائيون مؤشر إستـقـرار الدولة العراقية


                                                                                  د. قيس مغشغش السعدي

المندائيون وبعض الخيرين يذ ّكرون بما لهذه الشريحة العراقية الأصيلة من وجود عراقي مؤسس، ومن قِدَمِها فيه أن ليس لها تاريخ تأسيس محدد. وإن أردنا أن نسأل شواهد فليس أسبق ولا أبقى من ماء دجلة والفرات، وليس أبسق ولا أسمى من النخلة، وليس أثقب ولا أعلى من النجم الهادي، وليس أوضح ولا أحلى من المفردات المندائية التي ما زالت ( أكو) على لسان العامة العراقيين، وليس أدل من أن الحياة أخذت إسمها من الحي الأزلي أساس توحيدهم وإيمانهم. حفظوا العراق في نفوسهم قبل أن يكون إسمه العراق. صاروا شهادة عمره على إختلاف مَن عاش وأسس ومَن قـَدِم من كل الجهات. مدوا الجسور وبنوا القنوات وأنبطوا الأرض وترجموا الكتب. لهم وجود في زقورة أور وفي مسلة حمورابي وباب عشتار وثور آشور. وحينما لم يعد لهم فيها حضور، نقشوها بالميناء على فضة وذهب صنعتهم وباهوا بها تحفا يتفاخر بها العراق أيضاً.
وعلى شدة إوار ما مر به العراق، ظن من درس المندائيين من الأكاديميين الغربيين أنهم قد قضوا وصاروا بعضا من تراث العراق الذي يستدل عليه بآثاره ، وما ذاك إلا لمعرفتهم بطبيعة هذه الشريحة التي تقدم مثالا للمسالمة والمحبة واللاطموح بغير العمل ومرضية الخالق، ومثل هذا حظه، في مثل ما مر به العراق، قليل، وبقاءه بخصوصيته الدينية أمر يكاد يكون مستحيل. ولذلك كثر السؤال اليوم ليس على مستوى العراق والبلدان العربية، بل وعلى مستوى جهات عديدة في العالم عن المندائيين وتوجه العديد لمتابعة أخبارهم وتقديم التقارير عنهم، وإقامة المؤتمرات الأكاديمية بخصوصهم وتصوير الأفلام لطقوسهم وبعض مجريات حياتهم، لا لأنهم مختلفون في شيء إنما لأنهم يعرفونهم بهذه الأقدمية ومرت عليهم دهورا ظنوا بها أنهم قد إنقرضوا. وآخرون يقرأون في القرآن الكريم ويعرفون الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى ولكن الكثير لا يعرف الصابئين الذين ورد ذكرهم في أياته أنهم ما زالوا موجودين. فصاروا مثار سؤال عن الوجود والبقاء، وهذا كله يوجب الحق على العراق أن يكافىء المندائيين لمجرد بقائهم بشهادة أن: كيف بقوا؟ والعـِبرة الأهم في أن يجب أن يبقوا.
واليوم، وفي ضوء ما يراد للعراق من نهوض وإثر ما يصاحب هذا التغيير في كل ما يراد له وبه وفيه ، البعض يراها آمالا ً وآخر يراها محالا ً، تتصارع فيه التوجهات في عصف غير مسبوق وبأنواع من الريح تتصارع شدة وتتباين في الإتجاهات حد أن صارت أعاصيرا فأخذت مَن أخذت دون إرادتهم وألقت به خارج الوطن. منهم المندائيون الذين على سعة وعمق جذورهم فيه لكن شدة الإعصار والتهديد بالعصف كان لها قدرة القلع.
ولم يفرغ العراق من المندائيين وإن بسُدس من كان، وأمل بعَودٍ لم يحن بعد فيه أوان، فليقدِّر العراقيون للمندائيين أنهم على هول ما عانوا غادروا، ذلك أن بقاء المندائية مرهون بهم فإن همُ ذهبت أرواحهم قضت المندائية وصارت نسيا، وقضى بقضائهم كيان حافظوا على بقائه آلاف السنين. وحتى يستقروا ويعودوا فإن ما يحصل في العراق هو الذي يدعوهم لذلك وستظهر فيهم أنهم المؤشر حقا على إستقرار العراق.
 فالمعروف أن الصابئة المندائيين هم أقل الأقليات في الجانب العددي ( مع أن تسمية الأقلية غير مقبولة لكنها واقع يحاول البعض تجاوزه لفظا)، وأن حمايته لا تكون إلا من خلال سلطة الدولة ذلك أن قلة عددهم سيعرضهم الى ما لا تحمد عقباه إن هم دافعوا عن أنفسهم في ظل مثل ما مر ويمر به العراق، وبدون سلطة القانون وحمايته لا يمكن للمندائيين أن يأمنوا على أنفسهم ، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
والمعروف إلتزام المندائيين بتعاليم ديانتهم التي لا تبيح القتل لأي سبب، والتي تحض على السلام وتتسلك به وأنهم لا يقدمون على إستخدام أي نوع من السلاح غير السلام الذي صوته لم يكن ليسمع يوم علت أصوات كل أنواع البنادق والتفجيرات، وبدون حرص دولة العراق على إشاعة السلام لا يكون للمندائيين قدرة على إستخدام سلاح غيره، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
والمعروف أن المندائيين قد حرصوا على تأهلهم بالكفاءة الدراسية والمهنية وإحترفوا الخدمة في مجالات عديدة دون أن يرغبوا بسلطة لفرض وجودهم فصار أن تقر لهم دولة القانون الأهلية فيما يمنح المتقدمون منهم شأن العراقيين في إستحقاقات المسؤوليات وتقدير الكفاءات ولو بالنسبة الدنيا التي تظهر التوزيع والإقرار الحق، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
ومعروف أن عددهم القليل لا يؤهل لأن يقدموا لهم ممثلا  في البرلمان العراقي يشعرون به أن لهم وجود مُمَثـَّل في وطنهم فوق أن يكون الصوت الناقل لحقوقهم والمُبلغ عن إلتزاماتهم، وهذا لا يكون ما لم تراعي دولة العراق طبيعة هذا الوجود وتعتبر أن هذا التمثيل هو إقرار الإعتبار الذي تقدمه دولة العراق دليلا على الرعاية والإعتراف بالوجود، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
ومعروف أن المهنة التي إشتهر بها المندائيون هي صياغة الذهب والفضة، وعلى قدر ما قدموا من فن فيها، فإنها جلبت لهم ويلات القتل والسرقة والتهديد بأسباب أن أول من يتعرض لعمليات النهب والسرقة والإعتداء في زمن الحروب واللااستقرار هم أمثالهم لأنهم يعملون فيما خف حمله وغلى ثمنه، وأن حماية مثل هذه المهنة تفرض إستقرارا وأمنا وشبعا كاملا لدى عامة الشعب فلا تكون السرقة والإعتداء وصولا الى القتل ظاهرة، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
والمعروف أن أغلب وأهم طقوس المندائيين تلك التي تجري علانية في المياه الجارية فتعتمد دجلة والفرات، وبها يكون المندائيون عرضة لكل من يريد التهديد ويعمد الى التعصب ويسعى الى نبذ الآخر، ويكون سهلا للمغرضين تعكير ماء التعميد على المتعمدين بإسم الله الحي، ولا يكون الصفاء إلا بالمعرفة والقبول والحرية التي يجب أن يتربى عليها الجميع فيقرون الحق للجميع طالما أنه مؤمن وموحد للخالق ويعرفون أن الطقس وسيلة للعبادة ويمكن أن يختلف لكن لايختلف الجميع في الإيمان بإله واحد، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
ومعروف أن عقيدة المندائيين هي أقدم عقيدة توحيد وفيها نتباهى بأن بلاد ما بين النهرين كانت السباقة في ذلك حتى صار في الإسلام الظهور الأبرز في النص للوحدانية، وأن تضمين ذلك في مناهج الدراسة ليتعلم النشئ هذه الحقائق ويتقبلها بما تجعله يتسلك بها وهو راشد ومسؤول لهوَ من أبرز علامات قبول الآخر والتسامح الديني الذي عاشه العراق بحسب ما يذكر تاريخه، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
ومعروف أن لغة المندائيين هي الفرع النقي للآرامية الشرقية ومعرفتها تقود لمعرفة التلمود البابلي، وأن المئات من مفرداتها مازالت معتمدة في العامية العراقية، ولكن بأسباب الجور على مدى دهور صار المندائيون، الذين نسبة الأمية بينهم صفرا، أميين في لغتهم ولم يمنحوا فرصة لتوثيق تاريخهم وتراثهم. وإن الحرص على هذه اللغة العراقية والتراث الذي هو بعض تراث العراق يتطلب أن تمتد اليد لوضع مشروع ثقافي من قبل وزارة الثقافة العراقية وممثلية العراق في منظمة اليونسكو، وهذا الأمر لم يحصل بعد.   
ومعروف أن للمندائيين مناسباتهم وعاداتهم، وعلى قدر إحترام المندائيين لغيرهم في مناسباتهم ومشاركتهم فيها بشهادة الجميع ، فإن لهم حق في أن لا يلزمون بالحجاب مثلا ، ولا يغيرون في زي أو هيأة لأنها عند غيرهم أيضا ويتطلب الأمرالتوعية الدائمة إعلاما وخطبا وقراءات، وهذا لم يحصل بعد.
ومعروف أن المندائيين لا يتحددون في سكنهم بإقليم معين أو بمدينة مخصصة ولا بمحلة واحدة، هم توزعوا بين العراقيين عامة في عدد من المدن العراقية ومع عامة الشعب، ومن الطبيعي أن تجد منزلا يضم أسرة مندائية محاطا بغير مندائيين، فإن النخوة والشهامة المعروفة في طباع العراقيين والتسامح وقبول التعايش المشترك هو الذي يقدم الأمان ويمسح الخوف الذي صار هاجسا يقلق المندائيين نهارا وليلا ، وهذا يتطلب إشاعة روح التعايش والقبول وسلطة القانون في إحترام الحقوق، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
كل هذه جوانب حرمان رغم أنها من حقوق الإنسان، يشعر بها المندائيون بشكل أكبر من غيرهم بحكم ما عانوا، ولا يحققها إلا القانون بما يملي ويفرض، والقبول بما يحترم ويرضى. وعلى هذا يمكن أن نعد حالة المندائيين هي مقياس التحقق لعامة ما يحتاجه العراقيون في وطنهم. ولا نعني بما ذكرنا أن يتميز المندائيون عن سواهم، بل أن يحظوا بما يحظى به سواهم، حينذاك لا يفكر الموجودون منهم بمغادرة العراق، ويسعى من غادره الى العودة إليه سريعا وحريصا ذلك أنه سيجد فيه ما لا يجده في بلدان الغربة من متطلبات عيشه وأمانه، وأمله ومستقبله، وفوق ذلك أنه سيجد فيه كيانه وهوية وجوده. ونعلم أن بعضا مما ذكرنا يتطلب الوقت والجهد حتى يتحقق، لكن بعضا آخر ميسور ومقدور عليه، فلماذا لا يتحقق؟ ومتى يتحقق؟ وحتى يتحقق فإن ذلك يعني أن الدولة العراقية قد وصلت المصاف الذي هو أمل الجميع، فحين يمنح المندائيون حقوقهم مثلما قدموا دائما ما عليهم من واجبات وزيادة، فهذا يعني أن الأمان والقانون والديمقراطية والعدالة والإكتفاء والتسامح والقبول قد تحقق. وبمثل هذا سيبقى المندائيون طيور ماء الهور (هيوارا: البياض) وتعود أسرابهم التي غادرت الى مياه الفيض وحضن الدفء راضية مرضية.     
         
drabsha@yahoo.com


11
على خلفية قرار البرلمان العراقي بإلغاء المادة 50 من قانون إنتخاب مجالس المحافظات

الأقليات في العراق، بين الـ أكو والـ ماكو


د. قيس مغشغش السعدي

في أول كلمة لأول رئيس برلمان عراقي منتخب السيد حاجم الحسني أسقط ذكر المسيحيين والصابئة المندائيين والأزيديين عندما تناول مكونات الشعب العراقي. وحين سأله أحد الأعضاء عن سبب عدم ذكر هذه المكونات، كان جوابه أن ذلك سقط سهوا ً!!!. وقد كتبنا يومها وقلنا أن العذر أشد وقعا من الفعل. إذ كيف يكون السهو نصيب مكونات أساسية وأصيلة في نسيج الشعب العراقي وتاريخه، وهل هو سهو حقا في كلمة مهيأة مسبقا؟ واليوم وبعد هذه المسيرة من عمل البرلمان العراقي نعود الى ما هو أبأس من السهو، نعود الى الخطأ القاتل المتمثل في التجاوز المقصود والمدروس للتجني على وجود وحقوق هذه المكونات بحذف المادة 50 من قانون إنتخاب مجالس المحافظات. هذه المادة التي منحت حقا لتمثيل بعض هذه المكونات في مجالس بعض المحافظات بحصة محددة جدا.                                                   
والمفارقة في الأمر أن هذا القانون قد إعيد الى مجلس النواب، بعد أن أقره، بإعتراض من رئاسة الجمهورية على خلفية محافظة كركوك وطريقة توزيع حصص مكونات العراقيين الكبيرة في هذه المحافظة. وحين يتوصل مجلس البرلمان الى حل مناسب ومرضي لهذا الأمر، وجد البعض أن ذلك يجب أن لا يمر على حسابه، بل رأى ضرورة تعويضه. ومن أين؟ من حصة مكونات الشعب العراقي الأخرى التي رضت بالحد الأدنى للتمثيل في مجالس المحافظات. فكان القرار بإلغاء المادة خمسين التي منحت بعض مكونات الشعب العراقي من المسيحيين والأزيديين والشبك حصة محددة في عضوية مجالس المحافظات. ومع أن الغبن كان نصيب الصابئة المندائيين أصلا في إعتماد هذه المادة ذلك أنهم لم يخصص لهم ولا حصة واحدة في أي من المحافظات التي يتواجدون فيها، ومع أن في نفوسهم غصة في هذا الأمر، إلا أنهم وجدوا في الخطوة التي أقدم عليها مجلس النواب بإلغاء المادة أصلا تجاوزا مقصودا وعلامة أكيدة على التعصب الديني الذي يصدر من تحت قبة البرلمان العراقي، وهو الذي يراد له أن يشرع الديمقراطية ويحرص عليها ويتابع ممارستها كسلوك فعلي يقتدي به عامة الشعب. فهل رأى المجلس أن يساوى بقية المكونات بالصابئة المندائيين من حيث عدم التمثيل بديلا أفضل من العكس؟؟؟                                 
يصرح رئيس لجنة الإقليم في المجلس بأن هذه المكونات ليست قليلة العدد، بل أن تعداد بعضها يصل 400-600 ألف نسمة، وعلى هذا فإن لها القدرة على المنافسة ضمن الإنتخابات، وهي ليست مثل غيرها، ويسوق مثلا الصابئة، الذين لا يؤهل عدد المتبقي منهم في العراق إمكانية حشد الأصوات ليترشح منهم ممثل في مجالس المحافظات. فإن كان هذا التبرير مقبولا فلماذا إذا ً لم يمنح الصابئة المندائيون أصلا مثل هذا الحق في الإقرار الأول للقانون؟ إن هذه المغالطات لا يمكن أن يقبلها أتباع هذه المكونات، بل يجدون فيها تلاعبا بمقدرات وجودهم وعدم إحترام كيانهم والحرص على بقائهم. فما ظر المجلس أن يبقي هذه الحصة الممنوحة بحد أدنى مثلا وليكن ممثلا واحدا في كل مجلس محافظة يتواجد فيها أتباع هذه المكونات، وإن حصل منهم شخص آخر على فرصة عن طريق الترشيح والإنتخاب فإن ذلك سيكون معززا. أما أن يطلب من أبناء هذه المكونات تعبأة أبنائهم للحصول على فرصة، فإن ديمقراطية العراق وسبل إجراء الإنتخابات، من خلال التجارب التي مرت، لا تؤهل قطعا أي إمكانية لهذه المكونات، المسالمة التي تعتمد كفاءتها وإخلاصها وخدمتها وعراقتها، بالحصول على فرصة طبيعية.                   
لقد صدم أبناء هذه المكونات بهذا القرار المجحف وإعتبروه إشارة بارزة لتهميشهم وتهديدا خطيرا لتمثيلهم والحرص على وجودهم ومستقبلهم في وطنهم الذي تحملوا فيه ما تحملوا من قبل إرهاب المجموعات الدينية المتعصبة التي ساومتهم القتل أو مغادرة الوطن، ليأتي إرهاب من نوع آخر يتمثل في حجب البرلمان حقهم في تمثيل مكوناتهم من أجل صوت ولو خفيف أو خافت يذ ّكر مجالس المحافظات بأبناء هذه المكونات في أي توجه. فلا يخشى من هذا التمثيل بأن سيكون له الغلبة بما يؤثر في القرار. كما أن وجود ممثل واحد عن هذه المكونات سوف لن يكون عبأ عدديا. إذ بدلا من عشرين عضوا، يمكن أن يكون العدد 23 مثلا. فماذا إذا ً غير قصد الحرمان بتوجه محسوب ورؤية بعدم الإستحقاق لنسخ الوجود.         
لقد أسقط قرار مجلس البرلمان المجحف بإلغاء المادة خمسين الحجة من لسان الناشطين من أبناء هذه المكونات، الذين ما فتأوا يحاجون في أن العراق هو الوطن الوطين لهم، وبدد الأمل بأن مستقبل العراق الديمقراطي  يمكن أن يضمن لهم المستقبل الآمن والأفضل أيضا. فعلامات وبوادر ذلك غير مطمئنة على الرغم أننا ما زلنا في بداية التوجه الديمقراطي. بل نرى أن عهود الإجحاف قد ولدت إجحافا في إقرار الحقوق على أساس سلمي وديمقراطي وولدت الحاجة لإعتماد القوة والميليشيات وسيلة. وأنى لهذه المكونات المسالمة ذلك؟ وأكثر من ذلك فإن حذف هذه المادة يقدم الحجة لكل من سعى ويسعى للنيل من هذه المكونات على خلفية إنتمائها الديني الحجة في مشروعية ما قام ويقوم به ضدهم.                         
كان الأمل مكافأة أتباع هذه المكونات التي هي مكونات نوعية وليست عددية حتى يمكن زيادة أعدادها لتكون منافسة، والتي عضت على جراحها وهضم حقوقها عهودا طويلة ولم تبرح العراق ولم تستبدله وطنا، فإذا بمجلس البرلمان يعاقبها بحذف مادة سبق وأقرها هو تمنح بصيصا لفسحة تمثيل وإن بالشكل الإعتباري. أليس هذا طرد واضح وفاضح لأبناء هذه المكونات من وطنها؟ فإن حصل، وهو حاصل، فماذا سيقدم البرلمانيون يوم يتكلمون عن تنوع مكونات العراق وعن إصالته وتاريخه الممتد في عمق الزمن من أدلة بشرية تفوق قيمتها قيمة الآثار المادية التي خلفها أجداد أتباع هذه المكونات بناة حضارات العراق ورمز عراقته وقيمته التي يتباهى بها جميع العراقيين في العالم.                                         
إن الديمقراطية الحقة يجب أن تراعي ومنذ الآن الصغير قبل الكبير، وأن يكون الحق قائما على أساس عدالته لا بوسيلة فرضه. وأشد ما نخشى حينما نصحى على وجود الديمقراطية في العراق يوما ولا نجد أبناء له كانوا يوما فيه شهادة العراقة والقدم. بهم نرى باب عشتار وثور أشور ومسلة حمورابي، بهم نرى كلكامش وأنكيدو، ونراهم "يطمشون" في ماء الحياة تعميدا وشهادة بأن الماء حي وقد أكرم به الله أولا بلاد ما بين النهرين، يحفظون لنا في أصول لغتهم الأكو .. ماكو، والجا و اللعد و يمعود .." و يمعودين على بختكم يا برلمانيين!!"                                                                                               
                                                                                                 
إننا، وكما قضينا عهودا من تاريخنا في المناشدة، نناشد البرلمان العراقي بأن يعيد النظر بالقرار الذي إتخذه بحذف المادة 50 من قانون إنتخاب المحافظات وأن يصوبها ويكملها بأن يكون هنالك تمثيل للصابئة المندائيين أيضا، فما من إجحاف أشد إيلاما ولا تجاوزا للحق أكثر تبرما من أن لا نجد مثل هذا التمثيل لهذه المكونات التي طالما أشار الجميع بأنهم يشكلون باقة ورد العراق الملونة الجميلة وأنهم فسيفسائه البهيج. ونناشد السيد ممثل الأمم المتحدة في العراق وجميع المنظمات الدولية أن يكونوا سندا في مخاطبة البرلمان العراقي لأن يجد الحل المنصف لتمثيل هذه المكونات في مجالس المحافظات وعلى وفق إقرار الدستور لهم تسمية.                                                                                                         
كما نناشد جميع الأقلام العراقية الحرة والشريفة بأن تقول كلمتها وتنصف هذه المكونات من الحيف الذي صار ملازما لها ولوجودها. وليساعدنا الجميع في أملنا بالعراق والعودة للعراق والبقاء في العراق.         

 drabsha@yahoo.com

 

12
تزامنا مع إعتماد الأمم المتحدة عام 2008 عاما للغات الأم وبخاصة المهددة بخطر الإنقراض




   
   معجم المفردات المندائية في العامية العراقية 
   

                          تأليف: الدكتور قيس مغشغش السعدي

"... أكــو، ماكـــو، ﭽـا، يمعـوّد، أبـــو خريـان، عـﮔروﮔـة، عالميمــر، ياعين موليتين، ﭽـــوبي، على مـــودك، بهداي، خاﭽــيـة، ترﭽــيـــة، لوتي، طرشي، قـــوزي، زعطـوط..." والمئـــات من الكلمـــات التي يتــداولها اللسان العراقي عامة وربما يجتاز استخدام بعضهــا إلى عــــدد من الدول المجـــاورة، لا تــــرد في اللغـة العربية ولا تتأسس عليها. كما أنهـــا ليست دخيلة من لغات بلدان الجوار، ومــع ذلك نجدها لصق اللسان في العامية العراقية، بل أن بعضها صار سمة له. إنهــــا بقايا لغـــات سكان بلاد النهـــرين قبل أن تُعتمــــد وتشيع اللغـة العربية على لسانهـم، بعضهـا سومــري وآخــــر أكدي وآرامي. طـُمس التعـرف على أصولهـا واستخداماتهـا السابقـة، وصار من يحاول معرفة مرجع هذه الكلمات كباحث الآثــار الذي يبحث وينقب، فلا فرق بين التنقيب في الأرض العراقية بحثا عن آثار حضاراتها، والتنقيب في اللغة العامية العراقية بحثا عن أصول مفرداتها للوقوف على المعاني الأولى لمقاصد هذه الكلمات التي مازالت متداولة والتي  غدت تـُفهم بمدلولها لا بأصولها.                                             
                                               
في هذا المعجم حاولنا فك عجمة الكثير من هذه الكلمات والوقوف على المعاني الأصلية للعديد منها من خلال ما ظلت تحتفظ به اللغة المدوّنة للصابئة المندائيين باعتبارها الفرع النقي للغة الآرامية الشرقية، التي كانت سائدة في وسط وجنوب العراق، فتكون بذلك شاهدا في المعنى وشهادة في الوجود.                                       
                                                   
وحرصا على معرفة وتوثيق أصول هذه المفردات فقد كان هذا الجهد الذي تابعناه لسنين ثم أصدرناه بهذا الكتاب الذي يقع بقسمين.                                                                                                                                                     
 يتضمن القسم الأول فصلان عن اللغة المندائية. الفصل الأول عن: لغات بلاد ما بين النهرين، المندائيون ولغتهم، لماذا اللغة المندائية، اللغة المندائية في بلاد ما بين النهرين، نشوء اللغة المندائية، مصادر اللغة المندائية، تاريخية اللغة المندائية، اللغة المندائية في العراق وإيران، اللغة المندائية اليوم. أما الفصل الثاني فيتضمن الأبجدية المندائية، القيمة التاريخية للأبجدية المندائية، الحروف والتهجئة، القيمة العددية للحروف، جوانب التقارب بين اللغة المندائية ولغة الجنوب العراقي، قابلية المد والخط في الكتابة المندائية. يقع الفصلان بـ 110 صفحة.                                                                                       
   
أما القسم الثاني فيتضمن المعجم الذي إشتمل على حوالي 1250 مفردة من المفردات الشائعة في العامية العراقية التي تتأسس على اللغة المندائية. بعضها تأسيس كامل، والآخر متداخل مع الآرامية الشرقية كون المندائية الفرع النقي لها. وقد وضعت المفردات بنسق خاص تضمن أربعة حقول. خصص الأول للكلمة كما يرد إستخدامها في العامية العراقية، والثاني للكلمة كما يرد لفظها في اللغة المندائية بحسب أساس الفعل مع طباعة الكلمة بالحرف المندائي، والثالث لطريقة لفظ الكلمة بحسب الحروف اللاتينية مع معنى الكلمة باللغة الإنكليزية، أما الرابع فكان للمعنى باللغة العربية مع الشرح والتوضيح للإستخدام وكيفية وروده في العامية العراقية مدعما بالمثال أو الشعر العامي أو غير ذلك مما هو معتمد وشائع في الإستخدام المعروف. وقد تضمن التوضيح أحيانا تصويب بعض التأصيلات السابقة لبعض الكلمات من قبل باحثين ومعنيين عراقيين في العامية العراقية تأسيسا على ورودها في اللغة المندائية.                                                                                                                       
                                               
24  سنتيمترا. طبع بألمانيا بغلاف خياطة من النوع المقوى. Xالمعجم بمجموعه يقع بـ 437 صفحة من القطع الكبير 17

 للحجز يرجى المخاطبة على    drabsha@yahoo.com

13
الترسيم الكاردينالي رسالة الفاتيكان

للتعايش السلمي في العراق

 

د. قيس مغشغش السعدي

 

أبناء شعب واحد وإن اختلفت الديانات طالما أن الإيمان بالله واحد، والانتماء في الوطن واحد. وقدر فخر العراق بحضاراته فبناتها نسل موصول مازال حاضرا في آثاره التي تخلد آلاف السنين الخوالي ، وفي إنسانه الذي ما زال يحفظ عهد الوجود المؤسس الأول، وفي لغته التي ما زالت مفرداتها سومرية وأكدية وآرامية في لسان عامة شعبه تواصلا ساميـّا مع العربية.                                                           

وعلى قدر الصبر على دهور القهر والظلام ، فإن التطرف والتعصب الذي أشيع في العراق والذي يراد به مسخ الهوية وقلع الجذور ما زال يواجه عمقا منيعا في الانتماء والإصرار في التصدي رغم كل التحديات والإباحات وكبر حجم التضحيات.                                                                           

كنيسة العراق قائمة منذ انتشار الديانة المسيحية في العراق بأواسط القرن الأول للميلاد. فقد بشر بها في العراق والجزيرة العربية (مار ماري) تلميذ (مار توما ) أحد رسل المسيح الإثني عشر والذي أسس مقره الكنسي فيما بعد في المدائن ( سلوقية وطيسفون). وما لبث كرسي المدائن أن أصبح ( بطريقيا ) يشرف على الكراسي الدينية الأخرى ، وسميت كنيسة العراق - في القرن الثالث الميلادي بإسم - كنيسة المشرق تميزا لها عن الكنائس الأخرى آنذاك ككنيسة القدس وكنيسة الإسكندرية وكنيسة إنطاكية وكنيسة روما والقسطنطينية. ولم يغير الإنتماء الديني عرق أبناء شعبه من ذوي أصل الوجود، فظلوا عراقيين مثلما ظل المندائيون عراقيين وظل الأزيديون عراقيين ومن عاش من الكرد والتركمان والشبك عراقيين أيضا. وقد حفظت الخلافة الإسلامية في أوج عظمتها هذا الوجود وهذا التنوع ، بل وحافظت عليه.

وعلى كل البطش والتقتيل الذي أحله هولاكو في العراق وبغداد حصرا، لم يسع إلى التهجير الديني والعرقي والطائفي. وكان ما أصاب العراقيين واحد، ولذلك كان نضال العراقيين واحد في الصبر على النائبات وتجاوز المحن وتحدي الدخيل من أجل أن يبقى العراق مثال التنوع والتعايش الذي ورثه، ذلك أن الأساس والوجود قيـّم وقديم. إلا ّاليوم في الهجمة الأشد والأشرس التي صار فيها القتل على الهوية بعد تغييب هوية العراق، والدين للتعصب والفتك بالآخر وتهجيره سعيا في الإستغلال، والإرهاب طمعا في إمتلاك العراق على كل الخير الذي فيه والذي يكفي الجميع وزيادة، والتجهيل الذي يرى في الكثرة غلبة وليس رعاية تحتضن جميع الأبناء من الذين يتفاخر العراق بأنهم إمتداد شعوب بناة حضاراته. كلدان بابل في المشرق وآشوريو نينوى ومندائيو أور وأزيديو شيخان وسنجار... ليسوا أقليات أو جاليات، بل بناة وسمات العراق ومورثي إرثه حتى تكامل مع الحضارة الإسلامية التي أسسها العراقيون في بغداد الدنيا. كيف إذن نتباهى بحضارة سومر وبابل وآشور دون أن نتباهى بمن بقي من بناتها حافظين النسغ الصاعد. أيكفي أن نحترم الحجر دون أن نحافظ على البشر؟ وهل ننتظر من يقدر في شعبنا وأمتنا أبناءنا لكي ينبهنا الى تقديرهم فنقدرهم؟ وليت هذا التقدير يستمر!

ها هي إذن رسالة الفاتيكان بمرجعيتها وحبريتها تعلن وتؤكد أن الوجود المؤسس لأبناء العراق القدماء يستحق كرسيا كارديناليا على مستوى العالم المسيحي، فيُرسم أحد أبناء العراق من الذين نازعت جذوره العراقية كل عوامل التعرية والإقتلاع ولم تنزع.. ترسيم إستحقاق للوجود وترسيم كفاءة رجل عرفناه محبا لوطنه وحريصا على الإنتماء حد التضحية بالنفس على تراب العراق. ترسيما يبلغ رسالة الفاتيكان المباشرة الى العراق أن التعايش السلمي بين جميع أبنائه هو الهدف الذي يجب أن يضعه الجميع نصب عينيه دون غلبة أو تجاوز أو هضم حقوق. فهل بعد هذا يتحرك الدستور العراقي نحو إقرار الحقوق؟ وهل يناقش البرلمانيون سبل تفعيل الفقرات والمواد بما يجعل التنفيذ ميسورا ومكفولا؟ وهل تفرد جلسات لمناقشة خطة حريصة لكيفية الحفاظ على مكونات الشعب العراقي غير المسلمة؟ وهل من تفكير في مآل من توزعوا في بلدان المهجر والنزوح؟ وهل من بعض تخصيص مالي يسهم في دعم جهودهم لتدوين وتوثيق إرثهم الخاص وتاريخ وجودهم في وطنهم العراق؟ الأمل في أن لا ينتهي الحدث عند حد الإحتفال بل يكون مبشرا بالآمال في عراق التعايش السلمي.

   

وبقدر مشاركة المندائيين إخوانهم المسيحيين في جذر العراق المشترك فإنهم يشاركونهم فرحتهم ويباركون لغبطة الكاردينال مار عمانوئيل الثالث دلي هذا الترسيم وهذا الإستحقاق ويدعون الحي العزيز أن يمن عليه بالصحة والعمر المديد ليكون في كرسيه الكاردينالي راعيا وخادما للعراق والعراقيين جميعا وغير منقطع عن خدمة العائلة البشرية في تحقيق السلام والأمان وسعادة الإنسان.

صفحات: [1]