الفصل الرابع عشــــــــــــــر
(( 1 ))
هوني لاند تزدحم بالزائرين . السيد فورستر مع مجموعة من مساعديه وشركائه وهم في حركة دائمة، منهمكون في مقابلات واتصالات واحيانا اجتماعات مطولة، وجوه غريبة بعضها لا يحمل الجنسية الأمريكية، اعمال مستمرة، مكتب كولبي يبقى مشغولا لساعات طويلة احيانا لســـاعة متأخرة، انا الأخر منغمر في مسايرتهم والسهر على راحتهم او في توجيه العاملين الساهرين على راحة الضيوف، لا اعلم الى أين او الى متى وما هم عاملون .. ماذا يريد كولبي من كل هذا ؟ أين تقع حدود طموحاتك يا صاحبي ؟! مسكين كولبي ! هل اطمأن الى جزء صغير من حياته ليبسط ذراعيه حول العالم محاولا ان يتناوله لقمة واحدة كأني أراه يحمل حبلا يديره حول العالم ليحمل الكرة الأرضية على ظهره ويهرب بما فيها ولكن الى أين ؟ حين قلت (( أنت ترهق نفسك يا كولبي )) ضحك وقال (( انه العمل، بالعمل يا أدم نشعر بالراحة بعد التعب اما ان جاءت النتائج جيدة نسينا التعب وحلت السعادة .. نحن ننال اكبر انتصار يا آدم شركاتنا تغزو العالم وأسهمنا تتضاعف يوما بعد اخر، هل تتذكر تلك الأسهم التي اشتريناها باسم كيتي اليوم تعطي عشرة أضعافها . أغنياء العالم يأتوننا للتعامل ، خصومنا يتملقوننا لنشاركـهم فـي أعمالنا )) انا اعرف كولبي ولا يمكن ان أقنعه بسهولة والذي أؤمن به مقدسا في الحياة يراه تافها هزيلا حتى عن سلامة عائلته قال يوما (( الست أنت متفرغ للأمور الداخلية يا أدم علام تشغلني )) وكنا يومها نناقش مسألة ضجر نانسي . كولبي يتصور الحياة عيون وأذان والسنة تراقب وتسمع وتتحدث وأفواه تتنعم بالطيب، اما الأفكار السامية و المشاعر الإنسانية فهي خارج دائرته . منذ شهرين وداني غائب لم يزر هوني لأند .. غدا تعود كيتي وقد أكد ان المناسبة مهمة تحتم علينا التحضير الجيد . يريده احتفالا رائعا فريدا والكل ينتظر ذلك اليوم ومكتبه لا زال مشغولا بالزائرين المهمين كما يسميهم، لا أحد يدخل عليه سوى السكرتير الشاب الذي جاء به طومسن ليساعده ويبقى في هوني لأند يرابط في مكتب كولبي ولم يغادر الى المدينة منذ مدة وقد خصصت له غرفة مريحة . صار كولبي شخصا نادرا بالنسبة لي بعد ان كنت أتهرب من لقاءاته ومرافقته او جلساته في البيت وخارجه كم حاولت ان أراه لكن السكرتير الشاب منعني، احيانا بخشونة فأنسحب مستاءاً . كانوا على مائدة الطعام وكولبي يضحك بصخب معه سيدان وسيدة بالاضافة الى طومسن والسكرتير الشاب تقدمت اليه وهمست .
- يجب ان أراك على انفراد .
قال بصوت مرتفع وهو يكمل ضحكته : هيا يا آدم قل ما عندك وأنت تراني جالسا أمامك .
- لكنها أمور خاصة لا تهم السادة الحاضرين .
- حسنا بعد الغداء سألحق بك في غرفتي .
انسحبت مستاء لكنني سمعته يقول لضيوفه : انه الإنسان الوحيد في العالم الذي أخشاه ولا أستطيع رفض طلباته .
أعجبني إطراءه وتماهلت في الخروج، سمعت احد الرجلين يقول : يبدو مخلصا لك وله فترة طويلة في خدمتك .استدرك كولبي بسرعة وقال بنبرة جدية :
- أرجوك ان تصحح معلوماتك، الرجل ليس خادما .. انه صديق العمر، له مكانة خاصة عندي .. لقد نشأنا سوية في ظروف صعبة ولم نفترق حتى بعد زواجنا بالرغم من اختلاف لونينا وأفكارنا وطباعنا أليس ذلك غريبا . ؟
كنت جالسا في غرفته حين دخل وظل واقفا ينظر ألي وفي عينيه سؤال واضح لكنني التزمت الصمت احتجاجا ضحك وتقدم ممسكا بكتفي يهزني .
- ما بك ؟ الذي رأى سحنتك تصور ان العالم يوشك ان يتهدم .. ما الامر يا أدم كأنك تضيق ذرعا بضيوفي او تكون تعاني من الغيرة ام انك تكره نجاحاتي ؟ ليت تلك المرأة نانسي مثلك لأعطت لحياتنا طعما اخر .
- وانا ما اشتقت الى كولبي الحبيب .
- أذن ما الذي جعلك تغزو مائدة الطعام ؟
- وهل نسيت ؟ كيتي ستصل غدا .
- حقا ! كم انا مغفل لم أفكر بالأمر اليوم، لن اغفر لنفسي .. انشغلت بأمور مهمة ولكن ماذا دهاك ألم يكن باستطاعتك ان تتصرف .. انهم سيصلون غدا في الخامسة بعد الظهر وسنكون هناك في المطار لنستقبلهم، بالنسبة لي سأنهي كل أعمالي اليوم وغدا صباحا تستلمني في العاشرة صباحا ولكن حين أعود الى هوني لاند يجب ان أجدها وقد لبست ثوب العرس . أضواء وزينة وازهار وصورة كيتي في كل مكان، بالاضافة يجب ان اجد كل ترتيبات الاحتفال جاهزة موسيقى وطعام وشراب لمئات من الناس والخدم من خارج هوني لاند لأنني وعدت القاطنين في هذه الضاحية ان اجعلهم ضيوفا يتمتعون بالاحتفال
كسادة محترمين .
- كل ذلك اهيئه انا ولكن كيف ؟
- تصرف .. هل انتهيت ؟
- وداني ؟
- ليس من الضروري ان تذكرني بهذا الأحمق، ان كان بإمكانك تصرف .
- لكنه ليس هنا ولا عنوان له يجب ان تفتش عنه، ان تجند قومك الذين يخرجون الإبرة من قاع المحيط .
- تصرف أنت في هذا . لا شأن لي ايضا .
- كنت أريده فرحا حقيقيا .. أريدها نقلة اساسية في حياة عائلتكم .
- ايضا تحاكمني يا رجل متى ستنسى هذا الاسلوب الذي اكرهه ؟
- بل كل المحيطين بنا سيشعرون ويتساءلون وقد شبعوا من الروائح الكريهة التي تملأ جو هوني لأند .
- تبا لك من قاس .. انا غارق اليوم في اعمال مهمة وسأغادر بعد قليل افعل أنت ما تراه ملائما حتى ان كان ضد إرادتي وانا واثق ان لا جدوى من السعي وراء ذلك المراهق انه صورة من أمه .. لا تسخر اعرف خبثك ستكرر انه ورث عنادي وطول قامتي لكن لم يستفد منهما، أعدك باني سالبي كل طالباتك سأستقبل نانسي بلطف ورقة وسآخذ داني بالأحضان ان عاد فقط اعطني الفرصة اليوم لأنهي أعمالي، كما تتصرف ايضا بشأن ابنك استقدمه كما شئت . (( ليتك يا كولبي تعطي كل مسؤولياتك حقها )).
رمى أثقاله علي وانسل . نزلت الى الصالة وانا أفكر كيف ابدأ أصبحت ملزما بتحقيق كل تلك الأمور، علي أولا ان أرتبها ثم ابدأ بألاهم .. ابتدأت بمشكلة داني سأستفيد من الهاتف الذي يصلني بأصدقائه او بأهلهم، سأغريهم بالمال ليحضروه .. هذا امر سهل في غرفة كيتي بعض الهواتف .. يا رب اهل ليلي غاضبون ينتظرونها منذ أسبوعين ولا يعرفون لها مقرا قد يقدمون شكوى ضد داني فور ستر .. هذا هاتف سام . أكدوا انه ترك العمل منذ شهرين .. حاولت مع الآخرين وفشلت، آه هذا هاتف عاملة البدالة التي يعمل بها إليك .. ربما صديقته، جانيت نعم جانيت .. سررت حين قالت انا جانيت .. انا آسفة لا اعلم عن داني فور ستر وماذا افعل ان كان ابن فور ستر او من هوني لاند ليكن من البيت الأبيض .. إليك لا لا لا اعرف مكانه لست خائفة، خبر يهمه قد يكسبه الملايين ماذا هل مات أبوه ؟ لا لا يا صغيري لا تستطيع لقاءه اليوم او غدا لأنه خارج البلاد ربما خارج القارة، ربما في الأرجنتين … لا اعلم ربما يصيدون العصافير او الفراشات الملونة … حسنا سأبلغهم ان اتصلوا .
(( تستحق هذا يا كولبي تجمع الناس من البلدان الاخرى وتشرب معهم الأنخاب بينما تزرع وحيدك في بلاد الله لا تعلم ماذا يفعل او ماذا سيكون مصيره ))
وهذا كارل يجب ان يحضر والفتاة ستطلبه بأي ثمن والوقت ضيق والاحتفال قريب والزينة مهمة، لقد أكد عليها الأحمق مرارا، يريد هوني لاند عروسة سأجند كل الفلاحين والعمال والعاملات سأمنحهم مكافآت مجزية .. آه سأبدأ بذلك العجوز الثرثار الذي يعرف كيف يجمعهم ويوجههم من اجل قنينة ويسكي .
- أنت أيها العجوز المتصابي ؟
- ما الامر يا أدم ليس من عادتك ان تزورني .
- الا ترغب ان تكسب قنينة ويسكي ربما اثنتين .
- هيا كلفني بما تريد انا خادمك المطيع .
- انا بأمس الحاجة إليك يا صديقي، غدا ستحتفل هوني لأند بعودة الآنسة فور ستر ويجب ان تزين هذه البقعة بأجمل ما يكون كما يجب ان نستعد لاحتفال فيه طعام وشراب وموسيقى ورقص .
– وما مهمتي ؟ انا أجيد الرقص والغناء ان ارتويت .
- كل تلك الأمور يا بول مطلوب إنجازها، وأنا لا اعرف كيف أتصرف .
- وأصحاب الشأن ؟
- ما لك ولهم .
- تراهم الان يتمددون باسترخاء على أسرتهم او في مقاعدهم الهزازة .
- ليس هذا وقت المزاح السخيف هيا تصرف أنت تحتاج الى جهد كبير .
- وعلام تتعب نفسك، سأشير عليك برأي على شرط ان تفي بوعدك .
- أعدك بذلك ان أنجزت المهمة .
- خذ اية صحيفة واتصل باية شركة للخدمات ترعى الاحتفالات ستجدها تتكفل بكل شيء حتى ببرنامج الاحتفال وتقديم ما تحتاجونه من أطعمة وشراب وفنانين وفنانات .
- يكفي هذا أيها الماجن، هل أنت صادق وواثق من ذلك، لك مني قنينتان من افضل مشروب
تناول الصحيفة وراح يدقق حتى قال : خذ هذا الرقم واتصل بهم .
- هل تعلم أيها السكير اللطيف انك أنقذتني من اكبر ورطة كنت أتصورك غبيا .
- ووعدك قائم وسأقوم انا بالمهمة . واذهب أنت أيها القديس المخدوع سيكون كل شيء مهيأ ما دام في الامر قنينات فاخرة .
…………………………………
(( 2 ))
كارل ركن مهم في مناسبة الغد، انا خائف ان يكون قد تحول عناده تمردا . هذا زمان تمرد الابناء على الاباء . تمرد كارل يعني الكثير، حين يتمرد علي أكون انا قد أوغلت في أوهامي وابتعدت عن الواقع وهو يحذرني (( أبي خفف من الاعتماد على العواطف وأنت تتعامل مع شياطين الارض )) كارل ليس الان طفلا لأزجره انا سعيد لأنني وجدته سعيدا بلقائي كأنه ينتظرني منذ فترة . بدأ النقاش هادئا، حاول ان يقنعني ورأسمالي عواطفي ومشاعر كيتي اما هو فمتمسك بالمستقبل الذي هو مستقبله قال :
- ما تقوله حقيقة يا أبي لكن وراء هذه الحقيقة نكبة حقيقية ايضا كل منا يخطط لها، نار كبرى وكيتي وحدها ستكون الحطب الذي يحترق، انا قررت ان اقفل باب الحب في قلبي، لست قاسيا، سأحبسه في قلبي لان قتل الحب جريمة لا يستحق صاحبها الحياة، قل يا أبي هل ممكن ان نتساوى انا وكولبي في الساحة يوما؟ ذلك مستحيل هل ممكن ان نحرم الفتاة من ابيها بعد ان وجدها ؟ ايضا مستحيل .
- ولكن الفتاة يا ولدي …
لم أستطيع الاستمرار لقد سد ولدي كل المنافذ في وجهي قاطعني ليقول :
- من حق الرجل ان يتشبث بابنته بعد ان خسر ابنه، محقا كان كولبي او ظالما ونحن نظلمه ان أجبرناه على ذلك، كولبي يعرف جيدا انه ليس بمستطاعه ان يمتلكني كما امتلكك وقد حاول ولو نجح لما كانت هناك مشكلة . (( كنت أصغي اليه حزينا لأنه يبسط أمامي حقائق مؤلمة كنت أتهرب منها بل أخاف التفكير بها انها الان أمامي وكأنه يلقي قصيدة رثاء في مأتم من يحبهم كيتي العزيزة وأبيه المسكين ))
- ولكن يا ولدي لماذا تبدأ الرمي على الفتاة التي تحبك ؟ ليكن أبوها هو البادئ، لقد طلب مني ان ابحث عنك .
- لماذا ؟ يبدو أننا لن نتحرر من عقدة كولبي وتحاول الان ان تربطني معك في عقدته لماذا – لا تدافع عن نفسك يوما، أنت تسلم السوط بيده وتطلب منا ان ننحي له بظهورنا .
- مخطئ أنت في هذا وأنت ترى لا احد يقف بوجهه غيري .
- لأنه مطمئن إليك لا يتوقع ان تغدر به ويوم يشعر انك تخرج عن حدوده سيضربك . دعني ابتعد وأعطي فرصة لكلينا لنفكر بروية، انا أتحرر من هوني لاند وهي تحررت من مقعدها قد نلتقي في ظرف غير هذا .. أمامي طريق واسع لقد فزت بما لم يفز به زملائي انا الان بصدد دراسة فريدة في عالم الطب واكبر الأساتذة يتعاونون معي لنجري بحوثا مشتركة سأبقى بعيدا هناك في لوس أنجلوس واترك الامر لكيتي حين تتحرر تماما .
- انا فخور بك يا ولدي لن اطلب ما لا ترضاه سوى ان تعطي فرصة لها لا ان تصدمها في عودتها ليكن لقاءاً تتمناه … احضر ذلك الاحتفال وحدثها بصراحة ثم ودعها مخلصا حينها تكون قد تصرفت معها كرجل كريم وبإخلاص محب هيا حملها مسئوليتها .
عدت الى هوني لاند يائسا لم اهتم للورقة التي تركها بول في غرفتي كل شيء سيكون على ما يرام حسب اتفاقنا . استيقظت كعادتي مبكرا والكل نيام، خرجت لأقوم بجولتي والفجر يمسح هوني لاند بضياء احمر جميل قصدت بول العجوز لأطمئن على سير الأمور كما أكد لي البارحة ان كل شيء سيكون على ما يرام . في الساحة الكبرى سيارتان كبيرتان وأخرى صغيرة وخمسة شبان منهمكين في تفريغ السيارات وبول يحادثهم بنشاط ما ان رآني حتى قال : هيا يا صديقي كل شيء على ما يرام هؤلاء العمال سيلبسون هوني لاند أثواب جديدة سيجعلونها عروسا فاتنة هنا زينة وشراب وطعام بعد أربع ساعات سيتم كل شيء فقط ان توقع على هاتين الورقتين .
وجدتهما قوائم بالمواد وعقد بالعمل وانا مبتهج، حملت سروري ودخلت القصر مطمئنا لقيت سماتا قرب الدرج المؤدي الى الطوابق العليا واستغربت لأمرها ما ان شاهدتني حتى قالت :
- كنت بانتظارك هيا الى غرفتي، انهم لن يتركوني أعيش بسلام . ولم تدعني استفسر بل استرسلت منفعلة : البارحة مساء مر احدهم امام باب غرفتي لم يطرق الباب وقف برهة ثم ادخل ورقة صغيرة أسرعت الى الباب وقرأت الورقة (( سأنتظرك الليلة ان تغيبت غدا سيتقرر مصيرك )) وهنا راحت تفتش عن الورقة بينما قلت لها مطمئنا : لماذا لم تخبريني ؟
- علمت انك كنت متعبا ومشغولا بعد سفرك المفاجئ فلم اثقل عليك .
- هيا كفاك ثرثرة .
- كنت سأخبر كولبي واستقيل من العمل هنا لولا ان زارني اليوم مبكرا ورمى ورقة اخرى
- أين هي ؟
- ايضا في الغرفة مكتوب فيها (( اخرجي مبكرا الى حيث روكي ستجدين ما يسرك )) .
- وهل ذهبت ؟
- - كيف اذهب، قد تكون هناك مكيدة او فخ .
- هيا لنرى ماذا عند روكي .
- – الا تطلع على الورقتين أولا ؟
في غرفتها أعطتني الورقتين وكانتا موضوعتين على المنضدة قرب السرير قلبت الورقتين بين أصابعي كانتا ناصعتين لا اثر للكتابة عليهما بسطتهما أمامها ارتعبت وقالت :
- كيف تسنى لهم تبديلها . لا بد ان أحدا دخل غرفتي . قلت لها :
- أخشى ان تكوني واهمة . بينما كنت متأكدا انها كانت صادقة . قالت خائفة :
- الان فهمت انهم يحاولون تحقيق جنوني . تفحصت الورقتين وصاحت : أبدا يا عم انها هذه الورقة لأني كنت منفعلة فقضمت طرفها بأسناني .
- ولكن أين الكتابة .
– وهذا ما يرعبني .. هل انا مجنونة .
- أبدا يا صغيرتي .
– إذن كيف حصل هذا وما سر الورقتين .
- هيا لنرى ان كانت عند روكي مفاجأة اخرى، انها اعمال صبيانية لثعلب جبان، كنت أتصوره أسدا، بئس الرجل الذي يتبع مثل هذه الأساليب مع فتاة يحبها .
رافقت الفتاة الى حيث مأوى الكلب روكي هناك على باب المأوى وجدت قطة نانسي تتدلى مشنوقة . ارتعدت الفتاة وصاحت وقد تقلص وجهها خوفا وتقززا من منظر القطة الجميلة وهي معلقة، ناديت احد العمال ليرفعها ثم قلت للفتاة وانا أقودها الى الداخل وهي في أسوأ حالة :
- انا الاخر مهموم وحانق لهذه الاعمال القذرة .
رحت أفكر، ماذا يرمون من وراء ذلك ؟ تناقضات عديدة لا يمكن تعليلها طمأنت الفتاة لانصرف الى أعمالي في ذلك اليوم المشحون قالت خائفة :
- هل كانوا يقصدونني ام سيأتي دوري ؟
- اقسم يا صغيرتي ان الذي يفعل هذه الأمور يحبك .
- لكنه وحش .
– فقط يريد إقناعك .
- ولكن لماذا تلك القطة بالذات ؟ ما علاقتي بها انا خائفة ليتك تفسر هذه الألغاز .
كانت أسئلتها متلاحقة دون ان ننتظر الجواب فقط تعبر عن رعبها، أخذتها الى المطبخ قلت لإحدى الخادمات ان تعد لها قدحا من عصير البرتقال وأمرتها ان لا تفارقها .
خرجت متألما للذي يجري، سماتا الفتاة النقية التي تظهر عليها آمال والآم العاملين بصورة صادقة لا كذب عندها ولا رياء، لا تسعها الدنيا حين تقرأ الفرحة في وجوه الآخرين كتب عليها ان تعيش في رعب مستمر، اية مفارقة سخيفة هذه . وهذا الغبي يفرش طريق الحب بالرعب والغدر لا يعطيها الا الآلام والقذارة البعيدة عن روحها النقية لقد حملت الفتاة على ان تكون امرأة لكولبي، او يكون دوري شرا على الفتاة، أحطمها من حيث لا ادري ؟ سماتا النقية لا تدع الشر يدخل قلبها او فكرها مؤمنة ان نجاحات كولبي وعطفه على من حوله هي من لها دورها في صنعها حين تطفي السعادة على يومه، وكارل لا يؤمن بهذا المبدأ الذي ألزمت الفتاة به لأنه يردد (( انتم لستم الا خدما ترضون سادتكم ولكن زلة واحدة تكفي لتمسح كل الذي فعلتموه، والزلة عندهم يا أبي كالخطيئة المميتة تكفي ان تقود صاحبها الى جهنم، فمرض كلب او قتل قطة مدللة جريمة لا تغتفر )) قتل قطة ؟ لا اعلم هل كان كارل يتنبأ وسماتا الان دخلت دائرة الخطيئة المميتة لا لا وألف لا سأبقى الى جانبك يا صغيرتي ولا تصدقي كارل، فالرحمة في كل قلب فقط .
تحتاج احيانا الى إيقاظها حين تلمسها يد مباركة، اما كارل هذا فقد أفسدوه في الجامعة بأفكار متطرفة واستفزه كولبي فبات لا يعترف بقوانين السماء ولا بقوانين الارض .
خرجت مختنقا أحاول ان اطرد ما في جوفي . صدري منقبض وفي رأسي افكار مشوشة لا اعلم هل أخطأت الدرب في هذه الحياة، أنا أفكر الان لو يتسنى لي ان ابدأ من جديد وانسى كل الذين اقترنوا بأيامي بعضهم يبدو هيكلا جميلا سالما، مغلفا بملابس أنيقة لكن الشر ينخر في داخله، السؤ يغذيه بالكراهية فلو عدت من جديد يا ولدي كارل لاخترت طريقي هذا .
هواء الخارج ينعش نفسي الضيقة فوجئت بما رأيت الساحات الأمامية تزهو بزينتها وكأنني ارتاد اماكن غريبة، لقد حولها اولئك الشياطين الى عروس سحرية تنتظر كيتي الحبيبة وهي جزء من هوني لاند، كم تمنيت ان يكون عرسا حقيقيا وكارل عريسه . العمل لا زال قائما والأيادي السحرية تعمل وتفرش الزينة لتمتد الى كل بقعة صور جميلة لكن قلبي مسحوق يعتصره الألم متمنيا ان تنسيني الصور الجميلة هذه، قبح هوني لاند الحقيقي وجنون كارل الذي كان يعشق كيتي الكسيحة وهو اليوم يهرب منها وهي صحيحة قوية، كيف أنسى القبح الذي يمسح كل جمال، سماتا المرعوبة امام القطة المشنوقة، هوني لاند التي أنضجت تلك التفاحة كيتي برقتها وبراءتها تغرق في قبح الآخرين والحقد والكراهية، والمؤامرات ميسور فعلها، بعد ساعة سيبدأ الصراع الحقيقي … رباه علام هذه التجربة الصعبة وأولادنا ما جنوا ذنبا سوى إننا آباؤهم والى متى ستنسحب آثامنا الى أولادنا لتبتلعهم .
في الواحدة والنصف وصل كولبي، لم اندفع لاستقباله رغم ان كل شيء اصبح معدا وكما يشتهي حاولت ان اشغل نفسي حين سمعته يناديني .. كأنك تتهرب مني أيها العجوز بينما أبلغتهم بوصولي ورغبتي بلقياك .
- مهام اليوم كثيرة يا صاحبي عليه سنتجاوز الأمور المتعلقة بنا .
- فقط أردت ان ابدي إعجابي أنت رائع وهذا العمل رائع ان من يرى هوني لاند لا يتصوره الا جهد سنة كاملة من العمل، كل هذا في ساعات قصار ؟ آنت عظيم يا آدم .
- بل نقودك هي العظيمة وأيضا اولئك الشياطين الذين يجيدون مهمتهم .
- لا تهتم للكلف يا آدم، هل من مشكلة تشغلك، سأعد نفسي بعد راحة قصيرة لنستقبل كيتي .
- وانا سأكون بانتظارك .
– وهذا ريدي لك ان كنت بحاجة اليه .
- أبدا يا صديقي .
وكنا في المطار وانا اغلب دموع الفرح لا اعلم ان كان كولبي يشعر بالحنان الذي نما في داخلي تراصفنا على الشرفة وكانت المفاجأة التي ألجمتنا جميعا، كأن كارل في الصفوف الأمامية مع المستقبلين، يبدو انه وصل قبلنا وأرادها مفاجأة، شكرته وشكرت الله لنبل مشاعره لم يقل كولبي شيئا إنما اخرج منظاره المقرب استعدادا لمشاهدة موكب المغادرين من الطائرة . النداء ينبئ بدخول الطائرة أجواء المدينة راقبناها تحوم بنصف دائرة ثم تبتعد الى طرف بعيد من المدرج وراحت تهبط حتى توقفت بعيدا عن الشرفة لكنه بإمكاننا ان نرى الهابطين ونميزهم بوضوح . كولبي الى جواري منظاره على عينيه قال : (( احب ان أرى السعادة على وجه كيتي وهي تنزل من سلم الطائرة سأجتهد لأرى التعابير الدقيقة وهي تنزل بثقة )) بدأ الركاب نزولهم وكلما هبطت مجموعة نزداد قلقا حيث لا نرى كيتي او يكون كل هذا العدد الضخم في ذلك الصندوق الطائر، سمعت كولبي يقول (( أين هم لم يظهر احد منهم )) وجدته اكثر قلقا مني يحرك ساقيه لا إراديا وراح يردد بانزعاج : ما هذا يا آدم .
- ماذا ؟
- ليسوا ضمن المسافرين .
– وما مسئوليتي ؟
- لم اقصد، ربما تخلفوا كان عليهم ان يعلمونا لكن أسماءهم ضمن المسافرين .
وهنا ظهرت العجوز جيرالدين تهبط كالخنفساء ببطء، بصق وهو يقول بغضب .
- هو أنت أيتها البومة، انظر يا آدم من يتقدم الموكب .همست وانا اضغط على كتفه :
- اصبر مادامت طلائع الموكب قد بانت .
ظهرت الممرضة الحسناء آن ولوحت بيدها، ازداد كولبي غضبا وهو يتحرق شوقا حينها علمت انها احدى ألاعيب كيتي فاطمأن بالي، منذ كانت طفلة تهوى التلاعب بعواطف والديها وحين كنت أعاتبها كانت تقول (( فقط لأحرك جمود أبي )) نظرت اليه وهو يكظم غيضه أردت مشاكسته قلت :
- هذا كثير فقط لو كنا نطمئن . قال بصوت عال :
- جئنا ليعذبونا ، الا ترى هذا ؟
وهنا ظهرت نانسي وهي ترتدي قبعة كبيرة وبنطال ضيق يظهر مفاتن جسمها كانت في أبهى صورة بصق كولبي ثانية وقال :
- هل تتصور ان هذه المرأة تصلح ان تكون اما ؟ قلت دون ان انظر اليه :
- أنت غبي يا كولبي .
– وأنت الاخر كذلك .
- يا رجل ما دامت زوجتك بهذه الهيئة فمعنى هذا انها هي سعيدة الا يكفي هذا ؟
- إذن هم يتلاعبون بعواطفنا .
- انظر .. انظر يا طفلي الصغير تلك هي كيتي .
وبرزت الفتاة طويلة، لم أتصورها بذلك الطول، كانت دوما متكورة في مقعدها وقفت قليلا على السلم لوحت بيديها مستقيمة نحيفة، لم تترنح او تستند على مسند الطائرة نزلت بهدوء علمت انها لا زالت ضعيفة على السير الطليق، لكنها تظاهرت بالقوة ومثلت ضعفها كبرياء وهي تهبط السلم بتمهل، قرب الدرج كانت العربة تنتظرها والنسوة الثلاث اللواتي خصصهن كولبي لرعايتها، سرعان ما نسي استياءه وسحبني من يدي بفرح غامر وهو يقول : هيا نستقبلهم في القاعة .
لحق بنا كارل وريدي وبعض الاصدقاء ، كان كولبي متذمرا من الصحفيين الذين اشتموا الخبر وحضروا لاستقبال الفتاة . وقفوا في طريقها يسألونها عن مشاعرها وهي تسير حرة على قدميها تبدو عليها السعادة، ترد على الاسئلة بطلاقة لكن الرجال الأربعة الذين أحضرهم كولبي للإحاطة بها وحمايتها منعوا الصحفيين من ملاحقتها .
كولبي حريص على ان يبعد الصحفيين عن أهله وخصوصيات بيته يردد دوما (( خصوصيات العائلة وان كانت مخجلة تبقى مقدسة ان ظلت ضمن حدود العائلة )) كما كان يقول (( كل خوفي من تجار الضمائر الميتة للكسب من وراء التشهير )) وكان لقاءاً مثيرا بين الرجل وابنته في الطائرة العمودية، ما انفكت الفتاة تثرثر تصف باريس وأجواءها والناس هناك وكياستهم، تذكرت سيمون ونظرت الى نانسي التي كانت تبتسم سعيدة حين أصبحنا في جو هوني لاند رأيتها تنظر الى الأسفل قائلة :
- ما أروعك هوني لاند انا مشتاقة لساحاتك .
- الكل بانتظار وصولك يا عزيزتي عمك آدم زين هوني لاند بأروع ما تتصورين .قالت كيتي :
- أرجو من قائد الطائرة ان يدور دورة اخرى او دورتين منخفضا ليسمح لي ان أرى هوني لاند الحبيبة ودارت الطائرة دورتين والناس في الساحات وأمام القصر يرقصون ويلوحون . وحين هبطت الطائرة فوجئت بـتلك الاستعدادات والزينة في كل مكان، استدارت نحو ابيها وقالت : انا ممتنة يا أبي . وطوقت عنقه وقبلته لكنه قال وهو يؤشر نحوي .
- انه بفضل ذلك العجوز ولكن إياك ان تقبليه . هجمت الفتاة نحوي وانحنت علي وقبلتني فبدت أطول مني بكثير .
-هنا صرخت كارل ما بالك، وراحت تقبله وهو بين يديها هادئا
كانت تلك اسعد لحظات، الرجل بدى منفعلا كل عضلة من وجهه تختلج شفتاه ترتجفان مشاعره جياشة يتكابر عن الاعتراف فيها نظرت اليه ابتسم وكأنه يقول (( افهم ما ترمي اليه )) حين دخلنا القصر أبت الفتاة الا ان تدور في كل القاعات وامها تحذرها لان الطبيب حذرها من التعب بينما كان كولبي يقول بإصرار: دعيها يا عزيزتي نانسي لتشبع من كل زاوية . وكانت تتوقف في كل ممر ممسكة بيد كارل وكأنها تستذكر لحظات سابقة . طلبت منها ان تجلس قليلا وتتناول شيئا من المرطبات فوافقت وجلسنا في القاعة الكبرى والكل يتقدم منها يقدم لها التهاني لكنها ما ان رأت كارل يقف بعيدا حتى قالت : هيا يا كارل سأجلسك في مقعدي لأدفعك الى الساحات .
قلت لها :
- هل تصرين على فعل كل الأمور لحظة وصولك . قالت تسأل أباها وكأنها لم تسمعني :
أين مقعدي يا أبي . أجبت بلطف :
- لقد ألحقناه بالمخزن مع الأثاث القديم لأنه اصبح شيئا من الماضي . كان كولبي منزعجا من اهتمامها بالمقعد بينما ألحت هي :
- أرجوك يا عم آدم دعهم يحضروه .
قال أبوها مستنكرا : ماذا تقولين يا عزيزتي كنت أتصورك تكرهينه .
- بل سأجعله لعبة تذكرني بكيتي الكسيحة . قال أبوها :
- بل تنسين تلك الايام، ليس هكذا يا عزيزتي أنت مرهقة الان . تقدم كارل ممسكا بيديها قائلا :
- اهدئي يا عزيزتي الحق معهم أمامك فرص كثيرة . تعكر وجه كولبي قال وكأنه يلقي موعظة - هل نسيت ان أمامك حفلة ساهرة، وفري جهودك للمساء، لتستقبلي ضيوفا اعزاء .قالت امها :
- أبوك على حق يا كيتي، الليلة ستتحركين كثيرا والمفروض ان تخلدي الى الراحة
قالت باندفاع ومرح :
- ايضا سأعزف وارقص، أخشى ان تمنعني يا أبي . قال أبوها :
- ما دام الامر كذلك إذن هيا الى غرفتك لتأخذي قسطا من الراحة .
- صدقت يا أبي سأعود الى تلك الجدران وامثل دور كيتي المقعدة، ولكن حذار يا عم آدم ان تفرط بذلك المقعد سأطالبك به . نظرت اليها بحنان وأومأت برأسي بينما أكدت هي لأبيها :
- أرجوك يا أبي انا بحاجة الى ذلك الكرسي، اخبر العم آدم ان يعتني به .
- حسنا يا ابنتي سنحتفظ به للذكرى . وسنعتبر هذا اليوم يوم مولدك الجديد (( والليلة نحن محتفلون بأفضل عيد ميلاد انظري هوني لاند اهلها وحيواناتها وحتى أشجارها كل شيء ينطق بالبهجة . )) قالت نانسي وهي تمسد شعرها :
- وستكونين مشرقة تتألقين في يوم ميلادك الجديد .
كانت ليلة رائعة أبدع فيها المحتفلون حتى العاملين في هوني لاند، لقد تحطمت حدود المراتب الاجتماعية رقص الجميع وغنى ودارت الخمرة في رؤوس البعض وقدموا نشاطات مفرحة ومسلية . أجاد بول العجوز في الرقص والتمثيل في بعض المواقف الهزلية أعجبت الحاضرين حتى كولبي نفسه، كنت أراقب الجميع سعيدا الا في اللحظات التي أرى فيها ولدي يسرح بعيدا عن الحفلة وكيتي تلاحقه بالرغم من انشغالاتها في استقبال المهنئين والتحدث معهم كنت اشعر الصراع يدور في داخله قاسيا . هذه كيتي الرشيقة تعود ممشوقة القد تخطو بدلال في خطوها شيء من الغنج وانا اعرف كارل الذي يرفض العواطف الرخيصة كثيراً ما يصفني بالرومانسي الشريف، كيتي تحاول ان تسحبه لتنفرد به لكن كولبي خلفها يفوت عليها الفرص لقد فرض عليها غطاءً محكما اشغلها طوال فترة الاحتفال حتى انه دفع الكثير من الزائرين ليتحدثوا اليها وانا أراقب هذه الأمور صامتا إذن كان كارل صادقا (هي الحرب سيعلنها كولبي في اول لقاء ) وانا في غمرة المراقبات جاءت سماتا تدور حولي، شعرت انها بحاجة إلي وان كانت تعلم مدى انشغالي لاحظتها قبل قليل كانت تساعد الخدم بنشاط وهمة تلبي طلبات المحتفلين وكولبي يتجاهلها تماما الكل منطلق بعيداً عن واجبه حتى الخدم يأكلون ويشربون بينما أصرت الفتاة ان تبقى بالخدمة، تعمدت ان اسحبها تحت الاشجار كانت خلفي أمسكت برسغها وقلت لها بحنان .
- الا يعجبك ان تراقصي عجوزا مثلي ؟
- ليتني أستطيع .
- وما الذي يشغل ابنوسة كولبي ؟
- ايضا خائفة بت اخجل من كثرة الشكوى .
- ولما كل هذا ؟
- خائفة من ان أواجه السيدة فورستر .
- ألم تقدمي تحيتك لها .
- فعلت ذلك وعبرت عن سروري لكنها كانت جامدة لم تبتسم حتى .
- لا عليك يا صغيرتي .
- وحين تعلم بأمر قطتها وبذلك الشكل البشع ؟
- لم تكوني مسؤولة عن ذلك .
- لكنهم أقحموني فيها. قلت برفق :
- لقد علمت السيدة بالأمر، اخبرها ريدي بنفسه وقبل ان تستسلم للصدمة تسلمتها انا وهونت عليها الامر شارحا لها الكثير من الأمور فانقباضها ليس منك .
- لكنني خائفة ليتك تتدخل وتوضح الأمور قبل ان تنهار أعصابي قد أفكر بأية نهاية تنقذني من هذا الخوف المستمر .
- إياك ان تفعلي أيتها المجنونة، فقط عليك ان تتصلي بي وعلي ترمي همومك ستساعدك جيرالدين وتنام معك لبضعة ايام الى ان نجد منفذا لكل المشاكل .
- وسأبقى مهددة .
- لا احد يستطيع ان ينال شيئا منك إياك ان تظهري خوفك للآخرين لان من يلاحقك سيواصل محاولاته .
- وماذا تراه يطلب ؟
- انه يريدك آنت يا صغيرتي، قد يجعلك تكرهين الحياة حد اليأس فتوافقي على شروطه .
- وماذا تكون تلك الشروط ؟
- - لو كنت متواطئا معه لعرفت انه جمالك أيتها الغبية.
- لقد عرفت لكن الموت أهون علي من ذلك .
- لذلك كوني حذرة بعيدة عن الانهيار وتظاهري بالقوة والشجاعة .
اطمأنت الفتاة قليلا ثم ابتسمت وانصرفت ملوحة بيدها كما انصرفت وانا احمل همومها . استمر الاحتفال حتى ساعة متأخرة وكان الكل منهكا لكثرة ما أكل وشرب وتحرك وبعضهم لكثرة ما كذب ونافق على كل كنت أراقب العاملين وهم يجمعون ما تناثر من بقايا الطعام واللوازم والأواني ثم قصدت غرفتي وكانت الساعة قد بلغت الرابعة صباحا .
(( 3 ))
بعد ايام ابتدأ الصراع الصامت كانت كيتي تتوسل الى كارل ان يكثر من زياراته وحين كانت تطول فترة غيابه تقوم هي بالبحث عنه وسط امتعاض كولبي، احيانا يعبر عن احتجاجه مما اضطرها ان تحاول في بعض المرات سرا وذلك اثار قلقي بينما كارل طلب ان تمنحه فرصة إكمال بحثه الذي اعتبره أهم أهدافه .
كان كولبي ذكيا في إغراء الفتاة لتلازمه في بعض مهامه ولقاءاته حول أعماله لتكون تصورا بسيطا عن طبيعة العمل وتكثر من اللقاءات ولا تعود الى هوني لاند الا منهكة لتروي لي كيف حضرت اجتماعا لشركة كذا وكيف اجتمعت بمؤسسة كذا وكولبي يراقبها منتشيا ثم ينضم إلينا ليروي لي عن جدارتها وسرعة تفهمها للأعمال مؤكدا انها ستكون سيدة كفوأة في إدارة مؤسسات صناعية او تجارية، كانت الفتاة مشتتة ما بين زهو وهروب بين أهداف ابيها وبين رغباتها في تحقيق حلمها مع كارل قالت مهمومة :
- لو تساعدني في جعل كارل يفهم وضعي . كنت أتمنى ان املك الشجاعة لأقول لها اتركي كارل وعيشي عالمك لأنكما في النهاية مفترقان .
كانت تغيب فترات لكنها تعود لتسأل بإلحاح وشوق هكذا بدأت تلك العلاقة تصاب بسبات وحين تشعر بالبرود الذي أصابها تسرع إلي لتؤكد وكأنها تدلي بإفادتها :
- اقسم لك يا عم انني لا زلت احبه بنفس القوة ولن يحل محله اخر مهما ابتعد او انقطع عني لكنني عاتبة عليه لأنه يهملني معزولة ضعيفة امام محاولات أبي .. انا اشك احيانا فأعلل نفسي انه يمتحنني، قد اشغل عنه وأنت تعلم نوع الاعمال التي أقحمني أبي بها انها تضيع الفيل في قطرات من الماء انها مخاوف وهواجس تهمس (( قد يجد طريقا لحياته غير طريقك يا كيتي او قد يجد حبا اخر لكنني أعود واطمئن نفسي ثقة به )) .
- كارل يحبك يا صغيرتي ومسرور لفرصتك في إسعاد أبويك لأنه ليس أنانيا فمن حق أبويك ان يسعدا بك . لكنها تجيبني بفتور ويأس .
- ليس الامر كما تتصور أيها العم الطيب وان كان يدعي، انه يضعني امام اختيار صعب حتى دون ان يمنح من جانبه اية ضمانات مشجعة، يريدني ان اترك أهلي ان أتنكر لأبي وارفض أمي والتحق به قالها يوما بصراحة (( انك مدعوة لتسيري في درب أبيك وهذا لا يلائم ميولي )) انه يريدني ان أتنازل عن كل شيء حتى عن هوني لاند الجميلة .. الى أين ؟ - لا اعلم حتى الان لم يستقر وقد لا يستقر قل لي متى سيستقر ؟ الا تتصور يا عماه انني سأصبح عبئا عليه قال لي مرة (( ليس الاستقرار مهما ان ظلت الأبواب تنفتح الواحد تلو الاخر امام مواصلتي للدراسة )) اخبرني أيها الرجل الطيب ان كنت لا أستطيع ان أنسى حبه وهو يتجاهلني الى أين .
قلت بحنان :
- حقا أنها تجربة صعبة، انا الآخر مشغول بأمركما منذ سنوات أنت العين اليسرى وكارل الاخرى بكما انظر الى هذه الدنيا، لا تقرري أمرا تمليه عليك عواطفك فقط انا متأكد من حب كارل لكنه يحكم عقله اكثر من عواطفه أنت الاخرى فكري، كلاكما في مقتبل العمر وأمامكما فرص العمر كلها . قالت حزينة :
- لكن أبي يحس بما يكتنف حياتي ويتألم وان كان يتظاهر بانسجامه مع أمي لكنهما لا زالا بعيدين عن بعضهما البارحة وجدتهما يخرجان سوية وكأنهما يقولان من أجلك يا كيتي . قالت لي أمي يوما (( انا أهادن أباك من أجلك )) تصور يا عم زوجة تهادن زوجها خوفا على ابنتها . هل هما في حالة حرب ومما تخاف، لابد ان أمورا سيئة تجري بينهما . وداني الذي رحل وطال غيابه وأبي لا يحاول البحث عنه تصور يا عم ماذا يحصل لو حذوت حذوه، سيموت أبي وتموت أمي وتتهدم هوني لاند الجميلة ترى هل تنصحني ان أتسبب في كل ذلك فأهدم هذا العالم الجميل من اجل أنانيتي .
كأني بالفتاة تنجو من مقعدها لتبتلى بتيه أسوأ، كانت على مقعدها تعرف حدود حركتها فقط تحوم بأحلامها قريبة منها فتمني نفسها بفرص سعيدة قادمة، لكنها حين جاءت الايام وتحققت سعادتها، وجدت نفسها في صحراء امام مفترق طريقين احدهما سار به اهلها والاخر توغل به كارل، مفترقان يؤديان الى جهتين متعاكستين .
كان كارل اقوى من كل توسلاتي، اتخذ قراره بتصميم اقوى من كل العواطف وان وعد مخلصا لحبه ان هي بقيت على عهدها انا لا افهم هذه المساومات، اخبرني انه بعد ان ينهي اختصاصه سيتفرغ لتجارب وبحوث تبحث في دراسة جديدة . نظرت كيتي حزينة وقالت باختصار :سأحاول ان أنسى لطمة كارل .
هنا قلت لنفسي لقد نجح كولبي في كسب الفتاة ونجح كارل في ضمان مستقبله وتحطمت الفتاة وكان كولبي سعيدا بهذه التطورات هنا انفجرت طاقات الفتاة تعوض عما خسرته من الحب وما فاتها من سنوات المقعد وانغمرت تعطي نفسها للعمل وترحب بأية مسؤولية وتواظب بجد، راحت تتغيب عن البيت وتباعدت لقاءاتنا وأخذت صورتها تظهر في الصحف والمجلات كفتاة جميلة تغزو مجالات العمل ومن حولها البدلات الأنيقة والياقات المنشأة البيضاء تشرب الأنخاب وتوقع على صفقات كبيرة وكولبي تغمره السعادة .
كنت جالسا تحت الشجرة أراقب الطيور الصغيرة تطارد بعضها بعضا أميل الى الكسل كأنني اشعر الشيخوخة تدب سريعا في اوصالي، الطيور سريعة الحركة تقفز هنا وهناك لم اتحرك كي لا أعكر متعتها، حطت طائرة الهليكوبتر بصخب نزلت كيتي سريعة نشيطة حيت العاملين الذين كانوا بالجوار، لم ترني اول الامر لكنها قبل ان تصل الباب التفت فوجدتني توقفت مجفلة، حييتها ملوحا بيدي ظلت جامدة لا تبدي حراكا كأنها تذكرت أمرا، خشيت ان افجر أحزانها المكبوتة فأنا أدرى بالصراع الذي يعتمل بداخلها تحركت نحوي، وقفت استقبلها باشا أمد لها يدي قالت وهي على بعد خطوات :
- كأنك غاضب علي .
- بل سعيد لأنني لمحت السعادة في حركتك .
- كنت دوما تستقبلني بذراعين مفتوحتين هل نسيت وها انذا أعود خفيفة راكضة .
- انا من تغير يا صغيرتي، ما بت املك القوة لأتلقاك مع ذلك انا سعيد بك .
- وتريدني ان اكذب واقول انا سعيدة، الكثيرون ينخدعون بمظهري وانا اختزن حزني بهذه المظاهر لا أتوقف لحظة عن العمل لأنسى، أبي يتصور انني نسيت كل شيء وأنني سعيدة بنجاحي لكنني حين اختلي الى نفسي يرعبني التفكير بواقعي لأنني لا زلت معلقة لم اتخذ قراري، وكارل لا زال يتجاهلني بعد ان فرض شروطه القاسية، ليتك تدخلني قحف رأسك لأدرك الحقيقة قد أكون واهمة، هل كان كارل واقعيا حين طلب مني ان ابتعد عن أهلي ذليلة مخذولة وهو في بداية طريقه ؟ عرضت عليه أمرا بيني وبينه كان باستطاعتي الحصول على مبلغ كبير من أبي ننجز مشاريعه العلمية لنكون مستقبلنا سوية، لكنه رفض ذلك بشدة، اخبرني أيها الطيب ! ماذا تراني فاعلة وانا لا املك اية مؤهلات للعمل خارج محيط أبي واعماله هل اجلس في داره لأنظف الأثاث المتواضع ام أتصفح المجلات واراقب برامج التلفزيون فقط زوجة كارل المبتدئ لا غير ذلك .. لولا عناده لاستطعنا ان نبني شيئا .. على الاقل نوفق بين مستقبله وبين وضعنا لاستطعنا ان نحايد هوني لاند . علام ندمر حياة الآخرين . هل يقبل الحب بهذا الاسلوب ؟ ان كنت مخطئة دلني سيدي أرجوك، أرشدني الى الطريق الذي يمنحني الأمان والراحة .
فتشت عن كلمات اطمئن بها الفتاة لكنني لم اجد ما أقوله سوى ان اردد ما قلته سابقا .
- اصبري يا عزيزتي قد تصادفكم فرصة وانتم ساهون عنها لا زالت الحياة تستقبلكم اما نحن فماضون الى توديعها .
لم تقتنع الفتاة قرأت اليأس في نبرة صوتي انسحبت متخاذلة وشعر كولبي بمعاناتي تلك ولم يثق بنواياي تجاه الفتاة . زارني ليلا في غرفتي لم يفعل ذلك منذ فترة طويلة منذ كانت مشكلته مع نانسي تتفاقم وتأخذ طابعا حادا، كان قلقا لأنه كان يراقب الفتاة وهي تطيل الحديث معي، استدرجني ليكتشف ماذا يحصل من الأمور والاحاديث بغيابه سبقته الى ما يريد وأعلمته ان كارل رحل الى الغرب وكيتي حتى الان لا تعلم وإنني لست حلقة الوصل التي يظنها .
سر للأخبار وسألني عن ابني : انا معجب بابنك يا آدم انه ليس مثلك يحاول ان يثبت ذاته بعناد .
- اتخذ قراره يا كولبي انه يقوم بدراسات معقدة في عالم الطب لذلك ضحى بي وبهوني لاند .
- وكم ستطول هذه الدراسات ؟
- ربما سنين عديدة .
- اسمع يا آدم أقول لك بإخلاص أتمنى ان يصل ابنك الى ارفع المراكز ويوفق بأعماله لأنه كان شهما ، تعامل معي كفارس شجاع لذا ليتك عرضت عليه مساعدتي .
- سبق وان رفضها .
- قل له انها حصتك من أموالك، تعب السنين الطويلة كم أكدت لك انك شريك في كل شيء دعه يأخذ ما يشاء من الاموال ليطور أعماله وبحوثه فقط كيتي .. أرجوك ليترك كيتي لي لا تعلم اية إنجازات نحقق، انا سعيد بها وبنفس الوقت خائف منك ومن ابنك، أليس غريبا يا آدم ان يخاف المرء اخلص الناس له .
- اطمئن يا صديقي . كارل أكد لي ان هوني لاند اولى بكيتي من حياته وظرفه .
سر كولبي لذلك ووثق بي وجلس الى جانبي يطمئنني على مستقبل ابنه وأكد قائلا :
- اكرر يا آدم دعه يبني مستشفى كبيرا او معملا طبيا انا مستعد ان اجعل نتائج دراساته عالمية، ان تطلب الامر جعلت الحكومة تتبنى مشاريعه فقط ان يتم ذلك بعيدا عن كيتي لقد تعبنا يا آدم لنمنح الفرصة لأولادنا ان يحلوا محلنا هاهي كيتي تسير حثيثا في نجاحاتها أنت ترى انني افقد نشاطاتي دعها تأخذ مكاني يا صديقي .
- لك ما تريد يا كولبي فعلت هذا دونما طلب، فقط التمس منك ان لا تضغط على الفتاة لتجعل منها كولبي اخر فهي لم تنشأ نشأتك دعها تختار طريقها وأسلوبها .
- انا أرى هذا وقد تحدثت معها حول الموضوع .
تصافحنا بود وكأننا قد انتهينا من توقيع إتفاق . كان اتفاقا بيننا على أبنائنا لا اعلم ان كان صالحا . … مع الأسف لم تلتزم الفتاة بنصائحنا بل انغمرت تقتل يومها بلهفة للعمل حتى ساعة متأخرة من الليل وكانت تزورني بين وقت واخر لتسأل عن اخبار كارل في نهاية اللقاء تعطيني رسالة لأرسلها له، في الحقيقة كنت اجهل عنوانه فأحتفظ بالرسائل لان كارل نفسه حذرني من محاولة الاتصال به او البحث عنه مدعيا انه يتابع اخبار كيتي من الصحف التي كانت تنشر عن نشاطاتها وكولبي يغذيها بمبالغ كبيرة كي ترسم هالة مضيئة حول الفتاة، مؤخرا تباعدت زياراتها بسبب انشغالها وانا نفسي انكمشت في جناحي حتى لقاءاتي مع كولبي صارت قليلة، تمر الايام دون ان أراه وقد وفق ريدي ودون استشارتي بتعيين احد أعوانه في المطبخ واخر سائق لسيارة الفتاة وهذا أقلقني حيث لم يعد يهمني من امر الاعمال شيء سوى قلقي على الفتاة السمراء التي وعد كولبي بإنهاء متاعبها .
جاءتني كيتي في ساعة متأخرة وكانت متعبة كأنها تنوء تحت حمل ثقيل وقالت :
- ما معنى النجاح يا عم آدم، ماذا لو تواصل نجاح المرء ؟ لو تم ذلك برتابة الا يفقد طعمه ؟
- كل شيء يؤدي الى الملل عدا النجاح والحب الحقيقيين .
- ولكن قد يختلف الامر من شخص الى اخر ؟
- ان كان النجاح حقيقيا يشبع شيئا ساميا في النفس مثلا يحقق هدفا وذاك لا يؤدي الى الملل بل يحدث حالة جديدة بمزيد من السعادة خاصة ان كان الامر يخص الآخرين .
- لكن نجاحي يختلف تماما انه الفوز بالفرص وتكديس المال، هو اقتناص الصفقات وسلبها من الآخرين، نجاحي في أرقامي في تحقيق رغبة أبي وأمنياته، انا اعمل ساعات يقظتي واحيانا لا اجد فترة لأتذكر أمرا كنت احبه، انا أعيش فراغا روحيا وهو فراغ قاتل مليء بتلك الاعمال التي جعلت الملل يتسرب الى نفسي، وهذا يرعبني، ربما كان كارل يسميه المستقبل بعيدا عن أبي .
راحت تنظر بوجهي منتظرة وانا حائر ماذا افعل لها فقط نصحتها ان تنظم أوقاتها بأسلوب اخر فتعطي لنفسها فرصة التلون بنشاطات اخرى، ذكرتها بالموسيقى التي نستها، نظرت إلي عاتبة كأنها تقول (( لقد ماتت الموسيقى مع أيامها )) لكنني تمسكت بطلبي لتمارس العزف كما نصحتها بالرياضة والسير في الحدائق وعدتني ان تفعل لكنني شعرت انها فقط تجاملني أخيرا قلت لها خائفا : اخرجي الى الدنيا يا عزيزتي لا زلت شابة ومشاعرك بحاجة الى الغذاء لا يمكن ان تعودي روحك على الجفاف فتمتص الحياة الرتيبة منك مباهج الحياة .
قالت بخجل وكأنها تعترف :
- حاولت ان ادخل الى حياتي شيئا من البهجة والطراوة حضرت مناسبات وحفلات حاولت ان البس ثوب كيتي الشابة المرحة تزاحم حولي شباب ببدلات غالية يملكون أساليب راقية في سحر الفتيات وإغرائهن منهم من يمتلك أدبا وكياسة ولبعضهم جاذبية وسحر واخرون تافهون منافقون، احيانا اوهم نفسي انني امام شاب يمكن ان ارتاح اليه ليملأ الفراغ الذي احسه يكبر ويكبر لكنني في النهاية اجد نفسي وكأنني اقوم بملء قاعة كبيرة بأثاث فاخر من الرغوة الملونة ما ان تهب عليها نسمة حتى يتلاشى كل شيء فتعود القاعة فارغة موحشة والأسوأ من ذلك اجد نفسي وكأنني أقدمت على خيانة عهد في داخلي .. ليت كارل يعرف ذلك لكنه يأبى حتى بالإجابة على رسائلي فيزداد شعوري بالوحدة، احيانا وانا منغمرة في عملي والنقاش محتدم والاقتراحات تتراكم على المنضدة اوراق وتقارير وأحاديث بكلمات لطيفة وأخرى حادة والكل يصارع من اجل كسب وجهة نظره والدفاع عنها فجأة اجد نفسي وحيدة وكل شيء موحش مجرد دمى وأجهزة تتحدث وتصخب دون معنى، فأشعر برغبة جامحة لأخرج وأتسكع في الشوارع آكل الايس كريم او اركض على الرصيف … ولكن مع من انا وحيدة وحيدة انسحب مكسورة الى حيث اجلس تحيط بي الرؤوس الكبيرة الصلعاء ودخان السجاير والسيجار الفاخر يضيق من أنفاسي … هل تريد المزيد يا عم ؟ لقد هيأ لي أية مفاجأة يتصورها سارة بالنسبة لي قد أسافر بعد ايام الى احدى الشركات التي أرساها باسمي في تلك الدولة (( ش )) لافتح فرعا جديدا واشرف بنفسي على العمل هناك .. سأسافر وحدي وكأني سأوضع في كرسي اخر هو أوسع من كرسي القديم، ليت كارل يدفعني وانا مقعدة لينتشلني من الفراغ الذي احسه، لكنني سأسافر وحيدة واثقة انني سأغير المناظر ونوع العمل واشغل نفسي بوجوه جديدة، لكنني ايضا واثقة انني أعود خائبة لأنني في داخلي أفتش عن شيء ينقصني .
حزنت لوضعها لانها كانت صادقة وأحسست انني أتحمل جزءا من مسؤولية ذلك وليس بإمكاني ان اقدم لها سوى تلك النصائح التي مللتها انا نفسي مع ذلك قلت لها :
- لكنك تسيرين، يجب ان تسيري ويجب ان تحققي شيئا عظيما هو مضيء في سبيل أمنياتك ليحقق أملا نوم كل الآمال من اجله كان يجب أن تعرفي كارل أكثر مما تتصورينه الان فلا بد ان تكون أمامكما محطة تتوقفان فيها قليلا بعد اختيار وتلتقيان ان وجدك قريبة منه وأنت لا زلت بذلك الإخلاص حينها تجدينه متلهفا ما فرط يوما بحبه وانا واثق من هذا .
- حقا ما تقوله يا عم .
- بل كأني به عائد يسألك أين وصلت يا حبيبتي .
- انا بانتظارك يا حبيبي لقد حققت كل شيء من أجلك . وقامت تقبلني قبل ان تودعني .
شعرت انها عادت الى مرحها وسررت لاقتناعها .