عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - نبيل دمان

صفحات: [1]
1

صدور كتابي الجديد الموسوم "توما توماس ... القائد والانسان! " هذا اليوم الموافق ٣١/ آذار/ ٢٠٢٤، من مطبعة فينوس في سان دييغو- كاليفورنيا، وقد صمم غلافه الفنان غازي عزيز التلاني

2
الأرمن العراقيين في منظار المؤلف هامبرسوم اغباشيان
نبيل يونس دمان
 
     يعتقد الكثيرون بان الأرمن استوطنوا العراق بعد تعرضهم الى الإبادة في تركيا ابتداء من ١٨٩٤- ١٨٩٦ وانتهاء بسنين الحرب العالمية الأولى، ولكن في الحقيقة الأرمن مواطنون عراقيون من قديم الزمن تشهد بصماتهم في الاحداث التاريخية على ارض الرافدين خصوصاً في بغداد، البصرة، والموصل وقد وضعنا المؤلف بهذه الصورة من خلال كتابه القيّم الموسوم ( الأرمن العراقيون في التاريخ الحديث) بأسلوبه الشيق والمتمكن من الناحية اللغوية والفنية وقول الحق والبحث المعمق في مصادر متنوعة، والكتاب معزز بكم هائل من الصور وانا اعجب كل العجب كيف تم جمع كل هذه الصور الانيقة لأغلب الشخصيات المذكورة أسمائهم واعمالهم في هذا الكتاب الفاخر، وكذلك بالقوائم الخاصة بالمهندسين التي عرفت بعض أسماء أصدقائي، منهم: غريب عرب، واهي سورين فارتانيان، آراكسي كيروب ملكونيان، ومهران هاكوب.
            يشيد الكتاب باحتضان العراقيين للأرمن خصوصا في نكبتهم الكبرى على ايدي الاتراك الطورانيين، ثم يعرج الى مأثرة أيزيدية سنجار في شخص الفقير حمو شرو الذي حماهم من موت محقق على ايدي الخارجين، والعصابات، وكذلك بالحاقدين والطامعين في نساءهم. لدي الكثير من أصدقائي المسلمين من مختلف مناطق العراق يذكرون جداتهم او أقاربهم من الأرمن بفخر واعتزاز، والأرمن معروفون بذكائهم وشجاعتهم وتنظيمهم لحياتهم الاجتماعية وحبهم للعمل وللدراسة والمهن خصوصا الفنية والدقيقة منها.
استوقفتني العديد من صفحاته لأعقب او انقل بعض نصوصها ومنها:
(١) ص ٣٤
     " وكان القياديون والمفكرون والطبقة المثقفة والوجوه البارزة من الأرمن في إسطنبول قد تلقوا الضربة الأولى اذ تم اعتقالهم، ونفيهم، ثم ابادتهم" المؤلف مستعرضاً وضع الأرمن في الامبراطورية العثمانية عشية الحرب العالمية الأولى.
(٢) ص ٤٠
     " الأرمن رفضوا الانضمام الى القوات البريطانية التي تسمى (الليفي) وعدّوا ذلك خيانة للبلد الذي استضافهم، وقدم لهم الحماية من الإبادة. "
(٣) ص ٥٨
     بحزن اقرأ عن مناطق سكن فيها الأرمن والآن كما يقول المؤلف لم يبق منهم احد مثل كمب الحبانية (سد الذبان) ، محطة كي ثري، خانقين، سنجار، والموصل بعد احتلالها من قبل داعش.
(٤) ص ١٤٦
     مدرسة الأرمن في زاخو عدّد المؤلف أسماء المدرسين فيها وجلب انتباهي مدرس اللغة الأرمنية بداية السبعينات سورين فارتانيان، وهو والد صديقي في كلية الهندسة- جامعة الموصل الزميل واهي سورين أبو مريم، أيضا كانت ابنته ريتا سورين مذيعة تلفزيون الموصل في نفس الفترة.
(٥) ص ١٤٨، ١٤٩
     صفحات مؤثرة عن حياة المربي الكبير ميهران سفاجيان، الاعمال التي قام بها والشهادات التي نالها والاوسمة الرفيعة التي تقلدها وفي النهاية تنتهي حياته نهاية تراجيدية حيث اعتقلته السلطات العثمانية في بغداد مع اخرين عام ١٩١٥ ونفي الى الموصل ثم سوريا وهناك توفي بمرض التيفوئيد، انا اعتبره شهيدا عظيماً لأرمن الدولة العراقية.
(٦) ص ١٥٠- ١٥١
     مربي اخر اسمه كرابيت تاتوليان مولود في أدنة فقد افراد عائلته اثناء مجازر عام ١٩١٥، عمل مدرساً في بيروت ثم مديراً وجاء الى بغداد مديراً لمدرسة الأرمن المتحدة (سافاجيان وتاركمانجاتس) ثم رجع مديراً في بيروت ليتوفى أخيرا مغترباً في مونتريال عام ٢٠٠٣ بعد ان خدم في حقل التدريس والادارة ٤٥ عاما، نال فيها مدالية (ميسروب ماشدوتس) تقديرا لخدماته.
(٧) ص ١٦٨
     مسرحي ارمني معروف اسمه ارداشيس بالاسانيان قدم عدة مسرحيات في نادي هومنتمن ثم في جمعية الشبيبة الأرمنية، وفي اخر سطرين من حياته الحافلة كتب المؤلف ما يلي: في ٢١ حزيران ١٩٩٨ وجد مقتولاً مع زوجته في دارهم في حي البنوك ولقد استعمل القتلة ابشع الأساليب لإنهاء حياتهم".
(٨) ص ١٨٣
     صورة في غاية الاناقة للهيئة الإدارية لنادي اوهان للفترة من ٢٠٠٣- ٢٠٠٥ بينهم المسؤول الثقافي المهندس هامبرسوم اغباشيان مؤلف هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
(٩) ص ١٨٨
     يتكلم المؤلف عن جمعية الشبيبة الأرمنية في البصرة " تعرضت في الثاني من اذار ١٩٩١ الى نهب ممتلكات الجمعية وتدمير المكتبة واتلاف الكتب القيمة وحرقها من قبل بعض ضعاف النفوس الذين استغلوا حالة فلتان الوضع الأمني بعد احداث الكويت".
(١٠) ص ٢٣٦
     يتكلم عن معامل المشروبات الغازية التي انشاها الأرمن ما يلي" المعمل الثاني كان صاحبه مسروب كرابيت اوزونيان وهو أيضا من قصبة هاجن ومن الناجين من مجازر ١٩١٥.... كان قد عثر عليه من قبل أبناء العشائر العربية اثناء المجازر وتمت رعايته من قبلهم وبعد سنين انتقل الى بغداد".
(١١) ص ٢٤٠
     في الصفحة صورتين: الأولى فيها جيراير كابرنيليان الأول من اليمين والمشير عبد الرحمن عارف في الوسط يطلع على نماذج من انتاج معمل الفا لإنتاج القمصان والبيجامات. وفي الثانية المشير عبد الرحمن عارف يوقع في سجل الزيارات.
(١٢) ص ٢٤٧
     عن عائلة كاكافيان يدور الحديث وكيف انقذته عائلة موصلية حيث يقول مؤلف الكتاب في هذا الصدد: أبناؤه واحفاده لا زالوا يتذكرون افضال العائلة العربية المسلمة الكريمة التي انقذت جدهم وقامت برعايته الذي تأهل وكون عائلة وعاش حياة طبيعية.
(١٣) ص ٢٥٠
يرجانيك تاجريان " مهندس ورجل اعمال كبير أسس مع أخيه شركة المقاولات الانشائية في بغداد..... ومن انجازاتهم خزان الماء الكونكريتي قي ساحة الطيران".
(١٤) ص ٢٦٣، ٢٦٤، ٢٦٥
     هنا ترد اسماء محلات التصوير الشهيرة في العراق وهي: ارشاك، بابل، وكوفاديس ومن لم يسمع بهذه العناوين؟. اما صاحب بابل فكان هوفهانيس كركور فقد كان مصور للزعيم عبد الكريم قاسم، عبد السلام عارف، عبد الرحمن عارف، طاهر يحيى، احمد حسن البكر، وصدام حسين. وفي الموصل كان كوفاديس الذي موقعه في باب الطوب معروفاً، والذي طالما صورتُ او طبعتُ أفلاماً عنده. بعد اجتياح الموصل عام ٢٠١٤ قامت عصابات داعش بتخريب ستوديو كوفاديس.
(١٥) ص ٢٦٩
     اشتهر العديد من الصاغة الأرمن ونأخذ الصائغ ليون كابرئيليان نموذجاً: كان محله في البداية في شارع النهر ثم تحول الى شارع السعدون، ثم شارع العرصات. تعرض ليون الى الخطف من قبل شلة من المجرمين، بعد فلتان الامن، بسبب الاجتياح الأمريكي عام ٢٠٠٣، وبعد ان تم دفع مبلغ كبير كفدية من قبل عائلته لإطلاق سراحه، وجدوا جثة الرجل مرمية بالقرب من احدى مراكز الشرطة.
(١٦) ص ٣٠٩
     صورة للصيدلي الأرمني نيكوغوس ابكار الكساندريان في شمال العراق مع اثنين من أولاده الأربعة وهم يحملون بنادق الصيد. الجالسون الرابع من اليمين بابا علي الشيخ محمود الحفيد ثم ملا مصطفى البارزاني.
الخاتمة:
          لا تنتهي الكتابة عند هذا الحد، ولا يجف مداد القلم في يد أي كاتب منصف، بأن يبقى يَتذكّر ويُذكّر مأساة الأرمن هذا الشعب الجميل حتى يعود ميزان الحق الى عدالته، فتعترف الدولة التركية بما اقترفته في الماضي، وترجّع كافة حقوقهم لمنع مقترفي مثل هذه الجرائم من تكرارها في اماكن اخرى. نال الأرمن في العراق من عسف ومظالم جراء الأوضاع الشاذة التي سادت خصوصاً بعد سقوط الدكتاتورية وفقدان الأمن والأمان، فتشردت اعداد كبيرة من الأرمن مرة أخرى الى بلدان الاغتراب والشتات، وقسم كبير منها عاد الى الوطن الأم أرمينيا التي تعيش هي الأخرى ظروفاً اقتصادية صعبة، ووضعها غير مستقر تحديداً على حدودها مع أذربيجان التي تشجعها وتساعدها تركيا والى حد ما روسيا.
     أشد على يد المؤلف هامبرسوم اغباشيان متمنيا له دوام الصحة وتحقيق آماله وما يصبوا اليه، ككاتب مبدع وزميل في حقل الهندسة قدم عصارة جهده في العراق وطن الحضارات منذ أقدم الأزمان.
nabeeldamman@hotmail.com
California on February 26,2024
&&&&&&
&&&&
&&

3
المنبر الحر / المعمرون في القوش
« في: 19:13 27/02/2024  »
المعمرون في القوش
نبيل يونس دمان
     قبل البدء بالكتابة عن البالغين مئة سنة فما فوق من معمرّي البلدة القوش الواقعة على سفح جبل مسمى باسمها، أكتب اسطراً عن معمري العالم، ومما يذكر ان أكبر معمر في موسوعة غينيس للأرقام القياسية هي الفرنسية جين كالمينت التي بلغت من العمر ١٢٢عاماً. في الماضي كان متوسط العمر منخفضا ثم بدأ في الارتفاع حتى يومنا هذا، وأكبر دولة في العالم هي اليابان في متوسط عمر الانسان فيها والبالغة ٨٣ سنة، ويشار ان متوسط عمر المرأة أكبر من متوسط عمر الرجل لأسباب تتعلق بالجينات الوراثية. معمرون ذُكروا هنا وهناك ولعل منطقة القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا يعيش فيها عدد أكبر نسبيا من المعمرين ومن كلا الجنسين، والسبب جبلية المنطقة، وطيبة هواءها، ونقاء مياهها، واعتماد سكانها على المنتوجات الحيوانية في طعامهم، حيث تشكل مهنة الرعي الرئيسية في تلك الاصقاع. إذا رجعنا الى التاريخ القديم فيذكر مثلا بان الانسان الأول آدم عاش ١٠٠٠ سنة والنبي نوح ٩٥٠ سنة، هناك فهم خاطئ لمدة السَّنَة قد يكون مختلفاً عن مفهومنا لها، فربما كانت السنة في الماضي البعيد تعني دورة واحدة للقمر شهراً بدلاً من الدورة الشمسية 12 شهراً.
     القوش لم تسجل في السابق او قبل حلول القرن الحادي والعشرين معمرين سوى معمرة واحدة هي راحيل متيكا كوسا على حد علمي، اما في مطاوي قرننا الحالي فأصبح عدد المعمرين خلال الأربعة والعشرين سنة الماضية في حدود العشرة الذين عبروا المئة عام، الان نطرح أسماءهم مع ما تيسر من حديث او معلومات بخصوصهم على قدر اجتهادنا:
١- حبي قيا شبلا (١٩١٨- ٢٠٢٣):
     حبي قيا ميخا داويث برجا شبلا عاشت على ارض القوش منذ الولادة وحتى الممات دون ان تغادرها فترة امدها (١٠٥) سنوات. كانت جارتنا منذ عام ١٩٥٨ وحتى عام رحيلها أي جيران في السراء والضراء لمدة ٦٥ سنة، ولذلك عرفناها مع عائلتها عن قرب، فقد كانت متزوجة من يونس هرمز (شنكاري) كولا وانجبت ٥ بنات و٣ أبناء. كانت حتى السنة الأخيرة تذهب الى السوق وتتسوق، وتعمل الكثير من شغلات البيت التي باتت تعيش لوحدها فيه تحت رعاية ولدها حكمت وابنه آرثر وبناتها هدّية وليلى، رحمة الله على ام هرمز وأسكنها فسيح جناته.
٢- شمي ججيكا كيوركيس حنا ديشا (١٩٢٠- ..........):
     المولودة في القوش بتاريخ ٧- ١٢- ١٩٢٠ وهي زوجة المرحوم روئيل (حنوكي) كجو ووالدتها كتي صليوا قودا وقد انجبت ثلاثة أبناء هم المرحوم سامي والمرحوم صباح وليث وعدد من البنات. عاشت في الموصل معظم حياتها وكانت تعمل مع اختها حبّوبه في صنع البقلاوة الموصلية الشهيرة، ثم انتقلت مع ابنتها بعد تردي الأوضاع في الموصل الى مدينة دهوك، وما زالت تعيش بعدما ناهزت الأربع سنوات بعد المئة، لتكون بجدارة ثاني أكبر معمرة في تاريخ القوش الى يومنا هذا. يا خالة شمي لك طول العمر وراحة البال وشيخوخة صالحة.
٣- مريم اسحق ساكو (١٩١٧- ٢٠٢٠)
     مريم اسحق ساكو المولودة في القوش عام ١٩١٧ والمتوفية بتاريخ ٢٣- ٤- ٢٠٢٠ في استراليا، كانت رحمها الله متزوجة من المرحوم بحو كوريال (قاشا) ككميخا دمان، وانجبت ٦ أبناء هم: المرحوم ثابت، المرحوم سعد، حكمت، سمير، رعد، وسلام وبنات: المرحومة صبيحة، جوزة المتزوجة من المرحوم يونس حنا رزوقي، باسمة، وايفلين. وقد عاشت معظم حياتها في بغداد ثم فارقت هذه البسيطة عن شيخوخة طويلة وصالحة امدها ١٠٣ سنة. رحم الله الخالة مريم (ننيكي) اسحق ساكو حيدو واسكنها فسيح جناته.

٤- صادق ياقو برنو (١٩١٩- ٢٠٢١):
     أي عاش (١٠٢) سنوات قضى منها حوالي خمسين سنة في أرض الوطن والباقي في اميركا، كان متزوج من السيدة أغاثا شمعون بولاذ منذ عام ١٩٣٧، كان بهي الطلعة، منتصب القامة، قوي البنية، يمتلك ذاكرة قوية وسرد ممتع للأحداث الماضية، كما كان شماساً قديراً وخطاطاً باللغة السريانية. عمل في العراق في البداية مع والده ياقو في عمل البرادع، ثم سائقاً في وزارة النفط لسنوات وبعدها سائق حافلة في احدى المدارس الاهلية في بغداد، وقد اعتقل في الموصل عام ١٩٦٣ لأسباب سياسية. ارتبطتُ معه بعلاقة قوية خلال سني وجودي في كاليفورنيا، وحصلت منه على معلومات تاريخية عن القوش وابناءها، رحمة الله على عمّه صادق برنو.

٥- راحيل متيكا كوسا ( ١٨٩٨- ١٩٩٩):
     مولودة في القوش ومتزوجة في قرية ارادن من كيوركيس هرمز شوّي، ثم توفت في اميركا عام ١٩٩٩ عن عمر ناهر المئة سنة وسنة. الله يرحم الخالة راحي ويرثها الجنة.

٦- ريجو سعدو يوسف فعونا (١٩٢٢- ٢٠٢٣):
     بلغ عمرها عند وفاتها (١٠١) سنة زائدا ٤ أشهر، مولودة في القوش بتاريخ ١٣- ٧- ١٩٢٢ من الأم سُرّي متي ختي (١٨٨٦، غير مسجل تاريخ وفاتها) ومتزوجة من هرمز صليوه من قرية شيزي وتم عقد الزواج في الدير بتاريخ ٥- ٢- ١٩٥٠ وكان الكاهن المكلل القسيس بطرس شلي، لها ولد وحيد اسمه نونو (يونس) وهي جدة صديقي الكاتب سيزار هرمز. عاشت فترة من حياتها في بغداد ثم في القوش وبهندوايا حتى هجرتها الى اميركا عام ٢٠١٠ ووفاتها فيها عام ٢٠٢٣. الله يرحم الخاله ريجو ويسكنها فسيح جناته.


٧- هرمز متيكا كوسا (١٩٠٥- ٢٠٠٥):
     مولود في القوش بتاريخ ١٩٠٥ ومتوفي في بغداد سنة ٢٠٠٥، كتبت موضوعاً عنه عند بلوغه المئة، ونشرته معززا بالصور في مجلة السنبلة الصادرة في مشيكان من قبل جمعية مار ميخا الخيرية، سوف أقوم بنشره قريباً جداً. رحمة الله تغشاه.

٨- منصور يوسف متي ابونا ( ١٩٢٣ـ .........):
     جرى احتفال بتاريخ ٧- كانون الأول ٢٠٢٣ ببغداد الحبيبة في بلوغ العم منصور المئة عام وهو يتمتع بموفور الصحة كما يشاهد بمقطع فيديو مصور بمناسبة اليوبيل المئوي.
في عمر العشرينات غادر مسقط رأسه للعمل في محطات ضخ النفط أولاً في الحقلانية ثم في تيوان عام ١٩٦١ وبقي فيها حتى عام ١٩٨٣، ومن هناك انتقل مع عائلته الى بغداد وحتى يومنا هذا. العم منصور متزوج عام ١٩٤٢ من المرحومة سارة سليمان كادو (١٩٣٠- ٢٠٢٣) وله من الأبناء: صباح، المرحوم فؤاد، المرحوم ميلاد، خالد، والبنات: مريم، جوليت، بتول، وفاء، سناء، تغريد. يا عمي منصور لك طول العمر وراحة الفكر وشيخوخة صالحة.

٩- امينة صادق (جيجو) ككتوما (١٩٢٣- .........):
     المولودة في القوش بتاريخ ١- ٨- ١٩٢٣ وبذلك دخلت سنتها الأولى بعد المئة، ولا زالت تتنفس نعمة الهواء وتعيش في اميركا، وقد جرى الاحتفال ببلوغها المئة في صيف العام الماضي، ومرفقة بعض صور احتفالها باليوبيل المئوي. بقي ان نقول بانها متزوجة زواج ثاني من المرحوم موسى (عمران) بحو ابونا الذي كان يعيش في القوش حتى عام ١٩٦٨ حيث انتقل الى بغداد. ولها من زوجها الأول عيسى ابونا الأولاد: المحامي عزيز، جميلة (زوجة غانم تنا)، ومن الزواج الثاني:  البنات: سلمى (زوجة فرج جركو) ، جانيت (زوجة بولص خرات)، وجوليت (زوجة شكيب جلو). يا خالة امينة لك طول العمر وراحة البال وشيخوخة صالحة.

١٠- شكري الياس زورا غزالة (١٩٢٤- .............):
     والدتها من قرية شيوز التابعة الى قضاء سميل، وقد اقترنت بالمرحوم ياقو متي من قرية شيوز أيضا، ولهم من الأبناء: بولص، وسيزر، وعدد من البنات. مسقط راسها القوش ثم عاشت فترة في شيوز وانتقلت مع زوجها الى كركوك حيث عمل في شركة النفط، بعد ذلك استقروا زمنا طويلا في بغداد واليوم تعيش في مملكة السويد، يا خاله شكري لك طول العمر وراحة البال وشيخوخة صالحة.
١١- شكري هرمز (مامينو) اسطيفو اودو (١٩٢٤- .........):
     هي ابنة عم والدتي من الدرجة الأولى مولودة في القوش بتاريخ ٢٢- ٣- ١٩٢٤، والدتها مريم شابا حلبي ( ١٨٩٤، ...... ) متزوجة من المرحوم يوسف متي ابونا بتاريخ ٣- ٥- ١٩٣٦ وكان القسيس المكلل رابي فرنسيس حداد ولها من الأولاد: متي، نجيب، فؤاد، ماري، آمال، بتول، تريزا، عاشت الشطر الأكبر من حياتها في بغداد، والان تعيش في ديترويت وقد احتفلت في العام الماضي بعيدها المئوي. يا خالتي شكري لك طول العمر وراحة البال وشيخوخة صالحة.
**********
     هذا الموضوع اختمر في ذهني في صيف العام الماضي وانا أعيش رغد في بلدتي وبين ظهراني اهلي واحبتي، فبدأت انسج خيوطه في جمع المعلومات اساساً من السجلات الكنسية المحفوظة في كنيسة مار ميخا بالبلدة القديمة، وعند رجوعي الى اميركا واصلت البحث والاتصالات بأقرباء المعمرين وعن طريق الإنترنت في الاتصال بمكتب الكنيسة بهذا الخصوص، وقد ساعدني كل من القسيس الشاب رودي كامل صفار والشماس راند يوسف النجار، فلم يتضايقوا من طلباتي في الليل او النهار، حتى تكللت الجهود المشتركة بهذا الجهد المتواضع، الذي يحتاج الى تدقيق وتعزيز فلا تترددوا بملاحظاتكم البناءة. كما اود قبل ان أصل الى نهاية الموضوع بتوجيه الشكر الى مختار القوش سادو ابونا وابنه ايفان للمساعدة التي أبدياها، بخصوص معلوماتهم عن المعمرين.
     ما لفت انتباهي بان أكثر العوائل بلغت الرقم القياسي في العيش مدة طويلة هم عائلة متيكا عكيل كوسا وأولاده (واصلهم من قرية شيوز التابعة الى قضاء سميل) فقد عاش العم متيكا ٩٤ سنة (١٨٧٣- ١٩٦٧) وعاشت ابنته راحيل (راحي) ١٠١ سنة، وعاش ولده هرمز ١٠٠ سنة. وقد كان للعم متيكا اخ اسمه بتي وهو بطل من ابطال فترة الحرب العالمية الأولى (السفر برلك) كان متزوجا في مدينة أدنة التركية من فتاة ارمنية وله منها عدد من الأولاد قتلوا مع باقي اهله في فرمان ضرب المسيحيين بالسيف عام ١٩١٤، فطار صوابه واستطاع ان يفلت من كماشة الموت، وإنتقم لهم وهو يقطع الطريق من آدنة الى القوش، وكل رجل يقتله يعلق أذنيه في خيط الى ان امتلأ، وعندما دخل القوش كانت الاذان المقطوعة معلقة في رقبته.
     أختتم هذا الموضوع الشيق بالتمنيات ان يواصل المعمرون في هذه البلدة من الجنسين بإمداد نسغ الحياة في همة وغيرة، لتتميز البلدة في هذا الجانب المرتبط بالجينات الوراثية،  وبالبيئة الجبلية، وحسن التربية والتوعية، ومراعات متطلبات الحياة، وتجاوز المصاعب، والمصائب التي اعترضت حياتهم، وحياة من عاش تلك السنين التي تقلبت فيها الظروف، وساور الناس الكثير من القلق والخوف، وما زال الأمل لا يبارحها ان تتحسن الظروف في وطن بين النهرين، وان يسعد ويلقى المعاملة الحسنة والرعاية الصحية المطلوبة في سني الشيخوخة، والله يكون في عونهم وليحتفل أولادهم واحفادهم باحتفال خاص يليق بهم في ذكرى ميلادهم كلما دار الفلك حولاً!
     الرب يحفظ القوش ويزيد من اعمار أولادها، سيما وهناك العشرات ممن تجاوز عمره التسعين، ويثبتها لتقاوم عاديات الدهر، ويسعد أهلها أينما كانوا ليكونوا خير رسل وبمثابة سفراء لها في الدول التي شاءت الظروف ان يستقروا فيها، فيغدون القدوة، والمثال الجيد، والسمعة الحسنة، والنجاح في أعمالهم، وفي تحصيلهم العلمي، وحتى النهاية عندما يرث جميع أبناء الله مملكة المجد.
nabeeldamman@hotmail.com
California on February 10, 2024
&&&&&&&&
&&&&&&
&&&&
&&
&


4
الكون الواسع هذا المدهش الساطع
نبيل يونس دمان
     خُلقت على هذه البسيطة ومشيت على سطحها متأملاً، كنت كلما امدّ الطرف ارقب ما حولي أرى مالانهاية من الاجرام السماوية التي تدور في افلاك ومجرات محسوبة بدقة متناهية. لقد اسرني المنظر منذ الصغر، فمن فوق السطوح ليلاً أرى النجوم التي ترصع السماء وأحيانا يتوسطها القمر المنير، بالتأكيد اسر هذا المنظر الشاعر بدر شاكر السياب فانشد يوماً:
سمعتك يا عراق وكنت دورة أسطوانة..... هي دورة الأفلاك من عمري
     كنت اسأل امي وامام ناظري الأرض استواء، وفي الأفق البعيد أرى التحام الأرض بالسماء، اسألها: هل تلك حدود الأرض او نهاية العالم! فتقول: يا ابني لا تتعب نفسك فالأرض لا نهاية لها، ثم توسع فكري وادراكي أكثر ليشمل جوابها الكون الذي لا نهاية له، أي ليس بالإمكان معرفته، والحقيقة مهما بلغ بريقها وتجلّت مصداقيتها تظل نسبية فالمطلق حالة مثالية.
اسمع بان عدد الأجرام السماوية كعدد ذرات الرمل، ما صحة ما كنت اسمعه! وليست الشمس لوحدها بل هناك شموس أخرى ابعد، فأتخيل هذا الكم الهائل من الأنجم والكواكب التي تتحرك وتدور بمقاييس زمن نسبية يطلق عليها السنة الضوئية وبنظام سرمدي وديناميكية وفق قانون او قوانين رياضية لا تنقص ولا تزيد وليس بإمكانها التوقف او التغيير، هنا انا مقتنع بفرضية العالم الإنكليزي اسحق نيوتن بان " المادة لا تفنى ولا تستحدث بل تتحول من شكل الى آخر" انا ابن الأرض انطلق بمخيلتي وما وُهبت من تفكير بما موجود على سطحها من كائنات حية ومياه ويابسة وطبقات الهواء، أخرج باستنتاج على شكل سؤال:
بما ان هذه النجوم والكواكب السيارة عددها بالبلايين كما يقدرها العلم هذا اليوم، فليس من المعقول ان ينفرد كوكب الأرض بالحياة فوقه دون تلك البلايين المفترضة؟
     أتوقع ان تكون للأرض اشباهها وكلها كما أشرنا تدور بمداراتها وافلاكها فتشابه ظروفها المناخية وتركيب التربة والكائنات فوقها لتكمل دورة الطبيعة، وتبقى المعضلة الكبرى امام العقل البشري هي اكتشافها. ومن مظاهر الحياة التي نراها وخبرناها على مدى السنين، فالأرض عندما تمر بظروف مناخية وتغيرات في طبوغرافيتها بين سنة وأخرى وكأمثلة: الزلازل والبراكين وموجات البحار العالية وغيرها، أتصور بان بعض الظاهر تعيد نفسها وفق منظومة رياضية او معادلات تفسر نواميسها. اتخيل بان الظواهر تلك تعيد نفسها كل عقد من السنين او كل قرن وحتى آلاف السنين فالذي يحصل بوجودنا او بعد عودتنا الى التراب الذي جبلت اجسادنا منه، يكون كل ذلك وفق السنن والمنظومات التي هي بمخيلتي ساعة كبيرة تعمل بميكانزيم لا يخطئ.
     ما أريده من قولي هو الاستسلام لقوانين الطبيعة وعدم إيلاء التنبؤات او الأسحار او القشريات أهمية كبرى، والتي اعتاد بعض الناس ولوج هذا الباب لخداع البسطاء وكسب أموالهم وجهودهم كما يقال سرقة عرق جبينهم. أتوقع من بني البشر في هذا الكون الجميل الذي اسمه الأرض ان يتصل بكواكب أخرى فيها حياة بشر شبيهة بالأرض ومن تلك النقطة تنفتح الافاق للتواصل وتطوير الحياة الاجتماعية فيعم الرخاء والسلام الأرض المنشودة.
     كم يعجبني ويلهمني التاريخ والعهد القديم الذي قرأته بإمعان، وقد اعطاني الزخم والافق في التمعن والتفكير، أيضا استشفت من قصصه عبر قرون طويلة بانها مرتبطة بنمط حياة البشر كلٌ في زمانها، لا يمكن لعقل بشري محدودة حياته على الأرض ان يستوعب ويعطي الأجوبة لكل تساؤلات العصور الماضية والغامضة وحتى المتناقضة فيما لا حصر لها! ولذلك طرح أسئلة بهذا الخصوص عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة غير مجدي، بل الأفضل ان يتم في دوائر دينية او بحثية. ستؤدي تلك المناقشات بشكلها الحالي الى تولد المزيد من الأسئلة التي لا جواب عليها، لذلك حري بالمرء النأي عنها.
     تنفتح امام افق تفكيري اذا تعثرت سبل الوصول الى الكواكب الشبيهة بكوكبنا ان يسبقونا فيصلون الينا، في الماضي كانت تبعث الرسائل لتقطع مسافات بعيدة بواسطة الحمام الزاجل، وفي ملحمة سفينة نوح وقبلها في ملحمة جلجامش عندما غرقت الأرض فادخل كل زوج من الكائنات الحية من الطيور وذوات الأربع الى فلك يستوعب تلك النماذج المختارة ويقاوم السيول والفيضانات والرعود والبروق، وبعد مرور ٤٠ يوما بدأت الطبيعة تبتسم، وخيل للنبي نوح بان اليابسة قد ظهرت فارسل الغراب ولم يعد وعندما ارسل الحمام عاد وفي فمه غصن الزيتون، فعادت الحياة الى الأرض بعد ان اطلق نوح تلك الكائنات التي سلمت من العاصفة القاتلة. اذن نحن في كوكب الأرض بحاجة لوصول تلك الرسائل او البشائر وحتى تأتي يظل الحلم يراودنا، ولكن متى تأتي؟؟
     اترك العلم الصِرف للعلماء والباحثين عبر المتابعة الزمنية والمختبرات والأجهزة العلمية والتلسكوبات والمراصد التي تتطور سنة بعد سنة، انا لا اتناول هذا الجانب لأنه ليس من اختصاصي لكني ادلو بدلوي وأطلق العنان لخيالي فاعبر عن افكاري وككاتب له خياله يحاول التوسع في أفكاره التي يعمقها الخيال والاحلام!
     إذا تواصل قاطني الكواكب المشابهة ظروفها الأرض، فمن الممكن ان نساعدهم بفضل منجزاتنا، وبالمقابل يساعدونا في حل معضلات العصر منها موضوع الحرب والسلام، ومشكلة الاحتباس الحراري، الامراض المعقد شفاءها مثل السرطان، تحديد نفوس البشر او إعادة توزيعهم على مناطق الأرض، إيجاد لغة مشتركة يتفاهم بها جميع السكان... الخ... والى آخر ما يتسع الخيال لذكره. لا اكتمكم سراً بالقول: نحن نحلم! وعندما سؤل أحد الفلاسفة قبل أكثر من مئة عام: هل يحلم الانسان الواقعي؟ فقال نعم، ويجب ان يحلم.
nabeeldamman@hotmail.com
California on January 16, 2024
 
 

5
الحرب في غزة الى اين؟
نبيل يونس دمان
 من يشاء ان يرى شرق اوسط جديد آمن ومستقر، عليه ان يسعى بكل ما أوتي من طاقة بحل الصراع المزمن بين اسرائيل والدول العربية، منذ عشرات السنين سمعنا الشعار العتيد الذي ما زال يحتفظ بقوته حتى اليوم والشعار "من اجل سلام عادل ووطيد في الشرق الاوسط" .
ان ما يحدث في غزة هو انتقام ودمار لا تحمد عقباه، وكما في كل الحروب إشعالها بسيط واخمادها صعب، ايضا تشبه قصة حساب الحقل والبيدر، نأتي الى التحصيل الحاصل وعلى ما يبدو لا يلوح في الافق منتصر في هذه الحرب الضروس، بل ما يُخشى منه ان يمتد لهيبها الى اماكن اخرى، فتصبح الحالة اعقد واكثر كلفة في القوى البشرية والبنية التحتية.
حقنا للدماء ووقفا للتدهور الاكبر، على الفرقاء الاحتكام الى الحكمة واستعمال العقل السليم، وذلك بحل المشكلة من اساسها والرجوع الى قرار الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1948 والتقسيم على اساس الدولتين، ولا مخرج من هذا الامر مهما حاول الفريقان المتصارعان بشكل مباشر الاسرائيليون والفلسطينيون ايجاد بديل آخر، مهما طال الزمن فالرجوع الى ذلك القرار الدولي لا مفر منه، فلماذا تحمل الخسائر الكبيرة وتهديد السلم العالمي؟
على الدول صاحبة القرارات مساعدة الفرقاء لايجاد حل سريع للصراع الحالي الدامي، والذي فاق كل الصراعات والحروب السابقة، انا كاتب هذه السطور املك قلمي الحر، واملك عضلات ارهقها الزمن، ليس لي القوة ولا الأمر النافذ، سوى تقديم نصحي فلتهز كلماتي في السلم والسلم وحده مشاعر الرأي العام واصحاب القرار في العالم اجمع والسلام.
كلمتي في نهاية عام 2023
Nabeeldamman@hotmail.com


6
.

7
نتاجات بالسريانية / أينا دسقّا
« في: 14:03 26/11/2023  »
أينا دسقّا
الشاعر متي ابونا
1903- 2001
نماذج من النسخ الاصلية:
مدونة الاخت حياة حسقيال دكالي
 
 
 
القصيدة باللغة السريانية:
مدونة الشماس فائق قيا بلو
   



 
القصيدة بالكرشوني:
مدونة نبيل يونس دمان
1
ﮔو ألݒا وتِشّائِمَّة.......... طلاثي خِنّي رّيشَيي
أويرَن ﮔو شاتَه خَثتا.......... خوشابا معَيودَيي
 2
بأيذَه دّنحا ݒَلگايا.......... شوئَه بكانون خَرايا
مشوريلَن قَم طَݒايا.......... لمَݒوقِه دأينَه دْمايا
3
حنا بَنايَه ﮔوايي.......... بّيثِح قْطِروالي رْايي(1)
مَݒوقِد أينَه دمايِه.......... مْزونيلي دْآثورايي
4
ميري أخونَه دْمينا.......... ويلا بگو مْيلا أينا(2)
بزونِخلا بْحاضِر وْدينا.......... هَم ان طَلبي خاطينا
5
خوشابا لخاصَه دخَبرا.......... ميرَة جماعة تْكبرا
زورا ورابا بِد أمرا.......... وَراقة لموصل مشدرا
6
روفا مَر ﮔيوَل ويوا.......... ابلحد أمِّح ويوا(3)
قو بروني دْجيلِخ لنيوا.......... بقيطا دلَميثِخ مصيوا
7
ميري ﮔزَدِن يا بابي...... دْلَكُن أثيا طَلابي
إلَّة بِثايَه دْرابي.......... ما ݒِشليبا دْأوذابي
8
رابي أيسف عبَيّا.......... ميري ته ججو قيّا(4)
نيوَه ديلي بگلِيّا.......... لدَنّو مݒوكِر بتَحتِيّا(5)
9
دنو دبي تُسقݒنايي.......... مُݒصخلي القوشنايي
دِغزيلِه نيوَه دمايي..........جولو إلِّح بْسانايي
10
ججو اخونِ دْگُلّا.......... ميرِه لكْ ݒَلخِن والله(6)
ايثِن خَشولا قامَن..... مَگورِخ بِرْد فَرجَلّا(7)
11
أيثِن خَه روفا بماثا.......... ݒَشمِح مِليا روقاثَا
أواذِد مَطِمياثَا.......... تَجَنقي وْتَخَماثا
12
قِملي روفا مَر حُمثا.......... لْئيذِح شْقِلّي قُرُمثَا(8)
تويري تَلما وتَلِمْثا.......... هيلو ݒْيشَه أرمِلثا(9)
13
أيشوع أخونا زورا.......... ميري تَعَمِّح ݒثولا(10)
تَد ماطِخ لأيسف ݒولا.......... بَلكي خارولِه شولا(11)
14
أيسف ما عاقليلي.......... كُل ناشي موريشيلي
معقولَن مُمِهريلي.......... وسَنادَن مُضِبطيلي
15
بساحَة قِمْلي تري مَلّي.......... كِم جَغشيلَة مَحَلّي
قاشا جكّا كثاوَة.......... إمِّح بحو بِرد دلّي(12)
16
بي جَمّا سَنَد مطوشي.......... حنا وشعيا مّرخوشي(13)
ميري تَاَمتَي شوشي.......... لِبّن ايوَت مَݒوشي(14)
17
ثيلي شماشا فْيارا.......... ميري ݒْكيليلا كْيالا
كْيلالي بَكّو ميتاري.......... صوب قَصيلا موسقالي(15)
18
كُد مَسقا صوب قَصيلا.......... بِبَلّو كِم بَليلَا
هل دِنݒلّا دبي جمّا.......... بْگوي كِم مَݒقيلا
19
اسحق اخونا رابا.......... كُد خّايِر بخَرابا(16)
مْسيبو ايذَه مْخوشابا.......... دِمْحَلقِنِّه بْعوذابا(17)
20
خوشابا بأخَوِيّة.......... أويذالِه بْگو خُفِّيَة
مجُمعيلي لمُديرِيَّة.......... نُبليلِة لْبَلَدِيَّة
21
أي أينِد سَقّا واوا.......... ان أيذِت قاي سْيداوا(18)
شيلوكِ مّايِه واوا.......... ݒِشلا قطِلتا لرَكاوا(19)
22
كُد شْميلا بزونِخلا.......... ميرَة بد مَكِشفِخلا
بد أمرِخ تلِخلا.......... وأيگ مّحلّي دِخلا
23
ميري ميخا سگماني.......... لْيلي بِݒلاخَة آني(20)
أكلو دْميثِن أماني.......... ݒَّلخِن هِل شّمْطَ ﮔياني
24
صاحونو حنا شفو.......... قال مشغان عما رفو(21)
هوني لا تتوالفو.......... راح تقع ولا تقفوا
25
حنا أخذ كشفيّو.......... عمل حق الربعيو
ما كفانو ليوميو.......... قالولو دحّق بيّو
26
رجعولك مارتاني.......... لا تتقاتل ماعاني
قوم ايشوع مشي قدامي.......... وصلني بالسلامي
27
خوشابا بّيثا قيما.......... قريوالي برد أمينَة(22)
ميثيلَن غذا خَصّينا.......... مگيبد داغود ﮔُزينا(23)
28
بَس كِبِخ دخَلصِخ مِنوخ.......... كِمرِخ ليوِخ ﮔو غَمّوخ
ولَتّن بشطو مِنّوخ.......... بي جَمّا تطَلبي بدِمّوخ
29
صوثوا إلّي ﮔاخِرتا.......... سو ݒُلخُن غذَ عاصِرتا
مشارو من ريشا دّرتا.......... ويلَة مقّيرة زَرتا(24)
30
بِد جيلوخ بگو مَقّيرا.......... تيزو كلثوخون ميرا(25)
دوْلِخوا مِنَّح خْبيرا.......... بِش مَرْ ماييلا مْنيرا
31
ميخا بِرد ﮔورَه دْمِلِّه.......... بْيثَه دبابِح متُلبِلّه(26)
مْخيلِه لِشويثِح وزِلِّه.......... وخَرثا شَرُﮔمي خِلِّه
32
مْطيلَة لججّو سَعورا.......... هَي إلُّخ مْطيلي دْورا(27)
تَد آرِتَّن خَه ﮔورا.......... تَد ݒالِخ بْگو رَؤولا
33
ججّو ميري لَك دَأرِن.......... مأينوخو قَط لَكمالِن
روفا ميري بِد بالِن.......... قَم أقلي لَݒِّش دَالِن
34
ججّو ميري تا شوني.......... تَما بزونِخ أرموني(28)
خْورو بيوماثا كومي.......... روفا وولي مْشيذوني
35
شوني ميرا تا ججو.......... بِد مشدرَن ناني ورجّو(29)
الا رْضيوالي ݒَݘّو.......... بدارِخ خِثنِد قَجّو(30)
36
مْيري حنا سابيـــوس......... تا ربن باسيليّــــــوس(31)
ساذوثَه دْناشي دݒِيّوس.......... جَرياوه خنيرَه تݒيّوس(32)
37
يونس ميري تا شمّي.......... پقيمِن ماخِنَّه خَمّي(33)
بقارِن ݒَتّي برد حَمّي......... وبَثرِح حنا بِرد شَمّي(34)
38
أثْ رَشو ﮔوره دْبيكي......... كِمآوذلَن هَتّيكي(35)
بد زونِخلَن تري ديكي.......... تد أخلِخلي بشَريكي
39
ببّي ميرا ته ݒالا.......... دِپلوخ ولا اوذِت قالا(36)
ككُّخ محولِق لِخمارا.......... ݒِشوالِه خْكلَمالا(37)
40
سوتي مُثيلا لبالي.......... شوݒا مُغزيلا طالي
كُل مَحَلِّة بعينالي...... بِدهويا طوتَه طالي
41
وِلّا بِغذا قَرنيثا.......... غذا اوري لريشَحْ بنْيثا(38)
دوكثيلا خِشْكنيثا.......... مَحَلّي ليلا رْضيثا
42
ݒشَقلِن ليذي غذَه ستونا.......... ݒقارِن بِرد حنا ﭽونا(39)
قرَشتَح ݒخَروِن رِش تونا.......... وأيگا ݒتورِن قانونا
43
داغود ميري تا شكري.......... لݒش كيزِن لعَمبقري(40)
مْبيضِن دِستيثَه ومَقلي.......... بِد دارِنّي قَم أقْلي
هوامش:
1- حنا زرا 
2- مينا سكماني، ميلا: مخزن لعلف الحيوانات ( التبن)
3- روفا عقراوي، ابلحد روفا عقراوي
4- ايسف عبيا: هو القس يوسف هرمز عبيا، ججو قيا بلو 
5- دنو سليمان تلسقفي جد فيدل مدير المدرسة الاولى الابتدائية
6- ججو: والد عزيز بهاري، كلّا: هو كلّو بهاري
7- فرج الله: والد منصور ديزا واسمه يوسف
8- قرمثا: هي الجزء الاخير مع ساق الشجر
9- هيلو زوجة روفا عقراوي
10- ايشوع: والد موكي جمّا، بثولا: بمعنى البتول وهو يقصد اخيه الراهب اسحق في الدير
11- ايسف ݒولا اسمرو رئيس القوش
12- جكّا: هو القس يوسف نيسان حلوسّي، بحو دلي: هو بحو برنو
13- حنا وشعيا اولاد عبو شوشاني
14- شوشي شوشاني
15- بكّو ابونا: عاش فترة طويلة في البلدة تلكيف
16- اسحق: والد نونو جما
17- خوشابا: جد ابلحد الياس  شكوانا
18- ايند سقا: عين الماء على مشارف وادي عين زقيا في شمال شرق القوش
19- شيلوك: فتاة جميلة يافعة من بيت شكوانا قتلها احد جنوب الملك نادر شاه (طهماسب) عام 1743 م.
20- ميخا متيكا سكماني
21- حنا شفّو: بناء ماهر من اهالي الموصل، رفو: روفا عقراوي
22- امينة: غير معروفة
23- داغود كوزينا صفار
24- مقيرة: حفرة في سرداب البيت مطلية بالقير تخزن فيها الحبوب
25- تيزو: احدى كنات بيت جمّا
26- ميخا: الملقب عَمَلي من بيت حنطية
27- ملّي: والدة ميخا
28- ججو شيخو والد البطريرك مار بولص شيخو، شوني ميخا برنو: زوجة ججو شيخو
29- ناني ورجو: بنات ججو شيخو
30- ݒَݘّو: اوراها زوري، قجُو: جدة داود دنو سليمان
31- باسيليّوس احد رهبان دير السيدة
32- قرية مسيحية مندرسة على مقربة من بلدة باعذرا
33- يونس صفار، شمّي: غير معروفة، خمي زوجة يونس صفار
34- بتي حمي هو جد عوني حنا الصفار، حنا برد شمي هو حنا سابيوس
35- رشو: ربما من بيت حنطية او شاجا، بيكي: زوجة رشو
36- ببّي: غير معروفة
37- كلَمالا: وعاء من العيدان يعلق في المطبخ وتحفظ فيه الملاعق الخشبية باحجامها
38- اوري: معلف صغير مبني خصيصا لاطعام الحيوانات داخل البيت
39- سْتونا: عمود البيوت الطينية الخشبي، اسحق جد اديب زرا
40- شكري: هي زوجة داغود كزينا صفار، عين بقري: قرية قريبة من القوش

الترجمة العربية المتواضعة للقصيدة:
أينا دسقّا
الشاعر متي ابونا
(1)
في الف وتسعمائه.......... وفوقها ثلاثين
دخلنا في السنة الجديدة.......... يوم الأحد نعايدهم
(2)
في عيد دنحا الاوسط.......... سبعة من كانون الثاني
بدأنا من امام السفح.......... لنخرج عيم الماء
(3)
حنا البناء في الداخل.......... في بيته اتفقوا على رأي
اخراج عين الماء.......... من زمان الآثوريين
(4)
قال أخو مينا.......... موجودة في المخزن عين
نشتريها في الحاضر والدين.......... حتى لو طلبوا مبلغ كبير
(5)
خوشابا على ظهر المسطّح.......... قال للجماعة هناك
الصغير والكبير يقولون.......... الورقة نوصلها الى الموصل
(6)
روفا كان متحمساً.......... ابلحد كان معه
قم ابني نفتش عن النبع.......... في الصيف لا نموت من العطش
(7)
قال اخاف يا ابي.......... ان تاتي وتداهمني
واذا بوصول القس.......... بعد ماذا بامكانها ان تفعل
(8)
رابي يوسف عبيّا.......... قال ل ججو قيا
النبع الذي في الوادي.......... دنّو اوقفه بالصوف
(9)
دنو التلسقفي.......... افرح الألقوشيين
لاكتشافه نبع الماء.......... فتشوا عنه بسهولة
(10)
ججو اخو ﮔلّا.......... قال والله لن اشتغل
هناك شغل امامنا.......... نزوج ابن فَرْجَ الله
(11)
لنا روفا واحد في القرية.......... سرواله مليان رقع
يصنع الملاعق.......... للشباب والشابات
12)
نهض روفا العصبي.......... بيده اخذ الخشب المتجذر
كسر الجرة الكبيرة والصغيرة.......... هيلو سوف تصبح ارملة
(13)
ايشوع الأخ الصغير.......... قال لعمه البتول
لنذهب الى يوسف ݒولا.......... حتى يخرّب الشغلة
(14)
يوسف ذلك الحكيم.......... كل الناس صحاهم
العقلاء ختموا بالمهر.......... والسندات ضبّطها
(15)
في الساحة وقف اثنين من الملالي.......... جعلوا المحلة مضطربة
قس جكا الكاتب.......... ومعه بحو ابن دلّي
(16)
بيت جمّا ضمّوا السند.......... حنا وشعيا يرقصان
قالوا لعمتهم شوشي.......... انت تكسرين خاطرنا
(17)
جاء الشماس طائراً.......... قال سيكيلوها بالمكيال
قاسها بكّو بالامتار.......... وجهها باتجاه المزرعة
(18)
عندما صعدوها باتجاه المزرعة.......... بيت بلّو سكتوا
حتى ينتكسوا بيت جمّا.......... عندها ينتقموا منهم
(19)
اسحق الاخ الكبير.......... عندما ينظر الى الخرابة
حلّوا يدكم من خوشابا.......... حتى اوقعه في العذاب
(20)
خوشابا في الأخوية.......... عملها في الخفاء
جمّعهم الى المديرية......... واخذهم الى البلدية
(21)
تلك عين السقّا كانت.......... لو تعلم لماذا تركوها
شيلوك كانت تجلب الماء.......... قتلت من قبل فارس
(22)
عندما سمعوا سنشتريها.......... قالوا سنكشف الأمر
سنقول بان المخزن تعطب.......... عندها المحلة سكتت
(23)
ميخا سكماني قال.......... هؤلاء لا يصلحون
انتظروا اجلب عدّتي.......... اشتغل حتى تزهق روحي
(24)
صاحونو حنا شفو.......... قال مشغان عما رفو
هوني لا تتوالفوا.......... راح تقع ولا تقفوا
25
حنا أخذ كشفيّو.......... عمل حق الربعيو
ما كفانو ليوميو.......... قالولو دحّق بيّو
26
رجعولك مارتاني.......... لا تتقاتل ماعاني
قوم ايشوع مشي قدامي.......... وصلني بالسلامي
(27)
خوشابا واقف في البيت.......... صاح على ابن أمينة
اجلب لنا فأس.......... من عند داود ﮔزينا
(28)
فقط نريد ان نتخلص منك.......... نقول نحن لسنا بحاجة اليك
وليس لنا احسن منك.......... حتى بيت جمّا يطالبون بدمك
(29)
صدقوني مرة اخرى.......... اذهبوا اشتغلوا عصرية واحدة
ابتدأوا من نهاية الحوش.......... هناك عند المخزن الصغير
(30)
سنفتش في المخزن.......... كنتِّكم تيزو قالت
كُنا ندلو منها الماء.......... فيها ماء اكثر من نهر
(31)
ميخا ابن رجل ملّي.......... بيت والده دمّره
اخذ فِراشه وذهب......... وفي الاخير اكل الشلغم
(32)
وصلت الى ججو الساعور.......... تعال لقد وصل الدور اليك
حتى تؤجر لنا عامل.......... حتى يشتغل في الوادي
(33)
ججو قال لن اتراجع.......... في عيونكم قط لا أكفي
روفا قال سأبتلي.......... امام عيني صرت لا أرى
(34)
ججو قال لشوني.......... لماذا نشتري الرمان
انظروا الى الايام السوداء.......... روفا يجنني
(35)
شوني قالت لججو.......... سوف ارسل ناني ورجو
اذا لم يرض ݒݘو.......... نضيف ختن قجو
(36)
قال حنا سابيوس.......... للراهب باسيليّوس
شهادة اهالي بيوس.......... كانت تجري مثل نهر بيوس
(37)
يونس قال ل شمّي..........بقيمن ماخنه خمّي
انادي پتّي ابن حمّي.......... وبعده حنا ابن شمّي
(38)
هذا رشو زوج بيكي.......... قد فضحنا
نشتري لنا ديكين.......... حتى نأكهم مع بعض
(39)
ببّي قالت للعامل.......... اشتغل بدون صوت
والدك اوقعه الحمار.......... فاصبح مثل "كلمالا"
(40)
ذكّرتني جدتي.......... خذتني الى موضع
كل المحلة تعينني.......... وستكون جيدة لي
(41)
وإذا باحدى الزوايا.......... مبني فوقها معلف
مكان مظلم.......... المحلة غير راضية
(42)
اخذ بيدي خشبة..........واصيح على ابن حنا جونا
اهدم سقفها فوق التبن.......... عندها اخالف القانون
(43)
داغود قال لشكري.......... سوف لن اذهب الى عين بقري
أُبَيِّضُ الطشت والمقلاة.......... واضعهم امام أرجلي
ملاحظة: 1
كتبها شاعرها الفذ عام 1930 م وهو يعمل عامل البناء مع المجموعة ( كارخانة) ، دوّنت القصيدة كنته الأخت حياة حسقيال دكالي في تسعينات القرن الماضي بقلم الرصاص وبدفتر عتيق غير مجلد، دونتها من فمه وهو البالغ انذاك فوق التسعين من عمره وقد ولد في القوش عام 1903 وفارق الحياة معمراً ضريراً عام 2001، وقد  شاركني في ذكر اسماء الشخصيات التي وردت في القصيدة المتابع المواضب لاحداث القوش وعوائلها ايفان ابن المختار سادو، وحفيد الشاعر متي سليمان ابونا.
ملاحظة: 2
ان كان لديكم تعقيب او تصويب للنصوص، فلا تبخلوا علينا بالإدلاء بها، حتى يتم التحقق منها وتصحيحها، شاكرين.
nabeeldamman@hotmail.com
California on November 17, 2023
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×



8
نشاط متميز قامت به لجنة مارميخا الخيرية في كاليفورنيا
نبيل يونس دمان
كان مساء الجمعة الموافق 3- تشرين الثاني 2023 بمثابة احتفاء بالثقافة المهجرية بشقيها الفني والأدبي، فبعد سبات طويل مرت به المدينة والذي نأمل ان يستنهض الطاقات لإبراز المواهب وجعل ابناء الجالية على تواصل مع الوطن الحبيب الذي كان يوماً منبع الحضارة، وحتى لا تنقطع جذورنا هنا ينبغي على المهتمين بهذه الامور بشكل جدي يعكس التواجد العددي الكبير في سان دييغو.
كان مهرجاناً متواضعا في مساحة صغيرة، لكن مردوده كان كبيراً باعتقادي، فقد نظم زملاء لجنة مار ميخا الخيرية بمناسبة عيد شفيع القوش مار ميخا النوهدري الذي يصادف هذه الايام، نظموا خير تنظيم هذا العرس الثقافي، وقد كانت المشاركة لا بأس بها، وينتظر في المستقبل القريب اقامة اماسي مماثلة تسخر لها الطاقات ويجهز لها التعريف والاعلام المناسب وبمشاركة منظمات وجمعيات الجالية المتعطشين لمثل هذه الانشطة النوعية.
- كلمة الافتتاح/ صباح يوسف جهوري
- الافتتاحية مع فرقة فؤاد ساوا والفنانة رفيدة
- فقرة الشعر مع………
1- نوئيل عوديش زيتونة/ حب فتاة بالسورث/الامل بالعربي
2- نبيل يونس دمان / خرابت دماثي/ بيثيثد ﮔوره (بالسورث)
3- نادرة قس يونان/ الغربة بالسورث/ الصديق الوفي عربي
4- فؤاد بلو
5- فؤاد بوداغ
6- قيصر السناطي/ شلاما بالسورث/ وداع العاشقين عربي
- فاصل غنائي مع الفنان مايكل يوسف
فقرة الشعر مع……..
7- نضال مشكور/ اريدك حلم اخضر/ قصيدة شتوية
8- مازن /ما ‏ظل رحمه /وانت اليه/ عربي
9- صباح دمان
- فاصل غنائي مع سحر السناطي
فقرة الشعر مع……..
10- شمعون بلو
11- نادرة قس يونان/ شعر فيليب بلو بالسورث
- الختام مع فرقة فؤاد ساوا
&&&&&&&&&&
خَرابَت دْماثي
نبيل يونس دمان
أث القوش ليلا. ﮔو عَلما قِصَّـه.......... دِمّح بِرثاخَه. ولِبّح مِخ بِصَّــــــه
غدي نُنْتا بمايِه. ببَلبوطِه خفِصَّه..........ﮔدائِر مِن شُبرَح. صَيّادَه دْ شِصَّه
&&&&&&&&&&
ألقُش يا ماثي. صُرتيلا لݒاثي.......... بْمَشمِن تَنَياثي. بدُني ومَثواثــــــــي
بِتْخَرتِد شِمَّح. كْݒثخي نثياثي.......... وكُد ﮔزمري طالَح. كْطَرݒي كِلياثي
&&&&&&&&&&
كُد كْماطِن ﮔيبَح. كݒَلطه قَݒلالـي.......... ودمَختي رِش ﮔارَحْ. دِكْ مَنيخالي
رْحَقتِ قَّطلالِ. بْگاوَح كْبَسمالي.......... وكُد كِثيَ لبالِ. بِش كحازِق قالي
&&&&&&&&&&
كندالِه تخايِه. ثيلي ددَبليلِ.......... كندَل رِش كَندَل تَد مْسَكريــــــــــــلِ
أمودي بكاوَح. حزّوقَه أريلِ.......... وقْيَمتِ رِش أݒرَح. بِسموثَ خزيلِ
&&&&&&&&&&
خَرابَت دماثي. خا تِخرونيلِ.......... كسَبرخ لْخَيومَه. تَد مَأمريلِ
مْݒَرِݒْرِ طَيرِ. وْوَردِه مْكلِكلِ......... بتشعيثَه كبَهْرِ. ميومَه دِبنيـلِ
&&&&&&&&&&
بْني ماثَن بْريخي. تامَه انْديلِ.......... بِخهايا بْكاوَح. وشِمَّن كْمَعليلِ
مَريا ناطيري. ﮔو يومَه وليلِ.......... أياليلي دألقوش.شِمَّح بْنَطريلِ
&&&&&&&&&&
كتبت في القوش يوم 5- ايلول 2023
&&&&&&&&&&
بأيثيثَه دْﮔورِه
نبيل يونس دمان
پشينَه بگوره ݒشطلي لأرخَه وثيلي لاخَــه
سليمان وتوما أوير زونَي وأني ݒْلاخـَـــــه
تآزوثه دمّي ويوا هَر بِرثاخَـــــــــــــــــــه
بگوي امثا رِشلَه مشِنثَه وكليلَه دماخَـــــــه
**********
كمدامِنَّي بِتري نِشره پّوخَه فيـــــــــــــارَه
ها بَث طورا وها بو طورا وهَر بغضارَه
أن تري طَيرِه كباني قِنَّي وأني زْمــــارَه
وأن ﮔبارِه بُركي ݒْݘَݒَر كْيصرِ ايصــــارَه
**********
سليمان بوكه مّاثَه دأريِه أث اصلايَـــــه
كْمَه ﮔهاثَه مخيل ﮔَمِيّه ولا بِترايـَــــــــه
حِبسِ بْخيلَه دَنْ زَنّايِه بَرِبرايِـــــــــــــه
كِم دايِشلِه بلِبَّه ݒرِزلَه ويلِطلِه ݒخايِـــــه
**********
يومَه كفايِت وشاتَه كأوره وآوُ رحيقَـه
خواثِد ربَّن ايحيذايَه علمَه شويقَــــــــه
باثه زونَه بّاهر اثرَه بيومَه زريقَـــــه
ودِجمِن دِيِّحْ ݒّايِش مݒيلا وبعاقَه خنيقَه
**********
توما توماس بگو عِراق وِل سوريَّـــة
شِمّه ايذيئَه بأُݒرَه دعَجَم وِل تُركِيَّـــــة
كُد كماخيلَه أٌرخِح بطورَه يَن بگلِيَّــــة
دَمْرِت وولِه الياس شِلّي يَن بِرْد سِيَّـــة
**********
مَكْشَكلالِه ݒشالَه وشَݒوك ﮔيانِح لوِشتَـــه
شالَه دعَجَم وجَمَّدانِه خْوَرْتَه وكمْتَـــــــه
بگو فِشَّگتْ سْقيرَه سْقيرَه وْوَرْوَرْ ݒْرِشتَه
وما حَليثَه كْطَݒيَه لقُمتِح اي تَفِكتَـــــــــه
**********
في ايلول عام 1995 كتبت قصيدة شعرية بلغتي السريانية العريقة، بعد ورود اخبار قدوم المناضلين توما توماس وسليمان بوكا الى اميركا بدعوة من اتحاد الاندية الاشورية (الكونفينشن) في شيكاغو، لكن للأسف لم يوفقوا في الحصول على الفيزا المطلوبة.
nabeeldamman@hotmail.com
California on November 4, 2023
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×

       

9
ميخا برد ﮔلّو
الشاعر متي ابونا

(1)
ميخا بِرد گلّو(1) ككِّح شَذايَه ..... مِزدوثه ديِمِّح مدُشِنِّه ݒْخايَه
شروالِح لروشِح سِقلي بْطَݒايَه ..... إن زالِه لبيثه ݒقطلالِه مْخايَه
(2)
تولَن لغَدويِه ݒِشلِه بْزوزويِه ..... لبِّح مريرَه كِبِه سَلويِه
شروالِح لروشِح سِقلي مَّطرويِ ..... قريوالَ يِمِّح طالِح مَّرجويِ
(3)
كْمرِجيَن منُّخ مارِه دْكرخانَه ..... ݒلِخلِه طلوخُن هِل أثْ عِدّانَه
كمرَن قاي مبَطلِت ووت أويذَه زْيانَه ..... لَكْصيثَت إلّي مباقِر مروجانَه
(4)
مروجانَه ميري مَّحكِن بحقّوثه ..... أديو مشُريلي بگو زَغَلوثَه
لَكمَحكِخ امِّح الّا بِسموثَه ..... من كُل جَماعَه أريلِه سِنيوثَه
(5)
يا ميخا ﮒياني قايوِت كِسلاني ..... مو ليبُخ تد ݒَلخِت بِشطو مكول آني
ككُّوخ ليلي آخا حيري بِگياني ..... ليبي دمَتونَّه خاثوخ مِن خاني
(6)
خَثواثُخ زوري كيبي دَبوري ..... لَكفيتَه مأيذَن جّيلت بأَلولي
كميثِت إلّن دَعواثَه وصوري ..... من قَهِر ديّوخ ݒِشوالي كوري
(7)
آيت هَر كِبَت تهاوِن بِݒلاخَه ..... لكِثيَت بشوݒي تد يَتون لِنياخَه
كُديوم كمَخيَتّي ككّي ليل آخَه ..... داثِ معونِنّي طّاوخلَخ طْواخا
(8)
آيت مَحكِتوه ولا آثِ قالوخ ..... لݒِش كِمشَدرن ﮔوزي (2) مبَدالُخ
ان ارقِد وزالوخ معونَن تَخالُخ ..... ماني بحاويلوخ مبَهدِلوا حالوخ
9
دِم راحِم الّي يا استر يِمّي ..... حنا (3) مروجانَه خرُوالي شِمّي
زونّي خذَه خيارَه تَد تاري كِمّي ..... كوديوم بِد ݒَلخِن هل دْجاري دِمّي
10
يا ميخا بروني بِد حينَن الُّخ ..... مّوصيَن خَلتوخ (4) دمَسيالي جُلّوخ
مشدرَن اخوني داثي وقاݒِلّوخ ..... ݒايِش بُرماشي لبيثِح بنْوبِلُّخ
11
ݒَلخِن كبيرا تد خازي شولي ..... تد ݒيشِن بِئيَه بشطو مكُل خوري
ليكِد كبوتن آنا مشَدرولي ..... قاي كزدَت إلّي مو خولا سولي
12
ݒصِخوالَه گاوِح استر دَلالي ..... مسُلملا ميخا لبيبو(5) بْكفالي
موصيلا الِّح صَنا وﮔوالي ..... الّا ݒلِخوالي جِعفولي مگاري
13
كمَرِجيَن مُنّوخ يا خثنِه دْ ناني(6) ..... دمَݒلخِد ميخا دْزاوِن دَرماني
تَݒاثِد خاثِح دلتّا مبَسماني ..... تد مَجيلَنّا بْگو كُل دُوكاني
14
تَخاتِر دﮔلّو بداثِن قارِنّي ..... لكُل بيثَ دزالَن إمَّن بنَبلنِّه
من كُل سَنايي بِد مخَلصِنّه ..... كُل قُطمَه دأَرا بقَرِح بدارِنّي
15
قاي جعِزوالخ منّي متي ابونا(7) ..... لا ﭽيخِت بگاوي ليوِن يَتوما
صَݒرا بِدزالي لِنقالِد تونا ..... مبَثِر خَريشَة ݒّلخِن بأَتونا
16
ݒصِخلي كبيرا دخَلصِنوا مِنّح ..... ليبي مبينِنّا زَدِنوا مْيمِّح
الّا معوقاني مَدحِنوَه بشِمّح ..... شِخنا نَصّولا بالِطوا لكِمِّح
17
دَها مبينالُخ ديلي لِبُّخ كوما ..... ݒِشوالي بالُخ بْبيثِد يَتوما
ميرِخلي خولقُخ تد قاضِن أث يوما ..... لَݒِش خازتّي هل دزالي لروما
18
ميخا برد خاثي لݒايش لبّوخ ..... مشَقّا مُحكيلي دكِبن مَحَبّوخ
آنا وبَنايَه مَلْجِخوا قُبّوخ ..... بَر أشوا خُمري اوراوَه لْلِبُّخ
19
كيذِن سوجيلي تَدْ ديقِد بگاوي ..... دشلخِتِّ ﮔِلدي رِش أرا مشاوي
طوخ ﮔو كرمي كُل ݒِصري مْطاوي ..... مُݒْخيلوخ يمّي ومݒصِخلوخ شواوي
 20
يمُّخ معيطاوَه وݒِشوالَه كرّي ..... شَطحاوَة بأيوَن سݒَديثَح دݒَرّي
قيماوَة مشِنثَح أوذاوَه شَرّي ..... جَمعيوا إلَّح كول كيوي ومَري
21
قايِحوا ﮔاوَح خَمَرَه تْخاصَة ..... تَد لَهاويبا جُلَّح لِمݒاصَه
مروشانِه دﮔلّو وولَه بقياصَة ..... ماقد كمجامِع لَكسوئا كاسَح
22
كمجاوِب وكيمِر قاي كْسانيوالي ..... كُلّي مَلݒيلي لسليمَن (8) خالي
لَمبطلُتولي تَد قاضيوالي ..... كود خلِصلي شولِح كِمساتِحوالي
23
ݒلِخوالي طالُخ اصرا يوماثا ..... بليلي ﮔنوِنوا مايِ مْبيراثا
أمراوا سوتي وِتراوَثني بناثَح ..... بضَبطيلي حَقّوخ سي ݒلوخ بماثا
24
ما ضبِطلي مِنّوخ اقرِد بِرد عويَه ..... مبَدَل مَخولُخ مَيانا وقويا
مَشتِنوا طالوخ مِندو كوويا ..... هوياوا طرِحتوخ ولَهاوِتوا هويا
25
أرْي قَدَر ديوخ يا خالي رابا ..... ليوِن ﮔو غَمُّخ بزالي تَه بابا (9)
لَكݒَلخِن طالوخ ديوت عَجابَه ..... مَحضيري حَقّي يومِد خوشابا
26
أريلي كوروشي وميري سي لبيثخ ..... ليبي طأنِنّي مسَبَب مَحكيثخ
أنيوِد ﮔورا ݒكالِت لْتَنيثُخ ..... إن غَدرِت مِنّح أقلي بْشَذيذوخ
27
قاي مسَأرِتّي خوليوِت زويني ..... آنا لقبلِن دِمعَملِد بْديني
كيذِن باي حمِصوالوخ تَدْطَلبلي بْطيمي ..... ليثِن ﭽوناشا غير مِنّوخ ظْليمي
28
كرَك بظَلمنّوخ ومَعوِنّي بابوخ ..... بِدأَمرِن تَسوتوخ دْقيمة طَلابوخ
صَنا مُحمِصلي كُلّح مسَبابوخ .....  لاألّوخ نِخݒتا قَط لَكتورابوخ
29
آي مبَدَل آيَه دِكمَعينِنّوخ ..... ان سنِقلوخ الّي لَݒِّش قاضِنُّوخ
دِدْعيلُخ إلّي ديْخ كوِلّا بْكوموخ..... إن مِثلَه يِمّي بداثِن مْداعِنّوخ
30
ما مداعِد مِنّي اقرِد حيرانَة ..... مْخيوالا لخاصوخ خَمَقُبلانَة
ݒلِخوالوخ طالي ديوِت دينانَة ..... شليوِت ݒريئَه حَقِّد دِكّانَه
31
 آيِد هَر هادَخ كِمرِد تَناشي ..... آني يَتومي أخالِ مْناشي
اخالِد خَنوي وخَشخاشي ..... مْبيثَي عيشيوا مْخُشكا وبُرماشي
32
ككّي شاذيوَه بأَثره دْسِندايِ ..... ميثيوا تُتُن وﮔوزي جِندايِ
خايِروا بگاوَن أخني شِلخايِ ..... خَلصيوا ݒارِح بحقِّه دقَبايِ
33
خُرو ما ميري بَلّوطة عْفينا ..... مِنّي ﮔانُوَّه تُتُن بَسّيما
ݒايشوا طالِح سامَه دْتَنينا ..... بِد مساݒِنّي هِل يومَه دّينا
34
كبيرا كيذِت دْينوخ وأيمانوخ ..... ايلِݒلوخ طاوَه مْأيشوع (10) خِمْيانوخ
لِشانَه اتّوخ كِمْسَقْلِت ﮔيانوخ ..... ليثْ بَخَّت ﮔيبوخ هَر وولي بْخانوخ
35
يمُّخ كمَلݒالوخ دْتَخرِتّي بخاصي ..... مْعونا طالي وكْميثِد بَحاسي
موذِن بِرد ﮔلّو فتِقالوخ كاسي ..... دَها ان ماخِنّوخ بْداري بَناسي
36
مو ما مُقصيروخ ناشا كَݒورا ..... كِمْگرِكشِتّي مدَرتا لأَلولا
لَزْديلوخ مِنّي ديوِن يارْزورا ..... مْطاشِنّا طالوخ هل دݒيشِن ﮔورا
37
شُقو تَزّالي طَّرقن بعَقارا ..... ان تورِن ايذِح مبَسمالا صارا (11)
كيوِذلا ﮔيانِح شمْشِم ﮔبّارا (12) ..... هَيّو لِعواذِح بّالِط دَﮔالا
38
ﮔو نِقدِ دْيِمّْي زوُنّوخ أثْ دوكا ..... مُگويروخ خَلتي تولوخ بگو شوقا
محُصِلّوخ ݒاري مْليلوخ سَندوقا ..... دِصويلي بيثُخ سْموقا ويَروقا
39
شْكيوالا الِّح ايكِد بيقاشا ..... قْطيلالي ﮔياني طالِح برخاشا
لَكْدائِل طوتا وليلي خوش ناشا ..... كولَّح مسَبابِح اويذ أثْ مَدراشا
 40
موليلي صوجوخ دِقِملوخ الّي ..... بْكَرخانَه دأيسف (13) ميروخ بْطلّي
آنا هِل موثا بِد هاوت امّي ..... الّا لكْراضي تَد يَتوت إمّي
41
مݒِلوالي مگاري عَيوطي بريلي ..... مَريا مرَحمانَة جرجيس (14) مشوديري
ݒشيطالي ايذِح بگو جولّيح اريلي ..... خلِصوالي مْأرا آلاها سْطيري
42
مِزدوثا وخَجلا ݒشوالي غْميرا ..... مُشطِح بدَرتا وخوثِح حَصيرا
محُنطِلّا ﮔولتي وݒِشلي بَطيلا ..... مِروالي لْريشِح قالا مَريرا
43
 عزيزي ميخا دِݒثَخلي أينُخ ..... قو اوث وصِيّوخ ومَكثولي دينوخ
دْليثِن ﭽوناشا دْقايِم بگو طينوخ ..... مْيوما دِهويلوخ كْثوتيلا لبينوخ
44
مشادِر خَكثاوا تَگلو بابي ..... كول كيوي ومَرأي ثيلي طَلابي
ناشي لَكيذي وولي بِعتابي ..... هوليطي ونيمو (15) ݒِشلي سَبابي
45
اشقِلو دِمّي مهوليطي وخاثيح ..... كِم زائِݒوالي بْتِروي أيداثِح
ݒصِخوالي لِبِّح وطرِݒلي كِلياثِح .....قِملي بسَلامي وكِمْوالا ݒاثِح
46
ݒشينا ثيلوخون يا عَمّا بريخا ..... ما اتّوخون مِنّي شُقولي دْميخا
ليبي تَدقيمِن وون كولّي طْويخا ..... يِمّي لَزَدَت لَكْمايِث ميخا
47
مَريا مَنِخلي مكُولّي سَنايي ..... شَكرِنّي شُمّوخ دلَخْلِصْلي خايي
لَبئيلوخ ناشي دنَݒلي بَلايي ..... كول شولَه زحمي كوذِتّي سانايي
48
دلالي ميخا موتولا لوتوخ ..... دلݒالِم كُمّوخ ومَرأَ أَرخوتوخ
قونّيري رَݒثا ݒَلطا لْخِشّوتُخ ..... شَرِفتا دْقَنّب دْحَسقي لبَلوتوخ
الترجمة العربية المتواضعة للقصيدة:
ميخا ابن ﮔلّو
الشاعر متي ابونا
(1)
ميخا ابن ﮔلّو والده ندّاف..... خوفاً من أمه ابتدأ بالبكاء
لباسه على كتفه صعد الجبل..... لو يرجع للبيت تقتله ضرباً
(2)
جلسنا للعشاء صار يتحجج..... قلبه مهموم يريد من يسلّيه
لباسه على كتفه صعد راكضاً..... صاحت عليه امه تترجاه
(3)
ارجو منك يا صاحب العمل..... اشتغل عندكم الى هذه الساعة
قلت له لماذا فصلوك اكيد عامل مكسورة..... اذا ما تصدقين اسألي عامل الحجر
(4)
عامل الحجر قال ساتكلم بصراحة..... اليوم ابتدأ بعمل المشاكل
نحن لا نتكلم معه الا بالطيبة..... وجميع العاملين معه صار يكرههم
(5)
يا روحي يا ميخا لماذا انت كسلان..... الا تستطيع ان تعمل افضل من هؤلاء
والدك غير موجود هنا.... لا استطيع ابعاد اختك عن حضني
(6)
اخواتك صغار وبحاجة الى تنشئة.....ما تصرفنا تدور في الازقة
تجلب لنا الدعوات والشتائم..... من مشاكلك اصبحت عمياء
(7)
انت تطالبيني دائما بالعمل..... الا تجلسي محلي حتى ارتاح
يومياً تضربيني وابي ليس هنا..... عندما يعود اخبره حتى يسحقك سحقاً
(8)
انت تتكلم كثيرا الا تسكت..... لن ارسل كوزي لتحل محلّك
لو تهرب من الشغل اخبر خالك..... من سيأويك يتبهذل حالك
(9)
ارحمني عليّ استر امي..... حنا عامل الحجارة شوّه سمعتي
اشتري لي خيارة حتى يترطب فمي..... كل يوم سأشتغل حتى يسيل دمي
(10)
يا ميخا ابني سوف احن عليك..... اوصي خالتك حتى تغسل ملابسك
ارسل اخي ليأتي ويحضنك..... وعندما يحل المساء الى بيته ياخذك
(11)
اعمل كثيراً حتى يروا عملي..... لأصبح محبوباً اكثر كل اصدقائي
اينما تريدون ابعثوني..........لماذا تخافين عليّ هل اصبحت مسنّاً
(12)
فرحت به استير المدللة..... سلمت ميخا الى بيبو كفالة
اوصت عليه البناء وباقي العمال..... اذا لم يقم بعمله ارموه من السطح
(13)
اترجاك يا نسيب ناني..... ان تشغّل ميخا حتى نشتري دواء
لوجه اخته التي لا احد يشفيها..... وحتى ادور لها العلاج في كل مكان
(14)
على خاطر كلّو سآتي وأشغله..... في كل بيت نذهب اليه آخذه معي
من كل الكارهين اخلّصه..... كل رماد الارض اضعه على رأسه
(15)
لماذا انزعجت مني متي ابونا..... لا تصيح عليّ فانا لست يتيماً
غداً اذهب لنقل التبن..... وبعد ذلك اعمل في مصنع الجص
(16)
فرحت كثيراً لتخلّصي منه..... ما اقدر أظهرها خوفاً من امّه
ولكن من ضيقي كنت امدح به..... مرض عضال يصيب فمه
(17)
الآن أظهرب بان قلبك اسود..... ظل بالك في بيت اليتيم
طوّلت بالي لينقضي النهار..... لن تراني بعدها حتى مماتي
(18)
ابن اختي ميخا لا يظل خاطرك..... مزحت معك من محبتي لك
انا والبناء نصلح غرفتك..... ام السبع خرزات تدخل في بلعومك
(19)
اعرف انا السبب حتى تتكلم عليّ..... تنزع جلدي وتمسح به الارض
اسحق بعظامي كل لحمي اشويه..... ابكيتَ امّي وافرحت جاري
(20)
امك كانت ترفع صوتها فاصبحت طرشاء..... تضطجع في الأيوان مخدتها من الريش
تقوم من نومها وتدخل في عركة..... تلتم عليها كل الامراض والمصائب
(21)
ليصيبها احد امراض الظهر..... حتى لا تستطيع نفض ملابسها
من اكتاف كلّو هي تقطع..... كلما جمّع لا تشبع بطنها
(22)
يجاوب قائلاً لماذا يكرهوني..... الكُل معلّمهم سليمان خالي
لا تفصلوني حتى يتم عمله..... وعندما انتهى عمله طردني
(23)
اشتغلت لك عشرة ايام..... بالليل كنت اسرق من مياه الآبار
كانت جدتي تقول ومعها بناتها..... سيهضمون حقك اذهب اعمل في القرية
(24)
ما الذي هضمته منك يا ابن الملعونة..... هذا ثمن إطعامك الطبيخ والمرق
كنت اشربك من ذلك الشراب..... لو كانت اجهضتك حتى لا تولد
(25)
الزم حدودك يا خالي الكبير..... انا لست بحاجة اليك اذهب عند "بابا"
لن اعمل لديك لانك سيئ..... حضر فلوسي يوم الاحد
(26)
مسك بكتفي وقال اذهب الى بيتك..... لا استطيع تحمله بسبب حكاياته
ان انت رجل اثبت على كلامك..... لو تراجعت عنها ( مسبة)
(27)
لماذا تسبني هل انت مشتريني..... انا لا اقبل ان تسبني
اعرف انك زعلت لاني طالبت بأجوري..... ليس هناك احد غيرك ظالمني
(28)
لازم اظلمك والعن والدك..... سأخبر جدتك حتى تأدبك
ازعلت البناء كل ذلك بسببك..... لا تستحي ولو تشعر بالمهانة
(29)
هذا بدل مساعدتي لك..... لو احتجتني لن اساعدك
دعيت عليّ كيف طاوعك فمك..... لو ماتت امي سوف اقاضيك
(30)
ماذا تدّعي علي يا حائر بنفسه..... ضربت ظهرك بعصا التنور
اشتغلت عندي لانك مديون لي..... بعد لم توفي فلوس الدكان
(31)
انتم دائما تقول هكذا للناس..... هؤلاء اليتامى ياكلون من عند الناس
آكلي الخرنوب والخشخاش..... من بيتهم يعيشون من الصباح حتى المساء
(32)
والدي يعمل ندافا في بلاد السنديين..... يجلب التبغ والجوز الجيد
كان يساعدنا نحن العراة..... تخلص فلوسه بثمن الأقبية
(33)
انظروا ما قاله البلوط العفن..... من عندي كان يسرق التبغ الجيد
يتحول عنده الى سم التنين..... سوف اتركه الى يوم الدين
(34)
كثيرا تعرف دينك وايمانك..... تعلمت جيدا من حماك ايشوع
لك لسان تزين به نفسك..... لا بخت لديك وهو دوما في حضنك
(35)
امك تعلمك تتكلم خلف ظهري..... تخبرني بانك تتكلم عني
ماذا اعمل يا ابن كلو مزقت بطني..... الآن لو اضربك يلومونني
(36)
بماذا قصّرت يا انسان كافر.....سحلتني من الحوش الى الشارع
ما خفت مني كوني صغيراً..... اضمّها لك الى ان اصبح كبيراً
(37)
اتركوني اشرد في البراري..... لو اكسر يده تعالجها صارا
يصور نفسه شمشون الجبار..... تعال الى افعاله تراه كذاباً
(38)
في مهر امي اشتريت هذا المكان..... زوجت خالتي وجلست في السوق
حصّلت فلوسا ملأت الصندوق..... واصطبغ بيتك احمرا واخضرا
(39)
اشتكت عليه عند بيت القس..... قتلت نفسي من اجله سائرة
لا يرى المعروف وليس انسانا جيدا..... وبسببه وضع هذا الشعر
(40)
لست السبب عندما تجاسرت علي..... يوم عملنا في بيت يوسف قلت بطلت
انا الى الموت اكون معه..... لكنهم لا يرضون ان اجلس معه
(41)
وقعت من السطح واشتعلت الصياحات..... الرب الرحيم ارسل جرجيس
مدّ يده ومسك بملابسه..... انتهى من الارض ولكن الرب ستر
(42)
من الخوف والخجل واصل اغمائه..... مددوه في الحوش وتحته الحصير
تاخرت الجبلة واصبحوا بطالة..... على رأسه قرأوا الصوت الحزين
(43)
عزيزي ميخا افتح عيونك..... قوم اكتب وصيتك واكتب ديونك
لا يوجد احد يرفع اثقالك..... من اليوم الذي ولدت كانت مكتوبة على جبينك
(44)
ترسل رسالة الى كلو ابي..... كل الالام والامراض داهمتني
الناس لا تعرف وهو يعاتبني..... هوليطي ونيمو كانوا السبب
(45)
اثأروا لدمي من هوليطي واخته..... قد دفعني بكلتا يديه
فرح قلبه وطربت كلاته..... قمت بالسلامة واسودّ وجهه
(46)
الله بالخير يا شعب المبارك..... ماذا تطلبوني اتركوني نائما
لا استطيع النهوض فكلّي مسحوق..... امي لا تخافي لن يموت ميخا
(47)
يا لرب اشفيني من كل الكارهين..... اشكر اسمك انقذت حياتي
لم تشأ ان تقع الناس في البلايا..... كل الامور الصعبة تسهّلها
(48)
مدللي يا ميخا اترك العلك جانباً..... حتى لا يعوج فمك ويوجع ضرسك
ورم كبير يظهر على ابطك..... حبل القنّب يشتد على رقبتك
هوامش:
1- ميخا ابن ﮔلّو بهاري، والدته استر شقيقة سليمان جهورو، وشيقاته: ﮔرجية و ﮔوزي
2- ﮔوزي: اخت ميخا كلو وكانت متزوجة لرجل في بيرسفي- زاخو
3- حنا جمعة نصرو
4- خالة ميخا واسمها ݒخي جهورو كانت متزوجة من موسى مقدسي
5- بيبو ݒولا اسمرو
6- ناني: اخت ميّو من قرية شيزي كانت متزوجة ناحوم دمان وبعد وفاته تزوجت عيسى القس دنو
7- الشاعر الشعبي متي سليمان ابونا ( 1904- 2001)
8- سليمن: هو سليمان جهورو بقالا
9- بابا: الياس اسطيفو مدالو مدير المدرسة الابتدائية
10- ايشوع جمّا: والد شكري زوجة سليمان جهورو
11- صارا قيا خوشو: المتزوجة من ججو منصور يقوندا وقد كانت مجبرة كسور معروفة في القوش والمنطقة.
12- شمشون الجبار، من الكتاب المقدس
12- أيسف هو : يوسف ݒولا رئيس القوش
13- جرجيس كادو
14- هوليطي ونيمو: زوجان من المهاجرين الاثوريين الى القوش ابان فترة السفر برلك (الحرب العالمية الأولى) .
ملاحظات:
1- ساعدني في الاهتداء الى معظم اسماء الشخصيات في القصيدة الصديق ايفان سادو ابونا حفيد الشاعر الشعبي متي ابونا.
2- وثقنا هذه القصيدة الخالدة بعد مرور 89 سنة على ولادتها (1934).
3- عن الصورة اكتب: في هذا الدفتر المتواضع جداً دونت بقلم الرصاص قصيدة " ميخا برد كلّو" الاخت الرائعة حياة حسقيال دكالي قبل اكثر من ربع قرن ومن فم الشاعر متي سليمان ابونا الملقب "جدّوح" . كما دونت قصيدة اخرى موجودة طي الدفتر المصورة واجهته بعنوان " اينه دسقّا" سوف اوثقها ايضا في القريب العاجل، لا يسعني الا ان اقدم شكري وتقديري لام ايفان الطيبة الاصيلة ولزوجها الصديق المختار سادو متي ابونا.
nabeeldamman@hotmail.com
California on October 25, 2023
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×



10
من حكايات القوش الشعبية
ججو وحماره
بقلم: كامل اسحق شكوانا
 مقدمة: كتابي الصادر عام 2008 بعنوان "حكايات من بلدتي العريقة" اطلع عليه المرحوم كامل شكوانا وارسل رسالة تحليلية لمواضيعه، دلت على عمق معرفته بتراث البلدة الحبيبة، ومن ضمن ما كتبه حكاية "ججو وحماره"  فاجاد فيها سيما وانه جار العم ججو وقريب له، تيمناً لذكراه وقد مر تمام الشهرين على وفاته، يطيب لي ان انشر الموضوع الطريف المرسل قبل 15 سنة من سدني- استراليا:-
     استخدمه سنين طويلة، كبر الحمار وشاخ، عز على العم ججو ان يتركه للضواري في البراري، فامتطاه لمرة اخيرة قاصداً الموصل ليتركه هناك او يبيعه، ووصل سوق الجمباسين في باب الطوب متأخراً والسوق على وشك الانتهاء، اشتراه منه احد الجمبازين بمبلغ نصف دينار، استلم الثمن وغادر السوق الى دار المرحوم موسى شكوانا شقيق زوجة المرحوم ججو الواقع قرب مدرسة شمعون الصفا، بات ليلته ضيفاً لدى المرحوم العم موسى.
     وفي الصباح الباكر هرع الى سوق الجمبازين، الذي فيه تتم كل عمليات البيع والشراء لمختلف الحيوانات الاليفة، فوجد الكثير من الحمير بأشكال وأحجام مختلفة، ولكن واحداً منها اعجب العم ججو كثيراً حيث كان بيد صاحبه وكأنه حصان، يقوم بترويضه والحمار لا يهدأ من (القلقوزي) والقفز يميناً وشمالاً وكأنه يعمل بنصب من زمبلك خاص، وفي رقبته رسن جديد مزدان بخيوط وكراكيش ملونة وجميلة فاقترب العم ججو من السايس وسلم عليه وابدى رغبته بشراء الحمار، وبدأت المساومة بينهما وأخيراً اتفقا على سعر ديناران.
     لم يصدق العم ججو من فرط فرحته وكأنه اشترى فرساً كحيلة، فقاده سريعاً مبتعداً من السوق وامتطاه متوجها الى القوش، وفي الطريق وقبل وصوله الى القوش بمسافة قصيرة، لاحظ ما لم يكن يتوقعه فساورته الشكوك، وتيقن بعد ذلك بان حماره الذي باعه بنصف دينار قد اشتراه بدينارين، ولكن كتم ذلك خجلاً، وقرب الدار توجه الحمار رأساً الى آخوره المعتاد في بيت العم ججو، امام ضحك واستغراب الجالسين في ظل حائط قبة مار ميخا، من الرجال والنساء وبضمنهم زوجته كتّي، اعترف بانه كان ضحية غدر ونذالة الجمبازين في سوق باب الطوب.
nabeeldamman@hotmail.com
California on October 23, 2023
××××××××××
××××××××
××××××
×××



11
للاطلاع على الموضوع بصورة بي دي اف انقر على الرابط التالي
https://ankawa.com/sabah/alqoshnabil.pdf

عدد نفوس بلدة القوش عام 1923
نبيل يونس دمان
كنت قد اوعدت متابعي صفحتي في الفيس بوك بتاريخ 20 تموز 2023 ان اعيد كتابة هذه الاوراق بالآلة الكاتبة، انجزت المهمة ويسرني نشرها الآن بحلة قشيبة وواضحة وان اسبقها بالملاحظات التالية:
1- كان عدد نفوس القوش آنذاك حوالي 3500 نفساً.
2- كانت حدود القوش شمالا تحاذي الجبل، شرقا وادي عين زقيا، غربا الوادي المحاذي لعين محلة سينا، جنوبا بيت الياس ݒتو بولا.
3- كان عدد رهبان الديرين 35 راهباً.
4- تمت كتابة الأوراق باستخدام قلم من القصب مغمس بالحبر الأسود.
5- ابتدأ تسجيل القوائم بتقديري من بيت رئيس القوش صادق جولاغ وهو سليل بيت نصرو المهاجر من قرية باشبيثا- برطلة.
6- من خلال تسلسل الاسماء يستطيع ابن القوش اليوم ان يحدد بيوت اجداده وجيرانهم قبل مئة عام.
7- حصلت على هذه الاوراق عن طريق الصديق فاضل هرمز صفار بتاريخ 1-7- 2023 في القوش، وقد ساعدني قي قراءتها والتعرف على شخصياتها المختار سادو متي سليمان ابونا.
8- سترد بالتأكيد اخطاء في تهجّي الاسم نظرا لصعوبة قراءة المخطوطة، فاذا تاكد احد من ذلك ارجو ان يبلغني في رسالة بهذا الخصوص على الخاص وشكراً على تعاونكم.
9- يرجى لمن يقرأ اسم اجداده في هذا الجدول ربط اسمه به حتى يتسنى للجميع معرفتهم، مثال على ذلك:
يرد في جدول محلة سينا امام الرقم 383 اسم صادق توماس وهو بالنسبة الى سمير جده، سمير توما صادق توماس. وعلى ضوء المعلومات التي تردني ساكتب فصلاً بعنوان "هوامش على المخطوطة يرفق مع الموضوع الذي نحن بصدده.
10- يلاحظ من كل الاسماء المدرجة يرد اسم ناحوم الذي يعني المعزي مرة واحدة امام الرقم 528 الساكن في محلة اودو القريبة من مرقد النبي ناحوم، واسمه الكامل ناحوم بولا ككميخا دمان وقد كان متزوجا من امرأة من قرية شيوز- قضاء سميل واسمها ميّو، التي بتقديري اختارتها له شقيقته دلّي المتزوجة في شيوز ايضاً، بعد ان توفي ناحوم دون ان يكون لهم اولاد تزوجت من عيسى قس دنو وانجبت بيجو وجرجيس.
11- اذا اكتمل هذا الجهد سيتسنى لي طباعتة كراساً لفائدة ابناء وبنات هذه البلدة المعروفة في العراق والتي تعكس حضارة وتاريخ نينوى العظمى في التاريخ.
 
41- عيسى بن اسحاق
42- اسطيفو ݒولا
43- صادق بن اسطيفو
44—الياس بولا
45- هرمز بن ججي
46- سليمان بوداغ
47- كيكا بوداغ
48- منصور ربان
49- متيكا بن منصور ربان
50- حنا ربان
51- بحو بن حنا ربان
52- بطرس هومو
53- صادق خوركا
54- يوسف صادق خوركا
55- اسحاق صادق خوركا
56- توما تومكا
57- عبو تومكا
58- صادق تومكا
59- هرمز تومكا
60- قس ايليا هومو
61- يوسف قس ايليا هومو
62- يوسف مدالو
107- ايرميا بن ميخا نجار
108- متيكا هيلو
109- هرمز ايشي
110- عيسى بن هرمز ايشي
111- صادق تومي
112- منصور تومي
113- الياس تومي
114- جرجيس شهارا
115- عبو شهارا
116- توما ﭽيقا
117- بطرس مخي
118- مروكي جولاغ
119- يلدا جولاغ
120- عبو جولاغ
121- دنو جولاغ
122- متي جولاغ
123- بولص جولاغ
124- منصور جولاغ
125- صادق شمونه
126- زورا بدي
127- ججيكا كردي
128- منصور كوزا
173- ججو حيدو
174- ݒتو سيݒا فدو
175- ابلحد جورو
176- نونا ساكا كريش
177- جونا ساكا كريش
178- توما ساكا كريش
179- ياقو خباز
180- كوريال مقدسي
181- صادق زكور
182- شعيا شماس عيسى
183- اورها قاشا
184- كوريال جورو
185- سمعان حيدو
186- بحو مقدسي
187- مقو مقدسي
188- يوسف مقدسي
189- ياقو مقدسي
190- شمو كوكي ( ميزا)
191- اسحاق كوكي
192- قس فرنسيس حداد
193- ميخا انطون
194- عزو انطون
239- قس زكريا كوكي
240- منصور بلو
241- الياس بلو
242- منصور ججو حنا
243- ججي مقو
244-  متي كولا
245- ميخا كوكي
246- عيسى كتو
247- يوسف يقلا
248- يونس ساكو
249- ياقو كولا
250- سليمان كولا
251- صليوو صنا
252- اسحاق كولا
253- يوسف كولا
254- سليمان يوسف كولا
255- صادق هومو
256- سليمان بلو
257- منصور كولا
258- الياس كولا
259- سليمان بن زورا
260- يلدا يوسف
303- هرمز اسطيفو خزمي
304- حنيكة حاني
305- ݒتي بن ݒݘو
306- يوسف بݘي
307- جبو بݘي
308- يونس بݘي
309- اورو شبلا
310- هرمز شبلا
311- عيسى صنا
312- صادق جركو
313- سليمان رمو
314- صادق رمو
315- هرمز ديشا
316- ساوا ديشا
317- عبو عوصجي
318- بنو عوصجي
319- اورو عوصجي
320- سليمان تومكا
321- ايوب رمو
322- يوسف جمجوم
323- ججو جمجوم
324- ججيكا تومكا
369- توما دهاوي
370- دانيال دهاوي
371- بطرس دانيال دهاوي
372- مرقس شرانشي
373- مبارك جلوي
374- خمو جلوي
375- ملك يونان جلوي
376- ملك خمو جلوي
377- ميخا كوما
378- ياقو ديشا
379- اسطيفو ديشا
380- اسرائيل بتي
381- بحي بتي
382- توما صائغ
383- صادق توماس
384- يوسف بهاري
385- يونس بهاري
386- بجو هيلاني
387- مينو هيلاني
388- هرمز هيلاني
389- سليمان ختي
390- ججيكا ختي
435- متي بولاذ
436- عزريا بولاذ
437- حنا ساكو
438- اسحق ساكو
439- اسحاق زومي
440- يوسف زومي
441- ابراهيم زومي
442- ججو زومي
443- الياس توما
444- سليمان مرو
445- يوسف مرو
446- اورها ساكو
447- نونو ساكو
448- زورا ساكو
449- ياقو كجو
450- يوسف كجو
451- ككه توماس
452- جردو رمو
453- منصور رمو
454- اورها رمو
455- سما رمو
456- صادق رمو
499- ججو مدلل (سرّه)
500- اسرائيل قودا
501- نونا قودا
502- اورها قودا
503- بولس خوشو
504- يوسف قيا
505- ياقو قيا
506- ياقو جونيقي
507- منصور حنونا
508- صليوو خدو
509- نونو شاشا
510- ابلحد فيشابوري
511- رشو شاشا
512- كوما بهاري
513- ياقو مكسابو
514- ياقو مدالو
515- حنوشا مركو
516- اسحق توميشا
517- كدو خوشو
518- موشي خوشو
519- اسطيفو ملاخا
520- ميخا ملاخا
563- سورو منكيش
564- حنا ابشاره
565- قس حنا ابونا
566- يوسف توما
567- منصور مݘه
568- بطرس مݘه
569- سمعان ابونا
570- الياس ابونا
571- بهنام عقراوي
572- ابلحد عقراوي
573- عبو ابونا
574- ﭽيݘو متي
575- ميخا مݘه
576- بكو ابونا
577- يوسف ابونا
578- حنيكا زكور
579- ياقو زولاقا
580- حنا سندي
581- متي رئيس
582- صادق اوراها رئيس
583- سليمان اوراها رئيس
584- ابلحد زرا
629- ميخا برنو
630- ياقو برنو
631- يوحنا بلو
632- خيرو بلو
633- كوريل بلو
634- توما حنطية
635- عيسى حنطية
636- متي جاوري
637- ميخا جاوري
638- اوراها برنو
639- متي برنو
640- كوريل برنو
641- اوراها جما
642- هرمز جما
643- الياس جما
644- قس اسحاق جما
645- متي جما
646- اسحاق جما
647- سليمان جما
648- ايشوع جما
649- اسحاق بلو
650- ججو بلو
695- الياس كادو
696- سليمان كادو
697- موسى كادو
698- بحو كادو
699- قس يوسف كادو
700- منصور كادو
701- حنا يلدا
702- حنا عازو
703- نيسانكو حنا
704- يوسف ككعيسى
705- حنا بن نيسانكو
706- متيكا عكيل
707- بتي عكيل
&&&&&&&&&&&&
عدد نفوس رهبان دير السيدة
708- القس يوسف نجار الرئيس العام
709- القس فيلبس شرانشي
710- القس ايليا شرانشي
711- القس ميخائيل
712- الاخ يعقوب

   19- ݒيجو هومو
20- سليمان بقال
21- بطرس بقال
22- ݒتيكا قلو
23- ياقو قلو
24- منصور قلو
25- ياقو بنا
26- حنا ياقو بنا
27- بنو ياقو بنا
28- رمو ياقو بنا
29- ميخا ياقو بنا
30- اسطيفو حميكا
31- يوسف جولاغ
32- ججو بوداغ
33- منصور بوداغ
34- ميخا بوداغ
35- ججو ساوا دودا
36- ميخا صفار
37- ݒولا بهنام شرانشي
38- يلدا بوداغ
39- كوريال يوحانا
40- اسحاق بولا
85- منصور ياقونا
86- متي بوداغ
87- ايليا بوداغ
88- اوراها بوداغ
89- كوريال حنا سمعان
90- نونا حنا سمعان
91- سما مقو
92- حنا جمعة
93- اسكندر بوداغ
94- بحو بوداغ
95- هرمز اودو
96- غريبو قلو
97- كعا حميكا
98- سليمان حميكا
99- هرمز حميكا
100- ججو بوداغ
101- بهنام قلو
102- ممو ايشو خمي
103- بحو زورا اسمرو
104- يوسف زورا اسمرو
105- الياس بوداغ
106- شمو تاتا
151- يونس جيقا
152- بحو شهارا
153- عبو اسمرو
154- بحو بن كوريال
155- اسطيفو بلو
156- يوسف حلبي
157- زورا بلغام
158- ميا خندي
159- الياس خندي
160- زورا قلو
161- حنا قلو
162- عيسى قلو
163- حنا وزي
164- داؤود وزي
165- ميخا وزي
166- هرمز نجار
167- عبو وزي
168- صليوو جلو
169- حنا سيبي
170- ﭽيݘو خندي
171- ياقو خندي
172- يوسف حيدو
217- حنا كتو
218- بولا مقدسي
219- كوريال شبو
220- متايا جلو
221- اسطيفو شبو
222- اوراها شبو
223- صادق شبو
224- ساوا خوركا
225- بولا خوركا
226- صادق مكسابو
227- للّو بلغام
228- ياقو غزالا
229- صادق غزالا
230- عبو غزالا
231- جوكا غزالا
232- متيكا غزالا
233- دنو غزالا
234- متي ملا
235- دودي كوكي
236- شكري كوكي
237- توما هومو
238- عيسى هومو
281- شميكا كمون
282- ياقو قس يونان
283- اسماعيل قودا
284- بحو كاجو
285- حبيب سورو
286- تقي تومي
287- يوسف زلا
288- ميخا بتو قولا
289- شعيا بتو قولا
290- قيطايا كريمة
291- ݒتي بهاري
292- ݒتي كݘوݘا
293- عيسى ياقونا
294- تيكا كݘوݘا
295- بتي قرمز
296- جبرائيل قس يونان
297- شميكا خزمي
298- شابا خزمي
299- يلدا صاحب
300- شابا حنيكا خزمي
301- شعيا حنيكا خزمي
302- ياقو يوسف خزمي
347- دانيال بابانا
348- اسطيفو تومكا
349- يوسف تومكا
350- ياقو تومكا
351- منصور كوسا
352- متيكا كوسا
353- صادق بنيامين
354- ميا عوصجي
355- شمينا يوسف
356- مروكي شمينا
357- جوكا شمو
358- مقو ككا
359- حنا ككا
360- زورا ككا
361- شابا تومكا
362- الياس يلدا
363- نونو يلدا
364- حنا كريمه
365- هرمز بيناثن
366- شمعون ارادني
367- سلو داي سيدي
368- يوسف اسطيفانا
413- بحي كجو
414- صادق هباش
415- داود شدا
416- شعيا شبلا
417- جبو شبلا
418- كوريال يلدا
419- منصور نعمان الصائغ
420- حزقيال زلفا
421- بݘي زلفا
422- هرمز زلفا
423- حودي كوزللي
424- ججيكا يلدا
425- يلدا حيدو
426- اوراها النجار
427- بحو بن اوراها
428- ارميا رمو
429- هرمز مروكي
430- كوما مروكي
431- بولس النجار
432- ياقو النجار
433- شمو بولاذ
434- توما بولاذ
477- كورئيل ساكا بهاري
478- رزوقي مريم
479- عيسى منصور بلو
480- جبو يوحانا
481- شمو صفار
482- اورها خوشو
483- هرمز كولا
484- يونس حميكا
485- اورو حميكا
486- عيسى حميكا
487- بحو مميس
488- صادق مميس
489- نونو تعينو
490- دنو حنوقا
491- متي حنوقا
492- جعو شاشا
493- منصور سرسمو
494- ايليا قوجانوسي
495- شمعون طعان
496- دنو طعان
497- حبيب طعان
498- اسطيفو مميس
543- سليمان دمان
544- ايليا دمان
545- عيسى دمان
&&&&&&&&&&&&
نفوس محلة قاشا
546- ݒتي صارو
547- ساوا صارو
548- تبي حيدو
549- ﭽيݘو بوداغ
550- دنو كولا
551- متيكا شبلا
552- سمّا ابونا
553- بطرس ﭽركو
554- ݒتي ابونا
555- فرجو ابونا
556- متيكا ابونا
557- ياقو ابونا
558- جرجيس ابونا
559- شمو ابونا
560- حسقيال ابونا
561- اسحاق ابونا
562- يوسف مدالو
607- يوسف برنو
608- برنو ججو
609- هاويل عقراوي
610- متي عقراوي
611- ياقو حكيم
612- ممو حكيم
613- اسحاق حكيم
614- ججو حكيم
615- بيبو ككتوما
616- موكا ككتوما
617- مونا ككتوما
618- نونا منكيش
619- شابا توميشا
620- سليمان توميشا
621- هرمز توميشا
622- يوسف توميشا
623- ياقو قوجا
624- اورها قوجا
625- نونو قوجا
626- كوريل قوجا
627- متي قوجا
628- بيبو قوجا
673- هرمز شابا
674- ميخا شابا
675- ݒتي صفار
676- حنا قاشا
677- ميخا قاشا
678- بحو قاشا
679- ابشارة سليمان
680- ياقو ابشارة
681- اسحاق ابشارة
682- كوريل ابشارة
683- ايسرائيل سيبانا
684- متيكا سكماني
685- ياقو سكماني
686- مينا سكماني
687- ميخا سكماني
688- يوسف سكماني
689- حنا سكماني
690- رمو صنا
691- كشّو صنا
692- قس يوسف عبيا
693- اسطيفو مدالو
694- ججو ساعور
730- الاخ هرمز
731- الاخ ياوالاها
732- الاخ عبديشوع
733- الاخ اوراها
734- الاخ اوغسطين
735- الاخ دانئيل
736- الاخ شعيا
737- الاخ زكّي
738- القهوشي الرئيسي دير الربان هرمزد
739- الاخ متي
740- الاخ ايرميا
741- الاخ لورينسيوس
742- الاخ متيا
&&&&&&&&&&&&&
   عدد نفوس قرية القوش
عدد نفوس محلة تحتاني
1- صادق جولاغ
2- ياقو جولاغ
3- اسحاق جولاغ
4- يوسف توما ابونا
5- اسحاق توما ابونا
6- ياقو توما ابونا
7- اورها حنونا
8- ممو اوراها
9- ميخائيل اسحاق
10- موسى هومو
11- بهنام هومو
12- ياقو هومو
13- داود جيقا
14- توما كولا
15- ممو هومو
16- كوريال هومو
17- يونس هومو
18- حبيب هومو
63- سليمان عوديش
64- عوديشو عوديش
65- صادق عوديش
66- نونا عوديش
67- متي شمونا
68- شابا شمونا
69- ميخا خوركا
70- ݘوكا خوركا
71- ﭽيݘو اسمرو
72- صادق ديشا
73- ياقو متي خنوا
74- كوركيس متي خنوا
75- ياقو كوزا
76- يونس كوزا
77- نونا نجار
78- شابا قصاب
79- يوسف بن شابا قصاب
80- ججو شابا قصاب
81- الطوني ديزا
82- يوسف دودا
83- سليمان دودا
84- اسطيفو بوداغ
129- بيبي كوزا
130- متيكا سيدي
131- يوسف متيكا سيدي
132- ججيكا غزالا
133- يوسف دقيقا
134- اسحاق جيقا
135- جونا اسمرو
136- ميخا اسمرو
137- يوسف اسمرو
138- يونس اسمرو
139- اسحاق اسمرو
140- ميا اسمرو
141- هرمز بولص
142- متايا قلو
143- صادق قلو
144- توما قلو
145- اسحاق قلو
146- ميخا كوزلي
147- مروكي مقو
148- يوسف اسطيفو
149- الياس قودا
150- الياس جيقا
195- جرجيس ملا
196- اسطيفو خوبير
197- حنا بدي
198- صادق حيدو
199- ديكو حيدو
200- هرميزى حيدو
201- زغيّر حيدو
202- عزاوي حيدو
203- يوسف حيدو
204- توما قاﭽو
205- يوسف سورو
206- صادق سورو
207- شابا كتو
208- اوراها كتو
209- ججي الياس (ششا)
210- ياقو الياس ( ششا)
211- سليمان الياس (ششا)
212- جبو حيدو
213- عيسى مقدسي
214- سليمان مقدسي
215- متي مقدسي
216- جوكا مقي
261- ݒتي يوسف
262- ميخا حجي
263- متيكا حجي
264- زورا هومو
265- صادق كولا
266- يوسف كولا
267- شيشا كولا
268- بتي طويثا
269- يوسف ياتا
270- بهنام ياتا
&&&&&&&&&&&&
عدد نفوس محلة سينا
271- بنو شازي
272- زخريا شازي
273- متي قس يونان
274- عبو قس يونان
275- حنا قس يونان
276- هرمز قس يونان
277- ݒتي قس يونان
278- جردو قس يونان
279- يونس قس يونان
280- لويس كمون
325- هرمز جركو
326- ياقو يقوندا
327- ﭽيݘو صارو
328- حنا صارو
329- صادق صارو
330- يوسف صارو
331- يوسف قودا
332- سليمان قودا
333- ﭽيݘو هيلو
334- جبو شبلا
335- ݒتي قودا
336- اسطيفو حاني
337- ميخا يوسفاني
338- ميخا ديشا
339- شمو توماس
340- نيسان سلمو
341- اورو جمجوم
342- نونا جبا
343- صليوو مرگو
344- ملو تومكا
345- شعيا تومكا
346- ميخا تومكا
391- ميخا يقوندا
392- ججو يقوندا
393- دنو كجوجا
394- نونا رمو
395- اسطيفو رمو
396- متيكا شندر
397- عيسى يلدا
398- اسطيفو ياقونا
399- عبد الله خرات
400- توما خرات
401- بتو خرات
402- زورا جتو
403- كيكا نداس
404- ميخا بتو
405- ميا ككساكو
406- اسرائيل تومكا
407- اسوفي تومكا
408- زورا كجوجا
409- ساوا بطوخا
410- هرمز عوصجي
411- توما ساكو
412- عبو ساكو
457- بتي كجو
458- يوسف برجا
459- قيا برجا
460- متيكا برجا
461- اكه يقوندا
462- سلو يقوندا
463- اسرائيل عوصجي
464- يوسف عوصجي
465- متيكا عوصجي
466- اسطيفو ككجونا
467- صادق ككا
468- ياقو شدا
469- صادق شدا
470- سما اسطيفانا
471- عبو اسطيفانا
472- بولس اسطيفانا
473- ججو تمو
474- هرمز اسطيفانا
475- بيبو اسطيفانا
476- حزقيال اسطيفانا
&&&&&&&&&&&&
نفوس محلة اودو
521- بولس ملاخا
522- اسطيفو اودو
523- يوسف اودو
524- كورئيل اودو
525- اوراها ككميخا
526- الياس ككميخا
527- صادق ككميخا
528- ناحوم ككميخا
529- بتي حنونا
530- بيبي كادو
531- موسى كادو
532- عبو كادو
533- كورئيل كادو
534- شعيا مرخو
535- صادق مرخو
536- ميخا وكيلا
537- كورئيل حجي
538- اسطيفو دمان
539- يوسف دمان
540- ياقو دمان
541- رحيم دمان
542- هرمز دمان
585- بطرس زرا
586- شاكر ابونا
587- سكندل ابونا
588- يوسف قس حنا
589- حنا شابو
590- يوسف عطايا
591- كوريل عطايا
592- نيسان حلوسي
593- ممو نيسان
594- عيسى بن يوسف مقو
595- اوراها بن عيسى
596- كورو بن ميخو
597- بݘي خزمي
598- بولص رئيس
599- ﭽيݘو رئيس
600- ممو رئيس
601- ياقو رئيس
602- هرمز رئيس
603- توما حنينا
604- حنا حنينا
605- ميا صفار
606- اوراها بانو
651- ياقو بلو
652- عوديشو بلو
653- عّمه شماشا
654- اسحاق شماشا
655- يوسف سعيد
656- ججو بهاري
657- كلو بهاري
658- روفا عقراوي
659- اسطيفو صفار
660- داوود صفار
661- متي صفار
662- سليمان صفار
663- يونس صفار
664- ججو بلوطا
665- خوشابا شكوانا
666- قس اورها شكوانا
667- اسحاق شكوانا
668- شعيا شكوانا
669- لاسو مرادو
670- حنا سابيوس
671- حنا جونا
672- اسحاق جونا
713- الاخ يونان
714- الاخ حنا
715- الاخ زكريا
716- الاخ كوريل
717- الاخ بثيون
718- الاخ ساوا
عدد نفوس رهبان دير السيدة ودير الربان هرمز
719- الاخ برنو
720- الاخ قاميشوع
721- الاخ دنحا
722- الاخ داويذ
723- الاخ طوبيا
724- الاخ باسليوس
725- الاخ لويس
726- الاخ زيعا
727- الاخ منصور
728- الاخ اسحاق
729- الاخ روفائيل


ان موجود قريتنا وموجود انفس الدير من الاشخاص التي اكملت اعمارهم الواحد وعشرين سنة هي سبعماية واثني واربعون نفساً
ولاجل هذا قد ختمنا هذه الورقة / 20 تموز سنة 923
اعضاء          اعضاء          اعضاء          المختار          امام قرية القوش
&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&
&&&&&
&&
&
فيما يلي الاوراق الاصلية المستنسخة:


 
الورقة الثامنة والاخيرة
 
الورقة السابعة

 
الورقة الخامسة والسادسة
 
الورقة الثالثة والرابعة
 
الورقة الاولى والثانية
NabeelDamman@hotmail.com
California on October 10, 2023
&&&&&&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&&

12
وتهاوى نجم آخر من سماء الشعر
نبيل يونس دمان
وَدَّعَ القلَمَ والقُرطاسَ بِيَدِ فِتيَةٍ نُجُبا
قد كانتِ القوافي ترقصُ بيديه طَرَبا
ابو عماد لم يمُت بل قضى جسدا
والروحُ سمَت تنثرُ من العلياءِ شُهُبا
     انه الشاعر الصديق زكر أيرم، الذي نقف اليوم إجلالاً، امام ذكراه الأربعين، وهو المولود في مدينة الموصل- ام الربيعين، التي فيها شبّ طوقه، ثم دارت الأيامُ ليترُكَها، ويستقِرُّ في بغداد، حيث اقترن بالسيدة ابتسام انطوان شماس، شريكةُ حياته التي انجبت له ثلاثةَ اولادٍ اكبرُهم عماد، ثم شأنه شأن غالبيتنا هنا، ترك وطنهُ الى بلدِ الإغتراب في اميركا عام 1989، بعد ان عصفَت بهِ رياحٌ صفراءٌ- هوجاء، تركته في مَهبِّ الريحِ، وساحةٌ تعبثُ بها التدخلات الاقليمية والدولية.
     ابو عماد إستثمرَ مواهِبَه هنا في اميركا، حيث الحرية والأمان، لتتفجر اكثر واغزر، ينابيعُ الشعرِ المسكونةُ فيه، لتسيلَ كما الشُّهْدُ من فمٍ عَذبٍ، إرتوى من مياه دجلة والفرات، ففي كل مقامٍ، وفي كل مناسبة، عندما يجلسُ ويستجمعُ آهاته، ونغماتِه العذِبة، تنساب نُظماً، ليكتمل بناء القصيدة، التي تفتحُ صفحاتها لها، وسائل اعلام الجالية، هنا في كاليفورنيا وفي مشيكان.
     كم يروقُ لي ان أقرأ ديوانِه (اوراق الخريف) الذي ضمّ بين دفّتيه 125 قصيدة، في ضُروبٍ وصُروفٍ شتّى، منها الوطنية (بغداد يا رحابَ المجد) ، وسبر سيَر الشخصيات (الجواهري في ذكرى رحيله) ، وفي الغزل (يا هند لا ترحلي) ، التي كان يبتهج، وتنفتح اساريره، عندما يقرؤُها لنا، ثم كانت قصيدتُه، التي عمّقت وعمّدت صداقتُنا، بعنوان (القوش) التي أهداها لي، ومَطلعُها الذي يُطيبُ لي ان أقرأه هكذا:-
القوش رَمزَ الإبى ما هزّكِ جَبلُ.......... ما نالَكِ وارتَقى أسوارُكِ رَجلُ
في كُلِّ سَفحٍ شَهدْنا ألفَ مَلحَمَــةٍ.......... أبلى بِها أهلُكِ فُرسانُــكِ الاُوَلُ
     عرّفني عليه المرحوم سعيد سيبو، عندما وصلت الى سان دييغو عام 2005، ومعه المجموعة التي كانت تتخذ من طاولةٍ، في نادي كرستال بول مجلساً لها، وهم نُخبةٌ ممتازةٌ من المهتمين بالشأن العراقي، فيهم الكتاب، والشعراء، والاساتذة، والناشطين الاجتماعيين، يُطيب لي ان ادرجَ اسماء من فارَقونا أجساداً، وهم:
حنا قلابات، صباح كبوتا، زكر أيرم، سعيد سيبو، الدكتور ريمون شكوري، اسطيفان أنويا شابا، المهندس جبران حناني، سالم سلّو، الله يرحمهم ويحفظُ الباقين.
     كان مُنتدانا وتجمُّعنا حافلٌ بالعطاءِ، في المناسبات الوطنية العراقية، وعند زيارة شخصياتٍ من الوطن المفدّى، حيث كانت تقام نشاطات نوعية، فكانت المشاركة فاعِلة من هذه النُخْبَةُ، اضافة الى ما كانت تنشرُه في الصحافة والاعلام. لن تطوى صفحة الناشطين العراقيين هنا، بل سيواصلُ المهمة جيلٌ آخرَ مشبّعٌ بالعلوم الحديثة، وقيمَ الحضارة الغربية، لتقترن بميراثِ آبائهم وأجدادِهم في ارض الرافدين، مع ما تُضيفُه علومُ الغد، وتوجهاتُ السياسةِ، وفلسفةُ الوجودِ، وسرمديةُ الكونِ، كُلها ستتأثرُّ بها وتتفاعلُ معها أجيالٌ تَلينا، لقد بَلغنا من العُمرِ عِتِياًّ، ورحلَ زملاءُنا قبلَنا، وكانوا السابقون ونحن اللاحقون.
الرحمة والمغفرة لفقيدنا الغالي، والتعازي الحارة الى زوجته، والبركة في اولاده واحفاده.
NabeelDamman@hotmail.com
California on March 21, 2023
 

13
المنبر الحر / حكايات شعيا
« في: 09:54 21/03/2023  »
حكايات شعيا
نبيل يونس دمان
(1)
     في احد الايام تفاجأ بيت موسى بأربعة من كلاب الصيد، واحد صعد الى السطح والثاني تعلق في الدرج، والاخيران وقفا امام البيت الذي امتلأ فضاءه وحتى البيوت المحيطة بضجيجها، فخرج اهل الدار مندهشين عمّا حصل، فشاهدوا موكب! شعيا قادما لزيارة بيت صديقه موسى.
     رحبوا به وتبادلوا السلام والسؤال عن أموره وما يقوم به، فشكاهم حاله، معبّراً عن طموحه بان يمتلك سيارة باص (نيرن) سيما وقد تعلم السياقة في عمل سابق بإحدى الشركات، ثم غير الحديث موسى وقال منذ زمان آبائنا القديم، كان يجري الحديث عن خزانة نقود ومقتنيات ثمينة (كنز) تعود الى دير الربان هرمزد، كانت قد خبأت ايام حملة (ميري كور) على المنطقة في بداية العقد الثالث من القرن 19، مضيفاً بان هناك كتاب محفوظ في الدير من ذلك الوقت يشير الى مكان وجود الخزانة، وبأنها تحت صخرة في وادي الدير (الگلي) تسقط عليه اشعة الشمس مرة واحدة في السنة.
     ظل شعيا ينصت بكل جوارحه الى موسى، واضاف ومعه الشباب بانهم راقبوا وبحثوا وفكروا في الموضوع جيدا ولسنين، ثم استطاعوا ان يشخصوا تلك الصخرة، والذي يوقفهم من اخراج خزانة الاموال هو خوفهم من غضب الربان هرمزد.
     فقال شعيا بحدّة وحماس: عن ماذا تخشون؟ ألا تعلمون ويعلم الربان هرمزد بان الدير والرهبان ليسوا بحاجة حتى الى اموال قارون، بل انا صاحب عائلة واطفال جياع، وأية خشية او معصية من الراهب القديس لتكن في رقبتي، أخرجوها ولا تتأخروا ارجوكم، ثم اضاف لنتوجه في الحال ونأخذ معنا عدة العمل من معاول وكرك وزنبيل وهيم (مجبايه) ، ونتوكل على الله، انا بأمس الحاجة لشراء باص (نيرن) لأعيش ويعيش اولادي من وراءه.
     بالطبع كان حديث الجماعة عن الإهتداء الى مكان الخزانة غير صحيح، والغاية منه كانت لإثارته وجعله يحلم بثروة خيالية، فقالوا له امهلنا بعض الوقت حتى نتدبر المسألة، توالى قدومه اليهم كل يوم وإلحاحه بضرورة التوجه الى ذلك المكان في صدر وادي الدير. والشباب فيما بينهم وضعوا خطة كما يلي: عندما يصل شعيا الى مكان الصخرة المزعوم وبالطبع سيتأخر بسبب وعورة الطريق، وعلى لمح البصر يأخذ احدهم القلة (شربة فخارية) التي اخرجوها، بقوة السلاح ويهزها بعنف لتسمع اصوات الليرات وهي تهتز بأيديَه من صوت الليرات التي في داخلها، علماً بانهم قد جمعوا الكثير من الليرات الذهبية المزيفة (ݒرݒاره) لذلك الغرض، كل ذلك على سبيل الفكاهة والضحك يناسب اعمار الشباب، في تلك الفترة من ستينات القرن الماضي حيث المرح يسود اوساطهم.
     ولكن تلك الخطة لم تطبق ولم تأت ثمارها، ففي اليوم الثاني توجه اولاً الشاب ياقِن الملثم جيداً وبيده بندقية صيد الى حيث مكان الصخرة المزعوم، وتوجه الباقين وشعيا معهم متحزّماً وجاهزاً لإرتقاء الجبل، وجميعهم يحملون العدد الثقيلة، وبعض الطعام والشراب، وراديو ترانزستور لسماع الاخبار والأغاني من اذاعة بغداد. ما ان وصلوا الى باب الوادي فتر بعض الشيء حماس شابا، فقد تعب وصار يبطئ السير، ثم سلكوا طريق وعر (أورخه دجوبا) بالطبع حمل من الحديد ما جعله يتركه على قارعة الطريق، فحمله الشباب لمسافة اخرى، وعند وصولهم الى مقابر (التتار) جلس شعيا من تأثير الإرهاق، واقسم بأغلظ الأيمان بانه: لن يتزحزح من هذا المكان، ابقى هنا انتظركم، ولكن قبل ذهابكم اطلب منكم تسليمي 4500 دينار حتى اشتري نيرن (في ذلك الزمان كان بإمكان الواحد ان يشتري بذلك المبلغ قصراً في العاصمة) ، فقالوا له: ليس معنا الان فلوس ولكن حال عودتنا نسلمك المبلغ. وما قاله بعد ذلك هو محور كل هذه الحكاية، قال افتحوا عيونكم جيداً: بعد ان تعطوني ذلك المبلغ اتركُ الباقي على ضميركم ووجدانكم، وعلى شدة خوفكم من الرب الذي سينتقم منكم اذا سرقتم قرشاً زائداً من حصتي.
     لم يعد الجماعة الى حيث مقابر التتار حيث تركوا شعيا لوحده، فقد غيروا طريقهم ليختاروا طريق (كرمَه دريشا) ، وقبل ان تغيب اشعة الشمس فيرخي الليل سدوله، انسحب شعيا عائداً الى البلدة. عند وصول الشباب في وقت متأخر الى بيتهم، كان شعيا ومعه كلابه التي طوقت البيت قد سبقتهم اليه، فقال لهم بنبرة حازمة: اين فلوسي؟ فقالوا: لقد سرقها شاب ملثم بيده سلاح، حين صرخ علينا اهتز الوادي لصوته الرعديد، فإنتابنا الخوف الشديد، وهربنا بجلودنا لا نلوي على شيء سالكين طريق الى وادي (برسملي) ، ثم صعدنا الى (كرمه دريشا) لننزل الى القوش. هز شعيا رأسه بحسرة وغطت وجهه سحنة الحزن، فقد ضاعت آماله في امتلاك النيرن، ولم يكن امامه الا ان يصدقهم ولكن على مضض، ثم قطع علاقته ببيت موسى تدريجياً ولم يعد ياتي اليه ومعه كلابه الشرسة.
(2)
     ولد شعيا في بيت يعشق الطرب، فوالده مرقس كان عازفاً بارعاً على آلة المزمار (زورنه) ، في احد الأيام كان يعزف في قرية أيزيدية، ودارت حلقات الرقص والشباب والشابات يهزون اجسادهم برشاقة وتواصل حتى اهتزت أرض المكان تحت اقدامهم، وكانت المناسبة رأس السنة الجديدة ( سري سال) ، وإستمر الرقص ليشتد اكثر كلما اقترب المساء ، حتى ادركه الوقت فاراد العودة الى القوش، ولكن رجال القرية ألحّوا عليه بالبقاء والمبيت عندهم، فوافق على مضض لان عائلته ستنام ليلتها في قلق.
     احتسى ما احتسى من الخمر وتناول عشاء من البطيخ الأحمر والخبز والجبن، كان بيت المضيّف من طابقين مبني من الطين ويشرف على وادي عميق نسبياً، فُرش له ولإثنين آخرين من ضيوفهم وكانوا من اهالي سنجار المنام فوق السطح العالي. استغرق شعيا في النوم بعض الوقت ليشعر بحاجة شديدة الى التبول، فتلمس طريقه بصعوبة بسبب الظلام الدامس، حتى وصل الى موقع السلّم الذي صعدوا عبره الى السطح، لم يجد أثراً له فتيقّن ان اهل الدار قد رفعوا السلم في المساء وأركنوه جانباً حتى يؤمّنوا نوماً آمناً ومريحاً لضيوفهم.
     بقي شعيا حائراً اذ يصعب عليه مناداة اهل الدار في ذلك الليل الحالك، فرجع الى فراشه يتقلب فيه لا يستطيع النوم، وحاجته تضغط عليه بشدة، في تلك الاثناء التفت الى النائمين قربه فرآهم في نوم عميق، ولاحظ انفصال أغطية رؤوسهم (كُلاف) بعيداً عن رؤوسهم وكانت كما شاهدها من قبل عبارة عن قلنسوة مخروطية من الوبر، وتلك تقاليد منطقتهم التي أتوا منها لحضور السري سال.
     كان شعيا بأشد الحاجة الى تلك الآنية ففرّغ ما في مثانته فيها ورماها بكل ما أوتي من قوة  بعيداً في اتجاه الوادي العميق بجوار البيت، وعاد لينام نوماً هانئاً حتى الصباح، لم يوقظه شيء سوى صوت النائمين بجواره، يسأله ان كان يعلم ما حصل لأغطية رؤؤسهم، اجابهم بثقة: ان لا علم له ولكنه استدرك قائلاً: رأيت في نومي حلماً فيه طيوراً ضخمة تحلق عالياً، كانت تهبط فتلتقط أغطية رؤوسٍ من سطح هذا البيت وتطير بها بعيداً في آفاق السماء، وها انا انهض لأرى ان حلمي قد تحقق، فصدقه الجماعة وقالوا له: كلامك معقول، لان ليس هناك سبب آخر لإختفائها.
(3)
كان لشعيا ولعاً في تربية الطيور المختلفة في بيته، وتحت ضغط حاجة الأسرة المعاشية، غادر بيته الى مشروع بناء سد دوكان في السليمانية، وقد كانت تدير العمل فيه شركة فرنسية، فحضر في صباح اليوم التالي لإجراء الاختبار والمقابلة مع مدير الشركة، وكانت مجموعة كبيرة من طالبي العمل قد تجمعت هناك وبينهم عدد من ابناء قريته. جرى اختبارهم عملياً، ثم كانت المقابلة عبارة عن مصافحة المدير للعمال المتقدمين للعمل، ففرزهم مجموعتين، الاولى التي شعر الفرنسي بقوة ايديهم في المصافحة وشعيا احدهم، والمجموعة الثانية ارسلت الى بيوتها لعدم الحاجة الى خدماتها، وتم تسجيل اسم شعيا ليباشر العمل في اليوم التالي، ففرح بذلك.
     في العصر قام بجولة في بلدة دوكان، وفي احد الشوارع رآى ديكاً شامياً (عَلو عَلو) زاهي بألوانه ورشيقاً في مشيته، فسار خلفه جذلاً حتى دخل بيت اصحابه وشعيا دخل وراءه، فصاح اهل الدار به: ما ذا جرى؟ ولماذا تطارد الديك؟ فابتسم قائلاً: لقد اعجبتُ به كثيراً، تأملوا فيه وبهيئته وتعلقه لديكهم الشامي، فتعاطفوا معه بكرم وسخاء قائلين: ان كان يريده فليأخذه معه دون مقابل، فحضنه بكلتا يديه وضمّه الى صدره، شكرهم كثيراً وانطلق لا يلوي على شيء.
     رجع الى مكان تجمع فيه ابناء قريته، وهنأوه بفوزه في العمل، فقال لهم لا حاجة لي بالعمل، وقد حصلت على ما هو أهم: هذا الديك الشامي الجميل الذي ترونه، وبين اندهاشهم واستغرابهم توجه حالاً الى كراج البلدة، واستقل الحافلة المتوجهة الى الموصل ومنها الى القوش، وبذلك حرم عائلته واطفاله تلك النعمة التي كانت ستخفف من معاناتهم.
March 19, 2023 California
nabeeldamman@hotmail.com


14
المنبر الحر / حكاية ݘاكا الأعمى
« في: 14:08 12/03/2023  »
حكاية ݘاكا الأعمى
نبيل يونس دمان
     في ظهيرة يوم صيفي حار، كان ݘاكا عائداً من الدير السفلي بجوار القوش، عندما وصل متعباً وعلى بعد عشرات الخطوات من بيته، لمحه من فوق السطيحة ( ܓܲܪܝܼܬܼܵܐ گريثا) المدعو عيسى، وُيعرف عن عيسى استثمار المواقف الهزلية وعمل المقالب لا لشيء وانما لقضاء الوقت والاستمتاع، لذلك كانت الناس تحبّه وتتداول مقالبه واحاديثه الشيقة، سيما وانهم عطّالين معظم ايام السنة، ويفترشون قنطرة بيت اودو في وسط تلك المحلة الصغيرة في أعلى البلدة.
     كان ݘاكا يحمل عصاه ويشق طريقه الى المكان الذي يريده، ومنها ذهابه الى الدير للاستجداء واحيانا يملأ عبّه بالخبز لينتفخ صدره، فيلفت انتباه المحلة الى ما يحمله. صاح عيسى وكأنه يخاطب زوجته ( ܣܘܪܹܐ سرّي) انظري الى طريق الموصل، فقد انفصلت سيارة جيب من الشارع العام الى الطريق الترابي المؤدي الى دير السيدة، وعلى الأغلب هم الرهبان الدومنيكان (ܦܲܬܪܸܝܹܐ الباترية) الذين مقرهم في منطقة الساعة بالموصل، طمع ݘاكا في الهدايا التي يقدموها له سواء المادية او النقدية، وخوف ان يسبقه أحد غيره من فقراء المنطقة، استدار ݘاكا بتثاقل ثم غذّى السير عائدا الى الدير في ذلك القيظ من أشهر الصيف.
     وصل الى هناك وسأل عن سيارة الباترية، فأجابه احدهم بانه لم يرها اذ ربما صعدت الى الدير العلوي، فمشى الى وادي الدير ودخله ثم استراح قليلا عند الكهف الاحمر (ܟܵܦܿܵܐ ܣܡܘܿܩܵܐ كافا سموقا) ، ثم نهض وارتقى بصعوبة حتى اماكن الرهبان (ܩܲܠܲܝܼܵܬܼܵܐ قلياثه) ، سألهم: ان كان الباترية قد أتوا الى هنا، كان جوابهم النفي، فإنقهر كثيرأ وهدّت قِواه، ثم توكل على الله عائدا صفر اليدين الى البلدة، وقبل دخوله بيته وامام بيت عيسى اطلق بعض الكلمات النابية، ولكن عيسى لم يخرج اليه ولم يجاوبه ابداً.
     نأتي الى قصة ݘاكا الذي هو من بيت حنونا، فقد وُهب الطول الفارع، والبنية القوية، والعيون الزرقاء (كأنما تنبض في غوريهما النجوم) ، ففي مطلع شبابه سيق في زمن حاكم القوش الظالم (احمد السقلّي) عنوة الى العسكرة في الجيش العثماني، بقي هناك يحارب لعدة سنوات، ثم حصل له حادث سمل عينيه لسبب نجهله، كانت والدتي وجدتي تقولان بأن احدهم سكب زيت مغلي في عينيه، حلّت محل كرتي العينين حفرتين صغيرتين لا حياة فيها ولا وميض ضوء يدخلهما، ففقد نِعمة البصر، وسار مجروح الفؤاد في طرق ودهاليز بين الجبال والوديان، وهو ينتظر مساعدة عابري السبيل، ومن مكان لآخر ومن قرية لاخرى، حتى وصل بشق النفس الى بلدته.
     صار يستجدي امام الكنيسة او امام الدير، وكانت الناس تتصدق عليه، مسكنه كان في بيت مقابل مسكن مأمور مركز (ܩܘܡܣܝܼܪ قمسير) القوش التلكيفي الشهم شاكر كرمو، في اعوام الخمسينات كان مع زوجته الطيبة جاكلين يعطفون عليه ويساعدوه كثيراً، وكان ݘاكا ايضاً يقضي الليالي بين بيوت المحلة، فيجلس بينهم يتناول طعامهم كفرد منهم، وهم يسمعون مغامراته وذكرياته في زمن السفر برلك خصوصاً في بلاد الأناضول.
    عقد رجال الكنيسة وعقلاء محلة اودو العزم على زواج ݘاكا، فأختيرت له فتاة مناسبة له إسمها (كِتّي) تسكن في محلتهم، وربما كانت مهجرة من قرى الشمال، لم تكن كتّي تخلو من عاهات في أيديها وأرجلها، وكانت فقيرة الحال مثل ݘاكا، فجرت مراسيم زواجهم وسط فرح وانبساط المحلة بأسره، فإنتعشت حياته كثيراً، وسكنت كتي معه في البيت، لتسعد أيامه وتساعده كثيراً، خصوصاً في مسك يده وقيادته الى الأماكن في درابين البلدة والأماكن التي كان يقصدها، فكان الحلّ بزواجهما أمثلاً.
     اتذكر في عقد الخمسينات وانا طفل صغير، كنت اراهم يمرّون امام باب بيتنا، وهم في طريقهم الى الكنيسة او الدير، احيانا كنا مع اقراني  من اطفال محلة اودو، نطلب من الخالة كتّي ان تطوي اصابعها، فتفعل ذلك حتى تلتصق بظاهر كفها، وكأنّ تلك الاصابع من لحم بدون عظام. توفي ݘاكا اولاً ثم بعد عدة سنوات توفت كتي ايضا اظن قبل الولوج في العقد السادس من القرن الماضي، رحم الله ݘاكا حنونا وزوجته كتّي واسكنهم فسيح جناته.
March 9, 2023 California
nabeeldamman@hotmail.com

15
اليزيديون
نبيل يونس دمان
الحلقة الثانية
المراتب والطبقات:
قسم الشيخ عدي اليزيدية الى المراتب التالية:
1- الشيوخ (اداني- قاتاني- شمساني) .
2- الپير.
3- المريد (أي العامة) .
وتوجد بينهم مراتب دينية مثل أ- القوالون ب- الفقراء  (ويلبسون خرقة دخلية سوداء، ويطلقون لحاهم) .
اما اميرهم او رئيسهم الديني والدنيوي فيسمى مير شيخان وكانت له سلطات مطلقة في العهد العثماني، وحالياً يشغل هذا المنصب تحسين الذي ورثه من ابيه سعيد بك (توفي في 1944) وهكذا، وهناك منصب ديني هام يطلق عليه بابا الشيخ يرتقي نسبه الى الى الشيخ فخر الدين من السلالة الشمسانية، وهذا الشيخ يحتفظ بالسجادة المنسوبة الى الشيخ عدي.
 
عائلة قروية فلاحية من ثمانينات القرن الماضي، من صور صديقي المرحوم جوزيف توما توماس
الطاووس ملك:-
     يعتقد اليزيديون بان الله خلق الطاووس ملك (ابليس) من نوره، ويعتقدون انه رئيس الملائكة ويأخذ الأرواح مع الملك جبرائيل. يقر اليزيديون بان الشيخ عدي تمكن من رؤية فكرة الطاووس وآمن بها، ومع ان الشيخ لا يذكر اسم طاووس ملك بالحرف.
     يعبد اليزيديون هذا الطائر الذي له تمثال من معدن ويسموه السنجاق او السنجق (الذي يعني العلم او اللواء) وقد جاء وصفه في كتاب قصص الأنبياء للكسائي كما يلي " الطاووس له جناحات وذنب من الزمرد الأخضر وعلى كل ريشة مئة جوهرة بيضاء لها ضوء كضوء الشمس ومنقاره من جوهرة بيضاء وعيناه من ياقوتة وهو اطيب طيور الجنة صوتاً وتغريداً واحسنها الحاناً بالتسبيح ويتبختر في مشيته" .
 
مضمد من القوش يعالج اهالي قرية بارة على الحدود السورية في اوائل السنينات، من ارشيف جاري الصحفي رياض شابا

تقاليدهم وعاداتهم:
     يقطن يزيديو العراق بمحافظة نينوى في قضائي الشيخان وسنجار ويتكلمون الكردية بشقها الكرمانجي. زي رجالهم شبيه بالزي الكردي التقليدي عدا غلبة اللون الأبيض عليه وفوق الرأس يضعون الكشايد الحمراء، اما رجال سنجار فيعتمرون القلبق المخروطي المصنوع من الوبر، او يلفون اليشماغ الاحمر او الكوفية السوداء، ويطيلون شعورهم بل يضفرونها في جدائل مرسلة. اما النساء فزيهم الابيض يميزهم عن غيرهم وغطاء الرأس يتفننون في تشكيله حيث تتخلله الخرز او قطع الذهب او اللآلي وحسب منزلة المرأة الاجتماعية. واذا اضفنا الى زي نساءهم المئزر الشائع في مناطق تلكيف والشيخان، فان الصورة تقربنا من أزياء آشوريات نينوى في العصور الغابرة.
 
القوشيات مع جارتهم من قرية بارة - جبل سنجار اوائل ستينات القرن الماضي، من ارشيف جاري الصحفي رياض شابا
     يعتمد غالبية اليزيديون على الزراعة وتربية الحيوانات، وبعد ثورة 14 تموز 1958، دخلوا المدارس على نطاق أوسع من السابق وبذا تخرج جيل منهم شغل الوظائف والاعمال كالتعليم والهندسة ومجالات الطب وغيرها. اما تعليم النساء فكان محرما عندهم، الى ان بدأ اختراقه مع تنامي الوعي الحضاري وخصوصاً في نخبة معلمي الستينات والسبعينات رواد نهضتهم، وكانت اول فتاتين حسب علمي وصلتا جامعة الموصل هما: رايات (كلية العلوم 1974) وكروان خلات (كلية الهندسة 1974) وكلتاهما من ناحية بعشيقة الاكثر نضوجاً وتطوراً من غيرها من قرى وبلدات اليزيدية.
     وفيما يخص الزواج فعندهم نظام تعدد الزوجات كما عند المسلمين، وهناك ظاهرة الخطف التي يتباهون بها بل هي كثيرة الحدوث عندهم، فعند خطف الفتاة ياخذها خاطفها الى قرية اخرى بعيدة ويعودان بعد فترة ليتم التفاهم على الموضوع وبحضور الشيخ والاهل معاً. عندما يقول الزوج لزوجته: انت شيخي او ݒيري فتعتبر في تلك الحالة طالقاً.
 
والدي ووالدتي في زيارة معبد لالش سنة 2002
     اما ختان الاطفال عندهم فيتخذون منها وسيلة لمصاهرة المسلمين من العرب او الأكراد في تلك المنطقة، وعند اجراء عملية الختان المتبادلة بينهم، يدخلون في صداقة متينة بل قرابة، وفي هذه الحالة يطلقون على الطرف المقابل "كريف دم" ، كثيراً ما يتوجه الموصلي المسلم او الكردي الى احدى القرى اليزيدية في ضيافة كريفه، وبالعكس يحلو لليزيدي ان يمكث اياماً عند صديقه الموصلي او الكردي.
     حينما يحل موعد الزفاف يحضّر اقارب الخطيب مقادير كبيرة من العرق والنبيذ، ثم يدعى شباب وشابات القرية الى حفلة العرس حيث يبدأ قرع الطبول والعزف بالزورنايي وتشرع الشابات بالرقص حلقات وتستمر الحال على هذه الشاكلة لعدة ايام، وفي الليلة الاخيرة تزف الخطيبة الى دار خطيبها راجلة او راكبة حصان مزين بابهى الحلل وتكون مغطاة بالبرقع الاحمر وهي في وسط المعارف في طرب الاغاني والزغاريد اما الطبل والزرنايي فيشنفان الأسماع.
 
جلسة في دير السيدة قرب القوش تجمع عوائل القوشية وأيزيدية في اواسط ستينات القرن الماضي
بيوتهم وقراهم ومناطق سكناهم:
     يبني اليزيديون بيوتهم على شاكلة بيوت المناطق الشمالية اي من الطين والآجر او بالحجارة، ويبنون بجوارها اسطبلات او قاعات لأيواء ماشيتهم، اما بيوت الموسورين فتشيد بالجص (البورك) والحجارة، ثم ابتداءً من السبعينات من هذا القرن كثرت القصور المبنية من الاسمنت المسلح بعد ان تحسن وضع الكثيرون منهم جراء عملهم في نوادي وبارات وسط وجنوب العراق.
     اذا جمعت بضعة مئات وأحياناً عشرات من البيوت على ما سبق وصفه تتكون القرية اليزيدية، ومجموع القرى متناثر هنا وهناك في سهل نينوى وعلى طرفي جبل سنجار، ويمكن القول ان بعض تلك القرى توسعت وكبرت بمرور الزمن مثل بعشيقة، خانسور، حتارة، باعذرة، وفي وسط تلك القرى او في اطرافها شيدت اماكن عبادتهم ومزاراتهم مثل:
1- مزار شيخسن في قرية (أيسيان) ، 2- مزار الشيخ فخر الدين في قرية (مام شڤان) ، 3- مزار پيرفات (كيس قلعة) ، 4- مزار حاجي فيرس (حتارة) ، 5- مزار شيخمند (عين سفني) ، 6- مزار شيخ سوار (بيبان) ، 7- مزار ناسر دين (بعشيقة) ، 8- عبد رش (كندالة) ، 9- ݒير خوشابا (گلي شيخادي) ، 10- ݘلميران (كولكان) ، 11- مزار الشيخ امدين (سنجار) ، وغيرها كثير.
 
وندرج هنا بعض قرى اليزيدية في سهل نينوى:
دوغات، سريشكة، حتارة كبير، داكان، سينان وشيخ خدرا، بعشيقة وبحزاني، مجمع مهاتي، بوزان، بيبان، خورزان، جراحية، طفطيان، أيسيان، كرساڤة، گابارة، باعذرة، كندالة، مام شڨان، ملي ݘبرا، شكفتيان.
وندرج ايضاً بعض قرى غرب نينوى اي في منطقة سنجار:
مهركان، وردية، جدّالة، كرسي، سنوني، بارة، خانسور، ممسكي، المجنونية، تبة، أديكة، جفرية، نخسي، عوج، سكينية، حيالي، ملك قرسي.
تتمة في الحلقة الاخيرة
nabeeldamman@hotmail.com
California on February 18, 2023
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×



16
المنبر الحر / اليزيديون
« في: 19:52 22/02/2023  »
اليزيديون
نبيل يونس دمان
 
مقدمة:-
هذا الموضوع من ثلاثة حلقات كتبته عام 1996 في مشيكان ونشرتُه في جريدة صوت الاتحاد الديمقراطي العراقي الصادرة هناك في العدد 132- كانون الثاني- 1996 والمتوقفة عن الصدور منذ فترة طويلة. ربما بعد مرور هذا الزمن الطويل تتطلب بعض التغييرات وفي مقدمتها كلمة اليزيديون التي اصبحت فيما بعد تكتب أيزيديون وهي التسمية الأدق بتقديري. لم اغير شيء في الموضوع وذلك للأمانة التاريخية، وفي ذات الوقت انا مستعد لمناقشة آراءكم وملاحظاتكم في كل ما ذهبت اليه مصيباً ام مخطئاً، تقبلوا وافر تحياتي.
الحلقة الاولى

     ان المجتمع العراقي يزهوا بأقوامه وطوائفه المختلفة، والتي تعايشت جنباً الى جنب آلاف من السنين إنتابتها فترات مضيئة مزدهرة وأخرى كالحة مظلمة. وفي موضوعنا التالي نتناول اليزيدية وهم طائفة دينية من الأكراد يرجع تاريخها الى ما قبل الميلاد، ويقطن غالبيتهم في العراق وما تبقى في سوريا، تركيا، وبعض جمهوريات آسيا الوسطى خصوصاً أرمينيا، يربو عددهم النصف مليون نسمة تقريباً.
 
ديانتهم:-
     هناك وجهتي نظر مختلفتين عن اصل ديانتهم: الأولى مستقاة من المؤرخين المسلمين الذين ينسبونهم الى يزيد بن معاوية الأموي وبالتالي يربطونهم بالاسلام وأبرز هؤلاء المؤرخين احمد تيمور باشا، عبد الرزاق الحسني، المحامي الموصلي عباس العزاوي. اما الوجهة الثانية التي تنبثق بالاساس من وسطهم فتنسبهم الى يزدان الذي يعني الله في الديانة الزرادشتية، وتعتبر مدينة يزد الواقعة جنوب شرق أصفهان- ايران عاصمة الزارادشتية والتي فيها ولدت تلك الديانة قبل الميلاد بخمسمائة سنة.
 
     ترتكز ديانتهم على دين المانوية ذي المبدأين، مبدأ الخير ومبدأ الشر، وانهم بقدر حبهم للخير يخافون الشر خوفاً شديداً، ويعتبرون الفعل السيء والشر منبثق من نفس الانسان، ويؤمنون بتناسخ الأرواح، فالروح الطيبة بعد الوفاة تدخل في الملوك او ترفرف في الهواء، اما الروح السيئة فتدخل في الكلاب او الخنازير، وبالتالي ترى ديانتهم بان استمرار الحياة بعد الموت مسألة أكيدة.
     عند دخول الاسلام مناطقهم تحولت من ديانة علنية ومشهورة الى صوفية وزاهدة بسبب حملات التنكيل والاضطهاد التي تعرضت لها، فحصنت نفسها وأدخلت العديد من المتغيرات عليها لتواجه الواقع الجديد واصبح سهلاً عليها تقبل تعاليم الشيخ عدي الصوفية بعد انهيار الخلافة الاموية ولجوء الشيخ المذكور الى جبال كردستان.
 
من هو الشيخ عدي:-
     ويسميه اليزيديون ب "الشيخادي" وهو ابن مسافر ولد في بعلبك سنة 558 هجرية، مؤمن بالأموية ويزيد بل ومتعصب له، لجأ الى جبال هكاري بعد ضياع حكم الامويين فتولى رئاسة بعض القبائل الكردية على طريقته الصوفية وزهده ومجمل سلوكه، قال عنه الشيخ عبد القادر الجيلي "لو كانت النبوة تنال بالمجاهدة لنالها عدي بن مسافر" .
 
     كانت طريقته في الصوفية مقاطعة اللعن او انه حذر من اللعن، حتى لعن الشيطان خوفاً من الاتصال بشائبة السب، ولكن بعد وفاته اصابهم غلو في امر اللعن وشدة تمسكهم باللفظ انهم حرموا:
1- اللعن وما اشتق منه.
2- نعل وهو مقلوب لعن.
3- نيل وهذا تحتوي الفاظه على اكثر حروف اللعن فهذا ايضاً من المحرمات، ومن ذلك حرم النيلي او اللون الازرق.
4- خسأ الذي هو بمعنى لعن، وبالتالي حرم التلفظ بالخس وأكله.
5- البصاق لانه يستعمل الاهانة والسب.
6- الشيطان وابليس، والتلفظ بأكثر حروف الشيطان مثل شط، شخاط، طشت، مشط.
     كان الشيخ عدي وتلامذته يلبسون الخرقة السوداء ويلجأون الى حياة الزهد في كل شيء وكانوا يرفضون أكلة لا معرفة لهم بها ويستحرمونها وهناك من يرى ان تحريم الخس واللهانة جاءت من هذا المنطلق. للشيخ عدي كتابان هما الجلوة، ومصحف رش (الكتاب الأسود) ، وان اختلف المؤرخون حول نسبة الكتاب الثاني اليه. يقول الوالي العثماني نوري مصطفى في رسالته "عبدة أبليس" ان واضع الجلوة راهب نسطوري كان قد فرّ من دير القوش، ولحق باليزيدية وصار مقدماً بين رجالهم.
     ترتكز فلسفة الشيخ عدي على قوله "لو كان الشر بغير ارادة الله لكان عاجزاً" ورأى الشيخ في روحه نفس روح طاووس ملك حين قال:
- أنا الذي جعل آدم يسكن الفردوس، ونمرود يسكن ناراً مشتعلة.
- وأنا الذي قال لي رب السماء، انت الحاكم والعادل وحاكم الأرض.
- وانا عدي الشامي بن مسافر، اعطاني الرحمن الرحيم الأسماء والعرش السماوي والكرسي والسبعة والأرض.
- في سر معرفتي لا يوجد إله غير هذه الأشياء خادمة لقوتي.
- واذا شئت ارسلته مرة اخرى ثانية وثالثة الى هذا العالم او الى غيره بتناسخ الارواح. إه.
     يقع مقام الشيخ عادي في جبل لالش شمال بلدة عين سفني، ويذكر ان صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ قام بنبش ضريح الشيخ وحرق عظامه في سنة 652 هجرية، ويذكر ايضاً بان مقام الشيخ كان ديراً للنصارى باسم دير مار يوحنان وماريشو عسيران وقد استولى عليه عام 619 هجرية او نحوها ابو المفاخر شرف الدين عدي بن ابي البركات، ولعل كان استيلاء اخر سبق هذا الاستيلاء في زمن عدي بن مسافر.
 
     يعتقد البعض بان الشيخ عدي مدفون هنك فيما يعتقد اليزيدية انفسهم بانه عرج الى السماء، واعتقاد آخر انه قتل في مراغة على يد المغول عام 619 هجرية بسبب اغتصابه الدير. ان بناء المعبد وتصميمه على نسق كنائس النصارى كما يقول القس سليمان الصائغ مؤلف كتاب (تاريخ الموصل) ، ويضيف وجود خطوط آرامية في جدرانه الداخلية وقد طليت عمداً ثم انقشع عنها الطلاء وبرزت من تحته الحروف، ومما يجعلنا نصدق ما كتب وجود نساء في خدمة المرقد يأبون الزواج على طريقة الرهبنة المسيحية، وهناك رجل بإسم بابا جاويش (يقابل القس الكلداني) لا يتزوج أبداً.
تتمة
nabeeldamman@hotmail.com
California on February 18, 2023
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×

 


17
وداعاً ألبرت اسحاق شعيا ديزا
نبيل يونس دمان
 
صديق الدراسة في ثانوية القوش، عرفته حاملاً فكراً نيّراً وظل أميناً على تلك الافكار والمُثل لعشرات السنين اللاحقة رغم صعوبة الظروف وحتى الرمق الأخير وفي بلدته التي ولد فيها ولم يغادرها حتى النهاية.
له عائلة طيبة متمسكة بذات القيم والطيبة التي عرف بها، متكونة من زوجة اصيلة جارة لنا في شارعنا، واولاد رائعين وفي مقدمتهم صديقي كارلو، لذلك انا حزين لرحيل البرت الذي كان توّاقاً في استقبالي كلما طاف بي الهيام وزرت بلدتي الحبيبة.
لم ينساني وظل يتذكر احاديثنا الجميلة وحتى اغانينا ايام الدراسة ومعنا مجموعة منسجمة من الزملاء. في فترة صعبة مررنا بها بعد اشتداد ملاحقة التقدميين بعد عام 1978 كنت اتنقل بين دهوك مقر عملي في الطرق والجسور والقوش بلدتي التي لم يرق لي العيش بعيداً عنها، كنت التقي البير ( كما يحلوا لي مناداته) وهو عائد من موقع عمله في حقل دواجن قضاء سميل، فيصعد سيارتي الخاصة بالدائرة ويجلس معي، وكان من القلائل الذين كنت أثق به، فأبوح بمعاناتي من النظام الحاكم، ولم تهزه او تحيده مرارة تلك الايام وظلينا نشكوا لبعضنا الظلم والظلام الذي يعيشه العراق. بقينا على ذلك المنوال حتى عام 1982 حيث آن أوان التحاقي بالحركة المسلحة في شمال العراق.
بعد زوال النظام الكتاتوري إفتح الافق امامي لزيارة القوش وظلت صحبة البرت أثيرة على قلبي وحتى اخر زيارة كنا نلتقيه في طريق الدير وهو يمارس رياضة التمشي وكان بصره قد قلّ كثيراً بسبب الامراض التي داهمته، فيسأل من معي ان كان يعرفني فينظر الى الاعلى ويقول ليسمعني شيئاً وما ان انطق باسمه حتى يهتف فرحاً بلقائي وعناقي  والترحيب الحار.
نم يا صديقي قرير العين فانت ذاهب لملاقاة اصدقائنا هناك: الشهيد هرمز يوسف بوكا، نبيل ميا اسمرو، حنا عيسى يلدكو وغيرهم. رحمة الله عليك البير ولروحك السلام الأبدي.
 
صورة للفقيد (الثاني من اليسار) صوّرتها مع اصدقائنا في طريق الدير قبل عدة اشهر

19
الشهيد الخالد أونير بطرس اسطيفانا
نبيل يونس دمان
بمناسبة 14 شباط يوم الشهيد الوطني:
 
أبصر اونير النور في القوش عام 1954 وفي كنف بيت اسطيفانا المعروف بوجاهته وفي بأس وشكيمة ابنائه، انه من اوائل بيوتات القوش التي دخلتها الافكار التقدمية منذ الاربعينات في شخص يوسف حنا اسطيفانا، وبعده مباشرة ابناءه سالم وسعيد. اما والده بطرس جبرائيل فقد عرفته خياطاً ماهراً في السوق، منكباً في عمله بصبر وتواصل، يمتاز بالتفكير السليم، وهو مرجع الاستشارة في هموم البلدة، واصبح لذلك السبب مختارا لمحلة سينا في الستينات، كان مثقفا بمقياس جيله، ومتكلماً جيدا في امور الدين وفي السياسة، وحسب علمي لم يسبقه احد في البلدة في تسمية ولده الصغير( اونير) لكن يقينا سيتسمى العديد من مواليدها باسم الشهيد الذي ضرب المثل في النضال المتفاني، وفي الاستشهاد في سبيل القيم والاهداف النبيلة.

     قضى اونير طفولته في بلدة ابائه واجداده، فتشبع من منابع البطولة والإباء، واختزن ذلك في سنوات عمله في بغداد، كعامل على آلة الخراطة (التورنة) حتى حلت فترة سوداء من تاريخ العراق في نهاية السبعينات، عندما اغتصب صدام حسين السلطة. في تلك الفترة اشتد اضطهاد حملة الافكار التقدمية من امثال اونير، فرجع الى القوش وعمل في قطاع المقاولات في الموصل مع قريبه صدّيق موسى رئيس، ولم يستمر في عمله طويلا، حتى تزايدت الضغوطات عليه فتلمس طريقه في بداية الثمانينات، الى احضان الحركة المسلحة المنطلقة من كردستان. فكان موضع ثقة رفاقه منذ وصوله مواقعهم، لم يدم الحال، حتى كلف باصعب المهام المتعلقة في التنظيم الداخلي، واعادة الصلة بالمنقطعين، وتسهيل ايصال الملتحقين الجدد، وايصال الادبيات الى الجماهير، فكان تواجده في سهل نينوى وفي تماس شبه يومي مع السلطة وعملائها، وفي عدة مرات اصطدم بكمائنها واستبسل في القتال بسلاحه الآلي ونجا بنفسه من مهالك لا تحصر. وفي احدى مرات تواجده في البلدة، خرج في عز النهار بكامل عدته القتالية بما فيها الرمانات اليدوية، امام انظار الناس وفي تحد واضح للسلطة، ارتقي جبل بلدته حتى بلغ مواقع رفاقه.

     ضرب اونير المثل في الشجاعة في اداء واجباته، كان دائما يقول انه ماض في طريقه حتى النهاية ومهما كانت النتائج، يقضي اياما في القصبات والقرى مختفيا او متنكرا من اعين مرتزقة السلطة المتزايد عددهم في تلك الايام. في احيان كثيرة كان يغادر على عجل ليبحث بمفرده عن موقع آمن في العراء او في الكهوف الجبلية المحيطة، لا يقيه بردها وحرّها، سوى ايمانه بحتمية زوال الظلم، وانتصار قضيته الوطنية التي تحمل من اجلها القهر والحرمان. واصل نضاله سنوات عدة، ونظرا للدور البارز الذي كان يقوم به، اقدمت السلطة على اعتقال واضطهاد افراد عائلته، ثم اخرجتهم من بيتهم المبني على الطراز القديم، وازالته من على سطح الارض باستخدام الجرافات، وذلك في عام 1987.

     في ليلة حالكة السواد وفاصلة من حياة هذا الشاب، وفيما هو يقضي احدى مهامه في مسقط راسه وبمكيدة محكمة من السلطة وعملائها، دوهمت الدار التي كان فيها، فجرى اعتقاله من قبل جلاوزة الدكتاتورية المقبورة، وضاع كل اثر له منذ تلك الليلة من عام 1988، ليمضي في طريق الشهداء، وليسطع اسمه في سجلهم الخالد.
     سيبقى اسم اونير بطرس اسطيفانا( عامل) نيّراً في قلوب عشاق الحرية، وبناة الوطن السعيد.

 

20
من حكايا القوش الشعبية
نبيل يونس دمان

أطلال قرية ماكنان
يقول الراوي:     
     في اواسط الاربعينات من القرن الماضي ، كنت اتردد على بيت اختي المتزوجة من رجل آثوري في قرية (ماكنن) التي تقع جنوب شرقي القوش بمسافة 12 كيلومتر . في ذلك الريف الجميل وانا الشاب المقبل على الحياة ووسط مجموعة اشورية متماسكة اشتهر منهم كَليث شماشا كنو ابان احداث 1933 الدامية ، هناك انصب ولعي واهتمامي في تربية كلبة صغيرة سميتها (كَرجي) . بمرور الايام كبرت گرجي وانا اطعمها واشربها الحليب الطازج من قطعان القرية ، كل شيء مضى بهدوء ورتابة وانا اقطع الطريق الترابي الممتد بين القوش- ماكنن بين فترة واخرى ، تاسرني المناظر الخلابة والحقول الزراعية الممتدة على مرآى العين حتى تلتحم بالجبل.

     في احد الايام وانا في الطريق الى ماكنن ممتطيا حماري و معي كلبتي (كَرجي) ، ثارت بوجوهنا عاصفة من الغبار ، انجلت عن مرور قطيع كبير من الاغنام العائدة الى دير السيدة حافظة الزروع ، بقيادة راعٍ اسمه (بولص ميخو) المعقوف الشاربين وعلى كتفه بندقية (برنو) الشهيرة آنذاك . وكان يسير مع القطيع فصيل من كلاب الدير (الذكور) تقودهم انثى ضخمة الجسم قوية ومعروفة في المنطقة بشراستها ، ومن المعلوم ان الدير يهتم كثيرا بكلابه لحراسة املاكه ليلا ونهارا من اللصوص والعابثين . وعلى حين غرة ، اشتبكت (كَرجي) مع كلبة الدير في عراك شديد و الكلاب تراقب المشهد دون ان تتدخل فيما انا المرتجف خوفا اضغط على جانبي حماري الذي تسمر في مكانه ، وبعد فترة استطاعت كرجي ان تمسك غريمتها بقوة من عنقها لتتركها جثة هامدة ؛ . اثار ذلك الراعي فتناول بندقيته وهو يصوّبها باتجاه (كَرجي) ، وفجاة تملكتني الجراة فصرخت باعلى صوتي ان لا يقتلها ، فاجابني بانفعال كيف لا وانها قتلت كلبة الدير ؟ . قلت له يا عم ” ان جنس الكلاب يختلف على امور نجهلها وتتقاتل فيما بينها والنتيجة كما شاهدت موت احداها ” ، واردفت ايضا ” انها المصادفة التي قادت الى تلك النتيجة وانا لم اكن اتمنى ما حصل ” . ولكن الراعي بولص اصر ان يقتل (كَرجي) ، هنا قلت له ” انا صغير السن لا اقوى على منعك ولكن لي اهل تعرفهم جيدا وسابلغهم بما يحصل والنتيجة لن تكون في صالحك ” . هنا تراجع الرجل على مضض وسمح لي بالمرور بسلام الى (ماكنن) .

     في تلك الفترة ايضا قتل خمسة مسلحين اكراد في اعلى وادي الدير ، نتيجة صراع عشائري معروف في تلك المنطقة بين قبيلتي الشيخ نوري والحاج ملو المزوريتين . جلبت جثثهم اولا الى مركز شرطة القوش ، ومن ثم الى الموصل للتشريح . كان الضحايا من جماعة الشيخ ، وفي تلك الفترة ايضا كان مامور مركز القوش موصليا يدعى (انيس كشموله) . اعتقد رجال الشيخ بان الضابط المذكور لم يفعل اللازم في تعقب القتلة ، ولذلك قرروا اغتياله ، فارسلوا مجموعة مسلحة في عتمة الليل الى القوش لاغتياله ، وكان يقيم في المنزل العائد الى (شعيا حكيم) في محلة اودو.

     في ذلك المساء الصيفي من اماسي القوش والناس نيام فوق السطوح ، اخذ الرجال يدورون حول المنزل بحذر وخفية شديدتين ، بهدف ايجاد منفذ اليه لتنفيذ العملية ، واذا بالكلبة (كَرجي) تقفز من سطح منخفض الى الشارع ، وتهجم بضراوة على المسلحين الذين تفاجأوا بوثوب الكلبة السريع ، وتسلقت بخفة على ظهر احدهم بهدف إمساك رقبته ، فما كان من احد اصحابه الا ان يستل خنجره ويطعنها طعنة الموت ، فسقطت على الارض لافظة انفاسها بعد ان اطلقت عويلها المحزن . صحت المحلة ومامور المركز على الجلبة التي حدثت وادركوا جميعا الخطر الذي كان محدقا ب انيس كشمولة ، وكيف ضحت الكلبة بحياتها فانقذته.     ويواصل الراوي حديثه متاسفا على فقدان كلبته (كَرجي) التي تربت على يديه ، ويقول متذكرا بكاءه الساخن عليها ، بانه لازال يتذكر تلك الحوادث بعد مرور قرابة الستين سنة عليها.
nabeeldamman@hotmail.com
California on Feb. 9, 2023
&&&&&&&&&&
&&&&&&&&
&&&&&&
&&&&

21
القوش و حكايات السلاح
نبيل يونس دمان
 

 (1)” غَنِّ إذا جاء الربيع واحك حكايا إذا جاء الشتاء ”

كانت العادة في القرى والبلدات الواقعة في الريف العراقي هي اقتناء السلاح للضرورات التي تقتضيها الحياة الريفية وتقلب الاحوال الامنية. كان الاهالي يحتتفظون بالسلاح كأعز ما يملكه الرجل بعد أسرته للدفاع عن عرضه، املاكه، بيته وغالباً ما يحمله في تنقلاته بين القرى وفي شعاب الجبال لدرء الاخطار من قطاع الطرق او من الحيوانات المتوحشة .

حامل السلاح يكون على اهبة الاستعداد لما يدور حوله ، فما ان يسمع اصوات اطلاق النار او الاستغاثة خصوصاً في الليالي المعتمة , تراه يهرع لتغيير ملابسه ويحمل سلاحه ليغادر البيت بإتجاه مصدر النار ، او يصعد على سطح منزله للتنصت ومعرفة اتجاه الرمي وعليه ان يحضر في الحال لدعم واسناد المعتدى عليه ، وبالطبع ليس الكل متساوين وبنفس الشجاعة والاندفاع , فهناك من يجترحون المآثر على ذلك السبيل وهم يعدون على اصابع اليد في جرأتهم الفائقة واقتحامهم للصعاب وبواسطتهم يكون الفخر لتلك القرية او البلدة التي ولدوا وترعرعوا فيها او انتسبوا اليها.

دخل السلاح القوش منذ فجر التاريخ وقد كان بدائياً ثم تطور مع الزمن, والى اوقات قريبة ( اكثر من مئةعام) كان شائعاً حمل السيف والترس ، فكان يعلق في الرقاب او يوضع في غمد خاص ( كفلان ) على سروج الخيل. عن السيف يقول مطلع اُغنية شعبية القوشية ” …… مُثيالن بسيبِ شليخِ، ومَقُبلانِ يريخِ ” أي اتينا بعروستنا بالسيوف المشرعة والعُصي الطويلة. ودخل القوش ايضاً الرمح الذي كان يطلق عليه محلياً( غدّارِه) ومن المعروف ان البطريرك مار حنانيشوع من بيت ابونا العريق قد قتل بالرمح على يد عمه دنحا في منافسة عائلية حادة على مركز الجاثاليق الرفيع عام 1653. وكذلك شاع استخدام الخنجر على اوسع نطاق لصغر حجمه وامكانية اخفائه وباحجام مختلفة , والخنجر انواع منه العادي والمسموم والمرصع بمعادن ثمينة وذو المقبض الخشبي والعاجي والابنوسي وهناك الى الآن شعوبا تعتز بحمله كتقليد شعبي كما في اليمن حيث يكون معقوفاً ويطلقون عليه كلمة ( جَنبي) . يقول مطلع اغنية شعبية اخرى في القوش ” آنا زيلن بدزالي, خا بسكخ هلّي طالي, تد خَذِنِّ لخَنجاري ” اي انا سأُسافر فاعطني خصلة من شعرك لكيي ألِفّها حول خَنجري , وامتع استخدام للخناجر كان في المناسبات الشعبية وحفلات الزواج حيث يرقص حاملوا الخناجر وهي مسلولة بخفة وبطريقة مثيرة للاعجاب , و طالما وقعت حوادث الطعن بالخناجر خصوصاً في الاعراس عندما تلعب الخمر في الرؤوس وكانت نادراً ما تؤدي الى الوفاة.

قبل عدة قرون شاع استخدام البنادق ( تفنكَِ) التي تعمل بطريقة الحشو، واهم انواعها ( رَشوكي) و (سندُقلي) ، فكانت تحشى بالبارود والاحجار الناعمة وخرق الملابس ، واختص عدد من البيوت في صنع البارود مثل بيت خانمي وآخر من كان يصنع البارود هو المرحوم ياقو هرمز قيا وقد كان يترك نوع من الاخشاب المسماة خليف ( خِلابا ) لفترة من الزمن حتى تتحلل تماماً ، واستخدم فيما بعد المرحوم متي هاول واخيه ميخا البارود في تعبئة الطلقلت( قوانات ) لانواع احدث من البنادق والمسدسات (دبنج) وكسريات الصيد (قرمة) وتوليا ايضاً تصليح ( يطلق على القائم بالتصليح جقماقجي) المعطوب منها . واهم تلك الانواع : كجك جابي ، قُنكَر ، قنكَر سواري ، شش خانة ، خَبر دان ، مفتلي ، روسي( من عهد القياصرة) ، سي بازل( يوناني ) ، دارجوي ، سي تيرة ( سعة ثلاثة اطلاقات ) ، بنج تيرة ( سعة خمس اطلاقات ) ، دوازده ميل ( 12 ميل ) ، ماوَزَرْ ، مَنَهير، هدية باش.

اعقبها جيل احدث من الاسلحة النارية التي تحتوي على الدرباس ومخزن الطلقات واهمها الانكليزية التي تتسع 10 طلقات ( هناك تقليد لها تسمى بولوني ) ، والبرنوالمصنوعة في المانيا وجيكسلوفاكيا والتي تتسع 5 طلقات وتكون طويلة او قصيرة او متوسطة حسب طول السبطانة وقد صنع تقليد لها في مصر سميت ( صليبِ ) واخرى في ايران سميت رقم 17 , بعد بيان الحادي عشر من آذار 1970 اطلق هتاف بالكردية يقول “برنو رقم حافديه نيشانه بيشمركَيه” اي برنو رقم 17 هي شعار الفدائي.
وانشد الالقوشيون في البرنو ” يا يمي ان كيبتّي ، برنو كريثه بزونتّي ، ورّيشد طورة مّسقتي ، وليِذ دتوما مسلمتي” اي يا امي لو تحبينني , اشترِ لي برنو قصير واصعدي بي الى قمة الجبل ، والى يد توما تسلميني. ويذكر بان اول شخص ادخل البرنو الى البلدة كان المرحوم بيبي تولا .

في فترات معينة كان السلاح يقل ويختفي من البيوت بسبب لجوء الحكومة للتفتيش عنه ومصادرته وربما يسجن صاحبه بسبب حيازته له وكانت تعطى اجازة في حمله خصوصاً لاصحاب المواشي في فترة الحكم الملكي . ومنذ الستينات من القرن المنصرم حرم حيازة السلاح خارج صفوف السلطة ، واضطر الكثير من الناس لاخفاء قطع سلاحها في اماكن خاصة واحياناً تحت الارض وغالبا ما كانت تفقد جودتها عند الحاجة اليها . وتقاس جودة البندقية بنظافة معدنها واخمسها وكذلك لولبية داخل السبطانة ( خانات ) واذا فقدت تلك الخانات يقولون متندرين بانها عجوز بدون اسنان ، وكذلك تقاس بقطر فوهة السبطانة فكلما كانت ضيقة تكون افضل.

كان الاهالي يعجبهم بخاصة في المناسبات والاعياد والمهرجانات الربيعية مثل ( شيرا الربان هرمزد) ، حمل اسلحتهم وعرض افضل ما لديهم من انواعها، ثم يتسابقون فيما بينهم في اصابة الهدف ( عمنج ) ، ويتم التصويب والرمي وسط متابعة الجمهور وتشجيعه ، وعند الاصابة يفرح الجمهور ويتهلل ويصبح اسم الشخص الذي وفق في الاصابة على كل لسان . كانت تلك من اجمل تقاليد حمل السلاح.

حمل الالقوشيون السلاح في كل زمان ، لا للاعتداء وانما للدفاع عن انفسهم ضد الاعتداءات المحتملة والتي وقعت لهم كثيراً في الماضي واستبسلوا في الدفاع عن كرامتهم واملاكهم ، فقد حملوها في تجوالهم وفي مزارعهم وطرق تجارتهم وفي طريق الرحى في ( قصرونه )(2) و ( بندواية )(3) ، وكم وقعت حوادث في تلك الطرق واقربها للذاكرة مقتل الراهب عوديشو ميخو والرجل الطيب كبو رمو في النصف الثاني من اريعينيات القرن الماضي . وكذلك حُمل السلاح للصيد، ففي وادي( نيرد ايوه)(4) مثلاً كمن العديد من اجيال الالقوشيين ليجندلو عدد غير قليل من ماعز الجبال ( نيري ) ذو القرون المتشعبة الذي يصعب اصطياده لنباهته وخفته , وهناك من علق قرونها في داخل بيته او على باب او سطح داره ومنهم بتي القس يونان. في مطلع الاربعينات من القرن الماضي اصطاد موسى شمعون طعان ضبعاً بطريقة لا تخلوا من الجرأة ، فقد دخل عارِ في كهف ينزوي فيه ومعلوم ان الحيوانات المتوحشة تخشى الانسان العاري ولا تهاجمه فانحسر في زاوية مظلمة والصياد لا يميز سوى شعاع النور من عينيه فأطلق النار عليه ليرديه ويسحبه الى الخارج ثم البيت وليحنطه ويعرضه في الساحة عند مركز الشرطة ( قصيلة دبي رابي اوراها ) ليستمتع بمنظرها الناس وخصوصاً الاطفال الذين تأسرهم مناظر الحيوانات المتوحشة كالضباع (هَفتارِ) .
وكذلك اجتهد حبيب شمعون طعان في استنباط فكرة في مزرعته ب( بيكلبا)(5) لصيد الحيوانات البرية كالغزلان والثعالب والارانب وغيرها بطريقة مثيرة وذلك باخفاء البندقية بين الحشائش وتصويبها تجاه الحيوان ،فما ان ياتي لشرب الماء من مكان إعتاد عليه حتى يجد ضلفه قد دعس خشبة مخفية ومشدودة بخيط متين الى زناد البندقية فتنطلق الرصاصة ويسقط الصيد في حوزة الصياد حتى لو لم يكن متواجداً هناك .

كان ابناء القوش يعتزون بسلاحهم ويتباهون به وياخذون الصور الفوتوغرافية وهم مدججون بالسلاح ، حتى ان قسماً منهم يرسمون الاسلحة على شواهد قبورهم . وبهذه المناسبة ادرج ما رواه لي المرحوم يلدا ( الملقب كلندو) بوداغ من حكاية طريفة بهذا الخصوص لتكون خاتمة هذا الموضوع فيقول :
” عصر احد الايام حدث اطلاق النار في الطرف الآخر للبلدة ، في ذلك الوقت كان اخي الكبير(الملقب تاسو) مسؤولاً عن بندقية البيت ، وقد قمت باستغلال غيابه في حمل البندقية واحزمتها الصفراء الجميلة والاسراع الى مكان الحادث ، وعند رجوعي كان اخي يعترض طريقي وامام مرآى من الناس استرد البندقية بعصبية وصفعني ، فقلت لابأس لا بأس، فالشابات الجميلات قد امتعن ناظرهن بقوامي وانا اعدو مطلقاً رصاصاتي في الهواء ، مما زادني تألقاً وفرحاً ” .
الهوامش :
(1) من كتاب ” داغستان بلدي ” , رسول حمزة تساداتسا .
(2) قرية تقع غرب القوش , كانت فيها رحى تابعة الى دير الربان هرمزد.
(3) قرية تقع غرب القوش ايضاً , هُجّر اهلها جوراً عام 1975 .
(4) وادي يقع غرب دير الربان هرمزد.
(5) أطلال قرية تاريخية في جنوب القوش.
 
صورة فوتوغرافية عمرها نصف قرن


المناسبة : حفلة زواج رحيم ديكو حيدو.
المكان : فوق سطح منزل حنا بدي في محلة التحتاني – القوش.
الخط الامامي من اليمين الى اليسار : ابراهيم جبو لاوو ، الاستاذ حنا بتي الصفار، القس افرام بدي ( مطران القاهرة فيما بعد) ، رحيم ديكو حيدو ، بطرس سليمان كَولا .
خط الوسط من اليمين الى اليسار : هرمز صادق خوبير ، عيسى موما بوداغ ، زورا بتوزا كَولا ، اسطيفو مالان .
الخط الاخير من اليمين الى اليسار : سعيد زورا جبو لاوو ، متي سليمان كتي خان ، سعيد حناني غزالة .
والواقفون على السطح المجاور : من اليسار متوكا حيدو ، يوسب _____ ,_____ .

nabeeldamman@hotmail.com


22
في باعوثا نينوى الشهيرة
نبيل يونس دمان
     في باعوثا نينوى كان اول من جدد صيامها في العصر الحديث هو البطريرك مار يوسف السادس اودو (1790- 1878) . من خلال هذا النص الشعري الذي الفه الشماس اسحق مقدسي عام 1872، عندما غرق اثنان من شباب القوش هما: ميّا رئيس وخرسا شوشاني في وادي الكنود بين قريتي الشرفية وتلسقف.
مطلع القصيدة:
بيشوع مشيحا محيانا يا آلاها مرحمانا
بآيا شاتا مشيحيثا دألپا وتمانيئما گو شوئي وتتي بمنيانا
بأو يوما دشپثا ومطرا وتلكا وپوخا زربانا بطريركا مپقلي پگدانا
تد آريلا بئوثا أشتا يومي بمنيانا
&&&&&&&&&&
ܒܝܼܫܘܥ ܡܫܝܼܚܵܐ ܡܲܚܝܵܢܵܐ ܝܵܐ ܐܵܠܵܗܵܐ ܡܪܲܚܡܵܢܵܐ ܒܐܵܝܵܐ ܫܲܢ݇ܬܵܐ
ܡܫܝܝܼܚܲܝܬܵܐ ܕܐܲܠܦܵܐ ܘܬܡܲܢܝܵܐܸܡܹܐ ܓܘ ܫܘܐܹܝ ܘܬܸܬܹܝ ܒܡܸܢܝܵܢܵܐ
ܒܐܵܘ ܝܲܘܡܵܐ ܕܫܵܒܬܼܵܐ ܕܡܸܛܪܵܐ ܘܬܲܠܓܵܐ ܙܲܪܒܵܢܵܐ ܕܦܲܛܸܪܝܲܪܟܵܐ
ܡܘܦܸܩܠܹܐ ܦܘܿܓܕܵܢܵܐ ܬܲܕܐܵܪܹܠܵܐ ܒܵܥܘܼܬܼܵܐ ܐܸܫܬܵܐ ܝܘܿܡܹ̈ܐ ܒܡܸܢܝܵܢܵܐ
&&&&&&&&&&
بيسوع المسيح المحيّي ايها الرب الرحيم
في تلك السنة المسيحية الف وثمانمائة واثنتين وسبعين بالعد
في ذلك اليوم السبت والمطر والثلج والرياح الشديدة، البطريرك
سنّ قانونا ان يكون صيام باعوثا ستة ايام بالعد.
&&&&&&&&&&
30 كانون الثاني 2023
 
 

23
المنبر الحر / رحلة سكماني
« في: 19:23 01/02/2023  »
رحلة سكماني
بقلم: صباح جيجو رئيس
 
     مسار رحلة البطريرك يوسف السادس اودو بطريرك الكلدان، عند سفره من الموصل الى روما لحضور المجمع الفاتيكاني الاول. بدايته 8 ديسمبر (ك1) 1869، ونهايته 20 اكتوبر (ت1) 1870. هذه المعلومات من كتاب "رحلة سكماني" الذي ألفه اسحق سكماني وحققه "بنيامين حداد" وطبع في بغداد سنة 2003 ، الشماس اسحق سكماني (1830- 1915) من القوش، اختاره البطريرك يوسف السادس اودو لمرافقته في رحلته الى روما لحضور المجمع الفاتيكاني المسكوني الاول سنة 1869 لثقافته وتعدد لغاته.
     وكان ضمن الوفد رئيس كهنة القوش الخوري متي رئيس (1813- 1912) ، دوّن الشماس اسحق سكماني وقائع رحلتهم بخط يده باللغة العربية في 221 صفحة من يوم خروجهم من بلدة القوش بواسطة القوافل في 16 سبتمبر (ايلول) سنة 1869 الى يوم دخولهم روما في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1869 مع التفاصيل الكاملة لرحلة العودة، حيث استغرقت رحلة الذهاب 71 يوماً. واستغرقت رحلة الذهاب والبقاء في روما والأياب سنتان وثلاثة أشهر.
     في 28 آب (أغسطس) غادر البطريرك ومن معه روما ووصلوا الموصل صباح يوم الخميس 29 نوفمبر 1870 حيث استغرقت رحلة الرجوع 90 يوماً بسبب الزيارات في بعض الدول اثناء العودة. وفي طريق العودة زار النمسا وحظي بمقابلة امبراطورها، ومر بهنكاريا وبلغاريا واسطنبول وقابل السلطان العثماني عبد العزيز في تشرين الاول 1870.
     البطريرك مار يوسف اودو ولد في القوش سنة 1790، واصبح بطريركاً من سنة 1847 الى وفاته سنة 1978، وهو من من البطاركة المشهورين في كنيسة المشرق.
(1) مسار الرحلة من الموصل الى روما (عند الذهاب) :
موصل، القوش نصيبين، ماردين، ديار بكر، حلب، اسكندرونة، قبرص، رودس، أزمير، كوفو، برنديزي، روما. هذه المدن في العراق، تركيا، سوريا، جزيرة يونانية، ايطاليا.
(2) مسار الرحلة من روما الى الموصل (عند الرجوع) :
أنكونا، بولونا، فينا، بودابست، صوفيا، اسطنبول، أزمير، اسكندرية، طنطا، بنها، القاهرة، بورسعيد، يافا، بيروت، طرابلس، اسكندرونة، حلب، ماردين، نصيبين، الموصل.
هذه المدن في ايطاليا، نمسا، مجر، بلغاريا، تركيا، مصر، لبنان، فلسطسن، سوريا.
ملاحظة:
كتاب (رحلة سكماني) لم يكن معروفاً الى نهاية القرن الماضي عندما جلبه المطران يوسف توماس واعطاه الى ايليا سكماني، حيث والمطران يوسف توماس عندما كان في البصرة وجده في مكتبة كنيسة البصرة التي كان القس جبرائيل حنينا كاهناً فيها، والاحتمال ان القس جبرائيل كان قد اخذه من صاحبه وبقى عنده في كنيسة البصرة.
كانون الثاني/ 2023
 


24
زمرتا دعهدا دنويا ناحوم القوشايا
من اوراق الشماس يلدا ابونا
(10)

إعداد/ نبيل يونس دمان
ܙܡܝܪܬܐ ܕܥܐܕܐ
ܕܢܒܼܝܵܐ ܢܚܘܡ ܐܠܩܘܫܵܝܵܐ
ܥܘܢܵܝܵܐ:
ܗܲܠܘܼܠܘܼ ܡܘܫܹܐ ܘܢܵܚܘܡ ܘ̄ܨܵܪܵܐ ܘܐܹܠܝܵܐ
ܗܲܠܘܼܠܘܼ ܡܘܫܹܐ ܘܢܵܚܘܡ ܘ̄ܨܵܪܵܐ ܘܐܹܠܝܵܐ
ܒܵܬ̈ܐ
-ܐ-
ܗܲܠܘܼܠܘܼ ܡܘܫܹܐ ܘܗܪܘܢ ܟܗܢܵܐ ܘܐܹܠܝܵܐ
ܘܨܵܪܵܐ ܚ̣ܵܬܼܵܐ ܕܢܵܚܘܡܐ ܐܠܩܘܫܢܵܝܵܐ ܢܒܼܝܼܵܐ
-ܒ-
ܡܲܪܝܲܡ ܚܿܵܬܼܵܐ ܕܗܵܪܘܢ ܒܟܲܡܲܢܓ݂ܵܐ ܒܸܡܚ̇ܵܝܵܐ
ܕܟܸܡ ܚ̇ܵܠܸܨܠܵܐ ܡܼܢ ܐܸܕܼܵܐ ܕܡܨܪܵܝܵܐ
-ܓ-
ܝܼܫܘܿܥ ܒܪܢܘܢ ܕܡܘܟܠܹܠܹܐ ܠܫܡܫܵܐ ܡܓܢܵܝܵܐ
ܘܓܼܠܒܠܹܐ ܠܚܲܡܫܵܐ ܡܲܠܟܹ̈ܐ ܒܩܪܵܒܼܵܐ ܐ̄ܚ̄ܲܪܵܝܵܐ
-ܕ-
ܐܸܣܬܸܪ ܕܡܥܘܠܩܠܵܐ ܠܗܵܡܲܢ ܪܸܫ ܩܝܼܣܵܐ ܥܠܵܝܵܐ
ܐܵܘܵܐ ܕܗ̈ܘܹܗ̄ܘܵܐ ܡܕܒܪܵܢܵܐ ܕܥܲܡܵܐ ܦܲܪܣܵܝܵܐ
-ܗ-
ܝܗܘܼܕܝܼܬܼ ܩܛܸܠܵܐ ܠܪܲܒ ܚܿܝܠܵܐ ܐܵܬܼܘܿܪܵܝܵܐ
ܒܡܸܫܬܘܼܬܼܵܐ ܩܛܝܠܵܐ ܪܹܫܹܐ ܒܣܹܦܵܐ ܫܘܠܟܼܵܝܵܐ
-ܘ-
ܦܩܘܿܕ ܕܵܘܹܝܕܼ ܦܩܘܿܕ ܕܵܘܹܝܕܼ ܠܪܲܒ ܚ݁ܝܠܵܐ ܒܸܪ ܕܨܘܿܪܝܵܐ
ܬܕ ܐܵܬܼܹܐ ܡܟ̇ܵܠܨܠܵܐ ܫܲܪܹܐ ܝܠܵܐ ܕܪܩܘܒܼܠ ܡܵܪܝܵܐ
-ܙ-
ܒܙܲܒܼܢܵܐ ܕܢܲܒܼܟܲܕܢܵܨܲܪ ܡܠܟܵܐ ܐܵܬܼܘܿܪܵܝܵܐ
ܥܒܼܝܼܠܹܐ ܫܲܪܹܐ ܘܓ̣ܠܒܠܹܐ ܠܐܸܘܿ ܥܲܡܵܐ ܥܒܼܪܵܝܵܐ
-ܚ-
ܘܡܝܼܘܣܹܪܹܐ ܠܢܒܼܝܹ̈ܐ ܒܓܘ ܐܲܬܼܪܵܐ ܟܠܕܵܝܵܐ
ܘܐܲܠܩܘܼܢ ܒܵܒܵܐ ܕܢܵܚܘܡ ܐܠܩܘܫܢܵܝܵܐ
-ܛ-
ܡܢܘܒܹܠܹܐ ܠܸܚܿܪܒܼܬܵܐ ܕܡܕܼܝܹܢ̄ܬܵܐ ܕܢܝܼܢܘܵܝܵܐ
ܠܐܸܘܿ ܟܘܤܸܫ ܚ̇ܝܠܵܢܵܐ ܐܸܘ ܡܲܠܟܵܐ ܦܲܪܣܵܝܵܐ
-ܝ-
ܪܩܘܕܘܼ ܒܠܒܵܐ ܨܦܝܵܐ ܪܩܘܕܘܼ ܒܠܒܵܐ ܨܦܝܵܐ
ܡ̤ܟ ܕܵܘܝܼܬܼ ܕܪܩܕ ܠܹܐ ܩܲܕܡ ܩܹܒܼܝܬܼܹܐ ܕܡܵܪܝܵܐ
܀܀܀
ܝܼܘ ܐܲܒܹܒܲܪ ܕܨܘܿܪܝܼܵܐ: ܪܲܒ ܚ̇ܝܠܵܐ ܒܡܲܠܟܘܬܼܹܐ ܕܕܵܘܝܬܼ.
ܐܲܠܦܼܪܵܐ: ܪܲܒ ܚ̇ܝܷܠܵܐ ܐܵܬܼܘܪܵܝܵܐ.
عونايا:
هلولو موشي وناحوم وصارا وأيليا
هلولو موشي وناحوم وصارا وأيليا
باتي:
ألب
هلولو موشي وهارون كهنا وأيليا
وصارا خاثه دناحوم القوشنايا نويا
بيث
مريم خاثه دهارون بكمنجا بمخايا
دكِم خالصلا مريا من ايذه دمصرايا
كمل
يشوع بربنون دمكليلي لشمشا مكنايا
وغلبلي لخمشا ملكي بقراوا خرايا
دلث
إستِر معولقلا لهامن رِش قيسا علايا
آوا دويوا مدبرانا دعمّا بَرسايا
هي
يهوديث قطيلّا لرَب خيلا آثورايا
بمشتوثا قطيلا ريشح بسيبا شلخايا
واو
بقود داويث بقود داويث لرَب خيلا بِرد صورايا
تد آثي مخاصلان شري ايلا درقل مريا
زين
بزونا دنبوخدنصّر ملكا آثورايا
عوذلي شرّي وغلبلي لأو عمّا عورايا
حيث
وميوسيري لِنوِيّي كو أثرا كلذايا
والقون بابا دناحوم نويّا القوشانايا
طيث
منوبيلي لِخروتا دِمذيتا دنِنوايا
لأو كورش خيلانا أو ملكا برسايا
يوذ
رقودو بلِبّا صبيا رقودو بلبا صِبيا
مخ داويث درقذلي قدِم قيويثي دمريا
&&&
يو آبي بَر صوريّا: رب خيلا دملكوثي دداويث
الفارا: رب خيلا اثورايا.
الترجمة العربية
اغنية العهد
للنبي ناحوم الألقوشي
مطلع القصيدة
هلّلو موشي وناحوم وصارا وأيليا
هلّلو موشي وناحوم وساره وأيليا
أ
هلّلو موشي وهارون الكاهن وايليا
وساره اخت النبي ناحوم الألقوشي
ب
مريم اخت هارون تعزف بالكمنجة
التي خلصها الرب من ايدي المصريين
ج
ايشوع برنون الذي اوقف الشمس من المغيب
وانتصر على خمسة ملوك .... الأخير   
د
إستير علقت هامان على خشب عالي
ذلك الذي كان مدبرا للشعب الفارسي
ه
يهوديت قتلت قائد الجند الآشوري
بعد ان اسكرته وقطعت رأسه بسيف منتضى
و
تقدم داود تقدم داود للقائد ابن صوريا
حتى ياتي ليخلصنا فالمعركة ضد الرب
ز
في زمن نبوخذنصر الملك الاشوري
دخل حرباً وانتصر لذلك الشعب العبري
-ح-
واسر لأنبياء في بلاد الكلدانيين
والقون والد ناحوم النبي الألقوشي
-ط-
تنبأ بخراب مدينة نينوى
ذلك كورش الجبار ملك الفرس
-ي-
ارقصوا في قلب صافي اررقصوا بقلب صافي
مثل داود الذي رقص امام تابوت العهد
&&&
يو آب برد صوريا: قائد جند مملكة داود
الفرا، قائد جند آشوري
California on January 25, 2023
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×
 
 

25
نموذج من مسلسل هجرة ابائنا واجدادنا
حكاري- القوش- موصل- بغداد- اميركا
نبيل يونس دمان
 
الصورة في الموصل ثلاثينات القرن المنصرم اي قبل حوالي 90 سنة وفيها من اليمين: المرحوم يوسف (حسقيال) توما دمان من مواليد 1907، المرحوم ياقو توما دمان من مواليد 1900، المرحوم يلدا توما دمان المولود 1912.
في فترة الحرب العالمية الاولى ترك الوالدان توما بطرس دمان وزوجته بلدة القوش هرباً من المجاعة والغلاء الفاحش ونير الحكم العثماني في فترته المسماة (دولة الرجل المريض) ، ومعهم اولادهم الصغار وعددهم سبعة اكبرهم كان المرحوم ياقو وهو من مواليد القوش 1900 وفي الطريق مات ثلاثة منهم وبقوا اربعة هم ياقو ويوسف ويلدا والياس، اما الياس فقد توفي في تلكيف وعمره 8 سنوات. واصل الوالدان مع الثلاثة الباقين نزوحهم الى مدينة الموصل ليستقروا فيها حتى فترة ما بعد 14 تموز 1958، عند قبولي طالبا في الجامعة عام 1970 زرت العم ياقو في بيته في الموصل الجديدة، وبعد فترة باع البيت واستقر في بغداد الى جانب اخوانه يوسف ويلدا وعوائلهم واولادهم. ثم هاجر تسلسل تلك الأسر الى اميركا وكندا بعد تردي الاوضاع في العراق في العقود الاربعة الماضية، رحم الله المتوفين ومد بحياة الباقين فرعاً عزيزاً من بيت دمان الألقوشي الذي أصله من منطقة ( اشيثا- حكاري) في جنوب شرق تركيا.
nabeeldamman@hotmail.com
California on January 24, 2023
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×





26
قراءة كتاب (أيفين) .. حفر في الذاكرة
للمؤلف جورج منصور
نبيل يونس دمان
   

     الكتاب صادر عن دار أهوار ودار الرواق للنشر والتوزيع في بغداد، كتاب لا تمل من قراءته رابطاً تاريخ العائلة مع السيرة الذاتية للكاتب والصحفي والوزير السابق في حكومة اقليم كردستان جورح يوسف منصور، بعنوان (إيفين.. حفرٌ في الذاكرة). راجعه سؤدد المفتي وكتب مقدمته الكاتب زهير الجزائري ثم كتب الاديبان علي بدر وابراهيم احمد عمودين في غلافه الاخير. صدر الكتاب بفصلين وعدد صفحاته 384 صفحة من القطع المتوسط مع ملحق جميل للصور.
     والكتاب سفر خالد في حياة مناضل عراقي من بلدة عنكاوا الثابتة في ارض حدياب على ضواحي مدينة الآلهة الأربعة اربيل، وقد قذفته اهوال الحياة وتعقيداتها الى اتون مصاعب شتى حيث تعرض للموت في اكثر من مكان سواء في العراق او في الجارة ايران.
     استمتعت وأيما استمتاع في فصل حياة الوالد ومجيئه للإنخراط في الرهبنة الهرمزدية في اعلى جبل القوش، وكذلك تابعت بجد مسار زورق المؤلف في خضم الحياة: من العراق الى موسكو ثم عودة بعد التخرج الى الوطن حاملاً السلاح بوجه الدكتاتورية، ثم ايران وتعرضه للاعتقال ولكن توفق في التعرف على فتاة اشورية رائعة من طهران لتصبح زوجته وام اولاده ريناد ورامي، ثم اتجه الزورق صوب الاتحاد السوفيتي السابق ومنه الى دمشق ثم كندا التي اصبحت مستقره والعائلة حتى يومنا هذا.
     كان من الأوائل الذي هبّ للعودة وتحمل المسؤوليات في العراق، بعد تحرره من الدكتاتورية التي كانت جاثمة على صدور العراقيين لعقود من السنين، ايضا في معمعان العمل في بغداد واربيل إجتاز امتحانات قاسية تناولها الكتاب باسهاب، مثلاً في بغداد عند انفجار الفندق الذي كان يقيم فيه كاد ان يخسر حياته.
     ثم رجع مرة ثانية الى بلده الثاني كندا الذي احتضنه ومنحه جنسيته ورعى ابداعاته ومقدرته الكبيرة في الترجمة من عدة لغات يجيدها. في خريف عمره يقضي ايامه في متابعة الاخبار ويساهم في وسائل التواصل الاجتماعي بنشاط، ويسافر كثيراً مرفهاً عن نفسه وعائلته، وينشر ما يبهج القارئ من التحصيلات العلمية والتاريخية التي بلغها ابنه ريناد واخيه المهندس رامي حفظ الله تلك الاسرة الصغيرة المتميزة ورعاها.
     نتوسم في هذا الأرث الخالد ان يتواصل في اجياله، ويبقى مرتبطاً بالجذور والعودة الى مسقط الرأس عنكاوا البلدة الحية التي تمتلك رصيداً ممتازاً قياساً بغيرها من الكفاءات العلمية والشهادات الأكاديمية. مبروك صدور كتابك صديقي جورج يوسف منصور والى نتاجات اخرى في المستقبل وفي جعبتك الكثير من السهام.
nabeedamman@hotmail.com
California on January 18, 2023
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×

27
تفسير العبارة التي يتناولها ابناء القوش الى يومنا هذا، تعبيرا عن قساوة رؤساء البيت الأبوي
من اوراق الشماس بلدا ابونا
(7)
إعداد/ نبيل يونس دمان
كأخلي وكشقلي حق دْكَكَي
اي يأكلون ويأخذون حق اسنانهم
     يقال يوماً ما كان احد وجهاء هذه العشيرة اسمه كوريال الشقيق الاكبر للبطريرك مار يوحنان هرمزد ابونا، والحادثة كانت في ايام البطريرك ايشوعياب مار ايليا الثاني عشر الذي خدم الكرسي البطريركي من 1778- 1803 للميلاد، فكان كوريال ماراً في احدى ساحات القوش، فسمع كلمات الشتم واللعن للبيت الابوي من احد افراد الرجال الجالسين في تلك الساحة لتداول الحديث فيما بينهم، ولم يصغ له اذناً، فعند رجوع كوريال من ذلك الطريق ناشد ذلك الرجل قائلاً له اليوم ساكون عندكم في البيت ضيفاً، فعندما وصل كوريال الى دار ذلك الرجل قوبل بالحفاوة والتقدير، وبعد مكوثه وانتهائه من تناول العشاء، قال لذلك الرجل خذ هذه بساطك واحملها معي للبيت فلفّها وعندما وصلا البيت قال لع ضع هذه البساط هنا واذهب الى بيتك بسلام.
فقال ذلك الرجل لم افهم ما الذي تعني به، فاجابه كوريال هذه البساط اخذتها بالمقابل حين تعبت اسناني اثناء الاكل في بيتكم، وعندما همّ ذلك الرجل بالرحيل، ناداه قائلاً: هل تعلم انني اتمكن ان آخذ منك ليس فقط بساطك فحسب وانما جميع اموالك، فقال له، يا بني اعطيتك درساً بان لا تشتم وتلعن المرء غيابياً، فان كان احد من ابناءنا لهذه العشيرة قد اساءك فخبرني لآخذ منه صاعٍ بصاعين، فخذ بساطك واذهب بسلام܀
حكمة
من اوراق الشماس يلدا ابونا
(8)
إعداد/ نبيل يونس دمان
     يقال ذات يوم احد الاشخاص الذي سطح داره بجوار دار عمنا متي (متايا) ذهب عندهم لقضاء حاجته وما ان وصل الى باب عمنا متي فللحال واجهه كلبٌ فعضّه، فعليه ذهب واشتكى لدى الجاويش التركي فجيء بعم متي وقال الجاويش له يجب ان تدفع لهذا الرجل ما يصرفه للاطباء والمعالجة، واجرته اليومية الى ان يشفى.
     ولكن العم حنيكا كما قلنا كان مترجماً عند الجاويش فطلب من الجاويش ان يسأل ذلك الشخص من اين ذهب الى الدار، فقال تسربت من عند السطح، فقال حنيكا ان الذي يأتي من السطح فهو سارق، فحينئذ خرج ذلك الرجل من المحكمة ولم يحصل على قرش واحد܀
 
الشماس يلدا ابونا
 

 
nabeeldamman@hotmail.com
California on December 30, 2022
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×






28
لوحة تخطيطية
من اوراق الشماس بلدا ابونا
(9)
إعداد/ نبيل يونس دمان
 

ܐܠܩܘܫ
ܐܠܩܘܫ ܫܡܵܗܿ ܬܟܼܝܪܵܐ ܒܓܘ ܬܵܪܝܼܟ̣ ܩܕܡܵܝܵܐ
ܘܡܙܒܼܢܵܐ ܕܢܵܚܡ ܢܒܼܝܵܐ ܕܝܸܣܪ ܕܐܬܼܘܪܵܝܵܐ
ܘܒܕܵܪܵܐ ܕܐܪܒܵܐ ܐܘ ܡܵܪܝ ܡܝܟܼܵܐ ܢܘܗܲܕܪܵܝܵܐ
ܕܡܢܘܒܝܼܠܹܐ ܠܐܸܘܪܒܢ ܗܘܪܡܙܕ ܦܪܣܵܝܵܐ
ܘܣܝܥܬܵܐ ܐܕܦܛܪܝܪܟܹܐ ܕܒܝܬܼܵܐ ܐܒܼܗܵܝܵܐ
ܘܝܘܣܦ ܐܘܕܘ ܦܛܪܝܪܟܵܐ ܐܹܚܼܝܕܵܝܵܐ
ܘܥܡܢܘܐܹܝܠ ܕܡܘܟܠܹܠܹܗ ܠܦܿܪܡܵܢ ܡܲܠܟܵܝܵܐ
ܘܡܵܪܝ ܦܘܠܘܣ ܫܹܟܼܘ ܐܲܕܼ ܩܕܝܫܵܐ ܐܿܚܼܵܪܵܝܵܐ
بالأحرف العربية (كرشوني) :
القُش شمّح تخيرا كو تاريخ قدمايا
ومزونا دناحوم نوِيّا ديسر دآثورايي
وبداره دأربا او ماري ميخا نوهدرايا
دمنوبيلي لأو ربّن هرمزد برسايا
وسيعتا دباطريركي دبيثا أوَهايا
ويوسب اودو بطريركا ايحيذايا
وعمانوئيل دموكليلي لفرمان مَلكايا
وماري بولص شيخو أذ قدّيشا خرايا
الترجمة العربية:
القوش
القوش المذكور اسمها في التاريخ القديم
من زمن النبي ناحوم من الأسر الاشوري
وفي القرن الرابع ظهر مار ميخا النوهدري
الذي تنبأ على الراهب هرمزد الفارسي
وسلسلة بطاركة بيت الأب
ويوسب اودو البطريرك الديراني
وعمانوئيل الذي اوقف الفرمان الملكي
ومار بولص شيخو القديس الاخير
܀܀܀܀܀܀܀܀܀܀܀܀


 
الشماس يلدا ابونا
 
nabeeldamman@hotmail.com
California on January 1, 2023
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×


29
من مذكراتي ليوم جمعة لعازر سنة 1935
ܥܪܘܒܼܬܵܐ ܕܫܬ ܕܨܘܡܿܐ
ܘܡܬܼܩܪܝܵܐ ܕܠܥܵܙܪ
من اوراق الشماس يلدا ابونا
(4)
     من مذكراتي ليوم جمعة لعازر سنة 1935، عندما كنا نقيم صلاة الصبح في هيكل مريم العذراء في كنيسة القوش. إذ رأينا الشماس سفر يدخل الهيكل، المنتمي للكنيسة الشرقية القديمة قادما من قرية خورزاي التي تبعد عن القوش سبعة كيلومتر تقريباً راكباً دابته في يوم ممطر.
ثم دخل الكنيسة ووقف عن يمين المذبح (ܓܘܕܵܐ ܥܠܵܝܵܐ) مع الشمامسة،
وعندما حان قراءة (ܢܩܘܡ ܫܦܝܼܪ) الخاصة بجمعة لعازر، امره القس يوسف عبيّا بقراءتها، وعندما بدأ يرتلها ( ܒܠܥܙܵܐ ܦܪܝܼܫܵܐ ܕܥܕܬܵܐ ܥܬܝܩܬܵܐ ܕܡܕܢܚܵܐ) وفجأةً اوقفه القس فرنسيس حداد عن الترتيل قائلاً: إن هذا اللحن غير وارد في كنيستنا الكلدانية، فأجابه في الحال القس يوسف عبيّا قائلاً بصوته الخارق: نعم هذا هو اللحن الأصلي والذي توارثناه من اجدادنا الشمامسة منذ القدم.
فأوعز القس يوسف عبيا قائلاً للشماس سفر، رتّلها (ܢܩܘܡ ܫܦܝܼܪ) للنهاية، فرتّلها، وفي هذه الأثناء إذ كان القس فرنسيس واقفاً (ܒܓܘܕܵܐ ܬܚܬܵܝܵܐ) أطبق كتاب (ܕܚܘܕܪܵܐ) الكبير المخطط بالقوة، وخرج من الهيكل في حالة عصبية.
هنا يطرح السؤال نفسه؟
نرى اليوم هذه عدة سنوات المقابلات والمشاورات جارية بين الكنيستين الكلدانية والآشورية لكيما يتم الاتفاق بينهما لاجل وحدة الكنيسة.
الجواب
رأينا ان من اجل تبديل النغمة اللحن، لن يتوافقا معاً، فكيف يتفقا سويةً على جوهر سونهادوس الكنسي؟
××××××××××
في الصباح جدّوح ... في المساء سليمان
من اوراق الشماس يلدا ابونا
(5)
إعداد/ نبيل يونس دمان
في يوم ما جرت مشادة كلامية بين الأب يوسف عبيا ومتي سليمان ابونا. وعلى اثرها في ذات اليوم بعد خروج الاب يوسف من الكنيسة، ذهب الى دار سليمان ومن فناء الدار وهو يصيح بأعلى صوته قائلاً:
يا جَدّوح
أدّب اولادك، وكان الاب يوسف منزعجاً ثم مضى. وفي اليوم ذاته مساءً أتى ثانية الى دار سليمان قائلاً :
يا سليمان
ارجو المعذرة لأنني لا يمكنني غداً ان أقيم القداس وانت زغلان، نعم هذا ما يدل على مدى تواضع الكاهن في مخافة الرب.
 
الشماس سفر يونان جماني و الشماس يلدا ابونا
 

nabeeldamman@hotmail.com
California on December 20, 2022
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×






30
هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنبتهج ونتهلل فيه
مزمور -118- عدد -24-
من اوراق الشماس يلدا ابونا
(3)
إعداد/ نبيل يونس دمان
 
     اليوم الذي فيه تقبل الدرجة الكهنوتية المقدسة الأب الموقر القس يوسف هرمز عبيّا من بيت رابي رابا الألقوشي، يسرنا ان ندرج هنا باختصار لليوم البهيج الذي تقبل الاب يوسف عبيا الدرجة الكهنوتية المقدسة وهي الدرجة التي اعلى واسمى من درجة الملائكة.
     في يوم الاحد الثالث بعد عيد القيامة والمصادف 12- نيسان سنة 1908 حيث يعقب هذا اليوم عيد (شهرا) الربان هرمزد وايضا عيد مار بثيون الشهيد. وتم ذلك بوضع يد مار شمعون بنيامين السابع عشر بطريرك الكنيسة الشرقية (شهيد الامة الاثورية) وفي هذا اليوم اجتمع المؤمنون في كنيسة مار شلّيطا في قوجانس (حكاري) وبحضور الناطر الكرسي البطريركي مار بولس إيشَي، ومار اسحق خنانيشوع ميطرابوليك أبرشية شَمزدين، ومار ايليا ابونا اسقف ابرشية وان، ومار زيّا سركيس اسقف ابرشية اورميا.
     وبعد ارتسامه ألقى الكاهن الجديد الأب يوسف كلمته القيّمة التي نالت استحسان الحاضرين حيث كانت تقطع بالتصفيق والهتافات لما فيها من تأثير معانيها السامية، حيث عدّد مناقب وقدمية هذه الكنيسة الشرقية وقدسيتها، ولاسيما شهدائها الذين ضحّوا بحياتهم على مذبح كنيسة المسيح، والتعاليم القويمة التي استلمتها من الرسل الطوباويين مار أدّي ومار ماري الذين تلمذوا في الشرق.
     وبعد الانتهاء من مراسيم الكهنوت، خرج الاب يوسف عبيا من كنيسة مار شليطا بموكب بهي ومزامير روحية تمتزج مع اصوات تغاريد النساء وضربات الناقوس واصوات البنادق، حيث يتجاوبهما صدى الجبلين، جبل كوكي، وجبل الأيل، والاب يوسف يتمشى بوسط صفين من الشباب الآثوريين بزيهم الجميل مزينون رؤوسهم بريش الطاووس والكورته (اسم طائر) وهم يرمون البنادق في الهواء، والجميع في فرح لا يوصف، حقاً طان أسعد يوم في حياة الكاهن الجديد، وأجمل ذكرى في قلوب المؤمنين.
     وبعد مدة قصيرة أُرسل الاب يوسف الى القوش مع اثنين من زملاءه وهم القس حنا ابونا، والقس بطرس قوجسنايا، وكانوا كل يوم يقيمون القداديس مع صلاة الصبح والرمش، وخدم هذا الكاهن الوقور في عدة قرى منها: تلّا، وبرتا، ثم كان رسولاً في قرية نصيرية.
قرية النصيرية:
     تقع شرق القوش وتبعد عنها زهاء عشرة اميال، وفيها هيكل مار عبديشوع ورفاته، وبجانبها قرية الجراحية التي يفصل بينهما نهر صغير، اما غالبية سكان القريتين هم ايزيديين والباقي مسيحيين من الكلدان والآثوريين.
     لقد بذل يوسف قصارى جهده في إعلاء كلمة الله ونداء سماعها حتى للأقوام الأيزيدية، قائلاً بان طريق الخلاص هو المسيح. وكنتَ ترى الأيزيديون كلما مرّوا امام هيكل مار عبديشوع ينحنون ويقبلون جدران الهيكل واحترامهم لقدسيته، ويدخلون الهيكل طالبين مرادهم، وتراهم يغرسون اغصان الزيتون في اراضيهم بعيد السعانين تيمّناً بالسيد المسيح.
     لا مجال لدينا لذكر العادات والتقاليد المسيحية التي اكتسبها الأيزيديون لاسيما في هذه القرية، وبعد ذلك جاء القوش وخدم فيها مدة طويلة، وأخيراً الى بغداد، وهناك انتقل الى العالم العتيد وكانت وفاته يوم 3- تموز- 1965 م . ووضع جثمانه الطاهر في كنيسة مار يوسف في بغداد، وبكاه جميع الشعب لعمله الشيّق في كرم السيد المسيح وتضحيته من اجل كنيسته وامته، وكان حميماً لقوميته الكلد أشورية كما يشهد له التاريخ في ذلك اليوم المشؤوم يوم مذبحة سميل سنة 1933 حين التجأ البقية الباقية من اخواننا الآثوريين الى القوش، وحين اصدر المجرم أمير غازي بيانه بخروج الآثوريين من القوش والا ستقصف القوش عن بكرة ابيها كما حدث في قرية سميل.
     الا ان احد زعمائها ووجهائها الاب يوسف عبيا تجوّل في ساحات القوش منادياً بعدم خروج اخواننا الآثوريين من القوش متحديّاً اوامر المجرم امير غازي، وبكر صدقي رئيس اركان الجيش آنذاك. ومن مناقبه ايضاً كان خطيباً بارعاً لاسيما خطبة الجمعة الحزينة التي يتراودها جميع ابناء القوش وباقية في مخيلتهم الى هذا اليوم، نعم، وكما كانت تبكي الأرملة على فقدان وحيدها هكذا كان يبكي جميع المؤمنين غارقين في الدموع.
     وكان هذا الاب قاموساً للغة الكلدانية، والطقس الكنسي، وشاعراً بارعاً للقصائد والتراتيل الروحية منها قصيدة، ربّن زنبيلو، اليك بعض ابياتها:
-1-
يا ربَّن قديشا ودخيا ..... مصالي وطلوب ومشݒلب من مريا
مبدل مركوانا حطّايا ..... قشيشا يوسب عبيا
-2-
ديلِه شليحا بنصّيريا ..... تد خالص من كل بلايا
ومايث بحوبّا ديشوع مريا ..... ونايخ بملكوثا دشميّا
-3-
بكو شاتا دأصيَح (1918) مشيحيثا ..... موركوالي أذ دوركثا
دأمريلا جونقي وخماثا ..... ويلپي منّه نظيفوثا
فليرحمه الله برحمته الواسعة ..... آمين
ܗܢܐ ܗܿܘ ܝܘܡܐ ܕܥܒܕ ܡܪܝܐ
ܕܒܼܗ ܐܬܼ ܩܲܒܲܠ ܕܪܓܼܐ ܕܟܗܢܘܬܼܵܐ ܩܕܝܫܬܵܐ ܐܒ݂ܵܐ ܡܩܠܣܐ
     ܩܫܝܫܐ ܝܘܣܦ ܒܪ ܗܘܪܡܙܕ ܥܲܒܝܵܐ ܐܠܩܘܫܵܝܵܐ، ܗܵܢܵܐ ܟܗܢܵܐ ܬܩܝܵܐ ܘܡܲܠܵܠܵܐ ܘܪܚܝܼܡܵܐ ܘܣܲܟܘܠܬܼܵܝܵܐ. ܐܹܵܐܘܙܲܕܩ ܕܢܪܫܘܡ ܒܲܩܦܝܼܣܵܬܼܵܐ ܠܗܵܘ ܝܵܘܡܵܐ ܚܕܘܬܼܵܢܵܝܵܐ ܕܒܼܗ ܐܬܼܩܲܒܠ ܕܪܓܼܵܐܕܗܘܝܼܘ ܕܪܓܹܵܐ ܠܝܠ ܡܼܢ ܡܠܵܟܼܹܐ. ܕܐܸܝܬܼܹܐ ܕܪܓܵܐ ܕܟܗܢܘܬܼܵܐ ܩܕܝܫܬܵܐ܇ ܒܲܫܢܲܬܸܐ ܐܨܵܿܚ ܠܡܪܢ ܒܢܝܣܲܢ ܝܲܪܚܿܵܐ -ܝܛ- ܒܝܘܡ ܚܲܕܒܫܒܵܐ ܕܬܸܠܵܬܲܐ ܕܩܝܡܬܵܐ. ܘܕܐܸܝܬܼܝܗ ܪܡܫܐ ܕܡܵܪܝ ܦܬܼܝܘܢ ܣܵܗܕܵܐ. ܘܕܸܪܒܢ ܗܘܪܡܝܙܕ ܦܪܣܵܝܵܐ.
ܒܲܣܝܵܡ ܐܸܝܕܼ ܕܡܵܪܝ ܫܡܥܘܢ ܒܢܝܵܡܝܢ ܦܛܪܝܪܟܵܐ ܕܥܹܕܬܵܐ ܕܡܕܢܚܐ. ܘܣܗܕܐ ܗ̄ܘ ܕܥܲܠ ܡܕܒܚܵܐ ܕܐܘܡܬܼܵܐ ܐܵܬܼܘܕܝܬܵܐ. ܘܒܗܵܢܵܐ ܝܵܘܡܵܐ ܐܬܼ ܟܼܢܲܫܘ̄ ܐܦܣܩܘܦܹܐ ܘܟܗܢܹ̈ܐ ܘܡܫܲܡܫܵܢܹ̈ܐ ܘܟܠܹܐ ܟܢܫܵܐ ܒܥܹܕܬܵܐ ܕܡܵܪܝ ܫܠܝܼܛܵܐ ܟܼܒܼܩܘܓ̰ܒ݂ܢܘܣ. ܥܲܡ ܢܵܛܪ ܟܘܪܣܝܼܵܐ ܡܵܪܝ ܦܘܠܘܣ ܐܸܝܫܲܝ. ܘܡܵܪܝ ܚܿܐܵܢܝܼܫܘܥ ܡܝܛܪܵܦܘܠܝܛܵܐ ܕܫܲܡܙܕܝܢ. ܘܡܵܪܝ ܐܸܠܝܵܐ ܐܒܘܢܐ ܐܦܣܩܘܦܐ ܕܘܵܢ ܕܐܬܼܪܵܐ ܕܦܪܣܝܹ̈ܐ. ܘܡܵܪܝ ܙܲܝܵܐ ܣܪܟܝܼܣ ܐܦܣܩܘܦܐ ܕܐܸܘܪܡܝܼ.
ܘܒܵܬܼܪ ܣܝܵܡܝܕܵܐ ܬܪܓܡ ܟܗܢܵܐ ܚܕܬܼܵܐ ܘܚܵܘܝܼ ܥܵܬܝܼܩܘܬܼ ܥܕܬܵܐ ܡܕܢܚܲܝܼܬܼܵܐ ܘܝܘܠܦܵܢܵܗ ܫܪܝܪܵܐ ܗܵܘ ܕܐܸܫܬܠܡ ܠܵܗ ܡܸܢ ܫܠܝܼܚܹ̈ܐ ܛܘܒܼܵܢܹ̈ܐ. ܡܵܪܝ ܐܲܕܝܼ ܘܡܵܪܝ ܡܵܐܪܝܼ ܡܬܠܡܕܢܹ̈ܐ ܕܡܕܢܚܵܐ.
ܘܐܸܬܼܝܲܗ ܒܲܠܘܠܵܢ ܝܘܠܦܵܢܵܐ ܗܵܢܵܐ ܘܠܵܐ ܐܫܬܚܠܦ ܡܢܹܗ ܡܕܡ ܣܵܟܼ. ܠܵܓܼܡܪ ܘܐܲܦ ܠܵܐ ܡܕܡ ܐܹܘܣܝܵܝܵܐ. ܘܐܲܦ ܠܵܐ ܡܸܢ ܩܵܢܘܢܹ̈ܐ ܣܘܢܗܵܕܘܩܵܝܹ̈ܐ ܕܗܲܝܡܵܢܘܬܼܵܐ ܬܪܚܨܬܼ ܫܘܒܼܚܵܐ:
( ܟܠܹܗ ܥܲܡܵܐ ܩܲܫܟܲܦܵܐ ܒܟܼܠ ܡܢܵܬܼܵܐ ܕܡܼܢ ܟܵܪܘܙܘܬܼܹܗ) ܒܕܵܡ ܩܲܕܸܡ ܩܕܡܵܐܝܬܼ ܬܫܒܘܚܬܵܐ ܠܐܠܗܵܐ ܚܲܝܼܵܐ ܘܲܣܓܼܝܼܕܵܐ ܥܠ ܐܲܦܝ̈ ܡܘܗܲܒܼܬܼܵܐ ܗܵܕܹܐ ܕܝܲܗܒܼ ܠܼܗ ܐܠܗܵܐ ܠܕܪܓܼܵܐ ܕܟܗܢܘܬܼܵܐ ܩܕܝܫܬܵܐ ܡܼܢ ܐܸܝܕܼܵܝ ܡܵܪܵܝ ܒܢܝܡܝܢ ܫܡܥܘܢ ܫܒܼܢܣܝܼܪܵܝܵܐ ܒܣܕܪܵܐ ܕܫܡܥܘܢܵܝܼܹ̈ܐ.
ܘܒܼܚܪܵܐ݁ܝܼܬܼ ܐܦܩܘܗܝ ܠܡܗܢܵܐ ܚ܆ܬܼܵܐ ܐܵܒܼܵܐ ܡܝܲܩܪܵܐ ܩܫܝܼܫܵܐ ܝܘܣܦ ܥܲܒܝܵܐ ܡܢ ܥܕܬܵܐ ܕܡܵܪܝ ܫܲܠܝܛܵܐ ܒܙܘܝܵܚܵܐ ܪܒܵܐ ܒܙܘܡܵܪܹܐ ܘܠܡܦܝܕܹܐ ܢܲܗܝܪܹܐ. ܘܩܘܫ ܟܲܦܵܐ ܘܙܲܥܩܵܬܼܵܐ ܕܢܫܹܐ. ܘܢܵܩܘܫܵܐ ܕܪܥܡ ܗܿܘܵܐ ܘܬܘܦܸ̈ܐ ܕܪܵܡܹܢ ܗܿܘܵܐ. ܘܡܼܢ ܩܵܠܵܐ ܪܒܵܐ ܥܲܙܝܙܵܐ ܛܘܪܹܐ ܬܪܝܗܘܢ ܕܩܘܓ̰ܵܢܘܣ ܪܥܡܝܼܢ ܗܿܘܵܘ ܕܡܬܼܟܢܹܐ ܚܕ ܡܢܗܘܢ ܛܘܪܵܐ ܕܟܘܟܹܐ ܘܐܚܪܹܢܵܐ ܡܬܼܩܹܐ ܛܘܪܵܐ ܕܐܲܝܠܹܐ. ܘܒܲܬܼܪܹܢ ܓܢܿܒܹܐ ܕܐܘܪܚܵܐ ܩܝܡܝܢ ܗܿܘܵܘ ܣܕܪܹܐ ܟܼܚܝܠܵܘܵܬܼܵܐ ܕܥܠܝܡܸ̈ܐ ܐܬܼܘܪܵܝܸ̈ܐ ܟܕ ܛܝܼܢܝܼܢ ܙܲܝܢܵܐ ܕܩܪܵܒܵܐ (ܬܘܦܹܐ) ܘܟܕ ܪܝܫܗܘܢ ܡܝܨܒܲܬ ܒܐܒܼܘܪܵܐ ܕܛܐܘܣ ܘܲܕܟܘܪܬܵܐ ܘܫܦܝܪܹܐ ܒܠܒܼܘܫܹܐ ܪܹܫܵܝܸ̈ܐ. ܘܟܠܗܘܢ ܫܲܘܝܼܘ ܒܚܚܕܘܬܼܵܐ ܪܒܬܼܵܐ.
ܘܒܵܬ݂ܪ ܙܲܒ݂ܢܵܐ ܩܠܝܼܠ ܐܫܬܕܪ ܟܗܢܵܐ ܗܵܢܵܐ ܪܚܝ݂ܡܵܐ ܠܐܠܩܘܫ ܩܪܝܼܬܵܐ ܥܡ ܬܪܹܢ ܩܫܝܼܫܹܐ ܐܿܚܪܹܢܹܐ. ܩܫܝܼܫܵܐ ܚܲܢܵܐ ܒܪ ܨܕܩ ܐܒܘܢܵܐ. ܘܩܫܝܼܫܵܐ ܦܛܪܘܣ ܕܡܢ ܩܘܓ̰ܵܢܘܣ. ܘܟܠܝܘܡ ܡܩܲܝܡܝܼܢ ܗܿܘܵܐ ܩܘܪܒܵܢܹܐ ܐܠܵܗܵܝܹ̈ܐ ܣܛܪ ܡܢ ܬܫܡܫܬܵܐ ܕܨܦܪܵܐ ܘܲܕܪܡܫܵܐ. ܘܫܲܡܫ ܕܗܢܵܐ ܗܵܢܵܐ ܒܩܘܪܝ̈ܐ ܣܓܝܼܐܹܐ ܡܢܗܼܝܢ ܬܠܵܐ ܘܒܪܬܵܐ. ܘܗܘܵܐ ܐܝܼܘܓܕܵܐ ܒܓܘ ܩܪܝܼܬܵܐ ܕܢܨܹܪܝܵܐ ܗܵܝ ܕܐܝܬܼܒܼܵܗ ܫܟܼܝܢܬܹܗ ܩܲܕܝܫܵܐ ܡܵܪܝ ܥܲܘܕܝܼܫܘܥ. ܘܐܸܬܲܐ ܒܵܬܼܪܟܹܢ ܠܐܠܩܘܫ ܘܫܲܡܸܫ ܒܥܕܬܵܐ ܡܬܼܚܵܐ ܢܓܝܼܪܵܐ ܘܐܚܪܵܐܝܼܬܼ ܗܦܟ. ܠܡܪܝܢܲܬܼ ܒܓ݂ܕܕ. ܘܬܡܢ ܐܬܬ ܢܝܚܘܫܲܢܝܼ ܡܢ ܥܠܡܵܐ ܗܵܢܵܐ ܥܵܒܼܪܵܐ ܒܲܫܢܲܬܼ ـ ܠܡܪܢ ـ ܓ ـ ܒܬܡܘܙ ܝܲܪܚܵܐ.
ܘܣܵܡܘܝ ܓܠܘܣܩܡܹܐ ܒܓܘ ܥܕܬܵܐ ܕܡܵܪܝܝܵܘܣܦ ܒܒܓ݂ܕܕ. ܘܲܒܼܟܼܹܐܠܹܗ ܟܠܹܐ ܥܲܡܵܐ ܒܬܢܚܵܬܵܐ ܡܪܝܼܪܵܬܪܵܐ ܡܲܪܝܵܐ ܚܲܣܵܐܠܹܗ.
ܟܗܢܵܐ ܡܫܲܡܗܵܐ
     ܘܦܠܚ ܟܗܢܵܐ ܗܵܢܵܐ ܟܫܝܹܪܵܐ ܝܼܬܼ ܡܟܪܡܹܐ ܕܡܫܝܼܚܵܐ ܘܲܥܡܲܠ ܠܢܨܚܵܢܵܐ ܕܥܹܕܬܵܐ ܘܕܐܘܡܬܼܵܐ. ܘܗܘܵܐ ܟܵܪܘܙܵܐ ܡܫܲܡܗܵܐ ܘܡܲܠܵܠܵܐ ܣܕܝܪܵܐ ܘܣܲܦܝܼܦܵܐ ܡܢ ܣܵܟܼܹܗ ܠܝܠ ܡܢ ܡܠܬܼܵܐ. ܘܐܵܦ ܡܬܬܪܓܡܵܢܵܐ ܘܲܡܗܝܪܵܐ ܗܿܘ ܒܠܫܵܢܵܐ ܟܠܕܵܝܵܐ. ܘܡܠܦܵܢܵܐ ܛܒܼܝܼܒܼܵܐ. ܘܐܝܬܠܹܐ ܥܘܢܝܵܬܼܵܐ ܣܵܓܝܐܹܐ ܘܡܕܪܵܫܹܐ ܚܢܝܼܓܼܹܐ ܘܬܫܥܝܵܬܼܵܐܡܢܗܘܢ ܗܵܕܹܐ ܬܫܥܝܬܼܵܐ ܕܡܬܼ ܟܲܢܝܲܬ (ܕܪܒܢ ܝܼܚܝܼܕܵܝܵܐ ܕܙܲܢܒܝܼܠܘ) ܘܐܡܪܝܼܢ ܬܪܥܸܐ ܐܿܚܪܵܝܹܐ:
ܝܵܐ ܪܒܢ ܩܕܝܼܫܵܐ ܘܕܟܝܵܐ .......... ܡܨܵܠܝܼ ܘܛܠܘܒ ܘܡܫܲܦܠܹܦ ܡܼܢ ܡܵܪܝܵܐ
ܡܒܕܠ ܡܪܟܒܼܵܢܵܐ ܚܛܵܝܼܵܐ .......... ܩܫܝܼܫܵܐ ܝܘܣܦ ܥܒܲܝܵܐ
ܕܝܠܹܐ ܫܠܝܼܚܵܐ ܒܢܝܨܹܪܝܵܐ .......... ܬܕ ܟܼܵܠܨ ܡܼܢ ܟܠ  ܒܲܠܵܝܵܐ
ܘܡܵܝܬܼ ܒܚܘܒܵܐ ܕܝܼܫܘܥ ܡܲܪܝܵܐ .......... ܘܢܵܝܸܟ݂ ܒܡܲܠܟܘܬܼܵܐ ܕܫܡܲܝܼܵܐ
ܒܓܘ ܫܵܢܬܵܐ ܕܐܨܝܚ ܡܫܝܼܚܲܝܬܼܵܐ .......... ܡܘܪܟܒܼܵܠܹܐ ܐܲܕ ܕܘܪܟܬܼܵܐ
ܕܐܲܡܪܝܼܠܵܐ ܓ̣ܘܲܢܩܹܐ ܘܟܼܲܡܵܬܼܵܐ .......... ܘܝܲܠܦܝ ܡܢܵܗ ܢܲܕܿܝܼܦܼܘܬܼܵܐ
ܐܲܩܸܦ܇
ܘܐܲܦ ܥܒܼܝܕܠܹܐ ܛܟܼܣܵܐ ܕܡܵܪܝ ܩܲܪܕܓܼ ܣܗܕܵܐ
ܕܦܫܠܹܐ ܛܒܼܝܼܥܵܐ ܒܫܵܢܿܬܵܐ- ܐܨܦܘ- ܠܡܵܪܢ.
ܘܥܡ ܡܫܘܚܬܵܐ ܥܠ ܣܗܕܵܐ ܡܵܪܝ ܩܪܕܓ݂
ܒܫܢ݁ܬܐ – ܐܨܠܛ- ܠܡܵܪܢ.
شرح الكلمات
ܪܚܝܼܡܵܐ- محبوب ..... ܬܩܢܵܐ- متقن
ܣܲܟܘܠܬܼܵܢܵܐ- فطن ..... ܢܪܫܘܡ- نكتب
ܒܲܩܦܝܼܣܵܬܼܵܐ- باختصار ..... ܚܕܘܬܼܵܢܵܝܵܐ- مفرح
ܥܲܙܝܼܙܿܐ- قوي ..... ܫܘܝܘ- سوية
تنويه
كان الاب يوسف عبيا قد دخل المعهد الكهنوتي البطريركي في الموصل، الا انه لم يلبث فيه سوى سنتين وذلك بسبب وفاة اخيه الأكبر، حيث ظلّ يوسف الابن الوحيد لوالديه، لذلك ارغماهُ والديه الخروج من المدرسة الاكليركية وألحّا عليه بالزواج، فلبّى طلبهما وتزوج.
وأخيراً سنحت له الفرصة الذهاب الى قوجانس بمعية المطران مار ايليا ابونا، حيث ارتسم كاهناً هناك، لان يجوز ارتسام شماس متزوج برتبة كاهن في الكنيسة الشرقية حتى يومنا هذا܀
انتهت
××××××××××××
انا نبيل يونس دمان اود ان اترجم اربعة اسطر كتبت بالسريانية تحت عنوان "ܐܲܩܦ" التي تعني هامش او ملحق لانجازات القس يوسف عبيّا كما يلي:
ايضا عمل طقس مار قرداغ الشهيد
الذي طبع في سنة 1986م .
وكذلك قصيدة عن الشهيد مار قرداغ
في سنة 1939 م .
   
   
   
nabeeldamman@hotmail.com
California on December 17, 2022
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×

31
الحركة الدينية في القوش عام 1908
نبيل يونس دمان
     في زمان الرئيس ججيكا يلدكو حدث امر هام ترك بصماته على تاريخ البلدة، وهو خروج مجموعة منها ومن القرى المحيطة بقيادة القس كوركيس ابونا( مار ايليا) ، وقد سبق ذلك خلاف حاد حصل بينه وبين المبشرين الغربيين في الموصل( الباترية) ، وصل حدا ان دبروا له مكيدة اغتيال، ويعلم انذاك ان لهم نفوذا عند الحكومة وبامكانهم فعل ذلك. ويقال ان مار عمانوئيل تومكا اخبره بذلك وطلب منه مغادرة الموصل بالسرعة الممكنة، هكذا تسلل ليلا بمساعدة الاخوين ساوا وبتي ابونا وقد تنكروا جميعا بملابس البدو.
     عندما استقر في دوري بمنطقة برواري لحقت به مجموعة من المؤيدين ثم توجهوا جميعا الى منطقة حكاري ليستقروا في قرية قوجانس مركز كنيسة المشرق، وفي عهد البطريرك الشهيد مار بنيامين، فاحسن استقبالهم وبعد فترة وجيزة اي في عام 1909 تمت رسامتهم كما يلي:
المطران مار ايليا ابونا، القس يوسف عبيا، القس حنا ابونا، القس اسخريا كوكّي، القس كوريال دمان، القس نعمان( تلسقف) ، القس ايليا( تلسقف) ، القس دانيال( ارادن) ، وقس اخر من باطنايا، وكل من الشماسين بكو ابونا وشاكر ابونا.
     يروي شاكر خوشابا ابونا قصة رجوعهم من حكاري في ايام الشتاء القارس، وعند اندلاع نيران الحرب العالمية الاولى وشمولها تلك المنطقة بخاصة، وكيف انهم انحدروا من جبل عال تكلله الثلوج، باستخدام زلاقة جليد على شكل ابواب خشبية هبطت بهم مسرعة من اعلاه وحتى اسفله.
     بعد رجوعهم الى القوش وجدوا انفسهم محاصرين ولا حول لهم لتوسيع حركتهم، لان روما كانت مستحوذة على كل كنائس البلدات المحيطة بالموصل، ولذلك اتصلوا بالبطريرك عمانوئيل لغرض رجوعهم الى احضان الكنيسة الكاثوليكية( الكلدانية) ، وتم توزيعهم على دور العبادة في محيط المنطقة، مثلا القس يوسف عبيا في النصيرية وبرز لاحقا كخطيب بارع، والقس كوريال ججو ككميخا دمان في ملة بروار والبقية في اماكن اخرى.
     وللقس كوريال قصة ماساوية، فقد اقدم على عقد قران ابن اخ البطريرك عمانوئيل المدعو توما على اجمل فتاة في زمانها سرّي حنا رئيس( ترّا) ، وكانت قد فقدت زوجها الاول توما بوداغ في اتون الحرب العالمية القائمة. اغاظ ذلك البطريرك فجمّد الاب حالا، وابلغ الجندرمة الاتراك بانه في حل من التزاماته، فسيق الى العسكرة، وللاسف الشديد لقي حتفه في احدى جبهات تركية تاركا طفلا صغيرا عمره( 10) سنوات واسمه بحو وبنتا هي امينة.
     اما مار ايليا ابونا فقد بقي في قوجانس واصبح في طاقم اساقفة كنيسة المشرق، وقد لعب دورا مهما ومؤثرا طوال سني الحرب الكونية الاولى وفي هجرة مئات الآلاف من الاشوريين، من وطنهم الاصلي حكاري باتجاه اورميا في شمال ايران.
     في خريف عام 1917 كان مار ايليا ضمن وفد الاشوريين للتباحث مع الحلفاء في تفليس، وقد ضم الوفد المطران الشهيد مار توما اودو والقس اسحق ملك يونان. وقد شاهد بام عينيه وشارك في الماساة الكبرى لبني قومه، وحتى وصوله معهم الى مخيم بعقوبة.
     وصل الى مسقط راسه في اخر المطاف، ولاسباب عديدة اهمها تولي مار ايشاي الصغير في العمر الكرسي البطريركي، رجع الى الكنيسة الكاثوليكية واصبح سنة 1922 يدير ابرشية عقرة والزيبار، لكنه لم يمكث طويلا بسبب اشكال عائلي( فسخ خطوبة ابنة اخته من شاب عقراوي) فقدم استقالته، وعاد الى بلدته ليقدس ايام الاحاد في بيته( كوجك مار ايليا) .
     عاش بقية عمره متنقلا بين القوش والحبانية وكركوك حتى وافاه اجله عام 1955 عن عمر ناهز 93 عاما، فدفن في ساحة كنيسة مار كوركيس، ويذكر الكثيرون صورته وتاريخه المنقور على احد الاحجار المرمرية.
 
   
 
nabeeldamman@hotmail.com
California on December 13, 2022
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×


32
المنبر الحر / حرق مكتبة القوش 1902
« في: 12:36 11/12/2022  »
حرق مكتبة القوش 1902
نبيل يونس دمان
   
     كانت في احدى غرف هيكل مار ميخا النوهدري السرية مجموعة كبيرة من الكتب التاريخية يمتد زمانها الى القرن الرابع الميلادي، وقد اطلق على تلك الغرفة اسم( قليثد برطينه) ومعناها ملجأ البراغيث. وفي تلك الفترة من عام 1902 والصراع على اشده بين المذهب النسطوري القديم والمذهب الكاثوليكي المستحدث، قدم المبشرون الى القوش( الباتريه) من الموصل، وقد تعاون معهم في تسهيل مهمتهم بعض بيوتات القوش. فاخرجوا تلك الكتب الى ساحة مار ميخا وجمعوا ما تسنى لهم جمعه من البيوت بحجة نقلها الى مكتبة اكبر في الموصل.
     هكذا انطلت الحيلة، وفي ذلك الزمان لم يكن النفط موجوداً، فجلبوا ستة عشر قدرا من البزرة( مادة زيتية شديدة الاشتعال تستعصر من نبات اسمه قطّو او بزر كتان) ، ونسبة الى البزرة كانت في القوش في ذلك الوقت ثلاث بزارات، اي كما يمكن ان يقال معامل صنع البزرة او تحضيرها، احداها ملك بيت تغو( بلو) في محلة التحتاني، والثانية ملك بيت ابشارة في محلة قاشا، والثالثة ملك بيت اسطيفانا في محلة سينا.
     اضرمت النار في تلك الكتب وارتفع سعيرها لايام عديدة فخسرت القوش كنزا ادبيا وتاريخيا لا يعوض. ويذكر الوزير يوسف رزق الله غنيمة بان هؤلاء المبشرين اقدموا على افعال مماثلة في كثير من احياء الموصل، فاحرقوا تلك الكتب التي فيها تاريخ المنطقة بحجة كونها نسطورية، وكان الباتري عندما يدخل احد تلك البيوت يقول انه يشتم رائحة الضلال والهرطقة!!
     لقد روى تلك القصة الأليمة احد كهنة القوش المتعلمين ومدير مدرستها في اوائل القرن العشرين وهو الخوري يوسف كادو( 1892- 1971) .
     في تلك الفترة كان القس اوراها شكوانا( 1850- 1931) قد رجع للتو من اورميا، وكان يتهم بميوله النسطورية، وعندما شعر بالخطر على الكتب التواجدة في بيته منذ مئات السنين، اخفى كتابا منها مهما في نظره في الحائط. ومن المعلوم ان ابائه من خيرة من انجبتهم الكنيسة الشرقية، في ثراء علمهم وادبهم وخطهم الارامي، وفي مقدمتهم اسرائيل رابا( لازال كهف صغير في صدر القوش يحمل اسمه ويسمى محليا كبيثد رابي رابا) .
لم يكن القس اوراها في البيت عندما دخل المبشر( الباتري) بيته، قال وهو في عتبة الباب، انه يشتم رائحة ابليس! واستفسر من زوجة ابنه، ان كان هناك اي كتاب مخبأ، فقالت نعم، اذا كان الكتاب يبعث رائحة إبليس فخلصنا منه. وعلى بساطتها وصغر سنها اخرجت الكتاب المدفون في مكان بالحائط وسلمته له، وبدوره القاه في التنور ليحترق. كم كانت الصدمة كبيرة للقس اوراها عندما عاد الى البيت ولم يجد كتابه.
     تلك شذرات مما اقترفه المبشرون في وسائلهم لتحويل الناس من انتمائهم الكنسي القديم. انا لا اعتب على الدعوات السلمية المستندة على الاقناع للمذاهب. وشيء طبيعي ان ينتمي الانسان الى الكنيسة التي يحبها ويتفاعل معها دون قسر او إكراه او اغراء، كما هي الحال في البلدان المتمدنة اليوم. والمسالة الاكثر اهمية في نظري هي ابقاء الدين بعيدا عن السياسة، فالدين عبادة وعلاقة روحية بين الانسان وخالقه. اما السياسة فليست غاية بحد ذاتها بل وسيلة لادارة شؤون الناس والتعبير عن مصالحهم المترابطة مع المجتمع الذي تعيش فيه.
     ان البعثات الانكليكانية، والبروتستانتية، والدومنيكانية، ومبعوثي اساقفة كانتربري، غزت بلداننا منذ ثلاثة قرون تقريبا لغايات استعمارية، وتحت واجهات الدين. فكيف بهم ان كانت غايتهم دينية ان ياخذوا ميراثنا الروحي الذي انبثق من ارضنا، ويعيدوه لنا بدعوى اننا متخلفون؟! صحيح هناك تخلف في النواحي العلمية التقنية وحتى الاجتماعية بسبب الظروف التي تمر بها المنطقة منذ دخولها الصراعات والانقسامات والحروب، لكن عقيدتها الدينية هي من الثبات والاستمرار منذ الفي سنة على ابعد تقدير. وصحيح ايضا ان تلك البعثات حملت معها بعض نفحات الحضارة من مدارس ومطابع ولوازم اخرى لكنها ادخلتنا في اشكالات وصراعات بعضها دموية مع جيراننا الذين تقاسمنا الارض معهم منذ قرون وقرون.
     ربما هناك مبعوثين غربيين عن طريق الكنائس متدينين وشديدي التدين، اندفعوا ويندفعون لتلك الغاية، وقد يجهلون دوافع مسؤوليهم، بانها مصالح انانية تدفع بهم الى هذا الطريق. الحصيلة اننا احفاد تلك الامبراطوريات العظمى في التاريخ، قد دفعنا ثمنا غاليا لتلك الممارسات التي لم تعد خافية على احد ابدا.
من كتاب الرئاسة في بلدة القوش الصادر في 2001 م. ص 74
nabeeldamman@hotmail.com
California on December 8, 2022
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×



33
في رثاء الصديق ريمون صادق برنو
نبيل يونس دمان
 
     الذي غادرنا دون وداع بعد معاناته مع المرض تاركاً الحزن في اسرته ومحبّيه، مضى على وجوده في هذه البلاد اكثر من خمسين عاماً، لم ينفك ارتباطه بوطنه وناسه وظل اميناً لجذوره، ويا ليت كل من رآى نفسه هنا لا يقطع صلته بوطن النهرين دجلة والفرات المذكورين في الكتب المقدسة.
     ريمون برنو مولود في القوش عام 1950، كان بيته في ساحة مار ميخا وبجوار كنيسة مار كوركيس المهيبة، فقضى طفولته في خدمتها واتقان تراتيلها ومزاميرها مما اهّله ان يدخل معهد مار يوحنان الحبيب في الموصل وحتى قرابة عام 1969 عندما تقرر سفره الى خارج العراق. لم يكمل دراسته الكهنوتية ومن الذين زاملهم فيها البطريرك الحالي مار لويس ساكو، معلوم ان كل من يدخل الى مدرسة اعدداد الكهنة فانه عند خروجه منها يكون متقنا لدروسها ذات المستوى العالي وكذلك اللغات الاجنبية.
     عند وصوله اميركا عمل ودرس بجد واجتهاد فتمكن من اللغة الانكليزية واصبح بمثابة كاتب عدل يدير مكتبا سواء في مشيكان ثم في كاليفورنيا بعد انتقاله اليها في ثمانينات القرن الماضي، كانت معاملات الناس التي يتبناها ينجح فيها، وكم كسب قضايا معقدة بقدراته وكم ساعد اناس لا يملكون شروى نقير.
     كان لريمون مواهب اخرى متعددة، حيث تركن في جسمه النحيل الإرادات القوية، وكان كتلة من الحيوية والنشاط  لا يستكين بل يمضي في اكتساب مواهب جديدة منها اتقانه للغة العربية وكذلك اللغة السريانية حديثا وكتابة، نظماً ومزاميراً. له قابلية في ارتجال الكلمات وفي اغلب الامسيات والحفلات العامة والخاصة كان عريفاً لا ينازعه احد، وله ايضا اهتمامات قومية ونشاطات كبيرة في هذا الجانب، يحضر المهرجانات العامة والمؤتمرات وينتمي الى الجمعيات بحميّة واندفاع.
     ايضا ظل مخلصا ومحبّاً لبلدته الأم القوش، واستطاع ان يصل اليها والوطن الحبيب وفي آخر مرة زارها مستصحباً زوجته الأصيلة كفاح عبد اسمرو وأولاده حتى يرون أرض الآباء والأجداد. لو بقينا في ذكر وتذكر مناقبه لا ننتهي لانها كثيرة ويطول الحديث عنها منها بلوغه الدرجة الشماسية ونظم الشعر في اللغتين العربية والسريانية كما نسمعها بادائه في فيديو مستقل، حيث يلقي على مسامع الحاضرين في حفل تأبين المناضل الكبير توما توماس عام 1995 في مشيكان، حيث وصلها قادما من محل سكناه في كاليفورنيا.
     اخر صحبة لي معه عندما حضرنا معا مهرجان الجمعيات الاشورية في ولاية أريزونا قبل سنتين، وبعدها لم نعد نراه لاشتداد مرضه الذي اقتلعه من على هذه البسيطة تاركاً الأثر العميق بكل من عرفه، وقد ووري الثرى هذا اليوم في مقابر الجالية بحضور كبير من اصدقاءه واقرباءه، نطلب من الرب خالق السماوات والارض ان يرحمه ويغفر له، ليخلد في الحياة الاخرى الى الراحة  الأبدية والنعمة الإلاهية مع الابرار والقديسين، بعيداً عن هموم الدنيا ومشاكلها وصعوباتها التي لا تنتهي.
 
 

 
 
 
 
 
 



 
nabeeldamman@hotmail.com
California on December 9, 2022
××××××××××
××××××××
××××××
×××

 

34
إكرام مريم العذراء عند الأيزيديين
من اوراق الشماس يلدا ابونا
(2)

إعداد/ نبيل يونس دمان
 
     للأيزيديين كتاب واحد فقط الذي هو الدستور الوحيد في ايمانهم. ويسمى هذا الكتاب (مصحفي رش) اي الكتاب الأسود. المدوّن فيه عن عظمة سيدنا عيسى (المسيح) وسيدتنا ميرمّي (مريم) حسب لهجتهم. وهو الكتاب الوحيد الموجود في مزارهم وقبلتهم الدينية الذي تسمى مزار الشيخ عادي.
     وكان الأب القس يوسف بن هرمز عبيّا الألقوشي قد ارسل لخدمة الرعية الى عدة قرى منها: تلّا، برتا، واخيراً ارسل رسولاً الى قرية النصيرية التي فيها هيكل مار عبديشوع عام 1917- 1920 م ، وان اهالي تلك القرية أكثريتهم أيزيديين، والباقي من الآثوريين والكلدانيين.
     وفي احد الايام قام بجولة في تلك القرى بمرافقة الشماس ياقو شيخو (هو عم البطريرك مار بولس شيخو) كان مختاراً من قبل الحكومة في قرية النصيرية ووكيلاً عن هيكل مار عبديشوع.

     فعندما وصلا الى مزار الشيخ عادي الذي بقرب من بلدة الشيخان (عين سفني) حيث هناك التقوا بالمسؤول الاول عن المزار ويلقب باسم (بابي شيخ) اي أب الشيوخ والذي هو اعلى رتبة دينية لدى الأيزيديين. فكان الاب يوسف عبيا يتقن اللغة الكردية، فسأله: ما رأيكم بالسيد المسيح ووالدته مريم العذراء؟ :
     أجاب، مشيراً الى احدى النوافذ الزجاجية في المعبد قائلاً لهما: انتم تلاحظون هذه النافذة الزجاجية كيف تخترقها الشمس (كان ذلك موسم الصيف) انها لا تصيبها بكسر او خدش، او اي تأثير فألمسوها بايديكم، هل طرأ عليها اي حدث؟ فاجابا كلا، فاردف بابا شيخ قائلاً: اذاً المسيح هو نور يفوق نور الشمس، حيث قبل ان تلد مريم ابنها كانت عذراء، واثناء الولادة عذراء، وبعد الولادة عذراء، لان المولود منها هو روحا خودي (روح الله) .
     وكما جاء في انجيل متي الاصحاح – 12- العدد – 17 لكي يتم ما قيل باشعيا النبي القائل: هوذا فتاي الذي اخترته، حبيبي الذي سرّت به نفسي، احلّ روحي عليه فيخبر الأمم بالحكمِ.
ܕܟܵܡܸܠ ܡܢܕܝܼ ܕܦܫܠܹܗ ܡܝܼܪܵܐ ܒܐܹܫܥܝܵܐ ܢܒܼܝܵܐ̣: ܗܘܲܠܹܗ ܥܵܒܼܕܹܝ ܕܟܸܡ ܒܵܐܹܢܹܐ ܚܲܒܝܒܝܼ ܕܡܫܬܵܩ ܐܸܠܠܹܗ ܓܝܵܢܝܼ . ܪܘܚܝ ܒܸܕ ܕܵܪܸܢ ܐܸܠܹܗ . ܘܕܝܼܢܵܐ ܬܵܐ ܥܲܡܡܹ̈ܐ ܒܡܲܟܪܸܙ. ܡܬܝ . ܩܦܠܐܘܢ ـ ܝܒ ـ ܡܢܝܢܵܐـ ܝܙـ
وأخيراً قال بابي شيخ، نحن نعتز باسم عيسى (المسيح) ومريم، كثيراً ما نسمّى باسم عيسى وباسم مريم (ميرمّي) ، وقال هذا نقرّه بايماننا.
من مذكرات القس يوسف عبيا
عن لسان المطران مار ايليا ابونا.     
nabeeldamman@hotmail.com
California on December 4, 2022
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×


35
صِدام مسلح في( خووشا) *
نبيل يونس دمان

المرحوم توما توماس ابو جوزيف
     بتاريخ 28- 7- 1969 وردت اخبارية للسلطة بان توما توماس متواجد في البلدة، وهي تسعى على الدوام للقبض عليه لدوره المعروف في التصدي لظلمها وقمعها. ولهذا جهزت حملة عسكرية كبيرة تحركت ليلا ً، حتى بلغت وادي الكنود( لَندِه) الذي يبعد حوالي 12 كم عن القوش. ترك العسكر عرباتهم وتقدموا مشيا ً على الاقدام بحيطة وحذر نحو البلدة، ومن طرف الجبل تقدم عدد كبير من المرتزقة( الجحوش) من ناحية مدينة دهوك، وبذلك طوقت البلدة من كل جهاتها في خطة محكمة لاعتقال او قتل الثائر توما توماس.
     يعرف العديد من اهالي القوش قصة الاتصال التلفوني المشبوه من بريد البلدة، والذي كان العامل الرئيس في تجهيز تلك الحملة، ادرك عمال البريد فحوى الاتصال، فلم يقفوا متفرجين للخطر المحدق بإبن بلدتهم، فدفعهم ضميرهم الحي الى ارسال خبر له ينبهه بالموقف. كان الوقت يشير الى انتصاف الليل، عندما عاد ابنه جوزيف من حفلة زواج ﮔوريال بلو التي اختتمت بدون اية مشاكل، علما بان السلطة اشاعت لاحقاً، بانها جهزت الحملة لدرء المشاكل التي يخلقها رجال توما توماس في الحفل المذكور.
     فكر ابو جوزيف بالمسألة من كل جوانبها، ربما تباطأ بعض الشيء في التهيؤ والاستعداد، كما ارسل في طلب رجاله المعتمدين في المواقف الصعبة، وحضر منهم حبيب يوسف (ﭼيچو) فيما تأخر الباقون عن الحضور، اوشك الفجر في الظهور عندما همّ بمغادرة المنزل برفقة حبيب. عزّ على زوجته( ألماص) ذلك الفراق الاضطراري، واكتشف ابو جوزيف القلق الذي يساورها فقال لها " اذا تجاوزنا الخطر، فالاشارة تصل من المسدس الذي احمله! " ، ولم يمض وقت طويل حتى سمعت زوجته اطلاقات مسدسه، فاطمئن قلبها وطمأنت اولادها، فأزداد حبها له واعجابها به وهو ينجوا من طوق حصار محكم.
     لقد خاض توما ورجله الشجاع حبيب معركة لفك الحصار ضد مئات الرماة مكبديهم خسائر فادحة، فعندما يتخذ احدهم وضعا قتاليا، يغطي على انتقال رفيقه مسافة الى الامام، وهكذا يفعل الثاني حتى وصلا الوادي القريب عند اطراف محلة سينا، ثم واصلا طريقهما على امتداد الوادي شمالا ً حتى الجبل، وقبل بلوغ قمته اكتشفوا وجود اعداد من المرتزقة( الجحوش) وهم يفتحون طريقهم الى مقرهم في قرية ( بيرموس ) لم يستمروا في الصعود تجنبا لمعركة غير متكافئة، فغيروا بسعة اتجاههم في عرض الجبل حتى بلغوا كهفاً فاستقروا فيه متخذين قرار القتال من هناك حتى النهاية، ولكن لم يلحق بهم احداً.

الثائر حبيب جيجو
     صبري الياس دﮔالي( جندو) مقاتل شجاع وشاب وسيم في التاسعة عشر من عمره، ترك وحدته العسكرية حديثا ليلتحق بقوات الانصار، في تلك الليلة ايضا خرج بسلاحه النصف آلي( سيمِنوف) ولكنه تأخر في اللحاق بابي جوزيف ورفيقه حبيب. تقدم صبري نحو الوادي الذي وصله قبله رفيقيه، ولكونه وحيداً، تزاحم عليه الاعداء، واتخذ من صخرة صغيرة متراسا ً له ، فقاتل قتالا أذهل العدو، بخفة حركته ودقة تصويباته، على الرغم من اصابات عدة لاحت جسده، وفي النهاية نال شرف الشهادة.

الشهيد صبري الياس دكالي
     اخذت جثته الى مفرق القوش وابلغ قائد الفرقة في الموصل بان القتيل هو توما توماس، فقدم على الفور بطائرة مروحية، وشاهد القتيل امامه، فقارن الذي امامه مع صورة توما توماس كان يحملها معه، ونظراً للشكوك التي ساورته، بعث في طلب احد كهنة القوش( القسيس ابلحد عوديش) وعند وصول الاخير سأله" ان كان هذا هو توما توماس" ، فنظر القس الى القتيل ثم الى القائد وهو يبتسم ويقول" هذا ليس توما توماس، بل شاب صغير في العمر" فأغاظ ذلك القائد العسكري وتفوه بكلام غير لائق، ثم غادر بعد ان امر بربط الجثة خلف سيارة عسكرية لتسحل في شوارع البلدة الصابرة، وعندما انتهوا من ذلك العمل الدنيء، رموا الجثة في الساحة المقابلة لمار قرداغ، وبجانبها رميت جثة اخرى لعاثر حظ من الطائفة الأيزيدية، قتل في نفس اليوم في اطراف البلدة.
     عصر ذلك اليوم وبعد انسحاب العسكر من البلدة، اندفعت مجموعة من الشباب لنقل الشهيد الى منزله، وسيارات الجيش لازالت على طريق الموصل، في تلك الاثناء عادت احدى السيارات بسرعة فتخلى الشباب عن الجثة وانسحبوا الى مكان ابعد، ولكن السيارة اتجهت نحو مبنى البريد واعتقلت كل العاملين فيه، ورجعت الى الرتل المنسحب. تقدم الشباب مرة اخرى واذا بخبر يصل من مركز القوش بترك الجثة في محلها لتتولى البلدية امر دفنها، هنا ثار الفلاح كيكا شهارا( أغاته) وهو يستعير غضبا ً ويصب لعناته على الحكومة وعلى مطاياها، فيؤجج ذلك حماس الشباب، ويامرهم دون ابطاء بحمل الجثة، ويتم له ما اراد، و يسير الموكب الجنائزي حتى بيت الشهيد، وفي الطريق انظم العشرات من الجموع الى الموكب، حتى بلغ داره التي خرجت والدته لتستقبله بالهلاهل وتقول" اليوم زفة ولدي " فتجاوبها النسوة بالبكاء والنحيب.
     بعد ذلك وصل توما توماس الى البيت ليستطلع الوضع، ويسمع باستشهاد رجله الشجاع، فيذهب الى بيت الشهيد ليلقي عليه نظرة الوداع، ثم يتجه برفقة رجاله الى سوق القوش وهو في بالغ التأثر. يقال عندما ظهر في سوق البلدة، ابرقت السلطة المحلية بذلك، فيأت الجواب من القوة المنسحبة الى الموصل، بانها لا تنوي الرجوع، وانها عاجزة عن قهره.
     ظهر لاحقا ً بان المرتزقة الجبناء، اقتحموا في ذلك اليوم مبنى دير السيدة المقدس، فدنسوا حرمته كعادتهم، واطلقوا رصاصاً على طباخ الدير فأردوه قتيلا ً، رحم الله المسكين الاعزل( دنو تسقبنايا) الذي قتل لا لذنب ارتكبه، بل لحقد وجبن ازلام السلطة، ولاخفاء اخفاقهم في النيل من ابن البلدة توما توماس.
  * خووشا وادي يقع في غرب القوش، وهذا الموضوع موجود في الصفحات( 156- 159) من كتابي الموسوم( القوش حصن نينوى المنيع) الصادر في العراق عام 2014.
nabeeldamman@hotmail.com
California on December 2, 2022
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×



36
العثور على احدى القبور في دير الربان هرمزد
من اوراق الشماس يلدا ابونا
(1)

إعداد/ نبيل يونس دمان
 
     في سنة 1938 كان قد رافق المطران مار ايليا ابونا القس يوسف عبيا بذهابهما الى دير الربان هرمزد مشيا على الاقدام.
     وعندما وصلا موقع يسمى( دركوشياثا) اتخذا لهما طريق يسمى( اورخا دجوبا- ܐܸܘܪܚܿܵܐ ܕܓܾܘܦܵܐ) وعندما وصلا قبور التتر التي تقع جنوب( نطوبا- ܢܲܛܘܦܵܐ) جلسا من عناء التعب والحر.
     فللوقت لمحت عينا القس يوسف عبيا على حجر يشتبه به بملامح الكتابة. فاقتربا منه واخذا يحفران به الى ان أزالا منه التراب المطمور به. ثم لاحت لهم الكتابة التي تبين لهم المقابر كما مبين على وزن الشعر:
ܥܠ ܚܕܵܐ ܡܢ ܩܲܒܼܪܵܬܼܐ ܐܕܬܬܪ
ܒܡܫܘܚܼܬܵܐ (1)
ܥܒܲܕ ܘܲܦܛܪ ܒܲܝܠܲܝܡܘܬܼܵܐ .... ܕܢܸܬܼ ܒܲܣܲܡ ܒܹܝܬܼ ܡܲܠܟܘܬܼܵܐ
ܠܕܲܩܢܹܐ ܕܪܓܼ ܡܫܲܡܫܵܢܘܼܬܼܵܐ .... ܝܵܘܣܸܦ ܫܡܹܗ ܕܡܲܥܡܘܕܝܼܬܼܵܐ
ܒܲܪ ܟܗܢܵܐ ܐܝܣܚܲܩ ܕܲܟܼܝܵܐ (2) .... ܘܡܸܢ ܛܘܗܡܵܐ ܪܵܒܵܐ ܘܡܥܲܠܝܵܐ
ܕܲܒܼܓܢܣܹܐ ܐܠܩܘܫܵܝܵܐ .... ܘܗܘܼ ܐܲܚܵܐ ܕܡܵܪܝ ܐܹܠܝܵܐ
ܣܪܝܛ ܐܐܠܕ ܠܝܘܢܝܵܐ .... 1723 ܠܲܡܫܝܼܚܵܐ ܡܲܠܟܵܐ (3)
معنى الشعر
توفي بقمة شبابه .... ليتنعم بملكوته
يوسف اسمه بالمعمودية ... ودرجته الشماسية
هو بن القس اسحق ابراهيم ... وعشيرة اصيلة من قديم
وابن بلدة القوش الابية ... واخ البطريرك مار ايليا
܀܀܀
واليك بيت من الشعر يبرهن عن وجود تلك المقبرة:
ܘܒܒܹܬܼ ܩܒܼܪܵܐ ܕܬܬܪ ܒܚܿܵܙܹܬ ܫܡܫܐ ܝܵܘܣܦ ܙܲܗܝܵܐ
ܕܝܼܠܹܗ ܕܡܝܼܚܼܵܐ ܨܘܿܒ ܢܲܛܘܦܵܐ ܒܨܲܕܪܵܐ ܕܐܹܝ ܥܲܠܝܵܐ
ܒܬܦܲܩܬܵܐ ܕܡܵܪܝ ܐܹܠܝܵܐ ܘܪܵܒܝܼ ܐܸܝܼܣܦܿ ܥܲܒܲܝܵܐ
ܕܟܬܼܘܒܼܬܵܐ ܝܠܵܐ ܕܐܵܕܝܼ ܕܡܼܢ ܒܝܬܼܵܐ ܐܝܠܹܗ ܕܬܘܼܚܿܡܵܐ ܡܥܲܠܝܵܐ (4)
الهوامش:
(1) هذه الجملة لم تترجم، وساقوم بمحاولة ترجمتها:
على واحدة من قبور التتر ابيات شعر
(2) أظن كلمة( ܕܲܟܼܝܵܐ) لا تعني ابراهيم بل طاهر، او نظيف، او نقي، ليصبح البيت هكذا:
بن القس اسحق الطاهر
(3) البيت الاخير لم يترجم وساقوم بمحاولة ترجمته:
مسطر بالتاريخ اليوناني .... 1723 للمسيح الملك
(4) لم يتم ترجمة الابيات الاربعة الاخيرة، ساقوم بمحاولة ترجمتها الى العربية:
في مقبرة التتر ترى الشماس الزاهي يوسف.
الذي هو راقد باتجاه الناقوط في صدر ذلك الوادي
اكتشفها مار ايليا والقس يوسف عبيا
الكتابة عن هذا الذي من بيت رفيع النسب
nabeeldamman@hotmail.com
California on November 30, 2022
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×


37
حبوبة يا نبع الحنان والطيبة
نبيل يونس دمان
 
أناجي روحَك السمْحَة ... وكِلانا من تلك الدوحَة
     ها قد أطلت الأربعين، وبعدها تمضي السنين، بعد ان هدأت عاصفة تبادل الأحزان بين اقرب مقربيها والناس المنتشرة في مشرق الارض ومغربها، تترحم على عمتي حبوبة التي آن أوان رحيلها، كما كتبنا ذلك لوالدتها المعمرة شمي گُلّا، المتوفاة عام 2001 بعد ان عاشت 96 سنة، وكما يقول الشاعر:
ابنيّتي لا تجزَعـــي ... كلّ الأنامِ الى ذهابِ
أبنيّتي صبراً جميلاً ... للجليلِ من المصابِ
     ولدت حبوبة في القوش في 10 تشرين الاول 1933 وتوفيت فيها يوم 26 تشرين الاول من عام، 2022 اي قاربت التسعين ولم تغادر بلدتها او بلدها طوال تلك السنين. ما ان بلغت السابعة من عمرها حتى فجعت بمقتل والدها، واصبحت تحمل أخيها الرضيع كامل الى نساء محلة اودو المرضعات، منهن المرحومة ريجينة جلّو لكي يحظى بحليب دافئ، بعد ان هامت أمّهم على وجهها لتعمل مرضعة اطفال الميسورين في بغداد، ومنهم إنعام ابنة رئيس الديوان الملكي عبد الله بكر، من اجل ان تسد رمق اولادها الخمسة واكبرهم سنّاً كان والدي يونس البالغ من العمر 12 سنة. تلك كانت طفولة حبوبة التي لذلك السبب لم تدخل المدرسة ولم تتعلم، ومع ذلك كانت حافظة للاحداث التي مرت على اسرتها وعلى بلدتها فظلت تشدنا اليها كلما التقينا وغُصنا في بحر الذكريات.
حدثتني بألم ظل يعتصرها في مقتل والدها فقالت:
     إهتزت اركان بيتنا في حادث مقتل ايسفا صارا عام 1906 بعد ان كان بيت وجاهة في مركز محلة اودو، فاودع والدي وجدي وعمي سجون الدولة العثمانية الوخمة في الموصل، وصرفنا اموالاً طائلة حتى اطلق سراحهم، بعد ان مكث عمي اسطيفو سنينا طويلة في سجون الموصل دون ذنب.
     احد الاكراد من قرية خلف جبل القوش كان قد قرضنا بعض المال، فطالب بها وكان الجواب انهم لا يقوون على دفع المبلغ في ذلك الوقت من عام 1940، فطلب ان يسجلوا ارض متاخمة للجبل ( قصيلا) بإسمه، فامتنع والدي باعتبار تسجيل املاك باسم غريب خط احمر في اعراف القوش، وعندما اصر على تسجيل تلك الارض قرب مركز شرطة القوش،  وقعت مشادة بينهما فمد والدي يده وضربه في سوق البلدة، فهدده الغريب وقد اضمر عداء عميق في قلبه ناكراً صداقة عائلتينا. وبعد عدة اشهر بينما والدي وابن عم له اسمه صادق هرمز دمان في رحلة تجارية خلف الجبل، جلسوا يتناولون فطورهم عند نبع ماء في وهدة " بسقين" ، داهمهم ذلك الشخص بسلاحه فقتل والدي، وعندما صرخ به صادق: كيف تقتل ابن عمي؟ وخوفا من كشف الجريمة اطلق في الحال رصاصة اخرى نحو صادق فلاقى الاثنان حتفهما، وتيتمنا لنقضي سنينا عجاف في فقر مدقع ( أنتهى كلام عمتي) .
     كان مقتل والدها في يوم الجمعة الموافق 26- 4- 1940، وبمرور السنين انفرج الحال تدريجياً فقد تزوجت اختها ودّي من شعيا كوسا، وتزوجت هي من يوسف جهوري بتاريخ 27- 8- 1950 وانجبت اربعة بنين واربع بنات، وكبر اخويها يونس وحبيب واصبحوا اسطوات نجارة في مشاريع ضخمة مثل سد دوكان وسد دربندخان، وتركت الوالدة الخدمة المنزلية وعمل البقلاوة في الموصل، وواصلت رعاية ابنها الصغير كامل في دراسته الاعدادية بالموصل، ليتخرج مع اطلالة ثورة 14 تموز المجيدة 1958 معلماً ويفتح مدرسة جديدة في( مرسيدا) بناحية اتروش، وبحكمة الوالدة وتدبيرها بُنيت ثلاثة بيوت حديثة للابناء في محلة التحتاني مقابل كراج سيارات القوش القديم، اثارت اعجاب الناس بتلك النهضة المدهشة بعد الكبوة المؤلمة.
     عودة الى حبوبة التي تخرج اولادها وعملوا بجد واخلاص في اعمالهم،  فيسّر الرب حالها وصارت تشتهر بشيء آخر بعيد عن المال ومشاغله، وتكون استمراراً لوالدتها وبيتها في كسب الصفات الجيدة والنادرة، حيث تفيض حناناً للبعيدين قبل القريبين، واصبح لها صيت واحترام في البلدة وبين الناس، ابسط مثال كان الفقيد البطل صباح توماس يحترمها وينصت لما تقوله وفي احيان طلبت منه التدخل في موضوع يشغلها فلم يتوان عن تلبيته فيما كان صارماً ومختلفا مع الاخرين في امور متشابهة، كان صباح لا يتوسط لاحد في فترة عودته الى بلدته بعد السقوط.
     حملت معها حبوبة في رحيلها هذه الصفات النادرة، فكانت مراسِم دفنها رائعة واصبحت على كل لسان، عندما اتصلت بالاقارب القوش اسألهم عن ذلك، كان الجواب ضرباً من المجاز بالقول" لم يبقى حتى الرضيع في المهد لم يشارك في دفنها" يتقدمهم رجال الدين والراهبات وجوق الشمامسة، وهم يبتهلون بأعذب الصلوات والابتهالات ليطيب مثواها وهم يودعوها الى رحاب مملكة الرب السماوي.
     إن انسى فلن انسى قدومها الى بيت والدي في مراحل ترميمه قبل حوالي ستة اشهر، وآخر مرة عندما اكتمل جاءت بصحبة ابنتها سناء ودخلت المنزل وهي تعبر عن إعجابها والبسمة تغمر وجهها، دارت في انحاء البيت وفي كل غرفة كانت تدخلها اسمعها تطلق زغرودة بصوت خفيض ..... كانت تلك مباركتها وفرحتها بعودة البيت الى سابق عهده عندما كنا نسكنه، واخيراً سكنه الوالدين لوحدهم، بعد ان فرّقتنا الاقدار. 
    اذهبي عمتي ام صباح الى المصير الذي سار قبلك في دروبه المجهولة كل قاطني هذا الكوكب، وينتظرك رضا الله الذي اساسه من رضا الناس، وسيكون في استقبالك والديك، واخوانك يونس وحبيب، واختك الكبيرة ودّي، وزوجك يوسف، وعمي متي وخالتنا رَمّانه.
اطلب من الله ان يرحمك
ويجعل الجنة تحت اقدامك
   
   


nabeeldamman@hotmail.com
California on November 27, 2022
××××××××××
××××××××
××××××
×××
×

38
كوارث البيئة تهدد كوكب الأرض

نبيل يونس دمان
 
     كوكبنا الجميل الذي كانت له المنزلة الأسمى في بسط الكائنات الحية ودبيبها فوق متنه، وهو الوحيد حتى يومنا هذا الذي حظي بهذه النعمة من بين ما لا نهاية من الكواكب الدائرة في فلك الشمس، ولكن ابن البشر أساء الى النِعم التي وجد نفسه فيها منذ القدم في الإضرار المتصاعد تدريجياً منذ فجر الثورة الصناعية قبل حوالي ثلاثة قرون، واخطر ما فيه استخراج المعادن، والمواد البلاستيكية، ومجمل الاحفوريات التي تبعث السخام وغاز ثاني اوكسيد الكاربون واوكسيد النتروجين السام الى طبقات الجو المحيطة بسطح الكرة الارضية، كان ينبغي ان يكون سطح الارض خالياً منها لانها تلحق الضرر البالغ بصحة المخلوقات والكائنات من حيوانات ونباتات، حتى اسلحة الدمار الشامل من نووية وكيميائية لولا مستخرجات باطن الارض لما وجدت، وما زيادة السكان العاصف على سطح الكرة الارضية الا على حساب النوع، ومعروفة مقولة " التراكم الكمي يؤدي الى تغيير نوعي" .
     كارثة البيئة تشمل كل البلدان وما نقص الغذاء وتفاقم اسعاره العالمي، وكذلك انخفاض قيمته الغذائية التي اضعفتها المنشطات الكيمياوية، الا نتاج الحيف الذي الحقه الانسان بالبيئة، ليس هيّنا معالجته بل يتطلب دأب وعمل اجيال متتالية اذا توحدت الجهود وتوفرت الارادة وخفّت حدة التوترات والكراهية والحروب بين الشعوب، كلنا متساوين فوق سطح هذا الكوكب ومصيرنا واحد، فلتكن مسؤوليتنا كبيرة ومشتركة، كما يتطلب في ظل الاكتشافات العلمية المتسارعة ان تسخر لتحسين النوع البشري وتطويره ورفاهيته " الانسان اثمن رأسمال ! " لا ان تكون في ركوب سباقات التسلح المحمومة، وما جشع الشركات والدول الكبرى الا في المزيد من الاحتباس الحراري والتغير المناخي وقهر الطبيعة المحيطة التي ألِفها الانسان وعاش بساطتها واحتضانها له منذ بدء الخليقة، فكن منصفاً ايها الانسان! .
     لتنتصر ارادة الخير والجهد العالمي في مؤتمر( كوب 27) المنعقد في شرم الشيخ بجمهوية مصر والتطلع من جديد نحو المؤتمر السنوي القادم( كوب 28) في الامارات العربية، ونحو تسريع وتيرة الحفاظ على البيئة في كل بلد على حدة وفي البلدان المشتركة حول البحار والانهار، او المشتركة في سلاسل الجبال، او المشتركة في الاراضي الاستوائية، وعموماً في القارات اجمع. لقد اقترب الخطر مكشراً عن انيابه كالوحش الكاسر في الغابة، ليكن التقدم في ميادين العلوم والأبحاث بإتجاه سلامة البشر ورفاهها، وليس ابتلاءها بالكوارث او الامراض او الحروب، آن الأوان لبني البشر الكف عن التجمعات الهائلة في المدن الكبرى على حساب الارياف والمناطق الأكثر ازدهاراً ونقاءً واخضراراً.
nabeeldamman@hotmail.com
California on November 10, 2022
&&&&&
&&&&
&&&
&&
&

 
اهوال الحروب


39
المنبر الحر / صورة وتعليق
« في: 20:06 08/11/2022  »
صورة وتعليق

نبيل يونس دمان
 
الصورة في حلب ثلاثينات القرن الماضي وفيها من اليمين: بيكي گوكّي المتوفاة في القوش عام 1956 زوجة متي خوبير الذي سيق عنوة الى العسكرية في الحرب العالمية الاولى وقتل في تركيا، الجالس المونسنيور حنا اودو المولود في القوش اواسط القرن التاسع عشر والمتوفي في حلب سنة 1938، ابنة اخته ملي وهي ام بيكي قتل زوجها في السيف العثماني في ادنة، وخلفهم داود ( اودو الصغير) اسطيفو اودو المولود في القوش وهو والد مطران حلب الحالي مار انطوان اودو. الله يرحم الراقدين على رجاء القيامة. الصورة من ارشيف اولاد المرحوم ميخا خوبير

40
كل عام وانت بخير استاذي!



     قرأت منشورك* استاذي الجليل نجيب اسطيفانا الذي درّسنا مادة اللغة الانكليزية في مرحلة السادس الثانوي عام 1969- 1970 في بلدتنا الحبيبة وحصلتُ في الامتحان الوزاري على درجة 81 % . ما اقوى اسلوبك في الكتابة، وما اوسع مداركك، وما فيض مشاعرك في التعبير عما يخالج نفسك وانت تبلغ من العمر الثمانين سنةً شيخاً مهيباً، وقد احسنتَ في كل كلمة كتبتها سواء في تواضعك الجَم، اوهدوءك المعهود المرتكز على اعمدة الحكمة.
     معلومات اضافية جيدة عن المرحوم والدك يوسف حنا الذي للأسف لم أره، لكني سمعت عنه الكثير من افكاره النيّرة الى جانب اندفاعه في خدمة البلدة، والمكتبة التي وصفتها كانت نادرة بل التعلم في تلك الفترة كان محدوداً، ومعظم ابناء جيله لم يتعلموا في المدرسة ولكن اكتسبوا خبرة الحياة ومجاراتها بل مقارعة صِعابها، تلك ميزة اباءنا الذين كانوا أمناء على نقل تاريخ البلدة المدعو للفخر والتباهي عبر الاجيال.
     دامت صحتكم استاذي وليستمر قلمك السيّال بين فترة واخرى في تزويدنا بمواضيع رصينة نحن احوج ما نكون اليها، اضافة الى حاجة  ابناء وبنات القوش المنتشرين في بقاع الارض، فهم عطشى لسماع شيء يطفئ عطشهم ويخفف الام غربتهم التي لا يعلم احد كيف تنتهي او كيف يتواصل الاقرباء والاهل في مختلف القارت مع بعضهم في المستقبل، ولتبقى الجذوة متقدة في البلدة العامرة بمن تبقى فيها من اهلها الأصلاء، بعد الكوارث والصِعاب والمآسي التي انتابتها في الستين سنة الاخيرة، البقاء فيها تجديد لتراثها وحاجة موضوعية لموقعها المتمير وتاريخها الحافل، ابناءها اليوم هم  ذخرها وحفظة تراثها والناطقين بلغتها ومجددي عهد العظام من اجدادها.
تلميذك
نبيل يونس دمان
كاليفورنيا: الثاني من تشرين الثاني- 2022
*
اعزائي هذا الفيض من مشاعركم لذكرى ميلادي والتي جسدتها كلماتكم العذبة لامست دواخلي والزمتني فتح نوافذ في جدار الذاكرة لاطل من خلالها على فترة ثمانين سنة انبسطت امامي بظلالها وضياىها وباخفاقاتها والمثابرة للنهوض وتحقيق اليسير من التميز المتواضع. احدى هذه النوافذ وجهت انتباهي الى فترة الشعور بالزهو والتحلق في اجواء الافكار المغرية والامال الكبيرة والمشاريع الساحرية وبعد اعادة الحسابات الهبوط ارضا وادراك الواقع. في هذا السياق تستوقفني مراحل توقظ حنيني للماضي ويرفرف لها قلبي فرحا واخرى تشعرني بالمرارة المركونة في العقل الباطن. على العموم عايشت متعة الحياة زاىرة واستقبلت همومها ضيوفا. استميحكم العذر وانا الان اتطرق لامر يراودني كثيرا مثل طرقات على باب مسكن الضمير الا وهو الحديث عن المرحوم ابي الغالي يوسف حنا اسطيفانا الذي فارق الحياة وهو بعمر السادسة والخمسين اثر عملية جراحية لاستىصال القرحة في المعدة. اقولها صادقا وبسبب شخصيتي الخجولة والكتومة تحملت لفترة حزني لوحدي وكلما اختليت لنفسي اخذني الحزن الى عالمه وهناك هناك لا استطيع حبس دموعي واتركها اتركها تنحدر على وجهي ساخنة. رحل والدنا عن دنيانا مهموما لعدم تحقق ما كان يامله ويرسي الاساسات لبنائه لكنه كان مرفوع الراس بشهادة امينة ومعتبرة ممن عاصره والذين كسب بجدارة ثقتهم واحترامهم. خلال حياته انخرط بتفاني بما يهم ويفيد الشان العام لبلدتنا واشترك مع اخرين بمراجعة المسؤلين في دواىر الدولة لتحقيق الاحتياجات المهمةمثل فتح مدرسة متوسطة وما شابه. عمل المرحوم يوسف وكيلا لشؤون كنيسة القوش لعدة سنوات وبامانة مطلقة وساهم في تقديم المشورة عند حصول الاشكالات . ذكرت كل هذا ليس بقصد التبجح بل لاضهار الحقيقة واراحة الضمير. لا ابالغ عندما اقول ان يوسف حنا اسطيفانا وبالقياس مع فترته كان متنورا ومحبا للثقافة واقتباس المعرفة المتداولة ومتمكنا من العربية والسوريانية (السورث) قراءة وكتابة. للاستداال لهذا اقتنى مجموعة من الكتب والمخطوطات الثمينة بالسوريانية مثل يزدان دوخت وجان دي ارك وجانفياف ويوسف الصديق والعهد القديم والفيلسوف الاشوري احيقار وكراريس متنوعة تخص طقوس الكنيسة والمناسبات الدينية بالاضافة الى بضعة كتب بالعربية حول الحرب العالمية الاولى والثانية ومجلد دليل العراق وعدد كبير من المجلات الشهرية مثل مجلة النجم والهلال. ونحن صغار كان المرحوم والدنا كل مساء يقراء لنا فصلا او اكثر من الكتب السوريانية وهذا ما امتعني كثيرا واسهم بصياغة
ومتلاء جوانب من شخصيتي، عذرا لاشغالكم بهذه الخصوصيات وامنيتي ان ابقى عند حسن ظنكم وانتم جميعا متنعمين بوافر الصحة وباحلى الاوقات.
نجيب اسطيفانا


41
نبيل لم يكن أوان الرحيل
نبيل يونس دمان
 
     تلاشت اشعة القمر يا نبيل، وتبددت الأضواء في القنديل، سأنتظر قدومك الى المقهى يا أصيل، فلن يرق لي الجلوس فيها ما زلتم غائبان انت وشقيقك سمير، ذلك الممتلئ حكمة والقديرْ، الذي ذاق قبلك الكأس المريرْ، لم اكن حاضراً جنازته كونيَ مسافراً خارج اميركا، وهذه المرة ايضا كنت محمولاً على سفر بعيد، عندما اشتد مرضك أبيتَ الرحيلْ، حتى رجوعي وحضوري مراسم مواراتك التراب هذا اليوم، وسط حضور كنسي وشعبي مهيب.
     نبيل ايها الصديق الجميل، لماذا استعجلت الرحيل، وصحبتنا التي امتحنها الزمن لم تنتهي حكاياتها بعدُ، وكم اعجبتُ بسيرة حياتك وجهاديتك في كل ما اقدمت عليه من اعمال وأفعال ابتداءً من البلدة الحبيبة تلكيف، الى بغداد الأمجاد، وحتى وصولك اميركا قبل اكثر من نصف قرن، وقد فتح الله امامَك الفرص بحكم نشأتِك ومداركِك وعمق فهمِك لقوانين هذا البلد، ومتطلبات شقُّ الطريق الصعبِ حتى بلوغ الأملِ والأرَبِ.
 
     دعك من كل ذلك! لنعُد الى جلساتنا الجميلة في مقهى الستار باكس القريب من سكنانا، كنتَ تفهمني جيداً ولم يكدر صفو علاقتنا شيء، وكان ثالثنا صديقك القديم الطيب حبيب جابرو، ويتوالى الآخرون كلٌ وقَسطِه في محبتك، لم تزعل أحداً منهم قط، وجميعهم افتقدوك ولطالما دار السؤال عن صحتك التي تدهورت في السنة الأخيرة، وكنت تتحمل آلامك بصبر يندر مثيله، ولم تتغير طباعك ومزاجك المألوف في اشد حالات مرضك ضراوة، لقد بانت نهايتك في الأفق ولم تصِبكَ الأوهامُ، فمضيت حتى اليوم الاخير رابطَ الجأشِ حين اسلمتَ روحكَ الى باريكَ.
     كم حدثتني عن طفولتك وعن الزمن الجميل الذي امضيته في بغداد، رابطاً ذلك بصور في الأسود والأبيض العزيزة على قلبك، وكنت تُريني ايّاها جَذِلاً، كما وتربطني بمعارفك القدامى واصدقائك، قسم لا زال في بغداد ومن مختلف الاديان، كانت ثقافتك عامة لا تفرق بين البشر انتمائهم الديني او الطائفي او القومي. فتحت مكتبتك لي وفيها كتب تتحدث عن مجد العراق، وكنت مستوعباً هذا التاريخ، وتُعيد سرد الأحداث بدقة كبيرة، وروية رشيدة.
     نبيل وانت اسمٌ على مسمى وشقيق سمير المتحدث اللبق، وصاحب الحكايات الجميلة عن البلدة تلكيف، وسمير الذي ابى الا ان يغادر قبلك بأشهر قليلة، حتى يوسع لك مكاناً مريحاً في الحياة الآخرة، التي يشد ناظره اليها كل من عاش واحرق سنينَ عمره على هذه الارض، والتي لا تترك احداً إلّا وتعيده الى جوفها.
قال الشاعر:
حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري.......... ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار
فَالعَيشُ نَومٌ وَالمَنِيَّةُ يَقِظَةٌ.......... وَالمَرءُ بَينَهُما خَيالِ ساري
 
     بقي ان نقول بان نبيل جرجيس متّيا مولود في تلكيف- نينوى عام 1949 وقد رقد على رَجاء القيامة يوم الخميس الموافق 29- ايلول- 2022. تغمده الله برحمته الواسعة، واسكنه فسيح جناته. اشد على أيدي عائلته واولاده وباقي اهله الطيبين معزِّيا، مواسِياً، وداعياً من الله ان يمنحهم القوة والعزيمة لتحمّل المُصاب الجَلل.
nabeeldamman@hotmail.com
California on October 3, 2022
@@@@@@@@@@@@@@
@@@@@@@@@
@@@@@

 

42
مقطع من اغنية تراثية رددناها في زمن الطفولة وما زال صداها في القلب يبعث نفساً عميقاً
إعداد: نبيل يونس دمان
 
شِڨانو
( يقف رئيس المجموعة على صخرة عالية ويقرب ظهر كفيه الى فمه صائحا بصوت عالي، فتجاوبه المجموعة بصوت جهوَري موحد، لتتوالى المقاطع)
- وو شِڨانو
- دَرگي ڨانو
++++
- أيكيلي اُرووخ؟
-- پطورا عْلايا
++++
- ما كِخلي؟
-- گِلّا نايا
++++
- ما كْشاتي؟
-- مايي دْزِمزِم
++++++++
الترجمة العربية
الراعي
- يا ايها الراعي
- حارس الباب
- اين أغنامك؟
-- في الجبل العالي
- ماذا تأكل؟
-- الحشيش الأخضر
- ماذا تشرب؟
-- ماء زمزم
++++++++++++++++
ملاحظة: ارجو ان كانت هناك إضافة او تعديل إدراجها في تعليقاتكم وشكراً
++++++++++++++++
nabeeldamman@hotmail.com
California on September 30, 2022
+++++
++++
+++
++
+



43
مركز القوش القديم ( قشلة) بين الأمس واليوم
نبيل يونس دمان
     موقعه اليوم في اعلى مكان في القوش متاخماً الجبل، تشاء الصدف ان يضع حجر أساسه بتاريخ 17- حزيران- 1916 العريف التركي ( جاويش) احمد صبري الصقلي وهو من أفظاظ الحكم العثماني البغيظ، وقد بقي في القوش سنوات قليلة اذاق اهلها الأمرّين، وكانت فترة مجاعة وأهوال حرب ضروس بين الأمم ( دول الحلفاء ودول المحور) ، على اية حال حضر مراسم وضع حجر الأساس جمهور من الأهالي يتقدمهم رجال الكنيسة ورهبان الدير وهم يتلون المزامير على انغام الصُنوج والأجراس.
     على مقربة من المركز الأماكن المقدسة في البلدة منها: كنيسة مار كوركيس، كنيسة مار ميخا، القوناغ، مرقد النبي ناحوم الألقوشي، كما يجاوره الموقع المؤسس حديثا في منطقة يطلق عليها ( قرزي) حيث شيدت مجموعة بيوت على النمط القديم واخضرّ المكان وتخللته مقتنيات القوش الأثرية التي هي امتداد لمتحفها، تلك المدينة الصغيرة التي تعبق بروائح الماضي صاحب فكرتها ومهندسها الصديق الشاب داني اسمرو، الذي لا يألوا جهدا في اضفاء كل جديد ومبهج اليها وبتعاون فتية غيورين من الشباب.
     المركز اصبح بمرور الزمن مبنى متعدد الوظائف منها: إدارة الناحية، قيادة الشرطة، داثرة المالية، دائرة البلدية، دائرة النفوس، وغرفة السجن التي كان موقعها قبل ذلك بين بيت عيسى بلو وبيت بحو سرسمو وهي على شكل قبو بابه من حديد نصفه مشبك ومغلق بإحكام، وفي سني الدولة العثمانية كان السجن في في بيت ميخا دمان بمحلة اودو، وفترة اصبح في بيت الرهبان الذي كان يسكنه السقلي للفترة من 1915- 1917. لعل الاهالي يتفقون معي بان افضل مدير الناحية كان بهجت عبد الأحد قليان (1932- 1937) وأسوأهم كان سيروان الجاف عام 1963.
     جلس على دفة ادارته بعد نشوء الدولة العراقية وقيام النظام الملكي الدستوري، عدد كبير من مدراء الناحية ومأموري الشرطة شكلوا غالبيتهم من مدينة الموصل. مرت القوش خلالها بظروف متباينة منذ تولي ذلك المركز زمام سلطتها، فتارة في رخاء وأمان والأمور طبيعية ولكنها للأسف فترات قصيرة، وتارة فيها الظلم والاعتداء على حقوق الاهالي فيها وفي القرى المحيطة من كل المُلل والنُحل.
     إبتداء من عام 1980 تُرك المبنى بعد بناء مركز بديل فوق تل يسمى محليا ( رومته دمشلماني) شرق البلدة في بداية طريق دير السيدة حافظة الزروع، والتل اغلب الظن فيه من الآثار المطمورة التي لم يجر التنقيب عليها ابداً. وفي السنين الاخيرة انتقلت ادارة الناحية وسط الاحياء الجديدة، وعلى الشارع العام الذي يربط القوش بالموصل.
     تجاوز اليوم عمر المبنى ( قشلة) المئة سنة، ففعلت عوامل الطبيعة فعلها وتوقف ترميمه، خصوصاً بعد تركه، ادى ذلك الى اندثاره وخرابه بمرور الوقت، واذا استمر هكذا يمكن ان يتحول الى قاعٍ صفصفٍ ما لم تمتد يد العون اليه. في الوقت الحاضر نسمع بين فينة واخرى بوجود خطة لبناء فندق مكانه، ربما تلافت الحاجة الى ذلك على الاقل في الوقت الحاضر مع اكتمال دار الضيافة والاستراحة الفخم بجانب دير السيدة.
    في الختام نتمنى ان يتم التفكير بمشروع اكبر يكون واجهة عصرية للمنطقة، وذلك باقامة صرح ثقافي يضم متحف، مكتبة، قاعة مطالعة ونشاطات، نادي اجتماعي، مسرح، دار ازياء شعبية، وغيرها كثير، اضافة الى منتزه كبير باسق بالاشجار والرياحين ليكون حاضرة البلدة، مقابل مبنى النبي ناحوم الذي اكتمل ترميمه بشكل جميل في العام الماضي، والذي يؤمه الزوار والسائحين من داخل العراق وخارجه، لذلك بات ضرورياً انشاء مكان منتظم ومصمم هندسياً لأيقاف السيارات، اضافة الى حل مشكلة الشوارع الضيقة والخربة التي توصل اليه، وبناء نقطة حراسة في المنطقة، وتنظيم وعمل ادارة ومشرفين بيدهم مفاتيح المبنى، وبينهم من يختص بالتحدث عن البلدة وتاريخها.
الى الصور المرفقة التي معظمها بعدستي:

القوش ويظهر في اعلاها مركز الناحية (القشلة)

اصبح القشلة مأوى للأغنام - 1994


 
منظر مجمع القشلة من الخلف – 2012

 
رواق ( ايوان) الذي يفصل غرفة مدير الناحية عن كاتب الناحية


 
مدخل المركز وبقايا غرفة مدير الناحية – 2014

غرفة السجن المتهدم سطحها في يمين الصورة

اسطبل أحصنة الشرطة

داخل خرائب مجمع القشلة

ربية عسكرية فوق الحائط الشمالي اضيفت عام 1963

منظر محيط بالقشلة يقابله الدير المبني حديثاً فوق مرتفع مار يوسف

من داخل خرائب القشلة ثقابله من بعيد بيت بحو مسّول سرسمو

داخل خرائب القشلة

 
داخل خرائب القشلة
 
منظر خلفي للقشلة يقابله بيت بناه متيكا زورا عوصجي

الطريق المؤدي الى مدخل مجمع النبي ناحوم الألقوشي

زوار من عنكاوا الى مرقد النبي ناحوم - 2022

القوش القديمة ( القُش عتِقتا)

خرائب على طريق خزان الماء في ( قرزي)

غرفة من بقايا بيت هرمز ( مامينو) اودو

44
مقالي ومقال الكاظمي في صفحة جريدة المؤتمر
نبيل يونس دمان
 

عثرت بين اوراقي القديمة على مستنسخ صفحة المقالات في جريدة المؤتمر الوطني العراقي عدد 307 الصادر في حزيران 2002، ومنشور فيه مع السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء الحالي مقالين منفصلين، يطيب لي اعزائي القراء ان اعيد نشر الموضوعين:
 الأول:
قضية تستحق المناقشة:
دعوا كركوك وشأنها حتى تعلن دولة القانون والمؤسسات
نبيل دمان
     سواء عدنا الى التاريخ او لم نعد، سواء انصتنا لذلك التيار او لم ننصت، وسواء طالعنا ذلك المقال او لم نطالع، فكركوك يكفيها ما هي فيه من بؤس وحرمان وغياب للحريات والديمقراطية، مثلها مثل باقي مدن العراق من الشمال الى الجنوب.
     انا استغرب ورود هذا الكم من الكتابات على صفحات الجرائد والمجلات وتحت أضواء الانترنيت الكاشفة عن تلك المدينة العراقية التي يأتي تسلسل اهميتها الرابعة بعد بغداد ونينوى والبصرة في وقت كان حري بتلك الأقلام ان تتحرر من ذلك الانسياق الغريب وذلك المنحى السلبي الذي يبعثر الجهود ويفرق الصفوف نحو هدف اسمى وهو فضح النظام المسؤول عن كل المآسي والبحث عن طرق انهائه الذي لا بديل عنها، عندها فقط تصفى سماء العراقيين التي تغطي مدنهم وتأتي الحلول دون صعوبات تشير اليها تلك الكتابات التي تعقّدها، فرحاب الحرية وأجواء الديمقراطية كفيلة بايجاد كل الحلول للعُقد المستعصية ويجدر القول ان النظام الحاكم قد اضاف عقد جديدة ووضع عصياً في عجلة عراق الغد ذلك قدرنا وتلك تضحياتنا والمستقبل لنا.
     دعوة مخلصة ايها السادة ان تتركوا هذا الموضوع الذي لا يستوجب مشاحناتكم وحتى جدلكم فيما عدو الجميع يستفزكم ويجركم الى مواقع ثانوية نسبة الى امر اكبر واخطر وهو اغتصابه للسلطة ولعقود من الزمن وممارسته لكل جور وتنكيل باهلكم وشعبكم دون تمييز بين شمالي وجنوبي عربي او كردي تركماني او آشوري مسلم او مسيحي. ما الضير ايها الأحبة ان تكون كركوك ذو اكثرية كردية او تركمانية او اشورية او ان تكون حاليا ذي اكثرية عربية فالأقوام تلك عراقية في الصميم لها تاريخ في النضال الوطني التحرري وفي الوقت الحاضر تبرز فصائل من تلك الأقوام منضوية تحت لواء أحزاب او تشكيلات موحدة او ذات خصوصية، لماذا لا ننظر الى المستقبل فالوطن القادم للجميع بكل مدنه وباعتقادي ان الحديث عن تلك المدينة بانها كردية او تركمانية او عربية او اشورية هو سابق لأوانه ومضيعة للوقت فالمعيار هو المواطن نفسه في موقعه من القضية العراقية الشائكة والتي هي مدار البحث في عواصم القرار الدولي فأين نحن من تلك المراكز؟ وبالرغم من اعتزاز الانسان ايا كان بانتماءه القومي ولكن الإلحاح في هذا الجانب يؤدي الى الإنعزال والى الغلو والى الأنا العنصرية !! .
     في السابق ايها الاخوة كان العربي المنفي من الجنوب الى السليمانية او اربيل يلقى كل الحفاوة والإكرام من المواطنين الأكراد والتي تشعره بأنه بين أهله وأكثر، كذلك كان الكردي المنفي الى المحافظات الجنوبية لأسباب سلطوية قمعية يلقى كل المعاملة الطيبة من جماهير شعبنا في الجنوب ويمكن الأستشهاد بما نقل عن الأخت كلاويز صالح فتاح في صحيفة المؤتمر العراقي وهي زوجة المناضل الكردي الراحل ابراهيم احمد انها قضيت معظم ايام طفولتها في صحراء عفك ومدينة الديوانية والقرنة والبصرة التي تذكرها بالمدينة الحبيبة كانت الحكومة قد نفت عائلتها الى هناك، ولكنهم كانوا سعداء بأهالي تلك المدن الجنوبية.
     ليأتوا العرب ويسكنوا كركوك لتصبح الاكثرية عربية، فيا لفخر العراق بمدينة كركوك العربية، وليأتي الأكراد ويسكنوا ديالى ولتصبح الأكثرية كردية، فيا لفخر العراق بمدينة ديالى الكردية، وليأتي الآشوريون ويسكنوا نينوى ولتصبح الأكثرية أشورية، فيا لفخر العراق بمدينة نينوى الآشورية، لينتقل المواطنون فرادى ومجاميع انا اتكلم عن عراق الغد ليسكنوا سرسنك او بدرة او المسيب او تلعفر فكل تلك المدن وغيرها ملك العراقيين ويحق لهم الانتقال اليها بمحض ارادتهم ووفق مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية ذلك هو منظوري للمستقبل. هناك شواهد لرفات المئات من المناضلين العرب يضمهم ريف كردستان ومثلهم واكثر من الاكراد وباقي القوميات يضمهم الجنوب والوسط وكما قيل بحق بان النظام قد وزع ظلمه بالتساوي او بعدالة افتقدها في كل شيء باستثناء الضرر والحيف الذي الحقه بكل اطياف شعبنا الجميلة.
     صدقوني سيكون هناك متسعاً من الوقت لكل تلك السجالات والمناظرات والبحوث وعلى الارض عندما تتحقق دولة القانون والمؤسسات ويحل عصر الازدهار والاستقرار، اما حشد هذه المسائل الان فهو توقيت غير مناسب حيث يعاني الجميع من وطاة نظام هم جميعاً ضحاياه ويؤدي كذلك الى عكس صورة سلبية عنكم امام الشعب اولاً والمجتمع الدولي ثانياً، كما سيزرع بذور الشقاق بين الاصدقاء في اوقات لاحقة لا سامح الله الى حروب اهلية وصراعات قومية وطائفية، ويصبح اصدقاء اليوم اعداء الغد فيقمع ويضطهد بعضهم بعضاً ويدفع الشعب ثمنا جديداً، وتنتقل الماسي ودورات العنف الى اجيال اخرى وتكونون انتم السبب فيها.
     ختاماً استميحكم عذراً ايها السادة مستصرخا ضمائركم ان تتوقفوا عن تلك المجادلات غير المجدية في الوقت الحاضر، انا الصوت المدوي من اعماق التاريخ من حضارة أكد وسومر وبابل، انا الصرخة المدوية من الاحياء الفقيرة المستباحة والمنافي البعيدة، وان تركزوا على خطابكم السياسي الذي يسعف القضية العراقية في منعطفها الدقيق والحاسم علّكم تسمعون ندائي وفي النهاية انا الأقل مقاماً والأصغر شأناً من الجميع.
الثاني:
طغاة ناقمون لطغيان حاكم العراق
مصطفى الكاظمي
يستوقفني كثيراً المظالم التي اقترفها صدام حسين وزبانيته الطغاة بحق الشعب العراقي لانها جرائم لا مثيل لها في التاريخ المعاصر تفوق التصور وتتعدى منطق الخيال ولا يتاخم وصف حدودها او يقارب تحليل جوهرها، واذا ما اراد منصف ان يعطيها عنوان تعريف او تصنيف فلا تصلح الا ان تكون نموذجا ارشاديا، تمتما كما تتحول النظرية العلمية الباهرة المتألقة التي تبز النظريات السابقة عليها اناقة ودقة وانضباطا، فيضطر العلماء الاخرون يقلدونها ويتبعون خطاها بلا نقاش او اعتراض او حتى تعديل، لانها استحوذت على معادلات العقل واستوعبت سابقاتها وهضمت ما انتج العقل والتجربة. ( انتهت مقدمة الجريدة)
     تستوقفني كثيراً المظالم التي ارتكبها صدام حسين وسلطته ضد الشعب العراقي، لأنها جرائم لا مثيل لها في التاريخ المعاصر، تفوق التصور وتتعدى منطق الخيال ولا يتاخم وصف حدودها او يقارب تحليل جوهرها، واذا ما اراد منصف ان يعطيها عنوان تعريف او تصنيف فلا تصلح الا ان تكون نموذجا ارشاديا، تماما كما تتحول النظرية العلمية الباهرة المتألقة التي تبز النظريات السابقة دقة الى نظرية سوقية يتبعها من غطت الغشاوة عيونه بلانقاش او اعتراض او حتى تعديل، فظلم صدام حسين سيبقى علامة اشارة للمقارنة النهائية بلا اعتراض، وبلا جهد للتفتيش عن بديل او عن مساعد او عن موضح، لانه بلغ القمة النهائية، فهو صورة لكل خاطر، ونموذج لكل محتذ، وبيان تخطيطي لكل محاولة في هذا السبيل، انسى من قبله وأتعب من بعده، فكثير من الظلمة ناقمون على صدام حسين لانه سد الطريق على ( ابداعاتهم) ، وشرع اساليب في التعذيب والتشريد، والتفقير والتقتيل، والتجويع والتقزيم، والتسكيت والتخويف، وما على الباقين الذين سيأتون كي يكملوا دورة الظلم الكوني الا ان يقرموا ويشققوا، هذه هي مهمتهم، لقد انتهى عصر الابداع في طرق وماهيات الظلم، لان صدام حسين لم يترك واحدة من هذه الإبداع إلا وابدع فيها، ولم يدع صورة من صوره الا ومهر عليها بالختم النهائي.
     وهذا يثير الاستغراب من اولئك الذين يعترضون على الحديث المتكرر عن ظلم صدام بحق الاخوة الكرد، وقد فاتهم ان الحديث عن هذا الظلم ليس فيه تكرار، لانه لا نهائي في صوره واشكاله، لا يسعه مجال، ولا يقدر رقم على احصائه، فمن ينكر ان صدام قتل الرجل الكردي والمرأة الكردية والطفل الكردي والشاب الكردي، ليس بالحديد والنار وحسب، بل إعداماً وحرقاً وذبحاً وسمّاً وتمثيلاً، بالكيمياوي وبالبارود وبالنار، الناس والزرع والارض والماء والهواء، الفكر والعلم والتراث واللغة، بل حتى على صعيد الأحساب والأنساب والعلائق الجسدية والروحية.
     أكثر من 4000 قرية تباد وآلاف العائلات تاريخاً ووجوداً، بلا انقطاع وبلا توقف، طاحونة موت مستمرة، لا تعرف الرحمة ولا التأني ولا المراجعة!
     إنها ماساة بدأت ولا تنتهي، ويبدو ان صدام اقسم بان تبقى طاحونة موته في شمال العراق تحصد البشر والأرض والأنهار. ما دام هو باقياً على قيد الحياة يدفعه حس شوفيني بغيض مشبع بجاهلية عمياء، وشعور بالدونية لا يستقيم الا بالإنتقام من الاخرين، والكردي مجبول على الرحمة، غرست الجبال الشامخة في وجدانه قوة العضل واصالة الضمير، وشربت روحه بمعاني الشموخ، لم ينس يوماً اخاه في الجنوب، هذا الانسان البريء الذي فاضت علية دجلة الخير بأيحاءاتها الطيبة، فصار جزءاً من مائها وطينها وتاريخها.
     الكرد ابناء هذا البلد العريق، انعجنوا في ترابه العبق، ولذا كان اضطهادهم على يد الطاغية تعبيراً عن اضطهاد التربة العراقية، واعدام لدجلة والفرات، كما ان قتل اهلنا في الاهوار تعبير عن اغتيال لشلال علي بك، وخنق لجبال كردستان العراق.
     لم تكن جريمة حلبجة عملية قتل جماعي، ولا هي تجسيد لارهاب دولة فحسب بل هي تسميم للوجود كله ايضاً، من اجل امحاء شامل، تغييب لاعظم بديهية عرفها التاريخ البشري .. بديهية الحياة، الحياة ليس بمستوى الوجود العامي، بل بمعنى الأثر الموجود، ولو على ابسط مستوى من الحضور، الذي يمكن ان يشار اليه باصبع مبتور ومن على بعد عشرات الأميال.
     المقاتل الصدامية في شمال العراق لم تكن هواية عابرة ولا هي تجربة مؤقته، او عملية تأديبية ! انا هي فلسفة تقوم على التطهير العرقي، وتستمد مفاهيمها من الحقد المتاصل، لا بدافع قومي، لان القومية اعتراف بالآخر كي يتم الشعور الحي بالذات، ولا بدافع وطني، فصدام لا يعرف الوطن ولا يقر له احتراماً ولا تقديساً، بل هي حرفة وجد صدام في الاكراد مادتها.
     ان الاخوة الاكراد مدعوون الى ( تخليد) مجازر صدام ضدهم، وذلك بتفعيل العمل، بالوثائق وادراسات والصور والجداريات، والمطلوب ان يسجلوا شهادات الاطفال والنساء والشيوخ ويعرضوها للناس، كي تكون مادة لدراسة ماهية الارهاب والحقد والكره والجهل، وكيف ان هذه المقتربات تخرب الاوطان والشعوب والثقافات، تخليدها وإحياؤها في سياق وحدة التراب العراقي وقدسيته وعظمته، فان ذلك ليس جزءاً من التاريخ بل هو جزء لا يتجزأ من ضمير الوطن، من ضمير الوسط بأفيائه الظليلة، من ضمير الأهوار التي تستنجد الجبال الشامخات انها ملك الجميع، فلا يجوز التفريط بها، ثروة تكشف ما عاناه الشعب العراقي على يد هذه العصابة العاتية، التي لا تعرف للاكراد حرمة، ولا للعرب قيمة، ولا للتركمان كرامة ولا لأي عنصر بشري حق في الحياة، هذه القضية ليست فلكلورية بل مصيرية، مسؤولية تاريخية، وضياعها يعني ضياع تاريخ من الدماء والرؤوس والعقول.
     لابد ان تبقى المجزرة الصدامية ضد الأكراد ذكرى ملتهبة بالوجع والدموع والآلام والزفرات... وان يساهم الجميع في توثيق مجرياتها، كي تكون عبرة تعلم الاخرين خطر الحقد وخطر الجهل، فليست ذاكرة العراقيين مستعدة للغيبوبة، بل هي ذاكرة مشتعلة الى الأبد.. لهذا عدل الاسكندر عن قتلهم جميعاً كما اراد يوماً، ولكن ارسطو كان يعرف ماهية التراب العراقي.
     الحديث عن الاكراد يؤجج ذاكرتي عن الطفلة الجميلة "سه بران" التي حملتها على صدري، وانا في التاسعة عشرة من عمري ، متجاوزاً مع عائلتها وعدد كبير من العوائل الكردية، نهر روشين اي النهر الأزرق هرباً من عمليات اللأنفال سيئة الصيت في آب 1988 والموت الصدامي الذي كان يلاحقنا ومصوبا نحو ظهورنا. وفي غمرة عبور النهر وتياره الجارف، سقطت " سه بران" من يدي في غفلة زمنية قصيرة للغاية، لتختفي بين تيارات النهر في لمحة البصر. وقفت حينها مشدوهاً وحائراً ومتخماً بالحزن والبكاء.. فقد غرقت " سه بران" بعد ان جرفها النهر. لتغدو القربان الذي يمنح للأنهار. لكنها كانت قربان حرية الشعب العراقي بأكمله بعد ان تخلصت من جور النظام.
nabeeldamman@hotmail.com
California on August 20, 2022
&&&&&
&&&&
&&&
&&
&

45
المنبر الحر / إصدار كتاب:
« في: 17:54 20/04/2022  »
إصدار كتاب:
مقدمة
     السِفْر الجديد هو الجزء الثاني من كتابي الموسوم ( كتابات متنوعة) الذي يتضمن مقالات عددها (38) مقالة، كتبت في الفترة من عام 2009 الى 2013 وفيها مواضيع مختلفة بينها الغث والسمين، خطرت ببالي في تلك المرحلة من سيرة حياتي والتي ترتبط بالاحداث التي مر بها العراق والمنطقة والعالم او مواضيع انسانية عامة، ولا اخف سرّا اذا قلت بان اغلبها تعود الى ذكرياتي عن بلدتي القوش التي رأيت فيها النور وترعرعت فيها وكانت بمثابة منطلقي الى العالم الرحب، عزّزتُ الكتاب ما امكنني بالصور .
     من الموضيع التي اجلب انتباه القارئ اليها: موضوع ربع قرن على مهرجان الشبيبة العالمي الذي سجلت فيه يومياتي في المهرجان، وموضوع ضحايا كنيسة سيدة النجاة في بغداد الذي هزّ مشاعر العالم بأسره لهول ما ارتُكب بحق المسيحيين سكان العراق الاصليين، وموضوع رحلة بنيامين الثاني الذي هو ملاحظاتي عن كتاب قيم الفه الراحل الاستاذ سالم عيسى تولا، وموضوع فيشخابور تلك البلدة القريبة من زاخو التي تأسر الناظر اليها لجمال موقعها وكذلك الكوارث التي تعرضت لها عبر التاريخ، وموضوع الحشيشة والمخدرات الذي يخرّب بيوت الناس خصوصا شبابناً في المهجر الاميركي، وموضوع نماذج من التحولات الى الديانة الاسلامي، وموضوع جميل عن رسائل تبادلناها انا والزميل اخلاص محمد فاتح توفيق عن العلامة اللغوي الكبير انستاس ماري الكرملي، وموضوع يتناول مرقد النبي ناحوم في القوش لجلب الانتباه الى الاسراع في ترميمه لانه كان آيلاً للسقوط في اية لحظة، وغيرها من المواضيع التي ضمتها دفتي الكتاب. 
     ارجو ان ينال هذا المنجز الجديد اهتمامكم اعزائي القراء، فسعادتي تكمن في رضاكم، وفي مواصلة النشر والطبع ما امكنني الى ذلك سبيلا.
نبيل يونس دمان
22-2- 2022

 
 
 

46
المنبر الحر / البطاقة التموينية
« في: 20:52 16/04/2022  »
البطاقة التموينية
      البطاقة التموينية دخلت القوش في سني الحرب العالمية الثانية ، التي اطلق عليها ( سنة التموين 1944 )  ، سنوات اخرى أرّخها الاهالي حسب الاحداث المتميزة فيها مثل : سنة الفريق ( 1893) ، وسنة الثلج الكبير ( 1911 )  ، وسنة السونة ( حشرة السنـّك )  ، سنة الميران ، وسنة الزيدكيين ، وغيرها . من خلال تلك البطاقة كانت توزع حصة المواد الغذائية  ، وكانت الساحة المقابلة لمركز الشرطة ، تشهد كل صباح حشود الناس التي تنتظر اسمها في القوائم المعدة لذلك الغرض . وفي نفس الوقت توقفت المشاريع والاعمال ، وبات التفكير بمصائر الحرب هو السائد ، فالكل يتابع الاخبار ، مجالس القوش انقسمت بين مؤيد لدول المحور او دول الحلفاء ، الناس تترقب ما تسفر عنه تلك الكارثة الاممية التي تحصد البشر بالملايين ، وازداد القلق اكثر، كون تركيا التي اذاقتهم العذاب لقرون ، جارتهم الشمالية وحليفة لالمانيا النازية التي ارادت ان تتزعم العالم .... من وحي افكار شوفينية ، استعلائية ، عنصرية مقيتة . في نفس الفترة اجهد الحلفاء في انشاء خط دفاعي امام احتمال توغل القوات الالمانية في العراق ، في حالة انتصارهم في جبهة العلمين ، فتعبر قواتها مناطقنا باتجاه بحر قزوين وباكو لمحاصرة الاتحاد السوفيتي من ذلك الجانب . هكذا حفر الانكليز الذين كانوا شبه محتلين للعراق ، خنادقا في سهل القوش اعوام 1941- 1942- 1943  وبنوا مواقع قتالية محصنة في جهة الجبل المقابلة لقرية ( داكان ) الأيزيدية ، عندما جابههم نهير ( بهندوايا )  لم يكن امامهم سبيل ، سوى اقامة جسر كونكريتي مسلح ، سبحان الله ان يدخل الاسمنت لاول مرة في محيط بلدتنا للاستخدام العسكري . حدثني الكثيرون الذين عملو في تلك المشاريع ، واشادو بمراقب العمل الصارم ( اسطيفو بجي بلو ) الذي كان يتنقل لمراقبة العمل ، وهو على صهوة جواده . 
   في عام 1963 اعيد العمل ببطاقة التموين مرة اخرى ، وهذه المرة اصعب واكثر أيلاما ً واطول مدة ، نتيجة انطلاق الثورة التحررية الكردية . اعتاد ( ميخا ) احد الساكنين قرب مركز الشرطة ( قشلة ) ان يمر امام المركز حتى يبلغ السوق وبحكم الجيرة وحاجة منتسبيه الى خدمات بيته كانت الشرطة لا تزعجه كثيرا ً، والا كما هو معلوم في كل ازمنة البلدة ، كانت الشرطة تفرض قوتها وتلحق الحيف بالاهالي ، واشتدت تلك الامور كثيرا ، بسبب تغير الظروف السياسية في البلد ، فخلف الجبل قتال ، وفي كل المدن المتاخمة للجبال تحاول السلطة جهدها فرض حصار اقتصادي على المقاتلين ، فقننت شراء المواد الغذائية والمحروقات بالورقة التي يوقع عليها مدير الناحية او من ينوب عنه ، واصبحت تلك الورقة عملة نادرة ، وباستمرار تزداد الحاجة الماسة لها ، حيث التقييد على المواد الغذائية الاساسية كالسكر والشاي والرز والصابون ، وتقليص كميتها الى الحد الادنى جعل الناس في ضيق شديد . كان مدير الناحية يربط عملية توزيع الاوراق به او من ينوب عنه وحسب مزاجه ، يعطها لمن يشاء ويحجبها عمن يشاء ، باستمرار تتجمع الناس امام المركز نسوة ورجال مرضى ومسنين ، وتعبث بهم الشرطة دفعا ، صياحا ، واهانة . اتذكر مرة دخل العم ( حنا ) احد مسني البلدة ، غرفة المدير لطلب تلك الورقة اللعينة ، بعد ان مهد له السبيل  فراش المدير ( يوسف قوجا ) ، فانحنى الى الارض امام طاولة ( سيروان الجاف ) قائلا :  " اسعدت صباحا يا سعادة البيك " وما ان سمع المدير بكلمة البيك ، حتى انزعج جدا وقام من كرسيه الوثير ليدفع بالمسن خارج الغرفة ، وامر الفراش ان لا يدخله ابدا الى غرفته ، حاول يوسف قوجا ذلك الرجل الطيب ، ان يخفف من هموم العم حنا ، فمسك بيده حتى باب المركز ، والدموع تأبى التوقف ، فتنساب على وجه العجوز ولحيته البيضاء . هكذا كان الزمان رديئا ً والمسؤول صلفاً ، متجبراً ، حاقدا ، يتصرف كيفما يشاء فهو الحاكم المطلق يفعل ما يحلو له .
      كانت الاوراق توزع احيانا اخرى من قبل البلدية او من مختاري المحلات وحسب قوائم السكان وعدد نفوس الاسرة ، مع استثناء عوائل الملتحقين بالحركة الكردية ، فكانت العوائل الابية تساعد تلك الاسر واطفالها من تموينها الخاص ، ففي المآسي والملمات ، يشرع الشرفاء بتقاسم الخبز مع الجياع . كانت الشرطة او العسكر تراقب وتشرف على توزيع المواد الغذائية في السوق ، وكانت بضعة دكاكين يحق لها بيع التموين ، وقد منحت اجازة تعهد فيها صاحب الدكان ان لا يبيع ابدا مواد تصل في النهاية الى الثوار من الشيوعييين اوالبارتيين ( الديمقراطي الكردستاني ) ، وقد ثبتت على واجهة الدكان رقعة ( وكالة المبايعات الحكومية ) وتحتها اسم الوكيل ورقم اجازته الصادرة في الموصل . عندما تراقب الشرطة طوابير المواطنين في السوق او في محطة تعبئة المحروقات ( انذاك بيت الياس جيقا ) ، كانت تمسك بالعصي وتنهال ضربا على الناس لأتفه الاسباب ، او تدفع بصفائح النفط الفارغة ( التنكات ) التي يرصها الاهالي امام المحطة فيتعالى ضجيجها ، او تتحرش بالنساء والبنات ، ذلك كان حالنا لسنوات مديدة .
      تصور عزيزي القارئ حتى النزول الى المدينة كان ممنوعا في بعض السنين ، اتذكر عندما احتاج والدي النزول للبحث عن العمل في بغداد لم يسمح له فبتنا في ضيق وعوز ، حتى انفرجت بعد ان بعث احد اقربائنا من بغداد برقية عاجلة ، يطلب فيها بالاسم من والدي السفر الى بغداد للعمل ، وهكذا منح ورقة عدم التعرض ليجتاز بها السيطرات الحكومية . كانت اول سيطرة هي تلك المقابلة لمعسكر خيم حول ضريح المار قرداغ ، وفي احد الايام اطلق احدهم رصاصة على الصليب المرمري فوق الضريح فاسقط جزءه العلوي ، كانت نساء البلدة على الدوام يطلبن من الرب ان يشل تلك اليد التي طالت مقدساتهم . والسيطرة الاخرى الشديدة كانت في مدخل الموصل ( المجموعة ) ، كل يوم كانت الاغراض والمقتنبات الشخصية تبعثر فتخلط مع بعضها واخرى تسرق ، والتموين الذي يتجه الى بغداد ( البرغل مثلا ً ) كان يغرز في اكياسه قضيب حديدي للتاكد من خلوه من المواد الصلبة كالاسلحة ، اما الصور الشخصية فيتم التدقيق فيها ، واذا عثر على صورة لشخص يرتدي اللباس الكردي فيذهب جلده للدباغ . كانت اسرتي آنذاك مؤلفة من ثمانية أنفار ، والورقة التموينية لشهر كامل تسمح بالتزود بكيلوين سكر ، نصف وقية شاي ، كيلوين رز، 4 صوابين غسل ، و4 غالونات نفط ابيض ، اغلب الاشهر كانت الكمية تنفذ فنضطر للاستدانة من الاقرباء او الجيران .
    في احد تلك الايام كان المركز منشغلا ليواجه الهجوم المرتقب للثوارعليه ، يستعد في تعزيز مواقعه وعمل المتاريس المحصنة على السطح ، وجهز لهذا الغرض عدد كبير من الاكياس الصغيرة الكاكية اللون ، وكمية كبيرة ايضا من الرمل ، ثم ابتدأ  افراده بتعبئة تلك الاكياس ووضعها عل سطوح البناية التي كانت تشبه القلعة . احتاج الى ايدي عاملة بالمجان ( السخرة ) من ابناء البلدة ، ولذلك كان كل تعيس الحظ يمر  امام المركز او قربه في ذلك النهار ، تقتاده الشرطة ليعمل معهم في حمل كواني الرمل الثقيلة . غادر ميخا بيته ذات صباح شتوي ، ذلك الساكن قريبا من مركز الشرطة  كما نوهنا ، واحتياطا من المتاعب سلك طريق قريب من المركز ، وجلب انتباهه جمهرة امام البوابة ، ربما عرف ماذا يدور هناك ، او تصور شيء اخر، ولذلك عند وصوله السوق ، تحدث عن تلك الجلبة التي قال انهم  يوزعون بطاقات التموين ، اصغى احد الحضور لكلامه وكان حاملا كمية من اللحم والخضار وهو في طريقه الى البيت ، واعار اذنا صاغية ليلتقط كلمات ورقة التموين والتوزيع ، فاستفسر من المتكلم ، للتاكد مما يقوله ، فقال له شاهدت تجمع الاهالي قرب المركز ، اكبر الظن انها اوراق التموين . نظرا لحاجة صاحبنا الماسة اليها ترك مسواقه في احدى الدكاكين لفترة وجيزة حتى يعود ، وتوكل على الله وسلك الطريق العمودي المتصاعد الى موقع المركز في سفح الجبل ، وعندما وصل قريبا منه لمحه احد افراد الشرطة ، واسرع اليه يسحبه للعمل المجاني ، ويقول الشرطي " الله جابك ، جيت في وقتك " ومن يستطيع الممانعة او التذمر ، سوى ان تنهال عليه السياط ، او تركب كذبة عليه او افتراء بانه يتعاون مع ( العصاة ) فيذهب جلده للدباغ  ، عندما يشحن في حوض سيارة الشرطة المسلحة الى الموصل . بقي حتى العصر يحمـّل بالكواني الثقيلة من امام المركز الى فناءه ومن ثم يرتقي السلم الى السطح ، وهناك يرصها احد افراد الشرطة لتصبح سواتر ، وباشراف مباشر من مدير الناحية السيء الصيت سيروان الجاف . ظل صاحبنا في كل درج يرتقيه ، يشتم الرجل الذي قال انهم يوزعون بطاقات التموين ، ويلعن الساعة التي اوجدته في ذلك المكان . عندما عاد في العصر وهو منهك القوى ، منحني الظهر ، مبعثر الهندام ، فتش عن ميخا حتى يشفي غليله منه ، فلم يجده  واخذ مسواقه الى البيت التي كانت امراته تنتظر المواد للطبخ ، فحتى الطبخ لم يتم ذلك النهار في بيته . ربما كانت مزحة ثقيلة من ميخا ، حيث لا يخلو منها السوق في تلك الازمان الصعبة ، ولكنها مؤلمة في جانبها الاخر الذي يعتبر الانسان آلة بيد السلطات تستغلها كيفما تشاء لا بل تسومها العذاب ، بدل ان تسعدها وتخدمها كما تدعي رياءاً شعاراتها التي تملأ الواجهات .


47
سوق القوش في القرن العشرين


نبيل يونس دمان
 
     كان سوق البلدة عامرا ً طوال القرن الماضي ، فهو المركز التجاري والصناعي ، وملتقى الاصدقاء والاحبة ، ومكان استراحة المزارعين والعمال ، وملتقى الطرق الى جهات البلدة الاربع ، يعج بالحركة الدائمة خصوصا في الصباح لما بعد الظهيرة ، كانت الدكاكين في السوق بدائية وابوابها مصنوعة من الخشب ، فيرفع صاحبها بوابتها ( درّابه ) في الصباح الباكر ، لتستقيم وتثبت على ركائز خشبية ولتصبح مثلثة الشكل ، تقي الداخل من اشعة الشمس الحارقة صيفا ً ، او من الرياح والامطار والثلوج شتاءا ً ، اضافة الى ذلك كان يعلق في جوانبها بعض معروضاته من الاقمشة او الاحذية او الادوات المنزلية او الصناعات النجارية ، وفي فترات لاحقة عندما بدات حركة السيارات التي تنقل البضاعة الى السوق من الموصل بخاصة ، فاصبحت تلك ( الدرابات ) معرقلة ، فاختفت مع الزمن لتحل محلها اخرى معدنية ملساء ، تدور حول محور في نهايتيه بكرات.
     عندما كانت المياه شحيحة في البيوت بل قبل ان تكون هناك شبكة لتوزيع المياه من الخزانات ، كانت النساء والصبايا ، يحملون جرارهم وآنيتهم من الماء الذي تزوده الابار والعيون ، يضطروا لاجتياز السوق بصعوبة بسبب زحمته بالناس ، والاحمال المختلفة من الاخشاب ، واغصان البلوط ( طربي ) والفحم وغيرها . ايضا كانت الدكاكين تلك في كل الفترات المنوه عنها لا يسري فيها التيار الكهربائي لعدم وصوله الى البلدة ، وتخلو جميعا من الشبابيك التي تيهم في انارة المكان ، فكان الداخل وخصوصا ، تلك العميقة مظلما الى حد ما ، وترى في نهايته عامل الاحذية مثلا يجلس يعمل في تلك الاجواء الغير الصحية ابدا ، اما البقاليات فكان يفصل الدكان الى قسمين يكون الخلفي مخزنا للبضاعة . في الشتاء يستطيع بعض رواد الدكان الاستنارة قليلا بفعل الموقد الفحمي الذي يجعل ناره مضطرمة طوال النهار للحاجة الى التدفأة في البرد ، هكذا كان الحال ، وهكذا كانت معاناة اصحاب السوق.
     اذا قسمنا القرن الى اربعة فترات ، فاني عاصرت الفترة الثالثة تقريبا ، فيها عشت بين ظهراني قومي الذين بدونهم لا تطيب لي الدنيا ولا تستهويني الحياة ، تحدثت الى من عاصر السوق في الربع الاول والثاني ، وتوصلت الى تقسيم فترات اصحاب السوق الى ثلاثة مراحل : في العشرينات ، في الاربعينات ، وفي الستينات ، وبالطبع لن تكون المعلومات دقيقة جدا ومسلم بها ، نظرا للتغيرات المتواصلة على ملكية الدكاكين والقيسيريات والخانات والمقاهي وغيرها بين فترة واخرى . انا واثق بان العديد من الاخوة باستطاعتهم اضافة او تصحيح ما هو الانسب من الاسماء والتسلسل والفترة الزمنية ، لقد حاولنا وكتبنا قدر معلوماتنا ، ومن يأت بالأفضل والأشمل مرحبا به ، فالسوق مفتوح على مصراعيه يستقبل الاقلام التي تتحدث بلسانه ، كما البضاعة التي تعرض من رفوف دكاكينه المزدانة ، والغاية توحد الجميع لخدمة واحياء تراث البلدة ، وتفعيل سوقها العامر اليوم ، والذي هو عصب حياتها ، وهو كالشعاع الذي يبعث بوميضه للمنطقة ، فالى اصحاب الدكاكين في الفترات التالية:
العشرينات:
لا استطيع تسلسل الدكاكين في تلك الفترة ، ولكني ساقسمها حسب المهن التالية:
الخفـّافون ( او صانعو الاحذية ) :
بتي كجو- ياقو شامايا- ياقو ببة ( كجو ) – كوركيس سكماني- مينا سكماني- الياس بوداغ- عبدالمسيح دمان- كوريال ملوكا – موما بوداغ - ياقو شدا – صادق شدا- رمو بنا- سولاقا ( والد أيشا ) .
البزازون ( او بائعوا الأقمشة ) :
جبرائيل وحنا رزوقي- يوسف بولا- صادق وولده شيشا كولا – اسحق ساكو.
الخياطون:
جرجيس حنينا- يونس ياقو قيا- حنا رامانا ( كجو ) – يوسف كوريال يوحانا – يوسف كردي ( ديشا ) - يونس كردي - هرمز كادو، ابلحد صادق عوديش.
النجارون:
حنا القس يونان- الياس القس يونان- عبو القس يونان - شابا نكارا- متي نكارا- حنا نكارا – بولص نكارا وولديه حنا وبيبو.
الحلاقون:
حبيب شمعون طعان – بتي حمـّه ( صفار ) ، ميا اسمرو.
القصابون:
بطرس مجا ( ابونا ) – متي زرا - ايسف شابا زيرينه- ايسف ابلحد زرا.
البقالون:
ياقو حنو- ميخا كولا- اسحق ساكو- صادق جنو– حنا بدي - العم صليوو- قسطنطين ( من كرمليس ) .
الحدادون:
بولا خركا - بيت وزي.
اصحاب الخانات:
ججو سيبا دودا – خان سعيد بك ( والذي تنازل عنه ورثته الى وقف كنيسة القوش ) – ايسف سيبا دودا- خان الدير.
اصحاب المقاهي:
متيكا عوصجي – يوسف حنا اسطيفانا – ساكي بولا اسمرو.
اصحاب اللحام:
الاخوان حنا وشعيا شوشاني.
الصاغة:
توما قينايه.
الصفارون:
يونس صفار- داود صفار.
الأربعينات:
ستكون البداية من الجهة الشرقية والخط الجنوبي ، حتى الغربية والعودة في الخط الشمالي الى حيث ابتدأنا:
عيسى اسمرو ( قصاب )- خالة تريزا ( بقالية ) - موما بوداغ ( عمل الاحذية ) – عبو وموسى شمـُن هيلو كجو ( قصاب ) – باب البناية - دكان فارغ بدون باب – يوسف ابلحد زرا ( قصاب ) - الياس كجو ( قصاب ) - بطرس مجا ابونا ( قصاب ) – باب بيت يوسف سيبا دودا - هرمز كولا الملقب شنكاري ( قصاب ) - عيسى يونس كوزا ( قصاب )- اوراها جـَلـْوا – اسحق ككو ( بقالية ) – سادونا المختار ( بولا ) – عبو غزالة ( اقمشة ) – شيشا صادق كولا ( اقمشة )- الدخول الى القيسيرية العليا : ميا اسمرو ( حلاق ) – زورا بدي ( بقالية ) – دكان الياس بولا ( بيع الملح ) – ياقو بودو ( بقالية ) – القيسيرية السفلى : شعيا شوشاني ( تصليح بريموزات ولحام مختلف ) – زولاقا ( والد ايشا – عمل الاحذية )- مينا واخيه كوركيس سكماني ( عمل الاحذية ) – ميخا سكماني ( بقالية ) – بيت توما قرمز ( حنينا ) . ننتقل الى الجهة المقابلة خان الدير ( حاليا مدرسة ) – دكان ونس الصفار واولاده ( العمل على النحاس - الصفر ) – باب الخان- بيت سلـّو وجلـّوا- الخالة جوري – هاول عقراوي واولاده متي و ميخا ( تصليح الاسلحة ) – يوسف ( أيسف ) هومو ( عمل الاحذية ) – اسرائيل خوشو الملقب عجمي ( بقالية ) – حسقيال شدا واخيه صادق شدا ( عمل الاحذية ) – سليمان جهورو بقالا ( بقالية ) - ساكي بولا اسمرو ( بقالة ) – عبو اسمرو ( بقالة ) – ياقو جولاغ واخيه اسحق جولاغ ( اقمشة ) - يونس جيقا – اسحق ساكو وولده ميخا ( اقمشة ) صادق جنو وولده ابراهيم ( بقالة ) – اسطيفو تشكا - ساوا كردي ديشا ( بقالة ) - دكان المعلم ابلحد كوزا ( بقالة ) – حسقيال اسطيفانا ( بقالة ) – الباب الثاني للخان – درج الى مقهى بهنام ( بولا شرانش) – الخان الذي كان يديره كانون مركاية – عيسى صنا ( نجارة ) – بولص نكارا ( نجارة ) – حنا وعبو والياس القس يونان ( نجارة ) – متيكا وزي ( حداد ) – بولا خركا ( حداد ) – دكاكين عيسى ججو دودة ( وبينهم خان ) .
الستينات:
وكما عاصرته ابتداءاً من الشرق:
دكان شمو تاتا وزوجته ارموتا – ثم البناية التي امتلكها داود غزالة – الدكان الاول كان مخزن للحبوب مؤجر الى الياس بحي ساوا ( خركا ) – كامل ميا اسمرو ( بقالية ) – موفق وميسر داود جورا غزالة ( بقالية وصنع الايس كريم ) – باب المبنى – دكان يوسف ابلحد ( قصاب ) – نونو شنكاري – شعيا شنكاري كولا ( قصاب ) – جبو زرا – دكان حبيب كولا ( بقالة ) – سادونة مختار ( بولا- بقالة ) – يلدا الياس بوداغ ( بقالة ) – مموعبو اسمرو ( بقالة ) – صادق شبو ( اقمشة ) – القيسيرية العليا – صادق رئيس ( نجارة ) – جبو قلو ( فواكه وخضراوات ) – بطرس جبرائيل اسطيفانا ( خياطة )- يوسب غزالة ( المرطبات ) القيسيرية السفلى – شابا سيبو ( فرن صمون ) – ميخا سكماني – بحو بوداغ ومن بعده حميد حناني – اسرائيل عجمي وولده منصور ( خوشو- بقالة ) – رزقو اسحق ككو ( بقالة ) - حسقيال شدا ( بيع وتصليح الاحذية ) – المعلم عبد جبراائيل رزوقي ( بيع الاقمشة ) – باب المقهى الذي تناوب على ادارته : بولص شبو واولاده - يوسف واخيه يونس كوريال كويسا ( يوحانا – خياطة ) – يونس ياقو دمان ( وكيل احذية باتــا ) – بطرس بسقا ( خياطة ) - حسقيال بابانا ( بقالة ) – اسكندر ربان ( اسكافي وبقالة ) - عيسى جولاغ ( اقمشة ) - عيسى يلدكو ( بقالة ) - ابراهيم جنو( بقالة ) - ميخا ساكو ( اقمشة )- - دنو القس يونان ( بقالة ) - ساوا كردي وولده ايليا ( بقالة ) – صباح هرمز كاجو ( بوداغ - بقالة ) - سامي قس يونان ( قصاب ) – اسحق زيا ( بقالة ) – اسحق اسطيفانا ( اقمشة وجلود وتجارة مختلفة ) – باب المدرسة – يوسف بوداغ ( تصليح الاحذية ) – عيسى قطا ( صنا- نجارة ) – ياقو قبي ( صنا - قصاب ) - يوسف حنا نجار - بيبو نكارا - حنا كدا وشعيا شوشاني ( لحام ) – باب الخان – سمو ميخا كولا ( نجارة ) – عيسى ججو دودة - باب البيت- يلدا بوداغ – الياس كولا ( نجارة ) حنا نكارا واولاده ( نجارة ) – باب الخان وضامنه رحيم كجوجا وفي داخله – حدادة بيلو وخدر جلو – عيسى ججاوي ( مصلح نعل الدواب ) . دكان حنا القس يونان ( نجارة ) - الياس القس يونان ( نجارة ) –عيسى حمال القدو ( بولا- بقالة ) - سلو برنو ( برادعي ) - حبيب طعان ( حلاق ) – الياس بوداغ واولاده ( مخزن مواد مثل البصل والتمر والملح ) . الى الخط الشمالي للسوق من جهة الغرب : خان موسى اسماعيلو- شابو ( احذية ) حميد قلو( كماليات ) – جرجيس اسطيفانا ( بقالة ) - رحيم كردي ( بقالة ) – اوراها ياقونا ( صاحب مقهى ) - موسى كرا ( اسكافي ) – نابليون ( لحام ) – ججو ياقو رحيثا ابونا ( بقالة ) – خان حسقيال زلفا وولده عبو – نونو بحي بوداغ ( ملح وبقالة ) - نونو جولاغ ( بقالة ) - ممو كيزو( خياطة ) – حنا رزوقي ( بقالة ) - ميخا بنا ( بقالة ) - سليمان جهورو ( اقمشة ) - ميا ساوا ككنا ( فاكهة وخضراوات ) –بتي دكالي ( صاحب مقهى ) – حكمت وحبيب ابونا ( مرطبات ) وشغل المكان قبلهم صادق برنو ( بيع الملابس) – غانم جبو تنا ( بقالة ) – مقهى اولاد بولص حربي- اوراها القس يونان ( قصاب )- ياقو اسرائيل تومكا ( خياط ) – صادق شدا ( احذية ) – بطرس حنو ( خياطة ) داود قودا ( خياطة ) – يوسف ونموكه كردي ( خياطة ) – ياقو رحيما ( بقالة ) – اسحق ربان ( بقالة ) – الباب الثاني للمقهى– عبو قصاب مع شريكه حنا ( قصاب ) - رزاق ميا اسمرو ( حلاقة ) - منصور شكوانا ( بقالة ) – الياس ملوكا ( عمل وتصليح الاحذية ) – كوركيس سكماني ( عمل وتصليح الاحذية ) – موسى عمران ابونا ( تصليح الاحذية ) – كنا لاسو مرادو ( بقالة ) – عوديشو وميخا بدي ( بقالة ) – صادق زيدكنايه هومو ( خضراوات وفاكهة ) - حنا بيبي ( قصاب ) يونس كوزا واولاده ججو عيسى وبطرس ( اصغر قصاب في الستينات ) – باب بيت موما بوداغ - بيت موسى هيلو كجو– هرمز مرو ( تصليح الاحذية ) – يوسف ابلحد ( قصاب ) . بيت ال بوداغ – وينتهي السوق.
     وفي السنين اللاحقة في السبعينات افتتح سوق اخر سمي بالعصري مقابل بيت سليمان كتي خان ( ساكو) . وسوق اخر مقابل محطة المحروقات السابقة ( بيت الياس جيقا ) . لا تنتهي الحكايات الجميلة في الانتهاء من ادراج اصحاب اسماء الدكاكين بل يبتدا منهم اي سرد جميل واية حكايا تستمتع السامع ، فيصغي ويتذوق جمالها وتاثيرها فتأسر القلوب وتشحذ الهمم . ومن تلك الحكايا ان احد القصابين في الثلاثينات اعتاد ان يقطع السِنة رؤوس الاغنام التي يبيعها للقرويين في القرى المحيطة ، وفي احد ايام الصيف رجعت احدى القرويات لتعاتبه بشدة على فقدان اللسان الذي هو الألذ في مجموعة الراس ، فقال لها " يا امراة ان الحيوانين اللذين اشتريت راسيهما كان خرسانا ، فقد خلقا بدون لسان فكيف اتي بلسان لهم وانا الفقير امامك " فصدقته وعادت الى قريتها بعد ان ذرعت المسافة الطويلة مرتين في ذلك النهار.
من مصادر الموضوع:
المرحومة حبي يوسف مدالو
كليانا موما بوداغ


48
المنبر الحر / حادِثة بَكْروكـَه
« في: 21:42 01/04/2022  »
حادِثة بَكْروكـَه
نبيل يونس دمان
من حكاياتنا الشعبية:
     يقول الراوي : سمعت هذه القصة وكان عمري حوالي خمس عشرة سنة من عمي سليمان الذي توفي في 1950 ، وهو في شيخوخة طويلة ، اي قرابة المئة عام ، وهكذا اذا حسبنا على هذا الاساس يكون تولده قرابة 1860، ولكونها طريفة حفظتها طوال هذا الوقت.
     وقعت الحادثة أيام يوسف رئيس (1803- 1879) ، وفي زمن أغا الكوجر(إسماعيل) ، وعلي بك (جد تحسين سعيد) أمير الأيزيدية الحالي . كان اسماعيل أغا يملك اعداداً كبيرة من الأغنام تصل الى أربعة او خمسة قطعان ، من الواضح أن عملية تغذية هذا العدد من القطعان في فصل الشتاء تكون صعبة إن لم تكن مستحيلة ، حيث لا مراعي ولا مروج ، بسبب هطول الثلوج . يخزن بعض الناس العلف لتلك الايام لأن في بعض تلك الايام لا تستطيع الماشية مغادرة ملاجئها .
     كان يصعب على اسماعيل أغا تدبير العلف لاعداد أغنامه الكبير، ولذلك اعتاد في كل شتاء ان يسرح بأغنامه ، حراسه ، حريمه ، خيله ، خدمه ، من اعالي الجبال المكلله هاماتها بالثلوج جنوباً الى مناطقنا ، حيث يشتري مراع ٍ في جبالها (ﭙاوانـِه) من الأيزيدية في الجبال المحيطة بقرى باعذرا ، خورزان ، كـَرسافه . خصوصا في الجبل المقابل لقرية خورزان ، الذي تكثر فيه الكهوف الواسعة والعميقة (رأيت العديد منها عند تواجدي في المنطقة) . مناطقنا قليلة الثلوج في الشتاء وبالتالي تبقى مراعيها حيوية فترة طويلة من أشد أيام الشتاء برودة، لذلك كانت قطعان الاغنام تبقى فيها طوال فصل البرد ، وحتى مطلع ايار حيث يسوقها الرعاة صعودا الى الزوزان ، لتقضي الصيف بأكمله وحتى نهاية الخريف ، وتتكرر الرحلة نزولاً وصعوداً في الاعوام التالية .
     عندما تعود القطعان ..... يباع فائض منتوجها من اللبن والجبن والصوف والسمن الى مناطقنا ، وتشتري حاجاتها من اسواقنا العامرة بالسكر والشاي والصابون والملابس ، وكذلك المونة من برغل وجريش وحبوب وبقول وطحين.
     في تلك الرحلات التي فرضتها المواسم والطبيعة والمصالح المتبادلة ، كانت تقتضي ايضا اقامة افضل العلاقات مع ابناء منطقتنا ، فكان اسماعيل يصادق أمير الشيخان ورئيس القوش ، وعندما يأتي اليها كان يحل ضيفا عند أيسفي كوزل ، وبذلك تطورت الصداقة بينهم وبين باقي وجهاء قرى المنطقة .
     يدور الكلام بأسره عن كثرة الاغنام التي يمتلكها اسماعيل اغا ، كانت تعود من مرعاها الى الكهوف في الليل ، فاذا كان الجو حاراً فانها تحجز في اماكن مسيجة بالاحجار او الاخشاب ، ويطلق على تلك المسيجة التي لها باب ومفتوحة على السماء ب (كوتان) .
     اربعة الى خمسة قطعان من الاغنام ، يتركها الرعاة ، ويبقى كلب واحد يحرسها جميعها ، يكاد لا يصدق ولكنها الحقيقة ، كانوا معتمدين على ذلك الكلب ، فاذا اقترب حيوان يفترسه ، واذا جاء ذئب يقطعه ، واذا تقدم لصوص او اناس غرباء للسرقة ، يهجم عليهم ويمزقهم ، لا احد يستطيع التقرب منه ، لا من الحيوانات ولا من اللصوص ولا من الحيوانات الا اذا استخدموا الأسلحة ، عند ذلك يهب رعاة الأغا وحراسه بالسلاح ليدافعوا عن المكان ، وتحدث جلبة وطلب النجدة (هاور) فينهض الجميع لرد اللصوص .
     في احد الايام وفي واحدة من زيارات علي بك لإسماعيل أغا كأن يكون للتهنئة بالعيد او للترحيب بهم او لزياره بهدف معين ، جاء علي بك الى تلك المنطقة الجبلية ، فرحب به ضيفه بحفاوة ، وبعد احاديث متشعبة ، سأل علي ما يراود ذهنه بالقول :
- اغا انا معجب بك كثيرا واتساءل كيف يبلغ بك الامان والثقة ان تترك آلاف الاغنام في حراسة كلب واحد , كيف تطمئن نفسك الى ذلك ؟.
قال اسماعيل اغا :
- علي بيك ..... في الحقيقة ، ليس لهذا الكلب من مثيل ، مجرب ولسنين ، في قوته وشراسته ويقظته ، فلا احد من البشر او من الوحوش يستطيع التقرب من الاغنام ، في الليل او في النهار ، اذا كانوا لا يستخدمون السلاح ، اما اذا استخدموا النار ، فيهب جماعتي على اثر النداء (الهاور) ونتقدم جميعا حال سماعنا ذلك او اي صوت لاطلاق النار، فنحن كل هذه السنين مطمئنين تماما ً الى قدرات هذا الكلب الأعجوبة ، وباستمرار يزداد فخرنا به .
لم يصدق على بك ذلك وابدى شكوكه ، وبعد اخذ ورد ، آل الجدل الى رهان ، فقال الأغا :
- الاغنام متروكة هكذا في العراء ، ليتقدم من يشاء ويجرب ، طبعا نحن غير مسؤولين اذا المتقدم قتل من قبل الكلب ، عندها لا يحق لاحد ان يطالب بدمه ، وبالعكس هذه الاغنام وهذا الكلب امامكم ، كل يوم ، وليتقدم من يرى في نفسه الشجاعة ليتقدم وليسرق ما يروق له من الاغنام ، شرط ان لا يستخدم السلاح الناري ، ويستطيع استعمال السكين او الخنجر او العصا او الگوپال (عصا معطوفة الراس) او اي شيء من هذا القبيل . اشترطوا بينهم ، واعطى اسماعيل مهلة شهر الى علي بك ليستعين بكل جماعته ليأخذ ما يشاء من الاغنام ، ومن يفترسه الكلب يخسر نفسه .
     انتهت الزيارة وعاد علي بك الى باعذرا ، اهتم بالمسألة جيدا ، واخذ يرسل كل ليلة خيرة رجاله من شجعان الى قطاع طرق الى لصوص الى مهربين (قچاغه) ، واستعان بعصابات من منطقة زاخو معروفة (يطلق عليهم قايذنايه) ومن مناطق سنجار، وجميعهم اخفقوا ، ومضت ثلاثة اسابع على الشرط (قول) . كل هؤلاء حاولوا التقرب من الاغنام لكن بمجرد صدور اصوات بسيطة (دمدمة او حمحمة) من ذلك الكلب الاسطورة ، فانهم يهربون ناجين بجلودهم . ماذا بإمكان علي بك ان يعمل ، وقد بقي له اسبوع من شرطه مع الأغا ؟ .

     في احدى زيارات البك لرئيس القوش يوسف رئيس الملقب (أيسفي كوزل) في بيته ، والمسألة تشغل باله كثيرا ، اذ كيف يفشل امير الشيخان وقومه (ايزدخانه) وكل رجاله ومهربيه وشقاته ، في ايجاد حل لذلك الكلب اللغز ، واثناء جلوسهم واحاديثهم ، لاحظ يوسف علامات الحيرة في وجه جاره ، ولم يتمالك قائلاً :
- ما شأن البك ؟ انا لا ارى علامات الارتياح في وجهه ، فماذا يشغله ؟ .
اجاب علي بك قائلا :
- خواجه أيسف ...... لا تصدق ما اقوله لك عن الرهان مع اسماعيل أغا ، وحاولت جهدي خلال ثلاثة اسابيع لجلب ولو جدي او طلي واحد من قطعان الأغا ولكني عجزت تماما ً.
اجابه يوسف :
- احقا ما تقوله ايها البك ؟
- نعم ... وما العمل ... باقي لنا اسبوع ، ونخسر رهاننا مع اسماعيل اغا ، وهي مخجلة وملامة كبيرة لنا ، خواجه أيسف .
ضحك أيسف وقال :
- ليس هناك ابسط من هذه المشكلة .
وسأل البك متعجبا :
- كيف هي بسيطة ، خواجة ؟
     نادى يوسف على خادمه وقهوجي الديوان الملقب (بكروكه) لقصر قامته وخفته ، وهيئته الفقيرة ، وفي كل الاحوال لا تبدو على قسمات وجهه الشجاعة او القوة ، عمله كل ليلة في الديوانخانة ، حيث يقدم القهوة والسكائر للضيوف . جاء بكروكه مسرعاً .
فقال له يوسف :
- يا ولد (قليت) بكروكه اسمع ما يقوله البك .
كان البك غير راغب بمخاطبة بكروكه للاسباب السابقة ، ولكن طلب يوسف منه ان يتلو القصة والموضوع ، جعله يتكلم عن الكلب الشرس الذي حيرّهم ، ومن بداية الحكاية وحتى الوقت الذي هم فيه .
بكروكه يخاطب يوسف :
– كم رأس يريدني ان اجلب له من قطعان الأغنام؟
البك دون ان ينتظر جواب الخواجة .
– هات رأس واحد فقط وليكن خروف او ماعز صغير ، فقط اريد ان أوفي بالشرط .
بكروكة منشرحا ً.
– لا بيك سأقطع لك مجموعة (بالآرامية الدارجة بـِرَّه) من الاغنام .
(عند كلمة "برّه" وقف متحدثي يتكلم عنها طويلا ، بما يوطد الموضوع ويمنحه بعداً تراثياً) فيقول :
     لم اسمع باستخدام هذه المفردة الدالة على عدد محدد من الماشية في قرى اخرى ، وقد تجولت في العديد منها في شمال الوطن الحبيب. فقط تستخدم في القوش للتعبير عن عدد الماشية (اغنام او ماعز) وتساوي عشرة رؤوس ، فالذي يقول لدي 3 بـره من الاغنام اي 30 رأس منها ، واذا قال 7 برة اي 70 منها وهكذا حتى المئة عندها تتحول المفردة الى كلمة (قـْوطَة) ، فاذا قال احدهم : ان فلان يملك قوطِة من الاغنام اي المئات منها ، وغالبا ما يتجاوز القوطة الواحد عن المئة الى 150 او 180 . في المحلة الواحدة من القوش كان بعض البيوت تمتلك 20 رأس او 2 بره وبعضها 4 بره واخرى بره واحد ، فتجمع حصيلة عدة بيوت ليكتمل قوام قوطة ، عندها يستلمها (شفانه) الى المراعي المنتشرة في الوديان او السهول او الجبال (وكلمة شفان تعني راعي بالكردية ، وفي الآرامية رَعيا) يقول يسوع المسيح : انا هو الراعي الصالح (آنيون رعيا طاوة) ، والحال كذلك مع كلمة ( كافانا) التي تطلق على راعي الابقار وهي كلمة كردية يقابلها بالارامية (بقارا) التي يطلقها ابناء شعبنا في قرى بلاد النهرين الخالدين .
     في القوش الاربعينات من القرن المنصرم ، كانت توجد حوالي 20 قوطه غنم اي بحدود 2000- 3000 منها ، ففي محلة قاشا حوالي 4-5 قوطه ، وبيت قوجا مثلا كان يملك لوحده قوطة واحد وبيت ابشارة قوطة ، وبيت متاية قوطة وبيت مرخو قوطة واخرى تجمع من عدة بيوت كما سبق الحديث. كان لنا حوالي 4-5 بره وبيت ميخا عمي عدد من بري وبيت ياقو قيا . وفي محلات اخرى كان بيت بتوزا وبيت خوبير وبيت حنيكا ويقوندا واسطيفانا وغيرها يمتلكون بالمئات (قوطِه) . عندما كنت بين التاسعة والعاشرة من عمري كنت اذهب امام الخرفان لرعيها ، وابن عمي الذي كان يكبرني بعدة سنوات ، ينام طوال فصل الربيع امام الغنم ، مع ميخا أپا وغيرهم ، كانوا يدعونهم (شـَڤ نوبه) . ففي الربيع كان اصحاب الاغنام لا يرجعونها في المساء الى البيوت بل تبقى اشهرا في العراء (برية) وفي العصاري تحمل الحلابات عشاء الرعاة ، يخرجن من القوش يقصدون المراتع الخضراء التي يقيم فوقها بشكل مؤقت الرعاة والقطعان . فيما ينهمك الرعاة بالعشاء تتحرك الحلابات نحو الغنيمات الممتلئة صررها باللبن ، ويشرعن بحلبها ، فتمتلئ بعد قليل سطولهن (ستلوكات) بالحليب الحار، يجلسن بعدها قليلا يسامرن الرعاة ، ثم يعودن الى البلدة حيث بيوتهن واطفالهن متلهفين ، للحليب القادم من بعيد .
بعد هذه التعريجة نعود الى بكروكة وهو يخاطب رئيسه :
- عزيزا (احد ألقاب ايسفي كوزل) متى ينبغي الذهاب لتنفيذ المهمة ؟.
اجاب علي بك نيابة عن ايسفي كوزل :
- اذا امكن اليوم .
بكروكة مكررا السؤال :
- صحيح ، هل اذهب اليوم عزيزا .
- اذهب (سي قليت) معهم الان .
     جهز بكروكه نفسه جيدا ولبس سرواله وقفطانه (مقطنيثه) وحذاءه (كالِكِّه) ثم انطلق لا يلوي على شيء ، وسار مع المجموعة التي يتقدمها امير الشيخان ، وحتى بلغ قرية باعذرا ، والتي منها سينطلق الى جبل (بي قينا) مقابل قرية خورزان . في ذلك الجبل هناك خرائب دير بأسم (بي قينا) لا زالت قائمة ومعناه دير بنات العهد (بيث قيما) قياما قيمثي (مزمور) اي عهد وضعت . كذلك في كرسافا القرية الايزيدية المجاورة ، لازالت جدران الدير قائمة وإسمه دير بيث مريم والجدران من مادة الكلس الابيض (كلشا) ، في موسمه كل عام تتماوج الشموع التي يشعلها وقارا ً وخشية من رب الارباب ، اخوتنا الايزيدية المقيمين بقرب ذلك الموقع التاريخي ، العميق في وجدان المؤمنين بالله سبحانه وتعالى .
     الى ذلك المكان سيتوجه بكروكه متوكلا على الله ، قبل ذلك تناول عشاء فاخرا ً جهزه له خدم الامير، وبعد استراحة قصيرة ، نهض على قدميه وطلب منهم بساطا ً قديما ً(تحتية) وكذلك شليلة خيط متين (گـذته) .
ارتفع صوت علي بك آمرا ً :
- خذ ما تشاء يا بكروكه من البساطات المفروشة في ديواني ، وهي من النوع الفاخر .
وطلب من خدامه تجهيزه فورا بلفة خيوط من الوبر الممتاز. استلمها بكروكه واختار احدى البساطات من الديوان . فطواها بسرعة ووضعها تحت ابطه ، ليودعهم ويخرج مسرعا ، الى فضاء القصر والظلام يطبق الآفاق . في تلك الاثناء نظر علي بك في اثر ذلك الذي لا يشبه الرجال بل تخيله من اشباههم ، لقصر قامته ، وشكله ، وهيئته ، غير مصدق ابدا انه اهلا ً للمهمة الخطرة التي هو في صدد ايجاد مخرج لها . بكروكه من اشباه الرجال ، دميم المنظر ، فقير في كل شيء ، كيف يقبل المنطق ان ينسج بطولة عجز عنها رجاله ، ابدا لم يصدق ولم يثق بالموضوع برمته ، ربما راودته شكوك بأن مسخرة اخرى تنتظره ، وهذه المرة من رئيس القوش ايسفي كوزل ، ثم يرجع مسائلا ً نفسه : هل يعقل برجل وقور مثل اييسفي كوزل ان ينحى هكذا ، ماذا بأمكان بكروكه ان يعمله ، هل يلعب معنا لعبة ، فيأخذ البساط ويمضي الى بيته ، ولن نراه بعدها ، كان يجيب نفسه قائلا "لا ... لا ... غير معقول ، وان حدث ذلك فالملامة تكون على ايسفي كوزل" على كل حال ، في تلك اللحظات من مغادرة بكروكه راودته كل تلك الافكار ، ان لم نقل الاوهام .
     اما بكروكه فتوجه صاعدا في الارض الوعرة المحيطة ، قاطعا ً المسافة حتى بلغ اسفل الجبل (بي قينا) عند قرية خورزان الراقدة بوداعة في ذلك السفح ، لتقضي ليلتها الحالكة الظلام وبانتظار فجر جديد ليصبِّح كل انسان فيها الى عمله ، في الحقول او المراعي او اعمال البيوت ، وفي لجـّة الحياة التي قرارها هكذا منذ الازل وسيبقى.
     في الليل تتجمع الاغنام في اماكن مسيجة مفتوحة من الاعلى تسمى (كوتان) ويذهب كلٌ من الرعاة الى بيته او مكان مبيته في كهف او تحت قطوع صخرية (لوحده او مع عائلته) . بعد العشاء (تعليله) تصبح الاغنام في حراسة ذلك الكلب الذي سبق الحديث عنه . وصل بكروكة بخفته المعروفة الى اسفل الجبل او قاع الوادي وقبل ان يصعد الى جبل بي قيما وعند باب الكلي (الوادي) الذي يجري فيه نهير صغير ، جلس بكروكة ووضع ما بحوزته من مقتنيات ليشرع العمل.
     وضع البساط ارضا ، ثم اخرج خنجره الصغير فقطعه الى قطع محسوبة الابعاد والاشكال ، ثم خيطها بالاستعانة بإبرة خشنة (أرتخه) صنع من ذلك معطفا ً وبريا ً يسمى محليا (كپنـّك) ، وعمل له غطاء راس (سَر كـُلاڤ) من طبقتين من مادة البساط . المعطف الذي اجاد في عمله ، كان يفي المرام ، متينا يغطي الرأس وحتى اخمص القدمين ، ظل يمرر خيوط اخرى لتمتين العمل وجعله يقاوم ما هو مقبل عليه . مما تبقى من الخيوط ضفر منها حبلا ً اكثر متانة (شلالة) واداره حول جسمه بعد ان ارتدى المعطف . ومن ضمن حاجياته ايضا كانت قصبة (بلـّرته) خشبية طولها اكثر من متر وقطرها يعادل قطر الخشبة التي تستعمل في قياس الحبوب في البيع والشراء (گرمته) ، تلك الخشبة الخاصة كانت معه مذ مغادرته بيته . جلس في اسفل الوادي حتى انتصف الليل وساد المنطقة الهدوء ، انقطعت الضوضاء وخمدت النيران التي كان يتحلق حولها الرعاة طلبا للدفء والمسامرة في ذلك الشتاء من شتاءات بلاد بيث نهرين . هنا نهض بكروكة وتأكد من لبسه الصوفي ومن متانه وعدم وجود اية ثغرة او اماكن ضعف يمكن اختراقها ، وتحرك الى النهير بقربه وارتمى ، مرغ نفسه فيه جيدا ، في ذلك البرد والليل الذي لا يؤانسه شيء سوى ما يشغل فكره وينجح مهمته الصعبة . ترك المعطف يتسرب الماء اليه يشرب جيدا ً من كل جهاته من الظهر والبطن والرقبة والراس ، حتى وصل حدا ، لو حاول رجل مفتول العضلات خرقه بخنجره ، لا ينفذ ملليمترا ً واحدا ً (كل المواد التي استعملها كانت عالية الجودة) ، ثم شرع يجر نفسه صعودا باتجاه مواطن النـَعَم ، وهو مثقل بالمعطف المبتل ، وسار بحذر وعيونه مفتوحة لاستطلاع الموقع ، والاستعداد لاي طارئ . قبل ان يصل الى هدفه في خطف عدد من الانعام ، ظهر الكلب الحارس الذي شم رائحة الغريب او ربما وصلت اسماعه اصوات معينة ، وان كانت لكائن حذر في كل خطوة يخطوها . لم يطل الوقت كثيرا حتى كانت المواجهة بين الانسان والحيوان، الاول في ذهنه الوقاد والثاني في خفته وفرط قوته ، في البداية اصدر الكلب دمدمات كأنها النغم قبل ان يتصاعد انفعاله ، الى نباح وجلبة ، تقدم الكلب الى الامام وتقدم بكروكه ايضا ، يتقدم بكروكة خطوة وخطوات الى الامام والكلب كذلك ، اهتز المكان، وسمع الرعاة ذلك لكنهم لم يتحركوا ساكنين ، لان ذلك وارد كل يوم تقريبا والنتيجة تكون هزيمة اي عاثر حظ يحاول سرقة الانعام ، انهم واثقون تماما بأن كلبهم سيهزم اي لص مهما بلغ من الفطنة والسرعة والقوة ، ذلك ما كان من الرعاة . اما بكروكه القادم من بلدة القوش العريقة ، فلم يتراجع امام الهول القادم نحوه بل تقدم اليه ، وعندما التحم الجانبان في العراك خفتت الاصوات ، اذ انهمك الكلب في عض مناطق من جسم البكروك فكانت اسنانه لا تنغرز ابدا في الغريم ، دار حوله حتى يئس، عندها وبحركة ذكية مدروسة من بكروكه فادار له ظهره ، وحالما فعل ذلك ، قفز الكلب فوقه وشرع يأكل من رأسه ولكن هيهات ، فالصوف متين ، مبتل ، ومتشرب بالماء ، لا سبيل منه الى رأس بكروكه وجسمه الصغير ولكن القلب الذي يحمله كبير ، مجرب في امور شبيهة بالتي تجري اليوم ، كل ذلك من اجل إخراج علي بك من مأزقه مع اغا الكوجر المعروف اسماعيل أغا.
     عبثا ذهبت عضات الكلب القوية لرأس بكروكة ، وفيما الكلب منهمك في محاولاته ، ويبدو ان لا خيار اخر امامه ، استل بكروكه عصاه في يد ومررها خلف ظهر الكلب واستلم نهايتها في يده الثانية ، وسحب العصاه التي ارتكزت في منتصف ظهره ، بقوة الى الامام ، وفي الحال قصمت ظهر الكلب وتقطعت فقرات عموده الفقري ، صاح الكلب صيحة الموت وارتخت عضلاته ، منهارا على الارض ، وقبل ان يشرع بالأنين والنواح ، الذي لو حصل سيكون خطرا على بكروكه من رجال الاغا المسلحين . هنا تناول قطعة صوف من بقايا البساط ، كانت معه وألقمها في فم الكلب ، حتى يقطع اي صوت او أنين ، وفعلا تم ذلك بنجاح ، ثم حل الحبل الملفوف حول ظهره ولف فكي الكلب لفا ًمحكما ليكتم نباحه تماما ً، واخيرا ربط بالحبل المتبقي أرجل الكلب وسحبه مسافة الى جانب شجيرة هناك (طرّاشه) وربطه فيها . عند ذلك تنفس بكروكه الصعداء وخلا الجو له تماما ، ومضى يكمل مهمته التي من اجلها جازف بحياته ، فاقتطع عدد من الاغنام التي اعجبته من قطعان الأغا النائم بهدوء واطمئنان ، وسرح بها يسوقها بعصاه كأي راع خبير حتى باب الگلي (الوادي) ومنها انطلق باتجاه قرية باعذرا.
     مع مطلع الفجر وصل امام قصر الامير ، طرق الباب وجلس ينتظر البواب (درگڤان) حتى يفتحه ، لم يفتح الباب لان لهم نظام خاص في ذلك ، فجلس مع اكثر من بره من الاغنام امام حائط القصر ينتظر بفارغ الصبر خروج الخدم حتى يعود الى بيته . لم يطل الوقت كثيرا حتى خرج الخدم ليروا العجب امامهم ، صاح بهم بكروكه قائلا ً "تعالوا تعالوا استلموا الانعام وقولوا لعلي بك اني جلبتها له ، ولا وقت لي في مقابلته ، لان علي العودة السريعة ، عزيزا قلق الآن ، وداعا ً وداعا" . تركهم مبهورين امام منظر الرؤوس الجميلة للاغنام المسروقة من قطعان الاغا اسماعيل . في الحال ذهب قسم منهم الى حيث ينام البيك ، فأيقظوه من نومه قائلين "أس بني أس خلام ، اي يا عالي المقام نحن خدامك ، نعتذر عن ازعاجك في هذا الوقت ، لكننا جئنا في امر هام ، تعال معنا انظر بنفسك الى الانعام التي جلبها قبل قليل ، ذلك الذي لا يشبه الرجال ، لا نعرف ان كان ذلك في اليقظة او في المنام ما نراه امامنا . ان الالقوشي الذي جاء معك في الامس وغادر القصر بعد تناول العشاء ، ها انه عاد في الصباح الباكر ومعه الاغنام تركها امام حائط القصر، واودعنا بعد ان اعتذر من مقابلة البيك . بسبب تلهفه الوصول الى القوش ، كون الرئيس ايسفي كوزل سيكون قلقا عليه ، وحتى يطمئن بانه نفذ المهمة ، واختار الجياد من رؤوس ماشية الاغا اسماعيل ابلغ تحياته وتمنياته لك بالتوفيق."
     كل ذلك اذهل امير الايزيدية فنهض مسرعا من فراشه صوب بوابة القصر ، ليرى عددا ً من الأنعام تنام وديعة هناك . علي بك يرى الاغنام بأعينه ويخاطب نفسه قائلا ً "هل انا في الحلم ام في اليقظة ، كيف حصل ذلك ؟ هل يُصدق ما أراه ؟ كيف بنصف آدمي لا يزيد طوله عن شبر! يزايد علينا ، وينجح في عمل بطولي ، ونحن بكل قوانا من رجال ، لصوص ، قتلة ، وقطاع طرق ، من سنجار وزاخو وسينا وشيخ خدري ، وبكل ثقلنا وامكاناتنا لم نستطع ان نعمل شيئا طوال شهر من شرطنا (قولن) مع اسماعيل اغا. "
     هذا من جانب علي بك ، اما من جهة اسماعيل اغا ، فعندما سمع الرعاة صوت دمدمة الكلب ونباحه ، تصوروا ان علي بك يختبرهم مرة اخرى ، وعندما ساد المكان الصمت بعد الجلبة وانقطاع الكلب عن النباح ، ومن خلال تجاربهم السابقة ولسنين ، تبادلوا الهمس والابتسامات ، ميقنين بأن الكلب الشرس قد هزم اللصوص وربما افترس عددا ًمنهم ، تشهد تلك الارض الصخرية ، في هياكل عظام لكائنات مزقها ذلك الكلب ، وهكذا خلدوا الى النوم الهادئ ، والى سلامة الآلاف من قطعان ماشيتهم ، كما اعتادوا . لكن المفاجأة الكبرى كانت في الصباح عندما جلسوا من نومهم حيث لا ضوضاء ولا نباح الكلب ، وفيما هم منهمكون في سوق القطعان الى المراعي الخصبة المنتشرة في وهاد ووديان ذلك الجبل الأشم ، جلب انتباههم بشكل جلي هذه المرة بان الكلب مفقود ، حيث لم يألفوا ابدا إختفائه في تلك الاوقات . فكل يوم يكون ذلك الكلب مفعم نشاطا ً ، يهز ذيله متبخترا ، يدور حول الانعام ويركض هنا وهناك ، ترى ماذا جرى له اليوم بحق السماء ؟ فتشوا عنه ولم يجدوه ، نادوه ولم يستجب ، وعندما داروا حول الكوتان ، فماذا شاهدوا ؟ صعقوا وهم يرون الكلب مكسور الظهر ، مشدود الفم ، مقيد الارجل ، ومربوط بشجيرة هناك ، ما هذا الذي يروه ، هل هم في حلم ام في خيال . ما كان منهم بعد ان افاقوا على الحقيقة المرة ، الا ان يركضوا باتجاه المكان الذي ينام فيه الأغا اسماعيل ، وشرعوا ينادون عليه:
- أس بني أس خلام (من الكردية بمعنى : نحن خدامك يا عالي المقام) قم من نومك لترى ما جرى للكلب.
 - ماذا جرى يا اولاد ؟
 قم معنا وسترى بنفسك ما حدث.-
(نهض من نومه مستفزا ، وسار معهم مسافة قصيرة ، وهناك رأى الكلب مقصوم الظهر مشدودا الى شجرة ، لا يستطيع النباح او النواح ، صفق بيديه آسفاً) ثم قال بأسى:
 هي ماليمن خراب (بالكردية : اي لقد خرب بيتي) . -
ثم اخذ يكلم نفسه مذهولاً:
 - الف عافية لك علي بك (قالها بالتركية عفارم) والله لقد غلبتنا ، عفارم للايزيدية وعفارم لرجال علي بك ، لمقدرتهم الفائقة في التغلب على كلب ، كان لا يقهر ، وتحول بمرور الزمن الى اسطورة في تلك الأصقاع.
     فمن هم هؤلاء الابطال الذين نفذوا تلك المهمة ، والله انهم يمتلكون الجراة والامكانية الهائلة ، والا كيف نجحوا في الليلة الماضية . وفي الحال طلب من حراسه مرافقته على الفور، قاصدين قرية باعذرا ، وحتى بلغوا قصر الامير,
     هناك في باعذرا وفي القصر المنيف ، تقابل الرجلان ، وقبل التطرق الى اي موضوع ، طلب الأغا من البك واستحلفه بالسماء وبضميره ما يطلبه منه ، وهو ان يرى الرجل او الرجال الذين صلبوا الكلب ، وساقوا انعامه امامهم وسط حراس مسلحين ورعاة يقظين ، اولئك الذين عركتهم المغامرات.
 - الا تعرفـّني من فضلك على ذلك الرجل الهمام والسبع الذي لا يشق له غمام ، ومجموعته التي قامت بتلك المأثرة ، انا لا ابغي سوى تهنئتهم على ذلك ، بل لاقبلهم في جبينهم ، والله يشهد كم انا فخور بهم ، واحييك واحسدك يا علي بك ، ان يكون لك رجال من هذا الطراز وبهذه المواصفات . اسهب الاغا كثيرا في كلامه ، فيما علي يسمعه مبتسما ، وعند ذلك الحد رفع البيك صوته قائلاً:
 - كفى كفى يا أغا من اطنابنا ، فعن اي رجال تتكلم وعن اي أيزيدية تتحدث ، ان الذي قام بذلك العمل لم يكن من رجالي ، بل من رجال رئيس القوش ايسفي كوزل.
اسماعيل اغا التزم الهدوء طويلا ً ، ووضع اصبعه على احد الاوردة البارزة في اعلى رأسه ، ثم قال:
 اريد الذهاب الى القوش لمقابلة ذلك البطل الذي نجح في اصعب مهمة
علي بك يأتي بجواب سريع لرغبة الأغا في مقابلة بطل القوش ويقول:
 - لقد كان معنا في الامس وانا شاهدته يا اغا ، رجل لا يجذب منظره احدا ً، قصير القامة ، ضعيف البنية ، يعمل قهوجيا في ديوان ايسفي كوزل ، لا يصدق ابدا ً ما فعله ، شكله لا يوحي مطلقا بالبطولة ، او بإجتراح المآثر.
 - ارجو من الامير علي بك ان يصطحبني اليهم.
. بلى .... بلى ، حاضر أغا -
     جهز علي بك رجاله على الفور ، وسار موكبهم غربا ً ، قاصدين القوش ، وهم يتحدثون طوال الطريق عن بكروكه ، الذي لم يأت إسمه إعتباطا ، بل هو كناية عن صغر حجمه وضعفه ، ولكن في نفس الوقت خفة حركته ، وسرعة بداهته . عندما وصلوا البلدة كان رئيسها المهيب الطلعة ، الباسم المحيا في استقبالهم ، وهو رجل القوش الاول ، المعروف بين العشائر والسلطات التركية ، رجل يتقد ذكاء ، يفكر ليل نهار في شؤون الناس لإسعادهم ، ورفع الغبن عن الفقير والمظلوم ، منصفا ً كان أيسفي كوزل ، وشخصية قوية ومحبوبة ، انسانا ً في كل المقاييس ، وهو رجل القرن التاسع عشر في حياتها.
استقبل ضيوفه بالحفاوة والاحترام ، وبعد استراحة قصيرة ، قال الأغا اسماعيل:
 - والله خواجة أيسف جئت اهنئك بحرارة على رجلك الذي نفذ المهمة بنجاح ، واريد ان أرى شكله ، واي طراز من الرجال يكون ، جئت لأقبـّله في جبينه.
قال كوزل:
- ليس ذلك الرجل الذي تتوقعه يا أغا ، ولكنه قهوجي أمين ، يقوم بعمله على أحسن وجه كل يوم ، وان رغبتم في تذوق القهوة التي يعملها ، سأطلبه الان.
اجاب الأغا بسرعة:
 - عن اية قهوة تتكلم ، نحن نريد ان نقابله ونجلس معه.   
هنا نادى كوزل على القهوجي:
 بكروكه بكروكه! -
 - نعم نعم ، عزيزا.   
  لقد جاء الأغا والبيك من مسافة بعيدة لمقابلتك -
قال بكروكه وعلامات الانزعاج بادية عليه:
   ماذا تريدون ، ماذا تريدون ، إتركوني وشأني. -
الخواجه أيسف مبتسما ً وبمرح يقول:
- لا لا يا ولد ، اعمل لهم على الفور قهوة ، ليتذوقوا ما تنجزه يداك ، من القهوة الجيدة ذات النكهة الخاصة.
 سمعا ًوطاعة ، عزيزا. -
بعد قليل كان بكروكه يدخل الديوان ومعه القهوة الممتازة التي جهزها للضيوف ، وهو لا يرفع عينيه اليهم احتراماً.
ايسف كوزل يقول:
. هذا هو الرجل بكروكه الذي تريدون رؤيته -
طالت فترة تحديق الأغا بقوام بكروكه ، وهو مبهور فاتح ثغره ، ليقول:
. هكذا تكون الرجال -
     طلب اسماعيل بك من بكروكه ان يروي مغامرته في الليلة السابقة ، فرواها لهم باختصار شديد ، لم يخل من ارتباك واضح ، اذ لا تهمه ابدا ً الاضواء ولا الشهرة ، فقط اخلاصه ومحبته للرئيس أيسفي كوزل وبالتالي لبلدته ، تكاد تكون كل ثروته وتطلعه الوحيد في الحياة.
ملاحظة:
سنة 1995. القصة سمعتها من الشماس عابد هرمز كادو المحترم
&&&&

49
بمناسبة 8 اذار المجيد عيد المرأة العالمي، اخترت إمرأة من بلدتي العريقة:
وارينه شاتو
نبيل يونس دمان
 
    إسمها وارينه جرجيس شيخ اصفر أصلها من الطائفة ألأيزيدية، اقترن والدها بفتاة اسمها استر يوسف حنينا من بلدة القوش وعاشوا حياتهم في الموصل، في فترة الحرب العالمية الاولى سيق جرجيس الى العسكرة الاجبارية وبعد مدة تمرض ثم توفي، كانت إمراته حامل فولدت الطفلة وارينه عام 1917، وقبل ذلك كانت والدتها مربية لاطفال عائلة مسلمة تسكن في منطقة الفيصلية قرب الجامع. عندما كانت ترضع ابنتها كانت كذلك ترضع ابن تلك العائلة التي تعمل عندهم، وهي عائلة عبد النافع الذين اصبحوا مثل اهلها.

 
       بعد سنين انتقلت الام مع ابنتها وسكنوا في بيت بمحلة سينا، ثم تزوجت وارينه بعد ان بلغت سن الزواج من المرحوم اوراها ياقونا وعاشوا فترة في بغداد ثم انفصلوا، وعادت الى بيت امها لتعش حياة دينية وتـأمل في قراءة الكتب وتعلم اللغة السريانية، لتصبح بارزة في هذا الشأن وترأست لعشرات السنين الأخوية المريمية، وفي داخل الكنيسة كانت اية حركة من الصغيرات تصفعهن بشدة.
 
     كانت وارينه تتمتع بصحة جيدة، وقوام حسن، ووجه جميل، ايضاً مهيبة الجانب فكان الكل يحترمها ولها كاريزما خاصة، اضافة الى قلب ينبض بالمحبة لمساعدة الفقراء. كان لها اخ اكبر منها توفي في الموصل دون ان يكون له ذرية. لذلك اصبحت وحدها وفي اوائل الخمسينات تبنت طفل اسمه انداوس هرمز زلفا وعاش معها طويلاً، ثم ارتبطت بمرور الزمن عائلته معها وكأنهم بيت واحد، وقبل وفاتها تبرعت بالبيت الى الكنيسة وبعد وفاتها اشتروا البيت الذي لازال قائما كما ذكرنا في محلة سينا غرب البلدة.
     في عام 1963 اصبحت القوش بفعل حوادث الشمال تحت وطأة الحصار، فذهبت الى بيت عبد النافع تطلب مساعدتهم والسماح بأيصال الارزاق الى القوش فتم لها ما ارادت، وفي كل زياراتها لذلك البيت كانت تستقبل بحفاوة واحترام بالغين وكل مطالبها كانت تلبى وزيادة.
 
     وعندما هاجرت عائلة سولاقا كوركيس الى القوش في اوائل الستينات من قرية بيدا المزورية، كان ابنهم واسمه جميل في الصف الرابع الابتدائي ولم يقبل في المدرسة بالقوش لانه لم يمتلك الاوراق والوثائق اللازمة، فذهبت وارينه الى بيت عبد النافع وطلبت حل مشكلة الطالب اللاجئ فكان ان استحصلوا كل ما هو مطلوب ومهيأ لقبوله من مديرية تربية الموصل، وهكذا غدا جميل في النهاية مدرساً لمادة الكيمياء بعد تخرجه من جامعة السليمانية، اضافة الى مساعدتها لعائلته كثيراً وخصوصاً عندما أصيب ابنهم ججو بحادث خطير، فأخذته الخالة وارينه الى الموصل ليتعالج في مستشفياتها بالتعاون الوثيق مع بيت عبد النافع، وتعافى كاملاً.

 
     حدثني عمي كامل دمان قائلاً: كنا في احد الايام مجموعة من الصبية نلعب في خرابة العم جبو على طريق كنيسة مار كوركيس وسط محلة اودو، عندما مر القس المرحوم ابلحد عوديش فصاح بنا هكذا " امشوا يا كْليب قدّامي" فإمتثلنا حتى دخلنا الكنيسة، كان معي كل من: بطرس حنوش، جمال اودو، بندق يوحانا، حكمت دمان، ايشا سولاقا، وبعد دخولنا حوش الكنيسة، قادنا الى سرداب بعدة درجات تحت سطح الارض، هناك كانت مطروحة كمية من العنب المخمر فقال: اجلسوا واعصرو فيه، شرعنا نعصر ونرمي التلف على جانب بعد عمل مضني عثرنا على دن مليئ بالخمر فصرنا نشرب منه ونواصل العمل، شعرنا بانفسنا قد سكرنا، فاخذنا نعربد تارة برمي كرات تلف العنب ببعضنا حتى اصطبغت ملابسنا، ولم نتوقف عند هذا الحد بل صرنا نضحك باصوات عالية ونلفظ بكلمات نابية لبعضنا كحال السكارى في كل زمان ومكان. في هيكل الكنيسة الجنوبي كانت وارينه شاتو تقرأ التراتيل لمجموعة من النسوة وهم يرددون معها باندفاع ولهفة، وعندما تناهت الى اسماعها الضوضاء من القبو المجاور، تركت صلاتها وتوجهت الى السرداب لترانا في وضع مزري وصراخنا المتعالي، فرفعت صوتها بحزم : توقفوا، فساد صمت رهيب بيننا لمعرفتنا بتلك المراة التي كانت عندما تمر في زقاقنا نختفي خوفا منها فلا تتوانى عن ارشادنا واحيانا اذا تمسك احدنا يلفظ مسبّات فتفرك آذانه جيداً، واصلت كلامها: ما هذا الذي تفعلونه ومن اوعز لكم بأن تعصروا العنب، ونزلت درجات القبو باتجاهنا ولم تستطع الامساك باحدنا بل خرجنا متدافعين الى حوش الكنيسة ومنها الى خارجها والخوف والوجل يأخذنا مأخذاً، وحمدنا الله انها لم تمسك بأحد منا ولم تتعرف علينا ايضاً.
 
     في العشرين سنة الاخيرة قبل وفاتها رجع زوجها اوراها اليها وصار يقيم معها في بيتها، وعندما اتعبته السنين وامراض الشيخوخة، فكانت خير من وقف بجانبه وساعدته كثيراً حتى حانت ساعة موته. اما باقي حياتها المتعلقة بعلاقتها بنساء القوش والجيران فكانت قوية ومتينة وتعتبر مرشدة نسوية بارزة يشار لها بالبنان، كان بيتها على الدوام مفتوحاً لنساء المحلة لأداء الصلوات الجماعية، وظلت امينة لواجبها حتى ادركتها الشيخوخة فتوفيت ودفنت في القوش بتاريخ 22- 11- 1998. رحمة الله تغشاها.
 
nabeeldamman@hotmail.com
California on March 7, 2022
&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&
&&&
&

51
قصة من تراثنا السرياني العريق
اعداد: نبيل يونس دمان
.......اغتاظ المفريان مدعيا ان ذلك جرى مكابرة عليه، وابطل الكرازة باسم البطريرك في المشرق، وانقطعت صلات الاتفاق بين يعاقبة المشرق والمغرب، ومع كل الذرائع التي اتخذت لعقد وصال الاتحاد لم ينقَد المفريان الى الكرازة باسم البطريرك.
     فعول البطريرك يحيى ليستميل المفريان الى المهادنة والصلح على ان يبين تواضعاً يفوق كل وصف، فانه خرج من بلاد الروم واتى آمد، ثم تردّى ثياباً سوداً وقصد طور عابدين بزيّ راهب غريب حتى وصل تكريت. قال ابن العبري: فدخل ( البطريك بهذا الزيّ ) الى بيعة تكريت واستمرّ فيها زماناً. فاقتبله المفريان، وسأله من انت ومن اين اتيت، فاخبره انه راهب غريب من اقليم جيحان يتوق الى مشاهدة وزيارة المشرق واديرتها. ولبث ثمة نحو شهر منعكفاً على التراتيل والخدم الكهنوتية، فاحبه المفريان جدا، ولا سيما اذ عاين حلمه وتواضعه، ونعمة الروح التي افيضت عليه. وكانت ابرشية العرب في تلك الغضون قد ترملّت بموت راعيها، فعوّل المفريان على نصبه اسقفاً عليها، فابى متمنعاً، فاستحلفه المفريان ان يقبل هذا المنصب، اما هو فلم يزد الا إباء. ولما اصرّ قيّده بالحرم وصرّح له انه لن يحلّه حتى ينقاد الى طلبه. انتهى. فعوّل البطريرك يحيى إذ لم يقدر على تحمل صرامة هذه المعاملة القاسية على ان يبيّن نفسه قائلاً: انا هو يحيى تلميذك الذي نصبني الغربيون بطريركا بدون رضاهم، وقد اتيت اليك لتصلّي عليّ، وانا مستعد لإجراء ما تامرني به. اما ما كان من المفريان لما سمع هذا الكلام فانه اخذته الحيرة والاندهاش ولبث منخطفاً غائباً عن وعيه. وبعد ان تيقّن صِدق مقالهِ وعرفه رفع صوته باكياً وجثا على ركبتي البطريرك، وقبض على رجله اليمنى ليقبّلها طالباً العفو منه.
     وأدى المفريان حق الحرمة والمروءة بل المعروف للبطريرك مكافأةً لتواضعه فانه امر حالاً ان يلبس ثياباً لائقة ثم تهيا للسفر، وقصد دير جبرائيل اسقف قرطمين، وكان هذا قد امتنع ايضا عن الكرازة باسم البطريرك لان الاساقفة لم يدعوه الى السياميذ. فسعى المفريان بمصالحته مع البطريرك ومن يومئذ شرع بالكرازة باسمه. وبعد ان قضى المفريان هذه المهمة على احسن منوال ودع البطريرك، وعاد الى تكريت.
من كتاب " ذخيرة الأذهان" تاليف القس بطرس نصري
nabeeldamman@hotmail.com
February 16, 2022
**********
*****
**
*



52
كلمة عن داود الأعمى من مار ياقو
ܡܲܚܟܵܝܬܼܵܐ ܐܸܠܸܕ ܪܵܘܝܼܕ ܟܘܿܪܵܐ ܕܡܵܪܝ ܝܲܠܩܘܿܒܼ
اعداد: نبيل يونس دمان
     إسم والده دانيال وأصله من درﮔني التابعة الى العمادية، واسم امه مِسكِنتا من قرية مار ياقو. كانوا ساكنين في معلثايا، ومنها قاموا وانتقلوا الى القوش، هناك ولد لهم ولدين وبنت، والكبير داود الذي يدور كلامنا حوله، وقد كان حالهم ضعيفاً، ثم مات والدهم ليصبحوا يتامى، عندما رأت والدتهم بانها لا تستطيع اعاشتهم، صعدت بهم الى مانكيش وهناك تزوجت من رجل مسكين الى ان بلغ عمر داود ( 9 ) سنوات واصبح يذهب الى المدرسة،  فيها تعلم تهجي الكلمات ( ܗܘܓܵܝܵܐ) ، ثم وقع في تلك السنة مرض ( ܟܘܪܗܢܐ ܕܫܠܵܩܵܘ) في مانكيش فأصيب بذلك المرض ايضاً واصبح اعمى.
    بعد زمن قصير ذهب الى القوش لانه كان لا يستطيع العمل، كل يوم كانت امّه تحمله وتأخذه الى المدرسة وهكذا كان يتعلم في الانصات الى زملائه. لانه كان ولداً ذكياً تعلم بفترة قصيرة اكثر من كل أقرانه في المدرسة. من هناك صعدا للمرة الثانية الى مانكيش، وفي احد الايام زعل من الرجل المتزوج والدته في الزواج الثاني، لانه ضربه ضربة قاسية صادق قافلة متوجهة الى كرمليس فذهب معهم وبقي في تلك القرية في بيت رجل اسمه ايوب. وهذا الرجل قام بكل واجباته وكان يحبه كثيراً. الى ان ذهبت امه بعد سنتين وأرجعته، من بعد ذلك جاء وسكن في قرية مار ياقو وهناك تربى بالقوانين التي اكتسبها من الآباء المرسلين الدومنيكان.
     كانت له رغبة عارمة في التعلم ولهذا السبب جلس في المدرسة وتعلم القراءة عند الشماس اسطيفان التلكيفي الذي كان في ذلك الوقت معلماً في مار ياقو.
     عندما وصل الى سن الزواج اتخذ له زوجة من مار ياقو وأنجبت له ثلاثة ابناء وإثنتين بنات، عندما توفي اخيه ترك ولداً. واصبح اربعة اولاد اخته ايتاماً ايضاً وفي رقبته.
عندما رأى بأن كل هؤلاء اصبحوا تحت رعايته، بدأ ينتقل من قرية الى اخرى طلباً للمساعدة أو الإستجداء لهؤلاء الاطفال الصغار.
    كل سنة كان ينزل الى الموصل ويأخذ كتاباً من المرحوم مار يوسف اودو ومار ايليا البطريرك لجمع الفلوس من المرعيات ( ܡܲܪܥܝܵܬܼܵܐ) . كان يذهب الى الجزيرة ويصعد الى صَبنا في البرد والحر وهكذا كان يقضي حياته، وفي اي مكان يذهب اليه يفتش عن الكتب القديمة والصعبة ويبتدئ يسمع ما مكتوب فيها وقراءة ما يقع في يده.
     كان شاعراً مرموقاً وضع نظماً ( ܪܘܼܟܵܒܼܸܵܐ) وقصائد كثيرة للعبادة التي كانت مسموعة كثيراً من كل من عرفه، خصوصا تأليف كتاب الأمثال الذي هو جميل ومبعث سلوى للقراء، وضعه بالتعاون مع الصديق الباتري يعقوب المرسل الدومنيكي، هكذا امضى المرحوم حياته في الاستجداء. وفي الأخير اصابه مرض شديد، فنزل الى الموصل لمعالجة نفسه، ومات هناك في سنة 1989 ( ܐܦܦܛ) الله يرحمه.
ملاحظة:
ترجمتُ هذا النص السرياني الى العربية من كتاب الامثال المطبوع في مطبعة الآباء الدومنيكان– بالموصل سنة 1896 ميلادية، والذي ارسله لي مشكورا الاخ نزار عيسى ملاخا.
nabeeldamman@hotmail.com
California on February 14, 2022
&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&
&&&
&

53
فراشي في عش البراغيث
داود الأعمى*
اعداد نبيل يونس دمان**

قرية بيوس المندرسة
في احد الأيام انحدرت الى قرية بيوس***
فنزلت ضيفاً في بيت القس
بعد ان ارتاحيت وتعشيت
فرشوا في الممشى فراشي
«««««
آه ماذا اعمل أنا المسكين
البراغيث التي أكلتني
«««««
عندما استيقظت البراغيث
إشتمت رائحة إنسان
ومثل جيش أسود إلتمت
في جسدي شرعت تنتشر
«««««
جاءت البراغيث الحمراء
تتقدم مجموعات مجموعات
تصكّ أسنانها نحوي
اوقفوا في بلعومي لعابي
«««««
ايتها البراغيث دعوني أنام
أنا اعمى أتركوني أرتاح
أنا ضعيف البنية
أنا فقير الحال
«««««
آه ماذا اعمل أنا المسكين
البراغيث التي أكلتني
«««««
ايتها البراغيث أتركيني
أخرجوا دمي من أفواهكم
إذهبوا الى الأغنياء وإلتقوا
إمتصوا دمهم وأبلعوا
«««««
جاءت البراغيث مجاميع
بدأوا يعضّون لحمي
على الأرض كانوا يقفزون
بدمي كبرت الملاعين



لقراءة الموضوع كاملا انقر على الرابط التالي
https://ankawa.com/forum/index.php?action=dlattach;topic=1030115.0;attach=1280476

54
قراءة ممتعة في رواية " تجلت فتحكمت" للروائية نسرين ابو قلام
نبيل يونس دمان
     كانت امسية يوم الأربعاء الموافق 15 كانون الأول 2021 رائعة بكل المقاييس، فتلك فعالية أدبية- ثقافية يندر إقامتها في المهجر الأميركي وخاصة في مدينة سان دييغو بولاية كاليفورنيا، كان الحضور لابأس به من الجنسين في احدى قاعات  المدينة واسمها بابلون. صعد الى المنصة الصديق الدكتور ثائر البياتي المعروف بنشاطاته وقابلياته المتعددة في هذه الولاية، والذي عرفته منذ وَطأت اقدامي أرضها قبل 17 سنة ، وجلست الى جانبه السيدة نسرين ابو قلام مؤلفة الرواية.
 

     عندما طرحتُ اسئلتي في نهاية إستعراض الرواية، قلتُ بأن كلام د. ثائر المشوّق قد جعلني أعيش أجواء الرواية قبل ان أقرأها وأعدتهم ان اقرأها ويكون لي خوضٌ في تَجلِّياتها! . تَجلّت الرواية عن فكرة الاحداث التي مر بها العراق زمن صعود الدكتاتورية في سبعينات القرن الماضي، ثم الحرب الطاحنة الطويلة بين العراق وايران، ودخول العراق دولة الكويت، ثم اعقبتها فترة من اسوء فتراته ظِلماً وظَلاماً، تلك المتمثلة بالحصار الجائر المفروض على الشعب، وحتى سقوط الصنم في 9 نيسان 2003.
 
     بشكل جيد ولافت للإنتباه عَرضت وحَلّلت الروائية تلك الاوضاع من وجهة نظر بَدت لي محايدة، وبلُغة سلِسة، وعبارات رَشيدة، وحِوارات صادِقة، دلّت على عُمق إطلاع وإتساع مخيِّلة الأستاذة نسرين. لقد جعلتني أعيش أجواء العراق الذي غادرته مُرغماً قبل قرابة الأربعين عاماً، واعادت لي الرواية فترات عِشناها وعانَينا منها وتألّمنا بل دَفعنا ثَمناً غالياً من شبابِنا ورجولتِنا ومستقبلِنا، فكل ضمير حي لم يرض بما كان قائماً، بل عارضه وقاومه بإمكاناته حتى كلّ وتعب الجميع من طول فترة الظلام والبُؤس الممتدة لعقودٍ من الزمن. هنا لعبت دورها التَعاويذ والشَعوذة والدَجل والخرافة وصِناعة الحظ التي انتعشت في كل مدن العراق، فالناس البسطاء بطيبتهم المعروفة كانوا يتشبثون بالأمل، وعندما تضيق نفوسهم جراء الاحداث المتتالية والكوارث المتكررة، كانوا يذهبون الى تجار الطالع والعرّافات والسَمسارات والقوّادات من رهط ( أم الخير) بطلة الرواية التي كانت فعلاً  خير بالنسبة للطغاة ومتسلقي المناصب والصعود على حساب الكفاءات واصحاب المبادئ من امثال الفاشل في الحياة ( نصر) الذي ركب الموج ورضخت بل طاوعته الظروف عن طريق قراءات أم الخير ليبلغ اهدافه، وكما اكّد مِراراً بان- الغاية تبرر الوسيلة- حسب مبدأ ميكافيللي.
 
     تغلغلت الرواية في تفاصيل حياة المناطق الشعبية البائسة، والجهل المُستشري والفاقَة والحرمان الذي كان يُكابده فقراء الناس، وكذلك تغلغلت في أدق تفاصيل مجتمع النُخبة الفاسد، وطاقم الحِكم المسلّط على الرقاب والمتميز بإنحرافه وغرائِب أطوارِه وتقلّباته والنكوص عن تعهداته سواء في الداخل او الخارج، ثم جرائِمه التي فاقت جرائم الفاشيين في مناطق مختلفة من العالم، هنا دفع الشعبُ الثمنَ الباهِظ من اقصى شمال الوطن حتى جنوبه ومن مَشارق شمسِه حتى مَغارِبها.
     قرأنا في نهاية الرواية كيف هَرب أحد رموز النظام ومن كبار حراميته ووزير تجارته المدعو نصر الهلالي، وليأخذ معه عائلته وما خفّ وزنه وغلى ثمنه اضافة لأرصدته المَركونة في البنوك الأجنبية، هرب دون ان يرف له جفن في الإلتفات الى محنة البلد والشعب، يذكرني ذلك في شخصية شبيهة وهو أبو البينة في رباعية ابو كاطع- شمران الياسري  الصادرة من دار بابل للطباعة والنشر عام 1989 الجزء الاول " الزناد" في صحيفة 19 ، فالى النص الجميل الذي إنتقيتُه بعناية:-
سأل حسين نفسه: هل يعود خضوع ابو البينة. الى ذلك الحادث التاريخي؟ يوم وقف خلف على مترب النهر ليمد المقاتلين بالعزيمة فرآه يحبو متخفياً بين الأشواك مولياً الادبار للمعركة؟ وهمس لي يومها: لقد رآني ألوح بالبندقية وعرف انني لمحته فحاول ان يتماسك لكن حياته كانت عزيزة عليه. وخجلت ... خجلت يا حسين ... اكره ان اطلع على عوره... والهزيمة عوره " فدوه اغدي لك يا ابو ناصر لا تفضحه... لا تسويها" وجاءت الفضيحة من شخص آخر ... فقد رأته سعده وعيرته: " ها... يمصخم شارد؟!! " وكان جوابه وقحاً- وقاحة الجبناء " اسكتي اسكتي. هذا ضرب رصاص ما هو شيل ازرور!! " اه.
 
في الختام:
     لو سمحَت لي مؤلفة الرواية السيدة نسرين ان أشد على يدها واجدد شكري لها مؤكّدا بأنها أضافت عملاً أدبياً ووجدانياً لمكتبة العراق، حيث ضمّت رفوفها هذا الإنتاج البديع، في حُسن إختيار الموضوع، في أدق تفاصيل المجتمع، الذي استنشَقنا هوائِه وتنفّسنا فيه الصُعداء وحتى النهاية التي إنتهت وما انتهت!! فخيبت آمالنا في سقوط أبغض وأقسى دكتاتورية لتحلّ محلّها خليفتها الأكثر بشاعة في سيادة الفكر السلفي، وربط الدين بعجلة الدولة، وارتهان مُقدّرات البلاد بدول اقليمية طامعة عِبر التاريخ في خيرات هذا البلد، فعيونها لا تنام في التدخل في كل صغيرة وكبيرة فيه.
     مرحباً بالروائية نسرين من خلال هذه الأسطر المقتضبة، والى اعمال اخرى ومشاريع بالتأكيد هي تعمل عليها الآن، فإني أرى بل اتمنى أن لا يقف حاجزاً ما في طريق طموحاتها، سيما انها في ذات الوقت مؤلفة لروايتين اخريتين في اوقات سابقة: معي تكونين أحلى، وعندما يصبح الحدس حقيقة، سيتسنى لنا ان عشنا فنرى الروائية تترشع لجوائز ادبية مرموقة ان شاء الله.
 
&&&&&&&&&&
ملحق: نصوص ذات دلالة اخترتها من قرائتي للرواية
ص22:
فشِراء لحظات مع فتاة فاتنة وتجاذب أطراف الحديث معها دافعٌ ولا اقوى لبذل المال رخيصاً وهو ضالتها فحسب.
ص79:
تبادلوا التحيات والقبلات الحارة فالوالِد المهيب مشتاق لابنته وزوجها وكذلك الوالدة التي يتطاير الشرر من عينيها وقد احتقنت وجنتاها، وتكاد تسمع الشتائم والسباب وهي مقفلة الفم.. .
ص 125:
... فليس صحيحاً دائماً ان المُعنف هو الضحية، ففي احيان كثيرة يكون الجلاد هو المنهزم تماماً مثل السجين السياسي يتعالى ويسمو على آلامه غيرُ آبهٍ بنزف جراحه لان الهدف عنده اسمى.
ص 126:
أرقها كثيراً الحصول على جواب لسؤال طالما طرحته على نفسها... هل ان النبوءات المجردة هي التي تصدق ام تأثير النبوءات على نفس المتلقي؟
ص 200:
... بعد اسبوعٍ سوف يتعرض لكمينٍ محكم اعده بدقة غريمك رئيس المخابرات السيد مشعان ( توقفت قليلاً لتلتقط نفساً تاركة نصر غارقاً في دهشته) .
ص 202:
... هذا الهاجس اللعين الذي يقضّ مضجعها والذي يؤكد لهاعلى الدوام كذب ادعائه، فهو لم يقع فريسة حبها بل إنّه زير نساء محترف، وعِنده وعند امثاله الغاية تبرر الوسيلة.
ص 204:
إنه صعق كهربائيٌ يُسيطر على مركز الحس في الدماغ فتتراقص فيه أنغام بوهيمية تولد شعوراً لا يشبه اي شعور. هو الفرح لكن ليس فرحاً مجرداً، هو السعادة، لكنه لا يشبه السعادة. هو اقرب الى الهذيان.... فما معنى ان يفرح الانسان دونما سبب؟ حَتى إذا ما طالت حالة الهذيان تحولت إلى نشوة، واذا ما سيطرت النشوة تحولت الى إدمان، تماماً كإدمان المخدرات.
ص 209:
حاول نصر الابحار بعيداً لينال من صاريته شراعها فينهار أمام موجه العالي، وحين يغرق مركبها يرفع فوق السارية علم القراصنة معلناً الظفر بغنائمها كلها.. لكن آماله تبددت فأم الخير آثرت دوماً عدم الإبحار في العمق، واكتفت بالمكوث على الشطآن... فالشاطئ له سحران، آمان البر ومتعة البحر... .
ص 241:
مع مذاق ( المحشي) التي تعده انغام بنفس طريقة الست محاسن وبذات الحب، انشدها زيد أبياتاً لشاعر صوفي وهذا هو ما تعشق سماعه ام الخير.
أُخفي الهوى ومدامعي تُبديه
وأُميتهُ وصبابتي تـُحييه
وَمُعذبي حُلو الشمائلِ أهيفٌ
قد جُمعت كل المحاسن فيه
فكأنه بالحسنِ صورة يوسف
وكأنني بالحزنِ مثلُ أبيه
يامُحرقاً بالنار وَجهَ مُحِبه
مهلاً فأن مدامعي تُطفيه
أحرق بها جسدي وكل جوارحي
واحرص على قلبي فنك فيه
ص 263:
... لقد طافت نبوءاتك وانتشرت كالنار في الهشيم وما حادت عن اهدافها المرسومة لكنها ما اشتملت يوماً على هذا الذي نحن فيه... لكن نبوءة قلبي أثبتت... إنها الأصدق.
تمت
nabeeldamman@hotmail.com
January 30, 2022
**********
*****
**
*


   


55
تعقيب على مقال المؤرخ الاستاذ ابراهيم خليل العلاف
نبيل يونس دمان
     بتاريخ 26- 8- 2020 نشر المؤرخ الموصلي المعروف د. ابراهيم العلاف مقالاً في العدد 7052 من جريدة الزمان العراقية، تظهر جودته من النظر الى عنوانه " مرقد النبي ناحوم في القوش التاريخية" وشدني اليه ايضاً اسلوبه البحثي الهادئ الذي أحسده ويحفزني للإقتداء به، ويربط ذلك بمصادره التي يعتمدها وكذلك تخصصه في التاريخ واهتمامه ببلدات وقرى محيط نينوى، تلك المدينة التي يرد ذكرها منذ القدم بالمدينة العظيمة في موقعها الجغرافي ومركزها الحضاري.
     يتحدث الموضوع عن النبي ناحوم ووجود قبره في بلدة القوش قبل الميلاد بسبعمائة سنة، وكلمة ناحوم تعني المعزي وقد ولد لمسبي يهودي اسمه ألقون، فترعرع وتعلم فيها وهو قريب جداً من نينوى، ولذلك فان الاشارة الى مولده في الجليل الأعلى لا تمت الى الواقع بصلة ،فالقديس الروماني ايرونيموس ربما كانت افادته مقنعة في تلك الأزمنة والتي بنيت على اساس التخمين، وبعد مرور ازمان طويلة اخرى وصولاً الى القرن 19 الميلادي عندما اكتشف الاثاري الانكليزي لايارد اثار نينوى، بل قل كنوزها المطمورة التي ابهرت البشرية، ومما قاله" بما ان نبوآته – ناحوم النبي- كتب بعد جلاء الأسباط العشرة وتدور حول نينوى فالتقليد الذي يؤشر على ان القوش الآشورية المعتبرة محل وفاة النبي ناحوم له قيمته الخاصة" (1) .
ورد في المقال معنى كلمة القوش بأنها الإله قوشي ( إيل- قشتي ܐܝܠ ܩܘܼܫܬܝ ) ومن مصادرنا في تفسير المصطلح، هو من مقطعين إيل قُشتي التي تعني إلاهي قوسي اي قوتي ( قوشتا – ܩܘܫܢܐ - بمعنى قوس ولآلة الحرب القديمة - قوس ونشاب- تسمى بالسريانية - قشتا وگيرا- ) . وفسرت ايضا على نفس الاساس بانها مدينة الإله الكبير الجبار القوي وهو الإله سين ( القمر) ، وهناك الى اليوم محلة باسمه محلة سينا ( ܣܝܢܐ) وايضا هناك مجموعة من الاراضي الزراعية في عقار البلدة بإسم " بي سينا - ܒܝ ܣܝܢܐ- " .
     في العصور الاسلامية لم تكن القوش خاملة، ففي القرن السابع الميلادي، عندما اسس الراهب هرمز القادم من بيت لاباط في بلاد فارس ديره في الجبل، ذاع صيته في عمل العجائب، سمع به حاكم الموصل عتبة بن فرقد الذي عينه الخليفة عمر بن الخطاب حاكما على الموصل عام 20 هجرية، وفي تلك الفترة مرض ابنه شيبني بشدة فجلبه الى القوش ثم الى وادي دير الربان هرمزد، في الطريق توفي وعندما وصل اليه الراهب هرمزد في وادي الدير عمل معجزة في شفائه، فشكره الحاكم وأثنى على اعجوبته. هناك قصيدة في تاريخ الاديرة الشهيرة كتبها ايشوعياب الأربيلي ورد فيها:
ان عتبة امير الموصل: شيد للربان هرمزد ديرا بقرب صومعته في الجبل وأوقف له املاكاً وأراضي واسعة لسد احتياجات الدير ( ومن هذه القصيدة نسخة خطية بمكتبة دير السيدة في القوش) (2) .
      اما آخر بناية للمزار فانها تعود الى سنة 1796 كما هو مذكور في كتاب القوش عبر التاريخ لمؤلفه المطران يوسف بابانا. وكما ذكرتَ حضرة الدكتورعن تنبؤ النبي ناحوم بسقوط نينوى وقلتَ بحق ( اودع نبوته الممتلئة سخطاً وغضباً الكتاب المقدس ( العهد القديم) . صحيح جدا ما ذكرته وقد كتب احد مؤرخي القوش وهو الشماس ابريم عمّا موضوعاً ينتقد بشدة تلك اللغة الشديدة على اهل نينوى ومما قاله " ان ناحوم نبي غاضب على اشور بدليل نبوته حيث يبدأها في الفصل الثالث منها ( ويل لمدينة الدماء الممتلئة بأسرها كذباً) " (3) .
     لا نعرف التقليد في زيارة النبي ناحوم متى ابتدأ ولكن شهدت اجيال القوش السابقة زيارات اليهود من كل انحاء العراق اليه وحتى من تركيا وبلاد فارس وكانوا في كل ربيع الذي فيه يحل موسمه يأتون زرافات ووحدانا وهم بجمالهم وحاجيات الذهب تغطي بناتهم ونسائهم وهم يلبسون ازياء كل منطقة في زيها : زي الترك، زي الفرس، زي الاكراد ، زي العرب .... الخ وباغطية الرأس المختلفة سواء الرجال او النساء، يملؤون القوش فرحاً وسروراً، بعد ادائهم طقوسهم الدينية داخل ضريح النبي، يخرجون الى وادي كهف المياه ( ﮔپّه دمايا - ܓܘܿܦܵܐ ܕܡܝܼܵܐ) القريب وهم يهتفون " بالتوراه وبالنبي، نبي ناحوم القوشي" ثم يعقدون الدبكات التي يشاركهم فيها شباب وشابات القوش فكانت اجمل ايام وتستمر لمدة اسبوع قبل ان يعودوا الى اماكن معيشتهم ، وكانت اخر الزيارات المؤلمة في عام 1950 وآخر الراحلين الى دولة اسرائيل سادن المرقد موشي وزوجته سعيدة واولاده عزرا، ناجي، ملكية، زكية، سارة. فتكفلت المكان عائلة بيت كادو الى ما قبل عشرين سنة، وبعدها توالت المسؤولية عليه خصوصاً بيت سامي جعو شاجا وابنه نصير الذي يعيش الان في البيت المقابل للمزار الذي ما انقطعت وفود الزائرين اليه من مختلف انحاء العالم.

من اليمين اسطيفو هيلو مع صديقه عزرا ابن موشي سادن المرقد - 1945
بالنسبة لمناشدتك السؤولين في دائرة الآثار والتراث الى الاهتمام بمزار النبي ناحوم واخته سارة، تلك لعمري دعوة مخلصة وامنية طال انتظارها، اود الاشارة انه في عام 2018 شرعت حكومة الاقليم بترميم المزار والمجمع الآيل للسقوط بل انهارت اجزاء منه بفعل عوامل الطبيعة، والان نحن في نهاية عام 2021 انتهى العمل بداخله واضحى تحفة يسر الناظر وينتظر الإكمال من قبيل مد الكهراء والماء اليه، وتحسين الطريق اليه، وربما اقامت صروح اخرى خدمية منها موقف السيارات على الارض بجانبه المسماة قصيلا (ܩܲܨܝܼܠܵܐ ) التي تعود ملكيتها لليهود.
 

قبر النبي ناحوم قبل الترميم وبعد الترميم
     نحن مدينون لك بكل الاحترام استاذنا الكريم الدكتور ابراهيم خليل العلاف حبك الصادق لبلدتنا القوش، وما الكلمات التي ذكرتها في وصف المدينة الا الدليل القاطع على عمق ابحارك في هذا اليم المتلاطم، حتى اصبت كبد الحقيقة التي يفتقر اليها الكثيرون. ستدرس الاجيال الناشئة موروثها الحضاري لتتباهى به امام شعوب الأرض قاطبة، عندما يستقر العراق وتسير القاطرة على السكة الصحيحة. إذا سمحت بالسؤال او التحدث قليلاً عن فترة الثلاثة اشهر التي قضيتها في القوش بين ظهراني اهلها.

انا مع المشرف على الترميم كاكا برهان- 2021
الهوامش:
(1) القوش عبر التاريخ- المطران يوسف بابانا- بغداد 1979- ص 25
(2) المصدر السابق- ص 83
(3) مجلة الثقافة– ديترويت- اذار 1989- ص 33
nabeeldamman@hotmail.com
December 24, 2021
**********
*****
**
*

56
الأب العلامة ألبير ابونا في ذمة الخلود


نبيل يونس دمان
 
     ما من انسان غزير الإنتاج في العصر الحديث من سكان العراق الأصليين، بلغ المنزلة التي بلغها الباحث الجاد الذي كرّس جلّ أوقاته في البحث العميق بالإستناد الى امهات المصادر التاريخية، كما بلغ الأب البير ابونا وقد عاش على هذه البسيطة زمناً طويلاً نسبياً ناهز الثالثة والتسعين سنةً.
     البلدة التي ولد فيها هي تلك الواقعة في أجمل بقعة من العراق وأكثرها اهمية، انها فيشخابور ملتقى الانهار الثلاثة: دجلة، الخابور، والهيزل، ضمن المثلث العراقي- السوري- التركي، ويفصلها عن الجزيرة السورية نهر الخابور الصافي الهادر. لتلك البلدة ولسكانها الثابتين فيها ومن تفرق وإغترب، لكل هؤلاء الميامين المجد والفخار كونها مسقط رأس الكاتب عام 1928.
     من خلال قراءاتي ومتابعاتي للمنشورات والمقالات، لا يكاد يخلو موضوع او كتاب لا يشير الى احد المصادر او المجلدات التي بلغت اكثر من 150 بين مؤلف ومترجم وضعها هذا الرجل، فقد أغنى المكتبة العراقية بخيرة الكتب التاريخية الرصينة، فيا لطول صبر هذا الرجل ويا لناصية ما امتلك من عمق الادراك وسعة الأفق، فاستطاع ان ينجز ما لم يستطعه او يجاريه او ينتج مثله خيرة الكتاب والمؤلفين.
     شاءت الأقدار ان اكتب تعقيباً على مقال المرحوم انور عن والده الشخصية المعروفة عزيز أغا ياقو في مجلة صوت المهجر عام 2002 تطرقت فيه الى الروابط التي تربط بلدتي القوش بالبلدة فيشخابور عبر الزمن خصوصاً في ( فترة السفر برلك) ثم ختمته بهذه الفقرة " كنت اتمنى لو خصص الاخ انور بعض الأسطر عن حال فيشخابور اليوم، فكان بتقديري يكتمل مقاله التاريخي القيّم " وبعد سنتين إلتقيت بالقس ( مطران فيما بعد) عمانوئيل شليطا في كنيسة مار يوسف- ولاية مشيكان، وعند تعرفه علي بالاسم قال : اريد ان اهدي اليك كتاب يذكر اسمك، فدخل غرفته واخرج كتاب بحلة قشيبة موسوم" فيشخابور" تأليف الأب البير ابونا فسلمه لي بعد ان سجل اهدائه، وذهبت من هناك الى البيت لأقرأ الكتاب والذي اعتبرته خير من كتب عن تلك البلدة، وقد ادرج مقال المرحوم انور عزيز ياقو وتعقيبي عليه ثم كتب الاب البير هامش صغير هو التالي: عسى ان يتجاوب هذا الكتاب مع رغبات الأخ نبيل دمان وغيره من الاخوة الذين يشتاقون الى معرفة شيء عن قرانا المسيحية في شمال العراق ( المؤلف) . ومن غيره يستطيع مجاراته بهكذا منجز! فأركنت الكتاب في أعز مكان في البيت الا وهو خزانة كتبي المتواضعة.

     كنت على الدوام اتابع اخبار صحته خصوصاً وجوده في بلدة عنكاوا قلب حدياب على مرّ الأزمنة، ليقضي فيها اواخر عمره محاطاً بالإهتمام والرعاية التي يستحقها، وآخر من سألت عنه كان المطران بشّار وردة مطران اربيل الزائر لمدينة سان دييغو قبل عدة أشهر. وأخيراً كان لابد للسفينة المبحرة في عباب البحار ان ترسو الى ميناء، ومهما طال عمر هذا الرجل ومهما اعطى، يبقى في داخله الكثير الذي كان سيقوله لو طال عمره اكثر، وفي كل الأحوال كان يصل خاتمته في آخر المطاف وكما قال الشاعر فراس الحمداني " أبنيتي لا تجزعي// كل الأنام الى ذهاب" .
     إهتزت وسائل التواصل الاجتماعي وهي تكبّر وتعظّم هذا الشيخ الجليل الذي وصل الى نهاية عمره، وكل من تسنى له قراءة بعض ما نشر حتى الساعة في تلك الوسائل السريعة الحديثة اعترتهم جميعاً موجة الفخار والتباهي بتلك العبقرية النادرة والامكانيات غير المحدودة والارادة الأمضى التي تواصلت عبر عقود من السنين، دون ان يبرح ارض بيث نهرين مولد ومثوى آبائه وأجداده.

     كانت الدفنة في كنيسة مريم العذراء حافظة الزروع تناسب مقامه وبحضور ثلاثة مطارنة وعدد من الآباء الكهنة والأخوات الراهبات وحضور لافت لمحبيه ولممثلي الطوائف والاقوام والاديان المحيطة ببلدة فيشخابور، فإمتزج جسمه في ترابها لتغدو تلك البقعة الصغيرة مرتعاً خصباً يزدان كل ربيع بالأعشاب والورود، وقد تمت مراسم مواراته التراب المهيبة يوم امس الموافق 5- 12- 2021.

nabeeldamman@hotmail.com
California on December 6, 2021
&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&
&&&
&

58
وبلغت السبعين من عمري.................
نبيل يونس دمان
     ولدت في القوش- محلة أودو خريف عام 1951 أيام عيد مار ميخا النوهدري شفيع البلدة، وكانت القابلة المشرفة على ولادتي المرحومة منّه ججو سرّا متزوجة من بيت شاجا. كان البيت الذي ولدت فيه قبواً مظلماً، فيه شباك صغير واحد يؤدي الى غرفة داخلية مظلمة تماماً، ليس فيها كوة او شباك، وهناك غرفة أصغر كثيرا في الداخل ايضاً، كان يحفظ فيها الحنطة او الخردوات او الذهب، وكانت الغرفة الاولى أهم الغرف، وفيها السكن والنوم والحركة، وفيها تخت كبير لنفرين وسرير خشبي مشبك صغير لي صنعه والدي النجار، وأمام الغرفة يقع الحوش الذي فيه على الجهة اليمنى اداة الطبخ ( پايه) وبعد ذلك حل محلها او جاورها المسخن ( بريموس) ذو الصوت المدوي، وعلى الجانب الأيسر كان يوجد خزان حجري ( جرن) على شكل متوازي مستطيلات، وفيه فتحة دائرية نحو الاعلى وعليها غطاء حجري ( كْسايه) يخزن في هذا الحوض الماء فيحتفظ بنقائه وبرودته خصوصاً في الصيف، وعلى مسافة وعلى اليسار ايضا يوجد التنور الطيني الذي ينتج الخبز الحار، وهو ايضاً ملتقى شعبي لنساء المحلة، يتبادلون الأخبار ويرون الاحاديث المختلفة، ومن الجهة الاخرى يوجد سرداب ( بيكاري) يستخدم مأوى للحيوانات الداجنة، وفي مدخل البيت من الجهة الأخرى للتنور يوجد بيت العم أيليا ساكا دمان، وفوقه غرفة لبيت العم عبد المسيح عيسى دمان. وفاتني ان اقول ان فوق بيتنا غرفتين متداخلتين للعم هرمز يوسف دمان، وفوقها سطع عال مشترك لجميعنا، يا له من سطح بارد في الصيف، حيث تهب عليه انسام هواء منعشة، واحيانا تكون شديدة تكاد تقلع افرشتنا من مكانها، ويشرف ذلك السطح على بيوت أقل إرتفاعاً، والى شماله بيوت اكثر ارتفاعا.
     يروي الاهل عن محاولة ابن العم حكمت ( حكّو) ايليا رفعي الى الاعلى كنوع من المداعبة، لكنه لم يستلمني فسقطت خلفه على مفرشة العجين ( خوانه) فصار حكمت يبكي بمرارة ويقول" لقد قتلت نبيل! " ولكن حمداً لله خرجت من تلك الحادثة بسلام. وانا في طفولتي المبكرة جداً ( كݒلتا) كان الاهل يأخذونني معهم الى بيت عمتي حبوبة خلف كنيسة مار ميخا، فيغطونني بغطاء ملون زاهٍ، ولا يقبلون اي كان ان يشاهدني او يقبلني، وفي احدى المرات وهم امام بيت العم حنا رزوقي تقدمت زوجته ( مكو رئيس) بإصرار ورفعت الغطاء من رأسي لتقبلني وتقول" ما شاء الله، انتم على حق بتغطيته من أعين الحساد، ابقوه هكذا والله يحفظه"  كانت تلك تقاليد الماضي البعيد بعكس اليوم حيث يوضع في عربة تدفع بين الجمهور بشكل اعتيادي، وكنت في صغري مدللاً وعنيداً فكنت أرفض لقمة الخبز مراراً بالزعم بأن من أعدها غير متمكن فتتناوب امي وودي وحليمة حتى اقتنع، وعند خلودي للنوم في المهد ارفض طريقة وضع الغطاء على جسمي ( اللحاف) فيتناوبن النسوة ذلك وانا ارفض وابكي، حتى مجيء ابنة العم نعمي ايليا فأرتاح الى طريقتها وأخلد للنوم، كانت جدتي تصر ان اتناول طعامي مع عمي كامل، وفي احدى المرات رفض وهم أصروا فرمى صحن الاكل ( قروانة) بعصبية امام البيت وبقينا بدون غداء ذلك اليوم. بعد مضي 28 عاماً على ولادتي استطعت ان أعرف يوم ميلادي من القس هرمز صليوا صنا، بمناسبة إقبالي على الزواج وكان ذلك يوم 13- 11- 1951. أمام بيتنا كان هناك قنطرة ( قمطار) والى الشمال منها بمسافة قصيرة هناك قنطرة اخرى لبيت جدي كوريال اسطيفو أودو، وكانت تلك اماكن او ملتقيات لمجالس شعبية مهمة في ذلك الزمان.
     كان مثلي في الحياة التي انا مقبل عليها: عمي المعلم كامل ياقو دمان وكانت الوظيفة اهم شيء آنذاك، لذلك تعلمت الدروس الاولى على يد هذا العم الجليل، اتذكر في أعوام 1955، 1956 كنت أعترض طلبة المدرسة الابتدائية الاولى في مار ميخا لاتكلم معهم بالإنكليزية البسيطة وكان اندهاشهم كبيرا عندما اقول لهم" أي بي سي عيالا، كامل بابا يمي ..؟!!! وكان يعرض كتابه لي هرمز يوسف بوكا لأقرأ فيه قائلاً" 1، 2، 3، 4، .. والى 10 ثم يسألني ما إسمك بالانكليزية وأجاوبه بالمطلوب، فيزداد اندهاشاً وانا امضي فرحا الى البيت لأروي كل ذلك الى امّي.
     اصدقائي في المحلة كانوا: عابد سعيد شاجا، نونو جعفو قوجا، أبلحد كادو، سامي گولا، عادل طعان، ياقو طعان، حميد دمان، وآخرين اكبر سناً ومنهم: الياس جعفو قوجا، داود ابلحد حنوش، عزيز اودو، عزيز دمان، واخرين اصغر سنا منهم: منصور سعيد شاجا، متي ججو شاجا، كريم كادو. أتذكر حفل زواج عمي حبيب في بيتنا ( في حدود 1956) وقد اشترت لي جدتي شمي من الموصل بدلة صوفية حمراء وفيها خطوط خضراء وأعجبني فيها اكثر رائحة النفتالين!! اتذكر عندما خرجت العروس من بيت اهلها ( صادق هومو) وهي تجهش بالبكاء مرتدية الملابس الالقوشية الجميلة،  ورأسها مغطى بمنديل خفيف زاهي الالوان، لقد كانت الطفلتان الاصغر مني: اختي سعاد وابنة عمتي سليمة جهوري تؤديان رقصة جميلة وفي يد كل واحدة طماطة لا زال المنظر وكأنه امامي الآن. وأذكر في نفس الفترة زواجاً اخراً في بيتنا في شخص ابن العم بحو ايليا دمان من الانسانة الاصيلة حليمة توما قلو. كان مطرب تلك الحفلات علي حسن ( عليكو من قرية سريچكا) الأيزيدية.
     يحدث اجتماع النساء عند التنور في عملية تحضير الخبز الطازج، كانت أمي وزوجة عمي تصطحباني معهن الى تنور الجيران، وفي احدى المرات كانت إحدى النساء حامل وإسمها وردكي التي أنجبت لاحقاً إبنتها البكر جورجيت، فقلت لها: ماذا تخبئين أمامك؟!! فقالت بسرعة: منزق الخبز ( والمنزق يشبه نصف مخدة مدور في نهايته ومصنوع من عيدان الحصران الصلبة يبلل بالماء ويوضع فوقه خبز الرقاق الطازج وتدخل اليد الى منتصفه ثم يلصق الخبز داخل التنور الذي تستعر فيه الحرارة) فانطلت كذبة المنزق علي سنينا طويلة.       كنت ألعب مع اقراني الصغار خلف مبنى ناحوم النبي ( في قصيله) وجاء من دوكان عمي حبيب وجلب لي خبز حار مع علبة مربى كانت نادرة في ذلك الوقت، فجلست على صخرة اتناول ذلك الاكل اللذيذ، ويا لفرحتي ويا لغيرة اصدقائي عندما جلب لي أيضاً علبة اسطوانية فيها ثقوب، ما ان تقلبها حتى تسمع مواء قطة! ، كل اللعب التي تصلني في طفولتي كنت بعد الاستمتاع الكافي بها، افتحها لارى ما في داخلها فتعطب الى الابد، وتصيح علي جدتي قائلة ( خرابه مال) بالكردية ومعناها مخرب بيته!. كانت الجدة ترافق عمي الطالب في الاعدادية الغربية بالموصل، وكلما تأتي الى القوش في العطل او المناسبات تجلب لنا خبز الموصل وكبابها الشهير وكذلك الحلويات، منها بقرة وصخلها مصنوعان من الحلوى، فأتلذذ بأكلها وكذلك تجلب لي الشوكولاته على شكل حلوى مغلفة باوراق زاهية.
     في عام 1957 أيضاً جاء والدي من مشروع سد دوكان الذي كان يعمل فيه نجاراً، وقد جلب لي علبة خشبية اسطوانية ( مخمرتا) معبئة بحلاوة موصلية وكذلك مبلغ لا بأس به من الفليسات المعدنية الصفراء اللامعة، دار حولي خالي عزيز وخدعني كونه اكبر سناً مني حيث فرض علي سباق رمي الاحجار لأبعد ما يكون، وفي كل مرة يقول غلبتك، ويأخذ مني بعض تلك الفليسات حتى أفلست!! وذهبت ابكي الى جدتي فلحقت به وأعادتها وهي تردد في مرح وطيبة ذلك الزمان" عاواله زقّانة" .
     اتذكر مرة عندما زارنا ابن خالتنا بهنام جهوري في يوم قارص البرد، سأل عمي حبيب: لماذا لا تعمل، فقال له لم أعثر على عمل، فأوصى بفطنة صبيانية، بأن يأخذ معه محراث خشبي( عدّي) يجرّها اثنان من الفئران ويذهب لحرث الحقل ( بذانه) فضحك الجميع، ثم اخرج القشرة الجامدة من ماء الحِب، وهي على شكل صينية جليدية، ولحقته الى خربة مجاورة ووضعها بتأني على حجر مستوي، وكلفني بجمع احجار صغيرة، وصار يرصها بإنتظام على تلك الصينية البلورية وعلى شكل دوائر منتظمة، وهو يردد بانه سيصنع لي غربالاً( سراده) وصارت الاحجار تلك تنغمس في الجليد، وتترك خرماً وما اجمل منظر ( السرادة) الذي صار يلوح، نادتني امي لشيء ما، فذهبت وعند عودتي لم ارى بهنام، ورأيت ذلك المِسرَد الجميل محطماً، فتأسفت.عندما يولد الاطفال في تلك الفترة كنت اسأل وكذا أترابي سؤالا ساذجاً بريئاً " من أين ياتي الوليد" فيقال ان القابلة او الجدة تأتي به من بين الأشواك في الغابة!! .
     في محلة اودو مجلس شيوخ شهير يتألف من كبار السن يتخذون من ارضيته في القمطار مجلسهم وعلى طريق كنيسة مار كوركيس، ويبدأوا وينهوا يومهم في إطلاق النعوت والاسماء المثيرة على المارة وبشكل متقن وبارع مما حدى للبعض بتغيير مساره خوفاً من تعليقاتهم، اتذكر جلاس ذلك المكان: اورو حميكا، نونو شاجا، كوريال اودو، ياقو شابيو، عيسى حميكا، كوما بهاري، رشو شاجا، چاكا حنونا، توما قاتي ( الأعمى) ، داقو ككحنو، ... وهناك مجلس آخر في مكان أعلى يفترش صخوراً وهم: چعو شاجا، ياقو قيا، منصور حنونا، موسى طعان، عيسى دمان، سعدو قيا، ... ومجلس آخر امام بيتنا ويجلس فيه: دنو ككميخا، أيليا دمان، رحيم وهرمز دمان، الياس دمان، اورو دمان، والمجلس الاخير في القمطار كان غالبا ما يلعب رواده لعبة ( الدامة) او الورق ( سكمبيل او كبوشي). كان نونو شاجا مشهورا بمعرفة الوقت وفي ذلك الزمان لا تتوفر الساعة اليدوية او غيرها، ومن خلال تحديقه في الشمس رغم ضعف بصره في الشيخوخة، كان يعطي تقديرا صائبا بالقول: سيحل وقت الرمش ( صلاة العصر) او سيطرق الناقوس الان وهكذا.
     في طريق الكنيسة كانت تسكن بيتا صغيرا امراة عجوز اسمها ( وردكي مدالو) كانت تشد منديلاً ملوناً على رأسها ومن صفاتها جمع الاوراق من الزقاق، كان الصغار يساعدنها في تلك المهمة فتجمعهم في حوض فخاري متروك، ولم نعرف سر جمعها تلك القصاصات حتى يومنا هذا!!. في اوقات الظهر خصوصا ايام الاحاد كانت ترجع كوزي مدالو وزوجها كوما بهاري وبيدهم اناء سفري خفيف ويمروا وسط مجلس محلة اودو في طريقهم الى البيت هنا ترفع كوزي صوتها وكأنها تخاطب نفسها" ديخ كاو كلّيكي....." اي كيف يحصل ذلك، وانا ارفض الكبة ووارينة ( زوجة الياس أفندي) تصر على أخذها فاضطررت، الناس في المجلس تتذمر في داخلها وهي تشم رائحة الكبة التي ربما لم تذقها لفترة طويلة بسبب فقر حال الناس آنذاك من خمسينات القرن الماضي، ولسان حالهم القول" نحن لم نسألها ماذا تحمل في إنائها السفري، فلماذا تزعجنا؟ " .
ملاحظة: ما سبق كانت الاوراق الاولى من كتابي المخطوط ( ومرت السنوات على عجالة) المنتهي منه عام 2019 وهو جاهز للطبع ينتظر الفرصة المناسبة.



بيت الولادة

غرفة الولادة

الكاروك ( دركشتا)

1959

1967

1972

ندوة الايمان- جامعة الموصل 1972

1974

1975

1976

1979

1980

موسكو- 1985

2021

سنة من عمر حفيدي لاندن دمان

مع حفيدتي مادلين دمان

بداية 2021

سبعين ويوم واحد!
nabeeldamman@hotmail.com
November 15, 2021
**********
*****
**
*


59
قصة الراهب الفقير


تأليف: القس يوسف عبيا
اعداد: نبيل يونس دمان

(10)
 
*****72*****
مَنيلي دتكِلّي لمَريـــــــــــا     كولِبّا نَظيفا وصِبيــــــــــا
بأذ علما مِليا بَلايــــــــــــا     ولا شقلَّي اجري من مَريا
*****73*****
بَم يا ظليمي وحشّانــــــي     شقولو دوميا مْناشي كهْني
دكم صَيبري بكُل عوقاني     وبغَلبِ لبيشِ وكل سطاني
*****74*****
يا كل هويا وسنيا وحسيما    مْسابي كيانوخ لمارد روما
بشقلت نِصّر وهم بوساما     وبغلبت لبيشا وكل ظالوما
*****75*****
كطَلبِن ممّريم يمّه بثولتا     دمخلصا لكل كيانه عقتا
بَشطا طالي غاليبوثـــــا     لسطانا وكل عسقواثــــا
**********
**********
يا ربن قديشا وزهيـــا     مصالي ومْشَبلب وطلوب من مَريا
مبَدل أث كورا حطّايا     قشيشا يوسب عبيــــــــــــــــــــــــا
القوشايا تد خالص مـن     ديّانا خَرايا ولالاها شوحـــــــــــا
**********
**********
مصالي مبدالي يا قديشــــــــــا     انا كثاوا مْحيـــــــــــــــــــــــــــلا
صليوو فرنسي شماشا تلكبنايا     كثوتا 17 ايار 1968 مشيحيثا
المعنى بالعربية:
مَن الذي اتكل على الرب، بقلب صافي ونظيف
في هذا العالم المتخم بالبلايا، لم يأخذه اجره من الله
لذلك ايها المظلومون والحزانى، خذوا المثال من الناس الكهنة
الذين يصبرون في الشدات، ويغلبون الاشرار وكل الشياطين
يا كل مولود محسود ومكروه، سلّم نفسك الى صاحب العلى
تحصل على النصر والراحة، وتغلب كل شرير وظالم
اطلب من مريم الام العذراء، ان تخلص كل نفس في ضيق
تمد لي الانتصار، على الشيطان وكل الصعاب
يا راهب قديس وزاهي، صلّي وتوسل واطلب من الرب
بدل هذا الرجل الخاطئ، القسيس يوسف عبيّا
الألقوشي حتى يخلص من، الدينونة الأخيرة ولله التسبيح
**********
صلّي نيابة عني ايها القديس، انا الكاتب ابن الحيلة
صليوا فرنسيس التلكيفي، كتبت في 17 ايار 1968 مسيحية
الخاتمة:
     هذه القصيدة التي وضعت لأول مرة عام 1912 في قرية النصيرية شرق ناحية القوش كان لها الوقع الحسن ونالت نصيبها في الانتشار بين الناس، مما حدى بمؤلفها القس يوسف عبيا اعادة كتابتها عام 1926 مضيفاً اليها تحسينات جديدة وابيات اضافية فخرجت في حلة قشيبة.
     في 1- شباط 1965 ناولني القصيدة المرحوم عادل موسى طعان مكتوبة بالاحرف العربية ( كرشوني) وفي 25- 5- 1968 نقلتها في دفتر ما زلت محتفظاً به ( ادناه صورة الورقة الاخيرة) .
     قبل حوالي السنتين حصلت من الصديق جورج صليوا شمم على دفتر مكتوب بالسريانية بخط اخته الراحلة ماري، فعثرت فيه على القصيدة كما ارفقتها بالصور. ارجو ان اكون قد افدت القراء ببعض تراث ابائنا واجدادنا الخالد في سفر الايام، لتعم الفائدة على الجميع.
 
nabeeldamman@hotmail.com
November 10, 2021
**********
*****
**
*
انتهت

60
قصة الراهب الفقير


تأليف: القس يوسف عبيا
اعداد: نبيل يونس دمان

(6)
 
*****38*****
يا خاتون بَغد ملكا وميـــرا     ديخ كبَت خواثي فقيـــــــرا
أيحيذايا وغشيم وبـــــــورا     لا كنَخبت مأذ شولا بصيرا
*****39*****
يا ربّن كليزا مغيرتّـــــــــا     مالوخ خور بأذ دَوِلتــــــــــا
بكو شوبرِ وبَذ قمتي خليتا     هَي دبائُخ ليبا خطيثـــــــــــا
*****40*****
كزدَت من ناشي اوبراني     ولكرَأِت ممْاري دْروحانــي
ديلي مْبيدَ بكُل دوكانــــي     كيبي لْطاوي ولبيشي كْساني
*****41*****
مالوخ يا ربّن شيذانــــــا     ليث بريشوخ عاقل وهونـــا
خوربَث شوبرِ ما بِهرانا     ولا مَفيتت أث عِدّانـــــــــــا
*****42*****
يا خاتون ويا رامنيثــــــا     ويا بْيشتا وباثح قويثـــــــــا
زدو من بارويه دِبريثـــا     رْحوق مني لكبَلخِن خطيثـا
*****43*****
ايكا خاتون الماس لوشلا     وپَقرتَح دهوا مولبِشـــــــلا
وايداثَح بسيما مخُشخِشلا     وقرولا لربن بأيذي كرِشلا
*****44*****
هيّو يا اودا فقيـــــــــــرا      دأوذَنوخ ملكا ومدَبرانــــا
كل مذيتا طالُخ بياونّـــــا     بَس مَبصِخلي بأذ عدّانــــا
*****45*****
هيّو يا ربّن درويشــــــا     دمخَلصنُّخ من كُل حشّــــا
تدْأوذنُّخ مَر رُتبه وبيشَه     ولَمْخَجبنت والي ولا باشا
**********

المعنى بالعربية:
يا خاتون زوجة الملك والأمير، كيف تريديني انا الفقير
وحداني وساذج وبسيط، الا تخجلين من هذا الفعل المفضوح
ايها الراهب الفاقد للغيرة،ماذا دهاك انظر الى هذه الثروة
في جمالي وهذه القامة المنتصبة، تعال نحب ليس فيها خطيئة
هنا الخاتون ارتدت الألماس، وفي رقبها وضعت الذهب
وايديها في الفضة خشخشتها، واقتربت من الراهب فسحبته من يده
تعال ايها العبد الفقير، حتى اعينك ملكاً ومدبّراً
كل المدينة اليك اسلّمها، فقط أرِحني في هذه الساعة
تعال ايها الراهب الدرويش، حتى اخلصّك من كل حزن
حتى تصبح ذو مقام ورتبة، ولا تعر اهتماماً لوالي او لباشا
nabeeldamman@hotmail.com
November 6, 2021
**********
*****
**
*


61
قصة الراهب الفقير


تأليف: القس يوسف عبيا
اعداد: نبيل يونس دمان

(4)
 
*****23*****
ايكاها آوو فقيـــــــــــــــرا     مختيله ريشح بأيقــــــــارا
ميري يا خاتون بخت ميرا     لريشي بزقرنه زبيــــــــرا
*****24*****
قملي من تامه بلطوالـــي     بالِح لعقارا هولوالـــــــــــي
خذا كرتا ثوري قطيوالي     زبيرا د خاتون سقروالــــي
*****25*****
زبيرا طاوه زقروالــــــي     مخوشكا قملي لأورخا نبقلي
لرش روشح كم طائنوالي     وته خاتون كمقادموالـــــــي
*****26*****
إلّا خاتون بشتا مليــــــلا     لخدّمتا بعدّانا قريــــــــــــلا
بكو اينه طالح مويذيـــلا     وطرا بكو قتّح غلِقـــــــــلا
*****27*****
يا رَبّن جونقا وشبيــــرا     وأور من أذ شولا مريـــرا
آخا دموخ لمحفـــــــورا     ايخول ولوش جلّه دأيقـارا
*****28*****
يا ربن جونقا جِندايـــــا     لك لزما دهاوت بنهايــــــا
كو آذي شولا مسنيـــــا     لتّوخ لا ايخالا ولا شتايـــا
*****29*****
يا بلاخا بكو زبيـــــــرا     هيو لآذي بيثا ميوقـــــرا
لوش قبايا بدهوا زقيرا     شقولّا طالوخ بختا دميـرا
المعنى بالعربية:
عندها وهو ذلك الفقير، احنى رأسه بإحترام
قال: يا خاتون زوجة الأمير، على رأسي اصنع الزنبيل
نهض من هناك الى الخارج، ووجه طريقه الى البرية
فقطع كمية من نبات الخوص، فنسج زنبيل الى خاتون
وكان زنبيلاً فاخراً، وفي الصباح خرج الى الطريق
وعلى كتفه حمله، ثم قدمه الى الخاتون
إلا ان الخاتون امتلأت غيضاً، ونادت خادمتها في الحال
باشارة من العين اشعرتها، فأغلقت الباب بعصاها
ايها الراهب الشاب الجميل، اترك هذا العمل المرير
هنا نام على السجاد، تناول طعام والبس ملابس محترمة
ايها الراهب الشاب الرائع، لا يجوز ان تكون متعباً
في هذا العمل المكروه، ليس لديك طعام ولا شراب
ايها العامل في صنع الزنبيل، تعال الى هذا البيت المحترم
البس قباء منسوج من الذهب، وخذ لك زوجة الأمير
 nabeeldamman@hotmail.com
November 4, 2021
**********
*****
**
*


62
قصة الراهب الفقير
تأليف: القس يوسف عبيا
اعداد: نبيل يونس دمان

(1)
مقدمة:
     عشرة اوراق صوّرتُها من دفتر مذكرات المرحومة ماري صليوا شمم من بلدة تلكيف الشقيقة، القصيدة وضعها القس المرحوم يوسف عبيا قبل اكثر من مئة عام. يروى انه سمع قصتها مغناة باللغة الكردية من الغجر المارّين من قرية النصيرية ( قرب القوش) التي كان يخدمها قسيساً، فالى تلك القصيدة التي ألهمت الناس، وجعلتهم يرددون العديد من أبياتها على مر الازمنة. كتبت ابياتها بالأحرف العربية ( الكرشوني) ، ثم كتبتها باللغة العربية حتى يفهمها الناطقون بها:


*****1*****
مَصيثوا يا أخِنواثــــــــــــا     دْمَحكنّوخوا خذا قصِتَّـا
بَرد مَلكا برونا دآزوثــــــا     تيوا لكُرسي دمَلكوثــــا
*****2*****
أذي مَلكا ويوا ميوقـــــــرا     إثوالي برونا شپيـــــرا
تيوا بيثا بأيقـــــــــــــــــارا     بِشْكارا لمريا ﮔبّـــــارا
*****3*****
خَيوما قملي مِن بَيثــــــــــا     قريلِه أودي وغُلمواثـا
ركولي زلّي صوب دَشتاثا     بِجيالا لصيدا د حيواثا
*****4*****
كليلِه بصَيدا تري يوماثـــا    أجبليلِه تدْ دائِر لبَيثــــــا
بأورخا تفقلي بگوخا ميثـا    مْخُبِلّي شِپْري لمَزدوثــا
*****5*****
لبيثا ثيلي بأي عدّانــــــــا     كْليلي قَم بابِح حَنّانــــــا
ميري يا ملكا وشُلطانــــا     أذ شوحوخ بْفاني خْتَنانا
*****6*****
ميري يا بابي بْحَقّوثـــــا     إن كُلّن طـَمِخلي مَوثــــا
لك لزما حكاما لملكوثــا     لا لناشي ولا لأثرَواثــــا
*****7*****
بابي لكبن أذ شوهـــارا      لا كُرسي وهَم لا أيقــارا
بخَرثا كُلّن بنَخثِخ لقورا     بقيمِخ قَم مَريا كبّــــــــارا
*****8*****
بِد خَدمِن، لمَريا كبّــــارا      ولَكبِن شوحا ولا أيقارا
ولا أبريسم ودِهوا زقيرا      إلا بخاهِن مِخ فقيـــــرا

المعنى بالعربية:
اسمعوا ايها الاخوة، اروي لكم هذه القصة
لابن ملك يعيش رغداً، ويجلس على كرسي الملوكية
هذا الملك كان محترماً، وكان له ابناً جميلاً
جالسا في بيته بوقار، وشاكراً للرب الجبار
في احد الايام خرج من البيت، بعد ان جمع العبيد والخدم
جميعهم ساروا الى البراري، يجدّون في صيد الحيوانات
بقي في الصيد ليومين، ثم شاء ان يرجع للبيت
في الطريق شاهد جثة ميت، فتغيرت سحنته خائفاً
رجع الى البيت مسرعاً، ووقف امام والده المحترم
قال يا ملك ويا سلطان، هذا المجد سيفنى مثل الدخان
قال يا ابي بالحق اقول لك، اذا جميعنا سنذوق الموت
فلا ضرورة لحكم المملكة، ولا الناس ولا البلدان
ابي انا لا اريد الشهرة، ولا الكرسي ولا المقام
في الاخير كلنا ننزل القبر، ثم نقف في حضرة الرب الجبار
أخدم الرب الجبار، لا اريد الاسم ولا المقام
ولا ابريسم مطرز بالذهب، بل اريد اعيش فقير
nabeeldamman@hotmail.com
November 1, 2021
**********
*****
**
*


63
ذكرياتنا في جمهورية اليمن الديمقراطية في أربعة حلقات
(4)
نبيل يونس دمان
     في شهر مايو ( ايار) من العام المذكور اخبرني اخي بان الوالدين في طريقهم الينا من العراق، فاستعدنا لاستقبالهم، وبعدها بايام اتصل بنا ليقول انهم فعلا غادروا الوطن الى صنعاء عاصمة الشطر الشمالي من اليمن، فنزلنا حالا الى العاصمة عدن في بيت الصديق( ابو سامي وام سرمد) ، لنكون عن قرب، ولننتظر مكالمة اخرى منه هناك، وطالت نسبيا مخابرته فقلقنا على الوالدين، وفيما نحن في حالة الترقب، وصلت مكالمة من علي حسين ( ابو صفاء) في ابين ليقول ان الوالدين فيها، وهم طلائع العراقيين الذين يصلون الينا، طوال سنوات من وجودنا في بلاد اليمن.

بناتي لينا وريلا وقد خضبت ايديهن في بيت معلمتهم ست سلامة محسن المحضار- جعار 1988
     خرجت على عجل برفقة زوجتي والاطفال، نركض في شوارع عدن لنستقل اول سيارة توصلنا الى منطقة ( عريش الصيادين) في شرق عدن، وفيها انتظرنا اية سيارة خاصة او للاجرة لتقلنا الى محافظة ابين ، لم يطل الوقت كثيرا حتى وصلت سيارة اسرة المعلمة حليمة محمد صالح، وهم عائدون من سفرة الى محافظة تعز. اخبرناهم بوصول اهلنا الى ابين، ففرحوا معنا ، وجعل السائق ينهب الارض نهبا، حتى وصلنا الى العمارة التي نسكنها في ابين، هناك عرفنا انهم في ضيافة الصديق هادي الخزاعي( ابو اروى) وزوجته ابتسام فؤاد، وفي شقتهم التي صعدنا اليها في الطابق الثالث كان استقبالنا للوالدين بالقبل والاحضان، وليشهد الكثير من قاطني تلك العمارة ، ذلك المشهد المؤثر.

اولادي في بيت معلمة مدرسة بن نعم الست سلامة محسن المحضار- جعار 1988
     هكذا قضينا معهم اسبوعين من اسعد الايام، في الاحاديث الكثيرة المتشعبة، واخذ الصور والتجوال في زنجبار وعدن والكود وجعار، وكم امتعتني قصة وصولهم الى ابين، وليس معهم عنوان ولا رقم تلفون . لقد نزلوا في مطار صنعاء وهم في زيهم الغريب، خصوصا زي والدتي المتميز، وكان الوالد يحمل قنينتين لمشروب  كحولي محلي، فعثر عليهما وصودرا، وعندما انتحى احد موظفي المطار جانبا، ومعه القارورتين لتحطيمها، والوالد ينظر بحنو اليها، فجاة عاد يسال الوالد ، ان كان مسلما ام من دين آخر ، فاجابه انه مسيحي ، فاعتذر وارجع اليه مشروبه المفضل. ثم اجر الوالد سيارة، اقلتهم عبر اراضي وعرة الى تعز، لحج، ومن ثم عدن، وتوقفت السيارة في موقف ( فرزة) الشيخ عثمان، هناك التف اليمنيون حولهم، وهم معجبون بهيئتهم ، وسالوهم عن وجهتهم، وتفاهموا رغم صعوبة اللهجة اليمنية، ووالدتي لا تجيد اطلاقا غير اللغة السريانية ، بان ولدهم وعائلته في محافظة ابين، فانبرى احد السواق ليقول بانه يعرف المدرس نبيل ، وكم كان استغرابهم وفرحهم في آن واحد، وقد ساورهم القلق، عن كيفية الاهتداء الى مكان ابنهم، وها هم في اول مقابلة مع اليمنيين الجنوبيين يهتدون الى مكانه. فحمل السائق الجنوبي امتعتهم وقاد سيارته، حتى وقف امام العمارة السكنية في زنجبار.

مع الاخ محسن سي محضار واولاده في المورعة- جعار 1987
      طاب للعراقيين في ابين ان يتحدثوا بشوق مع والدي عن الوطن وما آل اليه، واوضاع الناس وكل يسال الاسئلة التي تخطر بباله، ليجاوبهم الوالد باسلوبه البسيط والمنفعل في احيان كثيرة، وكان يضع في حسابه او هكذا عكست شدة وبطش الدكتاتورؤية بهم، ان لا يهاجم النظام الحاكم بشكل مباشر، لانه في اجازة قصيرة، وسيعود في كل الاحوال الى حيث النظام الذي لا زال يحكم بالحديد والنار، واجمل ما كان لقاءاته وحديثه مع اليمنيين في جولتنا معا في ساحة الشهداء، وسوق ( كريتر ) في عدن الصغرى، وكذلك اخذ الوالد الى مزرعة صديق فتزود بالفاكهة التي حملها معه الى بغداد ، والتي كالعادة لم يتقاضى المضيف اليمني ثمنها ، وسط الحاح الوالد بقبول الثمن ، فكان ذلك موضع استغرابه واعجابه في آن. على اية حال مضت الايام القليلة معهم والاطفال متعلقين بهم، ولم يكن في اليد من حيلة الا ان تودعهم عائلتي في احد صباحات ابين في شهر مايو من عام 1990، واصطحبتهم بسيارة اجرة الى عدن حيث ودعتهم في مطارها، ليستقلوا طائرة من الخطوط الجوية ( اليمدا) حتى صنعاء، ومنها الى بغداد ، وفي نفس يوم وصولهم اتصلت ولاول مرة بالتلفون المباشر مع بيت خالتي، فاكدت وصولهم بسلام الى ارض الوطن.

والدي معي في ضيافة مزرعة خاصة بين الكود وزنجبار- 1990
     بعد ايام قليلة اقترب ايضا موعد مغادرتنا الدولة المضيافة التي لن انسى ما حييت فضلها علينا، وبجواز سفرها الذي احتفظ به، غادرناها بالدموع مودعين من اهلها الطيبين ومن العراقيين اصحابنا الذين بقوا فيها. في يوم 13- 6- 1990 حلقت طائرتنا اليمنية الديمقراطية من مطار عدن الى بودابست عاصمة المجر، وكان آخر شخص يودعنا هو سائق السيارة المخضرم ( صالح البندق) من ابين، في بودابست بقينا اسبوعا ً، ونحن نستعد للسفر المزعوم الى دولة كوبــا في امريكا اللاتينية ، وفي الطريق تتوقف الطائرة ترانزيت في مطار مونتريال، عندها نستغل الفرصة لنطلب اللجوء السياسي في كندا حيث يعيش فيها اخي.
     في الصباح الاخير من صباحات المجر التي نغادرها الى كوبــا اودعنا في المطار الصديق الرائع الذي تعرفنا عليه ابو موريس( اشوري من البصرة) يقيم في المجر مع عائلته. لكننا ارجعنا من المطار ، فقد شككوا في رحلتنا، وقالوا يجب ان تكون لكم فيزا الى كندا، حتى لو كنتم تمرون فيها ( ترانزيت) عبثا حاولنا اقناعهم بان وجهتنا العاصمة هافانــا، واوصونا بالتوجه الى السفارة الكندية للحصول على الموافقة . خرجنا من المطار لا نعرف اين نذهب، ونجهل لغة البلد، اتذكر كانت عطلة نهاية الاسبوع، والمكان الوحيد الذي نعرف عنوانه ، كان المكتب الخاص بالسياحة والهجرة، والذي يملكه عراقي اظن اسمه ( عبد الرسول) ، فاجرنا سيارة وبالكاد اهتدينا الى مكانه، وكان حظنا سعيدا حيث التقينا باحد الاخوة العاملين في المكتب، والذي تواجد عن طريق الصدفة، فاجر لنا غرفة في احد البيوت البعيدة عن المركز، بقينا فيه عدة ايام عانينا فيها الكثير، حيث المكان غير مناسب، اكظم نفوسنا، وصاحبه جشعا حاول استغلالنا، وفيه تمرض ابني وعمره ثلاث سنوات، فاخذناه الى عيادة شعبية، تقاضت منا مبلغا مناسبا من المال، وبعد تعبيرنا عن الضجر والضيق فيه، نقلنا صاحب المكتب المذكور الى بيت في المركز ( راكوجيتير) والذي يقرب من ساحة لويزا ومن فندق استوريا، ومن هناك بدانا نتصل بشقيق زوجتي كلبرت في اميركا وبخالها في المانيا، واستطعنا بعد سلسلة من الاتصالات ان نحصل على فيزا زيارة الى اميركا، على اثر الدعوة التي ارسلها لنا كلبرت اودو، وكذلك حصلنا على فيزا الى المانيا. لا انسى فضل السفارة اليمنية في بودابست في تسهيل امورنا وبشخص سفيرها المحترم والموظف العراقي العامل فيها ( سلمان البصري) .

عائلة علي حسين ( ابو صفاء) العراقية تهنئنا بمولد رافد دمان- جبل خنفر- جعار- أبين 1987
      غادرنا بودابست بالطائرة الى برلين الشرقية وهناك كان بانتظارنا الخال روكسي منصور، فاصطحبنا الى شقته في برلين الغربية، التي خطفت ابصارنا بتطورها الشامل في كل المجالات، واطلعنا على معالمها السياحية والتاريخية، فقد زرنا قصر الرايخستاج ، ومدينة بوتسدام، ومررنا حول نصب الحرية، وزرنا متاجر برلين العالية التنظيم، وزرنا متحفها وحديقة الحيوانات فيها والتقطنا العديد من الصور التذكارية، وكذلك تسنى لنا حضور الجلسة الاحتفالية، لمؤتمر رابطة الكتاب والفنانين العراقيين، هناك التقينا بالعديد من الاصدقاء الذين فارقناهم من قبل ومنهم: د. كاظم حبيب، الصحفي عدنان حسين، عبدالمنعم الاعسم، ام نهرين، ابو العز، د. فائق بطي وغيرهم.

في ملاعب الاطفال- ساحة الشهداء- زنجبار- أبين 1987
     مكثنا في برلين اسبوعا ً، ثم اقلتنا طائرة عملاقة الى بلد الحريات والفرص، بلد البقاء والاستقرار، اميركا العظيمة بتقدمها وتطورها الهائل في كل المجالات، واحد اقوى المراكز الصناعية والعلمية والتجارية في العالم. كان استقبالنا فيها مجلبا للانتباه، فمن الضياع الى الوجود، من لا احد يعرفنا عن قرب، الى اقارب واصدقاء قدامى من ايام وطننا الام، والى اصدقاء ومعارف جدد كل يوم وفي مختلف المناسبات والاعياد، الوطنية والدينية والشعبية، اضافة الى جانب هام جدا، وهو التكلم بلغتنا السريانية العريقة، وفي وسط مجتمع سرياني مصغر، حيث يعيش اكثر من مئتي الف من ابناء جلدتنا من مختلف المذاهب والبلدات والقرى المختلفة في وطن بين النهرين، ومن البلدان المجاورة . يحاول هذا القوم سليل حضارات عظمى في التاريخ ، البابلية والاشورية، ان يحافظ على ما تبقى من عاداته وتقاليده وطقوسه، على امل ان يكون لشعبهم الاصيل المتواجد على ارض الاباء والاجداد يوما، وجوده المعترف به، وحريته ونيل حقوقه، المهضومة لقرون طويلة من الزمن، بفعل عدم الاستقرار والمظالم والمآسي التي تعرض لها، واستطاع الى الان ان يصمد ويستمر رغم الصعاب وهول المشاكل اليومية التي تجابهه، وعلى امل ان يعرف الجميع ويقر باصالة هذا الشعب البيث نهريني، فيكون له الحقوق المتساوية مع الجميع، وليشق المجتمع طريقه بين الامم، ويبرز في علمه وبناءه وحضارته المتجددة.

   
  عائلتي مع عائلة يمنية في المورعة- جعار 1987
     هذا البلد العظيم مد اذرعه لنا، ولكن قوانينه الصارمة ، منحتنا ثلاثة ايام فقط زيارة، بسبب قرب نفاذ مفعول جواز سفرنا اليمني الديمقراطي. وبمجرد وصولنا الى مكتب كرمو للمحاماة، تبدد قلقنا واستطاع الاخوان مرشد وستيف من تمديد مكوثنا لعدة اشهر قادمة ، التقطنا فيها انفاسنا، بعدها قدمنا طلب اللجوء السياسي ، وكانت الفترة حساسة، حيث اعقبت دخول قوات الطاغية دولة الكويت في 2- 8- 1990. 
      عشنا سنوات نعمل بكدح مُضني، وهي حالة تتطلب ان يمر بها كل قادم جديد الى هذا البلد، وتمتعنا بكل حقوقنا تقريبا، باستثناء السفر خارج الولايات المتحدة ، وصرنا نعبر عن ارائنا علنا، وذلك امر لم نعشه من قبل وله اهميته، كوننا لم نملك تلك الحرية في وطننا، وكانت ممارستها بحدودها الدنيا، تؤدي بصاحبها الى غياهب المجهول . وارسلنا الاولاد الى المدارس فتدرجوا في التعليم فيها حتى نالت بناتي وابني الشهادات الجامعية برفعة الرأس، وتطور وضعنا تدريجيا وبخطوات رتيبة، نحو الافضل ، فكانت حالتنا المتوسطة ولا تزال موضع ارتياحنا وقناعتنا، حيث لم نندفع بشراهة لكسب المال وبالتالي نفقد اشياء روحية صميمية ، تفوق قيمها كل كنوز الارض ، فتركز نظرنا وتطلعنا نحو الاهتمام بالاولاد والنظر باستمرار صوب الوطن وكأنه يعيش معنا هنا في المهجر المفروض.
     في هذا البلد الذي منحنا بعد سنوات الاقامة الدائمة، ثم الجنسية الامريكية في مطلع الالفية الثالثة للميلاد، زادنا فخرا وشعوراً أعلى بالمسؤولية، في التوازن بين البلد الذي اعطانا الحقوق ، ومنحنا الاستقرار، وبين وطننا الام ذلك الحبيب الاول الذي يذكرنا بقصيدة لأبي تمام يقول فيها:
كم منزل في الارض يألفه الفتــى/ وحنينه ابدا ً لأول منــزل
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى/ ما الحب إلا للحبيب الاول

في عيد ميلاد لينا 18- 8- 1989 في جبل خنفر- جعار
     توفرت لي هنا الفرصة ان تتطور هوايتي المفضلة في المطالعة والكتابة المتواضعة، وكانت لي الحرية الكاملة في اختيار الموضوع الذي اريد التطرق اليه، وفي مختلف المجالات: السياسية، الادبية، الفنية، التراث، القومية، والمواضيع الاجتماعية والانسانية، ووصلت كتاباتي الى حد النشر في الصحف والمجلات المعروفة، وفي مواقع ومنتديات الانترنيت، التي تطورت بسرعة في السنوات الماضية  ولأكتب براحة بال، مستفيدا ً من وقتي الذي يلي عملي، دون ضغط او إملاء من احد، ولأصدر عام 2001 كتابي الاول بعنوان ( الرئاسة في بلدة القوش) ، وعام 2008 كتابي الثاني بعنوان ( حكايات من بلدتي العريقة) ، وعام 2014 كتابي الثالث بعنوان ( القوش حصن نينوى المنيع) ، والكتاب الحالي الذي اهديه الى شعبي العراقي الأبي، والذي سيرفع في القريب ان شاء الله عن كاهله، كل مخلفات عهود الذل والتسلط والدكتاتورية، الى رحاب الحرية والديمقراطية، التي تنادي ارضنا بها، ولينطلق في سباق مع الامم ، نحو الرفعة والمجد، فيتربع في عرشه الجديد موحدّا ً، مرفـّها، وسعيدا ً.

والديّ مع كفاح واولادي في الشارع الترابي المؤدي الى العمارة السكنية خلف ثانوية زبجبار- 1990
ملاحظة مهمة:
الاسطر الاربعة الاخيرة يقصد بها كتابي الصادر عام 2020 بعنوان ( الجبال معاقل الثوار) وتشكل الحلقات الأربعة السابقة جزء ملحق بالكتاب.
انتهى الموضوع ، شكراً لمتابعتكم.
nabeeldamman@hotmail.com
California on October 20, 2021
&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&
&&&


64
ذكرياتنا في جمهورية اليمن الديمقراطية في أربعة حلقات
(3)
نبيل يونس دمان
     سكنت في( زنجبار) مركز المحافظة الثالثة ( أبين) لعدة سنوات ابتداءً من نهاية عام 1983، وفي عمارة سكنية مكونة من 18 شقة سكنها المدرسون من مختلف الجنسيات، كان المدرس يعمل بعقود خارجية ( خليجية) ولذلك كانت الدولة ملزمة باسكانه في شقة، باستثناء المدرس العراقي، فنظراً لظروف هجرته الأليمة وتركه العراق، اضاف اليها صعوبة اخرى، هي العمل في اليمن بعقود محلية، ولذلك اسكنت كل عائلتين في شقة واحدة، هكذا سكنت في السنوات الثلاثة الاولى، وللعلم كل شقة كانت تتكون من غرفتين صغيرتين وغرفة استقبال اصغر.

اول شقة سكناها مع عائلة فلاح ابو لينا ( من الديوانية) خلف ثانوية زنجبار عام 1983
     تلك العمارة سكننتها ثمانية أسر فلسطينية للسادة المدرسين: محمد جبر( ابو شيرين) ، محمد خريس ( ابو شادي) ، راتب ( ابو ايمن) ، محمود ( ابو نسرين) ، غسان ( ابو فادي) ، عبد العزيز الاعمر ( ابو علاء) ، عبد الجبار، سليمان ( ابو ايناس) ، ومدرس باكستاني درس في العراق اسمه لمعات ميرزا بركات ( ابو هدى) ، مدير تربية ابين ( حسين الدعسة) ثم خمسة عشرة اسرةعراقية في ثماني شقق وهم عائلتي، ام لينا ( زوجة نصير) ، ام زيدون، ام بسام ( زوجة نصير) ، ابو دلير، ام جمال ( زوجة شهيد) ، ابو ثبات، ام انس ( زوجة نصير) ، ابو سعود ،ام اروى ( زوجة نصير) ، ابو الفت، ام زينب ( زوجة نصير) ، ابو منار، ابو نورس، ابو صفاء.

اطفالنا يؤدون نشيداً وطنياً فوق سطح العمارة السكنية في زنجبار
     في كل آذار كنا نحتفل بالمناسبات الوطنية العراقية، وفي عيد نوروز كنا نتجمع خارج العمارة المذكورة التي تحيط بها مساحات شاسعة غير مسكونة، فتلقى الكلمات والاشعار، نغني ونوزع الحلوى على الاطفال، ونقضي عدة ساعات نستذكر المناسبة ونتذكر الوطن، كان سكننا قريب من المدرسة الثانوية التي كنا ندرس فيها ( ثانوية الشهيد احمد صالح) وايضا بالقرب من مجمع واسع يعتبر واجهة محافظة أبين آنذاك ، فيه معارض والعاب اطفال ومنتزهات اسمه( ساحة الشهداء) .
      في عام 1986 وبجهودي الشخصية وبتعاون الاخوة العراقيين معي، استطعت ان احصل على موافقة من مدير تربية أبين حسين الدعسة، فاعطاني ورقة بترميم دار في مديرية ( قضاء) جعار وعلى قمة جبل ( خنفر) الذي لم يكن جبلا ً بمعنى الكلمة، بل تلا ً طوله حوالي كيلومتر وعرضه 200 متر وارتفاعه 300 م ايضاً، ارضه من صخر جلمود، نادرا ما تنمو فيها النباتات باستثناء منحدر ضيق كان اخضرا على مدار السنة ومن شجيراته تفاح عدن ( كانت ثمرته عبارة عن انتفاخ هوائي مـُر المذاق ) الى جانب شجيرة ( المسواك) التي كانت غصيناتها تستعمل لتنظيف الاسنان فتعقمها وتعطيها النكهة والبياض.

مجموعة عراقيين خلف العمارة السكنية في زنجبار في اذار 1987
     في تلك الايام  وانا اجهد كل يوم في العمل بالمنزل لتنظيفه وتصليح ابوابه وشبابيكه وايصال الماء والكهرباء اليه، فكل يوم بعد الدوام اتوجه الى هناك والمكان قاع صفصف لا انس فيه، باستثناء عائلة عراقية اسكنت في بيت قبلنا، وفي احد الايام المصادف 13- 1- 1986، وانا اعمل كالعادة في البيت وابعد عن سكن العائلة حوالي 30 ميل، لاحظت على الشارع الذي يربط جعار بزنجبار حركة غير طبيعية، فكثير من السيارات العسكرية تعبر بسرعة الشارع، لم ابالي، حتى رجعت جارتنا العراقية ( ام همسة) من المدرسة لتقول اذهب الى البيت قبل ان ينقطع الشارع، لقد اقفلت المدارس ( دوامها كان بعد الظهر) فقلت لها يبدو ان الصراع اندلع داخل الحزب الاشتراكي اليمني.
     اكملت ترميم المنزل بنفسي، وحصلت على المواد الاولية من كهربائيات وصحن الغسيل، واصباغ ومسامير، كلها زودتني بها التربية من سوق جعار ( دكان الوالي) وكلفت احد الموظفين اسمه ( الحجاشي ) بنقلها في سيارة التربية، وهكذا عند صعود السيارة الى جبل خنفر والطريق غير مبلط وحاد في ارتفاعه ، لم يستطع السائق المواصلة عند الوصول قريبا من نهايته، فانحدرت مركبته ( البابور) نحو الخلف ولم تتوقف، انحرفت الى جهة الوادي، فتعلق محورها( الاكسل) بالصخور واطاراتها الخلفية تعلقت في الهواء، واصبحت على شفا السقوط في هوة عمقها حوالي عشرة امتار وفيها كتل احجار متناثرة، قبل توقفها ونحن نتحسس انفاسنا منتظرين مصيرنا ، ظل الحجاشي يردد ( خاف الله، خاف الله يا اخي ، حق الناس) اي سيارة الدولة، بعد ان افقنا من الصدمة ، تسللنا الى المدينة نستنجد بساحبة زراعية، واخيرا ً انقذت السيارة وكانت اضرارها طفيفة. ذهبنا الى بيته وتناولنا العشاء عندهم، فقلت له مازحا" لو حدث لنا شيئا لخلد الزمن إسمك، فأهلي في العراق، كانوا سيكتبون اسمك الى جانب اسمي على جبل بلدتي"  وكنت كلما اراجع مديرية التربية، اذكره بتلك الحادثة قائلا" لقد تعمدت صداقتنا بالدم يا حجاشي"  فتغمر وجهه الابتسامة ويشرع يحدث زملائه عن تلك الحادثة، التي يوصفها بانها كادت تؤدي بحياتنا.

فلاحون تعاونيون في مزرعة قرب بيتنا في جعار- بعدستي في 1- 11- 1987
في الصورة كل من: مريم، حسين، صلاح، ناصر، ابراهيم
    بعد فترة من استقراري في بيتي الجديد الذي سعدت كثيرا ً بالسكن فيه ، لاستقلالي النسبي، وهدوءه، وكونه يقربني نفسيا ً من موطني الجبلي البعيد. كان الموقع مشرفا ً من ثلاثة اطرافه على السهول الخضراء في فصل الشتاء، خصوصا بعد ان تغمرها مياه السيول ( الدفر) ، وهي اراضي زراعية تعاونية، تنمو فيها انواع الخضراوات، والجهة الرابعة على امتداد جبل خنفر فيها الشاليهات، والدوائر الحكومية، والشقق السكنية الراقية التي كان يسكن فيها الخبراء الروس( يعملون في سد باتيس) ، اما بيتي والبيوت المجاورة القليلة فقد كانت قبل الاستقلال بيوت السلاطين، وبعد الثورة هرب قاطنيها الى السعودية، فسكنها الخبراء الالمان الشرقيين( يعملون في معهد الشبيبة في الكود) ، وبعد رحيلهم سكنت انا بواحد، والثاني الذي كان على شكل قصر من طابقين وفيه العديد من الغرف الواسعة وحوله مسبح دائري جميل ، فقد سكنه عضو لجنة المحافظة للحزب الاشتراكي اليمني د. احمد صالح العلوي.
 
لينا وريلا عائدات الى البيت من مدرسة بن نعم الموحدة في جعار عبر تسلق جبل خنفر سنة 1987
     كان الطريق الى المسكن يلتف حول الجبل من الجهة الجنوبية، واذا تستمر بالطريق فانه يوصلك الى قرية ( الدركاك، التي حضرت يوما فيها مناسبة المولد، فكان صوت الناي والدفوف تقرع عاليا) ، فكنا على الدوام نختصر الطريق ونحن عائدون مشيا ًعلى الاغلب من المدارس، فنتسلق الجبل عن طريق فتح جديد للمشاة كما كنا نفعل في كردستان، وكانت بناتي في المرحلة الابتدائية ( الموحدة ) لينا وريلا وكذلك همسة بنت جارنا العراقي الطيب( عواد متاني) يرتقون ذلك الجبيل من اماكن يصعب حتى على الماعز ( باللهجة اليمنية يسموه البوش) ارتياده، وما اكثر ما وقف اليمنيون مشدوهين امام منظر صعود البنات وهن يحملن حقائب كتبهن على الظهور.
 
عائلة جنوبية من منطقة يافع الجبلية
     في تلك الايام اقبل الربيع ومعه مناسباتنا الوطنية والقومية ، منها نوروز فتقرر ان نحتفل فوق الجبل، فجمعت الحطب وكومته في مكان صخري عال من جـُبيلنا ، وتجمع العراقيون الساكنين في أبين وجعار عندي، وعددهم في حدود عشرة عوائل اضافة لبعض العزاب يسكنون في( المعسكر) ، كان ذلك في 21- 3- 1990 وبدأ الاحتفال الصغير ولكنه معبر وجميل، بالاغاني والاناشيد وتوزيع الحلوى والمرطبات، ثم كانت الكلمة المناسبة، وبعدها تحركت العوائل والاولاد الذين غالبيتهم مولودون في اليمن، لمشاهدة النار التي اضرمتها في تلك العيدان والاخشاب، فتحلق الجميع حولها فرحين ، ولهيبها يتصاعد باستمرار، مما جلب انتباه العوائل اليمنية الجارة فجاءت تسأل عن المناسبة، وتستمتع بالمشهد منهم العوائل التالية:  د. احمد، علي عوض واخيه بدر عوض، محمد السنيدي ، و محمد سالم، فشاركونا افراحنا وهم معجبون بالنار التي قلنا لهم، انها مشاعل الحرية ، ورمز انتصار كاوا الحداد على الطاغية الضحاك، في غابر الازمان.
     كان اخي فريد قد ترك العراق عام 1986 الى ايران ، وامضى سنتين متنقلا من مكان الى آخر، مثل تركيا، سوريا، اليونان، وفي آخر المطاف وصل الى كندا عام 1988، فاخذ باقناعي وتمهيد الطريق لي ولعائلتي للالتحاق به في كندا. لم يكن ذلك سهلا ، ولم يكن يغرّني العيش بعيدا ًعن اجواء الشرق الاوسط، وكانت زوجتي متفقة معي في هذا الموقف ايضاً. ولكن مع اقتراب خطوات الوحدة بين شطري اليمن، مع سلسلة الانهيارات في منظومة الدول الاشتراكية، كل ذلك ادى الى تزايد عرى العلاقة بين كل شطرعلى حدة، مع النظام الحاكم في العراق. فكلما سارت الخطوات اسرع نحو الوحدة، كلما تزايد نفوذ النظام المذكور فيهما، وتزايدت مخاوفنا تدريجيا ً، ولذلك وأبتداءا ً من عام 1990، باشرت بالتنسيق مع اخي في اختيار افضل السبل للوصول الى كندا، فرتبنا خططا ً درسناها كثيرا ً، قبل ان تتوج في مغادرتنا اليمن.

انا ، ريلا، كفاح، لينا في ساحل أبين عند المطلّع بين عدن والكود على المحيط الهندي عام 1985
nabeeldamman@hotmail.com
California on October 16, 2021
&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&
&&&


65
ذكرياتنا في جمهورية اليمن الديمقراطية في أربعة حلقات
(2)


نبيل يونس دمان
     على ذكر وادي حسّان تشكل في محافظة ابين فريق لكرة القدم باسم فريق حسّان الذي اصبح بارزا على مستوى الجمهورية، وكان ينافسه في عدن فريق التلال ، واصبحا بمرور الزمن حسان والتلال على كل لسان، كما هو الحال في مصر والفريقين الاهلي والزمالك، وقد برز من لاعبي حسان، الصديق احمد الراعي، فكان يسدد ضرباته القوية، وباستمرار يعلق مشجعي الفرق المتنافسة مثل التلال وشمسان وغيرهما، بتعليقات تهدف الراعي بالقول( الراعي شلّ السيل) اي جرفه الدفر.


مايس ايار1987، فوق كاري الجمل زوجتي كفاح وبناتي لينا وريلا ويقود الجمل الاخ سيد محسن شيخ المحضارمع بعض اولاده في طريقنا الى البيت في جبل خنفر- جعار
     غداة قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، تم تأميم كل شيء تقريبا، فالاراضي الزراعية( الاطيان) اصبحت ملك الدولة ، وبيوت السلاطين صودرت، فعلى سبيل المثال هرب السلطان عبد الله الى السعودية ابان تولي سلطة الجبهة القومية عام 1967، فاصبح قصره الكبير مبنى لمديرية تربية ابين. في السوق كانت كل المواد الغذائية الاساسية تباع من قبل تعاونيات الدولة، ووصل الامر حدا، حتى امام جامع مديرية( جعار) واسمه الحاج سليم، كان يعمل شغيلا ً في محطة توليد الطاقة الكهربائية، من اجل ان يوفر لقمة عيشه. اما المدارس فكانت مختلطة( بنين وبنات) منذ مرحلة الروضة وحتى الجامعة، ويتم نقلهم من دورهم وقراهم وعرائشهم عبر باصات مملوكة للدولة. وكانت جميع انواع العلاج والادوية والعمليات الجراحية والمستشفيات تتم بالمجان، وكان يكثر الطب الشعبي( طب عرب) خصوصا حالات الكسور الذي كان يختص بها رجل اسمه( مصعبين) في حي الشيخ عثمان بالعاصمة عدن.

امام قاعة مؤتمر رابطة المراة العراقية في عدن كانون ثاني 1987
     المرأة في اليمن متحررة بحكم القوانين التقدمية التي شرعت لصالحها، ففي حالات الانفصال مثلا كانت تحتفظ بالبيت مع اطفالها ، في حين يغادره الزوج مرغما ً. وقد عملت المراة في كل مجالات الحياة: في الشرطة، الميليشيا الشعبية، الجيش ، في المعامل ، المزارع ، المكاتب مع الرجال، وكانت العلاقات الاجتماعية اكثر انفتاحا من باقي الدول العربية وتسودها البساطة وحسن النية بعيدا ً عن الانانية وحب التملك.
     فتيات اليمن يعطين الاهتمام لمظهرهن، وكان لبسهن الملون الخفيف الفضفاض( درع) يلائم جو البلاد ، وقد كثرت محلات التبرج والكحل والزينة والحمور في عدن الصغرى( كريتر) وفي المعلا والتواهي والمنصورة، ومن مسافة بعيدة تزكم الانوف تشم اطايب العطور واريج البخور المستوردة خصيصا من الهند واندونيسيا وغيرهما، وقبل ان ترتدي الفتاة ملابسها، فانها تبخرها فوق مباخر مخصصة، عبارة عن هيكل معدني او خشبي خفيف، توضع حوله الملابس و( الدروع) وفي الوسط يترك موقد فحم صغير، وحال اضافة مادة البخور الى الجمر المتقد، حتى تتصاعد الابخرة العبقة، لتدخل مسامات الدروع( الثياب الخارجية) والشيذر( العباءة) وغيرها، وبالتالي تقاوم الرطوبة والعرق الناضح باستمرار من الجسم وخصوصا في مدينة عدن.

زوجتي كفاح مع بناتي لينا وريلا يهنئون الأخت زهرة مولد ابنتها انسام طارق خليفة ( من بعقوبة) في معسكر المرأة العاملة في جعار 1987
     على مدار السنة تملا اجواء تلك المدينة المطلة على باب المندب، عشرات الالاف من الغربان، ولا احد يعلم سر كثرتها المتزايد، ونعيقها العالي الذي يفاجئ به القادم الجديد، وقد جلبت الدولة خبراء من الخارج للقضاء عليه، ولكن لم يتم التخلص منه ابدا ً، بل هاجرت اعداد منه الى المحافظات الاخرى مثل لحج وابين.
    الحياة في اليمن بسيطة والناس فيها بسطاء، ويعتبروا نازلات الدنيا( الاقدار) بالامور الطبيعية ويكثروا من استخدام كلمة( عادي) لاغلب ما يصادفهم، فتلك المفردة شائعة جدا، فاي شيء يحدث يقال عادي، وحتى النواقص والاخطاء التي ترتكب يقولوا ايضا عادي( مع تمديد حرف الألِف) . تصور عندما يتوفى احدهم، فليس من عادتهم الندب والبكاء الطويل او ارتداء الملابس السوداء، بل يعتبرون المسالة محسومة ووقعت في أجَلـِها وكفى. تكاد تخلو حياتهم من مظاهر العنف، واقسم انني لم ارَ شجارا بين اثنين طيلة مدة مكوثي في ضيافتهم، ونادرا ما ترى توترا بين الناس، فلو فرضنا ان احدهم انفعل لسبب ما، فان الثاني يقابله بالهدوء والمسامحة وتفويت الفرصة لوقوع العراك، هناك استثناء واحد فقط للعنف، وذلك عندما تندلع احداث في البلاد كالانقلابات والانقسامات، والحروب الاهلية ، فهناك يبلغ تصفية الحساب اشده، مثال ذلك احداث 13 يناير 1986 التي كنا شهودها.

انا في اليسار مع بناتي لينا وريلا واولاد الصديق الاستاذ فخري الظاهر ابو غادة ( شقيق الكاتب المعروف رضا الظاهر) في بيتنا بجبل خنفر- جعار- أبين أبريل نيسان 1987
     هناك نقص في وسائل المواصلات، والسيارة( البابور) عندهم غالية جدا، والقليل منهم يمتلك السيارة، وافضل واسطة نقل في السوق وبين القرى المتناثرة هي العربة المسحوبة من قبل الجمال( كَاري جمل ) . عندما تضطر للوقوف في مفترقات الطرق( كَولات) يكفي ان ترفع يدك لاية سيارة قادمة، فيقف سائقها امامك وهو يحييك، وينقلك الى الجهة التي تقصدها، دون ان يتقاضى اي ثمن، وعند محاولتك مثلا دفع مبلغ معين( بيَس) ياتيك الجواب بالعادي او بالقول( عيب يا رجّال) وحتى عندما تذهب الى مزارعهم وتتزود بالفاكهة مثل( الموز، العنبة، البباي، البرقوق، الجوافة، المانكَو ) او الخضراوات( الخضار) مثل البقل( الفجل) ، الزماط( الطماطة) ، الباكنضال( الباذنجان) ، الباميا، الرومي( شامية) وغيرهما فان اصحابها التعاونيين يرفضون باصرار تقاضي اثمانها، فتقف محرجا، وتبدي في آخر المطاف مزيدا من الامتنان لهم، فياتي جوابهم ان( لا شكر على واجب) . قد يظن البعض ان ذلك مبالغ فيه، ولكنها الحقيقة التي عشناها، ولذلك كنت في حال اضطراري الذهاب الى مزارعهم، احمل معي هدايا لهم او اكلات عراقية مطبوخة في البيت، والتي كانت تعجبهم كثيرا ً.

ام لينا والبنات فوق جبل خنفر - جعار وامامهم منظر السيول التي اجتاحت الاراضي الزراعية في شهر ابريل نيسان 1987
     كانت الشوارع والمدن والقرى في امان تام اذا صح التعبير، فلا خوف ولا قلق يساورنا ونحن ننتقل واغلب الاحيان سيرا على الاقدام من مكان الى آخر، وحتى في منتصف الليل. لم يحصل ابدا ان اعترضنا احد، وكانت نساؤنا ينتقلن لوحدهن احيانا وهن عائدات من المدارس او السوق وكل الامان متوفر حولهن، والناس تنظر اليهن باحترام وتقدير، حقا ذلك الزمان يحسد عليه وتفتقر اليه دول كثيرة.
اولادنا في جبل خنفر- جعار 1987

     اليمنيون مولعون بالاغاني والموسيقى، فتسمع التسجيلات العالية في السوق لتلك الايقاعات السريعة، واكثرهم لا يعجبهم الغناء العراقي لانه مدعاة للحزن، باستثناء حبهم للمطرب ناظم الغزالي وخصوصا اغنيته( عيرتني بالشيب) . الموسيقى في اليمن هي الطرب والطرب وحده، فالاغنية مشبعة بالمرح والانبساط، فلا مكان لكلمات حزينة عندهم ، واكثر اوقاتهم سعادة، تكون  مع القات كما سبق الحديث عنه، ومن اغانيهم المشهورة انذاك: صبّوحة خطبها نصيب، يا رب مللو حبيب، يا هاجرني مالك، واشهر شعرائهم هو ابو بكر المحضار( من حضرموت) واشهر مغني في الوطنية هو كرامة مرسال صاحب اغنية( لبّيك يا تاج اليمن) ومن المغنين ايضا: احمد فتحي، ايوب طارش، امل كعدل، لوله حسين( من مكيراس) ، فيصل علوي وغيرهم.

اولادنا امام بيوتنا فوق جبل خنفر- جعار 1989
     اما حفلة الزواج عندهم فتسمى ب( المخدرة) ويتم فيها بالنسبة للرجال مضغ القات وهم مستلقين على الارض ومتوسدين بوسائد كبيرة الحجم وصلبة، والجميع في نشوة سماع الموسيقى الصاخبة ومن مكبرات الصوت التي تصل الى ابعد مكان، اما النساء فيرقصن( يلعبن) على ايقاعات سريعة، ويكاد يكون الرقص الثنائي هو الاكثر شيوعا عندهم وغالبا من النساء، اما الجالسون فيصفقون بايديهم بتواصل، كتلك المعروفة عندنا ب( صفكَة البصرة) .  نادرا ما يرقص ثنائي من الجنسين، ويحصل ذلك في المناسبات الوطنية : مثل عيد ثورة اكتوبر وعيد الاستقلال في نوفمبر وعيد 26 سبتمبر، او من خلال فرق الرقص الشعبية، التي لكل محافظة من المحافظات الست فرقتها الشعبية الخاصة بالوانها ونمط ادائها وهي على التوالي : فرقة عدن للرقص الشعبي، فرقة لحج، فرقة ابين، فرقة شبوة، فرقة المكلا( حضرموت) ، وفرقة المهرة.
      بعض الفتيات في اليمن يضعن طوقا من الورد على رقابهن، او فوق الراس من ورود الفـُل ذات الرائحة الزكية الفواحة، ففي ليالي رمضان يسطع شارع الشيخ عثمان في عدن، بالانوار الكاشفة فوق عربات صغيرة مملوءة  بورود الفل، وبجانبها النساء يضفرن اكاليل الورد التي تتشح الجسم، او على شكل اطواق واكاليل جميلة جدا، حيث تبعث في الانسان البهجة والانشراح من خلال تلك المناظر على طول الشارع، ففي الليالي الاخيرة من الشهر المبارك، لا تكاد تتلمس طريقك من زحمة الناس. اذكر عندما تزوج زميلنا جبار (الديوانية) ، من الفتاة اليمنية فطومة( فطوم) عام 1985 كانت النسوة اليمنيات يغنين اغنية مطلعها: جبنالك فـُلــَّة( من وردة الفل) يا جبار، تسوه عدن كـُلــَّه.

كلية التربية- زنجبار 1985. من اليسار رشاد ( ابو علي) ، .... ، خالد دعير ( ابو الفت) ، تيريز مروكي ( ام ميسون) ، كفاح اودو ( ام لينا) ، ام سيروان، رابحة ام صباح، فاطمة ام مازن
     ان ننسى فلا ننسى الخضاب والحنة بالوانه الاسود، الاحمر، الاصفر، الاخضر حيث تخضب الفتيات ايديهن وارجلهن لمسافة تصل منتصف الساعد او الساق، لتصبح منقوشة باجمل الرسوم الطبيعية، والزخارف الفنية، والكتابات المعبرة، ويتم ذلك على ايدي نسائية متخصصة.
nabeeldamman@hotmail.com
California on October 12, 2021
&&&&&&&&&&&
&&&&&&&&
&&&


66
ذكرياتنا في جمهورية اليمن الديمقراطية في أربعة حلقات
(1)
نبيل يونس دمان
     غادرنا دمشق فجر 20- 10- 1983 وكان في وداعنا الصديق دنخا البازي، وفي نفس اليوم وصلنا الى اليمن. عندما هبطت الطائرة التي اقلتنا في مطار عدن الدولي، واتجهنا نحو قاعة الاجراءات الروتينية، لاحظت شيئا ً غريبا ً عند غالبية الموظفين العاملين هناك. حيث رأيت احدهم وفي خده انتفاخ، فقلت مع نفسي ان له مشكلة في اسنانه، واستغربت حالته النفسية الجيدة وابتسامته وحديثه، والاكثر من ذلك قيامه بعمله الرسمي متجاوزا ً آلامه، تكررت تلك الحالة مع غيره وعددهم امامي في تزايد، ففكرت ان في المسألة سرا ً ما، اذ لا يعقل ان يكون جميعهم ملتهبي الاسنان، وهم في مكان عمل حساس كالمطار.
 

اخر صورة في دمشق عام 1983 - تصوير ابو زيلوان
     استقبلنا الاخ رشاد( ابو علي) وهنأنا على سلامة الوصول، فبادرته بالسؤال عن قصة هؤلاء المنتفخي الخدود، المتوردي الوجنات، والملتمعي العيون. فقال وابتسامة عريضة ترتسم على وجهه الاسمر " يا صديقي الم تسمع بالقات؟ " فقلت" يا الهي انه القات ، ذلك النبات الذي سمعت به في اواسط السبعينات، من معلم في بلدتي المتواضعة في شمال العراق" ، وفي وقتها لم اصدق ابن جلدتي واكثر الجالسين في مجلسه، والان أراه بنفسي، وسأعيش مع قصصه والاحاديث الشيقة حوله لسنوات عدة، ساروي لكم ما بقي عالقا ً منه في ذهني. 
 

اول صورة في جمهورية اليمن الديمقراطية اكتوبر- 1983 في شقتنا بزنجبار خلف الثانوية
     اشجار القات تنمو في اليمن ويقال انها نقلت اليه من الحبشة قبل اكثر من مئة عام، ان جو اليمن وخصوصا ً في المناطق الوسطى الجبلية يلائم تلك الاشجار، كما ويلائم الجو ذاته لنمو اشجار البن( القهوة) الشهيرة تاريخيا في اليمن. تجمع اوراق تلك الاشجار على شكل ربطات بحجم كف اليد، وتعبأ مجاميع منها في اكياس سميكة مفتوحة، وترش بالماء بين الحين والاخر، للحيلولة دون جفافها اثناء نقلها عبر عشرات الاميال الى اسواقها المحلية ، لتحتفظ بطراوتها ونضارتها. في كل مدينة وقرية هناك سوق القات، يجلس الباعة وامام كل واحد كشيدة( يشماغ ) او خرقة مبللة بالماء تحوي نحو 40- 50 شدة( ربطة) . يتميز سوق القات بالحركة الواسعة والتزاحم وصخب الرجال، وفي وجوههم ألَق الانبساط والسرور،  الحديث في فترة الثمانينات عندما كانت حكومة اليمن الديمقراطية الشعبية قد حددت تعاطيه في يومي الخميس والجمعة والاعياد فقط، فيما حرم دخوله الى محافظة( حضرموت) . عندما كانت المشاهرة( الراتب) في حدود 1000 شلن كانت( شَدة) القات تباع من 50 الى 100 شلن والتسعيرة حسب المواسم وحالة العرض والطلب في السوق.
     من انواع القات: اليافعي، الضالعي، الردفاني( نسبة الى جبال ردفان التي انطلقت منها ثورة 14 اكتوبر عام 1963) ، الرداعي ، الصنعاني  والعودي وغيرهما . هناك نوع اوراقه اكبر حجما، كان ياتي في السابق بالطائرة من اديس ابابا. ومن المعلوم ان دول الخليج تحرم دخوله اراضيها، وتكثر زراعته وتعاطيه في بعض الدول الافريقية مثل اثيوبيا، الصومال، كينيا، وجنوب السودان.
 

سوق القات
     بعد ان يشتري الرجل حبة( ربطة) او حبتين او اكثر حسب امكاناته المالية، يتوجه الى جلسة القات في البيوت او السوق او الاماكن العامة او المَخْدَرات (مخيم تقام فيه حفلات الزواج) ، والذي تصدح فيه الموسيقى السريعة ويحصل( باللهجة اليمنية يقع) اللعب( الرقص) الجميل وعلى انغام( دان وا دان دانه) ، فيفترش الارض متكئا ً على وسادة عالية، ويبدأ بقطع اوراق القات وتجريدها من غصيناتها الناعمة. يضع كمية منه في فمه ويشرع بمضغها وامتصاص عصارتها ، ثم يبدأ بزيادتها وخزنها لفترة طويلة فينتفخ احد جوانب فمه، وهو في تلك الحالة يستطيع الحديث او تناول قليل من السكر اذا كان النبات مرّا ً، وتتحرك كل عضلات وجهه وجبهته، وبين فترة واخرى يشرب الماء او الشراب( كوكا مثلا ً) ، ليقاوم تيبس حلقه، وهو في تلك الجلسة المحببة ، لو سأله احد عن حاله ، لما تحمل عناء الاجابة، بل يحرك يديه علامة الرضا والانشراح البالغ الذي هو فيه، وكأنه احسن انسان في الدنيا بل قل ملكا من الملوك.
 

ثانوية زنجبار، الطلبة مع المربي نبيل يونس دمان والنائب السياسي استاذ علي مشبح عام 1985
     جلسة القات مهمة جدا في اليمن، حيث يتحلق الرجال في مجلسه، ليتناولوا اخطر المواضيع وكثيرا ما كانت قيادة البلاد تجتمع في جلساته، وان الكاتب والصحفي والفنان يتناول قلمه ليكتب او يخطط او يرسم وهو في جلسة القات. في بداية التخزين تكون المناقشات والاحاديث متشعبة وعلى اوجها يشارك فيها الجميع بحماس، وتدريجيا تتباطأ الى ان يسود الجو صمت تام بعد عدة ساعات من بدء الجلسة . يستحيل ان يحدث خلاف بينهم، بل بالعكس يحدث انسجام رائع، ويشعر الشخص بنشوة وصحوة كبرى اي يصبح في حالة تفوق حالته الطبيعية، وخلال تلك النشوة تختفي مشاكله ، وتنبسط عنده اكبر العقد والمسائل المستعصية، فيبني قصورا ً في الهواء، وفي السياسة فانه قادر ان يحل جميع مشاكل العالم ، وسط الانشراح والخيالات اللذيذة.
 

ثانوية زنجبار، الطلبة مع المربية كفاح سليمان اودو عام 1985
     ان مفعول القات بعكس الخمر، فهو ينبه الشخص فيفتح عيونه جيدا ً، وعند الانتهاء من التخزين فانه لا يستطيع النوم ابدا ً لساعات اخرى طويلة. كثير منهم يؤدي اعمال دقيقة يعجز عن ادائها اثناء النهار مثل تصليح الراديو والتلفزيون والمكائن. بعضهم يكون امامه طريق طويل للسياقة( 12) ساعة مثلا ً، فيقضي تلك الساعات مع القات مغالبا ً نعاسه وشاحذا ً كل حواسه في الطريق.   
     في اليوم التالي لا يستطيع ان يبكر الى عمله ويبقى راقدا ً ساعات طويلة، ولطالما طرقت ابوابهم فلا يسعهم فتحها لكائن من كان. وعندما ياتي الى عمله يكون مزاجه متعكرا ً، ومصاب بالاحباط في كل مشاريعه التي بلغت ذروتها في الليلة السابقة.   
     لا يستطيع المُخزّن ابطال( فسخ) مفعول القات بسهولة، ولكن في جنوب اليمن كان الخمر متوفرا ً، فيشرب بعض الاشخاص منه ليعودوا الى النوم الطبيعي. للقات مفعول رائع عند المتزوجين حيث يمدهم بطاقة اضافية، لكنه يبعدهم في الايام التالية..... وتلاحظ بعض النسوة يوفرن الجو المناسب لعملية التخزين ، فيكون الرجال في مكان منفصل مع جلسة القات، والنساء في مكان آخر يتبهرجن ويتزينن ويضعن  المكياج  ويخضبن ، ويبخرن فتنبعث الروائح الزكية من تلك الملابس الخفيفة الزاهية..... وهناك بعض النسوة يخزنّ القات كما الرجال لكنهن قلة في اليمن ، ويزداد عددهن في البلاد( الارياف) .
    للقات مضار عديدة وابرزها الناحية المادية، وكم نشرت رسوم كاريكاتيرية في اليمن الديمقراطية سابقا عن مساوئ القات، وعن شخص متربع عرش التخزين واولاده حوله جياع . كان الرئيس علي ناصر محمد يعلن مرارا ً رغبته في محاربة القات، ويقترح قلع اشجاره وزرع اشجار البن والحمضيات بدله. لكن هيهات لتجار القات والمنتفعين منه، وقسم يصل نفوذهم الى كبار المسؤولين، فيجهضوا اية محاولة من ذلك القبيل.
     للقات مضار صحية عديدة، منها التهابات الفم وتساقط الاسنان فالذي يفقد اسنانه يلجأ الى طريقة تجفيف اوراق القات وتحويلها الى مسحوق يمضغه في فمه، ويؤدي القات الى آلام شديدة في المعدة والامعاء والى( الامساك) ، وكذلك من الجلسات الطويلة يكثر عندهم الباصور والزائدة الدودية. يظل الشعب اليمني الطيب تواقا ومتطلعا ً، الى اليوم الذي يجتث فيه القات وتنتهي معه مشاكله، وآثاره الاقتصادية والاجتماعية والصحية.
       تحكم الظروف ان يغير الانسان منزله او بلدته، ولكن ان يغير بلده فتلك مسالة اعمق وتاثيرها اشد. ذلك ما حصل معنا، فقد ساقتنا الاقدار الى بلاد اليمن السعيد في اقصى جنوب الجزيرة العربية، ولنبقى فيها فترة امدها سبع سنوات. كانت ضيافة اليمن لنا رائعة ففي البدء توفر لنا الامان التام والحرية، بعد فترات سابقة من القلق والتوتر والانتقال من مكان الى اخر. كان الجو المحيط بنا هادئا، بسيطا ، وقريبا من الطبيعة التي تبلغ قسوتها اشد ما يكون في اشهر الصيف الممتدة من اذار وحتى تشرين الاول، حيث الرطوبة العالية والتي اشبه ما تكون بالشرجي في البصرة ولكن بنسب مضاعفة . هناك فرق في المناخ بين بلدنا الذي خلقنا فيه، وبين اليمن الذي تتنفس فيه هواءً مشبعا ً بالرطوبة ورمل الصحراء، ذلك ما شعرنا به حال وصولنا اليها، وقد كان ماء العاصمة عدن عالي الملوحة، تذوقناه لاول مرة في بيت احد العراقيين المقيمين فيها( منطقة خورْ مَكسَر) .
 

عراقيون تجمعوا خلف الشقق السكنية بجانب ثانوية زنجبار 1987
ثم كان نصيبنا ان ننتقل الى المحافظة الثالثة( أبيـــن) التي استقبلنا في عاصمتها( زنجبار) كما يحلو لليمنيين تسميتها ، من قبل عوائل عراقية سبقتنا الوصول الى ذلك المنفى الجديد، وكل واحد يروي قصة هروبه من الوطن الى دول الجوار او دول اوربا الشرقية، ثم الاستقرار النسبي في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك بتوجهها الاشتراكي.
     يروى ان شخصا حضرمي( من حضرموت) اسمه الوحش جاء للعمل في أبين، فاغتنى كثيرا ً وفي مدة قصيرة، فحمل ما اكتسبه في احمال عبر قافلة من الجمال، وعندما كان يجتاز احد الوديان( وادي حسـّان) في طريق عودته الى اهله في حضرموت، اجتاح الوادي فجاة السيل( الدفر) ، فغمره
واغرق القافلة بحمولتها، فيما استطاع صاحبنا النجاة بنفسه، فتمعن في حالته وهو لا يملك شيئا، فنظر خلفه باتجاه أبين حزينا، وانشد قائلا ً:
أبيـــن أرطب وأليــــَـن
ارض الحاس والحسحاس
والظلم الشديد
لا حيها سالي ولا ميـّتها شهيد
شابها مَعلول وشاجـِعها مقتول
اذا تزرع ذهب ما تقضي حاجة
شرها للأذنين وخيرها للحجلين
nabeeldamman@hotmail.com
California on October 8, 2021
&&&&&&&&&&&
&&&&&&&
&&&
 


67
كتاب " شخصيات تلكيفية"
للمؤلف: ذنون محمد جاسم



عرض: نبيل يونس دمان
 
     الكتاب من 104 صفحات، حجم متوسط صادر عام 2020، لمؤلفه الاستاذ ذنون محمد جاسم المولود في تلكيف- محلة شنكو عام 1968، وأصل عائلته من قرية عربية مجاورة ( قره خراب) تركوا القرية طلباً للمعيشة والى حياة أفضل. إنسجموا مع سكان تلكيف الذين غالبيتهم من الطائفة الكلدانية الى جانب مهاجرين تركوا مناطق سكناهم في وادي نيروي- ريكان قرب الحدود التركية عام 1962 وشكلوا نسبة لابأس بها في البلدة.
     نشأ الطفل في محلات تلكيف واختلط مع الصبية الاصليين وجلس معهم على مقاعد الدراسة، فاكتسب منذ الصغر نباهتهم وحبهم للعمل والتحصيل وأقتناص الفرص، اهم خطوة خطاها الصغير ذنون هي تعلمه اللغة السريانية المحكية بلهجة اهالي تلكيف، فأجادها واصبح يخاطِب ويخاطَب بها دون ان يميز احد لكنته عن باقي السكان.
     دارت نوائب الدهر على أهلها وكما يشير مؤلف الكتاب في اكثر من موضع المأزق الذي وقعت فيه جراء مقتل شخصين موصليين في ظروف غامضة، وكان رد الفعل عنيفاً وغير منصفاً في سوق مجموعة من ابنائها جوراً الى منصات الاعدام، كما وعوقبت مجاميع اخرى من ابنائها بشدة ومنهم رجال الدين بسبب ذلك اعتبارا من عام 1963، مما احدث بلبلة بين السكان فاشتدت الهجرة الى الخارج وتركيزاً الى اميركا، التي دشنها مغامرون من تلكيف منذ اواخر القرن التاسع عشر، فتمركزوا في مدينة ديترويت ونجحوا في اعمالهم وكدّهم وشقائهم لبلوغ الآمال، وتكوين قاعدة قوية صارت ركيزة هامة لهجرة من تبقى تدريجياً.
     ومع إزدياد مصائب العراق وظروف الاحتراب والصراعات الدامية والحروب الداخلية والخارجية التي تعددت وإتسعت، فتطلبت وقوداً من الشباب المجندين وكانت أبشعها تلك التي استمرت ثماني سنوات، احرقت الأخضر واليابس ولم تصل مبتغاها في الوصول الى القدس عن طريق طهران! ، بل ولدت حرب اخرى وصلت اضرارها الى كل ناحية في العراق عقب مغامرة احتلال الكويت، وما نتج عنها من خسائر فادحة في الصفوف الشعب العراقي قبل غيره، اوصلت الى دخول القوات الدولية واحتلال العراق، ولم تنته مشاكل تلكيف ومعاناتها حيث كانت الخاتمة دخول داعش المشبوه بين عشية وضحاها، ليجثم على صدر ما تبقى من اهاليها الذين فضلوا ترك مساكنهم وعقاراتهم وأشغالهم، ولم تنجوا كنائسهم ومراقد ابائهم واجداهم من التخريب والتدمير، كل ما كتبته قد عبر عنه المؤلف بشكل او بآخر بين ثنايا استعراضه لمجموعة منتقاة ومعززة بصورهم من المسيحيين والمسلمين.
     يعبر المؤلف بكل جوارحه وجوانحه عن حبه لأهالي تلكيف ومن أعماق قلبه، وقد لمست ذلك من خلال افكاره الجريئة التي يطرحها، وحتى يصل للتعبير عن آماله ان يرى هجرة معاكسة الى تلكيف وإحياء محلاتها الشهير والتي بقيت اسمائها رسميا وشعبياً متداولة الى يومنا هذا.
     هذا الشخص ليس لي معرفة سابقة به وعن طريق الصدفة شاهدت كتابه في يد صديقي الاستاذ كريم يلدكو، فاشتقت لقراءته وطلبت نسخة منه، فأرسل نسختين إحداهما لي والثانية الى القسيس ميخائيل بزي، وارسلتُ بالمقابل كتابي الموسوم " القوش حصن نينوى المنيع" وعند وصولي اميركا شاهدت موضوعاً جميلاً عنه كتبه في صحيفة الزمان العراقية. ليست لدي مصلحة في الإشادة بقلم هذا الانسان ومن سياق قراءتي عرفت انه اصدر كتاباً اخر  بعنوان " تلكيف بين الماضي والحاضر" اتمنى ان أقرأه يوماً.
     عندما يأتي ذكر القوش في كتابه ينصفها ويكتب بصراحة عما يجول بخاطره عن هذه البلدة التي هي مسقط رأسي، فزادني فخراً قوله: ...... تلك الناحية الحالمة والعاشقة لكل جو ثقافي فألقوش مدينة متحضرة وتلامس الحياة بشغف ورغبة وهي بيت غني بالموسيقى واللحن واللغة وكل مفردة سلسة.
     هنا في اميركا جالية كبيرة وقوية بمراكزها التجارية والوظيفية ، اتمنى ممّن لا زال يرتبط بالأرض الأم وبالبلدة العريقة سليلة حضارة نينوى العظمى في التاريخ، ان ينتبهوا لهذا الرجل ويقدموا له الدعم في مشروعه الثقافي- الحضاري لكي ينجح ويواصل جهوده، والتجربة التي تدور أحداثها في تلكيف جديرة بالدراسة والتعمق.
     في عام 1990 لجأت مع عائلتي الى اميركا، وعندما يصادف عرض تلفزيون الجالية في ديترويت افلام فيديو عن زيارات ابنائها، كنت اسمع حديث السوق الذي كان تقريباً باللغة السريانية العريقة وبلهجة تلكيف المحبّبة، كثير من الأحيان اتصور بان المتكلم من سكانها الاصليين، وعندما يسأل المذيع عن اسم صاحب الدكان او المستطرق اتفاجأ بإسمه من الأخوة المسلمين، اجزم ان لا احد يميزهم أبداً في ازيائهم ولسانهم السرياني المكتسب اضافة الى لغتهم العربية الشقيقة، والاثنتان كما هو معلوم من جذر لغوي واحد هو السامية.
والان الى بعض الملاحظات التي رصدها قلمي:
1- في ص 8 تحت عنوان ( العصبية التلكيفية ) وان كان المؤلف يقصد حبهم وغيرتهم على بلدتهم ولكن البعض قد يفهم كلمة التعصب شيء آخر بعيد عن صفات اهالي تلكيف في رقة المزاج والرويّة والانفتاح على الآخر.
2- في ص 9 يرد صدق المشاعر في قوله: ان ما اراه ليس كما انت تراه اني استنطق الجدران واشعر بموج من الأرواح تزاحم المارة عن رجال رحلوا وعن نساء بتن كأي همس يرفق الذات...... .
3- ص 11 القائمقامية في موقعها الحالي لا يمكن ارجاعه ويمكن اذا طالب اصحابها بتعويضهم في ارض اخرى لبناء كازينو جديد او اي مرفق آخر اذا قدر لأولادهم او أحفادهم العودة يوماً الى تلكيف.
4-  في ص 13 ورد مثل جيد ينبغي الاحتذاء به " في يوم ما شاهد احد الخبراء بالمياه من ان هناك مجموعة تصلي صلاة الاستسقاء وبعد الانتهاء منها جاء امامهم وقال لهم انتم كسالى تدعون الله بكل شيء حتى وان كان متوفر لكم فهنا مياه عظيمة في باطن الارض بإمكانكم الحصول عليها في اي وقت وحين........... .
5- ص 17 موضوع " نينوى والرعاية الالهية لها" شيّق لا استطيع استقطاع جملة منه ، لانه متكامل وينبغي لكل ذو بصيرة التعمق في فحواه.
6- ص 19 ... وما زال بحّودي معلق على حبال المشنقة وهو يتلقى عقوبة لا ذنب له فيها سوى مرارة تعتصر في قلبه من هول جحيم زج فيه وهاي هي تلكيف الان ارض وجدران وقلم يتجول بين قناطر سيسي وبين درابين اسمر وبين معامل راشي العم بحي قسطو او معمل مونة لجمال أبون.
7- ص 25 " ... وتذكر درابين شعيوتا وانت تمر فيها ومنها الى سامونا وامامك تجلس العمة شمّمته وهي تنظر اليك بإبتسامة فيها من براءة تلكيف وفيها من ألق بلدة حملت حياه وحياة وتذكر صيحات من ابو عزيز وهو ينادي بصوت مرتفع: ايكا بشلخ نديمه كيبن دزالي لشوقا.
8-  ص 57 " حين اعلنت عن نيتي رسم بعض اللوحات عن ماضي واثار تلكيف ورسم شخصية العم عيسى يوسف وحين علم صاحبه العم حسن الخضير بهذا الأمر جاءني وتحمل عناء الطريق وهو رجل كبير في السن وتكفل مشكوراً بكل تكاليف هذه اللوحات دلالة على اعتزازه برفيق دربه وجمالية ما كان بينهم من وشائج علاقة وصداقة غنية عن كل ذكر... .
9- ص 62 " وتلامس جمالية الطير في عشه مياه هي وكل ما فيها رقراق كأنه سلسبيل في مجراه... وشنكو تلك التي تلامس الجمال في رقة وتحاك الارض في كل ابجدية تلك التي تلين مع ازهار الربيع نهر... سلاماً لطيبك شنكو ولمساحات عامرة تعج بالحنين والشوق الى وجوه رحلت والى اقدام ما زالت تتمنى العودة اليك... .
10- ص 67 " ... ولا شك ان ثقافة المدينة وما فيها من طابع منفتح قد أثرت على جميع العرب ممن جاء الى تلكيف في فترات مختلفة واعطتهم هوية جديدة هي خليط بين ما كان يملك من ايجابيات ومن سلوكيات حسنة مع ما في المجتمع الجديد من سعة في الثقافة واطلاع على مستجدات الحياة والايمان المطلق بوحدة الانبياء والرسل من نشر لمعاني الحياة العامة وما فيها من تقبل الآخر.
11- ص 70 متحدثاً عن دشتو الريكاني " هناك في ريكان ولد شاب جميل الطلة فيه نبض اشوري دليل على ما فيه من انتماء عميق لجذور ما زالت شاخصة ولد في عام 1957 هناك ولأسباب تلزم حروفي الصمت في ذكرها ترك تلك الارض وحل في تلكيف في عام 1961 لتكون له الارض والمستقر والبداية لحياة ما زالت تدور في فلك الغربة" .
12- ص 74 متحدثاً عن ذنون يونس احمد " تجلت لك حياة الامس فاغدقت اليك بما اغدقت من مكارم وافاضت لك برحلة وباخرى الى عالم غني بكل سورث وبكل مفردة من بشينا تعانق كل همس جميل يرمي بظله الى مساحات تنهل من عبق الحياة .... في عالم تلكيفي تصوغ معانيه حارات من عبرو ودرابين ضيقة تؤدي الى سامونا لتترك في شعيوتا بعض النواميس الحالمة لتنسج ايات من مرحلة الطوفان وما فيها من صرخات ما زالت تتردد كلما حملت السماء من غيوم وكلما صبت في ارض تلكيف امطارها".
13- ص 97 " مما قيل يوم وفاة عموني حكيم الجرابعة عام 1982 ان امراة تلكيفية حين علمت بذلك وان العم عموني قد تم دفنه قالت بالنص: يا حيف على صاحب هكذا عقل يدفن تحت التراب لو كان بالامكان من اخذ عقله وتوزيعه على الناس لكانت نصف البشر استقامت. "
     الآن وقد رست سفينة العرض على شاطئ ثابت آمن، اشد على يد المؤلف جودة ما كتبه بحق بلدة ما زالت امواج البحر ترتطم بها، وحتى تستقيم عقول الناس كما قالتها الإمرأة التلكيفية، تكون لنا عودة مع ما ينجزه يراع الاستاذ ذنون محمد في قابل الايام وما زال الطريق امامه واسعاً.
 لنختتم موضوعنا بنموذج من اشعاره:

ذكرت تلكيف وذكرت
ما كان فيها
وعن سحر كان يحاك
كل معانيها
عن اناس رحلت وعن
درابين بانت كل بواديها
عن حلم افترش على
كل جدار وعن فتاة كنت
من ماء البئر ارويها
سلاما لك تلكيبي في
كل وقت وسلاما
لمقاهيها ونواديها
nabeeldamman@hotmail.com
California on October 1, 2021
&&&&&&&&&&&
&&&&&&&
&&&





68
مرثاة للفقيدة ام الابطال والشهداء مريم تعينو

نبيل يونس دمان
 
    توقفَ قلبُ مريم يونس تعينو الكبير فنالَنا قسطٌ من الحزنِ الى جانبِ أولادها وأحفادها، وجعَلنا نقِفُ امامَ تاريخ هذه الإمرأة الأصيلةُ، والمربّية الفذّة التي رَضَعت رِجالاً تُقاس عليهم درجاتُ البطولةِ، وفي مقدمتهم ابنها الكبير صباح توماس ( ابو ليلى) الذي كانت الجبال تهتزّ من وقعِ أقدامهِ، وكان إسمُه يُرعِبُ قلوبَ أعدائِه من كُل لونٍ وجِنسٍ على إمتدادِ عقودٍ من السنين، وهي أمٌّ لشابّين شهيدين هم: خيري توماس وطلال توماس اللذان إصطَبَغت أرضُ الوطنِ بِدِمائِهم الزَكيّة، وهم حاملين مِشعلُ الحريّة بِيدٍ والسلاحُ باليدِ الأخرى في وجهِ أعتى دكتاتورية عَرِفها العراق ومنطقة الشرق الاوسط.
     توقّفت شرايينُ الحياةِ في جسمِ تلك الإنسانة، الحاملُ إرثُها وتاريخُها كُل ما هو صَقيل وجميل من مركز محلّات القوش المسمى أودو، وعائِلَتها تعينو تحملُ ذلك الاسم ومن تلك الدَوحةُ التي تركت موطِنها في منطقةِ تخوما من قلاعِ وجبالِ حَكاري العاصِية بأعالي بيث نهرين، لتسكن القوش قبل قرابة الثلاثة قرون.
    مجداً لأم صباح التي سيبقى إسمها تذكار لِبَني قومها وهي تَتركهم لتلحق بزوجها ياقو شمو توماس، والذي فيه تتجمّع  الصفاتُ الجيدة، والقيمُ العليا، من شجاعةٍ، وإنسانية، وكَدحٍ مُضني، وقِوامٌ منتصبٌ، وعضلاتٍ مفتولةٍ، هو من بيتِ ككّا الذي أنجب ايضاً  قائدٌ انصاريٌ محبوبُ، وحكيمٌ راجِحُ العقلِ، هو الراحلُ الخالد توما توماس أبو جوزيف، وأنجب شهيدُ شباط الدامي عام 1963، هو الياس حنا كوهاري أبو طليعة.
    أحبّ الله الأُم مريم فأمَدّ في عُمرِها الطويل ( 95 سنة) ، وهي تحتَ رعايةِ أبنائها وبناتها الغَيارى، فارقتهم مودعةٌ بعد ان إطمئنّت على أحفادٍ لها من تلكَ السلالةُ المتميزةُ، ليُحافظوا على ذلك الاسم وتلكَ المكانةُ ويزيدوا من رأسمالِها المعنوي والنِضالي والإنساني، وكُل ما متعلق بإرثِ الآباءِ والأجدادِ، من محبةِ الوَطن، واللُغة العَريقة، والحِكايات الزاخِرة بالعِبر، الى ما تبقى من ديارٍ وقُرى وبَلداتٍ هناك.
رحمة الله عليها وَرِضوانه لتسكن ديارُ النعيمِ في جنّاتٍ يَرِثُها الصالحين ومن كانوا قُدوة في حياتهم، ومن حرّك مشاعرَ الناس فإمتلك مَحبّتها وإحترامها.
California on September 8, 2021
Nabeel damman@hotmail.com
&&&&&&&&&&
&&&&&&&
&&&
&

69
من كتابي " الجلية في حكاياتنا المروية" الصادر عام 2020 :
(5)
نبيل يونس دمان
       أحيانا تستهوي ديوان المقهى قصص حدثت في الماضي القريب، فإهتزت لها البلدة، وظلت على لسانهم في التحليل والتفسير. هكذا كان شعيا فارعاً في الطول، قوياً مفتول العضلات، رشيقاً ووسيماً، تزوج وصار له ولدين احدهما هرمز والثاني متي، تشاء الظروف التي نجهل كنهها، ونعجز عن سبر أغوارها، ان يقع شعيا في حب امرأة جميلة، كانت متزوجة من المدعو حسقيال، فكلما طاف الهيام بهما، إختلا بشكل سري، فتواصلا لفترة من الزمن، دون ان يعرف احد شيئاً، عن تلك العلاقة الحميمة، مضت الأيام حتى اكتشف حسقيال أمرهما، فكتمه وأخذ يخطط لقتل شعيا، صرف الليالي مفكراً في صروف الدهر، مُثقل الفكرِ شديدُ الهمّ. كان لشعيا جار إسمه منصور، وكانت علاقتهما بين المد والجزر، شأن بعض الجيران، في اجواء تلك القرية الاجتماعية، من سني الدولة العثمانية الحاكمة. في تلك الفترة التي اكتشف حسقيال خيانة زوجته له، كانت العلاقة بين منصور وشعيا على غير ما يرام، فقد تضاربا في السوق بالخناجر، وامام مرآى ومسمع الناس، وصار كل منهما حذرا من الآخر، ويريد الايقاع به.
     اصبح عداء شعيا ومنصور حديث الناس، كل ذلك استغله حسقيال، ليخطط وينفذ مآربه، في الانتقام من شعيا، كان للأخير عدداً من الأغنام، يربيها لفترة من الزمن حتى تسمن فيبيعها، او يخزن لحمها ودهنها، في دنان من الفخار لفترة الشتاء، شأن غالبية ساكني القرية. بسرعة خاطفة استحوذ على احدى اغنام شعيا، وادخلها معه الى قبو، في احد تلال ضواحي القرية، كان يستخدم لحرق الأحجار، وصنع مادة الجص التي هي عماد الاهالي، في بناء بيوتها الحصينة، حل المساء ومنصور كامن في آخر القبو، وبيده السلاح الناري، في تلك الاثناء اكتشف شعيا فقدان احدى أغنامه، فصار يفتش عنها بإطلاق نداءات الرعاة وصفاراتها، عندما وصل شعيا قرب القبو، سمع ثغائها في اعماق الظلام، فدخل مسرعا يريد اخراج الغنم الذي ضاع منه، وها هو يعثر عليه. هنا ودون ابطاء كان حسقيال، على اهبة الاستعداد لذلك الموقف، فاطلق من الداخل اطلاقة، ادت الى مقتل شعيا في الحال، ترك المكان بأقصى ما يستطيع من سرعة، وقد اسعفه الظلام الدامس، في التسلل الى الوادي المكتظ بالأحراش، وتوارى عن الأنظار.
     كانت عشيرة شعيا آنذاك كبيرة نسبياً، وظنوا ان القاتل هو منصور واخيه ياقو، وقد اشرنا الى خلافهم قبل ايام، حتى وصل حد الطعن بالخناجر، فما كان من منصور واخيه الا الخروج من بلدتهم مع عوائلهم تحت جنح الظلام ، بعد ان عجزوا عن تبرئة ما ينسب اليهم، وخوفاً من ملاحقة الحكومة. عبروا نهر دجلة وهاموا على وجوههم، باتجاه مغيب الشمس، نحو مناطق عشائر الجرجر( الگرگرية). كان رئيسهم في تلك الايام رجلاً إسمه سعدون، الذي طبقت الآفاق اسمه، بالشجاعة والكرم والنخوة. احسن استقبالهم بعد ان سمع قصتهم كاملة، وقبَل ضيافتهم قائلاً" ستعيشون هنا بيننا، معززين مكرمين، حتى تزول اسباب لجوئكم الينا". ومع الايام تعززت وتوطدت، علاقة الرجلين سعدون ومنصور، عرف منصور في بلدته، بالأباء وعزة النفس، والقدرة على التحمل، والشجاعة عندما تقتضي الضرورة. صار سعدون الكركري يرتاح في الاستماع، الى احاديث ضيفه منصور، وفي احد الأيام ناداه قائلاً" تعال يا منصور اجلس بجانبي، لأروي لك الحكاية التالية، لتتخذها عبرة في حياتك المقبلة:
     في البدء انصحك ان لا تعول على فرط قوتك، ولا تغريك شجاعتك، وضع في حسابك دائماً، بان هناك من هو اقوى واشجع وأرجح عقلاً منك. انا كنت في مطلع شبابي لا أهاب شيئاً، كانت الارض تهتز تحت وقع اقدامي، اقطع الطرق امام اقوى العصابات في المنطقة، وحتى في الجهة الاخرى من النهر، وكم مرة وصلت مشارف القوش، وكمنت لقوافل في تلال" الكنود"  فسلبتها، انا ورجالي الشجعان. الى ان حل يوم اعترض طريقي شاب غريب، طويل نسبياً، ضعيف الجسم، لا تبدو عليه مظاهر القوة، طالب منازلتي فنزلنا نتضارب بالسيوف والتروس، ولم نتمكن من بعضنا، ثم فجأة رمى السيف جانباً، وصرنا نتصارع بأيدينا وأجسامنا، الى ان تمكن منّي، فرماني أرضاً ووثب فوق صدري قاطعاً أنفاسي، وانا في موقف حرج لا يحسد عليه، وقد نالني الإرهاق والتعب الشديدين، هنا سمعته يردد" هل خدعت نفسك بالقول: انا سعدون كركري؟ " ثم استل خنجره من غمده، ووضعه على رقبتي بغية ذبحي، في تلك الأثناء وأنا بين الموت والحياة، لا تفصلني سوى لحظات، قلت له امهلني لأقول كلمتي الأخيرة قبل ذبحي، قال" هات ما عندك وما يدور في خلدك" فقلت له" انا سعدون كركري" حالاً تغيرت سحنة الرجل، وتغير الموقف في الحال، رمى الخنجر جانباً، ووقف والعرق يتصبب بغزارة من جسمه وقال" يا الهي ماذا اسمع، ماذا تقول يا رجل، كيف لي ان أقهر او ألحق ضرراً بحامل هذا الاسم، الذي اشتهر في طول المنطقة وعرضها" . اجلسني الرجل وقبلني في وجهي وهو يمسح العرق الذي كدت أختنق به، ثم مضى يقول" لننسى ما حصل، ولنتعهد ان نكون اصدقاء مخلصين لبعضنا، وانا تحت أمرك الى ان اموت" .
     التفت سعدون الى منصور الذي كان مطرق الرأس مفكراً في كل كلمة قالها مضيفه، وواصل حديثه قائلاً" فيا رجل هكذا هي الحياة، لا تقل بإمكاني فعل كذا وكذا، وهي اي الحياة تفرز في مجراها، امور واشياء لا تخطر على البال. اخذ منصور العبرة من قصة سعدون كركري في حياته المقبلة، الزاخرة بالمواقف الشجاعة خصوصا بعد عودته الى بلدته.
     وكانت نهاية اغترابه عن بلدته هكذا: تمرض حسقيال واصبح طريح الفراش، وعندما اشتد مرضه واقتربت ساعة منيته، طلب كاهنا ليعترف بخطاياه، كما هو جاري في كل زمان. هنا اخبر الكاهن: بانه هو الذي قتل شعيا، وان منصور واخيه ياقو بريئين من دمه، براءة الذئب من دم يوسف" واسلم الروح. انفعل الكاهن بما سمع، وتعاطف مع منصور من محنته، لعدة سنين مغتربا قسريا، عن بلدته دون ان يقترف جرما، فأبلغ الكاهن بطريقة ما وجهاء البلدة وذوي القتيل، فاُرسل خبر الى منصور واخيه بالعودة مرفوعي الرأس الى قريتهم.
بقي ان نقول شيئا عن الجرجرية( الكركرية) : عشائر تقطن غرب دجلة، تحيط قراهم ناحية زمار- قضاء تلعفر- محافظة نينوى،وتعتبر عشيرة الكركرية او الجرجرية من العشائر العراقية العريقة التي تقطن غرب مدينة الموصل وكذلك في جنوب مدينة الناصرية وضواحيها، واختلف الكثيرين حول الهوية القومية لهذه العشيرة فهناك من اعتبرها فرع تفرع من قبيلة الشكاكا الكوردية وكلمة كركر تعني المتنقل او المترحل باللغة الكوردية، ويعتبر قضاء زمار من اكبر مناطق عشيرة الجرجرية وهم يتكلمون العربية والكردية بطلاقة، يعتمرون العقال والكوفية ويلبسون السروال الفضفاض. حدثني سائق في الطرق والجسور ، واسمه حربي موسى السنجاري، بان وفدا من اكراد منطقة زمار، جاء ليقابل المرحوم عيسى سوار آمر هيز منطقة زاخو بعد بيان 11 اذار، وما ان شاهدهم مقبلين، وهم يعتمرون الكوفيات والعقل، حتى اصدر امره بعدم استقبالهم فعادوا من حيث اتوا. برز منهم سعدون اغا الجرجري، فعندما قتل والده نوح من قبل عشائر الشمر المجاورة كان سعدون في بطن امه، رباه جده على قيم الرجولة والفروسية حتى شب طوقه، فانطلق كالسهم وأخذ بثار والده، ثم اصبح العداء مستحكماً بين الجرجر والشمر لسنين طويلة، كانت تلك المساحات المترامية ميداناً لذلك الصراع الدامي، حتى تمت المصالحة بينهم وكذلك المصاهرة، واشتهرت عدلا سعدون الكركري بعد تزوجها من شيخ مشايخ شمر مجول فرحان الجربا بالشجاعة فكانت تطلق الزغاريد مشجعة الشمر في غزواتهم المتكررة على العشائر المحيطة. نال سعدون حظوة عند ولاة الموصل وكان لا يرد له طلب، وكان ياتي احياناً الى القوش فتوطدت علاقته برئيسها المعروف ايسفي كوزل، حتى ان سعدون اغا الجرجري توسط بين ايسفي كوزل والوالي عندما اشتدت الخلافات بينهما ووصلت حد اصدار الوالي امراً بشنق رئيس القوش.
nabeeldamman@hotmail.com
California on August 31, 2021






70
من كتابي " الجلية في حكاياتنا المروية" الصادر عام 2020 :
(4)
نبيل يونس دمان
    رغم إنتهاء الدولة العثمانية، ونهاية حكم تركيا، الا ان الأحاديث عنها وعن مخلفاتها، لم تنتهي مع دخول العراق تحت الإنتداب البريطاني، ومن الأحاديث الشيقة التي دارت في مجلسنا، عن المدعو مشّي من احد بيوت البلدة، وكان منذ ولادته ساذجاً ينقصه الذكاء، اما اهله فكانوا ميسوري الحال، لذلك قرروا البحث عن شريكة لحياته، معتقدين ان الزواج ربما يخفف مشكلته، فيوفقه الرب في ايجاد، فتاة تحسّن من وضعه. في تلك الفترة كانت هناك امرأة، توفي زوجها حديثاً واسمها" نَنّي" ، كانت تلك الامرأة التي رضيت به ذكية قياساً، ونظراً لفقر حالهم، فقد قبل اهلها بزواجها منه. وبعد الزواج لم يتغير مشّي قيد أنملة، يجلس في البيت، لا يعمل شيئاً، وكل يوم يخرج مرة الى الخلاء، في الأراضي المحيطة، ويجلس هناك وبيده عصا. كلما يرى حي يدب على الارض،  يقتله بعصاه مردداً: لقد قتلت واحداً، ثم يقتل نملة اخرى ليقول اصبحوا اثنين. عند عودته الى المنزل ينادي على زوجته" نَنّي " !! ان تأتي حالاً، عندئذ يقول: لقد قتلت خمسة من الرجال، فتسأله: كيف قتلتهم؟ واين ملابسهم؟ فيسكت ولا يجيب، ومضت الايام وكل يوم له قصة جديدة في قتل مجموعة اخرى.
     في احد الايام خطرت ببال ننّي فكرة، توقدت في رأسها فنفذتها، نزلت الى السرداب( بيكاري) وانتقت بزة قديمة تعود الى جندي تركي( جندرمة) ، فإرتدتها وغطت وجهها جيداً، ثم اسرعت في تعقبه منذ خروجه، في الصباح الباكر دون ان يشعر بها، في احد الوديان شاهدته يضرب بعصاه على نملة بقوة، مع تحريك صفي اسنانه على بعضها( سِكيله كاكِح) ، قائلاً: هل تعصى علي ايها العدو؟ !! ، انك هالك على يدي، وتتكرر المسألة مع عدد آخر من دبيب الارض، فهمت ننّي القصة كلها فصاحت عليه بالتركية، واطلقت كلمات شديدة الوقع، ان ماذا تفعل يا رجل، وكأنه الرعد في وقعه، جعلته يرتجف من الخوف، وهو يرى امامه الجندرمة وبيده سيفاً بتاراً، فخيل له ان السيف سيقطعه نصفين، ثم كررت كلمات تركية حفظتها بعناية، واشارت بأصبع منها ان يتبعها، فتبعها الى اسفل الوادي، هناك قضت حاجتها، ثم قالت له : هيا إمسح! والا قتلتك، فمسك حجراً صغيراً وانهمك يمسح، دفع الحجر اكثر الى الامام، فنهرته بشدة قائلة ما معناه توقف والا فعلت بك كذا( بالتركية سنا سيكرم) فتراجع مشّي الى الخلف، رفعت سروالها الى الأعلى وغادرت مسرعة الى البيت، اما مشّي فبقي مذهولاً، خائفاً، وفي حيرة من أمره.
     وصلت قبله الى البيت، وبسرعة كبيرة، غيرت ملابس الجندرمة، وارتدت ملابسها الاعتيادية، بعد قليل وصل مشّي الى البيت، فصاح بأعلى صوته: نني ننّي! اين انت؟ فقالت ماذا دهاك يا رجل انا هنا بإنتظارك، كلمني عن مغامراتك هذا اليوم، قال: اليوم قتلت عدداً كبيراً من الأعداء، ضحكت قائلة: ومن مسَح مؤخرة الجندرمة يا مشّي؟ تراجع مشّي الى الخلف وقال: يا امرأة كذا.... والله قلت مع نفسي، عندما دفعت يدي اكثر دون ان تصطدم بشيء!! بأنها مؤخرة زوجتي ننّي، ولكن جملة( سنا سيكرم) نزلت كالصاعقة، فضيعت حساباتي.
     منذ تلك الحادثة توقف مشّي، عن سرد مغامرات شبيهة، اشبه بدون كيشوت، الذي كان يحارب بسيفه طواحين الهواء، وصار مشّي يفكر بشيء مفيد، لعائلته وبيته وان كان تفكيره محدوداً. تلك حكاية مشي التي ذهبت مثلاً يتداوله الأبناء والأحفاد بعنوان" حكيثه د مَشّي" .
nabeeldamman@hotmail.com
California on August 29, 2021






71
من كتابي " الجلية في حكاياتنا المروية" الصادر عام 2020 :
(3)


نبيل يونس دمان
     في ذلك المقهى الارضي الذي نلتقي فيه، حضر المعمر الأكبر في البلدة، فقلنا له: ماذا تعرف عن حياة يوسف رئيس( الملقب أيسفي ﮔوزَل) وكيف شق طريقه في الحياة؟ فأطرق لحظات وكأنها دهر، ونحن كلنا اذان صاغية حتى نسمع منه، قبل ان يغادرنا الى الآخرة على حين غرّة *، إبتسم وقال يا اولادي: ان قصة حياة أيسفي ﮔوزَل مشوقة وتدعو للعجب، كان أولاً انساناً متديناً، ثانيا كان حنوناً رحوما، وثالثاً وسيماً بشكل لافت للنظر، في وصيته لأهله واخوانه قال فيها: سأموت وليس لي شيء في هذا الدنيا، لا ابناء ولا بنات، سوى هذه البلدة التي اوصيكم بها خيراً، ان تكونوا لها سنداً، وان تخدموها بكل ما أوتيتم من قوة.
     كانت القوش تابعة الى ولاية الموصل، التي يديرها ولاة يطلق عليهم باشوات، مُعينين من سلطان الدولة العثماني الذي مقره اسطنبول، هؤلاء الولاة كانوا في تغيير دائم، ذلك الوالي الذي شهد صعود نجم أيسفي ﮔوزَل لا نعرف اسمه، وربما ليس مهما معرفة اسمه، ولكن ما جرى كان جديراً بالتدوين، لغرابة تفاصيله، والصدف التي لعبت دورها في كل ذلك.
     عندما تعين الوالي الجديد، كان بأمس الحاجة الى تأييد إدارات المناطق، او لنقل الى رؤساء( أغوات) البلدات والقرى، من العشائرالمحيطة بولاية الموصل. الولاية كانت تعين الحكومة في القوش، التي يرأسها ضابط ( ﭼاويش) ، الحكومة تنظر الى مصالحها من خلال المناطق، والكثير من أغوات المنطقة لم يؤيدها، ولولا أغا القوش الذي ساند الوالي في اخر المطاف، لما تمكن ذلك الوالي من الإستمرار، ولذلك نشأت بينهم علاقة قوية نروي هنا تفاصيلها.
     كانت الدولة التركية تعيش بشكل مستمر، على الضرائب التي تأتيها من المناطق، وفي تلك الأيام وصل من ثلاثة الى اربعة من رجالها الى القوش، فجلسوا مع الاهالي وشرحوا لهم بان الحكومة زادت مقدار الضرائب المفروضة، وعندما سمع أيسفي ﮔوزَل بذلك طار صوابه وقال" لماذا لم يستشرني الوالي، ثم من اين لنا ان ندفع هذه المبالغ" ، صار جدل حاد مع ممثلي الحكومة، ثم تجاسروا عليه وحاولوا ضربه، فاندفع الواقفون في المكان من الاهالي، وضربوا تلك المجموعة. رجعوا الى الموصل، وقابلوا الوالي قائلين: انهم تعرضوا للإعتداء، وان اهالي القوش شتموا الوالي والحكومة. انفعل الوالي كثيراً واصدر امراً بإعدام أيسفي ﮔوزَل غيابياً.
     اصبح أيسفي ﮔوزَل مكروها في نظر حكومة الموصل، ولكن فرعها في القوش لم يفعلوا الكثير لتطبيق امر الوالي في القاء القبض عليه، كانوا يحبونه وقد ساعدهم في السابق كثيراً. في تلك الايام الفاصلة وبيوت بيت الريس معروفة في قربها من محلة اودو، كان احدهم واسمه توما يسكن في منطقة ابعد، فقام بسحب اولاده الى ذلك البيت القريب من تل المقبرات، ارتأوا ان ينأوا عن مركز بيت الرئيس خوفاً من إضطهاد الحكومة وتبعات امرها، وتسلسل من صلبه بيت ككتوما المعروفين: بيبو، وعيسى، وحنا.
     أيسفي ﮔوزَل كان يردد بانه يساعد الناس والغرباء كثيراً، ويحدث ذلك في بيتي، ولذلك بدا منزعجا ومتضايقاً، وكأنه السبب في انقسام عشيرته، في تلك الأوضاع كان ضابط الشرطة يلتقي بالقس متي الرئيس في ديوانه، كانت الحكومة في الموصل لا ترغب بالاتصال بأيسفي كوزل، نظرا لصدور امرها في شنقه، كان الضابط يحب ايسفي كزول ويرغب عند الضرورة ان يلتقي به، كان القس متي دائم اللقاء بمسؤولي الحكومة، خصوصا الناس المؤمنة مرتبطة روحيا بالكنيسة، وحاجة الحكومة ايضا ماسة لقيام روابط مع رجال الدين، فكان من واجبه زيارة القس في ديوانه.
     ارسل الضابط يوما خبراً الى أيسفي ﮔوزَل قائلاً: هناك تباشير خير في الطريق، فقال له ايسفي كوزل ومن اين يأتي الخير؟ قال له اذهب الى بيت القس متي وانا التقي بك. التقى الضابط و أيسفي ﮔوزَل في حضرة القس الوقور متي الرئيس، قال الضابط: ان زوجة الوالي رزقت بولد، وهي ابنة عمي، وانا ذاهب لتهنئتهم، نحن وابنة عمي من عائلة معروفة في تركيا، الوالي يعرف مكانتنا ويحترمنا، هو من عشيرة اخرى ليست شهيرة وتعليمه هو الذي اوصله الى منصبه، لذلك وباستمرار يعتبر نفسه اقل شأنا من زوجته عشائرياً. ثم شرح له خطة الذهاب، الى حيث مكان اقامة الوالي، وكما يلي:
تأخذ معك رجالاً الى القصر الذي يقيم فيه الوالي وعائلته، هناك ايضا مكان الحكومة( السراي) وخلفها طريق الى مكان اقامة الرجل، فتسلكه حتى تصل غرفة ابنة عمي، ما ان ترى سرير الطفل اهرع اليه، واجثوا قدامه.
     هكذا ارتدى أيسفي ﮔوزَل افضل ثيابه، وامتطى فرسه الكحيله، وتبعه أربعة من افضل رجاله، وهم مدججون بالسلاح، وذهب الى الموصل، وقصد السراي ثم غير مساره، الى طريق قصر اقامة زوجة الوالي. كان أيسفي ﮔوزَل في مطلع شبابه نحيفاُ، وسيماً، طويل القامة مهيباً، هناك حارس لو كان رآه عن بعد ربما رفضه، ولكن أيسفي ﮔوزَل فاجأه بطلَّتِّه البهيّة، فاعتقد الحارس انه من كبار الأغوات، وانه قادم لأمر هام، فأوقف حراسه في غرفة مجاورة واصطحبه الى مدخل القصر، هنا وكما شرح له الضابط الخطة بدقة، دخل كالسهم الى غرفة زوجة الوالي، وارتمى امام مهد الوليد، ومسك قوسه الخشبي وبقوة.
     ما ان مسك مسكته تلك، حتى شرع يدعوا له، ويطلب من الله حفظه ورعايته، ومهنئا المرأة على سلامتها. شعرت زوجة الوالي، بان للرجل مشكلة كبيرة، وانه وقع دخيلاً، فقالت ماذا ورائك يا رجل، وما هي مشكلتك. قال مشكلتي ان رجل الضرائب في السراي، جاء الى القوش مع رجاله، وقد نقلو كلاماً مبالغاً فيه الى الوالي، فأوغروا صدره، مما حدا به ان يصدر امر شنقي، فجئت مُسلماً نفسي بين يديه. اخذت المرأة ورقة وقلم، ثم كتبت فيها بعض الكلمات  ، قالت خذها الى الوالي، ولكن قبل ان تضعها امامه، سألته إن كان قرأ التركية، قال: اجل، فاستردت الورقة منه حالاً، ثم غلفتها بمظروف، وأحكمت إغلاقها قبل ان تسلمها له.

     دخل الى الوالي، هنأه بمولوده الجديد، وتمنى له طول العمر والمستقبل السعيد، ثم وضع الظرف امامه، ففضه وقرأه، وأطرق لبعض الوقت مفكراً، كيف دخل هذا الرجل الى غرفة زوجته، راودت ذهنه اسئلة كثيرة، رفع رأسه قائلاً، من انت وما هي مشكلتك؟ اجاب قائلاً: انا أيسفي ﮔوزَل، ما ان سمع الوالي بالاسم، حتى سقطت الورقة من يده، وانتفض وكأنه فقد عقله، تعجب بمقدمه، سيما انه اصدر امراً بشنقه، ها هو امامه، كيف وصل اليه، وما هي قصته بالضبط؟ بماذا يتميز هذا الشخص وما هي مواصفاته، عاد بعض الشيء الى رشده وفكر من جديد، بان في الامكان الاستفادة من هذا الذي امامه. هناك العديد من أغوات الشمال وخاصة منطقة الزيبار الواسعة لا يذعنون الى أوامره، وعندما يذهب جباة الضرائب اليهم يطردوهم، قال الوالي له: لا ترجع الليلة الى اهلك فانت ضيف عندي.
     اعطى أيسفي ﮔوزَل خبرا لأصحابه، بانهم سيبقون في ضيافة الوالي، وحتى يكونون على دراية بالموضوع، لذلك ذهبوا الى مكان آخر، ينتظرون رجوع رئيسهم، بالطبع الوالي فهم الموضوع جيدا من خلال ما كتبته زوجته، وبات يثق بالرجل، فقال له: إنقضت العداوة وامر الشنق انتهى، اصبحنا الان اصدقاء، والاكثر من ذلك انت بمثابة اخٌ لي لم تلده أمي، ثم حدثه عن وضع الزيبار وكيف خيّب العديدون أمله في إستحصال الضرائب منهم، وانا اعتقد بانك اهل للمهمة، فلك القابلية الجيدة لتحقيق ما تريده حكومة الموصل، وذلك بان تذهب وتلتقي بالأغا هناك وتقنعه بال‘ذعان لمطالبنا. اجابه أيسفي ﮔوزَل بالأيجاب، وطلب إمهاله عدة اسابيع، حتى يصعد الى قريته ويتهيأ جيداً للموضوع.
     صعد الى القوش ومكث فيها لبعض الوقت، ثم جهز نفسه واربعة من رجاله الشجعان، ليذهبوا الى منطقة الزيبار المتاخمة لبارزان. تهندم الرجال جيداً وشدّوا احزمة الرصاص وحملوا السلاح، ثم غادر موكبهم القرية، قاصدا تلك المنطقة البعيدة، ذات الطبيعة الجبلية الوعرة. في الطريق تكلم مع رجاله عن المهمة وشرح لهم تفاصيلها، وبانه ذاهب ليقنع اغا الزيبار بدفع الضرائب المستحقة للحكومة.
     عادة وفي عرف العشائر، عندما يصلون ضيوفاً، يبقون ليومين او ثلاثة، قبل ان يباشروا مهمتهم. هكذا وصلوا بعد طول طريق الى الزيبار، فرحبوا بهم وفرحوا بمجيئهم، قبلوا ضيافتهم قائلين: نحن في خدمتكم، ماذا تريدون حتى نساعكم، قالوا نحن لسنا محتاجين الى شيء، ولكن قلوبنا تاقت الى القيام بهذه الزيارة، ونود الدخول الى الأغا للسلام عليه.
     دخل أيسفي ﮔوزَل الى مقر أغا الزيباريين، وسلم عليه، ثم جلسوا يتحدثون فقال ﮔوزَل: قبل مدة قصيرة رزق والي الموصل بولد، فذهبت لأهنئه بمولوده الجديد، هناك دار نقاش بيني وبينه عن بلادكم، وخصوصاً عن شخصك الكريم، سألني الوالي عن سبب عداء الزيباريين لنا، فهو اي الأغا يتصور انني سأقيم موقع عسكري هناك في الزيبار، وبعدها لن يبقى لرئيسهم اي نفوذ، ولكن هو غلطان، واذا رغبت بان انصب قوة هناك فستكون تلك القوة في خدمة الأغا ولتعزيز نفوذه في المنطقة. هنا تحركت مشاعر الأغا الذي كان يسمع بانتباه شديد، وفكر هكذا متسائلاً: لدية قوة خاصة به، اذا اضيفت قوة الحكومة اليها، فما هي الخسارة في الامر؟ اجاب الأغا وما هو المطلوب مني الآن؟ اجاب ﮔوزَل: انك لم تدفع الضرائب المقررة للحكومة منذ مدة طويلة. هز رأسه ايجاباً ونهض الأغا يدعوا جماعته الى تجهيز عدداً من البغال لتحمل بالأحمال، وهكذا جهزت القافلة والتي تضمنت: الرز والسمسم والتين ووالزبيب وغير ذلك.
     قال أغا الزيباريين: لنمضي معا الى الوالي، وهكذا سارت القافلة( الكروان) من الزيبار الى الموصل، هناك وجهت البغال الى خان السراي فيما سار الاثنان لمقابلة الوالي، كان فرح الوالي كبيراً، خصوصا ان اغا الزيبار قد تنازل وجاء بنفسه ليكون تحت امرة الوالي، متمرد لسنين ويأتي في ساعة!.
     بعد تلك الحادثة تعززت الى حد كبير ثقة الوالي بأيسفي ﮔوزَل ، وصار يلتقي به بعد كل فترة ويدخل اليه دون إسئذان، كما كان يفعل ذائع الصيت آنذاك سعدون گرگري، الذي كان هو الآخر صديقا لبيت الرئيس وباقي عشائر القوش. بمرور الأيام اصبح الوالي يمنح سلطات واسعة لأيسفي ﮔوزَل، بما فيها عزل واقامة أغوات جدد، على طول منطقة شمال الموصل.          نعمت القوش في تلك الفترة الذهبية من تاريخها بالإستقرار والأمان والرفاه الاقتصادي، بعد ان كانت قبل تولي أيسفي ﮔوزَل رئاستها، تعيش تحت طائلة الديون للعشائر المجاورة، وخصوصا عشائر الكوجر كثيرة العدد.
* وغادر المعمر صادق ياقو برنو المولود عام 1919 هذه الحياة في 8 شباط 2021 اثر اصابته بمرض كورونا.
nabeeldamman@hotmail.com
California on August 23, 2021





72
من كتابي " الجلية في حكاياتنا المروية" الصادر عام 2020 :
(2)


نبيل يونس دمان
 
     في الموسم التالي خرجت قافلة الدواب بأمتعتها وزادها، في ليلة مقمرة من ليالي بلدتنا الزاهية، وكانت الناس تغط في نوم عميق، هدفنا التعاطي التجاري( البيع والشراء) ، كنا مجموعة من ستة اشخاص، ثلاثة كبار، والثلاثة الباقين صغار، وانا من الصغار عمراً، ذهبنا بعيداً وكان ثلاثة منا مسلحين، والثلاثة الباقين بدون سلاح، ابتعدنا ساعات طويلة، حتى وصلنا مدخل وادٍ  بين سلاسل الجبال، هناك فكرنا بدخول الوادي، وكان الوقت غروب الشمس، قال الكبار: لا ينبغي الدخول في هذا الوادي بهذا الوقت، فربما نُسلب او نُقتل فالليل هنا لن يرحمنا، شاهدنا على مسافة غير بعيدة، قرية شاخصة هناك، وعلى مقربة من مكان توقفنا، كانت هناك خِربةُ، فاستقر رأينا ان نبيت ليلتنا في تلك الخِربة، والصباح رباح كما يقول المثل، وافق الجميع على الخطة وقال البعض: انهم سمعوا بهذا الوادي من قبل، اذ لا يكاد يمرّ به احد، حتى يُسلب ما عنده من بضائع وغيرها.
     قال الكبارُ وعن سابق خِبرة ودراية: يا جماعة الخير، لدرء الشر نتراجع الدخول الى الوادي، وننسحب الى مكان آخر، اكثر أمناً وأوفر حظاً في تعاطي تجارتنا، هنا قال الشباب: ما زلنا هنا فلن نتراجع، وسنواصل الدخول غداً رغم العواقب. يذكر ان القافلة قبل وصولها الى ذلك المكان، كانت قد صادفت رجلاً آثورياً( طيرايَه) قصير القامة، لا تبدو عليه مظاهر البطولة، كان الرجل حاملاً على كتفه بندقية نوع انكليزي، وقد طلب انضمامه الى قافلتنا، مبرراً بأن مشواره في نفس خط سيرنا، فرحبنا به لا سيما كونه حاملاً بندقية، قد تفيدنا في رحلتنا المحفوفة بالمخاطر، الرجل كان طيب المعشر، فتناولنا معه احاديث شيقة، وقد ساعدهم في باب الوادي، وهم ينزّلون بضائعهم، ويريحون دوابهم.
     فيما هم منغمرون في عملهم، حتى يجلسوا ويستريحوا، من عناء طريقهم الطويل، واذا برتل كبير من اهالي تلك القرية، يتقدم بإتجاههم، ضم رجال ونساء، شباب واطفال، وقد احدثوا جلبة كبيرة، مع اقترابهم الى مكان اقامتنا. بدأ ذلك الجمع في طرح اسئلتهم الثقيلة والمزعجة:
- من انتم؟ ومن اين جئتم؟ والى اين تتوجهون، وماذا في احمالكم؟
 ولكن عندما بدأوا يسألون عن بنادقنا:
- ما نوعها وهيئتها؟
     ساورنا الشك في طلبهم، واخذنا نفكر جديّاً، بالغرض من كل ذلك. اجبنا على كل اسئلتهم، ولكنهم تمادوا اكثر طالبين فحص بنادقنا بأيديهم، هنا قال مسؤول مجموعتنا الأكثر خبرة ودراية، في هذا النوع من التجارة( كروان) واسمه كورو ميخو بلغتنا السريانية: يا جماعة، لا تعطوا سلاحكم لهم الا بعد أخذ سلاح يعادله، اعطوا بندقية وخذوا بندقية، وحتى نرى ما سيحدث، ديروا بالكم لا تتركوا انفسكم بدون سلاح، وكونوا في حذر شديد. ارجعوا بنادقنا الينا بعد ان فحصوها جيداً، ثم طرحوا علينا مقترحاً، إن كنّا مستعدين له، وذلك للتباري في اطلاق الرصاص على هدف( عمنج) .
     كانت الشمس تميل الى الغروب، وما زال الضياء ينير الفضاء الذي حولنا، وفي الحقيقة كان الكبار غير مستعدين لهذا الضرب من السباق، لانهم نادرا ما يستخدمون بنادقهم في هذا السباق، بل يحملونه لغاية حماية انفسهم، وبالتالي سيخسرون على الأكثر، في اصابة الهدف المزمع، في تلك الاثناء وهم يضربون اخماساً في اسداس مُحرجين، تدخل الرجل الآثوري قائلاً: نعم مستعدون
     حقيقة انزعج الجماعة من تهور الآثوري، وهم يسعون التخلص من تلك المعضلة التي واجهتهم. حدثنا بعضنا قائلين: ماذا سيفعل الرجل، وكيف سيواجه الموقف، قلنا له بلغتنا:
 - اسكت انت ولا تتكلم شيئاً
 فقال لهم بثقة:
- اتركوا الموضوع عليّ، وانا اتصرف، فلا تهتموا
ثم وجه كلامه بوضوح الى تلك الجماعة المتحدية:
- اذهبوا وانصبوا هدفاً، اينما تشاؤون، وبأي حجم ترتأون
أمر كبيرهم صبياً بالكردية طبعاً قائلاً:
- اذهب ياولد وثبت حجراً، فوق تلك الصخرة القريبة
 انطلق في سرعة البرق صبيٌ، وهو في مقتبل العمر، وعلى مقربة من تلك الصخرة المقصودة، رفع حجراً مربعاً تقريبا من الارض واقترب من الصخرة، انحنى لتثبيت القطعة، وكان ظهره بمواجهتنا، هنا استطاع الآثوري لمح قطعة الحجر من بين فخذيه( بيني بِشْخِح) ، فاطلق رصاصة اصابت الهدف في مركزه، والصبي سقط بشدة على الارض متلوياً. صاح رجال القرية بأعلى صوتهم:
- لقد قتلت الصبي!
 قال:
- لا، لا،  سينهض ثانية، واذا اصيب ظُفر منه فأنا المسؤول
 بعد قليل نهض الصبي، ثم وصل اليهم وقد تغيرت سحنته واصفرّ وجهه هلعاً.
قالت الجماعة:
 - ان الاصابة كانت مصادفة، وان الطلقة انطلقت بعفوية، واصابت الهدف( كما نقول بلغتنا الدارجة: صيَحته دْعلي گولّا)
 قال لهم الرجل الاثوري:
 - لا، لا، لم تكن كذلك، اذهبوا وثبتوا حجرً آخراً
 سكت الجميع، فمَن الرجل الشجاع الذي يذهب ويجازف؟ هنا قال كبيرهم: رماد برأسكم(  بالكردية خولي بْسَر) ألا تخجلون، أليس عيب عليكم، تخافون من الذهاب لنصب الحجر امام هؤلاء النصارى( سورايي) ، عندها نهض شاب من بينهم وقال:
- انا ذاهب بشرط، عند وصولي الى المكان، ورفعي للهدف، وابتعادي مسافة حوالي ثلاثين متراً، آنذاك فقط تبدأ بإطلاق الرصاص
فأيده الجماعه قائلين:
- هكذا يجب ان يكون حفاظاً على سلامته
 فقال الاثوري:
- موافق، ليذهب مطمئناً، فلن اطلق اية اطلاقة قبل ابتعاده
 ذهب الشاب واخد حجراً مناسباً من الارض، واخفاه خلف ظهره، وفي كل مرة يلتفت الينا قائلاً:
- دير بالك، لا ترمِ، حاذر ان تطلق النار
حالما شرع الشاب بنصب الهدف، وقبل ان يصل الحجر الى الحجر، اطلق الرجل الاثوري رصاصة، منتزعاً الهدف من يده، تفتت الحجر الى قطع صغيرة متناثرة، وسقط الشاب على الأرض متلوّياً كسابقه.
 فقالوا:
- لقد فعلتها مرة اخرى! ألم نقل لك، لا تطلق النار، قبل ابتعاده من المنطقة بمسافة.
اجاب الرجل بثقة:
- لا شيء، لا شر، ولا سوء قد لحق بالشاب، سينهض ثانية
عند وصول الشاب اليهم سالماً، وعندما شاهدوا بأم اعينهم كل ذلك، جرّوا اذيالهم تباعاً، شيباً وشبانا، نساءً ورجالا الى قريتهم.
هنا انفتحت اسارير وقريحة المتحدث ميخا ليقول:- في تلك الليلة لم نسمع نباح كلابهم، ولا صياح دجاجهم، ولا مواء قططهم، وحتى فوانيسهم اطفئوها. نمنا برغد تلك الليلة في تلك الخِربة والآثوري بيننا. وفي الصباح ثبتنا امتعتنا على ظهور الدواب، ثم دخلنا الوادي بعد ان توزعنا واحدا يسير في طرف الوادي والثاني في الطرف الاخر، واثنين امام القافلة والباقي من ورائها. لم نرَ في الوادي احداً، ولم نسمع صوتاً، او حركة غير طبيعية، بعد ان كنا نسمع بان حتى الطيور في عز الظهيرة، عندما تجتاز ذلك الوادي يُنتف ريش أجنحتها! ( خّرخي پَرّانِه دْطيرَي).
     ثم ختم المتحدث حكايته قائلاً: بعد ان حان موعد افتراقنا عن ضيفنا الاثوري، سأله احد رفاق الرحلة واسمه كوريال، ما سر تصويبك الممتاز؟ فقال تسرحت من جيش الليفي، وفيه نلت اوسمة عديدة في دقة التصويب، والبندقية التي معي، اهديت لي عند تسريحي، وكما تراني متسلحاً بها ومتباهياً، اجوب هذه القفار.
     
nabeeldamman@hotmail.com
California on August 24, 2021

73
من كتابي " الجلية في حكاياتنا المروية" الصادر عام 2020 :
(1)
نبيل يونس دمان
     في مقهى أرضي اسفل السوق القديم، جلس رجالٌ يتجاذبون اطراف الحديث، عن امور شتى منتقلين من موضوع لآخر، حتى وصلوا كعادتهم في كل مرة الى الإعتداد بالنفس، والزهو بمفاخر الشجعان، وما إجترحوه من مآثر في حياتهم، كل ٌ يروي قصة سمعها أو حادث كان شاهداً او مشتركاً فيه.
     كان بين الجالسين رجل، قد أطرق رأسه في الارض مليّا، توجهت انظار الرجال الى ما يتفوه به، سيما وانه مغامرٌ معروف، قضى سنيناً طويلة مطارداً من قبل الحكومة، كان فارع الطول، نحيف البنية، مهيب الطلعة، متناسق الهندام. رفع رأسه قليلاً وصار يتحدث والكل ينتظر ما يقوله بلهفة فقال: يا اخواني ويا اعزائي ابناء بلدتي، ليس للشجاعة سقف، وليست دائماً تحت طلب الشجعان، بل المصادفة احياناً تجعل رجل عادي في مصاف الرجال، ولا تأت من فراغ بل هي صفة متوارثة، وتربية ينشأ عليها في كنف عائلة، لا ينحرف عن قيمها التي ترسخت عبر الأجيال، ولا يفصلها عن جانب الحكمة والرشد حدٌ، وكذلك القدرة على الخروج من المآزق التي تعتري هذا الطريق، اسمعوا مني جيداً، ليس الرجل هو ذلك الذي يهاجم وينتصر ليخرج ظافراً، بل هناك بالمقابل مواقف، تجعله يراجع وينسحب متقهقراً، وكما قال آبائنا" الهزيمة نصف المرجلة" ، ضعوا في بالكم دائما التراجع، وعدم المواجهة في مواقف،  يكون حسمها غير مضمونٍ.
     انفضت تلك الجلسة في اجواء خافتة الضياء، تخللتها لفائف بيضاء، من سكائرهم المعمولة بأيديهم، جاعلة سقف المبنى المنخفض، يتحول لونه جراء تراكم السخَمُ. في تلك الايام وهي مواسم الذهاب لاقتناء الاغنام، وعمل القلية في البيوت لخزين الشتاء، او لبيع بعضها في السوق. اتفقنا مجموعة من اربعة اصدقاء، كلُ واحد مسلح بنوع من انواع السلاح، وفي حوزتنا مبالغ من الاموال لذلك الغرض، فيمّمنا نحو بلدة زاخو لا نلوي على شيء، في فجر عميق تكاد الرؤية فيه معدومة. في زاخو نزلنا في احد الخانات، لنسترح وبتنا ليلتنا هناك. في اليوم التالي خرجنا الى مكان قريب من المدينة، تتجمع فيه قطعان الماشية المهربة من تركيا، وبعد مساومات مع اصحابها، اشترينا مجموعة منها، تقدر بحوالي 150 رأس، وسقناها وراء جسر دلال الشهير في زاخو، حتى نتلافى المرور قرب دائرة الكمرك.


     عبرنا مناطق وعرة، وسلاسل جبال ووديان، ثم سرحنا في سهل سليفاني، حتى وصولنا الى مفرق دهوك- الموصل، وكان الوقت عصراً، بالنسبة لي كانت لي تجربة ومعرفة بتلك الاماكن والمسالك الضرورية، لانني اعتدت مع صديق اسمه حسقيال، ان نصنع المشروب الكحولي، في منطقة( بيزلان) على مشارف( بسقين). وبسقين منطقة جميلة خلف الجبل، قبل الوصول اليها، تظهر منطقة اسمها( خاتونية) ، وكأنها مرج اخضر مزهر، مليئ بالأشجار المثمرة وانواع الخضراوات، بعضها تستخدم كأعشاب طبية. بسقين تعني مكان الماء أو الأسماك، كما فسرت إستناداً الى مصادر سريانية وأخرى لاتينية، وهي تتكون من بركة كبيرة ، تتزود من ينبوعين، والماء فيهما حلو المذاق، يحضر منه الشاي اللذيذ. يشكل ماء بسقين مع ماء( بيزلان) و( گپه دمايا ) مصدر واحد، يجري من تحت صخور الجبل. تنقل مياه البركة الكبيرة الى مدرجات، تزرع فيها الخضراوات المختلفة، منها البصل والثوم والرشاد والخيار، الذي كان يباع حال وصوله الى السوقْ.
     هناك كهوف عديدة، كانت تستخدم لأيواء قطعان الأغنام، وبعضها كانت تستخدم لتخمير الزبيب، نظراً لملاحقة الحكومة، صانعي هذا المشروب الروحي، في البلدة ومحيطها. وهناك مدرجات كانت تزرع فيها التبوغ، بانواعه الثلاث: شنگاري، بيناتي، مبروم، وهناك تنتشر اشجار الفاكهة، خصوصاً العنب، السفرجل، التوت، اللوز، والتين. في بسقين عمل رجال من عوائل مختلفة، وكان من بينهم بندق ابن رابي ميخائيل، الذي اسهم في بناء غرفة السكن المسماة( قصرا) ، وفي ايام السقلي الظالم، كان ابنه يوسف هارباً الى الجبال، ويتخذ من بسقين ملجئاً له، مع آخرين هاربين للسبب نفسه، وفي العشرينات كان حفيده جبو يفلح المكان، ويتواجد في محيط المكان ايضاً، الهاربين من وجه السلطات.
    بنيت تلك الغرفة المسماة قصرا، في حدود عام 1880، وهي مربعة وسقفها عالي، لها كوّات وباب صغير، وسلالم حجرية تؤدي اليها، وقد صنعت برص احجار مقطعة، عن خبرة ودراية وبإستخدام الكلس، الذي تحول بمرور الزمن، الى ما يشبه السمنت، كان ذلك السطح، يتسع لمبيت من خمسة الى سته اشخاص، وعندما يرتقون السطح للمبيت ومعهم بنادقهم، يسحبون السلّم الخشبي الى الاعلى، فيصبح موقعهم حصيناً، اضافة الى كلاب ترافق الاغنام، وتنتشر في ذلك المحيط.
      فوق بسقين وعلى القمة الشرقية، مطلة على وادي اسمه( برسملي) ، تقع اطلال دير اليعاقبة، كنت اسمع في مطلع شبابي، من اناس اطلعوا على التاريخ، بان ذلك الدير كان مدرسة، تدرس فيه العلوم المختلفة، وكذلك اللغة السريانية، لا زالت اكوام الحجارة، تجلب انتباه الزائر، الى اثار الدير، وكذلك الصهاريج، التي حفروها في الصخور، لخزن المياه الى فصل الصيف، وهناك اشبه بشواهد قبور، ولكن لا كتابة عليها، وربما لو حفر بجانبها، لعثر على رفات، المدفونين فيها من الرهبان، او كتابات طمرتها عوامل الطبيعة.
     الدير كان عامراً بالرهبان، نسبة الى مصادر تاريخية متنوعة، وكانوا على خلاف عقائدي، مع رهبان دير الربان هرمزد، في تفسير طبيعة المسيح، فالنساطرة( نسبة الى نسطوريوس بطريرك القسطنطينية) اتبعوا فكرة الطبيعتين، الإلهية والبشرية، اما اليعاقبة( نسبة الى بطريرك انطاكية يعقوب البرادعي) فقد كانوا اتباع، الطبيعة الواحدة الإلهية، وقد مال حاكم الموصل، واسمه عتبة بن فرقد السلّمي( حكم ابتداءً من عام 640 م) ، الى جانب رهبان دير الربان هرمزد، وشجعهم وامدهم بالأموال، ومعروفة قصة شفاء، ولده شيبين على يد
الربان هرمزد، اعتقد لتلك الاسباب، اندثر دير اليعاقبة في بسقين.
     تملك بسقين اربعة عوائل هي: بيت دمان، بيت مدالو، بيت يوحانا، وبيت خزمي، ولديهم اوراق ثبوتية، كانت تلك العوائل تعمل شراكة، في المزرعة والمرعى، ثم اصبحت تتناوب في استثمار بسقين، كل سنة واحدة منها. اذكر يوسف مدالو الملقب( دبّورا) ، الذي كان راعياً للأغنام في الجبل، في بعض فصول السنة، كان يقود اغنامه الى منطقة بسقين، فيبيت معها لايام واسابيع، دون ان يرتجف قلبه من هول المكان، كان له عدد من الاغنام، تضاف اليها اغنام اخرى للأهالي، وقد ساعده في بعض الفترات، رعاة آخرين من البلدة، يروى عن يوسف انه كان يربّي حيّة( ثعبان) ، بجانب قصرا، فكان يعطيها الطعام، ويهتم بها حتى وصلت تلك العلاقة، انها كانت تنام على ركبته. في احد الايام، كان يوسف بعيدا عن المكان، مرّت قافة( كروان) لأكراد مسلحين، فشاهدوا الحية، ممددة قرب القصرا، ونتيجة فزعهم منها، اطلق احدهم النار عليها فأرداها. بعد مشوار من الوقت، عاد العم يوسف الى المكان، ليرى الحية مقتولة، فحزن عليها كثيراً، لانها كانت تسليه وترافقه وترتاح له، فما كان منه الا ان يدفنها، قرب القصرا، ووضع شاهدة حجر فوقها، وكلما حط ضيف عنده، يذكِره بمزايا تلك الحية، واثناء ذلك يترقرق الدمع في عينيه.
     لا يخلو زمان من ظلم وجرائم، ففي العقد الاول من القرن العشرين، كان عدد من اطفال القوش، قد تسلقوا الجبل وقصدوا بسقين، وعند موقع اسمه بيزلان، مرت عصابة ليست في قلوبهم الرحمة، بل يغلي الشرّ في عروقهم، اطلقوا النيران عليهم، فقتلوهم جميعاً، باستثناء واحد منهم، نجي من موت محقق، واسمه هرمز الملقب( مامينو) ، اما القتلى فكانوا أربعة وهم: حسقيال وداود اولاد ساكا دمان، واخر من بيت مكسابو، والأخير من بيت شاجا، بعد ذلك الحادث صار اهالي البلدة، يمنعون قدر امكانهم، توجه اولادهم، الى تلك المنطقة الخطرة.
     عودة الى مفرق دهوك الموصل، بعد ان جلسنا للراحة، والماشية استراحت ايضا، من عناء الطريق، وتناولت غذائها، وشربت من الماء ما يكفي، وبدورنا تناولنا الغذاء، الذي يمنحنا طاقة الاستمرار، احد اصحابي قال: ساذهب مشواراً، الى قرية مجاورة حيث له فيها دوست( اي صديق) ، ذهب ولحق به اخر وبقيت انا، ورفيق نرقب الغنم. وصار النقاش بيننا عن الطريق الذي ينبغي ان نسلكه، فكان اقتراحي ان نمر بمحاذات الجبل، وان لا ننحدر باتجاه السهول. في تلك الاثناء لاح اعرابي كامل التسليح يمتطي فرساً، اقترب وانا متخذ الحذر اللازم، نزل من فرسه وسلم، فردينا السلام.
     انتم اصحابنا واصدقائنا من اهالي القوش، تفضلوا عندنا" جريتنا" قريبة، تعشوا عندنا وباتوا ليلتكم ايضا حتى تستريحوا عناء السفر، في تلك الاثناء رجع يوسف وسرّو، وهم يرفلون باحزمة رصاصهم وبنادقهم، فلم يجرأ عمل شيء بل انسحب، بعد ان شكرناه على دعوته، فكيف نلبي دعوته والأعراب تجوب القفار، بحثا عن اي القوشي لقتله ثأراً لمقتل  احدهم.
     بعد ان توارى عن الانظار، قلت لاصحابي ان الوضع غير امين، اطلب منكم التحرك بسرعة للابتعاد عن هذا المكان، وهكذا سقنا الاغنام حثيثاً، حتى وصولنا اراضي( باون) قرية داكان( بالكردية عشرة عيون ماء) الأيزيدية، فقال أصحابي نرابط في هذه المنطقة، ونريح الاغنام في منطقة خاصة بأيواء الاغنام، تسمى محليا( كوتان) ، قلت: لا ليس هنا، بل استمروا في السير نحو قمة الجبل، هناك نقضي ليلتنا، فكان لي ما اردت، حيث وزعت الجماعة، واحد في المقدمة، والثاني في المؤخرة، والاثنين الاخرين في الجوانب، حتى بلوغنا الجبل، فقمنا بفك احزمتنا وفك سيور احذيتنا، وقضينا ليلتنا في ترقب وحذر.


     كان المكان الجديد الذي اخترناه لنرتاح ونريح الاغنام، مشرفا على رحى" مار ميخا" غرب قرية بهندوايا، حيث ظلت عيوننا ترقب، اي تحرك باتجاهنا، حتى بزوغ الفجر، فقام يوسف ودار حول الغنم متفقداً، اثناء ذلك انطلقت غزال مبتعدة باتجاه الكوتان القريب من قرية داكان. ونحن نتابع تلك الغزال، رشيقة القوام وهي تجري، لمح احد رجالنا( اسطيفو) سبعة مسلحين يمرون في اسفل الجبل قرب داكان، فقال لنا: هل رأيتم الاعراب؟ انهم يقتفون أثرنا، فصاح بهم يوسف قائلاً" راحوأ من ايدكم! " ، ومضو في سبيلهم دون ان ينبسوا ببنت شفة، فيما بعد اوصلوا اخبار، بنيتهم قتلنا، وسلب ماشيتنا، واخفاء كل اثر لنا" لا من شاف ولا من درى" .
     وصلنا البلدة ونحن نحمد الله، على سلامة وصولنا، باختيار طريق بعيد عن الاحتكاك، مع من يضمر لنا الشر، وتذكرت كلام الرجل المغامر في المقهى الارضي، بان الهزيمة نصف المرجلة. ضمنّا قوتنا لفصل الشتاء، ووفرنا بعض المال ببيع قسم من تلك الاغنام، ومضت الأيام برتابتها المعهودة.

ملاحظة: معظم الموضوع سمعته من المرحوم حبيب ابونا الملقب بيبو جرّح ( 1912- 2006 ) في ديترويت عام 2004.
nabeeldamman@hotmail.com
California on August 23, 2021

74
تاريخ عينكاوه
تأليف: عزيز عبد الأحد نباتي
قراءة: نبيل يونس دمان
 
     قبل فترة قصيرة جرى حديث متشعب بين جليسيّ في المقهى الصديقين: سيدا هرمز سيدا و أنيس عبد الاحد نباتي وكلاهما من بلدة عنكاوا الحبيبة، ومن سياق الحديث سمعت بوجود كتاب عن تاريخ بلدتهم صادر قبل اكثر من عشرين عاما، تحمست لقراءته وأُخبرت بأسف ان مؤلفه القس عزيز شقيق انيس منتقل الى رحمة الله مبكراً، هنا طلبت منهم الكتاب فجلبه في اليوم التالي الاستاذ سيدا ( ابو نغم) ، استلمته وطالعته بإشتياق.
     الكتاب من 300 صفحة حجم كبير صادر عام 2000 طبع جامعة صلاح الدين- اربيل، مراجعة وتقديم الأب البير أبونا، متكون من ثلاثة اقسام وكل قسم مكون من عدة فصول. قضيت وقتاً ممتعاً ومفيداً بين صفحاته. اقدر الجهود التي بذلها المؤلف، والمصادر الرصينة التي استعان بها، ايضا سلاسته وقدرته على الاسترسال، وكذلك اسلوبه وطريقة ايصال افكاره التي يربطها بهوامش مهمة الى القارئ، اخيراً اشير الى ثروة معلوماته واستقصاءاته لإنجاز مواد كتابه على الوجه الأكمل.
استخلصت منه الملاحظات واقتبست نصهاً مع بعض التعليقات متى ما تطلب ذلك، لاشارك القراء ما دونته على شكل نقاط :
1- ص 19
ابواب مزار مريم سرقت في الاونه الاخيرة. وتعود ملكيتها الى عبد الاحد عوديش وعمه صليوا القس يوسف نباتي.
تعليقي: من يقدم على سرقة املاك مزارات دينية يا ترى؟
2- ص 116
عهد اشراف ديوان الامارة الى مسيحيين اخرين وقد هجا الشاعر الاربيلي المشهور اسعد بن ابراهيم النشابي اثنين منهما وهما يعقوب والمختص.
فرحنا بيعقوب اللعين وحبســـه..... وقلنا اتانا ما يطيب به القلب
فلما ولي المختص فالشر واحد..... إذا مضى كلب أتى كلــــــب
3- ص 173
وقد اتى المتحمسون للتجديد على غالبية مخطوطات الأقدمين التي كان يشم منها رائحة النسطورية لذا لا نرى الا بعض المخطوطات ترتقي الى ما قبل هذا التاريخ بين مخطوطات اربيل وعينكاوه.
تعليقي: يا لخسارة المخطوطات التي قضى عليها المبشرون.
4- ص 187- 188
.... كما نلمس مودة بين يوسف اودو مطران العمادية والملا يحيى الراوندوزي وزير الباشا ( 76) المطران يوسف بابانا: القوش عبر التاريخ بغداد 1979. ص 194- 196.
تعليقي: لم تكن هناك اية مودة بين مار يوسف اودو والملا يحيى ( الذي لم يكن من راوندوز ولا وزيرا للباشا بل كان رجل دين بارز من اهالي قرية بالاتان المزورية) والملا يحيى افتى باستباحت دماء الأيزيدية واهالي القوش فقتل خلق كبير على يد الأمير محمد ميري كور الراوندوزي عام 1832، وعذب مار يوسف اودو ومار يوحنان هرمز بشدة.
5- ص 192
وفي هذه الفترة حدث اضطراب كبير في كنيسة المشرق وتذبذب بين الرغبة في اعتناق الكثلكة باندفاع وتحمس او الاحتفاظ بالتراث القديم والبقاء على العقيدة الشرقية- النسطورية- ومحاربة الكثلكة القادمة من الغرب، اضافة الى الرغبة في الحصول على سند قوي تجاه المظالم العثمانية. كان هذا العامل حافزاً قويا لقبول الكثلكة التي كانت تحت الحماية الفرنسية في كافة ارجاء الامبراطورية العثمانية.
6- ص 202
ان التعليم والتطور الثقافي والحضاري ليس وليد جيل واحد بل حصيلة عصارة فكر اجيال سابقة مع تواصل حلقات حضارية مترابطة.
7- ص 250
آل جوجا: نزحوا الى عينكاوه من بارزان- وقد ورد ذكرهم في سجل العماذ 4 تشرين الاول 1887.
تعليقي: معناه حتى مشارف القرن العشرين كانت هناك عوائل مسيحية تسكن بلدة بارزان.
7- ص252
آل علي بك: ليسوا من السكان الاصليين. في نحو منتصف هذا القرن ( يقصد العشرين) قدم اشخاص من اليزيديين مدعين القربى مع هذا البيت. وهناك من يقول انهم كانوا ثفاة علي بك شيخ الايزيدية الذي اسره باشا كورا الراوندوزي وعندما قتل تبين هؤلاء نصارى، فاطلق سراحهم.
8- ص 255
آل كريمة وآل رحيمة: الذين هاجروا عينكاوة وسكنوا القوش. وقصتهم طريفة بعض الشيء. ففي مطلع هذا القرن كان راهب يدعى اسرائيل بويا مقدسي، وقد ورد اسمه في سجلات دير الربان هرمز. ونذر نذوره المؤبدة في 8- 10- 1882. ثم رسم كاهنا عللى يد البطريرك مار ايليا الثاني عشر في 25- 2- 1885 ثم عمل في قريته عينكاوة. وبعد مدة أغواه الشيطان وفضح امره مع خادمته. فاضطر ان يتزوجها فحرمته الكنيسة مما اضطر الى إشهار اسلامه وتسمى بالشيخ مصطفى. وكانت داره تقع على حافة مجرى الكاريز فسميت الساقية التي تمر ببيته باسم الشيخ. وبعد سنين رزق بولدين اسماهما رحيم وكريم... وبنت يبدو انه ندم على فعلته ولم يستطع العودة الى دينه لئلا يعتبر مرتداً فيهدر دمه. فربى اطفاله تربية مسيحية خفية وحاول تهريبهم بعيدا عن المنطقة. فأرسلهم الى القوش عند بعض معارفه واصدقائه وعاشوا هناك.
كاليفورنيا في 7-8- 2021



75
إعادة قراءة كتاب " الأكراد في بهدينان" تأليف انور مائي


نبيل يونس دمان
 
     في عام 2002 سافرت الى العراق وإقتنيت الكتاب المذكور من إحدى مكتبات مدينة دهوك، طالعته بعد عودتي وسجلت الملاحظات، بعد مدة اكتشفت ضياع الكتاب. في سفرتي الأخيرة عثرت في مكتبة خاني بدهوك ايضاً على ضالتي فاصبح الآن يركن من جديد في مكتبتي، طالعته مرة اخرى فتكونت لدي فكرة عن الكتاب لأكتب ما يجول بخاطري إضافة الى اقتباس نصوص جلبت انتباهي. الكتاب من 361 صفحة من القطع الكبير فيه إهداء ومقدمات الطبعات الاولى والثانية والثالثة ثم ادرج الكتاب مواضيع متفرقة جذابة منها جغرافية المنطقة، تاريخها، عاداتها وتقاليدها، وافرد فصلين عن الأيزدية والتياريون.
اليكم اعزائي القراء جميل ما اقتبسته من نصوص في هذا الكتاب، متمنيا ً ان تستمتعوا في قطف ازهار من حديقة المؤلف البرواري الراحل استاذ انور مائي:
1- يدّعي المستر اولمستيد أن المزوريين منحدرون من سلالة ميسوري- مسيري الآشورية، ثم يخصص هذا الرأي بعشيرة ( مزورى زيري) مزوري السفلى..... ص 80
2- في أيام قباد بك الثاني 1662م ثار الملك آزيز أحد رؤساء التياريين في وجه الأمير الهكاري خالد بك بن عماد الدين بك، ولكنه لم يفلح في ثورته، فهاجر مع ابنائه السبعة الى آميدي- العمادية وأعلنوا أسلامهم، فكلفه قباد بك بأن يتولى أمر آفدل بالوكي أمير برواري بالا الذي شق عصا الطاعة على قباد بك وانضم مع عشيرته الى أمير هكاريا، فذهب ملك آزيز الذي سمى نفسه بعد إسلامه عبد العزيز ليلاً الى قرية بالوكا، وأظهر للأمير أفدل بالوكي انه قصده بغية ان يتوسط له عند خالد بك لكي يتجاوز عن خطيآته وذنوبه ويعفو عنه، فيعود الى بلاده. فاقتنع الامير البرواري واطمأن الى صدقه حتى زحف الظلام ونام الناس، فقصد هو وأبناءه الامير البرواري أفدل وقتلوه، ثم استولى على قصره، فانعم عليه قباد بك وجعله مديراً على برواري بالا، ومنحه لقب الأمير، ثم لم يزل أعقابه يتولون المنصب ورئاسة هذه العشيرة الى سنة 1923 حيث كان آخر امير من اعقابه هو الحاج رشيد بك احد اعضاء المجلس التأسيسي العراقي وقد ذكرنا امراء هذه الاسرة التي كانت تدعى " مه لكائزى" في كتابنا ( تاريخ برواري بالا) مفصلاً. ......... ص 205- 206
3- ..... فقد كسر الجيش الباديناني بعد ان صمد يومين فقط امام الجيش السوراني، وأسر علي بك أمير اليزيدية بعد ان قتل من اليزيدية ما لا يعد ولا يحصى، أحدث فيهم المظالم ما يندي له جبين التاريخ. .......... ص 229
4- .... اما محمد باشا فقد هاجم بنفسه على العمادية، واما اخوه رسول بك فقد رجع بأمر من أخيه الى راوندوز ومعه علي بك امير اليزيدية لا يزال اسيراً في قبضته، ثم قتله بمضيق راوندوز الذي اشتهر فيما بعد ب " گه لى على به گێ" نسبة اليه. ..... ص 230
5- ... وفي الليلة التي استولى فيها السورانيون على العمادية، استطاع اسماعيل بك بفضل شجاعته وذكائه، ان يفلت في هذه المرة ايضاً مع رفقائه الذين أتوا معه من عقرة انفسهم، وان يسلك الجبال والوهاد، فوصل نيروه ريكان واعتصم بقلعتها ردحاً من الزمن، ولكن مع الأسف فقد احد رفاقه الشجعان وهو حسين بك اليزيدي حيث كبا به جواده عند عبوره بالزاب فغرق فيه. .... ص 233- 234
6- عندما احس العلامة ملا يحيى بدخول جيش اسماعيل باشا القلعة وسقوطها بيدهم بادر الى الفرار قاصداً محمد باشا في حصن كيفا ولكن ألقي القبض عليه في سنديا كما القي القبض على تلميذه ملا قاسم المايي وسملت عيناه. ..... ص 234- 235
7- ولما سمع اسماعيل باشا بذلك اضطر الى ان يستعد لمنازلة الجيش العثماني والتقى الجمعان بالقرب من قرية أيتوت ودارت بينها رحى معركة شديدة أسفرت عن اندحار الجيش الباديناني، فأحدث جيش أنجه براقدار انواعاً من المظالم والمذابح والنهب والسلب في قرى بادينان لا سيما في القوش مما لا يمكن وصفه. ..... ص 236
8- وكانت ضمن ادارة بادينا إمارتان صغيرتان يطلق على رئيسها اسم الأمير اولاهما " إمارة برواري بالا" التي كانت يحكمها احد امراء مه لكائزيا وقد دامت هذه الامارة الى سنة 1922 حيث اخر امرائها الحاج رشيد بك احد اعضاء المجلس التأسيسي العراقيالمتوفي عام 1930م ، وثانيتهما إمارة شيخان اليزيدية التي لا يزال رئيسها يحمل لقب الأمير ليومنا هذا، وهذا الأمير يستعمل سلطتين مزدوجتين، الروحية والادارية. ..... ص 238
9- كانت من أهم العقوبات التي تنزل بمرتكبي الجرائم الجنسية حلق رأس المجرم ذكراً أو أنثى وشواربه ولحيته، ثم صبغ وجهه بالسخام والدهن وحمله على حمار بصورة معكوسة، بحيث يكون ظهره بطرف رأس الحمار ووجهه بطرف ذيله، ثم يطاف به في القرى وبين الجماعات لمدة محدودة، وينادي الموكل به والأولاد " هێ: ئه ڨى ئه ڤ گونه يا كري" – اعلموا ايها الناس: ان هذا مرتكب الجريمة الفلانية- وكانت هذه العقوبة أخزى وأمر من الموت والقتل. ..... ص 240
10- حمه كور..... وكان الامير قباد بك بن السلطان حسين امير بادينا قد اتخذ هذا الشاعر نديماً ومطرباً للاسرة الحاكمة، وله اشعار رومانسية كثيرة اهمها: سينموك- سينميات- نسبة الى الأميرة سينه م خان اخت الامير قباد وحه موك - حمويات – نسبة اليه حيث خاطب فيها نفسه، و – وه روه روك- وشاهين آغا وبلبوك وبابيزوك وغيرها. ..... ص 267
11- الحاج رشيد بك*، وآخر امراء اسرة مه لكا ئزيا الشهيرة في برواري بالا.
* اشتهر رشيد بك الأمير البرواري، بالحزم، والدهاء، ورجاحة العقل، هابه كافة رؤساء وزعماء بادينا وهكاريا على السواء، حتى انه كان يمثل دور الحاكم العام الباديناني، وكان قد تعين بعنوان، مدير ناحية برواري بالا من الحكومة العثمانية، ولكنه اشتهر بلقب الامير بين العشائر، وهندما تاسست الحكومة العراقية كان المذكور من اعضاء المجلس التاسيسي العراقي وتوفي بالسلطان عام 1928. ..... ص 299
12- في سنة 1692م كان اول من نزل هذه القرية هو مار دنخا المار شمعون الثالث عشر فهو اول بطريرك اسس في قوجانس البطريركية النسطورية......... المار شمعون التاسع عشر المار بنيامين الذي اغتاله غدراً " سمائيل ( سمكو) أغا " الشكاكي في سلامست بأيران سنة 1918........ فتولى بعده هذا المنصب المار شمعون الحادي والعشرين المار ايشا، وكان عمره حينذاك لا يزيد عن تسع سنوات، ........ ص 311- 312
خاتمة: هكذا انتهينا من اقتباس نصوص من الكتاب، وعند انتهاء السرد التاريخي اضيف اليه المصادر التي استقى المؤلف معلوماته، ثم اورد فهرست معجم الاعلام، ثم ملحق الصور والوثائق، واخيرا مؤلفاته الاخرى. لمن يريد قراءة الكتاب فهو متوفر في مكتبة خانى بمدينة دهوك تلفون 07504570454.
سان دييغو كاليفورنيا 18- تموز 2021


 

76
رحيل شاعرة وأية شاعرة !

نبيل يونس دمان
 
     في فراق السومرية ونخلة العراق السامقة لميعة عباس عمارة، التي رحلت من ارض غربتها في الولايات المتحدة الامريكية، لتلحق بركب الراحلين قبلها وآخرهم الشاعر الكبير سعدي يوسف الذي غادر قبل ايام من مغتربه في بريطانيا. ذكرت في احدى مقبلاتها الصحفية ابن عمتها الشاعر عبد الرزاق فقالت " أنا أرقُّ منه وأغزَل .. وهو أوفرُ عطاءً وأجزل" .
وفي الشعر انشدت لميعة قائلة:
أرد ّ أسألك ... وبحسن نيه... أمحلفك بالله ترد...
ربك بيوم الـصـورك جم يوم طينك نقعه بماي الورد؟
وانشدت ايضاً:
لعنة اللاعن يا شعر عليك ما الذي أوقعني بين يديك كل أسرار الورى مستورة وخفي الهمس مفضوح لديك أنت لو كنت ملاكاً صالحاً ما توسلـــنا بشيطانٍ إليـك.
في احد مهرجانات المربد تغزل بها شاعر فقال:
أتدخنين... لا... أتشربين... لا... أترقصين... لا... ما انت جمع لا
فقالت:
أنا التي تراني، كل خمول الشرق في أرداني، فما الذي يشد رجليك الى مكاني؟
يا سيدي الخبير بالنسوان، ان عطاء اليوم شيء ثانِ، " حلّق" فلو طأطأت... لن تراني.

والآن اليكم ما كتبتُه في دفاتري يوم 13- تموز- 1994 بعنوان (عرس الشعر) :
     منذ مجيئي الى هذه البلاد قبل اربعة سنوات، وانا اعتبر الأدب والثقافة غائبان عن الساحة، وإذا ظهرت ومضات هنا وهناك بين حين وآخر فإنها تخمد لاسباب عديدة منها: عدم وجود إمتداد ثقافي وأدبي مع الوطن الأم، وعدم وجود روابط تجمع المثقفين والأدباء القادرة على اكتشاف المواهب وتطويرها وصقلها، كذلك طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه. ولكنني رأيت عرس الشعر بعينه في الأمسية الرائعة التي نظمها "صوت الكلدان" الذي لا يسعني إلا ان أشد على أيدي زملاءه مهنئاً على نجاج تلك الأمسية.
     في الوقت المحدد وحال وصولي أمام بوابة نادي "ساوثفيلد مانر" رأيت تجمعاً كبيراً امامه، فقالت زوجتي " إنهم يستعدون لإستقبال الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة" لكنني عقبت بسرعة وقلت الكهرباء... آه الكهرباء التي كانت مقطوعة !! وعند دخولنا القاعة رأيناها مكتظة وعلى أضواء الشموع وحرارة اللقاء والجو شاعري حقيقة، مئات الناس صابرة بإنتظار وحي الشعر والكهرباء الذي يرينا ويسمعنا نجومه في تلك الليلة التموزية المباركة. قال البعض إنه نحس الرقم 13 المشؤوم، وقال آخرون انه المخاض الأليم الذي سبق إنبلاج فجر الرابع عشر من تموز.
     بعد ساعتين من الإنتظار، هلّت الكهرباء فأشاعت البهجة في النفوس، وترقب الجميع بلهفة منصة الخطابة التي أجادت عريفة الحفل أميرة بجوكا إدارته بلغتها الآرامية الجليّة وكلمات المودة التي لم يُضنها ظلامٌ او تعبٌ، وجاءت كلمات الشوق الرقيقة لصوت الكلدان ثم تعاقب شعراء المهجر بإلقاء ما نضحت به أقلامهم وما صدحت به حناجرهم، فكان صوت يوسف شكوانا الهادئ المعبر في قصيدة "خرابة دأثري.. خراب وطني" وتلاه سلام يلدكو في قصيدته الجميلة "أره دبابل.. ارض بابل" ومن ثم الاخت الشاعرة الطموحة انتصار يونو في قصيدتها "تنياثه دحُبه.. كلمات في الحب" ، فألف تهنئة لهم والى إستعدادات اخرى في المستقبل والشعر كما يقال رئة الحياة يتنفس الناس به الصعداء.
     وجاء دور شاعرتنا العراقية الكبيرة لميعة عباس عمارة، تلك النخلة الشامخة التي تعيش مرغمة تحت سماء اخرى، ولم يتعبها ثقل العمر، فبدت شابة مرحة بحيويتها كأنها توزع المناشير في أروقة دار المعلمين ببغداد مطلع الأربعينات ومعها زميلها شاعر العراق الكبير بدر شاكر السياب. لم تنس لميعة الروح العراقية المرحة وتعطشها للنكتة والإثارة فأجادت الضرب على ذلك الوتر ولبّت ذلك المطلب الكامن في النفوس والذي حول القاعة الى موجة من التصفيق والفرح والإغتباط وتعالي الصيحات كل هنيهة لتعيد الى الاسماع ما تنشد به. وأنشدت لميعة أشعارها في التغني بالوطن وبالمآسي التي حلّت به، وعن غربتها، وحبّها، والوصايا العشرة، وأرض الكنانة، وبابل، وبغداد، فلها العافية وطول العمر والى لقاءات أخرى.
     ختاماً: تحية للجمهور الذي ملأ القاعة وتحمل الجو الصيفي الحار بإنتظار الكهرباء ووجوه الشعراء لما بعد منتصف الليل مغتنياً بدرر الكلمات التي انهالت عليه وهو في لجّة الحياة ومتاعبها في هذا البلد.
     أمنياتنا: ان تتكرر تلك الأماسي ويقيناً ستشهد تطوراً أكبر وتكون حافزاً للأفضل، والجمهور العراقي هنا قلب المعادلة ولم يدع المقولة الرائجة ان تمر "ان الثقافة والادب تنتحبان هنا" ، كما لم يدعها شعراء المهجر الفطاحل من امثال ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وغيرهم ان تمر منذ أوائل القرن العشرين بل جعلوها مكملة لحياتهم في أوطانهم، ويحدونا الأمل ان تستقر الحياة في وطننا الأم العراق ويعود اليه السلام والحرية والخبز ولتحيا اماسي الشِعر.
كاليفورنيا في 19 حزيران 2021

77
روائع الأدب الموصلي
نبيل يونس دمان
    قراءة في مجموعة قصصية بعنوان ( احلى السنين) الصادرة من دار نون للطباعة والنشر والتوزيع عام 2019 للزميل المهندس محمدسامي عبد الكريم، الذي كنت سعيداً بلقائه في الموصل الشهر الماضي والأسعد حصولي على كتابه الأنيق في طبعه وإخراجه، ويا لروعة ما حصلت عليه وقد حملته معي الى حيث اقامتي في سان دييغو- كاليفورنيا.
    عندما بدأت بقراءته إنهالت الافكار لما يكون عليها ردّ فعلي الايجابي الممتلئ إمتناناً لقاص موصلي من نمط قُصّاصيها ألمعروفين: الدكتور عمر الطالب، غانم الدباغ، انور عبد العزيز، هيثم بردى، وغيرهم كثيرون، يكاد لا يفارق مخيلتي المقطع الشعري في قصيدة: صوت صفير البلبل- للأصمعي" من حي أرض الموصلِ... أنا الأديب الألمعي" . توالت القصص التي بلغ مجموعها 15 قصة، وانا اقرؤها بمتعة كبيرة مقدّرا الجهد الذي بذله صاحبها في سلاسلتها، اسلوبها، بلاغتها، وشدة تأثيرها.
    راودتني فكرة ان يتكرم احد منتديات القوش الثقافية بدعوة القاص اليها للتحدث عن تجربته، كما جرى ذلك مع ادباء آخرين ومنهم الرحالة الكردي المغترب بدل رفو المزوري قبل عامين، هكذا تراودني الأمنية ان يحضر الاديب والزميل سامي ( كما يريدني ان اسميه) لمقابلة جمهور يقدر هذا النمط من الأدب ويكنّ اصدق الود ليرحب بإبن نينوى العريقة في مضمار الفكر والجمال والإرث التاريخي.
    تتزاحم الصور امامي لقصصه الجميلة التي لها مغزى بالغ الدلالة والعمق، لا أعلم من أين أبدأ واين أنتهي ولكن أكتفي بالقول بان على الذي يبحث عن الصور القصصية التي ستبقى عالقة في ذهنه طويلاً، فإنه يجدها في كتاب ( احلى السنين) الذي امامكم غلافيه:
 
***************
***************
مطالعة في المجموعة القصصية الثانية بعنوان ( مقهى المَغْنى العربي)
      تكاد القصص هذه تضاهي وتكمل ما تطرقنا اليه في الجزء السابق المعنون ( احلى السنين) ، كتاب انيق ضم بين دفتيه 21 قصة على عدد السنين التي ولجنا فيها قرننا الحالي والتي بها أرخ صدور الكتاب، لعل اكثرها وقعا في نفسي تلك التي عنوانها " انا ... اغنى الأغنياء" فكان تأثري بالغاً بما آل إليه حال زميل جامعة الموصل باسل زيدان.
واسترسلُ مطالعا كمن يشم عطور ورود متنوع في بستان القاص الصديق محمدسامي عبد الكريم:
     في ص 41 بالنسبة الى قصة ( عائد من الموت) فهي مؤثرة كسابقتها ولسوء حظ جيلنا، تابعنا العديد من تلك القصص المأساوية التي افرزتها حروب الدكتاتور العبثية.
في ص 69 جلبت انتباهي القصة التي خاتمتها: لم تشاهد" الهايشة.... بنت الهايشة" ثورها وهو يركب الباص.......
     وفي قصة " حيرة عائلية" ص 71 جرى الكلام عن السموأل الشاعر البدوي من الديانة اليهودية في الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام فيها، والذي سطع اسمه في سمائها بفروسيته وامانته، والسموأل بن عاديا قال فيه الأعشى:
كُن كَالسَّمَوْألِ إِذْ طَافَ الْهُمَامُ بِهِ ** فِي جَحْفَلٍ كَسَوَادِ اللَّيْلِ جَرَّارِ
بِالأَبْلَقِ الْفَرْدِ مِنْ تَيْمَاءَ مَنْزِلُهُ ** حِصْنٌ حَصِينٌ وَجَارٌ غَيْرُ غَدَّارِ
     في ص 90 عندما وصلت في قولك: انت يول شتكول؟ طفر الى ذهني دكتاتور سابق في تصرفه وسلوكه المعتاد في تلك المواقف، لذلك لو وضعنا بدل الاسد اسمه فنكون كمن وضع النقاط على الحروف.
     في ص 127 خاتمة موفقة في قصة قرعة الموت في قولك: نخطط... نغير... نصر... نصمم... نقرر... لكن الكلام الفصل هو للأقدار وكم هي عصية على الفهم احكام الأقدار.
     ص 129 فعلاً صفاقة لا بعدها صفاقة في نعي ابو سدير النجار لاخته الشابة ابتسام. 
     ص 139 بالنسبة لقصة اليانصيب فقد تخرب بيوت مدمنيها، وانا لست اتفق مع الرأي القائل: جرب حظك ولو بأصغر نقد إذ ربما تربح وتصبح من اصحاب الملايين. ان المسألة لا تتوقف على مقدار الخسارة بقدر ما تؤثر في جوانب اخرى اكثر اهمية، فإشغال فكرك بأحلام الربح تثنيك عن اشياء اكثر اهمية في إثراء نفسك بالعمل الفعلي وبتحقيق ما هو أغنى من كل اموال الدنيا، وذلك باضافة شيء جديد وجميل لما تنجزه البشرية، فمن جمع جهود الأفراد تبنى صروح الامم.
     ص 143 السطر السادس قبل نهايتها يرد ما يلي( واستنشقت ذلك العطر الذي يفوح من الارض عندما تداعبها قطرات المطر) عند هذا الحد اتخيل الزميل شاهين علي الظاهرعندما يصل الى نهاية تلك الجملة يصيح قائلاً " يابه... يا يابه.... على رائحة الارض الندية" .
     ختاما اقول لزميلي سامي: انت ينبوع لا ينضب من القصص فإحرص على رعايته وتوفير اجواء الصفاء الذهني لجعل ذلك الملهم كما  الدُر المكنون مورداً صافياً شافياً لأمراض المجتمع الذي تعيش فيه، ودمت سالماً ابياً واميناً لضميرك وثقافتك وعمق اغترافك من خبايا مدينة ام الربيعين!
سان دييغو في 16- حزيران 2021

78
وداعاً استاذي وجاري وقريبي حنا صادق شدّا
نبيل يونس دمان
 
     كنا نتابع منذ مدة صحة ابو ليث البعيد في منفاه باستراليا، وتزاحمت امراضه حتى خطفته من بين اولاده وزوجته، مجبولٌ كان الاستاذ على الخلق الرفيع والطموح المرافق " جدّ فوجد" ، كانت معرفتنا به منذ صغرنا، رجلاً عصامياً لا يقبل الذل، طيباً في تعامله اليومي وصارماً عند الضرورة.
     درّسني في المتوسطة المواد: اللغة العربية، العلوم، والتربية الوطنية، في عام 1963- 1964 وكان نعم المعلم والمربّي، ثم اصبح كاتباً ومحاسباً في ثانوية القوش تحت ادارة المدير المعروف منصور اودا سورو، في عام 64 اعطانا الاستاذ حنا مادة انشاء كواجب بيتي عبارة عن البيت الشعري التالي: لا تقلْ أصلي وفَصلي أبداً... إنما أصلُ الفَتى ما قـد حَصَلْ 
     رجعت الى البيت وانا عاجز عن كتابة شيء بسبب عدم فهمي للبيت اصلاً، عبرت عن قلقي الى والدتي فأخذتني الى عمي المعلم كامل، فكتب مسودة، سلمها في صباح اليوم التالي، فبيّضتها في دفتر الانشاء وسلمتها الى الاستاذ حنا، فجاءت النتيجة بعد ايام على الشكل التالي" جيد جداً...... ولكن منقول" عبثاً حاولت ابعاد مسألة النقل تلك.
     في عام 1967 طُلب من التلاميذ المقبلين على امتحان الوزاري للمرحلة المتوسطة تسليم صورتين الى الادارة فسلمت صوري، وبعد مدة جاء فراش المدرسة يستدعيني من الصف، فضربت اخماساً في اسداس قائلاً للفراش: ماذا يريدون مني؟ فقال لا اعلم، ثم ادخلني الى غرفة كاتب المدرسة الاستاذ حنا، فقال لي: لماذا لم تكتب اسمك على ظهر الصور فقلت معتذراً: استاذ نسيت ولكن انت تعرفني ( مو لَكيذتّي منيون؟ ) فاجاب بحدة: هل انت نبي حتى اعرفك؟ ( مو نبيوت خوريت نبي تد ايذنّخ)  ودفع الصور لي لاكتب اسمي، ففعلت ذلك وعدت الى الصف.
      يطول الحديث عنه ومن الصعب الإحاطة بشخصيته ومناقبه الكثيرة، امر الله لا يقبل النقاش في نهاية هذه الجولة الحياتية لإنسان جار لنا وكان دائم السؤال عن احوالنا عن طريق والديّ في فترة نشأتنا في القوش. ان ذخر الاستاذ حنا الذي تركه مفخرة لأقربائه وبلدته هم اولاده وزوجته الأصيلة زابيت شكوانا، فإليهم اوجّه انظاري معزّياً مكبّراً عظم الخسارة في غيابه، وليكن اسمه محفوظاً كما كان في حياته من قبل اهله واصدقائه ومن عرفه في مراحل عمره الطويل.
     رحمة الله تغشى روحه وفي جنة الخُلد مثواه، اشد على ايديكم مواسياً بعمق عائلته واولاده واحفاده واخيه الوقور حميد واخته العزيزة سمرية وكل اولاد اخوانه واخواته الذين تربطني بهم اوثق العلاقات، ابعد الله عنكم كل مكروه واسعدكم في ايامكم القادمات وانتم تشقّون طريقكم في خضم الحياة.
نبيل يونس دمان
سان دييغو- كاليفورنيا
في 25- 4- 2021
     

79
مذكرات مطران زاخو ودهوك مار طيماثاوس مقدسي
الجزء الخامس والاخير
نبيل يونس دمان
مقدمة:
فيما يلي مذكرات مطران زاخو ودهوك الأسبق مار طيماثاوس إرميا مقدسي المولود في القوش 1847 والمتوفي في زاخو 1929. لقد زودني بهذه الأوراق الشماس المرحوم حنا شيشا كولا عام 1996 والتي مجموعها 28 ورقة مكتوبة باللغة السريانية، احتفظت بها طويلاً وعندما حان وقت تعلمي الابتدائي للغة آبائي واجدادي شرعت بمراجعتها وانا ألاقي صعوبات كبيرة في قراءتها. استعنت بالأخوين العزيزين نشوان الياس خندي المقيم في لندن والشماس خيري داويذ تومكا المقيم في كندا، وقد اتقفنا بان في هذه الاوراق ناقصة، وكذلك هناك شخص آخر شارك في كتابة بعض اوراقها وهو الشماس سليمان مقدسي ابن اخ المطران طيماثيوس. رجعت الى الصديقين داود وفيليب اولاد الشماس حنا شيشا كولا لأطلب منهم البحث عن تلك الاوراق مرة اخرى، فبحثوا عنها وارسلوها مشكورين، وقد لاحظت تطابقها مع الاولى، وانها مضطربة التسلسل فاجتهدت في اعادة ترتيبها زمنياً ما استطعت، وترجمتها الى اللغة العربية بإمكاناتي المحدودة. واني اذ انشرها حتى يطلع عليها كل من يريد معرفة ما حصل لمسيحيي زاخو وضواحيها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وحتى انتهاء الحرب العالمية الاولى التي سميت محلياً بسنوات ( السفر برلك) وأضيفُ عليها كلمة العجاف.
(5)
     في سنة 1914 ابتدأنا بإكمال تعمير كنيسة مار كوركيس الشهيد، تلك التي قمنا بوضع اساساتها في ثمانية سنوات تقريباً، بعد ذلك أقمنا الجدران في عرض حوالي 3- 4 أمتار، والآن في السنة المذكورة 1914 أتينا ببنائين، وكسّاري ونقّاري الأحجار، عندما قطعوا أحجار المرمر الأبيض من قرية بيطاس بدأنا بجلب تلك الأحجار بواسطة اليهود وغيرهم. أعاننا كثيراً عاصم بك القائمقام التركي، الذي كان عندنا في ذلك الوقت، وكان من بغداد وله فترة طويلة في خدمة الاتراك، عضو معتمد في جمعية الإتحاد والترقّي* هكذا كان يكسب اهالي بيدارو وغيرهم الى جانبه، يشجعهم ويقوّيهم ليعينوا ويضعوا يداً بيد ويعملوا بالمجان لبناء الكنيسة.
     عندما جهز كل شيء لإكمال البناء، شرعت بالعمل فرقة نعوم حَلوا للبناء، وبعد ان أقاموا الأعمدة وربطوا الأقواس من أحجار المرمر الأبيض، فجأة حدث وإنتشر إضطراب عظيم في كل العالم. وبدأ الملوك بالحرب مع بعضها ويضربون واحدهم الآخر، لذلك السبب أُجبرنا على ايقاف البناء، بسبب عساكر شرعت بدخول زاخو للقبض وسوق الشباب لخدمة عسكر الدولة العثمانية ( اوسملّي) ، وأُخذت الحيوانات للعمل الإجباري، ايضاً أُخذت حيواناتنا الى منطقة الجزيرة وبصعوبة وتعب أرجعناها. أبعدناها من مكان إقامتنا، الجيدة منها التي كنّا بحاجة لها في بناء الكنيسة راحت وخرجت من أيدينا بل وفنيت، واصبح حزن وخوف عظيم للمسيحيين.
     في سنة 1915 صار مسروقاً ومنهوباً ومقتولاً منهم ما لا يعدون ولا يحصون، في ابرشية سعرد والجزيرة ( كزيرتا) ومناطق أخرى. ايضاً في زاخو عدّوا حوالي 200 رجل من الشرنخيين** بالسلاح حتى يسرقوا ويقتلوا كل مسيحي بهذه الرعية وحواليها. الا ان محمد أغا ابن حجي أغا وأهله لم يقبلوا بذلك، حتى القتلة تقدموا برفع الشكاوي لكنهم لم يُعطوا اذناً صاغية فطردوهم من زاخو. عندئذ كتبنا رسالة تلغراف الى حيدر بك والي الموصل، حتى يرسل بعض العساكر لينشروا دوريات حراسة لحمايتنا، وهكذا في الحال ارسل حيدر بك عسكر كثيرة وقوية، بعضها بقى عندنا والبعض الآخر ذهبوا لحماية بيدارو، عندها كل اهالي القرية من رجال ونساء وأطفال، الذين كانوا قد أقاموا عندنا رجعوا الى قريتهم، ايضاً مسيحيي المحلة الذين هربوا الى زاخو، عادوا الى بيوتهم.
     ابتدأ السلام والأمن والراحة بواسطة الاهتمام الذي بذله العسكر المذكورين، ايضا كتب حيدر بك المذكور رسالة مختومة الى كل عشائر الاكراد، بان كل انسان يعتدي او يلحق ضرر الى المسيحيين الذين يعيشون بينهم، هكذا اصبحت رعية زاخو وحواليها محمية من اللصوص والسارقين والقتلة. كذلك وقع المسيحيين منذ أمد طويل تحت وطأة العبودية الصعبة والمرّة، من قبل الأكراد الذين كانوا يشترون ويبيعون بهم لبعضهم البعض مثل الحيوانات، كل ما كانوا يشتهون ياخذوه منهم علناً بالقوة وبدون تعب، ويسوموهم كل ألوان الحزن والمضايقة والاعمال الشاقة بدون رغبتهم وبالمجان، ايضاً في مرات عديدة وقعنا على ذمة وضمير الرؤساء المدنيين وأصحاب مراكز السلطان التركي، عندما أريناهم هذا الحال وحياة الرزالة والمعاناة لم يساعدونا.
     في سنة 1916: مرة ثانية استمرت الضائقات والصعوبات على الشعب المسيحي من كل الجهات، كانوا قد وقفوا ضدنا هؤلاء الأشرار والمجرمين، وفي هذه السنة ايضاً كان المرض والموت امام أنظار كل البلد، وماتوا خلال السنة ومنذ تموز قرابة ال ( 500) من أهالي القوش، أيضاً اعلنت احكام من الحكومة عن اي رجل يهرب من الخدمة العسكرية سوف يعتقل بدلاً عنه أمّه أو زوجته. من دهوك ارسلو الينا أربعين إمرأة حتى يأخذوهم الى أمد ( ديار بكر) وعندما وصلت الينا تلك الشابات، بصعوبة وبترجّي وتوسل سمحوا باطلاق سراحهم، بشرط ان يسلم رجالهم أنفسهم الى الجندرمة، من عندنا أخذوا امرأتين الى ديار بكر ثم رجعوا من جديد الى بيتهم.
     في 9 شباط عام 1917: أرسل الحاكم في طلب حجّي بدرية، حتى يعطي ويوفي ضريبة الرأس للإمارة، عندما خافوا من خيانتهم انتبهوا فجاءوا معه حوالي 60 رجلاً بسلاحهم حتى يكونو في حذر ويقظة، وايضاً حتى يحافظون عليه من كل خيانة. عندما حضر الى زاخو مع اصحابه ووفى كل ما طلب منه، عندئذ ارادوا ان يلقوا القبض عليه ويعتقلوه دون ان يعرف احداً ( في الخفاء) ، عندما كان نازلاً ومستريحاً في بيت محمد أغا.
     قال الحاكم لكبير العساكر " إذهب مع بعض العسكر لإعتقاله" الا ان شخصاً يهودياً ذهب الى حجي بدرية وكشف له تلك الخطة او التدبير، هنا قام حجي بدرية بسرعة وهرب من بيت محمد أغا الى بيت حازم بك، هكذا هرب ونجا بنفسه. الا ان الرجال الذين معه كانوا يتجولون في السوق، عندما رأوا بأن الجندرمة قد أحاطوا بهم ( طوقوهم) وضعوا أيديهم على بنادقهم وأطلقوا عليهم النيران، فقتلوا واحداً منهم امام مركز الشرطة ( القشلة) ، خلصوا انفسهم وذهبوا الى الجسر، واقاموا هناك متاريس بين القبور، وابتدأوا بإطلاق الأسهم من أقواسهم على اهالي المدينة، وفي الأخير حاصرهم اهالي المدينة وقتلوا منهم اربعة، والبقية هربوا الى أعلى الجبل وهم ممتلئين غيظاً وغضباً. عندها اصابنا الهلع وتسرب الخوف الى قلوبنا، عندما سمعنا ذلك تصورنا بانه ابتدأ مرة اخرى قتل المسيحيين.
     في ذلك الشهر الذي هو شباط تم احتلال بغداد من العثمانيين، بعدما وقعت معركة كبرى فيها، عندما دخل الانكليز الى بغداد هرب كل العسكر واصحاب الرتب والصنائع من المدينة، البعض منهم خرجوا بأرجلهم وهم حاملين أغراضهم الشخصية على ظهورهم، لانه لم تتوفر لهم الدواب لنقل أغراضهم، وبعضهم ذهب الى كركوك واخرين الى سامراء والباقين الى الموصل في بهدلة وإضطراب كبيرين.
     ناس كثيرون تصوروا في دخول الانكليز لبلاد النهرين التي كانت في سنة 1918، سيكون هناك سلام واستقرار اكبر لهؤلاء المساكين المظلومين، وسيتخلصون من هذا الحقد والعبودية المُحكمة والمرّة، الا ان امل باطل وفارغ اصبح الحال، بسبب ان هؤلاء المسيحيين ذو الحظ العاثر تحملوا ولا زالوا يتحملون المضايقات والصعوبات اكبر من قبل، والكثيرون منهم تفرقوا هنا وهناك.
     نرجع الآن الى قصة كنيسة مار كوركيس التي اصبحت لمدة ست سنوات بدون سقف امام الشمس وتحت المطر، صيف وشتاء والى هذه السنة 1920، وفيها ازداد عدد الغرباء القادمين من المسيحيين من مختلف الطوائف، والمكان الذي كان مخصصاً للقداس في داخل المطرانخانة، لم تعد تسعهم في الآحاد والاعياد، في ذلك الوقت الله تبارك اسمه وضع في قلوب البعض من مسيحيي الاطراف، بعد إلحاح شديد طلبوا من عندنا ثانية ان نبدأ ونكمل البناء لهذه الكنيسة. وهم يتعهدون باعطاء والتبرع والتعاون كلٌ حسب قوته وما يستطيع تقديمه.
     ايضا طلبنا العون من بعض المسلمين مثل محمد أغا المذكور، وحازم بك ابن حجي يوسف باشا، وحجّي بدريا كل واحد أعطى 100 روبية، وايضا درويش أغا الأيزيدية لقرية ديريبون أعطى 60 روبية، وجميل أغا ابن عبدي أغا ارسلنا ستة مكاييل حنطة، وباقي القرى لمرعيتنا اعانوا وساندوا وهم فيشخابور بإستثناء شيوز وبيجو ومركا، فقد اصموا آذانهم، ولم يقبلوا ان يعطوا شيئاً. وهكذا بعد ان حضرنا كل ما كنا بحاجة اليه للبناء، بنينا 3 مذابح و 2  غرف الملابس، ثم حيطان الهيكل وكل ما إحتاج لتسقيفه. كل الاحتياجات التي عملناها، بلغت نفقاتها ومصاريفها الكثيرة حوالي 6000 روبية.
      وبهذه السنة التي في سنة 1921 إنتهينا من كل بناية الكنيسة، بعدما عملنا 44 يوماً. شكراً لله على كل شيئ كان ضرورياً ومؤهلاً للكنيسة، إكتمل في طريقة جيدة وحسنة، الا ان فنائها يحتاج الى تكملة، ولدينا أمل في الله حتى يكتمل هذا ايضاً عندما يشاء.
     إنتهى الشيء الذي كتبه عمي الموقر، والبقية آتية انا الضغيف ومن الحيلة والصغر والعجز جمعت وكتبت، اصبح مكتوباً في 28/ ايلول/ 1921م إرميا طيماثاوس مقدسي.... مطران زاخو ونوهدرا +
الهوامش:
* جمعية الاتحاد والترقي: جمعية سرية تأسست في تركياعام 1889، ثم أصبحت منظمة سياسية. سيطرت على السلطة بين عامي 1908 و 1918 وفي نهاية الحرب العالمية الأولى، حاكم السلطان العثماني محمد الخامس معظم أعضائها محاكمة عسكرية وسجنهم.
** الشرنخيين: نسبة الى قضاء شرناخ في جنوب شرق الاناضول.
 
 
 
 
nabeeldamman@hotmail.com
كاليفورنيا في 20 نيسان 2021
انتهت




80
مذكرات مطران زاخو ودهوك مار طيمثاوس مقدسي
الجزء الرابع


نبيل يونس دمان
 
 
 
مقدمة:
فيما يلي مذكرات مطران زاخو ودهوك الأسبق مار طيمثاوس إرميا مقدسي المولود في القوش 1847 والمتوفي في زاخو 1929. لقد زودني بهذه الأوراق الشماس المرحوم حنا شيشا كولا عام 1996 والتي مجموعها 28 ورقة مكتوبة باللغة السريانية، احتفظت بها طويلاً وعندما حان وقت تعلمي الابتدائي للغة آبائي واجدادي شرعت بمراجعتها وانا ألاقي صعوبات كبيرة في قراءتها. استعنت بالأخوين العزيزين نشوان الياس خندي المقيم في لندن والشماس خيري داويذ تومكا المقيم في كندا، وقد اتقفنا بان في هذه الاوراق ناقصة، وكذلك هناك شخص آخر شارك في كتابة بعض اوراقها وهو الشماس سليمان مقدسي ابن اخ المطران طيماثيوس. رجعت الى الصديقين داود وفيليب اولاد الشماس حنا شيشا كولا لأطلب منهم البحث عن تلك الاوراق مرة اخرى، فبحثوا عنها وارسلوها مشكورين، وقد لاحظت تطابقها مع الاولى، وانها مضطربة التسلسل فاجتهدت في اعادة ترتيبها زمنياً ما استطعت، وترجمتها الى اللغة العربية بإمكاناتي المحدودة. واني اذ انشرها حتى يطلع عليها كل من يريد معرفة ما حصل لمسيحيي زاخو وضواحيها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وحتى انتهاء الحرب العالمية الاولى التي سميت محلياً بسنوات ( السفر برلك) وأضيفُ عليها كلمة العجاف.
(4)
     عندما كان يحاصرهم، وفي ذلك الوقت وصلت له برقية من حاكم الموصل، الذي يسأل فيها ان كان هناك ناس عصاة لا يسمعون توجيهات سلطات الدولة، وينشرون الفوضى ويعادون الحكومة هناك قانون لقتلهم، وكل حاكم لم يرد ان يخفي هذا ألخبر، ولم يبقى شيئ في قلبه، فاعطى هذه الرسالة الى المطران وسأله عن ماذا يقدم النصح حتى اعطي جواب الى حاكم الموصل. هنا المطران الموقر قال له من رحمتك تُعرف لماذا تسأل، وهل هناك مثل هذه الامور والكلام عندنا، اذن اعط جوباً كما تشير حكمتك. وفورا في ذلك الوقت وفي تلك اللحظة رد جواب الى الحاكم قائلاً: لا يوجد قط عندنا أناس من اولئك الذين ذكرتهم، بل جميعهم يسمعون ويطيعون ويدفعون الضرائب التي هي واجب  للرؤساء، ولم يمر الا وقت قصير رجعت برقية ومرة اخرى من جديد هو يقول ويوصي الى الحفاظ ومساعدة وإسناد الذي هو لائق وضروري للمسيحيين. ايضا اهالي زاخو مع محمد أغا اجتمعوا وتشاوروا بينهم، كيف وماذا يجيبون ذلك المرسل الذي كان قادماً من عند هؤلاء الظالمين القساة والمجرمين، وهم يطالبون بالأموال لإفتداء المسيحيين، او عندما يأتون أعطهم كلمة، والا هي حاضرة، ماذا تقولون عندما قالوا لا نقدر عليهم، وايضا لا نقدر ان نجمع كل تلك الأموال التي يريدونها.
      في جمع الضرائب كان هناك يهود ومسلمين عندما قال بعضهم لنخرجهم ليذهبوا الى الموصل، وقسم آخر قالوا نسلمها لهم حتى نخلص من المشكلة، عندما فكر الاغا المذكور لم يرتاح بذلك، وقال هذا ليس حق ولا عدالة، حتى لا يصيبهم شيئ من هذا القبيل في هذه الليلة. وبعد ذلك قام وبدأ بالشتائم ولفظ الكلمات الجارحة لهؤلاء المتجمعين عنده، في النهاية قال ليس عندكم الرحمة ولا العاطفة ولا مخافة الرب، وإلا لماذا نسلم هؤلاء لهم، ماذا يتصورون في قلوبهم هناك في داخلهم الكراهية والعداء، كما هم لديهم سلاح نحن ايضاً لنا ناس ولنا عشائر، إذن لنقوم جميعا بقلب واحد وبهدف واحد وفكرة واحدة ونخوض الحرب معهم ونقاتلهم الى آخر نفس فينا، لتكن هذه معلومة لكم لا اسلمهم الى الموت، ولا يستطيعون عمل اي شيء نخوض معركة ونقاتل ما يهبنا الله من قوة.
      وبعد ذلك قاموا وبعثوا على الرجال المتجمعين ليذهبوا ويحرسوا المحلّة، بعد ذلك جاءوا الى المطران وشجعوه وسلموا له خمسة عشر رجل ليكونوا في حراسته برئاسة واحد معروف في زاخو، وجاء المطران بينما هم دائرون حوله من كل جهة ويساعدوه، ورجعوا مع بعض الى المطرانية بعد ما كانوا قد عبرو. ثلاث ساعات بعد منتصف الليل، عندما جئنا الى المطرانية في تلك الليلة كان فجر صيام رمضان، جمعنا لهم كل قدور الممتلئة بالطعام والتي تركها الفارون، وقدمناها لهم حتى يأكلون والذين في السطوح.
     عندما رجعنا جميعاً الى المطرانية، الكهنة الذين عندنا قالوا للمطران: افتح لنا طريق حتى نهرب من هنا، على ما يبدو اننا سنضيع ونفنى جميعاً، الا ان المطران لا يريد ان ان يضع ويترك شعبه بيد الظالمين، ايضاً وجوده ورؤيته في المطرانية كانت تعطي زخم وشجاعة لقرى الجبال، وبعد ذلك بعضنا نام في الغرفة والبعض الآخر فوق السطح، الا ان النوم طار من اعيننا من القلق والخوف ولم يكن لنا طريق للهرب ابداً.
     وفي تلك الليلة جاء الينا احد الهاربين من فيشخابور، وأثبت لنا ما حصل من قتل، وعندما لاح الفجر جاء الينا اولئك الخونة والغدارين الذين كانوا يحرسوننا وقالو لي: قوم وافتح الباب وانا بسهولة فتحته، وعندما تفقدت مكان نومهم واذا انا ارى كل المنامات ( الفراشات) قد رموها من السطح الى الاسفل وسرقوها من هناك، تعقبناهم وبصعوبة عثرنا على نصفها والبقية اخذوها معهم. وعندما انتصف النهار شاهدنا كل ما كان مسروقاً من قرية بيدارو قد أرجِعَ، ولا يوجد احد يقف ويطالب به وياخذه من أيدي اللصوص، وعندها شاهد اليهود ما عملناه، يهود ومسلمي زاخو وبقية القرى التي هي قريبة علينا وقد سرقتنا. وفي الأخير قلنا لأحد رؤساء الشرطة ( الجندرمة) حتى يوقفهم بمعونة الشرطة الذين قطعوا طريقهم، وبعد يومين بعث المطران مرة اخرى برقية الى حاكم الموصل يطلب فيها العون وإرسال العسكر، حتى يحل الاستقرار والامان للمسيحيين.
     وفي الحال عمل مثل ما طلبوا منه، وأرسل 30 راكباً بغال، و40 جندرمة آخرين قدموا من دهوك. هكذا عمّت وغطت الافراح والانشراح والأمان، وقليلاً قليلاً استطاع الأهالي وساكني قرية بيدارو ان يرجعون الى قريتهم، وكل شيء قد سرق من مسلمي الأطراف أرجع اليهم بقوة ورحمة هؤلاء الخيالة والجندرمة.
     وعندما ايضاً بقوا منهم 12 يحرسون وعيونهم ترقب كل شيء، وهكذا في ذلك الوقت الذي كنا في ضيق من قتل ونهب وسلب، جاءت احدى الجماعات الكبيرة من المسروقين والاسرى من المواطن العليا في ارمينيا الكبرى، وعددهم كان اكثر من 4000 نسمة، من اولاد وبنات صغار ونساء، وان رجالهم قد قتلوا في الطريق، لم يتركوا منهم احداً قط. كانوا قد جمّعوهم من وان وارضروم ومناطق اخرى، يمشون معهم وهم معرضون للنهب والسرقة من قبل هؤلاء الظالمين في الطريق من الجندرمة وغيرهم، ما عدا الفشار وطلبات مخزية التي كانوا يقولوها لهم هؤلاء الكفار عديمي الرحمة. يوزعون النساء بينهم كما يشاؤون بدون خوف ولا مستحى، كل مسلم كان يأخذ منهم ما يشتهي، بموجب طريقتهم العوجاء. يتصورون بذلك انهم يأخذون ثأرهم منهم.
     عندما وصلوا الى زاخو، ايضاً هجموا عليهم كل واحد اخذ لنفسه ما أراد من نساء وأبناء وبنات، من سبب حب المال. ويغطون وينسون ظلمهم، كانوا يتعبوهم بالجوع والعطش بقسوة بالغة. وبعد ذلك ارسلوهم الى جهة الموصل، وبينما هم متجهون اليها، قتل الكثير منهم في الطريق، ومنهم من مات جوعاً ومن تعب الطريق. والذين بقوا طوقوهم اصحاب القرى المسلمة وقسموهم بينهم.
    آه من هذه النهاية الحزينة والمؤلمة، البقية الباقية من الشعب الأرمني الذين كانوا يعتدّون ويفتخرون بأنفسهم، وفيهم رجال من اصحاب الصنائع والرتب، وأغنياء في المال والجاه، والآن اصبحوا مساكين ومتسولّين وقد قتلوا وابيدوا بأيدي الظالمين.
الهوامش:
nabeeldamman@hotmail.com
كاليفورنيا في 5 نيسان 2021
تليها الحلقة الاخيرة




81
مذكرات مطران زاخو ودهوك مار طيمثاوس مقدسي
الجزء الثالث
نبيل يونس دمان
 
     
مقدمة:
فيما يلي مذكرات مطران زاخو ودهوك الأسبق مار طيمثاوس إرميا مقدسي المولود في القوش 1847 والمتوفي في زاخو 1929. لقد زودني بهذه الأوراق الشماس المرحوم حنا شيشا كولا عام 1996 والتي مجموعها 28 ورقة مكتوبة باللغة السريانية، احتفظت بها طويلاً وعندما حان وقت تعلمي الابتدائي للغة آبائي واجدادي شرعت بمراجعتها وانا ألاقي صعوبات كبيرة في قراءتها. استعنت بالأخوين العزيزين نشوان الياس خندي المقيم في لندن والشماس خيري داويذ تومكا المقيم في كندا، وقد اتقفنا بان في هذه الاوراق ناقصة، وكذلك هناك شخص آخر شارك في كتابة بعض اوراقها وهو الشماس سليمان مقدسي ابن اخ المطران طيماثيوس. رجعت الى الصديقين داود وفيليب اولاد الشماس حنا شيشا كولا لأطلب منهم البحث عن تلك الاوراق مرة اخرى، فبحثوا عنها وارسلوها مشكورين، وقد لاحظت تطابقها مع الاولى، وانها مضطربة التسلسل فاجتهدت في اعادة ترتيبها زمنياً ما استطعت، وترجمتها الى اللغة العربية بإمكاناتي المحدودة. واني اذ انشرها حتى يطلع عليها كل من يريد معرفة ما حصل لمسيحيي زاخو وضواحيها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وحتى انتهاء الحرب العالمية الاولى التي سميت محلياً بسنوات ( السفر برلك) وأضيفُ عليها كلمة العجاف.
(3)
     الطيبة التي يتّكلون عليها، الّا هؤلاء المذكورين رؤساء زاخو، لم يعملوا ما طُلب منهم، الا بدل ان يساعدوهم ويساندوهم. ادخلوا العسكر وإعتقلوهم حتى موعد صلاة العصر، ثم اطلقوا سراحهم: عندئذ سمحوا لهم بجلب اطفالهم وأغراض بيوتهم وأشياء اخرى الى المطرانية. حالاً ذهبوا بسرعة وجمعوا اغراضهم وحيواناتهم والأشياء التي استطاعوا جلبها بسبب حلول الظلام، وعندها اصبحت نصف أغراضهم في البيوت، لكنهم خلّصوا انفسهم من الخوف.
     عند ذلك ايضاً اهالي زاخو، رؤساؤهم مع الحاكم، تشاوروا ان يبعثوا في طلب الرجال الموجودين في قرية بَرزورا* ليحرسوا القرية من اللصوص وأمور اخرى، بسبب انهم كانوا معتمدين عليهم، اهالي قرية بيدارو** كانوا ايضا معتمدين عليهم كثيراً وينتظرون الرحمة والمساعدة منهم في كل وقت: ولكن هؤلاء الاشرار والظالمين في تلك الليلة هجموا على بيتين، فكسروا ابوابها وسرقوا واخذوا لانفسهم كل شيئ وجدوه بدون خوف ولا خجل ولم يتركوا شيئاً.
     عند ذلك ايضاً وفي تلك الليلة صار هروب: وكانت ليلة الأحد، وأهالي وسطا وتِلقِبّن، جاءوا وإختفوا بين البساتين. لانهم كانوا يتصورون بان القرية لم تخرب بعد، وفجر الأحد كانوا ينتظرون صوت الناقوس من الكنيسة. وبعد ذلك يعبرون الماء من هذه الجهة، لان بساتينهم من الجهة الثانية للنهر، وكانوا معّولين على هذه.
     عندئذ عبر بعضهم النهر بقوة وإقتدار سباحة ودخلوا حوالي اربعة منهم، وفي الحال قتلوا بدون رحمة. وبموجب ما كانوا يتصورون، عندما لاح الفجر صاروا يعبرون النهر، قاموا بضربهم بالرصاص من بنادقهم، وطشروهم في السهول حتى وصلوا الى زاخو وهم في خوف ورعب كبيرين.
     عندما كنا جميعاً متجمهرين في المطرانية، حيث لم يكن هناك موضع قدم لا في الحوش ولا في السطح، وبعضهم في زاخو. عندما سمعنا بهذا الظلم: انتاب قلوبنا حزن شديد، وسرى في اجسادنا ومفاصلنا الضعف الشديد والوهن. ايضاً في يوم الأحد قتل منصور برزايي، عندما كان ذاهباً لتفقد بيته الكائن بين محلة*** وبيدارو قبل شروق الشمس. بعد ان سمعنا القداس وغادرنا خارجين: وإذا بخبر يصلنا، بان اهالي فيشخابور  قتلوا ايضاً على يد الميرانيين**** الذين خانوهم .
     عندما جاءوا اليهم قبل ذلك، وقالوا لياقو رئيس القرية والقس توما وباقي الرؤساء المحترمين: نحن معكم اصدقاء من الزمن الماضي جيران ونعرف بعضنا، ومرات عديدة تناولنا الطعام في بيوتكم، ونحن نريد ان نعمل معكم معروفاً. هكذا خدعوهم وتحايلوا عليهم بكلام كاذب، وقد صدقوهم ووثقوا بهم.
     وقالوا لهم بان سلطان البلد يهددكم ويريد ان يضيعكم كما ضيع بقية المسيحيين وخرّب قراهم، وكل ما كان عندهم سرقوه. ولكن نحن بسبب عطفنا ورحمتنا التي هي موجودة عندنا، والتي هي معروفة عندكم جئنا لنخلصكم من هذا البلاء الذي شملكم، بشرط ان تأتون بكل شيء الينا، انتم والدواب والأغنام، سنكون من يخلصكم من الضيق والمشاكل والاحداث. عندما صدقوهم بدأوا بايصال اهالي بيوتهم من النساء والأطفال والأشياء الباقية. ايضاً ياقو رئيس القرية عبر لأنه صدّق وعودهم ومواثيقهم، في الحال ارسل خبراً الى اولاده الثلاثة حتى يجلبون أغنامهم التي كانت في ذلك الوقت عند السليفانيين جنوب قريتهم طريق ثلاث ساعات من المشي بالأرجل. عندما ذهب هؤلاء الشباب في الطريق، وهم باقون يسألون ويطلبون منهم ان يعبروهم للجهة الثانية لنهر دجلة، وعبروهم الى جهتهم، على أمل ان يتخلصوا من الخوف الذي كان يحيط بهم ويحاصرهم: وفجأة جمعوهم على طرف، وشرعوا في القتل. اما النساء فقد قسمّوها بينهم.
     هؤلاء الذين كانوا شباباً أصحاء وقلوبهم قوية، وجدوا لأنفسهم طريقاً جيداً، فرموا أنفسهم في النهر وبواسطة السباحة خلصوا أنفسهم من القتل. في ذلك العمل الذي ارتكبه الظالمون، وضعوا قانوناً، ان لا يرموا بالرصاص الى جهة النهر أبداً، بسبب حادث قتل فيه أحدهم، عندما كان يسبح في الماء. هكذا خرج الباقون منهم، وأطلقوا نداء الإستغاثة بقرى السليفانيين وتخلصوا من القتل. ايضاً هرب الآخرون من القرية، كانت الصعوبات والمعاناة التي تحمل هؤلاء المساكين منها الكثير، حتى وصلوا الى مكان هو موطن للسلام والأمان.
     ايضاً الآن نرجع نفكر كيف وقعت برؤوسنا المعوقات والخوف وقطع الرجاء من هذه الحياة، والأهوال التي رأتها عيوننا، لا استطيع التكلم فيها قط. عندما بلغنا يوم الثلاثاء الذي يوافق 13 تموز من بعد ما صلّينا العصر، جماعة كانوا كلهم في الحوش من مختلف المناطق المجاورة. وجلس المطران طيماثيوس على كرسيه في الايوان، اوعز الى احد الشمامسة ان يتلوا عليهم قصيدة، وبدأ الشماس منصور ينشد امامه وامام الجميع نشيد الآباء الوحدانيين، هؤلاء الذين يسموهم بالقديسين والشهداء، والجماعة كلهم سمعوا واشتد حزنهم.
     ايضا المطران غمره الحزن فبكى للمظالم والمآسي ضد الشعب المسيحي، كيف ستكون النهاية. عندما كانوا متجمعين هكذا، وعلى حين غرّة وصل احد المرسلين من لدن محمد أغا وهو يقول: في هذه الليلة الشرنخيون جاهزون للهجوم وقتل المسيحيين ومعهم اهالي زاخو قد جهزوا انفسهم للقتل والنهب، او يعطوا لي من بدالكم مبلغ 1000 ليرة عثمانية. اذن هم قريبون لعبور الماء. وقال ذلك الأغا المذكور آنفاً: احسن لكم ان تدخلوا المدينة. عندما سمع المطران والجماعة المتجمهرة هناك، وقع فيهم الخوف والهلع، وكل واحد بدأ على عجل بإخبار اهل بيته: ان يهربوا الى زاخو على وجه السرعة ودون توقف. هكذا لم يمضِ إلا وقت قصير، حتى فرغت باحة المطرانية، والتي كانت ممتلئة حتى آخرها. ايضاً المطران ومن الخوف ترك ونسى كل شيء. بأرجله ذهب ولم ينتظر ان يلبس حتى جبّتِه، وعندما كان لابساً القباء الليلي خرج ولم يضع القلنسوة في رأسه.
     عندما كنت انا خارجاً الى البيت المجاور عند الاغنام والحيوانات: جاء نحوي كوريال احد مستخدمي المطرانية وقال لي: يا أخي سليمان! استعجل جهز الفرس حتى نذهب الى زاخو. وانا لم اعرف شيئاً قط! حتى جئت الى المطرانية، وإذا القس ابلحد الموقر في عجالة وقد تأخر في إغلاق الابواب، صاح علي وقال: إذهب واخرج الأغنام والحيوانات حتى نهرب. لان القتلة قد وصلوا الينا. الشمس كانت غاربة من زمان، وقد حلّ الظلام. غلقنا الابواب ومضينا، لم يبق احد في المحلة غيرنا، بسبب اهالي المحلة قبل ثلاثة ايام تركوا بيوتهم.
     وعندما وصلنا الى الخان الذي كان مبنيّاً على فوق الماء، خرج امامنا قاطعاً الطريق احد المسيحيين الذي كان يخدم احد رؤساء المنطقة، وقال لنا: اذا تقدرون تنقذون المطران، هي أفضل بكثير من بقائكم هنا، لان في هذه الليلة، هناك مخاطر كبيرة وخوف كما سمعتُ. عندئذ جاوبناه وقلنا له: كيف يمكن ان يحدث ذلك؟ كل القرى المحيطة بنا حاضرة الآن للتجمع هنا، اذن لا وقت لدينا ولا خلاص لنا سوى السجود على الرُكبتين وطلب الرحمة الوفيرة من الله. بعد ذلك ذهبت انا الى بيت ميناس يوآنيس، والقس ابلحد ذهب الى بيت الحاكم، لان هناك كان يتواجد المطران مع باقي الكهنة الذين شوهدوا هناك: القس يونان، القس بولص بيدارو، والقس ايليا الديري لتلقبن، وقس انطون لوسطا. وقد كانوا موجودين عند الحاكم ليلوذوا وينقذوا أنفسهم من القتل.
الهوامش:
* قرية تقع شمال زاخو، وتبعد عنها انذاك حوالي 11 كم
** قرية تقع غرب زاخو، وتبعد عنها انذاك حوالي 3 كم
*** حي في زاخو
**** قبائل كردية معروفة
nabeeldamman@hotmail.com
كاليفورنيا في 23 اذار مارس 2021
يتبع

82
بمناسبة عيد نوروز عيد الربيع*
نبيل يونس دمان

     شهدتُ العديد من احتفالات نوروز في بلدتي، ففي الستينات كانت السلطة المحلية تمنع الاحتفال به، وكل سنة تقريبا كنا نصعد ليلة نوروز الى السطوح، نرقب توهج مشاعله في قمم جبلنا الشامخ، حيث ينهض بذلك العمل، المقاتلون الاباة، ويطلقون في ذات الوقت طلقات التنوير بالوانها المختلفة، الحمراء، الخضراء، والصفراء. كان ذلك يدخل السرور الى قلوبنا، في حين تشرع قوات السلطة باطلاق المدافع، وانواع الاسلحة باتجاه النيران المشتعلة.  في فترات اخرى كان بعض الشبان يرتقون المتون لاضرام النيران، للتعبيرعن كرههم وتحديهم للسلطات الغاشمة، التي تمنع الاحتفال بيوم له تقليد يمتد الى آلاف السنين، وكثيرا ما وقع العديد منهم، في قبضة السلطة لاستجوابهم وتعذيبهم. بعد ذلك قدّر لي ان اعمل في منطقة تقع شرق العمادية وشاركت المحتفلين طقوس الاحتفال من القاء الكلمات وتوزيع الحلوى وتقديم المشاهد التمثيلية، ونحن نحيط كتلة النار التي تصعد ألسنتها الى عنان السماء، ومقر اللواء العسكري لا يبعد سوى بضعة مئات من الامتار.
في ذاكرتي مناسبات تركت اعمق الاثر في نفسي ساسجلهما ببعض التفصيل:
     الاولى في يوم 21 /3 / 1963 ، اقيم احتفال كبير امام وادي دير الربان هرمزد في بلدتي القوش، التي تبعد في حدود 30 ميلا شمال نينوى، وفي فسحة خضراء تسمى محلياً( ﭽرّا) ، تنتشر فيها الورود الاذارية من مختلف الالوان، عدا الاحمر الذي ينتشر لونه في شهر نيسان. كنت في السادس الابتدائي فتغيبت عن المدرسة لاذهب مع صديق لي الى مكان الاحتفال، وفي بداية الطريق اي على اطراف البلدة، لاحت امامنا لافتة مكتوب عليها( ثوار جبهة القوش يحيون عيد الشعب الكردي الثائر نوروز) وبعد قليل وصلنا الى مكان الاحتفال المهيب ، فاذا اللافتات تحيط المكان،  والعشرات من المقاتلين (البيشمركة)  بازيائهم الجذابة، واسلحتهم المتنوعة وصفوف الرصاص تغطي اجسادهم، وفي الوسط عقدت حلقة واسعة من الرقص الشعبي التي تشتهر به المنطقة وكان يشترك فيها ذلك النسيج الاجتماعي العراقي من كلا الجنسين، والانصار من مختلف الاديان والطوائف والقوميات. كم جذبنا الاحتفال ونحن اطفال خصوصا سماعنا لاطلاق رصاصات الفرح، وهي تطلق في الهواء من شتى انواع الاسلحة. بعد انتهاء الخطب والاناشيد الثورية، أحيا المحتفلون تقليدا تشتهر به تلك المنطقة، وذلك بوضع حجر بارز، على مسافة لا بأس بها، ولاطلاق الرصاص عليه، للتدريب ومعرفة من يكون السبّاق في اصابة الهدف، توالى العديد من المسلحين، الواحد بعد الاخر في اطلاق رصاصاتهم المقررة، دون ان يصيب الهدف احدٌ منهم حتى عجزوا ، في تلك الاثناء طلبوا من( ابي جوزيف) المشاركة ايضا، فتناول بندقية انكَليزية، واتخذ وضع الوقوف ثم عبأ البدقية وأسندها علىكتفه، وبعد التسديد السريع وبلمح البصر، اطلق رصاصته التي حطمت الهدف، فتحول لون الحجر الى ابيض حليبي، يلمع مع انعكاس اشعة الشمس، فسرى الفرح في الحاضرين وصفقوا له، فالاعراف هناك تقتضي بتكبير شأن من يصيب النيشان، وكيف الحال عندما يكون الفائز، قائد الا نصار المحبوب توما توماس.

احتفال الانصار البواسل بعيد" نوروز" عام 1963 قرب كلي دير الربان هرمزد
      والثانية في عام 1983 حيث استقبلنا العام الجديد في وادي كوماته على الحدود العراقية– التركية، والجو قارس والثلوج تغطي كل مكان، والامكانيات شحيحة ومتواضعة جداً من كل النواحي، ونحن نشعل النار على مدار الساعة في كوخنا الطيني ونلقم تلك المدافئ السورية الصنع بالحطب الذي نقتطعه من الغابة القريبة، ثم ياتي الربيع ليحمل لنا اصواته والوانه ومباهجه، فنتسلق القمم العالية لجلب الورود التي لم ار مثلها في حياتي بحجمها والوانها الزاهية ورائحتها الزكية، فزينا ابواب كوخنا وبعض اكواخ الجيران بها اسوة بما كان يفعله اجدادنا في تلك الايام قبل الاف السنين في( بيث نهرين) من وضع اكاليل من الاغصان والازهار على مداخل بيوتهم تعبيرا عن فرحهم بمقدم الربيع والامل المتجدد.

 
احد احتفالات الانصار البواسل
    هيهات لسلطة تسوم شعبنا الهوان، ان تتركنا نفرح ونحتفل بحلول الربيع، ففي غمرة تحضيراتنا شرعت طائرات النظام تمرق تلك الاجواء، وفي يوم 19 /3  تحديدا ً انهالت علينا قذائف المدفعية بعيدة المدى من معسكرات النظام في منطقة برواري، وكادت قذائفها الاولى المباغتة تؤدي بحياة الطبيب ابو صلاح والدكتور ابو سامي( كاظم حبيب) وخرجنا من بيوتنا الطينية على جناح السرعة، الى مواضع معدة مسبقا ً ، ولم تزل مغمورة في مياه الثلوج والأشد أيلاما وجود عدد من الاطفال بيننا ، حيث امضينا الساعات الطوال ننتظر توقف العدوان، بعد زوال الخطر عدنا الى اماكننا السابقة وقد تجمدت اجسادنا واصطكت اسناننا، لا زلت اتذكر لافتة ( نوروز ﭙيروز بي) وقد اصبح قماشها اشبه بالغربال ، لكثرة ما سقطت عليه شظايا القذائف ، علما بان اصواتها التي يرتد صداها، من الوديان الجبلية المحيطة ، تتضاعف وتصبح اكثر رعبا وبشاعة. ومع ذلك جرت الاحتفالات والقيت الخطب والاشعار والمشاهد التمثيلية والبرامج المتنوعة وحتى المعارض الفنية حسب الامكانيات المتواضعة والتي استثمرت بابداع، وكذلك اضرمت النيران على قمم الجبال وكان الشهيد ريبور عجيل( ابو رزكار) سبّاقا في الوصول الى اعلى القمم التي يستغرق الوصول اليها عدة ساعات ليشارك في تلك الفعالية ، بعد عودته سألته عن جدوى ذلك، كون المنطقة حدودية مقفرة، رحّل النظام قاطنيها منذ عام 1979 فاجابني بالقول:  لهذا السبب صعدت الى اعلى القمم ليرى الناس في الاماكن البعيدة وحتى داخل تركيا مشاعل الحرية في عيد نوروز الخالد ابداً.
* من كتابي ( الجبال معاقل الثوار) الصادر عام 2020
 


83
مذكرات مطران زاخو ودهوك مار طيمثاوس مقدسي
الجزء الثاني

نبيل يونس دمان
 
مقدمة:
فيما يلي مذكرات مطران زاخو ودهوك الأسبق مار طيمثاوس إرميا مقدسي المولود في القوش 1847 والمتوفي في زاخو 1929. لقد زودني بهذه الأوراق الشماس المرحوم حنا شيشا كولا عام 1996 والتي مجموعها 28 ورقة مكتوبة باللغة السريانية، احتفظت بها طويلاً وعندما حان وقت تعلمي الابتدائي للغة آبائي واجدادي شرعت بمراجعتها وانا ألاقي صعوبات كبيرة في قراءتها. استعنت بالأخوين العزيزين نشوان الياس خندي المقيم في لندن والشماس خيري داويذ تومكا المقيم في كندا، وقد اتقفنا بان في هذه الاوراق ناقصة، وكذلك هناك شخص آخر شارك في كتابة بعض اوراقها وهو الشماس سليمان مقدسي ابن اخ المطران طيماثيوس. رجعت الى الصديقين داود وفيليب اولاد الشماس حنا شيشا كولا لأطلب منهم البحث عن تلك الاوراق مرة اخرى، فبحثوا عنها وارسلوها مشكورين، وقد لاحظت تطابقها مع الاولى، وانها مضطربة التسلسل فاجتهدت في اعادة ترتيبها زمنياً ما استطعت، وترجمتها الى اللغة العربية بإمكاناتي المحدودة. واني اذ انشرها حتى يطلع عليها كل من يريد معرفة ما حصل لمسيحيي زاخو وضواحيها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وحتى انتهاء الحرب العالمية الاولى التي سميت محلياً بسنوات ( السفر برلك) وأضيفُ عليها كلمة العجاف.
(2)
     في تلك السنة 1899 نزلنا من زاخو الى الموصل بتاريخ 10 شهر تشرين الاول لإختيار ميطرابوليط جديد الى  كرسي سلوخ * وتم انتخاب مار يوسف خياط الوكيل البطريركي ومطران نصيبين، بإتفاق كل المطارنة الحاضرين وغير الحاضرين. وفي السادس من الشهر المذكور 6/ تشرين الأول/ 1899 انتقل من حياة الدنيا مار عبديشوع الخامس خياط بطريرك بابل المعروف والمحترم، فخيّم الحزن والأسف عليه من كل الأمة الكلدانية.
      وفي سنة 1900 جاء المطارنة الحزانى في شهر شباط وأذار، ونحن أقمنا في دير السيدة في الشتاء ، يعني من 23/ كانون الاول والى 6/ نيسان، وبعد ذلك اليوم عدنا الى دهوك. كل تلك الأيام تمتعنا بالمحبة من اخوتنا الديرانيين المحترمين والمجربين، وبفرح تناولنا معهم الطعام مع بعض وعلى طاولة واحدة، نجلس ونأكل منهم، وقد أعطينا لهم 1000 من الفلوس. وفي تلك الفترة تحدد 7/ أيار/ 1900 يوم إختيار البطريرك وجمعوا 7 مطارين في ذلك الزمن، وتاخرت واستعصت تلك الانتخابات كثيراً، وبعد شهر كامل جاء ووصل من ايران - اورميا مار توما اودو الموقر. اوقفت عملية الانتخابات حوالي شهرين ونصف، وسبب ذلك الايقاف كان عداوة حاكم القسطنطينية، وكانوا متوقفين ينتظرون وصول القاصد مار هِنري ألطْمايِر للإنتخابات المذكورة، ونحن جميعاً لم نكن مع الذي حدث فإنزعجنا وقُمنا بمعارضته.
     قاومنا هذا الإجراء بالكتابة، الى ان جاء سراً رسول من فرنسا يخبرنا حتى نكمل الانتخابات بسرعة، بوصول وحضور قاصد البابا الذي تكلم مع الوالي. بموجب ذلك تجمعنا نحن الاساقفة يوم الاثنين 9- تموز 1900 في كنيسة مسكينتا التي في الموصل، واخترنا مار عمانوئيل مطران سعرد ولم يتغير اسمه. وبعد ان إكتمل كل شيء ليصبح مرسوماً يوم الاحد بالكنيسة التي ستصبح مذكورة بمهرجان كبير، تجمع ناس كثيرون من الذين كانوا قريبين من كل طائفة. تأخرت الرسامة وأوقفت، وتفرقت الناس وكل واحد رجع الى مكانه وأصابنا الحزن والأسى: بسبب والي الموصل، حيث ارسل الوالي ليلة الأحد وفي فجر ذلك اليوم وقال: يجب عدم إجراء الرسامة الآن، لانه لم يأت امر الموافقة من القسطنطينية الى الإختيار الذي صار في الخفاء، حدث ذلك في 16/ تموز/ 1900م.
     وايضاً في هذه السنة 1900، بنيت قرية جديدة من الجهة الشمالية على حافة النهر مقابل المطرانخانة العائدة لنا في زاخو. تدعى رَكّافا. والآن يوجد حوالي عشرة بيوت مسيحية وحوالي عشرين بيتاً من المسلمين. انتخاب البطريرك مار عمانوئيل الى الآن لم تثبت وتختم  من الباب العالي.
     في سنة 1901 لم يأت المطر في الشتاء إلّا مرتين او ثلاث مرات وخافت الناس من الضيق والعوز. وبدأوا يصعدون ويزيدون سعر الحنطة والشعير. بسبب انقطاع المطر لفترات طويلة الا في اليوم الثاني لعيد قيامة المسيح المباركة، حيث ابتدأ هطول المطر. وصار يهطل اياماً طويلة، وجاء الحصاد وفيراً وحصل ارتياح وانشراح وفرح وسعادة واغتباط لكل المسكونة. الا ان المياه قلت وحصل نقص كبير في هذه السنة والينابيع توقفت ويبست وصار ظلم وقتل ونهب وسلب دون توقف.         
     أيضاً هذه السنة وفي يوم الاحد الموافق 7/ تموز/ 1901، هجم الشرنخيين حوالي 300 رجل لموطن السلوبيين ولقرية وَسطا وتَلقِݒّين**، وسرقا ونهبوا كل شيء وقع امام نظرهم، وقتلوا واحداً من وَسطا وإثنين مسيحيين آخرين من وَسپون***، وسرقوا من المسيحيين: ما عدا الاغنام والأبقار والحمير والغراض وأفرشة النوم، حوالي 20 بغلة وقتلوا ثلاثة هويريين**** وسرقوا ونهبوا كل أغنام السلوبيين في حوالي 7000 رأس، والكثير من الحُصُن الجيدة والثمينة. قاتلهم أكراد المنطقة وعساكر كثيرة لملك كان يعيش ويعمّر هناك لحماية الأهالي، ولم يقدروا عليهم وتحديداً في ذلك اليوم رجع اللصوص الى منطقتهم مع منهوبات كثيرة. واهالي وسطا وتَلقِݒّين تركوا بيوتهم وحصادهم هاربين الينا في زاخو، مات طفل واحد من العطش في الطريق.
     في سنة 1902: ايام الربيع ذهب سيدنا مار طيماثاوس الى دهوك، وعندما كنا فيها جاء يوسف صارا الى دهوك قدم وسلّم شكوى الى المحاكم، في قضية ابنه المقتول، ووضع المسبب لذلك في شخص اسطيفو تومكا والقس منصور سورو وبأنهم القتلة، وفي الحال ارسل حاكم دهوك القوات في طلب اسطيفو المذكور، وكان اسطيفو لا يعرف ماذا يريد منه الحاكم، عندما وصل دهوك، في الحال وضع في السجن. هناك ارسل مار طيماثيوس رسالة الى القس منصور ليهرب الى الموصل، وهكذا تمّ، فتخلص من الخوف ومن الغرامة. عندها وبدون توقف كتب مار البطريرك الى مار طيماثيوس لإخراج اخيه من السجن. بعد إعطاء غرامة كبيرة ورشاوي، وبصعوبة استطاع إنقاذه من هذا الظلم والتعسف. وبعد ما بقينا في دهوك قرابة الخمسة أشهر رجعنا الى زاخو وقد أخذنا معنا الكاتب الشماس يوسف رحيثا والشماس ﭙتّو.
     وفي سنة 1903 بقينا في زاخو ولم يحصل مكروه. وفي سنة 1904 وفي بداية الشتاء حدث إضطراب ونزاع في قرية القوش وأهاليها انقسموا على أنفسهم. آنذاك فكر البعض مع نفسه ان يتحول الى الديانة الاسلامية، وكان رئيسهم أيسف صارا واخوانه واقربائه الآخرين قرابة 20 بيت. جاء الشيخ نور محمد الى القوش متبختراً ورأسه مرفوع. فإهتزت القرية بكاملها. كانت في ضيق وحزن عميق. ثم بعد ذلك نزل المذكورين معه الى الموصل حتى تختم عملية اسلامهم بيد الحاكم والوالي في الموصل. تصوروا هؤلاء الملعونين والمحرّمين سيصل الى يدهم الرزق والطعام والفلوس، ويبنون لهم مسجد بألقوش. ما فكروا قط بان الرب سبحانه لا يترك قريته وقديسيه وأنبيائه، ليكونوا عرضة للمسخرة. ولذلك فان البطريرك مار عمانوئيل الثاني عمل واسطات ودفع رشاوي كبيرة الى والي المدينة.
الهوامش:
* كركوك
** قرى في اطراف زاخو
*** قرية في اطراف زاخو
**** عشائر أيزيدية في منطقة زاخو
nabeeldamman@hotmail.com
كاليفورنيا في 17 اذار مارس 2021
يتبع


84
عونيثا مقروتا تگيانَه دْمَلݒانا نوئيل عوديش
نبيل يونس دمان
 
     تَه إشووته رباب بَختِح، وتَه خورَه ميخا أخونِح، وتأيالِح وكُل نشواثِح، وتكُل ان ديلي حضيري آخا من ﮔورِه ومن إنشِه. وون قيما بيناثوخو ﮔو حشّا رابا، وخوشاوي جْغيشي، دِمشركن أث طوكاسا أيتانايا، ﮔو مَݒشوطِه أث دْويوا بِأيا مْكلّن، زورِه ورابِه، قَريوِه ورَحوقِه، رابي نوئيل بابَه دريفا.
     آذي خورا دويوا خَزونَه أرخَه لأرَه، سامَه رابه ﮔو القوش، وتمامتّا آخا ﮔو أثرا د ﮔالوثا. ومرخشلِه خايِح  بمكّيخوثا، ولِشانه بسّيما، وياسقوا وناخِثوا نفاسح ﮔو تِشمِشته دعَلما، وﭙلِخلِه بغيرتّه وكشيروثه، وآوُ مِليا مْحخّمثه ومردوثا.
     بلِخله دلَه كلايَه ودلَه جْعازه، بگو كل جمَعتا وزوياحا، خازِتوالِه حْضيرا، ﮔو دوبارِح طاوي، و ﮔو يولݒانِح طيماني. وِل دِم طيلِه لَن دِشْقيل بأُرخَه دبغدد قَم 15 شنِّه تَد قطليله، ومقَم تد داري سْكينه لبلوتِح، كِمشَميلي تَنياثِح خَرايِه، وكِم شاوِقلي دْراݒي أيدَثَي، وكالي مِقطالِح، وبَثردِخ كِمسيبيلِه.
     لَويوا يوما دِرحاقِح مِنّن، ويوا خبيبونه بِناثَن كُلّن، إثوالِه محكياثه خنّي، لَطݒيل داميري، وﭙشلي بگو صدرِح. وَعدوثه إلّن أخني خورِح، تَد تيمِخ أرخَه دْطوتا وناشوثا، درخِشله گاوَح تناشِح وتماثِح القوش، وكُل مثواثا دعمّن بأثرا مشُعِبذا بيث نهرين. بِد هاوِخ إمّد ناشَن تاما، ما قد هاوي أينَن ݒثيخي وِل تَد ﭼيمي، دِخ دِݘِملي أينِه دْأخونَن نوئيل، وݒَغرِح دْمُنِخله، وگيانِح ديلَ فيارا لريشَن، كُل زونَن وكُل زَمانن.
مريا مراحم الّح وهاوي ﮔو ملكوثه دشميّا
&&&&&&&&&&
محاولة الترجمة باللغة العربية:
كلمة مقدمة الى روح المعلم نوئيل عوديش
الى جارتي رباب زوجته، الى صديقي ميخا شقيقه، الى اولاده وكل اهله، والى كل الحاضرين هنا من الرجال والنساء. انا أقف بينكم في حزن كبير وافكار متعبة، لاشارك هذه المراسم الكنسية، في توديع الذي كان محبوباً من الجميع، صغاراً وكباراً، القريبين والبعيدين، الاستاذ نوئيل ابو ريفا.
هذا الصديق الذى امضى عمره ضيفاً على هذه الارض، الجزء الأكبر في القوش، والباقي هنا في بلاد الغربة. امضى حياته بالتواضع، واللسان الطيب، كان يتنفس الصعداء في خدمة الناس، عمل بغيرة واندفاع، وهو مشبع بالحكمة والثقافة.
عمل هذا الرجل بدون كلل وبدون ملل، في كل تجمع او مهرجان، كنت تراه حاضراً، في تدابيره الجيدة، وفي معارفه القيّمة. الى ان وصل الى مكان خطفه في طريق بغداد قبل 15 سنة حتى يُقتل، وقبل ان يضعوا السكين على رقبته، سمعوه يلفظ كلماته الاخيرة، والتي تركت ايديهم ترتخي، فتوقفوا عن قتله، ثم أخلوا سبيله.
لم يكن يوم رحيله من هنا، كان مثل الورد بيننا، كانت له حكايا اخرى لم تتح له الفرصة بقولها، وبقت في صدره. وَعدٌ علينا نحن اصدقائه، ان نكمل طريق الطيبة والانسانية، الذي مشى فيه من اجل أهله وبلدته القوش، وكل قرى شعبنا في الوطن المعذب بين النهرين. سنكون مع اهلنا هناك، ما زالت عيوننا مفتوحة وحتى تغمض، كما غمضت عيون اخينا نوئيل، وجسده الذي إستكان، وروحه التي تبقى تحلق فوق رؤوسنا في كل زمن وزمانٍ.
الله يرحمه ومكانه ملكوت السماء
ملاحظة: لم يتسنى لي إلقاءها بسبب المطر المنهمر طويلا ساعة مواراته التراب هنا في مدينة سان دييغو
15/ اذار/ 2021





85
مذكرات مطران زاخو ودهوك مار طيمثاوس مقدسي
الجزء الأول

نبيل يونس دمان
 
مقدمة:
فيما يلي مذكرات مطران زاخو ودهوك الأسبق مار طيمثاوس إرميا مقدسي المولود في القوش 1847 والمتوفي في زاخو 1929. لقد زودني بهذه الأوراق الشماس المرحوم حنا شيشا كولا عام 1996 والتي مجموعها 28 ورقة مكتوبة باللغة السريانية، احتفظت بها طويلاً وعندما حان وقت تعلمي الابتدائي للغة آبائي واجدادي شرعت بمراجعتها وانا ألاقي صعوبات كبيرة في قراءتها. استعنت بالأخوين العزيزين نشوان الياس خندي المقيم في لندن والشماس خيري داويذ تومكا المقيم في كندا، وقد اتقفنا بان في هذه الاوراق ناقصة، وكذلك هناك شخص آخر شارك في كتابة بعض اوراقها وهو الشماس سليمان مقدسي ابن اخ المطران طيماثيوس. رجعت الى الصديقين داود وفيليب اولاد الشماس حنا شيشا كولا لأطلب منهم البحث عن تلك الاوراق مرة اخرى، فبحثوا عنها وارسلوها مشكورين، وقد لاحظت تطابقها مع الاولى، وانها مضطربة التسلسل فاجتهدت في اعادة ترتيبها زمنياً ما استطعت، وترجمتها الى اللغة العربية بإمكاناتي المحدودة. واني اذ انشرها حتى يطلع عليها كل من يريد معرفة ما حصل لمسيحيي زاخو وضواحيها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وحتى انتهاء الحرب العالمية الاولى التي سميت محلياً بسنوات ( السفر برلك) وأضيفُ عليها كلمة العجاف.
(1)
     لقد قتل من الأرمن آلافٌ كثيرة وسرقت بيوتهم* وانتشر الخوف والهلع بين كل مسيحيي الشرق، هذه المحنة استمرت من الخريف الى الربيع، في ذلك الوقت كان الحال قد استقر بنا للإقامة والعيش في زاخو. في سنة 1896 مرة اخرى حدثت اضطرابات في منطقة وان وفي القسطنطينية ووقع قتل كبير في تلك المناطق من الأرمن ومن غيرهم، وقد قتلوا جميعاً بحد السيف، وكثير من القرى ضربت بل ومسحت من وجه الأرض، واذيع بأنه قتل من الأرمن أكثر من (100.000) أنفس، ومثلهم وقعوا في الأسر وسرقت اموالهم في هذه الإضطرابات، وإضطربت كل المناطق والى الآن هناك مآسي تحصل في كل المَواطن الشمالية، وشوهد مكتوباً في احد الكتب باللغة الفرنسية، ضحايا هذه السنة 1896 حيث قتل من الارمن تقريباً ( 130.000) أنفس بسبب كره الأعداء للمسيحية.
     في سنة 1897- 1898 حدثت مجاعة في القوش وباطنايا وتلكيف، بسبب اولاً: عدم جني المحاصيل الزراعية لقرابة السنتين، وثانياً: بسبب ضخامة الضريبة التي كانت الحكومة تفرضها في الحال. في هذه السنة، اقول سنة 1897 قام الألقوشيون بالتذمر من رؤساء القرية جامعي ضرائب الحكومة، ونزلوا عند السيد البطريرك وهم في حالة عصبية ومهددين ان لم تحدث محاسبة مع هؤلاء الرؤساء، فإنهم يذهبون ويبتعدون عن الطريق السوي. لهذا السبب اصبح مجبراً البطريرك ان يصعد معهم الى القوش، واقام في الدير لمدة اقل او اكثر من ستة شهور. وبعد ان تحاسب مع جامعي الضرائب لاحظ شمول كل واحد اموال تفوق امكاناته، واموال كثيرة اخذت من الفقراء بالسنين الماضية، وقد اخذوا منهم قرابة 200 ليرة عثمانية وكمية الفلوس تلك كانت اكثر لو كانوا حسبوها بشكل دقيق وقانوني. ايضا في هذا الزمن عندما كان البطريرك في الدير، قتل الاخ الراهب أنطونيس في جهة القوش الجنوبية، في مكان يبعد عن القرية مسافة ساعتين مشياً بالاقدام، ومن قبل شخص مسيحي ترك ديانته وإسمه يوسف من قرية مانكيش.
     في سنة 1898 وفي شهر تموز شوهد رجل شرير وكبير اللصوص اسمه سيد طه، وابتدأ يتجول من قرية الى اخرى يسلب وينهب دون خوف او وازع. في احد الأيام جاء الى الدير وإبتدأ في تهديد وتخويف الرهبان طالباً منهم النقود. ايضا كان ممتلئاً غيظاً من ألقوش. خرج من الدير عند الغروب وذهب وخبأ نفسه في الجبل الذي شمال قرية بوزان. بعد يوم خرج بعض الناس المساكين من القوش في هزيع الليل الاخير تحت ظلام حالك وذهبوا لجني نباتات اسمها محلياً ( گلخي)** وعندما تجولوا في الجبل الى منتصف النهار نفذ الماء عندهم، فذهبوا للتزود بماء الشرب من كنيسة " بيت مريم" وهناك تم اعتقالهم. كانوا خمسة رجال وخمس نساء، فحُلق شعر رؤوسهم، وبقوا معتقلين الى العصر وبعدها تركوهم، وكانوا يرتجفون من الخوف. عندئذ نزل والذي معه مع غروب الشمس وساروا في الجهة الجنوبية لألقوش، وذهبوا الى الرعاة البدو ( عرب) وسلبوا منهم أغنامهم، حاولوا قتل صادق بن يوسف صنا عندما كان عائدا من الرحى، وكان مختصاً في تصليح اعطال الرحى، واصبح في خوف كبير، طاردوه ولم يدركوه فتمكن الهرب منهم.
     في سنة 1895 أنهينا جهة شروق الشمس للمطرانية، وبنينا فيها ايوان وثلاثة غرف، وبدأنا بإقامة القداديس في الغرفة الكبرى. وفي سنة 1897 انتهينا من جهة غروب الشمس للمطرانية. يعني بنينا فيها ايوان وغرفة كبيرة فيها انحدار. وفي تلك السنة 1897 حفرنا بئراً في حوش المطرانخانة، فعثرنا على الماء الحلو، رغماً كانت عميقة قرابة ( 100) لد*** وفي سنة 1898 اقمنا سياج المطرانية. والقس ابلحد معمار باشي بقي فقط مرة واحدة مع العمال في سنة 1894.
في هذه السنة 1898 وكان الوقت خريفاً، ارسل حجي أغا آرتوشي ومسطو باشا أغا الميران بعد منتصف النهار فرسان لصوص الى قرية بيدارو، فسرقوا منها 39 بغل، و 10 خيول، وإشتكينا عليهم في زاخو والموصل والقسطنطينية، مرة ومرتين ولم تحصل مساعدة من هذا الفعل، الا بكلام فارغ فقط. عندما صدر القانون السلطاني ووصل الى الامر الى الجندرمة ( الشرطة) حتى ترجّع هذه الحيوانات، فأرجعوها الى اصحابها، لم يكن يجسر حتى انسان واحد لإنتقاد هذا العمل الذي ارتُكب، ولذلك كل أتعابنا ومصاريفنا ذهبت ادراج الرياح.
     في سنة 1899 جمع الدوسكيون حوالي 1000 رجل، وبدأوا من جهة غرب قرية شيزي ( سيجي) لخوض معركة مع حجي بك أغا آرتوش، وهذا بدوره شن هجوماً وهو يقود فرسانه وحاصرهم من كل الجهات واستحكم واستولى على مواقعهم العسكرية وانتصر عليهم، واخرجهم الى السهل وبدأ بالقتل فيهم دون رحمة. سقط من الدوسكيين بين 60 الى 70 قتيل كلهم من رؤساء وأغوات العشائر، ومن جماعة حجي بك سقط فقط ثمانية قتلى.
     وعندما رأى شيخ دهوك الذي كان اسمه نور محمد الذي فعله الآرتوشيون، انفعل كثيراً وصعدت عنده النخوة، وحرّض السورانيين فساعدوه ب (200) رجل خيّال، وايضا اخذ معهم عشائر السليفاني، وذهبوا بإتجاه قوات حجي بك ليخوضوا معركة ضدهم. وعندما سمع بان الشيخ نور محمد يريد ان يقاتله، رجع من بستان " بشياي حسن" بدون تأخير وعسكر واخذ مكان في قرية ديرابون، التي قريبة من فيشخابور. ولم يستطع الشيخ نور محمد ان يقترب، مجموعة قليلة من السورانيين شجعوا انفسهم وهجموا على مواقع حجي بك، قتل الكثيرون ثم تراجعت قوات نور محمد وهم منكسرون وهالكون من الجوع.
     الحقوا اضراراً بالكثير من القرى المسيحية، والألقوشيون في البداية أعطوا لهم القمح والحنطة والشعير عندما مرّوا امامهم، لانهم خافوا منهم كثيراً، كي لا ينهبوهم عندما يرجعون من المعركة، ثم تركوا قريتهم وهربوا الى تلكيف. في تلك السنة 1899 هاجر الى مناطق اخرى حوالي 200- 300 بيت من قرية القوش، من الجوع والظلم الشديد، الذي كان يضايقهم، ونقَص عدد الناس في القرية فعاشت في ضيق وحزن، والى الآن هناك ظلم وصعوبات وبلايا تحوم حولها، ولا يوجد من يساعدهم ويدعمهم، الرب يخلصهم.
الهوامش:
* في الحقيقة ابتدأت المذكرات هكذا: كثيراً، وقتل من الأرمن آلاف كثيرة... ليظهر ان هناك صفحات قبلها اعتبرها مفقودة وربما تحتويها مراجع اخرى.
** كلخا ( والجمع كلخي) : افادني الصديق بنيامين سكماني بما يلي" حسب وصف بنيامين حداد في كتاب الفردوس هو عقار شبه البصل يتخذ منه غراء الحاكة" .
*** مقياس غير معروف.
nabeeldamman@hotmail.com
كاليفورنيا في 3 اذار مارس 2021
يتبع
     

86
زيارة بابا روما الى العراق تقترب حثيثاً
نبيل يونس دمان
 
     زيارة حبر الكنيسة الكاثوليكية الجليل البابا فرنسيس اصبحت قاب قوسين او ادنى، حيث لم يعد يفصلنا الكثير لتوجهه الى العراق موطن ابينا ابراهيم ( أوراهم) والتي طالما ترقبناها واشتقنا اليها، في زمن كثرت التدخلات في شؤونه وشحذت الحراب المثلومة لنحر ما تبقى منه. اتمنى نجاحها وان تتكلل الجهود من قبل المسلمين قبل غيرهم ومن مختلف مرجعياتهم الدينية، ومن العرب والاكراد والتركمان شركاء الوطن الواحد في حسن استقباله وإبراز زيارته للرأي العام المحلي والعالمي، واثقاً بانها ستدخل التاريخ ويكون لها تأثيرها في المستقبل على شعب العراق عامة وسكانه الاصليين خاصة من المسيحيين والأيزيديين والصابئة، وهم كلْمى الحروب العبثية والصراعات الطائفية التي طال امدها، وكذلك الإضطهادات والظلم الشديد الذي عانوه عبر العصور.
     تتردد هواجس مشروعة ويساور البعض قلق مُبرّر، بان البابا قد يتعرض الى محاولة إغتيال وان كانت العملية مستبعدة الحدوث وضعيفة في الأسانيد اللوجستية وعلى الأرض، لكنها في كل الأحوال زيارة تشكل خطوة جريئة لبابا من منشأ شبيه بتضاريس العراق الجيوسياسية، لا أظن انه يضعف او يتراجع امام تلك الاحتمالات هذا من جهة، ومن جهة اخرى لم يخلق رجل الدين تمثالاً مسمّراً في مكانه ليمر الناس امامه او يلوّح لهم من بعيد، بل خليق به ان يصقل معدنه بينهم وان يبقى قريباً منهم، وليعش ولو لفترة ظروفهم. لن يصبح رجال الدين المسيحيين قديسين الا في السيرعلى طريق شائك وتحت سماء ملبّدة بالغيوم الداكنة، فعبر الأزمنة السحيقة نال رواد الكنيسة أكاليل الشهادة نتيجة وجودهم في أماكن خطرة، وبلغوا درجة القداسة في سبيل أيمانهم، وما البطريرك المشرقي شمعون برصباعي إلا واحداً من أفذاذ كنيسة المشرق الذي قتل على يد الملك الساساني شابور الثاني في قطسيفون ( المدائن حالياً) عام 314 ميلادية، وهو راسخ في رفضه السجود للنار.
     يا بابا فرنسيس الأول ويا خليفة مار بطرس الذي بيده المفتاح، هيّا أعِد فتح أسوار نينوى المدينة العظمى في الكتب المقدسة، بارك ام الربيعين وربوعها المعشوشبة، اركع فوق تلك الأرض واطلب من الرب ان يرفع عن كاهل اطفالها أعباء الفقر والجوع والمرض والكوارث المتتالية، انت في نينوى التي عثر في رقيماتها الطينية على ملحمة الخلود السومرية. في نينوى كل عام وكما تراها هذا العام يغلب على وجهها النضر لون السُندس والإستبرق، والباقي لون الأوراد من سوسن البراري الى القدّاح ومن النرجس الى البيبون، تَمنّى الخيرَ لتلك الارض ايها القادم من اقاصيها وانت ترى تلك الحقول السهلية الممتدة من سنجار الى القوش فبعشيقة وقره قوش، اقطف لك من تلك المروج باقة طرية من عطائها، وانت ترتفع بالطائرة التي تُقلك عائداً، انثرها فوق نهر دجلة كنز الخيرات الذي لا ينضب، حتى تتراقص في مياهه الزرقاء اللازوردية وتغدوا نذوراً لربِّ العِباد، ونذيراً لقوى الشر المتربصة حتى تندحر، ويسود السلام ارض النبوات والملاحم الخالدة.
     مرحبا بك قداسة البابا في ارض بين النهرين ارض الحضارات والصراعات الدامية، يساورنا الأمل من وطأة اقدامك وبركة أيديك ان يتغير مجرى العاصفة وتهدأ الرياح العاتية، ليستقر الوطن الغارق بالدماء ويمضي شعبه الى الامام مسابقا الزمن ليبلغ الذُرى، ولتنتصب  فوق ارضه الصروح التي تناطح السُحب، وتعود امجاده منذ فجر التاريخ ومن أزمان بابل واشور وصولاً الى مملكة أكد فسومر الشمس التي لا تغيب.
nabeeldamman@hot mail.com
كاليفورنيا في 20 شباط 2021



87
رثاء الى روح الفقيد نافع حبيب سورو
نبيل يونس دمان
 
بكّرت هذا الصباح على نبأ وفاة صديقي نافع فكتبت الرثاء التالي:
     سقوط الوردة الأخيرة من ثلاثي دوحة المغفور له الشماس حبيب سورو، فبعد رحيل الاستاذين القديرين نوري ومتي، ها ان نافع يلتحق بهم وهو من تلك الشجرة الطيبة وورودها الزاهية العطِرة. عرفته عن قرب خلال ال ( 16) سنة من استيطاني في سان دييغو، حيث كنت التقي به في كنيسة مار بطرس ومعه المرحوم عوديشو بدي الذي غاب عن الانظار قبله بسنتين. عرفتُ الاستاذ نافع تلك الجوهرة النادرة، في نِعم أفضاله، وسمو أخلاقه، ورزانة شخصيته، وحسن اسلوبه.
 هكذا في زمن تعسٍ ضاقت فيه حلقات الفَرحِ فيما اتسعت حلقات التَرحِ. اصبح الموت ينشر ظلاله وبات هاجساً يداهم حياتنا التي كان فيها من الأفراح ما يكفي، والآن بالرغم من القيود التي كبّلنا بها لمدة عام بطوله، فقد بات مكتوباً علينا متابعة اخبار رحيل احباء واهل واصدقاء لنا جميعا في مختلف بقاع الارض، وهم يمضون بصمت الى عالم غير عالمنا مصحوبين بالسكينة وبالراحة الأبدية. على من يعيش على هذه البسيطة ان يأخذ العبر والدروس من هذا الواقع الذي نعيشه، فيتخلى عن الأنا البغيضة التي فيها من التكبر والتعالي وايثار الذات، ليوقظ في كيانه قيم الخير والجمال، ويجعل من حياته التي وُهبت رسالة محبة للبشرية، لا اعتقد بان حكمة الباري في خلقه ان يمضي دون ان يترك أثراً، دون ان يضيف شيئا، ويقدم ما ينفع، بل ان يضع كل امكاناته في درء الكوارث التي تحيق بالناس كلٌ من موقعه، وفي زمان الكورونا ينبغي استيعاب تداعياته بالتمحيص العلمي الجدلي، ونبذ الغيبيات وترهات الأفكار التي تؤخر ولا تقدم. على قاطني هذا الكوكب الزاهي التعاضد والتعاون والإلتزام للتصدّي لهذا الداء حتى يختفي ويتلاشى.
معذرة لإشغالكم بموضوع بات يقلقنا، في حضرة الراحل الجميل نافع سورو الذي نطلب من الله ان يرحمه ويسكنه واسع جناته، ملهماً اولاده، ذويه، واصدقائه الصبر والسلوان، ويجنبهم نازلات الدهر وفواجعه.
كالفورنيا في 12- 2- 2021


88
فيديو خاص بمعمر القوش الشماس صادق برنو ( 1919- 2021)‬







89
المنبر الحر / ناقوس كنيسة القوش
« في: 02:36 10/01/2021  »
ناقوس كنيسة القوش


بقلم الخوري عبد الاحد عوديش
 
     نظراً لإنكسار الناقوس القديم لكنيسة مار كوركيس في القوش وحاجتنا الماسة الى ناقوس جديد. فان حضرة الوكيل البطريركي في الموصل الأركذياقون اسطيفان كجو ( 1883- 1953) ، توسط لدى فرع شركة (بيت اللنج) الإنكليزية في الموصل، لشراء ناقوس من لندن. وبعد مرور (6) اشهر من ذلك الطلب حصلنا على ضالتنا المنشودة. ووصل الناقوس وكان ثمنه (118) ديناراً، ووزنه (200) كيلو غرام.
     بعد ذلك قام وكيلا الكنيسة يوسف حنا اسطيفانا ( + 1960) ، ميخا اسحق ساكو (+ 1990) بمعاونة رئيس الخورنة، باقامة برج حديدي للناقوس الجديد، بعد هدم قبة الناقوس القديم المقامة من الحجر والجص، على بنيان الغرفة والأيوان الملاصقين لغرفة الديوان، في الفسحة القريبة من السطح. وتم العمل بإشراف المهندس الموصلي سليمان حنا العار (+ 1969) . في حين قام بعمل البرج الحداد الفني ناصر نجم شعاوي (+ 1977) بكل تشكيلاته. فجاء عملاً منظماً للغاية يخلب الالباب.
     وتم نصب البرج على السطح الثاني فوق هيكل مريم العذراء. وبعد ان اكمل تشكيل وتعليق الناقوس فيه، جرت حفلة العماذ للناقوس برعاية الاب الأركذياقون اسطيفان كجو. حيث عمده تحت اسم (مار ميخا) تيمناً بشفيع البلدة، وذلك عشية عيد الميلاد المجيد 24 كانون الاول 1946م، وكانت الحفلة على غاية من الابهة والنظام. حيث اغتصت الكنيسة بفنائها وأسطحها بجمع غفير من أبناء القرية، وأعضاء الرهبنة، ومأمور الناحية. وكان النهار شائقاً يُشهد له في تاريخ القرية ليلة عيد الميلاد. وأجريت أثناء الحفلة دورة المزايدة على من يكون ( أشبيناً) للناقوس المعمّد، ويدق الدقة الأولى فيه. فرست المزايدة بعد لأي على سائق السيارة الشاب صادق شعيا عوصجي (+ 1983) بمبلغ قدره (25) ديناراً. تلاه في الدقة الثانية السيد يوسف بولا اسمرو (+ 1954) بمبلغ قدره (20) ديناراً. ثم تبرع آخرون حتى بلغ المجموع ( 82) ديناراً. اما مصاريف البرج والناقوس فبلغت ما يقارب (300) دينار.
هذا وبعد اقامة البرج والناقوس، تم توسيع المدخل الجانبي القديم في فناء الكنيسة، وكذلك تعريض المدارج التي يُرتقى بها الى الأسطح، وبناء محل للخلاء على السطح.
ملاحظة: هذه المقالة المخطوطة كتبها الخوري عبد الاحد عوديش عام 1947، كان قد ارسلها لي الكاتب الصديق ادمون لاسو عام 1998 الى جانب حياة الخوري لنشرها في مجلة القيثارة في ديترويت، أظن لم تنشر في حينها وبقيت في ادراجي، وحان وقت نشرها بمناسبة اعتلاء ناقوس جديد هذه الايام سطح كنيستنا العتيدة باسم الشهيد مار كوركيس.
nabeeldamman@hotmail.com
January 8, 2021 California


90
رثاء الى روح المديرة سهام يونس قيا
نبيل يونس دمان
 
     أبت السنة المنصرمة ان تغادر قبل ان تخطف من بيننا يوم 27- 12- 2020 الست سهام، فعندما نما الى مسامعنا ذلك الخبر تملكنا الحزن معيداً شريط الذكريات الى ما قبل 57 سنة حين كانت مديرة المدرسة الابتدائية للبنات في القوش، وقبل ذلك تعينت معلمة في مدرسة مع اختها ببلدة قلعة دزة- محافظة السليمانية عام 1960. عندما نقلتْ مع اختها المعلمة حليمة التي تكبرها بسنتين، سكنوا اولاً في بيت بولص قاشا ثم انتقلوا الى البيوت المبنية حديثاً في شمال شرق البلدة حيث المكان الجميل عند سفح الجبل. تحولت اختها حليمة بعد وفاة والدتها الى الموصل ثم تزوجت في بغداد، فاضطرت سهام ان تسكن وحدها، وشاء الحظ ان تسكن في بيتنا خلال العام الدراسي 1963- 1964. كان والدي يعمل آنذاك نجاراً في بغداد، وانا تلميذاً في الصف السادس الابتدائي.
     اصبحت الست سهام واحدة من افراد اسرتنا، كانت انسانة مثقفة وناشطة سياسية وشاعرة في تلك الفترة العصيبة التي مرت بها بلدتنا، ايضا كانت رسامة بارعة ولطالما نظرت بإعجاب الى اللوحة الكبيرة التي رسمتها لمدينة قلعة دزة حين كانت معلمة فيها، وكانت مثبتة في حائط غرفتها وقد شدّت انظاري اليها طويلاً، فيها السلسلة الجبلية والقلعة والبيوت المرتفعة ووادٍ يجري فيه الماء ليختال ضاحكاً مع ألوان الطبيعة وأزاهير الربيع. في احد الأيام دعت والدتي كرجية الى سماع الشعر، اجابتها بأنّها لا تتكلم العربية ولاتعرف معنى الشعر، لكن الست اصرت على قراءته وهي جَذلة فخورة بما انجزته، فقرأت وانا اسمع جيداً، كررت مطلعها فحفظتُه وكانت على ما اظن في رثاء الشهيد الخالد بطرس هرمز جركو، الذي استشهد قبل اشهر في الجبل وسحلت جثته مع رفيق آخر الى احد ميادين البلدة:
دم الشهيد ينادي..... الثأر يا أبناء بلادي
     كم كانت دهشتها كبيرة حين التقينا في اميركا عام 1999، وما ان بدأتُ بإنشاد البيت الشعري حتى تعالت ضحكتها فرحة بما انا قائِله، وذكّرتها بليلة رأس السنة 31- 12- 1963 حيث تذكرتها جيداً، وقد قضيناها في بيت عمي كامل انا وهي ووالدتي، كان الجو باردا جداً لذلك عند غروب الشمس عبأت جدتي شمي منقلاً بالفحم واشعلت النار فيه في طارمة البيت، وقبل ان ينفث كل غازه السام ( اول اوكسيد الكاربون) ادخلته الى الغرفة التي سنقضي فيها تلك الليلة، واحكمت غلق الشبابيك والباب واسدلت الستائر جيداً. اثناء سهرتنا تلك شعرتُ بدوخة الرأس فتحملتها لكنها اشتدت فخرجت الى حوش البيت، وعدت لأقول لهم ان شدة الحرارة في الغرفة مدعاة للقلق، ايدتني الست ففُتح الشباك والباب لفترة. الوحيدة التي لم تشتكي من دوخة الرأس كانت والدتي، عند رجوعنا الى البيت بعد انتصاف الليل، فجأة وفي داخل غرفة الست سهام، سقطت امي بشدة على الارض مغمياً عليها ولولا اسعاف الست لها بسرعة لقضَت، فسحبَتها الى خارج الغرفة وأجرت عليها عملية التنفس الاصطناعي، استعادت وعيها تدريجيا، وعندما قشرّت لها برتقالة وتناولتها إبتسمت، فإطئنّا انا واختي سعاد عليها، علما بأني هرعت لأبلغ بيت عمي المجاور لنا، فجاء عمي وسمع ما جرى مشدّدا بأننا كُدنا نختنق جميعاً بالغاز السام، ومرت تلك الأزمة بسلام. وفي يوم العيد اهدتنا هدايا لي ولاخواتي كانت قد جلبتها من الموصل، وفرحنا بها كثيراً.
     في إحدى ليالي الشتاء الباردة طُرق باب بيتنا، فهرعت امي الى الباب والدنيا مضطربة لا تُؤتمن، عندما نادت من الداخل عن الطارق في تلك الليلة الشتوية، أتت الاجابة بأنهم جيراننا، فتحت الباب واذا جارنا ادور شمعون ديشا ومعه اثنين من ثوار الجبل المسلحين، بدورهم كانوا جيراننا في محلة اودو وهم كل من: الشهيد سعيد (سادونا) عيسى شاجا والمعلم كامل هرمز كادو، جلسوا في غرفة الست سهام ودارت احاديث بينهم بتصوري كانت عن الاوضاع السياسية في منطقتنا.
     فيما بعد كانت قسمتها ان تحب جارنا ادور شمعون ديشا، صاحب دكان اللحام بالقوس الكهربائي والاوكسجين في كراج السيارات، مع نهاية العام الدراسي تزوجت وانتقلت الى بيت جيراننا الطيبين، الذين عصفت بهم المصائب جراء انقلاب 8 شبط 1963، حيث استشهد ابنهم البطل فؤاد، واصيب اخيه بطرس ابو سلام بجروح بليغة عند هجوم قوة هرمز جكو وتوما توماس على مركز ناحية القوش.
     صفى بها الدهر في بغداد وانقطعت اخبارها حتى اميركا- ديترويت حيث سكنت في بيت ابن عمها ادور حسقيال قيا قرب كنيسة القلب الاقدس الكلدانية بالسفن مايل، وجاورها في السكن مولود زورا دمان فكنت ازورهم كلما سنحت لي الفرصة، فاسمع منها جميل اشعارها باللغتين العربية والسريانية، وكانت اذاعات الجالية تتهافت اللقاء بها على الهواء لعذوبة صوتها وبلاغة ما تنشده، خصوصا اذاعة الاعلامي الاستاذ أسعد كلشو.
     نشأت الست سهام وتربّت في أسرة معروفة لبيتنا وهي بيت قيا الجار في محلة اودو، انا اتذكر جدها ياقو وجدتها انّو وامها حبوبة ووالدتها وارينة من بيت البطريرك الشهير مار عمانوئيل تومكا، وكذلك والدها يونس (الملقب نونو) الذي كان يضرب به المثل في وسامته ورشاقته وحسن ملبسه، تصوروا حتى الجمدان الذي يعتمره كان يكوى له جيداً. في الموصل كان مسكنهم منذ نهاية الاربعينات من القرن الماضي، وقد عمل يونس في خياطة الملابس الكردية ومعه اخيه منصور، وبجوارهم باقي خياطي البلدة في تلك المدينة العظمى نينوى ظهير القوش حتى انقضاء الدهر، عندما كان يحضر حفلات الزواج في البلدة مع اصحابه: اوراها قس يونان، جبو كادو، اولاد جبو يوحانا، عبد المسيح دمان وغيرهم، كانت الأنظار تتجه نحوهم في جمالهم وحسن هندامهم ثم ادائهم المتميز لرقصاتنا الشعبية.
     تركت لنا الست سهام في رحيلها المفاجئ تلك الصفات المتأصلة في عائلتها، يطيب لي ان اشارك عائلتها من اولاد واحفاد احزانهم وكذلك اولاد اعمامها ميخائيل، بطرس، ومنصور والى اختها يازي زميلتي في جامعة الموصل والى اخيها الصديق العزيز وعد الذي كان يقيم في الموصل حتى دخول داعش اليها فغادرها مُكرهاً. اطلب من الله الرحمة والغفران للفقيدة وان تنال رضاه لإشراكها في ميراثه السماوي.
نموذج لاشعارها بالسريانية:
هلّي طَمبوري دْزمرَن
زْمارَه وريذَه تخايي
كمَنِخ لبَّه دِكريهي
وكِمْ باسِم لبَّه دنِخرايه
܀܀܀܀܀
كِبَن كِبَن خه ﮔلپا بِفيارا
وزالي لأثري
مشريَن بأيقارا
ﮔو خِليه قالا
فنگا رابا ودشتاثا
ودُركياثا دببواثا
ما بَسّيميلي
܀܀܀܀܀
لأيسق يومَه ياوَن بالي
ميخَن بوخَه دطورِه علايه
بأثرِه دنِنوايه
واپره دخطّه وپلخنانه
واروِه وزَرَه دخَوضرانِه
ما بَسّيميلي
܀܀܀܀܀
ﭙيشَنوا ناشه دحُكّيثا
إشوا قَلبِه مَطين لبيثا
شتويَن خِبييثا
بزيرَن أُمرِه وأيتاثا
وديره علايا وقَلياثا
ما بَسّيميلي
܀܀܀܀܀
nabeeldamman@hotmail,com
January 7, 2021 California

91
المنبر الحر / حكاية العجوز
« في: 23:14 11/12/2020  »

92
المرتجى من زيارة بابا روما التاريخية الى العراق

نبيل يونس دمان
 
     حملت لنا الأخبار السارّة عن تحديد الأيام من 5- 8 مايس آذار من السنة المُقبلة، وزيارة البابا فرنسيس الاول الى بلاد ما بين النهرين، وقد سبق في عام 2000 عزم البابا الأسبق مار يوحنان بولس الثاني زيارة هذا الوطن الممتد في عمق التاريخ، ولكنها لم تتم في حينها لعدم تمكن الحكومة آنذاك من توفير الحماية اللازمة، وكان يهدف بشكل رئيسي الى زيارة قطيسفون (المدائن) والمناسبة مرور الفين عاماً على اول كنيسة مسيحية اقامها مار ماري  تلميذ مار توما أحد تلامذة المسيح، على تل صغير في منطقة كوخي.
     نبي الله ابراهيم هو من اور المقير في الناصرية، ومن نسله خرجت الاديان التوحيدية الثلاثة: اليهودية المسيحية والاسلام، القاسم المشترك لحصيلة ذلك، يؤشر على سلمية الزيارة المقبلة بمشيئة الله، فترسخ مفهوم التعايش بين الأديان، وتدعوا لوقف الصراعات الطائفية والحرب غير المعلنة بالنيابة عن دول مجاورة او بعيدة لها مصالح اقتصادية في هذا البلد كنز الموارد ومالك الارض الممتدة من أعالي الجبال، عبر السهول والوديان، الى ملتقى الأنهر والخليج بوابته الى عالم البحار الواسعة.
     لنا امنيات كثيرة طال انتظار تحقيقها، ومن خلال هذه الزيارة المهمة التي ستركز عليها وسائل الإعلام في المنطقة والعالم بأسره، وفي مقدمة تلك الأمنيات استقرار العراق وتقوية الدولة المركزية ونبذ العنف وأيقاف عجلة الفساد وتحجيم الميلشيات المسلحة قبل تصفيتها النهائية، لتسود دولة القانون والعدالة الإجتماعية. كفى ما عاناه العراق ولينطلق في طريق الأمم السائر الى الأمام، فشعبه تواق للحرية والرقي في مضمار العلم والتكنلوجيا وكل مناحي الحياة، التي تسعد الانسان ويعود هذا الوطن كما كان في غابر الايام، ركن حضارات العالم القديم.
     نتمنى من منظمي استقبال هذه الشخصية البارزة على نطاق العالم، ان تشمل الزيارة اضافة الى بغداد والناصرية واربيل ونينوى لتشمل النبي يونس (يونان) وكنيسة الساعة، كذلك بلدات وقرى سهل نينوى في ضواحي الموصل، حتى بلوغ ناحية القوش وهي اليوم مرآة ما تبقى من كنائس الشرق، وفيها رفات النبي ناحوم واخته سارة من العهد القديم، وكذلك كانت تدير كنيسة المشرق لقرون متتالية من ديرها المعروف (دير الربان هرمزد) في حضن وادٍ يأسر القلوب في الجبل المسمى بإسمها. سيهب ابناء وبنات بلدتي لاستقباله وينثروا الورود امامه على ايقاع مزمزر 150 من الكتاب المقدس (هِّللويا. هلِّلوا الله في بيته المقدس. هلِّلوا له في سماء عزَّته. هلِّلوا له لجبروته. هلِّلوا له لكثرة عظمته. هلِّلوا له بصوت البوق. هلِّلوا له بالعود والكنّارة. هلِّلوا له بالدفّ والرقص. هلِّلوا له بالأوتار والمزمار. هلِّلوا له بصُنوج السَّماع. هلِّلوا له بصُنوج الهُتاف. كلُّ نسمة فلتهلِّل للرب. هلِّلويا) ، ينبغي ان لا تفوت تلك الزيارة التي سوف تدخل البهجة الى نفسه، والى نفوس المتعبين من تلك الارض.
     كل النجاح لزيارة بابا الكنيسة الكاثوليكية، ليحسن استقباله الجميع من حكومة اتحادية وحكومة الأقليم وممثلي المرجعيات الدينية من سنية وشيعية وغيرهما، وليكن بطاركة المشرق من الكنائس الآشورية والكلدانية والسريانية، ومطارنة الطوائف الاخرى، اضافة الى بابا الديانة الأيزيدية في مقدمة مستقبلي قداسته، ولتتعاضد الامم المتحكمة بالقرار الدولي في السعي من اجل استقرار واستقلال العراق، ووقف تدخل دول الجوار في شؤونه، ووضح الحلول والامكانات امام شعبه لينهض من جديد ويبلغ الذرى.
     امنيتي الاخيرة، عندما يصلي فينحني مقبلاً ارض بابل وآشور، ينهض ليبارك الجهات الأربعة الشمال (ܓܲܪܒܝܵܐ) الجنوب ( ܬܝܡܢܵܐ) الشرق (ܡܲܕܹܢܚܵܐ) الغرب (ܡܲܥܪܒܼܵܐ) فيُطلق الحمام الى تلك الأجواء رمزاً ليعم السلام تلك الارض ومنها الى المنطقة والعالم أجمع.
nabeeldamman@hotmail.com
December 10, 2020 California

93
مدرسة الروضة في الخمسينات ومعلمي الاول

نبيل يونس دمان
 
      قضيت سنتين في مدرسة خاصة بكنيسة مار كوركيس( مدرسَّه دْ زورِه) علمنا فيها الشماس هرمز كادو مبادئ التربية المسيحية، آداب الطريق، الصلاة، الاناشيد الكنسية، كان معلمنا يعطي دروسه في غرفة كبيرة نسبياً لها شباك يطل على ايوان مفتوح الى حوش محاط بجدران عالية، كانت ارضية الصف مفروشة بحصران مصنوعة على الاغلب في قرية باطنايا. عندما يخرج الاطفال في استراحة قصيرة الى الساحة تتحول اصواتهم الى ضجيج كأنه ازيز النحل، بصيحاتهم بحركاتهم وحتى عراكاتهم. لم تكن في المدرسة مرافق صحية، لذلك كان احدهم يصطحب الاطفال الى وادي قريب اسمه( عين زقيا) لذلك الغرض. كان واحدنا يلبس قميص طويل وفي وسطه حزام معلق فيه قلة( شَرْبَنتا) ماء صغيرة وقدح مصنوع من الالمنوم( فافون) وغالبا ما كان مستخدمي مدرسة الاولى الابتدائية المجاورة يأتون بدست مملوء بالحليب الحار ليوزع لنا، لا زلت اتذكر موزعي الحليب كل من( حنا عازو، عيسى ججو تومكا)، وقد حاولت مرة ان اجلب كميه منه الى البيت بناء على طلب زوجة عمي ودي هومو لكني صرت ارتشف من ذلك الكأس رشفات قليلة في الطريق لأصل الى باب الحوش وانادي ودي لاستلام الحليب، وحين تأخرها قليلاً جرعت الكأس حتى النهاية، وظل هذا الحادث موضع تندر لسنين. واذكر عددا من الأقلام قصيرة مبراة من طرف او من طرفين، اهداها لي الفراش حنا عازو. عندما يشرف الدرس الاخير على الانتهاء يطلب منا الشماس هرمز كادو ان نضم ايدينا الى صدورنا( قطارا دأيداثا) حتى الوصول الى البيت. وما ان نغادر مدرسة الصغار حتى نبدأ من تلقاء انفسنا بتقبيل احجار تشكل بنيان حائط الكنيسة المطل على ساحة مار ميخا، كانت بين تلك الاحجار شقوق واخاديد بفعل الطبيعة، فكنا كلما نعثر على قطعة خبزعلى الارض نرفعها ونضعها في تلك الشقوق، وعادة اخرى كانت سائدة، فما ان يسقط سن حليب احدهم (كاكه دْ خِليَه) ، حتى يهرع الى الجدار المذكور ليركنه في تلك الشقوق، ولم اكن انا استثناء.
من كتابي المخطوط بعنوان: ومرت السنوات
ينتظر الطبع في العام القادم ان شاء الله

nabeeldamman@hotmail.com
December 8, 2020, California






94
وفاة كريم شابا حنيكا في سان دييغو عن عمر ناهز 94 سنة
نبيل يونس دمان
     المرحوم كريم ابو خالد جد نينوى والدة حفيدتي مادلين رافد دمان، يغادرنا عن عمر طويل، وشيخوخة عميقة، وسيرة صالحة. له الذكر الطيب كونه انساناً محترماً، محباً من الاصدقاء والاقارب وابناء بلدته القوش، جاهد وعمل بنكران ذات لتنشئة وتربية عائلة طيبة بعد إقترانه بشريكة حياته سمرية ياقو جولاغ.

     عرفته منذ نعومة اظفاري، كنت التقيه في سوق القوش ونتبادل الاحاديث، ومرة التقيته وانا مهندس في طريق العمادية- بارزان ومعه المرحوم لازكين جركو في سيارة شوفرليت، وهم يتعاطون التجارة في تلك المنطقة النائية، فكان فرحنا ببعضنا كبيراً. هنا في سان دييغو كانت لي لقاءات معه في المناسبات او عندما كان يتمشى بخطى سريعة قرب بيته ولمسافات طويلة حتى قبل عدة سنوات، كان قوي الجسم، باسم الوجه، مشرق الذهن في تذكره الماضي، فيحدثنا عن مواقف ابناء بلدتنا القوش في الفترة التي عاشها.

انا والعم كريم ومادلين في مزرعة ممتاز مالان عام 2018
     حدثني يوما عن شخص اسمه يوسف (يوسب) أيزّو بوتنايا من بهندوايا المجاورة لألقوش، ففي الفترة التي استحكم عداء بين البلدة واحدى عشائر الموصل في النصف الاول من القرن الماضي، تواجد يوسف احد الايام في الموصل فأستُدرج الى احد البيوت بحجة بيع السلاح، وعندما اصبح داخل البيت أُقفل بابه، وأنزل الى سردابه، ثم صاروا يحدثونه عن انواع المسدسات التي معهم، لم يخف ولم يمتقع لونه حين احس بالمؤامرة القاتلة، وصار يتفحص المسدسات الفارغة من امشاطها، ثم قال لهم اريد اشوف مشط طلقات هذا المسدس وكان من نوع ﭽاردَخوي ( 14 ملم) ، تشاوروا بينهم وقالوا ماذا بإمكانه ان يفعل وهو أسير بيننا، لنعطه المشط ونراقبه، فاعطي له ما اراد، وبلمح البصر عبّأ المسدس وشهره بوجوههم قائلاً: امشوا امامي وأروني باب الحوش، قالوا: امان دخيل، فقال: لا امان ولا دخيل، ساروا امامه وقد حمل عدة مسدسات معه، وعندما همّ بالمغادرة اودعهم. لينقذ روحه ويعود سالماً غانما الى قريته.
     زرته في بيته يوما مع صديقي كوريال تومكا القادم من لندن في شهر حزيران 2015، وما ان دخلنا غرفة الاستقبال رأيت صورة كبيرة ملونة للبلدة القوش فقلت له: من اين لكم هذه الصورة؟ فاستغرب السؤال، ثم عقبت قائلاً : مؤكد اهداها لكم العم لازكين هرمز جركو، فقال صحيح، ثم  حدثتهم عن طريقة حصولي على الصورة من سائحة المانية اسمها ايديث ويبر صورّتها عام 1980، وقد كبّرتُ منها نسخة الى بيت المرحوم لازكين في مشيكان عام 1994.
     وكذلك حدثني عن صداقته مع عمي حبيب دمان، وكيف عملوا معاً في شركة المانية كانت تنفذ سد سامراء عام 1955، هناك صارت بلبلة واخذت عصابات تهاجم تلك الشركة وممتلكاتها فتسلب ما يقع في يدها وكأنه فرهود، خاف كريم ومعه حبيب على انفسهم وكانت الاخطار تحدق بهم كونهم من قرى شمال الموصل، بإعجوبة انقذوا أنفسهم ليعودوا بدون حقوق الى القوش الفارشة جناحيها كما الصقر امام جبلها الاشم.
     رحمة الله عليه وفي جنات الخلد والنعيم مثواه مع الصديقين والابرار، وتعازي الحارة اقدمها لزوجته العزيزة ام خالد ولأولاده جميعا والى احفاده، وكذلك اعزي كل اقربائه من بيت تومكا الصديق، ومن حزن وتأسف لفراقه الابدي.
2- 12- 2020

 
 

95
قصيدة باللغة السريانية الفصحى من القرن التاسع عشر الميلادي- الجزء الرابع والأخير للقس دوميانوس گونديرا
مقدمة:
     قصيدة تاريخية مختصرة، تحكي ما حدث في القوش في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، من تاليف القس دوميانوس گونديرا، الذي تفرَّع منهم بيت وكيلا الألقوشي. ساعدني في قراءتها الصديق نشوان الياس خندي المقيم في لندن، ثم أعدنا قراءتها مع الشماس  القدير خيري داود ججيكا، لتترجم الى اللغة العربية بتاريخ 1- كانون الأول- 2020.



القصيدة بالگرشوني مع الترجمة الى اللغة العربية:
مَا  أَمْرِنْ  يَـا  قَرَايَـا.  لْأَذْ  دَارَنْ  حَشَّانَـا  وْسِنْـيَـا.  دْلَا  پِــشْـلِــيـهْ  پِــيرَا  حَلُويَـا  بْــگَـاوِيـــحْ  خِزْيَـا.   بِــيـنْ  عَدُّودِيـهْ  وْبْخَايَـا  دِرْيَـا܀
(( كيف أَصِفُ لك أيُّها ٱلقارئ.  جيلنا هٰذا ٱلكئيب والمرذول.
أَلَّذي لم يُـبْصَرُ فيه ثمرٌ لذيذ.  وكان جيلنا بين ٱلمناحة وٱلبكاء܀))
طِلَّثْ  مْخَيَــاثَـا  قِــشْــيِــيــهْ.  مِـلْـيِــيــهْ  مْعَـسْقْوَاثَـا  وْشْغُوشْيِــيــهْ.
بْــگُــو  زُونَــنْ  خْــزِيــلَـنْ  بْــئِــيــنَــنْ.  وْبِــيــشَاثَــا  لا  كِــمْشُوقِــيــلَــنْ܀
(( ثلاث ضربات قاسية.  كُـلهٰا صعوبات وٱضطرابات.
أَلتي رأَيناهٰا في زماننا بعيوننا.  وٱلأَحزان لم يتركوننا܀))
بْــأُو  قَــمٰايَـا  كِــپْــنَـا  مْشُورِيــلِــيــهْ  بْگـاوَنْ.  وْلِـفْــنَـايَـا  كِـمْ  مَمطِـيـلَـنْ.
وْبَــثْــرِيحْ  مُوثَـانَـا  نْــپِـــلِّــيــهْ  بْگـاوَنْ.  وْمُونْــقِـصْلِــيـهْ  لْــمِــنْــيَـانَـا  دْعَـمَّـنْ܀
(( في ٱلأَول بدأ ٱلجوع فينا.  وإِلىٰ ٱلإندثارِ أَوصَلَنا.
وبعده وباءٌ حلَّ فينا.  وقلَّلَ عدد نفوس أَهلنا܀))
وْبَــثْــرَي  آذِي  مْــخِــيــثَــا.  دِتْخِــيــرَنْ  بْــأَذْ  دُورِكْــثَــا  بْــكِــرْيَــاثَــا.
وْخَا بِـشْ  قِــشْــيَــا  مْـأُو  خِــنَّــا.  عَــسْــقَـا  وْزَرْبَـانَـا  وْمَـزِدْءَآنَـا܀

(( وبعدهم هٰذه ٱلضربة.  أَلتي ذكرناهٰا في هٰذه ٱلقصيدة ٱلمختصرة.
واحد أَعنف من ٱلآخَر.  صعبٌ ومرعبٌ ومخيف܀))
يَـا  آلاهٰا  مْـرَحْـمٰـانَــا.  بِــشْــتِــيــخَــنْــتَــا كْــنَــپْــلِــنْ  قَامُوخْ  آنَــا.
بَـسَّا  خْــرُوتَــا  كْــمَـلْــيَــالَـنْ.  شْوُوقْ  لْأَنْ  دْپِــشلَــيْ  مِـنْ  نَــاشَنْ܀
(( أَيهٰا ٱلإِله ٱلرؤوف.  أُلقي بنفسي قدامك متوسِّلًا.
كفانا هٰذا ٱلهلاك.  أَبقِ ٱلبقية ٱلباقية من أَهلنا܀))
هَـمْ  إِنْ  إِيــوِخْ  مِـلْــيِــيــهْ خْــطِــيــثَــا.  حَــطَّايِــيــهْ  وِيخْ  وْپَــاثَــنْ  قْوِيــثَــا.  پِـــشْلَــنْ زْوِيــنِـيــهْ بْــدِمَّا دِبْــرُونُـوخْ. وْأَودُوثَــا طَالُوخْ بِــلْــخُــوذُوخْ  بْــپَّـــلْخِـيخْ܀ 
(( وإِن كُنا ممتلئين بالخطيئة.  نحن مذنبين وصلفين.
قد فُدينا بدم إِبنك.  أَلعِبادة  نُقرِّب  لك  فقط  ولوحدك܀))
بْـعُـونْ  وْشَفَـاعَـا  دْئِــيــهْ  يِــمَّــا.  مَـرْيَـمْ  نْــطِــيرْتَـا  مِنْ  مُومَـا.
شْــوُوقْ  خْـطِـيَّـاثَـا  دْأَذْ  عَـمَّـا.  وْمْخَالِـصْلِـيـهْ  مْكُولْ  ظَالُومَـا܀
(( بشفاعة ومُعاضدة تلك ٱلأم.  مريم  ٱلمحفوظة  مِنَ  ٱلدَّنس.
أُغفر خطايا هٰذا ٱلشعب.  ونَجِه من ٱلظالمين܀))
قْـبُـولْ  مَـارِي  أَذْ  شَــپْــلَــپْــتَــا.  شْمُـوءْ  بَـاعُوثِــي  يَـا  بِـرْدْ  بْــثُــولْــتَـا.
يَــوَالا  دْكُولْ  سْــنِــيــقْــوَاثَــا.  مْـكَـامِلَّا  يَــا  مَـرْيَـا  أَذْ  مَــرْجِــيــثَــا܀
(( إِقبل يا رب هٰذا ٱلتضرع.  إِستجب طلبي يا إِبن ٱلبتول.
معطي كـل ٱلإِحتياجات.  تَــمِّــمْ يا ربّ هٰذِهِ ٱلإِستغاثة܀))
آنَـا  بِـخْـطِـيَّـاثِــي  كْــمُودِنْ.  دْئِــيــوِنْ  حَـطَّـايَـا  كِــيــذِنْ. يَـا  مَارِي  آنَـا  لْـطَاوَاثِــي  لا تْــكِــلِّــي.  إِيـشُوع  بْـرُونُـوخْ  طَاولُوخْ بْـمَقْـرُولِــي܀
(( أَنا أَعترف بخطاياي.  أَعرف إِني خاطئ.
يا رب أَنا عَلىٰ حسناتي لم أَتَّـكـل.  يسوع إِبنك هو ٱلذي يُـقَرِّبُني لك܀))
آوُو  بْـهٰاوِيـهْ  طَالِـي  عَـيَــانَـا.  وْمَـرْيَـمْ  يِـمَّـا  بْـحَـقُّـوثَـا.  أَمُـودِي  بْـگَـاوَيْ  إِرْيَـا  بْــكـامِـيــلُــوثَـا.  دْلَا  أَنِـي تَـا  نَـاشَا  لِــيــثْ  پُــورْقَـانَـا܀
(( هو ٱلذي يكون لي عَـوْنًــا.  وبالحقيقة مريم أُمًّـا.
رجائي بالكمال مشدود فيهم.  لا خلاص لأَحدٍ مِنْ دونهم܀))
وْآيِــتْ  يَـا  مْـزَمْـرَانَـا  وْمَـلْـپَـانَـا.  دِقْــرِيــلُــوخْ  أَذْ  دُورِكْـثَـا.  وْتْـخُـورْ لْـمْشُوقْـيَـا  وْرِپْــيَــا.  إِنْ  إِيــلِــيــهْ  بِــيخَـايِــيــهْ  وْإِنْ  دْئِــيرَا  لْأُوپْــرَا܀
(( أَنت أَيُّـهٰا ٱلمرنِّم وٱلمعلِّم.  أَلذي قرأْت هٰذِهِ ٱلقصيدة.
أُذكر ٱلشَّقي وٱلضَّعيف.  إِن كان علىٰ قيد ٱلحياة أَو عائدًا إِلىٰ ٱلتراب܀))
وْمْـصَـالِـي  هَـمْ  مْـبَـدَلْ  أُو  عَـمَّـا.  دِقْـبِــلِّــيــهْ  مُوثَــا  مَرِيــرَا.  دْمَـرْيَـا مْخَـالِـصْلِـيــهْ  مْـنُـورَا.  وْمَـپْــصِخْـلِـيـهْ  بْــپَّــرْدَيْــسَــا  دْبِـهْـرَا.  بْــمَـلْـكُوثَـا  آيَـا  دْلَــتَّــا  خْــلَــصْــتَــا܀
(( وَصَلِّ من أَجل ذلك ٱلشعب.  أَلذي إِحتمل ٱلموت ٱلعنيف. لكيمٰا ٱلرَّب ينجِّيه من ٱلنَّار. ويهنئه في فَــردوسْ ٱلنُّور.  في ٱلملكوت ٱلذي ليس لهُ إِنتهاء܀))
خلصلا
آذِي  دُورِكْـثَـا  دْپِــشْلَا  مُـورْكُــوتَــا  لْـقَاشَا  دُومْـيَـانُـوسْ  گونْـدِيــرَا أَلْـقُوشَايَـا.  إَلِّدْ  مْـخِـيــثَــا  بْـسَيــپَــا  دِگـدِشْلَا  لْـمٰاثَـا  دْأَلْقُوشْ  بْـشَاتَــا  دْ  1832  لْمٰارَنْ.  بْــئِـيـذَا  دْأَمِّيرَا  دْرَاوَنْـدُوزْ.  مَـرْيَـا  مَـرْحِـقْ  مِـنْ  أُوْدِيــهْ  دِيِّــيــحْ  مْخَـيَـاثَـا  خْآنِـي  بِــصْلَاوَاثَـا  دْيِــمَّـنْ  مَـرْيَـمْ  دِكْــپِــيــشِي  مْجُـوبِــيــهْ. آمين.
إِنْـتـهت
(( هٰذِهِ ٱلقصيدة ٱلتي نَظَّمَهٰا ٱلقَسْ دُومْيَانُوسْ گُونْـدِيرَا ٱلأَلْقُوشي. عَلَىٰ ضَربَة ٱلسَّيف ٱلَّتي تَعَرَّضَتْ لَهٰا أَلْقُوش سنة 1832 ميلادية. عَلَىٰ يَـد أَمير رَاوَنْـدُوز. أَلرَّب يُبْعِدُ عَنْ عَبيده مِثلَ هٰذِهِ ٱلضَّرْبات بِصَلَوات أُمّنا ٱلعَذْرَاء مَرْيَم ٱلْــمُسْتَـجَابَـة. آمين. ))

nabeeldamman@hotmail.com
December 1, 2020 California




96
قصيدة باللغة السريانية الفصحى من القرن التاسع عشر الميلادي- الجزء الثالث
دوميانوس گونديرا
مقدمة:
     قصيدة تاريخية من ثمانية اوراق، تحكي ما حدث في القوش في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وعلى يد شاعرها القس دوميانوس گونديرا الذي تفرع منهم بيت وكيلا الألقوشي. ساعدني في قراءتها الصديق نشوان الياس خندي المقيم في لندن، ثم اعدنا قراءتها مع الشماس القدير خيري داود ججيكا، لتترجم الى اللغة العربية بتاريخ 20- تشرين الثاني- 2020.



القصيدة بالكرشوني مع الترجمة العربية:
بْخَا  يُـومٰا  پِــشْلَــيْ  مِـسْكِــيـــنِــيــهْ.  مَـرْ  پَـارِيـهْ  وْمَرْ  قِـنْـيَـانِـيـهْ.
پِــشْلَــيْ  شُولْخَايِــيــهْ  وْكْــپِــيــنِـيـهْ.  مَالْ  وْمِـنْـدِي  بْــكَــبِــــيرُوثَـا  قَـنَـايِـيـهْ܀
في ليلة وضحاها أصبحوا فقراء. أصحاب الأموال وأثرياء.
 أصبحوا عراة وجياع. اللذين كانوا يقتنون بكثرة المال والجاه܀
*****
أُوفْ  لْــحِــيــرُوثَــا  دْپِــشْلَا  أُودُوثَــا.  وْخُـو  نِــيــرَا  پِـــشْلا  دْرِيـثَـا.
پِــصْخُوثَـحْ  لْأَرْءَآ  نْــپِــلَّا.  وْگــبَّـارُوثَـحْ  لْـرِپْــيُـوثَـا  مْشُوخْلِـپْــلَا܀
آهٍ على الحرية التي تحولت عبودية.وتحت نيرها اصبحت موضوعة.
فرحتها تلاشت من حياتهم. وعظمتها تحولت الى الضعف܀
*****
صُورِيــهْ  ونِخْـپُـوثَــا  أْوِيـذْلَـــي.  وْشْلِخْـلَــي  لْإِنْـشِـيـهْ  حُورَّاثَـا.
وْلا  شْوِقْـلَــيْ  چُــو  تَــرْزْ  دْبِــيــشُـوثَـا.  دْلا  أْوِيذْلَــي  پَــلَاخِـيـهْ  دِخْطِـيـثَـا܀
عار وفضيحة عمِلوا. ونزعوا ملابس النساء الحُرّات.
ولم يتركوا اي نوع من الجرائم. لم يعملوه مرتكبي الخطيئة܀
*****
مْبَــاثِـرْ  قِطْلَا  دِأْوِيذْلَــي.  إِنْـشِــيــهْ  كَــبِــيرِيــهْ  أْرِيــلَــيْ  وْزِلَّـــي.
وْخَـكْـمٰا  گورِيـهْ  مْـيُـوسِـيــرَي.  إِلَّا  أَمِّيرَا   كِـمْ  شَارِيــلَــي܀
من بعد القتل الذي قاموا به. نساء كثيرات قبض عليهن ومضوا.
وبعض الرجال أسّروهم. ولكن الامير اطلقهم܀
*****
وْأْوِيـرَيْ  لْمَذْبْحِـيـهْ  قَـدِّيـشِــيـهْ.  دِيــلَــيْ  تَـا  مَـرْيَـا  پْـرِيــشِــيــهْ.
وْپِــشْوَالَــيْ  دِيــشِـيـهْ  وْمْرُوزْلِــيـهْ.  سِــرْيُـوثَـا  وْپَــحْــزُوثَـا  مِـلْـيِــيــهْ܀
 ودخلوا إلى المذابح المقدسة. التي هي مخصصة للرب.
واصبحت تحت اقدامهم مدنسة. وهم ممتلئون جيفة و قذارة܀
*****
قِطْلا  أْوِيـذْ  بْــگو  إِيـتَـا.  بْــبِّــيـثَــا  دْآلاهٰا  وْدَرْتَـا.
بْـآذِي  دُوكْـثَـا  قَدِّيـشْـتَـا.  پِــشْلِـيـهْ  خِـزْيـا  نِـيـشَـنْ  دْبِــيــشْــتَــا܀
قاموا بالقتل في الكنيسة. في بيت الله وفي الفناء.
في هذا المكان المقدس. شوهدت معالم النجاسة܀
*****
لْـصُـورْيَـاثَـا  قَـدِّيـشَاثَـا.  كِـمْ  چِـيقِيـلَــيْ  بْــبِّــيـشُوثَـا.
 مَــلَّا  پْــقِــذْلِــيــهْ  بْـأَذْ  شُولا.  خْشِيخِيـلَــيْ  دْپَــيــشــي  مْــرُوزلِــيــهْ  وْمُوقذِيــهْ܀
مزَّقوا الصور المقدسة. بكل حقدٍ وقساوة.
مَلَّا أمر في ذلك العمل. مستحقة ان تدنس وتحرق܀
*****
بَـاثَـر  مٰا  دِكْــمِــلَّا  دَبَــرْتِــيــحْ.  بْــأَلقُوش  مْكُومِلِّــيــهْ  شَهْوِتِّـيحْ.
لْـنُوهَدْرَا  هْوللِّــيــهْ  بَـالِـحْ.  بِـجْـيَـالَا  بَــثِــرْ  عَلي  بَــكْ  وْأُومْـثِــيـحْ܀
 بعد ما كَمُلَ تدبيره. في القوش بلغ مبتغاه.
 إلى دهوك وجه أنظاره. يبحث عن علي بك وطائفته܀
*****
أَذْ  أَمِّـيرَا  دَسْنَـايَـا.  قْطِلْـوَالِـيـهْ  آغَا  مْزُورْنَـايَـا.
عَلي  آغا  أليمٰانَـايَــا.  بِــرْدْ  عَـمِّــيــهْ  دْمَلْلَّا  يَــحْــيَــا܀
 هٰذا الأمير اليزيدي. قَتل أغا المزورية.
علي آغا البالطي. ابن عم الملا يحيى܀
*****
أَذْ  أَمِّـيرَا  دْدَّسْنَـايِــيــهْ.  عَاصِـيـوَا  لْمُـوشِلْمٰانِــيــهْ.
وْشاكِـيـوَا مِنِّــيــحْ كَــبِــيرِيــهْ.  دِژْمِــنْ  دْمُــوشِــلْـمَــنْــتُــوثَــا܀
هٰذا أمير اليزيدية. كان يتمرّد على المسلمين.
ويشكون منه كثيراً. عدواً للاسلام܀
*****
بِــپْــرِيــشُــوثَــا  مَــلَّا  سِــنْــيَــا.  مْــكَــشْــكِــشْــوَا  دْآوِذْ  رْذُوپْــيَــا.
تَــدْ  قَاطِلْ  وْسَالِــبْ  وْنَــاهِــبْ.  لْأُومْـثَــا  دْيَــزيدْ  أُوْ  طَــعْــيَــا܀
 وخاصةً الملَّا المكروه. كان يحرض لعمل الاضطرابات.
ليقتل ويسلب وينهب. في طائفة يزيد الضال܀
*****
خْـلِـصْوَالَـيْ  آنَــيْ  مِــنِّــيــحْ.  وْدِيــرِيــهْ  كُودْ  نِــيــخْــتَــا  نِــيــتِــيــحْ.
وْلِـــيـــثِــنْ  بِـيشْتَــا  بْــتَــخْــمَــلْــتِــيــحْ.  وْفِــتْــليــهْ  مْــگِــيــبَــنْ  بْعِـدَّانِــيــحْ܀
نجَوا هؤلاء منه. ورجعوا عندما وصل الى مراده.
وزالت الفطنة من تفكيره. ومروا من امامنا في الحال܀
*****
وْبَــاثَــر  يَـومٰاثَــا  قِــصِّــيــهْ.  مُــوخْــشِــخْــلِــيــهْ  لِــتْــرَاوَيْ  مِــيــرِيــهْ.
دْمَـوصِـلْ  وْبَــهْــدِيــنَــنْ  بُــورِيــهْ.  دْهٰـاوَيْ  إِمِّــيــهْ  مْــقَــتْــلانِــيــهْ܀
وبعد أيام معدودة. جعل كلا الأميرين.
أمير الموصل وامير بهدينان الجاهلين. ليكونا معه حلفاء܀
*****
وْكُـودْ  مْــطِــيــلَــيْ  لِــخْــذَاذِيــهْ.  خَــيــلاوَثَــيْــهِــي  وْچَــكَّــيْــهِــي.
لِــيـطِــيــهْ  مْــخِــيــلَــيْ  لْــبَــهْــدِيــنَــنْ.  وْخَــيــلاوَثَــيْــهِــي  پِــيــشْــلَــيْ  مْــبُــورِبْــزِيــهْ܀
وعندما إنضموا إلى بعضهم البعض. قواتهم ومعدَّاتهم الحربية.
المعتدون هجموا على بهدينان. وقواتهم تشتت܀
*****   
گَــا  خِــرْتَــا  مَلَّا  هْــوِلِّــيــهْ  مَــشَــرْتِــيــهْ.  دِمْــشَــادِرْ  لْأَلْــقُــوشْ  أَخُــونِــيــهْ.
مْــبَــاثَــرْ  مٰـا  دْأَمِّــيــنُــوثَــا  لا  هْولِّــيــهْ.  وْهَـمْ  لا  گْــلِــيـــلِــيـهْ  وْمُــويْــذِيــلِــيــهْ܀
ثانيةً الملَّا أعطى المشورة.حتى يبعث شقيقه الى القوش.
من بعد ان امتنع في اعطاء الامان، ايضا لم يكشف ولم يوضح܀
*****
مَاثَـا  كُــولَّــحْ  شْغِشْوَالا.  وْبْـلَــيْــلِــيــهْ  لْمُوصِلْ  نْـخِــثْــوَالا.
خَــكْــمٰـا  مِــنَّــيْــهِــيْ  پِــيــشْوَالَــيْ.  لْــوَعْدَا  دِيِّــيحْ  تْــكِــلْوَالَــيْ܀
القرية كلها إضطربت.في الليل نزلت الى الموصل.
بعضهم بقوا فيها. واتّكلوا على ما اوعَد به܀
*****
وْثِــيــلِــيــهْ  أَخُـونَــا  دْأَذْ  بِــيــشَا.  رَسُولْ  بَـكْ  بْــعِــدَّانَــا  دْرَمْــشَــا.
وْأْرِيــلِــيــهْ  كُولِّــيــهْ  أَذْ  كِــنْــشَــا.  وْكِــمْ  مَــطْــئِــنَّــيْ  كُــولْ  حَشَّـا܀
وجاءَ أخو هذا المجرم.رسول بك في وقت صلاة العصر.
وحجز جميع الاهالي. وحمّلهم كل العذاب܀
*****
خْـوِيــشِــيــلِــيــهْ  كُــولَّــيْ  بْــئِــيــتَـــا.  وْبْــكُـولْ  تَــرْزِيــهْ  دْجُــونْــجَــارِيــهْ  كِــمْ  عَــاذِبْــلَــي.
 وْمِــنْ  مْخَـيَــاثَـا  مِــنَّــيْــهِــي  مِــثْــلَــي.  وْسِــيــمٰــا  طَالِــبْـوَا  مِـنَّــيْــهِــي܀
 حجزهم في الكنيسة. وبأشكال العذابات عذّبهم.
ومن الضرب توفى بعضهم. وكان يطالبهم بالفضة܀
*****
مِـنْ  رْأُولْـتَــا  وْمِـنْ  زْدُوثَـا.  مُوپِــقْـلَــي  دِهْــوَا  وْسِــيــمٰــا  وْحُــوجْــيَــاثَــا.
 وْبْــئِــيــذَيْــهِــي  هْـوِلْــوَالَــي  أَنْ  دْوِيــوَا  مْــطُـومْــرِيــهْ.  أَنْ  أَتِـيــقِـيـهْ  وْأَنْ  خَاثِــيــهْ܀
 من الخوف والفزع. اخرجوا الذهب والفضة والحُلي.
وبأيديهم سلّموا ما كان مخبّئاً. القديم منه والجديد܀
*****
مِـنْـدِي  دْپِــشْــوَالِــيــهْ  مْـنِــهْــبَــا.  وْگْــنَــاوَا  وْسلابَــا  قَــمٰـايَــا.
كِـمْ  شَــقْـلِــيـلِـيهْ  بْــأَذْ  خَــرَايَــا.  وْمَــاثَــا  مْــسُــوپْــيَــا  لِــخْــرَاوَا  وْفْــنَــايَــا܀
الأشياء التي بقت من النَّهب. والسرقة والسلب الأول.
أخذوها في الحملة الاخيرة. والقرية سُلِّمت للخراب والفناء܀

انتهى الجزء الثالث ويليه الجزء الأخير
nabeeldamman@hotmail.com
November 20, 2020 California




97
قصيدة باللغة السريانية الفصحى من القرن التاسع عشر الميلادي- الجزء الثاني
دميانوس گونديرا
مقدمة:
     قصيدة تاريخية من ثمانية اوراق، تحكي ما حدث في القوش في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وعلى يد شاعرها القس دميانوس گونديرا الذي تفرع منهم بيت وكيلا الألقوشي. ساعدني في قراءتها الصديق نشوان الياس خندي المقيم في لندن، ثم اعدنا قراءتها مع الشماس  القدير خيري داود ججيكا، لتترجم الى اللغة العربية بتاريخ 10- تشرين الثاني- 2020.
 

   
القصيدة بالگرشوني مع الترجمة الى اللغة العربية:
وْكُـودْ أَنِــي بْــيَـاذَا مَـشَـرْتَـا. لْإِيـمٰـا مٰاثَـا تَـدْ زَالَـيْ.
مِـنْ تَـامٰا هْوِلَّــي قَالا . وْهِـجْـلَـي وْنْـخِـثْـــلَــي بْــعِــدَّانَــحْ خْــپُـوخَـا زَرْبَـانَـا܀
وعندما كانوا يتشاورون. الى اية قرية يذهبون.
من هناك صرخوا كالرعد. ثاروا ونزلوا في الحال كالعاصفة܀
وْنَـاشَنْ رِپْــيِــيــهْ وْخَاصَـا لَــتَّـــي. كِــمْ أَرْيَــالَــيْ زْدُوثَــا وْرْأُولْــتَــا.
مِـنْ زْدُوثَــا وْمِـنْ رْأُولْــتَــا. شْوِقْــلَــيْ لْمٰالْ وْمِـنْـدِي وْقِــنْــيَــانِــيــهْ܀
اهلنا ضعفاء وليس لهم ظهير. تملَّكهم الخوف والارتجاف.
من الخوف ومن الارتجاف. تركوا الاموال والدّواب وكل شيء܀
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟. *
وْشْوِقْــلَــيْ بْــنُـونِــيــهْ وْبْــنَــاثَــا. وْمْـخُـولِــصْلَـيْ گْــيَــانَــيــهِــي بِــأْرَاقَــا܀
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وتركوا ابنائهم وبناتهم. وخلّصوا انفسهم بالهروب܀
مْـبُـورْبِــزْلَــي إِنْـشِــيــهْ وْگُــورِيـهْ. بْـدَشْـتَــاثَــا وْبْــگُــو طُــورَانِــيــهْ.
وْمَـعِـيـقَـانَـيْــهِـينْ كَــاپُــورِيــهْ. نَــخْـرِيوَالَــي مِـخْ بَــرْخِــيــهْ܀
تشتت الرجال والنساء. في السهول والجبال.
ومضطهديهم الكفّار. يذبحونهم كالخراف܀
بْـــپَّــلْــگَــا دْآذِرْ وِدْصَـومَا. أَرْبُـوشَابَـا وِيوَا  يَـومَا.
دْثِــيــوَالِــيــهْ أَذْ لِــيــطَــا بِـيــشَــا. لْأَلْــقُوشْ مِــنْ نَــاشِــيــهْ مْــلِــيــثَــا܀
في منتصف اذار والصوم. كان يوم الأربعاء.
الذي أتى فيه الشرير الملعون. الى القوش الممتلئة بالسكان܀
بْــآذِي يَــرْخَا دْبُــورْكَــاثَــا. دِبْــگَــاوِحْ كِــمْسَــقْــلِــي أَرْءَآثَــا.
بْــمِـــشْــتُــولْــيَــاثَــا وْبْـــيِــرْقُــونِــيــهْ.  وْبْــشُوشَــنِّــيــهْ مِــلْــيِــيــهْ مْــگَــوْنِــيــهْ܀
في هذا الشهر المبارك. الذي به تتزيَّن الأراضي.
بالمزروعات والخضار. وبالورود من كل الألوان܀
بْــگَــاوِحْ  صْوِيــلَــي حَــقْـلاثَــا. بْـدِمَّـا دِجْـوَنْـقِـيـهْ شَـپِّــيــرِيـهْ.
وْمْـبُـورْبِــزْلَــي بْـطُـورِيــهْ وْبْـدَشْـتَــاثَــا. يَـالِــيــهْ زُورِيــهْ وْخَـمٰـاثَــا܀
فيه إصطبغت الحقول. بدماء الشباب الحِسان.
وانتشروا في الجبال والسهول. الاولاد الصِغار والشابات܀
مْــنُــوهْــمِــيــرَيْ كَــاپُــورِيــهْ خْــأَرْيَــا. وْصْهِلْــوَالَــي مِخْــدِيــگِــدْ دْسُوسَا.
وْقْــطِــلَّــيْ وْلا خِــسْـلَــيْ  لْــزُورِيــهْ. وْلا لْــسَــاوِيــهْ رَابِــيــهْ بْــشِــنِّــيــهْ܀
زأروا الكفار مثل الاسد. وصهلوا مثل الحصان.
وقتَلوا ولم يأبهوا بالصغار. ولا بالعجَزَة وكبارُ السنِّ܀
أُوذِيــوَالَــيْ خْــگِــدِيــشِــيــهْ. وْمَــشِــلْــخِيــوَالَــي مِــنْ لْــوِيــشْــتَــا.
وْقَطْــلِــيوَالَـــي بْــــئِــيــهْ عِــدَّانَــا. بْــگُــو سِــيــــپِــيــهْ وْبِــسْكِــيــنَــاثَــا܀
كانوا يكدِّسونهم مثل الحصيد. وينزعون عنهم ثيابهم.
وكانوا يقتلونهم في ذات الوقت. بالسيوف والسكاكين܀
مَــشِــلْــخِــيوَالَــيْ مِــنْ جُــولْــلِّــيــهْ. گُــورِيــهْ وْإِنْــشِــيــهْ بِــخْــذَاذِيــهْ.
وْمَــطِــئْــنِــيوَالَــي كُــولْ عُــوذَابِــيــهْ. لْآنَــيْ مِــسْــكِــيــنِــيــهْ وْمْــشُــوقْــيِــيــهْ܀
وكانوا يعرّونهم من ثيابهم. الرجال والنساء معاً.
ويحمّلونهم كل العذاب. لأولئك المساكين المتعبين܀
أُوفْ لْأَيْــنِــيــهْ  مِــلْــيِــــيــهْ مْــحُــوبَّــا وْحَــنِـــيــنُــوثَــا. دْبَـابَـاوَاثَـا وْهَــمْ دْيِــمَّــاثَــا.
دْلِــبَّــيْــهِــيْ يَــاقِــذْوَا بِــخْــزِيــثَــا. مْــلِــيــثَــا مِــنْ كُــولْ مَـارِيــرُوثَــا܀
آهٍ لتلك العيون الممتلئة حبّاً وحناناً. للآباء والامهات.
الذين قلوبهم تحترق من رؤيةٍ. مليئة بكل المرارات܀
بَـابَـا خَازِيوَا بْــرُونِــحْ. قْــطِــيلا قَــامِــحْ بْــقِــشْــيُــوثَـا.
وْيَــاذِيوَا دْمِــنْ بَــاثَــرْ بْــرُونِــيــهْ. آهُوُ بْــقَــطْــلِــيــلِــيــهْ خْــوَاثِــحْ܀
الأب يرى ابنه. مقتول امامه بقسوة.
ويعلم انه بعد ولده. يقتلونه مثله܀
عَــيَـــطَّـــيْــهِــي لْأَرْءَا شَــأْشَاوَا. بْــخِــيــثَــــيْــهِــي لْــكِــيــپِـــيــهْ مَــبِــخْــيَــاوَا.
يِـــمَّــا بِـــبْــرُونَــحْ خِــيرَاوَا. وْدِمْــخَــلْــصَــالِــيــهْ لَــثْــوَابَــا܀
صيحاتهم كانت تهز الارض. بكائهم كان يبكي الحجر.
الأم تنظرُ الى ابنها. ولا تستطيع حتى ان تخلِّصَه܀
كَــهْــنِــيــهْ مْــيَــقْــرِيــهْ وْرَبَّــانِــيــهْ. شِــيــڨَــانِــيــهْ وْمْــدَبْــرَانِـيـهْ دْنَــاشِــيــهْ.
كِــمْ قَــطْــلِــيــلَــي كَــاپُــورِيــهْ. نَــاشِــيــهْ بِــيــشِــيــهْ وْعَــاوَالِــيــهْ܀
الكهَنة الموقّرون والرهبان. رعاة ومدبِّري الرعية.
قتلهم الكفّار. الناس الأشرارُ والمجرمون܀
قْــطِــلْــوَالَــيْ بْــآذِي گِــدْشَــا. كَــهْــنِــيــهْ شُــوءَا بْــمِــنْــيَــانَــا.
خَــاءْ رِيــشَا دْدَّيْــرَا وْئِــيذِيــئَــا. بْــشِــمَّــا وْطَاوُوثَــا وْهُونَــا܀
قتلوا في هذه المجزرة. سبعة من الكهنة.
احدهم رئيس الدير المعروف. بالإسم والطيبة والحكمة܀
أَذْ رِيــشَا دْدَّيْــرَا مْــيَــقْــرَا. گَــورِيِّــيلْ أَوْدَا دْمَــرْيَــا.
 وْكِــمْ مَــطِــئْــنِــيـــلِــيــهْ عُوذَابِــيــهْ وْمَــارِيرْوَاثَــا. وْعَـاوَالِــيــهْ بْــرِشْ طُــورَا كِــمْ قَــطْــلِــيلِــيــهْ܀
هٰذا رئيس الدير الموقّر. گوريال عبد الرب.
حملّوه عذاب ومرارة. المجرمون قتلوه على رأس الجبل܀
وْدنَــاشِــيــهْ مْطِــيــلِــيــهْ مِــنْــيَــانَــا. دِقْـطِــيــلِـــيــهْ دْپِــشْــلَــي كْــثِــيــوِيــهْ.
لِــطْــلاثَــا إِمِّــيــهْ  دْلا نُــوقْــصَانَــا. وْهَـرْ هٰـادَخْ شَــوئِــي خِــنِّــيــهْ܀
وبلغ عدد الناس. الذين قتلوا وتم احصائهم.
ثلاثة مئة بدون نقصان. وهكذا سبعين فوقهم܀
نَــاشِــيــهْ مْــيَــــقْــرِيــهْ وْأَتـــيـــرِيــهْ. لَــثْـوَا طَــالَــيهِـي قَــوَارِيــهْ.
جْــوَنْــقِــيــهْ شَــپِّــــيرِيــهْ وْهِــيــــبَــانِــيــهْ.  قَــورَاثَــــيْــهِــي پِــشْــلَــي گَــلِــيَّــتْ وْطُــورَانِــيــهْ܀
 أناس محترمون واغنياء. لم يتوفر لهم دفّانين.
شبابٌ في الجمال والهيبة. قبورهم اصبحت ودياناً وجبالاَ܀
مِــنَّــيْــهِــي بْــكَــاسَا دْحَــيْــوَانِــيــهْ. پِــــيــشْــوَالَــهْ طَــلَــيْــهِــي قَــورَا شْــوِيــثَــا.
وْلا مْــطِــيــلا طَــلَــيْــهِــي دُوكْـــثَــا زُورْتَــا. أَيْــكَـا دِيــلَــي نَــاشِــيــهْ قْــوِيــرِيــهْ܀
منهم في بطونِ الحيوانات. اصبحت لهم قبراً وفراشاً.
ولم يحصلوا على مكان صغير. في مقابر موتى البشر܀
وْلَــثْــوَالَــي مْـعَـدَّنْــيَــاثَــا. لَا لْــزُورِيــهْ وْلَا لْــخَــمٰــاثَــا.
وْلا پِـــشْــلَا أْوِيــذْتَــا تَــعْــزِيَة. لْـحَــبِّــيــوِيــهْ أْيَــالِــيــهْ مْــدُولْلِّــيــهْ܀
لم يكن لهم معدّدات. لا للصغار ولا للشابات.
ولم تُقَم لهم تعازي. للمحبوبين من الاولاد المدلَّلين܀
أَلْــقُــوشْــنَــايِــــيــهْ شَــپِّــــيرِيــهْ. وْمَــرْ شُوهٰـارَا  وْرَامٰـانِــيـهْ.
قَــلْــعٰــاثَــا بْــأَرْءَآ خْــشِــيــوِيــهْ.  وْمِــيــخُــولْــتَــا تَــا حَــيْــوَانِــيــهْ پِــشْــلَــي صِــيــپِــيــهْ܀
ألقوشيون الحِسان.اصحاب الإفتخار والعَظمة.
محسوبون قِلاعٌ في الارض. ليصبحوا طُعماً مرصوفاً للحيوانات܀
الهوامش:
* هذا البيت لسبب اجهله مفقود من القصيدة.

انتهى الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث
nabeeldamman@hotmail.com
November 10, 2020 California




98
مصابٌ جَلل في وفاة صادق توما توماس
نبيل يونس دمان
     اقف امام موتَ صادق (صلاح) المُفاجئ، وقفة فيها من الحُزن والتأمّل الكثير، وما يحدث في هذا الزمان من تغيّر الأحوال وتراكُم الهموم والمَصائب، فوقَ ضيم بِلادنا من سَطوة الطُغاة والفاسدين الى داءٍ كالليلةِ الكأداءِ، انّه كورونا المستجدّ الذي يقف في طريقنا ويشبعنا فزَعاً وحَذراً، طالَ أمَدُه من شهرٍ الى شهر ومن فصلٍ الى فصل، ليخطفَ من بيننا وعلى حين غَرّة، أعزاء وعزيزات في أرض الوطن، وفي أماكن متفرقة من أرض شتاتنا وابتعادنا.
 

في دير صيدنايا بالشام صيف عام 1987
     صلاح الذي حكمت عليه الظروف ان يعيش ولقرابة الأربعين عاماً في بلاد الجيك ( براغ) مضطراً، هناك أنشأ عائلة زاهية جميلة من ولد وبنت ورفيقة مُثلى من رفيقات تلك البلاد، من هناك كان يأتي كما الطير الأليف الأصيل، فيزور أهله وأصدقائه المبعدين قسراً وظلماً من اوطانهم، هكذا كان صلاح الذي ولد في القوش وتحمل ظروف أسرته البطلة من والدٍ حمِل البندقيةَ في الجبالِ والوديان رافضاً للذلِّ والطُغيان، وأمٌ عظيمة هي ظهير الوالد في الصِعاب التي واجهته والمآثر التي إجترحها.
     صلاح إلتقيته في سوريا، في أميركا، وفي العراق بعد أفول نجم الدكتاتورية، لكن لم يكتمل فرحنا فقد حلت الفوضى وركب الموج جيلٌ مشوه نتيجة الحروب، وتكالب الطامعون في خيرات وطننا، من دول المنطقة التي بأجملها تشكل شرقُ أوسطٍ تكثر فيه براميلٌ من البارود، مستعدة للإنفجارِ في أية لحظةٍ وأية بُقعةٍ، من البرِّ المُمتدِّ من المحيطِ الى الخليج.
 

في مشيكان صيف عام 1994
    دون هذا الحادث الجَلل والمصاب الأليم أعجزُ عن فعلِ شيءٍ، وإزاءَ هذه الصُدف القاتلة التي لم تدُر على البالِ ولا جالَت في الخاطِر، ان لا يُصبره الموت حتى يرى ولو للمرة الأخيرة زوجته وأولاده. في اربيل لفظ انفاسِه الأخيرة، ونقل الى ارضِ آبائِه وأجدادِه ليوارى الثرى قُربَ والديه توما توماس والماس زلفا، وفي هذه السنة سبقه شقيقه الأكبر جوزيف، الذي إمتزجَ جسده في تربة اميركا، وفي زمن الكورونا نفسه الذي حدّد المشاركة في المراسِم وتقديم التعازي التي كانت ستُقام في هذا الرحيل المُزلزل.
 

في القوش ربيع عام 2019
     كُتب علينا ان نرى فِراق الإخوة والأصدقاء والمحبّين في بقاع الأرض، وبخاصة هذه العائلة الطيبة المناضلة، التي تبقى أفضالها ومآثرها إمثولةً للأجيال. مِثلُ صلاح فرغم حياتِه الطويلة في المنفى ودراسته في اوربا، بَقي لصيقاً وقريباً من وطنه العراق حتى اختلط جسده بتراب الوطن الغالي، بالغُ الأسى على فِراقه، والبركة في عائلة ككّا المُنجبة للأبطال والرافضين للظلم والأباة على مدى السنين.
     نُم قريرَ العين صلاح، يصعبُ عليّ ان أكون بعيداً، ولم أستطع توديعك في مستشفى أربيل، ولا ان اشارك في مراسِم دَفنك فوق تل مقابر القوش، الذي يحتضن رُفات ابناءٍ وبناتِ هذه البلدة عِبر التاريخ، إنها صغيرة ولكن مَكانتها كبيرة ومعروفة في كُلِّ انحاءِ العراق.
8- تشرين الثاني 2020

99
قصيدة اولى باللغة السريانية الفصحى من القرن التاسع عشر الميلادي
دميانوس گونديرا
مقدمة:
     قصيدة تاريخية من ثمانية اوراق، تحكي ما حدث في القوش في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وعلى يد شاعرها القس دميانوس گونديرا الذي تفرع منهم بيت وكيلا الألقوشي. ساعدني في قراءتها الصديق نشوان الياس خندي المقيم في لندن، ثم اعدنا قراءتها مع الشماس  القدير خيري داود ججيكا، لتترجم الى اللغة العربية بتاريخ 1- تشرين الثاني- 2020.
 

   
القصيدة بالگرشوني مع الترجمة الى اللغة العربية:

عُونيثا إِلِّدْ قِطْلا دِگْدِشْلِيهْ لْماثا دْأَلقوش بْشَاتَا 1832 لمارَن، بْئِيذا دْقاشا
دُوميانوس گونديرا أَلقوشايا
بقالا: إِوْ لاخْ عُوبَّا.
بْشَاتَـا دْأَلْـپَـا وتْمَانِيهْ إِمَّا. وْتْرِيهْ وْطْلاثي لِمْشيحا مَلْكـا مْرَيمَا. ثيلا مْخِيثَـا ديلا خْشِخْـتَـا دْپِـيشا تْخِيرْتَـا. لْأَلقوش ماثا رَبْثَـا. مْخِيثَـا دْسَيپَـا مْئِيذا دْخَا عَمَّـا پْـليـطا شِـمِّـهْ بظالُـومُوثا. دْسُورَانايِــيـهْ مِلْيِيهْ قِشْيُوثَـا. وْكُـولْ عَوْلا وْكُولْ سِرْيُوثَـا. وْلْـگِـيبَيهِنْ لِيثِـنْ مْرَحْمٰانُوثَـا܀

قصيدة على القتل الذي تعرضت له بلدة القوش في سنة 1832 الميلادية،
بيد القس دوميانوس گونديرا الألقوشي
على لحن "إِوْ لاخْ عُـوبَّـا"
في سنة 1832 للمسيح الملك الإله، جاءت الضربة التي تصلح ان تُذكرَ، على القوش البلدة الكبيرة، التي ضربت بالسيف من يد الامة المعروفة في ظلمها، السورانيون الممتلؤون قسوة، وكل الآثام والمعاصي، ولا وجود للرحمة عندهم܀


بْآذِي شَاتَـا دْپِـيشلَـهْ تْخِيرْتَـا. كُودْ وِخْوَا تِـيوِيهْ بِشْلامَا. لْـغَفْلِـيهْ پِيشْلِيهْ خِزْيَـا بْـخَـا يُومَا. أَمِّيرا  دْرَاوندُوز  فَنْدَانَـا܀ بـطِشْـوَا أْويرِيهْ لْأَثرا أَتيرَا ومَرْ إيقارَا دموصل. مَحَمَّد شِمَّا دْأَميرا.  تِلميذَا دْشُولطانَـا دْعَوْلا܀


في هذه السنة المذكورة، عندما كنا ننعم بالسلام، فجأةً شوهد في ذلك اليوم، امير راوندوز المحتال دخل خلسة الموصل܀ تلك المنطقة الجميلة والغنية، محمد كان اسم الامير، تلميذ سلطان الظلم܀

وْكُودْ أْوِيرِهْ لْـئِيلْ مِن موصل. نَـاشيهْ مِنِّحْ كَبيرا زْدِيلَي. إِمِّدْ دْچُو نَـاشَـا بيشتَـا لا أوِذْلِـيهْ. وْهِلْ دِدْإِيرِيهْ وْمشُورِيلِيهْ بِخْرَاوَا܀ ثِـيوالِـيهْ تَدْ خَارُوَّا. طائِفَة دْذِزْدَائِــي سْريثَـا. أوِذْوالَـي إِلِّيحْ عِصْيانُوثَـا. وْمْخُولِصْلَـي گْـيانَـيـهِي بِـأْرَاقا܀


عندما إجتاز من شمال الموصل، كثيرٌ من الناس خافوا منه، لم يتعرض للناس بالسوء، وعندما رجع بدأ بالتخريب܀ جاء في طلب ، الطائفة الأيزيدية،لأنهم أعلنوا عليه العصيان، ثم هربوا ليخلصوا انفسهم܀

وْكُودْ مِنْ بَـثْـرَيْــهِــي پْـثِـيـلِّـيـهْ. لْمَاثَـا دِحْطارَا خْـذِيـرِيـهْ. وْلا آرُوقَا شْوِقْلِـيهْ دْآرِقْ. لْگُورِيهْ قْـطِـلِّـيـهْ وْلْإِنْشِيهْ كِمْ يَاسِيراي܀ تِشْئَـا بْگُو يَرْخَا دْآذِرْ. حْطارَا بْگُو سيپَـا مْخِيلِـيـهْ. مْطِيلِـيـهْ لْـنَـاثَـنْ أَذْ گُونْحَا. دِأْوِذْلِـيهْ أَذْ مَرَّاحَا܀


 عندما استدار خلفهم، ثم حاصر قرية حطارا، لم يتركَ احداً يهربَ، قتل الرجال، وأسّر النساء
في التاسع من آذار، ضرب حطارة بالسيف، وصل الى مسامعنا هذا الجُرم، الذي عمله هذا الوَقِح܀



 وِزْدْوثِحْ بْـلِـبَّـن أوِيرَا. وْمِنْ گْـيانَنْ نْـياخَا شْقِلَّا. خْذَا شَبْـثَـا شْغِـيـشْـتَـا وَاوَا. مَاثَـا قَـطْ لا خْزِيلا نْـيَـاخَا܀ وْمْبَـاثَـرْ مَا دْقِمْلِـيـهْ دْزَالِـيـهْ. خَا بيشَا نْـپِـقْـلِـيـهْ لْـقِـيمُوثِـيحْ، مَشَـرْيَـاثَـا كَـبِـيرِيهْ كِمْ يَـاوِلِّـيـهْ. وْمْـبِـيـرِشْ لْـبَعَذْرِيهْ دْئِـيـرِيـهْ܀

خوفهُ ملكَ قلوبَنا، وفي أنفُسنا لم يتركَ الراحة، كان الإسبوعُ مضطرباً، والقرية لم ترى الراحة܀ بعد ما قام ليغادر، خرج امامه أحد الأشرار، ونصحه بأمور كثيرة، فرجع ثانيةً الى باعذرا܀

أَذْ سَاطانَـا مُوحْكِيــلِـيهْ إِمِّيهْ. مَلَّا يَـحْـيَـا وْكِمْ مَـجْرِطْلِيهْ. مْشُوخْلِـپــيـلـيهْ لْـخُـوشَـاوِيـهْ وْلْـتَـخْـمَلْـيَــاثِـيـهْ. وْمْكِينُوثَـا كِـمْ مَـرْحِقْـلِـيهْ܀ مِنْ سْنِيثِـحْ لْدَسْنَـايِـيهْ. وْلْأَمِّيرِيهْ دْعُومَدْنَـايِـيهْ.  وْهَمْ لْأَلْقُوشنَـايِـيهْ. كِـمْ مَخْزِيـلِـيـهْ أُورْخاثَـا كَـبيرِيـهْ܀

هذا الشيطان تكلم معه، الملّا يحيى جعله يخطأ، ويغير رأيه وفكره، وابعده من العدالة܀ من كرهه للأيزيدية، ولأمراء العمادية، وحتى للالقوشيين، علّمه طرقاً كثيرة܀
 
لا مُوشِلَّا چَـخَـسْـتَـا. دِدْرِيلَا إِلَّـنْ كِـيـنُـوثَـا. مْبَـاثِـــرْ حْطارَا  بِخْذَا شَـبْـثَـا. أَلْقُوش خْذِيرَا لْخَيلَاواثَـا܀ خَـكْـمَا إِمِّدْ أَمِّيرا دِيـيَّـايْـهِـيـنْ. أُورْخَـيْـهِـينْ لْماثَـا مْـعُـودِلَّـي. وْمِنَّـايْـهِـينْ مْبَـاثِرْ طُورَا پــرِسْـلَـيْ. وْأَخْني بِـيـنَـاثَـيـهِـيـنْ پِـيشْلَنْ ܀   


لم يتأخر في الإنتقام، الذي اصبح مُقرراً، من بعد حَطارا باسبوع، حاصرت القوات القوش܀ البعض منهم وجهوا طريقهم، للقرية مع أميرهم، والبعض الآخر انتشروا من خلف الجبل، ونحن اصبحنا في الوسط܀
 
نَـاشِـيهْ كُـودْ لا رْإِشْـوَالَـيْ. بْـــآنَــي دْمِنْ طُورَا أْوِيرْوَالَـيْ. نْـپِـقْـلَـيْ مْمَّاثَـا وْسِقْوَالَــي. وْلْرِيشَا دْطُّورَا تُوَّالَــيْ܀ عَـسْكَـرَاثَـا لْمَاثَـا مْطِيلَـيْ وْأوِيرَيْ. وْأَيْـگَـاهٰا دُوكْـثَـا شْـقِـلَّـيْ. وْأُورْخَـيْـهِـيـنْ بِـرْخَاشَا مْعُـودِلَّــيْ. لِـخْـذَا مَاثَـا تَـدْ زَالَـيْ ܀
 
والناس ليس لها علم، بالذين جاءوا من الجبل، خرجوا من القرية وصعدوا، ثم جلسوا على قمة الجبل܀ وصلت القوة ودخلت القرية، ومن ثم عسكروا مسافة، ووجهوا مسيرتهم الى احدى القرى܀

انتهى الجزء الأول وتليه ثلاثة اجزاء
nabeeldamman@hotmail.com
November 1, 2020 California




100
قصيدة الموت في " ﭘيوس" *
القس صومو
سبحان الذي عجننا، على الطيبة التي اعطانا، بسبب اعمالنا السيئة
بسبب عملنا وخطيئتنا.... اعمالنا وافعالنا وصفاتنا، بعث الينا المصائب
ارسل لنا المصائب ، قدّر غضبه لمعاصينا، وادار وجهه عنّا
ادار منّا وجهه، لعدم التزامنا بكلماته، وتغييرنا لطرقه
&&&&&
ترك بيوتهم خربة، رموا مفاتيحها على السطح، ابتدأ ببلاد الموصل
عندما بدأ من الموصل انتشر، قتل ستين الفا، ورشّ سمُه على بيوس
رش سمه مثل الثعبان، في بلدة بيوس المكتظة، وحولها محروقة ومهجومة
ابتدأ في العشرين من نيسان، ذرى رماده في بلدتنا، حلّ في محلة التحتاني
حلّ في بيت شابا، فرماهم في العذاب، الذي هو مُر وصعب
&&&&&
قتله وقتل زوجته، وكناته زوجات اولاده، من تسعة ترك اثنين
عندما غادر بيت العم شابا، صادف بيت ابريم،  فمحق بيته العامر
قتله وقتل زوجته، كناته وثلاثة من اولاده، وترك ابنته البومة
بعد ان انتهى من القتل، وجه انظاره الى الشمال، فدخل الى بيت عبدالا
قتله وقتل بناته، وبلبل حوشهم، ولم يترك انسان في بيتهم
&&&&&
عندما خرج من بيت عبدالا، مسك زقاق درامان، اوقع الرجال والنساء
اكمل القتل هناك، وبدأت الناس ترتجف، وتوجِّه انظارها للهرب
امتلئ السهل الفوقاني، والكهوف المحيطة، بناس هاربين من الموت
هربوا تاركين القرية، صغار ورجال ونساء، ذهبوا الى الجبال والسهول
هناك خرج لهم، داهمهم بدون رحمة، فاشعل قلوبهم
&&&&&
اشعل قلوب، الشباب الغض والشابات الحسن، جثاميناً رجعت الى القرية
قتل الشباب الجيدين، قوامهم كما الإفرنج، ورقابهم كما الرومان
كذلك قتل الشابات، قوامهن كما الغرسات، وجمالهن كما القمر الجديد
قتل عرسان شباب، وشمامسة عزيزين، وكانون ابن كنزي المسكينة
قتل الشباب الحلوين، شمامسة متعلمين جيداً، صوتهم مثل صوت النفير
&&&&&
كذلك قتل التلاميذ، بالمنظر والعقل والقراءة، ومن الكهنة القس اسرائيل
وهكذا مثل النار المضطرمة، تلف ناس بدون حد، وبيوت كثيرة نسفها
هدم بيوت وخربها، وكمّل اصحابها، وارعب اخرون رعباً
نشر خوفاً للاخرين، لم يتوقف ولم يهدأ، وكلما تقدم ازداد ضراوة
ازداد كما الاسد الهائج، وكل بيت رآه دخله، افرغه من ساكنيه وخرج
&&&&&
عندما رجع وجه انظاره، عبر الى بيت اسحق، قتله وقتل وزوجته
عندما خرج من بيت اسحق، ضرب مثل البرق وقفز، قتل عبّو واخيه
من هناك صعد الزقاق، فالتقى بالمظلوم موشي، وافرغ بيته العامر
قتل ثمان أنفس، بين رجال ونساء، كلهم شباب وشابات
بعد ان محي بيته، لفت وجهه جهة الجنوب، الى خوشابا وزوجته وبناته
&&&&&
ذلك البيت ايضا قتلهم، من هناك خرج وذهب، ليضرب هرمزد المدلل
قتله وقتل كنته، ثم هجم على ابنه الوسيم، واخذه مثل الذئب
عندما ملص من تلك المحلة، انهاها وخرج منها، هناك صرخ في القرية
هناك طوّق القرية، كمن يشهر سيفه الجديد، نسف الشباب والشابات
شباب وشابات نسفهم، لم يتوقف ولم يسترح، وجه غضبه الى بيت صومو
&&&&&
اخذ امرأته وإمرأة اخيه، اثنتين من بناته وابنه، نسيبه كان يوم زواجه
هناك من بيت صومو رجع، دخل لبيت جاره، وكسر ظهر العم خوشو
قتله وقتل ابنه، وبلبل بيتهم، واخذ اربعة من بيت قوجا
اخذ قوجا واثنين من ابنائه، ابناء واصلين مرحلة الشباب، كذلك قتل زوجة اخيه
هناك من بيت قوجا خرج، من موقع المزابل صعد، سحق بيت العم آدم
&&&&&
سحقه والبيت خربه، قتله وقتل بناته، وابنه رشو واولاده
عندما رجع من بيت العم آدم، دخل بزقاق الكنيسة، فنشر الرماد خلف بيته
نشر الرماد ببيوتهم، الاثنين عودِش واخيه، قتل نسائهم واولادهم
اغلق ابواب البيوت، وصل الى بيت العم بوتا، اخذ زوجته واولاده
أخذ ومن هناك رجع، سابحاً مثل الحصان المبروم، فضرب يده بيت صيدون
&&&&&
عندما جاء الى ذلك الزقاق، مر بزقاق بيت ممو، اخذ ثلاثة من رجالهم
من هناك توجه للشمال، الى بيت يوسف الأربيلي، اجرى دمائهم كالماء
اخذ اخيه هرمزد، شعيا وزوجته وعياله، ايضا اثنين من ابنائه الشباب
عندما انتهى من بيت الاربيلي، حطم باب بيت غريبو، دمر بيوت الاثنين
قتل إثنين من الاخوة، إثنتين من نسائهم واولادهم، وفي النهاية امهم البومة
&&&&&
افرغ فيهم حقده، خرج وصعد شمالاً، قتل ببّو وزوجته
عندما انهى ذلك البيت، ايضا اخذ اولادهم، وثب الى بيت حنا كَلدي
رمى ثلاثة جثث، وداهم بيت رئيس القرية، فقتل تسعة أنفس
اخذ زوجته وزوجة اخيه، اثنتين من بناته وابنائه ايضا، وثلاثة من رياحين شوني
عندما خرب بيت الرئيس، جاء الى محلة جمّو، قصّب الرجال والنساء
&&&&&
بيوت امتلئت بالجثث، من تسعة وخمسة وثلاثة، صغار ورجال ونساء
عندما غادر تلك المحلة، اخذ ستة من بيت صومو، وقتل اربعة من بيت كتّو
قتل ومن هناك خرج، وداهم بيت العم خوشابا، من سبعة ترك اثنين
من هناك توجه شمالاً، مثل الجرجر اطلق صوته، تلك المحلة طوّقها
عندما ضرب تلك المحلة، قتلها ولم يتعب، حتى ثلم سيفه من الدم
&&&&&
ثلم وفي تلك الحميّه انطلق، وفي بيت عوديش حط، قتله وقتل اولاده
قتلهم وانهى اهل بيتهمن هناك هبّ خارجاً، وهجم بيت القس شمعون
 هجم على بيوت القسس، القسس ومعهم الشمامسة، قتل سبعة رجال
قتل الشماس كوركيس، قوامه مثل الريحان، متعلم وعاقل ومفكر
قتل اثنتين من النساء، ابن ادّي واثنتين بنات، حسينات كحسن الحمامات
&&&&&
عندما خرج من بيوت القسس، غطى كغيم الحالوب، البيوت التحتانية سطمها
اخذ من حوش الاربعين، سبعة واربعين أنفساً، جميعهم شباب وشابات
اخذ يلدا وكنّاته، ست نفوس من بيته، وسبعة من بيوت اعمامه
عندما طلب دَينه منهم، دخل مثل اسد جائع، لبيت يبكي بحرقة
قتل ثمان نساء، اثنين من الرجال وسبعة بنات، كلهم شباب وشابات
&&&&&
من بعد ان افرغ البيت، اخذ سبعة عشر وخرج، اقفل باب بيت العم ادم
اقفله ومن هناك غادر، مثل الاسد انهمك، ففتك بثلاثة من بيت دودو
فتك ومن هناك خرج، وذهب الى بيت العم عربو، فخطف منهم سبعة عشر
اخذ كانون واولاده، الشماس يونان واخيه، واثنتا عشر من بناته وابنائه
عندما اطفأ منهم حقده، ضرب زقاق مصرين، اغلق اثنين من الابواب وشلع
&&&&&
قتل مصرين وقتل ابنه، اخذ خمسة من يردو، هو وبناته وابنائه
عدنا نسف هذه البيوت، قتل علمايه وزوجته، وقتل الشماس متي
بعد ان انتهى من القتل، وجّه طريقه نحو الجبل، ضرب حنو عبدالا
اخذ زوجته وزوجة اخيه، وزوجة عبدالا واولاده، وام اخيه اسحق
من هناك صعد الى الجهة الشمالية، الى اولاد يلدا الجبلي، والى شمعون الالقوشي
&&&&&
عندما رجع من عندهم، ضرب بيوت جيرانهم، الاثنين اورو وحيدو
محا هذه البيوت، من هناك نزل وجاء، الى هرمزد ممّيزا فضربهم
ابواب بيوتهم اغلقها، ومن الدم إحمرّ سيفه، انهى القرية وخرج
هكذا دمر القرية، وقسّم محلاتها، وحطم الشباب والشابات
زنهار عن الموت الذي صار، كل من راى وسمع، انقطع القلب خوفا من الوباء
&&&&&
قطّع قلوب الحكماء، هزّ فكر العقلاء، من ضرباته الشديدة
نزل في القرية مثل القصاب، ما توقف في الليل او في النهار، قتل ثلثمائة وسبعين
في كل صباح جديد، ستة عشر سبعة عشر يموتون، منهم يبقون بدون دفن
انظروا يا كل المسيحيين، ماذا حدث لاهالي بيوس، في الاونة الاخيرة
وقع فيها موت صعب، وكل انسان رآه ضربه، الفارس انزله من فرسه
&&&&&
عندما ضرب فخطف الاطفال، كانوا يصرخون اباه وامّاه، ايضا يموتون في الداخل
عندما ضرب هؤلاء الصغار، نتفهم نتفاً، وهو يرفرفون امام ابيهم وامهم
عندما ضرب الشباب البالغين، اسودهم مثل الفحم، وقتلهم في عذاب شديد
كيف كان يسقط الشباب، تمتلئ عيونهم بالدموع، ويغادرهم شبابهم
كيف كان يسقط العرسان، وعيونهم مسمّرة بمن حولهم، والاحزان تنغرس في قلوبهم
&&&&&
عندما ضرب الشابات، فحول الجمال سواداً، وإضمحل قوامهن الغض
صاحبات ذلك الجمال المحبوب، تمتلأ عيونهن بالدمع، من الحُسنِ الى القبر
عندما ضرب تلك النساء، نساء حاملات، فأوقعهن من قاماتهن
هكذا كان يسقط المسنين، شابات وشباب ومسنين، كثنائي الغنم المساق للقصاب
عندما كان يضربهم، كانوا ينهاورن من قوتهم، وتزوغ عيونهم
&&&&&
كانت عيونهم تلمع، مثل شاربي خمر كسكون، يسكرون ويسقطون
يسقطون مثل السكارى، تنقطع اصولهم، وينقطع نسلهم من الحياة
هناك قسم منهم، عندما يضربهم، يموتوم من خوفهم
هناك ملقيون في الساحات، بدون اهل واصحاب، يموتون عطشا وجوعا
يصبحون بدون اهل، تهرب الناس منهم، وفي ذلك العذاب يموتون
&&&&&
كانو يموتون في ذلك الوقت، يستعرون بذلك الحريق، ولم يكن هناك من ينعشهم
يطلبون ماءً ماءَ، والدموع تجري من عيونهم، لا من الاهل ولا من الغرباء
يجوعون ولا من مطعم، يعطشون ولا من ساقٍ، متروكين في ظلام شديد
هناك راقدين في بيوتهم، وباب بيتهم خلفهم، ماتوا ولم يحس بهم احدا
يثقل داخلهم، من الامهم يتلظون، وعيونهم تسمّر في الارض
&&&&&
هناك من يبكي يتحرق، من الضيق يصرخون، من حروقهم لا يبردون
كيف كان البعض يسقطون، كيف كانوا يموتون، وعيونهم بايديهم يغطون
هكذا كان ذلك الموت، مهما قتل لم يشبع، وضم الناس الى القبور
ضم وبرّد نشابه، انهك هؤلاء الدفانين، وازعج الكافرين
قتلهم واتى بهم جنائز، صغاراً ورجالاً ونساء، وضعوهم في القبر اثنين ثلاثة
&&&&&
هؤلاء الموتى كلهم، الله يريحهم، ويفرحهم في ملكوته
أن يورث هؤلاء الراحة، فيقتنون الرفاه والسعادة، بديلاً لعالمنا هذا
ايها المؤمنون الذين صدّقتم، من بلاياهم يحفظكم، والى ملكوته يرفعكم
&&&&& &&&&&
* الموت الذي داهم قرية" بيوس" عام 1734
" بيوس" قرية من بلاد ما بين النهرين تقع شمال الموصل بحوالي 60 كيلومتراً بين بلدتي عين سفني- القوش- قرب باعذري على سفح الجبل، حدث فيها مصاب جلل في وفاة اغلب اهالي القرية قبل قرابة الثلاثة قرون بمرض الطاعون. وقد أرّخ الشاعر القس صومو الحادث بقصيدة طويلة ومؤثرة في عام 1786 كما جاء في مخطوطة كلدانية في خزانة ابرشية عقرة، وقد ذكرها المستكشف الالماني كارستن نيبور ايضا في رحلته الى بلاد العرب وبلدان اخرى بين 1762- 1767. حصلت على القصيدة مستنسخة من المعمر صادق ياقو برنو( مواليد القوش 1919) بتاريخ 8 تموز- 2000، واحتفظت بها الى كل هذه الفترة وانا لا اجيد قرائتها، وفي عام 2014 درست فصلا باللغة الارامية، في كلية كيامكا القريبة من مسكني، وباشراف المعلم الكفء رابي ميخائيل بزي، استطعت ان اقرأها واكتبها بطريقة الكرشوني اي بالاحرف العربية، وبالطبع لست ضليعاً بها فإنتابتها بعض الكلمات التي لم استطع فهمها، فادرجتها كما بدت لي، هنا اطلب من المتمكنين مساعدتي في اعادة كتابتها.
مما عزز معلوماتي عن اصول عوائل القوش، وجود بعض الاسماء في القصيدة، هي عشائر او عوائل معروفة فيها منهم بيت: كتو، عوديش( بقادي)، عبدالا( سيبي) ، عوديشو( ﮔولا) ، حيث يرجع اصلهم الى تلك القرية المندرسة، والتي معها عائلة اخرى هي بيت ملاخا، وكلها نزحت عام 1738 الى القوش.
ترجمة: نبيل يونس دمان من السريانية.
nabeeldamman@hotmail.com
March/ 16/ 2020

 
دوركثا دموثانا بكَو بيوس *
قشيشا صومو
شوحا لشِمّا دكَوالَن.... ماطوتا هوِلّي طالَن.... مسَبَب عَولَن وعَمالَن
مسَبَب عولَن وِخطيثَن.... فَندَن وفِعلَن وخَصلاثَن... روغزي مشوديري لواثَن
لواثَن روغزي مشوديري.... شَوطي لعَولن مقُوديري.... وبالْي مِنّن موغضيري
موغضيري مِنّن ﭘاثي.... دلَه أريلَن تناياثي.... مشوخِلْبيلَن أورخاثي
&&&&&
باتَيهي خريوي شوِقلي... قضيلي لكَاري محولِقلي.... بكَو موصل أثرا دوِقلي
كُد أريلي بموصل شبِخلي.... إشتي ألبايِه كسِخلي.... وسامي بكَو بيوس بِخلي
بِخلي سامي خْتَنينا.... بأثرا دبيوس عَشّينا.... عوذلي أيْقيذا وِحقينا
إسري بنيسن مشوريلي.... وقِطمه بماثَن مدوريلي.... بمَحَلّي ختيثَه شريلي
شريلي بَيثا دبي شابا.... محولقيلي بأو عوذابا.... ديلي مريرا وصعبا
&&&&&
آهو وبَختي قطِلوالي.... وكلاثي إنشي ديالي.... مِن تشعا تري شوِقوالي
كود مبي مام شابا نبِقلي.... ببَيثا دبي أبرم تفِقلي.... أو بَيثي مليا شحِقلي
آهو وبَختي قطِلوالي.... كلاثي وِطلاثا يالي.... وِبراتي قوبتا شوِقلي
مباثر خلصيلي قطالا.... لبار علايا هوِلّي بالا.... عويري لبَيثا دعَبدالا
آهو وِبناثي قطِلوالي.... وأي درتَي مبُلبلالي.... وناشا بَيتي لا شوِقلي
&&&&&
كود مبي عبدالا مبقلي.... لألولتا درامان دوِقلي.... كوري وإنشي محولِقلي
تاما كمِلّي بِقطالا.... وعَلما بِش لي بِرئالا.... لِأراقا هويلّي بالا
مليله دشتا دمَسقانا.... شْكَفتِكياثه دخوِضرانا.... ناشي عريقي مْمَوثانا
عرقلي شويقالَي ماثَه.... زعوري وكَوري وبَختاثَه.... زِلّي بطوري ودَشتاثَه
تاما بَثريهي بلِطلي.... دلَه رحمِه صوبَي شبِطلي.... ولِبّواثي مشوعوِطلي
&&&&&
مشوعوطلي لبّواثَي.... دجونقي رندي وخماثَه.... بطيني موثَيوا لماثَه
قطِلي جونقي جندايي.... وقُمْياثَي دِفرِنجايي.... وبَقَرتي درومايي
وهم قطِلوالي خماثا.... خشتلي دِيّي قوماثَا.... شوبرَيهي دْصَهرا خاثا
قطِلّي خِثني مَياني.... ولَن شماشي يكّاني.... دكانُن بِرْ دْخونزي حيراني
قطِلّي جونقي شبيري.... شماشي أيليبي مهيري.... قلهون صيحا خْنَفيري
&&&&&
هم قطِلّي سكولايِه.... بْشِكل وعاقل وقَرايِه... مكهني قاشا يِسرايل
وهادخ أيخ نورا سِفلي.... علما دلا ساخا تلِفلي.... وباتي دكبيري نسِفلي
خسفلي باتي وخْري ويلي.... ومَرواثيهِن تيميلي.... وزدوثَ لخِنّي عويذيلي
عويذيلي زدوثا لخِنّي.... ولا كّال وقَط لا سْكِنّي.... وما دثيلي بِش شخِنّي
شخِنّي أيخ أريا نفيري.... وما بَيثا دعِلّي عويري.... موسبِقلي مناشي وديري
&&&&&
كود دأيري هوِلّي بالي .... ابيثا دإسحق عبِروالي.... آهو وبختي ويالي قطِلوالي
مكود مبيثا دإسحق نبقلي.... أيخ برقا مخيلي وشبطلي.... وعبّو وخوني مبوربِطلي
تاما بألولا سِقلي.... بسَفيلا دموشي تفقلي.... بَيثي مليا مسوبقلي
قطِلّي تماني كيَناثه.... بِني كوري وبختاثه.... كولّي جنقه وخماثه
مباثر دمحيلي بيثي.... لبار ختايا زفيري باثي.... لخوشابا وبَختي وبناثي
&&&&&
هم آو بَيثا قطلوالي.... مِنتاما نبقلي وزِلّي.... لهورمِزدا دَلالا مخيلي
آهو وهم كلثي قطِلّي.... لأو بروني زريف مخيلي.... أيخ ديوا كمشاقِلّي
كود مآي محَلّي شبِطلي.... خلِصالي ومِنّح مبقلي.... تاما بماثه معويِطلي
تاما إريالي ماثا.... أيخ جِلادا سيبي خاثا.... نسِفلي جنقي وخماثَه
جنقي وخماثَه نسِفلي.... لَبطِلّي وقَط لَنِخلي.... حمثو لبي صومو بِخلي
&&&&&
شقِلّي بَختي وبغِت خوني.... تِتّي بناثي وهم بروني.... خثني ويوا بِكنوني
تامه مبي صومو ديري... لبيثي دشواوي عويري.... وخاصَه دمام خوشو تويري
آهو وهم بروني قطِلّي.... أو بَيثَيهي مبُلبِلّي.... وأربا مبي قوجا شقِلّي
شقِلّي قوجا وتري بنوني.... يالي مطيي جونقوني.... وهم قطولّي بخت خوني
تامَه مبي قوجا مبِقلي.... بطبايا دسولَه سِقلي.... ببيثا دمام آدَم شحِقلي
&&&&&
شحِقلي وبيثي خْرو والي.... آهو وبناثي قطِلوالي.... رشو بروني وهم يالي
كود مبي مام آدم ديري.... بألولتا دعومرا عويري.... بَثِر باتي قُطما بذيري
قطما بذيري بباتَيهي.... عودِش وشِمون ترويهي.... قطِلّي إنشَي وياليهي
تَرعي دتِروَيهي قْفِلّي.... ببيثا دمام بوتا نبيلّي.... بَختي وهم يالي شقِلّي
شقِلّي ومِن تاما ثيلي.... أيخ سوسا بريما صخيلي.... أيذي لبي صايدون مخيلي
&&&&&
كود لأي ألولتا ثيلي.... بدرتا دبي ممو فِتلي.... تلاثه مكَوريهي شقِلّي
متاما سِقلي لبار علايا.... لبي يوسب اربيلايا.... مُجريلي دِمّه خمايَه
شقِلّي هرمزد أخوني.... شعيا وبَختي ويالوني.... وهم تري بروني جوَنقوني
كود مبي اربيلايا قِملي.... بيلّي دغريبو لطِملي.... وباتي دِتراوي موسطيملي
قطِلّي خنواثا تراويهِي.... تِتّي إنشي وياليهِي.... بخورثَ قبتا ديِمّيهي
&&&&&
مِنّي حَيفي بريوالي.... نبقلي لئيل يسقوالي.... بيبو وبختي قطلوالي
كد او بيثا مسوقِطلي.... هم يَلَي شقِلّي وبلِطلي.... لبي حنّا ﮔِلدي شبِطلي
شتلي طلاثَ لشّاثه.... وترِسلي لبي رئيس دماثه.... قطِلّي تشعا كَيناثَه
شقِلِّه بَختي وبَخت خوني.... تتّي بناثي وهم بنوني.... وطلاثا ريحاني دشوني
كود بيثَه درئيس خرولي.... لمحَلِّه دجمّو يْثيلي... كَوري وهم إنشي قصِبلي
&&&&&
باتِه مليلي لشّاثه.... متشعا محمشا ومِطلاثه.... زعوري وكوري وبختاثه
كود مأي محلّي زلّي.... إشتا مبي صومو شقلّي.... وأربا مبي كتو قطلّي
قطيلّي منتامه نبقلي.... برش مام خوشابا دوقلي.... مشوعا تري ناشي شوِقلي
متامه لأيل هوِلّي بالي....خكركرتَه هوِلّي قالي.... أي محلّي دويقالي
كود لأي محلّي مخيلي.... قطلوالي ول دجهيلي.... وسيبي مْقَم دِمّا قهيلي
&&&&&
قهيلي وبأي حِمثا شمِطلي.... بكو بيثه دعودِش حِطلي.... آهو ويالي مشوربطلي
مشوربطلي وبيثي خلصلي.... منتاما نبقلي ونبِصلي.... لبي قاشا شمعون ترِسلي
ترِسلي لبيثه دبي قاشي.... وقاشي مْبَينَي شماشي.... قطليلي شوعا ناشي
قطِلّي كوركيس مشمشانا.... قُمتي خواثِ دْريحانا.... ايليبا عاقل وهونا
قطلي تتي بختاثه.... أدّي بروني وتتّي بناثه.... رندي خيَوني مسوقلاثه
&&&&&
مكود بَيثي دقاشي مبقلي.... أيخ عنانِ دبرذا قرملي.... باتي ختايي مُسطملي
شقِلّي مأربي دَراتَه.... شوعا وأربي كَيناثَه....كولّي جونقي وخَماثَه
شقِلّي يلدا وكلاثي.... إشّت كَيناثه دبيثي.... وشوعا مبي عمّواثي
كود مِنّي طلبلي دينا.... عويري أيخ أريا كبينا.... لبيثا كَباخي عَشّينا
قطلّي تمَاني بَختاثه.... تري كوري واشوا بناثه.... كولي جونقه وخماثه
&&&&&
مباثر دبيثه موسبقلي.... اشواسر شقلّي ونبِقلي.... تَرعا دمام آدم غلقلي
غلقلي ومن تامه نبقلي.... مِخواثه دأريا عمِطلي.... تلاثه مبي دودو ﮔوِطلي
ﮔوِطلي ومن تاما قِملي.... لبيثه دمام عِربو زلّي.... إشوعسر منّي لطِملي
شقلي كانون ويالوني.... شماشا يونَن وخوني.... وتريسَر بناثي وهم بنوني
كُد مِنّي حيفي بريلي.... بألولتا دمِصرين مخيلي.... تري تَرعي غلِقلي وْشيلي
&&&&&
مصرين بروني قطلوالي.... وحمشا مياردو شقِلوالي....آهو وبناثي وهم يالي
كود خسفلي آني بَيثي.... شبِطلي عَجْمايه وبختي.... وقطلي شماشا متي
مبثر خلصلي مقطلا.... صوب طورا هويلّي بالا.... مخيلي لحنو عبدالا
شقله بختي وبخت خوني.... وبخت عبدالا ويالوني.... ويمّا دإسحق أخوني
متاما سقلي لبار علايه.... ليالي ديلدا طورايه.... ولأو شمعون ألقوشايه
&&&&&
كود دأيروالي مِنّيهي.... مخيلي لباتي دِشواويهي.... أورو وحيدو تِروَيهي
آني باته ممحيلي.... ومِن تامه نخثلي وثيلي.... لهورمزدا ممّيزا مخيلي
تَرعي دِتراويهي غلقلي.... وسَيبي قَم دمّه سمِقلي.... خليصالي ماثه ونبقلي
هادخ نزيعالي ماثه.... دِبليلي مَحَلّاثه.... كسخلي جونقه وخماثه
زِنهار ما ماوثا هويلي.... ايما دغزيلي وشميلي.... لبّه مقَم زوعا قطيلي
&&&&&
قطيلي لِبّا دحَكّيمي.... شعِشلي هونَه دفهّيمي.... مقام ضَرباثا خميمي
خقصاوا بماثا مبلي.... بليلي ويوما لبطلي.... تلاث إمّا وشَوعي قطلي
كود يومَه دم صبحيوا.... إشتَعسر إشوَعسر ميثيوا.... ومِنّيهي دله قْواره بيشيوا
خزو يا كَلي سورايي.... ما بريلي بِيوسنايي.... دآني زوني خرايي
خه موثا صعبا هويلي.... وما ناشا دإلّي مخيلي.... روكاوا دقُمتي شريلي
&&&&&
كود مخيلي خطفلي طلايي.... قارْيوا بابو ودايي.... وهم كمايثيوا لْكَوايي
كود مخيلي لن بسبوري.... منُبريوالي نَبوري... قم بابي ويمّي مبربوري
كد مخيلي لن جونقي كميلي.... خشِخّوري مُكيميلي.... بآذي عوذابه قطِليلي
جونقي هر ديخ نَبليوا.... عيني مدمعي قرﭘيوا.... جونقوثَيهي تلفيوا
ان خثني ديخ نَبليوا.... عينَي بناشي ديقيوا.... وحَشّي بلبّي خرزيوا
&&&&&
كود لَن خماثه مخيلي.... او شبريهي مُكِملْي.... قومَي رندا مخوبيلّي
مَر دأي خموثا بأيثا.... عَينيهي دمعي مليثا.... مخَموثا لقورا نخيثا
كود مخيلي لَن بختاثه.... لآني إنشي بطيناثه.... مُنبليلي مقوماثه
هادخ نبليوا سهوي.... لخماثه وجونقي وساوي.... خزوعا دعِروي دقصاوي
ديخ دماخيوا إلّيهي.... هم شبليوا محيليهي.... دِمبَلِبليوا عينيهي
&&&&&
عينيهي مبَلِبطيوا.... خْخَمرا كَسكون طميوا.... هر راويوا ونبليوا
نبليوا إخ روايي.... بيشيوا سَريبايي....هيوي قطيوا مخايي
إثوا خَكما منّيهي.... ديخ دماخيوا إلّيهي.... ميثيوا مزدوثي
إثوا طريبي بداراثا.... دله ناشي ودله مرواثا.... مصُربي مصيهوا وبمياثا
دله مرواثا بيشيوا.... ناشي منّي أرقيوا.... وبآذِ عوذابه ميثيوا
&&&&&
ميثيوا بآذي عدّانه.... وشيطيوا بآذي يُقذانه.... ولَثوالي مبيخانه
كطلبيوا مِيّه مِيّه.... ودمعي معيني بجرايه.... لا مخُزمي ولا منوخرايه
دكبنيوا وليث مَخلانه.... دصاهيوا وليث مَشتيانه.... شويقي بخشكا وعمطانه
إثوا طريبي بباتيهي.... ترعا دِيّي بَثريهي.... مِثلي وله رشلي بكوَيهي
كَوَياثَي يقريوا.... مقَم عوقاني قلقيوا.... عيني بأرعا طربيوا
&&&&&
أيث دباخيوا ويقذيوا.... مقم عوقاني صرخيوا....ميوقذاني له بيخيوا
ايث خكما ديخ نبليوا.... ديخ ديذيوا دميثيوا.... عيني بأيذي مكرخيوا
هادخ آذي موثه هويلي.... ومَد قطلي ولا سويلي.... علما كو ارعا حويلي
حولّي ومبخلي ﮔيرّي.... موش بيلّي أن قووري.... موجعزيلي خَباري
قطيلّي وموثيلي طرماثه.... زعوري وكوري وبختاثه.... دريلي بقورا تري تلاثه
&&&&&
أن عنيذي كولّيهي.... آلاها منخليهي.... بمَلكوثي مبْصِخليهي
إن يرثي كولَـّي نياخه....قاني خوشيّي وِبصاخه.... مبَدَل أث علما دآخه
يا مهويمني دصثلَوخون.... مَن مرِدواثَي ناطيرخون.... لملكوثي موسِقلَوخون
&&&&&&&&&&
* الموت الذي داهم قرية" بيوس" عام 1734
" بيوس" قرية من بلاد ما بين النهرين تقع شمال الموصل بحوالي 60 كيلومتراً بين بلدتي عين سفني- القوش- قرب باعذري على سفح الجبل، حدث فيها مصاب جلل في وفاة اغلب اهالي القرية قبل قرابة الثلاثة قرون بمرض الطاعون. وقد أرّخ الشاعر القس صومو الحادث بقصيدة طويلة ومؤثرة في عام 1786 كما جاء في مخطوطة كلدانية في خزانة ابرشية عقرة، وقد ذكرها المستكشف الالماني كارستن نيبور ايضا في رحلته الى بلاد العرب وبلدان اخرى بين 1762- 1767. حصلت على القصيدة مستنسخة من المعمر صادق ياقو برنو( مواليد القوش 1919) بتاريخ 8 تموز- 2000، واحتفظت بها الى كل هذه الفترة وانا لا اجيد قرائتها، وفي عام 2014 درست فصلا باللغة الارامية، في كلية كيامكا القريبة من مسكني، وباشراف المعلم الكفء رابي ميخائيل بزي، استطعت ان اقرأها واكتبها بطريقة الكرشوني اي بالاحرف العربية، وبالطبع لست ضليعاً بها فإنتابتها بعض الكلمات التي لم استطع فهمها، فادرجتها كما بدت لي، هنا اطلب من المتمكنين مساعدتي في اعادة كتابتها.
مما عزز معلوماتي عن اصول عوائل القوش، وجود بعض الاسماء في القصيدة، هي عشائر او عوائل معروفة فيها منهم بيت: كتو، عوديش( بقادي)، عبدالا( سيبي) ، عوديشو( ﮔولا) ، حيث يرجع اصلهم الى تلك القرية المندرسة، والتي معها عائلة اخرى هي بيت ملاخا، وكلها نزحت عام 1738 الى القوش.
ترجمة نبيل يونس دمان من السريانية.
nabeeldamman@hotmail.com
March/ 16/ 2020


101
قصيدة خامسة باللغة السريانية من القرن التاسع عشر الميلادي
اسحق مقدسي

مقدمة:
     قصيدة ممتازة تحكي الحالة الاجتماعية في  القوش في مطاوي القرن التاسع عشر وعلى يد شاعرها الفذ آنذاك اسحق مقدسي. فيها من روح المرح الكثير، وفيها من التعليقت الصريحة الجميلة التي لم يكن في حينها من يتحسس او يتذمر او ينزعج منها، فكانت تلك الاحاديث سلواهم امام مصاعب الحياة وهمومها ومجريات أمورها. ساعدني في قراءتها الصديق العزيز نشوان الياس خندي المقيم في لندن، ثم دققنا بها اكثر بمساعدة الشماس خيري داود ججيكا المقيم في كندا، ترجمتها الى اللغة العربية بتاريخ 20- 10- 2020.
 





 


القصيدة بالگرشوني ومترجمة الى اللغة العربية:

متِّي سيقَا لْدَيرا، لْــتَــرْأَيْهِي أْوِذْلِـي هِيلا، خَلْتُو حَنِّيهْ مْبُورْبِيلا، نَنِّيهْ بِشْويثَـا بْخِيلا، خَالُو إِسْحَقْ لَتَّنْ بِيهْرا܀ آمِرْ نَـنِّيهْ: قُو مَلْهَي شْرَاءَآ، جَجُّو مَـتْـئِـيرِيهْ دَهٰا، شَرِّيهْ مْقُوِّمْلا إِلِّي، بَيهْ دَعْويهْ دْحَنَّا زاءَآ܀ أَمْرَا بِـيثي بَسْ مَاخِتْ رِكِّيهْ، خَالُوخْ دْلا مَـتِئْــرِتِّيهْ، خُولا مْپِـلِّيهْ كِيپَا مْجِيمَعْ، دْكِمْ آرِخْلُوخْ بْكُوچِكِيهْ܀

متي صاعد الى لدير، امام بابهم أحدثتُ جلبة (1) ، الخالة حنّي غضبت،
ننّي بكت في فراشها، خال اسحق ليس لدينا نور، دعا ننّي لتشعل السراج،
ايقظي(2) ججو من نومه، المعركة تكالبت عليَّ، في قضية حنا الملقب (زائا) (3) ،
قالت حبيبي كفاك عناداً، حتى لا توقظ خالك، قابل سقط حجر من الجامع، امسكنا بك في الغرفة.

 آمِرْ خَلْـتُو كْـمَخْيَتْ كَـڨْرِيهْ مَرِيرِيهْ، دِكْـلُوشَتْ جُلِّيهْ ميـــلِيهْ، طاوا دِعْلِقْلَخْ بْبِّيخالي، دْيَـتْوَتْ لْتَختَـا دْوَزيرِيهْ܀ أَمْرا بَيثي: مُو لا أْوِذْلي أُمُّوخْ طَوتَا! كِمْ يَاوَنُّوخْ كَــلُوتَا! صِيرِي كَفِّيَّة بْرِيشُوخْ! مَحَللُّوخْ هُويا خْرُوتَا܀ خَالي تِـيوَا بْكُوچِكِيهْ، سَيذْنَا مْبَغْدَدْ سِقْلِيهْ، زُوعَا بْمَاثَا مْحُولِقْلِيهْ، كُــلْ سَلافِيهْ شْقِيليلِيهْ، تا چُو نَاشَا لا شْوِيقْلِيهْ܀


يقول خالة تضربين أحجاراً قوية، وتلبسين ملابس نيلي، جيد انت في بيت خالي،
حتى تجلسين على كراسي الوزراء، قالت حبيبي: ألَم أساعدك؟ اعطيت لك طاقية،
وضعت الشارة على رأسك، لتخرب محلتك، خالي جالس في الغرفة،
سيدنا وصل من بغداد، أحدث ضجة في القرية، كل فلوس الربا سحبها، لم يسامح احداً.

لا شْوِيقْلِيهْ تا چُو نَاشَا، مْبَقْرُو حَنَّا بِرْدْ قَاشَا، مَنْ هْوِلِّيهْ سَلَف بمَاثا؟ مِيخَا قُوجَا تُومَاشا܀ تُومَاشا كْيامِيهْ بْـئِـيتَا، دْلا هْوِيلِّيهْ خْذَا مِزِّيتَا، هُورْمِزْ چِيقَا وْبِلْبَاطُو، لَـلَيْهِي خْريوا صَنِيتَا܀ خْرِيوَا وْلَـتَّا مَارَا، بْـأَثْرَنْ نْـپِلِّيهْ بُولْبَالا، جِبُّو وْشَعْيا دْبِــي بُوداغْ، لَـلَيهي خْرِيوا حْطارَا܀

احدٌ لم يسامحَ، اسئلوا حنا ابن القس، من تعاطى بالرِّبا، قالوا قوجا توماشا (4) ،
توماشا يقسم في الكنيسة، بانه لم يعطي حتى شعرة، هرمز جيقا وبِلباطو،
انهم خربوا الصنعة، خربوها وليس لها صاحب، في بلدنا وقعت الفوضى،
 جبو وشعيا من بيت بوداغ، انهم خرّبوا حطارا (5) . 

خْرِيوَا وْلَتَّا مَرْوَاثَا، قَالا نْـپِلِّيهْ بْمَثْوَاثَا، آذِي قَط لِـيلا بْريثَا، لا بْدَارِيهْ وْلا بْشَرْوَاثَا، يَعْنِي سيپَا دْبِــي قُلُّو، دِهْوِلِّيهْ سَلَفْ خَاثَا܀ شَاتا دْمَلْكِيهْ مْرُوحِمْلَي، بِــي أَبونا لْأَقْلَيهِي قِمْلَي، بَاتِـيهْ دْإِخْذاذِيهْ صْطِيمْلَي܀ صْطِمْلَي بَاتِـيهْ دْإِغْذاذِيهْ، مْطُورَا مُونْخِثْـلَي سَهْذِيهْ، إِسْحَقْ يَاقُو وْحَنَّانَا، بْگُو قِشْلا مْـپُـوشْقِي عْوَاذِيهْ܀

خربوها وليس لها صاحبٌ، ضجيج حدث في القرى، مثل ذلك لم يحصل ابداً، لا في القرون ولا في الازمان، يعني سيبا من بيت قلّو، اشتغل في الربى. في السنة التي ترحم الملوك، بيت ابونا نهضوا، بيوت بعضهم خرّبوا. خربوا بيوت بعضهم، من الجبل أتوا بالشهود، اسحق يعقوب وحنّانا، في المركز فضحوا اعماله.

 
پْـثِخْلَي دَعْوِيهْ دْمُولْكانَا، كُومْرَا دْدِّيرَا طُوَّانَا، رَبَّانْ هُرْمِزْ خِيلانَا܀ كُودْ كُومْرَا جِلِّيهْ وْخْذِيرِيهْ، بَالِيهْ لِـيسَاقَا دْرِيــلِيهْ، إِمَّا مُوهْرَاثَا مْخِيــلِيهْ܀ دْرِيــلِيهْ وسِقْلِــيهْ خْأَنَانَا، تُولِـيهْ بْمَرِكْوَا دْتِّــنَانَا، كُودْ أْوِيرِيهْ لِأسْطَنْبُولْ، كْعِينَالِـيهْ بَطْرَكْخَانَا܀

فتحوا موضوع الأملاك، رئيس الدير المبجّل، ربّان هرمز  الجبار. عندما رئيس الدير فتش ودارَ، توجه للصعود شمالاً، مئة طمغة ثبَّت. توجه وصعد كالغيمة (6) ، جلس في مركب بخاري (7) ، عندما دخل اسطنبول، تساعده البطريركية.   
 
كُولَّحْ مَجْلِس دْشُـولْطانَا، كُولْ عَجَمْ خَوِذْرَانِـيهْ، تَامَا مْـپِـلِّيهْ بْكُورْهٰانَا، مَارِيهْ دْصَدْرا خِيلانَا܀ نَاشِيهْ كِمْرِي وْكْنَصْحيـلِيهْ، عِلْقِــيهْ لْصَدْرِحْ مْسِيبيـــلِـيهْ، شَبْثَا دْطِلَّثْ بْگو صُومَا، حَكِّيميهْ كِم بَسْميــلِـيهْ܀ كِمْ بَسمِيــلِـيهْ بْحَقُّوثا، بْـگُو مْذِيتَا دْشُولْطانُوثَا، كُودْ مَحْكِـيهْ لْكُومْرَا دْدَّيرَا، لا كْــآويرَا مَلْكُوثَا܀

جميع مجلس السلطان، كل الغرباء من حوله، هناك اصيب بالمرض، الصدر الاعظم القوي. الناس تكلموا ونصحوه، ما تعلق بصدره ازاحه، الإسبوع الثالث للصوم، الاطباء أشفوه، أشفوه حقيقةً، في المدينة السلطانية، كل من يتكلم ضد رئيس الدير، لا يدخل ملكوت السماء.

لا كْــآويرْ وْكياتُو بْگـاوَحْ، مُوذِنْبِيهْ بَاجي شْوَاوَا،  كْـثَاوِيحْ كاثُولِـيهْ طَاوا، كُولْ أَرْخَاواثَا دْگـاوَا، إِيهْ رَبثَا مِنِّحْ شَقْيلاوَا܀ شْقيلي كُول أَرْخَاوَاثَا دْنِهْرَا،  بِــي أَبُونَا خْـݒـِــيرِيهْ بِـيرَا، خَاشِخْ وِيوا لْأَذْ شُولا، مِنْ ظِلِمْ دِيَّــيْــهِـي زُودَانَا܀ خْݒِــيريهْ بِــيرَا عَمُوقْتَا، حَـنَّـا پْـثُـوخْلا سَنْدوقْـتَا، أُورْخَا دِسْطَمْبُولْ رَحُوقْـتَا، أَخْني بْـأَذْ شُولا غْـلِطْـلَنْ܀

لا يدخل ويجلس فيها، ليس ذنب باجي الجار، عريضته يكتبها جيداً، كل الأرحية (8) القريبة، الكبيرة منه أخذوها، اخذوا  كل أرحية الأنهر، بيت ابونا حفروا البئر، كانوا قادرين على هذا العمل، من ظلمهم الزائد، حفروا البئر عميقة، حنا فتح الصندوق، طريق اسطنبول بعيدٌ، نحن اخطأنا في هذا العمل. 
 
غْـلِطْـلَنْ مِيرَنْ تَانَيثَا، بْـئِـيذَنْ مُوصْطِمْلَنْ بِــيثَنْ، كُـومْرَا دْدِّيرَا طُوَّانَا، دِيــلِـيهْ تِـيوَا بْـقَلِـيثَـا܀ كْـثَـاوَا دْثِـيــلِـيهْ مْتِلْكِـيــپِـــيهْ، إِسحَقْ تِـيوا بْگُو مُوصِلْ، بيخَالا يَرخِـيهْ بْـلِـيــبيهْ܀ لِـيــبِــيهْ أْوِذْلِـيهْ لْـبِــي أَبُونا، ميخَا بِــرْدْ خَلْتي وْچُونَا، شُودْ مُودِيهْ كُودْ خُوشابا، إِلْلِّحْ بْتَاوِيهْ قانُونَا܀

اخطأنا اعطينا كلمة، بايدينا خربنا بيتنا، رئيس الدير المبجل، الجالس في الصومعة، الرسالة التي وصلت من تلكيف، اسحق جالس في الموصل، يأكل شهوره بالحيلة، احتال على بيت ابونا، ابن خالتي ميخا وجونا، حتى لو اعترف كل يوم احد، ستكون عليه مسائلة. 
 
يَاقُو قَاييوِتْ صْفينَا، مَالُوخْ وْقَاييوِتْ غْبِينَا، كْـغَبْـنِـنْ وْكِـمْرِنْ طَالُوخُونْ، أَذْ شُولا دِأْوِذْلُوخُونْ، مُولْكَـانَا شْقِيلْ مِـنُّوخُونْ܀ شْقِيلْ مِـنَّـنْ بْگُـو مُوهْرَاثَا، خْدُورَا دْبَابَاوَاثَا، وُولِـيهْ يَاقُو دْأِيرِيهْ سْـپـيقَا، كُولَّنْ كِمْ أَرْيَالَنْ شَاثَا܀ كِمْ أَرْيَالَنْ قَرِتْــتَّـا، أُوفْ مْأَذْ طَايفِـيهْ لِطْتَّا، قُومُونْ تَدْ قِيمِخْ مَاخَا، زَالَنْ وْعَمْرِخْ بْــبَـاطِطَّا܀

ياقو (9) لماذا انت مهموم؟ ولماذا انت حزين؟ احزن لأقول لكم، هذا العمل الذي قمتم به، الأملاك أخذت منكم، اخذوها من عندنا بالطمغات، كما حدث لآبائنا، هذا هو ياقو عاد فائض اليدين، كلنا اصبنا بالحمّى، اصبنا بالقشعريرة، يا لهذه الطائفة الملعونة، لنهجر هذا المكان، نذهب ونعمّر في باطِطّا (10) .
 
بَـاطِطَّا لْــكِمّا دْمَايِيهْ، لَـكْ عِـينِيلَنْ فْـرِنْگـايِيهْ، دِرْيَا صَابُونْ خُو أَقْلَنْ، كَـاݒُورِيهْ دْأَلْقُوشْنَايِيهْ܀ أَذْ مَاثَا مَا عَجَبَــتَا، لا هْوِلِّيبَا غِيرِتْـتَّا، دِشْمِيلَي قَالَا دْبَخَايِـيـهْ، كِمْ أُوذِيلَنْ نُـوخْراييهْ܀ نُـوخْراييهْ قَـارِيوَا شِمَّنْ، بْـگُو أَلْقُوش هْوِيلَنْ مْـيِمَّنْ، مِنْ دَاخَا وْهِلْ إِسْطَنْبُول، أَذْ كُومْرَا  كِمْ عَادِمْلَنْ܀

باطِطّا على ضفة النهر، لا يساعدنا الأجانب، وضعوا الصابون تحت أرجلنا، الألقوشيون الكفار. كم هي ظالمة هذه البلدة، لم تقم فيها غيرة، وقد سمعوا اصوات الباكين، نعتونا بالغرباء. غرباء كانوا يدعوننا، في القوش ولدنا من أمهاتنا، من هنا وحتى اسطنبول، رئيس الدير دمّرنا.
 
وُولِيهْ ثِيــلِيهْ كُومْرَا بْگارِي، بِدْ آثِيلَنْ يُوما طالي، بِدْ مْتَعْدِيهْ لْكِــيــپِــيهْ دْإِينَا، بْضَبْطي حَويشْ دْبِــي خالي܀ شاتَا دِسِمْلَي كَهْنِـيهْ، پانُو ظْلِمْلِـيهْ أُورْزانِـيهْ، كُومْرَا دْدِّيرَا طُوَّانَا، مُوپِـلْطِيــلِيهْ فَرْمانِـيهْ܀ مپـُولْطِيوالِـيهْ فَرْمانِـيهْ، مْإِسْحَق مَقْدَسِّي شْقِلِّيهْ، خَمْشَا وْطْلاثي قَرَانِـيهْ܀

هذا هو رئيس الدير قادما على عربة (11) ، سيأتينا يوم بائس، سيعتدون على احجار عين الماء، ويستولون على حوش بيت خالي. في السنة التي رسم الكهنة، بانو ظلم التسعيرة، رئيس الدير المبجل، اصدر أوامراً. أوامر اصدرها، من اسحق مقدسي اُخذ، خمسة وثلاثين قراناً (12) .
 الهوامش:
(1) هيلا= ضجة او صخب 
(2) متئِر ومتئيري= ايقظ او ايقظيه من النوم
(3) زائا= اغلب الظن انه لقب للمدعو حنا
(4) توماشا= في جيلنا اظن تغيرت الكلمة الى توميشا الذي هو فرع من بيت قوجا
(5) قرية ايزيدية تابعة الى ناحية القوش وتقع جنوبها.
(6) انانا= غيمة ويعبر الشاعر هنا عن سرعة انطلاقة رئيس الدير
(7) مَرِكوا دتنانا= هو المركب او السفينة البخارية
(8) أرخواثا= أرحية (مفردها رحى) تشيد على ضفاف الانهار لطحن الحبوب
(9) العم ياقو مثل بيت ابونا في مرافعات اسطنبول بينهم وبين الكنيسة الكلدانية
(10) باطِطّا موقع قرية على شاطئ نهر، لا اعرف موقعها بالضبط واظن انها غلى نهر دجلة
(11) كاري= اعتقد يقصد بها عربة للنقل تجرها الحيوانات
(12) قرانا= القران القاجاري هو عملة نقدية ايرانية قديمة

nabeeldamman@hotmail.com
20- 10- 2020 California







102
قصيدة رابعة باللغة السريانية من القرن التاسع عشر الميلادي
اسحق مقدسي
مقدمة:
     قصيدة ممتازة تحكي الحالة الاجتماعية في  القوش في مطاوي القرن التاسع عشر وعلى يد شاعرها الفذ آنذاك اسحق مقدسي. فيها من روح المرح الكثير، وفيها من التعليقت الصريحة الجميلة التي لم يكن في حينها من يتحسس او يتذمر او ينزعج منها، فكانت تلك الاحاديث سلواهم امام مصاعب الحياة وهمومها ومجريات أمورها. ساعدني في قراءتها الصديق العزيز نشوان الياس خندي المقيم في لندن، ثم ترجمتها الى اللغة العربية بتاريخ 25- ايلول- 2020.

 
القصيدة بالگرشوني:
اخني تيو بكوﭼِكي، شميلان عيطي دْﭼوكي، كود قِملي ونتيري مْدوكِح
ميرَن شَرّي دمَنيلا، دبي كولا وبي گوكّي، شرّي بريلا بْگو جَمّا
بْخا ليشانا بخا كِمّا، كيلي جَجّو بِرد راحي، آويلي صْويئا بدِمّا
ججو قايوِت تاما، كْقبلِت دارينّوخ شلاما، شود زْالَي ونَخثي لموصل
لاكهاويلَي عْيانا، انا وخالي مخالوصي، واسحق مبيثَه دكاروزي
إن لا قَبلي تَنيثَي، إشقَلّوخ دنَخثي لموصل، ﮔيزيلي ككّا دشابا
گو أقلِح نݒيلا فرينگا، من فرينگا مِنتا لَتّي، وماني بغازِدلي خِطّي
شاخوتا كم مغلطلي، كم مغلطلي شاخوتا، لوسيّا لگاري توتا
ماحَلّي كولَّح خْروتا، موقملي سهدي دعولا، موثيلاي ججو توسا
لا كْياذيلي ناموسا، شيكوّي تاما مْبوزا، بِرد خوبِر ملكا زورا
مْدَبراني ﭼْيݒا كْورا، لاﭘيش كقبليلي بشورا، مَعقلوثِح لاكْشَكلا
توتونِح مْقُطا بْشَݒْرا، مورو شواوا دمَنيلي، دجَجّيس بيديكا منوﭙرا
كود قِملي مْكيبَد خالي، بخاصي دريلي خنجاري، بْبَيثا دتومي مرَقانا
ﭙثِخيلي كُل دفتاري، ثيلِ منصور بِرْد غزالة، كم جاوبلي خا قالا
كِبلِ وشْقِلِّ ﮔوﭙالا، وأرِقْلِ لبَيثا دبِرد خوبير، دَستا خّيطيلا بْگارا
، كود مُحكيلِ عَدولا بِرد بوﭽي مْخيلِ لبِلّا، ﭙوشِيّح كِمبلبِلّا
بليشانِح كِمزاغِلّا، ميري سيپا لا هاوِت رامانا، مْخيلي أيذي لخَنجاري
بدوذِنّا قَصَبخانا، خالي بشلِ وزيرا، لاخّازن ﭙولِصْخانا
لاذ خالي مُدير خاثا، و سيپا دخالي بشِشْلاثا، هولي ﭘيشا تحصيلدار
وحكْيما لأثراواثا، ياقو ومقّو عَديلي، تومي موخِل برطيلي،
 سي مباوِزْلا شِكُوّي، سْيپا خثنن مسْوجِيلِه، شعيا رابا يَقورا
بگو ديوان دجهيلِيِّ، دْيخ اوِذْلوخ أث شولا.
القصيدة بالعربية:
نحن جالسين في الغرفة العلوية، سمعنا صيحات ﭼوكي، عندما قام غاضباً من مكانه
قلنا الصدام بين مَن وَمَن؟ بين بيت ﮔولّا وبيت ﮔوكّي، العركة بدأت في البستان
بلسان واحد وفم واحد، أين ججو إبن راحيل؟ ذلك هو مُخضّب بدمه
ججو لماذا انت هناك؟ تقبل ان اسلّم عليك؟ ليذهبوا وينزلوا الى الموصل
لن يكون هناك من يساعدهم، انا وخالي نفصل بين المتقاتلين، وإسحق من بيت الخطباء
اذا لم يقبلوا بكلمتي، تركتهم ينزلون الى الموصل، مسكين الوالد شابا
في رجله معلق الفلس، ليس للفلس فضل عليّ، ومن يحصد الحنطة
شاخوتا دلّني على الخطأ، أخطأني شاخوتا، لوسيّا جالسة على السطح
المحلة كلها مخرّبة، اقاموا شهود الزور، جاءوا بِجَجّو توسا
انه لا يعرف بالقوانين، الشكوى هناك افسدوها، ابن خوبير ملك صغير
مدبّره ﭼْيݒْا الأعمى، لن يعودوا يقبلون مشورته، معقوليته لا تليق به بعد
تبغه مقطع بالساطور، اسألوا جيرانه من؟ لجرجيس العصفور منتوف الريش
عندما غادرت بيت خالي، في ظهري علقت خنجري، الى بيت تومي الرقّاع
فتحت كل دفاتري، جاء منصور ابن غزالة، وجاوبني بصوت واحد
انحنيت ورفعت عصاي، ثم ركضت الى بيت خوبير، بدلته خياطة منطقة ﮔارا
ابن بوﭼي طرق على الباب، فبَلبَل غطاء رأسه، عندما تكلّم بصراحة
بلسانه أفسدها، قال سيپا" لا تكن مغروراً" ، مددت يدي على خنجري
سأعملها مجزرة، خالي اصبح وزيراً، لن ارى مركز الشرطة
هذا خالي مديراً جديداً، وسيف خالي من السلاسل، قد اصبح موظف مال
ويحكم على البلدان، ياقو ومقّو عديلان، تومي دفع الرشوة
اذهب وإفسد الشكوى، سيپا نسيبنا إتهمهم، شعيا من العقلاء
في مجلس الجهلاء، كيف تعمل ذلك العمل.
nabeeldamman@hotmail.com
October 10, 2020 California




103
قصيدة ثالثة باللغة السريانية من القرن التاسع عشر الميلادي
اسحق مقدسي
مقدمة:
     قصيدة ممتازة تحكي الحالة الاجتماعية في  القوش في مطاوي القرن التاسع عشر وعلى يد شاعرها الفذ آنذاك اسحق مقدسي. فيها من روح المرح الكثير، وفيها من التعليقت الصريحة الجميلة التي لم يكن في حينها من يتحسس او يتذمر او ينزعج منها، فكانت تلك الاحاديث سلواهم امام مصاعب الحياة وهمومها ومجريات أمورها. ساعدني في قراءتها الصديق العزيز نشوان الياس خندي المقيم في لندن، ثم ترجمتها الى اللغة العربية بتاريخ 1- تشرين أول- 2020.



القصيدة بالگرشوني:
وديرايا، تراواثنَي بگو إخذاذي، كِمشَبحي لشِمّا دمَريا، تاما خَشخي لأو شوحا، دِمشَبحي هالّيلويا، شِلمَث لألاها شوحا آمينا امين.
وآخا داها بكثوين مندي دبريلي، وگدشي، لآلها شوحا وإلّان رَحماثيح.
انا مَقّو بِزمارا، شْميلَن عَيطي د گوكّي، آذي شرّي دمانيلا، دبي گولا وبي گوكّي
بي أودو رْيشا دّينا، تويرَي قَطخا ومَسّينا، مسّينا تويرَي بْݒَلگا، ﭙَتوزا نصولي گرْدا
أيكيلاي بَركانَيهي، بْصاري دِ صليوو وَردا، ميخا لَيلي دْشَرّاثا، إسحق كْناصو عِلْلاثا، مولِݒلَي .... كْورا، آوو كْخارو خذا ماثا، ماثا خريوا لنوخرايي، ديوان دسْيݒا لْگوايي، مطيلي لݒثاورَه دْخلتي، خنجاري نْݒيلا بمايي، بِرْد خَلتي خْرولي مْدِمّا، كبلي ريشا د خورزايي، كِبلي ريشَن خْگوﭙّالا، طرماثا تاما مْݒالا، مطيلي لگورا دْشالالا، عزيزا لبَخّت ديّوخ أث بْيشتا مباطِل دْزالا، كلوي دماثي منّوخون، لا كمطألِن بشولوخون، بِدْ ﭙَثخني كِمّوخون، بِد مانني شِنّوخون، خالي قْيما لرِيش روما، أينِح لا كتورا مْيوما، شْود زالي وْنَخثي لموصل، مْباوِزلَي خواجا توما، شرّي بْريلا بقَصيلا، بتوزا بدِمِّح گويلا، عافرم باريخلا، لاي توزي كمصوبيلا
شَرّي بريلا بْسولْياثا، شَرّي دْكيݒي وقَتّاثا، مَن سِقلِ رّيشِح كْيݒا، بريله شطاحا بشقياثا، ماثا م.... لاك نيخا، أخني حومثان لاك ݒْيخا، إيّو وْأربَثنَي يالِح. غذا محلي موديخا، موديخي كْول بي گْولا، ماثا تاما مْبولبِللا، حَنّيثا ﭙاثَح خْوَرتا، نقدَح قيرالا كولّح، قيرالا تا بْرينداري، يا هوذايي كْوم پاثا، أيمَن مْخيلي خنجاري، خِرّو ومَقّي بِبذانا، ﭽْورو وشَعو بْݒِصخانا، يالي لا مَقِصروتون، أوذولا قَصَبْخانة، أيثِ ماثَه گولا قوطّا، خَنجَرتي كم رابِطلا، قاشا كْناذي خْبَركوتا، شرّي بريلا برَؤولا، ..... مودموخ ختورا، نخِثوالي سَهذي دْعولا، عافرِم مبارخلا خِرّو قْطِلوالي گورا، شَرّي بريلا بقصيلا، بتوزا بدِمِّح گويلا، توزي برؤولا قطيلا، ورديا كِمصوبيلا.
القصيدة بالعربية:
...... والديراني، كلاهما معاً يسبّحان إسم الرب، هناك مؤهلان لهذا التسبيح ويمجدان هللويا، إنتهت ولله التسبيح أو المجد الدائم آمين. وأيضاً نكتب شيئاً من تأليف والأحداث التي حدثت، لله المجد وعلينا مراحمه.
انا مقّو(1) أغنّي، سمعنا صراخ ﮔوكّي، هذا الصدام بين من ومن؟ بين بيت ﮔولا وبيت ﮔوكّي. بيت أودو رؤساء الدين، حطمّوا الكأس وإنائه، الإناء كسروه نصفين، بتوزا اشعل المشكلة. اين وقع التحدّي؟ في زرع " صليوو وردا" ، ميخا لا يصلح للصدامات، إسحق يصنع علامات. علّموا.... الأعمى، هو يخرب قرية كاملة، القرية خرّبها الغرباء، ديوان سيپا(2) الى الداخل، وصلوا الى مائدة خالتي، خنجري واقع في الماء، ابن خالتي امتقع لونه من منظر الدم، حنى رؤرس الأقرباء، حنى رأسنا مثل العصا المعقوفة، الواقعون أرضاً من الصدام، وصلوا الى زوج شالالا، مروءتك يا رئيس اوقف هذه النكبة، كلاب قريتي منكم، ما اتلاعب في عملكم، سافتح فمكم، وأحيب اعماركم، خالي واقف على التل، عينه لا يرمشها من الشمس، ليذهبوا وينزلوا الى الموصل، سيبهذلهم الخواجه توما، الصدام وقع في المرج، بتوزا ينزف دماً، احسنتم باركوها، وتلك توزي جرحوها، الصدام وقع في مواضع روث الأبقار، صدام بالأحجار والعصي، منهم فشخ رأسهم الحجر، وحدث سقوط في سواقي الماء، القرية من.... لن ترتاح، نحن غضبنا لن يزول، إيّو وأربعة من أولاده، اطفأوا محلة بكاملها، اطفأوا جميع بيت ﮔولا، هناك صارت بلبلة في القرية، " حنّيثا" وجهها أبيض، نقد زواجها تبرعت بها، تبرعت بها للمجروحين، يا يهود سود الوجوه، متى تضاربوا بالخناجر، " خرّو" (3) و" مقّي" في الحراثة، چْورو وَشَعو في الفرح، أولادي لا تقصرون، إعملوها مجزرة، هناك في القرية ﮔولا القصير، ربط خنجره الصغير، القس يقفز مثل طير صغير(4) ، الصدام وقع في الوادي، ..... مدّدوه مثل الثور، نزلوا شهود الزور، احسنتم باركوها، خِرّوا قتل رجلاً، الصدام حدث في المرج، .... بدمه مخضّب، " توزي" قتلوها في الوادي، و" ورديّا" جرحوها.
الهوامش:
(1) مقّو هو الشاعر اسحق مقدسي
(2) سيپا على الأكثر سيبا دودا احد أغنياء القوش
(3) خرّو رجل من بيت حيدو الذين أصلهم من أشيثا في حكاري
(4) " بَركُتّا" طير صغير وجميل، سريع الحركة، يبني عشه في الصخور العالية في الجبل وتتصف بصلابتها وكأنها قطعة من الصخر.
             October 1, 2020 California
nabeeldamman@hotmail.com
&&&&&&
&&&&
&&
&

104
دَيْرُ الرَبّان هُرمِزْد
نبيل يونس دمان
يا دَيْرَ هُرمُزعُلْوٌ وَشــــارَة.......... في كلِّ وَقْتٍ تَحْلو الزِيـارَة
مَجْدٌ وَفِكْرُ، بَأسٌ وَحَـــــزْمُ.......... للدُنيا أعطى أعْظَمْ حَضَارَة
&&&&&
زَهوُ المكانِ فيهِ الجَمــــالُ.......... عَطْرُ الزَمانِ وَهجُ الشَرارَة
ذِكراكَ تَبقى في القَلبِ ناراً.......... أَحْبَبْتُ فيكَ وادي النَضــارَة
&&&&&
في كُلِّ نَفْسٍ شَوقٌ لِرُؤيــا.......... والدَيرُ صَرحَاً زاهِي الإنارَة
سِحْرُ البِقاعِ نَبْضُ الحَيـــاةِ.......... والمَتْنُ عالٍ خُضْرٌ مَــــدارَة
&&&&&
تاقَتهُ روحي وَصلاً إليــــهِ.......... حيثُ الصَليبُ فوقَ الإمـارَة
دهليزُ صَخْرٍ داخِل مَغَـارَة.......... عَظّمْتُ فيها نقرُ الحِجــــارَة
&&&&&
راهِبُ دَيرٍ صُنتَ الأَمانَــة.......... عِبرَ العُصورِ رَمزُ الجَسارَة
حَيّيتُ وَقفَكْ رَغمَ الشِــــدادِ.......... رابِطُ الجَأشِ رَهنُ الإشــارَة
nabeeldamman@hotmail.com
September 14, 2020 California








105
فهرس مكتبة نبيل يونس دمان
2020


كتب خاصة بالبلدة القوش:
1- سفر القوش الثقافي-  بنيامين حداد- بغداد 2001
2- ديوان رنين وصدى- لطيف بولا- بغداد 2000
3- القوش عبر التاريخ- تاليف المطران يوسف بابانا- بغداد 1979 ( طبعة اميركا)
4- الاشوريون بعد سقوط نينوى- هرمز ابونا- مشيكان 2001
5- الاشوريون بعد سقوط نينوى- هرمز ابونا- شيكاغو 1999
6- الاشوريون بعد سقوط نينوى- هرمز ابونا- كاليفورنيا 2004
7- القوش عبر التاريخ- المطران يوسف بابانا- دهوك 2012( طبعة ثانية)
8- حوليات دير الربان هرمزد- ترجمة بنيامين حداد- نينوى 2008
9- شذرات من الحياة- سهى بطرس قوجا- العراق 2012
10- النفس ومراحل الحياة- عادل فرج القس يونان-  بغداد 2007
11- القوش- حبيب يوسف تومي- بغداد 2003
12- كلدان القرن العشرين- الاب د. حنا شيخو- ديترويت 1992
13- يوميات سائح في الشمال- بطرس لاسو- العراق 2014
14- ملحمة الشهيد البطل مار قرداغ- شعر بنيامين حداد- دهوك 2011
15- شيرو ملكثا- اعداد وتقديم ادمون لاسو- مطبعة نصيبين في الشرفية 2011
16- مار قرداغ الشهيد- ادمون لاسو- مطبعة نصيبين في الشرفية 2012( طبعة ثانية)
17- - اساطيرنا وحكاياتنا الشعبية- ادمون لاسو- نينوى 2013
18- ادلة وجود الله- كرستينا قيس حيدو- بغداد 2003
19- الالام الشريفة- سعيد شامايا- بغداد 2002
20- شيرو ملكثا- جميل حيدو- بغداد 2000
21- بيت حيدو- جميل يلدا حيدو-  عنكاوا 2010
22- نواقيس في الخلاء- لطيف بولا- اربيل 2007
23- رحلة سكماني- تحقيق بنيامين حداد- بغداد 2003
24- المرشد الامين- بطرس لاسو- بغداد 1994
25- اثر قديم في شمال العراق- كوركيس عواد- 1934
26- اقليات شمال العراق- جميل ميخا شعيوكا- بودابست 1999
27- القوش الناحية- ادمون لاسو- بغداد 1993
28- مار قرداغ الشهيد- بغداد 1992
29- تاريخ بطاركة بيت الاب- دهوك 2008
30- القوش عبر التاريخ- المطران يوسف بابانا- بغداد 1979( الطبعة الاولى)
31- سكون الرمال يتكلم- يوسف اسحق زرا- 2009
32- حوادث مهمة في تاريخ القوش- نوئيل قيا بلو- اميركا 2003
33- القوش حصن نينوى المنيع- نبيل يونس دمان- مطبعة نصيبين في الشرفية 2014
34- رجال خلدت القوش ذكراهم- الشماس صادق برنو-
35- تاريخ عائلة بلو- نوئيل قيا بلو- كاليفورنيا 2004
36- مختصر تاريخ القوش ودير الربان هرمزد- يوسف حداد 2000
37- المسرح في القوش- ادمون لاسو- الموصل 2001
38- قصائد بالسريانية- سعيد سيبو- كافورنيا 2012
39- صحافة بلا رقيب- عبد الرحيم اسحق- مشيكان 2010
40- مدلول الاسماء وتراكيبها- فاضل بولا- اميركا 1993
41- مصير العالم بين الاشتراكية والراسمالية- بالانكليزية- جورج كتو- اميركا 1993
42- رحلة بنيامين الثاني- تحقيق سالم عيسى تولا- مشيكان 2010
43- المعالم العمرانية والحضارية في القوش- يوسف زرا- بغداد 2001
44- وهج الرماد- الاب سعيد بلو- كالفورنيا 1997
45- عرس ابدي( شعر) – جنينة جميل حيدو- ...............
46- اثر قديم في شمال العراق- كوركيس عواد- 1934 ( اعادة طبع اميركا)
47- حكايات من بلدتي العريقة- نبيل يونس دمان- كاليفورنيا 2008
48- قطرات( خطب، مقالات، وقصائد) – الاب سعيد بلو- مونتريال 1991
49- وحدة ام تواصل- القس اركان حنا حكيم- بغداد 2004
50- مار يوسف السادس اودو- اعداد القس اركان حنا حكيم- بغداد 2004
51- مار عوديشو وقرية النصيرية- حياة يلدا حنا- موصل 2001
52- نوافذ تاريخية وفلسفية- يوسف زرا- العراق 2003
53- الديورة في مملكتي الفرس والعرب- القس بولص شيخو- اعادة طبع في مشيكان
54- زقزقات في الغسق- لطيف بولا- اربيل 2007
55- قصائد في مهب الريح- لطيف بولا- بغداد 2003
56- رنين السندان( قصائد نثرية) – يوسف زرا- بغداد 1999
57- والكأس علقم- لطيف بولا- بغداد 2003
58- دير الربان هرمزد- الراهب داديشوع كيخوا- تقديم ادمون لاسو- بغداد 2012
59- الاوراق الميتة- سعيد شامايا- بغداد 2001
60- برنامج نمط الحياة الصحي- د. صباح ياقو توماس-
61- الرئاسة في بلدة القوش- نبيل يونس دمان- كاليفورنيا 2001
62- المثلث الاثري في القوش- ادمون لاسو- الموصل 2003
63- لا تيأسي- هديل كوزا- العراق 2010
64- عاصفة القدر- سدير ساكو- كاليفورنيا- 2005
65- الصخرة المقدسة- فاضل بولا- مشيكان 2007
66- بين الآكام والركام نواح الحمام- سمير عابد القس يونان- القوش 2015
67- كنز الذاكرة- عبد الرحيم قلو- مطابع دار الاديب- الاردن 2016
68- اوراق توما توماس- توما توماس- مطبعة آزادي- 2017
69- ميخا زراكا من ابناء القوش- صبري ميخا زراكا- مشيكان
70- مار ميخا النوهدري ومدرسته- نوئيل قيا- بغداد 1988
71- الشماس صادق برنو في ذكرى ميلاده
72- الاب حنا شيخو 1944- 2001
73- بمناسبة اربعينية الفقيد توما توماس- 1996
74- الطفل ذو الصندوق الخشبي- سعيد شامايا- بغداد 2019
75- كلمات بريق- بنيامين حداد- دهوك 2017
76- امثال القوش الشعبية- بنيامين حداد- دهوك 2019
77- من امثال اجدادنا- صبري جهوري- 2013












كتب خاصة( اشورية كلدانية سريانية):
1- تاريخ الكلدان- جورج البنا- كاليفورنيا 2002
2- سلسلة بطاركة الكلدان- جورج البنا- كاليفورنيا 2007
3- الكرملي الخالد- جورج جبوري- بغداد 1947
4- من تراثنا الشعبي في قرى نينوى- بغداد 1982
5- تاريخ كلدو واثور- ادي شير- بيروت 1912- اعادة طبع اميركا 1993
6- باقوفا حبة خردل- الاب حبيب هرمز النوفلي- بغداد 2002
7- اخبار بطاركة كرسي المشرق- عمرو بن متي- روما 1896
8- تاريخ كرمليس- حبيب حنونا- بغداد 1988
9- تنبيه الغافلين- عبد الجليل اوفى- بغداد 1927
10- محطات.. ونجوم- يونان هوزايا- اربيل 2012
11- اوجاع على مقصلة الحب( شعر)- نهى لازار- عنكاوا 2007
12- هرمز ملك جكو- وصفي حسن رديني- دهوك 2008
13- مدرسة الابطال- نوري عموري و مرشد كرمو- مشيكان 1980
14- الكلدان المعاصرون- د. عبد الله مرقس رابي- عمان الاردن 2001
15- فيشخابور- الأب البير ابونا- بغداد 2004
16- أقنعة- مرشد كرمو- مشيكان 1995
17- حياة الطوباوي البابا بيوس العاشر- الخوري سليمان الصائغ- الموصل 1951
18- توأم القمر( شعر) – نهى لازار- بغداد 2001
19- عنكاوا ماضيها وحاضرها- حنا عبد الاحد روفو- اربيل 1996
20- بحث عن الوطن القومي الاشوري- ترجمة وليم ميخائيل- شيكاغو 2001
21- معجم المؤلفين السريان- د. صباح نوري المرزوك- اربيل 2013
22- نهرين( شعر) – يونان هومه- شيكاغو 1992
23- قصائد شعرية- غانم حنا النجار- بغداد 2002
24- اثر الكتابات البابلية- الأب سهيل قاشا- لبنان 1998
25- حكايات من عنكاوا- سعدي المالح- سوريا 2012( طبعة رابعة)
26- باطنايا- نوح شمعون بوليزا- كاليفورنيا 2010
27- الكلدان من الوثنية الى الاسلام- د. سعدي المالح- مونتريال 1997
28- حلم مهاجر- مرشد كرمو-
29- اللحن الجميل- ناظم نعيم- مشيكان 1994
30- تاريخ تلكيف- يوسف هرمز جمو- بغداد 1937- مشيكان1993( اعادة طبع)
31- اغا بطرس- نينوس نيراري- ترجمة فاضل بولا- كاليفورنيا 1996
32- هيا نبدأ من الصفر- نوئيل عوديش بطرس- كاليفورنيا- 2007
33- الموصل في القرن الثامن عشر- ترجمة القس روفائيل بيداويد- 1953
34- اوراق الخريف- بهنام سليمان متي- كاليفورنيا- 2008
35- كنيسة المشرق في سهل نينوى- المهندس حبيب حنونا- 1992
36- بلدة تلكيف- القس ميخائيل ججو بزي- الموصل- 1969
37- النادي الثقافي الشوري- ابرم شبيرا- شيكاغو
38- اكيتو- مرشد كرمو- مشيكان- 2005
39- الخيانة البريطانية للاشوريين ج1- يوسف مالك- الطبعة الاولى 1983
40- ديوان اوراق الخريف- زكر ايرم انطون- كاليفورنيا 2010
41- البحث عن نينوى- هنري لايارد- السويد 1994
42- الخيانة البريطانية للاشوريين ج2- يوسف مالك- الطبعة الاولى 1983
43- الفقراء لا يموتون( شعر) – سالم شمامي- مشيكان
44- الاشوريون والمسالة الاشورية- ماتييف- دمشق 1989
45- تاريخ مار يابالاها الثالث- ترجمة الشماس خيري فومية- مشيكان 2009
46- الناطقون بالسريانية والمسرح السرياني- موفق ساوا- سدني 2004
47- خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية- اوجين تيسران- الموصل 1939
48- شميرام- ميخائيل اورو- بيروت 1958
49- اغنى رجل في بابل- جورج كلاسون- ترجمة يونان بيث مربو- 1984
50- الندايي واليباسي- الاب د. بطرس حداد- نينوى 2009
51- مدن وحقائب- سعدي المالح- مونتريال 1993
52- هديل على الحدود( قصص) - فاروق اوهان- القاهرة 1997
53- مجازر الارمن- اعداد بارور يرتسيان- بيروت 1986
54- المبسط في تعليم الغة السريانية- جوزيف اودا سورو- بغداد 2001
55- بابل- فردريك ديليتش- ترجمة ايرينا داود- دمشق 1987
56- كانونا- يونان هوزايا- دهوك 1999
57- فواجع الانتداب في حكومة العراق- يوسف مالك- 1932- طبع شيكاغو 1981
58- تاريخ الاشوريين – ماتييف-
59- اغا بطرس- نينوس نيراري- ترجمة فاضل بولا- كاليفورنيا 2005( طبعة ثانية)
60- الحضارة المسيحية- بهنام فضيل عفاص- اوكلاند 2005
61- قنبلة الاب بيداري- الاب بولص بيداري- محاضرة في بيروت 1936
62- أزيائنا الآشورية السورثية- اعداد ادمون لاسو- نينوى 2015
63- المطران الشهيد ادي شير- ادمون لاسو- نينوى 2015
64- الفلسفة السريانية- الاب يوسف حبي- اعداد وتقديم ادمون لاسو- نينوى 2014
65- انما نقوم بتفسير الكتب المقدسة- القس شموئيل بيت كليا اورميا- ايران 1967- ترجمة يكدان نيسان- تورنتو- كندا 2016
66- تاريخ الجالية العراقية في المهجر- الشماس شمعون دابش- بغداد 1975
67- يزداندوخت- القس سليمان الصائغ- مشيكان 2012
68- الكلدان والسريان والاشوريون- الدكتور عبد الله مرقس رابي- 2016
69- الطريق الوعر القمار- نوئيل عوديش بطرس- كاليفورنيا 2017
70- سورما خانم- ترجمة نافع توسا- العراق 2011
71- يوم الشهيد الاشوري- ابرم شبيرا- لندن 1994
72- حقوق الاشوريين السياسية- ابرم شبيرا- لندن 1996
73- دير مار اوراها- الاب بطرس حداد- بغداد 1995
74- القرية الكبيرة( ماثا ربثا) – كاليفورنيا
75- رحلة القس صليو الى السماء- شموئيل كليا- ابنان 1999
76- دروس في تعليم اللغة السريانية- الاب شليمون ايشو- دهوك 2010
77- فهرس مخطوطات مكتبة تلكيف- خيري فومية- مشيكان 2017

 كتب عراقية وعربية:
1- شرح شذور الذهب- جمال الدين الانصاري- طهران
2- كتاب شعراء النصرانية بعد الاسلام- الاب لويس شيخو- بيروت 1934
3- ذكرياتي( الجزء الاول) – الجواهري- 1988
4- المصور في التاريخ( الجزء الثامن) – منير البعلبكي-  بيروت 1987
5- مطر اسود مطر احمر( رواية) – ابتسام عبد الله- لندن 1994
6- سعيد تقي الدين- جان دايه- 1979 ( الجزء الثاني)
7- البيان والتبيين- الجاحظ- مصر 1926
8- عباد الشمس- سحر الخليفة- دار الفارابي 1985
9- ليل المعنى- صلاح ستينية- دار الفارابي- بيروت 1990
10- قبل ان انسى- انيس فريحة- دار النهار- بيروت 1979
11- سعيد تقي الدين( الخطب والرسائل) – بيروت 1969
12- مصر والاسلام- فوزي رياض-
13- الحرب الطويلة- اعداد احمد سيف- منظمة التحرير الفلسطينية
14- السدرة تزهر مرتين( رواية) - فائز الزبيدي- بيروت 1987
15- مغامرات شاب( رواية) - باولو كوئلهو- ترجمة افرام عازار- بيروت 2001
16- احمد الصافي النجفي- زهير المارديني- بريطانيا 1989
17- تموزيات( الجزء الاول) - فؤاد سليمان- 1953
18- ايوب والمنجل المكسور- د. توفيق الناصر- ميونيخ 1989
19- اغنيات الشمس والحرية والخبز- التجاني حسين- بغداد 1978
20- النظرات- مصطفى لطفي المنفلوطي-
21- الفية بن مالك- محمد الاندلسي-
22- سجل التوبة- امين ريحاني- دار الريحاني 1973
23- ادونيس والمزلق المشؤوم- د. توفيق الناصر- ميونيخ- 1988
24- الجمر والرماد- هشام شرابي- بيروت 1978
25- الصحائف- مي زيادة- بيروت 1975
26- عنترة بن شداد ج2- يوسف بن اسماعيل- روايات الهلال- 1957
27- انتم الشعراء- امين الريحاني-  بيروت طبعة ثانية 1953
28- دموع لا تجف- بيار روفائيل- بيروت 1995
29- كنوز الثلج- بتريسيا سنجن- طبعة رابعة بيروت 1980
30- خليل مطران( قصائد) – احمد عين حجازي- بيروت 1975
31- شعر الحقيقة- محي الدين صبحي- بيروت 1982
32- واحدة بواحدة- وليم شكسبير- تعريب انطوان مشاطي- بيروت 1983
33- ملحمة الشيخ- ناظم حكمت- دار الفارابي- بيروت 1979
34- السياسة والدين عند ابن خلدون- جورج لابيكا- بيروت 1980
35- هذا ما وعد الرحمن- جورج تاوزند- مصر 1946
36- عهد الشيطان- توفيق الحكيم- بيروت 1973
37- ارتقاء المجتمعات الشرقية ج2- ترجمة حسان ميخائيل- دمشق 1988
38- ارتقاء المجتمعات الشرقية ج3- ترجمة حسان ميخائيل- دمشق 1988
39- الادب من الداخل- جورج طرابيشي- بيروت 1981
40- شجرة النخيل- بهاء طاهر- بيروت 1985
41- الرحيل على ناقة ابي ذر( شعر) – عباس فاضل- الينابيع بيروت
42- قصائد برتولد بريخت- ترجمة احمد حسان- بيروت 1986
43- طرفة بن العبد- د. علي شلق- بيروت 1985
44- ليال ملاح- مليحة اسحيق- مصر
45- حماري ومؤتمر الصلح- توفيق الحكيم- بيروت 1973
46- البدائع والطرائف- جبران خليل جبران- بيروت
47- ليلة ناعمة- دينو بوزاتي- ترجمة د. منذر العياشي- دمشق 1988
48- الشاهد( رواية) - جوش ماكدويل- منير فرج الله- باريس 2009
49- العنبرة( شعر) – احمد فؤاد نجم- القاهرة 1977
50- حور محب- حسين ذو الفقار- بيروت 1985
51- الابنوسة البيضاء- حنا مينة- بيروت 1986
52- ولاعة- حنا مينة- بيروت 1990
53- نور الاندلس- امين الريحاني- 1969
54- 17 قصة جديدة- صلاح دهني- بيروت 1988
55- حياتنا الجنسية- د.صبري القباني- بيروت 1988
56- الوضعية المنطقية والتراث العربي- عبد الباسط سيدا- بيروت 1990
57- الديناصور الاخير- فاضل العزاوي- بيروت 1980
58- النظرات(3) – مصطفى لطفي المنفلوطي-
59- الشوقيات المجهولة- د. محمد صبري- بيروت 1979
60- ديوان الاخطل- الاب انطوان اليسوعي- بيروت 1969
61- شرح ديوان المتنبي- عبد الرحمن البرقوقي-
62- العاطفة والجنس- د. زيففريد شنايل- ترجمة د. عقل رومية- بيروت 1986
63- زورق الحلوى- حمود بن محمد الدولة- بيروت 1988
64- مختارات المنفلوطي- بيروت 1972
65- داود عمون- لبنان 1962
66- فجر التصوير- عز الدين نجيب- بيروت 1985
67- المصور في التاريخ ج7- مجموعة كتاب- بيروت 1987
68- المصور في التاريخ ج5- مجموعة كتاب- بيروت 1987
69- كوخ العم توم- نقله الى العربية منير البعلبكي- بيروت 1988
70- من اوراق واشنطن- يوسف الحسن- القاهرة 1986
71- سوريا والعهد العثماني- يوسف الحكيم- بيروت 1966
72- كتاب فصل المقال- ابن رشد- ترجمه الى الانكليزية جورج ف حوراني- بيروت 1961
73- طبقات الامم- ابو الصاعد الاندلسي- نشره الاب لويس شيخو- بيروت 1912
74- العقب الحديدية- جاك لندن- ترجمة منير بعلبكي- بيروت 1981
75- الشام- منير بعلبكي-  دمشق 1984
76- مقامات بديع الزمان الهمذاني- بيروت 1986
77- دور السريان في الثقافة العربية- اربيل 2011
78- طاغور- تعريب يوحنا قمير-
79- اشعار فؤاد سفر- القاهرة 1985
80- الناتشر- فرانسوا دى شاتوبريان- ترجمة بولس غانم- 1965
81- شرح المعلقات السبع- للزوزني- بيروت 1972
82- قصائد مدينتين- تشارل ليكنز- بيروت 1987
83- شرح ديوان عنترة بن شداد-
84- ابو سلمي- غادة احمد بيلتو- دمشق 1987
85- جنة عدن- ارنست همنغواي- بيروت 1987
86- ميت بوتيك- فؤاد حداد- القاهرة 1977
87- الانسان- لودميلابويفا- ترجمة زياد الملا- دمشق 1983
88- الصحافة اليسارية في مصر- د. رفعت السعيد- بيروت 1982
89- سعيد تقي الدين- بيروت 1970
90- سعيد تقي الدين- بيروت 1969
91- سعيد تقي الدين- المقاتلات السياسية- بيروت 1969
92- المكارثية والمثقفون- دار ابن خلدون 1980
93- حركات العامة الدمشقية- د. عبد الله حنا- بيروت 1985
94- هذا الانفتاح الاقتصادي- د. فؤاد مرسي- القاهرة- 1984
95- ارتقاء المجتمعات الشرقية- ترجمة د. حسان ميخائيل اسحق- الاهالي 1988 
96- شعر الشاهدة- عبد الكريم الكاصد- بيروت 1981
97- مرايا صغيرة- شيركو بيكاس- دمشق 1988
98- اثر على ماء- منعم الفقير- كوبنهاكن 1991
99- عذبيني- عيسى الخزوز- 1992
100- الف ليلة وليلة- بيروت- 1957
101- احوال نصارى بغداد- روفائيل بابو اسحق- بغداد 1960
102- رحلة ريج فى العراق 1820- نقلها الى العربية بهاء الدين نوري- بغداد 1951
103- محمود البريكان- اسامة عبد الرزاق الشحماني- بيروت 2004
104- جمهورية الخوف- سمير الخليل- القاهرة 1989
105- جدل الهويات- سليم مطر- بيروت 2003
106- الذات الجريحة- سليم مطر- بيروت 2000
107- اليزيدية قديما وحديثا- اسماعيل بك جول- بيروت 1934
108- رحلة المنشي البغدادي- نقلها عن الفارسية عباس العزاوي المحامي- بغداد 1948
109- الفتنة الكبرى عاصفة الخليج- ابراهيم نافع- القاهرة 1992
110- اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث- لونكرك- ترجمة جعفر خياط- بيروت 1949
111- شهداء الحزب شهداء الوطن- بيروت 2001
112- مقدرات العراق السياسية- آل المصيب محمد طاهر العمري- الموصل 1924
113- فيصل ملك العراق- مسز ستورث ارسكين- عربه عمر ابو النصر- بيروت 1934
114- قلب العراق- امين الريحاني- بيروت 1957
115- ايام فيلبي في العراق- ترجمة جعفر الخياط- بيروت 1950
116- الاغاني الثورية- لجنة تنسيق الروابط الطلابية العراقية في الخارج- 1981
117- الفأر ياكل الشوكولاته- ناجح المعموري- اللاذقية 2011
118- الوجدان- د. فائق بطي- اميركا 1993
119- الخروج من القمقم- سعدي سماوي- لندن 1999
120- التوأم المفقود- سليم مطر- بيروت 2001
121- كركوك- ليلى نامق الجاف- 1992
122- القضية الكردية في العشرينات- د. عزيز الحاج- بيروت 1984
123- المرتجي والمؤجل- غائب طعمة فرمان- الفارابي 1986
124- كنت ابنا للرئيس- لطيف يحيى- النمسا 1994
125- حميات في الغرب- سليم خياطة- سوريا 1985
126- العراق اليوم- السائح يونس بحري- بيروت 1937
127- الصحافة اليسارية- د. فائق بطي- لندن 1985
128- قصر البداية- كريم الاسدي- بودابست 1993
129- الجنس في العالم القديم- بول فريشاور- ترجمة فائق دحدوح- دمشق 1988
130- اوراق جبلية- زهير الجزائري- دار بابل 1988
131- الاغتيال السياسي في الاسلام- هادي العلوي- بيروت 1987
132- حدث ذات وطن( شعر) - عواد ناصر- 1984
133- رباعيات ابو كاطع( الجزء الاول) - شمران الياسري- دار بابل 1989
134- رباعيات ابو كاطع( الجزء الثاني) - شمران الياسري- دار بابل 1989
135- رباعيات ابو كاطع( الجزء اثالث) - شمران الياسري- دار بابل 1989
136- رباعيات ابو كاطع( الجزء الرابع) - شمران الياسري- دار بابل 1989
137- وردة البيكاجي( شعر) – عبد الكريم كاصد- دمشق 1983
138- للريل وحمد( شعر شعبي) – مظفر النواب- بيروت
139- آلام السيد معروف( قصص) – غائب طعمة فرمان- بيروت 1982
140- كتابة على صليب الوطن( شعر) - خلدون جاويد- 1992
141- نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق- يوسف رزقالله غنيمة-  بغداد 1924
142- قصاصات( شعر) – يانيس ريتسوس- ترجمة عبد الكريم الكاصد- دار بابل 1987
143- منطق ماركس- يندريش زلني- ترجمة ثامر الصفار- دمشق 1990
144- الماركسية والديمقراطية- ارثر كيش- ترجمة رجاء احمد- دمشق 1991
145- الامبريالية والاقتصاد العالمي- بوخارين- ترجمة رجاء احمد- دمشق 1990
146- رمز الراعي- الزة زايبرت- ترجمة محمد وحيد خياطة- دمشق 1988
147- سندخل مع القمر( شعر) - غريب صالح- دار العلم 1990
148- مدينة من رماد( رواية) – فاضل العزاوي- دار بابل 1989
149- حمامات السلطان( شعر) – قحطان محبوي صبر- بيروت 1998
150- الوجه الاخر( رواية) فؤاد التكرلي- الطبعة الثالثة- بيروت 1989
151- المأزق اسرائيل- روجيه غارودي- بيروت 1984
152- كيف سقينا الفولاذ( ج1) - اوستروفسكي- ترجمة غائب طعمة فرمان- موسكو 1988
153- كيف سقينا الفولاذ( ج2) - اوستروفسكي- ترجمة غائب طعمة فرمان- موسكو 1988
154- مذكرات بابلو نيرودا- ترجمة د. محمود صبح- بيروت 1978
155- بلدي( رواية) - رسول حمزاتوف- بيروت 1986
156- الارض الطيبة- بيرل باك- بيروت
157- العاقر- جون شتاينبيك- نقله منير البعلبكي- بيروت 1983
158- تاجر البندقية- وليم شكسبير- دار القلم بيروت
159- الام تيريزا( بالانكليزية) لندن 1990
160- قصائد الكوارث والامل- يوجين غيللفك- ترجمة مصطفى عبود- بيروت 1987
161- دروب الجوع- جورج امادو- نقله عوض شعبان- بيروت 1988
162- فارس الرمال- جورج امادو- ترجمه محمد عيتاني- بيروت 1986
163- نيرودا عاشق الارض- ترجمة احمد سويد- بيروت 1979
164- كفاحي- ادولف هتلر
165- من روائع الادب العالمي- ترجمة الاب عمانوئيل الريس- مشيكان 1997
166- ويطول اليوم اكثر من قرن- جنكيز ايتماتوف- ترجمة د. سعدي المالح- موسكو 1989
167- بيت الارواح- ايزابيل الليندي- ترجمة سامي الجندي- دار الجندي 1988
168- كتابات تربوية- ليف تولستوي- موسكو 1989
169- تقرير الى غريكو- ترجمة ممدوح عدوان- دار الجندي
170- كيف تكتب الرواية- ماركيز- ترجمة صالح علماني- دمشق 1988
171- مختارات شعرية- روفائيل البرتي- ترجمة صالح علماني- دمشق 1981
172- الاعمال الشعرية- ناظم حكمت- ترجمة فاضل لقمان- الجزء الاول- بيروت 1987
173- الاعمال الشعرية- ناظم حكمت- ترجمة فاضل لقمان- الجزء السادس- بيروت 1987
174- الكنة( رواية) – جيورجي كاراسلافوف- ترجمة حسين راجي- دمشق 1985
175- عشائر المنتفق- سليمان فائق بك- تقديم المؤرخ عبد الرزاق الحسني- لبنان 2003
176- مذكرات نوري السعيد- لبنان 1987
177- سلسلة تاريخ البطاركة- تقديم نيافة الانبا متاؤس- مصر 2001
178- ما زال الخليج ازرق- مازن مبارك جودت- كاليفورنيا 2014
179- المجتمع العراقي- الدكتور علي الوردي- بغداد
180- صحوتي الفكرية- ريمون نجيب شكوري- امريكا 2016
181- صفحات مظلمة في تطبيق الماركسية- نجيب اسطيفان- مطابع دار الاديب- الاردن- عمان 2016
182- نهج البلاغة- اركان التميمي- بيروت 2004
183- سين جيم- شريف العلمي- لبنان 1990
184- ذاكرة عراقية- رفائيل بطي- الجزء الاول- المدى 2000
185- ذاكرة عراقية- رفائيل بطي- الجزء الثاني- المدى 2000
186- الجالية العاقية في مشيكان- نوري ستو- مشيكان 1994
187- الذهب- يحيى الشيخ-
188- سلام ايها الثوار- كاظم جواد البشير- كندا
189- غيمة شيكاغو- حيدر عودة- بيروت 2018
190- المشرق- مستل- ادمون لاسو- 2004
191- رسائل احمد تيمور الى انستاس الكرملي- كوركيس عواد- بغداد 1947
192- راحل عبر الافق- بنيامين يوسف- ترجمة ميخائيل ممو-
193- الاغنية الشعبية- عطا رفعت- بغداد 1985
194- انستاس ماري الكرملي- كريم الغراوي- بغداد 2013
195- مسيحيو العراق- د. كاظم حبيب- بغداد برلين 2018







 





كتب كردية وأيزيدية:
1- مصطفى البارزاني- عبد القادر البريفكاني- القاهرة 1996
2- اليزيديون في حاضرهم ومستقبلهم- السيد عبد الرزاق الحسني- صيدا 1968
3- اليزيدية- سعيد الديوجي- بيروت 2003
4- مذكرات فارس كوره ماركي- د. جاسم الياس مراد- دهوك 2002
5- ايامي في ثورة كردستان- يونان هرمز- مشيكان 1999
6- المسيرة التاريخية الى الاتحاد السوفيتي- منشورات حدك
7- اليزيدية عقيدة وتراث- يوسف زرا- 2003
8- الاسس القانونية لحق الشعب الكردي- د. فؤاد ساكو- ديترويت 1987
9- البارزاني والحركة التحررية الكردية- مسعود البارزاني- مطبعة خه بات 1986
10- من مأساة الشعب الكردي- محمد سنجاري- اميركا






قواميس- دينية- دواوين:
1- المنجد في اللغة والاعلام- بيروت 1986
2- قاموس: تركي- عربي- سرياني- يونان هوزايا- اربيل 2001
3- مختار الصحاح- الرازي- دار الكتاب العربي- بيروت
4- صراعات الكنيسة وسقوط القسطنطينية- نجيب اسطيفان- سوريا 2011
5- قس ونبي- ابو موسى الحريري- بيروت 1984
6- قصة مريم العذراء- المطران كوركيس كرمو- ترجمة القس مانوئيل بوجي- اميركا 1986
7- ثقتي في التورات والانجيل- جوش مكدويل- المانيا
8- شبهات وهمية حول العهد القديم- النمسا
9- القداس الالهي- الاب عمانوئيل الريس و الشماس باسل النجار- مشيكان 2004
11- المسيحيون بين انياب الوحوش- ترجمة الاب عمانوئيل الريس- مشيكان 2006
12- الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد
13- مجالس الظرفاء- مشيكان 2003
14- قصة يوسب مصرايا- بخط الشماس بولص قاشا- القوش- ديرا علايا 1955
15- ديوان ايليا ابو ماضي- بيروت 1986
16- ديوان بدر شاكر السياب- المجلد الاول- بيروت 1971
17- ديوان بدر شاكر السياب- المجلد الاول- بيروت 1974
18- ديوان معروف الرصافي- المجلد الاول- بيروت 1972
19- ديوان معروف الرصافي- المجلد الثاني- بيروت 1972
20- كتاب الامثال( بالسريانية) – داويذ كورا- الموصل 1896
21- الثورة ضد الكنيسة- ليون كرستياني
22- اشعار سريانية- الشماس صادق برنو
23- احبك احبك والبقية تاتي- نزار قباني
&&&&&&&&&&
&&&&&&&
&&&&
&&
nabeeldamman@hotmail.com
September 14, 2020 California

106
أدب / دَيْرُ الرَبّان هُرمِزْد
« في: 20:46 16/09/2020  »
دَيْرُ الرَبّان هُرمِزْد
يا دَيْرَ هُرمُزعُلْوٌ وَشــــارَة.......... في كلِّ وَقْتٍ تَحْلو الزِيـارَة
مَجْدٌ وَفِكْرُ، بَأسٌ وَحَـــــزْمُ.......... للدُنيا أعطى أعْظَمْ حَضَارَة
&&&&&
زَهوُ المكانِ فيهِ الجَمــــالُ.......... عَطْرُ الزَمانِ وَهجُ الشَرارَة
ذِكراكَ تَبقى في القَلبِ ناراً.......... أَحْبَبْتُ فيكَ وادي النَضــارَة
&&&&&
في كُلِّ نَفْسٍ شَوقٌ لِرُؤيــا.......... والدَيرُ صَرحَاً زاهِي الإنارَة
سِحْرُ البِقاعِ نَبْضُ الحَيـــاةِ.......... والمَتْنُ عالٍ خُضْرٌ مَــــدارَة
&&&&&
تاقَتهُ روحي وَصلاً إليــــهِ.......... حيثُ الصَليبُ فوقَ الإمـارَة
دهليزُ صَخْرٍ داخِل مَغَـارَة.......... عَظّمْتُ فيها نقرُ الحِجــــارَة
&&&&&
راهِبُ دَيرٍ صُنتَ الأَمانَــة.......... عِبرَ العُصورِ رَمزُ الجَسارَة
حَيّيتُ وَقفَكْ رَغمَ الشِــــدادِ.......... رابِطُ الجَأشِ رَهنُ الإشــارَة
نبيل يونس دمان
20- 8- 2015







107
قصيدة ثانية باللغة السريانية من القرن التاسع عشر الميلادي
اسحق مقدسي
مقدمة:
قصيدة تحكي عن مرض عضال داهم رجل من القوش اسمه بطرس كوتيلا، وقد كتبها الشاعر اسحق مقدسي عام 1872، واعادها في ترنيمة( مدراشا) ولده الشاعر عيسى مقدسي عام 1892 ميلادية. ساعدني في قرائتها الصديق العزيز نشوان الياس خندي المقيم في لندن، ثم ترجمتها الى اللغة العربية بتاريخ 11- ايلول- 2020.


القصيدة بالگرشوني:
شْلِم كِدشا هانا مريرا دَعوِد لأسحق مقدسي- بشاتا 1872- لمشيحا- لآلاها شود معلين رحموثا. تودين مدراشا دَعوِد لعيسى مقدسي:
بيشوع مْشيحا مَحيانا، يا آلاها مرَحمانا
بآيا شاتا مشيحيتا، دألبا وِتمنيائِمّي وتِتَّي تِشْئي بمينيانا
بطرس كوتيلا نْݒِلّي بكورهانا، نْݒِلّي بكورهانا صَعبا ومَريرا
ميري تا خاثِح خْزيلي دَرمانا، دِووِن زيلا آنا بِد ميثِن
 بد مَوصِن لبروني لا سْويلي مْخايي، مِخ سِلو أخوني
 كود مِثلي اخوني إثوالَن مارا، دَها بگو موثي خاثي  بِش مْقَهرا
كزَدن لوسيّا بيديلا خَمثا، دْلا پَلطا وزالا
دلا پَلطا وزالا أث الياس زورا، وحَيف لجَنقوثي دريا بْگو قورا 
بَيثَن دِمْحيلي لاپِّش ﭼو گورا، لاپِّشوا گورا خْلِصلَن مْأولداشي
 كِبِن دمَوصوتون  تِراوثناي قاشي، طالان دِمصالي خَكما مَدراشي
طالان دِمصالي كولّاي صلاواثا، بَيثَن مسوكيري بِشْ مْكولَّح ماثا
بگاويح خَضريوا آني قَهواثا، دِشووقلان مايي وباتي و أراثا
وشِمّا أيذيئا بْكُلّي مَثواثا، بگو أينا دْخاثي بِخيا وَشْتيخَنياثا 
ان شْتيخَنياثا شولَيهي حْميلا، طالوخون أوذو شابا وكيلا
جَجّوكا من بيثان لا هاوي جگيرا، لا هاو جْگيرا بيدوِخوا خْوري
أثْ الياس زورا هَم دلا دابوري، دْلا دابوري ولاتّي مَرواثا
من زوروثي نݒيلي بعاقاثا، لَكُن ظَلميلي بگو كَرجايِ دْماثا
بدونيي اثوالَن شِمّا ومَر صاحِيبوثا، داها مشونيلان لاث عَلما خاثا
 دِݒِشلان دريي بآني قْوراثا، بآني قوراثا وهادَخ كود مير ي
مشيحا بگيانِح مَوثا دخزيلي، كول برناشا بِريا أثْ قَطخا بِد شاتيلي
بْشاتيلي بْزالي شولخايا، تاما بِد قاييم قامَ دْبَرايا
ما دْينا قِشيا بِد هاوي لناشا حِطّايا
&&&&&&&&&&
&&&&&&&
&&&&
&&
القصيدة بالعربية:
انهى كتابة هذا الحادث المحزن اسحق مقدسي في سنة 1872 للمسيح، من الرب في العلى نطلب الرحمة، كتب المدراش عيسى مقدسي:
بيسوع المسيح المحيي، يا رحيم يا الله
في تلك السنة المسيحية، ألف وثمانمئة واثنين وتسعين بالعَد*
بطرس كوتيلا اصيب بالمرض، اصيب بمرض صعب ومرير
قال لأخته ابحثي لي عن دواء، انا منتهي
انا سوف اموت، اوصي على ابني
لم أشبع من حياتي، مثل اخي سلو
عندما مات اخي، كان لنا مرجع
والان في موتي، اختي ستحزن كثيراً
اخاف على لوسيّا لانها شابة، كي لا تترك البيت
والياس لا زال صغيراً، يا خسارة لشبابي
يوضع في القبر، في بيتنا الذي انتهى
لم يبقى اي رجل، لم يبقى رجل انتهوا الاصدقاء
اريدكم توصّون كلا القسّين، ليُصلّوا بَعض المداريش
لنا ليصلّوا كل الصلوات، بيتنا ضاع اكثر من كل القرية
فيه كانت تدار القهوةِ، وقد تركنا الماء والبيوت والاراضي
اسم معروف في كل القرى، في عين اختي بكاء وشهقات
هذه الشهقات عملها متوقف، لكم اختاروا الوكيل شابا
ججّوكا من بيتنا لا ينبغي ان يزعل، لا ينبغي لانه صديقي
هذا الياس الصغير ليس له من يرعاه، بدون رعاية وبدون اهل
من صغري وانا أعاني، كي لا يظلمني احد في القرية
في الدنيا كان لنا اسم واصحاب، والان انتقلنا الى العالم الجديد
حتى تم وضعنا في هذه المقابر، في هذه المقابر وهكذا كما قيل
المسيح بنفسه رآى الموت، كل بشر حي لابد ان يجرع الكأس
يشربه ويذهب عاري، هناك يقف امام الخالق
ايّ ديونٍ قاسية على الإنسان الخاطئ
&&&&&&&&&&
&&&&&&&
&&&&
&&
الهوامش:
* هنا حصل ارباك في كتابة التاريخ، فالقصيدة قد كتبت عام 1872من قبل الشاعر اسحق مقدسي، وجاء ابنه من بعد عشرين سنة ليعيد كتابتها فأرخها في 1892.
nabeeldamman@hotmail.com
September 12, 2020 California




108
قصيدة شعر باللغة السريانية من القرن التاسع عشر الميلادي
اسحق مقدسي
مقدمة:
قصيدة تحكي احوال القوش بعد وفاة البطريرك مار يوسف اودو  سنة 1878( في المخطوطة مكتوب عام 1877 ربما خطأ من الناسخ في تحويل السنة من اليونانية الى الميلادية). وضعها الشاعر  اسحق مقدسي الملقب" مقّو" وهو والد كل من المطران الراحل طيماثيوس والشاعر عيسى الملقب" عيسوكا" ، فيما بعد اصبح له ولد سماه سليمان الذي كان الساعور الأقدم للكنيسة. ساعدني في قرائتها الصديق العزيز نشوان الياس خندي المقيم في لندن، ثم ترجمتها الى اللغة العربية بقلمي البسيط المتواضع انا نبيل يونس دمان، بتاريخ 1- ايلول- 2020.
 

القصيدة بالگرشوني:
هانا شاتا مْشيحيثا، دْالپا وتمَنيا إمّي وشَوئا وشَوّي لريشَيهي
مَجمَع بروميّا خْتِملي، كود نِخلي پَطرك يوسِݒْ
پَطرك خاثا موقِملي، مار ايليا قّاريلي
كود قملي پَطرك خاثا، حيراني د القوشنايي
لاپِش ليلي مَرثواثا، لا مَرواثا وريشاني
ريشاني تا تربِيّا، غْزولوخون تْري وَكيلي
خا مِنّاي وَرمز خوبير، لو ميخا ﮔورِدْ مِيّا
ميخا وْوَرمِز وكيلي، كود رضيلاي ناشِد ماثا
قاشِ دِﭘِشلي مْهيري، كود مْهيري دَفتاري
هَيو دْكثووخ نَفاري، كود ثيلي قاشا منصور
ناشا لَمطاشي أيالِحْ، لا مطاشوتون مْأذ شولا
قاشا منصور د بي سورو، لالِح مولهي أث نورا
مولْهيلي نورا وتَنانا، ميري بْمَجريلَن يَرخي
مَذْ دَولتا دْ شولطانا، مَّجريلان مْأن دولاثا
مهاداخِ خْريوا ماثا، كود موعيقي مِسكيني
نپِلي بگو أثراواثا، نپِلي بگو أثرا رابا
وكيلا پِشلي شابا، شابا پِشلي وكيلا
بگو أوتّوك أيلي قْبيلا، كود عِقلي ناشي دْماثا
 أث چونا رَيِس خاثا، چونا لموصل نخِثوالي
أيكِد ݒطرك زلوالي، انا حْيري بأذ شولا
حوكْما پْثِخلي دَفتاري، دِپْثخلي دفتر رابا
دِويوا وكيلا شابا، ݒطرك آذي شْميئالي
كبيرا  كِمّمِرآلي، ݒطرك لأسطمبول بزالي
ݒطرك زلّي قلولا، كود أويري لأسطمبول
بمَحكمي ݒثِخلي شولا، دِأيميري تا شولطانا 
اثرا ديئي بعوقانا، مشوديراي لݒطركخانة
دݒطركخانة كبِرتا، مَضبَطة پِشلا مْهِرتا 
لأذ شولا أوِذلي بَقَرتا، پِشلا مْهِرتا مَضبطة
وقِملي أوِذلي مَشَرتا، لأذ شولا تَد مَرضيلي
ݒطرك من اسطمبول ݒشطل، بمَرِكوا دنورا تولي
كود ݒطرك بياما أويري، شغوشيا بگو ياما بْريلي
صلاواثِح مار ايليا، تاما كبيرا زديلي
قملي بركلِ ومصوليلي، مصوليلي بأن صلاواثا
بگو بِخيا وشْتيخانياثا، مَريا آيِت مخَلْصِتَّن
دلا غَرقِخ بگو يَماثا، كود ݒطرك آذي ميري
بگو ياما مْخيلي وقطيلي، ݒطرك ياما قْطيئالي
ولئيكِد ﭘاﭘا زِلوالي، أيذِد ﭘاﭘا نْشِقوالي
كود ﭘاﭘا ݒطرك خْزيلي، وْكيفِح كبيرا ثيلي
أخني شميلَن بْگاووخون، دْمَرِكووخُن دي گيري
&&&&&&&&&&
&&&&&&&
&&&&
&&
القصيدة بالعربية:
في تلك السنة المسيحية، الف وثمانمئة وسبعة وسبعون فوقها
إختتم مَجمع بروما، عندما توفي البطريرك يوسف
أقاموا بطريركا جديداً، المسمى مار أيليا
عندما أقيم البطريرك الجديد، مساكين أهالي القوش
لم يعُد لهم مرجع، لا أصحاب ولا رؤساء
الرؤساء من اجل التربية، ابحثوا لكم عن وكيلين
احدهم هرمز خوبير، أو ميخا زوج مِيّا*
ميخا وهرمز وكلاء، عندما قبلهم اهالي البلدة
القسس وضعوا أختامهم، عندما ختموا الدفاتر
تعالو نسجل الافراد، عندما جاء القس منصور**
لا أحد يخبئ اولاده، لا تخبئون هذا العمل
القس منصور سورو، هو الذي اشعل هذه النار
اشعل النار والدخان، قال سيعطون الرواتب
من دولة هذا السلطان، يعطون رواتب من الدول
لذلك خرّبوا البلدة، عندما ضايقوا الفقراء
هربوا الى البلدان، هربوا الى البلد الكبير
اصبح الوكيل شابا، شابا اصبح وكيلاً
في دهوك هو مقبول، عندما تضايقوا اهالي البلدة
جونا الرئيس الجديد، جونا نزل الى الموصل***
ذهب عند البطريرك، انا احترت بهذا العمل
الحكومة فتحت الدفاتر، عندما فتح الدفتر الكبير
وكون الوكيل شابا، البطريرك سمع ذلك
تألم كثيرا لذلك، البطريرك سيذهب الى اسطنبول
البطريرك ذهب بسرعة، عندما دخل الى اسطنبول
في المحكمة بدأ العمل، عندما قال للسلطان
بلادي هي في ضيق، خاطبوا البطريركية
البطريركية عظيمة، المضبطة اصبحت مختومة
لذلك العمل عملوا الحساب، المضبطة خُتمت
قاموا بالإستشارة، لذلك العمل حتى يحلوا المشكلة
البطريرك غادر اسطنبول، واستقل مركب ناري
عندما اصبح البطريرك في البحر، حدث إضطراب في البحر
صلوات مار ايليا، هنا خاف كثيراً
قام وجثا على ركبتيه مصلياً، صلى تلك الصلوات
بالبكاء والنحيب، يا رب انت خلّصنا
حتى لا نغرق في البحار، عندما قال ذلك البطريرك
استمروا في الابحار، البطريرك قطع البحر
وذهب الى البابا، قبّل يد البابا
عندما راى البابا البطريرك، فرح فرحا كبيراً
نحن سمعنا بقصتكم، وان مركبكم كاد يغرق
&&&&&&&&&&
&&&&&&&
&&&&
&&
الهوامش:
* ميخا ابن مِيّه: هو ميخا جونا دمان( المتوفي عام 1910) زوج مِيّة من بيت خوشو
** القس منصور سورو: رئيس كهنة القوش( 1830- 1907)
*** جونا: هو چونا اسطيفانا رئيس القوش للفترة( 1884- 1889)
nabeeldamman@hotmail.com
September 1, 2020, California




109
الى متى تستمر تركيا في اللعب بالنار؟

نبيل يونس دمان
    في البدء اقول بان أردوغان سيكون السبب في دمار تركيا، وأسوء مما لاقته في نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث دفعت ثمن جرائمها بحق شعوبها وشعوب اخرى ممن استعبدتهم لقرون في معظم بلدان الشرق الأوسط بخاصة، إذ لولا عنجهية وهمجية تركيا، لأضحت ضفاف البحر الابيض المتوسط وشرقه، منذ زمن بعيد من احسن بقاع العالم من كل النواحي، التاريخية، والاقتصادية، والسياحية.
     لقد أغرى صعود نجم الإسلام السياسي في غفلة من الزمن، ووسط خدر الشعوب الأوربية التي كانت تقود النهضة الصناعية في العالم لعدة قرون، وأغرى معه السلطان العثماني الجديد اردوغان، ليكون الحفيد الحقيقي لسفاحي تركيا عبر التاريخ الحديث: جمعية تركيا الفتاة، وجمعية الاتحاد والترقي، الانكشاريين الأفظاظ، اسماعيل انور( انور باشا)، محمد طلعت( طلعت باشا) ، واحمد جمال( جمال باشا) . ايضا ركب رأس اردوغان تحويل متحف ايا صوفيا الى جامع مرة اخرى، رغم استياء العالم واستنكاره.
      تمعنوا ايها الاخوة القراء في قائمة ضحايا انفجار مرفأ بيروت في الاسبوع الماضي، ستجدون اسماء تنتهي بالحرف( ألف ونون) والأمثلة منها: كويدكيان، فادوليان، بيزدجيان، خوسرافيان، هابوكيان وغيرها، هي احفاد بقايا الشعب الأرمني الذي اصدرت تركيا بتاريخ 24 نيسان 1915 فرماناً( امراً) بإبادته، فهاموا على وجوههم، ومن نجي منهم استوطن بخاصة في لبنان وسوريا والعراق، وكذلك فعلوا بالشعوب الاخرى منها السريان والاشوريين والكلدان واليونانيين واليهود، أرجوك ايها القارئ : دلّني على ما هو مشرق في تاريخ تركيا؟
     إستغلت تركيا ضعف العراق بسبب حظه العاثر، في صراعاته المزمنة القومية والطائفية والمناطقية وغيرها عبر عقود من السنين، استغلت تركيا كل ذلك في ظل وضعها الاقتصادي والعسكري المتفوق الذي نتج عن عوامل كثيرة يطول الحديث عنها، فقط أركز على ثلاث عوامل منها: انهيار الاتحاد السوفيتي، الرساميل الاسلامية التي انهالت عليها، واخيرا عضويتها في حلف الناتو، فصارت تبني قواعد عسكرية في الاراضي العراقية على الضد من ارادة شعبه، متجاوزة الحدود التي ثبتتها المعاهدات الدولية، اخذت تصول وتجول في المنطقة الشمالية وتنتهك أجوائها وحرماتها كل يوم، فيسقط الضحايا من القرويين والمزارعين والرعاة المغلوبين على امرهم، ويتشردوا تاركين قراهم واموالهم للنجاة بارواحهم، وبشكل متواصل منذ ثمانينات القرن الماضي.
     لماذا العدوان على العراق، الا تكفِه مشاكله الداخلية؟ وتدخل الجارة الاخرى الشرقية الأسوء ايضا، في شؤونه الداخلية مستغلة الفوضى التي اعقبت سقوط الدكتاتورية الفردية عام 2003، لماذا تتم محاربة حزب العمال الكردستاني، بهذه الشراسة، وكيف يمكنهم القضاء عليه، حيث يقف خلفه شعب اعدادهم بالملايين في تركيا، هناك تهدر حقوقهم وتصادر حرياتهم وقد فرضت عليهم الحرب لعشرات السنين الماضية، لماذا لا تحل تركيا المشكلة الداخلية بالطرق السلمية والمنطقية، لماذا ابقت الوضع كنفق مظلم لا تلوح في الافق نهايته. لماذا تتدخل تركيا وتسهم في توتر الأجواء في كل مكان: في سوريا وليبيا وتونس و شرق المتوسط ، وقد ازدادت هذه التدخلات مع التجذر المطّرد للفكر الاخواني الرجعي الذي تنتهجه، فهاجت عدوانيتها واستفزازاتها ضد مصر واليونان وقبرص الجريحة التي قسمتها تركيا، ضاربة عرض الحائط كل القرارات الدولية بهذا الخصوص.
     ماذا فعلت تركيا في شمال سوريا، وكيف دعمت بكل السبل الميلشيات الاسلامية المتطرفة، ودولة الخلافة الاسلامية المسماة" داعش" ضد الاقليات والقوميات المضطهدة منهم الأكراد والسريان والأ يزيديين وغيرهم. لماذا ترسل مساعدات عسكرية، وتجري مناورات مشتركة مع اذربيجان ضد ارمينيا في نزاعهما الطويل على اقليم" ناغورني كاراباخ" ، ماذا ابقت في الارمن حتى تحارب اليوم تلك الجمهورية التي تعاني من مشاكل اقتصادية جمّة، لماذا لا تكون تركيا داعية محبة وسلام بين الشعوب، ومن يقول اذا تُركت تلك الشعوب دون تدخل من دول اقليمية عدوانية في شؤونها الداخلية، من يقول لا تنحل المشاكل في كل مكان تنخره الصراعات في المنطقة، لو كفت الدول العدوانية الطامحة في خيرات جيرانها مثل تركيا، لهدئت المنطفة ولكنها لا تتوقف فتصل تأثيراتها وتدخلاتها حتى شمال افريقيا وجنوب الجزيرة العربية، وصولا الى السودان واثيوبيا والصومال وجيبوتي، وتقوم ايضا ببناء قواعد عسكرية خارج الدوحة، وجزيرة" سواكن" على البحر الاحمر لإزعاج وإستفزاز مصر.
     أي عصر دوني ورديء نعيشه، متى يحل السلام ومنطق العقل؟ ومتى يسقط الإسلام السياسي؟ ومتى يأفل نجم الإخوان المسلمين والى الابد في كل مكان؟ وبالتالي ينبسط السبيل لإرساء سلام عادل ووطيد في منطقة الشرق الأوسط، فيتبادل الناس فيها الخبرات والهموم المشتركة ومتطلبات تحسين البيئة ودرء الامراض المتفشية خصوصا الكورونا اللعين، ولمصلحة ورفاه الشعوب التواقة للانعتاق والحرية، فتشرق وتنور تحت اشعة الشمس التي لا ينطفئ جذرها.
Nabeel damman@hotmail.com
California on August 11, 2020
 


110
المنبر الحر / حكاية الرجل والقس
« في: 20:26 04/08/2020  »
حكاية الرجل والقس
نبيل يونس دمان
إمتطى رجل حصانه الأصيل، وفي حوزته مبلغ من المال، وعلى كتفه بندقية رشيقة نوع برنو، وحول ظهره احزمة الرصاص، ولوازم اخرى، وهو مهندم بشكل يجذب الناظر اليه، وكأنه ملاك نزل من السماء، إنطلق بحصانه في الطريق، مثيرا عاصفة من الغبار خلفه. بعد مشوار من الوقت، وقعت عينيه على رجل دين( قس) يمشي على الطريق، رقّ له قلبه، فخفف من سرعة الحصان كثيراً، حتى اصبح يسير بمحاذاته، وخاطبه هكذا:
- مرحباً أبونا
- - أهلاً وسهلاً
- الى اين انت ذاهب؟
-- الى المدينة
- ابونا: ان الروح الشريرة، تنصحني ان ادعك تركب الحصان خلفي، وبالسريانية( ووله بمشورِه أوخِنّه الّي ته دمركونّخ بثر خاصي)
-- نعم، في بعض الاحيان عند مشورات جيدة( أي، ﮔاﮔاثه إتّه مشرياثَه طاوِه)
مدّ الرجل يده اليه، وساعده في الركوب خلفه، وابونا لا ينقطع من كيل آيات الشكر له.
بعد قطعهم مسافة من الطريق الطويل، خاطب الرجل القِسّيس:
- أبونا: يشير الآخر علي ان اعطيك المال الذي بحوزتي
-- نعم، بعض الاحيان عند مشورات جيدة
فسلم له كل ما يملك من مال، والقس لا ينقطع من كيل آيات الشكر له
قطعوا مسافة اخرى من الطريق، خاطب الرجل القس قائلاً:
- أبونا: يشير علي الآخر ان اعطيك حصاني
-- أي نعم ابني في بعض الاحيان له مشورات جيدة
- اصبحتُ الآن ضيفاً عندك، وبعد مشوار قصير، أصل الى هدفي لأودعك، تاركاً الحصان لك
-- بكل ممنونية
قطعوا من الرحلة حوالي نصفها، وباقي النصف، حتى يصلوا الى المدينة المقصودة، والقس جذل فرحان لما آل اليه الحال، هنا أشار اليه ان يتوقف، قائلا انه وصل الى هدفه، فنزل القِسّيس اولاً ليساعد الرجل في النزول، كان لا يتصور ظفره بالحصان، وينتظر انتهاء الوداع، لينطلق فينهب الارض نهباً بحصانه الجديد، الى المدينة التي سيتسنى له فيها، التمتع بنزواته، وتناول الاطعمة الفاخرة، وينام في افضل الخانات. لكن حلمه لم يستمر طويلاً، عندما صوب الرجل بندقيته على صدره قائلاً:
- ابونا: الروح الشريرة تشير ان اطلق رصاصة في قلبك
-- لا لا ابني انت عاقل، لا تطلق الرصاص، لان الذي يشير عليك هو نفسه، الذي عصى امر الرب، وهو كاذب لا تصدقه، وشرير قادر ان يخرب الامم
- أبونا: عندما ساعدتك، ووهبتك مالي وحصاني، لم تقل هذا الكلام، انت مخادع، وكاذب في دعواك، وحرام ان تكون في جلباب الكهنوت
ازداد غضبه وهو يستعد لقتله، هنا ارتمى القس على قدمي الرجل، متوسلاً ان يبقي على حياته، رق قلبه عليه مرة اخرى، ولكن ليس قبل ان يرجع ماله، ثم يطرده شرّ طردة.
ركب الفارس حصانه بخفة، وانطلق لا يلوي على شيء، تاركا القس في ضيق وشدة، وبوضع نفسي متهالك. لتكن تلك عاقبة من يحاول خداع الناس، وصدق القائل" اسمعوا اقوالهم ولا تفعلوا افعالهم" .
* سمعت الحكاية في محلة اودو اواسط الستينات من المرحوم منصور حنونا
nabeeldamman@hotmail.com
California, July 31, 2020


111
أدب / صباح الخير استاذي
« في: 09:31 23/07/2020  »


صباح الخير استاذي

نبيل يونس دمان
كنت مدرساً في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في حقبة الثمانينات من القرن الماضي، ارسلت احدى تلميذاتي في ثانوية جعار هذه القصيدة:
صباح الخير أُستاذي// مساء الخير أُستاذي
ربيع انت في نفسي// معي تسعى لانقاذي
بفيض العلم تُبنيني تغذيني تربيني// ومثل الزهر تسقيني لتحييني وتُنجيني
صباح الخير أُستاذي// مساء الخير أُستاذي
صوت الجهل من قلبي// زرعت المجد في دربي
فصرت الطُهر أبغيه// بلا خوف ولا ريبِ
صباح الخير أُستاذي// مساء الخير أُستاذي
أراك الان مصباحي// تقيم اليوم افراحي
وتحنو حين تشقيني// بثقل الحزن أتراحي
صباح الخير أُستاذي// مساء الخير أُستاذي
فكم في الكون من هم// أصابت شوكة النار
لان الوعظ من فيك// يجئ حين نحتار
وتمضي تقتل الضير// ويمسي فرحا الجار
صباح الخير أُستاذي// مساء الخير أُستاذي
سادعو الله في صمتي! // وفي جهري ليرعاك
بفيض النُبل يُمناك! // ويلقى اليُمن يُسراك
فأنت النبع أُستاذي! // وحتماً لن أنساك!!!
صباح الخير والعافية// على قلبك استاذي
تلميذتك
احلام.....
السعودية- الدمام
27/ 4/ 2014


 
الصور مع طلابي من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فترة الثمانينات من القرن الماضي
nabeeldamman@hotmail.com
Calefornia July 22nd




112
قصيدة شعر باللغة السريانية
عيسى مقدسي
مقدمة:
قصيدة تحكي اهوال الحرب العالمية الاولى، وضعها الشاعر  عيسى مقدسي الملقب عيسوكا عام 1924 في القوش، كتبها في لندن بالكرشوني الشماس نشوان الياس خندي، ترجمها في كاليفورنيا الى العربية نبيل يونس دمان. تأمل عزيزي القارئ، هذا الشاعر المجيد الذي انجبته القوش، كيف وصف بدقة وصواب ما حدث لبلدته والمنطقة والعالم في سني السفر برلك العجاف، انها اضافة تاريخية بصيرة لكل الاضطهادات التي لحقت بالشعوب والملل والنحل جراء المظالم، وبخاصة التي اضحت قليلة العدد وضعيفة نتيجة كوارث مماثلة عبر القرون المظلمة، ورغم ذلك نهض الانسان وشق طريقه واضعا خلفه المآسي ليبدأ من جديد، وذلك حال سليل الحضارة، وعمق الجذور على مرّ العصور.
القصيدة بالكرشوني:
 

بآيا شاتا مشيحيثا، د البا وتشائِمّي         
وإسّر واربي لمنيانا، كود اويرَن بْدارا خاثا   
خَزونا بْريشَن ثْيلي، مخواثي قط لا بريلي     
دلا خْزيلَي بَبَواثا، لا بَبَواثا وداري
دِكْ زَرئي خِطّي وْصاري، كيثِ يوما دِغصادا
كِثيا قوبتا كِخلالي، عوقانا مْطيلَ لْعَلما
يِمّه كِمزَبنا أيالي، اخني بداري قامايي
حُكْما شاقِلوا باري، باري دَث عَسكريّا
شولطانا موتو مْكُرسي، دونيي بشلا حرية
حرية باثراواثا، بولبالا بريلي بْدوني
دخْيرَن عَسكراثا،  دِمْ حامَي أثرَاواثا
كُدْ سفر بلّوك بريلي، أث بَطرَك ديَّن زديلي
صلاواثيح عمانوئيل، تاما بْركلي ومصوليلي
مصوليلِ أن صلاواثا، بكو بِخيا وْشتيخَنياثا
مريا آيِتْ مْخَلصِتَن، معوقانا دْأن شّراثا
كول مال دِيِّي هوِلوالي، خيصارا دعسكراثا
 
تا أثْ مَرعيثا ديِّي، مبوليوالي صْورياثا
يالي وِخوا دْ دولاثا، من دورا دبابواثا
انكليزايي رَحوقي، عميري لكمّه دياماثا
اذي بَطرك دْ يونايي، موبقلي قانون خاثا
ان مسكيني د سورايي، دريوالي بْعَسكراثا
مَلكي قِمْلَي لِخذاذي، تاما نصولَي شَرّاثا
شولطانا ديَّن زديلي، ومجومِعلْي عَسكراثا
أث المانيا قويثيلا، مسومّيلا كُل ياماثا
اويرا بأَثرا د فرنسا، خريويلا كول ايتاثا
موسقوف من تاما شميلي، مشوديري عسكراثا
أث المانيا مْحوصراوا، أرْيوا إلَّح اورخاثا
مقالِ دْطوبي وتافِنكي، كِم جَنِجْني نَثنياثا
أن مِسكيني د سورايي، كارقيوا مَن اورخاثا
كيثَي كْدَمخي بباتَيهي، بكو لِبّيهي زْدوياثا
أيمن دِكْ خازيوا عَسكر، كْأرْقيوا بكْو طوراني
كطاشيوا بْكْيبِيّاثا، والي اومِر مْشوديري
مجومْعيلي شيخواثا، صلوْوالي شيخا دْ بَرزاني
شْميلاي كولّي دولاثا، لَث نقطة ثيلا لماثا
أريلا طرئا دأيتاثا، لَنْ جونقي بشلاي محوصري
مِن زدوثا دْعَسكراثا، مْشارشيوا بْشرفياثا

ومِنّيهي شويري مكاراواثا، خكما مِنّيهي
لْوِشلي جْوللي  دْبَختاثا، عَسكراثا معوجبلَي
دغزيلاي شولا خاثا، اث شولا ليوخ خزيي
غير بإستنبول ومذيناثا، ان مذيناثا دشولطانا
ناشي نبلي بعوقانا، ليباي تَد بلطي مباتاي
وهم تد زالاي لِبذانا , ان ملكي ما كابوري
ليثن بكاواي مصلحانا، لا كِمصلحي دولاثا
لأي بَصرة تاما شقيلا، بغداد مليلا مْلَشّاثا
سَقَللي ثيلي لماثا، نصووالي تَختاواثا
تول بقصرا دربّاني، بكْو ريشا علايا دماثا
كول جونقي كِم آريلاي، كم داريلَي بقورععاثا
 ان كلابجي بايذايهي، بكو لِبَّيهي زدوياثا
يما دكقطلا بكيانح، ومريري باباواثا
وحِشّاني طَفَلْياثا، زودانا أن خثواثا
ان كابوري دجندرما، كماخيلاي بان قتاثا
كُدْاريلَي بكو طابوري، كْمْابيلخيلاي بأورخاثا
اني شولخايي وكبيني، حيراني دلا شوياثا
دريلاي سيبا بسورايي، خريوي كُلّي مثواثا
خريوي ولاتاي مبَقرانا، ناشي دِيَّيهي شقيلي
لكْابوري دْمُشلماني، اني دْيوي محبلاني

هم باثراواثا خني، قطلاي  قاشي ومطراني
ناشي ايليبي ومهيري، مر عاقل وهَم ميراني
ان بدلاثايهي مسوقلي، بشلاي مزوبني بشوقاني
خرولاي ايتاثا ومذبحي، ومجوبلاي كُلَّي قُرباني
بكو شوقاني ومثواثا، خرولاي باتِ بنياني
كولايهي مر دولاثا، اينشاي نوبلي يسيري
حيراني دلا مرواثا، انكليزايي زخميلاي
بماركوَي بكْو ياماثا، مريا آيت مخالْصِتَّن
معوقانا دأن شَرّاثا، لأي موصل تاما شقيلا
دلا قطلا ودلا زدوياثا، كوذي طاياري دبوخا
دكفيري بشمياثا، اثر دأوصملّي ضبِطوا
ﭘليوا لْكولّي دولاثا، ان دولاثا دسورايي
ريِّس دِسْياسا قطيلّي، بْكْو أَث أثرا دكْوكايي
بِلبالا بريلِ بدونيي، مقِطلي دأن طيارايي
اغا بطرس حكيما، امِّح عَسكر بألبايي
بكو البايي وربواثا، موقذلاي كول مثواثا
اث دولتا قويثيلا، صْمِطيلا اثراواثا
وكل مركازي واورخاثا، ثِل تفنكي وطوباواثا
اث قصتا لمن ميرا، لأث عيسى مقدسي القوشايا
اخونا د مار طيماثيوس، مر يولبانا
&&&&&&&&&&
&&&&&&&
&&&&
&&
القصيدة بالعربية:
في تلك السنة الميلادية..... الف وتسعمائة
واربعة عشر عدّاً، عندما دخلنا القرن الجديد
حل فوق راسنا زمن، لم نر مثله ابدا
لم يروه ابائنا، لا ابائنا ولا الاجيال
يزرعون الحنطة والشعير،  ثم ياتي يوم الحصاد
فتاتي السونة لتلتهمه، الضيق وصل الى الناس
الام تبيع اولادها، ونحن في بداية القرن
الحكومة تاخذ الفلوس، فلوس بدل العسكرية
عزل السلطان من منصبه، في الدنيا صارت حرية
حرية في البلدان، وحدثت بلبلة في الدنيا
تذكرنا العسكر، حتى يحمون البلدان
عندما السفر بللوك ابتدأ، بطريركنا فزع
صلوات عمانوئيل، هناك سجد مصليّاً
صلى تلك الصلوات، بالبكاء والآهات
انت يا رب تخلصّنا، من ضيق هذه المعارك
كل ماله بذله، تكاليف العسكرية
&&&&&
للرعية العائدة اليه، وزع الصور
كنا اولاد الدول، من زمن ابائنا
الانكليز بعيدين، الساكنين على شواطئ البحار
ذلك بطريرك اليونانيين، اخرج قانونا جديدا
هؤلاء المساكين المسيحيين، لينضموا الى العسكرية
ملوك تنازعوا بينهم، هناك نصبوا المعارك
سلطاننا فزع، فجمع العساكر
تلك المانيا القوية، سممت كل البحار
دخلت دولة فرنسا، فخربت كل الكنائس
الروس هناك سمعوا، فارسلوا العساكر
تلك المانيا حاصروها، قُطعت عليها الطرق
من صوت المدافع والبنادق، التي تصم الاذان
هؤلاء المسيحيين المساكين، يهربون في الطرقات
ياتون يباتون في بيوتهم، وفي قلوبهم الهلع
عندما يشاهدون العسكر، يهربون الى الجبال
يختبئون في الكهوف، الوالي ارسل امر
بجمع كل الشيوخ، صلبوا شيخ بارزان
سمعت كل الدول، في هذه النقطة جاءوا الى البلدة
مسكوا ابواب الكنائس، اصبح الشباب محاصرين
من خوفهم من العسكر، كانوا يتسللون بالحبال
&&&&&
ومنهم من رموا انفسهم من السطوح، والبعض منهم
لبسوا ملابس النساء، العسكر تعجبوا
عندما رأوا عملاً جديداً، هذا الشغل ما رأيناه من قبل
الا في اسطنبول والمدن، مدن السلطان
الناس وقعت في الضيق، لا يستطيعون الخروج من البيت
ولا ان يذهبون الى الفلاحة، كم هؤلاء الملوك كفرة
ليس بينهم مصلح، الدول لا يتصالحون
هناك البصرة احتلوها، بغداد امتلأت بالجثث
سقلّي جاء الى البلدة، فنصب التخوت( الأسرّة)
سكن في قصر الرهبان، في الجهة العليا للبلدة
كل الشباب اعتقلهم، ووضعهم في الفِلَق (1)   
وفي ايديهم الاصفاد، في قلوبهم المخاوف
الام التي تبكي بحرقة، والآباء في مرارة
والصغيرات في حزن، والاكثر الاخوات
هؤلاء الجندرمة (2) الكفار، يضربونهم بالعصي
يضعوهم في طوابير، ويشغلوهم في الطرقات
وهم عراة وجوعى، ينامون بدون اسرّة
سلطوا السيف على المسيحيين، خربوا كل القرى
خربوها ولا من يسأل، واهاليها قد خطفوا
بواسطة الكفار المسلمين، هؤلاء الذئاب المفترسة
&&&&&
كذلك في البلدان الاخرى، قتلوا القسس والمطارنة
اناس متعلمين وماهرين، اصحاب عقول وامراء
بدلاتهم المزركشة الزاهية، بيعت في الاسواق
خربوا الكنائس والمذابح، ووسخوا القرابين (3)
في الاسواق والقرى، خربوا البيوت والاعمار
كلهم لهم دول، نسائهم ساقوهم اسرى
مظلومين بلا اصحاب، الانكليز اقوياء
بالسفن في البحار، يا رب انت تخلّصنا
من ماسي هذه الحروب، هناك الموصل احتلوها
بدون قتال ولا مخاوف، يصنعون طيارات في الهواء
التي تطير  في السماوات، بلاد الأوصملّي (4) سيطروا عليها
قسموها بين الدول، هذه بلدان المسيحيين
قتلوا رئيس السياسة، في بلاد ﮔوﮔاي (5)
بلبلة صارت في الدنيا، من مقتل الاشوريين
اغا بطرس حكيمٌ، معه عسكر بالآلاف
بآلاف الجند والقادة، اشعلوا كل القرى
هذه الدولة قوية، اخضعت البلدان
كل المراكز والطرق، كذلك البنادق والمدافع
هذه القصة من قالها، عيسى مقدسي الالقوشي
اخ المطران طيماثيوس، صاحب المعارف
&&&&&&&&&&
&&&&&&&
&&&&
&&
الهوامش:
(1) الفِلَق: مفردها فَلقة، وهي عصاً غليظة يوصل بطرفيها حبل، توثق بهما قدما الرجل.
(2) الجندرمة: قوات الدرك التركية
(3) القرابين: جمع قربان( المقدس)
(4) الأوصملي: الدولة العثمانية
(5) ﮔوﮔاي: منطقة في جنوب شرق تركيا
nabeeldamman@hotmail.com
July 1st, 2020 California



113
القوش بين الامس واليوم
يعقوب افرام منصور


تقديم/ نبيل يونس دمان:
موضوع ارسل لي عن طريق الكاتب ادمون لاسو، قبل اكثر من 20 عاماً، فاحتفظت به طوال تلك المدة. قبل عدة ايام نشر خبر رحيل الكاتب والاديب المعروف يعقوب افرام منصور الى دار البقاء السرمدي، وهو المولود في البصرة عام 1926، قضى شطراً من حياته فيها، واعتبارا من عام 1957 انتقل الى بغداد، ثم في سني الارهاب التي اعقبت سقوط النظام الدكتاتوري، ترك بغداد عام 2011 الى بلدة عنكاوا، حيث كانت محطته الأخيرة. الموضوع الذي كتبه عن القوش له قيمة تاريخية في جزئه الاول الذي، يذكر فيها المصادر التي اطلع عليها بلغات اجنبية، ورقم الصفحات التي كُتب فيها عن البلدة، من الممكن ان تفتح باباً لكل باحث يريد معرفة ما كتبه الرحالة الغربيون عنها. اما الجزء الثاني من المقال، فقد تناول فيه بعض الظواهر السلبية، التي انطبعت في ذهنه، فعالجها بالنقد الشديد، اثناء زيارته لها في ربيع 1997، ومع ذلك يبقى باحثا جادا يمتلك قلماً سيالاً، وله اسلوب عذب، وتعبير متقن، اذ ليس بعيداً ان يكون مصححاً لغوياً لسنوات طويلة في مجلة" الفكر المسيحي" الرصينة. الان الى الموضوع الذي ينشر لاول مرة حسب علمي، لعله يفيد للذكرى، وتذكر ايام الحصار الظالم على وطننا، ومنه بلدتنا في حقبة التسعينات من القرن الماضي:-

     لبلدة القوش ذكر ووصف عياني في بعض كتب الرحالين الغربيين الذين امّوا العراق إبان القرنين الاخيرين من هؤلاء:
1- نيبهر في القرن 18 بكتاب رحلته الصادر في باريس عام 1780- ص 285- 286 من الجزء الثاني.
2- ريج في القرن 19 بكتاب رحلته وإقامته في كردستان ونينوى الصادر في لندن عام 1836- ج2 ص 89- 90 و 100.
3- فليشر في القرن 19 بكتاب رحلته واقامته في نينوى الصادر في لندن عام 1850- ج1 ص 276- 282.
4- باجر في القرن 19 بكتاب رحلته عن النساطرة وشعائرهم الصادر في لندن عام 1852- ج1 ص 104.
5- مارتن في القرن 19 عن ملخص تاريخ النحلة الكلدانية الصادر في روما عام 1867 ص 84- 86.
6- بج في القرن 20 عن نهري النيل ودجلة الصادر في لندن 1920- ص 241.
7- ستيفنس( وهي السيدة دراور) في القرن 20 عن نهري دجلة والفرات الصادر في لندن عام 1920- ص 77- 79. وقد ترجمه الى العربية فؤاد جميل بعنوان( في بلاد الرافدين) وطبع في بغداد عام 1961- ص 159- 160.
8- ويكرام في القرن 20 في كتاب( مهد الجنس البشري) الصادر في لندن عام 1936- ص 116- 117.
XXXXXXXXXX
     اذا اعطيت ظهرك لجبل القوش وباعذرا، ونظرت الى السهل المنبسط الفسيح قبالتك وعلى الجانبين، فانت إنما تشاهد( مرج الموصل) او( مرج ابو عبيدة) وفي المصادر السريانية( مرﮔا) . في الربيع يغدو سندسي اللون، وفيه تنتشر القرى القريبة من القوش، واهمها( الشرفية) على مبعدة ثلاثة اميال جنوباً، غالبية سكانها نصارى من النحلة الاثورية وكانت سابقا من قرى اليزيدية، لكن ما زال فيها حتى اليوم بقايا مزار الشيخ شرف الدين، احد أئمتهم الأقدمين، وقد عرفت باسمه، ويرجّح انه شرف الدين عدي بن ابي البركات المتوفي 697 هجرية. وفي اوائل القرن 20 إقتنى( دير السيدة) هذه القرية، فتفرق اليزيدية بين القرى المجاورة، فسكنها جماعة من القوش.
     وعلى بعد 4 اميال جنوباً توجد مزرعة( باكلبا) تعني موضع الكلب وهي غير التي ذكرها ابن الأثير في حوادث 50 هجرية التي هي من اعمال اربيل. ومن القرى التابعة لناحية القوش قرية( بيوس) التي اشار اشار اليها( نيبهر) في رحلته ص 284. امّا دير( بي قيما) فيقع في سفح جبل باعذرا التابعة الى قضاء الشيخان، والدير يبعد 8 أميال عن شرقي القوش مروراً ببوزان وكرسافا وخورزان. لم يبق منه غير الأسس والركام على مساحة الف متر مربع، وعلى خطوات منه جنوباً عين ماء تظللها اشجار البطم والتوت. ومعنى( بي قيما) السريانية" بنات العهد" وهذا يعني ان الدير كان للراهبات.
     خلال الأيام الثلاث التي انفقتها في( ألقوش من شهر نيسان 1997) لمست مع الاسف الشديد- ان سكانها ما عادوا كسابق عهدهم في العقود المنصرمة ذوي حميّة وجَلَد في العمل باحترافهم الصناعات اليدوية والأعمال الزراعية والرعوية، فقد غدوا متهاونين ومتواكلين ومن هواة الاعمال الهيّنة التي تدرّ عليهم الربح الوفير السريع، وخصوصا بعد ان صار عدد كبير منهم يتسلّم المعونات من الأقارب في الهاجر. فانت في هذا المرج الفسيح المنبسط امام جبلهم لا تجد شجرة زيتون ولا بقرة ولا قطيعاً من الأغنام يسوقه الراعي نحو الكلأ مع بزوغ الشمس. ويؤوب به الى الحظيرة بعد افولها. في حين ان المياه السطحية مبذولة، وبالأمكان حفر آبار كثيرة ترفد العيون والسواقي عند الحاجة. واذا قورنت هذه الحالة مع باعشيقا وباحزاني مثلاً- وكلاهما مكسوتان بأشجار الزيتون بكثافة، ثم قارناها مع قرية( الخضر- البساطلية) في ناحية النمرود، حيث نجد رقعتها خضراء ربيعاً، والصفراء في بقية الفصول ملأى بالأبقار وبقطعان الاغنام التي تدر على اهلها مالاً وفيراً بالأضافة إلى ما تدر عليهم زراعة الحنطة والشعير والعدس، أدركنا البون الشاسع بين هذه وتلك وبين هؤلاء واولئك، علماً ان هذه البقعة خالية من السواقي والآبار، فاعتمادها على الغيث فقط.
     لقد نزح عدد كبير من أهالي القوش الى مهاجر عديدة، فان ارتباطهم بأرضهم وذويهم وموروثاتهم ضعيفاً او واهياً، وأخشى ان تكون هذه الحالة السلبية قد أثّرت او ستؤثّر سلبياً في حرارة تقواهم وممارسة شعائرهم الدينية. ألا يتحمل المربّون والواعون والمرشدون الروحيون قسطاً من المسؤولية عن مغبّة هذه الظاهرة المؤسفة؟!
     كلمة أخيرة أقولها: لم أجد في البلدة متنزهاً ولا حديقة للأطفال بالرغم من وجود مساحات شاسعة مبعثرة هنا وهناك تصلح لذلك!
 
كاليفورنيا في 15- تموز- 2020



114
آيا صوفيا الجميلة لن تقتلعها رياح التطرف

نبيل يونس دمان
 
     كلما طاف بي الهيام بعيداً، نحو وطني بين النهرين الخالدين دجلة والفرات، وفي طريقي فوق البحار والمحيطات، احط الرحال احياناً في مدينة اسطنبول التاريخية، وازور معالمها ومنها كنيسة آيا صوفيا، التي أسرتني في ابهتها، وطراز بنيانها، وثباتها قرابة الف وخمسمائة سنة، رغم التشوهات التي لحقت بها في القرون الخمسة الماضية، فانها حافظت على قيمتها الدينية والتراثية، وباعتبارها في موقع جغرافي، يفصل اوربا عن الشرق الاوسط، مسرى المسيح عليه السلام.
     اليوم التاريخ يعيد نفسه، وكما قال احد الفلاسفة" في المرة الاولى مأساة وفي الثانية ملهاة" ، فعند سقوط القسطنطينية امام احفاد المغول والتتار في عام 1453م، على يد السلطان الفاتح محمد بن مراد، تحولت الى مسجد، كما تحولت غالبية كنائس الشرق الاوسط الى المساجد، بعد الفتوحات الاسلامية المنطلقة من الجزيرة العربية. انهارت دولة الرجل المريض، امام تصاعد النقمة والغضب عليها من كل حدب وصوب، جراء سياساتها الاجرامية تجاه الشعوب، وتحويلها بالقوة الى الاسلام، يتسائل المرء: ماذا جنى الارمن وغيرهم، ليقتلوا في ابشع مجزرة في التاريخ الحديث؟ . عند سقوط الدولة العثمانية المدوي، وبعد فترة فاصلة من الفوضى، مسك زمام الامور المتنور كمال اتاتورك، زعيمها في العصر الحديث، فوجه انظاره نحو عالم الحرية والتمدن، ومن ضمن انجازاته التاريخية عام 1934، كان تحويل ايا صوفيا الى متحف.
     اعتبرتها منظمة يونسكو الدولية من المعالم الحضارية، فاستعادت الكنيسة بعض هيبتها، وصارت قبلة للزوار بخاصة الاوربيين، وبدأت تدر اموالا طائلة من تلك السياحة، الى الدولة التركية التي كان اقتصادها ضعيفا. الى ان هبت الرياح الاسلامية المتطرفة، على عموم الشرق الاوسط، فانعشت الحنين الى الماضي، وارجاع الامبراطورية التي استعبدت الشعوب، فزحفت على عجل الاحزاب الدينية الاسلامية، لتقبض زمام الامور، وكان نجمها الاكثر تطرفا هو رجب طيب اردوغان.
     عندما عجزت تركيا في الدخول الى الاتحاد الاوربي، نظرا لسجلها الاسود وقمعها بل ابادتها، لكثير من الملل والنحل على اراضيها، وقهرها وتجاهلها لحقوق الانسان بشكل عام. عندما راى اردوغان كل ذلك، واعقبه توجه دول اسيا الوسطى، التي انفصلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989، للتعامل تجاريا واقتصاديا، والاكثر من ذلك سياحيا مع تركيا، تحسن وضعها الاقتصادي كثيراً، قياسا في تعاملها مع اوربا جارتها الشمالية.
     ان ما حدث اليوم في ارجاع متحف ايا صوفيا الى مسجد، لم يأت من فراغ، وليس قرارا عفويا او طائشا، بل مدروسا بعناية، فسوف يدر اموالا جديدة، واكثر من قَبل في السياحة الدينية، من البلدان الاسلامية في المنطقة، والتي تغلي في صراعاتها ومشاكلها، وقد نقلت برغبة منها او بدون ذلك، هذه اللوحة الماساوية الى اوربا الحديثة، عن طريق هجرة الملايين اليها، فاثقلتها وعرقلت بالفعل اي اجراءات او امكانيات لمقاومة الامر الواقع. لن تفيد بيانات اليونسكو، ولا الامم المتحدة، ولا الاتحاود الاوربي، ولا مجالس الكنائس المختلفة، ومنها الكنيسة الارثذوكسية الروسية في شيء، سوف يمضي اردوغان في الطريق الذي رسمه، في التاثير على اوربا واضعافها، لا بل غزوها على الاقل في احلامه.
     اردوغان في ظل وضع عالمي معقد جراء انتشار جائحة كورونا، كان يجب ان يحارب المرض المتفشي، والذي يتوسع كل يوم، كان يجب ان يتعاون مع الدول المحيطة والدول الكبرى، في مسعاها لكبح جماح الفيروس، لا بالحروب التي يفرضها بالضد من ارادة شعوبها، في سوريا وليبيا وشمال العراق، وتدخله السافر في شؤون تلك المناطق التي تحولت، الى فوضى، ودمار، وتشريد، وتغيير ديمغرافي، وغياب الدولة التي نشأت وتطورت، عبر عقود من السنين، بجهود وعرق الكادحين من ابنائها.
     سيكون الدرس قاسيا على اوربا، وحتى تخفف من وطأته، عليها باستنكار قرار اردوغان، وفرض اجراءات او عقوبات عليه وعلى كيانه، والحد من التعامل الاقتصادي مع دولة تدعم الارهاب، كما راينا قبل عدة سنوات، كيف مر الآلاف من المتطرفين، من شتى انحاء العالم الى سوريا والعراق، لتنبثق دولة الخلافة المزعومة التي ما زال خطرها ماثلاً، وما زالت الجرائم البشعة التي ارتكبتها، وكل المجاميع المتطرفة يندى لها جبين البشرية قاطبة. بفضل اردوغان الذي يتصور نفسه سلطانا من سلاطين آل عثمان، الذي طوى الزمن صفحتهم والى الابد، وكذلك الاسلام السياسي المتطرف في دول المنطقة، وفي المقدمة النظام القمعي، التوسعي، الكهنوتي، والطائفي بامتياز، ذلك القابع في طهران في غفلة من الزمن، لاكثر من اربعة عقود.
     فسحة امالي في رجوع المنطقة الى سابق عهدها تضيق، وستتوالى النكبات والحروب والتدخلات والمضايقات، لكل تلك الاسباب التي تضمنها المقال، وحتى تستعيد اوربا قوتها وهيبتها، يظل بصيص الامل معلقاً عليها، لنرى يوما فشل القرار التركي وعودة ايا صوفيا الى سابق عهدها: متحفا جميلا، آسرا للقلوب، وجاذبا للانظار، محليا ودوليا، وكذلك يكون محطة الزوار والسائحين من كل مكان.
nabeeldamman@hotmail.com
كاليفورنيا في 10 تموز 2020


115
في اعقاب هجمات باريس الدامية
نبيل يونس دمان
لم يعد خطر داعش والتطرف الاسلامي محصورا في بلدان الشرق الاوسط وقسم من اسيا واخر في افريقيا، بل وصل الخارج من الظلام كالطود يستهدف اوربا، لم تعد اوربا ملجأ آمنا للاجئين اليها من المناطق الساخنة، التي تدور في ساحاتها الحروب الحقيقية ومنذ سنوات، اصبح الصراع بين الارهاب والحضارة وجها لوجه، والمنتصر يقود العالم باسره وتحت شروطه، فماذا تختار البشرية التي اصبحت على مفترق طريقين لا ثالث لهما؟ ان صبرنا قد نفذ، وعقلنا توقف وتحليلاتنا تباينت، فماذا يحدث بالفعل وهل الاعلام صادق بكل ما يكتب ويقول وكم نسبة الدجل والنفاق فيه، وما هو مخفي تحت الطاولات، نتفاجأ به بين فترة واخرى. كل عمل ارهابي يعقبه هياج الاعلام وكأن الدنيا ستقوم كلها، ولكن سرعان ما يخبو الحماس، وينسى الضحايا والبلدان المستهدفة الكوارث التي ألمّت بهم، حاشا الله ان نبصرهم، وان نقول افعلو كذا او كذا، ولكن كما قلت نفذ صبرنا وقد نمهل اصحاب القرار والامكانيات للتصدي لهذا الداء الخطير المستشري، عدة اشهر لنلمس عملا جديا وحقيقيا وبكل الامكانات لدفن احلام تحطيم زورق الانسانية والقيم والمبادئ التي اكتسبتها البشرية عبر القرون، اذا لم يحدث خلال الفترة القصيرة القادمة شيئا مزلزلاً قويا، فيكون حكمنا واحداً من اثنين: اما تواطئ حقيقي يجري مع الارهابيين لاسباب نجهلها، واما ان شوكة الارهاب قد تصلبت وبات العالم رخوا امامها، وستكتسح الساحات العالمية والمدن الآمنة، والمراكز الصناعية في كل مكان، والمسألة برمتها، مسألة وقت فاصل لا غير.


116
محنة اللاجئين العالمية
نبيل يونس دمان

صورة الرضيع السوري الذي لقى حتفه غرقا
   
     الهجرات البشرية على مر التاريخ لم تتوقف وكانت تدفعها عوامل عدة منها اقتصادية، كوارث الطبيعية، حروب، امراض لم يكتشف العلم لها علاجاً، هكذا تحركت الموجات البشرية من منطقة الى اخرى، وكما هو معروف يعتمد لون البشرة وبنية الانسان ووضعه الفكري والصحي والنفسي بشكل رئيسي على العوامل المناخية التي تتدرج من البرودة الشديدة الى الحر الشديد، فكلما كثفت الشمس اشعتها كلما اسمرت البشرة واسودت وتتفاعل تلك مع الاجواء الجبلية او الساحلية المشبعة بالرطوبة او الصحراوية القارية، وتنعكس على شكل ونوع الملابس او الازياء وعلى نوع الطعام الذي يتناولوه. كانت نتائج تلك الهجرات عبر مناطق مختلفة التضاريس اختلاط الاجناس وتزاوجها، فنشأت اجيال من الالوان المتداخلة والهجينة، وبات من الصعب تحديد الجنس الاصيل، لذلك عندما يتزوج الاسود الافريقي بفتاة اوربية بيضاء يكون الوليد ذو ملامح شرق اوسطية.
     عندما يتأقلم بني البشر في بيئة معينة ولنفرض البيئة المناخية في افريقبا حيث قربها من خط الاستواء واشتداد ضربات الشمس ووجود الغابات الاستوائية الكثيفة والغنية بمختلف انواع الحيوانات البرية، فعند نقلها قسرا الى اماكن باردة فمن الصعوبة التأقلم والتعايش مع الجو الجديد، وقدتعاني لاجيال مديدة حتى تبدو متوافقة مع بيئتها الجديدة وقد لا تنسجم ابدا، وانا اشبهها باشجار تنمو في اماكن معينة ولا تنمو في اماكن اخرى، او حيوانات تعيش في اجواء ولا تعيش في اجواء اخرى والامثلة كثيرة ومعروفة، هناك فكرة تقول بان عملية تحويل لون البشرة تحتاج الى الاف السنين لكي تتم بصورة طبيعية، هكذا البشر لا يجوز بتقديري تغيير بيئته التي نشأ فيها والتي تحددت بموجبها خصائصه النفسية والسلوكية والاجتماعية.
     لا يصح نقل او انتقال مجاميع بشرية اعتادت العيش في المدن المثلجة الى المناطق الحارة في اسيا او الشرق الاوسط او افريقيا والعكس صحيح، الظروف الاقتصادية في البلدان الشمالية( اوربا مثلا) حيث النمو والتطور والازدهار، مقارنة بينها وبين التخلف والفقر والتدهور في كل مناحي الحياة في البلدان الجنوبية مثل الشرق الاوسط، شبه القارة الهندية، وافريقيا وجنوب شرق اسيا وامريكا اللاتينية، هذه الفروق ايضا قادت الى الهجرات الى الشمال، فيما التاريخ يحدثنا بان الموجات المهاجرة كانت تتجه من المناطق البالغة البرودة الى مناطق المياه الدافئة. في المناطق الباردة في قديم الزمان كان جل وقت قاطنيها يقضي بتوفير مستلزمات التدفئة، حتى في الصيف القصير كان الانسان يجمع الحطب للشتاء، فيما المناطق الحارة قرب خط الاستواء كانت الشمس الشديدة تعيق تقديم العمل وتقديم الافضل لرقي البشر، وافضل المناطق التي اتسمت بمناخ معتدل قامت فيها حضارات واقام فيها مفكرون وفلاسفة العهد القديم وهو خط معروف منذ القدم يمتد من وادي النيل الى وادي الرافدين، الى وادي السند، ولا ننسى ضفاف البحر الابيض المتوسط بما فيها اليونان وروما.
     اما الحروب فقد اجتاحت حروب كثيرة عبر التاريخ احرقت الاخضر واليابس، ولعل الحربين العالميتين في القرن العشرين اشرسها واكثرها ضراوة، وقد حصدت الملايين وكانت اسبابها التنازع على مناطق النفوذ اي صراع الدول الكبرى المتطورة صناعيا بعد الثورة الصناعية في اوربا في القرن الثامن عشر وما بعده، فجدّت في البحث عن اسواق جديدة، وتوفير المواد الخام، والتسيد والشعور بالتفوق العنصري، كما فعلت المانيا النازية، وايطاليا الفاشية.
     هناك ايضا الكوارث الطبيعية التي تجتاح غالبية بلدان ومناطق العالم كالزلازل، البراكين، الفيضانات، التصحر، التسونامي( زلازل تحت الماء) ، الاعاصير، والحرائق، ومدى تاثير تلك العوامل يتناسب مع استعداد البلد نفسه، والذي يتخذ الاحتياطات اللازمة، يتغلب في وقت قياسي على اثارها، وبالتالي يثبت ما تبقى من البشر في اماكنهم.
     اما اذا عصفت تلك الاحداث كالحروب، والكوارث، والمجاعات بسبب قحط الانتاج الزراعي والحيواني، بدول لها كثافة سكانية وفيها ضعف بقاعدتها الاقتصادية، والتي تعكس نظاما سياسيا هزيلاً او دكتاتورياً عنيفاً او مغامرين متزمتين دينياً، هنا تضطر مجاميع للهرب من تلك الاماكن نحو الشمال ولعبور البحار التي تفصلهم عن اوربا، خصوصا البحر الابيض المتوسط، الذي تحول في الفترة الاخيرة الى مقبرة لآلاف المهاجرين ومن انقطعت بهم السبل، هذا الهروب ليس حلا بل هو الخروج من سيء الى اخر، تظل تعاني منه تلك المجاميع طويلا في بلدان(ها) الجديدة.
     اوربا اليوم تجابه هجرات مليونية اليها من مناطق الصراع والكوارث، ولكن الصراع الذي سببته الاخفاقاات الاقتصادية او لنقل عدم تمكنها من النمو والمنافسة في السوق العالمية انعكس كل ذلك لمعاناة الطبقات الشعبية السحيقة، وفي ظل ازدياد عدد سكان الارض المفرط، اذ ربما لا تستوعب خيرات الارض تلك الزيادة الهائلة من توفير الغذاء الجيد، والنظام التعليمي المتكامل، والادوية الوقائية، والمنظومات الصحية الشاملة، كل ذلك يؤدي الى صعود فئات تستثمر هذا الواقع البائس لا لتعالجه وانما لتوغل في تخريب ما تبقى خدمة لمصالحها، وحتى تنفرد بما ينتج في البلاد وفي حرمان غالبية السكان، فيضطر هؤلاء الى الهجرة والمجازفة ليصبحوا اولادهم واجسادهم في احيان كثيرة طعما لأسماك البحار.
     تتحرك المنظمات والجمعيات والرأي العام في اوربا واميركا لمساعدة هؤلاء البؤساء، حسنا يفعلون، ولكن هذه المعالجات هي سيف ذو حدين، حيث ستنعكس سلباً على استقرار وتطور البلدان الاوربية، والتي نسيت او تناست ان هذه الهجرات ستؤدي الى تغييرات نوعية في مجتمعاتها مستقبلا، فيتراجع الارتقاء والنمو والتطور فيها الى مديات منخفضة، ان لم تنتبه بحل المشكلة من اساسها، من منبعها في البلدان التي تتحرك منها قطاعات واسعة للهجرة الى اماكن تسودها الحرية النسبية، ويزدهر فيها الاقتصاد، وهذا الحال لن يدوم لاوربا طويلا، اما اميركا فالوضع مختلف حيث لها ارض واسعة فيها مختلف التضاريس والاحوال البيئية من جبال الى صحارى الى شطآن انهر ومحيطات، فتستطيع ان تستوعب بضعة مئات من الملايين اليها، وهي تختارهم بعناية وتضعهم على غربال مصالحها، لتاخذ ما يخدمها لعشرات السنين القادمة، اما اوربا التي تصغر مساحة دولها جدلا مع زيادة السكان، بفضل الوافدين اليها واتباعهم نظام عير محدد للانجاب( قارن عدد سكانها قبل نصف قرن مثلاً) .
     منذ اوائل فهمنا بمجريات امور العالم عرفنا وتاكدنا بعمق ان الدول المتطورة لا تعطي خبراتها الى الدول النامية او الفقيرة وما كان يطلق عليه بالعالم الثالث، تغرق تلك البلدان بمنتوجاتها الصناعية، وتمدها بمختاف انواع الاسلحة، ولكنها لا تكفل امدادها بادوات الانتاج كالمصانع الانتاجية الضخمة، والمكائن المنتجة للسلع وبدورة متكاملة. اذا فعلت ذلك وهذا لا يبدو ممكنا في الافق المنظور، فان تلك الدول تنال استقلالها فعلاً، وتنمو وتزدهر، لتزيد رفاهية الانسان فيها، وتنخفض الفروق في مستوى دخل الافراد، عندها فقط تنشأ الديمقراطية في تلك البلدان، ويتناقص جنوحها للتطرف والارهاب، وتصبح قضية تداول السلطة حائلة دون صعود دكتاتوريات او فئات متطرفة الى الحكم، فتحرم الجموع حريتها ولقمة عيشها وتتحول حياتها الى كوابيس، فتضطر لترك قبور ابائها واجدادها خلفها ومعهم تاريخها وعاداتها وتقاليدها ولغاتها الثرية، وتضطر الى الهجرة نحو المجهول ونحو مصاعب جديدة متنامية تصل الى الانصهار في المجتمع الجديد، الذي قلنا في البداية لا يتفقق مع بنيتها ولون بشرتها وموروثها الجيناتي عبر الاف اذا لم نقل ملايين السنين.
nabeeldamman@hotmail.com
 USA Sep. 2 2015

117
مظاهرات الشبيبة في القوش
نبيل يونس دمان
     تعني الكثير، لكل متابع للاوضاع في المنطقة، القوش بؤرة الحضارة، وبارومتر مهم لتسجيل الاحداث والتطلعات، وانها واحة الديمقراطية، ومبادرتها تسجل على ذمة التاريخ، ومطالبها الشرعية، التي رفعها الفتية والفتيات، يظللها العلم العراقي بألوانه الجميلة( بيض صنائعنا، سود وقائعنا ..... خضر مرابعنا، حمر مواضينا) تلك المطالب تحرك العواطف وتلهب المشاعر، في ذات الوقت وبالترابط العضوي مع باقي المدن المنتفضة سلميا وفي المقدمة بغداد العاصمة، تهز عروش الفاسدين، والطائفيين، واصحاب المحاصصة، وسراق المال العام، ومؤججي الصراعات، وتجار الحروب، ومن يقحمون الدين في السياسة والحياة العامة، ليس لغايات سامية، بل من اجل مصالح دنيوية زائلة.
     انسحبوا يا رجال الدين من المشهد السياسي في العراق، ستبقى اياديكم بيضاء( بسبب عدم ممارستكم للاعمال العادية كباقي فئات الشعب) وتلك الفئات قادرة ان تطعمكم، وتعدكم ان توفر لكم كل الظروف لتدخلوا بيوت الله محترمين ومبجلين، ولكن فقط نطلب منكم عدم التدخل في شؤون الدولة ومصائر الوطن، تلك مطالبنا ونمضي حاملين تلك الامنيات بثبات وبسلمية مهما طال الزمن، نحن نحتذي بتجربة اوربا عندما فصلت الدين عن الدولة، وبغير ذلك كانت البلدان الاوربية ومدنها البهية، اوكار غراب ينعق فيها ليل نهار.
والى بعض مطالب المتظاهرين اجملها كما يلي:
* جماهير القوش تتضامن مع المتظاهرين في كافة محافظات العراق المطالبة بحقوقكم المشروعة
* انتهى زمن العبودية، انه زمن الحرية
* نطالب بارجاع اموال الشعب المسروقة ومحاسبة المتورطين فيها
* نطالب بالاسراع في تحرير المختطفات الأيزيديات
* خبز، حرية، دولة مدنية
*عاش العراق
* الشعب ينتصر
* لا لتكميم الافواه
* لا للدولة الدينية
وختاما لكلمتي القصيرة انقل مقاطع من نشيد الشبيبة:
آمــالنا المقبـــلاتْ   حشدتنا لنبني الحياةْ
ونستثير النضـــالْ   بقلوبٍ تحب الســلامْ
هبت شعوب البلادِ   تشـدوا بلحن الفـؤادِ         
إن الشبابَ يلوي الصعابَ ويبهج الأيامْ
 


nabeeldamman@ hotmail.com
August 29 2015


118
المحامي عبد الرحيم قلّو يغادرنا بشموخ
نبيل يونس دمان
     بعد مسيرة عطاءٍ طويلة ومشرّفَة، غادرنا يوم 26 حزيران من على ارضِ كندا الى دار المجد والخلود، شخصٌ عراقيٌ معروف، مُخضرمٌ عاصر كل العهود، مناضلٌ منذ اربعينات القرن الماضي، وهو المحامي عبد الرحيم اسحق قلو، تلك الموسوعة من الافكار والمدارك والقيم، كرَّسها لوطنِه العراق وشعبِه، بكُل اديانه وطوائِفه، وقد عانى ذلك الوطن المتجذِّر في التاريخ، طويلاً من تعقُد الاوضاع السياسية والإثنية والدينية، على مدى عقودٍ من الزمن.
     عُرف بعقله المنفتح، وحسن متابعته، واهتدائه منذ نعومة اضفاره، الى بوصلة الحياة التي لا تُخطئ، وهي الفلسفة المادّية الجَدَلّية، فرَكب سفينةَ النضال، اجتازتْ بِحاراً مُتقلبةِ التضاريس، تعرضت لرياحٍ هوجاء عَصفت بها من كل جانبٍ، وكل ذلك لم يثنِه من مواصلة طريقِه وحسب قدراتِه، فكُلُّ انسانٍ يَهِبُ ما يملك، فرضي عنه الناس ورفعوا إسمَه، منذ ان كان معلماً في مدرسة القديس يوسف ببغداد، وموظفاً في شركةِ نفط كركوك، ومُحامياً يُشارٌ له بالبَنان، ونزيلَ سجونِ الطُغاة، وحتى استقراره في كندا قبل اكثر من ثلاث عشرة سنة، فلم يتوقف عطائه وكتاباته التي اغترفها من خزين ذكرياته، التي كانت بمثابة منبع لا ينضب، حتى جرع كأس المنية في نهاية المطاف.
     كتب عبد الرحيم بيمناه حتى كلَّت، فانتقل الى يسراه، ضَعُفَ بَصَرُه ولكن بقيت بصيرَتُه، كنت ألجأ اليه في كل مرة عن طريق الهاتف، ليعطني المعلومة الصحيحة التي احتاجها، وقد اختزنها بأمانة على مدارِ السنين، كان لا يبالغ البتّة، ولم يُمجّدْ نفسَه ابداً، بل كان يمجّدُ الآخرين، مِمَّن تدورُ الأحاديثُ عنهم.
     في اوائل الستينات وثورة 14 تموز في اعوامها الاولى، ادخل عبد الرحيم قلو مع اخيه يوسف اولَ حاصدةَ حبوبٍ الى حقول القوش الزراعية، لتحلَّ محلَّ المنجل والبيدر، كان لا يتقاضى ثمن الحصاد من العوائل الفقيرة، وتلك احدى صفاته التي لم يحد عنها ابداً، عمل لعدة سنوات بهمة واخلاص حتى عام 1963، حيث وقع انقلاب 8 شباط الدموي فاعتقل لعدة سنوات. ويذكر ايضا انه انتمى الى الحركة الوطنية عام 1943، وقد سبقه في التنظيم المرحوم الاستاذ حبيب الياس ݒولا، فعندما طلب منهم اختيار اسماء حزبية اختارا الأسمين: سنحاريب، وسرحدون.
     كلما غادر احد اقربائي هذه الدنيا، يكون المبادر في الاتصال لينقل أسفِه ومواساته، لم اجاريه بالمِثل فاصبح الدينُ في رقبتي، ولم يتخلف في الاتصال بي سوى المرة الاخيرة، في وفاة اختي صبيحة يوم 21 حزيران، توقعت مخابرته في اية لحظة، ولكن قبل الوصول الى اميركا لتفحص هاتفي، وانا لم أزَل في القوش مع افراد الاسرة، وصلني الخبر الاليم في توقف قلب عبد الرحيم الكبير عن الخفقان.
     نم قرير العين يا ابا سعد، فكتابك( صحافة بلا رقيب) بين أيدينا، معين لنا  ومصدر ثري لفِهم هموم العصر، لقد كفيت ووَفيت، واكملتَ رسالتك التي من اجلها ولدت، كنت مخلصا لقضية شعبك ووطنك، ولبلدتك القوش، واسرتك المتمثلة في زوجتك الاصيلة سميرة الياس مدالو، وولديك: سعد ونصير، وبناتك: انصار، غادة، مي، ايفا، واحفادك.
ليكه زِلِّه رحِقلِه مْعَلْمَـــــه.......... رحَقْتِحْ ليلَه خْلَصْتَه دْخُلْمَـه
بْپايِشْ إمَّن صُرتَه وصَلمَه.......... وِلْ تَدْ خاشِكْ لْيلِه وْيَومَـــه
&&&&&&&&&&
أثْ طَنّانَه مْشَمْهَ وْرامَــــه.......... بِدْ تَخرِخْلِه وِل نوحامَــــــه
عَمَّن براخِش وفّايِت لْقامَه.......... شْينَه بْشارِه وْبْدايِم دْيامَـــه
&&&&&&&&&&
أيْكِدْ زْالِ هاوْ بِشلامَــــــه.......... شِمِّح مْبَرْبِزْ بْيوشَه وْيامَـــه
عْواذِح پْيشِه آخه وتامَـــه.......... لپاثه دْزونَه رْشْيمِه رْشامَـه
&&&&&&&&&&
بابَه دْ سَعَد مْيوقرَه وْبِأيـَـه.......... مِنْ تَيِمْنَه وِلْ گرِبْيـَــــــــــه
بكاوِحْ شِمَّه دْألقوش عِلْيَـه.......... بْناشِ طاوِ وِلْ بْارويـَـــــــه
&&&&&&&&&&
ماثَه بْرِخْتَه هَر بِدْ رويَــه.......... يِمِّدْ گورِه هَر بِدْ هويَــــــــه
ما قِد هاوِ زَونَه قِشْيَــــــه.......... خِشْكهْ بْفايِتْ وْݒايِشْ نِشْيـَــه
&&&&&&&&&
رحيم قلّو بْدَرْغَه وْݒْيشَــــه.......... بْكاوِحْ وْخِنِّه عْلْيلِه رْيشَــــه
گو حَقّوثَه ناشَه پْرْيشَـــــه.......... وبْأُرخَه دْعَمَّه شِنِّه رْخْيشَـه
&&&&&&&&
كْمَ كَهاثَه بشلِه حْويشَـــــه.......... بْيذِ دِجْمِنْ مْݒيلَه وْديشـَــــــه
گو شُعْباذَه وْمَرِ وْحِشَّــــه.......... طِنِّه كْيوِح وْآوُ رْيشَـــــــــه
&&&&&&&&
بْيثْ بْي قِلّو مِليَه مْناشِـــه.......... مِنْ تِلَّعْفَر وِلْ مَنْگيـشِـــــــه
گو كْينوثَه مِخْ قَشّيْشِــــــه.......... وْتَحْيروثَه دَرْقُل بْيشِــــــــه
&&&&&&&&
هويَه دوكِحْ وَرْدِ خْضِرتَه.......... مِن كُل شِكْلِ وْيْرقَه پْرِستَه
گو يوماثَه مْشِمْشَه زْرِقْتَه.......... وْليلَواثَه مْصِهرَه بْهِرْتَـــــه
&&&&&&&&&
لْيلَه دْمَختِحْ إلّا نْيَخْتَـــــــه.......... صَپرَه عَمَّه بياصِرْ قُشْتـَــه
نْيشَه دِيَّحْ خْدِمَّه سْمَقتَــــه.......... بْكاوَحْ مَگلَه رِشْ ݘَكُشْتَـــه


انا مع المحامي عبد الرحيم اسحق قلو في ساوثفيلد- مشيكان 2004
nabeeldamman@hotmail.com
USA August 2015


120
من حياة الراحل سلمان اودو


نبيل يونس دمان
 
     توفي والد زوجتي سلمان صادق شعيا ميخائيل( مرخو) هرمز اسحق اودو مساء يوم 7/7/ 2015 في مستشفى" كروسمانت" بسان دييغو- كاليفورنيا، بعد شيخوخة طويلة امتدت منذ ولادته في القوش اواخر عام 1923، فقد والده مبكرا بسبب مرض عضال فعاش طفولته يتيما مع اخيه جورج واخته أنّو. نهل دروسه الاولى في مدرسة مار ميخا النوهدري، ثلاثينات القرن الماضي، فكان مجداً، وله صوت رخيم سخره في خدمة قداديس الكنيسة، وكان ايضا شغوفا بلغة ابائه واجداده السريانية فتعلمها، نشأ في بيت الحكيم فجده شعيا كان طبيبا شعبيا بارعاً، شأنه شأن العديد من المنتمين الى تلك العائلة، التي هاجرت اواخر القرن الثامن عشر من موطن القبائل المستقلة، في تخوما بمنطقة حكاري( تركيا حاليا) الى القوش.
     عمل في بغداد واربيل ثم الموصل التي كانت فترة عمله فيها طويلة، وابتدأ عمله في مجال الصحة بعد تخرجه من دراسة خاصة في الطبابة، عمل في التضميد فترة من الزمن، ارتقى بعدها الى ملاحظ ثم رئيس ملاحظين منذ اوائل الستينات. هكذا شغل مركزا مرموقا فترة الستينات والسبعينات والثمانينات في ادارة الصحة العامة والمستشفى الجمهوري والعام في الموصل، كان موضع ثقة ومعتمد عليه من قبل مسؤوليه، وقد تعرف على مشاهير الاطباء والطبيبات والعاملين في قطاع الصحة وحتى الكادر التدريسي في كلية الطب، عرف الكثير من عوائل نينوى من اسلام ومسيحيين وشيوخ عشائر واغوات اكراد وامراء ايزيدية، فكان يسود احترام متبادل بينهم، وكانت كلمته مسموعة ونافذة عندما يتطلب الامر واجبات طبية وحالات طارئة وحوادث عديدة عصفت بالناس، خصوصا اهالي بلدته القوش، فكان بيته( في رأس الجادة، وخزرج، وشارع فاروق) بمثابة فندق مفتوح الباب يقصده الكثيرون على مر ايام السنة.
     هكذا ساعد الناس في انبل مهمة انسانية هي الطب، وعرفه الجميع بهدوئه ورزانته، ومعروفة ظروف الموصل لكل متابع، فقد هجرها الكثيرون في اعقاب حركة الشواف والاغتيالت التي اعقبتها فحمامات الدم في 1963، كل ذلك لم يزحزح سلمان اودو من مكانه، واسعفته حياديته وعدم انتمائه للاحزاب، بل ابتعاده عن السياسة المكلفة على مدار الزمن، والتي حمل لوائها الكثير من اقربائه فعانوا الاضطهاد والسجون بسببها. في احد الايام العمياء التي مرت بها الموصل وهو عائد من مقهى في منطقة الميدان والذي تحول اسمه فيما بعد الى " كازينو 14 تموز" خرج عليه ملثمان في اشد ايام الاغتيالات حُلكة، فصوب احدهم السلاح لقتله، وعندما تفرس في وجهه الملثم الثاني، رفع فوهة سلاح زميله الى الاعلى قائلاً" هذا سلمان اودو الطيب، دعه يمضي في طريقه" ذلك ما حدثني به. وواقعة اخرى عندما عرف احد رؤساء الصحة وهو من بيت توحلة المعروف، بان سلمان من القوش قال له: انتم قتلتم اعمامي، فاجابه سلمان: وانتم ايضا قتلتم عمي، فسكت الدكتور على مضض ولم يؤثر ذلك على علاقتهما.
     كانت له معرفة جيدة بجذور عالته اودو المهاجرة قبل حوالي ثلاثة قرون الى القوش، وقد املى علي تلك المعلومات التي لخصتها يوما بمقال( بيت اودو الالقوشي) والتي عرفت محلة في القوش باسمها، لقد عاش سلمان اودو طفولته في تلك المحلة، فتعلم دروس الحياة الاولى فيها، وكان قريبا من مجالسهاالشعبية( قنطرة محلة اودو) ومرفقة بتلك القنطرة المبنى الذي سكن فيه البطريرك المعروف مار يوسف اودو في مطاوي القرن التاسع عشر، وعرف من بيت اودو ايضا المطران الشهيد مار توما اودو وشقيقه المطران مار اسرائيل اودو، ولتلك العائلة فرع في سوريا واجهته مطران حلب الحالي مار انطوان اودو، ايضا بيته معروف وله دراية وخبرة بالطب والمعالجة الشعبية على مدار قرون. وسلمان الذي قضى حياته قريبا من الشؤون الطبية، انشأ عائلة محترمة مع زوجته المدبرة الراحلة فكتوريا وردية مكونة من ابناء رائعين: هيثم، جلبرت، انصار، سلام، غزوان، وبنات رائعات: ايفون، كفاح، فيفيان، بثينة، لهم عوائلهم واولادهم واحفادهم.
     عندما مرت بنا ظروف صعبة في اوائل الثمانينات وقف معنا قدر امكاناته، وعانى بسببنا من استدعاءات جلاوزة الامن، في احدى المرات كفلني في مديرية امن الموصل ليطلق سراحي، وعند التحاقي مع عائلتي بفصائل الانصار الشيوعيين، بعث الامن في طلبه، وارسله الى الجبال في ظروف صعبة، ليحاول اقناع زوجتي بالعودة، وكانوا يوعدوه بانها ستعين مديرة ثانوية في الموصل فور عودتها، ولكن خططهم واحابيلهم لم تنطل علينا، وظل سلمان واولاده فترات طويلة عرضة للاستفزاز والمضايقة بسببنا.
     نم قرير العين يا ابا هيثم، كانت لك الدنيا التي امتعت ناظريك فيها، وكانت لك الآخرة التي في سماء النعيم بين الابرار والصديقين. تبقى في ذاكرتي آخر زيارة لك في المستشفى، عندما ناداك حفيدك رافد دمان بصوت مرتفع: السلام عليك" شلاما إلّوخ" فأجبته بحركة شفاه واضحة: وعليك السلام" ﭙشينا" وكان ذلك آخر ما نطقت به، مودعاً احبابك.
 

المرحومان سلمان اودو وزوجته فكتوريا امام منزلهما في الموصل ثمانينات القرن الماضي
nabeeldamman@hotmail.com
USA JULY 22 2015


121
المنبر الحر / وداعا يا اختي
« في: 13:12 08/07/2015  »
وداعا يا اختي


نبيل يونس دمان
 
     فاجأنا نبأ دخول اختي الحبيبة صبيحة، مرحلة الخطر يوم السبت المصادف 20/6، وفي اليوم التالي توقف قلبها عن الخفقان والى الابد، من ارض اليونان الغارقة في ديونها، وتردي اوضاعها الاقتصادية، بما فيها مستشفياتها، نظن انها لم ترع العناية اللازمة، وقد دفعنا ثمناً غاليا في ذلك. كانت اختي على وشك الطيران الى ارض المهجر في اميركا، التي تضم آلافاً مؤلفة من امثالها، الذين انقطعت بهم السبل، وباتت اوضاع العراق سيئة ومجهولة المصير. كان طموحها ان تصل الى شاطئ الاستقرار حيث ابنائها واحفادها، وكان الجميع هنا في انتظارها بعد فراق طويل، وبالنسبة لي فقد فارقت اهلي مكرها عام 1982، وفي عام 2002 وصلت الى دهوك، فتسنى لي رؤية اختي صبيحة التي جاءت مع ابنها سامح من بغداد، فعشنا اياماً قليلة لا تعوض مع باقي افراد الأسرة، لتعود الى بغداد، وتشاء سوء الأقدار ان يفارق زوجها جرجيس حنا ابونا الحياة، اثر مرض عضال عام 2005، فآثرت الهجرة وترك الوطن الى حيث ابنائها الذين سبقوها الى اليونان.
     حمل جثمانها الطاهر من أثينا الى بلدة االقوش- نينوى، وفي ظل ظروف معروفة تعيشها المنطقة، شاركنا نحن اخوتها واخواتها في مرافقتها، حتى ووريت الثرى، فاصبح جسدها جزءا من تراب البلدة الطاهر، الذي ولدت فيه عام 1956، وبذلك اصبح قبرها، امام اشراقة الشمس كل صباح، من " برگارة"  ودير الربان هرمزد، ومغيبها من " بي سينا" وبهندوايا، تنعشه تيارات الهواء التي تهب من الشرق والغرب.
     إن لم تستطع اختي العودة الى القوش في الحياة، فقد عادت اليها في الممات، وقد صعدت روحها الى جنات الخلد والنعيم، لسيرتها الحسنة ونفسها الطيبة، وكل الخصال الجيدة كانت كامنة فيها، بشهادة من جاورها في السكن، ومن عرفها من مختلف الاديان والاقوام، خصوصاً في بغداد، التي أقامت فيها منذ يوم زواجها عام 1972.
     بكت لرحيل امها كرجية عام 2013، ثم بكاها اليوم والدها البالغ من العمر 87 عاماً ، بكاها في حرقة ومرارة، وكان باستمرار يتذكرها، ان لم اقل يفضلها على باقي اخواتها، اللائي بكين بحرقة فراقها كل من: سعاد، فريال، وداد، كفاح، واناهيد، بكاها اخوانها واولادهم الذين لم يروها ابدا، وهم يرددون: كيف لم نتعرف على عمتنا كل هذه السنين الطوال؟ انها الأقدار التي فرقتنا عن بعضنا مسافات طويلة بين القارات، وعقود من الزمان في سفر التاريخ، وقد حلت اللعنة على شعبنا الرافديني، سليل المجد والاقتدار والحكمة.
     مهما كتبنا ومهما قلنا، لماذا؟ وكيف؟ نصل الى علامات استفهام شتى، والجواب كصمت احجار قبرها. الموت كريه ويأتي في غير أوانه، تعددت اسبابه، لكنه خاتم حياة، لكل مخلوق على وجه الارض، ولن يبقى ما يذكر الانسان به، سوى سيرته واعماله، هكذا عرفت اختي التي اذوب قهرا في فراقها، وأملي في اولادها: سامر، سرمد، جوني، سامح، سومر، ان يشقوا طريقهم الصعب في الحياة، وليتجاوزوا هذا المصاب الجلل، ولينشأوا بيوتاً من وحي افكارها، تربيتها، وصفاتها.
     اتذكر كما تتذكر اختي الأصغر سعاد، عندما ولدت صبيحة في بيتنا القديم بمحلة اودو، انشغلنا في الفترة اللاحقة ببناء بيوتنا الحالية في محلة التحتاني لتكتمل عام 1958، تطلب عمل الجميع المضني ليتقدم البناء، خصوصاً والدتي المرحومة كرجية اودو، وزوجة عمي المرحومة ودي هومو، وهن ينقلن الماء من عين محلة سينا، عبر السوق القديم، كانت صبيحة تترك طويلاً على كرسيها، الذي صنعه والدي النجار، فيما تجاورها اختها الأصغر فريال في مهدها( درگشته).
     في صيف عام 1963 اضطربت اوضاع القوش كثيراً،مما اضطرنا الى ىتركها مشياً على الاقدام، الى قرية حتارة الأيزيدية، ثم الى بغداد، وبقي في البيت عمي كامل ووالدي وجدتي شمي كولا، التي طلبت من والدتي ان تترك صبيحة معها، وهكذا بقيت عدة اشهر محرومة، كنا في مراسلاتنا نسأل عن صبيحة، وحتى بعد رجوعنا الى بلدتنا ومدارسنا، اصبح اسمها رمزاً للسؤال عن اوضاع المنطقة، كان لا يجسر احد في بغداد ان يسأل عن الاوضاع في القوش والمنطقة، لان السلطة تعترض هكذا رسائل، وتوقع العجب باصحابها، لذلك كان يكتب من بغداد السؤال: كيف احوال صبيحة؟ فنفهم على الفور انهم يسألون عن القوش، وكما هو معلوم انذاك، لا وسائل اتصال حديثة كالتلفون مثلاً.
     وداعا اختي المسافرة صبيحة يونس دمان، ليكن الله والسماء والابرار راضين عنك، لتكن نفسك راضية للمصير الذي تجنح اليه، وجسدك يرتوي مع الارض من امطار القوش وثلوجها، بلغي سلامنا الى امي التي احتفت بوصولك اليها، قولي لها اننا بخير، لا يعوزنا سوى ان تطمئن انفسكم في العلى، وترتاح اجسادكم في التراب، وتهيئون لنا اماكن دافئة بقربكم، في آخر مطاف حياتنا، من ارض الشقاء، حيث تشح الأفراح وتكثر الأتراح، أرض تعطي القليل لتأخذ الكثير.

على يميني اختي الراحلة في أرادن بتاريخ 9-9- 2002
nabeeldamman@hotmail.com
California 7-7- 2015

122
الأرمن ضحايا تقلبات الزمن
نبيل يونس دمان

    ▼ يحكى من ايام الدولة الاشورية المترامية الاطراف ان ملكتها( شميرام) وقعت في عشق امير الارمن الجميل( آرا كيفتسيك) قبل ان تراه، حاولت كسب محبته، لكنه لم يأبه بها، فكررت المحاولة بالتلويح بالحرب او اداء الجزية، ولكنه لاعتداده بنفسه لم يذعن لها بل رفض دعواتها وتحدى جيوشها، فما كان منها الا ان قادت حملة ضخمة على بلاده، ولعدة ايام خاض الطرفان قتالا شديدا سقط في معمعانه الشجعان واشتعلت النار بالعربات العسكرية، وفتى الارمن ينزل كل يوم بخفة ورشاقة، وقلب لا يعرف الخوف لخوض القتال فيجندل الابطال، عندها امتشقت شميرام حسامها المرصع من يد خازن السلاح، دخلت الحوم، وعندما شاهدت فتى الارمن اضطرم في قلبها النار، وكم تاقت الى لقائه في مواضع الغرام وليس في ميدان القتال. في تلك الاثناء صاحت شميرام " دونكم واميرهم ،اقتلعوه حياً ايها الابطال". لكنها لم تصل الى مرادها، فقد وهب آرا نفسه للموت غير هياب، واضطر الفرسان الى طعنه طعنة الموت، امرت شميرام بحمله الى خيمتها، فنظرت الى الجمال الآفل، ورثت ذلك الشباب الفاني، وعندما تأملته جيداً، ترقرق الدمع في عينيها فسقطت دموعها كأنها اللآلي على صدره، ثم سلمت جثته لقومه ليدفن وامرت ببناء مدينة صغيرة باسمها، تخليدا لزحفها العظيم على بلاد( فاسفوراكان) الواقعة بين الجبال العالية والاودية الخضراء، فسميت المدينة الجديدة شميرامه كيرت( مدينة شميرام– بالارمنية).
 ▼الارمن شعب آري له مكانة في عمق التاريخ، بلاده ارمينيا التي عرفت باسماء عديدة مثل : ارماني، خلدي، اراراطو، وغيرها، مرت بازمان قاسية ودارت على ارضها الجبلية الوعرة حروب على مدار القرون، وكان نصيب شعبها المحن والكوارث، ووسط اتون الصراعات بين امم عظيمة في التاريخ كالاشوريين، البابليين، الميديين، الرومان، الفرس، والاغريق، وبعدئذ اجتاحت بلادهم موجات طورانية من قلب آسيا عرفت باسماء مختلفة مثل السلاجقة، والتركمان، والمغول، ثم دخلت امم اخرى لتلعب ادواراً مهمة في الوصول الى ما هي عليه ارمينيا اليوم مثل : العرب، الروس، الاكراد، الجورجيين، الشركس.
 ▼ من رجال ارمينيا العظام: هاييك، آرم، ومن الآلهة خالديس، فاهاكن الذي هو اله الحرب في اعتقادهم، وعن ولادته تقول اسطورة:
السماء والارض كانتا في مخاض
وفي المخاض كان البحر القرمزي
ومن النار كانت شفتاه
وعيناه كانتا الشموس
وعن الادب الارمني القديم، ندرج مقطع من قصيدة شعر انشدها الشعب الارمني، عند زواج ملكه من ابنة ملك اللالان( الشركس):
نحن شهدنا خيوط المطر الذهبي، عندما اصبح ارداشيس ملكاً...
ونحن رأينا حبات اللآلئ، عندما اضحت ساتينيك عروساً...
 ▼ في تلك الازمان السحيقة، كان الارمن يعتقدون بإلهة الخصب والارض سموها( اناهيد) توازي افروديت عند الاغريق، وفينوس عند الرومان، وعشتار عند البابليين، عبدها الارمن على انها ام الحكمة وحاميتهم. ولكن كل ذلك تغير بعد ولادة المسيح عليه السلام، ففي حدود عام 314 م استطاع كريكور المنور ان يحول الملك الارمني درطاد وبالتالي الشعب الى المسيحية. تعتبر مدينة ايتشمايازين منذ القدم وحتى اليوم، المركز الرئيسي لكنيسة الارمن، فيها دير بُني عام 303، وهو تحفة فنية في معماره، وغني بلوحاته الفنية، ومخطوطاته القيمة. وفي هذا المجال نقتبس من كتاب رحلة ريج في العراق ما يلي : وعلى مرحلة واحدة من سيللوك، مزار مسيحي كبير اسمه( جهن كه دى) او( جه ن كه للى) وهنا ايضا دير( سوورب قارابت) وهو دير القديس مار يوحنان المعمدان، وهو يبعد عن( موش) ست ساعات بالقرب من( ميغاكيات) وهو رافد يصب في الفرات. وهذا الدير مزار له شهرته العضمى بين الارمن بعد( جه مبازين) فهم يذهبون اولا الى( قيصري) وفيها دير شهير، اعتقادا منهم ان رأس القديس يوحنان مدفون فيه، ثم ياتون الى( جه ن كه دى ) ومن بعدها يتجهون الى( جه مبازين ) ويروون عن الدير الرئيسي الكثير من القصص الخرافية، فالقديس هناك مشهور بتعليم الناس الفنون والتجارة – الا الموسيقى- ولا يسمح بدنو النسوة منه اكراماً ل( هرودياس) ( انتهى الاقتباس).
     في عام 406 وضع مسروب وساهاك الابجدية الارمنية، ومع الزمن اضحى ذلك الحدث، نقطة تحول مهمة، لتدوين التاريخ والمعتقدات والاعراف وترجمة الكتب الدينية، الادبية، والعلمية الى لغتهم التي يتفاهمون بها.
   ▼ اهم مدن ارمينيا: وان، ارضروم، سيواس، قيصرية، آني كاماخ، قارص، دوفين، بايزيد، اورفه، ارداشاد، قره باغ، اضنه، ملاطية، زيتون، مرعش، وغيرهما، اهم انهارها: آراكس، كورا، دجلة، والفرات، اهم جبالها: آرارات البالغ ارتفاعه( 5205 م ) سوفان داغ وآراغاتس، واهم بحيراتها: فان، وسيفان.
     اشتهر من ملوكها ديكران ( 95- 55 ق.م ) الذي سمي عن جدارة ملك الملوك، ويعتبر عهده من احسن العهود، حيث ارسى امبراطورية واسعة، امتدت من بحيرة قزوين شرقاً، الى البحر الابيض المتوسط غرباً، ومن جبال القفقاس شمالاً، وحتى شمال بلاد ما بين النهرين ولبنان وسوريا.
 ▼ تعتبر معركة( ملاذ كيرت) سنة 1071 فاصلة، حيث انتصرت القبائل الطورانية الزاحفة المدمرة كالعاصفة بقيادة (طغرل بك) على الروم البيزنطيين، فابتلت ارمينيا من ذلك التاريخ بتلك القبائل الشديدة والقاسية. وتدور الدوائر على الارض فتهب موجات بربرية متخلفة من اعالي الاناضول ومنغوليا وتزحف على بلادهم لتسحق ليس فقط الارمن بل الشعوب المحيطة ايضا من الاشوريين والسريان، المغول اولئك المتجمدي العواطف،الزاحفين جنوبا كالجراد الحقوا اشد الاذى في زحفهم، بالشعوب والعمران، والضرع والزرع، حتى وصل اوج اذاهم الى دار السلام( بغداد).
 ▼اصبحت ارض ارمينا كما اسلفنا ساحة بين المتصارعين على الهيمنة والخيرات، فمرة كان يسود الفرس واخرى الاتراك، وفي القرون الاخيرة اصبح للقياصرة الروس طموح الوصول الى المياه الدافئة، فاصبح الجزء الشرقي من ارمينيا تابعا لروسيا منذ عام 1829 ثم جمهورية مستقلة عن الاتحاد السوفيتي عام 1991،عاصمتها اليوم يريفان، وعدد سكانها اكثر من ثلاثة ملايين نسمة. اما باقي البلاد المتمثل بارمينا الكبرى او الغربية فقد دارت عليها الدوائر واشتدت عليها النوائب خصوصا في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني اعوام 1895، 1909، وحتى مجيء جمعية الاتحاد والترقي، فشنت حملة ابادة شاملة على الارمن المسالمين. تتوجت ابان السفر برلك( النفير العام) بصدور الفرمان العثماني في  24 نيسان 1915 بإبادتهم، فازيلت قراهم وحواضرهم وخلت ضفاف البحيرات والانهر منهم، هدمت كنائسهم، طمست معالمهم، وقبور اجدادهم الممتدة لآلاف السنين، كانت تلك همجية لا مثيل لها في العصر الحديث وتزعم تلك الحملة: أنور باشا وزير الحربية، طلعت باشا وزير الداخلية، جمال باشا وزير البحرية، وغيرهم من مقترفي جرائم الابادة الجماعية وتصفية الجنس بعينه، لقد بلغ عدد القتلى اكثر من مليون ونصف قتيل جلهم من الاطفال والنساء والشيوخ، ان اهوال تلك الفترة السوداء لم تزل في ذاكرة احفادهم حتى اليوم، تتناقل الاجيال مآثمها، ولن يعدل ذلك الميزان الا باعتراف الاتراك بجريمتهم تلك وتسوية وتعويض ما لحق بالارمن واعادة الحق الى نصابه، يكاد يستحيل ان تستقر دولة الاتراك، دون معالجة تلك المشكلة وارضاء الارمن الذين انتشروا في جهات الدنيا الاربع. بل يعتورني اليقين عاجلا ام آجلاً بان الاتراك سيذهبون يوما زرافات ووحدانا من برلمانيين وحكوميين وعلية القوم، متشابكي الايدي الى حيث موطن الارمن، هناك يقدمون الاعتذار تلو الاعتذار، يحنون رؤوسهم اجلالا امام تلك الانفس البريئة الطاهرة التي ازهقت ارواحها على ضفاف الانهر والبحيرات، في سفوح الجبال ومجاهل الغابات، لعل الرب يغفر بعض خطايا ابائهم واجدادهم. للمقارنة نذكر، عندما تفجرت الثورة الصناعية في اوربا قبل قرنين كان هَم الرأسمالي الاكبر ارباحه، لذلك ألحَق اشد الاذى في الطبيعة فألقى نفايات المصانع في الانهر والبحيرات، اتذكر في الثمانينات عندما نمت وتطورت بسرعة منظمات الخضر والطبيعة، ذهب الابناء الى ضفاف البحيرات والانهر معتذرين للطبيعة ما لحق بها على ايدي بني البشر.
  ▼ ساسلط الضوء على عينات من هذا الشعب تعرفت عليهم في العراق وارتبطت معهم باواصر الصداقة والمحبة. لابدأ من بلدتي القوش ففي نهاية الحرب العالمية الاولى هاجرت بعض العوائل الارمنية الى القوش وعددها 72 عائلة، حسب ما جاء في مذكرات الخوري يوسف منصور كادو. قسم منهم من اتباع ليون باشا، والقسم الاخر من اتباع انترانيك، وقد قبلتهم القوش كعادتها، رحبت بهم، تقاسمت معهم الخبز، ولكن للاسف حصلت مشاحنة وبين الفريقين مما حدى ببعض اتباع ليون باشا ، الذهاب الى مركز ولاية الموصل، فاخبروا الوالي بان قسم من الارمن الموجودين في القوش ضد الدولة العثمانية، وينقلون الاخبار الى القيادة الانكليزية. على اثر ذلك ارسل الوالي اربعين خيالاً باسلحتهم للقضاء على جميع العوائل الارمنية في القوش، وصل الخيالة بعد الظهر الى البلدة وعسكروا في خان سعيد بك، فلما وصل الخبر الى القس يوسف كادو، ذهب حالا الى وكيل الخان واسمه( عبد)من اهالي الموصل وطلب منه ان يمهل جميع العوائل الارمنية الى صباح الغد، لحل موضوع هؤلاء المساكين سلمياً، ثم طلب منه ان يقدم لهم الاكل والشرب على حساب الكنيسة، وهكذا قام الوكيل الامين بالواجب باخلاص وحسب الاتفاق مع القس. بعد ذلك مباشرة ارسل القس شخصا اسمه( ججو سرّا) الى مثلث الرحمات البطريرك عمانوئيل تومكا، ليسلمه رسالة، وفور استلام البطريرك لها ومعرفته فحواها، ذهب ومعه الباتري يعقوب الى المسؤول الالماني، واخبروه بالتعدي الذي يحصل لمسيحيي القوش. وبامره وامر والي الموصل ارسلوا قوة مسلحة اخرى الى القوش لارجاع قوة الخيالة الآنفة الذكر، وصلوا في الوقت المناسبة ومعهم اوامر الوالي الجديدة بانسحاب الجميع من البلدة، وهكذا انتهت الفتنة. بقيت تلك العوائل مدة سنة ونصف السنة، ثم نزحوا الى بغداد والبصرة وغيرها من المدن العراقية. احدى تلك العائلات تركت ابنتها وعمرها 10 سنوات في القوش فاخذتها امراة اسمها( ببي خوشكه) من بيت كجوجا، وكانت مهنتها قابلة توليد النساء. فلما كبرت البنت الارمنية واسمها مريم( باجي) زوجتها الى ابنها صادق سلومي، وامتهنت باجي فيما بعد نفس مهنة حماتها، واصبح لها عدد من الاولاد، نذكر منهم المرحوم سليمان، يلدا( حاليا في اميركا) ومنصور( ايضا في اميركا). في اواسط التسعينات من القرن التاسع عشر وصل احد الشباب الارمن هربا من اضطهاد الكتائب الحميدية، وبعد فترة تزوج من الفتاة الالقوشية( ببي زرته) وولد لها ابن سمي يلدا في حدود عام 1909( الذي يظهر في الصورة ادناه) تزوج يلدا ارمنايا بدوره واصبح له من الاولاد: الــّو، بحـّو، والشهيد كريم.
 
العم يلدا الارمني ( أرمنايا ) يتوسط مجموعة من اهالي القوش بتاريخ 19/ 2/ 1971
  ▼اذكر ايضا صادق الضرير، الذي كان يذكر دائماً ذبح اعمامه السبعة امام عينيه وكيف سجن وسملت عيناه، عاش بقية حياته في بيت سليمان ياقونا، في الستينات كنت كلما اسأله عن اصله يقول " انا من بَشقلة ". هناك ايضاً سليمان ذو اللحية الشقراء والقامة الطويلة والشعر الاصفر، تكفلته اسرة اعرابي اسمه عوّاد كان يسكن آنذاك في قرية " ماكنان"  ونظرا لقيامه برعي الاغنام في سهل القوش وبهندوايا، كان يلتقي الرعاة وقد حاول بعضهم ضمه اليهم، ومنهم المرحوم ايشوع رحيما في قرية بهندوايا، ايضا عاش مدة في دير ماركوركيس في( بعويزة) قرب الموصل، وعمل مدة اخرى راعيا لاغنام دير السيدة قرب القوش، وفي النهاية وبتأثير مباشر من عواد تزوج سليمان من فتاة اعرابية واصبح له اولاد، عرفتُ منهم محمد، حميّد، ويقال ان له بنت اسمها حمدية، يسكنون حاليا قرية( بدرية ) التي اخليت من سكانها الاثوريين واسكن فيها العرب في زمان البعث البائد، عمل حميِّد سائقا للترنبول( سكريبر) في مشروع السد الذي كنت مهندساً ميكانيكيا فيه، كان يتكلم معي السريانية ( السورث ) بطلاقة، وكذلك التقيت باخيه محمد الذي هو الاخر كان يتفن لغة ابائي واجدادي، وقد عمل فترة راعياً لأغنام بيت ياقونده الالقوشي.
    ▼ عندما كنت اعمل في سنجار للفترة 1977- 1978 التقيت بعدة عوائل ارمنية، وقد تأكد لي بان فقير الايزيدية المعروف (حمو شرو) قد وفر الحماية لمئات العوائل الارمنية والسريانية الهاربة من السيف العثماني، وقسم كبير منها انتهى في سوريا ولبنان، وللمفارقة اذكر ايضا حارسا من اهالي تلعفر لمخيمنا في سهل سنجار كان يخاطبني بخال الاولاد( لم يدر بخلده كم ازعجني كلامه الذي يشير الى اجبار العشرات من صبايا الارمن للزواج من رجال تلك البلدة).
    ▼ وفي فترة الكفاح المسلح توطدت علاقتي ب( احمد) اداري احد الاحزاب الكردية المعارضة( كوك ) في وادي كوماته المحاذي لتركيا، جلب انتباهي بيض بشرته وزرقة عيونه، فقال " يا ابا لينا، لا تستغرب، انا من اصل ارمني". وفي نفس المنطقة ايضا وصلت في ربيع عام 1983 وجبة ملتحقين بالانصار من الخارج ، كان من بينهم على ما اظن( ابو يعقوب) ابن اخت النقابي الارمني المعروف آرا خاجادور، وقد استشهد لاحقا ليضاف اسمه الى قائمة الخالدين. 
    ▼ يشدني الحنين والعطف على الارمن الطيبين، وقد اشرفوا بدورهم على الانقراض من بلاد ما بين النهرين( كان ظهورهم فيها قبل الميلاد عندما كان التجار الارمن ينحدرون من اعالي الجبال الى بابل بواسطة اكلاك على نهر الفرات) نظرا للمصائب التي المّت بالبلاد على مدى نصف قرن، تحملوا الضيم والقهر والحروب والجوع اسوة بباقي مكونات الشعب العراقي. اتحدث عن بصمات الارمن في وطننا من خلال كنيسة الارمن الارثوذكس( انشأت عام 1954 وافتتحت في 1957) قرب ساحة الطيران، ذلك الصرح المعماري والهندسي الرائع، فقد كان يجلب تصميمها وطرازها السواح الاجانب، وقبلهم يخطف ابصار العراقيين. وكذلك المدارس الارمنية ومحلات سكناهم في كمب الارمن وكمب سارة خاتون( سارة تاتيوسيان)، ولا يفوتني ذكر ناديهم الرياضي( الهومنتمن - تأسس عام 1949) قرب القصر الابيض، مستشفى اراتون للعيون في بارك السعدون، ستوديو آرشاك، ستوديو اصلان، حلاقة كيغام في شارع الرشيد، محل هاريتون لتصليح التلفزيونات.
    ▼ من الشخصيات الارمنية الشهيرة في العراق : كولبنكيان الذي بنى ملعب الشعب الدولي في بغداد( انشأ عام 1962- وافتتح عام 1966) وكانت له حصة 5% من نفط العراق حتى عام 1972 حيث اممها نظام البعث، علما بانه كان يصرف جل امواله في المشاريع الخيرية وبناء المستشفيات.
    ▼ جلب انتباهي جورج آرتين تاجريان ذلك الرياضي الذي رفع اسم العراق عالياً، عندما مثل العراق في اولمبياد مكسيكو عام 1968 في سباق الدراجات للمسافات الطويلة، لا علم لي باخباره من ذلك الحين، فمثله عملة نادرة ترعاها غالبية حكومات المعمورة .
    ▼ اسماء اخرى مثل المغنية سيتا هاكوبيان المعروفة برقتها وعذوبة صوتها، اتذكر كيف اجبرها نظام صدام عام 1980 للظهور في التلفاز لتغني قادسيته المجنونة، وهي حامل في شهرها الاخير. عندما بث تلفزيون نينوى لاول مرة برامجه في نهاية الستينات وبداية السبعينات، كانت فتيات الموصل اسيرات التقاليد البالية، يخجلن من الظهور على الشاشة، الا الفتاة الارمنية( ريتا سورين) لقد قطع صوتها الجميل صمت الفتيات الموصليات، وكان ظهورها كل يوم في بدلة وشعر وماكياج مختلف، يضيف جمالاً الى جمالها الطبيعي، لا اعتقد من هو من جيلي قد نسي ذلك الوجه المدور المشرق، الذي أطل كل مساء من تلفزيون الموصل، الله يكون في عونها أينما تكون اليوم. لن انسى ابدا المصور الارمني المعروف آكوب كريكور في الموصل- مدخل الدواسة، كم كانت تجذبنا نحن طلبة الجامعة آنذاك الصور التي التقطها بعدسته والتي تضاهي ببهائها وافكارها اشهر الصور في العالم، وقد عرفت ابنه الوسيم مهران في قسم الهندسة الكهربائية، للاسف ورد خبر وفاته مؤخرا وهو طريح الفراش في الموصل، وعلى افقر حال، دون زواج، ومتقاعد من عمله في دائرة صحة نينوى، للحقيقة اقول ان موته حفزني لكتابة ما انا بصدده. وتستمر قائمة الاسماء الارمنية التي طبقت شهرتها آفاق العراق منهم: الباحث ومؤلف كتاب( مباحث عراقية) الاستاذ يعقوب سركيس، الدكتور استارجيان مؤلف كتاب تاريخ الارمن عام 1950 في الموصل، والكاتب يوسف عبدالمسيح ثروت، عازفة البيانو بياتريس اوهانيسيان، الممثلة آزادوهي صموئيل، مصور الاثار كوفاديس ماركاريان، المصور الصحفي امري سليم لوسينيان ، المصور السينمائي خاجيك ميساك كيفوركيان، اغا ميناس مدير ادارة الرحالة الشهير ريج.
    ▼ الارمن اصحاب صنائع وحرف في بغداد والبصرة والموصل وكركوك، توارثوها عن ابائهم واجدادهم منذ ايام وطنهم في تركيا، عندما غزاهم الشاه عباس محمد خُدابنده( 1603- 1617) ألحق بهم اشد الاذى، ولكن امام خسارته مع العثمانيين وانسحابه الى ايران، جلب معه الصنائعيين الأرمن وانشأ لهم مدينة في شمال ايران ازدهرت فيما بعد بحرفها وصناعاتها، وبعد مدة من الزمن هاجرت مجموعة منهم الى بغداد. اتذكر عندما عملت مهندسا في الطرق والجسور كان يحصل خلل فني في مضخات الوقود او الهواء وفي تقاسيمها ومنظماتها ومصفياتها، فكان لا يتم اصلاحها بالوجه المطلوب الا على ايدي الارمن المتخصصين، ليس في المدارس او الجامعات بل بالخبرة العملية، وهذا ما شهدته بنفسي في محلاتهم في طريق معسكر الرشيد او في كركوك، او في معامل الطرق الشمالية في نينوى على يد الفني طوروس( سلسلة جبال معروفة في الاناضول). وكذلك اشتهر الارمن في لف الماطورات، وتصليح الاعطال في المكائن والسيارات، والاجهزة الدقيقة، والتلفزيونات وغيرها. اما المتداول بين الشعب العراقي بان الارمن من اهم الطوائف المنظمة والمهتمة بمطبخها وترتيب بيوتاتها، كم كانت الست( ديكرانو) انيقة، مهندمة، ومتميزة بين المدرسات في متوسطة القوش، لن انس يوما ربيعيا في حدود عام 1966- 1967 عندما مررنا انا وزملائي امام المدرسة، فقطع طريقنا فراشها المرحوم(عيسى ملو) وبيده ورقة وقلم ليطلب من احدنا كتابة الاسم الذي لم يستطع حفظه للست الارمنية المعينة حديثاً ديكرانو( نسبة الى الملك الشهير- ديكران) كانت الطالبات ينادينها( الست ديكو) تحبباً. وكذلك زميلتي في كلية الهندسة في السبعينات آراكس( نسبة الى نهر شهير يمر في اراضي ارمينيا) آكوب ذات العيون الزرقاء الواسعة ومن صفوة جميلات جامعة الموصل، كنت اهرع منذ الصباح لاحجز مقعدا لها وآخر لصديقتها( سناء غريب) حتى احظى بابتسامة منها او بكلمة ثناء تكشف عن اسنانها البيضاء، اخيرا تزوجت آراكس من المعيد في قسم الهنسة المدنية رمزي عبد الاحد، وتوجهوا من يومها الى اميركا لاكمال الدراسة. في اواخر السبعينات جلب انتباهي والدها آكوب صاحب محل في الموصل- الدواسة لبيع انواع البولبرينات حيث كانت له طريقة فريدة وناجحة في تصنيفها وترتيبها. اتذكر ايضا مجموعة من فاتنات الارمن في الاول عام في كلية العلوم سنة 1971، وقد قصدن الموصل من محافظات مختلفة، جمعتهن اللغة والقومية المشتركة، وقد حدث لتلك المجموعة ان تعرض لهن استاذ علم الحيوان الدكتور عبدالجبار السماك، وحين افتضح سلوكه فصل من الجامعة في عهد رئيسها محمد المشاط، واشيع في وقتها انه باع اسئلة الامتحان الى الطالبات الارمنيات.
    ▼ عرفت من الارمن ايضا المهندس( غريب عرب) الذي كنت اعرفه من ايام الجامعة وكان قبلي بعدة دورات، عند تنسيبي الى مديرية طرق نينوى عام 1977، كان المهندس غريب امام ناظري، انساناً محبوباً من العمال والادارة معا، لا يحب المظاهر، بسيط الهندام اغلب الوقت يأتي الى الدائرة الكائنة في الجانب الايسر من دجلة، ووجهه لازال معفراً بتراب الطرق التي يشرف عليها في منطقة زاخو، ان الطرق التي حلم بها المنهدس غريب وغيره من الغيارى ان تكون شرياناً للحياة، تحولت في زمن الدكتاتورية الى طرق عسكرية، لسحق اي نهوض قومي وديمقراطي للمنطقة الشمالية.
    ▼ اضيف اسم اخر وهو مهران( من اهالي زاخو) الذي كان ملاحظا فنيا في معمل سكرين- قرب سرسنك، جمعتني معه والصديق الكردي حسن نعمت سفرة الى بلغاريا في نهاية عام 1979، في مقهى يالطه بصوفيا جلب انتباهي مهران وهو يتكلم بطلاقة مع احدى النادلات، فقلت يا مهران كيف تجيد التكلم باللغة البلغارية، فاجاب بان الفتاة من اصل ارمني، عندها ايقنت ان سيل المهاجرين الارمن وصل الى تلك الارض ايضا، ابان سنوات الابادة الجماعية.
    ▼ تناهى الى سمعي وانا اقضي اجازة في استنبول عام 1978 بان اشهر اطباء المدينة من الارمن. وفي عام 1985 شهدت عرضا ارمنيا في احد مسارح موسكو، اثار اعجابي فيه اولئك الفتية الجبليين بملابسهم الداكنة الملتصقة على اجسادهم، ومعهم فتيات موردات الخدود ومطرزات بالزهور، اهتزت ارضية المسرح تحت وقع اقدامهم وهم يؤدون الرقصات على ايقاع الموسيقى المناسبة، وفجأة تقدم احدهم وبيده مجموعة من السكاكين الحادة واخذ يلعب بها في الهواء، واخيرا مسكها كلها باسنانه، وواصل اللعب حتى اطلقها مرة واحدة، لتنغرز كلها في الارض منتصبة.
     ▼ وقبل ان انهي الموضوع لابد ان اتطرق بالتفصيل الى عائلة ارمنية في الحبيبية ببغداد، وهي اسرة آزاد س. كاتنجيان وزوجته الطيبة التي نسيت اسمها لكني لازلت اتذكر طيبتها وجهلها المطلق التكلم باللغة العربية! اما اولادهما فاكبرهم بابكين ثم اوهان الذي طالما درسته مادة الرياضيات اعوام 73- 74، كارو( من كارابيت)، ابنتهم الشابة آليس( على اسم نهر في ارمينيا) العاملة في محل التجميل في الكرادة. احتفظت بعلاقة سنوات مع تلك العائلة، ومنهم تعلمت بعض الجمل باللغة الارمنية منها : پاري لويس( صباح الخير) إگور هوسي( تعال هنا) كنا تور كزي( اذهب اقفل الباب) گيرا گور گير( تفضل للاكل ) انت جميل( تون اغفوريكس) ومناف پاروك( مع السلامة). وردني في عام الفين واثنين، انهم رحلوا او بعضهم الى جمهورية ارمينيا، اجدها الان مناسبة، ان اهدي جزيل تحياتي الى تلك العائلة، والى الارمن قاطبة فائق تقديري واحترامي.
المصادر :
◄ الارمن عبر التاريخ- مروان المدور- بيروت 1982.
◄ شميرام – ميخائيل اورو- بيروت 1958، ص 199-217.
◄ رحلة ريج في العراق عام 1820- بغداد 1951،ص 4، 309.
◄ فيشخابور- الأب ألبير ابونا- بغداد 2004، ص 113- 115.
◄ لقاء مع الشماس حنا شيشا كولا.
ملاحظة مهمة: هذا الموضوع كتبته عام 2008 واعيد اليوم نشره بمناسبة مرور مئة عام على مجازر الارمن وباقي المسيحيين في تركيا والتي تعتبر ابادة جماعية.
nabeeldamman@hotmail.com
20- 4- 2015
كاليفورنيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




123
نساء في سفر القوش النضالي

نبيل يونس دمان
    في مسيرة الكفاح الطويلة عبر عقود من السنين، كانت للمرأة في القوش حصتها من تلك المسيرة المجهدة، الصعبة، المليئة بالتضحيات، كانت لها مساهمات بارزة وفي مقدمتها مؤازرتها للرجل ووقوفها بجانبه ما واجهه من صعاب وارتياده دروبا شائكة في مقارعة السلطات المتناوبة على حكم العراق، كان يدخل السجن، يطرد من الوظيفة، يفصل من المدرسة، او يلتحق في الجبال حاملاً السلاح من اجل الوطن والشعب، فكانت المرأة الألقوشية تدعمه وتسانده، خير مثال في هذا الصدد ام جوزيف، في جرأتها، وصبرها، وحبها اللامتناهي لرفيق عمرها توما توماس، ووقوفها معه في اشد اللحظات الحاسمة في حياته، لقد فقدت ولدها الشهيد منير، أحرق منزلها مراراً، هجرت بيتها مع اطفالها الى القرى الأيزيدية المجاورة او الى المدن الكبرى، ومن ثم التحقت نهائيا بفصائل الانصار عام 1982 في قاطع بهدينان.
    لعبت المرأة دورا بارزاً ابان ثورة 14 تموز فتشكلت رابطة مقدامة قادتها السيدة صلحة حميكا ام الشهيد فؤاد ديشا، ومن بعدها قادتها السيدة ماري بلو، إمراتان من القوش شاهدتهما في ملابس الثوار عام 1963 وهن: سعيدة اسرائيل تومكا، وصارا هرمز لازو، ونساء أخريات لا حصر لهن، كن يزرن مقر الثوار في وادي الدير ويحملنا الهدايا وما لذ وطاب الى الثوار. عندما حصلت اعتقالات واسعة في صفوف الطلبة والمعلمين والعمال والفلاحين والكسبة في  تلك الايام الغابرة غداة انقلاب البعث في 8 شباط 1963، وصلت قائمة باسماء عدد من الطالبات بغية اعتقالهم، فاختفن قسم منهن وتوارن عن الانظار وبعضهن فعلا تم إعتقالهن لفترة قصيرة، وأسماء تلك القائمة هي:
 1- كاترين الياس الصفار
 2- سمرية موما بوداغ
 3- سعيدة عيسى يلدكو
 4- ليلى منصور كجوجا
 5- نبيلة ميا اسمرو
 6- سعاد يوسف ديشا
 7- سمرية حبيب حنيكا
في ستينات القرن الماضي انتشرت اهزوجة كالنار في الهشيم لمناضل يخاطب والدته قائلاً:
ܝܐ ܐܡܝ ܐܢ ܟܒܬܝ / يا يمّي ان كِبَتّي/ يا امي اذا تحبيني
ܒܪܢܘ ܟܪܝܬܼܐ ܒܙܘܢܬܝ / برنو كريثَه بْزونتّي/ برنو قصيرة اشتريني
ܠܪܝܫܐ ܕܛܘܪܐ ܡܣܩܬܝ/ لريشَه دْطورا مّسقتّي/ فوق الجبل صعديني
ܘܠܝܕܼܐ ܕܬܐܘܡܐ ܡܣܠܡܬܝ / وْليذه دْتوما مْسلمتّي/ بيد توما* سلميني
واهزوجة اخرى على فم مناضل:
ܝܐ ܐܡܝ ܠܐܒܟܼܝܬ ܛܠܝ / يا يِمّي لا بَخيَت طالي/ يا امي لا تبكي عليّ
ܣܗܕܼܐ ܬܥܡܐ ܝܢ ܙܠܝ / سَهذا تَعمّه ان زالي/ ان ذهبت شهيداً
فتجاوبه الام قائلة:
ܝܐ ܒܪܘܢܝ ܐܢ ܫܩܝܠܬ ܡܢܝ / يا بْروني ان شْقيلِت مِنّي/ يا ابني اذا انتزعوك مني
ܐܝܠܝ ܕܥܡܐ ܟܠܝ ܐܝܠܝ / يالي دْعَمّه كُلّي أيالي/ فأولاد الشعب كلهم اولادي
    في تموز 1981 قصفت الطائرات الاسرائيلية عمارة الفاكهاني في بيروت وفيها مكاتب الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، فاستشهدت ابنة القوش المناضلة ثائرة فخري بطرس  وكانت قد غادرت العراق ابان الحملة الشرسة للنظام العراقي على القوى الوطنية و الديمقراطية. الحملة الشرسة تلك طالت ابنة اخرى لألقوش اسمها تماضر يوسف ديشا التي اعتقلت في عام 1980 واختفى كل اثر لها منذ تلك السنوات العجاف، فلا قبر ولا شاهدة شأنها شأن مئات الآلاف من العراقيين الذين غيبتهم اجهزة القمع الصدامية المجرمة.

الصورة في وادي كوماته
    في فترة الانصار الممتدة من 1978 وحتى الانفال في 1988 شاركت بعض فتيات القوش هذا العمل النضالي المتقدم ومنهن: الدكتورة كاترين الياس الصفار، منى توما توماس، وماريا توما توماس، حيث حملن السلاح في اعالي الجبال ضد أعتى دكتاتورية في العصر الحديث. نتيجة التحاقات العشرات من شباب القوش الأبطال في صفوف الأنصار، حيث كانت نسبتهم عالية قياساً ببقية المناطق، فقد ازدادت شراسة السلطة فإضطهدت اسرهم وطردت امهاتهم وتركوهم في العراء في أجواء الرعب والرهبة، وقالوا لهن" لا تعودوا دون اولادكم"، احداهن اعياها التعب فجلست تحت شجرة ولم تستطع مواصلة السير فتوفيت هناك في ظروف قاهرة، وهي الشهيدة ريجو ياقو القس يونان.
    اليوم تقف رابطة المرأة العراقية فرع القوش بثبات فوق تربة البلدة في ظروف لا تقل صعوبة عن فترة الدكتاتورية، فخطر التطرف والارهاب يخيم على المنطقة، ويجدر بالذكر ان مئات العوائل النازحة تأويهم البلدة، وللمرأة الرابطية دور في مساعدة تلك الاسر، وكذلك في ايصال مساعدات انسانية الى المجمعات والقرى المحيطة من مختلف تلاوين المجتمع العراقي القومية والدينية.
    ختاما نقول بان نضال ابنة القوش لا يتوقف عند حد، حتى انتصار مُثل الحرية والعدالة الاجتماعية في" وطن حر وشعب سعيد".

سفيرة النوايا الحسنة انجلينا جولي في القوش

 * المقصود هو الفقيد توما صادق توماس( 1925- 1996)

124
ذكريات قديمة عن سنجار

نبيل يونس دمان
من عمق جراحي لما المّ بقضاء سنجار من مآسي لا حصر لها عبر التاريخ، وآخرها ما تعرضت له على يد( داعش) ومن لف لفهم من اعراب ومرتزقة وأنجاس من مختلف بقاع الارض وقد تربوا في ازقة وساحات: رعاعاً، صياعاً، صعاليكا، لم يألفوا العمل والمدرسة والنظام بل العيش على قارعات الطرق متمرسين على الجريمة وانواع السلوك المنحرف فسهل على تنظيم داعش والقاعدة وكل فكر سلفي، ظلامي، تكفيري، تجنيدهم ثم تدريبهم وغسل ما تبقى من ادمغتهم، فاصبحوا لا يأبهون من ارتكاب الموبقات، والضرب بعنف، والقتل والذبح، فقد خلت قلوبهم من الرحمة والانسانية، يندفعون عندما يجندوهم الى العراق او سوريا ليقاتلوا بشراسة بل يفجرون انفسهم للالتحاق المبكر بالسماء والوصول الى حصتهم من حوريات الجنة، واذا صادفتهم حوريات الارض فانهم لا يقصرون في الاعتداء عليهم وهتك اعراضهم، واصابتهم بجراح عميقة لا يشفون منها ابداً.
هؤلاء الجحوش او الدعوش تركوا في صدري جرحا عميقا فسنجار( ܫܢܓܪ شنگار) التي انبثق اسمها من امارة قامت بعد سقوط الدولة الاشورية كما حصل في الرها والحضر وحدياب، تلك البلدة التي عرفتها وعشت فيها للفترة من 1977- 1978 مهندسا في الطرق والجسور، لذلك يطيب لي ان اروي ذكرياتي فيها بشيء من التفصيل اذ ربما اوفي بعض الدين في رقبتي نحو اهلها المعذبين:
في شهر اب من عام 1977 نسبني مدير طرق نينوى فاروق عبد القادر الى مشاريع سنجار فاخذني في اليوم التالي مساعده المهندس خالد ذنون الى مشروع ام الشبابيط- سنوني- بارا- ام الذيبان. وصلت الى قرية تابعة الى ناحية الشمال واسمها( خانصور) فتذكرت احد اقربائي الذي كان معلما فيها في اوائل الستينات، وعندما سألته عنها فقال لي صديق فيها اسمه( پير خلف) لم يكن بوسعي السؤال عنه لاننا عشنا في مخيم العمل خارج القرى نبيت فيه خمسة ايام وننزل الى اهلنا كل يوم خميس، ولكني التقيت بمعلمين من منطقتي منهم ناظم حنينا وعيدو من قرية بوزان. كنا نعمل على خط الطريق الجديد وفي احدى محطاته ورشة التصليح، ونسكن في الكمب( مجموعة خيام) وكرفان خاص بهيئة المشروع حيث كان المهندس المشرف عارف علاوي ولنا طباخ جيد من قرية( الشرفية) اسمه خوشابا رئيس عوديشو، هناك استرعى انتباهي امرين اولهم توزيع مناشير في خط العمل موقعة من قبل حزب البعث قيادة قطر العراق وكانت تهاجم سلطة البعث في العراق وتدعي القيام بعمليات عسكرية ضدها عبر الحدود، والامر الآخر صادف تسليم نفسه الى السلطات احد رجال الحزب الديمقراطي الكردستاني واسمه قاسم ششو ، ففي احد الايام جاء الى مخيمنا وجلس يتحدث معنا حول الطريق الذي تشقه آلياتنا، وربما كانت له بعض المطالب فلبيناها، وقد حظي باحترامنا ولم يغادر قبل تناول الطعام معنا، هذه الايام يشار له بالبنان كونه يقود مقاومة الأيزيديين ضد داعش ومن يساندها، اذن كان لي شرف التعرف عليه في تلك الفترة البعيدة زمنياً.
كان عمال المشروع من كل الاقوام والاديان من أيزيديين واكراد وعرب ومسيحيين وتركمان حيث لا زلت اتذكر مسؤول المشتريات عباس من اهالي تلعفر. عمل والدي في المشروع بصفة فورمن نجارين، وكان موجودا قبلنا المرحوم اسحق حنا سابيوس، حيث كان سائقا لقلاب نوع مارسيدس، في الفترة الاولى كان ينقلنا انا ووالدي من والى القوش في نهاية كل اسبوع، في احد الايام ونحن في الطريق فاجأنا قطيع أغنام يجتاز الشارع عرضاً، فلم يستطع العم اسحق السيطرة على السيارة فصدم عدداً منها، تناثرت اشلائها، ولم يتوقف ابدا بل مضى في طريقه. في المشروع كان لدينا معمل بولوني الصنع متنقل للتصليح الميكانيكي، باستمرار كان يتوقف بسبب سخونة مضخة حقن الوقود، والوقت شهر آب اللهاب حيث درجات الحرارة مرتفعة، فكان عارف علاوي يضحك على الصناعة الاشتراكية ويقول لي: بعض السواق يضطرون لوضع بطيخة فوق الفيت بمب المذكور حتى يبرد!!.
لم تكن تتوفر سيارة جدية لتنقلي فأجِرَت سيارة بيك اب تيوتا لصاحبها حسين عقراوي، كان حسين طيباً وكان لا يجيد العربية فكنت اتفاهم معه ببعض الكردية التي تعلمتها في سوق القوش، في احد الايام روى لي ما يلي: سيدا( بمعنى استاذ) كان هناك زوجين يغطون في نوم عميق داخل بيتهم، واذا بوقع اقدام على سطح الدار، فزّت المرأة من نومها فهزت زوجها قائلة " دنگي لسَر باني" اي هناك اصوات على السطح، فقال لها" ݘو نِنا، أن صيا، أن جتيا، أن شرطيا" اي ماكو شيء اما يكون كلبا او جحشا او شرطيا، وقد اعجبتني وطلبت منه مرارا تكرارها.
تسنى لي رؤية قرية بارا الايزيدية المهجرة فكانت مزارعها تبهرنا وكذلك عيون الماء في كل مكان تروي تلك السفوح من اشجار الفواكه المختلفة ويختص جبل سنجار بالتين المعروف في كل العراق، ولكثرة كمياته في موسمه كان يجفف ويغرز في خيوط متينة ويصبح كما القلائد التي تعلق في الرقبة من الاحجار او المعادن النفيسة، عندما اتواجد في القوش اصف لهم بارا الجميلة فيقول اهلي بان مضمدا القوشياً اسمه شابا گولا عمل فيها فترة الخمسينات واشتهر في عمله بمعالجة الفلاحين المرضى، واكتسب خبرة جيدة اهلته ان يطلق اهالي القوش عليه اسم شابا دكتور.
بعد حوالي خمسة اشهر نقلت الى الجهة الثانية من جبل سنار حيث تسنى لي رؤية قضاء تلعفر لاول مرة، ثم سنجار البلدة التاريخية القديمة والجميلة بجبلها وسهلها الواسع الذي كان في ربيع 1978 يعج بالأيزيديات بملابسهن الفضفاضة الزاهية وهم يعملون في الحقول الزراعية وفي تلك الفترة رأيتهم يجمعون الكعوب( ܠܓܢܐ لگني) للاستهلاك المحلي وما يفيض منه كان يشحن الى الاسواق.
سنجار متعددة الاعراق والغلبة للأيزيدية وفيها مزاراتهم ومقامات شيوخهم وابرزها مرقد شرف الدين، اضافة الى ثلاثة مساجد وكنيستين، شاهدت فيها عيون الماء الحار شتاء الى درجة يتصاعد منه البخار واثار ذلك اعجابي، وكذلك رافقت المهندس بهزاد رمضان عبد الكريم الى قمة الجبل حيث كان يجري فتح طريق من سنجار الى سنوني، كان الهدف واضحا لاغراض عسكرية، لكن الجبل كان يضم العديد من القرى( والتي رحلتها السلطة في فترة سابقة اثر مقتل قائمقام سنجار عام 1972)  ومع ذلك بقيت تجمعات للرعاة شاهدتها بام عيني، حتى صورت احد الرعاة وقد حمل نعجة صغيرة فوق رقبته( للاسف لم اتمكن من الحفاظ على تلك الصورة).
الغزال ولد الظبية الرشيق الجميل يكثر في براري الجزيرة شبهت الجميلات به فاطلقوا اسمه على العديد منهن، ومن التين صنعوا تماثيل الغزال ليس لبيعه بل لاهدائه الى كبار ضيوفهم، كما دخل اسم الغزال في اغانيهم الجميلة حيث نمط الغناء الشنگاري متميز، اتذكر مهاجراً من سنجار في القوش عام 1963 اسمه فقير، يرتدي الخرقة السوداء، ويطلق لحيته وشاربيه، كان يسكن مع عائلته في بناية( المسلخ) جنوب القوش ولا تفارقه آلة البُزُق( الطنبور) وقد تفنن في ربط خيوط بيديه التي يمررها على الالة ومن الجهة الاخرى تحت طاولة خشبية ترتبط بدمية غزالة( تحببا سمّاها غزالوك) صنعت من الاقمشة وجرى حشوها فيعزف ويحرك الخيوط لترقص الغزالة على انغامه، وعندما يسحب خيطا معينا ترخي الغزال قوائمها فتجلس ليتوقف ويقول الغزالة تطلب( شاباش) فتنهال الهبات النقدية عليه، فيعاود العزف والغناء بصوت مبحوح، فتنهض الغزالة لترقص ثانية على انغام اشجى واعذب.
بترحيل القرى فقدت سنجار ظهيرها القوي وكذلك عمادها الاقتصادي من الفواكه وانواع التبوغ حيث تتخلل ذلك الجبل الاشم كهاريز الماء والعيون والينابيع كل تلك المعالم عبثت بها السلطة الدكتاتورية، لا ادري ان كان السكان في العقود الاخيرة قد تمكنوا من اعمار قراهم والسكن فيها لانني شاهدت مجمعات قسرية ضخمة للايزيدية في سهل سنجار واسمائها لا تزال ترن في ذاكرتي القحطانية والعدنانية والجزيرة وتل البنات وتل القصب، يتوسطها معسكر ضخم لجيش السلطة.
اصبحت اعمل في مشروع سنجار- ام جريص والاخيرة قرية عربية صغيرة تبعد بضعة مئات من الامتار عن الحدود السورية وحوالي 50 كيلومتر عن سنجار التي يبعد مركزها حوالي 130 كيلومتر شمال غرب الموصل، كان زميلي المهندس مؤيد زبير مشرفاً على المشروع، ورئيس العمال أيزيدياً اسمه اسماعيل من سكنة المجمعات، جلب انتباهي قامة الايزيديين الطويلة، هيئتهم، وهندامهم الذي يستوقفك طويلاً وكأنك امام انسان قديم من بلاد ما بين النهرين، اتذكر مرة زار احدهم القوش برفقة ميخا جلبي تولا فاصطحبه الى الكنيسة، فرأيته كث الشاربين مسترسل الشعر على شكل ضفائر طويلة، وبعد استقراري في سنجار احتجنا الى عامل يساعد طباخنا شليمون من قرية( باختمي) فجاء شليمون يوما ومعه نفس الرجل الذي رأيته في الكنيسة فقلت: ما اسم هذا الرجل الأيزيدي؟ فقال: اسمه ابراهيم حنا فرجعت الى الخلف، ماذا تقول يا شليمون، فقال، يا استاذ هناك عوائل مسيحية لا تختلف عن الايزيدية فهم لا يجيدون من لغة سوى الكردية، تعرفت على اسرته التي كانت تسكن سنجار، وفيما بعد في فترة الانصار التقيت بابنته ليلى وقد تزوجت شاب من اهالي دهوك اسمه نبيل التقيت بهم في قرية( كاني بلاف) على قمة جبل متينا عام 1983.
في كمب المشروع قرب سنجار فاجأني احد الحراس كبار السن بقوله: دير بالك علينا استاذ فانت خال الاولاد، لم افهم قصده، وعندما رويت ذلك في القوش، قالوا: انه من تركمان تلعفر المتخذ من ارمنية زوجة له، وعلمت ايضا بان المئات مثله كانوا متزوجين من ارمنيات وقعن اسيرات او انقطعت بهن السبل في سني الحرب العالمية الاولى.
سائق المهندس مؤيد زبير واسمه شيت(على اسم النبي شيت المشيد له مسجدا كبيرا فجره داعش بعد غزوه الصحراوي لموصل الحضارة في الصيف الماضي) نقلني فجر احد الايام من الموصل الى سنجار، وبعد قرابة ساعتين خرجت سيارته من الطريق وعبرت الرصيف( الكتف) وانا بجانبه ارقب الوضع بقلق مرددا" الله يستر" وانتقلت السيارة الى الاراضي التي تتخللها صخور بمختلف الاحجام، واصبحت على وشك الانقلاب او الاصطدام باحدى تلك الصخور، عندها فقط انتبه شيت وركز لما يجري وبسرعة ضغط على دعاسة الفرامل فتباطئت السيارة حتى توقفت، فيما ثارت عاصفة قوية من التراب حولنا، نزلنا من السيارة وكل واحد جلس صامتا لبرهة، ثم بادرته بالقول" خير شيت ماذا حصل؟" ، فقال" يا استاذ كنت نائما"، وقد نجونا من حادث عرضي لم يكن في البال.
بحوزتي كتاب اسماعيل جول بك الذي يروي عن معالم سنجار وجبلها وقراها ونمط حياتها في بداية القرن العشرين ويروي كذلك جولاته في مستوطنات قومه في سوريا وحتى حلب ثم تركيا وحتى روسيا والجمهوريات الآسيوية، وتناول الكثير من الباحثين مآسيهم وما عانوه من  اضطهادات تعرضوا لها وحملات ابادة( فرمانات) ولكنهم تشبثوا بدينهم القديم وبأرضهم.
 

في الوسط مساعد مدير الطرق المهندس خالد ذنون، الى يمينه كاتب السطور، والى يساره المهندس مؤيد زبير، والباقي بعض منتسبي مشروع سنجار- ام جريص، ربيع 1978.

ايزيديون من سنجار وقد غطى التراب وجوههم النضرة وهم يهربون من( داعش)
nabeeldamman@hotmail.com
U.S.A. January 25, 2015




125
تخرج دورة جديدة لتعلم اللغة الارامية من كلية كويامكا في سان دييغو


نبيل يونس دمان
     شهد الاسبوع الماضي احتفالنا نحن طلاب المرحلة الاخيرة لدراسة اللغة الارامية القديمة، وقد علمنا باقتدار وحضور دائم وصبر طويل القس المعلم ميخائيل بزي الغني عن التعريف، ومنحت لكل تلميذ شهادة تخرج ومن الطبيعي ان تتدرج مستويات الطلبة من الوسط الى الامتياز، فقسم منهم درس سابقا في السيمنير وقسم اخر دخل مراحل اعداد الشمامسة وقسم ثالث درسها في صغره في الوطن الام، كانت بخاصة بلداتنا وقرانا في حدياب وسهل نينوى ونوهدرا تشجع تعلم اللغة خصوصاً في اروقة الكنائس.
     لقد كان يوما مشهودا حيث ودعنا رحلات الدرس والسبورة ووجه معلمنا، ولكن اكتسبنا الحرف الجميل الذي نحته انسان بين النهرين قبل الاف السنين، فعندما نرسمه على الورق او نقرا كلماته في الاسفار القديمة ينتابنا الزهو فيصبح ما كان مجهولا امامنا حقيقة حررتنا من جهلنا ومن رحمة المترجمين بمختلف امكاناتهم ومدارسهم وحتى اهوائهم. اصبح الاعتماد على انفسنا في ان نشق طريقنا الى المزيد من الدراسة سواء بمجهود فردي او جماعي، ومن الطبيعي ان يكون صقل الانسان بلغة جديدة يعتمد على متابعتها ورصد وقت مناسب لذلك حتى يتمكن منها فتبرز مواهبه ويواظب تعليمها ما امكنه ذلك او الدعوة الى تعلمها للاجيال الجديدة كي لا تمحو من الوجود بعد ان بقيت حية تقاوم قرونا طويلة من التهميش والإلغاء والاضطهاد.
يطيب لي انا الذي درست المرحلة الثالثة منها ان ارفق موضوعاً كتبته قبل مدة ان( لماذا درس اللغة الارامية؟) :-
     بإعتباري من ابناء بلاد النهرين، التي ارست معالم حضارة أولى في صرح البشرية، ثم إخترع ابن الرافدين الكتابة وطورها، وانبثقت اللغة التي ابتدأت صورية، ثم مسمارية، ثم تحولت الى احرف ونقاط وحركات عبر قرون طويلة. غدت لغة شاملة، رشيقة، ورصينة، سادت بلدان الشرق القديم، ولكن بعد انهيار امبراطورياتها العظمى ودخول الفاتحين من اجناس مختلفة من: فرس، عرب، اتراك، اكراد، وغيرهم اليها مما ادى الى اضمحلالها وضعف تداولها، ولكنها قاومت الزوال محروسة كبؤبؤ العين من الغيارى خصوصاً رجال الدين المسيحيين الذين واكبوها في طقوسهم، صلواتهم، ودراساتهم دون انقطاع رغم الانقسامات التي نخرت في جسد الكنيسة.
     يؤلمني هذا المصير للغة قومي العريق، وانا في كهولة عمري حيث لم يسعفني الحظ في تعلمها صغيراً، وانطلاقاً من الحكمة الدارجة ان ليس متاخراً ابداً ان تبدأ، ومسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، على الانسان الطموح مواصلة الحياة بجدية كما شرع بها وحتى نهايتها، حين يجرع كأس المنية ويلتحق بقافلة الراحلين والراقدين على رجاء القيامة.
     تشدني رغبة قوية في تعلمها لانني منذ عقود امارس الكتابة خصوصاً في حقل التراث والماضي الجميل الذي عشناه قبل حلول عهود الدكتاتورية والتطرف الديني، والكتابة كما تعلمون تستند على مادة اولية وهي المطالعة المتواصلة كماً ونوعاً، هنا واجهتني كلمات واشعار وحكايات باللغة الارامية، لا استطيع قرائتها، والان منّ الله علي بنعمته في تعلمها على يد معلم قدير وهو القسيس ميخائيل بزي المحترم، وبمشاركة نوعية من تلامذة نجباء ، بعضهم يكبرني سناً، وبعضهم في اعمار الزهور، واحدهم دخلنا الابتدائية في العام الدراسي 1958- 1959، وآخرٌ في المتوسطة للعام 1964- 1965، دار الزمان بنا وبعد اكثر من نصف قرن على افتراقنا التقينا هنا على طاولات الدرس، هذا المكان المتطور الذي يعج بالحياة وينبض بروح الشباب وبطالبي العلم من مختلف الجنسيات.
      انها نقطة تحول كبرى في حياتي وانا اتعلم لغة آبائي واجدادي، معاهداً نفسي ان اواصل التعمق بها والغور في اعماقها ما امكنني ذلك، واظل اتذكر وجه استاذي المرح وهذه الوجوه الطيبة التي زاملتني هنا، في قابل الايام، في الحياة العامة ب سان دييغو، وفي كنائسها التي هي مفخرة إنسان بيث نهرين في طراز بنائها، وقباب هياكل عبادتها، وهي من ابداعات الشرق الذي للأسف تسوده حالة الفوضى وعدم الاستقرار في هذه السنين العجاف، ومن خلل الظلام ارى شقوقاً يشع منها الضياء، ويتراءى لي المستقبل السعيد الذي اعقد عليه الآمال، بان يتحول حوض البحر الابيض المتوسط الى بحيرة سلام ونموذج للعالم اجمع، في ابعادها الدينية والتاريخية والحضارية.
والان الى اسماء الطلبة الذين درسوا معي:
1- سمير منصور خوشو
2- نوال انطون
3- سالم بتو
4- فرج بطرس
5- نوئيل يونس دمان
6- روي كيسفورد
7- فرج يونس حلبي
8- نوئيل حنوش
9- انثوني هيراس
10- ريتا جعدان
11- انثوني منصور
12- لمياء موسى
13- نادر نوح
14- صباح اوراها
15- صباح جيجو رئيس
16- نضال سلمان رمو
17- لويس سيبو
18- نجيب شمعون
19- ثامر يعقوب
20- كاميلا حسقيال شدا
21- يونان يوسف
22- فرنسيس ميخائيل صنا
واخيرا ادعوكم لمشاهدة الصور التذكارية:
 
nabeeldamman@hotmail.com
Dec. 14 2014

126
رثاء الى صديقي الراحل جاسم حنا قس يونان
نبيل يونس دمان
     عرفته منذ الطفولة فتىً شجاعاً، سريع الحركة، خفيف الظل، وفي فترة انطلاق الحركة الكردية عام 1961 تجمعت بعض عوائل من قرى المزورية خلف جبل القوش في محلة سينا بسبب القصف الجوي لها فاصبح جاسم يتعلم منهم الكردية بسرعة اضافة الى تواجده في دكان والده في السوق، اتقن الكردية تكلما وولعا برجالها وملاحمها وفولكلورها. اتذكر كيف كان معتزاً بالشهيد هرمز ملك جكو وفي تلك الفترة انتشرت اغنية بالسريانية او السورث الدارجة تمجد به فكان جاسم ومن معه من اصدقائه في محيط" رش كوزا، او كركيزرتا" يغنون تلك الاغنية في تحدي للسلطة وكان بعضهم يقلد هرمز في مشيته ولباسه والطاقية الشهيرة التي تغطي رأسه وحتى في تقليد لهجته الاشورية الجبلية.
     تلك الامور جلبت انتباهي في الستينات، في صيف عام 1971 احاطت قوة سيارة كبيرة متقدمة من الموصل ومعها شرطة الناحية وجهاز الامن بالبلدة من جهة محلة سينا بهدف القبض على الثائر الخالد توما توماس، استطاع المذكور ان يفك الحصار ويخترق صفوف الاعداء بجانب اشجع رجاله، وعند وصوله سفح الجبل عند وادي" خووشا" التفت احد رجاله الى الخلف ليرى منيرتوما توماس مع جاسم القس يونان وهم مطاردين بشدة وتحت مرمى النيران، فصرخ الرجل بما رآه واستدار الوالد ليرد بكثافة على نيران العدو وكذا فعل الاخرون، فانقذ جاسم ومنير من خطر داهم ووصلوا الى بقية المجموعة بسلام، علما بان احد رجال الامن وهو العريف" سراج" كان اكثر اندفاعا للحاق بأبطال القوش فرُد على اعقابه.
     في حدود عام 1979 سيق جاسم الى خدمة الاحتياط وصار قريبا من موقع عملي كمهندس طرق في منطقة بالندة- بارزان اضافة الى مجموعة اخرى من شباب البلدة من مواليد 1953 فقمت بالواجب تجاههم بسبب معرفتي لضباط ذلك القاطع وامرائه.
     بعد عام 1990 في اميركا اصبحنا كلما نلتقي نعاود سرد ما تبقى عالقاً من تلك الذكريات، وفي عام 2002 كنت في زيارة الى ارض الوطن فالتقيت بأغا المزورية ابراهيم علي الحاج ملو في اربيل فابلغني بأيصال رسالة شفهية للفقيد جاسم يدعوه لزيارة كردستان وفاء للقيم النبيلة التي تحلى بها واهتمامه بالاخوة الاكراد المهجرين والمهاجرين هنا وحضوره مناسباتهم ونشاطاتهم وعلى رأسهم الطيب الذكر غازي الحاج ملو.
     قبل حوالي خمسة سنوات انتقل جاسم لعدة اشهر الى كاليفورنيا وهو يعرف مدى اهتمامي بجمع الاحاديث والوقائع التراثية، فأهداني نسخة من كتاب هرمز ملك جكو( 1930- 1963) الصادر في دهوك عام 2008 – تأليف وصفي حسن رديني، الذي احتفظ به بإعتزاز في خزانة كتبي، كم كانت لقائاتنا الى ساعات متأخرة في نادي" كرستال بول" جذابة وممتعة فنجلس مجموعة حوله اذكر منهم الفقيد سعيد سيبو ونجيب الياس حنو وجورج شوشاني وادور ابونا  ومتعهد النادي بهجت حنا قودا وغيرهم وكلنا آذان صاغية الى حكايات جاسم المشوقة واغلبها ذات طابع كردي مثل: ميم وزين، خجي وسيامند، عمي كوزل، فليتي قتّو، وغيرها كثير، وعندما يصعد عنده الحماس يشرع بالغناء محركاً يديه في الهواء وكأن بيده الرباب، لم تشبع نهمنا من تلك الجلسات وافتقدناها من يومها حيث عاد الى ديترويت وعكفنا على الاتصال به تلفونياً بين فترة واخرى، لنسترجع بعض تلك الحكايات المنعشة للقلب الذي لا زال ينبض بحب الوطن وتراثه الغني الشامل لجميع الملل والمذاهب.
     كنت يا جاسم طيب المعشر، بهي المنظر، غني المصدر، وضحكاتك تملأ المكان بنكهتها الخاصة، سنفتقدك وقد غادرتنا الى الابد من فوق ارض مشيكان اثر مرض عضال لم يمهلك طويلا، الف رحمة على روحك والسلام والبقاء لأولادك واحفادك وباقي اسرة رابي يونان المعروفة ولجميعهم الصبر والسلوان.
كاليفورنيا في 21- 9- 2014

127
هكذا غادرت القافلة الاخيرة من المسيحيين الموصل
نبيل يونس دمان
     ان اضطهاد المسيحيين في العراق موجود على مر الزمان، والتفرقة والتمييز ازائهم عايشناها كلنا، ويطول الحديث عن كل ما لا قيناه من المستوطن الذي غزا بلادنا قبل 14 قرن، واشتد بخاصة بعد فراغ العراق من سلطة قوية، ومجيئ ديمقراطية هزيلة لا تقوى على الصمود امام الظلاميين والتكفيريين واعوان النظام السابق.
     السلطة في بغداد هي الملامة في الاول لكل ما حصل بسبب طائفيتها وقلة تجربتها في ادارة بلاد انهكتها الحروب وتتعدد فيها الأثنيات والقوميات، لم تحسن التعامل مع خصومها سوى بصب المزيد من الزيت على النار الطائفية التي اشتعلت بعد غزو العراق، كان الوضع المربك وغير المستقر قد تفاعل في الثلاث سنوات الاخيرة ما عرف بالربيع العربي، فاقيمت منصات خطابة على طريقة ما حدث في مصر وتونس والبحرين وغيرها من بلدان المنطقة، لقد اقترفت حكومة المالكي خطيئة مميتة في ضرب تلك المنصات والخيام في الرمادي وطوزخورماتو وسامراء والموصل، فأججت النار المشتعلة اصلاً، ثم تزاوج الوضعان السوري والعراقي زواجا غير مقدساً بزحف ما يسمى( داعش) مع بقايا البعث والناقمين على الاوضاع الى بعض محافظات العراق وخصوصا الموصل التي تعادل بغداد في اهميتها.
     للان لم نفهم لغز سقوط الموصل السريع بيد داعش ومن لف لفها، ولا نفهم ايضا ما هي مقبلة عليه المنطقة، حيث تتخندق ثلاثة اقاليم( سني- شيعي- كردي) لا اريد بل يصعب علي طرحها بالاسماء هكذا لان ذلك يتنافى مع تربيتي الوطنية وايماني بوحدة العراق، لكن ذلك للاسف موجود على الارض، من منكم لم يشاهد الخرائط التي تقسم البلاد في امهات الصحف العالمية ووسائل الاعلام المختلفة.
     تشبث المالكي بالسلطة وما سمي بالولاية الثالثة، دون ان يلقى الترحيب لا من شعبنا في الاقاليم المنوه عنها جدلاً، ولا من المنطقة، ولا العالم، وعلى نفس الاساليب التي اتبعها في دورته الثانية والتي دفعنا نحن العراقيون ثمنها حتى اليوم، ازاء استياءنا من المالكي ومن يؤيده ويدفعه في استقطابه الطائفي وتحوله الى دكتاتور يصعب انزاله من منصة الدكتاتورية، جاءت مفاجأة الموصل وسرعان ما رفع القادمون الجدد كل العوارض الكونكريتية والسيطرات من الشوارع وصارت منطقة الغابات تستقبل العوائل المتعطشة للنزهة، فاستبشرنا خيراً وقلنا ربما تشكل هذه الورقة الجديدة عامل ضغط على المالكي وحكومته.
     تمادى القادمون الجدد في تعاملهم مع شعب نينوى العريق وتراثة الانساني والحضاري، وصاروا يستهدفون المعالم التاريخية من انصاب ومزارات ومراقد وكنائس، حتى وصلوا الى اخلاء مدينة الموصل من مسيحييها تحت بنود الجزية المقيتة او تغيير الدين او حد السيف، كل هذه الاوضاع المتسارعة الاليمة وحكومة المحاصصة في بغداد لم تعمل شيء، بل عاجزة وضعيفة لا تقوى على الدفاع حتى عن حصنها الاخير في بغداد، وفي ذات الوقت لا تستقيل  وتنسحب لفشلها وتعتذر للشعب العراقي لتحل محلها بسرعة حكومة انقاذ وطني تضع حلولا لازمات العراق الخطيرة على المنطقة وعلى العالم.
     في عصرنا الراهن يقوم ابو بكر البغدادي بنصب نفسه خليفة للمسلمين، ليس في مكة او بغداد او دمشق بل في الموصل، ويعلنها دولة الخلافة تمتد من حلب- الرقة- دير الزور الى الموصل والرمادي وتكريت، انها مساحات شاسعة لا يستهان بها، ولكن ما مدى نجاح هذا المشروع الذي لا يلقى من يؤيده على الساحة العالمية والاقليمية، واين معايير العدالة فيه، واين حقوق الانسان ولوائحها التي تعلمها جيلنا والاجيال التي سبقته وحفظها، فكيف لهذا الفكر الظلامي ان يسود وسط صمت العالم المطبق من الناحية الفعلية، اما الاقوال والتصريحات فما اسهلها وانها  تذهب بسرعة ادراج الرياح.
     اود هنا توجيه التحية الى آخر المسيحيين المنسحبين من الموصل، وان انحني طويلا امامهم، حيث لم يرضخوا لتغيير دينهم ولا لدفع الخاوة( الجزية) وضحوا بكل شيئ  وخرجوا بملابسهم كما قال المسيح( اترك كل شيء، احمل صليبك واتبعني) القافلة الاخيرة لم تحمل شيئاً الا ايمانهم العميق بربهم ومخلصهم المسيح الذي الهمهم في صعوده الى الجلجثة وهو يتعمذ بدمه. لقد صعب على ذلك القوم الاصيل قليل العدد( من 100 الى 200 فقط) وهو ما تبقى من مئة الف كانوا في الموصل قبل 2003، صعب عليهم قبول معتقد بالإكراه، تحملوا اقسى درجات التحمل منذ سنين وهم يرون كل يوم دماء الابرياء تسفك في شوارع الموصل، على ايدي تتعدد الجهات التي توجهها وتقف خلفها في العشرة سنوات الاخيرة.
     تبقى القافلة الاخيرة التي خرجت من الموصل مرفوعة الرأس بايمانها، وثباتها، بتحملها ليس فقط الاسابيع الاخيرة المرعبة من جانب المسلحين، ومن جانب طائرات الحكومة وازيزها فوق الرؤوس، ومن عصابات القتل والسرقة، ومصادرة الاملاك، واحتلال بيوت الله، واديرة الرهبان المحرومين من ملاذ الدنيا، والمنقطعين للصلاة والتعبد لإرضاء الخالق. ينبغي ان يستقبل هؤلاء من قبل من يأويهم في ضواحي نينوى وفي الاماكن الاخرى استقبالا يليق بهم، يجب ان توليهم الاهتمام كل المنظمات الانسانية، والكنيسة بخاصة تضعهم تيجانا وامثلة امام العالم اجمع، هؤلاء هم المؤمنون الحقيقيون، قد وضعوا ارواحهم على اكفهم ولم يرضوا بالذل فتمسكوا بدينهم وعقيدتهم، انهم لم يدفعوا الجزية ولم يشهروا اسلامهم بل عرضوا انفسهم للموت وللسيف الظالم، انه نفس السيف على مدار القرون الذي حصد الآلاف من آبائهم واجدادهم في ظروف مماثلة، على يد شابور الثاني 341م، على يد المغول والتتار 1258م، على يد نادر شاه( طهماسب) 1743م، على يد ميري كور 1832م، على يد بدر خان 1846م، على يد السلطان العثماني 1914م عندما اصدر فرمانا بقطع رقاب المسيحيين، على يد بكر صدقي 1933م. يا لها من مفارقة ان يعيد التاريخ نفسه كل مرة على شكل مآسي ومهازل.
     الدين براء مما يرتكب اليوم باسمه من موبقات وجرائم، الله خلقنا جميعا وكلنا صنعة يده فكيف ندافع عنه ونجيش خلقه لمحاربة بعضنا بعضاً، اليس قادراً على كل شيء؟ هراء هذه الادعاءات ومغزاها واساسها معروف ولا ينطلي على عاقل، و كل ما يحدث باسم الدين هي مصالح دنيوية زائلة في الاستحواذ على جهود الاخرين واملاكهم، في السيطرة على الاموال والنساء، وشغل مراكز سيطرة وقوة غاشمة. الدين وجد لعبادة الله، الدين مسامحة، الدين فرائض الصلاة والزكاة وعمل الخير، وهداية الناس بالاقناع وبطرق تقديم الخدمة الأفضل، والتباري بين كل الفرق الدينية في ما تقدمه من مكاسب مادية وسعادة للناس، لا الخوف والرعب والحزن المخيم، ولا العنتريات، وامتشاق السلاح، وتغطية الوجوه، وحمل رايات الموت السوداء، وفرض احكام وشرائع لا تنسجم الا مع سكنة الكهوف، لقد بلغت الحضارة قرنها الحادي والعشرين، لا يمكنها التراجع عما انجزته خبرات وتجارب الشعوب من لوائح انسان الى مواثيق امم عبر القرون، هؤلاء الظلاميون والرجعيون والسلفيون ليسوا سوى مرضى الألفية الثالثة والآفة الخطيرة ووباء ينبغي استئصاله بايجاد العلاجات اللازمة على المدى الطويل، حتى لا يستفحل هذا المرض ويستشري في العالم اجمع، ومن اجل ان تتعافى الاجيال القادمة.
     نحن مسيحيوا العراق نلوذ بانفسنا ونهرب تاركين كل شيء ورائنا من ممتلكات وارث اباء وقبور اجداد، ماذا بامكاننا ان نفعل وقد خذلنا الجار وخذلنا عالم المصالح، صدقوني لو كانت لنا امكانيات ودعم لتصدينا لكل من يمسنا بضرر دون ذنب ارتكبناه، الجبن هو الاستقواء على الضعيف والفقير، اننا مجموعة قليلة وقليلة جدا لا تصمد امام الواقع، وتنتهي بسرعة كما ورد الصباح وزهر الأقاح، لو فرضنا ان الكنيسة لم تحرق بعد واننا لا نصدق القيل والقال ولا نتكلم شيئا، هل نستعيد حريتنا واماننا ووجودنا؟ ثم ما فائدة الكنائس في الموصل وهي موصدة تخلوا من المؤمنين، وكيف سيعودون اليها؟ اخواننا المسلمون كلما تحتدم حروبكم الطائفية او الدينية تصبون جام غضبكم علينا، هل هذه رجولة، هل هذه عدالة، هل هذا مفهوم العين بالعين والسن بالسن، هل هذه انسانية وهل هناك ضمير حي يقبل بكل ذلك. نحن عزل وقليلي العدد وحتى عندما كان عددنا كبيرا لم نعتدي على احد، بل تحملنا الاعتداءات المتكررة منذ فتح العراق موطننا الاصلي امام غزواتكم القادمة من الصحراء، واليوم ندفع ثمن ذلك بالانتهاء والجلاء من ارضنا واسدال الستار على تاريخنا.
     المسيحية انبثقت من الشرق الاوسط قبل الفي عام، وافراغ المسيحيين منها بمثابة موتها في العالم اجمع، وتسليمه الى قوة السيف والمظالم الكبرى والمسالخ الرهيبة التي تنتظر البشرية، اترك كلامي مفتوحا للسامعين في ارجاء المعمورة.
23/ تموز/ 2014

128
سعدي المالح في ذمة الخلود
نبيل يونس دمان
     هكذا الحياة تفاجئنا، صحيح ان الموت ضريبة مفروضة على كل وليد، ولكنه زائر ثقيل يأتي على غير ميعاد، ودون ان يلقى الترحاب من احد. جسد سعدي يوارى الثرى، فيعود الى التراب الذي جبل منه، وروحه تسموا في الأعالي تذكرنا بالجهد الانساني والتألق وجليل الأعمال.
     صرح ثقافي ينهار في موت الدكتور الصديق سعدي المالح، عرفناه في لقاءات شخصية عابرة منذ السبعينات مراسلاً لجريدة طريق الشعب وعرفناه حتى آخر يوم عاشه وعشنا معه في رواياته وعطائه الثر وحتى خيالاته واحلامه، عاش متمرداً على الواقع، متنقلاً لا يرتاح له قرار حتى اتخذ أخراً في داينميكية وحركة دائبة، يبحث عن الأفضل ويختار الأمثل بما ينسجم مع العصر والممتد في تفكيره الى اعماق التاريخ حيث مملكة الرها وحدياب ونوهدرا وبابل ونينوى مفاخر التاريخ، من تلك الربى والقلاع استمد سعدي افكاره التي امتزجت بالعصر في تشعباته ومتغيراته، فلكل عصر راياته، كلماته، رجاله، وشعاراته، هكذا امضى سعدي عمره الذي اختتمه في عنكاوا البلدة المتلألأة في خارطة الوطن الحبيب.
     في موت سعدي تحسر وتاسف الكثير من العراقيين والناس في كل مكان ممن سمع به او عرفه، وبالاخص عنكاوا واهلها الطيبن فوق ارضها او من يعيش في الشتات، فقد طرق الحزن ابوابهم في تناقل الخبر الاليم، لقد تغنى بهم سعدي وكتب في مآثرهم وآثارهم وعاداتهم وفولكلورهم فرفع سقوف تلك البيوت. راويها الذي عاش طفولته في شوارعها الصغيرة، قرب كنائسها ومراقد قديسيها، وامام بيوتاتها الطينية، اثارته تلك البيئة فاطلقت يديه ليمسك الزمام والناصية، ويتمكن من لغات عدة ومعارف شتى اكتسبها وصقل نفسه بها في الشرق والغرب، وقد اعطى الفائدة في تجربته الادبية ليس فقط لبلدته ووطنه بين النهرين، ايضاً رفد الأدب العالمي مما جاد به قلمه وما نضح به فكره وقد استمد ذلك من عبق تراب عنكاوا، تلك الارض المثمرة التي انجبت سعدي هي قادرة ان تنجب مثله في المستقبل، وحاليا يحتل ابناؤها مساحة مرموقة في فضاء الادب والعلم والفن، لن يكون موته الا حافزا للمزيد من ابداع اهالي عنكاوا تلك المدينة الجميلة الغافية تحت سماء الاقليم الذي ينعم بالامن والاستقرار.
سيبقى سعدي في البال
رواياته تخصب الخيال
وفكره تقتدي به الاجيال
2014-05-31 



129
إسحق في ضيافة الغجر

 نبيل يونس دمان
     اعتاد اسحق الذهاب الى القرية المجاورة ( بهندوايا ) لطحن الحبوب لاسرته او للجيران . وهو المعروف في البلدة بخفة دمه ، حيث يجذب الناس الى الاستماع اليه ، كما ويمتاز بالرقص المنفرد ، خصوصا ً عندما عندما يتناول كمية من المسكر( العرق المصنوع محليا ً ) ، وعلى انغام مزمارعليكو ( علي حسن من قرية سريچكا ) ، كأن تكون : عسكري ، ملاني ، او غيرها . قلة من الراقصين يبلغون منزلته في الرقص ، وما يقدمه من حركات رشيقة ولوحات جميلة ، تارة بالدوران السريع ، او التوقف فجأة ، فيحني رجل واحدة ويرتكز على الاخرى ، هازاً اكتافه باستمرارية وتواصل ، حتى تتوقف الزورنة على نغمة واحدة ، تخترق موجتها طبقات الجو المحيط ، وتتواصل دون انقطاع حتى ينهض اسحق ، ويدور ثانية في الحلبة التي خصصت له على سطح بيت او فناء منزل ، او ساحة في الاطراف ،  وهي كبُركة وسط حضور كثيف من المشجعين له .
     في الثلاثينات كان يقام عرساً في محلة التحتاني ( ختيثا ) ، عندما اشرف حفل زواج احدهم على الانتهاء ، وقد لعبت الخمرة بالرؤوس ، نزل الى ساحة الرقص الأخوان ( متي و هرمز) ، بعد ان هزت طبقات الهواء تلك الانغام الشجية ، المنبعثة هذه المرة من مزمار والد عليكو ( حسن رشمالو ) ، ضرب الاخوان ارجلهما في الارض صعوداً ونزولا ، ودارا رافعين ايديهم تحية للجمهور الذي اكتظ بهم المكان ، ثم جلس كل منهم على رجل واحدة وشرعا على صوت المزمار يتبادلان ضرب اكفهم ، كف اليمين يقرع كف اليسار وبالعكس ، حتى  تعبت اكفهم ، فتناولا غليونيهما ( قلوني ) من خلف رقبتيهما وتبادلا ملامستها برشاقة وايقاع ، وفجاة طرحا الغليونين جانبا ، نهضا واستلا خنجريهما  ذوات المقابض الخشبية السوداء المرصعة بالفضة ، وهم يلوحان بها في الهواء ، داروا عدة دورات متأنية ، يقتربان من بعضهما ويبتعدان ، حتى اشتبكا في نزال رائع ( شِك .... شِك ) يضربان خنجريهما  الارض تارة ، او يلامسان نصليهما تارة اخرى ، وبحركات متناسقة منسجمة مع فيض الموسيقى التي ينفخ بها العازف مزماره ، وانهالت القروش على رشمالو ( شاباش .. شاباش ) هكذا والجمهور من الجنسين يصفق حتى كلـّت ايديهم واحمرّت ، وقضوا ليلة رائعة كانت مثيلاتها تتكرر في السابق . يا زماناً كان فيما مضى جميلا ً، ولياليه يخال المرء انها تمطر الفرح ، واللذات ، اما اليوم فيبعث في نفوسنا الكظمة والحسرة .
      عندما عاد اسحق من بهندواية وعلى مقربة من بلدته شاهد خيم الغجر، وتقرب من مجلس طربهم وقد خيم المساء ، تقول الحكمة : ان العروق التي تسري فيها دماء الطرب تكاد تغلي عندما تقترب من مضارب الغجر. هكذا انسجم معهم بسرعة ، علما بان شكله وملابسه لا تدل بالضرورة  انه من البلدة ، التي سألهم ببلادة عن إسمها ، ودار الحوار التالي باللغة الكردية :
- چي كندي أفا ( ما هذه القرية ) ؟.
- افا ألكيش ( هي القوش ) .
- چي مْلـّتن ، چي مذهبن ( ما اصلهم ، وما ديانتهم ) ؟ .
- فلايينا ( مسيحيون ) .
عبـّر بحركة من رأسه عن عدم رضاه وقبوله.
- بيجا هڤال ، تا كيڤا چي ( قل لي ايها الصديق ، الى اين انت ذاهب) ؟.
- ناڤ شيخي ( عند الشيخ ويقصد باعذرا مركز الامارة الأيزيدية ).
- ريكاتا دورا ، بنڤا ناڤ ما قربان ( طريقك بعيد ، نام ليلتك هنا ) .
  بعد تردد ربط حمارة في احدى ركائز الخيم ، وابتدا بالسلام عليهم ، فاستقبل بالطرب المعهود . وبعد قليل اصبح اسحق المتمكن من لعبته جيداً ، جزءا ًمن مجلسهم فطرَب وأطرِب . أمضى معهم ساعات وكأنه واحدا منهم ، على انغام الطبلة والعود نافسهم في الرقص الجميل ، ففرحوا به ، وقدموا له افخر العشاء ، وعند انتصاف الليل ، نهض يودعهم ، فحاولوا تغيير ما اعتزم عليه ، وذكـّروه بمخاطر الطريق الى باعذرا ، والليل لا يؤمن من اللصوص وقطاع الطرق ، لكنه اصر على الرحيل ، مدعياً ضرورة وجوده هناك مع تباشير الصباح .
     غادر اسحق مضارب الغجر، وبعد دقائق كان ينزل حمله من الطحين في البيت ، استقبله افراد اسرته ، وعبروا عن قلقهم العميق لتأخره ، حيث راودتهم شكوك بانه قتل في الطريق ، على اية حال اسبشروا خيراً بمقدمه ، واسرعت زوجته لجلب العشاء الذي جهزته قبل ساعات مضت ، قال لها اسحق بغنج :
- لا تتعبي نفسك يا إمرأتي ، فقد تعشيت عند اصدقائي الغجر.
     اعتاد الغجر ان ياتوا الى البلدة في مواسم غير محددة ، ينصبون خيامهم في الاطراف ، فتدب الحركة في تلك البقعة لعدة ايام او اسابيع يمضونها في تلك الاماكن ، فان كان الوقت شتاءً ، فان اعمدة الدخان تتصاعد عاليا ً من خيامهم ، وتتبخر في اجواء البلدة ، المغطاة بالغيوم والضباب .
     الغجر في ايران يقال لهم الغرشمارية ، او غريب زاده ( ابن الغريب ) ، او غربال بند ( صانع الغربال ) ، اما في مصر فالغجر عندهم تصحيف لكلمة القاجاري نسبة الى قبيلة تركية الاصل ، يقال ان اصل كلمة الكاوولي من كابلي اي نسبة الى عاصمة افغانستان – الكابل ، ويقال ايضا ان احد ملوك ايران واسمه ( بهرام جور) دعا من الهند نحو اثني عشر الف للهو والطرب ، والكاولية هم بقايا اولئك النازحين .
       الغجر قوم غريبوا الاطوار ، يتكلمون عدة لغات منها : العربية ، الكردية ، الفارسية ، والتركية . لا مكان ثابت يقيمون فيه ، بل ينتقلون من بلد الى آخر ، يعبرون الحدود ، ليست لهم دفاتر نفوس ، او جنسية معينة ، ازياءهم مختلفة عن باقي ازياء الناس القاطنين في تلك الاصقاع ، لا يمارسون الزراعة ، او يشغلون الوظائف ، ولا يذهبون الى المدارس . انهم يجيدون بعض الحرف اليدوية ، التي يتقنوها ، منها صنع اللعب ، الاراجيح ، ومهود للاطفال . تغني الام في بلدتنا بجانب رضيعها في المهد اغنية مطلعها ( دشاي لاي ، دركشتخ د قرجايي ) ومعناها : نام يا رضيعي نام ، في المهد الذي صنعه الغجر. ويقومون ايضا بتلبيس الاسنان بالمعادن الثمينة كالذهب ، او يصنعون الآلات الموسيقية مثل الربابة . او يصنعون الغرابيل ( أربالت ) والمسارد ( سرادِه ) . نظرا لانتقالهم الدائم وعدم ثباتهم في مكان ما ، ولضحالة ايمانهم ومعارفهم ، فانهم يمارسون كل انواع السرقة والدجل والكذب ، فلا ذات توبخهم ولا وازع يردعهم ، يسرقون حتى الاطفال ، واذا تغافل عنهم  اصحاب الدار ، فلهم المهارة والسرعة في سرقة الدجاج او اي شيء يقع في ايديهم . كانت جدتي تروي لنا طرفة عنهم فتغمرنا في الضحك حيث تقول : ان والدتها جمعت كل المواد لعمل غربال من ( طاري ، ووطري ، والاخشاب الرقيقة المدورة ) وجهزتها لتسلمها للغجر، فهم يتقنون تأطيرها وصنعها ، فاعطتها لاحدهم ، عند قدومه للاستجداء ، واوعدها ان ياتي بالغربال في الايام التالية ، وسيصنعه على احسن ما يكون ، فصدقته . وعند مجيء ابنتها التي هي جدتي ، بشرتها بالخبر السار في تسليم الحاجات الى الغجري ، فقالت ابنتها :
- امي ، واذا تاخر او لم يعد ، ما هو الضمان لعودته .
اجابت امها والابتسامة ترتسم على محياها :
-  يا ابنتي انا اعرفه جيدا وانتبهت الى احدى اذنيه ، فكانت مثقوبة .
 ضحكت ابنتها ، وبالتالي كانت تضحكنا ونحن صغار، كلما كررنا عليها باعادة سرد الحادثة ، فقالت لامها :
-  انتظري يا اماه عودة ذلك الغجري المثقوب الاذن ، وهو محمل  بالغربال المحكم الصنع .
هباء كان انتظارها ......  فلم يعد ابدا ً.
     رجالهم يكحلون عيونهم بشكل عجيب ، ربما بعض كبار السن من الاقوام الاخرى يفعلون الشيء نفسه ، لمعالجة مرض في العين ، ولكن رجال الغجر يفعلون ذلك للتبرج وجلب الأنظار. هناك مثل محلي يطلق على الشاطر بالقول ( كشاقل كخله مأينه د قرجيثه ) ومعناه ( ياخذ الكحل من عيون الغجرية ). نساؤهم يحبلن ويلدن وهن متنقلات من جهة الى اخرى ، اطفال الغجر ينبضون بالحياة بأعجوبة ، يحملون خلف الظهور في علايج مخروطية الشكل . يكسبون المناعة من حياتهم التي يكون الترحال جزءا ً اساسيا ً منها ، وبالتالي نادراً ما يتعرض الغجر للامراض ، وان اصابت احدهم وعكة فلهم علاجاتهم الخاصة . عندما تغفل إمراة ما طفلها ويسمع الجيران صراخه ، ينادون عليها " هل هو ابن الغجر ، حتى تتركيه طوال الوقت يغلرق في البكاء " .
    في الليالي يقيمون الحفلات الحمراء بالاستعانة بآلات الطرب التي ترافقهم في ترحالهم ، وبموسيقاهم الخاصة الراقصة ، واغانيهم الفلكلورية ، يقع الرقص والطرب ويشترك الشباب وتتمايل الصبايـا الى ساعات متاخرة من الليل ، انها رقصة الغجر المعروفة ، اعتقد ان هواة الافلام اللطيفة يتذكرون فلم ( الغجرية العاشقة ) الذي كان يعرض في صالات العرض ( السينما )  ببغداد فيما مضى ، عندما كانت الدنيا بخير، قبل ان يصيبها زلزال الدكتاتورية ، فحول كل شيء تقريبا الى فقر، قفر، ويباب ، وحتى هؤلاء المتنقلون ولقرون في مناطقنا ، لم يسلموا من سطوة الدكتاتورية ، فطاردتهم وقلصت حركتهم ، ان لم تبيدهم او تحولهم الى غير تلك التسمية المعروفة بالغجر.
 2008


130
مغزى زيارتي الى العراق
نبيل يونس دمان
    كالطائر المحلق أعود الى ارض الوطن كلما سنحت لي الظروف، إنها تعوض الفراغ الذي تركه بعدي البالغ أكثر من ثلاثة عقود. لم أهجر وطني حباً بالغرب او بدافع اقتصادي، بل مرغماً تركته في سني ظالمة كانت ماكنة الحرب تطحن شبابه وتيتّم أطفاله، وترمّل نسائه، هكذا تركت الخضوع ورائي عام 1982، وكانت سنوات عودتي اليه على التوالي: 2002، 2010، 2011، 2012، وما سيدور الحديث عن رحلتي المشوقة التي غمرتني بفيض من السرور، سيما وانني اصطحبت بكري وذخري المهندس رافد دمان، الذي ولد فوق أرض اليمن، ولم يتسن له رؤية الوطن بل كان يسمع به، وعلى الدوام يطالبني أن يرى تلك الارض التي لولاها لما كان أحدنا ينطق بحرف او يدون شيئاً.
     كالعادة إستقبلني الأحبة والاصدقاء بالترحاب وبادلوني المشاعر والأمنيات الطيبة، وكان هاجسي أن لا تطب لولدي الأمور في العراق، فيخيب ظني، لكنه برر ثقتي به وثبت ان التربية التي تلقاها منذ صغره لم تذهب هباءً، فأجاد التكلم مع الناس بلغتنا الام وللاسف لم يكن ينطق إلا القليل باللغتين الشقيقتين: الكردية والعربية، لكنه أصاخ السمع الى تلاوة القرآن الكريم من على مأذنة في مدينة الموصل وهو يصر أن يدخلها رغم المحاذير الأمنية، اما الكردية فقد حمل معه أغاني مسجلة على جهاز محمول وخصوصاً أغاني الخالد محمد عارف جزراوي، كم كانت دهشة الجميع وخصوصاً الاكراد بان الاغاني الكردية ترافقه ولا تفارقه إضافة الى الأغاني السريانية والعربية.
     يشهد الوطن تحسناً أمنياً خصوصاً في الأماكن المتوترة، لقد تعب الناس وهم بحاجة الى الراحة وقطع الصلة مع الرصاص وهدر الدماء الذي إجتاحنا طوال عقود بل منذ انتكاسة ثورة 14 تموز الخالدة في عام 1963. كفى يا موطن الأجداد إقتتالاً وصراعاً عبثياً، كفى ولتتوحد الجهود وليكن الإخاء والبناء شعار الجميع، ظني ان الثروات التي يختزنها الوطن تفيض الجميع بالثروة والنِعمة والسعادة، نحن أفضل بكثير من دول الخليج المجاورة فإضافة لاحتياطينا من النفط هناك الموارد المائية والزراعية والصناعية وقبل كل شيء الانسان الذي هو إستمرار لحضارات أولى في صرح البشرية من السومرية الى الأكدية فالبابلية والأشورية.
     تسنى لي حضور إحتفالات الذكرى الثمانين لربيع الحركة الوطنيةالعراقية في القوش لأول مرة أحضر حفلاً رائعاً، رأيت بأم عيني الأعلام الحمراء تخفق في الهواء يحملها فتية وشبيبة في اعمار الزهور وهم يلوحون بها مؤكدين استمرار النضال رغم ليل الفاشية الطويل الذي أفل قبل 11 عام، وجاءت الديمقراطية على أقساط ومراحل صعبة للغاية، ستنفرج الامور وتلوح في الأفق دعائم مجتمع عادل يرتكز على القوانين والذي يحتاج لبعض الوقت. أعقب إحتفال الحزب في قاعة وردة بعد أيام سفرة عائلية الى مصيف بهندوايا، ضمت السفرة موزاييك شعبنا من إسلام ومسيحيين وأيزيدية، وكذلك من مناطق الموصل والقرى العربية والكردية والتركمانية والايزيدية، فكان طابعاً شمولياً ينأى عن القومية الضيقة والطائفية المقيتة ويتبارى ويعبر عن التضامن والتآخي والمحبة والطور الاجتماعي الحضاري الذي يتحدى الظلام والسلفية ونحو عراق حر ديمقراطي وسعيد.
     وشهدت أيضا ولاول مرة مسيرة رأس السنة الآشورية البابلية( أكيتو) حيث حضرت منذ صباح الاول من نيسان الأغر ساحة تجمع الآلاف من حملة الأعلام البنفسجية والازياء الشعبية التراثية، وهم يلوحون باعلام شعبنا ويحملون شعارات النضال القومي المتواصل منذ أوائل القرن العشرين، مسيرة راجلة كبرى شارك فيها أبناء شعبنا من مناطق البلاد المختلفة، وقف أصحاب المحلات والدوائر امام محالهم يحيون المسيرة فيما وقف الناس من مختلف الاجناس والاعمار فوق أسطح منازلها مبتهجين وهم يصورون المسيرة الزاهية حتى وصولها أجمل منطقة في دهوك الا وهي كلي دهوك وعلى مقربة من السد السياحي  وامام جبل مرتفع، توالت الكلمات فالاغاني والدبكات والموسيقى الصادحة فيما صعد شباب أقوياء الى القمم العالية ليركزوا ويثبتوا الاعلام البنفسجية على الصخور العظيمة، فتخفق في منظر أخاذ جلب انتباه الجميع وخصوصا المصورين وقد لا يخلو مشارك من آلة التصور او التلفون النقال.
     آليت على نفسي ان ازور مثوى اجدادي كلما سنحت الفرصة والظروف، واخطط ان يكون قضاء فترة ما بعد التقاعد عن العمل في ربوعه، حيث يطيب لي ان يركن جسدي ترابه في آخر المطاف.
والآن الى بعض الصور التي التقطت للفترة من 22- 3- 2014 الى 5- 4- 2014


جسر الدلال في زاخو


  دير الربان هرمزد


القوش من على الجبل
 

حوض حجري مزخرف في دير الربان هرمزد


منظر من احدى قلايات دير الربان هرمزد


 بوابة بيت المرحوم الياس بتو بولا في القوش


بقايا قصر المرحوم عزيز ياقو في فيشخابور


 المسيرة البنفسجية في اكيتو بدهوك

 
تحت أقدام شيرو ملكثا في بهندوايا

131
وفي اللّيلةِ الظَّـلْماءِ يُفْـتَقَدُ البَدْر
نبيل يونس دمان
     حقيقةً شَهِدناها للأسفِ في رحيلِ صديقٍ عزيزْ، عَرِفناهُ مِنذُ الصِبا ومراحِلَ الشبابِ وفي بلادِ الغُربةِ، كان من معدنٍ نادرٍ وثمينْ، عَميقٌ في إدراكِه، متعددٌ في مواهبِه، منها نُظمُ الشعرِ وإتقان لغةَ آبائه وأجداده، عمل بدأبٍ ونشاطٍ في شؤون الجالية، والوطن الحبيب، وأولى إهتماماً أكبرَ في قضية قومِه الذي أصبح صغيراً في العدد، نظراً لقساوةِ الزمن، ظل سعيد لصيقاً بتلك القضية وبمصيرِها، وقد شبَّ على ذلك الإهتمام منذ ان كان طالباً في الجامعة التكنلوجية التي تخرج منها مهندساً كهربائياً عام 1976.
     كنتُ في السبعينات اُصيخُ السَمعَ اليه وهو يُغني" يونه دشلاما فيرا، تناشِه دماثا ميرَه، لا قطلوتن يوناثا، ولا جنقي وخماثا. خرسي كل طوبواثه، ومبرتخي كل رمحاثا، دخاهي جنقه وخماثه" انطلقت حمامة السلام، اوصت اهالي القرى:لا تقتلوا الحمام ولا الشباب. لتخرسَ المدافع وتتكسّر الرِماح حتى يعيش الشباب" عندما دار القتال في القوش عام 1973 حيث تعرضت لهجوم كبير فأستبسل ابنائها في الدفاع عنها ولم يَدَعوا المعتدين ينالوا مِنها، شأنُها في كُلّ عادياتِ الزمن، كان سعيد آنذاك في بغداد وقلبَه يرنوا إليها، فأنشد يقول" [bluered]مْپوخه د ألقوش ميثي يا يونه سامي[/color]" ايتها الحمامة هاتِ من هواء القوش حِصتي، ثم يواصل الشاعر" مباقيري گو كيفِد أني گبّارِة وبِشْ كبيرا پكيفِد طفلَح خَضارِه، مپلانِه فِشّگي مِن گارِه لگارِه" بلّغي تحياتي للابطال واخص سلامي الى ذلك الطفل الذي يُوَصّلُ الذخيرةَ من سَطحٍ لسَطح".
     كان يزورُني في جامعة الموصل بإستمرار وعَرّفته على اصدقائي ومنهم الفنان شاهين علي الذي أخذنا الى بيتِه في وادي حجر، وكان سعيد يسوق سيارةً جميلة من نوع رينو الفرنسية، في غمرةِ فرحِنا واهتمامِنا بتلك المنطقة الشعبية التي كانت تعُجّ بالاطفال والناس والحيوانات الداجنة، وفجأةً دهس سعيد بطةً من بَطّ تلك البيوت، فخرج اصحابه يطالبون بالثأر!! هنا تدخل الصديق شاهين وحُلَّ الإشكال بدفعِ ثمنٍ مضاعفٍ لهم، وسعيد مُنذهلٌ من ردّة فِعل هؤلاء البسطاء.
     بعد التخرج في عام 1976 التقينا مُجنّدينِ في الفرقة المدرعة العاشرة بمعسكر الرشيد، وافترقنا بعدها، وفي عقد الثمانينات اصبحنا نتواصل بالمراسلة وانا في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وحتى وصولي الى اميركا فصار اللقاء بيننا دائمياً.
     كان سعيد اجتماعياً الى اقصى الحدود، ونتيجة لذلك اصبح له عشرات الاصدقاء، اخلصَ لهم حتى النهاية ونال احترامهم جميعا وحاليا يتوزع هؤلاء في اقاصي المعمورة، من ارض الوطن، الى اوربا، استراليا، وهنا في الولايات المختلفة. في كاليفورنيا حيث قضى اكثر من نصف عمره، كان في مقدمة الناشطين في الحقلين القومي والوطني، بغض النظر عن تسميةٍ بعينها، يتحرك باتجاه الوحدة، ويمقت صراع التسميات الضار بقضية هذا الشعب المظلوم، وانا معه وغيرنا من المعتدلين كنا نتحاشى ان نسمي قوميتَنا بإسم معين، لئلّا تُثيرُ حَفيظةَ البعض من قُصارى النَظر، هكذا كُنّا نَنظرُ بِأخوةٍ ومحبةٍ الى الجميع، لا نَنفرِدُ ولا ننغلِقُ ولكن للاسف الذي نُقابله يوصِدُ ابوابَه أمامنا او لا يُريد ان يَفهمنا، تلك الامور كانت تؤثرُ على سعيد وحتى وهو في دوّامة مرضِه الخَبيث الذي داهمَهُ قبل ستةِ سنوات، ظلّ هو ذلك المدافعُ الامين عن قومِه ووطنِه.
     اتذكر في عام 2002 تمرض في مشيكان فزرته في مستشفى( وليم بومانت) الذي رقد فيها، كانت معنوياته كالعادة عالية، وابدى تأسفه وخوفه من ان يُداهمه الموت قبل سقوط حاكم بغداد، ولكن القدر امدّه بالعمر الذي رأى وفرح بسقوط أعتى دكتاتورية عرفتها البشرية، ذهب الى بغداد بعد السقوط وشارك في المؤتمر القومي الذي انعقد في بغداد، كما وزار بلدته في نفس تلك الرحلة، وتبقى زيارته الاخيرة ربيع عام 2012 والتي كنت معه الأكثر تأثيراً ووقعاً طيباً في نفسه، في تلك السفرة زرنا دهوك، اربيل، عنكاوا، دوكان والسليمانية، كانت سفرة رائعة في كل المقاييس، استمتعنا في احاديث الناس الذين التقيناهم في الوطن، وأعْجِبنا بكل شيء فيه وكما تركناه منذ عقود من السنين وكان طوالها نُصبَ أعيننا وفي أحلامِنا، كانت تلك بحق بهجَةُ ايامِّنا.
     للاسف اختطفَ الموتُ هذا الصديق من بيننا وسيبقى في بالنا لن ننساه مدى الايام، لقد ترك في رحيله إسما متألقاً، ومكتبة زاخرة بالكتبِ، واشعاراً دخلتْ العديد من نصوصِها في اغاني المطربين، وترك ايضا عائلةً محترمة: من زوجة، بنت، حفيدتين، وولدين احسن في تربيتهم، وانا اشبههم بشبلي أسَدْ او جناحي نِسرْ، لا اطيلُ فيهم الكلام، لانَّ امامَهُم الكثيرُ ليختطوا طريقهم في الحياة نحو ذُرى المستقبلِ السعيد، واثقٌ كل الثقة انهم سيبلغون ما يصبونَ اليه، يُطورّوا ما بدأهُ والدُهم، ويُحققوا ما لم يسعِفَه الزمنُ في تحقيقِه.
 اختتمُ كلمتي ببيتِ شعرٍ لأبي فراس الحمداني هو لسانُ حال الفقيد الغالي:
سَـيَذْكُرُني قومي إذا جَدَّ جِدُّهُمْ .......... وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ

                        پوش بشلامه خوره دزونه
مِن زْونِه وشِنِّه بْنيلَن خوروثَــــه         آنا وأث مْسَقْلَه بْهونَه ورَبوثَـــــــه     
گو كَشّيروثَه وْرخَشْتَه بنيخوثَــه          مْطيلِه لْمَدْ بئيلِه ولا پسانيوثَــــــــه
پْرقْلِه أَثْ طاوَه پْريشَه پْصِبيوثَه          كْليلِه لْتَنيثِحْ وِلْ خَرَيوثَـــــــــــــــه
لَزِلَّهْ مْبالِحْ أُمْثَنايوثَــــــــــــــــــه          وأثْرَدْبيثْ نَهرِن دْماطِه لْحيروثَــه
أثْ مَرَه ثيلِه مْقُرصْفَه ويلِــــــــه          شُعباذَه مِنِّحْ ما قَدَّه غْزيلِــــــــــــه
مْنَهْواثَه دِيِّحْ وِلْ كْيپَه پْخيلِـــــــه         گو كْيوِحْ ومَرِحْ ليثْ خا دْلَ شْميله   
زلِّه بشلاما خورَه دناشوثــــــــه          دوكِح بِتهويَه پَلْگه دمَلكوثَــــــــــه
وإن پَغْرِحْ لوِشلَه أُپرِدْ گالوثَــــه          گيانِحْ بِدْ فيرَه لْدوكَه دْزوروثَـــــه

كلمات ألقيت في سان دييغو بكاليفورنيا، يوم الاربعاء المصادف 9 تشرين اول 2013، على قبر الصديق الراحل والمهندس الشاعر سعيد يوسف سيبو.
nabeeldamman@hotmail.com
U.S.A Nov. 14, 2013

132


نبيل يونس دمان
 كاليفورنيا
24- 11- 2013

133
نصف قرن على استشهاد البطل الآشوري هرمز ملك جكو
نبيل يونس دمان
    بعد أيام قليلة وتحديداً في الأول من كانون الاول 1963 تمرّ خمسون سنة على استشهاد احد ابطال كردستان وهو هرمز ملك جكو، ولد هرمز في قرية كوري كافانا- ناحية زاويته- دهوك عام 1930 لابوين ناجيين من مجازر واهوال الحرب العالمية الاولى( سفر برلك) من آشوريي اقليم حكاري في تركيا حالياً، كان والده من تياري العليا ومتزوج من اخت ملك ياقو ابن ملك اسماعيل، عرف ملك جكو بشجاعته في المعارك التي خاضها في تلك الفترة، كان والده وكذلك ولده يفتلان شاربيهما بشكل ملفت، يضاف الى جسمهم النحيف غطاء الرأس المخروطي المصنوع من الصوف المكبوت( كُسيثا) الذي يعطي هيئتهم شكلا مهيباً يعيدنا آلاف السنين الى الوراء ايام ملوك نينوى العظمى من الاشوريين الذين بسطوا سيطرتهم وسطوتهم في جهات الدنيا الاربع.
     لم يكن هرمز عسكرياً لكنه كان جبلياً وسليل جبال حكاري العاصية والمنيعة حيث اجداده قاوموا تلك الظروق الجغرافية الصعبة لمئات السنين وهم محاطون بالأعداء من كل جانب، لقد ورث هرمز قوة تحمل آبائه وجرأتهم في إجتراح المآثر، كانوا يتفننون بالبطولة ويمجدون الابطال لا ترجف اجسامهم خوفاً ولا ترف اجفانهم هلعاً، بل كانت قلوبهم وكأنها قدّت من صخور تلك الجبال، لقد عاشوا قروناً قرب تلك الطبيعة القاسية وإنساقوا الى سننها وكبحوا جماحها، كانت لهم طرقهم في صيد الحيوانات البرية من نصب الكمائن( نوچي) ومعرفتم مسالكها وأوان تكاثرها، لقد قتلوا مختلف انواع الحيوانات البرية ونسجوا من صوفها ملابسهم واغطية رؤوسهم، ووضعوا ريش الطيور الجميلة وخاصة الكورتا فوق اغطية رؤوسهم( كُسيثا) بالوانها الجميلة فانتصبت علامة افراحهم واعتدادهم بأنفسهم، هرمز ملك جكو من تلك الطينة، صلب المراس لم ينحني ابدا امام الاعداء وامام اهوال الطبيعة، كان دائما يقول ان الرصاص لن يخترق هذه (مؤشرا بأصبعه على طاقية رأسه-  كسيثا) وهذا دليل على استهانته بالموت. هرمز سليل ذلك الماضي المجيد، من لم يسمع بقصة ملك خوشابا عندما صارع الدب وانتصر عليه *.
 

مصدر الصورة كتاب الاخ وصفي حسن رديني عن الشهيد هرمز ملك جكو
    الاشوريون في العراق معروفون بحبهم للعمل في الشركات ولهم قابلية في اجادة التكلم باللغات الاجنبية وخصوصا الانكليزية، كان هرمز في مطلع شبابه يعمل في الشركات الاجنبية خصوصا في كركوك حيث كان يعمل فيها اخيه الاكبر كوركيس، وعمل في مشروع سد دربندخان اواخر الخمسينات، يحدثني والدي يونس ياقو دمان عن معرفته لهرمز في طيب معشره وقوة ارادته، وكيف كان يتفوق على الجميع في لعبة البليارد بتسديده الممتاز للكرات.
     كانت علاقة بيت ملك جكو وطيدة مع بيت البارزاني ففي عام 1907 تعرضت بارزان الى هجوم تركي بقيادة محمد فاضل الداغستاني، فاستبسل البارزانيون في التصدي لهم بقيادة الشيخ عبد السلام الشقيق الاكبر لمصطفى البارزاني، ولكن الشيخ في النهاية اضطر الى ترك المنطقة والتوجه الى تياري في ضيافة المار شمعون في قوجانس واهتم به خصوصا بيت ملك جكو، بقي الشيخ هناك حتى عام 1908، لازال بيت البارزاني( خداني بارزان) يتذكر بامتنان ذلك الموقف الذي وطد العلاقة بينهما. في عام 1958 عند عودة الملا مصطفى البارزاني من الاتحاد السوفيتي قصد هرمز بغداد للسلام عليه، وعندما اندلعت الحركة التحررية الكردية في جبال كردستان ايلول 1961 كان اول شهيد للثورة اشورياً اسمه أثنيئيل شليمون من قرية دوري في برواري بالا استهدفته طائرة حكومية عندما كان يقاوم من على مأذنة العمادية، وكان هرمز جكو من اوائل الملتحقين في جبهة القوش، إسطحبه المرحوم شعيا ديشا الملقب( شعوكي) الى قرية بهندوايا التي تقع غرب القوش فالتحق بفصائل الحزب الديمقراطي الكردستاني، في البداية كان ضمن قوة غازي الحاج ملو ثم بعد فترة اصبح مسؤول قوة المسيحيين وبالترابط الوثيق مع الانصار الشيوعيين بقيادة المرحوم توما توماس.
     سرعان ما برز هرمز في المعارك مقاتلاً شجاعاً ذاع صيته بين الثوار واهالي المنطقة فيما ادخل الخوف والذعر في صفوف القوات الحكومية ومرتزقتها فخصصت مبالغ ضخمة من الاموال لمن يقتله او يأسره، وحظي بحب ورعاية زعيم الثورة الخالد مصطفى البارزاني وكذلك آمر هيز الشيخان حسو ميرخان. خاض هرمز جكو المعارك العديدة والكمائن والسيطرات على الطرق ومجموعته التي كانت تضم رجالا اشداء من كوري كافانا ونيروي وصپنا ودشت نهلة والقوش وغيرها، شملت تلك العمليات مناطق: قرى وبلدات سهل نينوى، فايدة، شوش- وشرمن، منارة وتل عدس، نمركي، دوميز، الموصل، وغيرها بعد خروج هرمز من احدى تلك المعارك ظافراً كتب له البارزاني الخالد رسالة  جاء فيها " لو كان لجيشنا خمسة مقاتلين من امثالك لحررنا كردستان".  
     في تلك الفترة كان يدير ناحية القوش المدعو سيروان الجاف، الذي تزايدت شكاوي المواطنين من رعونته وتصرفاته، لذلك نصب هرمز كمينا بتاريخ 2- 10- 1962 في وادي الكنود( لندي) وعند مرور سيارة مركب الاسنان المرحوم يونس رحيمه والتي ظن هرمز بان سيروان الجاف فيها، حاولت مجموعته ايقافها، ولكنها لم تتوقف فامطروها بوابل من الرصاص ليستشهد المواطن الألقوشي اسحق شبلا مع ولده الطفل فلاح، بعد ايام جاء هرمز الى القوش في الليل لمواساة اهل القتيل والاعتذار لهم،  وكان منزله في مرتفع مار يوسف في محلة سينا، وعندما همّ بالمغادرة، تحدث الى شقيق القتيل نعيم شبلا وذهب بصحبته في سيارة جيب كانت تركن هناك وتوجها عبر طريق القوش- الموصل حتى وصلوا على مقربة من سيطرة المجموعة، يقال ان سيارة اخرى يسوقها بحو پولا اقلّ مجموعة من المقاتلين كقوة اسناد، هجم هرمز بمفرده عليها تحت جنح الظلام وبمفاجأة قل مثيلها اقتحم خيمة السيطرة واجبر مجموعة من الشرطة على الاستسلام، طلب  هرمز من نعيم ان يحصدهم جميعا ثأراً لأخيه ولكنه رفض القيام بذلك العمل، فاطلق هرمز سراح الاسرى بعد ان جردهم من اسلحتهم.
     في معارك منطقة عقرة  برز هرمز فيها وسمعنا في حينها بانه اسقط طائرة بسلاحه الالي، ومرة صعد فوق الدبابة واستطاع اسر طاقمها، ولا أستطيع الان الدخول في تفاصيل تلك العمليات ولكنها انطبعت في ذهني منذ تلك الفترة. معركة قرية بلان( في الاصل قريتين مسيحيتين متجاورتين تلا وبلا) في تشرين ثاني 1963 بمنطقة شمكان كتب توما توماس في الجزء 5 من اوراقه " .. في تلك الاثناء لمحت ستة مقاتلين يشتبكون في قتال عنيف مع الدبابات وهي تتقدم نحوهم، وتبين انه هرمز مع خمسة من المقاتلين فقط وصلوا الى موقع قريب" هكذا وصفه رفيقه في المعركة بذلك الوصف الدقيق، يضاف الى ذلك ان توما توماس وهرمز جكو ورجالهم الابطال انتصروا معا في تلك المعركة التي واجهت فوج الجيش المدعوم من الدبابات التي اُحرق العديد منها.
      اما عن محاولة احتلال مركز القوش ليلة 23- تشرين ثاني 1963 فقد توجهت قوتان مشتركتان: قوة هرمز المندفع لاحتلال المركز ومعاقبة مدير الناحية سيروان الجاف لكثرة شكاوي المواطنين عليه، وقوة توما توماس التي لم تكن ترغب باحتلال المركز لعواقب ذلك في الايام التالية على اهالي البلدة من قبل السلطات الجائرة، من مواجهة الحصار الاقتصادي الى قصف الطائرات. كان المركز قلعة حصينة ليس من السهل احتلاله، ولكن محاولات ضرب المركز بمدافع عقدة 2 لم تصب الضربة الاولى إلا اطراف المركز من ناحية الجبل فيما تعطل عمل المدفع في المحاولات التالية. لقد انذر مدير الناحية بالاستسلام وعلى ذمة الثورة وامهلوه بعض الوقت، ولكن سيروان الجاف لم يرضخ للانذار بل تحصن مع الشرطة في مواقعهم فوق بناية المركز، صار الرمي من كل الجهات على المركز باسلحة خفيفة لم تأثر بشيء على المبنى وكان الباب الرئيسي هو المدخل الوحيد وقد احكم غلقه منذ العصر باكياس رمل من الداخل. لا نطيل التفاصيل لاننا تطرقنا اليها في مجالات اخرى ولكن نقول ان الهجوم فشل في احتلال المركز واستشهد حجي خدر خورمة من قرية( ملي جبرا) واصيب بطرس شمعون ديشا( من القوش) بجروح في جسمه، فيما وجد رئيس عرفاء شرطة مقتولا داخل سيارة مسلحة امام المركز. يذكر رفاق هرمز عند اقتراب الفجر وفي ضواحي البلدة جلس هرمز متاثرا، وشرع يبكي لعدم تحقيق هدفه، واقسم امامهم بانه سيعود في وقت آخر لاتمام المهمة، ولكن المنية سبقته.
      بعد اسبوع وفي ليلة 30- 1/ 12/ 1963 قرر نصب كمين على طريق الموصل- دهوك قرب جسر آلوكا، وكردة فعل وتاثير نفسي كبير نظرا لفشل عملية احتلال مركز القوش، فنزل مع مجموعة من الابطال من مقرهم في قرية سيتكي( سيدايه) خلف جبل القوش ونزلوا الى الشارع وقطعوه فوقعت في الكمين سيارات الجيش فاعطى اشارة الهجوم من مسدسه فاوقع فيها الخسائر واسر العديد من العسكريين، في تلك الفترة الفاصلة من حياة هذا البطل حدثت ملابسات عديدة ومنها انشغال رجاله بالاسرى وكذلك بسيارة حانوت استولوا عليها، وأمر خطير آخر هو سماحهم لاحدى سيارات الاجرة بالمرور، ويقال ان تلك السيارة ابلغت السيطرة في مفرق سميل بما يحدث، فتحركت قوة لواء اليرموك السوري المتمركز عند جسر آلوكا، وصلت تلك القوة التي قوامها عدد من المدرعات بقيادة فهد الشاعر وضمت العديد من الاشوريين المجندين من منطقة الخابور بسوريا الى موقع المعركة في ظرف زمني قصير فاشتبك هرمز ورجاله القليلين في معركة غير متكافئة، وقد اصيب هرمز باحدى رجليه وبدل اسره من قبل القوة سحب مسدسه وانهى حياته بجانب استشهاد افضل رجاله منهم : بنيامين شابو، هرمز شابو( الاخوين من قرية ارادن) ، دنخا ياقو، كوركيس ايشو، حنا عوديشو عقراوي، اسر احد البيشمركة الذي شنق على الشارع العام واسمه حسن من اكراد تركيا. تفرقت المجموعة الباقية واطلق سراح الاسرى، وتوجه احد المقاتلين بسرعة الى مقر توما توماس ليخبره بمصير هرمز فوقع عليه الخبر كالصاعقة، وتحرك فورا مع رجاله الى ساحة المعركة فشاهدوا الجثث ما زالت في مكانها فقاموا بسحبها الى قرية سينا- شيخ خدر. هناك ووري هرمز الثرى، ودفنت مع هرمز قنينة زجاجية محكمة السداد في داخلها ورقة كتبت قصة حياته واستشهاده البطولي، اطلق المقاتلون زخات الرصاص في الهواء حزناً، فيما نقل بقية الشهداء الى دير الربان هرمزد قرب القوش هناك لا تزال مراقدهم تحت الشمس في رابية مرتفعة ومكان محترم، ففي كل الازمان من الازمنة الصعبة كان ابناء البلدة والزوار يقفون بصمت وحزن امام قبورهم التي تضم رفاتهم اضافة الى شهداء اخرين استشهدوا في مواقع اخرى، لفترة طويلة كنت ارى قطعة مرمرية في داخل الكهف (گپيثا) تحت مكان القبور وقد حفر عليه اسم الشهيد حنا عقراوي، علما بان عددا من رجال توما توماس اشتركوا في تلك العملية منهم: عبد شمعون كردي، سعيد موقا قلو، جميل بولص اوسطايا، عزيز ياقو صنا، كامل شمعون بولاذ.

 

شباب القوش يقفون صامتين على ارواح الشهداء في متن دير الربان هرمزد اواسط السبعينات
    لم تنطوي صفحة هرمز ابداً بموته فقد قاد مجموعته مقاتل اخر اسمه ابرم مرقس ياقو لبضعة سنوات، حتى وصول احد اقرباء هرمز واسمه طليا شينو ليقود المجموعة التي اصبحت تسمى (قوة هرمز) . رأيت طليا مرارا وكانوا ينادونه( مامي طليا) وقد اتخذ مقره فترة في مبنى مار قرداغ جنوب القوش بعد الهدنة التي اذاعها رئيس وزراء العراق الاسبق عبد الرحمن البزاز بتاريخ 29 حزيران 1966، كان رجلا: ممتلئ الجسم، متوسط الطول، اسمراللون، ذو شوارب كثة، قد علا الشيب مفرقه، لا يعرف المهادنة، يتسم بالهدوء، شديد البأس، وكان زينة رجاله يوخنا درياوش من قرية دهي بجسمه الرشيق وشجاعته الفائقة، للاسف لقي الاثنين مع مجموعة من الرجال حتفهم في شهر آب- 1969 قرب نهلة في منطقة عقرة.
     بعد 11- اذار 1970 سميت منظمة الحزب الديمقراطي الكردستاني في الشيخان باسم منظمة الشهيد هرمز جكو، واصبح شقيق الشهيد هرمز مسؤولا للقوة واسمه كوركيس ملك جكو الملقب( گيو) حيث واصل المهمة خصوصا بعد اندلاع القتال بشدة بعد 11 اذار 1974 بين الحركة الكردية والحكومة المركزية وحتى اتفاقية الجزائر بين شاه ايران والطاغية صدام حسين، حيث انهارت الحركة فاستقر المقام بكوركيس في شيكاغو التي رحل منها الى رحمة الله.
 

الواقف الثاني من اليسار: الشهيد البطل هرمز ملك جكو
    في حزيران عام 1998 نقلت رفات هرمز المدفون في سينا- شيخ خدر القرية الأيزيدية الوفية له وبمراسم رسمية مهيبة وحضور السيد نيجرفان ادريس بارزاني نقل الى قريته التي ولد فيها كوري كافانا وقد حضر من افراد اسرته ابن اخيه بيتو كوركيس ملك جكو قادما من شيكاغو. وبعد السقوط وتحديدا في عام 2007 اقيم له تمثال فخم في تقاطع كورا مقابل مضيق زاويته. وقد تسنى لي مشاهدته في زيارتي الاخيرة للمنطقة في ربيع عام 2012.
     اليوم يحل ابنه ايشايا ملك هرمز في دهوك، الذي ولد عام 1961 ولم يتسنى لهرمز رؤيته نظرا لانشغاله بالمعارك ولبعده عن المنطقة فترة من الزمن، ولكن والدته البطلة حملته يوما على كتفها الى وادي قريب في غرب القوش اسمه( نيره گپي) حيث التقت بوالده وكانت تلك آخر نظرة عليه قبل استشهاده، ان ايشايا رجل من صلب الرجال يتولى ويواصل المهام التي في عاتقه في خدمة قضية الشعب والوطن بهمة الشجعان والغيارى، فتحية له ولوالدته ارملة هرمز التي شهدت الكثير من الصعاب والاهوال التي لا حصر لها.
     غنى الكثير من المغنين اغاني تمجد الشهيد هرمز منهم حسن علي خنجر، سليمان خرشني ديروكي، وامرأة من القوش هي المرحومة منّه زورا عوصجي، غنت لهرمز بالكردية فكان شباب البلدة يرددون تلك الاغاني بمآثر هرمز ورجالة متحدين السلطة ** ، والبعض منهم كان يطيب له تقليد هرمز في ملبسه الجميل، لقد رأيت بنفسي احد الشباب يقف امام بوابة دير السيدة واسمه يوسف هرمز كادو( تفا) يلبس الشاله وشبوك المصنوع من الصوف الاصلي المغزول، وعلى رأسه وضع الطاقية الاثورية( كسيثا) وبيده العكاز( گوپال) تماما كما هرمز. وقد تسنى لي رؤيته مرتين في الاولى عند زيارته لجارنا بيت شمعون كردي( ديشا) لمواساتهم باستشهاد ابنهم الشاب فؤاد في ظروف قاهرة، اتذكر كنت على وشك النوم عندما اجلستني والدتي لتقول هل تريد رؤية هرمز فنهضت على الفور لارافقها الى بيت جارنا فوقعت عيني عليه لاول مرة، وفي المرة الثانية انتظرناه وهو يعقد لقاء مع المطران الراحل مارأبلحد صنا في مبنى المطرانية( قونغ) مقابل كنيسة مار كوركيس، فخرج وكان الى جانبه المرحوم موسى خمو من قرية بدرية( توفي عام 2007 في تلكيف) وسرنا معهم الى بداية طريق الدير فناشدنا احد رجاله بان نعود الى بيوتنا، فعدنا.....  
 في صيف عام 1962 قصفت طائرات الحكومة قرى خلف الجبل ومنها قرية خوركي( خُرّك)، فهجرها اهلها واستقر قسم منهم في القوش، وقد استقبل بيت جدي المرحوم كوريال اسطيفو اودو عدد من تلك العوائل، فتوطدت علاقتي باولادهم، اتذكر منهم طفل اسمه سعيد خوركي وقد اعتاد ان يغني( لي يادي) *** فحفظتها ثم اصبحت دارجة وشعبية تغنى في المناسبات والاعراس واوقات التحدي.
الى قصيدتي بالسريانية الدارجة( سورث) بعنوان" ساذه ورمز جكو" :
كُدْ ثيلْ خَبرَه مِن تامَـه         گو آلوكه نوحامَــــــه
شَرّي وولَه دِمْ دِمَّــــه         وَرمِز بِرد جكو بْشِمَّه
خَأرْزَه بَرقُل إمـَّــــــــه        تَأثرِحْ شپِخلِ دِمَّـــــــه
دِقو زْمورِه يا يِمَّـــــه        وْزَمارِه مْگبْيِه مْعَمَّـــه
ما كْشَكْلالِه كُسْيثَـــــه        گُپـّالِحْ وْكَرِّكْثـَــــــــــه
رِشْ صَدْرِح رَخْتَواثَه        وشْيروخ بْگو أقلاثه
أرِدْ بيث نَهرين قْريثَه        من شَريثَه دْ تَشعيثَه
بدوبارِه وحَكّيموثَــــه        وكُدْ كْنَپْلَ گو گوروثَه
ورمِز كوفِيّه دْ طـورَه       أيذيئه مْرابـَــه وزورَه
لَكْمَتقِل پصرَه دگـورَه        كيذيلي دِجمِن وخورَه
ساذن وَرمز گــــبّارَه        وولْ فِتلِه پَلگِـــه دارَه
موثَه خْتنورَه شــآرَه         مِخْ أثرَه دْلَتّي مــــارَه
مْشِنّه لْشِنّه مپِلطِــــخْ          تخرونُخ بِدْ مَپِشْطِــخْ
وَرمز هَلَّنْ مَشَرْتُخْخْ          تَكُل زونِه دَبَرتـُـــــــخ
هَلْ بُركاثَه تَبرونُــــخْ         إريَه شوپُخ وتخرونُخ
مْپيرِه دْكوروثُخ پقَطِخْ         وِل كوِخوِه بِد مَمْطِخ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصادر الموضوع:
1- البارزاني والحركة التحررية الكردية- مسعود البارزاني- مطبعة خه بات 1986.
2- هرمز ملك جكو- وصفي حسن رديني- دهوك 2008.
3- اوراق توما توماس رقم 5.
4- القوش حصن نينوى المنيع- نبيل يونس دمان( كتاب غير مطبوع).
5- صور ومقالات مختلفة من الانترنيت.
6- معايشة ولقاءات مع الاصدقاء.
الهوامش:
* بناء على طلبي ارسل الاخ  بولص يوسف ملك خوشابا ما يلي:
بعد ان هرب ملك خوشابا الى تركيا متسللا دون علم الحكومة التركية لجا الى قرية كماني وهي قرية كردية مسلمة تقع في وادي ليزان وكان اهلها ابا عن جد يعملون كفلاحين لعائلة ملك بتو جد ملك خوشابا وكانوا يتكلمون الاثورية باللهجة القصرانية ويعتبرون انفسهم جزء من العائلة وكان يراس هذه العائلة (بير موسو) آنذاك حيث سكن ملك خوشابا في داره وفي احد الايام خرج ملك خوشابا ليصطاد الآيل وكان يسير خلفه احد الخدم من قرية كماني وجد دبا ذكرا ضخما متمددا في وسط الطريق النيسمي وقال ملك خوشابا لنفسه اذا انسحبت وتركت هذا الطريق فان الدب بطبيعته لا يهاجم من لا يؤذيه ولكن المشكلة هي ان هذا الكيماني سوف ينشر خبرا بان ملك خوشابا خاف وانسحب امام الدب واذا اطلقت رصاصة على الدب ولم اصبه في راسه فانه سيهاجمني حتى لو كنت قد اصبته في مكان آخر غير راسه ولذا فضلت المجازفة بحياتي على سمعة الخوف من الدب فاطلقت الرصاصة عليه ولكن الدب معروف بذكائه فبالرغم من اصابته الغير مميتة هاجمني وبدانا تندحرج انا وهو وانا اطعنه بخنجري وهو ينهش بخاصرتي حتى اسفل الجبل حيث سفط هو ميتا وانا شبه ميت حيث جاء اهل القرية واخذوني الى بيت (بير موسو) وبقوا يعالجونني بالطب البلدي حتى وصل بعد ايام احد عشر من رجالي الشجعان من العراق ليعبروا بي الى العراق حيث صدرت ارادة ملكية بالعفو عنه ولقد كان هذا الحدث مصدر اعجاب من قبل الملك فيصل الاول.

** مطلع الاغنية :
دسلينا دسلينا
هرمز ملك جكو
 سركلي وركلينا
دستيوي الرشاشي بشدينا
عسكري حُكمت بقلينا
*** نص الاغنية:
لي يادي لي يــادي  
 لي يادي بارتِنــــا
شاله وشبوك بستِنا
دو جمدان صورِنا
كالكي تيارِنـــــــــا
لي يادي لي يــادي

ومعناها: البيشمركة يتميزون بالشاله وشبوك( سترة وشروال) ، يشاميغ حمراء ، واحذية من صنع الاثوريين.

nabeeldamman@hotmail.com
كاليفورنيا في 24- 11- 2013

134
حفل تأبيني للمرحوم سعيد سيبو
يقيم مجلس سورايا القومي في كاليفورنيا حفلاً تأبينياً بمناسبة اربعينية الفقيد المهندس سعيد يوسف سيبو رئيس المجلس وذلك في تمام الساعة السادسة والنصف من مساء يوم الخميس الموافق 14- نوفمبر- 2013 في قاعة كرستال بول( النادي الكلداني- الامريكي) الواقعة على شارع ماغنوليا.
والدعوة عامة للجميع
Time 6:30 P.M
Thursday Nov. 14 th, 2013-10-30 Chaldean American Association of Southern California
414 S. Magnolia Ave.
El Cajon CA 92021

135
رثاء الى الفقيد حنا حسقيال زلفا
نبيل يونس دمان




     ببالغ الحزن والأسى تلقينا خبر وفاة العم حنا زلفا المعروف على نطاق واسع، وبأنه احد رافضي انقلاب 8 شباط الدموي عام 1963، التحق في جبال كردستان مقارعاً النظام ولعدة سنوات وبمناطق مختلفة من جبل القوش الى منطقة برواري وزاخو، احبه واحترمه الانصار والبيشمركة لاخلاصه وتفانيه في عمله خصوصا في المجال الطبي، الذي كان امتداداً لوالده المرحوم حسقيال زلفا وهو في زمانه بمثابة طبيب شعبي بارع لبلدته والقرى المحيطة بها.
     اتذكره جيداً في مقر الأنصار بدير الربان هرمزد عام 1963 بقامته المديدة والسلاح الخفيف الذي كان يتمنطق به، فالعاملين في الاعلام والطبابة عادةً يشدّون مسدساً بارزاً في جانبهم الأيسر، هكذا رأيته امامي ولم تفارق مخيلتي هيبته وهو في قمة عطائه وشبابه، لقد افتتح شبه غرفة عمليات للمرضى والجرحى من قوات الانصار، فتحت مراقي الاربعين( درواثه دأربي) هناك صومعتين للرهبان( قلياثه) متجاورتين اتخذهما كمستشفى صغير وكان الى جانبه شقيقه عبد الجليل الذي كان هو الاخر ثائراً في تلك الايام المجيدة من حياة المناضلين. كان يمتلك الخبرة الجيدة في اجراء عمليات جراحية ناجحة، أتقنها في عمله ببغداد على ايدي أطباء ماهرين، هكذا تمت معالجة العديد من حالات الاصابة في صفوف الانصار، اذكر منهم المرحوم بطرس سليمان گولا الذي عالج جراحه العديدة جراء اصابته البليغة جراء قصف طائرات الحكومة منطقة( برگاره) في أعلى الدير، وكذلك عالج اصابات الجرحى في كمين تعرضوا له في مدخل وادي الدير وهم كل من : هرمز داود، سعيد سليمان بطّه، وأيشعيا أيشو( ابو نبيل) من سرسنك.
     هناك حادثة وقعت في وادي الدير آنذاك اي قبل حوالي النصف قرن، النصير عابد دنحا من عنكاوا( عنكوايا) وهو كهرائي في مهنته قبل الالتحاق بالثوار، حاول صنع مدفع وهكذا وصل الى مرحلة تجربته، فوضع القنبلة وأطلق فانفجرت قبل خروجها من السبطانة واصابت العديد من الانصار بجروح، ومنهم الرفيق الخالد توما توماس حيث اصيب في احدى رجليه، وتمت معالجتهم بنجاح على يد( دكتور) حنا والذي ذاع صيته وليس مصادفة بأسم الدكتور حنا زلفا، من الملفت في ذلك الحادث ان أبا جوزيف لم يبلغ أسرته بما حصل، ولكنهم عرفوا باصابته عندما ارسل ملابسه للغسل في البيت، فكانت آثار الدماء ظاهرة في سرواله الانصاري( پشمه) فهرع اولاده حالاً الى الدير الأعلى للأطئنان عليه، فوجدوه يتعالج على يد خالهم حنا زلفا.
      في فترة لاحقة عمل قريبا من القائد الكردي المعروف أسعد خليل خوشفي في مقره بوادي( قمرية) شمال قرية( تشيش) في منطقة برواري بالا وكذلك عمل قرب آمر هيز زاخو عيسى سوار البارزاني في گلي زاخو، وصار معروفا بإمكاناته الطبية والمستشفى الجبلي! الذي اقامه هناك وقد عالج فيه عشرات البيشمركة، وكان معه من بلدته كل من المرحوم اوگر ابونا وعابد هرمز كادو، اصبحت له علاقات واسعة مع اهالي تلك المنطقة، ولذلك لم يكن عفويا حضور كادر الحزب الديمقراطي الكردستاني هيرش عيسى سوار البارزاني مراسم التعازي التي اقيمت في القوش، وكذلك الحضور الواسع لمراسم التعازي التي اقيمت له في اماكن متفرقة وبالخصوص ديترويت التي اصبحت مثواه الاخير، يلزم بنا ان نشارك اهله احزانهم وفي المقدمة عائلته واولاده وبناته واحفاده، ثم شقيقه العزيز عبد الجليل في الوطن الحبيب، واولاد اخته الاصدقاء: جوزيف توما توماس، سمير، صلاح، سردار، منى ، ماريا، وكل من أحبَّه وارتبط معه بالصداقة او القرابة، لقد ترك اسماً طيباً في قلوب الناس وسمعة حسنة يشهد لها القريب والبعيد وكل من عرفه او سمع به، فالرحمة والمغفرة له على الدوام والصبر الجميل والعزاء الخالص والسلوان لأهله وذويه.
nabeeldamman@hotmail.com
كاليفورنيا في 23- 10- 2013

136
             پوش بشلامه خوره دزونه

                            نبيل يونس دمان

مِن زْونِه وشِنِّه بْنيلَن خوروثَــــه         آنا وأث مْسَقْلَه بْهونَه ورَبوثَــــــه   

گو كَشّيروثَه وْرخَشْتَه بنيخوثَــه          مْطيلِه لْمَدْ بئيلِه ولا پسانيوثَــــــه

پْرقْلِه أَثْ طاوَه پْريشَه پْصِبيوثَه          كْليلِه لْتَنيثِحْ وِلْ خَرَيوثَـــــــــــــــه

لَزِلَّهْ مْبالِحْ أُمْثَنايوثَـــــــــــــــــــه          وأثْرَدْبيثْ نَهرِن دْماطِه لْحيروثَــه

أثْ مَرَه ثيلِه مْقُرصْفَه ويلِـــــــــه          شُعباذَه مِنِّحْ ما قَدَّه غْزيلِــــــــــــه

مْنَهْواثَه دِيِّحْ وِلْ كْيپَه پْخيلِــــــــه         گو كْيوِحْ ومَرِحْ ليثْ خا دْلَ شْميله   

زلِّه بشلاما خورَه دناشوثـــــــــه          دوكِح بِتهويَه پَلْگه دمَلكوثَــــــــــه

وإن پَغْرِحْ لوِشلَه أُپرِدْ گالوثَـــــه          گيانِحْ بِدْ فيرَه لْدوكَه دْزوروثَـــــه

كلمات ألقيت في سان دييغو بكاليفورنيا، يوم الاربعاء المصادف 9 تشرين اول 2013، على قبر الصديق الراحل والمهندس الشاعر سعيد يوسف سيبو.

   

137
كلمات في رحيل يوسف ناظر
نبيل يونس دمان
     رحل عنا قبل ايام الاديب، الكاتب، والشاعر المعروف يوسف ناظر، عن عمر تجاوز التسعين عاما قضاها مواكبا المطالعة والتطلع نحو حياة ادبية ثرة في مساهماته وكتاباته التي كانت تزين صحافة المهجر لعقود من الزمن، في الاساس كان منذ ايام الوطن اديبا وقد نال هوية نقابة الصحفيين العراقيين منذ الخمسينات، ففي حفل تأبين الجواهري الكبير في مشيكان عام 1997 وبينما هو يلقي قصيدته العصماء، ابرز هويته الموقعة من رئيس النقابة انذاك محمد مهدي الجواهري.
     وصلت اميركا عام 1990 ولم يطل بي المقام كثيرا حتى اصبحت اطلع على ما كان قلمه يسطره في صحافة المهجر، وكنت اسمع انه كان يصدر مجلة الرواد طوال ثمانينات القرن الماضي، وطالما شاهدته امامي وسمعته متحدثا من على منابر الجالية ولن انسى ما كان يرويه بتفاصيل مشوقة عن معرفته وعلاقته بالقومي التلكيفي الكبير المرحوم يوسف مالك، ماثلة امامي كلمته في مهرجان ذكرى الملفان نعوم فائق، وقد قدم شابين الى الجمهور بانهم احفاد يوسف مالك مؤلف كتاب( فواجع الانتداب البريطاني).
     عندما وضعت مسودات كتابي( الرئاسة في بلدة القوش) في عام 2001 بدا لي ان تقديمه يكون مشرفاً لو تفضل بكتابته هذا الاديب، فاخذت المسودات معي الى نادي ساوث فيلد مانر، وهناك ولاول مرة اتكلم معه، فقدمت نفسي بتواضع وقلت: هذه اوراقي لو تفضلت بمطالعتها وتنقيحها وبيان صلاحيتها للطبع في كتاب، فلو سار كل شيء على ما يرام ارجو ان تكتب تقديمه للجمهور. لم يتكلم كثيراً بل اخذها معه الى البيت. وانتظرت قلقا وكأنني اديت امتحانا عسيراً امام استاذ صارم، ثم جاءت مخابرته بعد حوالي اسبوع بان كل شيء جاهز بما في ذلك المقدمة، ففرحت كثيرا والى تلك المقدمة التي سطرها اديبنا الراحل يوسف ناظر:
الكتاب بحد ذاته سجل مد وجزر حافل لمعاناة القرى والبلدات المسيحية في شمال الوطن، في لغة سلسة سليمة وسرد مسلسل متواتر الاحداث في حقبات متواصلة من تاريخ البلدة القوش ومن شانه ان يكون موضع درس وتمحيص لجيل المستقبل .. يمكن تقسيم الكتاب على وجه العموم الى اربعة فصول متلازمة:-
1- فصل الرؤساء اي رؤساء البلدة وهو الأهم:
لقد كان هؤلاء الرؤساء بمثابة حكومة محلية تتصف في الغالب بالعدل والحكمة والحزم والشجاعة ودرء الاخطار عن البلدة في الخارج وتمثيلها على الوجه الاكمل لدى السلطات العليا. وبالاختصار كانوا وجها مشرقا يمثل السكان ويعكس مشاربهم وقيمهم واخلاقيتهم ومثلهم الادبية والاجتماعية.
2- فصل رجال الدين:
لا يقل هذا الفصل اهمية وخطورة عن فصل الرؤساء، فلقد كان الشعور الديني والايمان بالقيم المسيحية الروحية العطرة جزءً لا يتجزأ من صميم وجدان القروي المسيحي عبر الاجيال منذ فجر المسيحية في ربوع بيث نهرين اي منذ عهد المبشرين العظام مار توما ومار ماري ورفاقهم الميامين، هذا رغم الانشقاقات الطائفية التي لا تزال آثارها ماثلة للعيان حتى اليوم مع الأسف الشديد. وكان دور الكاهن على مختلف درجاته الكهنوتية، دورا رئيسا في حياة الشعب المسيحي في المنطقة خاصة فيما يتعلق بالرباط العائلي المقدس كما كان كاهن البلدة مرجعا روحيا واجتماعيا لحسم الكثير من المنازعات العائلية والشخصية التي يستعصى حلها على الرؤساء.
3- الفصل الفولكلوري:
وهو الفصل الخاص بالبطولات والمجازفات الشخصية لافراد او مجموعات البلدة ايجابا وفي بعض الاحيان سلبا كمحاولة البعض اعتناق الاسلام مثلا. وهو فصل  شيق استوقفتني فيه اسماء لامعة في ذهني مثل ميخا زراكا، الياس شلي، اسرائيل يعقو تومكا، يونس تيزي، ممو( الحكيم) وغيرهم من الشجعان الميامين الذين كانوا يدا يمنى لوالدي ججو دادا بطل ادنة الذي انتخبوه قائدا لحملتهم الانتقامية من الاتراك الذين كانوا قد قتلوا ابن عمه الشاب زيا ناظر وابن حميه حنا عربو والذي طبقت شهرته الآفاق في كل من تلكيف والقوش وقد اصبحت دارنا بعد عودته من ادنة في مطلع العشرينات من القرن الماضي محجا لقوافل زملائه الألقوشيين هؤلاء، الحاملة للتبوغ والعرق( المحظور رسميا) لتصريفها من دارنا لاهالي تلكيف بما في ذلك من مخاطر.
4- فصل نكبة الاثوريين:
ان القلم يقطر دما عندما يحاول المرء حتى تذكر تلك الحقبة المأساوية الدامية من كفاح هذا الشعب المشرد من صميم ارض اجداده. وموقف القوش البطولي المشرف في حماية من التجأ اليها ايام النكبة موقف تاريخي يعرفه القاصي والداني وهو مغامرة جريئة كاد يذهب ضحيتها اهالي بلدة القوش بأسرهم لولا العناية الربانية، وإذ انك فتحت بابا في مقدمة الكتاب للمعلقين فيحضرني الحادث التالي اسرده للتاريخ والعبرة.
روى ابن عمتي رزوق شمامي المتوفي هنا في العام الماضي والذي كان مأمورا للبريد في دهوك ابان النكبة" تلقى موظفوا الدولة امرا من القائمقام باغلاق دوائرهم والخروج الى مشارف دهوك لمشاهدة مسرحية هامة، وكان الرعب يسود حميع المسيحيين في شمال الوطن، وعند خروجنا شاهدنا، ويا لهول ما شاهدنا، زرافات من الاثوريين ومسيحيي المنطقة بينهم رجال الدين مرصوفين في صفوف متناسقة بمواجهة جنود مسلحين بالبنادق والرشاشات. وما ان التأم جميع( المتفرجين) حتى صدر الامر للجنود باطلاق النار عليهم وسط تصفيق وزغاريد الشامتين فامتلات الساحة في لحظات بالأشلاء البشرية البريئة تشكو الى ربها وحشية الانسان تجاه اخيه الانسان" ( يوسف ناظر8/8/ 2001).

     بحوزتي تسجيل صوتي لقصيدة شعر انشدها يوسف ناظر في سان دييغو عام 1987، وكان في ضيافة المحامي الراحل نجيب سيسي، يقول في مقدمة التسجيل: قبل عام ونصف تقرر اقامة امسية كلدانية( عاصرته كلذيثه) فطلب مني المعلم القس( مطران فيما بعد) مار سرهد يوسف جمو ان اكتب شعرا للامسية بالسريانية، فاجبته باني اجيد كتابة الشعر بالعربية، فرد مار سرهد قائلا: الذي يكتب الشعر بامكانه كتابتة حتى بالصينية، وبما اني لا اعرف اللغة الصينية بل اجيد لغة ابائي واجدادي، فكانت لي هذه القصيدة بعنوان: ذلك الكلداني الاول الذي وصل اميركا( أو كلذايه قمايه) وهي قصيدة جميلة وطويلة اقتطف منها بعض الابيات:
كِمْ سَهذيلَن شُلطانِـه         مْمَدِنحا وِل مَعِـــروه
وعَسكراثَنْ بْدولاثـه         بْيرَقَي قْرمْتَه خْأيــوَه
&&&&&&&&&&
إتّي إسَّر صوباثــــه         مِليِه مْكُلا صَناثــــه
مشولَهْ لكْ تورَه أيْنِ         كْسهذيلِ ناشِه دْماثه
&&&&&&&&&&
مَكِرْ يانَه أصلايَـــــه        زوئَه تْكوذنِه وخمارَه
كجيقِنِّه طورَه جْياقـه        وآنَه ركيوَهْ لخَبـــارَه
&&&&&&&&&&
كُد كْطأنِن ﭙَطيحــــــا        كمْفَرجي يِمَّه وبْراتَه
خَمشاسَر وزنِه تْقيلِه        كمَسْقنّه بّي دَرواثَـــه
&&&&&&&&&&

في خاتمة المطاف رحل عن دنيانا الى دار البقاء، وعليه ينطبق قول الشاعر:
حكم المنية في البرية جارِ       ما هذه الدنيا بدار قرارِ
اوجّه التعازي والمواساة الى عائلة الاستاذ يوسف ناظر( ابو سعد) والى كل اصدقائه ومحبيه في ارض الوطن والشتات، بالغ الصبر والسلوان لهم جميعاً.
كاليفورنيا في 21- 9- 2013

138
الهجرة والتغيير الديمغرافي
نبيل يونس دمان
     موضوعتان متداخلتان، للهجرة علاقة كبيرة بالتغيير الديمغرافي فلا سامح الله اذا استمر نزيف الهجرة كما في السنوات العشرة الاخيرة فسيفرض العامل الثاني نفسه. اذا فرغت القرى والبلدات من سكانها فيشغل مكانهم عاجلا ام آجلا الاقوام الاخرى التي هي الاكثرية المطلقة من عرب واكراد. لذلك سنقتصر على كلمات قليلة بحق التغيير الديمغرافي وفي هذه الحالة يتطلب الإلمام بالقوانين والنظم السائدة كي لا تفرض علينا أمور نحن نجهل مسوغاتها القانونية.
     اهم نقطة في وقف التغيير الديمغرافي هي تحريم بيع الاملاك للاخرين كالبيوت والاراضي الزراعية وغيرها، وهذا يتطلب ايضاً مقاومة ورفض بناء المساجد في قرانا وبلداتنا مهما تعددت الحجج والذرائع.
     الهجرة اخطر بكثير من التغيير الديمغرافي التي هي وليدة عوامل منها: عدم الاستقرار وفقدان الامان، وعدم وجود فرص العمل، والتمييز الديني والعنصري الموروث وخاصة في السنوات الاخيرة، لقد تفاقم التمييز بسبب الدين وكاننا طابور خامس او جسور لمطامح الغرب في اوطاننا متناسين اننا الاساس في بناء حضارة بلادنا منذ اقدم العصور. ان التداخل بين عاملي السياسة والدين اوجد كل هذه الارضية لاضطهادنا، بل السبب الاساس هو الاستحواذ على ما تبقى من املاكنا من اراضي وبيوت ومصادر الثروة باية طريقة.
     هناك دراسات وتقارير تشير الى وجود حملة لافراغ الشرق الاوسط من مسيحييه هناك من يقدر نسبة المسيحيين 20% قبل قرن والان النسبة 10% وفي العراق كان المسيحيون قبل السقوط 1.5 مليون اما اليوم ففي حدود 200.000 فقط، اتسائل : اية مسيحية تبقى في العالم اذا فرغ الشرق الاوسط منهم وهم الاساس الذي انطلقت المسيحية منه وكذلك بقية الديانات، اذا فرغ العراق من المسيحيين وغيره من بلدان الشرق الاويط فسينتهي الدين المسيحي الحقيقي في العالم ويصبح فقط دين مصالح واموال فقط.
في هذه الظروف يتطلب ما يلي:
1- وقف الهجرة بشكل عام وخاصة من القرى والبلدات الآمنة منها.
2- وقف بيع البيوت والعقارات والاملاك الاخرى الى الغرباء.
3- مناشدة الحكومة والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني لتساعدنا في ازالة اسباب الهجرة ووقف كل عمليات التغيير الديمغرافي.
4- ان نعاضد ونساند بعضنا البعض والتوقف عن تهميش والغاء ادوار الاخرين.
5- التمسك بعاداتنا وتقاليدنا الموروثة وتشجيع التعلم بلغتنا في المدارس واقامة الدورات الخاصة بذلك.
6- ينبغي حسن قراءة الواقع وان هناك هبوب لرياح عنصرية في كل المنطقة، فمقاومتها يتطلب الحكمة وادارة الصراع وافضل طريقة هي لجم التطرف والمتطرفين واقامة افضل العلاقة مع الجيران من المسلمين والايزيديين وتبادل الزيارات في المناسبات الدينية بخاصة.
7- تحميل رجال ديننا المسيحي مسؤولية البقاء مع ابناء شعبهم، وحث الناس في خطبهم على البقاء في ارض الاباء والاجداد، وتحريكهم للقاء مع رجال الدين المسلمين او الايزيديين حيث كانوا عبر التاريخ يحظون باحترام خاص.
نِخريوثَه
غْدو شِتلَه بْأثرَه زْريئَه        قوتّحْ مْأﭙرَهْ خميئـَـــهْ
مِن مايِحْ شِتيَه وسويئَه       لبَرايِه داثِه شليئـَـــــهْ
كْيامِنوا بگو حَقّوثـَـــــه       قْطِلطيلَه نِخرَيوثــَــــهْ
دْيخْ كاوْ أثْ جْغيشوثَـهْ        رحِقلَن مْأرَه دزوروثَهْ
كُل أن شِنّه ويُماثــــــهْ       عَلمه زريئَه ﭙنياثـَـــــهْ
مْبُربزَه بأثرواثـَـــــــــهْ       خْأربَه دْلَه شِفَنواثـَـــهْ
بأثرَه شْوقلَن يِمّاثـَــــــهْ       وخوارْ دقنِه دبَبَواثـَـهْ
شِدْ يامِخْ بكُل موماثـَــهْ       ليذَن بْأمري مَثواثـَــهْ
شِديلِه قِشيَه زونــَــــــهْ       كْمَعِقلي لِبَّه وهونـَـــهْ
شاتيله كْورَه وكْشـورَهْ       وخاثَه تْخزيَه أخونَــهْ
آذار 1995

الهجرة: (موضوع كتب عام 1996)

     ليس هناك أمَرْ من الهجرة في حياة الشعوب، فعند تصفحنا كتب التاريخ نقرا زحف المجاميع البشرية المتجانسة لغويا او قوميا او دينيا الى اتجاهات عديدة، والى مواقع جديدة، او تتشرذم تلك المجاميع في شتات الارض وتحاول التجمع ثانية، وربما لا يمنحها الزمن تلك الفرصة، واذا منحها فتكون قد فقدت الكثير من الاعزاء والاموال التي كدستها بالكدح المضني ولأجيال متعاقبة.
     للهجرة الجماعية اسباب منها المجاعة، الاضطهاد، الحروب، والنزاعات بين اقوام اكبر واشد، فتكون ضحيتها في الغالب التشكيلات الضعيفة او القوميات الصغيرة. سنذكر في مقالنا هذا بعض اللمحات السريعة لتلك الهجرات في ظروف زمنية مختلفة وصولا الى تحليل واستنتاج هجرتنا الحالية عن ارض الاباء والاجداد بين النهرين.
     في عمق التاريخ نطالع هجرة شعب اسرائيل الى مصر، ونطالع ايضا سلسلة الهجرات المتعاقبة من شبه الجزيرة العربية شمالا الى منطقة الهلال الخصيب، عندما ضاقت بهم الحالة الاقتصادية، وعندما سقطت مملكتي بابل وآشور وغمرت ارض العراق موجات من شعوب وأجناس شتى منها الفرس، المغول، والتتار، وبذلك وقعت هجرات عديدة ومآسي لا تحصى.
     ان الهجرات وزحف الكتل البشرية تكون نتيجة للحروب والنزاعات التي يشكل العامل الاقتصادي سببها الاساسي، فظهور النزاع وجعل مجموعة تترك المكان وتغادر هو التزاحم والمنافسة على الارض ومصادر المياه. كانت تلك القاعدة، وحيث ان موارد الارض قد لا تكفي للجميع، الى جانب نزعة القوى المسيطرة للاستحواذ على اكبر كمية بفعل انانية الانسان وطموحاته للتملك والتوسع منذ اقدم العصور، فكانت القوى الضعيفة تندحر وتترك مواقعها وارضها للاقوى وتذهب الى ارض غريبة.
     عندما ساد الحكم التركي في منطقتنا في القرن السادس عشر الميلادي وتوسع وازدهر لاكثر من خمسمائة عام، شهدت المنطقة عموما النزاعات والحروب وضنك العيش فكلما كانت الولايات التركية تشهد مقاومة السكان وتضعف سلطتها، كانت السلطة المركزية في استنبول تجهز جيوش جرارة لتعيد النصاب، فتلحق ضررا بالغا في الشعوب الصغيرة والمجامع التي تقع في طريقها.
وعلى اساس القاعدة المتبعة( فرق تسد) كانت دولة تركيا تضع الدسائس وتحيك المؤامرات لادخال الاقوام في نزاعات عنصرية او دينية وتكون النتيجة عودة المركز لسحق من يسود من تلك الاقوام وهكذا، ووفق هذا المنطق بلغت الاضطهادات القومية مبلغا وبالتالي وقعت الهجرات العديدة وخصوصا في سني الحرب العالمية الاولى( سفر برلك) . وقع ذلك عندما اشرفت دولة الرجل المريض على نهايتها امام القوى الاوربية، ذلك الحصان الجامح الذي نهض من سبات العصور الوسطى المظلمة واحتل موقع الصدارة في العالم وحتى يومنا هذا.
     في السفر برلك كانت مجزرة الارمن الشنيعة وتشتت من نجا منهم في اتجاهات الدنيا الاربع ومنهم من وصل الى العراق وحتى البصرة. وكانت هجرة الاشوريين من منطقة حكاري في ممالك تياري، بازي، جلوا، تخوما وغيرها بسبب الاعيب الدول الكبرى وتعقيدات الاوضاع والظروف آنذاك، وقد تركوا قراهم، مزارعهم، وممتلكاتهم امام زحف الجيوش التركية، فكانت الماساة الكبرى للشعب الاشوري، حيث سقط في الطريق نصف عددهم وهم يشقون طريقهم عبر ايران الى العراق، حيث اعيد استيطانهم في ارض اجدادهم.
     اما الاكراد فرغم ما شملهم من تشريد وترك القرى او المدن واحراق المزارع في ازمنة مختلفة وحتى هذا اليوم، فلا يزال الاضطهاد ضدهم مستمرا بسبب نزعة الهيمنة والسيطرة للقوميات الكبرى التي لا تستجيب لنداء العقل والعصر، فتمنح الاكراد وغيرهم حقوقهم التاريخية، ان الفرق بين هجرات الاكراد وغيرهم من الاقوام الصغيرة تكمن في انهم يعودون الى اراضيهم بعد زوال الضغط العسكري لكون تعدادهم بالملايين، اما الاخرين فتذهب اراضيهم وقراهم لضعف عددهم. ان الصراع القوي لم يبلغ المستوى الحضاري ليكون سلميا، بل يتخذ في منطقتنا طريقه على الغالب وفق شريعة الغاب والسيادة للاقوى.
الهجرة الحالية:
في العهد الملكي في العراق نزح الكثير من الناس من قراهم وبلداتهم في الشمال باتجاه المدن الكبرى بسبب العامل الاقتصادي على الاكثر. في القرى كان الاعتماد على الطبيعة وما تجود به من غلال ومراعي، فعتدما تجدب الارض يأسر الناس القلق الجدي في انتظار الشتاء القادم حيث البرد وشبح الجوع، هنا يضطر المهاجر الى المدن الكبرى الى بيع قوة عمله لكسب قوت اطفاله. وبالتدريج يبدأ الاستقرار والدخول في معترك حياة المدينة، وقسم من هؤلاء وبفعل عوامل اخرى منها الشعور بالتمييز على اساس الدين او القومية، فقد نزح الى مدن اخرى كبيروت وحلب والى الامريكتين ايضا، ولكن هؤلاء كانوا من القلة بحيث يمكن تعدادهم بالعشرات فقط. في ذلك الوقت وضع المهاجرون الاوائل الاساس لهم في اميركا بخاصة.
     بعد ثورة 14 تموز1958 ودخول العراق في دوامة الصراعات السياسية والانقلابات العسكرية ثم الحروب الداخلية والخارجية، مما فاقم موضوع الهجرة، واخذ خطها البياني في تصاعد سريع، وبلغ اثناء الحرب العراقية- الايرانية مديات واسعة حيث اجتاز الحدود البرية عشرات الالاف من المهاجرين اضافة الى طرق اخرى رغم منع السفر والعراقيل العديدة التي وضعت في طريق المهاجر. كل ذلك جرى عندما بدأ امام انظار الناس بان مستقبلها غير آمن ومضمون، فوجهت انظارها نحو المهجر، ومن بلاد المهجر كانت تاتي وعلى الدوام والى الان شتى الاوصاف والمبالغات بان الحياة فيها هي الجنة بعينها!! .
     في هذا المسلسل الدرامي جاءت الحلقة الاسوء والاشد مرارة في حرب الخليج الثانية وما اعقبها من حصار اقتصادي شديد وطويل الامد شمل العراق من اقصاه الى اقصاه، بدأت الناس تعيش كارثة اكبر في مواجهة الحاجة والفاقة والمرض. فاخذت تجازف بكل شيء وتترك كل شيء، اموالها، ممتلكاتها، بيوتها، اراضيها، او تبيعها بثمن بخس لتنجوا بنفسها من قساوة تلك الاجواء الغير الطبيعية.
     مهما تواصلت في الكتابة واوغلت في تحليل تلك المآسي، فلن تسعها صفحات الاوراق بل اكتفي بهذا القدر وأربط موضوع هجرتنا الحالية بنموذج مصغر لهجرة اخرى قد تصلح للمقارنة واتخاذ العبرة منها كي اصل الى خاتمة اود فيها طرح الاستنتاج المناسب لموضوع الهجرة.
هجرة عام 1912:
     يروي المرحوم شكري گوِكّي في مقابلة اجريت له عام 1960 عن تلك الهجرة فيقول:
" في تلك السنة حدثت مجاعة في القوش وتلكيف وغيرها من القرى والبلدات، ونظرا لاعتماد الناس على الزراعة في الدرجة الاساسية وان الجراد وغيره من الافات الزراعية قد إلتهم كل شيء، فقد لاح شبح الموت امام الانظار فاتفق العشرات على الرحيل شمالاً وفي دفعات وبشكل قوافل( كروان) . سارت قافلتنا باتجاه ولاية أدنة التركية الواقعة على نهر سيمن. طالت تلك الرحلة أشهر عديدة، فكلما قطعت القافلة مسافة معينة وتحت ضغط الجوع، كنا ندخل قرية او بلدة نستجدي الطعام لاشباع البطون ومواصلة السير عبر الوهاد والجبال، هكذا مرت القافلة في زاوا- فيشخابور- كزيرا- نصيبين- تل ارمن- اورفة( اورهاي) – بير كوك- عنتابة- ( فيها شاهدنا لاول مرة محراث ارض تجره الجمال) – في جبل كوزاكه التقينا ببعثة المانية كانت تحفر نفق لمرور الشمندفير( القطار) وهناك ذقنا لاول مرة الخبز الابيض، ثم مررنا بمدينة اوسمانية- الحميدية- أدنة، كان وصولنا أدنة مع مغيب الشمس، فقصدنا الكنيسة الكلدانية الصغيرة وفي باحتها جلسنا نلتقط الانفاس من اتعاب السفرة الطويلة. هنا خرج كاهن الكنيسة المدعو اسطيفان مكسابو( من القوش) وهو يجهش بالبكاء، وعلى وجهه مسحة من الالم والحزن ليقول: " لماذا جئتم يا اولادي؟ وماذا جرى ان تتركوا بلدتكم وتاتوا الى هنا؟ " انبرى بعضنا للاجابة وبمرارة: " لماذا تضايقت من مجيئنا يا ابونا؟ فقط اقبلنا لليلة واحدة في باحة الكنيسة، ومع الصباح سنخرج باحثين عن العمل.." ابتسم الاب مكسابو قليلا وهو يهز راسه قائلا: " يا اعزائي جئتم على العين والراس وهذا بيتكم وسنتقاسم الخبز معاً، ولكن يبدو انكم لم تسمعوا بالامر السلطاني( فرمان) بضرب كل المسيحيين في هذه الولاية بالسيف صباح الغد!! " .
     جلسنا نبكي بكاء الاطفال نادبين حظنا السيء، في هروبنا من الجوع ومجيئنا لعرض رقابنا للسيف. قضينا ليلتنا في الصلاة والعويل وفي الصباح شوهدت عربة تجرها الخيل تقف امام القشلة( مقر الوالي) ، ليترجل منها ثلاثة اوربيين وبعد قليل ابلغ الجميع بان امر الضرب بالسيف قد رفع من قبل السلطان في استنبول.
     في ذلك اليوم ساد الفرح العظيم تلك المدينة وخرج الكلدان والارمن الى الشوارع بالاغاني والرقص والدبكات حتى انتهاء النهار وبذا انقشعت تلك الغيمة السوداء.
     وبعد ذلك التقينا بعدة عوائل ألقوشية اقدمها كانت قد وصلت الى ادنة عام 1875 وبفعل جهاديتها وعملها وشجاعتها فقد اصبحت في مصاف الاغنياء، وعلية القوم، واكبرهم جبو گوِكّي كان يسمى اغا وله اراضي واملاك تعجز عن الوصف مع اخويه اسرائيل وغريبو.
     اهتمت العوائل القديمة بالمهاجرين الجدد من بلدتهم ثم توزعوا للعمل في الحقول والمزارع كأجراء. ومضت الايام والاشهر بسلام ولم يكن يظهر اي مصدر للقلق حتى قيام السفر برلك( 1914) في تلك الايام السوداء صدر الامر السلطاني بقطع الرؤوس، فسلط السيف على الرقاب وشردت الناس في شتى الاصقاع، فقسم منهم اقتيدوا الى العسكرة الاجبارية ولم يعودوا ثانية الى بيوتهم والقسم الاخر ذبح في المدينة والباقي هرب الى حلب وبيروت والعراق، اما بيت جبو أغا واخوانه الواسع النفوذ، فقد هربوا الى أزمير وهناك قتلوا جميعاً باستثناء اثنين من اولاد اخيه الذين صفا بهم الدهر في بيروت ولا زالت سلسلتهم متواصلة هناك. اما القلة المتبقية فقد عادت الى القوش ومنهم الراوي الذي عين اول فراش في مدرسة مار ميخا عام 1924 " .
     وذكر العم شكري گوكي اسماء حوالي سبعين من المهاجرين الى ادنة من القوش ومنهم القس اسطيفان مكسابو- جبو اغا واخوانه- بتي عكيل- جونا كريش- ممو حكيم- ميخا سيدو( صاحب دمان في ادنة) – متيكا سرسروكه- ياقو بلو- الياس بتوزا( جلب معه عند عودته محراث متطور في حينه واستخدمه في دشت القوش) – غريبو حيدو- اسرائيل تومكا .. وغيرهم.
     وفي ختام المقابلة قال الراوي بان ادنة قد احتضنت ايضا العشرات من مهاجري البلدة تلكيف وكان لهم فيها كاهن اسمه الاب متي كلشو. ويضيف القول بان والد القس ابلحد النجار المدعو شمعون واخوانه كانوا قد عاشوا فترة في ادنة وفي عام 1912 رحلوا الى اميركا وعادوا الى تلكيف عام 1919 وثانية اغتربوا الى الولايات المتحدة بشكل نهائي.
الخاتمة:
     نستنتج ان الهجرة سببها الجوع والحروب وعدم الاستقرار وهي صعبة ومؤلمة في حياة من يعيشها، وعند دراستنا للهجرة الحالية من العراق والتي سببتها الكوارث والحروب في المنطقة، يتوجب علينا عدم تشجيع الهجرة إذ لا يعقل ان نحذف اسمنا من ارضنا وقرانا ومدننا وتاريخنا.
      ولذلك نرى لزاما دعم الباقين في الوطن ومد يد العون لهم ليتمكنوا من مواصلة حياتهم القاسية، ريثما تفرج وتنتهي هذه الغمامة الحالكة، ولابد انها منتهية.
     يظل الصامدون ذخراً وأساسا للعائين، وتلوح امامي صورة الوطن المقبل وهو يخلع سلاسله ويودع سود ايامه فيبتهج مع الحياة ويتجه نحو الاستقرار والرفاه وامامي نموذج لبنان، فبعد عشرات السنين من الدمار ها انه ينهض من جديد ويعود للرفاه، وبدأت الهجرة المعاكسة والعوائل المشردة تعود الى موطنها الاصلي وقبلة انظارها.
     يحدوني الامل باننا ايضا سنعود الى ارض ابائنا واجدادنا، محتضنين ترابه لنجبل منه حياة جديدة تمضي قدما لتزدهر وتعطي ثمارها للوطن والبشرية.
     ان مسيرة العائدين وهم في تأهيلهم وتعلمهم في بلدان الشتات المختلفة ومنها اميركا سيسرعون في نهظة الوطن، وسيكونون عاملا مهما في رقي الوطن كما فعل اليابانيون بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية والى ذلك اليوم ننظر بترقب ولهفة.
nabeeldamman@hotmail.com
August, 31, 2013
USA 

139
مع كتاب" أساطيرنا وحكاياتنا الشعبية"
نبيل يونس دمان

     امامي كتاب تراثي يحكي القصص والروايات التي كان يتلوها على مسامعنا كبار السن في جلسات مسائية تستمر حتى منتصف الليل، يستجذب هذا النمط من الحكايات خصوصا الاطفال، ولقد قرأنا في الابتدائية عن حكايات جدتي وغيرها، وسمعنا قصص الجان والغول وما فعله او قاله الدب او الثعلب وكلها كانت تقع على مسامعنا وتحيط عالمنا الصغير بالرعب والمفاجآت واحيانا يجمد الدم في عروقنا ويقف شعر جسمنا من هول بعضها وغالباً ما كانت نهاياتها مفرحة وسعيدة. يبدأ الراوي بالقول في لغتنا السريانية الدارجة" مُرو شوحا لْشِمِّه دآلَها" اي باركوا اسم الرب، وبعد الجواب" شوحَه إلِّحْ وليِمِّحْ" مبارك هو وأمه، يشرع بلازمة" أثْوا ولَثوا" اي يوجد ولا يوجد! يعقب ذلك صمت عميق فيأخذنا الوقت ساعات من الدهشة والترقب وفي النهاية تكون الحكاية قد ترسخت في اذهاننا.
     كانت اجهزة البث الحديثة من إذاعة وتلفزيون غير متوفرة في ذلك الوقت، فتعوض بهذا النمط من الحكايات والقصص، او يكون الاستماع الى الغناء ايضاً لقضاء الاوقات التي تتسع وتمتد اكثر في الشتاء بخاصة، حيث التحلق حول مواقد الفحم في موسم البرد القارص والليالي الطويلة التي تجذب الكثيرين الى تلك الجلسات الجميلة، اما في الصيف فينشغل الجميع باعمال الزراعة والرعي من حصاد وبيدر ومرعى، وتخزين المؤونة والمحروقات النباتية او الحيوانية للشتاء القادم.
     استمتعنا ونحن نقرأ تلك الاساطير والحكايات الشعبية المختارة بجهد كبير وأناة في اصطياد الرواة من مختلف الاعمار والاجناس ومن مختلف قرى ومناطق شعبنا في سهلي نينوى وحدياب بخاصة. حتى تعم الفائدة من مداخلتنا هذه ومن منطلق معرفتي بالكاتب وصداقتي معه الممتدة لسنين طويلة واعتمادي في الكثير من مشاريعي الكتابية على كتبه التي نشرها خصوصاً كتاب( مدراء الناحية ) وكتاب( المرشد الامين) وغيرها، لذلك سادرج ملاحظات على الكتاب ارجو ان تستقطب اهتمامه والقراء الاعزاء:
 1- ص 16 وردت جملة( بلهجة اهل تلكيف السوارثة) انا باستمرار لا اتفق مع الرأي الذي يصرف الكلمات بهذا الشكل: السوارثة، التلاكفة، الألاقشة، البوازنة، وان كان الاديب المعروف كوركيس عواد قد استخدم كلمة( الألاقشة) في الماضي، فان قلنا تلاكفة وألاققشة وعلى نفس المنوال نقول أرابلة (من اربيل) وسلامنة( من سليمانية) فهل يستقيم المعنى لغوياً وجماليا؟
2- ص 35 حكاية أحيقار سمعتها مراراً من والدتي، كانت رحمة الله عليها تسمعني حكاية اخرى كالآتي: عرف بهلول بمس في عقله فعندما يتكلم لا يكترث به احد، في احد الايام نزل الى السوق وامام دكاكين القصابين رآى الشياه معلقة ومتدلية، فضحك بإسترسال مما اثار تساؤل الناس عن سر ضحكة بهلول فقال لهم " كل شاة تعلق برجلها" فذهب قوله حكمة بان كل واحد مسؤول عن اخطائه واعماله.
3- ص 45 حكاية الفتى( كسنا) وردت جملة( تحول الفرسان الى احجار صامتة) لقد سمعنا مرادفات لها منها الحكاية المتداولة في القوش عن إمرأة ورجل سرقا طاسة الكنيسة فحولهما الرب الى احجار في رأس جبل القوش، وبفعل عوامل الطبيعة سقط الرجل وبقيت الامراة منتصبة حتى اسقطتها ايضا ايد جاهلة في العقدين الاخيرين. وهناك ايضا قرب دير مار دانيال( مَرْ دَنِيّي) القريب من ناحية فايدة، راع يحمل عصاه وقطيع الاغنام وقد تحولوا الى احجار خرساء، تقول الاسطورة المتداولة ان ذلك الرجل سرق اغنام الدير وعند وصوله سفح الجبل انزل الرب به العقاب الصارم.
4- ص 52 حكاية ( جعب) جميلة وقد سمعتها صيف عام 1962 من احد مهاجري قرية شيزي الى القوش واسمه داود كوكا، وكانت كلمة( كُزمته) التي كانت ترتديها الحمامات الثلاث تثيرني، لقد سرق الرجل( كزمته) الاخت الصغرى وظلت تبكي وتصرخ( اين كزمتي) وانا صغير استمع مع شقيقاتي، فبكينا لحالها. واسمعنا ايضا قصة( بلبل هزار) فيما كانت اخته المرحومة سُرما تغني اغنية( ليلو ليلو) التي لا زلت احفظها واليكم مقاطع منها:
أيسِقثا مْأيذَح مْپِلا، كُدْ خازيلا وياوِلا، خِزيالي ولا ويلالي، بشِتّه دْجيبي مْحُلقالي .... اي المحبس سقط من يدها، الذي يجده يسلمه، وجدته ولن اسلمه، في جيبي العميق اودعته ... وهكذا، ثم كانت تغني اغاني مطلعها بالكردية منها:
كِتّولي كتولي كتولي باقاقا..... ليلي كِنّي ليلي..... سارَ حَمي جْواني. من الصعوبة ترجمة هذا البيت.
5- ص 68 حكاية خندي توازيها بالعربية حكاية( بائعة اللبن) التي اختُتمت بقولها: اشتري بها خلخال وارقص هكذا! فسقطت اواني اللبن من رأسها كلها.
6- ص 72 حكاية نسيمو كنت اسمعها وانا صغير فأبكي بمرارة على حال نسيمو الطفلة الصغيرة التي خطفها الاعراب من قرية( سريشكا) الايزيدية واتذكر معها الاغنية:
نسيمو او نسيمو، مأرقتا لعارابايي، منخثتا لاثري ختايي... اي نسيمو التي خطفها الاعراب  الى ديارهم في الجنوب.
7- ص 80 الحكاية جميلة، كانت الام تجلس وترويها لاطفالها وقد سمعتها وانا صغير مرارا وفي كل مرة تعجبني اكثر واطلب تكرارها خصوصا الاغنية التي غناها العصفور راقصاً وكانت امي تنشدها هكذا:
طنبل طنبل طنبُلتا، كتوي ولّي بتخرتا، تخرتا گو بَرانَه، بَرانه بخثنا وكالو، خثنا وكالو طنبلتا، طنبل طنبل طنبلتا. اي طَبِّلْ طبل يا زمّار، الشوكة بادلتها بقرصة خبز، والخبز بالكبش، والكبش بالعريس والعروس، طبل للعريس والعروس، طبل طبل يا زمار.
8- ص87 حكاية جميلة عن حنين الغجرية الى اصلها، وتوازيها عشيرة ينسب اصلها الى الغجر، ففي حفلة احد ابنائها رأيتهم يرقصون طرباً بالغرابيل.
9- ص 88 كم تأسرني قصة السنونو التي تاتي بلادنا في فصل الصيف فتتناسل وتلد ومع حلول الخريف يكبر صغارها فتطير بهم هربا من البرد القادم، ويقول ابائنا واجدادنا انها تاتي من بلاد الهند والسند وهي سوداء ضعيفة البنية ولكن سريعة، لا يأكل لحمها ولا يتعرض لها الصبية حملة مصائد الصيد( ݘَطالِه) انها تملأ البيت الذي تقيم فيه( الغرف المفتوحة، عالية السقف) حركة متواصلة تجذب نظر الجميع لاعادة ترميم عشها وتجميع الاعشاب( زِلِكّي) وحتى تضع بيضها في عش آمنٍ، آسرٍ، جميل.
10- ص 93 حكاية جميلة سمعت مثلها من الراوي المرحوم منصور دلا حنونا في عام 1965 في بغداد هكذا:
في قرية نائية حبس رجل طفلاً منذ ولادته، علمه اللغة واعطاه الطعام دون ان يختلط باحد حتى غدا صبيا فاخذه الى المدينة، تجولوا في سوقها العامر واقتنوا بعض اللوازم، وفي طريق عودتهم الى قريتهم مروا امام كنيسة الرب فادخله ليسمعوا القداس الالهي، بعد مضي بعض الوقت وفي تلك الاجواء المتعبدة المهيبة ظل الصبي يلح على صاحبه للخروج ولكنه ابقاه الى النهاية كما هي متطلبات الصلاة، في النهاية خرجوا الى اطراف المدينة فسمعوا صوت المزمار والطبل فقال الصبي لوالده لنقترب من تلك الاصوات، فاخذه الى مكان اقامة حفل عرس حيث اصوات الموسيقى والطبل تشق عنان السماء وجوقة الراقصين من الجنسين يهزون الارض من وقع اقدامهم، ومضوا فترة على ذلك وفي كل مرة يطلب الرجل من الصبي ان يمضوا الى البيت والصبي يلح في البقاء اكثر حتى سحبه من دون رغبته وغادروا المدينة، وفي الطريق ساله الرجل اي مكان استطابه اكثر الكنيسة ام العرس؟ فقال: احببت الثانية اكثر من الاولى، اختتم الراوي قصته بالقول: ان الانسان قد جبل على الكيف والطرب اكثر من العبادة والصلاة.
11- ص 97 حول تسمية طفل ب( كيفي) او( كوفي) ، اي( البري) لانه عاش مع غزالة برية، اعتقد ان معنى كيفي من الكردية بمعنى الغزال وحتى في لهجة القوش تدخل الكلمات الكردية احيانا فبدلا من تسمية الغزال ب( طويثا) يسمون ذكرها ذو القرون ب( كوفيَّه، والجمع كوفِيّي). والبيت الشعري يوضح ما ذهبنا اليه:
گليَث كْوفِيّه طّورَهْ .......... بْگديشَة طْﭙيله نورَه( كليث غزال الجبل.... بالعشب نار شعل)
12- ص 134 جوابا على التساؤل الاخير اقول: لا يحق للرجل قتل صاحبه، فكلاهما ضحايا السحر الملعون. القصة في بدايتها اشبهها بقصة مماثة سمعتها عام 1969 من المرحوم بطرس نكارا( ابو صبري الفيتر) هكذا:
كان احد الرعاة يعزف الناي كعادته فيما ترعى اغنامه في الجبل، في احد الايام خرجت حية من مكمنها واخذت ترقص على عزفه الرقيق وفي الختام اخرجت له من فمها ليرة ذهبية، وهكذا كل يوم يأتي بالليرة الى بيته، تمرض الاخ الكبير فبعث اخيه الصغير وعلمه ما يحصل معه مع الحية، هكذا مضى الاخ يعزف كل اليوم لترقص الحية وتعطيه ليرة ذهب، بعد مدة قصيرة قرر ان يقتلها ويستولي على كنز الليرات كله مرة واحدة، وفيما الحية ترقص وتدور جذلة على صوت نايه ذو النغمات العذبة، استل خنجره وضربها فقطع جزء من ذيلها، هجمت عليه وقتلته فأكلت لحمه وتركت عظامه، عبثا انتظر الاهل عودة ابنهم، صعد الاخ الكبير الى الجبل فرأى عظام اخيه وذيل الحية، تأثر كثيرا لما حدث وبعد مدة صار يذهب الى المكان فيعزف الناي عند بيت الحية دون ان تخرج، وبعد مواظبته كل يوم وانغامه تهز الجبل في عذوبتها، خرجت الحية بدون ذنب مهمومة فقالت له : كم كنت احبك واحب موسيقاك كنت اطرب لها فاعطيك الليرة الذهبية لكن الان صداقتنا وعلاقتنا انتهت الى الابد فاذهب بسلام فكلما رأيتَ عظام اخيك تتذكرني وكلما رأيتُ ذنبي المقطوع اتذكر اخيك فلن يصفى قلبانا على بعض.
13- من الحكايات الجميلة التي أعجبتني هي كالتالي: اسطورة الربان هرمزد، اسطورة جسر دلالي، اسطورة عبد السطيح، حكاية سليمو، حكاية الحطاب، حكاية الفتى كسنا، حكاية جعب، حكاية الثعلب التقي، حكاية سيمرخي الخطافة، حكاية العجوز والثعلب، حكاية السيد زرزر، حكاية الحبيس، حكاية كيفي، حكاية الحاكم الداهية، حكاية الفقير، حكاية ضفادع كيما دشابو، حكاية مدعي الفن، حكاية الجد والحفيد.
     ختاما: الكتاب ب( 146) صفحة من القطع المتوسط، صادر في نينوى عام 2013 من مطبعة نصيبين في قرية الشرفية. ان تلك الحكايا التي يستطيب لها المرء في العصور والمواسم ومراحل العمر المختلفة قد حفزتني الى الايغال في اعماق ذاكرتي لاستنبط منها حكايات لا يبارحن مخيلتي سأجهد لكتابتها ونشرها يوماً. ايضا لقد صاحبت الاساطير والحكايات العديد من الاخطاء المطبعية وغيرها، التي هي قليلة قياسا بمهمة ترجمة الحكايات من لغة الرواة الى اللغة العربية التي هي مهمة غير يسيرة وشاقة ولو كنت في مكان الصديق ادمون لاسو لوقعت اكثر منه في مطبات الترجمة الصعبة، ولذلك يعتبر الجهد الذي بذله ادمون مضاعفاً، فكم كانت المسألة هينة لو كان يجيد الكتابة بلغتنا السريانية الرشيقة فكانت ستنساب تلك الحكايا بسلاسة اكبر وحبك لغوي اقوى وفي التأثير المباشر على القارئ، ولكن ما العمل فلم يتسنى لنا دراسة لغتنا في صبانا واقتصر تعلمنا على العربية والتي تشترك مع لغتنا والعبرية في الاصل السامي. اتمنى للكاتب ادمون لاسو موفور الصحة، وان يتواصل في مهمة اخذها على عاتقه منذ اكثر من ربع قرن، لنشر ما هو مفيد ونافع وجميل نحن بحاجة اليه.
nabeeldamman@hotmail.com
August, 17, 2013
USA 


140
ألقوش.. في ذاكرة قومية
نبيل يونس دمان
    بزغت شمس آشور في بلاد ما بين النهرين، عشرات القرون قبل الميلاد، فظهرت مملكة جبارة، بل امبراطورية عظيمة في التاريخ، توجتها مقترنتين، الحكمة والقوة، فازدهرت وايما ازدهار، وانتشرت وايما انتشار. حتى سقوطها الاول عام 612 ق.م. بسقوط نينوى، والاخير عام 539ق.م بسقوط بابل.
     لكنها لم تسقط في وجدان شعبها، واصراره على البقاء منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، وهو يتعرض الى الاضطهادات والمجازر والسبل الهادفة الى ازالة هذا الشعب من على وجه ارضه التاريخية.
     في عصرنا الحديث، كانت مجزرة سميل في 7/آب/1933 والتي راح ضحيتها الآلاف من الآشوريين،بعد ان جردوا من اسلحتهم خدعة، على يد المجرم الموصلي النقيب اسماعيل عباوي. لو تتبعنا اسبابها لوصلنا الى استنتاج، بان الروح العنصرية المتعصبة هي التي تدفع غلاة القومية السائدة من الشوفينيين الى قمع القوميات الاخرى، والتي اضحت بفعل قساوة الظروف اقليات.
     هكذا ظهر الآشوريون في فترة الحرب الكونية الاولى، كقوة صغيرة مقاتلة تبغي الانعتاق ونيل حقوقها المهضومة من الاقوام المحيطة السائدة، مهما تكن الاسباب والدوافع فقد وجدت القوة الآشورية المتمركزة في حكاري بجنوب شرق تركيا نفسها في دوامة الحرب العالمية، ومع الحلفاء ضد المحور والدولة العثمانية الآيلة الى السقوط.
كان ثمن ذلك الموقف هو النزوح الجماعي من مناطقها التي تواجدت فيها لعدة قرون، باتجاه ايران ثم العراق ارض الاجداد. كما وشرد آشوريو طورعابدين الى سوريا ولبنان، لقد فقدوا الكثير جداً في تلك المسيرة التي تخللتها حروب ضارية، استبسل فيها القائد الآشوري آغا بطرس، ولكن الحلفاء وفي مقدمتهم الانكليز، بطبيعتهم الانانية الاستغلالية وعبوديتهم لمصالحهم المادية، جعلهم يتحولون عنهم. لسنا بصدد هذا الموضوع الطويل بل نختصره بوصول مئات الآلاف من المهاجرين الآشوريين من اعالي ميسوبوتاميا الى اواسطها ، فجرى توطينهم بدءاً من بعقوبة ثم جرى توزيعهم واسكانهم في الاراضي الاميرية الخالية من السكان في اقضية: زاخو، العمادية، سميل، دهوك، والموصل.
     لم يهدأ لهم بال فانصب توجههم نحو استعادة املاكهم في حكاري، متبعين كل الوسائل بما فيها التجنيد ضمن تشكيلات الليفي، كما انهم اصبحوا اكثر من اي وقت مضى يطالبون بحقوقهم التاريخية. كلنا نعلم عن مشكلة الموصل واستفتاء عصبة الامم، ثم ظهور ميل واضح للآشوريين، وحتى اليزيدية في قبول الانتداب الفرنسي ورفض ما عداه، والذي خبروه بتجاربهم المريرة بأنه طوع مصالحه كما اسلفنا.
     عجز الانكليز عن حكم العراق مباشرة، فاقاموا فيه مملكة وملكاً. هكذا تتوجت النوايا السيئة في اصدار الملك غازي فرماناً (امراً) بإبادة الآشوريين في العراق، مستغلاً فرصة مرض والده في مشافي سويسرا، وأوكل تنفيذها الى المجرم بكر صدقي.
     رفعت الحكومة شعاراتها المتطرفة وحرضت الناس مثيرة مشاعرها الدينية. فاصبحت  مجموعات كبيرة من ابناء شعبنا اهدافاً للجيش والاهالي الموتورين، فاحرقت القرى وهجرت المجاميع البائسة.. بيوتاتها البسيطة، واضحوا طعماً للبنادق والوحوش وكل وسائل الحقد المتوفرة آنذاك.
     يروي شاكر كرمو (من تلكيف) كيف رأى بأم عينيه وهو فتى في العاشرة من عمره آنذاك، سيارة تجوب شوارع زاخو وعليها مجموعة من الآشوريين، تنادي الناس بان هؤلاء مجرمون، وبعد قليل يطلق عليهم النار وتتكرر العملية...وهام الكثيرون، منهم من عبر الحدود السورية واصبح تحت حماية الفرنسيين ومنهم من توجه الى بعض البلدات للاحتماء فيها، اما ألقوش البلدة الصامدة وحصن آشور المنيع منذ سقوط نينوى فقد فتحت ذراعيها لآلاف المهاجرين.
وقفة ألقوش من احداث 1933:
     زحف سيل المهاجرين وجلهم من النساء والاطفال والشيوخ إليها، من مختلف الاطراف وخصوصاً من تلخش، طفطيان، كابارا، داشقوتان، نصرية، جراحية، بدرية، دير السوق، أكان الصغيرة، شرفية وجهة سميل وجسر باقاقا، حيث وصل هؤلاء ليرووا ما حدث لهم ولرجالهم في وقائع تتفتت لها الاكباد. اجتمع وجهاء البلدة لبحث الامر، وقرروا حماية هؤلاء بل افتدائهم بارواحهم، وصل عدد العوائل قرابة الالف، جرى توزيعهم من قبل مختاري المحلات الاربع سينا، قاشا، اودو،خيبرتا (التحتاني). حين بلغت اسماع الحكومة تلك الاخبار، ولسخرية الاقدار كان سادن هيكل ناحوم موشي من المخبرين. كان اشد المحرضين ضد ألقوش قائمقام عين سفني، اما مدير ناحية ألقوش فكان قلباً وقالباً مع الاهالي.
     حشدت الحكومة قوة كبيرة، اتخذت مواقعها جنوب البلدة وطوقتها من جهاتها الاربع بالمدفعية، كثيرون رووا لي كيف شاهدوا بأم اعينهم فوهات المدافع موجهة الى البلدة ومنهم والدي يونس البالغ من العمر ست سنوات آنذاك.
     توالت اجتماعات وجهاء القوم وعلى رأسهم الرئيس يوسف بولا  (1884 ـ 1953) والحكيم ججو تمو، شيشا كولا، ألياس بولا، حنا اسطيفان، ياقو حكيم، يوسف دمانه، وغيرهم، وقرروا مواجهة الموقف بالسلاح المتوفر، والذي جرى توزيعه على اشد الرجال حنكة في القتال، ومن قبل مختاري المحلات: هرمز رئيس، اسحق جنو، اسرائيل عوصجي.
فضل الاهالي الموت على تسليم النازحين من ابناء جلدتهم، موقنين بذكاء بان مصيرهم واحــد وان الحكومــة لن تفـرق بينهم، وقد كانوا سيواجهون مصيرهم الفوري على ايدي القوات الحكومية والمرتزقة من ابناء العشائر المحيطة وخصوصاً الشمر بقيادة الشيخ عجيل، ومن جهــة الجبــل احتشــدت عشائــر المزوري والدوسكي والزيدكي، وتذكــر مواقف مشرفــة لعشائــر كردية في مساندتها وحمايتها للآشوريين.
     في تلك الاجواء المشحونة وصل مدير الشرطة الى البلدة وامهلهم ان يسلموا المهاجرين إليه خلال 24 ساعة. كان الجواب المعد مسبقاً انهم لن يسلموا احداً !، "اذن انتم تودون مقاومة الحكومة" فقالوا له "ان كان ذلك لمصلحة هؤلاء العزل من المدنيين فنحن لفاعلون".
     في تلك الليلة من ليالي البلدة الحرجة، تقرر الجمع ان يبعثوا بخبر سريع وان كان بمجازفة الى الموصل، فانبرى السائق يوسف متيكا صارو ومع حنا كجو والقس فرنسيس حداد وامرأة شرطي في حالة الولادة، وانطلقت سيارتهم موديل 1932، متعرضة لزخات من الرصاص في جنوب البلدة، ولكنها مرقت للتوقف في الكنود امام المسلحين فقيل لهم انهم يأخذون امرأة الشرطي المسلمة الى الموصل لعدم توفر قابلة في البلدة. انطلت الحيلة ووصلت السيارة الى الموصل. دخل يوسف السائق الى باحة كنيسة مسكينته جاثياً على ركبتيه، مستصرخاً غبطة البطريرك عمانوئيل الثاني تومكا (1852 ـ 1947) قائلاً "مولاي ! بلدتك فانية ان لم تفعل شيئاً الآن"، اجابه البطريرك قائلاً" تمهل يا بني فألقوش محمية من القديسين ومريم العذراء" فأجابه يوسف على الفور" سيدي! انا شاهدت مريم العذراء تحمل حذاءها وازارها هاربة خارج ألقوش!! " ضحك مار عمانوئيل من ذلك الكلام، لكنه اخذه على محمل الجد، وهب حالاً للاتصال بالجهات المختصة والراهبين الدومنيكيين يوسف وياقو، حالا ابرق الى باريس عن مآل الاحوال، وجرت اتصالات سريعة بقيادة القوات الفرنسية (الجنرال غورو) والتي رابطت على الحدود العراقية السورية، وكذلك تم الاتصال بحكومة بغداد، ونفسه البطريرك اتصل بالملك غازي قائلاً له "هل هذا جزاء فضلنا على والدك تعرض مدينتي الى الفناء" ويذكر ان البطريرك عمانوئيل تعرض مراراً للنفي الى اخس المستعمرات الانكليزية من قبل الانكليز بسبب مواقفه الوطنية، وفي كل مرة كانت الموصل تخرج عن بكرة ابيها لاستقباله اسلاماً ونصارى. بعد عدة ساعات القت الطائرات بالمناشير في كل مكان معلنة ان الفرمان قد انتهى، ووصل الخبر الى ألقوش فانطلقـت الصيحات" فاي دوس" أي انفرجـت، ومعه توقف قتــل الآشوريين في كل مكان، وصحب ذلك اطلاق رصاصات التنوير الخضراء علامة الفرح، بعد ذلك توجه الملك غازي بنفسه الى ألقوش.
الملك غازي في ألقوش:
     يوم 30 آب 1933 وصل الملك بنفسه ومعه تحسين قدري ومتصرف لواء الموصل ومدير شرطتها، وزينت الطريق باقواس اغصان الاشجار على شكل بوابات خضراء على بعد مسافة كل 100متر وحتى مركز الشرطة (القشلة المبني عام 1916)، خرج تلامذة مدرسة مار ميخا النوهدري وبيدهم الرماح واصطفوا على جانبي الطريق، منشدين الاغاني الجميلة، وبعد استراحة قصيرة في ضيافة مدير الناحية بهجت عبد الاحد قليان (المتوفي في الموصل عام 1951) توجه الجميع الى دير السيدة.
     في دير السيدة كان في استقبالهم نائب البطريرك المطران اسطيفان كجو (ألقوش 1884 ـ 1953) ورئيس البلدة يوسف بولا، والوجهاء ورجال الدين، واقيمت هناك وليمة كبيرة، ثم القيت الكلمات والاشعار، فكان شعر يوسف شمينا وكلمة القس ابلحد عوديش، ومما جاء في كلمة يوسف بولا "إننا ندين بالولاء للحكومة، ولكن ليس لهؤلاء القادمين للسلب والنهب والقتل مشيراً الى العناصر المنتمية الى بعض العشائر"وابلغ الجمع بحضور الملك بان دشت ألقوش ما زالت تعج بالمسلمين الضامرين سوءاً، ونحن على استعداد لمقاتلتهم. اجاب الملك غازي مخاطباً العشائر "بان الحكومة ليست مسؤولة عن سلامتهم بعد ساعة من هذا الوقت", وخلال برهة وجيزة ولت الادبار فلولهم لتنظف الدشت منهم، ولتبقى ألقوش على الدوام صرحاً آشورياً يصعب قهره، غادر بسلام المهجرون المتجمعون في ألقوش، فقسم منهم توجه الى سوريا والقسم الآخر باتجاه المدن العراقية، وقسم قليل اثر البقاء في ألقوش ومنهم شبيرا "جد الكاتب ابرم داود"، والذي تزوج من ألقوشية اسمها ملي دمان بعد وفاة أم داود، والعم زيا والد اسحق الاعرج، وخاميس هوليطي وغيرهم.
حكاية البطل گليث:
     في عام 1967 حدثني عمي داود بأنهم كانوا يملكون ارضاً زراعية على مشرف نهير بيكلبا القريب من قرية حتارة اليزيدية، وكانوا باستمرار معرضين لتهديدات القبائل المجاورة، ومن اسوء من جابههم كان الشيخ ركت ذو اللحية الحمراء. وفي ايام الفرمان (صيف 1933)، جاء الشيخ ركت مدججاً بالسلاح وهو يبحث عن داود، وعند الاحساس بمجيئه، اختفى في بئر مهجورة، وغطى نفسه بالاشواك والاعشاب اليابسة. حام الشيخ الممتطي فرساً حول المكان باحثاً عن داود، ومردداً انه قادم لاستباحة دمه، وعندما سرح ابعد من ذلك المكان، توفرت الفرصة لداود فاطلق ساقيه للريح باتجاه بلدته. ويواصل داود حديثه بالقول، عند هجوم القبائل على قرية ماكنان العائدة الى بيت سرسم في الموصل والمسكونة من بعض العوائل الآشورية، وقد كان فيها قصراً مبنياً من الحجر، وعلى سطحــه تحصــن الشــاب كليت ابن الشماس كنو، وبعد ساعات من الهجوم الفاشل كان الشيخ ركت قد فشل، هنا يشرع العم داود بالضحك ملء شدقيه وتنفتح اساريره. شمل هجوم العشائر كل من قرية بدرية، ديرالون (ترباسبي)، والشرفية. ولكن اشد المعارك دارت في ماكنان، وقد كان يعاون كليت في قتاله اخوانه داود، يوئيل، شموئيل (في شيكاغو حالياً). وباقي اهالي القرية، بيت ملك يونان، خمو، مبارك، هارون، وبتو جاسم وغيرهم. عندما اشرفت ذخيرة كليت على النفاذ، انسل ليلاً ممتطياً حصانه باتجاه ألقوش ليتزود بكمية منها، استطاع ان يقاوم بها اياماً اخرى وعندما شعر بان لا فائدة في الاستمرار وقد كثر الاعداء، نجح بخطة جريئة في الانسحاب مع العوائل والطالان (الاغنام والابقار) ووصلوا بسلام الى بلدة ألقوش.
     عند انتهاء الفرمان شق الشاب كليت طريقه الى سوريا ولا علم لي باخباره هناك، واهيب بمن لديه المزيد موافاة حاضنة هذه الاسطر مشكوراً. ظلت حكاية كليت على كل لسان، وقد تأثر به الصبي اليافع آنذاك توما توماس (1925 ـ 1996) والذي برز اسمه لاحقاً، قائداً ومقاتلاً طيلة ثلاثين عاماً في الجبال. تغنى بكليت احد شعراء ألقوش وهو متي ابونا (1904 ـ طال عمره)، نذكر بعض المقتطفات من الابيات التي كتبها :
شاتـَه دِطلاثي وطلاثــَـــه               مْپقلي خا أمِر خاثــَــه
قطلي يال زوري وبناثــَه               شميلي كُلـّي دولاثــَـه
                          
لَثْ ﮔليَث محَصره پقصرَه              قطِلوالي أمّه وأصــرَه
ﮔليث كوفيّه طـــــــــــورَه              بگديشه طبيله نــــورَه
                      
خلصواله جَبلخانـــــــــَـــه              ركولي لسوسِح شَمانه
لألقوش مطيلي بعدّانــــــه              تـَشقاله جَبلخانــــَـــــه
                          
ﮔليَث مْپقله مِنداخــــــَـــــه             خيري بدَشتـَه برثاخـَه
ﮔاوَحْ مپلّه خْملاخـــــــَـــه              وداويذ إلِّحْ بِصْراخـَــه
                        
زفيره يومَه لعاصِرتـــَــــه             ثيلي مدير ِ شرطــــَــه
أمِّح عَسكر كـَبرتــــــَـــــه              دآريوالِه أو قـُرتــــَـــه

قصيدة اخرى رددتها افواه الالقوشيين عن محنة اخوتهم الآشوريين أدرجها بلغة السورث الدارجة وبالكرشوني:
من بيبيدي ولْ سميلــــي              خيلَه دقُردَث تامَه بريله
شْقِلّي جكّي أوذلي فيلــي              قْطِلّي جَنقي وهَم جهيلي
من آلوكه وُل باقاقَـــــــه              گورِه وبختاثه بأراقَـــــه
                  قَمْ ݘرݘري دويقي دواقه
             
خاتمة:
     تبقى احــداث 1933 عالقــة في الاذهــان، وذكــرى الدماء البريئة التي سفكــت فيها طرية، وقد تلتها احــداث اخرى اقـــل شــدة، مستهدفــة جميعهــا شعبنا، لذا وجب انتباه طلائعـــه من النخبة الواعيـــة ومثقفيه ورجال كنيسته اولاً والمجتمـع الدولي والامم المتحدة ثانية. تظل احداث 1933 وصمة عار في جبين الحكومة العراقيـــة آنذاك وكل الحكومات اللاحقـــة، وحتى اصدارها يوماً على لســان مجلسها الوطني المنتخب في ظـل وضع ديمقراطي ودستــوري عفواً واعتــذاراً لكل ما ارتكب جوراً ضد الآشوريين سكان العراق الاصليين.
ملاحظة مهمة:
     هذا الموضوع ضمنته في كتابي "الرئاسة في بلدة القوش" الصادر عام 2001 وتحت عنوان " محنة الاشوريين ودور القوش 1933" ، قبل ذلك كانت الحركة الديمقراطية الاشورية قد نشرته في موقعها تحت العنوان اعلاه اي (القوش .. في ذاكرة قومية) ، الان بمناسبة مرور 80 عاما على مجزرة سميل في 7 آب 1933 أعيد نشره.
nabeeldamman@hotmail.com
August, 04, 2013
USA  


من كتابي " الرئاسة في بلدة القوش " الصادر في اميركا عام 2001


141

 
     وصلني الكتاب أعلاه من بلدتي القوش لمؤلفته الحقوقية سهى بطرس قوجا، وقد سَجّلتْ في أعلى صفحته الاولى إهدائها وإمضائها، فرحت كثيراً بهذا الكنز، ورحت اكشف مكنوناته، وعلى متنه خضت في بحار الحياة التي ليس لها ضفاف، فما ان يولد الانسان حتى يرى نفسه في خضمها المتلاطم، يقضي سنواته المعدودة بضيقها وانفتاحها، بحزنها وفرحها، بعسرها ويسرها. المؤلفة القديرة سلطت ال "أضواء على واقع الحياة والانسان " بقلم سيّال واقتدار عالٍ، منطلقة من دراستها المنهجية وعلى تماس مع الواقع المعاش، والبيئة التي ذاع صيتها في الدنيا بأسرها، وعمق حضارات وادي الرافدين: السومرية، الاكدية، البابلية والاشورية التي يقتبس وينهل منها العالم على مدرج التاريخ ليصل اليوم في رقيّه وعظمته تخوم الإعجاز.
     اتمنى ان لا تتوقف الكاتبة عند هذا الحد بعد كتابها القيّم، وانما تتواصل في رفدنا بين ردح وآخر بمقالات ومواضيع ينتظرها القراء، على ذات النهج والعمق والرقي الذي تلامسه أناملها الممسكة بالقلم وفيض مشاعرها وعاطفتها الجياشّة. اتمنى ان تواصل دراستها في مجال نيل شهادات اعلى والتي تتطلب جهود سنوات اخرى تضاف الى آخر ما حصلت عليه، حتى يتكامل مشروعها الاجتماعي ويكون مرجعاً لمن يريد فهم الحياة، لمن ينشد السعادة، ومن ينطلق بعزمٍ وإصرار في رحاب كوننا الساطع، بجماله، سحره، ومطاوعته السرمدية لتحقيق طموحات الفائزين من امثال الاستاذة سهى بطرس قوجا.
     ليس لدي ملاحظات نقدية على الكتاب، لكونه متماسك، متكامل، وسهل الفهم والادراك، استقت مؤلفته الكثير من افكاره من أسفار الإنجيل المقدس، ومن اقوال المشاهير، معززاً بصور لها ارتباط بالمواضيع المطروحة. ولا اخفي انني أشرت في بعض الصفحات مداخلات مقتضبة، واحياناً تساؤلات لغوية، ولكنها في محصلتها النهائية، كانت ضعيفة قياساً بقوة الكتاب وفلسفته ولغة كتابته، وقدّرت انها لا تساوي الوقت المبذول لتدوينها والتوسع فيها فضربت عنها صفحاً.
     الكتاب من القطع المتوسط، عدد صفحاته تقريباً 200 صفحة، معزز بالصور، والطبع لابأس به، تم في مطبعة نصيبين في قرية الشرفية المجاورة لألقوش، وكانت سنة اصداره في خريف 2012، الآن اقتبس من الغلاف الاخير بعض الاسطر لأعطي فكرة عن الكتاب " وريقات العمر التي تسقط في خريف كل عام من عمرك، لا تعود، بل تتجدد اخرى عوضا عنها بك انت، لا غيرك! لكننا كأناس نعتاد على جعل امر من امور الحياة جزء منا، ونحن جزء منه، فاقدين القدرة على الانفكاك منه، وفاقدين السيطرة عليه! والحياة فنّ وفيها من الفنون الكثير ومن الالوان اكثر، تبهج العين وتستانس الخاطر وتنعش النفوس، كزرقة السماء الصافي مع بعض غيومها الناصعة البياض، وكجمال الزهور الممزوج من نسمات الهواء النقي" .
     وبهذا النص الجميل اختتم ما وددت ايصاله الى الكاتبة المحترمة سهى بطرس قوجا، والى الاعزاء القراء في كل مكان، وأوجه تحية خاصة لكل من يغذي طريق الثقافة والفكر النيّر بوقته، بعلمه، بقلمه، فهو قد وضع علامة فارقة في حياته تبرز وتتلألأ عبر الزمن وتعاقب الأجيال.
كالفورنيا في 1- آب- 2013
nabeeldamman@hotmail.com


 


142
ذِكريات سامي مَدالو حَفّزتْ ذاكِرتَنا
نبيل يونس دمان
    شيء جميل ان يدرج مغترب لأكثر من نصف قرن ذكرياته عن فترة الطفولة والإغتراب الطويل عن أرض الاجداد، جلبت انتباهي تلك المذكرات لكون صاحبها من اقربائي وقد عرفته في صباي المبكر. كانت آخر مرة رأيته فيها، في مناسبة زواج خالي بولص كوريال اسطيفو اودو عام 1959، كان سامي آنذاك شاباً في مقتبل العمر، إذ ربما لوجاهة العائلة، او لتفوقه في الدراسة، كان موضع جذب الجميع، فكان الكثيرون من الاقرباء وحتى القريبات يسلطون الضوء عليه وبالمقابل رأيته خجلاً، كان الإلحاح عليه شديدا للمشاركة في الدبكات التي استمرت ثلاثة ايام بلياليها، على صوت الطبل والمزمار الذي كان لا ينافسه احد في جودة أدائه "عليكو" من قرية "سريݘك" المجاورة.
     في اواخر الخمسينات اصطحبتني والدتي الى بيت الياس افندي لنُسلّم على عمِّها داود اسطيفو اودو (والد مطران حلب الحالي) القادم من سوريا، اتذكر دخلنا غرفة كبيرة نسبياً على الجانب الايمن لأيوان واسع يشرف على القوش كلها، نظرا لصغري النسبي انطبع في مخيّلتي ارتفاع القنفات عن الأرض والتي جلس فوقها الضيف، فحملتني والدتي وقربتني منه ليطبع قبلة على وَجْنتيَّ، وهو يكرّر أمانيه الطيبة لمستقبلي، ثم قدمتني الى الياس افندي ايضاً (1909- 1998) ، وتوالت زياراتي الى البيت خصوصاً عندما أصبح مركزاً للناحية والشرطة في اوائل السبعينات، كان في داخله سرداب محفور بالصخر يسموه (كُبّا- اي الكهف) تحول في تلك الايام الى سجنٍ لمن تعتقلهم السلطات، اتذكر احد مدراء الناحية استدعاني مع زملائي سلام تومكا، فرج خوركا، وسعيد قودا للتحقيق في سرقة عُدَد حاصدات (درّاسات) الاصلاح الزراعي فهددنا بالزج في ذلك السجن اذا لم نعترف، ولكن الاشكال تم حله بتشكيك زميلنا سلام في شاب بمقتبل العمر (إسمه جميل وكنا نطلق عليه كنية زَلام) كان يحوم حول الدرّاسات، فأستدعي واعترف بسرقتها مع اخوانه الأكبر سناً، ومن ثم أرجعوها كاملة الى اماكنها.
     في محلة اودو عاشت العمّة كوزي اسطيفو مدالو، كانت إمرأة شهمة، ربّة بيت، وتملك بقرة تنتج أفضل الألبان، جهزت يوم أحدٍ سطلها الصغير باللبن الطازج وحملته الى بيت اخيها الياس مدالو وعند عودتها في العصر وما ان وصلت الى وسط ديوان محلة اودو الذي يفترش الارض تحت القنطرة المعروفة، صارت تحدث نفسها هكذا: قلت لوارينة (زوجة اخيها) ان لا تكلف نفسها في ملأ السطل (ستلوكي) بأكلة "الپاݘة" لكنها اصرت فاضطررت الى جلب الباجة معي الى البيت، هكذا بدأت كلمتها بالسورث (ديخْ كاوْ گلّيكي، ميري لَگبِخلي لگبخلي أن كْيبايي.... ) فصار كل من في الديوان يتأفف ويتذمر حيث في ذلك الزمان كان الحرمان والفاقه وكان تذوق الباجه يحصل بالسنة مرة او لا يحصل، فجعلت كوزي الرجال بتصرفها المثير جعلتهم يمسحون شفاههم بألسنتهم رواد ديوان محلة اودو الذي ذاع صيته في اطلاق النعوت على العابرين مهما بلغت منزلتهم.
     بعد ان سرَحتْ الخالة كوزي مدالو عجل بقرتها (شرخا) عند سفح الجبل في منطقة تسمى (قَصيله) جلب انتباهها شرطيٌ قد خرج من مركز الشرطة (قشله) وصعد الى صخرة مرتفعة قليلاً، فوضع كفيه على وجهه مناديا للصلاة (الله وأكبر..... ) لم يعجبها ذلك، وعند رجوعها وقرب قمطار محلة اودو، شاهدت بعض الشباب يسرحون ويمرحون في المكان ففتحت كفها وحركته مرة واحدة وبقوة الى الاسفل وهي تزم شفتيها (قُطْمَه....) انتم تدعون انكم شباب محلة اودو، اين نخوتكم؟ ان ما يفعله الشرطي يندرج نحو بناء مسجد وسط بلدتكم وانتم تتفرجون! كان بينهم شاب أكبر سناً وهو المرحوم ميخا اسحق زرا من سكنة محلة قاشا، لكنه كان يفضل التواجد في محلة اودو، في تلك الاثناء سمع جيداً ما قالته المرأة، وهي تواصل طريقها الى بيتها في حوش خوشو (درته دبي خوشو) ، فطلب ميخا من المجموعة ان تستعد، وقد ضمت (بندق، ﭙݘو، جمال، حكمت، كامل وغيرهم) بعد تأثرهم بكلام الخالة كوزي، وضعوا خطة سريعة نفذوها في اليوم التالي، حيث تزودوا بمصائد العصافير (جطالي) وكمنوا بين الصخور القريبة وحان موعد خروج الشرطي، وما ان صعد كالمعتاد فوق الصخرة، حتى انهالت عليه احجار المصائد في آن واحد وقد اضطلع بالضربة الاولى ميخا زرا، فأصيب الشرطي بجروح عدة ودخل يشكي حاله الى مأمور المركز وكان في حينها المرحوم شاكر كرمو (من تلكيف) ، عندما فهم الموضوع قال له: لماذا توجه أذانك في محيط كله مسيحي وكذلك الجبل أصم لا يسمع، من الافضل ان تؤذن من داخل المركز، فأسقطت حججه تباعاً، ثم كان نقله في الفترة اللاحقة الى منطقة أخرى.
     تكلم صاحب الذكريات عن التصاق عنكاوا بأربيل وعن إمكانية دمج الإسمين على غرار شقي بودابست الجميلة على ضفتي نهر الدانوب، حضرتني النكتة التالية: في السبعينات سُأل فرّاش المدير عن مقدار راتبه الشهري فأجاب، انا والمدير نقبض 220 ديناراً، وتبين ان راتبه 20 والمدير 200، هكذا تبدو لي النسبة بين اربيل وعنكاوا تقريبا، امنياتي ان يبقى اسم اربيل التأريخي الذي يعني الآلهة الأربعة (أربا ئيلو) فالأسماء التاريخية لا تقبل التجزئة او الدمج او الإلغاء، لقد درج الاخوة الاكراد في السنين الاخيرة على تغيير اسم اربيل في الاستخدام اللغوي الكردي بإسم "هولير" فكثر استخدام هذا الاسم الحديث. في عام 1971- 1972 زرت عنكاوا وكان والدي يعمل نجاراً عند المهندس القدير سمير الياس مدالو في مشروع الدواجن، كانت تفصل عنكاوا عن اربيل مسافة يغطيها معسكر كبير للجيش ( كان رمزا للظلم والطغيان ) على جانبي الطريق، اما اليوم فقد زال المعسكر والتصقت مجاميع البيوت والشوارع والعمارات بين الجانبين الأربيلي والعنكاوي. وشهدت المدينة في العقدين الماضيين تطوراً سريعاً جعلتها من مدن العراق المهمة في الوقت الحاضر.
     عزيزي سامي مدالو: لقد غادرت العراق وبلدتك في الماضي البعيد وتركت جيرانك في عز شبابهم او مهابة شيخوختهم، ولكنك حين عدت لم ترهم فقد رقدوا الى الابد على رجاء القيامة، لنذكر اسماء بعضهم الذين على الأكثر عرفتهم في محيط بيتكم الجديد في (قرزي) والقديم في محلة اودو، لجميعهم الرحمة ولأحفادهم استمرار النسل والبقاء، ومنهم: بولص قاشا، لاسو مرادو، أيسف مرادو،حنا عازو، حنا حقّا، حنا ناطور، دودي كادو، جبو كادو، هرمز كادو، ياقو قيا، سعدو قيا، كوما بهاري، خوارا بهاري، رشو شاجا، نونو شاجا، اورو حميكا، عيسى حميكا، ݘاكا حنونا، عيسى دمان، ايليا دمان، شمعون طعان، كوريال اودو، مامينو اودو، ياقو شابيو، أيسف مدالو، .... وغيرهم.
     لقد ذكرتَ أسماء أولية لزملاء لك في المدرسة وانا احاول ان اكملها قدر استطاعتي، فقد ذكرت اسم بهجت واعتقد هو بهجت فرج القس يونان، وذكرت اسم برهان فاعتقد هو برهان سنحاريب الياس بولا، وذكرت اسم قيصر واعتقد هو قيصر بيبو حنا رمو، اما المعلم من اهالي عنكاوه فهو عبد المسيح عبدوكا (ابو زهير)، والشخص الذي التقيت به في منتزه الفقيد توما توماس فكان ماجد ابن خالتي جميلة.
    كنت اتمنى ان تذكر نبذة عن حياتك في المانيا حتى تستكمل الحلقات من قبيل كيف قضيت الخمسين سنة؟ وكيف حافظت على لغة الكتابة العربية بهذه الامكانية التي نحسدك عليها؟ وهل حافظت على لسان "السورث" المحكي لغة قومك العريق؟. وهل كان لديكم تجمعات عراقية او لقاءات عبر البلدان الأوربية؟ هل كانت تغزوك احلام العراق والقوش؟ وماذا كتبت من اشعار ونتاجات ثقافية حتى تطفئ الظمأ لبلادك الحبيبة؟ يقول ابو تمام:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى     ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتـى     وحنينه أبدا لأول منــــزل
     عندما زرتَ بلدتك هل عرفك أحد؟ وهل تبقّى لك اصدقاء؟ وكيف كان استقبالهم لك؟ كيف رأيت القوش بعد هذا الفراق الطويل، هل هي متطورة من ناحية البناء والشوارع والمؤسسات وكيف كانت مشاعرك عندما رأيت بيتكم وقد أزيل من الوجود، وللعلم اصبح بعد نزوحكم الى بغداد مدرسة، ثم نادي الموظفين (في عهدة المرحوم متيكا عوصجي) ثم ادارة الناحية، فدير الراهبات، ثم الهدم ليصبح ديرا ذو ألوان غير جذابة!.
nabeeldamman@hotmail.com
May 23, 2013
USA  




143
رثاء الشاب الوسيم عادل اودو
نبيل يونس دمان
     كانت وطأة خبر وفاة الشاب عادل شديدة وهو من اقربائي الذين عرفتهم عن قرب في الماضي والحاضر، لقد كانت خسائر هذه العائلة متسلسلة من جدهم يوسف اسطيفو اودو الملقب (عمّه تومي) الذي قتل وهو في ريعان الشباب يوم 9-9- 1924 في بيادر محلة قاشا تاركاً زوجته ملّيكي كادو مع اطفالها الصغار ابراهيم وبطرس ووارينه وحدهم يواجهون الحياة.
     في عام 1963 ترك العراق ابراهيم الى البلدان المجاورة نتيجة مطاردة النظام الانقلابي له وفي تلك الفترة كان اخيه بطرس الموظف المرموق في وزارة النفط يدير امور الاسرة ويجعل اولاد ابراهيم لا يشعرون باغتراب الوالد، تاخر زواج بطرس لتلك الظروف الى ان اقترن بأمراة اصيلة هي المعلمة شكرية اسحق قلو،فولد عادل في عام 1969 والذي تزامن مع عودة العم ابراهيم من الكويت الى بغداد، لم يدم الحال طويلا فبعد عدة سنوت فقط توقف قلب ابراهيم وهو في سيارة اجرة قرب البتاوين وذلك في مطلع السبعينات.
     بعد اشتداد الحصار على العراق في التسعينات تشردت العائلة تباعاً فانتشر الاولاد في بلدان الجوار وصولا الى اوربا واميركا، في تلك الظروف انتقلت الزوجة شكرية (ام عادل) الى جنان الخلد، فانكسر احد اجنحة العائلة التي وصلت بعدئذ الى اميركا، هناك صارعوا الحياة الجديدة كغيرهم من المغتربين قسرا من بلدهم، فتزوج عادل من فتاة اصيلة هي رنا طالب اودو والتي رزق منها الاولاد جوزيف وليان، قبل عدة سنوات وبفعل الشيخوخة رحل بطرس ماسوفا عليه من على ارض ديترويت.
    في هذه السنة السيئة الطالع على حياة العائلة، دخل عادل في صراع مع مرض العصر الخبيث حيث عاجل في حلول منيته التي لا مرد منها، مفروضة على كل الانام، فذرف الاهل كل الاهل الدموع الغزيرة على مفارقته، وقد عرف بطيبته وطبعه الهادئ، انا لا اكاد اصدق الخبر فمنذ دخوله في فترة حرجة من حياته وقلبي يخفق بالقلق بانتظار تحسن اوضاعه الصحية، لكنها تمخضت في توقف قلبه عن الخفقان الى الابد، تاركا اطفاله الصغار بدون ظله، بعزم والدتهم وصبرها سينشأ الاولاد كما حدث للاعمام في العشرينات حيث تشهد لهم القوش وبغداد افضالهم وعلومهم وتهذيبهم.
     مكان عادل الجميل الجنة، الى جانب والديه وعمه واجداده، الصبر والسلوان لعائلته وكل بيت اودو العريق، مواساتي العميقة الى الجميع وفي المقدمة زوجته، اخيه عامر، اولاد عمه باسل وبشار، خاله المحامي المعروف عبد الرحيم اسحق، خاله الاخر يوسف اسحق قلو، وكل من يمت بصلة الى الفقيد الذي ستظل ذكراه معنا حية مدى الايام.
لو كانت والدتي كرجية كوريال اودو على قيد الحياة لبكت ابن عمها عادل بحرقة، فلنبك على كرجية وعادل معاً!
كاليفورنيا في 8- نيسان- 2013


144
اوقفوا لعبة جر الحبل في المسألة القومية!
نبيل يونس دمان
    عندما اقرأ لمن غزا البياض شعر رأسه، أدرك ان بعض الخلايا الفكرية كانت ذات فائدة للاجيال، قد تكلست ولم يعد بالامكان احيائها او ارجاع نشاطها الى سابق عهده، يقول الشاعر:
 عجوز ترجى ان تكون فتية .......... وقد لحب الجنبان واحدودب الظهر
تدس الى العطار ميرة اهلها .......... وهل يصلح العطار ما افسد الدهــر
     لماذا إلحاحُ البعض في كتابة المقالات والتعليقات المتكررة، الانتقائية، والجارحة في احيان كثيرة، خصوصا على طريقة جر الحبل في المسألة القومية، نصيحتي ان تطلقوا الحبل من ايديكم، وان تتركوا نشر هذا النمط لفترة طويلة نسبياً، وسترون كيف ستعود المياه الى مجاريها فيتعايش الذي يسمي نفسه اشورياً مع الذي يسمي نفسه كلدانياً وهكذا الحال مع السرياني او اية تسميات اخرى مبتكرة، او توفيقية، او من بطون التاريخ الذي يزخر بالعديد منها، فيمضي هؤلاء جميعا كأخوة في تآلف، صداقة، وتعاضد، الى آخر الكلمات الطيبة في هذا المجال.
     بعضكم يكتب وكأن الناس عميان، اذا كانت قناة عشتار او كان موقع عشتار لا ينشر لكم فهل معنى ذلك ان افكاركم ورسائلكم لم تصل الى الجمهور؟ اقسم انكم توصلوها في عشرات القنوات الى اهدافكم بفضل التطور المعاصر بواسطة اجهزة الكومبيوتر. في الماضي كانت الصحافة وكان الاعلام مقتضباً، مقيّداً، ومكلِّفاً لا يتسع لكل من سوّد صفحة او صفحات لنشرها، فتبقى تلك التي لم تنشر في دائرة صاحبها فقط اي لا ترى النور، فكان عليه ان لم تحبطه المحاولة فيتوقف، ان يجهد اكثر وينقح بشكل ادق ويطور افكاره، ويقلل من هفواته، حتى يصل موضوعه النشر، وفي احيان كثيرة كانت تحذف منه اجزاء كان صاحبنا يعتز ويعول عليها. ما بالكم اليوم تتذمرون من عشتار لأنها لا تنشر لكم او ان موقع كلدايا- نت مثلا حكرا على مجموعة معينة، هناك ابواب وابواب تطرقونها فتفتح لكم بسهولة، هناك مواقع كثيرة تستقبل نتاجاتكم رغم قصور بعضها وسوقية اخرى وتلاعب عن جهل بقواعد الكلمات وتصريفها، لكن في النهاية ماذا جلب كل ذلك الى قضية شعبنا بمختلف التسميات وماذا حققت كنائسنا المنشطرة منذ قرون طويلة، الجواب: لا شيء، ما زالت المياه كما عهدناها من سنين طويلة راكدة وما اشبهها بمياه (الدون الهادئ). المقالات وحدها والمانشيتات والعبارات الرنانة وقس على هذا المنوال، لا تغير عقول الناس وقناعاتهم، فالاكثرية تنقاد الى مصالحها، الى مريديها، الى من تتخذه مثالا مؤثراً، الى وجهة العائلة او العشيرة.
     نرجع مرة اخرى الى من كلكل الشيب رأسه، تراه يكابر ويعتبر المسألة تحدي اوعناد او إعتداد او كرامة، وان وقتا قد هدر بالسنين او ان جهدا قد بذل على طريق ينظر اليه وكأنه عسير وشائك، ناسيا او متناسيا ما تحمله غيره في ساحات النضال في العقود الماضية من فصل وسجون وملاحقة واصابات وحتى فقدان الحياة، في حين صاحبنا ينفخ، يزبد، يضرب الطاولة التي امامه بكلتا يديه وهو جالس امام جهاز الكومبيوتر بانتظار ان تتحقق مصالحه او يصعد نجمه او يصل الى اهدافه التي غالبيتها غير واقعية ووهمية، لا تغني ولا تسمن، ولا تأتي بشيء ملموس الى يده، في هذه الحالات السقيمة يظل صاحبنا متشبثا بآرائه ولا يضع امامه مجالاً للتراجع او التصحيح او التغيير.
     انصح جميع المتسابقين في هذا الماراثون الفاشل ان يوقفوا السجال غير المفيد، ان يتركوا الكتابة لفترة كأن ياخذوا اجازة لمدة سنة وتحديدا لمن ركب رأسه في موضوع القومية المثير للجدل وهدر الوقت والطاقات، تلك الطاقات لو استغلت في امور الثقافة والادب والبحوث في مجالات اللغة لكانت اتت بالكثير من النتائج المبهرة، للاسف لم يتم ذلك وصار الهدم بديلا للبناء. في حالة دراسة مقترحي والموافقة عليه، يراودني امل قوي بان الكثيرين سيغيرون افكارهم الخاطئة فتستقيم المسيرة وتتواصل بنجاح، ويعود كل ذلك الى مصلحة ومنفعة ما تبقى من شعبنا في الوطن الذي كنا يوماً سكانه الاصليين.
اميركا في الاول من نيسان عام 2013

145
بالحزن والدموع ودَّعنا والدتي
نبيل يونس دمان
يوم الجمعة المصادف 15- 3- 2013 لم يكن يوما عاديا لنا، فقد اغمضت والدتي عينيها لآخر مرة، واسدل الستار على حياتها التي عاشتها فوق الارض ثمانية عقود.
 

1955
ولدت كرجية كوريال اسطيفو اودو عام 1933 في القوش واقترنت بوالدي يونس ياقو ميخا دمان عام 1950، انجبت ولدين وست بنات ثم توالى الاحفاد، شاءت الظروف ان تنتشر سلالتها في اماكن متفرقة من المعمورة.
 

1980
غادرت وطنها بشكل نهائي عام 2007 ودخلت في العد التنازلي، فتدهورت صحتها يوما بعد يوم حتى اعتزلت العالم ولم يعد بامكانها التعبير عن ما يراودها، في السنين الاخيرة عاشت في دار العجزة تبتسم للوجوه المألوفة التي تتشوق للحديث معها، لكنها لا تستطيع الكلام كما عهدتها القوش وبيتنا: متحدثة، اجتماعية، قلبها يخفق بالمحبة والانسانية.
امي لم تدخل المدرسة ولم تتعلم ولم تجيد لغة غير لغة ابائها العريقة، امي ابنة عائلة دينية- طبية شعبية معروفة، ومن اقدم محلة في القوش هي (محلة اودو) وهي اخت لخمسة ابناء واربع اخوات، ابنة عم مطران حلب الحالي مار انطوان اودو، وسليلة اسرة البطريرك المعروف مار يوسف اودو.
 


1986

ربتنا على حب المدرسة والتعلم والايمان ومساعدة الناس ما امكننا ذلك، وربتنا على الصمود بوجه الصعاب، فعندما كانت حلقات الدهر تضيق بنا، شان العراقيين عبر الازمان كانت تقوي معنوياتنا بالقول ان المصائب تاتي على الرجال، عليهم تحملها وعدم الانهيار مهما بلغت وطأتها، لن ننسى تشجيعها بمثل تلك الاقوال.
 


1998
منذ الطفولة وانا استمع اليها وهي تحدثني عن الحوادث والنوائب والقصص التي مرت بها او سمعتها، واستمرت عندي تلك الحكايات وكأنني عشتها فحفظتها لقوتها ومصداقيتها، تكاد معظم معلوماتي عن بلدتي وتراثها الشعبي مستقاة في الاساس من امي كرجية التي كانت تفخر وتتباهى عندما يناديها احد ب (ام نبيل) ، يا لها من محبة كانت تغمرني بها كل ايام حياتي التي عشتها قريبا منها او بعيدا عنها.
 

2000
كما يعلم الجميع ان سيناريو حياتي لم يكن سهلا فانتابته ظروف صعبة فوقفت الى جانبي، لم يمض اسبوع على التحاقي بالانصار في كردستان عام 1982 حتى تفاجأت بها وهي تقف على رأسي في قرية كاني بلاف على قمة جبل (متين) ، وعندما اصطحبت عائلتي الصغيرة الى اليمن الديمقراطية الشعبية، سنحت لها الفرصة فزارتنا مع الوالد هناك في اقصى جنوب الجزيرة العربية عام 1990. وبعد استقراري في اميركا توالت لقائاتنا في نهاية التسعينات وطوال العقد الماضي.
 

2004
والدتي ليست استثناء وكباقي الامهات تحملت الاعباء، سهرت على الاطفال، فرحت في مواقف، وحزنت في اخرى، وفي آخر المطاف غادرت مودعة بنحيبنا وآهاتنا حيث رافقناها الى مثواها الاخير في ولاية مشيكان، وقد خصنا بتضامنه وأسفه جمع غفير من الاقرباء الاصدقاء وانهالت علينا المكالمات الهاتفية من جهات الدنيا الاربع، اضافة الى مراسم العزاء التي اقيمت على روحها في بلدتها القوش فحضر ايضا كثير من الناس، حيث عبرت عن اسفها وتمنياتها بان نكون هناك في استقبالهم، ولكن ما العمل وقد خرجت حياتنا من نسقها المألوف الى المهاجر ومرارة الاغتراب.
اذهبي يا امي الى رحمة الله والى مستقرك الابدي، لن يكن باستطاعتنا ان نوفي حقك علينا ابدا، ولكننا لن ننساك وحتى آخر يوم من حياتنا سنتذكرك ونحدث احفادنا والناس عنك، الى ان تحين ساعة لقائنا معك في الاجل المحدد الذي ينتظرنا جميعاً.



146
ملاحظات الى اساقفة الكنيسة الكلدانية
نبيل يونس دمان
     منذ عهد البطريرك مار يوسف السادس اودو ترسخت وتجذرت كنيسة بابل على الكلدان الى يومنا هذا، وفي العقود الاخيرة تلاعبت بها الرياح فأضحت في مهبّها، في هذه الظروف يأتي انتخاب البطريرك الجديد الذي يتطلب ان يحسن دفة القيادة في ظل هذه الامواج العاتية التي تريد ان تأتي على ما تبقى من السفينة لإغراقها.
     من قال ان الابتعاد عن السياسة بمفهوها الاداري هوالافضل، السياسة هنا ليست دخول معترك حزبي ضيق وانما هي قراءة الواقع ومتابعة الاحداث، فمن يكون على رأس كنيستنا يجب ان يتعامل الى حد ما في السياسية، وهي في كل الاحوال بالغة الاهمية في حياة شعبنا المشتت، المفرق، والمنتشر في انحاء المعمورة كما لم يشهده من قبل، هناك مسائل يتطلب حسمها بالسياسة والموقف المسؤول امام الحكومة والمعارضة وامام المرجعيات الدينية والقومية والطائفية لكي نسير مع هذه الفئات وهذه المجاميع في طريق سوي يفضي الى ارجاع الاستقرار والامان لحياة شعبنا العراقي عامة والمسيحي بمختلف كنائسه خاصة.
     كما يجب على من يترأس كنيستنا ان يكون منظما جيدا وقائدا لجماعته في توحيد مواقفهم لكي يزداد قوة وتبرز شخصيته امام الاخرين، عليه ان يكسب ود واحترام اساقفة وكهنة وشمامسة ورهبان الاقاليم وبلدان الشتات، حتى يكون بيته منيعاً يواجه أعاصير الزمان، ويقوى في خضم الصراع على مستوى الوطن، ولا يتردد ابدا في افتداء رعيته بحياته، التي هي غالية جدا لكن يجب ان يكون جريئاً، مقداماً، يوازي ارتدائه الاسكيم الاحمر الذي يعني الاغتسال بدم المسيح، الم يقل المسيح (انا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يوحنا 10:11) ويقتدي بمن سبقه من بطاركة كنيسة المشرق وعموم اكليروسها، الذين افتدوا كنيسة المسيح بدمائهم التي سفكت على مذبح الايمان، وعلى رأسهم الجاثليق مار شمعون بر صباعي (328– 341م ) الذي قال لأصحابه وهو على مشارف الموت على ايدي شابور ملك المجوس "يا احباي واولادي دوسوا حمة الموت فقد كسرها ايشوع المسيح بموته وقيامته يا احباي شدوا عزايمكم شد الرجال وبادروا الى قبول ملكوت السماء على كيد الراعي الى الضلالة والعماء" *.
     نأمل ان يكون هذا الانتخاب بعيداً عن المؤثرات الخارجية سواء الدينية او السياسية، ويكون بمحض ارادة حرة لكل اساقفة الكلدان في داخل العراق وخارجه. نتوسم في البطريرك المنتخب ان يكون من العناصر التي تمتلك قدرة وطاقة ومواصلة لقادم الايام في خضم الاوضاع المتقلبة في ارض بلادنا، وان يكون وحدوياً جامعاً بعيداً عن التعصب والانقسام محبوباً من الاكليروس وعامة المؤمنين، نتوخى من اساقفتنا الناخبين تصفية نياتهم والدخول في رياضة روحية تأملية تبتعد عن الموقف المسبق، وتحكم العقل والضمير والقلب في اختيار البطريرك، ولن يكون الاختيار الا موفقا ومباركاً من الجموع وعلى بركة الله.
     ليكن الشعب وقادته الروحانيين والعلمانيين على استعداد لمواكبة ومتابعة واغناء عملية انتخاب البطريرك الجديد ليكون الاختيار مناسباً في هذا الزمن الصعب، وفي مقدمة مهام من يفوز بالموقع الحساس والخطير: ان يثبت كرسيه في ارض الوطن ولا يحركه الى خارج بلادنا مهما كلف الامر، وان يكون دائم التنقل والحركة لكسب ود وصداقة الجميع، ليصبح كرسيه ومن يحيط به كخلية نحل في توزيع المهام والواجبات وتشكيل اللجان التي بمجملها تحفظ حياة منتسبيها في الاساس، ثم المحافظة على الطقس الكنسي الذي ورثناه من ابائنا واجدادنا على مدار القرون، وكذلك احياء مشروع اللغة السريانية بالتعاون مع المؤسسات التي تشكلت في العقد الاخير سواء في المركز او المحافظات او اقليم كردستان، لتكن النتيجة تطور اللغة وثباتها وهي العامل الاكثر اهمية في حياة شعبنا، فعن طريقها نلج طرق التطور وتغتني حياتنا الروحية والثقافية والفنية على مديات اوسع ومواقع ارقى تساير الامم وتعكس جذورنا التاريخية الى ماضي الحضارات في بلاد ما بين النهرين.
     خير ما اختتم موضوعي، هذا الاقتطاف من العصر العباسي:
ووقع بين فتى من النصارى وبين ابن فهريز كلام، فقال له الفتى: ما ينبغي أن يكون في الأرض رجلٌ واحدٌ اجهل منك؟ وكان ابن فهريز في نفسه أكثر الناس علماً وادباً، وكان حريصاً على الجثلقة، فقال للفتى: وكيف حللت عندك هذا المحل؟ قال لانك تعلم أنا لا نتخذ الجاثليق الا مديدَ القامة، وأنت قصيرُ القامة، ولا نتخذه الا جهيرَ الصوت، جيدَ الخلق، وأنت دقيقُ الصوت ردئُ الخلق، ولا نتخذه الا وهو وافرُ اللحية عظيمُها وانت خفيفُ اللحية صغيرُها، وأنت تعلم أنا لا نختار للجثلقة الا رجلاً زاهداً في الرياسة، وأنت أشدُّ الناس عليها كَلَبَاً، وأظهرهم لها طلباً، فكيف لا تكون أجهل الناس وخصالك هذه كلها تمنع من الجثلقة؟ وأنت قد شَغَلْتَ في طلبها بالك، وأسهرت فيها ليلك؟ **.
 * من كتاب أخبار فطاركة كرسي المشرق ص 17- تاليف عَمرو بن متّي- طبع في رومية الكبرى سنة 1896 المسيحية.
 ** من كتاب البيان والتبيين للجاحظ الجزء الاول ص 96 طبع مصر سنة 1926.
nabeeldamman@hotmail.com
Dec. 30, 2012



147
الى الموقرين يوناذم كنا وخوشابا سولاقا
تحية طيبة
منذ مدة وانا اتابع باهتمام وقلق الجدل الذي ثار بينكم واستغله بعض ضعاف النفوس من المتصيدين في المياه العكرة، لا زلتم في منتصف الطريق ولا زال  هناك متسع من الوقت لتراجعوا انفسكم وتتوقفوا عن مواصلة هذا المنحى الذي لا يخدم شعبنا في هذه الظروف. ارجو صادقا ان تعودوا الى مواقعكم بما فيها اسقاط الدعوى في المحاكم وان تتركوا كل الخلافات جانبا الى الزمن والتاريخ الذي سيصدر احكامه الصارمة في اوانه.
 املي فيكم لا يحتاج الى استنهاضه بانتقاء المزيد من الكلمات ولا الى المزايدة وتكرار المناشدات، لمصلحة شعب آيل الى الانقراض، بإلحاح ومودة اخاطبكم وانتظر جوابكم على ندائي في القريب العاجل ان شاء الله.
نبيل يونس دمان
كالفورنيا

148
الشيوعي البصراوي .....
تعقيب على مقالة الصديق شوكت توسا
نبيل يونس دمان
     عبد الزهرة الطالب في كلية الاداب- جامعة الموصل في بداية سبعينات القرن الماضي كان يجلب الانتباه اليه بثقافته الواسعة ومبدئيته الصارمة ثم حقده المقدس على البعث، لذلك استحق احترام الطلبة التقدميين من مختلف المشارب والملل والاحزاب، فيما حصد كرها وملاحقة متواصلة من اجهزة البعث- فاشي.
     من سياق المقدمة اعلاه تعرفت عليه فتوطدت علاقتي به وبزميل اخر من بلدة دجيل التي ازالها عن الوجود صدام حسين لاحقا، اسم ذلك الزميل عبد الهادي، هذان الطالبان انجذبت نحوهم اكثر بسبب كرههم للبعث وعدم ايمانهم بالتحالف معه، كان عبد الهادي الدجيلي اكثر قربا مني كونه في نفس كليتي الهندسة.
     كما تعلم عزيزي القارئ ان الجبهة الوطنية والقومية التقدمية قد تم التوقيع عليها في تموز 1973 وفي خريف ذلك العام ابتدأ الدوام الرسمي لنا كطلبة في جامعة الموصل، في تلك الفترة افتتح مقر للحزب في بداية شارع النبي جرجيس مقابل الشارع النجفي، ونفس المبنى كان مقرا للحزب في الفترة التي سبقت انقلاب 8 شباط الدموي، عرفت ذلك من خلال استئجار زميلي الراحل منذر حميد حكيم غرفة في نفس المبنى عام 1972 وقد شاهدنا معا قطعة خشبية مقلوبة وفوق الكتابة طلاء بسيط وقد دون فوقها اسم احد مقار الحزب في السابق. لتلك الاسباب كان المقر معروف موقعه وغرفه وسطحه والصعود اليه بدرجات كثيرة، في تلك الايام تشكل وفد طلابي من المجموعة الثقافي لتهنئة الرفاق بمناسبة افتتاح المقر الجديد وسط الموصل التي شهدت في اوائل الستينات اشرس موجة عنف طالت المئات من العناصر التقدمية فيما تركها اضعاف ذلك العدد الى المدن العراقية وخاصة بغداد، لذلك كان الحذر واجبا في التعاطي مع تلك الاجواء، على اية حال تحركنا من الجامعة مجموعة من الطلبة لا اذكر منهم الان الا ابن مدينتي كوريال صادق تومكا والطالب عبد الزهرة البصري ذلك العنصر الرائع المشخص مع الزميل عبد الهادي الدجيلي في الانتماء الى القيادة المركزية التي لا تؤمن بالتحالف مع البعث بل تتخذ اسلوب الكفاح المسلح سبيلاً للوصول الى السلطة.
     استقبلنا في المقر من قبل رفاق الحزب وفي مقدمتهم المناضل الراحل توما توماس (ابو جوزيف) وقيادي اخر اسمه الرفيق امين زنكنة، فجلسنا معهم نتحدث وكان المتحدث الاكثر تمكنا والالمع بيننا عبد الزهرة وهو يعبر عن مخاوفه من التحالف والعلاقة الجديدة مع البعث، بالنسبة لي لم اتذمر بل خضعت للامر الواقع ولكنني كنت دائم التصادم مع البعث ومنظمته الارهابية (الاتحاد الوطني) الى درجة كلما تلتقي اللجنة الجبهوية المصغرة في الجامعة يرد اسمي واسم عبد الهادي واخرين باننا عناصر (فوضوية) وضد التحالف الجبهوي، كنت ارتاح كثيرا عندما اسمع ذلك، لشيء كان يضطرم في داخلي كالنار المستعرة للوصول الى الاهداف التي امنت بها.
     لم يمر اسبوع من ذلك اللقاء في مقر الحزب ومن ذلك التاريخ البعيد، في ذلك الوقت طبعا كان الزميل شوكت يوسف توسا قد تخرج وانهى فترة السنة في الخدمة العسكرية الالزامية وعاد الى القوش في خريف 1973 ليشارك في احدى المعارك انذاك، ان شوكت لم يسمع او ربما نسي مصير الطالب الرائع عبد الزهرة الذي خطف ذات يوم من تلك الايام من قبل اجهزة الامن في الجامعة وضيع اي اثر له من ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا. كنت دائم التجوال مع عبدالهادي الدجيلي في اروقة الجامعة ويوما صادفنا عنصر من عناصر الامن الغريبة عن الجامعة كما وصفهم بحق شوكت توسا في مقالته، رمقنا ذلك العنصر كالعادة بنظراته المريبة، وكان شكله متوسطا في الطول يتمايل جسمه مع كرشه عند السير وهو يرتدي البدلة المدنية وبربطة عنق، هنا قال لي عبد الهادي هل انتبهت الى (كلب) الامن الذي كان يلاحقنا بنظراته الحاقدة، قلت نعم، فقال لي بانه الشخص عينه الذي اعتقل عبد الزهرة، وبمرور الايام كنا كلما نراه في شوارع الجامعة انا وكوريال تومكا نقول هذا هو الذي اعتقل عبد الزهرة، وعند تعييني مهندسا في الفترة بين عامي 77- 78 كنت ارى نفس الشخص القذر امامي في سوق قضاء سنجار فاتجنبه واحيانا اغير مساري خوف ان يشخصني فتبتدأ دورة الاستدعاء والاستفزاز.
     تلك هي قصة عبد الزهرة البصري الذي غيّب شأنه شان الالاف من خيرة ابناء شعبنا وكما يقول الشاعر سعدي يوسف (الوجوه التي غيبت بين قصر النهاية والماء والعجلات السريعة) على يد اجهزة البعث المرعبة والمدعية زورا وبهتانا بالقومية والوحدة والاشتراكية شعارات كاذبة ديماغوجية، انهم تشربوا من مبادئ الفاشية فاصبحوا اسوء منهم متعطشين للدماء، قتلة، وارهابيين حقيقيين هؤلاء الذين ابتلى العراق بهم قرابة اربعة عقود.
     اما وقد ورد اسم عذاب الركابي في مقالة شوكت والركابي شاعر مجيد من الديوانية كان طالبا في كلية الاداب في السبعينات، توطدت علاقتي به كثيرا لشعره الحماسي وعن طريقه احببت الشعر الشعبي الجنوبي. مرة كنا عائدين من احتفال في منطقة دير ماركوركيس شمال الموصل، انذاك كانت المنطقة المحيطة غير مسكونة كما اليوم، انشد عذاب الركابي مقطعا شعريا يقول (باكو جلماتي مني وكَالوا اخرس وما يحجي) ويقصد بسارقي كلماته البعثيين، بعد ذلك اهدى بعض قصائده المكتوبة بخط يده الي، احتفظت بها سنينا حتى جاءت ضربة البعث لنا في اواخر السبعينات فلم استطع الاحتفاظ بها، لكني اتذكر مقطع يخاطب الشهيد فهد قائلاً: اصفك شما ينباك الجف العندي بجفك اصفك، واحجي بحجيك "قوو تنظيم حزبكم، قووا تنظيم الحركة الوطنية". ثم يواصل منشدا: لنّه صوت من الصرايف من بيوت الطين " وطن حر وشعب سعيد". في فترات سابقة سألت عن عذاب الركابي فقيل انه في ليبيا وحاولت الاتصال به بالانترنيت ولكني لم اوفق، والان اسمع من شوكت توسا بانه في مصر وحبذا لو اعطاني وسيلة للاتصال به او على الاقل تحيته بعد مشوار طويل من افتراقنا.


من اليسار الشاعر عذاب الركابي- نوئيل يونس ياقو- هدى الفيلية- كوريال تومكا جامعة الموصل 1974

 

من اليسار عبد الهادي الدجيلي- مرتضى ابراهيم الموسوي- نوئيل يونس ياقو
جامعة الموصل 1974
nabeeldamman@hotmail.com
12- 12- 2012
USA 
   
 

149
كلمة في الصحفي الراحل صباح صادق كبوتا
نبيل يونس دمان
نشجت طيور الصباح، عن نَجْمٍ أفَلَ وَراح
مِنْ طْيبِ ثَمَر التُفّاحْ، مِنْ شَذى وَرْد القَدّاحْ
لكن رُويدَك يا صاحْ
فنحنُ في نُواحْ، نُوَدِّعُ الاخ صَباحْ
ايها الحفل الكريم

أسْعِدتُم مساءً
من على هذا المنبر اعبّرُ لعائلةِ الفقيد واصدقائِه، عن كُبرِ خسارتِنا في رحيلِ هذا الانسانُ الوفي، أسيفٌ أقفُ في ذكرى صديقٍ عرفتُه لسبعِ سنواتٍ فقط، فانطبعَت في مُخَيِّلتي صفاتُه، من هدوئه، طيبته، حبِّه للثقافة، ومواظبتِه جلساتنا الاسبوعية. عرفناهُ صديقاً للكتاب وصُحفياً مُخضرَماً عاصرَ كلَّ الانظمة بقلمِه وامكاناتِه، لم يتوغلَ عميقاً في كَنَهِ هذه النُظُم ولم يتحزبَّ الى جهة معينة، بل مَسَّ شِغافَ الجميع ووضعَ نفسَه على مسافةٍ متساوية من الاحزاب والقوميات والطوائف، من الصعوبة أن تميزَّهُ بانَّه من دينٍ بعينِه او طائفةٍ بعينها، بل كان ينظرُ نظرةً واحدةً للجميع، لذلك نالَ احترامَ ابناءَ هذه الطوائف سواءً في العراق او في المهجر، الذي وجدَ نفسَه فيه قبل اكثرَ من ثلاثين عاماً.
كان صباح هاوياً لجمعِ الكتبِ ومطالعاً جيداً وراوياً في الجلسات التي جمعتنا لسنين في إلفةٍ وانسجام، يَحِبُّ النقاشَ والحوارَ الموضوعي، يتأنّى في طرحِ آرائِه، لا تأخُذه الحٍمِيَّةُ او المزايدة في طرحِ ما يراه مناسباً وما هو مُقتنعٌ بهِ. فخرٌ لقريةٍ صغيرةٍ في شمال نينوى إسمها (باقوفا) والتي شبَّهها احد ابنائها ب (حبة خردل) ان تنجب صباح صادق، احد روادُ مجلسِنا الأسبوعي الذي شهدَ تناقصاً ورحيلاً ابدياً لزملاءٍ لنا واخوةٌ،  كنا ولا زلنا نجتمعُ على تبادلِ الافكار واحياءِ جوانبَ الثقافة، وتذكُر وطنَنا هناك بينَ النهرينِ، اشبّهُ مجلسَنا بالمزهريةِ فمِن كلِ حقلٍ زهرةٌ فوّاحَةٌ، وعلى طاولتِه تزولُ الحدودَ والقيودَ الدينيةِ والطبقية والقومية.
ختاماً أوجِّهُ التعازي الى أنفُسِنا والى عائلتِه ومُحبّيه، فَكلُّ نفسٍ ذاهبةٌ الى المصيرِالمحتومِ في موعِدِها، الذكرُ الطيب لصباح والصبرُ والسلوان للجميع.
سان دييغو في 31- 10- 2012


150
رِجْالٌ تَرَكوا بَصَماتهم في سِجِلِّ الزَمَن
نبيل يونس دمان
1- في حدود عام 1935 كانت مجموعة من تلامذة المعهد الكهنوتي البطريركي في الموصل ( السيمنير) تتمشى من مدرستهم الى كنيسة مسكنتا كل اثنين في صف على شكل رتل وبجانبه احد الرهبان، كان التلامذة يسيرون صامتين مطأطأي الرؤوس، على الاغلب كانوا يتعرضون الى بعض اولاد المسلمين هناك فيسمعونهم كلمات بذيئة او يلقون عليهم البصل والبيض الفاسد، لكن التلامذة كانوا يواصلون مسيرتهم متوكلين على الرب. في احد الايام كان يسير معهم مدير المعهد القس ( البطريرك فيما بعد ) بولص شيخو في منطقة اسمها باب البيض، وكالعادة بدأ التحرش والتعرض من مجموعة الصبية، ولكنه تصاعد الى رمي الاحجار، اصاب احدها المدير فجرح رأسه وصار الدم يسيل منه، احد التلامذة واسمه موسيس (1) لم يتحمل الموقف فجرى بكل ما اوتي من قوة خلف الصبية الذين لاذوا بالفرار فلحق بهم واشبعهم ضرباً، وعاد الى الرتل وواصلوا طريقهم. عند المساء ومع حضور سفرة الطعام إلتم الشمل كلٌ في مقعده بإنتظار إيعاز القس بولص شيخو بالشروع بالأكل، هنا طلب القس من التلميذ موسيس ان ينهض من مكانه ويركع على الارض نادما، ونام تلك الليلة بدون عشاء .
2- في الخمسينات وفي منطقة ( عقد النصارى ) المطلة على شارع الرشيد ببغداد، اوقف القس موسيس عربة نقل تجرها الخيول، فاتفق مع السائس لايصاله الى الكرادة بمبلغ 250 فلسا ً، عند الكرادة نزل القس من العربة الى الارض فنقد السائس المبلغ، هنا رمى ذلك الانسان المبلغ في وجه القس مدعياً انه قليل، وبعد نقاش غير مجدي تفوه السائس بكلمات غير لائقة بحق الكاهن، فما كان منه الا ورفع السائس من مقعده في العربة وانزله ارضاً ثم انهال عليه ضرباً وركلاً، تجمهر الناس حولهم ونطقوا قائلين " يا ابونا كاد المسلم يموت بين يديك " والسائس يقول: انظروا يا امة الاسلام، فاثارهم ولكنهم تمالكوا انفسهم ليسمعوا حجة القس،  وعند سماعهم القصة انقلب الموقف، وقالوا يا ابونا حسنا فعلت ولم تقصر معه. (2)
3- كان خالي الراحل يونس اودو طالباً في مدرسة السيمنير في الخمسينات من القرن الماضي، في احدى اجازاته الى بغداد اصطحبه عمي كامل الى محطة قطار الموصل مشياً على الاقدام من منطقة كنيسة مسكنته، في الطريق وقبل الوصول الى محطة القطار هجمت عليهم مجموعة من اولاد المسلمين فخطفوا قلنسوة طالب المدرسة الدينية وعند محاولته ارجاعها صار الواحد يناولها للثاني، فكلما اقترب يونس من الذي بيده الطاقية رماها بدقة الى اصحابه، وهكذا بعد ان عجز التلميذ والذي معه قررا المضي الى المحطة بدونها، هنا شرعت المجموعة تهزج هذه الكلمات المسيئة ( هذا القَسْ ما ينمَسْ، يَزرَع فجِلْ يطلَع خَسْ ). (3)
4- زار يوماً القس بولس بيدارو القوش وهو معروف ومشهودٌ له بتمكنه من اللغة والشعر السرياني، تجمع الاهالي لسماع قصيدته، فكانت متقنة تحدث فيها عن الادباء واللغويين السريان وعند انتهائه طلب من الحاضرين إبداء ملاحظاتهم فلم يجب احداً. كان القس يوسف عبيا جالساً يستمع هو الاخر، فالتفت اليه بيدارو قائلاً: ها رابي عبيا ما رأيك؟ فقال له قصيدة جيدة ولكن ناقصة، فقال بيدارو وقد صعق: وما النقص الذي فيها، فقال: انك لم تتطرق الى ادباء ولغويين من هذه البلدة، فقال بيدارو: انت على صواب، وانا اعتذر، ولكن انت اكمل ما تراه مناسباً ، فهم الجميع ان بيدارو القى الكرة في مرمى عبيا حتى يحرجه، لكن عبيا فهم اللعبة وتعهد بان يكمل القصيدة في نفس الوقت من اليوم التالي. رجع عبيا وانكب على القرطاس رابطا الليل بالنهار ليجاري قصيدة بيدارو في رونقها ووزنها المتميز وهكذا اضاف ابياتا تذكر وتمجد خطاطين ومؤلفين وشعراء من البلدة القوش، وفي الموعد المحدد حيث إلتم الجمع، صعد عبيا المنبر والقى ابياته بصوته الجهوري وحركات يديه المعتادة فكانت بحق جزءً مكملاً لقصيدة بيدارو في قوتها وبالغ تاثيرها فاعجب الجميع بما يسمعه فيما بيدارو يصفق بشدة وهو يردد ان احسنت يا عبيا، تكاد لا تتميز ابياتي عن ابياتك فتكاملت وتناغمت القصيدة، ثم طالب الحاضرين  بان يهتموا بالقس عبيا فهو موهوب ونادر من يضاهيه في التمكن من لغة ابائه واجداده السريانية المتجذرة في اعماق التاريخ.(4)
5- عندما كان القس يوسف ( ايسف ) عبيا قسيسا في قرية تلّا يخدم الجماعة للفترة من 1920- 1923  توطدت علاقته بالجميع من مسيحيين ومسلمين  لمواهبه وقابلياته وثقافته الواسعة، في احد الايام اشتكى حسين أغا المنطقة من احد الملالي الذ لا يفقه من الدين شيئا سوى امور ساذجة تثير الشكوك،  الاغا يسكن قرية بلا القريبة جدا من تلا ولذلك تطلق تسمية القريتين معا ( تلّا و بلّا ) على غرار ( حرير وبيطاس، بعشيقة وبحزاني وهكذا ) فدعا حسين أغا يوماً عبيا الى وليمة، وفي موعدها المحدد حضر اعوان المنطقة هنا طلب عبيا من الأغا ان يعطيه الضمان والامان في ما يراه مناسباً، هكذا تحرك عبيا بذلك الاتجاه وفيما التحضيرات جارية على قدم وساق، انسل عبيا الى مطبخ الأغا، واوصى ان يضعوا لحم فوق الرز في صحن كل من في الديوان بمن فيهم القس نفسه، اما صحن الملا فاوصى ان يضعوا قطعة لحم تحت الرز، اعتاد الملا كلما يدخل الديوان ان يصيح بالجميع: انهضوا لقد نهض الله فينهض الجميع، ثم يقول: اجلسو لقد جلس الله، فيجلس الجميع، من هنا بدا تذمر الاغا وساورته الشكوك، والان وبحضور القس عبيا اختلف الموقف فعندما دخل الملا الديوان صاح بالجمع ان ينهضوا فقد قام الرب، اوقفهم عبيا بصوته الخارق ان يبقوا جالسين في محلهم، لم يقل الاغا شيئا فيما تصاعد غضب الملا تجاه القس، حان موعد تقديم الطعام في صحون وكل صحن فوقه قطعة لحم ما عدا صحن الملا ، شرع الجميع بالاكل والملا ساكت لا يتكلم ولا ياكل، فقال الاغا: تَفضّل ملا شاركنا بالاكل، انفجر غضب الملا وهو يقول: اهذا هو احترامك لي يا أغا تُفضّل عليّ القس النصراني وتضع امامه اللحم وامامي لا شيء، هنا تحرك عبيا نحو صحن الملا، فحرك الرز قليلا فاذا قطعة كبيرة من اللحم في صحنه، سكت الملا على مضض، هنا قال عبيا: كيف يا ملا لم تر قطعة اللحم المخفية بين الرز فيما ترى الله عندما يقوم وعندما يجلس، اصفر وجه الملا واصبح مسخرة امام الجميع، فطرده الاغا حسين شر طردة، وقال له لقد انكشفت ألاعيبك.(5)
 (1) المطران قرياقوس موسيس: ولد في الموصل سنة 1921. توفيت والدته وهو صغير فاقترن والده بفتاة من تلكيف وسكنوا هناك حيث عمل والده صائغا فيها، دخل المعهد الكهنوتي  البطريركي بالموصل سنة 1933. رسم كاهناً سنة 1943 بالموصل ( اطلق عليه لقب قس عنتر لشجاعته ) أرسل إلى روما سنة 1946، عاد الى بغداد عام 1950 وخدم في كنيسة أم الأحزان، رسم مطراناً على أبرشية العمادية سنة 1968، توفي سنة 1973.
(2) سمعت هذه القصة  وسابقتها من القس المرحوم عبد الاحد النجار (1922- 2002) .
(3) سمعت القصة من الاستاذ كامل ياقو دمان ( 1939 ) .
(4) من اوراق الاديب الراحل نوئيل قيا بلو ( 1934- 2012 ) .
(5) يتداول الكثيرون من اهالي القوش هذه القصة ويتناقلونها من جيل لجيل .
nabeeldamman@hotmail.com
Oct. 04, 2012



 

151
المنبر الحر / بيت أودو الألقوشي
« في: 15:53 23/09/2012  »
بيت أودو الألقوشي
نبيل يونس دمان
     من البيوت المعروفة في بلدة القوش الاشورية العريقة، بيت اودو الذين تقع بيوتهم في مركز البلدة القديمة وتسمى تلك البقعة ( محلة اودو ) في مركزها تقع قنطرة هذا البيت الذي ذاع صيتها في مجلسها الشعبي ( ديوان ) الذي كان جمعه يفترش ارضيتها اكثر ايام السنة، ويكون غنياً بطروحاته واحاديثه وفكاهاته.
     نزح جد تلك العائلة من منطقة تخوما ( دياردين- تركيا ) ، في بداية القرن الثامن عشر، وكان ضليعاً في الطب والعقاقير والمراهم، فامتهن واولاده واحفاده تلك المهنة المحترمة واجادوا فيها، لذلك اطلق عليهم لقب حكيم ( الطبيب ) ككلمة مرادفة لاودو. كما ويطلق اسم مرخو على فرع منهم، يتسلسل من الشماس ميخائيل ( مرخاي- مرخو ) ، شقيق البطريرك مار يوسف اودو.
     تذكر المصادر ان ماروثا الحكيم، المنحدر من القس دانيال بن أدم اودو، وهو العالم في التاريخ والابحاث الآثارية، قد توصل الى معنى اسم القوش، بانه مشتق من كلمتين ايل- قاش فالاولى تعني إله والثانية تعني الكبير لتصبح ( الاله الكبير ) وانها كانت عامرة منذ العصور الوثنية.
     توارث الابناء مهنة الطب الشعبي من آبائهم في تلك الاسرة، وقد اشتهر منهم: حنا حكيم ابن القس دانيال المار ذكره في أمد ( ديار بكر ) ، حيث اصبح طبيباً خاصاً للوالي العثماني. وكذلك اشتهر منهم يونس اسحق هرمز، يوسف اسطيفو منصور، هرمز اسطيفو منصور، شعيا مرخو ، صادق شعيا مرخو، ياقو حنا مرخو، وكان آخرهم حميد ياقو مرخو ( 1912- 1997 ) ، ومن الفرع الاخر كان جدي لامي كوريال اسطيفو منصور المتوفي عام 1960، والذي عرفته القرى الجبلية طبيبا بارعاً، حاملاً حقيبته الطبية ( جنته ) على كتفه، متجولاً في شعابها ووهادها.
     من ابرز الرجال الكنسيين الذين انجبتهم عائلة اودو هو البطريرك مار يوسف السادس اودو ( 1792- 1878 ) هناك قصة يتداولها اهل القوش تقول ان البطريرك مار يوسف عندما كان في مفتبل العمر عندما اخذه والده هرمز الى دير الربان هرمزد، الذي جدد حياته الرهبانية للتو الانبا الشهيد جبرائيل دنبو عام 1808 ، اعجب الرهبان ورئيسهم به لمواهبه ودماثة خلقه، وارادوا ابقائه بينهم، فرفض والده، وحين انحدارهم في الوادي باتجاه القوش، سقط مصادفة حجرا فجرح رأسه، مما حدى بهم العودة الى الدير لعدة ايام للعلاج، كانت تلك الحجرة بمثابة دعوة إلاهية! .
     لقد كان البطريرك ورعاً تقيا ومحبا لشعبه، لتلك الاسباب تعرض لالوان التعذيب الجسدي والسجن على ايدى الباشوات: باشا راوندوز وباشا العمادية وباشا الموصل. ظل في علاقة متوترة مع روما بسبب ملبار في الهند حتى اواخر عمره، في عهده بني دير مار كوركيس في بعويرا قرب الموصل ، وكذلك دير السيدة حافظة الزروع قرب القوش عام 1858، في هيكل ذلك الدير ينتصب مرقده الذي تعلوه رخامة مكتوب عليها ( كونوا كالحيات في حكمتكم، وكالحمام في وداعتكم ) .
     نابغة آخر من بيت اودو كان المطران مار توما هرمز اودو ( 1855- 1918 ) ذلك الحائز على شهادات عليا من روما، ومؤلف العديد من الكتب ، ابرزها قاموس ( كنز اللغة الارامية ) وهو مرجع علمي يهتدي به كل باحث في اللغة التي تكلم بها السيد المسيح . في اواخر عام 1917 تراس الوفد الاشوري للمباحثات مع الحلفاء في تبريز وتفليس، والذي ضم في عضويته مار ايليا ابونا ( القوش ) والقس اسحق ملك يونان . نال اكليل الشهادة على يد الفرس عندما هب لمساعدة شعبه المتعرض للفناء في اورميا، حيث كان ينقذ الالاف ليرسلهم في الطريق المؤدي الى بعقوبة في العراق. روى قصة مصرعه البطولية القس يوسف ( جكا ) نيسان الذي فرّ من هناك بصعوبة بالغة ليصل الى بلدته القوش.
     المطران اسرائيل هرمز اودو ( 1858- 1941 ) هو شقيق مار توما ، خدم في ابرشية البصرة وبنى كنيسة مار توما التي ما تزال قائمة حتى يومنا هذا. ثم خدم في ابرشية ماردين لثلاثين عاماً وحتى وفاته فيها. له قصائد في رثاء شعبه الذي تعرض للمجازر في ادنة والجزيرة وسعرد ووان وغيرها اعوام السفر برلك العجاف.
     في عام 1880 جاء الى القوش شيخ قبائل الطيان المدعو كولان مع مجموعة من المسلحين، عاثوا في البلدة فساداً، شتموا واهانوا اهلها، ثم سلبوا السوق، ومضوا الى ديارهم باتجاه غروب الشمس. هنا حدث هياج شعبي اضرم شرارته القس هرمز والد المطرانين المذكورين اعلاه، واضعا جلبابه الكهنوتي جانباً، ومرتدياً عدة القتال، فنادى بالغيارى وشق طريقه خلف كولان وازلامه. لحقت به مجموعة من الشبان المتحمسين، واستطاعوا ان يلحقوا اعدائهم خلف قرية داكان الايزيدية، فحدثت معركة حامية بينهم. اثنائها صاح احد الشبان ويدعى حنا بهاري بالقسيس قائلاً: ان الشيخ كولان كاد يصيبني وانه الان تحت مرمى نيراني، فماذا افعل به؟ فقال له القس هرمز ارسم علامة الصليب ( صور شوحا ) يا بني وتوكل .....فعل حنا بهاري ذلك .... وبعد لمح البصر هوى الشيخ المعتدي على الارض صريعاً، فتشرذم اصحابه لا يلوون على شيء، تاركين ما سلبوه في مكانه، وعاد القسيس الى بلدته ظافراً.
     لعائلة اودو حالياً مطران اسمه مار انطوان المولود في حلب سنة 1946، لابوين القوشيين فوالده داود ( اودو الصغير ) غادر بلدته عام 1924، غداة مقتل شقيقه الاكبر يوسف ( عمّه تومي ) على يد اثنين من بيت توحلة الموصلي، والذين لاقوا جزائهم العادل قتلاً . اذن توجه داود قاصدا حلب حيث عمه الخوري ( المونسنيور ) حنا اسحق هرمز، وعمره آنذاك 14 سنة. تزوج بعد مدة من الفتاة زهرة ابنة سليمان ككه ميا اودو المولودة في ديار بكر بتركيا، عاشت تلك العائلة في حلب وحتى الان. برز من ابنائهم انطوان الذي نذر نفسه لخدمة الشعب والكنيسة، فرسم كاهناً عام 1979، ومطراناً عام 1992 على يد البطريرك الراحل روفائيل بيداويذ. المطران انطوان حائز على عدة شهادات عليا منها: دكتوراه في الآداب الشرقية من جامعة السوربون- باريس 1979، واجازة في علوم الكتاب المقدس، واجازة في علوم الفلسفة اللاهوتية.
     كاهن آخر من بيت تودو وهو الاركذياقون قرداغ ( اركان ) حنا حكيم الذي يخدم الان في شيكاغو ضمن كنيسة المشرق الاشورية بهمة ونشاط .
مدخل متواضع او محاولة في رسم شجرة عائلة اودو الألقوشية المعروفة:
اودو ولد:
اسحق، ادم.
 ادم ولد دانيال ودانيال ولد القس ماروثا و حنا.
حنا ولد سليمان، يوسف.
اما سليمان فولد زهرة التي اقترنت ب داود اودو في حلب في الثلاثينات من القرن الماضي.
يوسف حنا دانيال ادم اودو فولد سعيد الذي عاش في حلب ولد يوسف، ميشيل، وسلام.
اسحق اودو ولد هرمز وهرمز ولد:
البطريرك مار يوسف عام 1792، اسحق، ميخائيل ( مرخو ).
اسحق هرمز اسحق اودو ولد :
خوري بولص، منصور، يونس، المونسنيور حنا.
منصور اسحق هرمز اسحق اودو ولد:
كوريال، موسى، هرمز ( مامينو ) ، يوسف ( عمه تومي ) ، عيسى،  داود.
كوريال اسطيفو ولد:
بولص، جلال، جمال، يونس، عزيز، كرجية ( والدتي ) .
داود والد المطران انطوان في حلب.
ميخائيل ( مرخو) هرمز اسحق اودو ولد:
شعيا، ججو، خوري هرمز:
خوري هرمز ولد المطرانين المعروفين مار توما ومار اسرائيل.
ومن شعيا ولد صادق ومن صادق ولد سليمان والد زوجتي كفاح.
ججو ولد حنا، بطرس، داود.
حنا ولد:
ياقو، ممو، جعفو، ججو، ساكا، اوراها.
ياقو ولد حميد، سعيد، حنا.
حنا ولد:
الاركذياقون قرداغ ( اركان ) .
ملاحظة 1
لدي تفاصيل اكثر عن العائلة لمن يطلبها.
ملاحظة 2
هناك عائلتان ترجع اصولها الى بيت اودو وهي:
تعينو و كك حنو- بونا، لا استطيع ربطهما بمدخل الشجرة المقترحة الا بالاستعانة بمنتسبي العائلتين والسجلات الكنسية معاً.
nabeeldamman@hotmail.com
Sep. 22,  2012

152
المنبر الحر / فلم براءة المسلمين
« في: 23:58 15/09/2012  »
فلم براءة المسلمين
نبيل يونس دمان
    فلم براءة المسلمين رغم الضجة الاعلامية التي تتصاعد ضده ورغم المبالغ الكبيرة التي انفقت لانتاجه فهو ضحل لا يرقى الى مصاف الافلام الراقية التي تخلد اصحابها لزمن طويل. كان الكرملي الخالد على صواب عندما علق لافتة تمنع الجدالات الدينية في مجلس الجمعة ببغداد في النصف الاول من القرن الماضي والذي كان يكتظ بالعشرات من المفكرين من مختلف الديانات. ان الاديان تأخذ وتقاس متكاملة اما اذا جزأها الانسان حسب اهوائه فقد يصاب المؤمنون بالحيرة وتصبح مادة سهلة للتحريف واثارة الفتن او ربما تدرك في غير معناها فيساء فهمها وتاتي بافعال تلحق اشد الاذى بالمنجزات التي حققتها الانسانية، ان الاديان دعوات اصلاح وليست معتقدات وافكار تدعو للعبثية والعنف.
     اقولها بملئ الفم ان الفلم مسيء وينبغي سحبه ووضح حد لهذه التخرصات بين فترة واخرى لجس نبض الشارع المكهرب اصلا ، يتطلب رفع الفلم عن المداولة والنشر ومحاسبة اصحابه ليكونوا عبرة لمن يعتبر، فحل مشاكل العالم الاقتصادية والاجتماعية وصولا الى ما نشهده من صراع الحضارات او تصادم المعتقدات وان بصورة مخفية، لا تحلها دعوات التشهير بالجانب الاخر وجرح مشاعره التي تراكم بناءها عبر مئات السنين وربما تحتاج المسالة الى مئات اخرى حتى يهتز هذا البنيان المترسخ وقد لا يهتز ابداً، بالامكان هدمه بسهولة باستخدام وسائل الابادة الجماعية وقد سبق تطبيقها بهولها وبشاعتها لكنها لم تحل المعضلات التي على الارض، ودفعت الشعوب اثمانها باهضة.
     ختاما انا ضد العنف والعنف المضاد وانا مع الحوار بين الاديان وضد اية حرية تتجاوز حدها في جرح مشاعر الناس وزعزعة ايمانهم المنتقل اليهم عبر القرون، انا مع حرية الفكر والايمان في حدود القوانين التي وضعها الانسان وتطورت الى ما هي عليه اليوم،  وانا مع استتباب الاوضاع في الشرق الاوسط والعالم وان يسود السلام الارض كما قال المسيح " وعلى الارض السلام وبالناس المسرة ".

153
ناحوم الالقوشي
الشماس حنا شيشا گولا
من هو ناحوم واين ولد:-
بموجب المصادر التاريخية والكتب المقدسة يوجد ستة عشر نبياً منهم اربعة كبار وهم:- اشعيا- ارميا- دانيال- حسقيال، واثنا عشر صغار وهم:- هوشع، يوئيل، عاموس، عوبذيا، يونان، ميخا، ناحوم، حوفق ( حبقوق ) ، حكي ، زكريا ، ملاخي .
ان النبي ناحوم هو احد الانبياء الصغار، وهو مولود في بلدة القوش الاشورية التي هي من المدن الشمالية لوادي الرافدين ( العراق حالياً ) حين كانت الامبراطورية الاشورية تحكم هذا الوطن الذي نبعت منه الحضارة.
كيف كانت ولادته:-
ان ملوك الامبراطورية الاشورية والكلدانية قاموا بحروب كثيرة مع الدول المجاورة بغية توسيع امبراطوريتهم وفرض سلطتهم على الشعوب المجاورة، وكان شلمانصر الثالث اول ملك اشوري قام بهذا التوسع، وقد حارب مملكة يهودا الفلسطينية وانتصر عليها، ثم قام بسبي عدد منهم وجاء بهم الى العراق الحالي، كان ذلك سنة 859 ق. م. وكان المسبيون الذين جلبوا الى وادي الرافدين شباب وشابات بغرض تشغيلهم بامور الزراعة. وجلب عدد من هؤلاء الى القوش وعددهم يربوا على اربعين عائلة حسب قول الشيوخ المسنين فيها، وان جد النبي ناحوم كان احد المسبيين الذين اقدموا الى القوش.
حسب الاحاديث والقصص التاريخية اكد بان جد النبي ناحوم كان يعيش في القوش، ورزق بولد سماه القون نسبة الى القوش، والقون بعد ان كبر وتزوج رزق ببنت سماها سارة ( ومعناها سرور ) وكانت بكر ابيها وامها، وان هذه البنت لم تتزوج اطلاقاً وبقيت بتول باكر حتى وفاتها، وقد دفنت في صحن حوش المعبد ( او الكنيسة ) ولا زال قبرها موجودا ً حتى اليوم، ولقد بني كوخ صغير فوق قبرها بمساحة اربعة امتار مربعة ولا زال الكوخ باقيا ايضا، ولا ننسى ان زوار قبر النبي ناحوم كانوا يزورون قبرها ايضا للتبرك اما النبي ناحوم وهو المولود الثاني لالقون فقد سماه والده ناحوم ( ومعناها المسلي ) وهي كلمة عبرانية .
امتدت سيطرة الاشوريون من النيل الى الهند والصين وحتى شواطئ اليمن والاناضول وارمينيا وقد كانت المملكة الواسعة القوية قاسية على الشعب اليهودي. وان النبي ناحوم تنبأ في خراب مدينة نوأمون العاصمة المصرية في ذلك الوقت ( مدينة طيبة ) وكذلك تنبأ على خراب مدينة نينوى عاصمة المبراطورية الاشورية في نفس تلك الفترة ايضا، وكان ذلك في سنة 660 ق. م. وبسبب الظلم والفساد والفسق السائد في تلك المدن. وقد تحققت نبوته على مدينة نوامون سنة 613 ق. م. وعلى مدينة نينوى سنة 612 ق. م.
اما تاريخ ولادة النبي ناحوم ووفاته غير معروفتان ولكن يذكر بانه عاش اكثر من مئة سنة، ولم يتزوج ايضا شانه شان شقيقته.
مات النبي ناحوم في مدينة القوش الاشورية التي تبعد 48 كم شمال نينوى ولا زال قبره موجودا الى يومنا هذا، وكان اليهود ياتون لزيارة قبره كل عام ويقيموا احتفال رسمي حتى عام 1950 حيث هجروا العراق الى الارض الفلسطينية.
بعد هجرة اليهود من العراق تركت الكنيسة والمعبد والبناء بدون ساعور الى هذا اليوم. ونظرا لمرور سنين على البناء وبقائه دون ترميم فقد تهدمت قسم من الحيطان والسقف.
ان الكثير من اهالي القوش يزورون مرقده وكذلك بعض المسيحيين من خارج القوش ويضرموا الشموع لاعتقادهم بقداسته ويطلبون شفاعته من المسيح.
كان اليهود يقيموا عيد رسمي لهذا النبي كما ذكرنا اعلاه في القوش وحسب التقويم القمري كان يقع عيده بين شهر حزيران وتموز، وتستمر الاحتفالات ثمانية ايام حيث تبتدأ من السبت وتنتهي في السبت ايضاً، وكان اليهود يقدموا الى القوش لحضور هذا الاحتفال من اكثر بلدان العالم وبخاصة من بلدان الشرق الاوسط  وبعد انتهاء الاحتفال يعودوا الى ديارهم.
سرقة رفات النبي ناحوم:-
دخلت المسيحية الى مدينة القوش سنة 60 للميلاد. وقد اعتنق جميع اهاليها من الوثنيين ( عباد الاصنام ) واليهود الديانة المسيحية.
وبذلك فرض اهاليها المسيحيون سيطرتهم على معبد النبي واخذوا يستخدمونه للصلاة واقامة المراسيم الدينية كبقية الكنائس المسيحية في ذلك الزمان. بقي المعبد تحت انظار اهالي البلدة الى ان جاء الحكم العثماني وحكم وادي الرافدين وذلك في سنة 1630 م ، وبذلك تهيأت فرصة لليهود لاقامة دعوى في المحاكم ضد اهالي القوش مطالبين بالمعبد، طالت الدعوى والمحكمة مدة تقارب الثلاث سنوات حيث خسرها اهالي القوش وربحها يهود العراق.
بلغع الخبر اهالي القوش ، فقام عدد من شبان القوش الغيورين بتسلق حيطان المعبد ليلاً ثم دخلوا الهيكل ونبشوا القبر، واخذوا رفات النبي ناحوم الى كنيسة القديس مار ميخا كما خطط لها، ثم وضعت الرفات في اناء خزفي ، وحفروا في الهيكل في الجهة المقابلة لقبر مار ميخا ووضعوها هناك ثم كتبوا عبارة مختصرة وهي " هنا قبر النبي ناحوم " ثم ذكر تاريخ وضعها.
في يوم الثلاثاء المصادف 30- 9- 1987 قام كهنة القوش وهم الخوري هرمز صنا، والقس يوحنان جولاغ، والمطران ابلحد صنا مطران ابرشية القوش قاموا جميعا بفتح قبري النبي ناحوم ومار ميخا النوهدري، واطلعوا على عظام هذين القديسين، وظلت المقبرتين مفتوحتين عدة ايام ليؤمها اهالي القوش للتبرك.
كان الناس في زيارتهم للقبرين يدعون الله وشفاعتهم ان يحفظ مدينتهم الصغيرة القوش من كل قدر وعدوان مكروه، وبعد ذلك وضعت الرفات في محلها وطمرت كما كانت من قبل.
كانت تلك نبذة مختصرة عن حياة القديس النبي ناحوم الالقوشي.
لقد زرت قبره ومعبده قبل سفري الى الولايات المتحدة مع عائلتي يوم الاحد بعد عيد الصليب المقدس المصادف 16- 9- 1990.
اميركا في 1993


154
الشهادات الاكاديمية
نبيل يونس دمان
     كثر الحديث والسجال هذه الايام حول موضوع شهادات الدكتوراه التي تمنح هنا وهناك، وبغض النظر ان كانت حقيقية ام مزيفة، علينا ان نتجاوز هذا الموضوع العقيم ايضا، والذي حرك المهتمون به الى التخندق والتمترس كلٌ حول ما يراه هو الاصدق، لكن الحقيقة ستظهر جلية للجميع يوما ما، آنذاك لا يمكن الالتفاف عليها او حجبها، لماذا كل هذه الضجة حول الالقاب العلمية والاكاديمية، كل انسان حر في ما يراه وما يسلكه ومسؤول عن تصرفاته امام ضميره واهل بيته والمجتمع، ان تَمنح او تُمنح لنفسك مراتباً ودرجات وصفات مشكوك في توفرها، مسألة تخصك وبمقدار مصداقيتها عن وهمها، يتقرر تعامل واحترام الناس لك في ميزان الحياة.
     تتذكرون ايها الاخوة كيف منح صدام حسين لنفسه او منحت له رتبة مهيب ركن وشهادات عليا اخرى في العلوم العسكرية وفي الحقوق والاداب، وهو دكتاتور أجوف أرعن أذاق شعبه الويلات، وانه لم يخدم المدة الالزامية في الجيش العراقي. وهناك اليوم عشرات اذا لم نقل مئات ممن يحملون الشهادات المزورة، ويشغلون مناصباً رفيعة وخطيرة، وهناك الكثير ممن يكذب ويفبرك ويحرف التاريخ وينسج البطولات حول نفسه او مريديه كل يوم على مرآى ومسمع العالم، لكن في كل الاحوال حبل الكذب قصير، والتمويه مهما كان وقعه وقسوته أوان وقوعه، سيفتضح صاحبه ولن يصمد امام عاديات الزمن، ولن يبقى السر مكتوما الى الابد.
     في اواسط السبعينات من القرن الماضي طاردنا وضايقنا البعث في منطقة المجموعة المحيطة بمكان دراستنا الجامعية بالموصل، فاضطررنا انا وزميلي لؤي ان نترك المجموعة ونؤجر غرفة في بيت بمنطقة الميدان الشعبية، تشاء الصدف ان يجاورنا طالب من بلدة بغديدا اسمه فرج ( للاسف نسيت اسم والده ) بعد مدة حصل تعارف بيننا وصرنا نزوره في غرفته التي يشاركه السكن والده العامل مستخدما في احد بنوك المدينة، فرج المذكور كان يدرس في كلية الادارة والاقتصاد، افتهمنا منه انه بعثي الانتماء والمسألة عادية في ذلك الزمان وهو حر في اختياره، لكن نقطة الخلاف معه كانت تتركز في قوله " نحن عرب " فكنا نجادله برويّة ونبذل جهودنا في اثبات اننا لسنا عرب وبالقول ان لنا لغتنا المتميزة، ولنا حضارتنا منذ الاف السنين، للامانة كان والده ذلك الانسان البسيط يقف الى جانبنا ويقول " يا إبني انصت لهؤلاء فهم على حق "  فكان جوابه قاطعاً ومغلفاً بالتهديد " انا لا اريد النقاش في هذا الموضوع، انا عربي واصِلٌ الى قناعة تامة بذلك، ومنتهي من هذا الموضوع ". ماذا كان بوسعنا ان نقول او نتصرف سوى ان نتركه للزمن، هؤلاء ايضا اتركوهم لامتحان الزمن، فماذا بامكانهم ان يغيروا ومن يعترف بهم واية مناصب تنتظرهم، فما يدغدغ احاسيسهم محض احلام عصافير.
     في القوش يتذكر الكثيرون من جيلي وحتى من الاجيال اللاحقة شخصية غريبة الاطوار من قرية الشرفية جنوب البلدة اسمه ( لعازر ) كان يلبس سترة اشبه بسترة المارشالات ويضع على رأسه قبعة مهيبة، ويمسك عصا وكأنه قائد ميداني، واحيانا يتأبط كتابا مطبوعا عنوانه ( قانون العقوبات البغدادي ) في الستينات وبعد كل قهر وحيف يقع على القوش من قبيل حملات الجيش والجحوش والشرطة عليها، ياتي لعازر ويقول " انا الذي حرك كل هذه القوات على القوش حتى يرعوي اهلها " ، وعندما يبادر احدهم بسؤاله " ديخيلا أمثا " فيأتي جوابه السريع " أُمثا لَقاميلا بيزالا " .
     دعوا الذين تعجبهم بل تغزوهم احلام اليقظة، وامراض العظمة، دعوهم يلقبوا انفسهم ما شاؤوا من القاب وتسميات، دعوهم يحلموا فهل الاحلام حرام، دعوهم يثقلوا بالقابهم العلمية والاكاديمية، دعوهم يصفقون ويهللون طربا مع اتباعهم البسطاء الذين لا يريدون ان يروا او يسمعوا او يتعمقوا في المشهد الذي امامهم، او دراسة الحالة بعيدا عن العاطفة والتعصب.
     معذرة ان كانت كلماتي قاسية بعض الشيء، فانا لم اقصد شخصاً بعينه، وانا احترم الناس على طبائعهم، درجات ثقافتهم، سجاياهم، واترك كل واحد على درجة وعيه وفهمه وبناء شخصيته في مراحل عمره المختلفة، لا يمكننا ان ندخل الناس في بودقة واحدة، كلٌ حر وقد ولدتهم امهاتهم أحراراً.
nabeeldamman@hotmail.com
Sep. 07, 2012



155
مرقد النبي ناحوم يستغيث
نبيل يونس دمان
    سبق وان كتبنا عن النبي ناحوم ومرقده في بلدتنا القوش، التي قامت قبل ميلاد سيدنا يسوع المسيح، أي من زمن ظهور الانبياء في العصور الوثنية. هذه المرة يأتي موضوعنا على شكل نداء استغاثة، لبناء ما آل اليه المكان من قِدَمٍ وتآكلٍ وإندثار، ولندعوا كل من تعزّ عليه آثارنا ليمدّوا يدَ العون والمساعدة، لاعادته الى سابقِ عهده وافضل مما كان، بترميمه على الطرق العصرية وما يليق بمكانته التاريخية. معلوم ان الطائفة اليهودية استوطنت العراق منذ عشرات القرون ومن صُلبِها وُلِدَ ل( ألقون) أحد أسرى السبي المعروف، وَلَدٌ سمّاه ناحوم بمعنى المُعَزي، والذي تنبأ بخراب نينوى ونو أمون المصرية. اقيمت العديد من الأضرحة عبر التاريخ حول قبره، وكان اخرها الضريح الحالي المبني في عام 1796 حسب مؤرخ القوش مار يوسف بابانا، وملحق به غرف الزوار ومزار اخته سارة. نبيٌ من الاثني عشر نبياً الصغار، ينعم الله على بلدتنا ان تكون عِظامه مدفونة في تربتها، التي تتقدس دوما به، وبشفيعها الاخر مار ميخا النوهدري.
     مرقد النبي تعود ملكيته الى اليهود الذين غادروا البلاد مرغمين، وقد استوطنوها آبائهم وأجدادِهم فامتزجوا بتربتها، وسرت في أجسامهم مياهُ نهريهِ الخالدين: دجلة والفرات، سوف نختصر الكتابة الى ادنى ما يمكن لنعطي مجالاً للصور التي إلتقطناها في زيارتنا الاخيرة، وهي تنطقُ بحالتِه المُزرية، ونُعلقُ ما أمكننا عليها من وجهة نظرنا ومن باب الاجتهاد ليس إلّا.
     بعدسَتي إلتقطت الصور وعشت عدة اسابيع بجواره، وبصورة ادق عشت في البيت الذي بني قبل اكثر من ثمانين عاما، والذي اقام فيه السادِن ( موشي ) مع عائلته والذي خدمَ المكان في العقود التي سبقت رحيل اليهود الجماعي عن ارضِ العراق. عشتُ في ذلك البيت وانا ممتلئٌ سروراً بجوارِه، فكنت أنعمُ صَباحا قبالَة بوّابته الجنوبية، التي مرت بفترة ربيع قصيرة وهي تعشبُ بالأخضرِالسُندُسي وأوراد شقائقُ النعمان، التي نبتت في كل أطرافِه وفي حوشِهِ وعند ضريح اخت النبي سارَة، الذي موقِعهُ في الجهة الغربية للمجمع، وسط جُنَينة كثيفة الأعشابِ مُتعدِدَة الازهار ومورِقة الاشجار.
     كل شيء بحاجة الى اعادة بناء وترميم واصلاح على الطرق العصرية الحديثة، في صيانة الاثار دون ان تفقد مَعالمها، ولتعبّر عن الماضي في صورة الحاضر. انا اعلن عن ذلك المكان الذي عشت بجواره، وانا ارى الحالة المؤلمة التي فيها، لأطلُب من حكومة العراق المُنتخبة، التي اتصور انها تتفق معي على اهمية المكان عالمياً، وكونه قبلة للسياح من كل حَدبٍ وصَوبٍ، من اليهود والمسيحيين والمسلمين، كما كان في مختلفِ العُصورِ الغابرة. اغلب السنوات الماضية وفي غياب اليهود، قام اهالي القوش وخصوصا الذين يعيشون قريباً منه باصلاح ما امكن وعلى حسابهم الخاص، وأنا بنفسي رأيت قطعة مع الاسف اصبحت قطع متناثرة على سطح الهيكل، وعندها جمعت بعض الاجزاء لاقرأ أسماء اناس من سكنة محلة اودو، الذين صانوا قبته العليا من تسرب مياه الامطار. ثم اصبح الاندثار في كل مكان بتاثير المياه المنحدرة بشدة شرقه ودخولها المبنى، مما ادى قبل عقدين من السنين تقريبا الى سقوط اجزاء من الحائط الغربي وكذلك الشرقي، واحداث اضرار بالغة في كل مكان تنظر اليه، وانت لا تستطيع عمل شيئٍ، سوى ذرف الدموع التي تسيحُ من عينيك.
     رأيت غطاءً معدنياً يغطيه ويُقيه من تأثيرات الطبيعة، وكذلك استُحدثت ساقية كونكريتية بمواصفاتٍ فنية، توجّه المياه الفائضة في فصل الشتاء المنحدرة من الجبل الملاصق، وكلنا نعلم شدة المياه وما تجرفه من صخور واطيان في الزقاق الضيق بين بيت شيخو وبيت رزوقي، وحتى مدخل قنطرة القوناغ من جهتها الغربية. أمَلنا ان تتظافرَ الجهودُ من الحكومة العراقية ومحافظة نينوى وسلطة الاقليم واهالي القوش وكلُّ المهتمين بالآثار والتأريخ، كي يعجّلوا في ترميمِه قبل ان ينهارَ كُليّاً حينها لا ينفع الندمُ، الجميع مدعوون للإسهام في اعادة الحياة، الى مرقد النبي ناحوم كي يرضى عنا فنتجنب سخطه كما سخط في نبوته، بحق نينوى الغارقة انذاك في إثمِها وَجَبروتِها.
     اهيب بالقراء الاعزاء ان ينشروا هذه الدعوة المخلصة على اوسع نطاق، في الاعلام المقروء والمسموع والانترنيت، في طرق كل الابواب، وكسر جدار الصمت، من اجل إظهار مرقد النبي ناحوم معلماً دينياً واثرياً وسياحياً في بلدة القوش، الرابضة من الاف السنين، مقاوِمَة شتّى الظروف والتضاريس السياسية المتقلبة، وهي تفتقر الى الموارد، وتعيش تقريبا حالة الاكتفاء الذاتي، في زمنٍ يصعبُ اللحاق بسُلّم الحضارة، دون أرضية مادية واقتصادية مَتينة.

(1)
البيت الذي سكنه سادن المرقد ( موشي ) قبل رحيله الى اسرائيل قبل حوالي الستين عاما

(2)
الغطاء المعدني المستحدث ( جملون )

(3)
 
(4)
على سطح المرقد ويظهر الكوخ الذي رممه اهالي محلة اودو

(5)
الانهيار في الجدار الشرقي وتلاحظ الساقية الكونكريتية المستحدثة
 
(6)
الجانب الغربي والشارع المبلط من بداية الستينات ولم تجرى عليه اية صيانة

(7)
الباب الرئيسي للمجمع من جهة الغرب، قبل 1948 كان يدخله المئات من الزوار اليهود

(8)
المبنى ملاصق لجبل القوش

(9)

(10)
البوابة الجنوبية

(11)
بيت البطريرك الراحل مار بولص شيخو الذي يقع في زقاق النبي ناحوم

(12)
ضريح النبي ناحوم من الداخل

(13)

(14)
 
(15)
قماش اخضر يغطي الناؤس

(16)

(17)
 
(18)
كتابات باللغة العبرية
 
(19)

(20)
 
(21)
 
(22)
 
(23)
هذه اللوحة المكتوبة بالعبرية قد رفعت من مكانها واعيدت ثانية
 
(24)
صندوق خاص باليهود وقد سقط من مكانه الى الارض
 
(25)
المراقي تؤدي الى البوابة الشمالية
 
(26)
المدخل الرئيسي للضريح ويقع في الجهة الشمالية
 
(27)

(28)
قبر سارة اخت النبي

(29)
 
(30)
ربيع عام 2012 داخل المبنى

(31)
 
(32)
غالبا ما تملأ  هذه  المنقورات الحجرية بالماء لتشرب منها الطيور
 
(33)
باب جانبي

(34)
شرق المبنى

(35)
غرف الزوار التي سكنتها عائلة الشماس هرمز كادو بعد رحيل اليهود وحتى اوائل السبعينات

(36)
باب غربي

( 37)
احد الازقة التي تؤدي الى الضريح

(38)
صورة الزقاق السابق نفسه عام 1950
 
(39)
هذا البيت يقع شرق الضريح، عاش فيه الخوري المعروف يوسف كادو

(40)
من اليمين ابن عمتي صباح جهوري، وكاتب السطور
nabeeldamman@hotmail.com
July, 30, 2012
USA  





156
نقد كتاب- القوش عبر التاريخ- الطبعة الثانية
نبيل يونس دمان

ما اسهل النقد، وما اصعب التأليف، بهذه العبارة افتتح ملاحظاتي بالارقام والصفحات والاسطر:
1- ص 31 فقرة الرأي الثاني، ربما خطأ مطبعي في عبارة( عال قوش) والصحيح آل قوش.
2- ص 71 سطر قبل الاخير كلمة( قسط) خطأ مطبعي والصحيح قسم.
3- ص 72 الفقرة الثالثة( 2000) عائلة في بغداد، خطأ مطبعي والصحيح 200 اذا لم يكن اقل بكثير.
4- ص 88 جدول اصول عوائل القوش حدثت فيه الكثير من التغييرات التي لا ارى ضرورة لها، باسثناء اضافة عوائل جديدة، ونظرا لكون التغييرات كثيرة لا تستوعبها هذه الملاحظات، اذ ربما سنفرد لها موضوعا مستقلا اذا تطلب الامر.
5- ص 104 السطر الاخير من الفقرة الرابعة( ليبشطو) خطأ مطبعي والصحيح ليبطشوا.
6- ص 107 هامش في اسفل الصفحة( كلدو اثور) ربما خطأ مطبعي والصحيح كلدو و آثور.
7-  ص 123 ماهو مصدر الاسطر الاربعة في الفقرة قبل الاخيرة، انها غير موجودة في الطبعة الاولى وتذكرون فيها العثور على عظام النبي ناحوم في هيكل مار ميخا في عهد يابالاها( 1578- 1580) في حين نرى ما يلي(اليهود في العصور المتاخرة وأثناء حكم الدولة العثمانية لبلادنا الذي استمر أكثر من خمسمائة عام ، رفعوا دعوة في اسطنبول عن أحقيتهم في المكان وفي النهاية اي بعد ثلاث سنوات من المرافعات خسر أهالي القوش الدعوة ، كان ذلك في حدود عام 1650، وعندما تناهى الخبر الى أسماعهم ، تسلق عدد من الشباب جدار المعبد ونبشوا قبر النبي فأخرجوا عظامه ووضعوها في إناء خزفي وحفروا لها مكانا ً في الجهة الجنوبية من هيكل مار ميخا النوهدري، ودفنوها هناك) من كتابنا الموسوم- حكايات من بلدتي العريقة- الصادر عام 2008.
8- ص 127 الفقرة الاخيرة ( وقد اقيم تمثال رمزي لمار ميخا سنة 1988) خطأ مطبعي والصحيح 1998.
9- ص 136 السطر قبل الاخير كلدو اثور، ربما خطأ مطبعي والصحيح كلدو و آثور.
10- ص 138 تحت الصورة الفوتوغرافية عبارة خاطئة بنظري( الكهف الاحمر) والصحيح القطع او الصخر الاحمر( كافا سموقا).
11- ص 139 الفقرة الثانية عن قبور الشهداء في جانب الدير، نسيتم اضافة قبر الشهيد بطرس هرمز جركو الالقوشي.
12- ص 141 الفقرة (ج) كنيسة مار هرمزد، والصحيح كنيسة الربان هرمزد.
13- ص 188 الفقرة الثالثة( وقد استعمل كمقبرة لبعض الاشخاص) اقترح اضافة ما يلي: منهم ميخا جونا دمان الذي كانت شاهدة قبره في ذلك الموقع موجودة الى عهد قريب.
14- ص 195 السطر الثاني( وابنه يوسف رئيس المشهور توفي سنة 1881 ) والصحيح 1879.
15- ص 204 الفقرة الثالثة ورد فيها( ثم قال لها عن سبب بناء المزار باسمه ان قبره قد اصبح الان في وادٍ) كان يجب القول مقامه او استراحته لان قبر مار قرداغ في قلعة اربيل وليس ارض القوش.
16- ص 269 في السطر 14 وردت كلمة بديهية( لهم بديهية وسرعة خاطر) والصحيح بداهة. كنت اتمنى من ورثة المؤلف ارفاق نسخة مصورة لهذه الوثيقة التي اغفلت في الطبعة الاولى.
17- 280 في الفقرة الرابعة سطر 2 ورد اسم الجدة ميه فعونا، وارجح انها منّه حماة عيسى رشو شاجا.
18- ص 353 الفقرة الاخيرة ماخوذة من كتابي- الرئاسة في بلدة القوش- ص 139 تلك مسألة عادية، لكن شوه النقل في( شبيرا) جد الكاتب ابرام وردة، وخاميس وغيرهم. وما دونته كان التالي: ومنهم شبيرا( جد الكاتب ابرم داود) .. والعم زيا والد اسحق الاعرج وخاميس وهوليطي وغيرهم.
19- ص 367 الفقرة قبل الاخيرة 13- 4- 1978 وزير الداخلية الاسبق عزت ابراهيم الدوري... برأيي لا يشرف القوش زيارة هذا الطاغي، ولم يكن داعيا لادراجها، علما بان جداول القتلى والشهداء من القوش في هذه الطبعة من القوش عبر التاريخ، بالمئات على ايدي هؤلاء المجرمين.
20- ص 374 رقم 6( الملازم جمال الياس بولا، توفي في السجن نتيجة التعذيب 1963) غير صحيحة وانه توفي طبيعيا بعد عام 1970.
21- ص 375 رقم 15 جبرائيل يونس رمو لم يقتل في مصادمة مع الجيش، بل غرق في احد الانهر السريعة جنوب شرق تركيا.
22- ص 441 الفقرة الاولى الخاصة بالقس كوركيس يوحانا جرى الحديث عن مطران الموصل( يوحنان هرمز) وانه سلم مفاتيح الدير الى جبرائيل دنبو. ذلك غير دقيق فقد اراد المطران يوحنان هرمزد تسليمه مفاتيح واحد من ديرين( مار كوركيس او ومار اوراها) لكن الانبا الشهيد دنبو رفض، فلجأ الى مطران العمادية حنانيشوع من بيت ابونا، والاخير قام بتسليم المفاتيح اليه في عام 1808.
23- ص 476 السطر الثالث ورد ما يلي( هو يوسف بن حنا كوزل بن هرمز رئيس..) غير دقيق والصحيح هو يوسف كوزل بن حنا كوزي بن هرمز رئيس...
24- ص 486 توما صادق توماس 1924- 1996 . تاريخ الميلاد غير دقيق والصحيح 1925.
25- ص 487 السطر الثاني شركة كركوك لم يكن اسمها شركة نفط كركوك بل كانت شركة نفط العراق واختصارا آي. بي. سي.
في الفقرة التالية: في 1958 انتمى الى احدى فصائل الحركة الوطنية..... غير صحيح والدليل مقطع من اوراقه الجزء الاول:
كان اول لقاء لي مع الشيوعيين ، هو مع المرحوم ابرم شماشا سنة 1949 - 1950 حيث بدأ بتزويدي ببيانات الحزب.
26- ص 503 سطر 11 يرد: هذا الصنم الاله( سين) هي منطقة ( روما زليلا) وتدعى اليوم( رومتا دمشلمان) قبل ان يستقر... ، هذا غير صحيح والتسميتان مختلفتان الاولى روما زليلا يقع غرب القوش والثانية( روما دمشلمان) يقع في شرقها.
27- ص 505 الفقرة الثالثة( واهمل البستان بعد وفاة المدعو شمعون طعان ككميخا ...) الحقيقة لم يهمل فبعد وفاة شمعون عام 1955 استلمه اخيه دنو ججو طعان وحتى اوائل الستينات واضطراب الاوضاع، فتركه.
28- ص 513 السطر الاول مرج الشمامسة: هي ثلاثة اماكن عرفت بهذا الاسم. الاول الى الجهة الغربية من القوش لمحلة سينا( انا لم اسمع به) ....... الثاني في شرق القوش خلف قرزي( هذا الوحيد معروف ب جره دشماشي) والثالث بجانب دركشياثا( اسم هذا المرج هو جرا ديرا علايا).
29- ص 518 الفقرة الاخيرة تحت الرقم 2 خان ال سعيد بك: كانت تعود ملكيته الى سعيد بك من امراء اليزيدية. هذا غير صحيح لان سعيد بك من الموصل، وعندما توفي اهدى ورثته الخان الى كنيسة القوش فبني فوقه، مدرسة ابتدائية للبنات في اوائل الستينات.
30- ص 520 الفقرة الرابعة السطر الرابع باسم بيت( يوحانا) وبيت( دمان) واضيف بيت شابا تيلا( خزمي) وبيت ( مدالو).
كانت تلك مجمل ملاحظاتي الاخوية النقدية، ارجو ان ياخذها في الاعتبار ورثة  مؤرخ القوش المعروف مار يوسف بابانا، وهما: الاستاذ حنا والاستاذ جورج اولاد حسقيال بابانا، عند التفكير بطبعة ثالثة والتي لا تبدو سهلة المنال، تحياتي وتهنئتي لاهلي في القوش والمهجر هذا الحب الذي يندر مثيله لبلدتهم التاريخية، واستعدادهم لافتدائها والتضحية من اجلها، والتي بقيت وتبقى شامخة مدى الدهور.
nabeeldamman@hotmail.com
July 14, 2012
USA  

157
14 تموز 1958 في الذاكرة
بقلم نبيل يونس دمان




كنت طفلاً اتهيأ لدخول المدرسة ، عندما عاد عمّي كامل مسرعاً الى البيت والدهشة تعقد لسانه ، والفرحة ترتسم على محياه ، ليقول " لقد انقلبت الدنيا ! " . في حينها سرى خوف في اوصالي وانا احلل كلامه في مخيلتي الصغيرة التي صورت المسألة كأنها انقلاب في كل شيء ، ولكن سرعان ما هدأ روعي ، عندما شاهدت عمي يحتضن والدي ويتعانقان ، ثم يحثان جدّتي لتحرير بعض الفليسات المخبأة لايام الشدة ، اخذ عمي مبلغاً قدره 600 فلساً ليعود بعد قليل وبيده بطارية جافة كبيرة نسبياً . كان المذياع ( الراديو ) قد صمت في بيتنا اشهراً بسبب الافتفار الى المال اللازم لشراء بطارية جديدة ، والذي يمدّنا بالاخبار والاغاني ووقتذاك لم يكن الكهرباء قد دخل البلدة بعد . عبر ذلك الجهاز العجيب ، اخترق موجات الاثير صوت ليس كباقي الاصوات ، مجلجل ، مهيب ، مبشرٌ بثورة 14 تموز المجيدة .
افاق العراقيون على نبا الثورة ، فأشاع البهجة في مدنهم ، قراهم ، شوارعهم ، وبيوتهم ........ في تلك السنة المباركة دخلت مدرسة العزة الابتدائية في القوش ، ولم تمض فترة حتى شرعت ادارة المدرسة بتطبيق نظام التغذية لجميع الطلاب وتوزيع اللوازم المدرسية بالمجان وكذلك بدلات خاصة موحدة . علمني استاذي الاول رحيم عيسى كتو الابجدية الاولى وكتب على السبورة ووجهه يشع نوراً " 14 تموز " ، ونحن الصبية لا نعرف كنه ما كتب ، ولكنها انسابت حروفاً جميلة خطها بعناية المدرس ، ليقول ونحن نردد معه " عاشت ثورة 14 تموز " . ارتفع العلم العراقي ليرفرف فوق مدرستنا ، وغطت صور الزعيم عبد الكريم صور الملك في كل صف من صفوف المدرسة .
لقد شهدت فرح الثورة ، ومع الايام اغتبط الناس بها وبمسيرتها التي تبشر خيراً ، فأقيمت الاحتفالات وازدانت الشوارع الرئيسية والسوق والدوائر الرسمية كالمدارس والمستوصف الجمهوري ومحكمة بداءة القوش ومركز الناحية ( قشلــة) . على طول الشارع الممتد حتى الموصل عبر القرى : شرفية ، تلسقف ، باقوفا ، باطنايا والبلدة تلكيف ، اقامت جميعها الاعراس خصوصاً على جانبي الطريق الرئيسي .
في القوش ، نصبت هياكل حديدية على شكل اقواس على جانبي الطريق ، وزينت باغصان الاشجار التي غطت الهيكل واعطته شكل بوابة خضراء يتوسطها شعار الجمهورية وصورة الزعيم . اقيمت اول بوابة في مدخل البلدة ثم توالت البوابات الاخرى على مسافة حوالي 200 متراً ، وكانت الاخيرة امام مركز الناحية . ارتفعت الشعارات واللافتات الملونة على جانبي الشارع ، ثم بدأت المسيرة الجماهيرية والتي سبقها رتل من سيارات الاجرة بالوانها المختلفة وهي تطلق العنان لمنبهاتها ، ويباشر ساعور الكنيسة موسى قوجا بسحب حبال ناقوس الكنيسة ، وظل مدة يهتز بتلك الضربات الرنانة المتتالية ، وتصل اسماعها الى كافة اطراف البلدة والى اعلى جبلها الوديع الذي يشرف على سهل خصيب كالسندس الخلاب.
انضمت الى الاحتفال وفود الفلاحين من القرى المجاورة والكل يزهو بملابسه ورقصاته الخاصة ، فتقاطرالآشوريين اولاً بازيائهم الشعبية وصدورهم المطرزة بالاوراد شبانا وشابات في اعمار الازهار وعلى رؤوسهم تعتمر القبعة المخروطية المائلة منتصبا على جانبها الريش الزاهي بألوانه ، ووصل بعده الوفد الايزيدي بملابسه الناصعة البياض ويشاميغهم الحمراء ، واخيرا وصل وفد الاكراد المعتني جيدا بهندامه ، وليعقدوا جميعا حلقات رقص رائعة على انغام الزورنة والطبل ، ويطلقوا ايضا اغانيهم واناشيدهم في الهواء الطلق .
كان على راس المسيرة التموزية الرائعة شباب الثانوية المتقد حماسا ، والمعلمون رواد العلم والثقافة ، وكان معلمي جرجيس اسحق زرا في مقدمة المسيرة ، ومعلمي الاخر سعيد ياقو شامايا قد رسم صورة كبيرة لزعيم الثورة ، وفي احدى مراحل المسيرة عزمت على الهتاف وجدتي تقاوم رغبتي ، وانا بذلك الالحاح الطفولي سَمِعَنا استاذي الجليل جرجيس زرا فقال " ليس فيها شيء يا اُمي " ، وناولني يده ليسحبني الى صخرة عالية نسبيا فتصمت المسيرة واطلق هتافي بحياة الثورة ويحدث تصفيق ، فيما يحمر وجهي لما اقدمت عليه ويغمرني فرح طفولي لن انساه ابداً .
انجزت الثورة العديد من المشاريع في بلدتي منها تبليط ازقة البلدة ، واعادة تبليط الشارع الرئيسي المؤدس الى الموصل والذي بلط لاول مرة عام 1950 في عهد مدير الناحية عبدالله صديق الملاح ، مد شبكة المياه الى كل بيت مع نصب خزان في اعلى البلدة لتوزيع المياه . وانشأت بعض المشاريع الخاصة مثل معمل الدواجن لصاحبه منصور كجوجا ، معمل طحن الحبوب لصاحبه الياس الصفار ، ورشة تصليح السيارات لصاحبها صبري نكَارا ، معمل الثلج لصاحبه توما توماس ، كما وبنت الحكومة بناية المسلخ ولكنها اهملت وكانت في حينها اجمل بناية والان باق ٍ منها اطلالها فقط . تشكيل نقابة السواق وفتح مقر لها وانتخاب أول رئيس وهو يوسف عربو الملقب كُتي ، تشكيل رابطة المرأة وانتخاب أول رئيسة وهي صلحة حميكا( ام الشهيد فؤاد شمعون كردي) ، وتشكيل منظمة الشبيبة الديمقراطية وأتحاد الطلبة العام .
لقد خضنا نحن الطلبة اول ممارسة ديمقراطية وكان الاضراب عن الدوام احتجاجا على اعتبار يوم الاحد دوام رسمي في القرى والبلدات المسيحية ، ففي ذلك الجو السلمي الذي اوجدته الثورة ، وقف الطالب حافظ نعيم كَولا ليهتف في ساحة المدرسة ( لا دوام يوم الاحد من الآن الى الابد ) ، فردد الطلبة هتافه وخرجوا باتجاه مدرسة مار ميخا ، وسار الجميع في شوارع البلدة مرددين الاناشيد الوطنية ، وبعد ساعات جاء الجواب من بغداد ، يعتبر يوم الاحد عطلة في المناطق التي فيها الاكثرية مسيحية .
في آذار 1959 قامت مؤامرة الشواف في الموصل ، فوجهت حكومة الثورة نداءا ً عبر المذياع الى كل الغيارى والشرفاء للاسهام في اعادة اوضاع الموصل الى طبيعتها ، فهب رجال القوش الشجعان حاملين اسلحتهم الى الموصل وادوا واجبهم في قمع تلك الحركة التي اريد منها غرق العراق بالدماء ، ويقال ان بسلاء القوش اندفعوا لعبور الجسر القديم ليصلوا الى البلدية قبل غيرهم وليربطوا الجانب الايسر بالصوب الابعد ويسهم ذلك في سرعة انتهاء التمرد . وفي صيف ذلك العام عرضت مسرحية فشل مؤامرة الشواف في ساحة مدرسة العزة وبمناسبة الذكرى الثانية للثورة ، فيما غنت فتاة جميلة اغنية هندية ( هامايا هاجان ) نالت الاعجاب .
في اجواء الثورة تلك ونظرا للمكانة التي تحتلها القوش في المنطقة ، فقد تشكل وفد شعبي ليتوجه على الفور الى عشيرتي الشيخ نوري والحاج ملو المتنازعتين لقرابة العقدين من السنين من اجل المصالحة بينهم . ولكن للاسف لم تكتمل تلك المهمة الشريفة ، فقد سقط بين ايديهم الشاب هرمز اسرائيل بجوري متوفيا بالسكتة القلبية وهم في طريقهم الى قرية ( بيدا ) لمقابلة عبد العزيز الحاج ملو ، فتحملوا صعاب حمله في المسالك الجبلية الوعرة حتى مكان توقف السيارات . شارك لاحقا بمراسيم دفنه في القوش عبدالعزيز الحاج ملو ( وقد قتل في نفس العام على يد سعيد ربتكي ) ومعه مجموعة من المسلحين ، واسلتحهم منكسة وهم يشاركون في مراسم التشييع للراحل هرمز بجوري .
آخر احتفال بعيد الثورة كان في صيف 1962 ، حيث تواصلت الاغاني والاناشيد والدبكات امام المركز ( قشلة ) ، وكان ابرز متظمي الاحتفال طلبة ثانوية القوش ، وفي المقدمة سعيد يوسف اسطيفانا . بعد غياب الشمس انتشرت اشاعة مفادها ، ان مسلحين اكراد يتقدمون من الجبل لاحتلال البلدة ، فحدثت بلبلة بين الناس وانسب الحشد الكبير بشكل مضطرب الى بيوتهم ، وكذلك ارتفعت بعض الاصوات تدعوا الرجال الى حمل اسلحتهم . اتذكر جيدا كيف اسرع والدي الى البيت ونحن لازلنا في ساحة الاحتفال ليجد ابواب بيتنا موصدة ولم يصبر حتى رجوعنا مع المفاتيح ، فكسر باب الغرفة وانتشل بندقيته الانكَليزية ليصعد الجبل مع باقي المسلحين ، ويتم احتلال الجبل دون العثور على شيء . يبدوا ان ظلال الشجيرات في القمة اوحت للناس وكأنها مجاميع متجهة صوب البلدة ، وسبب ذلك الارباك ، ولكن قادة الاحتفال صمدوا في مكتنهم وواصلو الحفل حتى وقت متأخر من الليل .
بقيت ايام تموز محفورة في الذاكرة رغم مرور عشرات السنين ، وقد ارتسمت معالم الفرح الحقيقي على وجوه العراقيين الطيبة ، ومنذ ان غيّب تموز( دمّوزي ) ، لم يشهد العراق نعيما ولا استقرارا بل عاش ليلا طويلا من الاحزان والمآسي والكوارث ، ولكن الامل لم ينته ، ولازال يحدو الجميع بان ينهض وطننا ويقلب الدنيـــا رأساً على عقب ! ليطلق العنان لحصان ثورة 14 تموز الجامح نحو الافق البعيد .

محبوب الشعب الزعيم الاوحد عبد الكريم قاسم


158
المنبر الحر / بغداد بين زيارتين
« في: 14:54 09/07/2012  »
بغداد بين زيارتين
نبيل يونس دمان
     لاول مرة في حياتي ارى بغداد عاصمة بلادي وذلك في صيف 1963، انذاك كان النزول الى بغداد يحتاج الى ورقة عدم التعرض من مدير الناحية، كان الغرض من سفرتنا هو الهروب من الظروف الصعبة التي مرت بها المنطقة، من حملات الجيش والجحوش والحرس القومي، وقد كانت البلدة محاطة بالربايا اضافة لدوريات الشرطة، خرجنا بعد انتصاف الليل، عائلتنا وعائلة عمي حبيب وكانت القافلة تضم رجلين كبيرين في السن وهم كل من ايليا ساكا دمان وعيسى توما قاقا اضافة الى والدي ووالدتي واخواني وزوجة عمي وبناتها الصغيرات، حملنا الاغراض وبعض الاطفال الصغار على حمارين وتركنا القوش عابرين بيادر محلة التحتاني ونحن على اشد ما نكون خوفاً من هجمات متوقعة، ولكن الله كان في عوننا فاجتزنا محيط القوش الخطر وسلكنا طريق الوادي( خو رؤوله) قاصدين قرية حتارة كبير الايزيدية. وصلنا الى حتارة وقصدنا بيت المضمد شابا سعدو قيا فاستضافتنا زوجته( حسينة طعان) الى فطور فاخر، ثم ساعدونا في ايجار سيارة شوفرليت برتقالية بيك اب لصاحبها درويش( اذا لم تخونني الذاكرة)، ودعنا والدي يونس والعم عيسى ليعودا الى القوش، فيما نحن اخذنا السائق عبر الكنود ، في طريق ترابي وعر الى الشارع الرئيسي الذي اوصلنا في اخر المطاف الى محطة قطار الموصل، فحجزنا في قطار النهار وما كان المساء الا ونحن في بيت عمي ايليا دمان في البتاوين( الأورفلية) نمنا ليلتنا فوق السطوح العالية، وفي الصباح خرجت امام الدار الكبيرة من ثلاث طوابق، وكل غرفها مؤجرة للعوائل من مختلف بلدات وقرى شمالنا الحبيب، لفتت انظاري قطعة معدنية امام باب دارنا الجديدة( القابلة نجيبة حنا)، بعد قليل وقف اعرابي بدراجته النارية امام البيت وهو يروم بيع الحليب الطازج.
     عشنا ظروف صعبة من لغة لا نألفها الى غرفة ليس فيها اسرّة ولا مقاعد فافترشنا ارضيتها، قضينا نهارات غير مألوفة من حر بغداد، الى ان ترحم في حالنا خالي بولص عندما كان يسكن منطقة السنك بجلب مروحة متهرئة، تخرج ضوضاء في حركتها، اكل عليها الدهر وشرب، لكننا عشقناها فاقتربنا منها جميعا للتمتع بالهواء الذي تحركه، قبل ذلك لم ارى مروحة كهربائية في حياتي لان القوش ببساطة لم تكن وصلتها الكهرباء حتى  سنة 1968، وكم من مرة مديت اصابعي الى مروحتها فكانت تحدث جلبة فتأتي امي لتعاقبني ضربا. اما مشكلة الماء البارد فكان بيت داود سليمان بلو وزوجته الراحلة نعمي يزوداننا بالثلج من قوالب مربعة في ثلاجتهم المهيبة. وفي العصر صرنا نتابع التلفزيون الذي وضعه اقربائنا في حوش البيت لتسليتنا، لاول مرة في حياتي رأيت الشاشة الصغيرة، ولا زلت اتذكر افتتاح المحطة والبرنامج المسائي وافلام كارتون ثم نشرة الاخبار التي رايت فيها لاول مرة رئيس العراق عبد السلام عارف.
     كنت فوق سطح البيت الذي انا نازل فيه اتمعن في نجوم السماء الجميلة في رصفها، في توهجها، في نظامها الدقيق، اضافة الى المناظر والاعلانات الضوئية في كل اتجاه وعلى الاسطح والعمارات العالية كم كانت الالوان المختلفة للاضوية والنيونات تبهرني انا القادم من بلدة الفوانيس والسُرُج والشموع، واعجبت ايضا بالباص( الامانة) خصوصا رقم( 4) الذي كان ينطلق من ساحة الاندلس الى ساحة الميدان، عبر شارع النضال وتونس والسعدون والرشيد، في شارع الرشيد كانت المخازن الراقية على طول الخط، وعلى الارصفة باعة المفرد من السكائر، والعلك، والحلويات، وحاجات رخيصة، وكتب قديمة، واغاني، وصور، ومغامرات بوليسية، وكنا نصادف ماء سبيل بارد، فنطفأ عطشنا من التجوال الطويل.
     في الايام التالية صرت اكتشف تدريجيا العالم المحيط، فامشي مسافة ثم اعود واوسعها، لتشمل حديقة الاطفال التي تتجمع فيها عوائل المهاجرين من الشمال، كان بائعي المرطبات والباقلاء في مقدمة من نتقرب منهم، في تلك الحديقة المحاطة، بالياس والمياه الدائرة حولها بانتظام، وساحة النصر التي جلبت انتباهي فيها صيدلية الكندي وصيدلية قندلا، وكنيسة الارمن البيضاء الجميلة وامامها الممر ومن جانبيه الازهار والاشجار، حديقة الامة التي فيها بحيرة صغيرة يعوم فيها البط، وجسر صغير يعبره بخاصة الاطفال، ويرمون الشامية ليلتقطها البط، شارع السعدون والعبور الى الجانب الاخر حيث سينما السندباد، ومطعم نزار، واكسبريس فلسطين، ومحل عبد الكريم قنبر أغا للساعات، ومكتبة. في ساحة التحرير رايت تمثال السعدون، والمنصة التي كان الزعيم عبدالكريم قاسم يخطب من فوقها، في شارع الرشيد شاهدت معرض شركة فتاح باشا، وسينما الشعب، وروكسي، وسينما الخيام، كم كانت السينما تستهويني وقد اخذني خالي الى سينما الشعب يوما في المربعة، حيث شاهدت فلم عنترة بن شداد الذي بقيت سنوات اروي لاقراني مغامراته، وفي عام 1966 اقتنيت نسخة من كتاب عنترة الذي لازالت بلاغته واشعاره ترن في اذني. مرة تمشينا انا وصديقين ولاول مرة من البتاوين عبر جسر الجمهورية الى الصالحية، حيث شاهدت مبنى اذاعة الجمهورية العراقية، ثم وصلنا حتى مستشفى السكك. مرة اخرى بل قل مرات قطعنا شارع السعدون، عبر فندق بغداد، وسينما النصر، الى ساحة الجندي المجهول، فرايت النار المتوهجة والجندي الذي يقطع مسافة قصيرة تحت النصب، وهو يحمل بندقية او رشاش مركب عليها الحربة. لم تنته جولاتي الا بعد رجوعي من بغداد مع بدء العام الدراسي في القوش.
     انطلقنا فجر يوم 19/ 4/ 2012 انا واخي فريد بسيارة شقت طريقها عبر الموصل، فتناولنا فطورنا الشهي في قضاء بيجي، ثم عند وصولنا مشارف بغداد صار تشدد غير مألوف سيما وقد عبرنا عشرات نقاط التفتيش بسهولة وقد كانت المنطقة من الغزلاني، حمام العليل، الشرقاط، والقيارة فيها حماية خاصة ملحوظة فكل مسافة قصيرة، ترى عسكريا يذرع او يقف بكامل اعداده التسليحي، في منطقة الطارمية تأخرنا اكثر نسبيا ولاول مرة سأل ضابط عن هويتي فرحب اجمل ترحيب، بعد قطعنا مسافة قصيرة استلمت سيدة القوشية شاركتنا السفرة، مكالمة من بغداد بان انفجارت تحصل الان في الطارمية وفي مناطق اخرى من بغداد، وكنا لم نسمع بها ولم تؤثر قيد شعرة على مزاجنا الرائق في سفرتنا تلك. اوصل السائق السيدة الالقوشية اولا ثم شق طريقه ونحن في شوق الى مرآى بغداد التي هي أم مدن الشرق قديما وحديثا ثم دخلت السيارة شارع يسمى( ابو الطيارة) في الدورة في وقت الظهيرة، فاستقبلنا الاهل بالاحضان ثم كانت المائدة بانتظارنا، وهي عامرة بمنوعات الاكلات البغدادية الطيبة. تكلمنا عن الاوضاع، فقالوا عنها جيدة، فقلت هل بالامكان التجوال لارى بغداد مرة اخرى بعد انقطاع طويل، وهكذا مع العصر خرجنا بسيارة الخال فعبرنا جسر ابو الطابقين الى الرصافة وعبر اماكن لا زالت ترن اجراسا في اذهاننا، عند تذكر ايامها الماضية، حتى وصلنا ساحة التحرير التي كان همّي الوصول اليها، فعهد خالي السيارة الى شرطي في محيط الساحة ليراقبها( خوفا من السرقة) استرخصنا مفرزة الشرطة هناك للقيام بالتصوير، وكان لنا ما اردنا ولكن للاسف كانت عاصفة هوجاء تمر في تلك الاثناء، فتحول لون الصور الى بعض الاصفرار الذي ترونه:
   
     قبل عودتنا الى البيت زرنا مقرات الاحزاب الوطنية في ساحة الاندلس، وفي المساء جلسنا في الحديقة الامامية التي كانت تزداد اخضرارا كلما عمقنا النظر فيها، وقد لا تتصورون انهم يبقون الباب الخارجي مشرعا الى منتصف الليل، رغم طلبي المتكرر ايصاده. في اليوم الثاني المصادف الجمعة 19- 4 خرجنا صباحا انا وفريد اخي وخوالي د. عزيز وجمال في نزهة ومررنا حول ساحة الفردوس التي شاهدنا فيها قاعدة تمثال الدكتاتور المقبور، واسترعى انتباهنا كثافة الشرطة وهم يحملون العصي بايديهم، وعند وصولنا ساحة التحرير كانت حشود اخرى للشرطة عند نصب الفنان الخالد جواد سليم، ولم يذعنوا لسيارتنا حتى بالتوقف، ولذلك اضطررنا ان نتجه في شارع النضال المزدحم جدا بالمارة والسيارات، فاستدرنا عائدين الى ساحة الطيران حيث شاهدنا جدارية فائق حسن التي ما زالت تتحدى الفضاء، ومررنا امام كنيسة الارمن التي هي الاخرى محافظة على جمالها ورونقها وتصميمها الهندسي البديع منذ قرابة ستين عام.
 
     تجولنا في شوارع البتاوين ووقفنا عند السوق حيث الوضع هنا مختلف، فالمنطقة متضررة وخالية تقريبا من سكانها المسيحيين، سواء في المحلات او المرور في العصاري في تلك الشوارع، التي كانوا يتميزون بملابسهم العصرية المتحررة التي تضاهي الدول المتقدمة، والسؤال هل ستعود ايام الستينات والسبعينات اليها؟ فاخبرها بما فعلته الدكتاتورية واكمله الارهاب الاعمى. في المكان الذي فيه الكهرمانة والاربعين حرامي، سمح لنا الشرطة الطيبين بالتصوير، فعبرنا محترزين من سيل السيارات الى النصب واخذنا راحتنا في التصوير، وكذا فعلنا على مشارف دجلة الخير، حيث وقفنا في منطقة جميلة جدا وامام نصب يقابل مبنى جريدة( طريق الشعب) هناك كانت تقابلنا من الجهة الاخرى لدجلتنا، المنطقة الخضراء وقبة القصر الجمهوري، الذي عاث فيه فسادا جزاري شعبنا قرابة اربعة عقود من الضيم.
     نسيت ان اذكر اننا في الصباح وفي شارع ابو الطيارة، وقفنا امام محل للمزكوف، فاشترينا عدد من السمك النهري الفاخر، وحددنا موعد رجوعنا اليه في الظهر، وهكذا استلمنا وجبتنا الشهية. مررنا امام محل يحمل اسم بلدتي العريقة( القوش ) فنزلنا وسلمنا على صاحبه وقال هذا الاسم فقط بقي من كل بغداد، فصورنا معه وجلسنا قليلا نستمتع باحاديثه وبحبه لالقوش وفرحه بلقائنا، كان اسمه لؤي ايليا قلو المحترم، واود ان اذكر زيارتنا الخاطفة الى نادي بابل الكلداني الذي كان في السبعينات والثمانينات يعج بالناس من كل حدب بغداد وصوبها.
     في المساء عبرنا عن اسفنا لعدم المرور امام حي المنصور فاصر الخال ان يصحبنا في سيارته اليه، وما ان دخلناه ليلاً حتى رأينا ما هو غير متوقع، من رقي الحي نفسه، فانا في حياتي لم ادخله، وتخيلت نفسي وكانني في عاصمة راقية من عواصم الدنيا، بمحلاته باضوائه بمطاعمه، ولاول مرة ارى اكثر من مطعم للبتزا، ورايت محلات الذهب التي تشع وتتوهج بكمية وتنوع وتصميم ما معروض فيها، ورأيت جمهوراً لا يعد ولا يحصى من الجنسين وبملابسهم حديثة الطراز، هل انا في حلم؟ أرْكنّا السيارة على الرصيف ورحنا نتجول بفرح غامر جهتي الشارع، وقد شرعت شركات تركية بتوسيع وتبليط جديد وارصفة رائعة لذلك المعلم البغدادي المعاصر، متى يا رب تصبح كل احياء بغداد مثل المنصور.
     في اليوم الاخير لسفرتنا ذهبنا في الصباح الى دير الدورة، وتجولنا فيه وتكلمنا مع ساعوره وبعض المواطنين لكننا للاسف لم نلتق الكاهن المسؤول لانه كان يقوم بتعميذ عدد من اطفال الولادات الجديدة في بغداد الحبيبة. في النهار جهزنا انفسنا لحفل زواج ابن الخال خالد جمال اودو، وبعد الظهر تهيأ موكبنا للتحرك الى بيت العروس، هنا تطوع احد الجيران، وهو مسلم الديانة بسيارته، لنقل مجموعة منا كبادرة طيبة ومجانية نظرا لعلاقة الجيرة التي تربطهم، في مدينة الامين ونحن نزمع اخذ العروس الى الكنيسة إلتمَّ علينا الجيران من كلا الجنسين ومن الاطفال وهم مبهورون بأزيائنا العصرية، ربما كان منظرا لم يألفوه لفترة طويلة، ايضا كان وقع الدبكة في حوش البيت والاغاني التي رافقتها والهلاهل التي شقت ذلك الفضاء، ابلغ الاثر في المنطقة، ثم توجه موكب السيارات الطويل، وهو يطلق العنان لابواقه الرنانة.
     في مراسم البوراخ في كنيسة مار يوسف بخربنده، التقيت الكثير من المعارف والاصدقاء، لم ارهم منذ ثلاثين سنة، وقد ابدع جوق الشمامسة من الشبان في اعطاء المناسبة رونقها وبهائها وقدسيتها. مع نهاية المراسم الرائعة تعالت الهلاهل والزغاريد فردت صداها ارجاء هيكل الرب، وغادرنا الى سياراتنا التي صارت تطلق صفاراتها بشكل متواصل. وصفى بنا المقام في نادي العرسات الذي ابتسم وابتهج بقدومنا، فدخلنا قاعته على انغام الزورنه والطبل، ثم توالت مراسم الحفل الرائعة واكتظ الاقارب والمدعوين الى القاعة وقد ميزنا عدد كبير منهم بعد الفراق المفروض، وانشدت شعرا برّد قلبي المتعطش لجمهور اكن له كل الاحترام والمحبة، وقد اجاد عريف الحفل الدكتور عزيز اودو القادم من بلد النرويج في تقديم فقرات الحفل، وكانا نجمي الحفل العروسان خالد اودو وريتا الريس في عرشهما الملوكي حيث مرّ من امامهم الجميع مهنئا ومتمنيا.
 

     رجعنا في المساء واستعدنا لموعد مغادرتنا فجرا الى القوش عرين الاسود، وسهر اكثرنا حتى حلول موعد قدوم السيارة التي تقلنا، اودعنا اهل الدار الطيبين المضيفين، ومرقت سيارتنا بين نقاط التفتيش وشوارع بغداد التي كانت لا تزال تغفوا في نومها حتى وصولنا قضاء بيجي، وكالعادة استرحنا وتناولنا فطورنا الشهي. وبعد مغادرتنا بقليل خابرت ابن عمتي صباح شعيا عكيل في مصفى التاجي الذي يعمل فيه منذ اكثر من ثلاثين سنة، فلم تسنح الفرصة برؤيته لكننا حظينا بزيارة بيته الجميل في البلدة، فاستقبلتنا زوجته الطيبة نبيل عيسى ﭙولا وشرحت لنا اوضاعهم المستقرة ثم اودعناهم، وعدنا الى القوش بعد مرورنا في الموصل ومشاهدتنا عن كثب مدخلها الجنوبي التي عبثت به سنوات الارهاب فاحالته الى منظر ضاقت نفوسنا منه، نتمنى ان يتعافى ويعيد بهائه وامجاد وجمال ام الربيعين، موصل الحدباء، نينوى العظيمة، امّنا على مدى الدهور. قبل الوصول الى القوش بمسافة حتى قرية الشرفية كان الشارع مزدحماً بالسيارات التي تروم الوصول الى احتفال( شيرا) دير الربان هرمزد الذي اهتز واديه بمئات العوائل التي وصلت من ارجاء محافظتي دهوك ونينوى، كان ذلك في الثاني والعشرين من شهر الربيع نيسان الاغر في ربوع وطن ابائنا واجدادنا.
nabeeldamman@hotmail.com
July 08, 2012
USA





159
غرق ميا وشعيا في الكنود*
اعداد: نبيل يونس دمان
بيشوع مشيحا مَحيانا يا آلاها مرحمانا
بآيا شاتا مشيحيثا دالبا وتمانيئما
كو شوئي وتتي بمنيانا
 باو يوما د شبثا ومطرا وتلكا وبوخا زربانا
 بطريركا مبقلي بكدانا تد آريلا بئوثا اشتا يومي بمنيانا
او ميّا رَيس بيثا د حنا رابي بطرس كهنا
اورها ثيلي حميصا ختنانا
 ميري تا ميا حمصلي شفانا
بي ساعة ليطتا شعيا شوشاني مخيلي بغيرتا
قرولي هرميزا مسركانا سوستا
سوستا مسركنا وسرخلي لابكاري
قومون تاد زالن بثرح الا بد اوذن فطنا
حميصا ختنانا دركولي لسوستا طلب شفانا
طلب شفانا دني بطيبا نبقلي لقيموثح
خوشابا وسيبا، ميا دور لبيثا ودوني بطيبا
خاثح قبلاله كبخيه ولكشوقه
دمليله حمثا دكرشلي سيبا
 وزلي مطيلي لجمِّد تسقوبا
لجمد تسقوبه واني شخينه مطيلي لتللتا وبشوالي كبينه
كد دأيري بارخه قيذي وحقينه وككلي مقراثه
مخيلي بكو لندي دمبلي خرسا كبينه وشلخايا
وميا دنخثلي وبشلي بيايه ومركولي لسوسته كلبا دبدوايا
كلبا دبدوايا كو جمه كليله كمعايط وقاره وكشائش بتيه
هاور دك داره بكو شرفية
اوراها د كباخه موثولي ميا بدياون ليره بكو ديوا محليه
ان شرفنايه اني كابوره دكيتوي كيفي وكجيلي بألوله
شويقي كو لنده ميا وهم خورح شويقي كو لنده ودني بطيبه
وميا بأي لنده بقرتح سيبا كبلي لكمح ومبلي قم كيبه
كبلي لكمح ومبلي لبثواثح غمطلي كو طينه اقلح وايداثح
لاوذلي بخبره د أن اخنواثح
بشله قدمته ودني ديخيلا وان شرفنايه مَر لبّه طميرَه
خورو هاور بالقش طرمي دمسقيلا
طرمي دمسقيلا وتد مطمريلا
ومشمشيلا كهنه لبغري نظيفا دأخلي شكوانه
حيف لجنقه طاوه زالي خو أُبره
خو أُبره نخثلي ميانه ومزبني اروه وكلي قنيانه
ما اوذلي بكاوي كلبد شيفانا ولثيلي بهاور يالد زنانه
يالد زنانه بشمائه بعمي مث اره خلصلي بد مساكر شمي
تاذي بزالي كد هويلي ميمي
كد هولي ميمي كثوتيله بطقسه
خناشه ديوانه دك بانه قصره
دني ما ايبه كُلَّح بد خلصه
دني بد خلصه وبد بيشه ماره
وانا تكيليون بايشوع نصرايه
اخ وايه الي مبلي بلايه
مبلي بلايه وبد موصن لبروني
مُكّي لا غبنت خدمله اخوني
خدوم اخنواثي وكوريه زوره
شد آخل وشاته تد بايش كوره
حيف لجنقوثي دريَه كو قوره
* وضع القصيدة :الشماس اسحق مقدسي في القوش سنة 1872 ايام البطريرك مار يوسف اودو.

160
الياس ياقو قودا
الجزء الثامن والاخير

نبيل يونس دمان
دار حديث بين جماعة الثائر الاشوري المعروف هرمز ملك جكو( 1930- 1963) عن بطولات الياس شلي، فقال هرمز على مسمع رجاله: يجب ان التقي به، فارسل خبرا ينبأ بوصولهم مساء، فما كان المساء الا ودخل هرمز ومعه العشرات من المسلحين( قرابة الستين) وبعد الترحاب الحار والتحية والسلام: سأل الياس: هل انت ابن مالك جكو، قال هرمز: نعم، قال الياس: من الاسد تولد الاسود، ثم سأل هرمز مضيفه الياس قائلا: انت رجل مشهود لك بالشجاعة ما الذي كنت تخشاه؟ قال الياس: لم اكن اخشى شيئا، كنت اخترق الجبال والوديان في الظلام، لم يدخل الخوف الى قلبي، بل كنت مطمئنا بان الجبل والوادي يخافاني! عندما نطق الياس بتلك الكلمات ترقرق الدمع في عينيه، فقام هرمز من مكانه وقبله في جبينه.
 ثم ساله كيف ترى يا عمي قوتنا: هل انت مقتنع بنا واننا سنحقق شيئا، فقال الياس: انكم في عرس، انتم مجموعة وكلكم مسلحين، اما انا فكنت اغلب الاوقات وحدي، اتصدى لعوامل الطبيعة من برد وثلج وحر، اضافة الى من يتربص للنيل مني، ثم طلب هرمز من الياس الانضمام الى القوة واضاف: ستكون على رأسها، فان قبلت ذلك فلن تصمد حتى الموصل امامنا، اعتذر الياس بسبب اعتلال صحته، وشكر هرمز زيارته التاريخية تلك.
في بيته عدة اشجار من بينها شجرة تين رشيقة كانت تصعد الى الاعلى، جاء عصفور وحط في اعلى التينة ووالدي جالس عند الياس يرجع بندقيته بعد سياحة في وادي دير الربان هرمزد، قال لالياس اعطني بندقيتك اضرب الطير في راسه فقال له: هذه التينة عزيزة علي ربما تصيب الغصن الفارع، يقول جمعة داود: بان والدك دقيق الرماية ولكن مع ذلك لم يوافق عمي على المحاولة، ويضيف جمعة قائلا: كان والدك دائم الزيارة لنا. توطدت علاقة والدي به في نهاية الاربعينات عندما تزوج ابن خاله سنحاريب گولا ابنة اخيه حليمة داود، في احدى زيارات والدي له في البيت لاحظ ان اخمس بندقيته برنو متوسطة لم يكن جذابا، وقتها كان الوالد يعمل نجارا في سوق القوش فاقترح عليه تصليحه، فوافق، اخذ الوالد البندقية معه، فكك اخمسها، وصقله جيدا ثم صبغه باصباغ خاصة من نفس اللون فاعطت في النهاية البريق الذي افرح ابو جميل.
كانت بندقيته التي حملها على كتفه في اخر زمانه البرنو متوسطة الطول وقبلها امتلك بندقية المانية تسمى محليا هدية باش، كان شديد الاعتداد بسلاحه من خنجر الى ناظور الى مسدس فالبندقية. يوما طرق بابه، فخرج ابن اخيه ليفتح الباب فيما هب الياس وحمل بندقيته، فتح جمعة الباب واذا الطارق زبير( زبو) المعروف من قرية بيبوزي وهو بكامل سلاحه واستعداده، قال له جمعة: من انت؟ قال: انا زبو، وماذا تريد؟ هل عمك هنا؟ نعم، اريد مقابلته، فقال جمعة: اصبر حتى ابلغه، رجع جمعة يبلغ عمه بهوية الطارق فقال له: هل هو مسلح، قال: نعم، ومن معه، قال: لوحده، قال: قل له ان يدخل، فدخل باحترام وسلم على الياس وجلس ثم ساله: عن قصد الزيارة، فقال زبو: جئت لاشتري بندقيتك، قال: هذا هو الغرض، قال: بلى، اجابه اجابة فيها نبرة حزم، كرر اسمه مرتين تأكيدا واستصغارا: هل رايت احدً يبيع زوجته، وبالكردية( زبو زبو تديت ايك جناوي فروشي). فتلعثم زبو ولم يدري كيف يغادر بيت الياس شلي.
عانى في اواخر عمره من مرض في اطرافه السفلى كان يعيقه من السير الطبيعي، فاستعمل العصا( الكوﭘال) لتعينه في المشي، قضى معظم وقته في البيت الملاصق للجبل او في الحقول الزراعية فلاحا، واصبح يجلس في ديوان محلة سينا، وتقرب من الكنيسة وغدا عضوا في اخويتها، صار يستقبل الزوار لمن سمع به وتاثر بمغامراته وبطولاته، كانوا يقصدونه من الموصل وبغداد وتلكيف، وشخصيات القوشية معروفة في ذلك الزمان منهم: جورج جبوري خوشو مدير مدرسة اللاتين، عبد الرحيم اسحق قلو، سليمان يوسف بوكا، منصوري دنحا( تلكيف) وغيرهم. كان مهندما ودائم الحذر والترقب، حتى باب بيته كان من الصفيح فاي احتكاك بالباب او طرق طارق فياخذ على الفور حذره. مات في اوائل 1964 في القوش، اقبلن بناته من دهوك يبكين عليه، وشاركن في مراسم الدفن المهيبة على تل مقبرات البلدة التاريخي، وهن ينشجن الاغاني الحزينة باللغة الكردية.
كان توما توماس دائم الزيارة له، حيث لا يبعد بيته سوى بضعة مئات من الامتار، تحدث توما يوماً قائلاً: انه كان مهاجم من قوات عسكرية وكان الياس جالسا امام بيته معاق من الحركة بسبب عجز في اطرافه السفلى، دعا توما اليه، فاقبل رغم ضيق الوقت بسبب هجوم القوات الحكومية، قال له يمكن لن تراني مرة اخرى، اترك القوش في ذمتك فلا تغترب عنها ولا تعطها ظهرك بل تذكر انها بحاجة اليك، اودعك، فاحتضنا بعضنا واذا وجه الياس تغمره الدموع، يعقب توما بانه عندما اختط طريقه عبر الجبل لم يفكر ابدا بكمين امامه او قوة تتعقبه بقدر ما شغلت فكره كلمات الياس الاخيرة، بعدها لم يلتقيا ابدا.
توما توماس بْگو عِراق وُلْ سْوريـَّـة
شمَّه أيذيئَه بْأﭘرِدْ عَجَمْ وُل تركيـــَّــــة
كُدْ كْماخيلَه أرْخِحْ ﭘْطورا يَن بْگلِيـَّـــة
دَمْرَتْ وولِه الياس شِلّي يَن بِرْد سِيَّة
ملاحظات:
1- المصدر الرئيسي للمعلومات هو جمعة داود قودا.
2- المصادر الاخرى: المحامي المعروف عبد الرحيم اسحق قلو تولد عام 1919، الشماس صادق ياقو برنو 1918، يونس ياقو دمان 1928، تيفو خيرو بلو 1937، نجيب الياس حنو 1946، حكمت جميل قودا 1964.
3- كتاب القوش عبر التاريخ- تاليف مار يوسف بابانا- بغداد 1979.
4- فواجع الانتداب في حكومة العراق- يوسف ملك 1932.
   
•   الشهيد هرمز ملك ݘكو، من كتاب باسمه للمؤلف وصفي حسن رديني- دهوك 2008



القائد الانصاري الراحل توما توماس بين رجاله الابطال
من صور عماد شمعون جلوا
nabeeldamman@hotmail.com
June 15, 2012
USA 










161
الياس ياقو قودا
الجزء السابع

نبيل يونس دمان
     كان بيت الياس يملك حصان وبغل وزوج من الكلاب الشرسة التي دربها بعناية فكان اهالي البلدة وغيرهم يهابونها، لذلك كان اهل بيته يربطوها في النهار ويطلقوها في الليل. في احد الايام كانت مجموعة من اللصوص( گناوي) خلف بيت شلي عند الارض التي كان بيت بتي تولا قد وضع الاساسات لبنائه، هناك جلس اللصوص، عندما اشرف النهار على الانتهاء والمطر يزخ برذاذه، اخبر ابن اخيه ان يطلق الكلاب كالعادة كل يوم، وبسرعة خرجت الكلاب تعدوا عبر السطح الى السفح الصخري واصبحت تنبح بشدة، ويزداد نباحها كلما حاول اللصوص التحرك، وعندما يلتزمون اماكنهم تسكت الكلاب، وهكذا حتى عيل صبرهم، واستمر ذلك لعدة ساعات، اراد الياس ان يهاجمهم ولكنه كان محموما في ذلك النهر وقدر ان لا ضرر منهم لحد تلك اللحظات، بعدها غادر الرجال وسط نباح الكلاب ودخلوا وسط البلدة، بعد مدة قصيرة طرق الباب(من الصفيح او التنك يحدث الكثير من الضوضاء عند الطرق عليه) واذا الطارق شعيا( شعوكي) فتح الولد الباب، فخاطبه شعيا قائلاً: قل لعمك بان دواب عيسى سرقت، حاول الياس عند سماعه الخبر ان يلبس ملابسه ولكنه لم يستطع بسبب ارتفاع حرارته فقال له: اذهبوا الى وادي اسمه( گلي وشته) و( يقع في الجبل غرب القوش) هناك تقطعون طريقهم، اجابه شعيا بان اللصوص اتخذو وجهتهم جنوبا، فقال الياس تذكر ما قلته. لم يقتنع الرجل بل تذمر قائلاً" لا زال ابن شلي في افكاره القديمة" فاجاب: انتم احرار. عندما سرقت الدواب اطلقت زوجة صاحب الدار نداء الاستغاثة( الهاور) فخرج اخوه ليمسك ذيل البغلة المسروقة وصار يمشي في الركب، بعد ان عبر اللصوص موقع يسمى( رش كوزا) قال كريم يقوندا فيما بعد وكان يحرس غنمه قرب ذلك الموقع" سمعت صوت الدواب، لكن أنّى لي ان اعرف انهم لصوص، ويقول ايضا في الفجر اسمع ضجيج الفلاحين( حراث الارض) فانهض من نومي واسرج دوابي لاذهب الى المرعى" ،عند عين محلة سينا شهر اللص سلاحه مخاطبا اسحق( اذا لم تترك البغلة ساطلق النار عليك) فتركها وعاد الى البيت.
     اذن سرقت دواب( قنيانه) احد بيوتات القوش، شدّ اللصوص رحالهم باتجاه الجنوب حتى بلغوا التل الكبير( كرا) هناك جلسوا لبعض الوقت للراحة ثم قفلوا راجعين باتجاه( كلي وشته) الذي حددها بدقة العارف الياس شلي، ومنها ارتقوا الى قرية السيدا( سيدايه- سكانها من الاكراد الرحل- كوݘر) تتبع الاقوشيون آثار الدواب بواسطة قدم( صمّه) بغلة كانت احدى رجليها لا تستقر طبيعيا على الارض بل تظل شبه عمودية( ضريرة) ان وقع ذلك الحافر كشف وجهة اللصوص وبانهم من تلك القرية، فقد دخلت اثار الحافر الضرير ولم تخرج منها الى اي مكان اخر، فتاكد لهم بشكل قاطع ان الحرامية من سيدايه، فشكوا عند الحكومة بالموصل، فانكر اهل سيداي فعلتهم، فقالت الحكومة اخرجوا اثار الدواب المسروقة من قريتكم، فعجزوا ولكنهم دفعوا مبالغ من المال ليحصل التراضي بين الطرفين، لقد كانت توقعات الياس شلي في مكانها ، ففي الصباح الباكر خرجت ابقار( بُقرا) سيداي وفي طريقها الى المرعى ازالت كل اثار الدواب المسروقة من القوش.
     خرج الياس يوما وكالعادة لوحده من القوش مساء، ودخل وادي الدير العلوي هناك شرع المطر ينهمر فاسرع الخطى باتجاه الدير وحتى لا يطول الحديث، عند وصوله الى بوابة الدير كان المطر قد بلل ثيابه تماما، وصار الماء يجري سواقيا في جسمه، طرق الباب، فسال البواب( دركفان) عن الطارق، اجاب: افتح انا الياس شلي، قال اصبر لاسال ابونا الرئيس، كان ذلك قانونا صارما، فلا يفتح الباب في الليل الا بامر رئيس الدير، نظرا للنوائب التي وقعت على  الدير في تاريخه، وفي ذلك الموقع الجبلي النائي والخطير. عندما سمع الرئيس بان القادم هو الياس امر الراهب المناوب بفتح باب الدير الضخم ليدخل الياس، سلم على الرهبان ثم اجلس على مقربة النار التي تضرم في الاماسي الشتوية في الدير الذي كان انذاك يعج بالصوامع وبالاخوة من مختلف قرى الشمال بخاصة، تناول العشاء عندهم وتناولوا ايضا الاحاديث المتشعبة التي كانت تشغل بالهم آنذاك، وقبل مغادرته مودعا باحترام، اعطي ثلاثة قناني من خمر الدير المعتق، فشربها في الطريق الذي يتجه شرقا الى قمتي( برگاره) و( نيره د ايوه) نزل الى البرج الطيني الذي اقامه الرهبان لحراسة بستان العنب( كرمه ديره علايه) كان السقف قد انهار من شدة الامطار الساقطة وبصعوبة دفع الباب البسيط الذي ضغطت عليه كمية من اغصان اشجار البلوط ( طرﭘه- او ݘلو) تجاوز الليل منتصفه فاراد ان ينام والماء يحيط به من كل جانب، فجمع الاغصان الغنية بالاوراق ونام فوقها واصبح ماء المطر يجري تحتها. عندما خلد الى النوم قليلا صار يسمع اصوات اشبه بحرف الشين( شش... شش) فز من نومه معتقدا انه كمين اعداء في طريقه، وخرج فورا من البرج( برجا) وصار يتعقب الاصوات حتى اقترب منها وهو حذر ويده على زناد بندقيته، واذا به يرى عددا من الاغنام يقودها اثنان من الامام والخلف، راقبهم جيدا ليعرف وجهتهم وعددهم فكانو يسرحون جنوبا في كرم عنب الدير ومعهم الاغنام وعددهم فقط اثنين من المسلحين. تيقن انهم لصوص قد سرقوا تلك الاغنام من احدى قرى السهل امام جبل القوش، تسلل حتى دخل وسط الاغنام، ثم استقام واطلق رصاصة في الهواء واعقبها باخرى فلاذ الرجلين بالفرار فيما التفّت حوله الاغنام مذعورة من صوت الرصاص، وبعد فترة من التنصت ساد الهدوء فتاكد من هروب الرجال، فساق الاغنام واحصى عددها فكانت 14 غنمة، ساقها عبر المرتفعات والوديان الى كهف قرب محلة سينا فوق مغارة تسمى( حلاوي) هناك ذبح الاغنام كلها وارسل خبرا الى اقربائه، فاقبلوا في دواب وحملوا ما تمكنوا من حمله من اللحوم الى بيوتهم، والباقي عبأ بالازيار( الدنان) ودفن في الارض وللان لم يعرف مكان دفنها .
ملاحظة: الحلقة القادمة هي الثامنة والاخيرة.
 


ياقو ووالده جميل الياس قودا
nabeeldamman@hotmail.com
June 08, 2012
USA 








162
حبيب عوديش معلمٌ مخلدُ
نبيل يونس دمان
     كم من المرات نطقت شفتاي بكلمة استاذ مكررة كما نطقها غيري، رافعين ايديهم الصغيرة للاجابة على اسئلة المعلم الراحل حبيب ابلحد عوديش الهادفة والواضحة كل الوضوح في درسي اللغة العربية والحساب للعام الدراسي 1961- 1962 في الصف الرابع من مدرسة العزة الابتدائية للبنين في القوش. اتذكر جيدا قناعته بامكانيتي في القراءة ففي كل درس جديد وبعد ان ينتهي من قراءة الدرس يوعز الي فورا بقراءته، اركز حتى ياتي النطق سليماً وتدريجيا يعلو صوتي ويحمر وجهي من اداء مهمة صعبة حيث ابذل جهدا استثنائيا لاظل عند حسن ظن استاذي، وعند الانتهاء من قراءتي يحول الدور الى غيري. ان انسى فلن انسى تلك الايام الحمقاء التي اعقبت انقلاب 8 شباط الدموي في حياة مدرستي، فقد طوقت مسلحات الشرطة المدرسة واعتقلت غالبية المعلمين ومنهم الراحل ابا سالم ليمضي اشهرا في سجون الموصل الوخمة.
     برحيل حبيب يكون رجلا اخرا من قلة المتبقين من معلمي الجيل القديم ومن مواليد الثلاثينات، هؤلاء النجباء الذين ربّو الاجيال باندفاع ورغبة وطنية صادقة امتازوا بها في كل نواحي واقضية ومدن البلاد، طوبى لهم ولدورهم الرائد في انحاء العراق وقد حملوا رسالة المعلم الى كل زاوية في ارض الوطن المفدى، بهم يكبر الوطن ويزداد شموخا ويتالق، فهم وحدهم من ارسوا لبناة العلوم والفنون والاداب.
     كان النظام المقبور يدرك ريادة هؤلاء وتضحياتهم والفلسفة التي حملوها الى الارياف في اقاصي بلاد النهرين، ولذلك رأى خطورة دورهم فغلق المجال امام التقدميين منهم واصبح كادر التعليم حكرا على البعثيين من الحاقدين والعنصريين واعداء الانسانية او ممن اجبر على تاييدهم خوفا من الويلات، وبذلك دفع العراق ثمنا باهضا ولحد هذا اليوم في ازالة اثار التعليم والمناهج العنصرية والمنحرفة على مدى عقود من الزمن الرديء الذي مر به العراق.
     كانت مناسبة حزن وانا اخرج من موضوع الاستاذ الراحل ولكن ارى ذلك مرتبطا برسالة الاستاذ حبيب وغيره من الغيارى وكيف حرفها دعاة القومية الزائفة، لقد كان ذلك يشغلني على الدوام فرايت في هذه المناسبة الحزينة ان اكتب بعض الافكار التي تراودني، لم يكن حبيب معلمي فقط بل اعتبر اسرتهم عزيزة علي وتربطني بها اواصر صداقة منذ مرحلة الصبا، كان بيتهم بمثابة بيتي الثاني ولذلك البيت افضال علي ومنها على سبيل المثال اطلاعي على غالبية الكتب في خزانتهم التي كانوا يعتنون بها كثيرا، ان القلم الذي استله اليوم يرجف حزنا على مفارقة معلم بسيط وطيب كان له الفضل علينا نحن طلبته في المراحل الاولى لتعلمنا.
     كان طيب القلب والسريرة ففي احدى المرات تاخرت عن الدوام ظهرا بسبب سفري ضمن الاسرة الى قرية شيزي، نتيجة وعورة الطريق والامطار التي سقطت غزيرة في ربيع ذلك العام، اخذتني جدتي الى الفراش الجار المرحوم جبو كادو وفبركت قصة مرضي، مسكني الفراش بيدي الى الطابق الثاني حيث صفي وانا خجل لتخلفي عن الدرس فقال الفراش: تاخر بسبب وعكة صحية، فاستقام احد التلامذة وكان جاري ويعلم حقيقة سفري خارج البلدة فقال: يا استاذ حبيب لا تصدق هذه القصة، انه كان يقضي اوقاتا ممتعة في شيزي، لم يقل المعلم شيئا بل ابتسم من تلك الكذبة البيضاء وادخلني الصف.
     تعازي الحارة الى اسرة الفقيد، زوجته اولاده وبناته واحفاده، اخوته وفي المقدمة صديقي العزيز عادل وكذلك الاستاذ نوئيل والصديق ميخائيل وكل من يعود اصله الى بيت بقالا وفروعه في القوش الحبيبة.
nabeeldamman@hotmail.com
June 12, 2012
USA 


163
الياس ياقو قودا
الجزء السادس

نبيل يونس دمان
ظل الياس يرفض الكثير من دعوات التوسط لنيل العفو عل قضايا سابقة معلقة، وحتى فترة الخمسينات، عندما كانت احدى قريباته تعمل في بيت الوزير عمر نظمي في بغداد، فعرضت الموضوع عليه، وعندما راجع لم يعثر على اية قضية ضده وافهمها بان اوراقه لم تصل الى بغداد وانها بين الموصل والشيخان، وسيعفى عنه حسب القانون الذي ينص على اعفاء من ارتكب جناية وامضى اكثر من 15 سنة خارج بلاده، فاخبرت الياس بذلك. اضافة الى وجود المعلم المعروف سليمان يوسف بوكا في القوش، هنا اقتنع الياس باستحصال العفو الرسمي فارسل ابن اخيه( جمعة داود) صبيحة احد الايام الى عين سفني وهو يحمل رسالة من سليمان افندي، ويروي جمعة قصة ذهابه الى قضاء الشيخان كما يلي:
كان الوقت شتاء، اخذت معي عصا صغيرة، قصدت بلدة عين سفني مارا بطريق يبتدأ من القوش عند آبار الماء، وما ان قطعت مسافة قصيرة حتى نزعت الحذاء( كالك شيروخ) وعلقته في كتفي لان الطين كان كثيرا، بعدها لحقني راكب مسلح( ايزيدي) قال لي: الا تخاف وحدك ، قلت: لماذا اخاف، قال: قبل قليل تجاوزت ذئاب كانت على طرفي الطريق، في الحقيقة اني رايت واحدا على المرتفع فظننت انه راعي مغطى باللباد( كبنك) ثم افترقت عن المسلح في قرية بيبان الايزيدية، غادرتها شرقا فاذا الطريق ينقسم الى اثنين فاخترت واحدا ثم تفرق الى اربعة طرق فتوقفت حائرا، رايت رجلا فسالته فاشار الى احدها وبعد مسافة تشعب الطريق ايضا، فاتخذت طريق الوادي حتى وصلت قرية الجراحية، خرجت منها، واذا مئات الكلاب ملتمة فانتابني الهلع، وفكرت لماذا كل هذا العدد متجمع، ثم اهتديت الى وجود جثة بغل، فاي كلب يحاول الوصول الى الغنيمة تضج الكلاب وتتقاتل بينها فيتراجع، فجاة رايت صبيا يركض وراء حمار، صحت عليه بالكردية ان يعبرني، ولكنه اجاب بلغتي( السورث) بانه لا يريد مساعدتي، ثم لمحت امراة تخاطب الصبي بالسورث، فقلت لها انا منكم( سورايا) رجاء عبروني من الكلاب فصاحت المراة باللهجة الاثورية( يا بروند ݘلبه، اوه سورايه ديّنيلي رخش مهاييره) اصر ان لا يساعدني فجاءت المراة وعبرتني، بعد وقت عبرت مجرى ماء باتجاه قرية النصيرية التي كان يعيش فيها انذاك بيت هرمز ممو نيسان، هناك شاهدت رجلا داخل في( لوذا) سلمت عليه قائلا: هيفاراته بخير، خرج من التبن واجاب: خير وسلامت، قلت كيف اذهب الى قرية( ألمامان) قال مشيرا بيده من هناك. انا خرجت من القوش وكانت الدنيا ضبابا يحجب الرؤيا تماما وغيوما كثيفة تلبد الاجواء، كنت لا ارى شيئا، اتذكر عند خروجي وكانت الدنيا فجرا بين الظلام والضياء الاول( خشكا وبيرا) قال العم عيسى قودا لعمي الياس: نحن نريد ان ننقذ واحدا وانت ترسل اخرا، قال: دعه يذهب سوف يتبدد الضباب( خيبوثا) .
على اية حال خرجت من النصيرية وهناك طرق كثيرة، ثم لمحت قرية امامي فقصدتها وعندما جلست لارتاح فوق صخرة، خرح رجل ومعه حيوان ضخم( قنيانا) تاملته فاذا هو منصور( مشو) كجوجا من قرية( الحسينية) جاء يسالني: ماذا تعمل هنا، قلت، انا ذاهب الى المامان، تصور اني متمرد على البيت( زعلان) فقال: هيا نذهب الى بيتنا في الحسينية، قلت: لا انا ذاهب في مهمة، قال تلك قريتنا اطلب اولادي وهم يدلونك على الطريق. انت ترى القرية قريبة ولكنك عند السير اليها تطول المسافة اضافة الى الماء والاطيان التي تغوص فيها، كان الوقت عصرا والغيوم لا زالت تنذر بهطول اشد الامطار، صحت في قرية الحسينية فخرج رجل عرفته( بحو عبد الله خرات) ها ماذا تفعل هنا، قلت دلني على المامان فدلني باشارة من يده، قصدت القرية فرايت ساقية يجري فيها الماء هناك امراة تغسل الملابس على الضفة، ملابسها القوشية تكلمت معها السورث وانا اسال عن موقع بيت( الياس جونا كريش) كانت لا تجاوب، الححت عليها ودون جواب، عرفت بعدئذ انها لا تتكلم مع بيت الياس، هكذا كانت حياة القرى اضافة لضراوتها فان مشاكلها الاجتماعية كثيرة ايضا، واخيرا قالت: انهم في الطرف الجنوبي.
على مقربة من بيتهم لم ارى احدا، فصحت يا الياس( وو الـّو) فاذا عشرات الكلاب تخرج باتجاهي، ليس في يدي ما اجابه سوى العصا فاحركها واهرب منهم، الى ان خرج الياس واخيه كليانا الذي كان ينتشل عصا تستخدم في الحقل لاجتثاث الفئران، واخيرا وصلت اليهم، فقال الياس: خيرا ما الذي جاء بك في هذا اليوم الشتائي ولوحدك، قلت: يا الـّو انا اريدك توصلني الى عين سفني اليوم، قال: هل تستطيع، الست تعبانا، قلت: بامكاني، معلوم خطورة تلك السنة واصحابنا حذرين من الاعداء المتربصين بهم بعد حادثة القتل المعروفة، قال الياس لاهله ساذهب معه في هذه الوقت المتاخر واذا لم نعد حتى ساعة كذا فلا تقلقوا، واذا سمعتم صوت نباح الكلاب فانتبهوا بحذر، كان المساء يخيم في تلك الاجواء الريفية وانا والياس نسير على الاقدام باتجاه عين سفني.هناك نهر ونحن نعبره ضربنا ضفافه فتبللت ملابسنا تماما خرجنا الى ارض صلبة( قراجا) وغسلنا واعدنا تنظيف احذيتنا( الكالك) ثم وصلنا عين سفني وناولت الامانة الى الياس فاخذها ودخل الى بيت المسؤول الحكومي، فدعاني وقال لنا: ساكون غدا في القوش. سالني الياس: ان كنت مستعدا للرجوع الى المامان في هذا الوقت، قلت: نعم، رجعنا واذا الجو صحوا وقد اختفت الغيوم ليحل محلها القمر والنجوم، في تلك الاجواء قال الياس: لدينا قطعة مزروعة بالعدس سمعنا ان الرعاة ادخلو فيها اغنامهم ولنرى ما حصل، شاهدنا في ذلك الليل بعض اطرافها قد التهمت من قبل اغنام الرعاة. وصلنا النهير الذي قبل المامان، رايت الماء الجاري بقوة وانا لا اجيد السباحة فرميت نفسي الى الطرف الاخر وسالني الياس: هل انت بخير، قلت: نعم، تردد الياس قليلا ثم عبر ايضا، هنا اطلقت الكلاب نباحها واذا صوت يطالب بهويتنا، فاجبناه: اننا الياس وجمعة فرحبوا بقدومنا. نمت تلك الليلة في المامان وصبّحنا في اليوم التالي على الثلوج وهي تغطي المنطقة، ثم عرفت ان قافلة صغيرة متوجهة الى القوش، فساني الياس كريش: ان كنت مستعد للذهاب معها، قلت: نعم، هناك شخص اسمه( سليمان رشو) كلفني بايصال حمار له الى القوش فقبلت المهمة على مضض، لان الحمار سبب لي الكثير من المشاكل في المرور بتضاريس طينية، ولو كان احدا مكاني لتركه في الطريق، ولكنني صارعت من اجل ايصاله واوصلته.
قضية العفو عن الياس حركها من بغداد عمر نظمي ومن القوش حركها المعلم المعروف سليمان يوسف اسطيفان بوكا وكان معلما في مدرسة القوش الاولى للفترة من 1946- 1952، وكان على علاقة وثيقة بالمسؤول الحكومي في الشيخان. هكذا صدر العفو النهائي عن الياس قودا من قبل الحكومة العراقية، ولكنه لم يترك سلاحه وحذره الشديد في السنوات اللاحقة.
 


جمعة داود قودا يقف بجانب صور عمه ووالده  باعتزاز
nabeeldamman@hotmail.com
June 02, 2012
USA 







164
الياس ياقو قودا
الجزء الخامس

نبيل يونس دمان
      في اوائل الاربعينات رجع الياس الى القوش في ليلة حالكة الظلام حيث خرج من احدى فتحات جبلنا الى احد الكروم التي كانت تحيط القوش في تلك الفترة، تفاجأ صاحب الكرم برجل مسلح، كامل العدة، رشيق القامة، سريع الحركة، لم يعرفه للوهلة الاولى لانه كان قد اطلق العنان للحيته، ولغيابه الطويل في الجبال جوالا في سوريا وتركيا والعراق، فقد طوى الزمن ذكرياته القديمة. ما ان شخصه صاحب البستان( خيرو قيا بلو) حتى تعانق الاثنان وجلسا يتحدثان، عندما سمع من الياس بانه ملّ حياة التجوال بين الصخور والاقامة في الجبال والكهوف حتى انها اي تلك الاماكن ملت منه، لذلك قرر الرجوع الى البلدة للعيش فيها ما تبقى من عمره، فارسل صاحب البستان من يجلب ماكنة حلاقة، فازال لحيته الكثه ليظهر طبيعيا في بلدته. يقال بان جماعة القوش من عقلاء( معقوله د ماثه) ورجال دين رحبوا به عائدا الى بلدته ولكنهم اشترطوا عليه ان يعطهم اليد والامان( ايذا وهيمَنتا) كي يوفق في اقامته الجديدة فلا يجدد الثار او ما شابه ذلك، فوافق ولكنه عاش حذرا مسلحا على الدوام، ومطلوبا قانونيا للحكومة.
   في القوش لا يعطى حق الرجل الشجاع دائما، الياس لم يكن استثناء فلجأ الى بيت الشيخ البيرفكاني. لم يقتل احداً من بيت حاج ملو، بل انقذ الكثيرين من بيت الشيخ بوجوده بينهم، فهم لا يطلقون الرصاص عند حضوره دليل معزتهم لاهالي القوش، كان بيت حجي ملو يبعثون في طلبه لكنه لم يذهب اليهم، عندما صدر عفو حكومي عن رجال الحاج ملو دعوه ان ياتي معهم كاحد رجالهم لنيل العفو فرفض، ويذكر ان البطريركية الكلدانية في شخص مار عمانوئيل تومكا( 1852- 1947) لعبت دورا في العفو عنهم، وقد قيم بيت الحاج هذه المسالة فكانوا كل عام يبعثون بمنتجات زراعية خاصة الى مقر البطريركية في الموصل. في الفترات الاخيرة من حياته بعث في طلبه الشيخ صديق البيرفكاني وقد قرر ان يقيمه وكيلا على املاكه في قرية تلخش خلف جبل القوش فلم يوافق على ذلك.
     حدثني الاستاذ الراحل جورج جبوري خوشو( 1920- 2003) انه عندما قرر السفر الى القوش لعرض مسرحية يوسف الصديق التي اخرجها عام 1943، كلفته ممرضة القوشية من بيت قودا في بغداد، بارسال بعض الادوية الى ابن عمها الياس، وهكذا حملها معه، وقد زاره في بيته في محلة سينا وصوّر له هذه الصورة:


     في اواسط الاربعينات كان الياس معزوما عند جماعة قادمين من الموصل، ومتخذين من الغرف المحيطة بمار قرداغ مقرا لاقامتهم، كان الوقت غروباً عندما جهز نفسه ومر من امام رجال جالسين في احد بيادر محلة سينا، سلم عليهم، فردوا السلام، وطلبوا منه الجلوس ولكنه اعتذر لانه على موعد، ثم الحّوا عليه ليجلس قليلا. امتثل لطلبهم، وبعد الترحيب به( بشينا ثيلوخ) ناوله احدهم كيس التبغ فلف سيكارة ثم ارجعه الى صاحبه قائلا تعيش( خاه مارح) وما ان اشعل سيكارته حتى سمعت اطلاقة بندقية، فقال الياس على الفور انها اصابت جسدا اما ان يكون بشرا او حيوانا( يذكر والدي يونس وكان حارسا لغلته في تلك الليلة، انه بعد سماع صوت الرصاصة، صاح البصير إيّا حنّونا: ها هم الرعاة قد جندلوا ذئباً) ، وبعد قليل وصلت النداءات( الهاور) تنبأ بمقتل حنا حنينا مأسوفا عليه، فقال الياس انها مصادفة ان اجلس معكم قليلا والا كنت مارا في تلك المنطقة القريبة من الحادث( بيادر محلة التحتاني) قاصدا بناية مار قرداغ لتلبية الدعوة، ربما كانت تنتظرني مشكلة جديدة.


ياقو جميل الياس ياقو قودا
 

حكمت جميل الياس ياقو قودا

     كان ججو تمو يسكن في البيت الذي شغله جردو القس يونان واولاده، وهو احد حكماء البلدة، ويتواجد باستمرار في الموصل، يقول ججو تمو بان المواصلة الذين كان لالياس فضل في انقاذهم عبر الحدود مع سوريا، اخبروه بان يبذلو كل ما في وسعهم لاخراج عفو عام عن الياس، لكنه رفض العرض وهو يقول: لا اريد عفو الحكومة، وفي احدى المرات جاء المدعو ايو بتو وكان يعتمر العقال والكوفية الى بيت الياس وهو قادم من الموصل من طرف العشائر والاغوات فيها( ايو بتو رجل من القوش يعيش في الموصل ومقرب الى اقوى عشائرها: عشيرة عجيل الياور) وهم بمثابة السلطة الحقيقية فيها، وطلب منه الامتثال الى طلب العفو وسيقدم على مساعدته رؤساء عشائر الموصل، وبانهم لم ينسوا فضله عليهم، فرفض تلك الدعوة ايضا.
nabeeldamman@hotmail.com
May 28, 2012
USA 





165
الياس ياقو قودا
الجزء الرابع

نبيل يونس دمان
    الياس ترك زوجته شمي في القوش ولم يكن لهم اولاد، هناك خارج حدود العراق في قرية شڤ صور( بالكردية ومعناها الليل الاحمر)  تزوج ارملة من تلك القرية كان لها طفلين من زواجها الاول، اما البنت فتوفيت فيما بقى ابنها خليل مع امه وزوجها الجديد الذي انجبت له ولد سمي فيما بعد جميل الذي تزوج في حدود عام 1950 من ابنة عمه حياة داود قودا، وثلاث بنات اسمائهن: هدية، زكية، وحمدية. اما خليل فقد كبر مع اخواته وامهم واستقروا في دهوك بعد ان انفصل عنهم الياس شلّي عند عودته الى القوش ورجع الى زوجته التي انجبت بنتا اسمها( سعيدة ) . تشاء الصدف ان يصبح خليل من افراد قوة البيشمركة في الجبال المحيطة، وفي احد الايام جاء برفقة المرحوم الياس حنو الى بيتهم المعروف موقعه، يقول الصديق نجيب الياس حنو بانه راى خليل يركز نظراته باتجاه الجبل، فقلت ما الذي يشغلك؟ فقال لي: هل ترى ذلك الضوء البعيد الخافت عند الجبل، قلت نعم ذلك بيت الياس شلي، فقال: انه بيت ابي، ولم اقتنع كيف يكون هذا الفتى المسلم ابن الياس المسيحي، في اليوم الثاني سال نجيب والده فاجابه: انه ابن زوجته الذي تربى في كنفه، وروى له كامل القصة. في اواخر الثلاثينات وصلت والدته وبعض اولاد اخيه داود الذي قتل في اواسط الثلاثينات، فاصبحت عائلته تتكون من والدته واولاد اخيه جمعة و حليمة، قضوا عدة سنوات في تلك الاصقاع من ريف ولاية الجزيرة( تركيا حاليا) وفي النهاية عادوا الى العراق.
     كم كانت تمتعنا جدة والدي المدعوة نني ساكو( دادا ننيكي 1864- 1961) عندما تنقل عن شلّي والدة الياس عبورهم نهر دجلة في رحلة العودة الى العراق، وكيف استقلوا وسيلة نقل اسمها القايغ( بالتركية بمعنى الصحن الكبير او ما يشبه القفة) التي كانت مطلية من الداخل بالقير، استقلوها وسط نهر هائج في ذلك الوقت، وقد حبسوا انفاسهم والاطفال معهم، لكن في النهاية وصلوا الى شاطئ الامان فصدر عنهم هتافا لا زال صداه الموسيقي يتردد( خير الله، وعبرنا الشط) ، فيما بعد وكلما تسمع دادا ننيكي خبرا سارا حتى تنهض مبتهجة، راقصة، ومرددة ذلك النداء الجميل الوقع( خير الله وعبرنا الشط). عادت شلي واولاد داود الى القوش فيما بقي الياس مدة اخرى في الجبال القريبة من البلدة.
     في تلك الفترة كان الياس شلي عند بيت الشيخ نوري( 1870- 1944) كان الديوان يعج بالرجال، خاطب الشيخ القوم بالقول: انتم لا تستطيعون جلب طالان( المواشي والابقار والدواب) العشيرة المجاورة، اذ كلما حاولتم طاردكم رعاتها فترجعون خائبين، وكرر كلامه، هنا انبرى الياس شلي بالقول: انا اذهب لجلب الطالان،  فقال الشيخ: اختار ما تشاء من الرجال، اجابه بانه سيختار برغبته، فاجاب الشيخ: لا مانع لدينا، فاخذ رجلين غير مسلحين احدهما اعرج والاخر مشلول( گجّا) فقال الشيخ: ما هذا يا فلان! اجابه قائلا:  الم اقل انا اختار، فوافق الشيخ على اختياره. يروي الياس القصة كما يلي: بكّرنا فجرا وتوجهنا الى قرية تلك العشيرة، انتظرنا حتى خرج الطالان وبرفقته اربعة رجال مسلحين ابتعدوا مسافة من القرية فصحت بهم ان يسلموا الطالان، فهبوا للدفاع وجميعهم بدأوا باطلاق النار باتجاهنا، واخذت اطلق عليهم مغيرا مكاني الى مواقع مختلفة فردوا علي بالمثل، هنا صحت بهم ان يتركوا الطالان وان بامكانه قتلهم جميعا، فانسحب الاربعة تباعا واستلمت الطالان وجعلت الرجل الافلج( كجا) يقوده والاخر في المؤخرة وانا سرت بجانب الطالان لحراسته، حتى وصلنا بيرفكان. فرح الشيخ كثيرا وتعجب كيف برجل واحد يفعل ما عجز عنه الرجال؟ قد يسأل احد لماذا اختار معوقين من رجال الشيخ؟ لانه بالتاكيد سمع بمغامرة اخرى شبيهة وتروى كما يلي:
 عندما طرح موضوع الطالان كان رجل اخر شجاع من القوش اسمه شمعون طعان المتوفي عام 1954 جالسا في مناقشة الموضوع في ديوان الشيخ البيرفكاني فعبر عن رايه بالقول لماذا نسلب طالان العشائر المجاورة اليس الافضل ان نذهب بعيدا الى حدود السوران مثلا، فوافق المجلس على الاقتراح، وكلف شمعون بالمهمة وطلب منه اختيار الرجال، فاختار شمعون طعان ثمانية من رجال الشيخ لجلب طالان بعيد في منطقة السوران، قاتل شمعون لوحده الحراس وقتل واحدا منهم، فيما تولى الاخرون سوق الطالان، وعند عودتهم كان الثمانية يسيروا مع الطالان وشمعون في الخلف، شاءت الصدف ان يحمل اتجاه الريح صوتهم وهم يتآمرون لقتله، فلحق بهم وجعلهم يسيرون امامه حتى وصلوا بيرفكان، جلس شمعون لا يتكلم شيئا، فيما تحدث الرجال عن شجاعتهم في العملية وانهم قاتلوا بشدة ونسبوا كل شيء لانفسهم دون ان يعطوا دورا لشمعون، لم يصدق الشيخ كلامهم فدعى شمعون ليروي ما عنده فروى له ما حصل، عندها اخذ الشيخ يذم ويشتم رجاله، ثم اصدر امرا بالقاء سلاحهم والذهاب الى بيوتهم.
     في احد الايام كانت نوبة الياس شلي في حراسة القرية بيرفكان، هكذا كانت القرية تضع حراسات من الصباح وحتى المساء لمراقبة المنطقة تحسبا من الاعداء، كانت اليقظة سمة تلك الايام. انهى نوبته وعاد الى القرية وفيما هو قرب ديوان الشيخ فاذا بثلاثة من اهل تلكيف معتقلين هناك، عرفهم، فقال لهم بلغة السورث الدارجة: لا تخافوا شيئا انا هنا، ثم دخل الديوان الذي كان يعج بالرجال كالعادة فلم يقم الياس باداء السلام الواجب واتخذ له مكانا في الديوان، هنا قال له الشيخ: ما هذا يا الياس انك لم تؤدي السلام، فاجابه: وهل هناك رجال حتى اسلم عليهم، غضب الشيخ من هذا الكلام، فيما جلس الياس على ركبة واحدة لمواجهة الموقف، قال له الشيخ: اخبرني بالمسالة، فقال الياس انا عائد للتو من حراسة من؟ فاجابه الشيخ من حراستنا، اذن كيف تاسرون اقربائي واحدهم متزوج من ابنة اخي وترموهم امام الديوان، فقال لجماعته ان يسكنوهم ويوفروا له متطلباتهم من الاكل وغير ذلك، قال الياس انا بامكاني استضافتهم.
nabeeldamman@hotmail.com
May 18, 2012
USA 




166
المنبر الحر / ومن الفرح ما يبكي
« في: 13:47 22/05/2012  »
ومن الفرح ما يبكي
نبيل يونس دمان و كفاح سليمان اودو
     لم يكن يوم امس الاحد المصادف 20- 5- 2012 كباقي الايام عاديا وعابرا، بل سجل نقطة تحول نوعية في حياة اسرتنا الصغيرة، في هذا اليوم منح ولدنا الشاب رافد دمان شهادة بكالوريوس في الهندسة الكهربائية بتفوق، اذن اصبح المهندس الثالث في عائلتنا. سيكون له دوراً بعون الله في حياته العملية والاجتماعية، لقد كان طوال سني دراسته مواظبا بهدوء ومنكبا على التحصيل، حتى جلب انتباه اساتذته واقرانه من الطلبة فنال احترامهم وتقديرهم. ان ملكات شبابنا العلمية وقدرتهم على الانجاز الناجح، هو نتيجة طبيعية لما ورثوه من ابائهم واجدادهم في سلّم الحضارة الانسانية.
     يساورنا امل ان يتواصل في تعليمه، لينل مراتب اعلى في مضمار الهندسة الكهربائية، كل شيء يتوقف على عاملين اساسيين: الاول هو الوقت، والثاني التوفيق من رب العباد، فيشمله برعايته وحفظه لتحقيق آماله، وآمال والديه، وبني قومه الذي تشتت في نواحي الدنا، بسبب قسوة الزمان، فقد ضاقت بوجههم السبل جراء هجرهم الاضطراري لوطنهم بين النهرين الذي سقاه واثمره الاجداد حتى بلغ العلى، ان شعوب العالم تشهد في عظمة انسان بين النهرين، وما يثبته العلم يوما بعد يوم لا يترك مجالا للشك بان العوامل الوراثية هي الاساس في تحديد نوع وجودة السلالات البشرية، فالانتقال الوراثي بتقديرنا يتواصل من جيل لجيل عبر الاف السنين.
     يوم امس كان لقاء الاهل والاحفاد على مدرج سان دييغو ستيت ينفرستي، كانت الابصار تحدق في ارضية القاعة التي كانت عبارة عن مخروط ناقص ومقلوب، هناك وقف الاساتذة و كبار مسؤولي الجامعة يحيون خريجي كلية الهندسة بفروعها المتعددة، وكل مرة كانت القاعة تصدح بالموسيقى، وبفيض الاضوية المنسابة بذوق وفن عاليين، وكانت مدرجاتها تهتز بالتصفيق لجيل جديد من مهندسي اليوم، وهم مسلحون بآخر الابتكارات والاكتشافات الهندسية التي تجعل العالم افضلا، اكثر امانا، واجملا. هكذا تلي اسم ولدنا رافد دمان فارتفع صوتنا عاليا تحية له، وفي لقائنا به في اروقة الجامعة كان الفرح يصل حد ذرف دموعه، ولندع الصور تعبر عن سعادتنا وابتهاجنا، متمنين لقراء هذه الاسطر ان يحل الفرح والنجاح حياة اسرهم جميعاً.
 
 
 

 
 
 
 

 
 
 
 

 
مع عميد كلية الهندسة في جامعة ساندييغو بكالفورنيا


 

مع اختي كفاح القادمة من هولندا وخلفنا رافد ومجموعته بالقمصان الحمراء

 
 
امام مشروع رافد دمان ومجموعته لنيل شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية
nabeeldamman@hotmail.com
May 21, 2012
USA


167
الياس ياقو قودا
الجزء الثالث

نبيل يونس دمان
    كان الياس مطلوبا من قبل الحكومة، لا عمل له يعين اسرته، فاضطر عدة مرات لقطع طرق القوافل التجارية، في احد الايام نزل بسلاحه مسافة في دشت القوش مستصحباً معه احد شباب البلدة، بعد مدة قصيرة رجع ومعه بغال محملة بالاجبان، كان ذلك الزمان يناسب تلك الاعمال وتعتبر شجاعة وحاجة في آن، اشتكوا اصحابها في مركز شرطة القوش فتوجه المامور مع الشرطة الى بيت الياس الذي صادف ذهاب والدته لجلب الماء من الابار المجاورة فدخل مامور المركز يفتش البيت، وعند رجوع ام الياس الى البيت رأته منقلبا بمحتوياته فخرجت تستفسر من جارتها فقالت انها الحكومة. فانزعجت وانذرت، شقت طريقها الى المركز، دخلت دون استئذان غرفة المامور، واخذت تهاجمه بالقول: انت رجل وتدخل بيتي، والله لولا خجلي كأمراة لكنت امسكت بك واعطيتك جزاء لرعونتك، وجعلتك مثلاً( مثله ومرّه) امام اصحابك، ثم غادرت المركز وسط خرس ورعب شرطة المأمور.
بتاريخ 17- 5- 1930 ليلاً تواجد الياس قودا، ميخا زراكا، وسليمان كتو في احد احياء القوش، امام بيت ممو قلو القديم، اما ميخا فدخل ضيفا عند اسطيفو بجي بلو، في تلك الاثناء عبرت دورية من الشرطة امامهم وتفرسوا بوجوه بعضهم وعند وصولهم الى منعطف بيت وزي اطلقت الشرطة رصاصة باتجاه الرجال فحدثت معركة بين الطرفين انتهت بمقتل سليمان كتو واحد افراد الشرطة، فتركا البلدة كل من ميخا والياس الى الجبل واصبحا مطلوبين من قبل الحكومة، في تلك المعركة كل واحد من الثلاثة قاتل في جهة، وبعد وصولهم دير الربان هرمز عرف الياس باستشهاد رفيقهم سليمان مما تصاعد غضبه وطالب رفيقه ميخا بالرجوع والانتقام من مركز الشرطة، وكان يسمع حديثهم احد رهبان الدير فنصحهم بل ترجى منهم في العدول عن اصرارهم والتسبب في مشاكل اضافية  للبلدة وفوق طاقتها، بقيا مدة في الجبال المحيطة، ثم قال ميخا لالياس: لم يعد لنا حياة في العراق... فذهبا الى سوريا ومن هناك بعثوا خبرا الى رجل من بلدتهم اسمه نعيم متيكا صارو كان يعمل مترجما لدى القنصل الفرنسي وطلبو منه ان يتوسط لهم في الاقامة واستحصال رخصة حمل السلاح في البلدة( سي ملكا) ، بعد فترة قصيرة ادخلهم نعيم الى المسؤول الفرنسي وهم بعدتهم وقيافتهم الجميلة وكانهم بطلي افلام، فقام من مكانه ورحب بهم مصافحا وجلس يتحدث معهم ثم قال( اريدكم باسلحتكم ان تنزلوا الى المدينة التي ستخضع لكم) هكذا ظهروا في المدينة وفي وسط سوقها التي صارت العامة تحييهم وتحترمهم وبعد فترة اصبح ميخا زراكه رئيسا لتلك البلدة واشتهر هناك باسم( سفر اغا)حيث عاش مع عائلته واولاده، وهناك ولد له صبري وصبرية، ولم يعودوا الى العراق الا في حدود عام 1947. بعد مدة اختلف الاثنان فانفصل الياس وذهب الى منطقة الجزيرة عابرا الحدود السورية وهناك استقر في قرية كردية اسمها( شف صور).
     في الثلاثينات، كان الياس يملك مهرة كحيلة رباها ودربها من ايام زمان، اينما يكون يصيح عليها فتاتي في الحال، يقال انه كان يمتطيها ليلة قي برية قفراء، فجاة توقفت، ضغط عليها فمشت مسافة قصيرة وتوقفت، عندها علم ان هناك شيئ غير طبيعي، فنزل من ظهرها واخذ يفحص امامه فراى اكواما متتالية لم يعرف كنهها، مشى مسافة اخرى وامامه تلك الاكوام الغريبة، اخذ يمشي على الاربعة ظنا انها مواقع تستهدفه، وظل يتقدم نحوها الى مسافة امتار فصاح عليهم بالسريانية والكردية والعربية فلم يجاوبه احد، قال ساكرر كلامي ثانية ان لم تجاوبوا ساقتلكم، جاوب احدهم فقال: نحن( بالعربية) فقال له: انهض، قال: لا استطيع لاني مكتوف، فقال: انت تكذب، قم على رجليك، قال: انا مربوط، فقال: اقلب، فقلب، عندها عرف ان عصابة قد سلبتهم بضاعتهم واسلحتهم بعد ان كبلتهم بالحبال، قالوا له: نحن اثنا عشر رجلا مع اثنا عشر بغلا محملا بالبضاعة( عبصي) وكل منا سلب منه سلاحه من بندقية ومسدس. تركهم هناك مشدودين بعد ان سالهم عن زمن الحادث، فقالوا في حدود نصف ساعة من الان، ركب الكحيل وتوجه في طريق ومن خبرته بالمنطقة والعصابات المتوقعة استطاع ان يصل الى القافلة، فظل خلفهم يتابعهم حتى وصلوا الى وادي فسبقهم وجلس ينتظر مرورهم في وسط الوادي، معلوم ان القافلة باسرها تسير وراء البغل الاول، واية كلمة( هوش) تتوقف الكروان، راهم يتقدمون وانتبه الى واحد منهم كان يسير بعيدا عن القافلة فعرف انه رئيسها ودائما في مثل تلك الحالات يكون اقوى الرجال واكثرهم بأساً، صاح عليهم بالاستسلام ثم صوب بندقيته باتجاه رئيس الكروان واطلق، ثم اعقبها باخرى فثالثة وهو لا يبغي قتله، ترك الرجال القاقلة وانهزموا هنا تقدمت البغال نحوه فاوقفها، ادار البغل الاول وضربه على مؤخرته فدار الجميع لا يعلم ما حدث للرجال هنا احتار هل يركب مهراه اذ ربما الرجال كامنين امامه، لذلك ربط المهرة باخر بغل وسار بجانب القافلة باتجاه اصحابها الموثقين من قبل العصابة، في الطريق لم يسمع صوت او حركة امامه فتيقن ان تلك العصابة قد ولت هاربة، حتى وصل الموثقين، حل وثاق احدهم وقال له: اذهب الى بغلك وسلاحك ففعل وهكذا جميعهم، وسالهم ان كان كل شيء قد استعيد فقالوا كل شيئ كامل وليس هناك نقص، فقال لهم تستطيعون المواصلة فقالوا قسما لن نذهب قبل ان نهبك بضاعتنا فقال لا اريد شيئا ثم اصروا ان يعرفوا من يكون فقال لهم لا تتكلموا في هذا الموضوع، ساستمر معكم حتى تتجاوزوا اماكن الخطر، هكذا كان، وقبل ان يفترقوا طلبوا اسمه بالحاح، فقال ادعى الياس شلي من القوش، فشكروه كثيرا ومضوا،( تبين فيما بعد انهم كانوا من العشائر المؤثرة في مدينة الموصل).
nabeeldamman@hotmail.com
May 05, 2012
USA  



168
المنبر الحر / بواكير النضال (3)
« في: 10:10 15/05/2012  »
بواكير النضال
(3)

نبيل يونس دمان
     كان صيف 1971 حارا ومع ازدياد وتيرة الحر كانت ضغوطات السلطة في القوش المتمثلة اساسا من جهاز الامن السيء الصيت الذي كان يقوده مفوضا اسمه سعد منصور الذي عاش طفولته منفلتا في ازقة الكرادة ببغداد فالتقطه البعث ودربه ليبعث الى القوش بجانب شخص اخر اسمه جوزيف يكون مسؤولا للبعث.
     عصر احد ايام شهر حزيران كانت مجموعة من طلبة الثانوية والجامعة( بغداد والموصل) تقطع الطريق الى دير السيدة للتنزه، وعند عودتها قبل حلول الظلام، وفي موقع قرب مركز الشرطة الحالي، خرج مسلحوا الامن من مخابئهم، ليواجهوا تلك الجمهرة الطيبة، بالقول : انكم مجموعة يسارية غير معترف بها عائدة من اجتماع في الدير، وطلبوا تسليمهم الهويات، تقدم اليهم احد طلبة جامعة بغداد بالقول: لماذا تطلبون هوياتنا وكلنا في الاتحاد الوطني لطلبة العراق( كانت نيته طيبة ومنطلقا من شعار كان يغطي جدران الجامعات- ان كل طالب مخلص هو عضو في الاتحاد وان لم ينتمِ) على الفور نهروه بشدة فتراجع، ثم جمعت الهويات، على ان يحضر اصحابها في اليوم التالي الى دائرة الامن لاستلامها. في تلك الفترة كان احد كوادر النضال متواجدا في البلدة سرا( الفقيد سالم اسطيفانا) جرى في الليل ابلاغه بما حدث، فاتصل بمسؤول مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني( خديدا، من الاخوة الايزيدية) واتفقوا ان يتولى المسؤول الدفاع عن الطلبة.
     صباح اليوم التالي حضر اصحاب الهويات ومعهم الاخ خديدا مسؤول( حدك) ادخلوا جميعا الى غرفة الامن ليواجهوا المقبور سعد منصور وقبل ان يشرع بمسائلتهم حول قصة الاجتماع الموهوم، دخل الاخ خديدا وقال للمفوض بما معناه: ان الطلبة الذين يبغي استجوابهم اعضاء في اتحاد طلبة كردستان، وكما هو معلوم كان لمقر( حدك) انذاك قوة تضاهي قوة البعث بفعل بيا ن 11 اذار 1970، كاد سعد منصور ان يتراجع ويطلق سراح الطلبة لولا تقدم احدهم الى طاولة المفوض بالقول: عفوا ايها المفوض: نحن لسنا اعضاء في اتحاد طلبة كردستان بل نحن نؤيد كل اتحاد يخدم مصالح الطلبة. على الفور اوقف الاخ خديدا دفاعه وانسحب الى الخارج متخليا عن المواصلة. هنا استأسد سعد منصور وادخل الطلبة اليه انفرادا ليهددهم ويهينهم ويتدخل في امورهم الشخصية كالقول لاحدهم وقد كان كث الشاربين( اذا ما تحلق شواربك...كذا) وفي تلك الاجواء الهستيرية ابلغوا ان يكفوا عن التجمع وان اية مجموعة مكونة من ثلاثة فما فوق وان تجولت في الشوارع، يعتبر اجتماعا معارضا للبعث وستعتقل، ثم ارجعت الهويات الى اصحابها.
     بعد ايام حدث صدام في مقهى الشباب في السوق بين الامن وعدد من رجال الفقيد توما توماس، كنت اتمشى مع صديقي عادل عوديش عنما سمعنا جلبة وعبر احد ازلام البعث انذاك وبعفوية اندفعنا بالضحك جهرا على العابر، وبعد عدة ساعات جاء الينا قائلا: لماذا ضحكتم علي، اجبت وقد تضايقت من شدة  ضغوطات البعث فقلت( انكم تمنعوا علينا حتى الضحك العادي) فقال من انتم ومن نحن، هذا اعتراف منك انك مع المعارضة، بعد ايام اشاع جهاز السلطة بوصول قائمة بالاعتقالات تشمل من اشترك في صدام بندوايا( حدث صدام بين الشباب التقدمي وبعض مرتزقة البعث) وتشمل القائمة اسمي ايضا. اخذني احد اقرب اصدقائي انذاك على انفراد ليحدثني عن ورود اسمي في قائمة الاعتقالات حسب ما تشيعه السلطة فعليك الصمود والمقاومة، وهكذا فعل صديق اخر، ثم اصطحبني الى بيت الفقيد سالم اسطيفانا ليقول لي عليك بمواجهتهم والوقوف بوجههم، رجعت الى البيت وصعدت السطح ولكني لم استطع النوم، فقد كنت شديد الحرص ان اواصل تعليمي وان اتجنب امور الاعتقال، وان اعمل ما بوسعي لاساعد عائلتي الضعيفة الحال شان غالبية عوائل القوش، وضعت احتمالين اما الهرب في الصباح الى بغداد او مواجهة الموقف، بعد وقت توصلت الى ضرورة البقاء، فبكرت في الصباح لاجد لي مقعدا ظاهرا في مقهى الدير( انذاك كان يسمى مقهى كردستان). حان موعد نزول الامن الى السوق واسرعوا بالصعود الى المقهى التي اجلس فيها ولكن لا احد تقدم الي، ومرت الازمة التي افتعلها مرتزقة السلطة بغرض كسر عزيمتي في المضي قدما على طريق النضال.
nabeeldamman@hotmail.com
May 12, 2012
USA 


169
الياس ياقو قودا
الجزء الثاني

نبيل يونس دمان
    منذ ان كنت صغيرا وانا اسمع بتلك العملية التي ذاع صيتها، لقد حدثت في عام 1930 وتروى هكذا: وصلت اخبار بوجود الياس في كهف بمحلة اودو ويقال ان الشرطة انتشروا في الازقة واسطح المنازل ويقال ايضا بان اثنين من الانكليز كانوا معهم لمساعدتهم في القبض عليه، اعتقل شقيقه داود في المركز وعندما سمع الياس بانهم سيستخدموا اخيه داود درعا للدخول الى الكهف، اقلقه ذلك كثيرا اذ اي اطلاق على الشرطة سيصيب اولا شقيقه، لذلك اخذ يذرع المكان ذهابا وايابا وهو مطوق باحكام، وينقل عنه ما يلي: كان العطش قد اظماه فراى قلة ماء قرب باب الكهف فاندفع اليها يروي ظمئه، دخل الى عمق الكهف واخذ يفكر ان يقاتل بالمسدس حتى لا يقتل اخيه ويحاول بكل امكاناته سحبه دون اصابة الى عمق الكهف.

داود ياقو قودا
     بعد ذلك غير خطته بسرعة فوضع خمسة طلقات في مخزن البندقية واطلقها تباعا باتجاه باب الكهف، احنى المهاجمون رؤوسهم فاستغل تلك الفرصة فخرج مثل السهم الى فضاء الحرية عبر الازقة الضيقة، وعندما وصل الى بيوت آل وزّي صاح بالمهاجمين ان يلقوه خارج البلدة وسينتظرهم في تل المقبرات ليكون الحسم، لكنهم بدلا من اللحاق به، اخذوا يطلقون الرصاص في الهواء دون ان يتمكنوا منه.
     فجر يوم من ايام القوش الجميلة، غادر سليمان كتو بيته وهو بكامل قيافته القتالية، ليحتمي بالجبل من مطاردة الشرطة له، واتجه شرقا ً فدخل وادي دير الربان هرمزد، وبعد قليل انحرف يسارا ً ليدخل وادي( برسملي) الرهيب بسكونه وسعته ووعورته. انه يعرف طريقه الذي اعتاد ان يسلكه في كل مرة، ليصل الى اماكن اكثر أمنا ً، وليمضي شطرا ً من حياته فيها مع عدد من اصدقائه المطلوبين ايضا.
     يبدو ان الحكومة قد جندت بعض القرويين للايقاع به، و كانت تلك المجموعة بقيادة حسن مصطو المعروف في المنطقة. بعد استطلاع ومراقبة جيدتين اتخذت تلك المجموعة مواقعها خلف الصخور، تنتظر مرور سليمان كتو، وحين اصبح في الوسط، تفاجأ بصوت واضح يأمره بإلقاء سلاحه وبرفع يديه، عزّ عليه الاستسلام فقال لهم( كيف القي سلاحي وانا رجل معروف لديكم، هناك متسع من الوقت للتفاهم ومعرفة اسباب كل ذلك) وجاء الجواب باستحالة التفاهم قبل التجرد من السلاح.
     في تلك الاثناء كان هناك رجلا ثالثا يراقب الموقف من مكان حصين، وقد سمع كل الحديث الذي دار فصرخ قائلا ً( كيف تجرأتم وبلغت بكم الصفاقة حدا تهددون حياة سليمان، انكم تحت مرمى نيراني، عليكم برمي سلاحكم جميعا ً امام صاحبي) . عرف حسن مصطو صوت ميخا زراكه فقال( يا سيدي( بالكردية أسْ بَني) ايها المحترم، ما كنا نود أيذاء سليمان، وهو صديق لنا، بل مازحناه لنختبر يقظته واستعداده) ، فاجابهم إجابة قاطعة( عليكم نزع اسلحتكم فورا ً أمام سليمان) ، وهكذا تم له ما اراد.

 


مقتطع من كتاب القوش عبر التاريخ- لمؤلفه المطران يوسف بابانا

     ظل سليمان مسمرا ً في مكانه لا ينبس ببنت شفة، وهو مذهول لما يحدث امامه، عندها خرج ميخا من مكمنه فعانق سليمان بحرارة، وتصالحا بعد قطيعة وجفاء أحاطت علاقتهما في تلك الفترة، ووسط فرح الصديقين ببعضهما، اعادا اسلحة الجماعة، فأثنوا على موقفهما وهم خجلى من الحالة التي هم فيها، وكرروا شكرهم  لرجلي القوش في تلك الفترة سليمان كتو و ميخا زراكه.
     كان ميخا زراكه عائدا من القوش الى معقله في الجبل، فوقع في كمين محكم لرجل اثوري اسمه ننّو، وهو نفسه مطلوب للحكومة ويعتد بنفسه وشجاعته، في تلك الايام دعته الحكومة وطلبت منه مقابل الاعفاء عنه ان يمسك الرجال الثلاثة( سليمان، ميخا، والياس) ، فاخذ يتحين الفرص ويتصيد ليوقع بهم، تحدث ميخا زراكه قائلا:
كنت يوما عائدا من القوش الى الجبل فدخلت وادي برسملي وانا احمل بندقيتي وباقي تجهيزاتي، وانا كالعادة ماضي بحذر، ولكن في غفلة نادرة، واذا( نَنّو) الاثوري الذي اعرفه يشهر سلاحه قائلا ارم سلاحك فوراً( راپي توپخ) قلت: غيّر بدّل! قال: قلت لك ارم سلاحك! فقلت له: ننو انا اعرفك رجل شجاع ومقتدر ولكن ماذا ستقول الناس وانت صاحب غيرة أليس عيباً ان يقال بان فلان جرد ميخا زراكه من سلاحه، هذا شيء غير مقبول منك وانت ذلك الشهم، وهكذا وبنفس الاسلوب السابق، ارتخت آذان ننو كما يقال، فعلق بندقيته ليواجهني كصديق، وبلمح البصر انزلت بندقيتي آمراً: ارم سلاحك الان( راپي توپخ!! ) ومهما حاول بل وترجى ان اتركه، قلت حازما: ارم السلاح بسرعة؟ فرماه، ارمي كل معداتك؟ ففعل، ثم قلت: انزع ملابسك؟ .... حتى ابقيته على الداخلية فقط، تركته وعدت الى مجموعتي، وعندما رآني الياس مقبلا قال: ما هذا؟ قلت: مقتنيات ننو الاثوري، فقال هل قتلته؟ قلت: لا لم اقتله، فابدى رفيقي امتعاضه، وقال لو كنت في مكانك ما ترددت لحظة في قتله، فقلت له: تركته ليكن امثولة لغيره وليرجع الى بيته خائبا ولتسمع الحكومة ما جرى لمجندها.
nabeeldamman@hotmail.com
May 05, 2012
USA  



170
المنبر الحر / بواكير النضال (2)
« في: 18:49 06/05/2012  »
بواكير النضال
(2)

نبيل يونس دمان
ذكرى الفقيد حنا عيسى يلدكو
     في الاسبوع الاخير من شهر نيسان عام 2000، وصلنا الخبر الأليم، قاطعاً آلاف الاميال، يعلن عن وفاة صديقي حنا عيسى يلدكو. كانت وطأة الخبر شديدة، ولا زلت غير مصدقٍ انني لن التقي بزميل المدرسة ابي ثائر، الذي فارقته والوطن مكرهاً، قبل عشرين عاماً تقريباً.
     عُرفَ حنا بمواهب متعددةٍ، منها كتابةُ الشعرِ في وقتٍ مبكرٍ، وعُرفَ بذكائه وتفوقِه الدراسيِّ، خصوصاً في الدروسِ العلميةِ التي تتطلب ذهناً رياضِياً، وعُرفَ بشجاعته في المواقف الصعبةِ، فقد سُجنَ مراراً وهو لم يزل شاباً طريَّ العود، ففي احدى مرات سجنه، عاد الى قاعة الامتحانات النهائية في الخامس العلمي( ايار 1969) واجتازها بنجاح.
     كتب في صيف 1969 قصيدة رثاء في نعي الشهيد صبري الياس دكالي( جندو) عثرت الشرطة على القصيدة في جيب احد الاصدقاء في سوق القوش وهي مذيلة باسمه، فكانت سببا في اعتقاله عدة اشهر، فخسر تلك السنة لتذهب ضريبة للنضال! . في السنين اللاحقة اكمل دراسته في هندسة البناء في الجامعة التكنلوجية ببغداد عام 1976، وتدرج في الخدمة المدنية الى ان وصل الى مدير مشاريع.
     في ربيع عام 1969 اندلعت نيران صراع مسلح بين بلدته والقرى الايزيدية المجاورة، لم تكن تلك الحوادث بمعزل عن دسائس السلطة الحاكمة، فكان للفقيد دور فيها، وخصوصاً في الصدام الذي احتدم، داخل مبنى الثانوية.
     في شهر تشرين 1973 كانت بلدته محاطة بآلاف المسلحين من جهة الجبل، تخوض معركة الدفاع عن اهلها، وصل الفقيد وهو الطالب الجامعي، ليشارك في ذلك القتال، وتعد تلك مأثرة اخرى له، اضافة الى مشاركته النشيطة في التظاهرات التي اعقبت بيان 11- اذار 1970، اتذكر انه حمل على الاكتاف ليهتف بشعارات تقدمية امام مركز السلطة في القوش، على مرآى ومسمع ازلام السلطة، ووسط تصفيق الجماهير المكتظة في ذلك المكان.
     كانت انطلاقة الفقيد حنا يلدكو عظيمة، وكان ينتظره مستقبلٌ رائع، ولكن الظروف التعيسة التي عاشها آنذاك بلياليها الكئيبة التي خيمت على البلاد، جعلته معزولاً، يصارع ويكبت معاناته، ويختزن في داخله الغضب المكتوم...... ثم فجأة نسمع برحيله وهو في متوسط العمر( مواليد القوش 1951) مأسوفاً عليه، تاركاً عائلته في خضم الحياة، واهله واصدقائه في مرارة واسىً بالغين. هكذا افتقد اصدقائي تباعا ولي فيمن تبقى الصبر والسلوان.
nabeeldamman@hotmail.com
May 06, 2012
USA 


171
المنبر الحر / بواكير النضال (1)
« في: 14:22 03/05/2012  »
بواكير النضال
(1)

نبيل يونس دمان
     في الذكرى السوداء لتاسيس الاتحاد( الوطني) لطلبة العراق تشرين 1970 * حشد البعثيون طلبة المجموعة الثقافية لترتقي باصات خاصة تقلهم الى كلية الطب عند المستشفى الجمهوري، لم يعجبنا التوزيع على الباصات الخاصة بالكلية او المرحلة الدراسية، بل استطعنا ان نتجمع اكبر عدد من القوشيي الجامعة من كليات العلوم، الهندسة، والاداب، في باص واحد.
     حال تحرك الباصات ببطئ، شرعنا نغني اغاني تراثية، وبعد قطعنا مسافة قصيرة، اوقفنا عن الغناء اثنان ادعيا انهما من الاتحاد( الوطني) ومسؤولان عن الباص، لنردد معهم شعارات وهتافات بعثية اعدت سلفا في منشور مطبوع، امتنعنا عن ذلك وصار صدى صوتهما يسمع فقط فيما اطبق السكوت بقية الباص.
 




الباص الذي اقلنا بشموخ عام 1970 **
     امتعض البعثيان واحدهما من بلدة برطلة اسمه جميل***( سمعنا لاحقا انه كان حرسا قوميا في عام 63) والاخر من قرية تلسقف واسمه رحيم( ابن اخ الراهب الراحل شعيا) وقعت مشادة كلامية بيننا وبين البعثيين حتى تصاعدت حدتها ليهددهم احد طلبتنا وهو جميل موسى ساكو بسحقهم ان لم يتوقفوا عن دعوتهم للتغني بالبعث، ومعقبا باننا مستقلون لا نهتم بالسياسة، حدث حماس وتضامن لا مثيل له بيننا فاوعزنا الى سائق الباص بالتوقف فورا، واجبرنا الشخصين بقوة على النزول ودفعهما الى ارضية الرصيف، اغلقنا باب الباص بوجههم ونفذ السائق طلبنا بالسير الى الامام، هكذا اصبحا نقود الباص بمن فيه واخذنا نغني ونهتف بهتافات لها طابع التمجيد بالبلدة وتاريخها الى درجة كان الناس خارج الباص يلوحون لنا معقبين( ليش بس القوش) فنجاوبهم بحزم : نعم القوش، اننا ابطال واسوْد القوش نحيي كل الطلبة.
     في المساء عدنا الى غرفنا المستاجرة في منطقة الميدان الفقيرة، غرب نهر دجلة من مدينة الموصل بنينوى العظمى ونحن فخورون بما اقدمنا عليه، كان يسكن مع عزيز اودو طالب من تلسقف اسمه قرياقوس حنا( د. حاليا) اخبرنا مساء ومن باب الحرص بان رحيم البعثي اعد تقريرا بما قمنا به، وبالتالي سنواجه امورا لا يحمد عقباها.
     فاجأ احدنا قرياقوس بالسؤال عن موقع بيت رحيم في تلسقف، اطرق قرياقوس راسه متاملا ودون ان يجيب على السؤال خرج من حيث اتى، وعرفنا لاحقا انه ابلغ رحيم سعينا البحث عن موقع بيته كي نتصل ب توما توماس في الجبل ليرسل من يخطف والده، هنا ارتعدت فرائص رحيم خوفا، وانه طوع ما نريد، فابلغه قرياقوس ان يمزق التقرير الذي اعده الى قيادته، وكان لقرياقوس الطيب ما اراد، هنا وحسب ما رواه قرياقوس في حينها بان رحيم طلب ان يفاتحنا باستمرار علاقة الصداقة والود بيننا. في اليوم التالي كان رحيم في باب الجامعة ينتظر قدومنا بالتحية والترحاب... دون ان نكترث به.
ــــــــــــــــــــ
* فشل الكثير من الطلبة  في الاجابة عن تاريخ تاسيس الاتحاد عند التقدم الى الاقسام الداخلية، فيما حفظنا ولحد اليوم تاريخ تاسيس اتحادنا العام في 14- نيسان- 1948.
** بعض الوجوه التي تطل من الباص: نادر يوسف هومو، كاتب السطور، صباح منصور، بتول توماس، كاترين ميخائيل الصفار، نمرود رؤوف القس عبيا، شكرية رزقو ككو، وردة حسقيال كولا، بتول شعيا عكيل، عوني حنا الصفار، حميد ميخا.
*** اوصى ارنستو تشي جيفارا اتباعه بعدم ذكر اسماء الخونة كي لا يصبح اسمهم مهما في التاريخ.
nabeeldamman@hotmail.com
May 1st, 2012
USA 

 

172
الياس ياقو قودا
الجزء الاول

نبيل يونس دمان




     الياس قودا( الملقب ابن شلّي) احد رجال القوش البارزين في مغامراتهم اذا لم نقل بطولاتهم، لقد رفع اسم  بلدته عاليا بين العشائر في النصف الاول من القرن العشرين. كانت ولادته عام 1897، ثم نزلت العائلة الى بغداد طلباً للعيش، كان معهم عمهم الذي تركهم ونزل الى البصرة، وبعد مدة توفي والدهم هناك، فما كان من والدته( تريزا) وهي من بيت بوكا الا ان تصحبه واخيه الاصغر الى القوش. اصيبت والدتهم في صغرها بعاهة في رجلها، لذلك اطلق على اولادها الياس وداود( 1903- 1935) عند رجوعهم الى البلدة باولاد شلّي. في فترة السفر برلك شبّ الصبيان ليصبحا من رجال القوش الشجعان في فترة العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، نشأ الياس ورضع وتشبع من قيم الرجولة والمغامرة التي كانت سمة ذلك الزمان، حيث لم تكن المثل والمبادئ وحتى القوانين التي نعرفها سائدة، كانت الرجولة تقاس قبل كل شيء بالجرأة والتحدي، في العشرينات شكل الانكليز( الليفي) وهي ميليشيات محلية لحماية مصالحهم، انخرط الياس في تلك الوحدات في مدينة الموصل، هناك تدرب على الاسلحة وفنون القتال والدفاع وغيرها من الاعراف العسكرية، وعند خروجه منها اقتنى سلاح جيد هو البرنو بجانبه المسدس والناظور، واصبحت وجهته المغامرة والولع بالسلاح، وفي احيان كثيرة العصيان في الجبال، وعلى ذلك الطريق اشتدت علاقته باثنين آخرين هم: ميخا زراكا( 1897- 1965) وسليمان كتو( 1904- 1930) فارتبطوا باوثق الصلات واصبحوا باسلتحم وهندامهم وقيافتهم يجوبون الوديان والجبال، لا يقف عند طموحهم حد، ونتيجة تلك الاعمال وغيرها صاروا مطلوبين بشدة للحكومة.
     يذكر المطران يوسف بابانا ما يلي( في سنة 1924 قدم الى القوش حاكم الموصل الانكليزي الجنسية " نولدن" وطلب من يوسف ﭙولا ان يكلف شخصا لايصال رسالة الى حاكم دهوك " جالدين" فوقع الاختيار على الياس ياقو قودا المعروف بابن شلي وبينما هو في طريقه الى دهوك فوق جبل سينن وشيخ خدر اذ بطائرة تمر بتلك الاجواء، فصوب الياس بندقيته نحوها واخذ يطلق الرصاص دون ان يصيبها فاخذت الطائرة تحوم حول المنطقة تفتش عن مصدر النار غير ان الياس اختبأ في بعض الشقوق ورجع الى القوش دون ان يكمل مهمته التي كلف بها ومنذ ذلك الوقت اصبح مطلوبا للعدالة) * ص 165 هذا هو احد اسباب التحاق الياس بالجبل، وهناك من يقول انه قتل احد الغرباء حول القوش فاصبح مطلوبا، وقسم اخر يقول بان الياس قام بسلب احد البدو في اطراف القوش فاعتقل بسبب ذلك وعندما خرج، سمع بهروب اثنين من اصدقائه الى الجبل وهم ميخا زراكا و سليمان كتو، ربما ارادها حجة قوية ان يلتحق بهم فطعن زوجته" شمي بوكا" عدة طعنات بالخنجر ولكنها لم تمت، عندما حضر القس ابلحد عوديش لاعطائها مسحة الزيت شاهد الدم الغزير ينزف منها فتركها وخرج ثم عالجها اطباء البلدة الشعبيون فشفيت، اما الياس فقد هرب نحو الجهة الشرقية من القوش وعندما وصل الى الغدير كانت الشرطة تتعقبه فانتشرت في الارض التي بني فيها بيت المعلم يوسف رئيس، صاح الياس بالاولاد المتجمعين ان يبتعدوا حتى يصوب على الشرطة هنا يقول احدهم وهو صادق ياقو برنو ان مامور المركز اوقفنا قائلاً " لا تبتعدوا، ابقو معنا !!.
     تعهد امام سلطات الموصل احد مفوضي الشرطة بانه قادر على اعتقال الثلاثة المطلوبين الى الحكومة، فنقل الى القوش وسكن في بيت وردكي شيخو المجاور لقنطرة القوناغ( مقابل بيت رزوقي السعرتي) فلما سمع الثلاثة بعنتريات المفوض امام الاهالي، نزلوا من الجبل في جنح الظلام وتسللوا الى باحة المنزل الذي يسكنه،  ثم طرق احدهم باب غرفة نومه، فاستغرب من ذلك الطارق الذي تجاوز الباب الرئيسي، ثم فتح الباب فرأى امامه الثلاثة بكامل اسلحتهم واستعدادهم، ارتجف من الخوف، قالوا له" نحن امامك الان فقم باعتقالنا " هنا بدأت زوجته بالبكاء، فقالوا لها "لا علاقة لنا بك، فقط جئنا نسلم انفسنا الى زوجك" ، اخذ المفوض يعتذر منهم بشدة، ويقول" انا لم اقل ذلك والناس تبالغ وتنقل اخبار غير صحيحة "، فقالو له" اطلب فورا نقلك من هنا ومن اجل مصلحتك" ، ويقال انه في اليوم التالي استدعى احد سواق البلدة ليعود به وعائلته الى الموصل.
القوش في 12- اذار- 2012
nabeeldamman@hotmail.com


173
أدب / القوش
« في: 22:47 16/04/2012  »


القوش


نبيل يونس دمان




حُيِّيْتِ يا بَلدَتي في العَزْمِ والشِـــــدَّةِ
حَتّى إنقِضاءِ الدَّهْرِ بِالعِزّ والرِفعَــةِ
سُقْياً وَرَعْياً لَها مِن بَلدَةٍ قُـــــــــدْوَةٍ
في غَربِها دِجْلَةٌ ببْلادِيَ الخَضْـــرَةِ
طِيْبٌ شَمائِلُها كُثْرٌ مَحاسِنُهـــــــــــــا
عِطْرٌ بَسْاتينُها أشْدوها أغْنِيَتِــــــــي
فَخرٌ شَواهِدُها قُدْسٌ مَعابِدُهـــــــــــا
مُذْ أشرَقَت نينوى فَجرَ الأشوريـةِ
لو مَرَّ بي طَيفَها تَنْتابُنِي فَرْحَــــــةٌ    
زَهْواً وَفَخْراً بِها في كُلِّ واقِعـَــــــةِ
أشْكُوا هُمومِي لَها مازِلْتُ في دُنْيَتي
مُغْرَمْ بِها دائِماً والشاهِدُ قِصَّتـــــــي
إنْ لَمْ أرَى رَسْمَهَا في هالَةِ القَمَـــــرِ
فالنُومُ يَهْجُرُني والشَوكُ وِسادَتـــــي
إن لَم أرى نَصْرَها في وِجْهَةِ الزَمَنِ
فالحُزنُ يَلُفُّني والدَمْعُ في مُقْلَتـــــــي
مُقْبِلْ أنا عَن بُعُدٍ كأَنَّها جَنّتـــــــــــي
أهلاً وَسَهلاً بِها عِنوانُها بَهجَتـــــــي
أحْمُلْ سَلاماً لَها مِن شَقْوَةِ الغُربَــــةِ
الدُنيا في كفَّةٍ، ألقوشُ في كفَّتـــــــــي
مَثْوى نَحُومَ النَبي في سَفْحِها يَربـُطُ
أكواخُ عِبادَةٍ والدَيرُ في القِمَّــــــــــةِ
شَوقي الى رَمْزِها في ساحةِ الوَطَـنِ
أمْشي الى نَصْبِهِ مُنْحَنِيَ الهْامَــــــةِ


القوش9- 3- 2012
nabeeldamman@hotmail.com


174
رسالة قصيرة الى د. توفيق صبري
نبيل يونس دمان
اذا كنت تعتقد بان المجموعة التي قصدتها ستترك توجهاتها التي اشرت اليها بالتفصيل فانت متوهم، فقد كتب الكثيرون وتنحى الكثيرون عن هذا الطريق لما يفرزه من كلمات جارحة، نتنة، ومقرفة، هي ليست من شيم ابائنا واجدادنا، لو فرضنا جدلا انهم التزموا وتركوا هذا النهج المخدش لكل حاسة من حواس البشر، فماذا يعملون؟ هل يجلسوا بدون كتابة؟ هل سمعت بعجوزة بلغت من العمر عتيا ودخلت مرحلة الخرف تترك خرافاتها ودعاواها وشتائمها لكل من يمر امامها .. وحتى حافة القبر.
هؤلاء لهم مشاريع وهمية وهذه المشاريع لن ترى النور ابدا لان سبيلها غير مهذب، لا تتبع اسلوب الحجة بالحجة ولا احترام للراي الاخر، بل اصلا لا تسمع الراي الاخر، ولا تفكر به اطلاقا بقدر انتقائها لما يعجبها، وان الحرية الممنوحة لها منفلتة، فلو كان هناك نظام وحساب لما تخطى احد هؤلاء عتبة اقل صحيفة او مجلة في العراق.
ان مشاريعها تنصب على الكعكة والحصول على امتيازات وحقوق بدون نضال ولا تعب ولا صبر ولا تاريخ، وهل يعلم او يعلموا ان معظم( اؤكد على كلمة معظم) من يحصل على المناصب والامتيازات في داخل الوطن له ماضي في العمل النظيف والتحمل والتضحية، ومتى يعلم هؤلاء بان( زوعا) قد ناضل بالسلاح من على قمم كردستان الى جانب الاحزاب القومية الكردية واليسارية وشكلوا جبهة اسمها الجبهة الكردستانية لها ميثاق وبموجب تلك المواثيق كانت له حصة عمل وليست كعكة من المناصب التي شغلها ويشغلها، واهِمٌ من يعتقد بان الحاكم الامريكي بول بريمر قد منحهم هذه الامتيازات من عضوية مجلس الحكم الى آخره او انه اخطأ في منح هؤلاء مالا يستحقونه. انا على يقين بان هؤلاء سيواصلوا رفع عقيرتهم على هذا وذلك، ولكن في اخر المطاف يفقدون حتى احترام عوائلهم واولادهم لهم.
nabeeldamman@hotmaik.com
March 5, 20012


175
أجمل ما قيل في الحب والغزل
نبيل يونس دمان

     لناخذ استراحة من الكتابة في التراث او في السياسة، فنوغل قليلا في موضوع الحب الذي هو الاخر يعكس جانبا جمالياً واجتماعياً في حياة الناس، ولنعد ما قيل في الحب من نشيد الانشاد في التوراة الى العصور الوثنية وما بعد الميلاد، مركزين على الحِكم والعِبر والاشعار الجميلة في هذا المجال، عَلّنا نُرفه القارئ في هذه الاستراحة التي سرقناها من مسارنا الطويل ولربع قرن من السنين، في تخطي المألوف الى فضاء الابداع الذي انجزه الآخرون من مختلف الازمان.
والى النماذج التي اخترناها من الكتب التي وقعت بين ايدينا، اذا احسنا الاختيار:
ϴ حبيبي ابيض واشقر علم بين ربوة، رأسه نضارة إبريز وغدائره كسعف النخل حالكة كالغراب، عيناه كحمامتين على انهار المياه تغتسلان باللبن وهما جاثمتان في وقيهما، يداه حلقتان من ذهب مرصعتان بالزبرجد وجسمه عاج يغشيه اللازورد. (1)
ϴ وتقوم الإلهة إنانا بالاستعداد والتحضير لاستقبال دموزي:
استحمت ومسحت جسدها بزيت الطيب
غطت جسدها بالرداء الملكي الابيض
احضرت بائنتها
نسقت خرز قلادتها الفيروزية حول عنقها
حملت ختمها بيدها
دموزي كان ينتظرها بفارغ الصبر
إنانا فتحت له الباب
من داخل المنزل كانت تشع امامهُ
مثل ضوء القمر
دموزي تطلع اليها والبهجة تَغمر قلبه
ثم اطبق عنقه على عنقها وقبّلها (2)
ϴ ايها العريس، الغالي الى قلبي،
عظيمة هي مسرتك، حلوة كالعسل
ايها الليث الغالي على قلبي
عظيمة هي مسرتك، حلوة كالعسل
لقد اسرتني، اقف مرتجفة امامك
ايها العريس لو تحملني الى الخدر
( 3)
ϴ قال الشاعر امرئ القيس:
ويومَ دخلتُ الخِدرَ خدرَ عُنيـزةٍ     فقالت لك الويلات انكَ مُرجِلــــــي
تقول وقد مال الغبيطُ بنا معـــاً     عَقَرت بعيري يا امرأ القيس فانزِلِ
فقلت لها سيري وارخي زِمامَهُ     ولا تبعديني من جَناكِ المُعَلّــــــــلِ
(4)
ϴ قصة شاب عاشق:
لما اناخوا قبيل الصبح عيسهـــــمُ     وحمّلوها، فسارت بالهوى الابـلُ
وابرزت من خلال السجف ناظرها     ترنوا الي ودمع العين مُنهَمِـــــرُ
يا راحل العيس عجل كي نودعهـا     يا راحل العيس في ترحالك الاجل
اني على العهد لم انقض مودتهـم     فليت شعري لطول العهد ما فعلوا
( 5)
ϴ لبغض البنات هجر ابو حمزة الضبي خيمة امراته، وكان يقيل ويبيت عند جيران له حين ولدت امراته بنتا، فمر يوما بخبائها واذا هي ترقصها وتقول:
ما لابي حمزة لا ياتينـــا     يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ان لا نلد البنينا     تا الله ما ذلك في ايدينـــا
وانما ناخذو ما اعطينــا     ونحن كالارض لزارعينا
                ننبت ما قد زرعوه فينا

فغدا الشيخ حتى ولج البيت وقبل رأس إمرأته وابنتها. (6)
ϴ قالت الكبرى: اتعرفن الفتى     قالت الوسطى نعم، هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيمتهــــــــا     قد عرفناه وهل يخفى القمــر
(7)
ϴ يقول جميل بن بثينة:
يقولون جاهد يا جميل بغزوة     واي جهاد غيرهن اريدُ
لكل حديث بينهن بشاشــــــة     وكل قتيل بينهن شهيــدُ
(8)
ϴ قال عبد الله بن العباس الربعي في فتاة:
كم لثمتُ الصليب في الجيد منها     كهلالٍ مُككلٍ بشموسِ (9)
ϴ عن هند ابنة النعمان:
وقد زارها المغيرة فسالته: ما جاء بك؟ فقال: جئتك خاطباً. فقالت: والصليبِ لو علمتُ ان فيّ خصلة من جمال او شباب رغبتكَ فيّ لأجَبتك، لكنك اردت ان تقول في المواسم: ملكت مملكة النعمان بن المنذر، ونكحت ابنته، فبحق معبودك اهذا اردتَ؟ فقال: اي واللهِ. فقالت: فلا سبيل اليه. فانصرف المغيرة. (10)
ϴ علي بن جهم، الشاعر البدوي الذي جاء للخليفة المتوكل مادحا له فقال:
انت كالكلب في وفائك للعهد، وكالتيس في صراع الخطوب، انت كالدلو- لا عدمناك- دلوا من كبار الدلى كثير الذنوب.
ضحك المتوكل وعرف ان نيته سليمة وقد اراد مدحه لذا انطلق بما عرفه من واقعه الصحراوي الذي علمه هذه الكلمات دون سواها...
بعد مدة كتب قصيدة مطلعها:
عيون المها بين الرصافة والجسر     جذبن الهوى من حيث ادري ولا ادري
حتى قال الخليفة كدت اذوب من رقة هذا الشعر حين سمعته. (11)
ϴ قال الشاعر:
شكوت اليها ما لقيت من الهوى     فقالت الى صخرٍ شكوت ولم تدرِ
فقلت لها ان كان قلبك صخــــرةً     فقد انبت الله الزلال من الصخـــرِ
(12)

ϴ قال الشاعر:
فقلت لهم إنما أرْضَعتهُ     بدُرَّتِها والفتى مُؤتَمَـنْ
فلما تمكّنَ من نَفسـِــــهِ     تَجَرّى فَردّ عَليها اللّبَنْ
(13)
ϴ انشد ابو العباس:
عَذبني الشيخُ بالوانِ السّهَــــــرْ     بالشَمّ والتقبيلِ مِنهُ والنَظــــــــرْ
حتى اذا ما كان في وقتِ السَحرْ     وَصَوّبَ المِفتاحَ في القُفلِ إنكَسَرْ
(14)
ϴ كتبت ولادة ابنة الخليفة المستكفي الى ابن زيدان:
لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا     لم تهو جاريتي ولم تتخيـــــر
وتركت غصنا مثمرا بجمالـــــــــه     وجنحت للغصن الذي لم يثمـر
ولقد علمتَ بانني بدرُ السَّمـــــــــا     لكن دُهيت لشقوتي بالمشتري
(15)
ϴ ان العروس الدرزية تهدي الرجل الذي تتزوجه خنجراً حاكت له يداها غلافا من صوف احمر يحتويه تماما مثل جزدان مخيط. وهذا الخنجر هو رمز عقوبة الموت التي ستنزل بها اذا كانت غير مخلصة. والغلاف الاحمر المخيط هو رمز القانون الذي يجب على الزوج ان لا يستل الخنجر واقرباء زوجته الذكور احياء بل عليه ان يعيد الخنجر والمراة الى والدها واخوتها الذين يعلنون الحكم وينفذونه. (16)
ϴ حداء الإبل:
نورْ يا غزالْ الصيفْ
لفيني بحضينك عن سمومْ وهيفْ
قليبي مع رحيل اليومْ
حالوا بيني وبينه قومْ
يا ويلي حالوا بيني وبينه قومْ
(17)
ϴ قال الشاعر:
لا تقف قدام لـذّا     تك مَكتوف اليدين
انت لا تأتي الى     دُنياك هذه مرّتيـن
(18)
ϴ سورة الصلاة :
احيانا حين أصلّي
تعتصرني الشكوك
هل الله بحاجة الى هذه المراسيم..؟!
وحين تغويني امراة
بسحر جمالها المثقل بثمار الفرح الممنوع
يهز روحي برق عظمة الله..!
ايتها الكائنة المقدسة
سأسجد دوما لجمالك
(19)
ϴ شعر مترجم من الالمانية:
حبيبتي
حين نذوب
اخلع جلد الشتاء
عن جسدك البارد
احتضنك ، واظل
اعانقك بعنف،
خالين البال
ندفع الساق بالساق
ننتشي ويخيم من حولنا سكون
الى ان تشقه بتغريدها
طيور الفجر،
على اسلاك اعمدة الهاتف.
(20)
الهوامش:
(1) سفر نشيد الانشاد 5/10- 11- 12- 14.
(2) متون سومر- خزعل الماجدي- الاهلية 1998 ص 209.
 (3) المصدر نفسه ص 236.
(4) شرح المعلقات السبع- تاليف الزوزني- الطبعة الثانية 1972.
(5)  الحب عند العرب- د. عادل الالوسي- الدار العربية للموسوعات 1999 ص 368.
(6) البيان والتبيين- الجاحظ ج1 ص 138.
(7) عمر بن ابي ربيعة شاعر قريش.
(8) الحب عند العرب- د. عادل الالوسي- الدار العربية للموسوعات 1999 ص 189.
(9) النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية- الاب لويس شيخو ص 467.
(10) اروع ما حكي من قصص العرب في الزواج- الدكتور محمد التونجي- دار المعرفة- بيروت 2005 ص 133.
(11) علم خاص بالنسخ والاستنساخ- بلقيس حسن- كتابات 18- 9- 2003.
(12) الف ليلة وليلة/ 4- المطبعة الكاثوليكية- بيروت 1957.
(13) الجنس وابعاده- علي عبد الحليم حمزة- بيروت 2003 ص 80.
(14) المصدر السابق ص 81.
(15) من ديوان ابن زيدون المخزومي الاندلسي.
(16) مغامرات في بلاد العرب- ويليام سيبروك- ترجمة عادل حديفة و نبيل حاتم ص 178.
(17) من جريدة الوطن- الكويت.
(18) جميل صدقي الزهاوي- جمع واعداد عبد الحميد الرشودي- بيروت 1966.
(19)  ريكاي كردستان عدد/ 157 في اب 1997- لطيف هلمت.
(20) نوربرت فايس- نقل بتاريخ 7- 9- 1987في اليمن الديمقراطية.
nabeeldamman@hotmail.com
January 24, 2012
USA  


176
محطات في حياة الاسقف الراحل د. يوسف توماس
نبيل يونس دمان





     عشية اعياد الميلاد المجيدة، وراس السنة الالفية اليوبيلية، رحل عنا بصمت، مطران لبنان لكنيستنا المشرقية، المغفور له يوسف توماس، تاركاً الاسى والحزن العميقين في نفوسنا.
     حين نستعرض محطات حياته منذ الولادة في القوش عام 1934، فانها كانت مفعمة بالحيوية والنشاط، في خدمة قومه وكنيسته. عندما غادر الشاب حميد مسقط رأسه الى روما، للدراسة الكهنوتية عام 1953، كنت طفلا صغيرا لا اتذكره، وبيتنا لا يبعد سوى خطوات عن بيته، في محلة اودو. لكني خرجت مع الجموع في موكب سيارات مهيب عام 1966 لاستقباله وهو يعود باسم الاب الدكتور يوسف توماس، مؤهلا ومشمرا عن ساعديه للعمل.
     على مبعدة من قرية تلسقف، والتي خرج منها جمع آخر بضمنه اعمامه، كان اللقاء معه، حينها سدت والدته الطريق ساجدة تطلب بركاته، فكان ان ترجل من سيارته ليشملها بالصلوات، وليتعانقا في مشهد مؤثر، تعالت فيه الزغاريد والتهاليل، ثم حياه الجميع، بحفاوة تليق بمقامه الرفيع.
     في ربيع عام 1969، عندما كان فاروق احد امراء الايزيدية، قابعا في مركز البلدة( قشلة) ، محاطا بالجيش والشرطة، ومئات المسلحين من رجاله، تسرب خبر بقائه اياما اخرى، لتنفيذ مآربه الخبيثة، هنا هب القس يوسف، وزميل آخر له، ليجوبا ازقة البلدة، مناشدين الناس بالتجمهر، ورفض قبول الامر. ادت تلك الحركة الجريئة الى عرقلة تنفيذ العقوبات بحق الطلبة، ثم وصل ابن آخر لالقوش، وهو الفقيد توما توماس، لينذر الامير وقوة العسكر بالمغادرة الفورية، ويحسم الموقف في طرد من اضمر السوء للبلدة شر طردة.
     افترقنا قهرا منذ بداية الثمانينات، وكنت اسمع باسمه اسقفا على ابرشية البصرة، وهو يخدم الناس بحمية واندفاع، خصوصا الجند المساقين قسرا الى جبهات الموت. واخيرا تابعت اهتمامه بالمهاجرين جورا الى لبنان، من وطنهم المثخن بالجراح، جراء النزوات الفردية والعقوبات الدولية.
     كان الفقيد انسانا بكل ما تعنيه الكلمة من معاني عميقة، يكتنف جسمه ذهنا رصينا، وقلبا كبيرا، عامرا بالمحبة والسلام، ومسكونا بالارادة والاقدام. كان نحيلا لا تقوى ارجله على حمله، عندما جاء يودعنا الوداع الاخير، قبل بضعة اشهر، بفعل ما الحقه به مرضه اللعين، لكنه كان في عنفوان وقوة، عندما اوصل لنا ارائه السديدة وافكاره الرشيدة، في ندوتيه المقامتين هنا في مشيكان.
    كتب في وصيته ان يدفن في القوش، فكانت محطته الاخيرة، والابدية، حيث عاد جسمه المجبول من ترابها، كتلة هامدة، لا نطق فيها ولا حياة.
ستنبت تلك الارض المقدسة، الورود حول قبره!
مَرْ يوسِب مِنّن رحقلِه
كلزمه الّن علمايــــِـه
دشقلخ دوكه دقمايـِه
اني گوره جندايـــــِه
دويوه مثله ورايـــِـه
ما مَحكِن لَث كَشّيرَه
مَر عاقل وهونَه بهيرَه
كد گنيل أث زاريـــرَه
غبنّي وحشّي مَريــرَه
ما طاوَه شمِّـــــــح لارَه
مخشڤله ﭙرشله مْـــزرَه
حيران القش ما أمـــرَه
كد مطيل إلّح او خبــرَه
يومَه بّيروت زرقلـــــِـه
قاله دتشبحته سِقلـــــــِه
نقّوشَه تحشَّه دقلـــــــِه
مر يوسب مخايه ﭙرقلِه
مر يوسب منّن رحقلـِه
17- 1- 2000


177
العشيرة في المجتمع العراقي
نبيل يونس دمان
صدق الشاعر العربي القائل:
لا تقل اصلي وفصلي ابداً     انما اصل الفتى ما قد حصل
للوهلة الاولى تعني العشيرة قيم المروءة، العدل، الكرم، الضيافة، والشجاعة في الدفاع عن مظلوم، وهي عادات وتقاليد متوارثة عزيزة على قلوب الناس، فتراهم يتمسكون بها ويحرصون على الاستشهاد بها باعتبارها مُثلا رفيعة في حياتهم الاجتماعية ماضيا وحاضرا.
وهناك المفهوم الاخر للعشيرة، الذي يعني العدد، القوة، النفوذ، التسلط، والهيمنة الذي يستمد تاريخه من الاعتداءات، الغزوات، تسلط القوي، وغيرها من القيم البالية والمتخلفة التي تتقاطع مع متطلبات العصر في ارساء قاعدة اقتصادية قوية واشاعة نهضة علمية ثقافية اجتماعية شاملة.
في المجتمع العراقي هناك العشائر الكبيرة ولها فروع وانساب وافخاذ، وهناك العشائر الصغيرة التي تتحد مع بعضها طلبا للقوة ولمجابهة العشائر الاكبر او ربما تتحد بشكل او باخر بعشيرة اكب، وتنتسب العشائر الى اسماء اجدادها او انسابها ومراتبها الدينية او الى قرى او مدن او اماكن تتواجد فوقها.
كانت النظم العشائرية، التي تتحكم في الارض والمياه والممتلكات وبعلاقات الناس وبالنظرة المتخلفة للمرأة، قائمة منذ الدولة العثمانية حيث كانت تعين مسؤول القرية او الناحية من العشيرة القوية او الى انسابه الدينية المؤثرة في دائرة الناس المحيطة.
عند نشوء الدولة العراقية الحديثة عام 1921 كرست العشائرية اكثر، فقرب رؤساء العشائر والشيوخ والسادة الى كراسي السلطة واروقة البرلمان ومناصب الجيش، وكان رئيس العشيرة او الشيخ او الاغا هو نفسه الاقطاعي، وابنه او اخيه او نسيبه قائدا في الجيش او وزيرا او متصرفا او ذو منصب رفيع، ويتمتع بالمدارس العليا والبعثات العلمية لنيل الشهادات، هؤلاء الذين اطلق عليهم الشعب نعت ابناء الذوات، وقد سن قانون غريب في عرف القوانين الدولية سمي بقانون العشائر.
جاءت ثورة 14 تموز لتعلن مبادئ الحرية والديمقراطية التي اثرت بعمق اقتصادي واجتماعي وحضاري في المجتمع وابعد الى حد ما اصحاب الذوات من السلطة ليحل محلهم المغمورون وممثلوا الطبقات الشعبية، اصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة الوطنية الديمقراطية، وخصوصا في سنواتها الاولى، فتراجعت العشائر مرغمة وشرعت تنظم نفسها لارجاع مصالحها ونفوذها، وتتحد مع القوى الظلامية في القومية العربية لتغرق البلاد بالدماء عام 1963 وتنهي قيم العدالة والتقدم في ثورة 14 تموز.
وعند مجيء العفالقة ثانية للسلطة عام 1968 حاولوا ارتداء ثوب التغيير وتحقيق بعض مكاسب لتثبيت سلطتهم الضعيفة وللتغطية على جرائمهم السابقة، فنفذ الانقلابيون بعض الاجراءات التي صاغتها الحركة الوطنية وقدمت التضحيات في سبيلها ومنها الغاء اسم العشيرة من لقب المواطن العراقي، والاكتفاء بالاسم الثلاثي.
عندما افلس النظام في كل خطواته واغرق المجتمع العراقي في ازمات واوضاع شاذة وغريبة لم يألفها في تاريخه جراء استهانة الدكتاتورية بارواح الناس وقيم المجتمع، حاولت الاستعانة بل الرجوع الى القاموس العشائري القديم المتهرئ لبعث الحياة فيه( وهل يصلح العطار ما افسده الدهر) فقد اعاد النظام للعشيرة تسميتها والغاية معروفة في حشد الولاء للطاغية باية صورة بعد اخراجه مرغما من الكويت وتعرضه لاكبر هزة في تاريخه جراء النهوض الباسل للشعب في انتفاضته عام 1991.
في كل يوم تتوجه الى قصر الطاغية وفود مؤلفة من مئات الاشخاص!! لهم تسميات العشائر وممثلي القبائل في المحافظات المختلفة وقسم من هؤلاء يعرفهم المواطنون، صياعاً وذوي تاريخ اجتماعي سافل، وبعضهم من محترفي جرائم القتل والسطو وغيرها، ان هذا التمثيل يعده ويخرجه جهاز مخابرات النظام فيعد لهم كل شيء من بطاقات خاصة وزي خاص وفي سيارات خاصة ويلقنهم ماذا يرددون وماذا يفعلون دون ان ينسوا رفع صور الطاغية عاليا ثم يقرأ بإسمهم برقية الى الطاغية اعدتها المخابرات واليكم نموذج منها مقدمة من عشائر بابل في 1– 8- 1993( ..... لقد اتفقنا نحن الموقعين ادناه على رفض كل عنصر مخرب أو خائن لتراب الوطن او هارب من الخدمة العسكرية دون ان نأوي  بيننا كل خائن او عميل او مرتد وسيكون دمه مهدورا من قبلنا ومن قبل اهلنا جميعا ولا حق لاحد بالمطالبة بالفصل او اقامة الدعوى...).
تلاحظ عزيزي القارئ دعوات صريحة بالقتل واهدار الدماء حتى للهارب من الخدمة العسكرية( وقد يكون سبب هروبه شخصي او نفسي وليس سياسي) وبذلك تؤلب العشيرة على ابنائها وعلى مناضلي الشعب كما حدث ان اصدر النظام برقية بتوقيع عشيرة الجبور باهدار دم حامد علوان الجبوري الذي ترك موقعه في خدمة النظام الى صف المعارضة. وتذكرنا هذه الدعوة بالدعوة سيئة الصيت بهدر دم الكاتب سلمان رشدي من قبل السلطات الايرانية.
ان هذه السيناريوهات التي يخرجها النظام بين فترة واخرة هي التهيئة والتحسب للمستقبل حيث يخشى الطاغية قيام انتفاضة جديدة شاملة في العراق على غرار انتفاضة 1991 عنما سحق الشعب الثائر معاقل العبودية في المحافضات المحررة ولم يُجد شعار( كل العراقيين مع القائد) نفعا.
وحينما تدق الساعة سوف لن يبق قسم، بل سينطلق المحرومون والمضطهدون يتسابقون للقضاء على اوكار الدكتاتورية ويبنون على انقاضها وطناً حرا ديمقراطيا.
كانون اول 1993


178
احداث زاخو وتوابعها المرعبة
نبيل يونس دمان
قال المعري في لزومياته:
عنب وخمر في الاناء وشارب     فمن الملوم اعاصرٌ أم حاسٍ
     تلك كل الحكاية في موضوع الخمر، محلات الخمر، ونوادي الخمر، لو سمينا الظاهرة جدلاً بانها مشكلة فاللوم يقع على شاري الخمر وعلى مرتادي النوادي، وكذلك من يدخل صالونا للحلاقة العصرية، او محل مساج، ان جمهور تلك الاماكن هم من المسلمين بغالبيتهم العظمى من زاخو في اقصى العراق الى الفاو في اقصى جنوب العراق، ان الانسان يتصرف بدافع حريته الشخصية ويتحمل عواقب تصرفاته، المحال واماكن المساج والموتيلات يرتادها عامة الناس ومن مختلف الاديان، حتى اماكن الدعارة ان وجدت فقد كانت موجودة في كل زمان ومن قبل نشوء الاديان التوحيدية، لا تنفع الشدة والقوة والحرق في ازالتها، تتذكرون كيف اقدم صدام حسين على تعليق رؤوس الغواني على الابواب ولكن دون جدوى، فالابتعاد عن تلك الدور يكون بالتوعية المدرسية والصحة ووسائل الاعلام، اما القضاء عليها فلا يتم بالعنف ولا بالشدة ابدا، في كل بلدان العالم موجودة لكن يحذر منها في التوعية.
     من قال ان ادخال الانسان في بودقة واحدة وارغامهم على الضد من ارادتهم ستحل مشكلات المجتمع، ويتحول ذلك المجتمع الى مواطنين ملائكة يرحلون بعد مماتهم مباشرة الى الجنة والنعيم، من قال ان بالامكان فعل ذلك، وحتى السعادة لا تفرض بالقوة! كم من قرون مرت ومحاولات القضاء على الاجرام والرذيلة جارية، ولكنها محاولات فاشلة بل ومستحيلة في ظل طبيعة الانسان المبنية على الانانية وحب الذات والاقدام على التجربة اي تجربة الخير والشر معاً، لو كان بالامكان القضاء على الموبقات وعلى الاجرام لانتفت الحاجة الى العسكر والسجون وحتى الى المرشدين الدينيين.
     من قال ان ادخال النساء في الحجاب سيطهرهن من اعمالهن الخاطئة؟ ولماذا خلق الانسان على صورة الله، هل يحق له اخفاء ذلك الوجه؟ الانسان السوي يتباهى بمنظره وليشبع الناس النظر اليه وما فيه من الخلق والحسن. كانت عائشة بن طلحة بن عبدالله لا تستر وجهها بشيء فلما دخل بها مُصعب ابن الزبير كلمها في ذلك فقالت: ان الله عز وجل قد وسمني بوسمِ جمال فاحببت ان يراه الناس والله ما فيَّ وصمةُ استتر لها.
وقال عمر بن ربيعة:
ولما تواقفنا وسلّمت أقبلتْ     وجوهٌ زهاها الحسنُ ان تتقنّعا
     مطلوب من حكومة اقليم كردستان ومن الرئيس مسعود البارزاني ان يهب بسرعة لايقاف انتهاك حرية وكرامة الناس  وممتلكاتها في زاخو او اي مكان اخر من الاقليم، لا زال هناك متسع من الوقت لايقاف هذا الرعاع المنفلت خارج نطاق النظام والقانون، هذا الرعاع الذي يذعن لمرشدي المساجد الذين يفترض ان يزرعوا الخير ومحبة الناس في خطبهم لا التحريض لخروج الرعاع لتحطيم وحرق ما يقع امامهم، وبالتزامن مع خروج اميركا من العراق، ان شاء الله لن يكون ذلك اول الغيث، بل يجب ان تحافظ المنطقة على بر امانها وعلى مرسى سفينتها التي تمخر العباب.
     ليكن رئيس اقليم كردستان الاخ مسعود البارزاني كما وصف اجداده ويكرام في مؤلفه القيم( مهد البشرية والحياة في شرق كردستان) عندما كتب يقول: شيخ بارزان الذي عرف بلقب( شيخ النصارى) لانه يعامل النصارى واتباعه المسلمين على قدم المساواة.
nabeeldamman@hotmail.com
December, 2, 2011
USA  

179
المنبر الحر / تلميذ يرثي الاستاذ
« في: 22:12 04/11/2011  »
تلميذ يرثي الاستاذ
نبيل يونس دمان
     نخر مرض عضال جذع شجرة باسقة، فاحالها حطاما، الا بئس من داء عصر يداهم هذا وذاك فيدخل بيوتهم دون استئذان، بات ينتقيهم فكثرت اسبابه والموت واحد، هذا اللعين خطف هالة نوري حبيب سورو ماسوفا على شبابها قبل ايام، ثم عاد بوجه اسود لياخذ والدها الذي كان يقضي شيخوخته في ديترويت بعد رحلة عطاء وعناء طويلة في الوطن الام.
     كان الراحل بارعا في اختصاصه كمدرسا للرياضيات، اذكر عام 1969- 1970 استحدثت مادة رياضية اسمها( التفاضل والتكامل) ولاول مرة تدرس في المدارس الثانوية، فكان متمكنا منها وقادرا على تبسيطها للطلبة، والدليل نتائج البكالوريا لذلك العام.
     في عام 1963 ترك المرحوم دراسته الجامعية والتحق بفصائل الانصار، لازلت اتذكره في وادي الربان هرمزد بملابس الثورة وبندقية الثوار، وقد اطلق العنان للحيته الذهبية فبدى اينع واصغر الثوار عمرا. وفي تلك الفترة ايضا دخل المعتقل في الموصل وتعرض للتعذيب كما هي العادة لمن يدخل سجون الفاشيين.
     في معارك القوش ربيع عام 1969 وفي احد الصباحات الباكرة من تلك الايام المجيدة، كنت متوجها الى بيادر محلة قاشا، فصادفت استاذي نوري مسلحا ويلف يشماغا حول رقبته، عند معرفته وجهتي قال بحزم: ارجع الى البيت والتزم دروسك فقط.
    مشاهدتي الاخيرة له في بلدة الاباء والاجداد، كانت عام 1970، غداة بيان 11- اذار التاريخي  في بيادر غرب القوش هذه المرة، كانت مشاركته الاحتفاء بمقدم الانصار من مقرهم في  قرية بيرموس، وذلك باطلاق رصاصات فرح من بندقية الثائر الراحل سالم اسطيفانا، كانت تلك المشاركة بنظر السلطة كافية لنقله الى منطقة نائية كاجراء لكسر شوكته.
     ادرجت لمحات من حياة نوري حبيب في البلدة، وبعدها انتقل الى بغداد وانا كغيري فرقتنا صروف الزمان ولم نلتق الا في اميركا. ايضا واصل حضوره لنشاطات الجالية المختلفة، وكان ابرزها اشرافه على انتخابات الجمعية الوطنية العراقية في 30 يناير 2005 في مشيكان، ذلك النشاط ان دل على شيء فانما دل على اصالته وارتباطه الصميمي بموطن اجداده.


    اخر لقاء كان لي معه في تموز الماضي وقد اضناه وانهكه مرضه الخبيث، ولكن وللحقيقة كان عزيز النفس صامدا مواجها مصيره الذي كان يستصغر به، قال لي بالحرف" واذا الموت مقبل... ثم ماذا " .
     استاذي العزيز: كنت حاذقا في نظرتك، بهيا في طلعتك، صارما في شخصيتك، يشق علي ان اودعك، واذ اطوي صفحة الرثاء، اتحدى الزمن ان كان بوسعه اطوائها، فانت حي في وجداننا، وسنذكرك بما جبلت عليه من طيبة وشجاعة ما حيينا، ولا يسعنا في هذا المقام الحزين الا طلب الصبر والسلوان لعائلتك واصدقائك، والسلام عليك حتى انقضاء الدهر.


180
رد على( آل حيدو الكلدانيون في القوش)
نبيل يونس دمان

     اتحفنا قلم جديد لصديق قديم بموضوع يتناول في جانبه الاساسي موضوعي المنشور بعنوان( نماذج من التحول الى الديانة الاسلامية) ان صديقي وزميل الدراسة الثانوية فرج حيدو لم يرد عليه بالكامل بل بتر جزء من ذلك الجسد يشرّحه لغاية في نفسه.
     سيدي: الكثلكة دخلت القوش بعد تحول اخر بطريرك من بيت ابونا، مار يوحنان هرمز الى الكاثوليكية في الموصل عام 1830، ربما بدأها رئيس دير الربان هرمزد القس الشهيد جبرائيل دمبو( 1775- 1832)، عند تجديده للرهبنة الهرمزدية بعد عام 1808 ولكن لم تنتشر الا في زمان البطريرك مار يوسف اودو( 1847- 1879) فكيف جاء جدك الاول بها من جبال حكاري في الفترة من 1700- 1725 دون ان يذكره احد من كتاب او مؤرخي القوش؟!. انتبه لهذا التاريخ 1882 وهو السند الذي  بحوزتك عن وصية بابا سمو ويوقع فيه الشهود وغالبيتهم من القساوسة المتزوجين منهم: القس منصور سورو، القس يونان، القس متي الرئيس، ففي ظل الكثلكة كيف تزوج هؤلاء؟ وانجبوا اولادا واحفادا كلنا نعرفهم. هناك حقيقة واحدة بان القوش دخلتها الكثلكة متاخرة، لازلنا مندهشين من قصة حيدو المتحول الى الكثلكة والمنفصل من بيت حيدو الاصلي في اشيثا والقادم الى القوش النسطورية( واقصد الكنيسة الشرقية الممتدة الى مار ادي و مار ماري الرسولين الى بلاد ما بين النهرين) .  
     اما موضوع كل شيء مأخوذ من السجلات، يا صديق الزمان اني سالت المطران عبد الاحد صنا عن اقدم سجل متوفر في الكنيسة للمواليد والعماذ فاجابني 1860، فعن اية سجلات تتحدث يا زميلي العزيز؟ القس هرمز صنا كان يمسك سجلات لا تتجاوز ابدا التاريخ اعلاه، فكيف يطاوعك قلمك القول: ونقلا منه ان ال حيدو وصل جدهم الاولي حيدو الى القوش والمنحدر من عشيرة حيدو( هيدو) في أشيثا بين عام( ١٧٠٠ - ١٧٢٥) بعد اعتناقه الكثلكة وعاش في القوش وخلف ابنه كوريال وأحفاده وأفخاذ العائلة( انتهى الاقتباس) مرة اخرى كيف؟ وللعلم في زيارتي الاولى للوطن عام 2002 سلمني الطيب حنا صليوو صنا مذكرات او اوراق اخيه القس الراحل لاطلع عليها. رب سائل يسأل عن سجلات الكنسية قبل عام 1860 فالجواب بتقديري، هو زوالها بفعل العوامل التالية: حملة نادر شاه( طهماسب) على القوش عام 1743، حملة ميركور امير راوندوز عام 1832، حملة اسماعيل باشا عام 1842 على دير الربان هرمزد. حرق المبشرين لمكتبة القوش في اوائل القرن العشرين، اضافة لعوامل الطبيعة.
     كان استنتاجي بوصول جدي الاول الى القوش 1750- 1775 على اساس حساب الاعمار، كما يعرف عمر الاشجار من الحلقات السنوية، فاذا طبقنا هذا المقياس على بيت حيدو الذي ظن فرج انهم قدمو بين 1700- 1725 لوجدنا اجيال مفقودة، ان متوسط عدد الاجيال هو 4 لكل قرن، واشك ان كان بامكان فرج حيدو احصاء 12جيل تغطي ثلاثة قرون.
     لقد تتبع الاستاذ جميل يلدا حيدو في كتابه( بيت حيدو)* اصل كلمة حيدو من اراء مختلفة، وهي نفس الطريقة التي اتبعها المطران بابانا في اصل كلمة القوش، وبرايي ان الطريقتين هي المثلى في تتبع مجريات التاريخ، ويعتبر كتاب بابانا عمود فقرات البلدة لا يمكن لاحد الاستغناء عنه.
     عندما ينسب المطران بابانا عائلة دمان الى مزوري– تركيا المجاورة لاشيثا التي اعتقد اننا نزحنا منها، ما الذي منعه من القول ان دمان انبثق من حيدو، وننتظر حتى يأت قلم ينزل الميدان لاول مرة ليقول اننا كلنا حيدو ولذلك نطلق على بعضنا عبارة اولاد العم، صدقني ايها القلم المنطلق من استراليا، والله لا تفرق عندي، فنحن من محتد واحد، تسري في عروقنا نفس الدماء التي تسري في عائلة خوشابا وحيدو وقشورا المنتشرة في اماكن متفرقة.
     قلت في مقالي السابق اني استقيت معلوماتي عام 1967 والى الدليل:

لاحظ في الاسفل مكتوب، فروع عائلة دمان، القوش ( 1967)
    في التسعينات عندما اعاد الى اسماعي قصة القسس النساطرة الثلاثة: خوشابا- شمسو – هورو ابن العم وديع اورو دمان( 1929- 2004)، في الحال تذكرت احاديث العم عبد المسيح بهذا الخصوص، ان ابائنا واجدادنا لا نحتاج الى مجيئهم الان ليخبرونا ما حدث في زمانهم، فقد اودعوه لاولادهم واحفادهم ونحن اليوم حملة ميراثهم، كذلك وعلى العموم لا ينتظر منا ان نرجع الى مُسن لنصل الى نتيجة في المسائل التي يدور حولها الجدل، ان الراحلين لم يضموا اسرارهم تحت وساداتهم الحجرية، بل اودعوها لبنيهم وبني بلدتهم ليتخذوا منها العبر ان اعتبروا!
     انا لم اختلق الاسماء بل نقلت ما سمعته من الاجيال الماضية واذا انت لم تتبع هذا في شبابك فالتقصير منك، انا كنت ارقبك زميلا في الصف وابن عم فقد كانت تستهويك في الدنيا انذاك ثلاثة امور: الدرس، الفلاحة، والزورخانة. اما السياسة والكنيسة والمناسبات ومراقبة الاحداث والنزول الى السوق او الصعود الى مقهى، فلم تكن تلك وجهتك.
        عندما سقطت الدولة الاشورية عام 612 ق.م لم ينته شعبها كما يدعي البعض، هنا اود ان ااستشهد بنبوة  ناحوم الالقوشي: نعست رعاتك يا ملك اشور اضطجعت عظمائك تشتت شعبك على الجبال ولا من يجمع( ناحوم 3- 18).هؤلاء المشتتون في الجبال هم اهالي حكاري وغيرها من المستوطنات والممالك وحتى البلدة الحبيبة القوش وبرواري ومانكيش وغيرها من الحواضر المعروفة هي موطن هؤلاء، لقد تحقق كل ما تنبأ به النبي ناحوم من الاسباط الصغار والمولود في القوش التي كانت قبل عدة قرون قرية صغيرة بيوتها عند الجبل ومحيطة بالكنائس والاضرحة في محلة قاشا والمحلة العليا، اتخيل ان المهاجرين الجدد المنتقلين من اماكن بعيدة اقامو في بيادر القرية وبنوا فيها وهكذا انتشرت جنوبا لاحظ بيوت آل حيدو هي جنوب بيوت دمان لان بيت حيدو كما اسلفنا في مقالنا السابق تاخروا لبعض الوقت في كاني ماصي اي( ايند نوني). نستطيع حتى متابعة قدم العوائل من مواقع مقابرها في روما( بمعنى المرتفع) وتذكر يا زميلي فرج بان مقابر بيت حيدو الحالية ليست في مكانها الاصلي بل ابعدت الى خارج اسوار المقبرة لاسباب معروفة.
     في القوش استمرت النسطورية الى عام 1919 على اقل تقدير، بدليل الطلب الذي قدمه مطران النساطرة الى وكيل ناظر المعارف الانكليزي بفتح مدرسة في القوش لاولاد النساطرة ** اسوة بمدرسة( القوش للكلدان الكاثوليك) فرفض الطلب، هذا هو السيرجنت برايور من منبع المبشر ويكرام، الذي يملأ بعض الطائفيين شاشات الكومبيوتر صخبا بانه اخترع التسمية الاشورية وانه ثعلب ماكر و داهية، ارجو من القراء ان وجد امامهم كتاب ويكرام( مهد البشرية) الاطلاع على روائع ما كتبه.
 

 
موضوع في مجلة( قالا سوريايا) عام 1978 كتبه نوئيل قيا بلو- ايليا عيسى سكماني
    اما تحدثك عن الكلدانية فذلك لم يكن موضوعنا، وقد حملته قسرا واعدو السبب الى الغلو في تناول الموضوع، ان ساحة التسميات لا زالت تعج بكثيرين وهي تتسع لواحد اخر يريد ان يجرب حظه، لقد قال موسوليني وهو  في قمة صعوده في ايطاليا( عندنا اربعون درجة من الحمى. يجب ان نمتد او ننفجر) ***. نحن السورايه شعب بيث نهريني اصيل لا فرق بين اشوري او كلداني او سرياني، ورغم تلك الحقيقة الساطعة، مكتوب علينا متابعة المسلسل التقسيمي حتى نهايته.
عن علاقتنا بيت دمان وحيدو اسمع هذه الحادثة:
     بتاريخ 11- 10- 1962 تعرضت سيارة خالك يونس رحيما الى وابل من الرصاص في وادي الكنود فاستشهد ماسوفا عليهما اسو شبلا وولده فلاح فيما اصيب المرحوم هادي يلدا حيدو في رقبته وصدره، في تلك الايام كانت تتواجد في القوش مجاميع فرسان( جتا) الشيخ صديق البيرفكاني، اعتاد اثنان من رجاله وهم في الاساس اصدقاء( دوست) بيت جدي لامي كوريال اسطيفو اودو، ان يضعا لوازمهما في بيتنا وهم كل من عبدالله بابلان واخيه مصطفى بابلان. تصورَ اهالي القوش ان الفرسان في اطراف قرية الشرفية هم الذين استهدفوا السيارة، فجاء والدي في اليوم الثاني من السوق وهو في غاية الانفعال، وطردهم من بيتنا قائلا: انتم اطلقتم الرصاص على ابن عمي هادي حيدو، فخرجوا متاسفين وهم ينفون بشدة قيامهم بذلك العمل، وثبتت الايام بان الشهيد البطل هرمز ملك جكو قد استهدف السيارة عن طريق الخطأ، وجاء بعد ايام ليقدم شديد اسفه الى بيت الشهيد اسو شبلا وولده فلاح.
     بالطبع كان سمعان( بابا سمو) من ابطال القوش في قوته الخارقة، وقصة تغلبه على مصارع الوالي العثماني بحضور رئيس القوش ايسفي كوزل( عزيزا) تبعث على الافتخار، وهو مثل الجبل الذي وصفه ابن خفاجة، وقد حفظنا معا قصيدته التي مطلعها:
وأرعن طماح الذؤابة بـــــاذخ     يطاول اعنان السماء بغارب
يسد مهب الريح من كل وجهة     ويزحم ليلا شهبه بالمناكــب
هامش:
* بيت حيدو- اعداد جميل يلدا حيدو- القوش 2010.
** اولاد النساطرة بمعنى  الاثوريين او الاشوريين فالشرفية قرية هؤلاء دون شك، كانت قبل استحداث الشارع الجديد عام 1973 تقريبا بقسمين: الايمن نسطرنايه( النساطرة) والايسر ﭙاﭙايه( نسبة الى ﭙاﭙا روما) او الكاثوليك.
*** حميات في الغرب- تاليف سليم خياطة- مركز الابحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي 1985.
nabeeldamman@hotmail.com
October 09, 2011
USA


181
رسائل تبادلناها حول العلامة انستاس الكرملي
اعداد/ نبيل يونس دمان
ألأخ الفاضل ألأستاذ نبيل حفظك الله
ألسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت مقالتكم في الإنترنت عن المرحوم العلامة الأب أنستاس الكرملي وأحببت أن أرسل لكم كلمة النعي التي أرسلها والدي، ألأستاذ محمد فاتح توفيق، بمناسبة وفاة أستاذه الكرملي .. وهو مرفق بهذا الإيميل .. مع أطيب تحياتي لكم
أخوكم : إخلاص محمد فاتح توفيق / أبو عمر
وا أسفاه على العلامة الكرملي
رجل عرك الدهر وخبر الحياة وذاق حلوها ومرها وجرب خيرها وشرها فخرج
منها لا يبالي بها أقبلت أم أدبرت أسعدت أم أشقت وافقت أم عاكست. ولقد مرت عليه
مصائب ومحن تكفي واحدة منها أن تزلزل أقوى رجل وتحطم أعصابه وتسممه إلى
الموت أو ما هو أمر منه وأدهى. ولكنه صمد لها وقاوم ولم تزعزعه الحوادث
الهوج ولم تفت في عضده الملمات والأحداث ولم تلن قناته.
ولكن أمرا واحدا أزعجه ايما إزعاج وأضجره كل الضجر وأقض مضجعه وآلمه
أشد الإيلام وحز في نفسه، ذلكم هو التفريق بينه وبين حبيبته( وفراق الأحباب
خطب عسير) ولعلكم علمتم من تكون حبيبته هذه. هي اللغة العربية الكريمة، لغة
القرآن الكريم، اللغة التي لم يبلغ احد مبلغه في حبه لها وتكريمه إياها والعناية بها
والتفرغ لها والتخصص بها، وساعده على ذلك فراغه ورهبنته حيث لا زوجة ولا
ولد ولا هو مسئول عن أحد. زد على ذلك علمه بلغات أجنبية شتى فقد كان يتقن
الفرنسية واللاتينية واليونانية والعبرية والسريانية والكلدانية والصابئية والتركية
والفارسية والإنكليزية وقليلا من الإيطٌالية ويفهم البرتغالية وقد نسي الحبشية والاسبانية
بعد أن تعلمها. ولا يعرف اللغة الألمانية بعكس ما يعتقد الكثيرون وقد سألته عن ذلك فقال: طلبتني الكنيسة هنا وكنت أدرس في فرنسة قبل أن تتاح لي فرصة تعلم الألمانية. وإذا بلغ علم المرء باللغات هذه الدرجة مع شوق ورغبة وإلحاح في الدراسة والتتبع والبحث والتنقيب فهو علامة عصره الأوحد وهكذا كان الأب الكرملي بل وأكثر وإن خزانة كتبه تحتوي على نحو ستة عشر الف كتاب منها الف وخمسمائة كتاب مخطوط.
وإن ما يؤسف له أشد الأسف أن يعيش هذا العلامة الذي خدم العربية أجلَّ خدمة
أكثر من ستين عاما عيشة لايرضاها له صديق ولا عدو إلا من قدّ قلبه من صخر
أو أنتزعت منه الرحمة والشفقة ولم تبق لديه إنسانية ولم يردعه دين ولاضمير. وقد
وجد من وصفته الآن بالقسوة والغلظة بل كانوا أكثر من واحد وكانوا المسلطين
عليه المسيطرين عليه وقد نغصوا عليه عيشه ولم يتركوه يهنأ في حياته بل حاربوه
وناصبوه العداء وكرهوه ولم يخشوا ربّا ولم يحترموا شيخوخته وعلمه وخدمته
للأمة والبلاد ذلك لأنهم أناس غرباء عن هذا البلد فلا يروق لهم أن يروا أحدا يخدمه
و يتمتع بالتجلة والإحترام، ولكنهم مهما فعلوا ما استطاعوا أن يذلوا نفسه الكبيرة
وروحه العظيمة فآبوا بالذل والخسران وبسخط من الله والناس وآب برضى الرحمن
وإكبار الناس له وإجلالهم إياه وإعزازهم له.
كان رحمه الله طيب القلب رحب الصدر واسِعَهُ جم التواضع يلقاك بالبشر والترحاب
حتى لتطمئن إليه وتسكن إليه من أول لقاء له وما هي إلا دقائق حتى تحسب نفسك
كأنك تعرفه منذ سنوات.
كل من حضر مجلسه لا يمكن أن ينسى إثنين: ألأب الكرملي رئيس المجلس وجامع
الشمل والمرحوم الأستاذ علي غالب العزاوي المحامي الذي اغتالته يد آثمة فقد كان
زينة المجلس ودرة ثمينة إفتقدناه قبل سنة فخلا المجلس من ذلك النور البهي وذي
القلب الزكي والنكتة البارعة والبديهة الحاضرة والأسلوب الأدبي.
أما الأب أنستاس فحدث عن البحر ولا حرج ماخاضوا بحثا إلا وهو في مقدمتهم ولا
ناقشوا في موضوع إلا وكانت له اليد الطولى والباع الطويل والرأي السديد والقول
الفصل والحكم الأخير.
إيه أيها الموت : أنت أكبر أعدائنا، تكدر صفونا وتفرق شملنا وتخرب جمعنا،
فلولاك لكانت الحياة حلوة طيبة ولكنك أفسدتها فما تصلح لشيء ولا هي تطلب أو
تراد. ما قيمة الفاني الزائل؟ بل ما قيمة السعادة والأمل والهناء؟ إن كنت أنت نهاية
كل شيء.
أيها الأب الجليل رحلت عن هذه الدنيا الفانية وفارقتنا ولكن ذكراك لاتزال في القلوب عامرة وسنظل نذكرك ماحيينا وسيذكرك بعدنا أجيالنا مادامت الحياة ومادام إنسان على الأرض. أيها الراحل الكريم نم آمنا مطمئنا فقد خلفت من يحفظ ذكرك ويسير على نهجك و يعنى بحبيبتك العربية، أولئك هم أصفياؤك وطلابك المخلصون.
محمد فاتح توفيق/ بغداد
+++++
السيد اخلاص محمد فاتح المحترم
تحية طيبة
وصلتني الكلمة الرائعة ولدي تسائل عن تاريخ كتابتها وهل يمكنني نشرها في الانترنيت
تحياتي واعتزازي
نبيل دمان
كالفورنيا
+++++
ألأخ المحترم نبيل دمّان حفظك الله
ألسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعتقد أنّ والدي رحمه الله نشرها مباشرة بعد وفاة الأب أنستاس الكرملي رحمه الله، وقد كان دائم الإتصال به وزاره عند مرضه وكان يحدثنا دوما عنه، فقد كان والدي يكن محبة كبيرة وإحتراما لأستاذه الكرملي ويثني عليه في كل مناسبة
بالطبع يا أخي يمكنك أن تنشرها وتتصرف كما شئت مع الشكر الجزيل، وإذا مررت بسويسرة أو ماليزية فأهلا وسهلا بك وأنا أتنقل بينهما ودمت لنا أخا عزيزا
مع جزيل التقدير والإحترام.
إخلاص محمد فاتح توفيق
+++++
عزيزي ابوعمر
اليوم عثرت على نص كلمة المرحوم والدك محمد فاتح توفيق وهي غير التي ارسلتها ساكتبها لك لاحقا.
تحياتي
نبيل دمان
+++++
عزيزي الأخ نبيل، أتمنى لو ترسلها لي، لقد تركت العراق عام 1976 إلى سويسرة وترك والدي مع والدتي، رحمهم الله، العراق إلى المغرب عام 1983 ولم أستطع جلب أوراق الوالد إلا بعد وفاته بسنين عديدة وقسم منها ربما نقحها أو غيرها ولكني أعتز بها جميعا لبلاغته في اللغة العربية وتعابيره العميقة وأنا مسرور أنك تحتفظ بما كتب والدي وشكرا مقدما وجزاك الله خيرا
كانت أيامهم أيام خير وبركة والآن عندما نرى ونسمع ماحدث ويحدث في العراق من تفرقة وطائفية مقيتة يعتصر لها القلب ويتألم وياللأسف الشديد ... واحسرتاه على العراق
أخوكم المحب: إخلاص محمد فاتح توفيق
كلمة الاستاذ محمد فاتح توفيق في الحفل التابيني المقام على روح الكرملي بتاريخ 14- 2- 1947:
ايها الاب الراحل*
لقد اجتمع الشمل وانتظم العقد ولكن مالي لا اراك بيننا؟ ولا اسمع صوتك مدويا فينا؟ عجبا، أشغلك عنا شاغل؟ ام حال دون حضورك حائل؟ احقاً اقعدك الموت واقبرك وأسكتك القدر؟ ان الدهر لظالم غشوم وإن الزمان لغادر خؤون وإن الموت قاهر....
كنت واسطة العقد وجامع الشمل ورئيس الجمع فاين انت اليوم؟ كنت تحيي هذا وذاك وشخص كل فرد بعنايتك وتسأل عن الغائب وترحب بالحاضر وتهش وتبش له حتى ليأنس اليك الغريب ويطمئن الى مجلسك وكأنه قد عاش الدهر معك.
كنت رفيقاً بتلامذتك مشجعاً إياهم ومعيناً وكنت شديداً على خصومك اعداء اللغة العربية التي رعيتها طوال سني حياتك الزاخرة بجلائل الاعمال، تقرعهم بلواذع نقداتك وتسخر منهم باسلوبك الخاص وتتهكم عليهم فتجعلهم هزأة واضحوكة، وكنت قوياً كثير الغلبة والانتصار لا يصمد امام اعصارك مكابر ولا معاند.
ايها الراحل الكريم لست مستطيعاً تعداد صفاتك ومزاياك، فاين مني خوض هذا البحر الزاخر وما ذاكره قطرة من بحرك العظيم وذرة من صحرائك الواسعة.
ايها البحاثة اللغوي لم يشهد الدهر- الا نادراً- إخلاصاً كأخلاصك للغة القرآن وحبا كشغفك بالعربية الفصحى.
وكنت اكثر ما تشكو حرمانك الكتابة والبحث والتنقيب ناسياً مرضك وما تعانيه من آلام وأوجاع.
كنت اذا ما عثرت على كلمة جديدة او كشف جديد في اللغة كمن وقع على كنز او كقائد منتصر، ولو اعطيت الدنيا بأسرها لما رضيت بها بديلاً عن حبيبتك الغالية لغة القرآن.
لم تكن تعتمد في بحوثك وتنقيباتك الا على اصول صحيحة وقواعد متينة ومصادر ذات قيمة فكنت ترجع في اللغة الى القرآن الكريم والى الحديث الشريف والى مضانها الاصلية في امهات الكتب الصحيحة لائمة البيان واللغة.
ولقد بلغ من شغفك بالفصحى انك تحسن الاصغاء الى القرآن الكريم وانت ذاك الراهب الناسك، وما مرة زارك فيها مقرئ العراق الشهير الاستاذ الحافظ مهدي الا والححت عليه والححت بان يتلو على مسامعك آيات من الذكر الحكيم فيشق سكون الدير ذات الصوت الرخيم وانت تصغي اليه بكل جوارحك.
وبلغ من حبك للفصحى انك لم تستطع ان تسمع اي خطأ فيها ولو صدر من اعز اصدقائك وتلامذتك ولا تغفر للمخطئ خطيئته الا اذا رجع عنها.
ماذا اذكر عنك ايها العلامة الراحل؟ فقد كنت شاباً في شيخوختك بل هيهات ان يبلغ الشباب مبلغك من القوة والثبات والصبر على العمل والجلد ومتابعة البحث والتنقيب والدرس، ولن يكون الشباب مثلك في النشاط والمرح والتفائل والانبساط. ثم لن يكون الشباب امتن منك بناء واكثر قوة واصلب عوداً واقوى قلباً.. اين للشباب صوتك الجهوري القوي النبرات الذي يشق الفضاء شقاً ويدخل السمع كالرعد القاصف، واين للشباب تلك اليد القوية والكف الحديد التي كنت تعصر بها ايدينا؟ واين للشباب تلك الذراع المتينة التي تجذب بها محبيك ليكونوا على مقربة منك، فاذا هم مندفعون اليك.
لم يستطع المرض ان ينال منك الا قليلا، شلل اصاب اليمنى من كفك ورجلك ثم لا شيء بعد ذلك.. الم نزرك مساء الاثنين- قبل رحيلك بليلة- وكنت زينة المجلس حديثاً ودعابة. وانت تحس ونحن ايضاً انك تسير في طريق الشفاء ثم ودعناك ودعونا لك بالشفاء التام ونحن آملون ان نراك بعد ذلك خيراً واحسن حالا. ولقد ناديتني بعد خروجنا، بصوت قوي مجلجل فرجعت اليك واعنتك على النزول من السرير وشكرتني فودعتك ولم اعلم انه الوداع الاخير..
وقد اضحكتنا كثيراً في تلك الامسية بنكاتك العذبة وملحك المستعذبة ولكنك ابكيتنا مر البكاء في الامسية التالية. فهل كنت تدري انك راحل؟ .
ايها الفقيد الكريم إن حزننا لفقدك عظيم وان رزأنا بموتك جسيم، ولقد اطلب العزاء وابغي السلوان واين مني ذلك؟
لا ادري من أعزي! فكلنا خليق بالعزاء وكلنا فقير الى السلوان، يا فقيد اللغة الاعظم.
+++++
ألأخ الفاضل ألأستاذ نبيل دمان حفظكم الله
شكرا على رسالتك وكلمة النعي التي قالها والدي في حفل التأبين وأعتقد أنها غير الرسالة التي أرسلها بعد ذلك إلى الصحف أو ربما إلى مجلة التربية الإسلامية في حينها والله أعلم. وفي كل الأحوال يمكنكم نشر ماتحبون فالعلامة الكرملي يجب أن لاينسى وأن تكون ذكراه خالدة ومثلا أعلى في العلم والأدب وكذلك في الأخوة والمحبة بين أفراد الشعب العراقي بكل طوائفه وأجناسه وأن يكون قدوة للشباب اليوم كما كان آبائنا وأجدادنا الذين بنوا العراق العظيم وشيدوه بأخلاقهم ومبادئهم السامية وتعاونهم وتكاثفهم رحمة الله عليهم أجمعين...... أخوكم المحب: إخلاص محمد فاتح توفيق / أبو عمر
* المصدر:
الكرملي الخالد- تاليف جورج جبوري- بغداد 1947.






nabeeldamman@hotmail.com
September, 29, 2011
USA

182
نماذج من التحول الى الديانة الاسلامية
نبيل يونس دمان
زار يوم 17- اذار 1918 رجل غريب الاب انستاس الكرملي فدار بينهم هذا الكلام:  
الغريب: سمعت باسمك فاشتقت الى مجلسك.
- هل يمكن معرفتك؟
غ- اسمي جتو بن حمو، كردي من السليفانية.
- ان كنت كرديا فكيف تتكلم العربية.
غ- معاطاتي التجارة فتعلمت بعض العربية وبعض التلكيفية.
- اين موقع بلادكم؟
غ- في سهل محاط بالجبال يمتد من سميل الى ﭙيشابور او من( ثم الگلي) .
- ما لغتكم؟
غ- الكردية، وكثير منا يعرف العربية وربما وجد بيننا من يعرف قليلا من السريانية العامية.
- ما ديانتكم؟
غ- الاسلام وجميعنا سنيون على مذهب ابي حنيفة.
- هل انتم من اصل كردي صميم؟
غ- اني سمعت اقوالا متضاربة في اصلنا. فقد سمعت جدي يقول انه سمع من والده ووالده نقل عما سمع من شيوخ كثيرين: ان اصلنا نصارى ولسنا من اهالي هذه البلاد، بل جئنا اليها من انحاء ديار الشام ولهذا ترى في دم بعضنا الدم العربي وفي اخرين الدم الافرنجي وفي كثيرين الدم الكردي وفي جماعة الدم الكلداني. فنحن خليط من عناصر شتى كنا في الاصل نصارى ثم اهتدينا الى الاسلام قبل نحو ثلثمائة او اربعمئة سنة حين تسلط الاتراك على هذه الديار.
- هل بينكم نصارى؟
غ- من يقل( سليفاني) ينف عن نفسه اي دين كان والحمد لله الا انك ترى في جوارنا نصارى كثيرين لا يسكنون قرانا. فاهل ﭙيشابور نصارى كلدان وكذلك ترى نصارى كثيرين في زاخو والجزيرة وهم يترددون الينا ثم يرجعون الى مواطنهم.
- ارى ملبوسكم لا يشبه ملبوس سائر الناس، فما اسماء ملابسكم هذه؟
غ- ملبوسنا يسمى الشل والشبك. اما الشل فهو هذا الذي نلبسه على قسم جسدنا الاعلى. وهو يشبه الستري ينحدر من الكتفين الى الحقوين. واما الشبك فهو من نوع السروال الواسع عريض الاسفل من جهة الرجلين وكل من الشل والشبك متخذ من الصوف الخالص ومن عمل ايدينا: لاننا لا نشتري شيئا غريبا يدخل في لباسنا ولابد من الصوف لان بلادنا باردة – ونلبس في راسنا الطاقية ونلف عليها اليشماغ. اما كبارنا فيشدون العقل برؤوسهم( واحدها عقال) منهم من يحتذي الجاروخ ويسميه البعض كالك اما الحذاء فاسمه عندنا ﭙيلاڤ ونساؤنا يلبسن ثياب سائر الكرديات.
بيت قلو :
      المعروف ان اصل عائلة قلو هو سليفاني، هناك من يعتقد غير ذلك ومنهم د. عبد الله مرقس رابي حيث يرى ان بيت قلو اصلهم من حكاري، تفرق اربعة اخوة احدهم في تلعفر والثاني في مانكيش والثالث في القوش والرابع في اورمية.
      يروى ان اخوين من بيت قلو خرجا من القوش بسبب المجاعة وحطوا ترحالهم في قرية مانكيش، احدهم قبله المانكيشيون والثاني لم يرضوا به فعمل راعيا للابقار في قرية مجاورة، وبعد مدة من الزمن اقنع بالزواج من احدى فتيات القرية بعد ان اشهر دينه الجديد الاسلام، عندما تناهى كل ذلك الى مسامع اخيه المستقر في مانكيش، هدده بالقتل مما اضطره الى اخذ زوجته الشابة الى قرية عنزة على مشارف نهر دجلة، بقيا هناك فترة من الزمن ثم عبرا الى الجهة الغربية للنهر، واخيرا استقر بهم المقام في بلدة تلعفر التركمانية، والى اليوم هناك عشيرة تدعى( قلّي او قلّو) ومن صلبها وُلد سعيد حمو عام 1918 الذي انهى دراسته فيها والتحق بالكلية العسكرية وتخرج برتبة ملازم وتدرج بالرتب الى ان وصل الى رتبة فريق. اتذكر في الستينات والسبعينات عنما برز اسمه في الحروب الجبلية، كان غالبا ما ينتقي افراد حمايته من ابناء القوش، خصوصا احد شجعان البلدة المرحوم العريف بحو حنا ابونا، لقد حدثني يوما كيف ارسله سعيد حمو الى القوش ليلتقي في قرية بهندوايا بالبطل الخالد توما توماس ليدعوه الى ترك الحركة المسلحة، ولكن توما بنظرته الثاقبة البعيدة رفض الطلب وبكل احترام وكياسة حسب ما رواه لي المرحوم بحو ابونا.
بيت دمان :
     يرجع اصل عائلة دمان الى" اشيثا " وان كان المطران يوسف بابانا ينسبهم الى مزوري فالمنطقتان قريبتان وتقعان داخل حدود تركيا اليوم. قد لا يصدق البعض باني امضيت اكثر من ثلاثين عاما حتى توصلت الى جذور وفروع عائلتي الالقوشية. كان ذلك عام 1967 عندما دونت معلومات نقلا عن المرحوم عبد المسيح دمان( 1900- 1993) في كراس لازلت محتفظا به ومما قاله ان جدنا الاول كان قسيسا نسطوريا من منطقة" اشيثا" جنوب شرق تركيا، جاء الى القوش ولحقه اخيه القسيس شمسو الذي بقي فترة في بلدة كاني ماسي قبل ان ينتقل ولده زورا حيدو الى القوش ايضا، ولذلك نحن بيت دمان ندعو بيت حيدو اولاد العم وتوارثنا تلك العادة من الاباء والاجداد، لقد قال لي المرحوم عبدالمسيح بان هذين الاخوين كان لهم اخ ثالث وهو " القس هورو" الذي تحول الى الديانة الاسلامية وانبثقت منه عشائر كردية لا تنكر انتسابها الى القس هورو( اورو) كما يسميه ابن اشيثا الكاتب عوديشو ملكو كوركيس، بتعاقب الزمن لفظت تلك القبيلة المتحولة الى الاسلام ب( قشور- قشورا- قشوري) وهي قبيلة ذات بأس وشكيمة متميزة من باقي قبائل الاكراد في تلك المنطقة، وكانت عبر التاريخ تتبادل العلاقة الوطيدة مع اهالي اشيثا قبل تركهم ديارهم وممتلكاتهم ظلما ابان سني الحرب العالمية الاولى( سفر برلك) كانت قبائل قشورا القوية تسكن الى الغرب من اشيثا وكانوا ينادون اهالي اشيثا باولاد العم والعكس صحيح، غالبا ما يتبادلون الزيارات في مناسبات الفرح والحزن، ويتعاونون في القتال ضد عدو مشترك، ولكن ذلك لم يمنع من حصول حوادث الاعتداء والسلب او القتل بين بعضهم وحسب الظروف التي تمر بها المنطقة.
     من يزور اشيثا اليوم يرى تواجد كثيف لقبائل قشورا الكردية الشديدة المراس في قرى تلك المنطقة التي خلت تماما من سكانها الاصليين من الاثوريين النساطرة التابعين الى كنيسة المشرق سلسلة مار شمعون( قوجانس)، ويقال ان بعض قراهم يتكلمون لغة السورث المحكية فيما بينهم والكردية مع الاخرين.
     عندما اكتملت شجرة عائلتي عام 2001 ارسلت نسخة الى الكاتب ادمون لاسو فطار بها الى بغداد ليسلمها الى الاستاذ عوديشو ملكو فادخل بعض معلوماتها في كتابه القيم" سفر اشيثا" وباللغة السريانية( السورث) يطيب لي استنساخ غلافه:
 

 
     وفي نفس الشجرة كتبت بان هجرة الاخوة حصلت لسبب مجهول، في حينها كان الوالد يعيش في بلدتنا الحبيبة القوش، اما اليوم وبعد مرور عقد على تلك الشجرة الوارفة، اتتني معلومة جديدة توقفت عندها عميقا، بان سبب تحول القس هورو الى الاسلام كان بسبب امراة هذا ما افادني به والدي، اذن يمكن القول بان تعلق القس هورو الشاب بفتاة كردية مسلمة قد جلب المشاكل الى اخوته واقربائه وربما باقي اهالي اشيثا، مما حدى بهم الى ترك المنطقة وكانت هجرتنا نحن وبيت حيدو سببا مباشرا لتلك الحادثة التي اقدر نزوحهم في الفترة بين 1750- 1775، فيما لم يتخل هورو عن فتاته التي احبها وهو في قمة شبابه وليعتنق بسببها الاسلام.
     يذكر المطران المؤرخ يوسف بابانا بان عوائل اخرى في اشيثا وفي نفس تلك الفترة الصعبة انتقلوا الى القوش ومنهم عوائل يلدكو التي تتفرع الى: تومكا، شعيوكا، ككساكو، عموكا وغيرهم، وكذلك عائلة كجو التي يتفرع منها بيت شمون هيلو، وعائلة جهوري التي يتفرع منها فرع في بلدة كرمليس شرق نينوى، واخيرا عائلة قودا.
امراء برواري بالا:
     في زمن تولي قباد بك الثاني امارة بهدينان التي مركزها العمادية عام 1662، ثار احد رؤساء عشيرة تياري العليا واسمه( مه لكائزي) ضد امير حكاري خالد بك ولكنه فشل، مما حدى به اللجوء مع اولاده السبعة الى العمادية وهناك اشهروا اسلامهم، واصبح اسمه عبد العزيز، في تلك الايام كان خلافا حادا بين قباد بك وامير برواري اڤدال بالوكي، فكلف قباد بك عبد العزيز ان يتولى الامر، فذهب مع اولاده واستطاع قتل اڤدل واستولى على قصره، فرح قباد كثيرا فاوكل اليه امارة برواري، وتسلسل من صلبه اعتبارا من ذلك التاريخ الى اليوم امراء برواري وابرزههم الحاج رشيد بك المتوفي عام 1928 ومن بعده معروفة اسماء اولاده محسن بك واخيه توفيق بك واولاده عادل وناصر بيك امراء برواري الحاليين.
بيت الجليلي:
    بيت الجليلي المعروف جيدا في الموصل، تروى قصة تحولهم الى الاسلام بان جدهم عبد الجليل وشقيقه مكسب كانا تاجري اغنام بين ديار بكر والموصل، في حدود 1650- 1700 وفي احد الايام باعوا غنمهم وقبضوا اثمانها، يقال ان عبد الجليل رام حلاقة لحيته، فدخل دكانا لهذا الغرض، وشرع الحلاق في اداء عمله، حتى وصل الى حلاقة نصف اللحية، عند ذلك دخل احد الاخوة المسلمين، استقبله الحلاق بالحفاوة، ثم التفت الى عبدالجليل آمراً: اترك كرسيك للقادم ايها الذمّي( من اهل الذمة) ، فامتعض عبد الجليل ولكنه بعد تفكير قرر ما يلي: ايها الحلاق! لن انهض من مكاني، واصل عملك، اكمل حلاقة لحيتي، وانا مسلم منذ الساعة، فاغتبط الحلاق ومعه زبونه من تك الخطوة المفاجئة، هكذا كان وان لم يكن تصرفاً حكيما، ولكنه اصبح واقع الحال، وبعد مدة من الزمن صار له سبعة ابناء اسماءهم ذاعت في ارجاء المنطقة وهم: ابراهيم اغا، عبد الرحمن اغا، صالح اغا، اسماعيل باشا، يونس اغا، زبير أغا، خليل أغا. ، ثم غدا عبد الجليل جد الجليليين الذين انقذوا الموصل فيما بعد ايام غزو نادر شاه( طهماسب) الايراني لها عام 1743 في عهد الحاج حسين اسماعيل الجليلي. اما اخيه مكسب فقطع علاقته باخيه عبد الجليل وصعد لوحده شمالا حتى استقر في بلدة القوش التي اضيف بيت جديد اليها باسم مكسابو الذي يتفرع منه بيت عربو وجيقا وتولا.
المصادر:
مجلة لغة العرب الجزء 8 السنة 5 ص 474.
القوش عبر التاريخ- تاليف المطران يوسف بابانا- بغداد 1979 ص 47.
سفر اشيثا- تاليف عوديشو ملكو كوركيس- بغداد 2002  ص 131- 132.
الاكراد في بهدينان- تاليف انور مائي- الطبعة الثانية- دهوك 1999 ص 133.
اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث- تاليف المستر ستيفن لونكريك- ترجمة جعفر خياط- بيروت 1949 ص 142- 149.
العوائل في مانكيش- الدكتور عبدالله مرقس رابي- موضوع في الانترنيت.
لقاءات مع الاخوة: يوسف اسحق قلو 1999، عبد المسيح عيسى دمان 1967، الكاتب سالم عيسى تولا 2004، وغيرهم.
 
شجرة بيت دمان الالقوشي

nabeeldamman@hotmail.com
September, 25, 2011
USA  
 



183
ماذا يحدث في عالم اليوم*
نبيل يونس دمان
     لقد تغير مجرى التاريخ ، فقد هزت العالم باسره انباء انفجارات هائلة في قلب نيويورك وواشنطن، المتمثل بتصادم طائرتين مدنيتين بمبنى مركز التجارة العالمي، مما ادى الى انهيار ناطحتي السحاب وفيهما الآلاف من المدنيين، اضافة الى طائرة مدنية اخرى اصطدمت بمبنى البنتاغون وهو بمواصفات خاصة، ولم تدر في خلد مصمميه بانه سينهار يوما ..... لم يتوقع احد في العالم باسره ما حدث يوم الثلاثاء 11-9- 2001، آلاف الضحايا والمفقودين والجرحى، مئات من قوات الشرطة واطفائيوا الحرائق يلاقون حتفهم في تلك الاحداث الجسام.
     شلت تلك الاحداث الحياة الاقتصادية وحتى الاجتماعية اليومية للمجتمع الامريكي ، وقف ملايين الامريكان مذهولين لما حدث وهم يترقبون شاشات التلفاز، وما كان مثيرا في ذلك اليوم الاسود مراقبة النقل الحي، بعد اصطدام الطائرات المدنية الاولى وبعد 15 دقيقة تقريبا تأت طائرة اخرى وامام مرآى الملايين، لتؤدي الى انهيار مبنى مركز التجارة العالمي.
     اول رد فعل للرئيس المريكي وهو يعش متنقلا ً، مخافة ان يطاله شيء، كان تصريحه بانهم سيردّوا بعنف لا على المتنفذين، بل على من يأويهم ويقدم لهم العون، وهي اشارة الى دول ومكونات محددة مسبقا ً على ما يبدو، سماه الامريكيون يوم الحزن وهم ينظرون شزرا ً الى منطقة الشرق الاوسط ومواطنيها، وكأنهم يقولون" انتم فعلتم ذلك " قبل ان تشخص الحكومة أية جهة.
     في اليوم الثاني اعلن رسميا ان اسامة بن لادن هو المتهم الرئيسي المشتبه به في حوادث الثلاثاء المروعة، وفي المقابل ياتي تصريح بن لادن بانه مرتاح لما حدث ولكن ليس له يد في ذلك.
     لا زالت تلك الاحداث تتفاعل واميركا اعلنت انها في حالة انذار احمر وبانها في حالة حرب جديدة وباساليب جديدة وهي تحشد العالم لتأييدها، وقال الرئيس بوش في خطابه امام الكونكرس يوم امس الاول 20- 9- 2001 بان من ليس مع الولايات المتحدة فهو مع الارهاب اي بتفسير اخر( من ليس معنا فهو ضدنا) المشهورة في بلداننا، العالم كله يحبس انفاسه لما يحدث وكل قوى الغرب مستنفرة من اميركا الى بريطانيا( حيث ارسلت رئيس وزرائها الى اميركا لتفقد نيويورك والدمار الذي حدث فيها) كذلك فرنسا والتي جاء رئيسها شيراك مسرعا لتاييد الولايات المتحدة وخطواتها اللاحقة لما يدعى استئصال الارهاب، وجاءت المانيا ايضا تشحذ كل امكانياتها الامنية والقيام باعتقالات لمشبوهين في تورطهم في حوادث نيويورك وواشنطن. حتى وصلت الحملة الى تأييد الهند وباكستان ودول الخليج لاجراءات الولايات المتحدة، فيما شنت اسرائيل هجمات مركزة تحت انشغال العالم بحوادث الولايات المتحدة، لتلحق مزيدا من الخسائر  في الجانب الفلسطيني.
     كل ذلك يحدث والامم المتحدة لا صوت لها ولا فعل، وكأنها استقالت او ذابت او اختفت، اما الاعلام الامريكي الصاخب، والفعل المزمع القيام به، فيمتد في كل اتجاهات كرتنا الارضية، التي نحبها ونحب الحياة فيها، ونعتبر انفسنا نحن بني البشر ركاب هذا القارب المهدد بالفناء.
لماذا يحدث كل ذلك ومن المسؤول عنه ؟!
     هناك اسرار وخفايا في احداث مماثلة: حريق روما 64 ميلادية، حريق القاهرة 1952، وبتاريخ 17 شباط 1933 احرق مبنى البرلمان الالماني( الرايخستاج) واتخذ ذلك ذريعة ضد اليسار، وبانهم ارهابيون احرقوا رمز الديمقراطية ، فشنوا حملة اعتقالات ومحاربة، وبعدها بقليل فاز هتلر بالانتخابات وهو معد من الراسمال ليحارب قلب الحركة العمالية المتمثل بالاتحاد السوفيتي، وافتعل ذرائع لاضرام شرارة الحرب العالمية الثانية والتي بقيت مجهولة اسبابها الحقيقية لعقود من السنين لشعوب الارض، وحصدت تلك الحرب 50 مليون من البشر. لكن الاتحاد السوفيتي لم ينهار بل تصلب عوده، وساهم في القضاء على الغول النازي، ولكن قدم 20 مليون قتيل اضافة الى عسكرة البلاد اي تحولها الى ثكنة وانحرافها ووقوعها في اخطاء تفاقمت تدريجيا، اضافة الى ضعفها الاقتصادي الناشئ من تاثيرات الحرب العالمية الثانية والهجوم الاقتصادي- السياسي وحتى العسكري الغربي ضدها، منذ انطلاقتها في اكتوبر 1917.
     متى عرف العالم بان للحكومة يد في حرق الرايخستاج، عرف ذلك بعد مرور عشرات السنين على ذلك. الاحداث التي حصلت اليوم في اميركا قد لا يعرف سرها ومدبريها الا بعد مرور عقود من السنين، وربما لا يعرف ذلك ابدا، تلك هي المعضلة.
     بعض الانظمة تبحث باستمرار عن عدو وهمي، لتركز هجومها على اعدائها او من يقف في طريق نواياها او مصالحها الاقتصادية، تعمل المستحيل لتثبيت مصالحها الاقتصادية في كل مكان في العالم، وضعت صدام حسين هدفا امامها في مطلع التسعينات وانتهت بارسال الشعب العراقي الى المجاعة والموت والدمار، فيما بقي العدو الوهمي صدام في قمة السلطة وبكامل قوته.
     وجهت تهمة الارهاب الى عبدالله اوجلان وشاركت مخابرات دول عدة، منها الاسرائيلية، الامريكية، التركية، الاوربية، ثم اعتقل ويقبع الان في السجون، فلا الحركة الكردية توقفت ولا مطالبة الكرد المشروعة توقفت، واقتصاد تركيا لسوء حظها لا يحسد عليه، حيث انهار الى اسفل الدرك. ولم تقبل اوربا بانضمام تركيا الى السوق الاوربية لحد الان.
     عندما ساد الجمود والركود الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية، تحت الضغط الغربي المنظم والمتعدد الاوجه، وبسلوك كل الطرق المختلفة، منها تشكيل المجاميع الدينية وبخاصة الاسلامية، لتحارب تلك الدول التي آلت الى الانهيار او بدء عدّها التنازلي، تورط الاتحاد السوفيتي في تدخله في افغانستان وكانت خطيئته الكبرى التي قصمت ظهره، الذي كان ضعيفا ً في الاساس وخصوصا ً من الناحية الاقتصادية( الاقتصاد هو الاساس ومنه يتفرع علما الاجتماع والسياسة).
     اذن اطلق الغرب العنان للمجاميع الاسلامية، فشجعها وآواها واغدق عليها الاموال، وبذا اجهض اي تطور للحركة الثورية في بلدان الشرق الاوسط وجنوب شرق اسيا وحتى افريقيا.
     توجهت تلك المجموعات الى كل مكان وخصوصا الى الدول المحيطة بحدود الاتحاد السوفيتي الجنوبية ومنها ايران و افغانستان بخاصة، والى حد ما تركيا وباكستان وغيرهما، وتوسعت تلك الحركات وتمددت.
     في بداية التسعينات انهار الاتحاد السوفيتي تحت ثقل ازمته الاقتصادية وبالتالي الاجتماعية- السياسية، وكان وجوده مع المجموعة الاشتراكية وحركات التحرر الوطني وحركة العمال في البلدان الراسمالية، يشكل قطبا آخرا في العالم.
     انهار الاتحاد السوفيتي وانهارت الاشتراكية العالمية، توجهت جماهيرها المستغلة الكادحة الى انتهاج الطرق البديلة، قومية او دينية بشقيها المعتدل والمتطرف، انها تلك الجماهير المقموعة في بلدانها، فكيف السبيل امام هذه الجمهرة الملايينية في بلدان العالم الثالث لا ظهير لها ولا سند ولا أمل فتوجهت نحو التصوف واطلاق اللحى والجهاد والاعمال الانتحارية، هل سمعتم بان احد من سدنة الحكام في اي مكان في العالم او اي منتمي الى مدرستهم الفكرية يفجر نفسة لغاية تحقيق مطامح طبقته؟ الجواب : كلا. المنتحرون هم من الجياع والغلابى ومن ضحايا الاضطهاد، إذن الغرب اوجد او خلق الارضية لهذا التطرف في سياسته الخارجية الخاطئة، والكيل بمكيالين، وازدواجية المعايير، تلك بحق استمرار لسياسته الداخلية، والسياسة الخارجية كما نعلم جيدا، امتداد للسياسة الداخلية.
     انظر الى الشعوب الغربية فهي مسيّرة، وانها اشبه بآلات في مكائن الدولة الهائلة، تعمل عشرات الساعات ولا ترفع راسها لمشاهدة ما يدور حولها، لا يصل ممثليهم الى الحكومة او مراكز القرار، فالحكومة والبرلمان ينشأهما الراسمال، اية طاقة فكرية لا تصل الى سلطة القرار، لان لا احد يعرفه، فهو مغمور ويموت مغموراً.
      هذه الايام ظهر الوجه الاخر للرئيس ففي الفترة السابقة، كان يظهر بمظهر تنقصه الهيبة اللازمة، ولكن هذه الايام دفعته الاحداث الى الصدارة، ويكون صورة طبق الاصل لوالده الذي أخطأ بحق شعبنا العراقي في الحيلولة دون نجاح انتفاضته الباسلة عام 1991.
     ذلك ما اراه هذا اليوم واتصور بالنسبة للنظام العراقي فهو لا زال يمثل مصالح الغرب وسيبقي عليه الى ان تنتهي مصالحهما. على شعبنا ان يعي ما يحدث ويتحفظ في الاستعجال في طرح موقفه، لان ذلك يؤدي الى فنائه، اذا تعصب دينياً وانحاز الى الاعلام السطحي والسياسة المعلنة، دون التمعن بما تحتها من قوة ورهبة ودقة، ففي هذه الحالة سينتهي تماما ً.
* كتب هذا الموضوع بتاريخ 22-9- 2001 بولاية مشيكان.
nabeeldamman@hotmail.com
September 6 , 2011
USA 




184
فصل من كتاب( كردستان ملاذ الاحرار)
نبيل يونس دمان
     قبل ان ينتهي عام 1978 استدعيت وكل زملائي في الدائرة التي اعمل فيها ، من قبل مدير الدائرة المهندس عادل صديق ، اتذكر كيف دخل قبلي المهندس علاء عبد الجبار( من بغداد ) ، لا ادري لماذا شعرت بالميل الى صداقته والثقة به ، منذ تنسيبي للعمل في دهوك ولقائي به في الدائرة وفي مشروع طريق ( دهوك – عمادية ) الذي كان يعمل فيه ، فسالت ذلك الفتى الضعيف الاسمر ، ذو الشعر الطويل المسترسل قليلا ً ، بعد خروجه من غرفة المدير ، عن ماهية الاستجواب  ، فقال " يطلب الانتماء الى حزب البعث " فقلت " وهل وافقت " فاجاب بالنفي ، واسمعني الحجة التي ساقها ، مما شجعني على الدخول الى المدير التركماني الذي وجه الي سؤالاً : ان كنت منتميا الى حزب معارض ، فكانت الاجابة بالنفي ، فطلب مني الانتماء الى حزب السلطة فرفضت ، فقدم لي ورقة لاسجل فيها مبررات امتناعي عن الانتماء الى حزب السلطة ، فسجلت فيها ما نصه ( لا ارغب في العمل السياسي لاني صاحب عائلة كبيرة ). وقد ساعدتني تلك الورقة او ما اطلق عليها في حينها ( التعهد ) ، في استحصال جواز السفر الذي بواسطته استطعت الوصول الى بلغاريا حيث ألتقيت العديد من رفاقي واصدقائي ، وعدت في اوائل 1979 لاواصل عملي الفني في دائرة الطرق ، والى حد ما العمل السياسي بسرية بالغة .
عند استمرار الحملة على الديمقراطيين في مجرى عام 1979 ، ابلغني المهندس الصديق علاء عبد الجبار، بتكرار السؤال عني في نقاط التفتيش الحكومية ، وكان يجيبهم بان المهندس المذكور لا يعرفه ، إذ ربما يعمل في مشاريع طرق نينوى، لابعاد الشبهات عني .
 في تلك الفترة ايضا وفي حدود شهر حزيران ، ابلغني علاء بان له قريبا مطاردا من السلطة ، وسألني ان كان بالامكان ايجاد عمل له في المشروع الذي انا فيه ( عمادية- بالندة – قادرية)، فوافقت على الفور . بعد فترة قصيرة تعرفت عليه ، وكان اسمه عدنان حسين ، شاب اسمر ملوّح بشمس الجنوب ، اسود الشعر ، متوسط الطول ، ممتلئ حيوية ونشاطاً ، متفائل رغم تعقد الظروف وصعوبتها . اصطحبته معي في سيارتي الحكومية بعد صدور امر تعيينه عاملا بأجرة يومية في مشاريع (بالندة )، حيث لم يكن يطلب من العامل بالاجرة اليومية الوثائق المعتادة للتعيين بوظيفة ثابتة. اظن ان علاء اخبرني بانه خاله وقد عاد من الكويت ليبحث عن عمل لان الراتب الحكومي لا يكفيه، فاضطر لترك وظيفته والعمل في الطرق. لكن علاء صارحني بالقول ان عدنان صحفي في جريدة ( طريق الشعب ) التي اغلقتها السلطة لمدة شهر، ثم قررت قيادة الحزب الشيوعي عدم استئناف اصدارها بعد الشهر بسبب تردي العلاقة بين الحزب الشيوعي وحزب البعث.
نسّبت عدنان للعمل مع المهندس البنغلاديشي " ديوان شمس العارفين " المسؤول عن ادامة السيارات والمكائن الثقيلة ، فأخذ يساعده في مسك السجلات وترتيب بطاقات الادامة والصيانة  لمئات الآليات في المشروع .


دمشق في اب 1987
من اليمين عدنان حسين، ريلا دمان، عمرعدنان، هيفاء، لينا، كفاح، نبيل

     أخبرني يوما بنيته ترك المبيت في مخيم المشروع الذي توطدت فيه علاقته مع العمال ذوي المهارة والكفاءة الفنية ، منهم : اللحام محمد الموصلي ، والكهربائي كريم تومي والميكانيكي تيلي علي ، وغيرهم ، والسكن في مجمع (شيلادزي) القريب لاصطحاب عائلته ، وهكذا سكن في المجمع ، وكنت دائما أزوره في اماكن متفرقة من خطوط العمل  لتبادل الاخبار والتكلم بالسياسة .
في 29- 6- 1979 خطبت فتاة ( زوجتي الحالية ) من سكنة مدينة الموصل ، وسمع عدنان بالخبر الذي سرّه ، وقرر زيارتي في بيتنا للتنهئة في احدى عطل نهاية الاسبوع ، وبصحبته الامرأة التي تسكن معه ، فباتوا عندنا ليلتين ، قبل ان يرجعوا الى شيلادزي .
بعد مدة ابلغني عدنان بانه وجد طريقاً الى خارج الوطن ، وهكذا ترك العمل دون اخبار احد غيري ، فودعته بحرارة ، وفي الايام اللاحقة اصدرنا امراً بفصله من المشروع .
 بعد سنوات تركت العراق بدوري ، وكم كانت مفاجأتي وفرحي في آن ، ان التقي به في دمشق عام 1983 ، ثم ثانية في دمشق وهذه المرة مع عائلته وولده عمر وابنته فرح في عام 1987 ، واخر لقاء معه كان في برلين عام 1990 في مؤتمر رابطة المثقفين الديمقراطيين العراقيين واسبوع الثقافة الديمقراطية العراقية اللذين عقدا في دار ثقافات العالم.
 

لازالت اتصالاتي معه مستمرة ، فقد انتقل مع عائلته الى لندن وعمل محررا ومدير تحرير في جريدة (الشرق الاوسط ) التي تصدر هناك، ثم تركها في عام 2006 وانتقل في العام التالي الى الكويت ليكون مدير تحرير صحيفة (أوان) اليومية حتى العام 2010.. اما الآن فيكتب عمودا يوميا في صحيفة (المدى) التي تصدر في بغداد، واصبح اخيرا نائبا لرئيس تحريرها، عائدا الى المدينة التي تركها في عام1979 ليعمل عاملا معي متخفيا قبل ان يجد طريقه الى لبنان عابرا الحدود العراقية السورية سرا وكذلك الحدود السورية اللبنانية حيث استقر اكثر من سنتين في بيروت ملتحقا بالعشرات من رفاقه ورفيقاته الشيوعيين الذين كانت العاصمة اللبنانية احد مراكز تجمعهم في المنفى حتى انسحاب المقاومة الفلسطينية من لبنان في ايلول 1982 اثر الاجتياح الاسرائيلي للبنان.
nabeeldamman@hotmail.com
August 28 , 2011
USA 


185
افق من رقادك ايها البطل توما توماس

     كانت فرحتي يوم امس كبيرة، وانا اشاهد المنتزه الذي افتتح في 14 تموز الماضي، بحضور حاشد من المواطنين، وفي مقدمتهم الاستاذ حميد مجيد موسى، والمطران ميخائيل مقدسي، والقائمقام باسم بلو، ومدير الناحية فائز جهوري، والنصير البطل صباح توماس.
 

     الصور جميلة حقا وتبعث على الزهو والسرور، كم كانت المناظر واللقطات بهيجة، ان تستمتع العوائل بهذا الصرح الحضاري الذي طال انتظاره، ممتنون للاقدار اننا عشنا وشفنا وراينا تمثال البطل شامخا منتصبا في بلدة ابائنا ومصدر قوتنا الممتد تاريخها الى نينوى العظمى التي تشكل قلعة من قلاعها الصامدة.
 

     عندما عشنا مع ابي جوزيف في اوائل الثمانينات في اعالي جبال الوطن، كان يشرق وجهه برؤية الاطفال الصغار، لن انسى مداعبته لابنتي الصغيرة لينا وكيف كان يضحك وتدمع عيناه فيمسح دموعه بيشماغ الثوار، اتخيل لو شاهد اليوم الصور المنشورة عن ليالي المنتزه وحركة الاطفال وكركراتهم وجريهم تحت الاضواء الجميلة الملونة، وحول النافورة التي تتكسر الالوان على مياهها الفوارة، وكأن الاطفال ملوك الارض وورثتها، اقول لو قدر  له ان ينهض من رقدته الابدية، لاحتضنهم وفرح معهم ولعبر عن اعتزازه بما انجزه الخيرين في بلدته باقامة النصب وتشييد المنتزه، بقيادة الفصيل الثوري الذي شهدته ايام زيارتي للبلدة وكانه خلية من النحل يعمل بهدوء وتواضع من اجل خدمة البلدة والانسان فيها وفي كل مكان، فشكرا لهم جميعا والى مناسبات اخرى تقام فيها الاحتفالات الوطنية والحفلات الغنائية، والى مناسبات توضع اكاليل الورود على النصب الرائع الذي بعون الشباب وكل المخلصين سيصمد بوجه عاديات الزمن، وحتى تعود الحياة الى طبيعتها ويرتقي وطننا الى العلو والسمو، فترجع روح الحضارة التي غادرته مؤقتا.
قبل عام وتحديدا في 23- اب- 2010 كتبت ما يلي:
عندما ينتصب تمثال الراحل، وتستوي الارض وتورق وتزهر بكل ما أوتي واضعوا ومنفذوا الفكرة من ابداعات ومباهج وتحف تدخل البهجة والافتخار بذكرى رجل عاش بيننا وضحى بكل شيء من اجلنا، الجميع مدعوون للاسهام في دعم هذا المشروع، وكل من احب الرجل وسلك دربه في وقت من الاوقات، وفاء له ولافكاره القويمة. على فناني شعبنا الاسهام بافكارهم الفنية، وعلى مهندسي التصميم، واخصائيي التربة والزراعة، وعلى المناضلين حملة راية توما توماس( وطن حر وشعب سعيد) ان لا يبخلوا بمقترحاتهم، وحصيلة خبراتهم، ليتحول المكان الى حديقة غناء، ومكان يلتقي فيه قدامى الانصار والعوائل والطلبة والشباب والعمال والمزارعون، وكل زائر يقصد البلدة التاريخية العريقة. اهيب بكل احزاب ونوادي ومنظمات القوش المختلفة ان تشترك جميعها في انجاح المشروع الذي في اساسه نقلة نوعية للبلدة التي اهملت طويلاً، وهي آهلة بالغر النشامى من ابنائها، تضرب جذورها عميقا في التاريخ، والتي ينتظرها مستقبل مجيد كالامجاد التي سطرها توما توماس وغيره من شجعان البلدة وعلى مر العصور من علمانيين ومؤمنين، ومن رجال الدين ينتظر دورهم في إنجاح المشروع، وليتذكروا باستمرار ان توما توماس كان يجلهم ولا يتفوه الا بعقلانية واحترام عندما يجري الحديث عنهم.
اسرحو وامرحو ا يا اطفال الشمس، اطفال القوش والقرى المحيطة بها، في منتزه عمكم توما توماس الذي امضى حياته في النضال من اجلكم ومن اجل سعادتم وحرية وطنكم.
خورْ بألقش ديلَه قامُخ                  وبطورَه دويوا بوسامُخ
توما مْپرتِخ صَنامــُــخ                  وطون تَفِكتُخ وقَلامــُــخ

nabeeldamman@hotmail.com
August 29, 2011
USA 



186
جواب على رسالة حبيب تومي
نبيل يونس دمان
قال شاعر تركيا الخالد ناظم حكمت:
 ( لم تحولني الريح الى ورقة في مهبّها لقد سقت الريح امامي).
لدى مشاهدتي صور موضوعي في الرسالة الالكترونية، قلت انه اكتشاف خطير يضاهي اكتشافات البرتغاليين والاسبان للقارة الامريكية، انه موضوعي في الاساس الذي لي الحرية والحق في تغيير عنوانه وفقراته في اي وقت اشاء.
عندما نشرت مادتي في مجلة الكلمة عام 2000 لم يكن الانترنيت انذاك معروفا، فجاءت صيغة العنوان توفيقية، وفي داخلي شعور بمضمون الكلمة الكنسي وليس بمدلولها القومي، اذ ربما تطلب ذلك من اجل نشرها حيث كثير من المواد كانت لا تنشر انذاك، وعندما طبعت كتابي عام 2001 وعنوانه( الرئاسة في بلدة القوش) اعدت الصياغة كما في الصورة ادناه( ص 60) :
 

اين كان حبيب تومي كل هذه الفترة من عام 2001 الى 2011 ؟
  اما حديثي عن مجازر الارمن والاشوريين فقد غير الكلمة الاخيرة الى الكلدان رئيس تحرير مجلة الكلمة المرحوم حنا قلابات لسبب لا اعرفه، لم اعره الاهتمام، ولم اسال حنا قلابات عن السبب رغم جلساتي المتواصلة معه في السنين الاخيرة، الى القراء هذا الجزء من المسودة التي احتفظ بها في اوراقي( انظر السطر الاخير):



الى القراء ايضا نص الموضوع المنشور في جريدة المغترب / كندا في ايلول 2000 وفي طياته تجد ( مجازر الارمن والاشوريين):
 

في عام 1998 شكلنا لجنة( جمعية) مار ميخا الخيرية والتي انبثق منها فرع في سان دييغو:


جاء حبيب تومي للمؤتمر الكلداني في ساندييغو وادرج اسم الجمعية كما يلي:
بصراحة مع الأنتقادات المبكرة للمؤتمر الكلداني
بقلم حبيب تومي / سان دييكو
الجمعية الكلدانية الأمريكية ، وثانياً جمعية سيدات الأمل الكلدانية وثالثاً جمعية ماركوركيس الكلدانية ورابعاً جمعية مار ميخا الكلدانية وخامساً جمعية مار اوراها الكلدانية وسادساً جمعية الطلبة الكلدان وسابعاً جمعية فرسان كولومبس الكلدانية وثامناً جمعية الشباب الكلداني وتاسعاً جمعية اسد بابل الكلدانية وعاشراً الأتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان فرع سان دييكو

هل يمكن تغيير الاسم من جمعية مار ميخا الخيرية الى جمعية مار ميخا الكلدانية؟ اترك المسالة للقارئ.
انا مقل في الكتابة والكثير من الاصدقاء يطالبونني بالاكثار، ولكن ما باليد حيله، فقد شدني العمل لساعات طويلة من اجل دفع امور العيش، وحتى لا يتهمني احد بالارتزاق، كون هذه التهمة الرخيصة تلصق بهذا او ذاك جزافا. لو كان لدي الوقت الذي عند صاحبي حبيب تومي لجلست اناقشه في كل صغيرة وكبيرة، وكم من الهفوات والافتراءات والمزايدات والاكاذيب يقع فيها كتاب الانترنيت وادعها تمر على مضض وانصرف فيما تبقى من فراغي الى مشاريع اكثر فائدة بالكتابة المطولة عن موضوع تراثي يكون جزء من كتب انوي نشرها في الوقت المناسب، بهذا الكلام الاخير ليعذرني ليس منتقدي بل احبائي واصدقائي من عدم توفر الوقت للردود ولكن لا تفوتني شاردة ولا واردة مما يكتب في الانترنيت، واني لهم في الدفاع عن مواقفي والزمن فاصل بيننا.
nabeeldamman@hotmail.com
August, 28, 2011
USA 





187
المنبر الحر / احداث 1963 السوداء*
« في: 15:22 24/07/2011  »
احداث 1963 السوداء*
نبيل يونس دمان

     إنقلبت افراح الناس في السنوات الخمسة لثورة 14 تموز 1958 الى مآسي وأحزان في شباط 1963، وقد شمل ذلك العراق باسره ومنها بلدتي القوش التي تقع شمال مدينة الموصل. اعتقل معظم معلمي المدارس وبعض الطلبة وعدد من الفلاحين وسائقي السيارات والكسبة، وسيقوا الى السجون واقبية الاستجواب والتعذيب في الموصل وكركوك. عندما هَمّوا بإعتقال معلم الرياضيات عبد جمعة، اعطى مدير المدرسة يعقوب شكوانا اشارة له بالهرب، وهكذا عبر اسطح المنازل توارى عن الانظار والتحق بفصائل المقاومة المشكلة حديثاً، فيما نقل مدير المدرسة إدارياً الى ناحية البعاج على الحدود العراقية- السورية.
      في احد الايام توجهت السيارات المسلحة الى مدرسة العزة في القصبة لإعتقال بعض المعلمين وكان احد السواق واسمه بحو پولا( حنكَلّو) متوجهاً الى سوق البلدة فأعترضته والدتي قائلة" ارجع الى بيتك، وفوت الفرصة عليهم" فأجابها بأنهم سفلة ولا يأبه بما ينتظره ،فواصل مشواره ليجد نفسه مكبلاً فوق واحدة من السيارات المسلحة، وليمضي فترة في السجن المكتظ بالمئات دون مسوغ قانونية او محاكمات اصولية.
      صعد الكثير من الناس بسلاحهم الى الجبل وكان وادي الدير العلوي و"بسقين"  اماكن تجمعهم، منهم العمال  والفلاحين والطلبة والمعلمين وبعض النساء اتذكر منهم ساره لازو( زوجة يوسف ككا)، ماري( من عنكاوا) وسعيدة اسرائيل تومكا، وقد شمل ذلك التجمع مختلف قوميات الشعب الهاربين من سطوة الارهاب  في شتى انحاء العراق.
      شنت الحملة المسلحة الاولى على ألقوش في حزيران 1963 بقيادة زعيم خليل ومجموعة من المرتزقة بقيادة  احد امراء الايزيدية المدعو" معاوية اسماعيل جول" الذي اشتهر بالسكر والعربدة، فجاء هؤلاء المأجورين بسلاحهم وعصيهم ليجوبوا ازقة البلدة ويجمعوا عشرات الرجال خصوصاً من اصحاب الدكاكين والمارة وبشكل عشوائي ، فسيقوا جميعاً الى الساحة المقابلة لمركز الشرطة " قشلة" ، وشرعوا في تعذيبهم والتنكيل بهم.
     اتذكر كيف عُذِب جاري الطيب غريبو جبو حيدو الى درجة سحقت علبة سجائره المعدنية في جيبه، وكذلك عُذب اخوه ابراهيم بقسوة وهو في الطريق الى مزرعته فآوته احدى الاسر الطيبة لتلف جسده بجلود الاغنام من اجل امتصاص الكدمات التي سببها ضربه المبرح. ايضاً عذب صاحب محطة الوقود الياس جيقا، وصاحب الدكان يلدا بوداغ( تكرر ضربه مرتين) وغيرهم كثيرون، ثم اعتقل بعض الاهالي وعاد المرتزقة عصراً الى الموصل. كان لتلك الحملة أثرها في تزايد نقمة الناس على الحكومة، وفي نفس الوقت تتوارد الاخبار عن مئات الاعتقالات لابناء البلدة في بغداد والبصرة وكركوك وغيرها، واودع بعضهم في سجن" نقرة السلمان"  الصحراوي ويقال ان اصغر سجين فيه آنذاك كان من القوش واسمه عزيز اسطيفانا( 17 عام) وكذلك كان عدد من ابنائها ضيوفاً على قطار الموت في تموز 1963 وفي مقدمتهم المقاوم الصلب سليمان يوسف بوكا، والحاكم ابراهيم يوسف عبيا، وقبل ذلك ابلغت والدة العريف الشهيد توما ياقو ابونا عند باب السجن في بغداد بان ابنها اعدم ولم تسلم جثته فقفلت راجعة الى البلدة الصابرة وهي تحمل ملابسه، تولول، تبكي، وتملأ الدنيا صراخاً.
      في  يوم الاحد المصادف 7 / تموز / 1963 توجهت الحملة العسكرية الثانية والمؤلفة من الجيش والمرتزقة ليلاً  وعندما شاهد الناس قدومها على طريق الموصل اخبر بعضها البعض بسرعة لترك البلدة  والصعود الى الجبل، هكذا ترك الرجال بيوتهم بسلاح او بدونه، ولكن الحملة تركزت اساساً على الجبل ولم تتعرض للمدينة التي لم يبق فيها غير النساء والاطفال. انتشرت تلك القوة متسلقةً الجبل  وحصل التقدم من مختلف المحاور.
     عاش الناس في ذلك اليوم في قلق وترقب حيث لا حول لهم ولا قوة، اذكر عندما طرق الجحوش **  باب بيتنا طلبا للماء، شرعت جدتي شمّي تناولهم الماء من سطح منخفض دون ان تفتح لهم الباب لعدم الثقة بهم، وعندما سألها احدهم عن موقع دير الربان هرمزد، اشارت الى اتجاه مغاير لان قلبها كان يخفق خوفاً على اولادها الثلاثة الذين غادروا البيت فجراً الى ذلك الوادي.
      حدثت مناوشات وصدامات محدودة خلف الجبل وشارك فيها قائد الانصار توما توماس ،اتذكر عندما طرق باب بيتنا ثانية والقلق يلفنا من عودة الجحوش، ظهر الطارق انه احد اقربائنا القادم من بغداد، وقد حدثنا عن حجزه لعدة ساعات في المعسكر المخيم جنوب البلدة وكيفية مشاهدته لعدد من قتلى الجانب الحكومي فوق سيارة عسكرية. بعد ظهر ذلك اليوم سحلت جثتان من الجبل ورميتا على قارعة الطريق الرئيسي المحاذي لتل المقابر، هرع الناس للتعرف عليهم وانا ايضا بصحبة والدتي. لم يستطع احد تمييزهم نتيجه تغير ملامحهم من السحل والركل وكثرة ثقوب الرصاص في اجسادهم. واخيراً ظهر انهم الشهداء بطرس هرمز جركو الطالب في ثانوية القوش، وكوريال اوراها( معلم من قرية تلسقف) وكان الاخير متزوجاً وزوجته حامل  فولدت توأماً سمتهما بطرس وكوريال ! .
     دفن الشهيدان في مقبرة الغرباء عند ضريح مار شمعون من قبل البلدية، وبعد فترة استتب الوضع نسبياً فشيعوا في احتفال مهيب حضره مئات من الناس الى مثواهم الاخير في الدير العلوي، وقد ألقيت كلمات واشعار مؤثرة تلتها زخات من الرصاص، واليوم تجد قبورهم بجانب ثلاثة شهداء آخرين في اجمل مكان على مقربة من مجمع دير الربان هرمـزد.
      في حملة الاحد تلك، اصيب بطرس سليمان ﮔولا الذي لازال معوقاً من قبل الطائرات التي كانت تقصف الجبل، وقد حمله والدي على ظهره من موقع الاصابة بين الصخور الى الدير وبمساعدة نجيب عيسى كولا، وتمت معالجته على يد حنا زلفا الذي كان يمارس الجراحة والتضميد. وقبل مغيب الشمس انسحبت القوات المعتدية من الجبل، ونحن على سطوح المنازل  نراقب انسحاب تلك الكتل البشرية من الجبل والتي ولّت صوب الموصل. وتبين لاحقاً بان هؤلاء الجبناء اطلقوا النار على راعي الاغنام الشاب كريم يلدا ارمنايا الذي كان في موقع الدفاع  فأردوه قتيلاً.
      بعد يومين فقط اي الثلاثاء 9/ 7/ 1963 شنت السلطة حملة اخرى على البلدة من قبل الحرس القومي الذي فتك بالناس العزل في اكثر مناطق العراق. عانى الناس بشدة  من نتائج يوم الاحد الدامي، ولهذا آثرت ان تبقى في داخل بيوتها عندما لاحت سيارات الحرس القومي في صباح ذلك النهار التموزي على الشارع الرئيسي، ومن المعلوم محلياً بان الحي القديم المتاخم للجبل يضم العديد من المغاور الصخرية العميقة والتي استغلها الناس فدخلوا في دهاليزها وظلامها الشديد ومنهم كاتب هذه السطور وكنت في الحادية عشرة من عمري ، تكدس الرجال والاطفال في تلك الاقبية الوخمة لساعات طويلة من النهار دون ان يعرفوا ماذا يحصل في البلدة، دون طعام، فقط كان البعض يدخن سكائره خلسة وبحذ، ويأتيهم صوت الرصاص بشكل متواصل من رشاشات الحرس القومي التي غالبيتها مصرية الصنع من نوع بورسعيد.
      في تلك الاثناء حاول الحرس اقتحام سردابنا الذي فيه اكثر من خمسين شخصاً، وتدخلت صاحبة المنزل حبي ميخا جهوري والتي كانت تقف في فناء البيت بلغة عربية ركيكة جداً مصحوبة باشارات من اليدين، ودار بينها وبين احد افراد الحرس المدجج بالسلاح والمستعد للاطلاق في اية لحظة الحديث التالي:
+  اين رجل المنزل؟
-  سنجار!
+  وماذا يفعل في سنجار؟
( بحركة من يديها  تشبه العزف الموسيقي وهي تصطنع الابتسام، فينفعل الحرس .....) ثم تنطق كلمة  ندّاف التي كانت فعلا مهنة زوجها.
+  هل يوجد رجال داخل المنزل؟
-  لاء!
+  نريد نتأكد.
-  روحو!
+  لكنه ظلام.
-  ( باشارة من يدها) بمعنى ماذا افعل؟
+  جيبي فانوس( وسيلة الاضاءة الوحيدة في البيت) بسرعة.
-  نعم ( تأتي بفانوس ويدها على قلبها هلعاً على زوجها واولادها وعلى باقي الرجال) .
+  اشعلينوا !!
-   ( وتلتمع في راسها فكرة في ذلك الجو المرعب وتنفذها حالاً، وذلك بخفض فتيلة الفانوس الى ادنى حد ممكن فتسقط في داخل خزان الوقود، بعدها تحاول عبثاً إشعاله بعيدان الكبريت).
+  (بهستيريا ) جيبيه انا أشعلوا!!
     ومهما حاول لم يستطع اشعال الفانوس، فضربه بمقدمة حذائه وهو يتفوه بالشتائم، ثم اطلق عدة اطلاقات في الهواء قبل ان ينصرف فتسلم المجموعة بأكملها. بقي الرجال في تلك السراديب حتى العصر، هنا انسحب الحرس القومي من البلدة عائداً الى الموصل وقد وصلت بشائر النساء الى الجميع بالخروج بعد زوال الأخطار.
     حين خرج المختفون لم يتم التعرف عليهم بسهولة بسبب تغير هيئاتهم وكأنهم في حفلة تنكرية! فقد اصبحت ملابسهم، اجسادهم، ووجوههم سوداء! بمادة الكاربون( السُخام) المتراكمة لعشرات السنين، ربما لم تستخدم تلك السراديب الا في أهوال مماثلة في السفر برلك عام 1914. عندما خرج الاطفال من الظلام الى الضياء المتدفق فجأة على اعينهم، لم يستطيعوا فتحها بسهولة الا بعد برهة من الزمن.
      ومن الجرائم التي اقترفها الحرس القومي في ذلك النهار، هو قتل رجلين مسنين، احدهما اسمه ياقو هرمز قيا في عقر داره والثاني  واسمه بولس هرمز اوسطايا وكان شديد التدين جاثياً على ركبتيه بيده مسبحة الصلاة عندما سقط مضرجاً بدمائه. وكذلك جرح حبيب نيسان جراء اطلاق النار عليه، حالما أوصد باب بيته ليمنع دخول الحرس القومي. اما من جانب الانصار فقد حاولوا التقدم للدفاع عن القوش لكنهم اصطدموا مع قوة متقدمة من عين سفني فجرت معارك بينهم استمرت حتى المساء ، فقتل العديد من افراد القوة فيما استشهد من الانصار سعيد شمو من قرية دوغات وجرح علي خليل من دوغات ومحمد خالد( والد صديقي د.عصمت رئيس جامعة دهوك حالياً).
    بعد انتهاء حملة الثلاثاء اخذ الناس يتركون دورهم وبلدتهم ، فقسمٌ ذهب الى القرى الايزيدية وقسمٌ الى دير الربان هرمزد وآخر تسلل في خلسة وخطر الموت قاب قوسين او ادنى الى الموصل وبغداد، اما القسم الاعظم الذي بقي فقد اصبح تحت طائلة الارهاب المسلط من مأمور المركز السيئ الصيت" ابو خالد" . وهكذا صار يعتقل الاهالي ويعذبهم ويهدد الآخرين ويضرم النار بمتاع الذي كان يشك بولائهم للسلطة وتكررت تلك الافعال التي لا  تعد ولا تحصى لسنوات عديدة.
     في شهر آب 1963 جابهت قوة انصار صغيرة مع سيارة شرطة مسلحة قرب قرية بيبان، وكانت النتيجة أليمة، حيث استشهد احد الانصار ووقع الثاني وهو حميد الياس حنو جريحاً ثم أسِر من قبل الشرطة. نقل الجريح الى المعتقل في الموصل وتعرض للتعذيب الشديد ثم تقرر اعدامه، فنصبت مشنقة له مقابل كنيسة المار قرداغ جنوب البلدة. توجهت سيارات الحرس القومي بقيادة المجرم سالم حمدون ومعهم الشاب حميد ، وسارت احدى سياراتهم المزودة بمكبرات الصوت تدعوا الناس لحضور عرس الدم. لم ُيلبّ نداؤهم احداً، ولكن بقوة السلاح اجبر البعض على ذلك خصوصاً من كان في السوق  وبعض  طلبة المدارس، وفي تلك الاجواء المكفهرة بالحزن والاسى من يوم 24 /9 / 1963، ارتقى حميد المشنقة وهي المرة الاولى في تاريخ البلدة حيث يشنق فيها احد ابنائها. وخوفاً من غضب الاهالي حمل الحرس الجثة على عجل، وفي طريقهم الى الموصل سلمت الى بلدية تلكيف ليتم دفنها في مقبرة المدينة.
     في وقت سابق إلتحق هرمز مالك جكو وهو آشوري من قرية( كوري كافانا) القريبة من ناحية زاويتة تاركاً عمله في سد دربندخان، واصبح مسؤولاً في منطقة القوش، واشتهر بالشجاعة النادرة. عندما استشهد الشاب فؤاد شمعون ديشا في نيسان 1963 جراء حادث مؤسف** جاء هرمز جكو ورجاله الى البلدة مواسين اهله في مصابهم الجلل وقد كانت فرصتي الفريدة ان احظ برؤية الرجل، وفي العام التالي عندما كانت الهدنة سارية بين الحكومة والثوار جاء وفد من الانصار بقيادة الثائر توما توماس  يحمل صورة فؤاد  مكللة بالورود الى منزله وقد القى المعلم الثائر عبد جمعة الكلمة المناسبة، لا زلت احفظ مقطعاً منها يقول" ....ان روح فؤاد ترفرف فوق رؤوسنا! ".
     ازداد تذمر الاهالي من تسلط مدير ناحية القوش المدعو سيروان الجاف ، ووصلت معاناتهم الى اسماع الانصار فقرر هرمز  بنخوته واقدامه ان يحتل مركز شرطة البلدة للانتقام من المدير المذكور دون التفكير ملياً بعواقب ذلك. هكذا جهز هرمز رجاله وكذلك توما توماس وانحدروا من الجبل ليلة 23 /11/1963 لاحتلال المركز( قشلة) .
في ليلة شتائية يكللها الضباب والشوارع معتمة الا من ضياء فوانيس البلدية، والمركز محصن كأنه قلعة عاتية، وفيه تحصينات منيعة في كل زاوية للمقاومة وترتفع اكياس الرمل على طول اسيجة السطوح. عصر ذلك اليوم وصل عريف للشرطة في سيارة مسلحة، وعندما حان وقت غلق باب المركز بوضع اكياس من الرمل خلفه إمتنع العريف عن الدخول بل آثر المبيت داخل سيارته ويقال بانه كان مخموراً.
     وصل رجال الحركة الكردية المسلحة، واحتلوا سطوح البيوت المحيطة بالمركز وتحصنوا من جهة الجبل خلف الصخور، واستعدوا للمعركة المقبلة بقيادة المرحوم هرمز. بعد انتصاف الليل شق صوت جهوري سكون المكان داعياً مدير الناحية للاستسلام واقسم له بشرف الثورة ان تحفظ حياته وامهله فترة قصيرة للاستسلام. من داخل المركز سمع سيروان النداء وقرر المقاومة فجهز الشرطة تجهيزاً جيدا.
     تواصل الصوت بالعربية والكردية ليكرر نفس النداء السابق، ثم شرع بالعد التنازلي وصولاً الى الصفر، هنا اطلقت قذيفة على المركز فدوى صوتها، وانهال الرصاص من كل صوب، تخللته اطلاقة من مدفع محمول( عقدة 2) لكنها سهت واحدثت ضرراً طفيفاً باحدى غرف المركز، يقال ان رامي المدفع لم يشأ ان يصيب الهدف وكذلك كان عدد من المقاتلين لا يرغبون في احتلال المركز خوف قصف البلدة في اليوم التالي من طائرات السلطة، وتلك المسالة كانت مهمة ولكن هرمز لم يمعن التفكير بها، وربما لم يتيسر له الوقت الكافي للتفكير بها وكان صارماً لا يتراجع عن قراره. هكذا استمر القتال بين الجانبين دون نتيجة واصبح الوقت يمضي بسرعة، هنا صاح هرمز برجاله للهجوم على باب المركز.
     تقدم اثنان منهم احدهم من القوش وأسمه بطرس شمعون ديشا( وهو شقيق الشهيد فؤاد) والثاني من قرية شيخكا الأيزيدية وأسمه حجي خُرما، فزحفوا حتى باب المركز ووقفوا ملتصقين ببابه، ثم جهز حجي رمانة يدوية وابتعد قليلاً ثم قذفها بقوة على امل ان تسقط داخل المبنى، ولكنها اصطدمت بأسلاك التلفون فرجعت الى الارض امام الرجلين فوقع الثائر حجي شهيداً( دفن في اليوم التالي في مقبرة الغرباء عند ضريح مار شمعون) فيما اصيب بطرس بجروح بليغة، استطاع ان يسحب نفسه وهو ينزف متمسكاً ببندقيته الى مسافة معينة حيث انتشله رفاقه، وعولج بشكل اولي في محلة سينا، وفي النهاية اصبح معوقاً في احدى يديه.
     هنا هب بعض المقاتلين الى السيارة المسلحة لاحراقها و قتل سائقها برتبة عريف، واستمرت المعركة دون حسم الى ان اقترب الفجر، فقرر المهاجمون الانسحاب، وعند وصولهم اطراف محلة سينا، ابدى هرمز اسفه لفشل المهمة، ويقال انه ذرف الدموع قائلاً " اية عملية قتالية توجهت اليها حالفني النجاح، إلا في احتلال هذا المركز البائس"  وأقسم امامهم ان يعود لاحتلاله في اقرب فرصة.
     لكن الموت لم يمهله للعودة الى القوش ابداً، فقد هجم بعد اسبوعين على قطعات عسكرية مرابطة عند جسر( آلوكة) قرب مفرق سميل- دهوك، واستطاع هرمز ان ينجح في العملية ويحرق العديد من السيارات ويأسر ويغنم الكثير، لكنه اضاع بعض الوقت في اللحاق بإحدى السيارات بغية الاستيلاء عليها. حدثني احد الرجال المشاركين في تلك الواقعة بعد زمن من وقوعها، بان هرمز وضع خطة لمهاجمة المعسكر واتفق معهم ان يرابطوا على مقربة منه وحال سماعهم صوت الرصاصة الاولى يبدأ هجومهم، ويعقب انهم شاهدوا بعد برهة من الزمن اضطرام النار في احدى السيارات وظهر ان هرمز قد تقدم لوحده وهو يطلق شرارة المعركة الاولى! . وفي نشوة الانتصار تلك، وصلت تعزيزات عسكرية قوامها دبابات تابعة للجيش السوري الذي استقدم للقتال بجانب القوات العراقية ، حيث حوصِر المرحوم هرمز وداهمه الموت من كل جانب.
     قاتل هرمز قتال الابطال حتى اُصيب باحدى رجليه ثم واصل القتال رغم جروحه حتى اصيب بقذيفة من الدبابات السورية فقضى شهيداً بطلاً . نقل جثمانه في مراسيم خاصة بالثوار الى قرية سينا وشيخ خدِر ليدفن هناك في شهر كانون اول 1963.
*موضوع منشور سابقا، اعيد نشره مرة اخرى، وهو مستل من كتاب ينتظر الطبع، بدأته عام 1994 والان كامل مكتمل من 285 صفحة، اجريت تغييرات متواصلة عليه، منها تغيير عنوانه السابق( القوش حصن نينوى المنيع) الى العنوان اعلاه.

**  في طريقه وهو يقود مجموعة من الانصار الى جبل مقلوب، ونتيجة خطأ غير مقصود ثارت رصاصة من بندقية احد افراد المجموعة أدت الى استشهاده في الحال، وللشهيد دور بارز في التصدي لانقلاب 8 شباط المشؤوم.
nabeeldamman@hotmail.com
July 23, 2011
USA 
 


















القوش قلعة الآشوريين الصامدة

" وَحْيٌ على نَينوى سِفْرُ رُؤيا ناحُومَ الألقوشيِّ"
العهد القديم


تأليف

نبيل يونس دمّـــان
الاهداء
الى روح بطلي القوش

يوسف رئيس

و
توما توماس



حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

188
ﭙْوش بِشلامَه شَماشَه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ﭙْرسْلِه حِشَّه ﭘّنياثـــَـه1         حنا ﭘْرشلي مْبيناثـــــَـــه
مَرْ هونَه وتكْبَرياثــَـه2         بْكاوِحْ كْشاري3 عَسْقاثَه4
♫♫♫♫♫

هْويلِه رْويلِه بي ماثَه         تِلكيپه ﭙْشَهوتياثـــــــــــَـه
خَمثَه وْيِمِّد خَماثــــَــه         وْمِرّيلَهْ تَه مَثواثــــــــــَـه
♫♫♫♫♫
ويوَه مْيُلپانَه مِليــــَـه           شَماشَه ﭘحَقلِه د مَريـــَه
بِخلَصْته ﭘشلي قِريـَه           لمَلكوثه درَه وشْمَيــــــَّه
♫♫♫♫♫

شْوقيلِه خورِحْ آخـَـه           بَنْ خايِه دْليبي نْياخــــَـه
بيرِح لَوي دِدآخــــــه5         أَثْ كَشّيرَه وپلاخـــــــَـــه
♫♫♫♫♫

ﭘْوش بشلامَه مَلپانـَه          تَحوياذَه طنّانـــــــــــــَــه6
ﭙتـَخْرِخلِه ﭙْكُلْ عِدّانــّه          وِلْ تقيمِخْ قَم دَيّانــــــــَـه
♫♫♫♫♫

ملاحظة:
القيت القصيدة في الحفل التابيني المقام على روح الشماس الكاتب والاديب الراحل حنا قلابات يوم الخميس المصادف 12-5-2011 وعلى قاعة نادي كرستال بول بسانتييغو- كالفورنيا.
معاني الكلمات:
(1) ﭙنياثه= جهات
(2) تگبرياثه= تدابير
(3) كشاري= تحل
(4) عسقاثه= صعوبات
(5) دداخه= لينطفأ
(6) طنّانه= ذائع الصيت
نبيل يونس دمان
May 12, 2011
nabeeldamman@hotmail.com



189
المنبر الحر / اصبح العيد عيدين
« في: 15:37 02/05/2011  »
اصبح العيد عيدين
نبيل يونس دمان

" تاكد لدينا بان اسامة بن لادن قد مات فالى الجحيم وبئس المصير" الكثير من المتابعين سيتذكرون هذه الكلمات المقتطفة قبل اكثر من ثلاثين عاماً، ولكننا الان في حالة اخرى مهمة وخطيرة وهي مقتل مجرم دولي كبير، انه رأس ثعبان الارهاب الذي قطع وستضطرب باقي اجزاءه حتى تخمد عن الحركة. لقد مني تنظيم القاعدة بضربة قاصمة، وليس هزيمة نهائية، ولكنه لن يفوق من هولها طويلاً، عاث في الارض فسادا ونشر الرعب والقتل في مختلف القارات، خصوصاً في بلدي الحبيب، الذي اتمنى ان يتقلص نفوذ القاعدة وجناحها الخبيث دولة الاسلام في العراق، ليعود الامان والاستقرار اليه. لقد اصاب اليأس الكثيرون حول العالم بامكانية مقتله، ولكنه اخيرا قتل، فذلك قمة الانتصار ومبلغ السعادة، برأيي كان الافضل انه لم يمثل امام القضاء او العدالة، فوفر علينا مسلسل طويل للمحاكمات والقيل والقال، وان ما سيذكره معروف ليس لدى العامة بل لدى الجهات الاستخباراتية، ولو توفي بمرض عضال ايضا لكانت صعبة، ان لا يلقى جزاءه امام حجم ما اقترفه من جرائم منذ عام 1998 على اقل تقدير عندما هاجم السفارة الامريكية في نايروبي، وعلى اهداف كثيرة متعددة وشاملة، واظل كانسان متابع للاحداث، لم افهم سبب رفض الولايات المتحدة الامركية لاستلام بن لادن الحي في نهاية التسعينات من حكومة السودان، وبذلك اصبح حراً ليصل الى المنطقة الوعرة بين افغانستان وباكستان. سيكون لمقتل هذا الرأس الثمين ردود افعال قوية تتباين بين الشدة والتطرف، الى آيات الترحم والاعجاب من قبل رهطه، او بالادعاء انه لا زال حيا في( طورا بورا) مثلاً، على منوال المكالمة الصوتية بين صدام و حسن العلوي قبل ايام، لكن في كل الاحوال الذي يرى شكل بن لادن وهيئته على شاشة التلفاز، يراوده شك بامكانية هذا الملتحي الضعيف المترهل ان تنسب كل هذه الاشرار اليه، ولا ننسى قبل حوالي اسبوع ما تردد بان جماعته قد صرحوا في السابق، بانهم سيحولون العالم الى كارثة نووية في حال مقتله، فماذا هم فاعلون؟.
في هذه المناسبة التي تصادفت مع عيد العمال العالمي، وفي كل عيد للطبقة العاملة على مر السنين، ستتذكر الشعوب نهاية مجرم العقود اسامة بن لادن، سيهلل فرحا اولاد واقارب الضحايا في مختلف بقاع العالم، ومن لم يصل شر القاعدة وبن لادن اليه؟ . فالى جميع الضحايا الابرياء ممن قتلوا اولاً في وطني العراق، ثانيا في اقاصي الارض، وحتى ضحايا 11 ايلول 2001، ان يفرحوا ويكبروا في يوم مقتل بن لادن الذي كان غريباً على الحضارة والانسانية والاسلام، ولتتكاتف كل الجهود الدولية من اجل استئصال بقايا الغدد السرطانية التابعة لتنظيم القاعدة، من اجل عالم اجمل، من اجل طفولة اسعد، من اجل مناخ دولي افضل.
May 01, 2011
nabeeldamman@hotmail.com


190
حنا قلابات باقي في ضمائرنا
نبيل يونس دمان


     يغمرني الأسى ويصعب علي الحديث عن الغائب الحاضر حنا قلابات: الشماس، الاديب، والكاتب الذي جبل على النباهة والذكاء منذ نعومة اظفاره، وقد ابتدأ طريقه في الحياة منطلقا من بلدته العريقة تلكيف، ثم طالباً للكهنوت في سيمنير مدينة الموصل، فيها خطى اولى خطواته في تعلم اللغات ومنها اللغة الفرنسية، لقد رسم لنفسه خارطة طريق كانت مساراتها متعددة، من المطالعة الى النقاشات المتواصلة حول مختلف القضايا، من تأريخ، دين، قومية، والى آخر مجالات البحث والتقصي، كان المقام يليق به وفي صدر تجمعات الاصدقاء والزملاء، من حملة الافكار والاقلام وهموم الناس، ومن مختلف الاديان والقوميات.
     بماذا اصف صديقي الراحل الذي عرفته لسنوات قليلة لم تكن كافية ان ادخل الى اعماقه، كان لنا مرجعا لا يعوض بسهولة، وهو متعدد المواهب: من حافظ عشرات ابيات الشعر، الى اتقانه موازينها، وعروضها، الى الميامر الكنسية والتراتيل التي وضع اساسها الراسخ مار يعقوب النصيبيني ومار نرساي، كان ايضا يقتني الكتب النادرة، ودواوين الشعر من مختلف العصور، كان ديواننا الصغير يزهو به على الدوام، وكان وجهه يشرق ويبتهج عندما يتلو على مسامعنا قصيدة الجواهري بمناسبة ألفية أبي العلاء المعري:
قِفْ بالمعرةِ وآمَسحْ َوْجَهَها الَتِربا.......... واستوحي َمنَ َطَوَقِ الُدنيا ِبما َوَهَبا

الى ان يصل ذروة القصيدة:
لِثورةِ الِفكر تأريخٌ يُحَدُثنا.........  بأنَ ألفَ مسيحٍ دوَنها ُصلَبا
هنا( والحديث لحنا قلابات) وقف عميد الادب العربي طه حسين مصفقا، وطالبا من الجواهري اعادة البيت فاعاده مراراً.
     كتب قصيدة بعنوان( ترنيمة الحمام) على اسم ابنته( هديل) التي ولدت في عام 1963 وهو نزيل سجن رقم( 1) الرهيب، والتي مطلعها:
أهو هديلٌ أم نحيبُ
أهو شدوٌ أم ترنيمُ
ما أروعُ صوتكِ الرخيمُ
يا ابنةَ الدوحِ في بلادي

وكتب مرثية للجواهري الخالد ابان وفاته عام 1997 مطلعها:
ما الخطبُ ما سببُ اجتماعُ الخطباءِ.......... هل غيّب الموتُ امثولةَ الشعراءِ؟
في عام 2007 كتب قصيدة بعنوان" دمعة على بغداد" :
سئمتُ مناظرَ الخرابِ والدماء ولعنتُ من كان سببَ الشقاءِ
وثنّيت اللعنة "نوبل وباروده" فقد أعطى الجُناةَ أداةَ الفناءِ

     كان حنا قلابات مشاركاً في معظم نشاطات الجالية، سبّاقا في الحضور، وعضوا فاعلا في اكثر الجمعيات والمنظمات والروابط التي تشكلت هنا في كالفورنيا، وعضوا في هيئات تحرير العديد من ادبيات المهجر، اضافة الى اصداره مجلة (الكلمة) لعدة سنوات، فكانت بحق حديقة غناء، فيها السجع والكلام الجميل، والابيات المقفاة، تنساب عسلاً وعذوبة، وفيها ايضا اخبار الوطن والجالية، صدق من وصفه بانه كان كتلة من الحيوية والنشاط.
     عرفته بغداد في شبابه  ثريٌ في الادب والعلم والموقف الوطني، ثم عرفته الكويت سنوات اخرى في العمل الوظيفي والمهني المتميز، واخيرا بلاد المهجر التي قضى فيها بقية عمره.   لم ينس الوطن، فعندما توفرت له فرصة في التسعينات زار منطقة كردستان المحمية، برفقة صديقه حكمت عتو، ثم كان تواجده في بغداد بعد سقوط الطاغية للعمل، وهو يحصد سنواته الاخيرة من عمر طويل عَبر الثمانين حولاً.
     لن يستطع اي كان، ان يملأ الفراغ الذي تركه، في اللغات التي تعلمها، والثروة الادبية التي امتلكها، والعائلة التي انشأها مع زوجته ليلى كرمو، وفي المقدمة ولده القسيس فرانك الغني عن التعريف، وباقي اولاده اريج، هديل، وداليا. انا على يقين بان غياب حنا قلابات سيلهم اصدقائه في التنقيب عن مآثره وفي اغناء ما حاولتُ تدوينه، وهم اهلٌ لكتابة أعم واشمل، منهم الشاعر زكر أيرم، الشاعر فالح حسون الدراجي، الصحفي المخضرم صباح صادق، القاص مرشد كرمو، المحامي جلال ايليا، المهندس محمد عبد الوهاب، جمال جميل، د. ريمون شكوري، سعيد سيبو، فاروق كوركيس، د. ثائر البياتي، المطبعي منصور قرياقوس، نوح شمعون، وغيرهم كثيرون. كان مسالماً ودودا ومسامحا، لا يحمل الضغينة لاحد، ففي التسعينات حدثت بينه وبين الشاعرة لميعة عباس عمارة مشادة ادبية على صفحات المهجر، ولكن ذلك لم يمنع ان تقوم صداقة قوية بينه وبين ولدها الاديب مازن مبارك، الذي شاركنا العديد من جلساتنا الاسبوعية.
      دعوني اناشد روح حنا قلابات، فاخاطبه بقلب كسير والم يعتصرني وفي اعماقي تساؤل وشكوى من غيابه الابدي، عن جلساتنا الهادفة التي احتضنتنا على مدى السنين، سيكون مكانه بيننا، سنذكره على الدوام، ونستشيره  في العقد التي تواجهنا. كان محنيَّ الرأس مثله مثل السنبلة الممتلئة غلة، سيكون حتى في غفوته، جاهزاً ان يرفع رأسه عندما يسمع تعبيرا ناقصا اونصا خاطئا فيصححه، اتذكر قراءاتي المتعمدة لمواضيعي قبل نشرها بين المجموعة الرائعة وانا اهدف الى التصويبات التي تردني، وخصوصا من فقيدنا الذي يعتبر رأيه هو الفيصل، في حال اختلفنا على معلومة لغوية اوادبية.
     ان انسى فلن انسى المقالة التي كتبها عام 1994 في جريدة صوت الاتحاد الديمقراطي العراقي عن الشخصية الوطنية المعروفة بعنوان( توما توماس في سان دييغو) وبهذا العنوان الاثير انهي كلماتي. وبعد الانتهاء أحمّل الفقيد الشماس حنا قلابات تحايا حارة، الى فقيد مجلسنا اسطيفان انويا شابا، الذي رحل عام 2008، رحم الله الاثنين واسكنهما فسيح جناته.
April 20, 2011
nabeeldamman@hotmail.com






191
المنبر الحر / الحشيشة والمخدرات
« في: 22:22 17/04/2011  »
الحشيشة والمخدرات
اعداد/ نبيل يونس دمان

تاريخ الحشيشة:
     الحشيشة اسم اطلق على ورق القنب الهندي، وقد دون المقريزي اول ظهورها واستعمالها وذكر انها تسمى بحشيشة الفقراء وسبب ذلك ان شيخا للفقراء اسمه حيدر كثير الرياضة والمجاهدة، قليل تناول الغذاء وكان قد نشأ بخراسان واتخذ زاوية في احد جبالها ومعه جمع غفير من الفقراء، فمكث هناك اكثر من عشر سنين لا يخرج ولا يدخل عليه الا رجل كان خاصا بخدمته، فخرج وحده في يوم شديد الحر ثم عاد وقد علا وجهه نشاط وحبور بخلاف ما كان عليه قبلا فاذن لرفقائه بالدخول عليه وجعل يكلمهم فسألوه عن الحال الذي صار اليه. فقال بينما انا في خلوتي اذ خطر لي الخروج الى خارج المدينة منفرداً، فلما خرجت وجدت كل النبات ساكنا لا يتحرك لسكون الريح ولفت نظري نبات له ورق فرأيته يميس بلطف ويتحرك تحرك السكران الثمل، فجعلت اقطف منه اوراقا وآكلها فحدث لي من الارتياح ما ترون فهيا بنا الى البرية لاطلعكم عليه فتعرفوه. فخرجوا وراءه فلما راوه قالوا له: هذا هو القنب فتهافتوا على اوراقه فاكلوا منها فسروا وطربوا فامرهم الشيخ كتم هذا السر الا عن الفقراء قائلاً: ان الله خصكم بهذا السر العجيب ليذهب عنكم همومكم الكثيفة ثم حثهم على زرع هذا النبات حول ضريحه بعد وفاته وبقي ياكل منه بقية حياته ثم توفي سنة 618 هج، وبني على ضريحه قبة، فاتته النذور الوافرة وكان قد اوصى اصحابه ان يوقفوا اهل خراسان وكبرائهم على هذا العقار، فاطلعوهم على سره واستعملوه وشاع امر الحشيشة في بلاد خراسان وفارس ولم يكن اهل العراق يعرفونه حتى جاءهم صاحب هرمز و محمد بن محمد صاحب البحرين وهما من ملوك سيف البحر المجاور لبلاد فارس في ايام الملك المستنصر بالله سنة 628 هج، فحملها اصحابه معهم فاظهروا للناس اكلها فاشتهرت بالعراق ووصل خبرها الى الشام ومصر وبلاد الروم فاستعملوها وفي نسبتها الى الشيخ حيدر يقول الاديب محمد بن علي بن الاعمى الدمشقي:
دع الخمر واشرب من مدامة حيدر
                    معنبرة خضراء مثل الزبرجد
هي البكر لم تنكح بماء سحابة
                    ولا عصرت بالرجل يوماً ولا اليد
ولا نص في تحريمها عند مالك
                    ولا حد عند الشافعي واحمد
ولا اثبت النعمان تنجيس عينها
                    فخذها بحد المشرفي المهند
     وقال بعضهم لم ياكل الشيخ حيدر الحشيشة طول عمره وانما اهل خراسان نسبوها اليه لاشتهار اصحابه بها، وان اظهارها كان قبل وجوده بزمان طويل وذلك انه كان بالهند شيخ يسمى( بير وطن) وهو اول من اظهر لاهل الهند اكلها ولم يكونوا يعرفونها قبل ذلك ثم شاع امرها في بلاد الهند حتى ذاع خبرها ببلاد اليمن، ثم اتصل خبرها باهل فارس ومنها الى العراق والروم والشام ومصر. وكان بير وطن في زمان الاكاسرة وادرك الاسلام فاسلم فاخذ الناس من ذلك الوقت يستعملونها. وقد نسب اظهارها الى الهند علي بن الشاعر بقوله في قصيدة:
فاقم فانفس جيش الهم واكفف بوالعنا
                    بهندية امضى من البيض والسمر
بهندية في اصل اظهار اكلها
                    الى الناس لا هندية اللون كالسمر
تزيل لهيب الهم عنا باكلها
                    وتهدي لنا الافراح بالسر والجهر
     ويقال ايضا ان هذا العقار قديم معروف منذ اوجد الله تعالى الدنيا، وقد كان على عهد اليونانيين, والدليل على ذلك ما نقله الاطباء في كتبهم عن ابقراط وجالينوس من مزاج هذا العقار وخواصه ومنافعه ومضاره.
     وهنالك راي اخر يقول ان الحشيشة استعملت قبل الشيخ جلال الدين حيدر، وقد استعملها( الحسن بن الصباح) وجعلها ستارا وسرا لطائفة الجهنمية المسماة( بالباطنية) وبها سموا( حشاشين).

انواع المخدرات واستخدامها:
هناك انواع متعددة من المخدرات تستخرج غالبيتها من النباتات والاشجار التي تنمو في المناطق المعتدلة من العالم. ومن انواعها الحشيشة كما ذكرنا والتي تستخرج من نبات قنب الهند، وهو نبات سنوي زراعي من ساق النبتة المذكورة، وله فوائد طبية. وهناك الكوكائين وهي مادة تستخرج من شجرة الكوكا، تستعمل في الطب كمخدر ويرغب فيها المدمنون على الحشيشة، وهناك ايضا الهيروين وهو مستخرج نباتي ايضا. اضافة الى بعض المستخرجات والمستحضرات الكيمياوية النباتية.
     تتم عملية تناول المخدرات بالتدخين او شم مسحوقها او بزرقها بالجسم. ولها درجات متفاوتة في التاثير وبالتالي يتحدد ثمنها الباهض جدا الى اسعار غير معقولة ولا يتصورها العقل، حيث ان كيسا من تلك المواد المركزة يعادل ثمنه مليون دولار! فتامل عزيزي القارئ خطورة الموضوع الذي نحن بصدده.
     ان تاثير المخدرات بالغ السلبية على الجسم وعلى العائلة والمجتمع، وقد حرمتها قوانين ودساتير الدول وكذلك القوانين الدولية. ويعني تكاثر هذه المواد في اي مجتمع نخره وتفككه، وتزيد من حالات الجرائم، واكثر من يغوي للايقاع بها هم الشبيبة، اولئك الفتية والفتيات غِضاض الاجساد، فتؤدي بهم الى ارتياد طريق الهلاك في حياتهم.
    لقد عرفنا ان المخدرات كانت موجودة منذ الاف السنين، ومن المرجح ان تستمر وربما لآلاف اخرى، ويتم درئها بالتوعية المكثفة وخصوصا الاطفال لكونهم في مقتبل اعمارهم، واعطاء الدروس المتواصلة عن اضرارها في مدارسهم، والقاء النصائح والارشادات الدائمة من قبل البالغين والمسؤولين عن تربيتهم. لتبقى في النهاية هذه المستحضرات والعقاقير لتخدم اهداف طبية بالغة الفوائد في هذا المجال وتبقى حكرا له فقط.
     ولتشل ايدي من يشجع على المخدرات ولترجع من تتكدس عنده الثروة في دخول هذا الطريق غير المشروع وبالاً عليه، وليعذرني القارئ العزيز بعدم امكاني الاسهاب في تاثيرها على الحواس والجسم والرأس والمشاعر، لانني لست فقط لم اتناولها بل لم يتسنى لي رؤيتها. منذ الصغر وامام  بيتي موقف سيارات البلدة الحبيبة القوش، كنت اسمع احدهم ياتي في الصباح ويفتعل المشاكل وياخد بالصياح واطلاق الشتائم فيقول عنه الاخرون: لقد جاء المحشش باكرا، فارتبطت تلك الكلمة عندي بمفهوم الفوضى، وان ما سردته من معلومات استقيته مما اقرأه، وما اسمعه من الناس.
     في الختام نقول ان المخدرات تفسد الاخلاق وتحلل النفس وتولد فيها الجبن، وفي الوجه الاصفرار وفي الفم النتانة وفي الحواس الضعف لان فيها خاصية التخدير والسكر. والاكثار منها يخرج شاربها الى حد الرعونة بل الى الجنون ومن ثم ياتي الموت باكرا ولهذا ذهب مئات الالاف من الناس ضحايا للحشيشة وباقي المخدرات.
ملاحظة: القسم الرئيسي من الموضوع مصدره  نصوص من مجلة لغة العرب التي كانت تصدر في الربع الاول من القرن العشرين ببغداد.
April 17, 2011
nabeeldamman@hotmail.com


192
بالندة ملتقى الجبال
نبيل يونس دمان

     للوهلة الاولى تتوقع عزيزي القارئ اني بصدد بولندا في اوربا، لكني ساتحدث عن السنوات الثلاث التي قضيتها في منطقة قي اقصى شمال العراق اسمها ﮔلي بالندة، وهو وادي عميق يتوسط قمة جبلين شاهقين بين ناحية بارزان وقضاء العمادية. كان ذلك في 28- 4- 1978 عندما التحقت بمشروع طريق عمادية- بالندة- قادرية، وقد رافقت المهندس عمر بادي من مركز دهوك الى شرق العمادية عبر جبال واحراش وانهار لم ارها في حياتي السابقة. انبهرت من تلك الطبيعة التي كان هاجسي القلق من بعدها النسبي عن مسقط رأسي، وعند وصولي الى الموقع الذي هو عبارة عن مجموعة خيم لمبيت العمال، ورشة تصليح، ساحة تجمع الآليات والمكائن، ومبنى من عدة غرف لسكن المهندسين، حال وصولي تعرفت على المهندس جمال محمد طاهر، الذي ارتبطنا بعلاقة صداقة طويلة رغم اختلاف افكارنا.

ريشين( روبار شين) يخرج هادراً من ﮔلي بالندة
     كنت مهندساً ميكانيكياً، عملت لفترة قصيرة في مديرية طرق نينوى، لم يكن مديرها الحاج فاروق عبد القادر( ابو عمر) مرتاحاً لوجودي، لذلك انتقلت الى دهوك التي رحبت بي وكأنني في بيتي وبين اهلي واحبتي. بعد استقراري في المنطقة وانا اتواجد في سوق العمادية، واذا انا اواجه الاخ نافع شكري الذي عاش مع اسرته سنيناً طويلة في القوش، حيث كان والده شكري محمد علي مأموراً لنفوسها، فرحبنا ببعض وعلمت انه معلم في تلك الارياف، تشاء الصدف مرة اخرى ان التقي به في احد الجبال وهو يحمل بندقية الثوار( البيشمركة) وذلك في عام 1983.
 

مع جمال محمد طاهر
     كانت هيئة المشروع تتكون من المهندسين جمال، صبري، عمر، بنگين، فاضل، ديوان شمس العارفين( بنغلادش) محمود( فلسطين) والمساح برهان، كان طباخنا كمال من اهالي العمادية، وكلما اشتكينا من الغذاء المقدم كان يقول" انا كنت طباخا لمسؤول كبير إسمه علي السنجاري"  اما مجيد عامل الطباخة فكان انسانا بسيطا من القرى المحيطة وتلاطفا معه، اطلقت عليه اسم أغا مجيد، وفي كل مرة كان يعترض مبتسماً " سيدا أس پالا نا اغا" اي لست اغا بل عامل، وعمل معه ايضا العامل الخلوق رجب. هناك عامل تشحيم كان يرافق ديوان شمس العارفين ومنه تعلم القليل من التكلم بالكردية، كان اسم ذلك العامل عبد الغفور ونسميه غفوري، اذكر كان يجلب بين فترة واخرى العسل الكردي الشهير من قريته النائية في وادي( شيرانة) معلوم ان البطل محمود الايزيدي استشهد في تلك المنطقة عام 1979.
     كانت القرى المحيطة كلها كردية باستثناء واحدة في وادي نيروى وريكان وهي قرية( هيش) المسيحية. وكنا نبعد عن بارزان حوالي 40 كيلومترا لكن المنطقة كان ممنوعاً التوغل فيها، لانها مهجرة عن بكرة ابيها بعد انهيار الحركة عام 1975، اتذكر من كل عمال المشروع البالغ عددهم المئات كان يعمل واحدا فقط بارزاني واسمه( عشقي) . وكان يعمل في المنطقة موظفين وعمال قادمين من الموصل، وكذلك المقاولين الذين كانوا ينشأون على عجل مجمعات سكنية في سوري وشيلادزي وديرلوك وكاني. في احد الايام من ربيع عام 1979 دخل رجل كهل طويل، مرتدياً بدلة كردية مهيبة، وخلفه مرافق قصير القامة، دخل الى غرفة المهندسين فوقف الجميع له ورحبوا به بحرارة، وكل شيء طلبه كان يستجاب على لسان مساعد مدير الطرق المهندس مأمون نور محمد، وبعد مغادرته قلت مع نفسي" اكيد هو أغا العمادية" وعند الاستفسار قالوا هو ديوالي سعيد أغا الدوسكي، علما باني قد ارتبطت بقدر من الصداقة مع اولاد اخوة ديوالي: سردار و نزار. كان العسكر كثيف التواجد في الربايا وقمم الجبال وبالارتباط مع لواء بالندة الذي كانت تحط في ارضيته الصخرية طائرات عمودية على طول ايام الاسبوع. بحكم عملنا بمشاريع خاصة لها ارتباط بخطط الحكومة العسكرية، كنا ننسق مع اللواء ونرتبط بنوع من العلاقة مع ضباطه.


ضباط اللواء مع مهندسي المشروع وخبراء شركة كتر ﭘِلر
     احد سواق ناقلات الماء اسمه خمو( خمݘو) من قرية( بدلية) قرب سميل كان هادئاً، خجولاً، لا يتكلم الا نادرا، ظاهر عليه القهر، فعند انقلاب ناقلته( تانكر الماء) عند ضفة ريشين، اردت تغريمه من خلال عضويتي في لجنة الحوادث وتقدير الاضرار في المشروع، هنا هب المهندس جمال والمهندس عمر البادي بطلب اعفائه من الغرامة، وانه لا يمكن ان يتسبب في ضرر متعمد، بعدها سمعت قصة حزنه على اخيه( آدم) الذي كان من حراس البارزاني الخالد عند وقوع حادث تفجير مقره من قبل رجال أمن بزي رجال دين عام 1972 في حاج عمران، وقتها حال آدم مع غيره ببطولة نادرة دون اصابة مصطفى البارزاني ورفيقه د. محمود عثمان، وقد اصيب آدم بجروح عديدة عانى منها لاحقا، والمؤسف في هذه القصة ان آدم انقطعت اخباره منذ انهيار الحركة، عقب اتفاقية الجزائر عام 1975 والى يومنا هذا.


من اليمين كاتب السطور، مأمون نور محمد، جمال محمد طاهر
     كلما اقابل مدير طرق دهوك المهندس عادل صديق صادق، كان يجلب انتباهي بوستراً على طاولته يتضمن فاتح الطرق( البلدوزر) وهو على مشارف القادرية على الحدود العراقية- التركية، وتحتها تهنئة الى المدير بمناسبة العيد وقد حال اندفاعهم للوصول الى تلك النقطة دون التمتع في العيد بين عوائلهم، وقع البوستر المهندس البارع مأمون نور محمد البيرفكاني. كم اشتقت لارى ذلك المكان، ثم وفر الزمن فرصة مشاهدته، برفقة اثنين من خبراء كترﭙلر، وبحماية العسكر حتى وصولنا منطقة يجري فيها نهر جميل، تلك كانت القادرية التي هي نهاية المشروع، بل نهاية خارطة العراق.
     عملنا لسنوات في بناء جسور وقناطر وفتح طريق داخل كلي بالندة الذي يشكل منطقة حصينة لعشائر نيروا- ريكان القويتين، عاصمتهم قرية( بيبو) بالقرب من جسر( بلبل) ومن القرى التى كنا نمر بها كل يوم هي: سيدا، ريجبرخا، ݘمجو واخرى ابعد من الطريق منها سنجي، جامكي، كونشكه، وقرية هيش الاشورية، كان اطفال تلك القرى يتأملون السيارة التي يرونها لاول مرة بجانب البلدوزر، فيقولوا انها بنت لتلك الماكنة الضخمة فنعجب من خيالهم، في احد الايام شهدت عرسا جبليا مؤثراً، راقصون يحيطون العريس والعروس وهم يرفلون بثياب فضفاضة، زاهية، ويمتطون الخيول التي يمسك بزمامها رجال القبيلة، كانوا جذلى، فاوقفنا سيارتنا لنشهد بهجة الانسان والطبيعة معاً.  المنطقة حصينة وقطوعها الصخرية بمحاذاة الرافد (ريشين )كانت كأنها تحف فنية، كم استهوتني تلك المناظر فخطفت هذه الصورة صيف عام 1978:
 
     كنا باستمرار نرقب الغزلان( ماعز الجبال) قطعانا تسرح من اعالي الجبال نحو مياه ريشين لتروي ظمأها، كان العسكر في الربايا المحيطة وخصوصاً الضباط يوقعون ببعضها بالقناص، اتذكر احد الضباط بعد ان يجهز عشائه من لحم تلك الحيوانات البرية، يبعث مراسله الى بيوتات المسيحيين ليشتري له المشروبات الروحية، لاحقا انتبهت الحكومة فاوعزت بمنع صيد الغزلان خصوصاً في أوان تكاثرها.

 
احدى قرى نيروا و ريكان
     في عام 1980 شرعنا بفتح الطريق الى بارزان من بالندة فاقمنا جسر مؤقت لعبور المكائن سميناه جسر( شمدينان) على اسمه القديم، ولكن الحكومة غيرت الاسم الى جسر( خالد) لضيق افقها وشوفينيتها:

من اليمين كاتب السطور مع عمال شركة فرانك- ﭙايل
     في الطريق الى بارزان مكائن مطمورة او مغطاة بجذوع الاشجار من ايام الحركة التي شقت طريقاً ترابياً الى منطقة سوران، وكذلك دواب سائبة شاردة على شكل مجاميع نراها باستمرار تقترب من ضفة النهر. الشقيق الاكبر لمصطفى البارزاني هو الشيخ احمد ويطلق عليه( خدان بارزان) لاحمد البارزاني احترام يفوق الوصف، لقد دخلت قصره عندما وصلت طلائع مكائننا بلدة بازان القائمة انذاك ولكن الفارغة من اهلها تماماً، يحيط بها العسكر من كل جانب:

انا والمهندس فاضل عباس ( كربلاء) داخل قصر الشيخ احمد البارزاني
     ونحن عند ذكريات بارزان، نرجع حوالي سبعين سنة الى الوراء لنقف عند عام 1943 حيث اندلعت الحركة الكردية بقيادة الملا مصطفى البارزاني، هجمت الحركة بقوة في تلك المنطقة الجبلية الحصينة على مخافر الشرطة فسقطت الواحدة تلو الاخرى، باستثناء واحدة عجز البارزانيون عن اقتحامها، ولكنهم لجأوا الى مدافع غنموها في معارك سابقة، فدكوا مبنى المخفر ودخلوا ليأسروا من في داخله، وعلى رأسهم مسؤوله المفوض عيسىى اسحق ﭘولا، سيق ﭙولا الى البارزاني فاستجوبه هكذا:
البارزاني: لماذا قاومت بضراوة، الم تعز عليك الحياة؟
المفوض: نعم عزت علي حياتي، وتذكرت أسرتي،  ولكني امين على واجبي، اؤديه على اكمل وجه.
البارزاني : الى اية عشيرة تنتمي؟
المفوض: لا انتمي الى عشيرة، بل انا من بلدة اسمها القوش قرب الموصل.
البارزاني( يربت على كتفه) : اهالي هذه البلدة مشهود لهم بالشجاعة.
هذه القصة رواها ريحانه شليمون من بيديالي- شيروان، الى المرحوم الياس حنو الذي التقى به في مقر البارزاني عام 1964 وهو يسأل اي ريحانه عن صديقه في الشرطة عيسى اسحق بولا، يذكر ان ريحانة ترك الشرطة والتحق بالحركة الكردية ورافق البارزاني الى الاتحاد السوفيتي للفترة من 1947- 1958 ثم عاد والتحق بثورة ايلول حال اندلاعها عام 1961.
     في كلي بالندة كان الجبليون يفترشون منتجاتهم الزراعية والحيوانية على قارعة الطريق، ليشتري العمال والمارة، اما ايصالها للمدن فكان كمن يصعد الى الجلجثة من كثرة نقاط السيطرة الى التفتيش والابتزاز فكانوا لا يجازفون بايصالها حتى الى العمادية، ومن منتجاتهم الجبن( جاجك) المعبأ في اكياس جلدية( درفه)، الجوز، البلوط، التفاح، العنب، والزعرور والحبة الخضراء( كزوان) ....الخ .


ديري و كوماني
     شرق العمادية تقع قريتان مسيحيتان، ديري عند اقدام الجبل وكوماني جنوبها، في ديري كانت تجلب انتباهنا حفرة مخروطية الشكل عميقة، كان الأهلون يقولون انها نتيجة قصف جوي لطائرات نظام البعث في فترة الاقتتال 1974- 1975، ايضا كنا نقف تحت تلك الاشجار الوارفة المظللة لنشتري ما تنتجه بساتينهم وكرومهم وحقولهم من روائع منتجاتها، وقد تترك ابتسامات بائعيها من الجنسين، انطباع لطيف يبقى في الذاكرة. في كوماني حضرت افتتاحاً مهيبا لاحدى كنائسها، وبحضور القاصد الرسولي، وجمهور غفير من اهالي المنطقة، خصوصا من قرى صبنة، علماً بان قسيس القرية ربان( حاليا مطران) قد اهداني الصورة التي اقف فيها بجانب القاصد الرسولي، وقد كتب خلف الصورة ما يلي: الجمعة 21- 7- 1978 افتتاح كنيسة كواني، من القس ربان الى الاخ نوئيل المحترم في 3-4- 1979:
 
     كان التلفزيون يعذبنا لان التقاط المحطات كان نادراً، وباستمرار نرسل عمالاً ليرفعوا سارية الهوائي فوق مرتفع قريب، بعض الاحيان نستقبل الصورة ثم تختفي ليصحبها اهتزاز وصوت دوي فنسرع الى اطفائه، حتى كان يوما فسقط المرسل بسبب الظروف الجوية، ولكن فجاة ظهرت الصورة التلفزيونية جلية، فذهبنا جميعا وثبتنا السارية في المكان الجديد فاستمتعنا بعض الشيء في نأينا عن المدن وصخبها، ولكننا توصلنا الى نتيجة بان تحت سطح تلك البقعة عناصر كيماوية مشعة، تستقطب موجات الاثير لتنور تلفزيوننا الفقير! .
     صيف 1979 صادف شهر رمضان المبارك، وقد عانيت كثيراً ففي اليوم الاول لم يكن الطباخ كمال قد جهز الغذاء فاستفسرت عن السبب فقال" اس بروجيما سيدا" اي صائم، قلت ان ذلك لا يشملني، ثم اوعز اليه المهندس جمال ان يطبخ لي وللمهندس محمود والمساح برهان كل يوم، ايضا كنت كلما انزل الى مواقع العمل ارى الصائمين وقد غطوا وجوههم باليشاميغ، وبصعوبة كانوا يجيبون عن اسئلتي بخصوص العمل، حتى بلغ بي الحال ان اقرر بيني وبين نفسي ان اصوم رمضان، ولو لأيام كي اتعرف على معاناتهم او مشاعرهم، هكذا جلست في صباح باكر من صباحات بالندة الحارة، وسحرت مع زملائي فوق سطح غرفنا، وقد اجتاحتهم المفاجاة والفرحة معاً وانا بينهم صائماً، فامضيت نهاري الاول لا اقابل العمال الا نادراً وبالاحرى لا استطيع ان اتكلم كثيراً، وانتابتني حالات انفعال كتلك التي اشهدها من الصائمين كل رمضان، لذلك آثرت الابتعاد عن ساحة العمل، وقضيت ساعات من النهار اغسل في مياه الريشين المثلجة، هكذا عشت حال الصائمين. في تلك الايام لم يكن هناك مدفعً يطلق للتذكير بالفطور، بل كان يرتقي مرتفعاً، عامل من اهالي بيرفكان، نسميه الملا، فيطلق صوتاً جهورياً معلناً أذان الفطور، فكان اندفاعي شديداً لاشرب انواع العصير التي جهزت بعناية خاصة وذوق رفيع.
 

من اليمين : عمر بادي، نوئيل دمان، حمدون( من الموصل)

     كنت امر كل اسبوع بالطريق الممتد من العمادية مرورا ب ديري وكوماني، ثم سركلي، ديرلوك، شيلادزي، شيف ݘنار، حتى سوري. في شيف چنار اتوقف قليلا، تلك قرية صغيرة قرب مجمع شيلادزي، عندما استفسرت عن معناها، فقيل نسبة الى چنار(الدلب) والتي هي  شجرة خضراء باسقة وارفة مكللة بالاوراق على شكل يد مخمسة، شجرة الدلب عظيمة ولها ظلال واسعة ارتفاعها تصل 50 مترا وتتحمل الحر والجفاف. عقدت العزم ان اسمي ابنتي البكر بذلك الاسم، بعثت الاسم الى زوجتي في مستشفى الولادة بالموصل، هكذا شرع بعض اصدقائي الكرد يدعونني أبا ݘنار، ولكن لم تتحقق امنيتي، فعند ولادتها في 18- 8- 1980 سجلت( لينا بدل چنار) وقد حدث معي في عام ولادتي شيء مماثل، حيث تغير اسمي المقترح نبيل الى نوئيل في سجلات النفوس، هكذا ازدوج اسمي فأربكني واربك معارفي.
     كانت السيارات الحكومية ومنها السيارة المخصصة لنقلي، لا تعبر السيطرة بعد الخامسة عصراً، نظرا للظروف الامنية، كنا نضطر الى تجاوز السيطرة عن طريق ترابي بديل واحيانا تنطوي المسألة على المخاطرة، فمثلا سيطرة دهوك- سميل- الموصل كنا نذهب الى حافة الجبل عند قرية( زاوا) ونلتقي مع الشارع العام قرب آلوكه. في احد الايام لم تسمح نقطة سيطرة القدش( بين اينشكي وسولاف) بالمرور، اضطررت ان ابيت ليلتي في كمب مشروع طريق( دهوك- العمادية) وما ان علم العمال بوجودي بينهم حتى اقبلوا للسلام، وتقديم ما توفر لديهم من العشاء، ثم بدأوا يغنون اغاني قومية لا تسمح بها السلطة اذا تناهى ذلك الى سمعها، فتلحق أذاها دون وازع او ضمير، رايت نفسي مندفعاً، اغني معهم خصوصاً الاغنية الشهيرة آنذاك( ملّتي ما نا مرا... هر ديبيتا ماسترا) اي لن تموت القومية بل ستغدو اكبر. وبهذا النشيد الممنوع، اختتم ذكرياتي عن بالندة قبل اكثر من ثلاثين عاماً.

ناحية ديره لوك
 
 
بساتين كاني ديري شرق العمادية
 

 
كوماني وخلفها من بعيد قلعة العمادية

nabeeldamman@hotmail.com
April 8, 2011



193
المنبر الحر / القوش مُهجة العين
« في: 18:22 23/03/2011  »
القوش مُهجة العين

نبيل يونس دمان
     بعد فراق قسري للبلدة التي أنجبتني وربتني وعلمتني، انساناً شق طريقه في الحياة الذي احاطته الصعاب، شأني شان اترابي من ابناء جيلي الذين عاشوا تقلبات العراق السياسية، وتجرعوا موجات الحروب وضراوة الجوع ومرارة الهجرات، ذلك قدرنا الذي مهما كان علقماً علينا جرعه، هكذا عدت الى احضان القوش بعد رحلة امدها 28 عاما طويلة في كل المقاييس.

القوش من موقع( قرزي) .... بعدستي
      كنت احلم ان انزل اليها من الجبل، او اصعد من الموصل، لكن الظروف شاءت ان آتي اليها من اربيل عبر طريق طويل نسبياً، وحال استدارت السيارة حول مفرقها ودون ارادتي ساحت دموعي، فانتبه قريبي صباح جهوري الذي اقلني، فقطع حديثه ليشاركني عمق مشاعري وآلامي.
     حال وصولي الى بيت عمتي وبعد استراحة قصيرة طلبت من اولادها مرافقتي للتجوال سيراً في ازقة البلدة، وصولا الى بيت أبي الذي لم نعد نعيش فيه، فاكتحلت عيني برؤية البيت الذي عشت فيه قرابة ربع قرن بفرح وطلب العلم من مدارس البلدة، لن اطيل عليكم كثيرا  فقصدنا نادياً يرتاده العشرات، وصرت افاجئ الجميع بالسلام عليهم وباسماء غالبيتهم المقاربة اعمارهم لي، وكأنني قد غادرتهم لاشهر وليس لعقود.
     في الايام التالية صرت ازور مزيدا من الازقة والساحات والاسواق والكنائس والاديرة، حضرت قداديسا في كنيسة مار كوركيس العتيقة وكنيسة المار قرداغ، زرت المطرانية وزرت مقرات الاحزاب في البلدة وزرت ايضا مدير الناحية وقائمقام تلكيف. لقد طرأت على البلدة تغييرات جمة، وهناك احياء كاملة كانت في السابق اراض زراعية، كما طال الخراب عديد من بيوتها القديمة في كل احيائها، رغم ذلك شاهدت البلدة تتدفق فيها شرايين الحياة بعنفوانها، كم كانت منطقة ( خووشا، ورومه د جنقا) في غرب البلدة جميلة باشجارها وشارعها الملتوي الى دير الفادي حديث الانشاء، لقد كانت مبادرة العزيز صباح توماس( ابو ليلى) رائعة وبمساعدة الاهالي لاستحداث منتزه يطرب له القلب وتنتعش به النفس، وكم كانت فرحتي كبيرة وانا ارى تلامذة المدارس في صباحات البلدة الرائعة، وهم يحملون كتبهم الى مدارس البلدة اوكليات الموصل في اوقات حرجة وصعبة للغاية، من الظروف الملابسة لتلك المدينة الأُم.
 

منظر غروب الشمس في القوش- شباط 2011
     حضرت مناسبة كبرى ومتميزة في مرافقة جثمان الخالدين توما توماس وزوجته الماس زلفا الى مثواهم الاخير في بلدتهم، ليمتزج جسميهما باجساد ابائهم واجدادهم، الذين سلموا راية الاباء من جيل لجيل، حتى انتزعها البار توما توماس ليحملها الى الذرى. في تلك المراسم التي يعجز القلم عن وصفها، التقيت بالعديد من المعارف السابقين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: عزيز محمد، توما القس( ابو نضال) صبحي خدر( ابو سربست) هاشم العناز( ابو جاسم) بنيامين حداد وغيرهم.
 
حبيب يوسف( جيجو) مع الرفيق حميد مجيد موسى

 
من اليمين يونس رمو( ابو اذار) عبد الجليل زلفا، كاتب السطور، سمير توما توماس، جنان يوسف جهوري

     وحضرت امسية شعرية في الجمعية الثقافية فالقيت احدى قصائدي، واستمعت الى عدد من الشعراء من داخل القوش ومن خارجها، عبق الجو بكلماتها ونظمها. كذلك امضيت عدة ساعات في الجمعية الثقافية الكلدانية، وقد احاط بي الشباب من كل جانب فكان ذلك مبعث سروري. وكان لزيارتي الخاصة الى محلة اودو وقعاً شديداً على نفسي، فزرت البيت الذي ولدت فيه قبل قرابة الستين عاما، والذي عاش فيه رئيس القوش ميخا دمان، يقابله بيت جدي لامي الذي هو الاخر يتحدى الزمن ببوابته والكتابة والزخارف على اعمدته الرخامية، والذي فيه عاش البطريرك المعروف مار يوسف اودو. كذلك زرت ضريح النبي ناحوم وشهدت الحالة المبكية التي فيها، وهو آيل للسقوط وقد سقط بالفعل جزء من سقفه، لكن مع ذلك يشمخ طوال الازمنة الصعبة التي رافقته منذ عصور سبقت ميلاد المسيح وحتى يومنا، وفيه نرى ضريحه مغطى بالناؤس الاخضر وبكتابات عديدة باللغة العبرانية في بقايا جدرانه.

بوابة بيتنا القديم في محلة اودو


 
في هذه الغرفة ولدت 13- 11- 1951

     كذلك زرت قرية بهندوايا التي كانت وما تزال بمثابة مصيف اهالي القوش وغيرهم، هناك رأيت آثار الملكة الآشورية( شيرو) الشاخصة الى يومنا هذا بعد ان قطعت مسيرة آلاف من السنين، ولكن أحزنني توقف الماء في طواحينها فاضحت مهجورة يابسة وكأن الدمع قد جف في مقلتيها، فراق الزمن القريب، عندما كان ماءها يتدفق ليدير دولاب الرحى، يا ايها الرحى الذي كنت مترنماً مع دوران دولابك، وخرير مائك، وشدو أطيارك، وميس أغصانك، هل يعود الماضي لأخبره ما فعل الحاضر!.
 
من اليمين عمتي حبوبة، كاتب السطور، جميل بلو، سلو لاسو ثم زوجته
          زرت دهوك بعد عبور طريق اقصر من السابق بسبب بحيرة السد، هناك التقيت زملاء قدامى منهم المهندس توما اوشانا، رئيس جامعة دهوك الدكتور عصمت محمد خالد، ومدير الطرق الاسبق الشيخ مأمون نور محمد الذي زرته في بيته فاحسن استقبالي وتبادلنا الاحاديث والذكريات الاثيرة على النفس من نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، اما زيارتي لأغا المزورية الصديق ابراهيم علي الحاج ملو، فلم اوفق نظرا لحالته الصحية.


مع رئيس جامعة دهوك


 
مع الصديق الدكتور امير عبو هيلو

     ليلة الثالث من اذار طلب سلام تومكا، صديق الجيرة والنضال مصاحبته وولده في الصباح الى مدينة الموصل، لم اخف ترددي ومع اصراره قررت النزول وانا احمل هوية عراقية صادرة عام 1980 الى مدينة الرعب التي شهدت في السنين الماضية ذبح الابرياء من مختلف الملل والاديان، خصوصا الاقلية المسيحية المسالمة التي تلقت ولا تزال اقسى الضربات، هكذا نزلنا وعبرنا القرى والبلدات: الشرفية، تلسقف، باطنايا، تلكيف، ومع وصولنا الى مثلث الطرق شاهدت حياً جديدا عامرا قد بني في فترة غيابي الممتدة من عام 1982- 2011، ومع انحدار السيارة الى منطقة الرشيدية جلب انتباهي سوراً موازيا للشارع من الشرق فسألت عنه، فقالوا انه السور الذي بناه المقبور صدام ليحيط مساحة من الارض الغنية بالآثار وليبني قصور لهو وعبث كما كان يتصرف بأية بقعة من العراق وكأنها ملك والده... سرحت السيارة الى حي الجامعة، شاهدت جامعتي التي تخرجت منها عام 1976 وكيف تآكلت من عاملي الزمن والاهمال، فرحت لكون مبنى كلية الهندسة والعلوم والاقسام الداخلية والملعب ما زالوا قائمين، كذلك شاهدت محطة الوقود قرب ملعب الجامعة تلك المحطة التي كانت عماد تعبئة سيارات النقل في بلدتي وغيرها، لا زالت شاخصة، وقد آلمني سيل المركبات في طابور لتعبئة الوقود. لا اكتمكم كثافة العسكر في كل المناطق التي مررنا بها وكذلك السيطرات ونقاط التفتيش، ثم توجهنا الى منطقة الفيصلية الاقرب الى قلوبنا في الموصل كون فيها كراجات قرانا وفنادق يمتلكها ناطقين بلساننا امثال فندق: خننيا، فندق ثامر، وفندق خوشابا( نسيم الزهور)، كذلك نزلنا امام المحل التجاري الذي كان يملكه الاخوان هندو و حنا اسمرو والذي كان مقفلاً، بعد ان اوقفنا السيارة في احد الفروع، وفي تجوالنا كنت اقول لسلام لنعد الى السيارة قبل ان يلصق بها شيئا!! فكان يبتسم غير مبال، ويقول لو كان هناك خطر عليك ما اصطحبتك، واخيرا قفلنا راجعين عن طريق محاذ لدجلة الخير عبر الغابات الجميلة التي كان المرور فيها قليلا في تلك الساعة، عند نفق الجامعة اوقف صاحبي السيارة امام مكتب الديري للسياحة، هناك استقبلنا بحفاوة صاحبه اسامة احمد، روينا ظمئنا من ماء نينوى العظمى، وتبادلنا الاحاديث الودية خصوصا بعد معرفتهم باني قادم من اميركا واخذ احمد يسأل عن صديق لوالده يعيش في مشيگان فكتب رسالة قصيرة حملتها معي. انهينا رحلتنا الى الموصل التي ستزول عنها تلك الغمامة ان شاء الله، فتصحوا من جديد لتلحق بالمدن الاخرى، ولتصبح في مقدمتها، وهي مدينة التاريخ والعلم والربيعين. في تلكيف توقفنا لأمعن النظر في تلك الازقة الضيقة والبيوت المبنية من الجص والحجر منذ عشرات السنين، تتحدى الزمن في بقائها الى اليوم، وقد زرنا بيت المغني ساندي الريكاني( ابو يوخنا) فاسترحنا عندهم لفترة وجيزة.

 
في قضاء تلكيف الحبيب
 

 
امام مكتبة سفر الياس صفار

     القوش يا مهجة العين والفؤاد، قضيت عمري أناجيها، اخاطب شيبها وشبابها، احلم بأديمها، كل مرة كنت اصحو على سراب، فلا القدمان تطآنها ما زال مخيما عليها والبلاد طاغوت العصر، حتى زال مخلفاً ورائه الفوضى والخراب، الحيرة والارتباك! . آه يا القوش الممتدة من آشور حتى عصر الالف الثالث الميلادي، ان نارك تضطرم في داخلي، وبين جوانحي الجوى، لن آسف على عمر مضى، بل امنيتي ان اختمه فوق ثراها، بجانب من يرقد من سلفها الطيب. اتمنى ان ارى القوش على مدار الاوقات، متطورة، هادئة، سعيدة، تصارع وتتواصل مع الحياة، وان ارى من هجرها كيفاً او مضطراً، ان يشملها بالزيارة او العودة النهائية، كما يعود الطائر المهاجر الى عشه، وكل شيء رهن بالظروف، وتبقى آمالنا معلقة في المستقبل.

 
بيتنا اليوم


 
بيت عمي كامل


 
بيت عمي حبيب


 
.... سنعود الى بيوتنا!

194
نواقيس الخطر توقظ البشرية
نبيل يونس دمان
     لم يكن الزلزال الذي ضرب اليابان في الاسبوع الماضي عابراً، بل سجل علامة بارزة في تاريخ الزلازل، وموجات التسونامي التي اعقبته، عندما زحفت طبقات صلدة وهائلة تحت المحيط، قد تهون خسائر الأرواح والممتلكات امام ما احدثته من تأثير بالغ، يصعب تصوره في المنشآت النووية اليابانية، التي أرجح ان تكون بنيت على سواحل المحيط الهادي، للاغراض السلمية.
     ربما أخطأت حسابات الانسان في بناء تلك المفاعلات النووية على شطآن المحيطات او البحار، وربما ايضا تم ذلك لضرورات التبريد المكثف لمحيط المفاعل، كل ذلك يدخل في الحسابات الفنية والتقنية في بناء تلك المنشآت الضرورية من جهة والخطرة من جهة اخرى، بات الان لازماً للبشرية ان تفكر من جديد في جدوى هذه المنشآت خصوصاً التي تدخل في صناعة الاسلحة والقنابل والصواريخ، والتي تتكدس جيلاً بعد جيل في ترسانات الدول العظمى. بعد موجة المظاهرات التي عمت الشرق الاوسط بفضل الانترنيت واجهزة الاتصال السريعة وما تسرب من اسرار هزت العروش، نشرت في موقع الويكيليكس، بات ضروريٌ ان تعجل هذه المبتكرات العلمية في نزول الملايين الى شوارع كبريات مدن اوربا واميركا وآسيا، لتفتح عيون الجميع الى مخزون الرعب النووي، من اجل ازالته او حصره في نطاق السيطرة المضمونة، والتفكير مستقبلاً وعلى الدوام بعامل الطبيعة القهار، ذلك الذي ضرب شواطئ آسيا قبل عدة اعوام، واليابان هذه الايام التي فيها ستتصاعد موجة تأثيره اكبر بكثير من مفاعل تشيرنوبيل في الاتحاد السوفيتي السابق عام 1986، لقد كان مفاعل تشيرنوبيل قديماً واحدث كل تلك الضجة في العالم لعدة سنوات، والان اتوقع ان يثير ما حدث في اليابان اكثر بكثير من تشيرنوبيل، وما سيحدث لا سامح الله أكبر وأكبر في المستقبل، وربما في بلدان تعيش قرب مفاعلاتها الملايين من الناس.
     امام البشرية قاطبة اليوم امتحان عسير، لتحرك مظاهرات واسعة النطاق، تكبح جماح المغامرين في امتلاك الاسلحة النووية، وعلى البشرية ان تهب كسيل عارم بوجه من يعول على او يمول صناعة الاسلحة النووية واجراء تجاربها في اليابسة او تحت المياه. ان حلم  البشرية الاعظم هو العيش في عالم خال من الاسلحة النووية، يسيطر فيه العلم والعقل معاً على المفاعلات التي تخدم قضايا الطاقة والابحاث العلمية ودرء الامرض، والتي هي الاخرى تتطور وتهدد اعداداً متزايدة من الخلق خصوصاً في البلدان الفقيرة.
     من صميم الجدل القائم يثار السؤال التالي: هل كانت الزلازل تحدث قبل آلاف السنين؟ وماذا كان تأثيرها؟ والجواب هو الأيجاب، كون الطبيعة جبلت او صيرت على سنن لا تخالفها ، بل هي جزء من سرمديتها، فالبراكين والزلازل هي نتاجات عادية من افرازات وحركات او زحزحة طبقات في اعماق الارض، ولكن لماذا تاثيرها على وعي ومشاعر البشرية اشد من السابق، اظن بفضل نقل المعلومات السريع بوسائل متطورة لم تكن في الماضي القريب متوفرة، وبنظري هناك عامل اخر قد زاد من تاثير تلك الكوارث الطبيعية، هو زيادة عدد سكان الارض، فمن 3 مليار نسمة عام 1960، الى 7 مليار نسمة عام 2011، مما حدى بالبشر الى التمدد والانتشار وشغل مساحات جديدة من الطبيعة والتي عندما تتعرض لكوارث يكون التاثير والألم والمعاناة اشده، اي تصبح التكتلات السكانية اهداف باردة امام شدقي كوارثها الماثلة، من حرائق وفيضانات وزلازل وبراكين.
     كما قلنا كان لوسائل الاتصال السريع وفيض المعلومات وحتى الأسرار، تأثير مباشر في الاشهر الماضية ادى الى نهوض شعوب الشرق الاوسط، التي كانت غالبيتها ولم تزل ترزح تحت ظل انظمة توتاليتارية او قروسطية، ان المد الحالي والثورات الشعبية لن تتوقف حتى تصل مبتغاها في ازالة مواطن الاضطهاد والدكتاتوريات في اسيا او افريقيا او امريكا اللاتينية، وبانتظار معلومات جديدة تتسرب ولنقل اسرار تكشف عن مخزونات واماكن صنع وتجارب نووية، والتي تقض مضاجع البشرية، وتهدد باستمرار امنهم وسلامتهم، نحن بانتظار ما تسفر عنه تلك الجهود الاممية، في ارتقاء وعي وعقول خيرة البشر ومبدعيها ممن يحملون فلسفة الخير ومبادئ السلم والمحبة الى مستوى المسؤولية التاريخية،  من اجل سلامة وسعادة المقيمين فوق كوكب الارض من مختلف الاجناس والالوان والاديان والمعتقدات.
    ان الكارثة النووية المحدقة في شعوب جزر اليابان ليست بسيطة، وسيكون لها تداعيات على المستوى العالمي، فتوقظ من ينام فوق هذا الخطر الكامن على شعوب الارض، فالترسانات النووية ليست بعيدة عن غضب الطبيعة، وبالتالي تدفع الشعوب ثمناً باهضا ولأجيال قادمة، جراء التعرض للاشعاعات وتلوث البيئة والاغذية وكل حي وجميل ومدهش على سطح كوكبنا الرائع، باتت بشكل ملح تطرح على العالم اعادة النظر بشكل جدي وجذري في المفاعلات النووية بجانبيها التسليحي والسلمي، اشبّه انفسنا نحن شعوب الارض وكأننا ننام على حافات السيوف او شفرات السكاكين الحادة من جراء الاخطار الجاسمة من المفاعلات النووية، التي لا نعرف اين زرعت، وماذا سيحدث لو أسيء استخدامها، او وقعت بأيدي عابثين او مرضى نفسانيين، او استهدفتها الطبيعة كما حدث مؤخرا في اليابان ذلك البلد الجميل والمتطور من كل النواحي، دعك عن انسان اليابان الشفاف والعامل المدهش في صبره وحصيلة انتاجه الذي ابهر العالم بعد نهوضه من كبوته في الحرب العالمية الثانية، انا فقط اعبر هن هواجسي واحذر مما تخبأه الأقدار من كوارث جديدة تفوق ما حدث في هيروشيما عام 1945، وفوكوشيما هذا العام.
nabeeldamman@hotmail.com
March 16, 2011


195
وداعاً الشماس يلدا ابونا
نبيل يونس دمان
    جذبني الى الشماس الراحل يلدا ابونا( بدو) كلمته القصيرة في حضرة الراحل الآخر توما توماس عام 1994 تخللتها كلمات الاعتزاز بتراث الاباء والاجداد، وكذلك ذكريات الطفولة التي جمعتهم في مدرسة مار ميخا في الثلاثينات من القرن الماضي، عندما كان مديرها الاستاذ الموصلي سعيد ججاوي، ومن هنا ابتدات علاقتي به، في ديسمبر عام 2000 القيت كلمة ترحيبية بقسيس عين سفني( الشيخان) مطران القوش الحالي مار ميخائيل مقدسي وكان الشماس حاضرا وعند نزولي من المنصة طلب مني الكلمة، فاعطيتها له على الفور، ثم توالت زياراتي الى بيته الذي خصص فيه غرفة اشبه بمكتب فيها مجموعة من الكتب واكثرها باللغة الارامية العريقة، وشجرة عائلة بيت الأب( عمون) التي يتسلسل منها فقيدنا، تلك العائلة التي اعطت عشرات بطاركة كنيسة المشرق واضعافهم من المطارنة والقسس والشمامسة على مدى خمسة قرون، وكذلك رأيت في بيته صورته الشخصية وهو بزي المظليين في جيش الليفي في الاربعينات، وكذلك صورة كبيرة ملونة للبطريرك الشهير والمثير للجدل مار يوحنان هرمز( 1760- 1938) ومجموعة من الملفات والاشعار والاوراق فيها الكثير من روائع ما جمعه في حياته وما دونه يراعه الاصيل.
     كنت كلما اتجاوز عتبة داره في مدينة( سترلنك هايت) يخرج لاستقبالي ويلقبني على الدوام باسم( نبو) دلالة الاحترام الذي كان يكنه، وعنده احيانا التقي بزملاء له فيصبح مجلسنا اجمل واوسع. لقد روى قصة اصابته بمرض جلدي في صغره والذي عجز اطباء معروفين في الموصل من علاجه، حتى اوصوا اهله ان يعودوا به الى القوش ليقضي ايامه الاخيرة في فراش بيته، ومن تلك المأساة التي احاقت به اقبل الطبيب الشعبي كوريال اسطيفو اودو( والد أمي) ليجري عليه عملية اخيرة تتكلل بالنجاح ويعيش هذا العمر الطويل الذي بلغ( 88) سنة، قضاها في كنف اسرة سعيدة وبين معارف واصدقاء يحيطون به على الدوام، وفي الكنيسة كان سباقا في خدمة الرب بقدراته في اللغة الارامية وفي آدابها وسجعها.
     لا استطيع في هذه الحالة ان اصف مشاعر حزني على الشماس الطيب من بيت ابونا العتيد، ولا يسعني الا ان اعزي الاكليروس والقسس والرهبان والعائلة والاولاد والاحفاد وكل اقربائه المنتشرين في اصقاع البسيطة، منشدا للجميع الصبر والسلوان، واود القول ايضا باني كنت على مدى السنين الماضية أشير الى إسمه كأحد مصادر معلوماتي التراثية المتواضعة، ولا زلت احتفظ بعشرات الوريقات* التي كان يصورها لي بفرح وطيب خاطر ودعوتي على الدوام الى زيارته، اضافة الى سماعي الدائم لاشعاره وترانيمه الجميلة التي مصدرها ينبوع طقوسنا النهرينية وحضارتنا التي هي ام حضارات الدنيا، فالى المجد والنعيم في نومك الابدي يا صديقي! ايها الانسان المجبول بالعمل والجد والاخلاص.
* صورة لاحدى اوراقه الموجودة في حوزتي:
 
 





nabeeldamman@hotmail.com
January 01, 2011

196
لتكن مطاليبنا واقعية
نبيل يونس دمان

     ما ان سرح خيال احدهم بمنح منصب سيادي للمسيحيين في الحكومة الجديدة حتى دبج البعض مقالات حول هذا المطلب غير الواقعي. صحيح هناك اقليات سكانية في بلدان اخرى وفي ظروف متباينة تبوأت مناصب سيادية منها على سبيل المثال الهند التي اختارت رئيسا من الاقلية المسلمة لعدة دورات واولهم كان ذاكر حسين( 1967- 1969) والاتحاد السوفيتي السابق اختار رئيسه من الأرمن واسمه انستاس ميكويان( 1964- 1965) والشيء بالشيء يذكر عندما زار أنستاس ميكويان العراق استقبله الزعيم عبد الكريم قاسم في بغداد عام 1959م ورحبت به الجموع المحتشدة آنذاك بأهزوجة( ميكويان، أهلا بيك، شعب كريم يحييك).
       اما العراق فظروفه مختلفة، فلا يزال البلد في صميم الازمات، ولا زال على شفير الحروب الطائفية والمناطقية، ولا زال البعض رافضاً واقع العراق الحالي، ومنهم البعثيون الذين يرفعون السلاح وبكل ما يملكون من حذاقة في التخطيط والتنفيذ، يسرحون ويمرحون مختارين الاهداف السهلة ذات الصدى الاعلامي، وموغلين في ارتكاب الجرائم التي لهم موروث سابق فيها( المقابر الجماعية مثالاً) ولهم معلومات استخباراتية ومعرفة في التفاصيل الدقيقة لحياة الناس، وكذلك لهم القدرة على التلون كالحرباء ليس اخرها ركوب موجة الاصولية والسلفية منذ الحملة الايمانية اواسط التسعينات.
     نحن بحاجة الى رمز يمثلنا في الحكومة وسيمثلنا سركون لازار في جلسات مجلس الوزراء القادمة. لقد كان لدينا وزيرين للصناعة وحقوق الانسان فماذا فعلا لوقف نزيف الهجرة او للحد من الجرائم المرتكبة بحق شعبنا، انا لا اشك ابدا باخلاصهم وبمهنيتهم ولكن المسألة لا تحل بالمناصب، بل بتوفير الامان في المناطق الساخنة التي ترتكز اليوم في بغداد والموصل ووقف الهجرة ووقف الجرائم المتواصلة ضد شعبنا بالجهود الذاتية او بالتعاون مع الحكومة او باستمالة عطف واسناد الرأي العام العالمي.
     عندما يشغل مسيحي منصب نائب رئيس الجمهورية او نائب رئيس الوزراء مثلاً، سيكون شاغله الاول العراق عامة: من الامن المتردي، الى مشاكل الفساد المالي والاداري، الى تسريع العملية الاقتصادية، الى ضغوط الدول الاقليمية وتدخلاتها في الشأن الداخلي وغيرها، فانّى له في اختيار الوقت المناسب لطرح هموم شعبه المسيحي، وهل الظروف الحالية الصعبة التي يمر بها العراق تسمح للمجلس ان ينصت اليه، باستثناء عند الاستهدافات المباشرة لشعبنا كالجريمة التي ارتكبت في كنيسة سيدة النجاة، ان مشاكلنا لا ترحل ولا تصدر ولا تجد حلا على ابواب السلطان، بل تحل من داخلنا في الاساس، بتوحدنا اولاً واخيرا.
     انتم ايها السادة منشغلون بهاجس التسميات الذي هو مرض لا شفاء منه، وكذلك بالغنائم التي تحلمون بها، لكن من يجهد حقا من اجل شعبه عليه ان يكون في الطليعة بالصمود والتضحية عندئذ يصدقه الناس وينصتوا اليه، انتم لا تنظرون الى حامل المنصب على اساس كفاءته وجرأته وقدرته على كسب التأييد لمواقفه بل تنظرون الى اي لون ينتمي وبالتالي يرتفع زعيقكم بانه يهمشكم ويفرض الوصاية عليكم، كفى ترديد هذه النغمة النشاز، بكم فقدنا الكثير وباستثنائكم يتعافى وضعنا وتفرض ارادتنا نظرا لما نمتلكه من قدرات التأثير والاقناع، هناك مطلب ايقظ مشاعرنا وان كان صعب المنال لكنه حري بالمناقشة الا وهو ايجاد ملاذ امن للمسيحيين، فعندما صرح الطالباني بانه لا يمانع من قيام محافظة مسيحية حتى سارع الخيرون الى لمّ الشمل وتوحيد الخطاب والاجماع في مجالس واحزاب شعبنا.
    قبل ان اختتم كلامي اربط فكرة الموضوع بقصة سمعتها وانا صغير عندما واظبت الجلوس في ديوان المرحوم منصور حنونا( المتوفي عام 1967) ومما رواه، ان النبي موسى كان يجلس في سوق البلدة فياتي اليه المعذبون ليوصل مظالمهم الى الله، هكذا اوصاه احدهم بحمار لنقل الحطب الذي يجمعه لايام الشتاء القارس، اوعده النبي موسى بان يطرح موضوعه في اول اجتماع له بالرب على الجبل، عندما خاطب موسى الرب عن ذلك الفقير الذي ينقل حطبه على ظهره وانه بحاجة الى  حمار، رفض الرب الطلب قائلاً( يا موسى انا اعرف شغلي) وتتكرر الاسابيع ويلح الرجل على طلبه كلما التقى موسى، وموسى يعيد طرح الموضوع، الى ان قال له الرب يوما اذهب فقد استجبت للطلب مقابل منح جاره حصانا، فشكر موسى الرب وفي اول ظهوره في سوق البلدة جاءه كالعادة الرجل فاتحا فمه منتظرا الجواب، فرأى وجه موسى مبشراً: لقد استجاب الرب الى مطلبك في الحمار الذي سيريحك وبالمقابل اعطى جارك حصاناً، هنا اغتاظ الرجل وتحولت فرحته الى شكوى وتذمر، صارخاً: في اول لقائك يا موسى بالرب قل اني ارفض الحمار ولا تعط لجاري الحصان.
nabeeldamman@hotmail.com
December 24, 2010




197
رحلة بنيامين الثاني  
نبيل يونس دمان
 
 

    رحلة بنيامين الثاني في الشرق عنوان كتاب من تأليف بنيامين اسرائيل جوزف، ترجمة وتحقيق سالم عيسى تولا، صدر في اميركا قبل عدة اسابيع، وصلتني نسخة منه هدية من المترجم، فطالعته من الغلاف الى الغلاف. يحكي الكتاب عن رحلة قام بها المؤلف الى مواطن بني جلدته اليهود في الشرق، منطلقا من ملدافيا( رومانيا) وقد شملت الرحلة بلدان نذكر منها: العراق، ايران، الهند، الصين، افغانستان، شمال افريقيا، وغيرها. يضم الكتاب 43 فصلا زاخرة بالمعلومة التاريخية وبالمغامرة وصعاب الترحال بعيدا عن الاهل والدار، مشيا او ركوبا، في البر او في البحر، في اواسط القرن الثامن عشر، اتصور من يبدأ قراءة الكتاب سوف لن يتركه رغم كثر صفحاته البالغة 435 صفحة من القطع المتوسط الا ويطالعه حتى النهاية، بمتعة نادرة كتلك التي تذوقناها نحن القراء من ادب الرحلات مثل: رحلة المنشي البغدادي، رحلة ريج الى العراق 1820، مهد البشرية- ويكرام، اعمدة الدنيا السبعة- لورانس، اليزيدية قديما وحديثا- اسماعيل بك جول، الموصل في القرن الثامن عشر- دومنيكو لانزو، مغامرات في بلاد العرب- وليم ب. سيبروك، وغيرهما.
     المؤلف وان شئت عزيزي القارئ فقل المغامر الذي تعرض للموت مرارا في تنقلاته، امام تخلف بني البشر وعدوانيتهم التي لا يمكن تحديد بداياتها ولا الى اي مدى تصل تلك الهواية المقيتة او الصفة المتأصلة في حب القتل وعشق التنكيل والتلذذ بمعاناة بني البشر، لقد استرخص المؤلف بنيامين حياته وعلى خطى الرحالة الشهير بنيامين التطيلي في القرن الثاني عشر الميلادي، فركب الاهوال وشق طريقه في الجبال، وسط اخطار ماثلة امامه كل يوم، من اجل الوصول الى بني قومه ودينه وهم يعيشون في صراع مع الحياة ولمئات السنين اذا لم نقل الالاف، اما جيرانهم الاقوياء على مدار القرون فيعتبرونهم من الدرجة السفلى، لكنهم رغم ذلك شقوا طريقهم الى المعالي والنجاح في الحرف والتجارة والحسابات والصيرفة والبنوك بدرجة حازت اعجاب العالم. في كل زمان كان افراد وبدافع الدين او البحث والاطلاع يتفقدون احوالهم ويطلعون على معيشتهم وادائهم لفرائض دينهم حسب كتابهم المعروف بالتوراة. كل ما سبق التنويه به كان في حكم المنسي، ومركون في اوراق باللغة الانكليزية، هنا نهض الاستاذ سالم تولا الغني عن التعريف بنفض غبار القرون عن تلك الاوراق وليسهر طويلا ويتحمل بأناة مهمة صعبة وهي الترجمة التي تضاهي مهمة تأليف الكتاب ان لم تكن اصعب، المترجم حريص اشد الحرص على اضفاء الحقيقة على مجهوداته والتي سماها في صفحة سيرته الذاتية( الهموم الثقافية) وابعاد غيرها مهما كلف الامر، ويمتاز المحقق بالجدية، وقد منحته الحياة طول العمر في عبور الثمانين ومازال في فتوة الشباب كأنه فتى العشرين في انشطته وحسن هيئته وهندامه، كل ذلك لم يكن ممكنا من دون زوجة رائعة هي ليلى موسى شكوانا التي تقف خلفه بهدوئها وثقافتها وكذلك اولاده الاعزاء، اكتب ذلك لانني واظبت سنوات في زيارة هذه الاسرة الكريمة وفي كل مرة كانوا يغمرونني بآيات الترحاب وبالأدب والاحترام، اما وقد صدر هذا الكتاب الفخم والانيق، فقد رفع اسم هذه العائلة المثقفة المحبة للعلم والمعرفة عالياً.
     في الختام ابارك واهنئ استاذي وصديقي وزميل أبي في مدرسة القوش الابتدائية في نهاية ثلاثينات القرن الماضي هذا الانجاز، وكذلك اود ان اخاطب محبي الثقافة ومتذوقي الادب والتراث والتاريخ والديموغرافيا بدعوتهم لاقتناء الكتاب، وسيقتنعون بعد الانتهاء من قراءته اي كنز اقتنوا!
nabeeldamman@hotmail.com
December 18, 2010



198
استحداث محافظة مسيحية في العراق
نبيل يونس دمان

     كلما اشتدت وطأة الارهاب على المسيحيين في العراق، كلما ارتفعت نبرة المطالبة بمنحهم الحكم الذاتي في سهل نينوى، لكن هذه النقطة بالذات كانت موضع خلاف للمهتمين بالامر، الى ان كانت تصل الى التوازن القلق بين مؤيد لهذا المطلب او معارض له، واحيانا كان يترك الامر لما يأت به الزمن .
     اما اليوم فقد اختلفت الصورة، فما ان وقع الحادث الأكبر في استهداف كنيسة أم النجاة، حتى صرح الرئيس العراقي المنتخب جلال الطالباني عند تواجده خارج العراق، بانه لا يمانع من قيام محافظة خاصة بالمسيحيين، عند هذا التصريح تحركت الاحزاب والقوى المسيحية فاقتربت من بعضها وأخذت هذا المطلب على محمل الجد، وعلى الاغلب بعد ان يتبلور بصيغة متفق عليها، سيجد طريقه الى البرلمان العراقي الذي يرأسه الرجل الصارم أسامة النجيفي، وهو من اهالي نينوى ويعرف جيدا ظروف المحافظة ومشاكلها.
    فكيف يجب التصرف، والاستمرار في هذا المطلب، ولحشد الطاقات من اجل انجاحه؟ لا اكتمكم ان ما أثير قد ايقظ مشاعري، بعد ان كنت اعيش احباط مرده استمرار استهداف ابناء شعبي المسيحي الذين هم من القلة المتبقية من سكان البلاد الاصليين، وانهم يُقتلون ويضطهدون بشدة وقسوة منذ سقوط النظام الدكتاتوري وحتى هذه الساعة، لا لذنب اقترفوه، بل لغايات واهداف واجندات، لا يفك طلسمها إلا الباري سبحانه وتعالى.
    اقدّر ان يلقى الموضوع اهتمام خاص من برلماننا الموقر والكتل السياسية، لان اوضاع المسيحيين اصبحت لا تطاق، وباتت في مقدمة اولويات واهتمامات قوى الداخل والمجتمع الدولي، فاذا تطابق هذا المطلب مع برامج تلك الكتل والاحزاب، فربما تكون النتيجة انبثاق محافظة عراقية جديدة تنسلخ من نينوى تلك المدينة العظمى في التاريخ، وقد كانت في سني الدولة العثمانية ولاية لها ثقلها الاقتصادي والسياسي. شاءت الظروف ان يصبح قضاء دهوك التابع لها في عام 1969 محافظة مترامية الاطراف، وفي يومنا هذا ربما تلين الظروف القاهرة عن ولادة محافظة للمسيحيين، الذين يستحقون العناية والاهتمام، كونهم الشريحة الاكثر تظلما في كل الفترات السابقة، وهذه الشريحة هي محط اعجاب العالم في قدرتها على الصمود المزمن امام الموجات البربرية التي استهدفتها، واعجاب العالم ايضا في امكاناتها ومواهبها واخلاقها، التي لم تأت من فراغ بل من جذورها، فهذا المكون هو استمرار لعظمة سومر وأكد وبابل وآشور، وبقاياهم اليوم يعكسون وهج الحضارات الغابرة في وجدان عصرنا الحاضر، وتدرك الدول الكبرى واوربا جيداً مميزات هذه السلالة البشرية، ولذلك لا استبعد انها تسعى لاستقطابها الى بلدانها، فهي رأسمال لا يقدر بثمن، ولا أشك انها درست هذه الحالة جيداً، فسارعت الى تشجيع الهجرة، وفتح ذراعيها لاحتضان المهاجرين الذين انقطعت بهم السبل، وباتوا على شفير الهاوية او الانقراض التام.
    عندما يخطط العراق لمستقبله ويرسم استراتيجه، عليه ان يولي موضوع المسيحيين اهتمام كبير، ويترتب عليه ان يعالج جراحهم العميقة، ويحل مشاكلهم الماثلة للعيان وتأتي في المقدمة: حقن دمائهم، اعادة استقرارهم، ارجاع البسمة الى وجوههم، واعادة الثقة بانفسهم، عليه يجب توفير كل مستلزمات اعادة توطينهم او بما اقترح من ايجاد محافظة خاصة بهم، ويتطلب ذلك دراسة مستفيضة تاريخية وفنية على أعلى المستويات، لدرء اخطاء ولادة غير طبيعية، قد تجلب نقمة اخرى عليهم. على المهتمين بالامر دراسة اشكالات ومشاكل اثنية مستعصية منذ ازمنة بعيدة، تلك التي على امتداد الخط الواصل من خانقين مروراً بكركوك ونينوى وحتى سنجار، لايجاد افضل الحلول التي ترضي الجميع، فيتحمسوا باتجاه انجاح المشروع، لابد من مشاكل كثيرة تعتري هذا السبيل، ولكن لا مناص من ولوج هذا الطريق، الذي بمرور الزمن يصل الى الغاية، التي تستقر بها تلك المكونات الجميلة، وتعيش حياتها الكريمة، فترفد العراق بطاقاتها وخدماتها، ليبلغ الرقي والتمدن الذي لا بد ان يصل يوماً اليه.
    هناك نقطة بالغة الاهمية هنا، وهي ان توحد تلك المجاميع البشرية كلمتها، بدء من مكونات شعبنا واحزابه وكنائسه وطوائفه، ثم باقي الاثنيات خصوصاً من الأيزيدية والشبك فيتكاتف الجميع لتحقيق الغاية المرجوة. ان المحافظة المقترحة ستكون لها بعض الخصوصية التي تاخذ سماتها من حلقات التاريخ، وان شاء الله وبالحكمة والتعقل تنجح التجربة وتزدهر، فتكون ثمارها لعموم العراق وتكون مبلغ سعادة القوميتين المآخيتين: العربية والكردية. يقيناً ان  الوضع الحالي لن يستمر الى ما لا نهاية، بل ستأت اوقات ينعم فيها شعبنا العراقي بالحياة الحرة العزيزة.
    اخاطب الجميع بان يكونوا على مستوى المسؤولية، ربما هذا اخر حظ لبقاء المكون المسيحي في بلده، وهي فرصة لوقف نزيف الهجرة وعودة المهجرين من بلدان الشتات والضياع. ان التطور العلمي الذي اجتاح العالم ليصبح وكأنه قرية واحدة في مطاوي القرن الحادي والعشرين، قد ولّد الانترنيت الذي سيحمل صوتي وافكاري الى كل مستويات المسؤولين، عسى ان يتعاطفوا مع مطالب شعبي في ايجاد ملاذ آمن، وابعادهم وان بشكل موقت عن بؤر الصراع، اقول مؤقتا لان مكان المسيحيين في كل ارجاء العراق عندما تترسخ الدولة وتتناوب السلطة باسلوب سلمي- ديمقراطي، ويعم الاستقرار والبناء كل العراق، ان للمسيحيين اوقاف واديرة وكنائس تاريخية وحديثة في بغداد والبصرة والموصل وغيرهما، ستظل تنتظر عودتهم، وسيعودون اليها آلافا مؤلفة لتملأ باحاتها وهياكل عبادتها التي تعبق بأريج الماضي، وهي مزدانة على مر القرون بالجمال والابهة وخشية الله.
 ايها الاخوة المعنيون بالامر:
 دعونا نستقر فقد تعبنا كثيراً.
دعونا نعمل بحرية وسترون ما يقطفه العراق بأسره من نتائج عملنا واخلاصنا.
واخيرا دعونا نعيش بسلام مع اهلنا واطفالنا على ارضنا وفي بلادنا التي زرعها وعمّرها اجدادنا عبر تعاقب الاجيال والازمان.
nabeeldamman@hotmail.com
December 08, 2010




199
توما دْيري لبيث أريا
قيما بساحِتْ مَر ميخــا     سْيپا بيذِحْ يَريخـــــا
كْمَرِشْ كُل ناشا دْميخا     كْتَبيلِه خْشِلخا شْليخا
**********
مْباقِر إلِّحْ ﭘّثواثـــــــــا     بَرْ قالَه بأَثرواثـــــــا
بِرْ دِتْري نيرَواثـــــــا     دَقلَتْ وﭙْرات خِنواثـا
**********
زَرخا كِليَه لسِنْســـارا     قرايَه قّارِه وبِزمــارا
دارَه كْمَپْشِط تَـــــدارا    توما توماس ﮔبـّـــارا
**********
مدَبرته وهونَه إريـــا     توما دْيري لبيث أريا
خاثه لأخونا قَريــــــا     مْشابِح تا شِمِّد مَريـــا
**********
مْشابِح يا زونا خاثـــا     إمّد كُل عَسِقواثـــــــا
مْطيلْ توما ﭘْكلكلياثــا     لبيث قورِد بَبَواثــــــا
*********
ما حَليثه وجِنديثــــــا     دأرتِد أث كُمْرا لبيثــا
صْيرَه بْلبّي تَنيثــــــا     توما ﭙّايِشْ حُكّيثـــــــا
*********
نبيل يونس دمان
22- 10- 2010
اذا قدر لهذه القصيدة ان تغنى، فلتكن على فم المطرب الشاب رافي وليد تولا.

200
ضحايا سيدة النجاة في حضرة الرب
بقلم نبيل يونس دمان
     هزت العالم جريمة مقتل العشرات من المسيحيين  في كنيسة سيدة النجاة ببغداد العاصمة، وفي مقدمتهم اثنان من الكهنة الشبان، ان الحدث بمستوى تفجير مسجدي سامراء عام 2006. لم تذهب تلك الدماء وكل الدماء المراقة على امتداد خارطة العراق هباء، فقد استجاب الرب لها، فحرك قلوب الساسة العراقيين للتعجيل في ولادة الحكومة الجديدة التي طال امد انتظارها، في هذا الخضم جاءت دعوة الرئيس مسعود البارزاني للمسيحيين للتوجه الى كردستان حيث الملاذ الآمن والخدمات، لا يسعني هنا الا ان اشكر الرئيس، وهذا عهدنا به في ايامنا الصعبة التي نمر بها.
     اما رئيس الوزراء السيد نوري المالكي فيطلب من المسيحيين ان يبقوا في بلدهم كونهم من عمق الحضارة، الان وقد تجددت ولايته لدورة ثانية نقول له ولغيره من مسؤولي الدولة العراقية في كل مفاصلها وهم في حلتهم الجديدة بعد التطورات الواعدة، ان امامهم المسؤوليات التالية:
1- البحث العميق في كيفية تحول العراق السريع الى بلد آمن ومستقر ومرفه، لمواطنيه عامة وللمسيحيين خاصة كونهم سكانه الاصليين.
2- الانتباه الى مطالب المسيحيين وفي مقدمتها تقديم الخدمات لهم في بلداتهم وقراهم واماكن تواجدهم، وابعاد ذوي النزعات الشريرة والعنصرية من اماكن تجمعاتهم، علما بانهم يرتبطون تاريخيا بأوشج العلاقة مع مكونات شعبنا الاخرى من عرب واكراد وتركمان وشبك وأيزيدية.
3- ايجاد عمل للعاطلين منهم وذلك بقيام مشاريع عمل متنوعة، واشغال وظائف في كل مؤسسات الدولة، وجعل من يقودهم ويمثلهم ينتخب ديمقراطيا.
4- الحفاظ على اثارهم بل البحث العميق عن اثارهم المدفونة في الارض وما تتكلم به كتبهم التاريخية والتراثية الباقية منها وما اودع في متاحف الغرب، وترميم دور عباداتهم التي تضررت في السنين الماضية.
5- المسيحيون هم بوابتكم الى العالم، في الايام الماضية كنتم شهودا بان العالم حبس انفاسه وكتم غيظه تضامنا مع ضحايا كنيسة سيدة النجاة في الكرادة، وقد وقعت الجريمة  مع سبق اصرار الارهابيين وتهديداتهم المتواصلة في استهداف هذا المكون الاساسي للشعب العراقي.
6- لا تدعوا حماسكم يفتر مع انتهاء الحدث بل بالاستمرار في التضامن معهم ومساعدتهم خصوصا في امور قانونية وقرارات دائمية تستمر الى عقود من السنين وبذلك تضمنون مستقبل العراق في ان يجد مكانه اللائق بين الامم.
7- حين يتحدثون عن الفتنة بين المسلمين والمسيحيين فان كان المقصود على الساحة العالمية فهذا بحث اخر، اما اذا كان يقصد داخل العراق فالكلام انشائي وخيالي على الاطلاق، المسيحيون اقلية ضئيلة ضامرة مستضعفة طوال قرون فكيف تكون طرف في فتنة او صراع مع المحيط المسلم بسلطاته، باعلامه، بميليشياته، ارجو ان لا يتكرر هذا الكلام الذي لا يصدق به حتى الصبيان.
 8- هناك موضوع هام جدا وهو تضمن الخطاب الديني المس بمعتقداتهم ونعت المسيحيين بشتى النعوت، من صليبيين الى اولاد الخنازير الى كفرة ومشركين وغير ذلك، كل ما مر يشجع الجهلة والمشردين في الازقة لايذائهم ومضايقتهم واستهداف حريتهم، يتطلب التحرك السريع لمتابعة الخطب الدينية الموجهة من المنابر واجهزة الاعلام والنشريات ليس فقط منعها  بل معاقبة مثيريها.
9- ان المسيحيين بينكم كالورود النضرة في كل ما للوصف من معاني، فلا تجعلوا هذا التنوع يزول واذا زال فلن يرجع ابدا، وحينها تصبحون بمفردكم في مواجهة الاعاصير التي تبتغي اجتياحكم. ان مصلحتكم الحقيقية في بقائكم وتسليم المجتمع المتنوع الموروث الى اجيالكم القادمة هو في المحافظة على الاقلية المسيحية المتبقية، قبل ان تنقرض كما انقرضت قبلها الطائفة اليهودية قبل حوالي النصف قرن.
10- هناك ممثلين للمسيحيين في البرلمان العراقي وفي برلمان كردستان، وفي مجالس بعض المدن، يتطلب في كل مراجعة او اجتماع السماح لهم بعرض اوضاع المسيحيين، فتنصتوا لهم في جوارحكم وتستجيبوا ما امكنكم ذلك الى مطالبهم، وبذلك تضمنوا ليس بقائهم فحسب بل عودة معظم النازحين بسبب الاحداث الى وطنهم الحبيب للمساهمة بكل طاقاتهم في بنائه وايصاله الى الذرى كما تستند اليه قاعدته الحضارية التي ينحني امام عظمتها عالم اليوم.
في الختام، هذاغيض من فيض، لجلب انتباه الحكومة الجديدة والشارع العراقي والوسط الثقافي لما يعانيه المسيحيين، مع تطلعهم الدائم الى الاستقرار والحرية وتقدم العراق نحو الازدهار والسعادة لكل مواطنيه.
nabeeldamman@hotmail.com
November 12, 2010



201
المنبر الحر / خلق الكون
« في: 13:40 07/09/2010  »
خلق الكون
نبيل يونس دمان
     مسألة التفكير في خلق الكون قديمة قدم الدهر، فبقدر ذرات الرمل توجد النجوم، هنا اتسائل: لماذا وجد الخَلق فوق ذرة واحدة هي الارض؟ . الارض في المجموعة الشمسية( لنترك جانبا فكرة تعدد الاكوان) ألم تتوفر ظروف مشابهة في عدد لا يحصى من النجوم والاجرام فتكون هناك حياة اخرى قد يكتشفها قاطنوا كوكبنا في زمن ما؟.
     عمرعالم الفيزياء وعالم الاحياء والكيمياء والتاريخ والاجتماع والفيلسوف قصير على الارض، فما ان يستعد ويمضي قليلاً الى الامام في ابحاثه حتى تشرف حياته على الانتهاء( اكثر احتمالا يعيش بين 70- 100 سنة) لو قدر للانسان ان يعيش كما عاش سيدنا نوح وغيره من الاقدمين( اكثر من 800 سنة) ربما تسنى له اكمال ما بدأه بالرضا والسرور.
      اذا اتفقنا جدلاً مع العالم البريطاني المقعد( استيفن هوكينغ) بان الكون نشا من تلقاء نفسه لاصبح العالم في فوضى. ان فعل الاديان على الارض يعادل فعل اضعاف جيوش العالم واضعاف ترسانة السلاح واضعاف اعداد السجون، الاديان هي العازل الضروري بين النظام والفوضى، فاية محاولة بشرية لقلع فكرة الاديان من العقول تتطلب جهود مئات من السنين القادمة، والتي اشك في تحقيقها ايضا.
nabeeldamman@hotmail.com
Sep. 6, 2010

202
منتزه البطل توما توماس
نبيل يونس دمان


 

ناو زنك 1980

       ها ان حلم محبوا قائد الأنصار، بطل مقاومة الظلم لعقود مديدة من قرننا الماضي، يتحول مع الزمن والصبر والاناة الى حقيقة، بعد ان دشنت اساسات كونكريتية متينة على ارض هي مدخل البلدة التي انجبت توما توماس وقبله رجال لم يطوِ الزمن ذكراهم في البسالة والذود عن كل ما هو مشرّف على مدار القرون، في تلك الارض الطيبة سيشمخ نصب تذكاري لذلك المناضل الذي تتحدث عن بطولاته اجيال من الثوريين العراقيين، ومن مختلف الاديان والقوميات والمناطق، سيقف على تلك الارض الصلبة تمثال رجل ظهيره جبل اشم ووجهته كل بقعة من بقاع الوطن المتسعة لحدقات عيونه، سيظل توما توماس هكذا والى الأبد ينظر بحنو الى وطن النهرين والى مدنه وقراه التي في استقرارها وازدهارها يتحقق امل كل العراقيين من زاخو حتى الفاو.
     عندما ينتصب تمثال الراحل، وتستوي الارض وتورق وتزهر بكل ما أوتي واضعوا ومنفذوا الفكرة من ابداعات ومباهج وتحف تدخل البهجة والافتخار بذكرى رجل عاش بيننا وضحى بكل شيء من اجلنا، الجميع مدعوون للاسهام في دعم هذا المشروع، وكل من احب الرجل وسلك دربه في وقت من الاوقات، وفاء له ولافكاره القويمة. على فناني شعبنا الاسهام بافكارهم الفنية، وعلى مهندسي التصميم، واخصائيي التربة والزراعة، وعلى المناضلين حملة راية توما توماس( وطن حر وشعب سعيد) ان لا يبخلوا بمقترحاتهم، وحصيلة خبراتهم، ليتحول المكان الى حديقة غناء، ومكان يلتقي فيه قدامى الانصار والعوائل والطلبة والشباب والعمال والمزارعون، وكل زائر يقصد البلدة التاريخية العريقة. اهيب بكل احزاب ونوادي ومنظمات القوش المختلفة ان تشترك جميعها في انجاح المشروع الذي في اساسه نقلة نوعية للبلدة التي اهملت طويلاً، وهي آهلة بالغر النشامى من ابنائها، تضرب جذورها عميقا في التاريخ، والتي ينتظرها مستقبل مجيد كالامجاد التي سطرها توما توماس وغيره من شجعان البلدة وعلى مر العصور من علمانيين ومؤمنين، ومن رجال الدين ينتظر دورهم في إنجاح المشروع، وليتذكروا باستمرار ان توما توماس كان يجلهم ولا يتفوه الا بعقلانية واحترام عندما يجري الحديث عنهم.
     اتوقع من العوائل التي وقف بعض ابنائها بالضد من توما توماس والتي كانت محكومة بضغوطات السلطة، الاوضاع الاستثنائية، وعن سوء فهم وتقدير لانسانية الرجل، عليه اتوقع من ابنائها ايضا المساهمة في المشروع، وسيكون فاتحة مشاريع اقتصادية قادمة وفي بلدات اخرى اساسها المساهمة واستثمار الاموال في الوطن، ولايجاد موارد للعوائل التي تعش الصعوبات هناك، لن تستقر البلدات ولا يثبت الابناء ما لم تتوفر فرص العمل، والاستثمار هو مدخل لاقامة مشاريع اقتصادية وسياحية ودينية، ليتذكر اصحاب الاموال في الخارج بان استثمار اموالهم في الداخل هو الطريق الى ازدهار البلدات والقرى تمهيدا لاستقرارها من فوضى الهجرات الى كل حدب وصوب، اذا اسعفت الظروف ونجحت مثل هذه الصروح ستكون في نهاية المطاف هزيمة تاريخية للفوضى والارهاب وانعدام الخدمات، وكذلك هزيمة لمشروع الاقتتال المستمر وقعقعة السلاح والانفجارات العشوائية المدمرة.
     ان شاء الله ومع حشد الاصدقاء والمناضلين في الخارج والداخل سيكون يوما مشهودا وتاريخيا يوم يكتمل المشروع وتشرع ابوابه لزائريه. ستعقبه ان شاء الله ايضا مشاريع اخرى، منها اقامة نصب لشهداء مقاومة الدكتاتورية، ونقل رفات من توزعت جثامينهم في اراض بعيدة، لتعود بزهو وهيبة الى احضان التربة التي منها انطلقت للحياة فسجلت مآثرها!
     حيا الله مدشني منتزه توما توماس، رجاله في الشدة، احيي كل من ساهم ويسهم من مختلف الاديان والقوميات والمناطق، في مراحل المشروع وسيكون هناك ذكر لكل مساهم. احيي اصدقائي في موقع المشروع وهم يزاولون العمل بهمة ونشاط وهم: نوئيل يوسف مرادو( نوّا) يونس جعفو قوجا( نونو) ألفريد يونس ختي، صلاح اوراها كجوجا، فلاح اوراها قس يونان وغيرهم، في الصور القادمة من مراحل تقدم العمل في المشروع، اتوقع وجوه جديدة ومن القرى المحيطة ومن رجال توما توماس في سني النضال، ومن اصدقائه واقربائه، ومن مسؤولي الدولة والاحزاب، انا متأكد من انهم سيبذلون الجهد اللازم ويذللون كل الصعاب امام انجاح المشروع.
الى الغد القادم والمشروع ينتظر الافتتاح! .
الى الغد الأبعد وتكتمل مشاريع اخرى، في ظل ثبات بنات وابناء هذه البقع التاريخية، في رحاب ارض وموطن الاجداد.
 رغم الصعاب سيشقوا طريقهم الى الحياة الحرة السعيدة.
nabeeldamman@hotmail.com
August 23, 2010

203
المنبر الحر / شاعر القرن وداعاً
« في: 18:46 30/07/2010  »
شاعر القرن وداعاً
نبيل يونس دمان
     في البدء أقر بأنني لست اهلاً ان اكتب مرثية لشاعر كبير، والذي يكفي ذكر اسمه ان يدخل الملايين من المعجبين به في فردوس الشعر، حيث فيض المشاعر، ورفعة القيم، وسمو الادب. لكن حبي الكبير وتأثري المتعاظم منذ نعومة اظفاري بهذا العلم الذي انجبته بلادنا، جعلني اتجاوز ترددي، بل خجلي من ضعف امكاناتي، هنا استرخص جمعكم، ان ألج بقلمي المتواضع واقتحم بصدري الواهي موضوعاً عن شاعر القرن العشرين، محمد مهدي الجواهري.
     لنعرج قليلاً ال بيئة ولادة الشاعر وزمانها، فالنجف مدينة زاخرة بالعلماء والكتاب والشعراء، نابضة بالحياة على الدوام، رغم كل المآسي التي تعرضت لها، والنوائب التي ألمّت بها، هي ام الجواهري، ومن ثديها الدرّار رضع شاعرنا: القريض، والعنفوان، والثورة. كانت ولادته في زمن اشرفت فيه دولة الرجل المريض ان تنقرض من وجه البسيطة، فعندما شبّ الجواهري وتذوق طعم الحياة، واكتشف إلهامه الفطري، ومقدرته على نظم الشعر، كانت الاوضاع في مدينته وبلده غير مستقرة، واذا استقرت فبعد سلسلة من الصراعات تمخضت عن ولادة الدولة العراقية، وتنصيب ملك غريب على البلاد ليتولى مقاليد امورها.
     هكذا وجد الجواهري نفسه في فترة مبكرة من حياته شاعراً للبلاط الملكي، ولكن نفسه الأبية، وبركان الرفض المتأجج في داخله، لم يتركه يترهل ويستكين، بل قلب تلك المعادلة المألوفة في حبّ الجاه والنفوذ لينحاز الى جانب الشعب ضد مستغليه، مطايا المستعمر الغاصب.
     عندما خرج الشعب هادراً في شوارع بغداد العاصمة إثر اندلاع وثبته الخالدة عام 1948، كان الجواهري محمولاً على الاكتاف، يحرض الناس ويؤجج حماسها، وقد فقد فيها اخيه الشهيد جعفر:
يوم الشهيد تحية وسلام
بك والنضال تؤرخ الاعوام

     من العجز ان يغطي اي كان حياة الجواهري الصاخبة ولو بجزء يسير لشمولها وامتدادها وروح التحدي المتأصلة فيها، وكونها مخضرمة عاصرت كل العهود، رافضة للذل والهوان. ولكن باستطاعة محبيه ان يوقدوا الجمرات في مستوقده الشعري، كلما خبت النار فيه، ولتشع كومض البرق، فتشرق وجوه الكادحين، وتلهب ظهور اولئك الذين اوصدوا الابواب امامه، وغيروا مجرى حياته، فوق اديم وادي الرافدين، وعلى ضفاف دجلة الخير:
يا دجلة الخير يا نبعاً افارقه
على الكراهة بين الحين والحين

.. ليعش غريباً منفياً لكنه ويا لخيبة اعدائه، كان موضع حفاوة واستضافة اينما شد الرحال، من براغ الى دمشق وغيرهما، فاللعنة كل اللعنة عليهم وسيلاحقهم العار في كل صفحة من صفحات التاريخ واستحقوا قوله:
انا حتفهم ألج البيوت عليهم
اغري الوليد بشتمهم والحاجبا

     شرفني الزمان ان ازور الشاعر في قصره بدمشق صيف عام 1987، وقد كانت فرصة نادرة تعرفت فيها عليه، واعجبت بقامته المنتصبة، وبمحياه الباسم، وصافحت يدين قويتين، وجلست استمع لما كان يتحدث به، وتذكرت ما قاله بحقه معروف الرصافي في عام 1941:
اقول لرب الشعر مهدي الجواهري
الى كم تناغي بالقوافي السواحر

     ستظل اجيال واجيال، بعد قرن وقرون تدرس ظاهرة اسمها الجواهري، مرهف الحس، موسيقي الاذن، سليط اللسان، نهر من النظم، صافي النبع، لا ينضب مصدره، صان الشعر العربي اصالته وإلتزم بقافيته وموازينه وبحوره، كان استمراراً لشعراء العصور لخوالي، ولعل اكثرهم شبهاً به ويعتبره مثله الأعلى، هو ابو الطيب المتنبي.
     كان المتنبي نفسه منفياً عن بلده العراق الى الشام ومصر، وعندما هاج به الحنين، قفل راجعاً ولقي حتفه فوق ترابه، ماذا تقولون لسلطة حاكمة تسقط عن ابي فرات جنسيته، قبل بضعة سنوات، ولسان حال الجواهري قول المتنبي:
ما نال اهل الجاهلية كلهم
شعري، ولا سجعت بسحري بابل
واذا اتتك مذمة من ناقص
فهي الشهادة لي باني كامل

     لنختتم موضوعنا بتقديم النصح لكل من احب الجواهري وتأثر به، ان يرجع الى دواوينه وكتبه ومذكراته باستمرار. وليكن معنا مهدي الجواهري: في قصص الاطفال، كتب المدارس، مناجاة العشاق، وأغاني الثوار.
حيو الفقيد وكبروا
به العراق يفتخر
خضر الاغصان ترسم
اكليل ورد احمر
على السطوح يكثر
بيض الحمام يهدر
باق شعر الجواهري
عذب الغناء ينثر
دائر مدار الهور
وكل الجنوب ثائر
بغداد فيها وحش
عيناه تقدح شرر
وفي انحاء الوطن
اشعار مهدي تعطر
- مشاركة في حفل تأبيني للشاعر في ديربورن- مشيكان- ايلول 1997.
nabeeldamman@hotmail.com
July 26, 2010

204
ربع قرن على مهرجان الشبيبة العالمي
نبيل يونس دمان


      في الثمانينات كنت اعيش في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بلغت باني في قوام الوفد العراقي المصغر الى المهرجان العالمي للطلبة والشباب في موسكو، ضمن وفد اتحاد شبيبة اليمن الديمقراطي( اشيد) الذي ضم اكثر من مئة شاب وشابة، اما نحن فكنا في حدود (11) زميل وزميلة، وبعد فترة تهيئة جيدة بمحافظة ابين والعاصمة عدن في اقامة فعاليات فنية جلبت اهتمام اليمنيين والجاليات العربية المتواجدة، تقرر سفرنا على متن طائرة الايرفلوت بتاريخ 23- 7- 1985.

 


فعالية قدمت في محافظة ابين

     في الموعد المحدد غادرنا عدن الى القاهرة ومنها الى اوديسا على البحر الاسود ثم حطت طائرتنا في مطار موسكو في الساعة السابعة مساءً وكان الجو ممطراً ودرجة الحرارة 14 مئوية. بعد قليل من نزولنا سلم الطائرة استقبلنا بحفاوة من السوفيت وقدمت لنا فتاة باقة من الزهور، وفي طريقنا للخروج تشاء الصدف ان يكون الوفد الامريكي الى المهرجان في خط مجاور لنا، وحالاً انفصل منه شابين وعرّفا انفسهم بانهم من الاتحاد الديمقراطي العراقي في اميركا وهما الزميلان: مازن و طارق.
 

 
انا و زيد ثابت مسؤول شبيبة أبين على متن طائرة الايرفلوت


     اخذنا المضيفون الى فندق( اوكرانيا) وتمت بعض الاجراءات ثم نقلنا الى فندق( السبوتنيك) المؤلف من 15 طابق، وقد خصص الطابق العاشر لوفدنا، قدمت بعض الهدايا الجميلة، ثم تناولنا العشاء في اعلى طابق في الفندق، في الطابق الارضي اصبحنا نلتقي بالوفود العربية منها الوفد الكويتي، الاماراتي، السعودية، عمان وغيرها وكذلك وفود امريكا اللاتينية منها الوفد شيلي، هندوراس، بارغواي، غواتيمالا، وغيرها.
الاربعاء 24- 7
     غادرنا الفندق في الساعة 9:30 في باص خاص وتوجهنا الى الساحة الحمراء في قلب العاصمة، وفي الحادية عشرة زرنا الجندي المجهول وعلى انغام المارش العسكري وضعنا اكليل من الزهور على ضريحه، ثم نزلنا في قبو يؤدي الى ضريح مؤسس الدولة( لينين) وهو محنط منذ وفاته عام 1924، فالقينا نظرة عليه وكان اعجابنا بالحرس الذي في الباب وفي الدهليز حيث يقفون دون حركة وكأنهم اصنام، عند خروجنا الى الساحة زرنا كنيسة القديس( فاسيلي) وعند حلول الظهيرة وقفنا نشهد عملية تبديل الحرس، مع دقات ساعة الكرملين الثانية عشرة، طرقت الارض بشدة احذية الحرس المتقدم نحوالضريح، وبسرعة خاطفة تبدل الحراس. بعدها دخلنا الى الكرملين وشاهدنا قصر المؤتمرات والمدفع العملاق زنة( 40 طن) وقد صب عام 1586، وكذلك ناقوس كبير في الارض وقد انفصلت قطعة منه اثر سقوطه عام 1735 من احدى قبب الكنائس بسبب وزنه( 25 طن)، واخيرا غادرنا من احدى البوابات بعد ان شاهدنا كنيستين بقبابها الذهبية.
 

 
ناقوس الكرملين

     في المساء ذهبت مع الزميلتين جوان وام اروى الى المسرح( البولشوي) حيث عرضت مسرحية باللغة الروسية واخرى بالايطالية، لم نفهم شيئا لكن العرض كان جذابا وقد كنا في الطابق السابع نستعين بنواظير زودت لنا في الباب، وقد قيل لنا بان تاريخ بناء المسرح الشهير هو 1856. اخيرا رجعنا الى الفندق فتعرفنا على رئيس وفدنا الاخ كمال شاكر( ابو سمير) الذي كان طوال المهرجان كتلة من الحيوية والنشاط، وكذلك تعرفنا على شخصية اخرى قادمة من براغ وهو( ابو عمار). كان استغرابنا كبيراً في تأخر غياب الشمس الى الساعة 10:30 ذلك شيئ لم نألفه من قبل، وقد اخبرنا بان الشمس لا تغيب عدة ايام في مدينة بطرسبرغ حيث تحل الليالي البيضاء!.
الخميس 25- 7
     خرجنا في الصباح برفقة كمال شاكر وابا عمار في رحلة نهرية، بدأت في العاشرة صباحاً وانتهت في الواحدة، حيث قطعنا نهر موسكو على ظهر يخت يسير ببطئ فاطلعنا على معالم المدينة منها الجامعة، والملعب الرياضي، والمكتبة العامة وكنائس قديمة. في تلك الرحلة التقينا بالوفد السوداني وفي طليعته الاخت فاطمة احمد ابراهيم زوجة الشهيد شفيع احمد الشيخ، تبادلنا الاحاديث وكان نظام النميري قد سقط في تلك الفترة( نيسان 1985) فغنوا اغنية الانتصار بحماس قل نظيره، مما ابكى اعضاء وفدنا الذي لا زالت بلاده تحت حكم صدام حسين.
عند عودتنا الى الفندق تعرفنا على كامل الوفد العراقي الذي وصل من عدة عواصم، وفي قوامه العديد من فصائل الحركة الوطنية العراقية.
 

 
وفدنا الى المهرجان

الجمعة 26- 7
     ذهبنا في نهار ذلك اليوم للقاء الكومسمول في نادي الوفود، نزلنا من الباصات ونحن نغني ونرقص، استقبلنا بحماس مماثل ثم بدات تتوالى الكلمات فكانت كلمتنا التي القاها الزميل ابو عمار، ثم شربنا نخب الصداقة وتبادلنا الهدايا التذكارية. تجولنا في النادي والتقينا بمجموعة وفود عالمية واخذنا الصور التذكارية ثم قدمنا دبكة كردية نالت اعجاب الحاضرين، وبعدها غادرنا النادي الى احد المسارح المقامة في الهواء الطلق فاستمتعنا بالعروض وقدمنا رقصة( الهيوا) المعروفة قبل ان نعود الى الفندق.
     في العصر ذهبت مع بعض الزملاء الى نادي الصداقة لترتيب معرض للاعمال الفنية وفي الثامنة تم افتتاح المعرض واستمعنا الى كلمات الوفود التالية: السعودية، البحرين، عمان، باكستان، الاردن، العراق وغيرهم. بعد ذلك ابتدا حفل فني على انغام موسيقى صاخبة، قضينا في تلك الاجواء قبل ان نعود الى فندقنا في شارع ﮔاﮔارين عند انتصاف الليل.
السبت 27- 7
     بعد ظهر ذلك اليوم حملتنا الباصات الى ملعب( لينين) لحضور افتتاح المهرجان، هكذا توجهت الآلاف المؤلفة من شبيبة المعمورة الى ذلك المكان تهتف، ترقص، وتغني ووفدنا لم يكن استثناءً بل كان كتلة من الحماس حتى اخذنا مكاننا في احد اجنحة المدرج. اطلقت بالونات ملونة بكثافة ثم بدأ استعراض الوفود امام منصة التحية ضمت قادة البلد وعلى رأسهم ميخائيل ﮔورباتشوف المنتخب حديثا لزعامة الجمهوريات، مرت الوفود امامنا ايضا ومن تلك الوفود: نيكاراغوا، كوبا، اثيوبيا، سلفادور، لبنان، ثم كان وفد النظام العراقي تتصدره صورة كبيرة للدكتاتور صدام ويضم ثلاث عناصر بالزي الكردي، كان الوفد بائساً لم يصفق له احد، فيما اسمعناه صوتنا وهتفنا مع جارنا في الملعب وفد شبيبة اليمني الديمقراطي، غادر مسرعا ليركن في موقع تحت اقدامنا، ولم ينسى ان يوجه كامراته باتجاهنا بين الحين والاخر وتلك عادته في كل المناسبات.
استغرقت عملية عبور الوفود قرابة ساعتين، ثم القيت الكلمات وكانت ابرزها كلمة الزعيم ﮔورباتشوف وقد علا التصفيق والتلويح بمختلف الاعلام، وبعدها قدمت الفقرات الفنية والرقصات والعاب بهلوانية. دخلت سيارة مكشوفة برفقة دراجات نارية وعلى متنها شاب وشابة( قيل انها ابنة رائد الفضاء الشهير يوري ﮔاﮔارين) وهم يحملون شعلة نارية، وارتقوا محمولين فوق ايادي الجماهير حتى صحن الشعلة الذي اضرم فيه النار ليبقى مشتعلاً طوال ايام المهرجان.
 

 
مشهد افتتاح المهرجان


     احلى عرض قدم عندما دفع هيكل ضخم لنموذج كرة ارضية الى وسط الملعب، فجأة وامام دهشة الجمهور انفلقت الكرة الى خمسة اجزاء( على عدد القارات) وهبطت تدريجيا الى الارض ومن داخلها بانت طبقات الفنانين من مختلف الجمهوريات السوفيتية ، ثم قدموا اجمل العروض الفنية. بعد ذلك ارتفع نشيد الشباب العالمي في كل اللغات( آمالنا المقبلات حشدتنا لنبني الحياة....) متزامنا مع اطلاق اسراب من الحمائم البيضاء من عدة زوايا ارض الملعب لتزين السماء وتتوجه الانظار اليها، فيما عادت اجزاء الكرة الارضية الى هيكلها الكروي، وانسحبت الوفود تباعاً، حيث اختتم حفل الافتتاح الرائع.

الاحد 28- 7
     خرجنا في الساعة العاشرة صباحا الى قاعة( تشايكوفسكي) للحفلات الموسيقية ( برنامج فنون الفولكلور) اعجبنا هناك برقصة من سيبريا حيث قلد الممثلون اصوات الطيور وبعضهم ارتدوا جلود الحيوانات القطبية، وتوالت عروض الفرق الموسيقية من روسيا، ومولدافيا. اجرينا لقاءات مع وفود جامايكا، اثيوبيا، موريتانيا، باكستان، ايضا قدم مشهد زواج واختير من الجمهور العريس والعروسة. في العصر ذهبنا الى احد الميادين للاحتفال بالذكرى الاربعين للانتصار على الفاشية وقدمنا ايضا اغانينا وفنوننا والتقينا بوفود المغرب، تونس، الجزائر.


ام تموز- فريد- ام عبير- ابو سرمد- طارق

     عصرا ذهبنا الى ملعب( الداينمو) لنشهد استعراض كبير في يوم الانتصار على الفاشية وكيف قدمت الخوذ السوداء وجحافل الهتلرية وكيف انهزموا وانتهوا الى مزبلة التاريخ، اطلقت الالعلاب النارية وصدحت الموسيقى وتعالت صيحات( مير، دروجبا) اي سلم، صداقة. في تلك الفعالية كان وفد النظام العراقي ذليلا يرفع صورة الدكتاتور، وحالما لمحناهم تعالت هتافاتنا وهم ايضا وجهو انظارهم وحركات ايديهم الينا، هنا انبرت وفود شقيقة لتنظم الينا خصوصا وفود اليمن وفلسطين والبحرين وعمان فارتفع صوتنا اكثر وكذلك وقف معنا وفد السودان وهو يهتف ضد النظام العرافي، لقد كان دورنا في ذلك اليوم ناجحا ادخل البهجة الى قلوبنا واطفأ بعض النار التي تضطرم داخلنا من اجل وطننا وضد اولئك المرتوقة، غادرنا في النهاية ملعب الداينمو بالاغاني والرقصات ومعنا العشرات من شبيبة الارض الى ان وصلنا الى مقر اقامتنا.
الاثنين 29- 7
     في الصباح  ذهبت مع فوزي وجوان وام عبير وبشرى الى المعرض الوطني للمنجزات السوفيتية في منطقة بعيدة بعض الشيء ولكن جميلة واتصور كانت قرب برج موسكو، هناك حضرنا فعالية التضامن مع شعوب افريقيا واستمعنا الى كلمة رياض العكبري رئيس الوفد اليمني الديمقراطي، وكانت فرصة اللقاءات مع الوفود فوزعنا ادبياتنا وهدايانا واستلمنا بالمقابل هداياهم ومن الوفود التي التقينا بها: من الهند، مصر، الولايات المتحدة، فرنسا، لبنان وغيرهم.
 

من اليمين الشهيد دلدار بيا صليوا( ملازم كارزان)- كاتب السطور- ابو جوان

 في العصر ذهبت وأبو جوان وأبو نادية الى نادي الجيش السوفيتي، هناك شاركنا في مسابقة لعبة الشطرنج وقد حضر ابطال الشطرنج المعروفين وعلى رأسهم بطل العالم اناتولي كاربوف، كان نصيبي ان يلعب معنا بطل جورجيا في الشطرنج ضد عشرين موفدا من دول عدة وكلنا خسرنا امامه! وهكذا كان حال زملائي ابو جوان وابو نادية، وبالمناسبة لعبنا شطرنج في السابق انا وابو جوان وابو نصار وابو جورج وابو رمسيس مراراً في كلي كوماته في اقصى شمال العراق.
الثلاثاء 30- 7
     في التاسعة ذهبت مرة اخرى الى المعرض الوطني وبصحبة ام سلام  حيث فتحنا سوقاً تضامنية لبيع منتجاتنا، كان الاقبال على الشراء كبيراً حيث بيعت معروضاتنا بسرعة وبالاسعار التي حددناها، وبعد ان انتهت بضاعتنا زرنا اسواق اخرى لمعروضات وفود: سوريا، جنوب افريقيا، البحرين، هنغاريا وغيرهما، وغادرنا بعد ان شاهدنا تمثال الرجل والمراة الضخم.
     في المساء ذهبنا لحضور مهرجان التضامن مع امريكا الشمالية وكانت معنا بشرى علوان وام تموز، هناك التقينا بوفد من مدينة نيويورك وقيل لنا ان المناضلة انجيلا ديفيز في موسكو، وكذلك المغني الشعبي المصري شيخ امام، ولكني لم التقيه الا في السنين التالية عندما غنى في ساحة الشهداء بزنجبار عاصمة محافظة أبيَن. في المساء ذهبت الى مسرح ماياكوفسكي مع ام سمير وابو فادي( ابراهيم الحريري) ولكن للاسف كان المسرح مغلقا لسبب لم نعرفه، فغيرنا طريقنا الى الساحة الحمراء وشهدنا حفلا موسيقيا راقصا للشبيبة الروسية، بقينا بعض الوقت قبل ان نعود في مترو موسكو الشهير من محطة قريبة الى محطة كروبسكايا، ومن هناك عدنا الى طابقنا العاشر في فندق سبوتنيك.
الاربعاء 31-7
     في الصباح ذهبنا للتضامن مع البورتوريكو وبلدان بحر الكاريبي وهناك التقينا بوفود نيكاراغوا، انغولا، اكوادور، الهند، الجزائر، المغرب، الولايات المتحدة. في الليل ذهبت مع احد الانصار الى نادي الدانمارك لحضور حفل فني، اشتد اعجابنا بفناني الوفد الدانماركي وقد طالت قاماتهم الى اكثر من ثلاثة امتار باستخدام ارجل خشبية مخفية. هناك اسعدنا بلقاء احد شباب حركة( كوك) الكردية في تركيا وشاهدنا المعرض الذي اقامه باسم جمعية الطلبة الاكراد في اوربا.
الخميس 1-8
     في الصباح ذهبنا الى احد الاسواق للتبضع، وفي الحادية عشر ذهبنا للتضامن مع انغولا ومنها الى جامعة الصداقة بين الشعوب( جامعة لوممبا) هناك امام الجامعة غنينا ورقصنا وعقدنا الدبكات الكردية وقد شاركنا اكراد من سوريا وتركيا وعندما اشتد الحماس نزل شبيبة الروس ليشاركونا وكذلك بعض اليمنيين ومنهم الاخ صالح شايف الرئيس المقبل ل( اشيد).
     في المساء وعند الساعة الثامنة كنا على موعد مع اهم فعالية لنا، حيث اقمنا في النادي العراقي ليلة عراقية حضرتها بعض الوفود وعوائل وشخصيات عراقية تعيش في موسكو، كانت عريفة الحفل الاخت ايمان ابنة الشهيد سلام عادل، القى كلمة الوفود العربية رئيس وفد عمان وكلمة وفدنا الترحيبة ابو عمار، ثم توالت الفعاليت الفنية والرقصات والاغاني العربية والكردية والاشورية، وكانت المفاجاة في وصول المغني الثوري الكردي( شفان برور) ليمتعنا بروعة ادائه وصوته وحماسه، ولن انسى الجهد الذي بذله الفنان حميد البصري وزوجته شوقية العطار وكذلك الفنانين الاخرين منهم كوكب حمزة، سامي كمال، والمرحوم كمال السيد.



مع المغني الكردي المعروف شفان برور

الجمعة 2- 8
     في الصباح ذهبنا الى قصر الطلائع في تلال لينين وقد رحب بنا الاطفال اجمل ترحيب، كانوا منطلقين في العابهم ورسومهم واغانيهم، ثم شهدنا حفلا فنيا شارك فيه طلائع الاطفال من كل الجمهوريات السوفيتية وبمختلف ازيائهم. بعد الظهر ذهبنا للتبضع من عالم الاطفال( ميرو مير) اشتريت من هناك هدايا نوعية لاولادي في اليمن. وفي المساء استمتعنا بسيرك روسي شهير قدمت فيه فنون غاية في الدقة من ضمنها الرقص مع الدببة، وعرض لحيوان الفقمة المائي ذو الجثة الضخمة، وكذلك شاهدنا العاب الخيل وغيرها من مباهج السيرك.
 


في قصر الطلائع

السبت 3-8
مساء ذلك اليوم كان اختتام المهرجان فتجمعنا مع الاف الشبيبة في نفس ملعب الافتتاح حيث قدمت ايضا عروض جميلة ورائعة، وزعت علينا مصابيح صغيرة وفي وقت ما أطفات الاضوية العملاقة ، لييتنور الملعب والمدرجات بمصابيح الشباب مما اعطى المنظر سيول من الاضوية الخافتة المتحركة الاخاذة. اخيرا صعد شاب وشابة محمولان على الاكتاف ليطفيا شعلة المهرجان التي كانت تضطرم طوال الايام السابقة، وعرض الفنانون لوحة دب قطبي كبير، ووسط ذهولنا انهمرت الدموع من عينيه الى وجنتيه وحتى اخر اللوحة، صاحب ذلك فيض من الموسيقى الحزينة ، تأملوا في الدب الذي يودعنا وهو يبكي حسرة على فراقنا.
في اليوم التالي ارتقينا طائرة الايرفلوت عائدين الى البلد الذي شردنا نظام صدام اليه.



امام جامعة الصداقة بين الشعوب
 

 
الصورة ظهرت في جريدة كومسوملسكايا الواسعة الانتشار، وضمت احد ابطال الحرب العالمية الثانية ومن يساره ام سلام ومن يمينه الشهيد ملازم كارزان ثم كاتب السطور.
 


بطاقات دخولي موقع المهرجان الثاني عشر للشبيبة والطلبة في موسكو


 
بطاقة دخول سوق بريوسكا الشهير




nabeeldamman@hotmail.com
July 23, 2010

205


في  ذكرى مرور خمسين يوماً على وفاة خالي يونس اودو
نبيل يونس دمان


     كانت ولادته سنة 1945 بالبلدة القوش وقد سمي يونس على اسم احد اعمامه الذي كان طبيباً شعبياً بارعا، والذي اسقطه جواده ميتاً، بين القرى الكردية خلف الجبل، في الربع الاول من قرننا المنصرم.
     دخل الابتدائية في المدرسة الاولى الكائنة في كنيسة مار ميخا النوهدري والتي كان مديرها الياس اسطيفو مدالو، عند تخرجه منها التحق بالمدرسة الاكليركية في الموصل طالبا للكهنوت، وقد امضى سنتين فيها حتى صيف 1959 عندما اقبل اخيه الكبير بولص على الزواج فاجمع الاقارب على اقناعه بالخروج من المدرسة المذكورة، وهكذا عاد الى ثانوية القوش التي كان مديرها منصور عودة سورو، وتدريجيا اصبح له العديد من الاصدقاء وفي مقدمتهم عماد بيبو قيا الذي يعيش حاليا في بريطانيا.
     في عام 1963 تخرج من الثانوية، وكانت الاولى في دورته سعيدة متيكا وزي. قدم اوراقه اولاً الى الكلية العسكرية في بغداد ليسلك الطريق الذي اختاره شقيقه الاكبر جمال في صنف الهندسة الآلية الكهربائية والذي كان في حينها برتبة عريف. نجح يونس في كل الاختبارات التي اجريت له واهمها طلبهم ان يرمي نفسه من ارتفاع في مسبح معد لهذا الغرض وقد سجل انه لا يجيد السباحة، حالما فطن بان الامر مهيأ مسبقاً فلم يتردد، قفز الى الماء مجازفاً حيث راى نفسه بين سباحين مهرة فاخرجوه على الفور، وبذلك اجتاز تلك المفاجأة، ولكنه فشل في المقابلة التي اجريت له لسبب اوعزه الى انتمائه الديني المسيحي.
     وهو في ذلك العنفوان وتلك الحماسة لم يقدم للانتساب الا لما يشبه الكلية العسكرية بتمارينها الشاقة فقبل في كلية التربية الرياضية في منطقة الوزيرية ببغداد، فواصل دراسته وعمله السياسي في صفوف اليسار الذي ابتدأه سني ثورة 14 تموز والمد الجماهيري الذي اعقبها.
     عام 1967 كان في السنة الاخيرة وغداة عدوان 5 حزيران ارسلته كليته الى الموصل للتدريب في تشكيلة اطلق عليها( كتائب الشباب) . في عطل نهاية الاسبوع كان ياتي الى القوش وكم اعجبت بذلك الزي الشبه عسكري فذهبت على عجل ارتديه لتسحب لي صور تذكارية في كاميرا نوع ( بوكس) .
     تعين يونس لاول مرة في ثانوية القوش مدرساً للرياضة عام 1968- 1969 ففرح الطلبة والاهالي معا لكونه حديث التخرج منها، فكان موضع احترام اينما حل مع زملائه المدرسين الشباب امثال: نوري سورو، اندراوس قيا، نجيب اسطيفانا.
     نظرا لخلو بيتهم في مركز محلة اودو وتحت" قمطارها" الشهير من ساكنيه بسبب الاوضاع الاستثنائية، لذلك سكن في بيتنا مقابل كراج النقل وكأحد افراد العائلة، كم كان فرحي به وهو في قمة عطائه وحيويته التي لا تعرف الركون اوالهدوء، كان دائم الحركة والنشاط. عندما كنت في السادس الثانوي كان يصعد الى سطح بيتنا ويتمشى معي ليتحدث احاديث شيقة، كنت اتوقف عن المذاكرة وانا غير آسف على وقتي الدراسي الذي امضيه معه...... تتوالى المواضيع والقصص التي تطول وتتنوع ..... حتى وصول خالي العزيز واستاذي وصديقي يونس اودو لوحده الى نهاية المشوار في 2- 6- 2010، حيث لم يمهله قابض الارواح ليودع احداً في مغتربه المفروض.
سلام عليه يوم فتح عيونه في بلدته القوش
سلام عليه يوم أغمضها في مملكة النرويج
سلام عليه يوم يبعث حياً من بين الاموات!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



206
ربع قرن على مهرجان الشبيبة العالمي
نبيل يونس دمان
2-1


      في الثمانينات كنت اعيش في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بلغت باني في قوام الوفد العراقي المصغر الى المهرجان العالمي للطلبة والشباب في موسكو، ضمن وفد اتحاد شبيبة اليمن الديمقراطي( اشيد) الذي ضم اكثر من مئة شاب وشابة، اما نحن فكنا في حدود (11) زميل وزميلة، وبعد فترة تهيئة جيدة بمحافظة ابين والعاصمة عدن في اقامة فعاليات فنية جلبت اهتمام اليمنيين والجاليات العربية المتواجدة، تقرر سفرنا على متن طائرة الايرفلوت بتاريخ 23- 7- 1985.

 


فعالية قدمت في محافظة ابين

     في الموعد المحدد غادرنا عدن الى القاهرة ومنها الى اوديسا على البحر الاسود ثم حطت طائرتنا في مطار موسكو في الساعة السابعة مساءً وكان الجو ممطراً ودرجة الحرارة 14 مئوية. بعد قليل من نزولنا سلم الطائرة استقبلنا بحفاوة من السوفيت وقدمت لنا فتاة باقة من الزهور، وفي طريقنا للخروج تشاء الصدف ان يكون الوفد الامريكي الى المهرجان في خط مجاور لنا، وحالاً انفصل منه شابين وعرّفا انفسهم بانهم من الاتحاد الديمقراطي العراقي في اميركا وهما الزميلان: مازن و طارق.
 

 
انا و زيد ثابت مسؤول شبيبة أبين على متن طائرة الايرفلوت


     اخذنا المضيفون الى فندق( اوكرانيا) وتمت بعض الاجراءات ثم نقلنا الى فندق( السبوتنيك) المؤلف من 15 طابق، وقد خصص الطابق العاشر لوفدنا، قدمت بعض الهدايا الجميلة، ثم تناولنا العشاء في اعلى طابق في الفندق، في الطابق الارضي اصبحنا نلتقي بالوفود العربية منها الوفد الكويتي، الاماراتي، السعودية، عمان وغيرها وكذلك وفود امريكا اللاتينية منها الوفد شيلي، هندوراس، بارغواي، غواتيمالا، وغيرها.
الاربعاء 24- 7
     غادرنا الفندق في الساعة 9:30 في باص خاص وتوجهنا الى الساحة الحمراء في قلب العاصمة، وفي الحادية عشرة زرنا الجندي المجهول وعلى انغام المارش العسكري وضعنا اكليل من الزهور على ضريحه، ثم نزلنا في قبو يؤدي الى ضريح مؤسس الدولة( لينين) وهو محنط منذ وفاته عام 1924، فالقينا نظرة عليه وكان اعجابنا بالحرس الذي في الباب وفي الدهليز حيث يقفون دون حركة وكأنهم اصنام، عند خروجنا الى الساحة زرنا كنيسة القديس( فاسيلي) وعند حلول الظهيرة وقفنا نشهد عملية تبديل الحرس، مع دقات ساعة الكرملين الثانية عشرة، طرقت الارض بشدة احذية الحرس المتقدم نحوالضريح، وبسرعة خاطفة تبدل الحراس. بعدها دخلنا الى الكرملين وشاهدنا قصر المؤتمرات والمدفع العملاق زنة( 40 طن) وقد صب عام 1586، وكذلك ناقوس كبير في الارض وقد انفصلت قطعة منه اثر سقوطه عام 1735 من احدى قبب الكنائس بسبب وزنه( 25 طن)، واخيرا غادرنا من احدى البوابات بعد ان شاهدنا كنيستين بقبابها الذهبية.
 

 
ناقوس الكرملين

     في المساء ذهبت مع الزميلتين جوان وام اروى الى المسرح( البولشوي) حيث عرضت مسرحية باللغة الروسية واخرى بالايطالية، لم نفهم شيئا لكن العرض كان جذابا وقد كنا في الطابق السابع نستعين بنواظير زودت لنا في الباب، وقد قيل لنا بان تاريخ بناء المسرح الشهير هو 1856. اخيرا رجعنا الى الفندق فتعرفنا على رئيس وفدنا الاخ كمال شاكر( ابو سمير) الذي كان طوال المهرجان كتلة من الحيوية والنشاط، وكذلك تعرفنا على شخصية اخرى قادمة من براغ وهو( ابو عمار). كان استغرابنا كبيراً في تأخر غياب الشمس الى الساعة 10:30 ذلك شيئ لم نألفه من قبل، وقد اخبرنا بان الشمس لا تغيب عدة ايام في مدينة بطرسبرغ حيث تحل الليالي البيضاء!.
الخميس 25- 7
     خرجنا في الصباح برفقة كمال شاكر وابا عمار في رحلة نهرية، بدأت في العاشرة صباحاً وانتهت في الواحدة، حيث قطعنا نهر موسكو على ظهر يخت يسير ببطئ فاطلعنا على معالم المدينة منها الجامعة، والملعب الرياضي، والمكتبة العامة وكنائس قديمة. في تلك الرحلة التقينا بالوفد السوداني وفي طليعته الاخت فاطمة احمد ابراهيم زوجة الشهيد شفيع احمد الشيخ، تبادلنا الاحاديث وكان نظام النميري قد سقط في تلك الفترة( نيسان 1985) فغنوا اغنية الانتصار بحماس قل نظيره، مما ابكى اعضاء وفدنا الذي لا زالت بلاده تحت حكم صدام حسين.
عند عودتنا الى الفندق تعرفنا على كامل الوفد العراقي الذي وصل من عدة عواصم، وفي قوامه العديد من فصائل الحركة الوطنية العراقية.
 

 
وفدنا الى المهرجان

الجمعة 26- 7
     ذهبنا في نهار ذلك اليوم للقاء الكومسمول في نادي الوفود، نزلنا من الباصات ونحن نغني ونرقص، استقبلنا بحماس مماثل ثم بدات تتوالى الكلمات فكانت كلمتنا التي القاها الزميل ابو عمار، ثم شربنا نخب الصداقة وتبادلنا الهدايا التذكارية. تجولنا في النادي والتقينا بمجموعة وفود عالمية واخذنا الصور التذكارية ثم قدمنا دبكة كردية نالت اعجاب الحاضرين، وبعدها غادرنا النادي الى احد المسارح المقامة في الهواء الطلق فاستمتعنا بالعروض وقدمنا رقصة( الهيوا) المعروفة قبل ان نعود الى الفندق.
     في العصر ذهبت مع بعض الزملاء الى نادي الصداقة لترتيب معرض للاعمال الفنية وفي الثامنة تم افتتاح المعرض واستمعنا الى كلمات الوفود التالية: السعودية، البحرين، عمان، باكستان، الاردن، العراق وغيرهم. بعد ذلك ابتدا حفل فني على انغام موسيقى صاخبة، قضينا في تلك الاجواء قبل ان نعود الى فندقنا في شارع ﮔاﮔارين عند انتصاف الليل.
السبت 27- 7
     بعد ظهر ذلك اليوم حملتنا الباصات الى ملعب( لينين) لحضور افتتاح المهرجان، هكذا توجهت الآلاف المؤلفة من شبيبة المعمورة الى ذلك المكان تهتف، ترقص، وتغني ووفدنا لم يكن استثناءً بل كان كتلة من الحماس حتى اخذنا مكاننا في احد اجنحة المدرج. اطلقت بالونات ملونة بكثافة ثم بدأ استعراض الوفود امام منصة التحية ضمت قادة البلد وعلى رأسهم ميخائيل ﮔورباتشوف المنتخب حديثا لزعامة الجمهوريات، مرت الوفود امامنا ايضا ومن تلك الوفود: نيكاراغوا، كوبا، اثيوبيا، سلفادور، لبنان، ثم كان وفد النظام العراقي تتصدره صورة كبيرة للدكتاتور صدام ويضم ثلاث عناصر بالزي الكردي، كان الوفد بائساً لم يصفق له احد، فيما اسمعناه صوتنا وهتفنا مع جارنا في الملعب وفد شبيبة اليمني الديمقراطي، غادر مسرعا ليركن في موقع تحت اقدامنا، ولم ينسى ان يوجه كامراته باتجاهنا بين الحين والاخر وتلك عادته في كل المناسبات.
استغرقت عملية عبور الوفود قرابة ساعتين، ثم القيت الكلمات وكانت ابرزها كلمة الزعيم ﮔورباتشوف وقد علا التصفيق والتلويح بمختلف الاعلام، وبعدها قدمت الفقرات الفنية والرقصات والعاب بهلوانية. دخلت سيارة مكشوفة برفقة دراجات نارية وعلى متنها شاب وشابة( قيل انها ابنة رائد الفضاء الشهير يوري ﮔاﮔارين) وهم يحملون شعلة نارية، وارتقوا محمولين فوق ايادي الجماهير حتى صحن الشعلة الذي اضرم فيه النار ليبقى مشتعلاً طوال ايام المهرجان.
 

 
مشهد افتتاح المهرجان


     احلى عرض قدم عندما دفع هيكل ضخم لنموذج كرة ارضية الى وسط الملعب، فجأة وامام دهشة الجمهور انفلقت الكرة الى خمسة اجزاء( على عدد القارات) وهبطت تدريجيا الى الارض ومن داخلها بانت طبقات الفنانين من مختلف الجمهوريات السوفيتية ، ثم قدموا اجمل العروض الفنية. بعد ذلك ارتفع نشيد الشباب العالمي في كل اللغات( آمالنا المقبلات حشدتنا لنبني الحياة....) متزامنا مع اطلاق اسراب من الحمائم البيضاء من عدة زوايا ارض الملعب لتزين السماء وتتوجه الانظار اليها، فيما عادت اجزاء الكرة الارضية الى هيكلها الكروي، وانسحبت الوفود تباعاً، حيث اختتم حفل الافتتاح الرائع.
nabeeldamman@hotmail.com
July 23, 2010

207
في  ذكرى مرور خمسين يوماً على وفاة خالي يونس اودو
نبيل يونس دمان


     كانت ولادته سنة 1945 بالبلدة القوش وقد سمي يونس على اسم احد اعمامه الذي كان طبيباً شعبياً بارعا، والذي اسقطه جواده ميتاً، بين القرى الكردية خلف الجبل، في الربع الاول من قرننا المنصرم.
     دخل الابتدائية في المدرسة الاولى الكائنة في كنيسة مار ميخا النوهدري والتي كان مديرها الياس اسطيفو مدالو، عند تخرجه منها التحق بالمدرسة الاكليركية في الموصل طالبا للكهنوت، وقد امضى سنتين فيها حتى صيف 1959 عندما اقبل اخيه الكبير بولص على الزواج فاجمع الاقارب على اقناعه بالخروج من المدرسة المذكورة، وهكذا عاد الى ثانوية القوش التي كان مديرها منصور عودة سورو، وتدريجيا اصبح له العديد من الاصدقاء وفي مقدمتهم عماد بيبو قيا الذي يعيش حاليا في بريطانيا.
     في عام 1963 تخرج من الثانوية، وكانت الاولى في دورته سعيدة متيكا وزي. قدم اوراقه اولاً الى الكلية العسكرية في بغداد ليسلك الطريق الذي اختاره شقيقه الاكبر جمال في صنف الهندسة الآلية الكهربائية والذي كان في حينها برتبة عريف. نجح يونس في كل الاختبارات التي اجريت له واهمها طلبهم ان يرمي نفسه من ارتفاع في مسبح معد لهذا الغرض وقد سجل انه لا يجيد السباحة، حالما فطن بان الامر مهيأ مسبقاً فلم يتردد، قفز الى الماء مجازفاً حيث راى نفسه بين سباحين مهرة فاخرجوه على الفور، وبذلك اجتاز تلك المفاجأة، ولكنه فشل في المقابلة التي اجريت له لسبب اوعزه الى انتمائه الديني المسيحي.
     وهو في ذلك العنفوان وتلك الحماسة لم يقدم للانتساب الا لما يشبه الكلية العسكرية بتمارينها الشاقة فقبل في كلية التربية الرياضية في منطقة الوزيرية ببغداد، فواصل دراسته وعمله السياسي في صفوف اليسار الذي ابتدأه سني ثورة 14 تموز والمد الجماهيري الذي اعقبها.
     عام 1967 كان في السنة الاخيرة وغداة عدوان 5 حزيران ارسلته كليته الى الموصل للتدريب في تشكيلة اطلق عليها( كتائب الشباب) . في عطل نهاية الاسبوع كان ياتي الى القوش وكم اعجبت بذلك الزي الشبه عسكري فذهبت على عجل ارتديه لتسحب لي صور تذكارية في كاميرا نوع ( بوكس) .
     تعين يونس لاول مرة في ثانوية القوش مدرساً للرياضة عام 1968- 1969 ففرح الطلبة والاهالي معا لكونه حديث التخرج منها، فكان موضع احترام اينما حل مع زملائه المدرسين الشباب امثال: نوري سورو، اندراوس قيا، نجيب اسطيفانا.
     نظرا لخلو بيتهم في مركز محلة اودو وتحت" قمطارها" الشهير من ساكنيه بسبب الاوضاع الاستثنائية، لذلك سكن في بيتنا مقابل كراج النقل وكأحد افراد العائلة، كم كان فرحي به وهو في قمة عطائه وحيويته التي لا تعرف الركون اوالهدوء، كان دائم الحركة والنشاط. عندما كنت في السادس الثانوي كان يصعد الى سطح بيتنا ويتمشى معي ليتحدث احاديث شيقة، كنت اتوقف عن المذاكرة وانا غير آسف على وقتي الدراسي الذي امضيه معه...... تتوالى المواضيع والقصص التي تطول وتتنوع ..... حتى وصول خالي العزيز واستاذي وصديقي يونس اودو لوحده الى نهاية المشوار في 2- 6- 2010، حيث لم يمهله قابض الارواح ليودع احداً في مغتربه المفروض.
سلام عليه يوم فتح عيونه في بلدته القوش
سلام عليه يوم أغمضها في مملكة النرويج
سلام عليه يوم يبعث حياً من بين الاموات!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



209
المنبر الحر / دفتر الذكريات (13)
« في: 23:03 05/07/2010  »

210
متى تنبثق الحكومة الجديدة؟
نبيل يونس دمان
     هذا هو حالنا الذي اعقب الدكتاتورية، فعلى مدى عقود من الضيم والقهر، كنا نعقد الامال بعد سقوطها، وفي اشد لياليها ظلاماً، كانت تغزونا الاحلام الوردية، وتدغدغ مشاعرنا تصورات البديل الديمقراطي، ولكن الديمقراطيون في الاسم ومن ركبوا الموجة، احتكروا العمل السياسي وادارة مؤسسات الدولة ان وجدت، وكأن السلطة سجلت( طابو) بإسمهم او سقطت عليهم من السماء، متناسين انهم جاءوا يلهثون خلف الدبابات الامريكية، صحيح ان فيهم من ناضل وقدم التضحيات ولكن القسم الاكبر هم من الانتهازيين الذين تراهم في كل العهود مستفيدين، واعتقد ان المناضلين الحقيقيين ضد الدكتاتورية ممن دخلوا سجونها وحملوا السلاح بوجهها، ومن الذين عرفتهم سوح النضال من جنوب الوطن وحتى شماله، لم يحققوا غاياتهم التي ليست مكاسب ذاتية، بقدر ما هي وجهتهم لبناء الدولة العصرية، التي يبدوا انها ليست سهلة بل صعبة المنال ويطول امدها. في هذا الصدد اقتطف فقرة من مقالة بعنوان( مؤتمر لندن تحصيل حاصل) كتبتها بتاريخ 26- 12- 2002 اقتطف الفقرة التالية" ان الدكتاتورية في بلادنا ليست هيّنة, وليست قطعة عجين يسهل تقطيعها, بل هي منظومة من الايديولوجية العنصرية وانواع خطيرة من الاسلحة واكداس من الاموال فلن يكون يسيراً معالجتها ولن تتحول الى كم مشلول بضربة خاطفة, بل يكون ذلك بتعقل وروية فالنظام القائم ليس فقط عصابة من اشخاص تجردوا من ضمائرهم وانسانيتهم بل ايضاً منظومة من الاقتصاد والسياسة والاجتماع والديماغوجيا, كلها بحاجة الى تفكير معاصر يفكك تلك المنظومة ويبتعد عن الارث القبلي الذي يوفر الارضية نحو الانتقام وتصفية الحسابات, فالتشوهات التي احدثها النظام في مجتمعنا ولعشرات من السنين لن تزول الا بمعالجات ناجحة وربما لعشرات اخرى من السنين حيث يأتي جيل جديد يعيد العافية اليه. فهل نحن مستعدون لتشييد دولة القانون وبالحكمة التي وهبتها ارضنا منذ عشرات القرون, اذا وفر لنا الزمن فرصته التاريخية ؟
     لنعود الى الكتل السياسية التي خطابها ديني او قومي، وبتعبير صريح غير شامل عموم الشعب، فقد جربت قيادة تلك الكتل السلطة من خلال عدة دورات وزارية، ولكنها لم تستطع وضع حد للعنف والاضطراب الامني، ولا التقدم في حقل الخدمات، ولا رفع وتيرة الاقتصاد، ولا اقامة علاقات مستقرة مع دول الجوار، وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى.
     أسوء شيء حدث ويحدث في عملية استلام وتسليم السلطة، هنا ينبغي ان تسود الروح الرياضية عند اي منعطف، يجب الحيلولة دون حدوث فراغ سياسي ولا احتكار للسلطة، بل تداولها باسلوب حضاري يتماشى مع العصر، كفى العيش بعقلية القرن الماضي، بل الاسراع باللحاق بالامم، لقد شهدنا جميعا عام 2006 متاعب تسليم السلطة، وها اننا الان نعاني مخاضاً عسيراً لولادة الحكومة الجديدة، ليثق اي مسؤول يغادر موقعه في قمة السلطة، ان كانت له مكانة في قلوب الشعب، فانه اي الشعب  يعيده ثانية اليها محمولاً على الاكتاف.
     لنفرض انني وصلت موقعاً عن طريق حزب او كتلة، ينبغي حالاً وعند الممارسة ان اخرج من شرنقتي، واكسر قشرة البيضة وارميها جانباً ان صح التعبير، لأفتح ذراعي للشعب واصبح خادما له وساهرا على مصالحه، دون تفريق على اساس الدين او القومية اوالطائفة او العشيرة، واضعاً نصب عيني باستمرار بان المواطنين سواسية امامي.
     قلتها مرة واكررها الان، لو وضع الفائزون بالمناصب في قلوبهم محبة الله والوطن لما اختلفوا على الكراسي، ان حب الوطن في مدياته القصوى، ان يقبل الانسان التضحية بكل ما يملك في سبيله قولاً وفعلا، لو كانوا كذلك، لحسموا المسألة منذ زمن، ولتنازلوا لبعضهم البعض بروح ديمقراطية، وتبادلوا الادوار بعد فترة الاستحقاق القانوني. ما الضير ان اكون معارضاً واشعر بمسؤوليتي كما الجالس فعلا في كرسي المسؤولية، وما الضير ان تكون هناك حكومة ظل ترقب الفعلية وترشدها، هنا يبرز دور الصحافة( صاحبة الجلالة) التي يفترض ان تواكب العملية السياسية بجانبيها الايجابي والسلبي.
     ان اداء الكتل الفائزة ضعيف لان تشكيلها خاطئ، وبذلك لا يعطي النتائج المرجوة، على المدى البعيد يتراجع ويختفي التحزب الديني والقومية الضيقة، وبمعنى ادق الطائفية، هذا المرض الذي كان موجودا من عهد النظام السابق ولكن لم يكن مستفحلا وخطيرا كما اليوم. الدين ليس بحاجة الى حزب سياسي ولا بحاجة لمن يدافع عنه بالسلاح او الميليشيات، أليس الله قادراً على كل شيء؟ ، في عالم اليوم، عالم القرن الحادي والعشرين، عالم الانترنيت والموبايل والروبوت والريموت كونترول، ستتلاشى وتزول مفاهيم القومية الضيقة( الشوفينية) وتصبح في عداد الماضي ومتحف الانتيكات.
     باستمرار أعد تصحيح الاوضاع وتحسنها عند تسلم جيل جديد المسؤولية، جيل لم يذق طعم الدكتاتورية، ولم تتسرب الى افكاره وثقافته وتأهيله افكار البعث الضارة في اي مجال من مجالات الحياة، وحتى يمضي كل شيء طبيعياً، لحين بلوغ تلك المرحلة المتقدمة، ينبغي اختصار الزمن والطريق لبلوغ تلك الحالة، وذلك بتسريع التحولات الجارية في البلد منذ عام 2003. شاء الطائفيون ام أبوا اننا سائرون نحو الدولة العصرية والديمقراطية، كل انتفاع غير شرعي او تخريب او سوء استخدام السلطة سيزول تدريجياً وسيعرض اصحابها للمحاسبة، وان تبعات جرائمهم تمس اولادهم واحفادهم من بعدهم، في ذلك الزمن القادم يتوارون عن الانظار، ويحاولون الهروب ولكن ليس من مهرب، وسينالون جزائهم العادل امام الله والشعب.
     باعتقادي ان الحكومة الجديدة يجب ان تنبثق باسرع ما يمكن، وارى في تكليف شخصية علمانية لترؤسها مؤشراً في الاتجاه الصحيح، ان وجهتي نابعة من منظاري الواقعي، والذي يرى في فلسفة الغيب كل مشاكل البلاد، وان المشروع الديني–  السياسي لا يقدم بل يؤخر عملية التطور، وأطمح ان يُثبت شعار فصل الدين عن السياسة، أسوة بأوربا التي تطورت انطلاقاً من ذلك المبدأ الذي لم يفرضه عليها احد بل استنتجته بتجربتها. ها نحن في العراق للاسف نعيد نفس التجربة المكلفة لأوربا القرون الوسطى، هنا اهيب بالجميع الاطلاع على دروس التاريخ لاستخلاص النتائج الصائبة، أود القول ايضاً بانه لا توجد كتلة او مجموعة مثالية وكل شيء ستطبقه 100% بل هي نتاج نفس الواقع، وحتماً سنواجه مرة اخرى عناصر فاسدة، انتفاعية، سيئة، ولكنني واثق من سلطة الشعب ومن دور صحافته، ومن الجماهير التي تُضرب وتنزل الى الشارع لتعرية تلك العناصر حال ظهورها، ولنا تجربة مع وزير التجارة السابق ووزير الكهرباء هذه الايام.
     التوفيقية ليست صالحة على العموم، ولكن تفرضها ظروف العراق الحالية وهي أهون  كثيراً من: قومية استعلائية عنصرية، او سلفية اصولية رجعية، وبكلمة اخرى ارى مشاركة كل الكتل الفائزة حسب نسب استحقاقها الانتخابي، شريطة ان تكون لديها الرغبة والعزيمة لتحمل المسؤولية، فالخلل ان وجد وهو موجود فعلاً، ناتج من القانون الناقص الذي اجاز تلك الكتل بمسمياتها الطائفية.
من شأن التوفيقية ولنسمها بالاسم الاكثر قبولاً وهو( الشراكة الوطنية) من شأنها تهدئة الحالة في العراق، فتمهد السبيل لوضع لبنات اولى في بناء الدولة العصرية، لا ارى انها وضعت للآن، وحتى نراها ظاهرة، وبات العالم ينظر الى العراق بمنظار آخر من خلال اداء حكومته الجديدة لسنة 2010 وما بعدها، فاننا سنصل يوماً الى البنيان الشامخ الذي يقاوم عاديات الزمن، لا اقول ان طريقاً مفروشاً بالورود ينتظر الحكومة الجديدة، بل تنتظرها صعوبات جمة، ومهام جسام، ويظل المستقبل باسماً لشعب التضحيات، الشعب الذي يستحق الحياة، شعب العراق سليل الحضارات!
nabeeldamman@hotmail.com
July 01, 2010
 


211
المنبر الحر / دفتر الذكريات (12)
« في: 14:46 29/06/2010  »


212
المنبر الحر / دفتر الذكريات (11)
« في: 23:08 21/06/2010  »

213
قراءة كاتبة سعودية لكتابي الموسوم( حكايات من بلدتي العريقة)
نبيل يونس دمان
مساء الخير
استاذي نبيل اتمنى أن تكون بأسعد حال أنت وعائلتك الكريمة
في صفحة 12 ذكرت أن الناس كانت تتبعد عن مهنة الغناء والطرب لإعتبارها عيبا اجتماعيا سابقا, في الحقيقة هذه النقطة لفتت انتباهي, الغناء والطرب إحدى المهن التي يحتاج لها أي مجتمع, لكن تتميز بعض المجتمعات الشرقية بحبها والولع بها, لكن مع الصاق تهمة العيب لمن يمتهنها!
هذا الأمر ليس فقط في العراق أيضا قرأت عنه في اليمن وسألت بعض الأصدقاء هناك وأخبروني بأن النظرة لديهم مازالت موجودة, في السعودية بلدي طبعا هذه النظرة الدونية للعازفين والمطربين تبدو متجذرة فلابد لمن يقوم بها أن يأتي من مرتبة إجتماعية متدنية أو أن يخفي أصوله الاجتماعية, قد يمارس البعض هوياته وفنه الجميل لكن بحدود الأصدقاء والعائلة لا يتجاوز هذا المحيط غالبا, في مصر وسوريا أيضا هذه النظرة لا تزال موجودة ولو أنها عند بعض الطبقات تختفي, لكنها حاضرة!

كمية التسامح والبساطة والقيم في النفوس الموجودة في القصص مذهلة جدا, واختفائها من حياتنا اليوم أعتقد سبب لكثير من المشكلات التي تعانيها
في قصة ثم أصبحوا أصدقاء و التي قرأتها أكثر من مرة أثارني فيها حقيقة ماقلته بوجود عرف عشائري ينهى عن القتل غدراً, لا أعرف مالذي يحدث في العالم هذا اليوم من جنون, المتشبثون بالقديم يعيدون لنا سيئات الماضي, لكن لا أحد يجلب معه عرفا جميلا ونبيلا كهذا مثلا!
في قصة صياد الضبع ذكرت دير الرهبان هرمزد وبحثت عنه في الانترنت فوجدت صورة له وبهرتني حقيقة طريقة بناءه.
أما قصة اسحاق في ضيافة الغجر فقد وصفت الرقصة التي قام بها الأخوان متى وهرمز وبهرني الصوف لدرجة أني أعدت قرائته عدة مرات, هل أطمع بوجود فيديو يشبه تلك الرقصة التي وصفتها حتى أشاهده؟
و يجب أن أخبرك أن قررت القراءة عن الغجر بعد هذا الوصف المحفز للرقصة الشعبية
وصفك الجميل لسوق القوش القديم وسرد أسماء المهن الموجودة فيه والباعة لفت انتباهي أيضا, التحول الذي طرأ في كل جيل على نوع التجارة والاضافات الجديدة مثل مهنة تصليح الأسلحة في الاربعينات والتي لم تكن موجودة في العشرينات وفرن الصمون مثل في الستينات
لكن لماذا كان الملح يفرد بتجارة خاصة في الاربعينيات والستينيات؟
وقد بحثت عن بعض أغاني التي ذكرتها عن يهود العراق ووجدت خجي - سيامند و الأغنية الشهيرة عافاكي
قضيت رحلة ماتعة مع صفحات هذا الكتاب, وأصبحت أكثر إمتنانا لك ولمعروفك بإهداء هذا الكتاب لي
أتمنى لو كنت تعمل أنت ومجموعة من أبناء بلدتك على عمل مشروع تاريخي توثقون به تراث بلدتكم ولغتكم وحضارتكم ياسيدي قبل أن تتآكل فأعتقد أن هناك الكثير من الحقول المغرية للدراسة والبحث حولها
هناك بعض الملاحظات دونتها أيضا واتمنى ان يتسع صدرك لها وهي:

تمنيت وبشدة لو أن هناك خريطة صغيرة او حتى مقدمة بسيطة توضح موقع مدينة القوش بالنسبة لدولة العراق, لكني توقعت انه ربما لأن الكتاب اصدار خاص ومعظم قرائه يعرفون موقع القوش باستثنائي لكن موقع مدينة القوش قام بمساعدتي في توضيح هذه النقطة
الأغاني في الصفحة الثامنة والتاسعة تمنيت لو أجد لها روابط صوتية او فيديو على الانترنت, وترجمة عربية لمعانيها.
شاكرة لك وأمنياتي لك ولعائلتك بحياة طيبة
اَلْخَنْسَاَءُ بنت سَعْدٍ الْمُوْسَىْ
May 6, 2010


214
الى كاميران يونس اودو
نبيل يونس دمان
     رسالتي الاولى لك تعقب حادثاً جللاً فاجأنا وآلمنا، في رحيل والدك العزيز يونس، الذي اخالُ انه يفارقنا وهو في الثلاثينات من عمره، لانني لم احظ  بلقائه منذ خروجي القسري من العراق قبل قرابة الثلاثين سنة.
     عرفت والدك منذ صغري وكان مثالاً اقتدي به، وقد جلب انتباهي تلميذاً في معهد يوحنان الحبيب بالموصل في النصف الاخير من خمسينات القرن الماضي، اتذكر عندما كان يخرج واقرانه من كنيسة مار كوركيس في البلدة امثال: يوحنان جولاغ، عابد اسحق بدي، ابلحد عيسى غازي، وجلال متيكا حداد( حجي) وهم يعتمرون قلنسوات تلائم قميصهم ذي المربعات الطويل ويتوسطه حزام جلدي، لكنه لم يتواصل فخرج في صيف 1959 ليعود طالباً في ثانوية القوش. اتذكر عندما قام مع اصدقائه يونان حبيب طعان و جوزيف رحيم دمان بتحويل كهف صغير مجاور للكهف الاحمر( ﮔپا سموقا) الى غرفة صغيرة لها باب وعليها قفل وفي داخلها مساطب للجلوس وفيه معدات عمل الاكل والشاي وفي احدى الزوايا يركن مصباح نفطي، كانوا يبتعدون عن الضوضاء في محلة اودو الصغيرة! ليعدّوا دروسهم هناك. واتذكر عام 1963 عندما اعتقل بطرس اسخريا، حاول الرفاق الحيلولة دون ارساله مخفورا الى الموصل، فبادروا الى قطع الطريق امام السيارات بين الموصل والقوش وكذلك قطع اسلاك الهاتف الذي كان يخترق عقار القوش الى مدينة الموصل، مجموعة بطلة من الطلبة بقيادة الشهيد فؤاد شمعون ديشا، وكان والدك يا كاميران مع تلك المجموعة وقد تجمهروا امام بيت الشهيد فؤاد مقابل بيتنا في محلة التحتاني، في تلك اللحظات الفاصلة وامي كرجية تراقب الوضع، نادته ليأت اليها وبعد تردد اقبل، وما ان دخل البيت حتى اغلقت الوالدة الباب واحكمت اقفاله، وبذلك منعته من الخروج، فصعد الى السطح منزعجاً وهو يشاهد استعداد اقرانه لمواصلة المهمة، لقد كان ذلك سببا لعدم اعتقاله او هروبه الى الجبل، اذ ربما كان مستقبله ياخذ مساراً آخراً...
     هكذا واصل طريقه النضالي بتعقل وحذر في فترة دراسته الجامعية وقد تعرض فيها الى ضغوطات شتى حتى وصل الامر الى تهديده بالقتل، وقد حدثني في حينها كيف حمّل احد افراد عصابات البعث عن اي سوء يلحق به وبحوزته صورة تجمعه مع ذلك العنصر وقال له: انه ابلغ اهله ان حدث شيء له فالذي في الصورة يتحمل كامل المسؤولية، وبذلك نجا من شر وشيك. تشاء الصدف ان يتعين مدرسا للرياضة عام 1968- 1969 في نفس الثانوية التي تخرج منها ، لقد اتصل بي العديد من تلامذته متأسفين على استاذهم بل صديق الجميع، فقد كان محبوبا في البلدة لما اتصف من دماثة الخلق وخفة الدم والاندفاع، فغداة اعلان بيان 11 اذار 1970 كان يونس في مقدمة مستقبلي مسؤول انصار القوش(انذاك كان اشعيا ايشو من سرسنك) كنت شاهدا عندما ناولهم النصير الراحل سالم اسطيفانا بندقيته ليتعاقب مع الاساتذة نجيب اسطيفانا ونوري سورو وسعيد نونا واندراوس قيا، في رمي اطلاقات الفرح بوصول مجموعة من المقاتلين الابطال ضد النظام البعثي المقيت.
     في فترة السبعينات توالت ضغوطات البعث عليه، فنقل من مكان الى اخر حتى اجبر في نهاية السبعينات على انهاء دوره السياسي، بعد ان شن البعث حملته الشاملة على التقدميين في طول العراق وعرضه، ولكنه ظل محتفظا بأفكاره ومبادئه ما اسعفه ذلك، وتواصل ذلك الانسان الطيب النقي حتى انتهى به المطاف في النرويج وتمكن ان يزور الوطن مرتين خلال العقد الحالي، وكان يحلم بالعودة اليه حتى اخر مخابرة لي معه بانه يتوق العودة الى الوطن الحبيب.
     كان والدك رياضيا بكل معنى الكلمة، فعندما كان طالبا في الثانوية كنت ارقبه لاعباً جيدا في كرة الطائرة، وعندما كان طالبا في كلية التربية الرياضية بمنطقة الوزيرية اعتاد ان يعمل في نادي جمعية المهندسين بساحة الاندلس، وتراه يعود بعد منتصف الليل الى البيت مشياً لوحده او مع عزيز او نيسان، وبالمناسبة كان يصعب اللحاق به في مشي المسافات الطويلة، حتى كان البعض يطلق عليه اسم طائر معروف برشاقته وحركته.
     كان للوالد احترام خاص عند الرفيق الراحل توما توماس فكان دائم اللقاء به في فترات صعبة كان النظام البائد يحذر ويعاقب بشدة حتى من يقترب من بيت ذلك المناضل.
     في فترة السبعينات عندما كان مسؤولاً رياضيا في النادي عرف بميولي نحو لعبة الشطرنج فكان ان جلب لي من احدى سفراته الى اوربا قطعة شطرنج كانت موضع اعتزازي وكذلك كان يجلب من بغداد او الموصل الكثير من الادبيات لانها لم تكن تتوفر في القوش انذاك فنطالعها بشغف، ومن الكتب الهادفة التي طالعتها من كتبه القليلة كتابين : الاول بعنوان( زوربا اليوناني) وهي رواية نيكوس كازنتراكيس الرائعة، والثاني بعنوان( هكذا تكلم زرادشت) للفيلسوف الالماني فريدريك نيتشه.
     يا عزيزي كاميران لقد فارقك واخوانك وانتم في اعمار الشباب وكان دائم الحديث عنكم والقلق عليكم فكونوا عند حسن ظنه بكم وكملوا مشواره في التحصيل والتطور في المجال العلمي والاجتماعي ونحن نتشوق وننتظر اخباركم.اردت في هذه الرسالة ان اعمق معرفتك بالوالد يا كاميران وان تحل محله وتحقق ما لم يستطع تحقيقه في حياته التي شهدت الكثير من التقلبات السياسية والاجتماعية، وانت في بلد الاغتراب مما يلزم عليك اعباء اضافية في الاهتمام بوالدتك جميلة واخوانك مروان وغسان واختك كارولينا وعمك عزيز، وان تبقى على اتصال بالوطن الحبيب تسهر معه وتفكر فيه اذ ربما سيعود جيلكم يوما الى احضانه، وكما قال الشاعر:
فإن يكُ صدرُ هذا اليومِ ولّى
                               فإنَّ غداً لناظرِهِ قريبُ
     خالي يونس يا كاميران، عاش سنواته الاخيرة في نأي وفي منطقة تغطيها الثلوج اكثر ايام السنة، لم يألفها ابن المنطقة المعتدلة ومن فيض العلاقات الاجتماعية التي ربما افتقدها في منفاه، كان يعوضها في غرف المحادثة الالكترونية، شبهته بطائر في داخل القفص، يطل بين الحين والحين فيخاطب العالم وهو يتألم لما آل اليه وضع الوطن والاهل، حتى صبيحة الاربعاء المصادف 2-6- 2010 ، حيث غلق الكوة الى الابد .... وارتمى على ارضية القفص ... بانتظار القيامة....
nabeeldamman@hotmail.com
June 14, 2010



الصورة في القوش عام 1961
الواقفون من اليسار: يونس اودو- ودي- فضيلة- جميلة- سورية - كرجية ووداد- جلال
الجالسون من اليسار: كاتب السطور- عزيز- فريال - سليمة - فاضل- فرنسيس- دليله- عبد الاله- منصور شاشا




  
في حديقة بيتنا ربيع عام 1990
من اليمين: يونس اودو- شمي منصور ﮔولا- وداد- اناهيد- سولين




215
المنبر الحر / دفتر الذكريات (10)
« في: 22:43 14/06/2010  »

216
يونس وَردَه دْ نيسانِهْ
يونس وردَه دْ نيسانِه ــــــــــ بـِرْد حَكّيمِه وْمَلپانِـــه
ان دُويوا مْبَسمانــِـــه ــــــــــ كُلْ كْرْيهِهْ بْعوقانِــــه
لبْي أودو ليثْ دمْيانَـه ــــــــــ بْيثـَه دّينَه وأيمانـــــَـه
من مَرْ يوسِب طُوّانَه ــــــــــ وهلْ مَر توما طَنّانــَه
جمال ﮔو بَغدَد كِليــَـه ــــــــــ كِمْ أمريلِه ووتْ قِريَه
لخَخَبره مْنَروِجْ أثيَــه ــــــــــ مَريرَه وهادَخ قِشيـــَه
وْكُدْ شْميلَه ﮔرجِيــَّــه ــــــــــ مْريشح شْقلَّه ﭘوشِيــَّـه   
بالَحْ وِلَّه تَه شْمَيــَّـــه ــــــــــ وهاوَرْ دْريلَه تَه مَريَه
يا موثَه ما زَرْبانــــه ــــــــــ و بِثيثُخْ ما مَزدانَــــــه
أربَه شْقلُّخْ مّنيانــَـــه ــــــــــ مْسُپيلُخ قَمْ دَيـّانـــَــــــه
عُمْرَه فِتْلِه  خْتنانـــه ــــــــــ وﭘيرَه مْپِلِّه مْهيلانــــَـه
كُلـَّنْ ﮔو أثْ عْدّانـــه ــــــــــ غْبينِه ولتـَّنْ مْسَليانــَـه
يونس بْغيرَ وطيمانَه ــــــــــ مْسُقله پْتَرْزِه دْ يُلپانــَه
بنَروِجْ مْسُپيالِ ﮔيانَه ــــــــــ لبَّن تْويرَه وحشّانـــــَه
كْثوولِ مَحرَه خاثـَـه ــــــــــ مْپيدولِه معَدَّدياثـــــــَـه
مْشَركولِه بْصْلاواثَه ــــــــــ ﮔو قالِه وﮔو قِنياثــــَـه
يونس ﮔو كُلْ يُماثَـه ــــــــــ بِئْيَه مْجَنقِه وخَماثـــــَه
لَثْوَه خواثِح بّرياثـَـه ــــــــــ خْكوِخْوَه د قَدَمْياثــــَــه

نبيل يونس دمان
nabeeldamman@hotmail.com
June 8, 2010



http://www.ankawa.com/upload/634/Nabeel%20Dammans%20Poem%20For%20Younis%20Audo.mp3

217
فراق العزيز يوقظ الذكريات
مرثاة للصديق العزيز يونس اودو
     اثار عندي فراقك المفاجئ يا عزيزي ابا كاميران شجوناً ممتزجة بذكريات راسخة في ذهني ومحفورة في فؤادي. في الوقت ذاته فتح غيابك امام عيني صفحات مشرقة لحقبة مهمة في حياتنا طوتها قسراً قسوة الزمن وغطتها اتربة احداث الضياع في اوطان المهجر. بقصد الابتعاد عن صخب الحاضر البائس ارمي بذكرياتي الى الوراء واغتنم الفرصة لالقاء نظرة على وجهك الصبوح الفرح واصم اذني عما يحيط بي من الاصوات واتذكر التعليقات والاحاديث الهادفة التي كنت تطرحها اعتراضاً على الظلم وادانة للممارسات الجائرة لاجهزة الدولة آنذاك. لم تكن تلك الاجواء خالية من القاء الدعابات البريئة من هذا الشخص او ذاك، وبذلك كان يكتمل مشهد شيق ومثير.
     يدفعني فراقك يا عزيزي يونس ان اتجاهل جبال امريكا واوربا كي امعن التفكير في جبلنا، جبل القوش بصخوره القاسية وثناياه الجرداء، لكنها زاخرة في الحيوية وخالدة في وجداننا. عندما اتذكرك يا ابا كاميران تتضائل في عيني المؤسسات التعليمية والجامعة العريقة في بلاد الغربة وتبرز عوضها ثانوية القوش المتواضعة بطلابها الحريصين غريزياً على تامين مستقبلهم دراسياً. ويظهر امامي مشهد كادرها التدريسي ليبرز شخصك نشيطاً مخلصاً لاداء الرسالة التربوية وتأهيل اجيال مستقبل اهلنا في بلدتنا وفي وطننا.
     كم اشتاق يا عزيزي يونس لالغاء حاضري املاً بايجاد بديل عنه تكون انت واحبائنا الراحلين والباقين جزءاً جوهرياً لمشهد ترنوا اليه نفسي. حينها تنبسط امامي طرقات القوش الظليلة وانت بحركاتك الرشيقة والسريعة تخترقها مرات ومرات ومعك العزيز نوري سورو والمرحوم اندراوس وانا.
     ليت لي ان اتجاهل ولو الى حين ما نسمعه من القنوات الفضائية وما نقرأه عبر الرسائل الالكترونية وما نجنيه من ثورة المعلومات كي اركز بنفس هادئة على اهتماماتنا الفكرية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي لانها كانت اللبنات الاساسية في بناء شخصيتنا واطر افكارنا وموئلاً لانسانيتنا.
     بكل صدق اذرف الدمع مرتين: مرة بفقدانك يا يونس وانت ذلك الانسان الذي اتسم بالتواضع ومحبة الجميع وبعيداً بعيداً عن الانانية والغرور والتحامل، واذرف الدمع ثانية بسبب مواقعنا المالوفة وتبعثرنا وفقداننا لجذورنا الاصلية والتي نمت بديلاً لها جذور في تربة نجهل خواصها ولا نضمن لها مستقبلاً.
     هكذا، بمرارة وأسى يغادرنا الاعزاء وتخلد ذكراهم عطرة في اذهان الاهل والاحباء والمعارف. لتكن مرتاح الضمير وقرير العين يا فقيدنا الغالي يونس وانت في حياتك الابدية في فردوس السماء، سيما والجميع فخور بما تركته من بصمات في مجال العائلة والمجتمع والبلدة.
     في الوقت الذي اعزي نفسي، اقدم التعازي القلبية لعائلة الفقيد ولذويه ولكل اهل القوش.
نجيب اسطيفانا/ المانيا
6- 7- 2010


218
المنبر الحر / دفتر الذكريات 8-9
« في: 00:28 01/06/2010  »

219
تساقط القليل من( اوراق الخريف)
نبيل يونس دمان


    اقول لصاحبي المحامي زكر ايرم، ان ما زال في الكأس بقايا خمر معتق، طيب، ولذيذ، كم يبعث منظر الخريف في الغالب على البهجة والانبساط بالوانه الذهبية، كأنه يناغي اخيه الربيع بالوانه الخضراء.
     بين يدي ديوان شعر صدر من دار فينوس للطباعة والنشر هنا في ساندييغو للشاعر الرقيق ابا عماد الذي ما انقطع يقرض الشعر ويكتب الكلمة في ساحة المهجر الامريكية. منذ داست اقدامي هذه الارض، وانا اتابع ما يكتب، ان قصائده التي وضعها في فترات مختلفة اشبه بقلادة من اثمن الاحجار كالياقوت والجمان والزمرد، بمغزاها وترتيبها وصورها التى تحاكي الطبيعة والانسان، ارى الزخارف في ارضية قصائد الديوان، وارى الربيع يبتسم من حسنها، فيفوح ريح المسك والعنبر من جنباتها، وكأنها خمائل ورد جميل من مختلف الاصناف والالوان.
الى نماذج من اشعار الديوان
في قصيدة( يا قلب صبراً):
ليلاي انت الهوى والحب والوجد     لولاكِ ما رق ماء او حـــلا ورد
يا عاذلي لا تلمني في  هوى ليلى     يبقى هيامي هو الميثاق والعهد

وفي ذكرى مجزرة سميل:
قُم حي اخوان كلدو فتيةً نجبـــــــا     وأقض لهم ما علينا من حقٍ وجبا
آشور قل لي ما جنت وما اقترفت     اجساد اطفالها قد مزقت اربــــــــا

وفي بغداد العشق والجمال:
لما تزل باسقات النخل واقفــــــــة     هيهات تهوى امام الريح اغصان
اقسمت لا ارتضي من دونك وطنا     مهما غلت في الدنى بيد واوطـان

وفي الذكرى المئوية لميلاد الزعيم الكردي مصطفى البارزاني:
لقد جئتكم منشدا شعري وتبيانــي     يا فتية من اباة الكرد اخواني
مرحى لكم مصطفى المقدام قائدكم     حقا هو قائد قي كل ميــــدان

حتى يصل الى( لقوش) فينشد:
القوش رمز الابى ما هزك جبل     ما نالك وارتقلى اسوارك رجل
هذا سليمان باق في ضمائرنـــا     من قبل توماسك اسطورة بطل

اتمنى لشاعرنا الموصلي المزيد من العطاء وان ينعم براحة البال وطول العمر، نحن بانتظار كتابه التالي( حصاد الايام) .
nabeeldamman@hotmail.com
May 27, 2010




220
دفتر الذكريات
(6)
نبيل يونس دمان



الهوامش:
(1) قرية بيبان.
(2) قرية حتارة
(3) قرية سرجك
(4) قرية الشرفية
(5) قرية الشرفية
(6) قرية سرجك
(7) قرية بيبان
(8) قرية بوزان
(9) قرية الشرفية
(10) قرية أزخ- هرماش
(11) قرية بيبان
(12) قرية بيبان
ملاحظات:
الناجح الاول: نشأت يوسف جبرائيل توسا.
مدير المدرسة: منصور عودة سورو- اعقبه جرجيس ابراهيم حميكا
اسم المدرسة: ثانوية القوش للبنين- بناية شيشا ﮔولا
المستخدمون:
اسطيفو شبلا- صادق عيسى يلدكو
اسماء الاساتذة لكل مادة دراسة:
الدين: القس يوحنان جولاغ
اللغة العربية: عبد حنا عقراوي
اللغة الانكليزية: خالد الالوسي
الجبر: منصور عودة سورو
الحساب: منصور عودة
الهندسة: منصور عودة
الكيمياء: رمزي عبد الاحد
الاحياء: رمزي عبد الاحد
التاريخ: ذنون يونس
الجغرافية: عبد المطلب عبد الحيالي
التربية الوطنية: عبد المطلب عبد الحيالي
التربية الرياضية: بطرس بولص قاشا( منسب)
التربية الفنية: بطرس عيسى بدي( منسب)


ورقة من دفتر الذكريات

 
 
بطاقة الدرجات الفصلية
(7)
نبيل يونس دمان



الهوامش:
(1) قرية بوزان
(2) قرية دوغات
(3) قرية بيبان
(4) قرية دوغات
(5) قرية بيبان
(6) قرية بيبان
(7) قرية يسيان
(8) سقط شهيداً وهو يحمل السلاح بوجه الدكتاتورية عام 1981
ملاحظات:
الناجح الاول: نشأت يوسف جبرائيل توسا.
مدير المدرسة: منصور عودة سورو.
اسم المدرسة: ثانوية القوش للبنين- بناية شيشا ﮔولا
المستخدمون:
اسطيفو شبلا- صادق عيسى يلدكو
اسماء الاساتذة لكل مادة دراسة:
الدين: القس يوحنان جولاغ
اللغة العربية: طه مصطفى- اعقبه طارق الموصلي
اللغة الانكليزية: صباح كامل
الجبر: عدنان الدباغ
الهندسة: عدنان الدباغ
الفيزياء: جمال عقراوي
الصحة: رمزي عبد الاحد
التاريخ: ذنون يونس
الجغرافية: عبد المطلب عبد الحيالي
التربية الوطنية: ذنون يونس
التربية الرياضية: بطرس بولص قاشا( منسب)
التربية الفنية: بطرس عيسى بدي( منسب)
 


nabeeldamman@hotmail.com
May 24, 2010

221
المنبر الحر / دفتر الذكريات (5)
« في: 17:41 19/05/2010  »

222
من ينقذ المسيحيين في العراق؟
نبيل يونس دمان
     لقد هزني حادث استهداف ورود بغديدا، طلاب العلم من الجنسين، واعتبر كل تشوه لحق باجسادهم الشابة، علامة ادانة يسجلها التاريخ، والى مدى الدهر، وستمثل هذه الحادثة باستمرار امام انظار شعبنا والانسانية، فالذي ارتكب يوم الثاني من ايار سيبقى رمز  لخسة المعتدين وجبنهم. حتى لا اغرق القارئ بسيل الوعظ والسرد الانشائي اختصر قدر الامكان افكاري بالقول، اننا كنا مضطهدين عبر التاريخ في ارضنا ما بين النهرين واشتد اضطهادنا اكثر فاكثر غداة سقوط الطاغية صدام حسين، يبدوا ان الهدف من وراء ذلك هو افراغ العراق من المسيحيين، كما افرغ من اليهود في القرن الماضي، هنا يتطلب من المسيحيين الاستمرار في مناشدة السلطة الحاكمة والعشائر ورجال الدين لبذل اللازم من اجل انقاذ ما تبقى من هذا الشعب المسالم الاصيل والتواق للحرية واعادة مجد حضارته الغابر. كما ويتطلب ايضا مناشدة المجتمع الدولي، الامم المتحدة، جامعة الدول العربية، والفاتيكان، بحال هذا الشعب الذي يضطهد ويصلب كل يوم، وتحريك الضمائر ان بقيت حية في عالم اليوم حتى تهب لنجدته وتوقف استهدافه، انها اشبه بحرب غير معلنة ضد شعبنا.
     بما ان الامور تسير من سيئ الى اسوء وتدفع كل يوم بقوافل جديدة للهجرة وترك ارض الذكريات وقبور الاجداد والاملاك، متحملة صعوبات نفسية اشد وضيم اكبر لما تبقى من حياتها في بلدان المهجر، لذلك يتطلب تنويع اساليب التصدي والتغلب على هذه المحنة وتجاوزها، فرفع غصن الزيتون لم يعد ينفع، والاستنكار والشجب لم يحرك شعرة في جلد الارهابيين، سواء في الموصل او باقي انحاء الوطن، لذا على الغيارى ممن تسري في عروقهم دماء الاجداد العظام، ان ينظموا انفسهم اكثر ويتحلوا بقدر من اليقظة والحذر لتلافي تكرار هذه الامور وطرق كل السبل التي تردع المعتدين وتوقف عدوانهم المتواصل.
     ان هذه الاجواء الملبدة بالغيوم السوداء قد تكررت في الماضي، وكانت كلها تستهدف زعزعت ايمان المسيحيين، وسلب ممتلكاتهم، والاعتداء على اعراضهم، كما فعل نادر شاه( طهماسب) عام 1743، فعند فشله على اسوار نينوى انتقم شر انتقام من مسيحيي الاطراف. وعندما هجم الامير الراوندوزي محمد الاعور على الايزيدية عام 1832، دخل البلدة القوش ايضا فارتكب مجزرة تقشعر الابدان من هولها، وهكذا الامثلة كثيرة.
     في السنين القليلة الماضية بدات حملة استهداف المسيحيين بالبصرة ثم بغداد فكركوك والموصل كل هدفها ارغامهم على ترك ممتلكاتهم والخروج من موطنهم الاصلي، اصبحنا اليوم امام انظار العالم مجزأين، مشتتين، منقسمين، كأن نهراً شق شعبنا فقسمه نصفين، او جداراً شطره جزأين، او زلزالاً فتح اخدوداً عميقاً، ان مثلنا مثل القدس وبرلين ايام زمان، ولكننا بحال اسوء منهم، فالحدود بيننا نحن شعب الرافدين الاصيل، اصبحت محيطات مياه ،وسلاسل جبال، وخرائط جغرافية مختلفة التضاريس، وحتى لون السماء مختلف ايضا! اما لغتنا السريانية العريقة، تقاليدنا، طقوسنا، وميراث ابائنا، كلها ستنتهي تدريجيا اذا استمر الوضع هكذا.
     نحن بحاجة الى قائد نحتذي به، نتبعه، يشدنا اليه، ويستنهض فينا العزم والمزيد من التحمل، نحن بحاجة الى كاريزما تحرك وضعنا الساكن، والى رجال منزهين، اكفاء، وشجعان. عندما تعرض شعبنا في تركيا للابادة سني السفر برلك( 1914- 1918) قامت مجموعة جريئة بحمل السلاح والانتقام قدر استطاعتهم من الجناة، ومن المؤكد ان ذلك الفعل المحدود قد انقذ انفس اخرى كانت ستتعرض للمظالم، وكذلك شفي بعض الغليل في النفوس، في ذلك الوقت لم تكن اوربا او اميركا مفتوحة كما اليوم ليهاجر اليها شعبنا.
   ان رجال ديننا ينطلقون من قيم المسامحة والسلام التي نادى بها المسيح، انها قد تلين القلوب وتكسب العطف في ظروف اخرى، ونحن طوال سنوات عجاف ماضية استخدمناها حتى استنفذت مفعولها، في الماضي ايضا شارك بعض رجال الدين بالدفاع عن شعوبهم المضطهدة واليكم الواقعة التالية:
في عام 1876 دخلت القوش مجموعة من المسلحين بزعامة رئيس قبائل الطيـّان المدعو ﮔولان ، فاهانت الاهالي وسلبت السوق، ثم ولت الادبار الى ديارها في الغروب. حدث هياج شعبي اضرم شرارته القس هرمز اودو والد المطارنة المعروفين : الشهيد مار توما( 1856- 1918 ) ومار اسرائيل 1858- 1941)، وكان عمه البطريرك مار يوسف في شيخوخة عمره وقد تردد في تشجيع تلك الحملة، ولكن القس هرمز حسم الامر قائلا ( لك العمامة ولي السيف ، وبالسريانية : آي ششتخ وآي سيپي ) . فخرج مع الشباب المتحمس ولحقوا بالعصابة في موقع ( آرتوك ) قرب قرية ( داكان ) ودارت معركة بينهم قتل فيها ﮔولان ، فتشرذم افراده لا يلوون على شيء.
     ختاما اقول ان الارهاب لا يسمع، لا يحس، لا يكترث، ولا يلوح في الافق انه سيتركنا وشأننا، فعلى طلائع شعبنا ان تدرك ذلك، وتتحلى بقدر من الفطنة والدهاء في التصدي للارهابيين، مرتدين تلك القمصان المطرزة بدماء الطلبة والشباب.
بْنونِهْ وبناثـَهْ سورايـِــهْ            مْن بِثْ نَهرِنْ غْديدايِه
صْويئِه بْگو دِمِّدْ خايِهْ            وأني باُﭘْرَيْ خْنِخْرايـِه
شُقولي أنْ شُقْياثــَـــــهْ           نيشَنْ تَكُلْ يوماثــَـــــه
مْسُقلِه سْموقِه حْيروثَهْ           بْيرَقْ تَبْني ناشوثــَـــه

Nabeeldamman@hotmail.com
May 10, 2010



223
المنبر الحر / دفتر الذكريات (4)
« في: 23:51 10/05/2010  »
دفتر الذكريات
(4)
نبيل يونس دمان
         كما ونقلت الى دفتر الذكريات، قوائم باسماء الطلبة في صفي، من اوراق عكفت على تسجيلها في نهاية كل عام دراسي، أبدأ من الصف السادس في مدرسة العزة الابتدائية للبنين- القوش، وسوف اختار بعض الاسماء لاسجل هوامش خاصة، وكذلك ارفق بعض الوثائق المتوفرة.
الصف السادس (ب) لسنة 1963- 1964



الهوامش:
(1) كاتب الموضوع.
(2) في صيف عام 1971 لقي المأسوف على شبابه حتفه صعقا بالكهرباء في عين ماء محلة سينا.
(3) من قرية الشرفية جنوب القوش حوالي 10 كم.
ملاحظات:
الناجح الاول: نشأت يوسف جبرائيل توسا.
مدير المدرسة: وديع حنا كجو.
المعلمون: ياقو يوسف عوصجي( العربية)، ميخا اسرائيل سيبانا( الانكليزية)، كامل ياقو دمان( التاريخ)، وديع حبش( الجغرافيا) ، حبيب صادق شدا( الرياضة) ، جميل اسرائيل سيبانا( العلوم)، علي الموصلي( التربية الوطنية)، حنا ميخا القس نونا( الحساب)،القس هرمز صليوا صنا( الدين).
المستخدمون:
جبرائيل كادو، يوسف كعكلا.
درجاتي في الامتحان الوزاري:
اللغة العربية 54
اللغة الانكليزية 85
الاجتماعيات 68
الرياضيات 91
التربية الوطنية 68
العلوم العامة 50 
 
الصف السادس( ب)



بطاقة دخول الامتحان الوزاري
 

 
بطاقة الدرجات الشهرية
 

 
الصف السادس( أ )
الخط الاول من اليمين: الاستاذ ياقو يوسف عوصجي، الاستاذ جميل اسرائيل سيبانا، الاستاذ حبيب صادق شدا، المدير وديع حنا كجو، الاستاذ كامل ياقو دمان، الاستاذ ميخا اسرائيل سيبانا، القس هرمز صليوا صنا.
الخط الثاني: الاستاذ بهنام عبو( الموصل)، جلال حبيب كولا، جميل بطرس كولا، عادل رحيم تومي، المرحوم نجيب اسحق بدي، صادق ابلحد عوديش( عادل)، غريب كوكي، وديع حبش( ابو رياض من بغديدا) .
الخط الثالث : الاستاذ حنا ميخا القس نونا، عوني حنا الصفار، رحيم حبيب حنيكا، نبيل عيسى جولاغ، .....( لم اتعرف عليه)، صباح منصور خوشو، كليانا عوديش بدي.
الخط الرابع: سعد جرجيس حميكا، باسل ابراهيم جنو، روميل حنا قيا، بطرس ايوب رمو، سالم حسقيال شدا، ...... (لم اتعرف عليه).
الخط الخامس: نافع شكري محمد علي( العمادية)، صباح موسى ساكو، سعيد سليمان بطة، المرحوم كامل ميخا كجوجا، عزيز بولص اوسطايا،
الخط السادس: ابرم يونس شمو تاتا، سعيد يوسف كولا( مراقب الصف)، عبد اوراها كجوجا.
nabeeldamman@hotmail.com
May 10, 2010


224
المنبر الحر / دفتر الذكريات (3)
« في: 00:37 27/04/2010  »
دفتر الذكريات
(3)
نبيل يونس دمان
     ومن دفتر الذكريات انقل مديحة الراهب بطريقة الگرشوني، وضعها القس الخالد يوسف عبيا قبل حوالي المئة عام، ويروى انه سمع قصتها مغناة باللغة الكردية من الغجر المارّين من قرية النصيرية التي كان يخدمها قسيساً، فالى تلك القصيدة التي ألهمت اهالي القوش، وجعلتهم يرددون العديد من أبياتها على مر الازمنة:
مديحة الراهب
دْشْمُؤو دا يا أخنواثـــي     مَحكنّوخوا خذا قصِتـَّه
دْبرد مَلكا برونا دآزوثا     تيوا لكرسي دملكوثـــا
**********
أذي مَلكا ويوا ميوقرا     أثوالي برونا شپيـــرا
تيوا بيثا بأيقـــــــــارا     وبِشْكارا لماريح ﮔبّارا
**********
خا يوما قملي من بَيثــــــا     شْقلي أودي وغُلمواثـا
وكولّي زلّي صوب دَشتاثا     بجيالا لصيدى د حيواثا
**********
بصيدا ﭘشلي تري يوماثــا    أجبليلي تدْ دائِر لبيثـا
بأورخا تفقلي بگوخا ميثا    شِپْرحْ مْخُبلي مِزدوثا
**********
لبيثا ثيلي بأي عدّانــــا     كليلي قَم بابِح حَنانــــــا
ميري يا ملكا وشُلطانا     شوحوخ فاني مِنِّح تنانا
**********
ميري يا بابي بْحَقوثــا     ان كُلّن طـَمخلي موثا
لك لزما حكاما لملكوثا     لا لأودي ولا غلمواثا
**********
يا بروني توري أجبونُخ     وهيّو لدپني تدْ أمْرنّوخ
وان كِبتْ مَلكا بْدوذنُّــــخ     بش ْمكلّي بزايد أيقارخ
**********
يا بروني هي أيتو لتختا     واذ ﮔيانوخ بد ﭘيشا نختا
اوذ حكما هم لدولتـــــــا     وبثرديخ ميثنوخ بَختــــا
**********
بابي لك يَتون لْتختا     ولگبني حْكاما لدَولتا
ﮔباخن تهاوِن فقيرا     پيشِن خاشِخ لمَلكوثا
**********
أيگا من بيثا بلطوالي     وخاتِر من بابح شقلوالي
لأثرا رحوقا زلوالــي     بْگو اثرا د بَغدد سْكنوالي
**********
تاما پشوالي هَم حيرا     من سَبب دويوا برد ميرا
پشوالي بحالِح فقيــرا     پلخلي بصنيتا د زَبيــــرا
**********
بيوما زاقِروا زبيـــري     بليلي صلوي وزموري
رش آذي ويوا ديورح     بشكارا لآلها ماريـــــح
**********
اذ ربّن مسوقلا بطاواثا     واثوالي غذا قومتا خليثا
وپرسوپح مليا حليوثــا     بگاوح معجباوا ناشوثــا
**********
قملي خا كا من يوماثا     سقيواري طلث قناثــا
ثيلي مزبنيلي بگوماثا     وگاخرتا دا إروا لقليثا
**********
هم گاگا لماثا آثيــــــوا     مَخرجْوا ديّح صَنيتــا
هم زاونوالي ميخولتا     گاخرتا لكوخِح دائروا
**********
بي ماثا اثوا غذا بختا     خاتون و بخ د ميرا مرتا
خيرا إلِّحْ بأينا بشتـــا     كم صليالي بخذا حوشتــا
**********
كم عيطالي دآور لبيثا     ميرا طالح گو حقوثـــــا
يا ربن مليا حليوثـــــا     هي زّونن مِنُّخ سنيقوثا
**********
يا ربّن اودا وفقيـــرا     صپرا سقوري خا زبيرا
حقوخ بياون خا ليرا     حقا ديلي لبيثا د ميــــرا
**********
رش ريشي خاتون بزقرنَّخ     زبيرا طاوه بْگذلِنــَّــخ
كبلي أينح بأيقـــــــــــــــارا     پلطلي من بيثا بشلاما
**********
مخشكا مشنثح قموالــي     بالِح لعقارا هولوالــــــــي
خذا كرتا توري قطيوالي     زبيرا د خاتون سقروالي
**********
هم بشطلي لاورخا لأيثايا     ورشْ روشح كمداريوالي
لبيثا د ميرا مقدموالـــــي     زبيرا د خاتون ولوالــــي
**********
كم عيطالي د آور لبيثا     هي شقلن منخ سنيقوثا
كم لگزالا أينح لخدمتا     بگو قلولا سْودلا دَرْتـــا
**********
يا رَبّن جونقا جندايـــــا     وما كلزما دهاوت بجهايا
ولا ايخالا وهم لا شتايا     هم باذي شولا مريــــــرا
**********
يا ربن جونقا وجلبي     هلـّي أيذوخ وهَيّو لصوبي
كم بأيَنُّخ مكلـِّح لبـّـي     دْپرشَن مِنُّخ آنه ليبـــــــي
**********
يا گذالا بگوحصيـــــــــــــري     د أور مكل شولي مريري
هي دموخ لتختي ومحفوري     بد خدميلوخ گو ايقــــارا
**********
يا خاتون مر عاقل وهونا     ولا حاكم بلبخ ساطانـــا
خور لموثا مريرانــــــــــا     وكلايه قم كورسي ديّانا
**********
يتوميون دله بابه ولا يمه     ولتي لا اخونا ولا برد عما
ولا صنيتا د مخلا لخمــــا     ربن أيون شوقلي علمـــــا
**********
شويقالي كُلح ناشوثـا     وكپيري بكل شهوتياثــا
مُسنيلي كُل ميخولياثا     تد پيشن خاشخ لملكوثا
**********
يا ربن أودا وفقيـــــــــرا     لگبي بدوذنخ وزيــــــــرا
لوش قابايا بدهوا سقيرا     وأشقل طالخ بختا د ميرا
**********
يا ربن ديوت درويشـــــا      لكبي بدوذنخ مر بيشا
وحكمت لأودي وغلمواثا     لترزي ترزي دم ذيناثا
**********
يا خاتون بسا من محكياثا     ولگبني رتبي وبيشاثــا
وقط لا حكاما لمذيناثـــــــا     ولا ﭘيشن گليزا ملكوثا
**********
ايداثح بسيما مُلبِشـــــلا     وپقرتح بدهوا مخشخشـــلا
اريلا لربن بيذح گرشلا     غضب وحمثا د تورا لوشلا
**********
يا ربن گليزا وفقيـــــــرا     دخور بث مال ودولتا
بشپري وبث قمتي حليثا     كم بأينُّخْ ليبا خطيثــا
**********
يا خاتون يا شيذانيثـــا    وبي حيا ومر پاثا قويثا
ديخ كمرت ليبه خطيثا    بم في اويرخ لكاواياثــا
**********
ان گزدت مناشي ابرانا     ولا كزدت ملكي درومانــي
ديلي مپيد بكل دوكانـــه     طاوى كبي ولپيشي كْساني
**********
يا ربن ديوت شيذانــــــــا     ولتّوخ لا عاقل ولا هونا
خور بذ شپري ما بهرانا     ولا ما فيتت أث عدّانــــا
**********
ويا خاتون يا شيذانيثــــــا     وبي حيا ومر پاثه قويثا
اور مني ولك پلخن خطيثا     د محمصن ماري دبريثا
**********
يا خاتون مليثا گوروثــــا     ولگباري شوله بخرطوثا
زدو مكرهاني وسيبوثـــا     موثه بداثي كو حقوثــــا
**********
يا ربن اودا وفقيــــــــــــرا     ديخ خواثي انا بخت ميرا
كل حاكم د أودي وبصيرا     كم شاهي دأمريلي خبـرا
**********
يا خاتون ويا بختا د ميرا     ودخ خواثي اودا وفقيـــــرا
أيحيذايا وغاشم بـــــــورا     ولك نخبت مأذ شولا بصيرا
**********
يا خاتون بسا اور منــــي     وبگاوخ قط لا خيري اينــــــي
وله مپصخن دجمني دئي     ودمحمصن مشيحا مخلصاني
**********
يا خاتون متخمل خا قصا      ولاذ دني كلح بد خلصـــــــــــــا
ومن موثا قط ليث خلاصا      وقم مريا ليث لا حشتا ولا بلصا
**********
اذ دني منخ بد فيتـــــــــــا     واذ لشخ يقورا مفتفتــــا
وقم مريا ليثن چو حوشتا     هر پخورثا بهويت غبنتا
**********
أث شِپْرخ منَّخ بدْ فيتــــــا     ومال ديّاخ پايش تا خنّي
وبد سابس بقوراثا عفيني     واخا بقنيَت لوحا وشننـا
وبي دني كادي كومي
**********
وان كبت د قنيت بوسامي     د قريلي مشيحا مخلصاني
دم خالصلخ من سَطانـــــا     ويا ولّخ خيلا وروحنــــــا
ودِمْ كَمْلَت ديَّخ أجبونا
**********
يا خاتون بسا اور مخطيثا     ودمقريلي مشيحا بشپلپيثـا
ومنثر دمئي دتياووثــــــــا     وتد غفري حطاياخ كبيري
**********
دبسا محكِت كبيـــرا     ولا تا نيَت قامي ﭽو خَبرا
عدّانيلا د آثي ميرا     دْ مَطميلوخ موثا مَريـــرا
**********
بد شَكْينّوخ گيبد ميـــــرا     وبد أمرنّي اذ ربّن بورا
وكطالب مني شولا سريا     وبد قاطلوخ ليبا چاره
**********
ربن حيذايا يعقونا مليوالي     وقريلي لمارح دمعينوالي
بْلِبّا شْحيقا لمارح قريوالي     مبيثا لألولا مفرفيــــــري
**********
انتهت هذه القصة الرائعة
صلوا عشرة ابانا الذي وعشرة سلام لك للذي ألف هذه القصة
استنسختها من ابن العم عادل موسى شمعون
قرأتها يوم 1-2- 1966
nabeeldamman@hotmail.com
April 26, 2010

225
المنبر الحر / دفتر الذكريات (2)
« في: 00:45 20/04/2010  »
دفتر الذكريات
(2)
نبيل يونس دمان
     في 30- 7- 1967 نقلت ما دونته بالاوراق لاحتفظ به الى يومنا هذا. سجلت ملحمة جلجامش التي راواها مدرس التاريخ الاستاذ سعدي شيت الجبوري في ربيع عام 1964 وانا في الصف الاول متوسط، انقلها هنا بنفس الاسلوب والنحو والسرد وحتى الاخطاء التي رافقتها، بامكان القارئ اكتشافها بسهولة، فالى المدونة التي انقلها من الدفتر المذكور، الذي يعود الفضل في الاحتفاظ به من الضياع طوال الفترة الممتدة الى 43 سنة الى والدي العزيزين: يونس ياقو دمان وكرجية كوريال اودو اطال الله في عمرهما:
ملحمة جلجامش
     كان( جلجامش) حاكم لمدينة( الوركاء) وكان الناس يكرهون حكمه لهم لهذا اتصلوا بالإله( آنو) وقام الإله المذكور بالاتصال مع الإلهة( ارورو) التي خلقت( جلجامش) بالذات. فخلقت الإلهة من الطين رجل كبير يشبه الحيوان سمته( انكيدو) فذهب الى البراري وعاش عيشة الحيوانات. وصل يوما قريبا من( الوركاء) وكان يوجد في تلك الامكنة عين ماء كان ( انكيدو) يشرب منها الماء كباقي الحيوانات وفي احد الايام بينما كان احد رعاة الغنم ذاهباً الى العين رآى فيها انسان يشبه الحيوان وهو( انكيدو) فخاف منه لاول وهلة ورجع مسرعاً الى المدينة مخبراً الملك( جلجامش) بكل ما رأى.
     فدبر( جلجامش) حيلة استطاع بواسطتها الراعي ان يجلب( انكيدو) الى المدينة وهكذا دخل( انكيدو) الى( جلجامش) وعاشا معاً عدة ايام حتى استطاع يوماً( جلجامش) ان يسيطر عليه واراد قتله فرجا منه( انكيدو) كثيراً فلم يقتله واصبحا منذ ذلك اليوم صديقين لا يفارق احدهما الاخر كالاخوين. وفي يوم من الايام ذهب( جلجامش) ( وانكيدو) الى احدى الغابات التي كان البشر محروم من الدخول اليها من قبل الآلهة ولم يسكنها غير الآلهة فدخل البطلين فيها وخلال دخولهما وجدا على بابها شيء كبير جداً يسمى( خمبابا) وكان حرساً صنعه الآلهة للمحافظة عليهم ولم يصعب على( جلجامش) لانه كان ثلثيه اله وثلثه بشر فاتصل بالاله( الشمس) ان ينقذهم من هذا الخطر فصنع الاله ريحاً قوية فجمد في محله وادخله( انكيدو) بقوته في الارض. وبعد ذلك رجعو الى المدينة ظافرين بهذا النصر واحتفلو في ذلك اليوم احتفالاً رائعاً.      وعندما جرى الاحتفال بحضور جميع افراد القرية احبت الإلهة( عشتار) بنت( الإله) ( انو) ( جلجامش) ولكنه لم يحبها لانها كانت متزوجة من احد غيره وقتلته فخاف( جلجامش) ورفض الزواج بها فذهبت الإلهة الى والدها واخبرته بكره( جلجامش) وغيضه لها فخلق( آنو) مرض في( انكيدو) دام ثلاثة ايام وتوفي فحزن عليه( جلجامش) لان قوته كانت به.
     وهكذاخرج( جلجامش) من( الوركاء) الى الغابات والبراري حتى وصل الى جبل يقال انه جبل في لبنان وهو جبل( نصير) فدخله بعد ان قتل الحرس المبعوثون من قبل الآلهة وفي داخله وجد بيتاً يسكنه إلهاً مع زوجته فقال( جلجامش) اين جدي( اتونابشتم) فسأله الإله عن السبب فقال كيف صار خالداً فاجابه قائلاً ان الخلود يمنح للالهة فقط وليس للبشر واراد الاله قتل( جلجامش) ولكنه فشل لان( جلجامش) كان ثلثيه إله وثلثه بشر.
     فاخذ( جلجامش) يسير عبر الجبال حتى وصل الى بحر يقال انه البحر المتوسط فدخل احد البيوت الذي يسكنها الآلهة وسال عن جده( اتونابشتم) وكيف صار إلهاً فقال ان الخلود يمنح للآلهة وليس للبشر ولم يخبره عن مكان اقامة( اتونابشتم) ولكن زوجة الاله عطفت عليه وقالت له ادخل في هذه السفينة فدخل فيها وعبّرته الى الطرف الثاني من البحر. فنزل( جلجامش) مع الإلهة وقالت له هذا بيت( اتونابشتم).
      فدخل( جلجامش) فيه وقال( لاتونابشتم) كيف صرت خالداً فقال الخلود للآلهة وليس للبشر ثم اخبره القصة وقال غضبت الآلهة على البشر فارادت احداث طوفان وكنت ساكناً في قرية( شروباك) ولكن احد الآلهة المسمى( اياه) وصاح بجانب بيتي وقال اصنع لك سفينة وادخل فيها انت مع جميع انواع الحيوانات. فصنعت سفينة ودخلت فيها مع جميع انواع الحيوانات ودخلت الى البحر.
     فحدث الطوفان اذ هاجت الزوابع واملأت الماء اليابسة ودامت ستة ايام ومات خلالها جميع البشر والحيوانات عدى الآلهة وسفينة( اتونابشتم) وفي اليوم الرابع من الطوفان ارسلت حمامة ولم ترجع وارسلت طير السنونو ولم يرجع ولما ارسلت الغراب ولم يرجع عرفت انها دلالة ظهور اليابسة فخرجت من السفينة مستقراً في جبل( نصير) فاحبوني الآلهة واصبحت بينهم خالداً.
     اما بالنسبة الى ( جلجامش) ، فان( اتونابشتم) بعد ان قص عليه خبر الطوفان وبرهن له على العذر حصول الانسان على الحياة الخالدة ودلهُ على نبات عجيب ينبت في غور البحر اذا اكل منها الانسان عاد اليها شبابه.
     وحصل( جلجامش) على ذلك النبات الذي دله عليه( اتونابشتم) لانه كان ثلثيه اله وثلثه بشر ورجع الى( الوركاء) وفي الطريق ذهب الى مكان لشرب الماء ووضع النبات جانباً وبدأ بالشرب وخلال ذلك سرقت الحية ذلك النبات التي استطاعت فيما بعد بواسطته ان تعيد اليها شبابها بنزع جلدها كل عام. 
nabeeldamman@hotmail.com
April 19, 2010


226
المنبر الحر / دفتر الذكريات (1)
« في: 22:48 12/04/2010  »

دفتر الذكريات
(1)
نبيل يونس دمان
    في 30- 7- 1967 نقلت ما دونته بالاوراق لاحتفظ به الى يومنا هذا. سجلت جدولا باسماء رؤساء بعض الدول التي واظبت على جمعها من اخبار راديو الوالد نوع( سوني) وبعض الصحف التي كان يجلبها من بغداد خالي يونس اودو الطالب في المعهد العالي للتربية الرياضية انذاك. لقد كنت متحمسا لمواصلة تسجيل اسماء الملوك ورؤساء الدول المختلفة، وحينما عرضتها على مدرس مادة التاريخ الاستاذ ذنون يونس الموصلي، ابتسم قائلا: انها هواية لا قيمة لها بسبب تغير تلك الاسماء على مدار الزمن، مما ادى الى فتور وجهتي تلك، يطيب لي الان نشرها مع ملاحظات ادونها بعد مرور 43 سنة:




 
The first page of the notebook dated 7- 30- 1967
nabeeldamman@hotmail.com
April 12, 2010

227
المنبر الحر / حادِثة بَكْروكـَه
« في: 02:04 26/03/2010  »
حادِثة بَكْروكـَه
نبيل يونس دمان
    يقول الراوي : سمعت هذه القصة وكان عمري حوالي خمس عشرة سنة من عمي سليمان الذي توفي في 1950 ، وهو في شيخوخة طويلة ، اي قرابة المئة عام ، وهكذا اذا حسبنا على هذا الاساس يكون تولده قرابة 1860 . ولكونها طريفة حفظتها طوال هذا الوقت .
     وقعت الحادثة أيام  يوسف رئيس ( 1803- 1879 ) ، وفي زمن أغا الكوجر( إسماعيل ) ، وعلي بك ( جد تحسين سعيد ) أمير الأيزيدية الحالي . كان اسماعيل أغا يملك اعدادا ً كبيرة من الأغنام تصل الى أربعة او خمسة قطعان ، من الواضح أن عملية تغذية هذا العدد من القطعان في فصل الشتاء تكون صعبة إن لم تكن مستحيلة ، حيث لا مراعي ولا مروج ، بسبب هطول الثلوج . يخزن بعض الناس العلف لتلك الايام لأن في بعض تلك الايام لا تستطيع الماشية مغادرة ملاجئها .
     كان يصعب على اسماعيل أغا تدبير العلف لاعداد أغنامه الكبير، ولذلك اعتاد في كل شتاء ان يسرح بأغنامه ، حراسه ، حريمه ، خيله ، خدمه ، من اعالي الجبال المكلله هاماتها بالثلوج جنوبا ً الى مناطقنا ، حيث يشتري مراع ٍ في جبالها ( ﭙاوانـِه ) من الأيزيدية في الجبال المحيطة بقرى باعذرا ، خورزان ، كـَرسافه . خصوصا في الجبل المقابل لقرية خورزان ، الذي تكثر فيه الكهوف الواسعة والعميقة (رأيت العديد منها عند تواجدي في المنطقة ) . مناطقنا قليلة الثلوج في الشتاء وبالتالي تبقى مراعيها حيوية فترة طويلة من أشد أيام الشتاء برودة، لذلك كانت قطعان الاغنام تبقى فيها طوال فصل البرد ،  وحتى مطلع ايار حيث يسوقها الرعاة صعودا الى الزوزان ، لتقضي الصيف بأكمله وحتى نهاية الخريف ، وتتكرر الرحلة نزولا ً وصعودا ً في الاعوام التالية .
     عندما تعود القطعان ..... يباع فائض منتوجها من اللبن والجبن والصوف والسمن الى مناطقنا ، وتشتري حاجاتها من اسواقنا العامرة بالسكر والشاي والصابون والملابس ، وكذلك المونة من برغل وجريش وحبوب وبقول وطحين.
     في تلك الرحلات التي فرضتها المواسم والطبيعة والمصالح المتبادلة ، كانت تقتضي ايضا اقامة افضل العلاقات مع ابناء منطقتنا ، فكان اسماعيل يصادق أمير الشيخان ورئيس القوش ، وعندما ياتي اليها كان يحل ضيفا عند أيسفي كوزل ، وبذلك تطورت الصداقة بينهم وبين باقي وجهاء قرى المنطقة .
    يدور الكلام بأسره عن كثرة الاغنام التي يمتلكها اسماعيل اغا ، كانت تعود من مرعاها الى الكهوف في الليل ، فاذا كان الجو حارا ً فانها تحجز في اماكن مسيجة بالاحجار او الاخشاب ، ويطلق على تلك المسيجة التي لها باب ومفتوحة على السماء ب ( كوتان ) . اربعة الى خمسة قطعان من الاغنام ،  يتركها الرعاة ، ويبقى كلب واحد يحرسها جميعها ، يكاد لا يصدق ولكنها الحقيقة ، كانوا معتمدين على ذلك الكلب ، فاذا اقترب حيوان يفترسه ، واذا جاء ذئب يقطعه ، واذا تقدم لصوص او اناس غرباء للسرقة ، يهجم عليهم ويمزقهم ، لا احد يستطيع التقرب منه ، لا من الحيوانات ولا من اللصوص ولا من الحيوانات الا اذا استخدموا الأسلحة ، عند ذلك يهب رعاة الأغا وحراسه بالسلاح ليدافعوا عن المكان ، وتحدث جلبة وطلب النجدة ( هاور) فينهض الجميع لرد اللصوص .
     في احد الايام وفي واحدة من زيارات علي بك لإسماعيل أغا كأن يكون للتهنئة بالعيد او للترحيب بهم او لزياره بهدف معين ، جاء علي بك الى تلك المنطقة الجبلية ، فرحب به ضيفه بحفاوة ، وبعد احاديث متشعبة ، سأل علي ما يراود ذهنه بالقول :
- اغا انا معجب بك كثيرا واتساءل كيف يبلغ بك الامان والثقة ان تترك آلاف الاغنام في حراسة كلب واحد , كيف تطمئن نفسك الى ذلك ؟.
 قال اسماعيل اغا :
- علي بيك ..... في الحقيقة ، ليس لهذا الكلب من مثيل ، مجرب ولسنين ، في قوته وشراسته ويقظته ، فلا احد من البشر او من الوحوش يستطيع التقرب من الاغنام ً، في الليل او في النهار ، اذا كانوا لا يستخدمون السلاح ، اما اذا استخدموا النار ، فيهب جماعتي على اثر النداء ( الهاور ) ونتقدم جميعا حال سماعنا ذلك او اي صوت لاطلاق النار، فنحن كل هذه السنين مطمئنين تماما ً الى قدرات هذا الكلب الأعجوبة ، وباستمرار يزداد فخرنا به .
   لم يصدق على بك ذلك وابدى شكوكه ، وبعد اخذ ورد ، آل الجدل الى رهان ، فقال الأغا :
 - الاغنام متروكة هكذا في العراء ، ليتقدم من يشاء ويجرب ، طبعا نحن غير مسؤولين اذا المتقدم قتل من قبل الكلب ، عندها لا يحق لاحد ان يطالب بدمه ، وبالعكس هذه الاغنام وهذا الكلب امامكم ، كل يوم ، وليتقدم من يرى في نفسه الشجاعة ليتقدم وليسرق ما يروق له من الاغنام ، شرط ان لا يستخدم السلاح الناري ، ويستطيع استعمال السكين او الخنجر او العصا او الگوپال ( عصا معطوفة الراس ) او اي شيء من هذا القبيل . اشترطوا بينهم ، واعطى اسماعيل مهلة شهر الى علي بك ليستعين بكل جماعته لياخذ ما يشاء من الاغنام ، ومن يفترسه الكلب يخسر نفسه .
     انتهت الزيارة وعاد علي بك الى باعذرا ، اهتم بالمسألة جيدا ، واخذ يرسل كل ليلة خيرة رجاله من شجعان الى قطاع طرق الى لصوص الى مهربين ( قچاغه ) ، واستعان بعصابات من منطقة زاخو معروفة ( يطلق عليهم قايذنايه ) ومن مناطق سنجار، وجميعهم اخفقوا ، ومضت ثلاثة اسابع على الشرط ( قول ) . كل هؤلاء حاولوا التقرب من الاغنام لكن بمجرد صدور اصوات بسيطة ( دمدمة او حمحمة ) من ذلك الكلب الاسطورة ، فانهم يهربون ناجين بجلودهم . ماذا بإمكان علي بك ان يعمل ، وقد بقي له اسبوع من شرطه مع الأغا ؟ .
     في احدى زيارات البك لرئيس القوش يوسف رئيس الملقب ( أيسفي كوزل ) في بيته ، والمسألة تشغل باله كثيرا ، اذ كيف يفشل امير الشيخان وقومه ( ايزدخانه ) وكل رجاله ومهربيه وشقاته ، في ايجاد حل لذلك الكلب اللغز ، واثناء جلوسهم واحاديثهم ، لاحظ يوسف علامات الحيرة في وجه جاره ، ولم يتمالك قائلاً :
-  ما شان البك ؟ انا لا ارى علامات الارتياح في وجهه ، فماذا يشغله ؟ .
 اجاب علي بك قائلا :
- خواجه أيسف ...... لا تصدق ما اقوله لك عن الرهان مع اسماعيل أغا ، وحاولت جهدي خلال ثلاثة اسابيع لجلب ولو جدي او طلي واحد من قطعان الأغا ولكني عجزت تماما ً.
 اجابه يوسف :
-  احقا ما تقوله ايها البك ؟
-  نعم ... وما العمل ... باقي لنا اسبوع ، ونخسر رهاننا مع اسماعيل اغا ، وهي مخجلة وملامة كبيرة لنا ، خواجه أيسف .
ضحك أيسف وقال :
- ليس هناك ابسط من هذه المشكلة .
وسال البك متعجبا :
-  كيف هي بسيطة ، خواجة ؟
     نادى يوسف على خادمه وقهوجي الديوان الملقب ( بكروكه ) لقصر قامته وخفته ، وهيئته الفقيرة ، وفي كل الاحوال لا تبدو على قسمات وجهه الشجاعة او القوة ، عمله كل ليلة في الديوانخانة ، حيث يقدم القهوة والسكائر للضيوف . جاء بكروكه مسرعا .ً
 فقال له يوسف :
- يا ولد ( قليت ) بكروكه اسمع ما يقوله البك .
      كان البك غير راغبٍ  بمخاطبة بكروكه للاسباب السابقة ، ولكن طلب يوسف منه ان يتلو القصة والموضوع ، جعله يتكلم عن الكلب الشرس الذي حيرّهم ، ومن بداية الحكاية وحتى الوقت الذي هم فيه .
بكروكه يخاطب يوسف :
– كم رأس يريدني ان اجلب له من قطعان الأغام؟
  البك دون ان ينتظر جواب الخواجة .
 – هات راس واحد فقط وليكن خروف او ماعز صغير ، فقط اريد ان أوفي بالشرط .
بكروكة منشرحا ً.
– لا بيك سأقطع لك مجموعة ( بالآرامية الدارجة بـِرَّه) من الاغنام .
( عند كلمة " برّه " وقف متحدثي يتكلم عنها طويلا ، بما يوطد الموضوع ويمنحه بعدا ً تراثيا ً) فيقول :
     لم اسمع باستخدام هذه المفردة الدالة على عدد محدد من الماشية في قرى اخرى ، وقد تجولت في العديد منها في شمال الوطن الحبيب. فقط تستخدم في القوش للتعبير عن عدد الماشية ( اغنام او ماعز ) وتساوي عشرة رؤوس ، فالذي يقول لدي 3 بـره من الاغنام اي 30 راس منها ، واذا قال 7 برة اي 70 منها وهكذا حتى المئة عندها تتحول المفردة الى كلمة ( قـْوطَة ) ، فاذا قال احدهم : ان فلان يملك قوطِة من الاغنام اي المئات منها ، وغالبا ما يتجاوز القوطة الواحد عن المئة الى 150 او 180 . في المحلة الواحدة من القوش كان بعض البيوت تمتلك 20 راس او 2 بره وبعضها 4 بره واخرى بره واحد ، فتجمع حصيلة عدة بيوت ليكتمل قوام قوطة ، عندها يستلمها ( شفانه)  الى المراعي المنتشرة في الوديان او السهول او الجبال ( وكلمة شفان تعني راعي بالكردية ، وفي الآرامية رَعيا ) يقول يسوع المسيح : انا هو الراعي الصالح ( آنيون رعيا طاوة ) ، والحال كذلك مع كلمة ( كافانا ) التي تطلق على راعي الابقار وهي كلمة كردية يقابلها بالارامية ( بقارا ) التي يطلقها بناء شعبنا في قرى بلاد النهرين الخالدين .
     في القوش الاربعينات من القرن المنصرم ، كانت توجد حوالي 20 قوطه غنم اي بحدود 2000- 3000 منها ، ففي محلة قاشا حوالي 4-5 قوطه ، وبيت قوجا مثلا كان يملك لوحده قوطة واحد وبيت ابشارة قوطة ، وبيت متاية قوطة وبيت مرخو قوطة واخرى تجمع من عدة بيوت كما سبق الحديث. كان لنا حوالي 4-5 بره وبيت ميخا عملي عدد من بري وبيت ياقو قيا . وفي محلات اخرى كان بيت بتوزا وبيت خوبير وبيت حنيكا ويقوندا واسطيفانا وغيرها يمتلكون بالمئات ( قوطِه ) . عندما كنت بين التاسعة والعاشرة من عمري كنت اذهب امام الخرفان لرعيها ، وابن عمي الذي كان يكبرني بعدة سنوات ، ينام طوال فصل الربيع امام الغنم ، مع ميخا أپا وغيرهم ، كانوا يدعونهم ( شـَڤ نوبه ) . ففي الربيع كان اصحاب الاغنام لا يرجعونها في المساء الى البيوت  بل تبقى اشهرا في العراء ( برية ) وفي العصاري تحمل الحلابات عشاء الرعاة ، يخرجن من القوش يقصدون المراتع الخضراء التي يقيم فوقها بشكل مؤقت الرعاة والقطعان . فيما ينهمك الرعاة بالعشاء تتحرك الحلابات نحو الغنيمات الممتلئة صررها باللبن ، ويشرعن بحلبها ، فتمتلئ بعد قليل سطولهن ( ستلوكات ) بالحليب الحار، يجلسن بعدها قليلا يسامرن الرعاة ، ثم يعودن الى البلدة حيث بيوتهن واطفالهن متلهفين ، للحليب القادم من بعيد .
 بعد هذه التعريجة نعود الى بكروكة وهو يخاطب رئيسه :
 - عزيزا ( احد ألقاب ايسفي كوزل ) متى ينبغي الذهاب لتنفيذ المهمة ؟.
 اجاب علي بك نيابة عن ايسفي كوزل :
- اذا امكن اليوم .
بكروكة مكررا السؤال :
- صحيح ، هل اذهب اليوم عزيزا .
- اذهب ( سي قليت ) معهم الان .
     جهز بكروكه نفسه جيدا ولبس سرواله وقفطانه ( مقطنيثه ) وحذاءه ( كالِكِّه ) ثم انطلق لا يلوي على شيء ، وسار مع المجموعة التي يتقدمها امير الشيخان ، وحتى بلغ قرية باعذرا ، والتي منها سينطلق الى جبل ( بي قينا ) مقابل قرية خورزان . في ذلك الجبل هناك خرائب دير بأسم ( بي قينا ) لا زالت قائمة ومعناه دير بنات العهد ( بيث قيما ) قياما قيمثي ( مزمور ) اي عهد وضعت . كذلك في كرسافا القرية الايزيدية المجاورة ، لازالت جدران الدير قائمة وإسمه دير بيث مريم والجدران من مادة الكلس الابيض ( كلشا ) ، في موسمه كل عام تتماوج الشموع التي يشعلها وقارا ً وخشية من رب الارباب ، اخوتنا الايزيدية المقيمين بقرب  ذلك الموقع التاريخي ، العميق في وجدان المؤمنين بالله سبحانه وتعالى .
      الى ذلك المكان سيتوجه بكروكه متوكلا على الله ، قبل ذلك تناول عشاء فاخرا ً جهزه له خدم الامير، وبعد استراحة قصيرة ، نهض على قدميه وطلب منهم بساطا ً قديما ً( تحتية )  وكذلك شليلة خيط متين ( گـذته ) .
  ارتفع صوت علي بك آمرا ً :
 - خذ ما تشاء يا بكروكه من البساطات المفوشة في ديواني ، وهي من النوع الفاخر .
     وطلب من خدامه تجهيزه فورا بلفة خيوط من الوبر الممتاز. استلمها بكروكه واختار احدى البساطات من الديوان . فطواها بسرعة ووضعها تحت ابطه ، ليودعهم ويخرج مسرعا ، الى فضاء القصر والظلام يطبق الآفاق . في تلك الاثناء نظر علي بك في اثر ذلك الذي لا يشبه الرجال بل تخيله من اشباههم ، لقصر قامته ، وشكله ، وهيئته ، غير مصدق ابدا انه اهلا ً للمهمة الخطرة التي هو في صدد ايجاد مخرج لها . بكروكه من اشباه الرجال ، دميم المنظر ، فقير في كل شيء ، كيف يقبل المنطق ان ينسج بطولة عجز عنها رجاله ، ابدا لم يصدق ولم يثق بالموضوع برمته ، ربما راودته شكوك بان مسخرة اخرى تنتظره ، وهذه المرة من رئيس القوش ايسفي كوزل ، ثم يرجع مسائلا ً نفسه : هل يعقل برجل وقور مثل اييسفي كوزل ان ينحى هكذا ، ماذا بامكان بكروكه ان يعمله ، هل يلعب معنا لعبة ، فياخذ البساط ويمضي الى بيته ، ولن نراه بعدها ، كان يجيب نفسه قائلا " لا ... لا ... غير  معقول ، وان حدث ذلك فالملامة تكون على ايسفي كوزل " على كل حال ، في تلك اللحظات من مغادرة بكروكه راودته كل تلك الافكار ، ان لم نقل الاوهام .
    اما بكروكه فتوجه صاعدا في الارض الوعرة المحيطة ، قاطعا ً المسافة حتى بلغ اسفل الجبل ( بي قينا ) عند قرية خورزان الراقدة بوداعة في ذلك السفح ، لتقضي ليلتها الحالكة الظلام وبانتظار فجر جديد ليصبِّح كل انسان فيها الى عمله ، في الحقول او المراعي او اعمال البيوت ، وفي لجـّة الحياة التي قرارها هكذا منذ الازل وسيبقى .
     في الليل تتجمع الاغنام في اماكن مسيجة مفتوحة من الاعلى تسمى ( كوتان ) ويذهب كلٌ من الرعاة الى بيته او مكان مبيته في كهف او تحت قطوع صخرية ( لوحده او مع عائلته ) . بعد العشاء ( تعليله ) تصبح الاغنام في حراسة ذلك الكلب الذي سبق الحديث عنه . وصل بكروكة بخفته المعروفة الى اسفل الجبل او قاع الوادي وقبل ان يصعد الى جبل بي قيما وعند باب الكلي ( الوادي ) الذي يجري فيه نهير صغير ، جلس بكروكة ووضع ما بحوزته من مقتنيات ليشرع العمل .
     وضع البساط ارضا ، ثم اخرج خنجره الصغير فقطعه الى قطع محسوبة الابعاد والاشكال ، ثم خيطها بالاستعانة بإبرة خشنة (أرتخه ) صنع من ذلك معطفا ً وبريا ً  يسمى محليا ( كپنـّك ) ، وعمل له غطاء راس ( سَر كـُلاڤ ) من طبقتين من مادة البساط . المعطف الذي اجاد في عمله ، كان يفي المرام ، متينا يغطي الرأس وحتى اخمص القدمين ، ظل يمرر خيوط اخرى لتمتين العمل وجعله يقاوم ما هو مقبل عليه . مما تبقى من الخيوط ضفر منها حبلا ً اكثر متانة ( شلالة ) واداره حول جسمه بعد ان ارتدى المعطف . ومن ضمن حاجياته ايضا كانت قصبة ( بلـّرته ) خشبية طولها اكثر من متر وقطرها يعادل قطر الخشبة التي تستعمل في قياس الحبوب في البيع والشراء ( گرمته ) ، تلك الخشبة الخاصة كانت معه مذ مغادرته بيته . جلس في اسفل الوادي حتى انتصف الليل وساد المنطقة الهدوء ، انقطعت الضوضاء وخمدت النيران التي كان يتحلق حولها الرعاة طلبا للدفء والمسامرة في ذلك الشتاء من شتاءات بلاد بيث نهرين . هنا نهض بكروكة وتاكد من لبسه الصوفي ومن متانه وعدم وجود اية ثغرة او اماكن ضعف يمكن اختراقها ، وتحرك الى النهير بقربه وارتمى ، مرغ نفسه فيه جيدا ، في ذلك البرد والليل الذي لا يؤانسه شيء سوى ما يشغل فكره وينجح مهمته الصعبة . ترك المعطف يتسرب الماء اليه يشرب جيدا ً من كل جهاته من الظهر والبطن والرقبة والراس ، حتى وصل حدا ، لو حاول رجل مفتول العضلات خرقه بخنجره ، لا ينفذ ملليمترا ً واحدا ً ( كل المواد التي استعملها كانت عالية الجودة ) ، ثم شرع يجر نفسه صعودا باتجاه مواطن النـَعَم ، وهو مثقل بالمعطف المبتل ، وسار بحذر وعيونه مفتوحة لاستطلاع الموقع ، والاستعداد لاي طارئ . قبل ان يصل الى هدفه في خطف عدد من الانعام ، ظهر الكلب الحارس الذي شم رائحة الغريب او ربما وصلت اسماعه اصوات معينة ،  وان كانت لكائن حذر في كل خطوة يخطوها . لم يطل الوقت كثيرا حتى كانت المواجهة بين الانسان والحيوان، الاول في ذهنه الوقاد والثاني في خفته وفرط قوته ، في البداية اصدر الكلب دمدمات كانها النغم قبل ان يتصاعد انفعاله ، الى نباح وجلبة ، تقدم الكلب الى الامام وتقدم بكروكه ايضا ، يتقدم بكروكة خطوة وخطوات الى الامام والكلب كذلك ، اهتز المكان، وسمع الرعاة ذلك لكنهم لم يتحركوا ساكنين ، لان ذلك وارد كل يوم تقريبا والنتيجة تكون هزيمة اي عاثر حظ يحاول سرقة الانعام ، انهم واثقون تماما بان كلبهم سيهزم اي لص مهما بلغ من الفطنة والسرعة والقوة ، ذلك ما كان من الرعاة . اما بكروكه القادم من بلدة القوش العريقة ، فلم يتراجع امام الهول القادم نحوه بل تقدم اليه ، وعندما التحم الجانبان في العراك خفتت الاصوات ، اذ انهمك الكلب في عض مناطق من جسم البكروك فكانت اسنانه لا تنغرز ابدا في الغريم ، دار حوله حتى يئس، عندها وبحركة ذكية مدروسة من بكروكه فادار له ظهره ، وحالما فعل ذلك ، قفز الكلب فوقه وشرع يأكل من راسه ولكن هيهات ، فالصوف متين ، مبتل ، ومتشرب بالماء ، لا سبيل منه الى راس بكروكه وجسمه الصغير ولكن القلب الذي يحمله كبير ، مجرب في امور شبيهة بالتي تجري اليوم ، كل ذلك من اجل إخراج علي بك من مأزقه مع اغا الكوجر المعروف اسماعيل أغا .
     عبثا ذهبت عضات الكلب القوية لراس بكروكة ، وفيما الكلب منهمك في محاولاته ، ويبدو ان لا خيار اخر امامه ، استل بكروكه عصاه في يد ومررها خلف ظهر الكلب واستلم نهايتها في يده الثانية ، وسحب العصاه التي ارتكزت في منتصف ظهره ، بقوة الى الامام ، وفي الحال قصمت ظهر الكلب وتقطعت فقرات عموده الفقري ، صاح الكلب صيحة الموت وارتخت عضلاته ، منهارا على الارض ، وقبل ان يشرع بالأنين والنواح ، الذي لو حصل سيكون خطرا على بكروكه من رجال الاغا المسلحين . هنا تناول قطعة صوف من بقايا البساط ، كانت معه وألقمها في فم الكلب ، حتى يقطع اي صوت او أنين ، وفعلا تم ذلك بنجاح ، ثم حل الحبل الملفوف حول ظهره ولف فكي الكلب لفا ًمحكما ليكتم نباحه تماما ً، واخيرا ربط بالحبل المتبقي أرجل الكلب وسحبه مسافة الى جانب شجيرة هناك ( طرّاشه ) وربطه فيها . عند ذلك تنفس بكروكه الصعداء وخلا الجو له تماما ، ومضى يكمل مهمته التي من اجلها جازف بحياته ، فاقتطع عدد من الاغنام التي اعجبته من قطعان الأغا النائم بهدوء واطمئنان ، وسرح بها يسوقها بعصاه كأي راع خبير حتى باب الگلي ( الوادي ) ومنها انطلق باتجاه قرية باعذرا .
     مع مطلع الفجر وصل امام قصر الامير ، طرق الباب وجلس ينتظر البواب ( درگڤان ) حتى يفتحه ، لم يفتح الباب لان لهم نظام خاص في ذلك ، فجلس مع اكثر من بره من الاغنام امام حائط القصر ينتظر بفارغ الصبر خروج الخدم حتى يعود الى بيته . لم يطل الوقت كثيرا حتى خرج الخدم ليروا العجب امامهم ، صاح بهم بكروكه قائلا ً " تعالوا تعالوا استلموا الانعام وقولوا لعلي بك اني جلبتها له ، ولا وقت لي في مقابلته ، لان علي العودة السريعة ، عزيزا قلق الآن ، وداعا ً وداعا " . تركهم مبهورين امام منظر الرؤوس الجميلة للاغنام المسروقة من قطعان الاغا اسماعيل . في الحال ذهب قسم منهم الى حيث ينام البيك ، فأيقظوه من نومه قائلين " أس بني أس خلام ، اي يا عالي المقام نحن خدامك ، نعتذر عن ازعاجك في هذا الوقت ، لكننا جئنا في امر هام ، تعال معنا انظر بنفسك الى الانعام التي جلبها قبل قليل ، ذلك الذي لا يشبه الرجال ، لا نعرف ان كان ذلك في اليقظة او في المنام ما نراه امامنا . ان الالقوشي الذي جاء معك في الامس وغادر القصر بعد تناول العشاء ، ها انه عاد في الصباح الباكر ومعه الاغنام تركها امام حائط القصر، واودعنا بعد ان اعتذر من مقابلة البيك . بسبب تلهفه الوصول الى القوش ، كون الرئيس ايسفي كوزل سيكون قلقا عليه ، وحتى يطمئن بانه نفذ المهمة ، واختار الجياد من رؤوس ماشية الاغا اسماعيل  ابلغ تحياته وتمنياته لك بالتوفيق " .
     كل ذلك اذهل امير الايزيدية فنهض مسرعا من فراشه صوب بوابة القصر ، ليرى عددا ً من الأنعام تنام وديعة هناك . علي بك يرى الاغنام بأعينه ويخاطب نفسه قائلا ً " هل انا في الحلم ام في اليقظة ، كيف حصل ذلك ؟ هل يُصدق ما أراه ؟ كيف بنصف آدمي لا يزيد طوله عن شبر! يزايد علينا ، وينجح في عمل بطولي ، ونحن بكل قوانا من رجال ، لصوص ، قتلة ، وقطاع طرق ، من سنجار وزاخو وسينا وشيخ خدري ، وبكل ثقلنا وامكاناتنا لم نستطع ان نعمل شيئا طوال شهر من شرطنا ( قولن ) مع اسماعيل اغا " .
هذا من جانب علي بك ، اما من جهة اسماعيل اغا ، فعندما سمع الرعاة صوت دمدمة الكلب ونباحه ، تصوروا ان علي بك يختبرهم مرة اخرى ، وعندما ساد المكان الصمت بعد الجلبة وانقطاع الكلب عن النباح ، ومن خلال تجاربهم السابقة ولسنين ، تبادلوا الهمس والابتسامات ، ميقنين بان الكلب الشرس قد هزم اللصوص وربما افترس عددا ًمنهم ، تشهد تلك الارض الصخرية ، في هياكل عظام لكائنات مزقها ذلك الكلب ، وهكذا خلدوا الى النوم الهادئ ، والى سلامة الآلاف من قطعان ماشيتهم ، كما اعتادوا . لكن المفاجأة الكبرى كانت في الصباح عندما جلسوا من نومهم حيث لا ضوضاء ولا نباح الكلب ، وفيما هم منهمكون في سوق القطعان الى المراعي الخصبة المنتشرة في وهاد ووديان ذلك الجبل الأشم ، جلب انتباههم بشكل جلي هذه المرة بان الكلب مفقود ، حيث لم يألفوا ابدا إختفائه في تلك الاوقات . فكل يوم يكون ذلك الكلب مفعم نشاطا ً ، يهز ذيله متبخترا ، يدور حول الانعام ويركض هنا وهناك ، ترى ماذا جرى له اليوم بحق السماء ؟ فتشوا عنه ولم يجدوه ، نادوه ولم يستجب ، وعندما داروا حول الكوتان ، فماذا شاهدوا ؟ صعقوا وهم يرون الكلب مكسور الظهر ، مشدود الفم ، مقيد الارجل ، ومربوط بشجيرة هناك ، ما هذا الذي يروه ، هل هم في حلم ام في خيال . ما كان منهم بعد ان افاقوا على الحقيقة المرة ، الا ان يركضوا باتجاه المكان الذي ينام فيه الأغا اسماعيل ، وشرعوا ينادون عليه :
 - أس بني أس خلام ( من الكردية بمعنى : نحن خدامك يا عالي المقام )  قم من نومك لترى ما جرى للكلب .
- ماذا جرى يا اولاد ؟
 - قم معنا وسترى بنفسك ما حدث .
( نهض من نومه مستفزا ، وسار معهم مسافة قصيرة ، وهناك راى الكلب مقصوم الظهر مشدودا الى شجرة ، لا يستطيع النباح او النواح ، صفق بيديه آسفا ً ) ثم قال بأسى :
 – هي ماليمن خراب ( بالكردية : اي لقد خرب بيتي ) .
 ثم اخذ يكلم نفسه مذهولا ً :
- الف عافية لك علي بك ( قالها بالتركية عفارم ) والله لقد غلبتنا ، عفارم للايزيدية وعفارم لرجال علي بك ، لمقدرتهم الفائقة في التغلب على كلب ، كان لا يقهر ، وتحول بمرور الزمن الى اسطورة في تلك الأصقاع .
فمن هم هؤلاء الابطال الذين نفذوا تلك المهمة ، والله انهم يمتلكون الجراة والامكانية  الهائلة ، والا كيف نجحوا في الليلة الماضية . وفي الحال طلب من حراسه مرافقته على الفور، قاصدين قرية باعذرا ، وحتى بلغوا قصر الامير .
     هناك في باعذرا وفي القصر المنيف  ، تقابل الرجلان ، وقبل التطرق الى اي موضوع ، طلب الأغا من البك واستحلفه بالسماء وبضميره ما يطلبه منه ، وهو ان يرى الرجل او الرجال الذين صلبوا الكلب ، وساقوا انعامه امامهم وسط حراس مسلحين ورعاة يقظين ، اولئك الذين عركتهم المغامرات .
-  الا تعرفـّني من فضلك على ذلك الرجل الهمام والسبع الذي لا يشق له غمام ، ومجموعته التي قامت بتلك المأثرة ، انا لا ابغي سوى تهنئتهم على ذلك ، بل لاقبلهم في جبينهم ، والله يشهد كم انا فخور بهم ، واحييك واحسدك يا علي بك ، ان يكون لك رجال من هذا الطراز وبهذه المواصفاة . اسهب الاغا كثيرا في كلامه ، فيما علي يسمعه مبتسما ، وعند ذلك الحد رفع البيك صوته قائلا ً :
- كفى كفى يا أغا من اطنابنا ، فعن اي رجال تتكلم وعن اي أيزيدية تتحدث ، ان الذي قام بذلك العمل لم يكن من رجالي ، بل من رجال رئيس القوش ايسفي كوزل .
اسماعيل اغا التزم الهدوء طويلا ً ، ووضع اصبعه على احد الاوردة البارزة في اعلى راسه ، ثم قال :
- اريد الذهاب الى القوش لمقابلة ذلك البطل الذي نجح في اصعب مهمة .
علي بك ياتي بجواب سريع لرغبة الأغا في مقابلة بطل القوش ويقول :
- لقد كان معنا في الامس وانا شاهدته يا اغا ، رجل لا يجذب منظره احدا ً، قصير القامة ، ضعيف البنية ، يعمل قهوجيا في ديوان ايسفي كوزل ، لا يصدق ابدا ً ما فعله ،  شكله لا يوحي مطلقا بالبطولة ، او بإجتراح المآثر  .
- ارجو من الامير علي بك  ان يصطحبني اليهم الان .
 - بلى .... بلى ، حاضر أغا .
     جهز علي بك رجاله على الفور ، وسار موكبهم غربا ً ، قاصدين القوش ، وهم يتحدثون طوال الطريق عن بكروكه ، الذي لم يأت إسمه إعتباطا ، بل هو كناية عن صغر حجمه وضعفه ، ولكن في نفس الوقت خفة حركته ، وسرعة بداهته . عندما وصلوا البلدة كان رئيسها المهيب الطلعة ، الباسم المحيا في استقبالهم ، وهو رجل القوش الاول ، المعروف بين العشائر والسلطات التركية ، رجل يتقد ذكاء ، يفكر ليل نهار في شؤون الناس لإسعادهم ، ورفع الغبن عن الفقير والمظلوم ، منصفا ً كان أيسفي كوزل ، وشخصية قوية ومحبوبة ، انسانا ً في كل المقاييس ، وهو رجل القرن التاسع عشر في حياتها .
     استقبل ضيوفه بالحفاوة والاحترام ، وبعد استراحة قصيرة ، قال الأغا اسماعيل :
 – والله خواجة أيسف جئت اهنئك بحرارة على رجلك الذي نفذ المهمة بنجاح ، واريد ان أرى شكله ، واي طراز من الرجال يكون ، جئت لأقبـّله في جبينه .
قال كوزل :
- ليس ذلك الرجل الذي تتوقعه يا أغا ، ولكنه قهوجي أمين ، يقوم بعمله على أحسن وجه كل يوم ، وان رغبتم في تذوق القهوة التي  يعملها ، سأطلبه الان .
 اجاب الأغا بسرعة :
- عن اية قهوة تتكلم ، نحن نريد ان نقابله ونجلس معه .
هنا نادى كوزل على القهوجي  :
– بكروكه بكروكه !
- نعم نعم ، عزيزا .
 - لقد جاء الأغا والبيك من مسافة بعيدة لمقابلتك .
 قال بكروكه وعلامات الانزعاج بادية عليه :
- ماذا تريدون ، ماذا تريدون  ، إتركوني وشأني .
الخواجه أيسف مبتسما ً وبمرح يقول :
- لا لا يا ولد ، اعمل لهم على الفور قهوة ، ليتذوقوا ما تنجزه يداك ، من القهوة الجيدة ذات النكهة الخاصة .
– سمعا ًوطاعة ، عزيزا .
بعد قليل كان بكروكه يدخل الديوان ومعه القهوة الممتازة التي جهزها للضيوف ، وهو لا يرفع عينيه اليهم احتراما ً .
 ايسف كوزل يقول :
- هذا هو الرجل بكروكه الذي تريدون رؤيته .
 طالت فترة تحديق الأغا بقوام بكروكه ، وهو مبهور فاتح ثغره ، ليقول :
 - هكذا تكون الرجال .
     طلب اسماعيل بك من بكروكه ان يروي مغامرته في الليلة السابقة ، فرواها لهم باختصار شديد ، لم يخل من ارتباك واضح ، اذ لا تهمه ابدا ً الاضواء ولا الشهرة ، فقط اخلاصه ومحبته للرئيس أيسفي كوزل وبالتالي لبلدته ، تكاد تكون كل ثروته ، وتطلعه الوحيد في الحياة .
ملاحظة رقم (1) : الموضوع فصل من كتابي المعنون( حكايات من  بلدتي العريقة) المطبوع عام 2008.
ملاحظة رقم (2) : القصة سمعتها من الشماس عابد هرمز كادو المحترم.
nabeeldamman@hotmail.com
March 23, 2010

228
يؤرقني السؤال، هل حقاً مات جلال؟
نبيل يونس دمان

     جلال جلو، صاحب ارقى الافكار واسمى المبادئ، لن تمت في رحيله من على ارض استراليا، بل ستحملها الرياح وتذريها فوق موطن ميلاده ومثوى اجداده، لقد فرضت الظروف عليه، ان يعيش متنقلا من مكان لمكان، حاملاً معاناته، رافضا الاستسلام والذل، بقي ثابتاً متمسكا بتلك المثل العليا التي امتزجت مع نشأته وتطلعاته، التزم، تعهد، وأوفى، حتى لفظ انفاسه الاخيرة في التاسع من اذار، شهر الربيع والميلاد، تاركا ذكراه في قلب من عرفه في الوطن والمنافي. ربما لن اتمكن من استيعاب حقيقة مُرة، باني لن التق به، ولكن أمني النفس بأني ألتقيه تكراراً في: كل يوم يطلنا، كل تطور في وطننا، وكل ازدهار لشعبنا، هناك تكون روح ابا مسار معنا. عرفت الفقيد ايام نادي بابل الكلداني في السبعينات، رجلاً مرحاً، طيباً، باسماً، يجلس معنا وان كنا اصغر منه سناً بقليل، الا انه ببساطته وهدوئه كان يشاركنا الجلسات الجميلة، وفي اغلب الاحيان كان يأتي متأخراً بسبب التزاماته الوطنية.
     في نهاية 1978 اشتدت حملة السلطة الجائرة على الطيبين، غادرت الوطن الى بلغاريا، سكنت في احد البيوت، وبعد يوم او يومين كنت اتمشى في شوارع صوفيا الجميلة، واذا انا بمواجهة الطيب جلال، تقدمنا بسرعة وحيينا بعضنا بحرارة، ثم قال : يا الهي هل انا في يقظة ام في منام! وبعد قليل سالني عن مسكني فقلت: مؤجراً عند عائلة بلغارية، فقال:  انقل متاعك الى فندقنا الذي نقيم فيه.
     حملت حقيبتي، ومعاً الى فندق" سترادنا ﮔورا" ، هناك التقيت بعشرات الرفاق المقيمين والزائرين، عشت معهم اياماً حافلة في تذكرالعراق وما آل اليه وضع الرفاق. من الذكريات العالقة في ذهني العلاقة الحميمة التي ربطتني بالرفيق ابو ذكرى، وكذلك زوجته الطيبة ام ذكرى، التي عرفت لاحقا انها استشهدت في العراق على ايدي جلاوزة البعث، كذلك لقائي الحار مع ابي خالد( دنخا البازي) الذي اعرفه جيدا في القوش والمنطقة منذ الستينات، وفي احد الايام رافقت جلال الى المطار لنستقبل زوجة احد شهداء عام 1963، وقد تركت اولادها في بغداد هربا من سطوة النظام.
     بعد ان قضيت حوالي اسبوعين معهم، قررت الرجوع الى العراق، ورجعت في النقل البري، في يوم قارص البرد أثلجه، من أيام كانون ثان 1979، وكان في وداعي الرفيقين جلال جلو والرفيق ابو ذكرى، بعد ان حملت العديد من رسائل واخبار الرفاق الى اهاليهم في الوطن، منها رسالة جلال التي سلمتها الى احد اخوانه في بغداد الذي كان يعمل في احد معارض " باتــا" ان لم تخني الذاكرة، والرفيقة زوجة الشهيد سلمتُ رسالتها وهداياها الى احد اخوانها في سوق القوش، اما رسالة العزيز دنخا البازي المعنونة الى زوجته ام باز وقد سماها( ام خالد) للتمويه، فكانت تسكن في بعشيقة، واقترح ان اسلمها الى بيت الفقيد الخالد توما توماس، ولكني ترددت في الذهاب الى بيتهم، فارسلت اخي فريد ليوصلها في ظروف صعبة، حيث قطعان البعث تصول وتجول للايقاع بالتقدميين.
     افترقنا انا وجلال من ذلك الوقت البعيد، وعندما حكمت الظروف ان اكون في اليمن، سمعت من الرفاق بانه عاش فترة فيها، ثم صفى الدهر به في استراليا، ليرحل منها الى دار الخلود. بقي ان اقول: في الانتخابات الاخيرة لم تفز فيها قائمتنا "اتحاد الشعب" لا لكره الناس لها، بل لعدم معرفتهم بها، ولتطمئن روح جلال جلو، بان المياه لا بد ان تعود الى مجاريها، ويرتقي بناة الوطن الحقيقيين بذوقهم، بعلمهم، وافكارهم.
nabeeldamman@hotmail.com
March 20, 2010

229
المنبر الحر / الطاغية الصغير*
« في: 23:48 22/01/2010  »
الطاغية الصغير*

نبيل يونس دمان

     عندما تبتلي الاوطان بطغاة متجبرين ، يذيقون الناس الويلات ، يطعمونها المـُر، يحصدون الابناء في حروب وصراعات مفتعلة ، يعتدون على النساء والبنات ، فيخدش كبرياء الرجال ، كل ذلك يتم  بقوة العسكر والمال . البعض ينام على الضيم ، والبعض يتصدى ، والامثلة كثيرة باسماء من قتلوا على ذلك الطريق . هذا على نطاق الدولة ، وبالتالي تسلط المزيد من الاضواء ، على تلك الانفس المقيتة التي تتلذذ بضحاياها ، ومع ذلك فلكل جانب شمولي خصوصية ، ولكل طاغية  في الممارسة والشذوذ ، طغاة يفرخهم .
     من هنا تبدا حكايتنا عن الچاويش التركي الفظ ( احمد الصقلي ) ، وسنسميه بالسقلي التي درج اهالي القوش على تسميته بها . في نيسان عام 1915 وضع الاتراك نقطة للجندرمة ( الشرطة ) في القوش ، وعلى راسها العريف المذكور الذي اتخذ من بيت الرهبان مسكنا له ، لقد ابتلت به البلدة في السنوات التالية ، لم يمكث السقلي طويلا فيها ، بل سنوات معدودة ، لكنها تعادل دهرا ً ، بثقلها وبحجم الموبقات والجرائم التي ارتكبها .
      عنما وصل السقلي الى البلدة كان يحمل بيده كفنه ، علامة خوفه من اهلها ، ولكن عنما اكتشف ان القوم تمزقهم الخلافات ، وان كلمتهم غير موحدة ، استطاع بيسر ان ينفذ بينهم ، فتجبـّر ورمى الكفن جانبا ، بل مزقه ، وفرض نفسه بالقوة والارهاب وبتجنيد البعض من ضعاف النفوس ليساعدوه في مهماته ، اُطلق عليهم الجواسيس ( جاشوشي ) فكانوا يصيخون السمع ، ويفتحون آذانهم لكل حديث مهما صغر وكل وشوشة او همس ، ليبلغوا سيد نعمتهم ، وعلى ضوئها يتصرف ويحقق المزيد من السطوة والسيطرة .
     في يوم 17 حزيران عام 1916 وضع السقلي حجر الاساس لبناية مخفر الشرطة ( القشلة ) تقول حوليات دير الربان هرمزد بان جمعا ً كبيرا ً من اهالي القوش وكهنتها وتلامذتها ورهبان الدير حضروا الاحتفال ، ثم اصبحت تلك الثكنة بمرور الوقت مرتعا للجندرمة المسلحين ، وسجنا لتعذيب الاهالي . كان السقلي يقتل بدم بارد ، وعندما يعجز عن القبض على غريمه ، فانه ينكل بافراد اسرته ، اذ طالما عذب العوائل ، ومن اساليبه كي اجسادهم بالحديد المسخن حتى الاحمرار . هتك بالناس واعتدى على اعراضها ، وبعض النساء بلغت بهن العفة والاباء ان اقبلن على الانتحار ، للحيلولة دون الوقوع بيد ذلك الظالم . 


      تشاء الاقدار ان يكون حاكم بلدتنا ذلك الشديد المتغطرس ، في سنوات الحرب التي كانت اوارها مشتعلة ، ودولة الرجل المريض ( العثمانية ) حليفة لالمانيا ، وبالتالي كانت بحاجة الى وقود من شباب البلدة ، للدفاع عن مناطق نفوذها في اوربا وشمال افريقيا والشرق الاوسط . كانت تجمع الشباب من كل مكان لترسلهم الى جبهات حربها ، هكذا سيق عشرات من ابناء القوش ، ولم يعد منهم ابدا إلا نفر قليل يُعد على اصابع اليد ، فيما هرب الكثيرون الى الجبال ليختفوا في كهوفها وشعابها ، كان وادي الدير العلوي ( الربان هرمزد ) يعج بهم ، وباستمرار يبعث السقلي بجواسيسه وجندرمته الى تلك الاماكن للايقاع ببعضهم . يقول ( ججو چونا ميخا بلو ) في مذكراته بان السقلي ابلغ بصدور عفو عن الهاربين ، فانقسم الجماعة بين مؤيد ورافض ، وكانت النتيجة استسلام 67 رجلا ً ، ساروا الى المجهول . 
     حدثني حبيب ابونا ( مواليد 1912- 2007 ) كيف اعتقل والده يوسف أمام وادي الدير ، عندما كان يلتقي بافراد اسرته ، الذين حرم منهم منذ هروبه من العسكرة ، واقامته في غرفة تابعة لمجمع الدير العلوي ، مع اسطيفو بلو وحنا كتو ( مشمشّا ) ، فارسل الى الموصل مع شهادة كاذبة تقول انه هدد السقلي بالقتل . سيق الى العرفي قرب " السرجخانة " هناك حكم عليه بالصلب ، وكان يرى كل صباح في معتقله عددا من المصلوبين ، فينتابه الحزن والاسى والخوف ، وهطل نبأ انقاذه في اخر لحظة من قبل عمر أغا احد الاشخاص المعروفين انذاك ، فقد كانت والدة المحكوم عليه ، تعمل خادمة في بيته ، فوقعت على اقدامه صارخة مستنجدة باكية ، ولكن اثقل كاهلهم بالكفالة الكبيرة ، التي اضطرتهم لبيع قطعة ارض عزيزة لتغطية ذلك المال .
     اشتهر بالشجاعة رجل اسمه ( ججو رئيس ) إلتجأ ايضا الى الجبل ، ومن هناك أقضّ على السقلي مضجعه ، فباستمرار كان يبعث له التهديدات ، وغالبا ً كان يذبح ديكا ً او قطة ، يعلقها على باب المركز ( القشلة ) او باب بيته ، الذي كان مقابل القشلة في بيت واسع وجميل ، يواجه الجبل من وادي كهف الماء (گپد مايَه ) والبيت تعود ملكيته الى الدير ويعرف باسم ( ملكِدْ ربّانِه ) . كان ججو رئيس يكتب ورقة تحت الحيوان المقطوع الرأس " المصير الذي ينتظرك " فيغلي الطاغية غضبا ً . ومرة اخرى استطاع ان يتسلل الى محل نومه ، فأفرغ كيس التبغ ، وشرب الماء الذي بجانبه ، وترك اطلاقة رصاص وغادر ، مما فسرها وعاظ السقلي بانها تهديد بالقتل من ججو رئيس . اخيرا استطاع السقلي النيل من ججو رئيس ، وبوشاية قبض عليه في احدى خيم العرب وهو في حالة مرض شديد ، فسيق الى الموصل مع معتقلين آخرين ، وبعد مدة قصيرة حكم عليه بالشنق . وليلة اعدامه زارته اخته ( كتي ) المتزوجة من ( اسطيفو دمان ) فطلب منها ان تدس سمـّا ً في عشائه الاخير ، حتى لا يشفي الاعداء غليلهم في قتله ، وهكذا قضى مسموما ً.
     في الستينات كنت جليسا مواظبا لمجلس راوية  اسمه ( منصور حنـّونا ) كان يمتعنا باحاديثه وقصصه وحكمه ، وهو فلاح عادي واجير مؤقت في مواسم الحصاد للقرى والبلدات القريبة . ومن الحكايات التي لا زالت عالقة بذهني ، ما رواه عن فترة السقلي التي عاصرها ، وكيف كان شديدا ً ، لا رحمة في قلبه ، تتشرب فيه العسكرة ونزعة السيطرة حتى النخاع ، ولكن ذلك لم يوقف الشجعان في البلدة من تحديه ، ففي احداها كان قد رَبـّى في بيته خروفا ، في وقت كانت الناس تتضور جوعا ، اما هو فيطعم خروفه الحنطة والشعير ، حتى ترهل من سمنه ، وآن أوان ذبحه ، وما ان انتبه شباب محلة اودو الى ذلك ، حتى تسللوا ليلا الى داره ، وسرقوا منه الخروف السمين ، ذبحوه واستطابوا لحمه الذي لم يألفوه مدة طويلة ، عبثا ذهبت محاولات السقلي في تشخيص الشباب وبالتالي  سومهم العذاب . يستمر العم منصور ويروي كيف ارتقى الشباب مرة اخرى سطح دار السقلي ، وكان قد ترك قـُلــّة ( شَرْبَة) ماء فخارية كعادة اهالي البلدة في الصيف ، وفي ليلة هبت فيها انسام رطبة من الوادي في صدر الاجبل ، تثلج الماء في القلة ، فقام الشباب بالتناوب بشربه ليحرموا منه الطاغية ، ثم ملأوا القـُلة بماء آخر ...... ، وغادروا المنزل ، وفي اليوم التالي ارسلوا له رسالة يسألونه عن الماء الذي شربه من القـُلة ، وهل كان فاتراً أو مالِحا ً ؟ ، يقول الراوي ان السقلي قد جن جنونه من فحوى تلك الرسالة وفقد اتزانه ، وفعل المستحيل لمعرفة الشباب ، ولكن جهوده ذهبت ادراج الرياح .
     وعن محاكماته القرقوشية يروى ، ان احدى ربات البيوت ارسلت زوجها الى بيت الجيران ، ليعير منهم مُنخل ، تلك عادة جارية في البلدة ، فكل واحد يحتاج الى الاخر ، يطلبون المنخل او الغربال او الدواء ، او حتى الدواب لاستخدامها ، او ادوات العمل والطبخ ، دون حرج ففيها المحبة وروح التعاون ، والمنفعة المتبادلة . فكر الرجل والليل قد ارخى سُدولـَه ، كيف سيقطع الطريق الى بيتهم عبر زقاق ملتوي ، وبدل ذلك خطرت بباله ان يعبر عن طريق السطح ، حيث بامكان الرجل ان يعبر عدة اسطح على التوالي دون الاستعانة بالسلالـِم ، هكذا هو نمط البناء في القوش منذ اقدم العصور ، البيوت معظمها صغيرة ومتلاصقة ، وعند محاولته عبور سطح داره الى بيت الجيران الذي كان من عائلة ابونا ، شاءت المصادفات ان يهجم عليه كلب الدار فيعضه في فخذه ، عاد الى داره وهو يضج في صراخه ، دون ان تكتمل مهمته في استعارة المنخل . في اليوم التالي قدم اهله شكوى الى السقلي ، ودون التمعن والتفكير اصدر حكمه السريع ، بتكفل اصحاب الكلب نفقات علاجه ، ودفع اجور المصاب اليومية ريثما يتشافى . اصيبت العائلة بالدوار ، اذ كيف لها ان تدفع ذلك وحالتهم المالية لا تساعد على ذلك ، ولكن امر الطاغية الذي نصب نفسه حاكما لا يرد . هنا تدخل في القضية ،  شماس بارع إسمه زكور ابونا ، يجيد عدة لغات ، كتابة ونطقا ً ، وقد استخدمه السقلي مترجما له في معاملاته الرسمية ، لذلك كان يحظى ببعض الاحترام ، فانبرى يدافع عن بني عمومته وبالشكل التالي : لو كان الكلب قد عض الرجل في الزقاق او امام الدار ، فالحق على صاحب الكلب ، اما وقد وقع الحادث ليلا وعلى سطح دار عائلة آمنة ، فقد كان الدافع للتجاوز على دار الجيران بهدف السرقة ، وقد علمت ان العائلة فقدت ما ادخرته من المجوهرات ، وليس الشخص الذي داهمه الكلب ، سوى لص تسلل وسرق حاجيات ثمينة من الدار . بهذه الافادة الحكيمة القاطعة ، تغيرت وجهة نظر السقلي لغير صالح الرجل ، ولكن تدخل الناس جعل السقلي يأمر بتسوية المشكلة بين الطرفين ،  فتراجع الرجل عن المطالبة بالعلاج والأجور المترتبة ، وتنازلت العائلة الاخرى عن ما سرق منها ( الحقيقة لم يسرق شيء ) . هكذا ادت براعة الشماس زكورابونا ، الى انقاذ الأسرتين من ابتزاز السقلي واحكامه التعسفية .
     في تلك السنوات ايضا دخل الشاب شيشا صادق كولا المدرسة العسكرية في الموصل وبعد التدريب لمدة ستة شهور، تقررارساله الى استنبول لتكملة دراسته في الكلية الحربية ، وعند وصوله مع مجموعة الى قرية ( كرّاني ) في منتصف المسافة بين الموصل ودهوك ، اطلق ساقيه للريح باتجاه جبل القوش ، هناك التحق بمجاميع الهاربين ، وعندما وصلت تلك الانباء الى السقلي ، قام بعمل دنيء ، فوضع في السجن زوجة المذكور الحامل بإبنها هرمز ، وحالما سمع شيشا بذلك نزل من الجبل وسلم نفسه للسقلي ليحل على الفور محل زوجته ، وبعد ايام نزل والده صادق الذي كان من وجهاء البلدة الى الموصل ، وقصد بيت ( قاسم الصابونچي ) المتنفذ انذاك ، وروى له ظلم السقلي واخر افعاله ، فتاثر الصابونجي بما سمع واتصل على الفور بوالي الموصل ، الذي قرر نقل السقلي الى بلدة بخديدا ، وهكذا طوت القوش صفحة من صفحات مآسيها .
    اما نهاية السقلي فكانت توازي ما جنته يداه ، فاعادت البسمة الى الشفاه ، وسرّت كل من سمع بها ، واعادت الكرامة الى اهلها ، ان المثل الدارج في القوش يقول ( بيشا لكَبيل متعوسه ) ومعناه لا داعي لايقاع الشرير. هكذا بعد كل ما اقترفه هذا الطاغية الصغير بحق الامنين المسالمين من اهالي القوش ، عاد الى البلدة بعد ان سرح من عمله ، وكذلك سرح العرفاء الذين اعقبوه في البلدة : كل من محمد حمزة ورشيد چاويش ( ابو يونس ) ، مع انتهاء الليل العثماني الطويل ، ودخول الجيوش الانكليزية العراق ووصولهم الموصل في مطلع عام 1918. هذه المرة لم يعد اليها عسكريا ولم يتبعه حراس او جاندرمة ، بل كرجل اعمال زراعية ، وقد كان ضامنا اراض ٍ زراعية في قرية الجراحية المجاورة ، وحل موسم الحصاد ، فقصد القوش ليؤجر بعض العاملات في حصاد حقل العدس ، يقال ان امراة مسنة رات السقلي يتوسل لمن يعاونه في الحصاد ولم تستجب أي واحدة منهن ّ، قالت له " يا أحمد چاويش : الدنيا دوارة " فخفض رأسه علامة الايجاب ، ورجع الى الجراحية مكتفيا ببعض العاملات من المنطقة .
      السقلي يعود لرعاية اعماله واستثمار امواله ، متناسيا ان لهذه الدنيا قرار، بان لا يستكين المظلومون للظالمين الى ما لا نهاية ، لقد شقت الاحداث العاصفة مَجْرا ً تاريخيا جديدا للاحداث ، فمن الاحتلال التركي البشع ولمئات السنين ، الى الاحتلال الانكليزي ، وبوادر تأسيس الدولة العراقية الحديثة ، في تلك الفترة الانتقالية من اوائل صيف 1918 قادت السقلي قدماه الى المنطقة التي كرهته ، وهو لا يملك علما او ثقافة او أدبا ، بل متمرس في سحق الناس الى ما استطاع ذلك سبيلا . في فترة وجوده على راس القوة المسلحة ، لم يستطع ابناء البلدة الغيارى بل لم تسنح لهم الفرصة والظروف في شفي غليلهم منه ، ولياخذوا حقهم العادل بانفسهم ، ولكن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل ، ويشاء ان يبعثه اليهم بشحمه ولحمه . ما ان سرى خبر قدوم الطاغية ومغادرته بخفي حنين ، حتى اضطرمت النار في قلب احد ابناء البلدة الغيارى ، واسمه عيسى ميخا قلو ( الملقب عيسى زقـّانه ) ، فخرج كالسهم من البلدة متجها صوب قرية خورزان ( خورزايه ) وفيها كانت تعيش بعض العوائل الاشورية ، فطلب منهم مساعدته في الامر الذي يشغله ، وعلى الفور التحق به كل من گليانا رابا ( الكبير ) ، گليانا زورا ( الصغير ) ، تيودوروس ، عوديشو ، وزيا ، فاتجهو جميعا الى قرية الجراحية ، كانوا فتية معروفين بالمنطقة بشجاعتهم ، خصوصاً الاخوين گليانا وتتناقل الناس اخبار مغامراتهما . هؤلاء الابطال تحمسوا لعرض ابن القوش ، الذي لم تنم له عين والسقلي في الحياة .
     وصلت المجموعة الى اطراف قرية الجراحية ، وهم متمنطقين بصفوف الذخيرة ، وعلى اكتافهم بنادقهم الرشيقة ، ووضعوا خطة محكمة ، فجلس كل من تيودوروس وزيا وعوديشو في وضع الإسناد فيما هاجم الثلاثة الاخرين ، وبعملية هجومية مسلحة تمكنوا من القاء القبض على السقلي ، وقد تمكن ولده  (علي ) من الهرب باتجاه مدينة الموصل ممتطياً حصانه الجامح . استسلم السقلي مذعورا وظل يرتجف بين ايديهم كالفأر ، توسل بهم ان لا يقتلوه ، واصبح يقبـّل اقدامهم امام مراى الناس واستبشارها ، قالوا له " لا داعي للقلق ، فلن نقتلك ، بل نريدك ان ترافقنا لامر هام يتعلق بالزراعة والتجارة وزيادة اموالك " . سار معهم مرتابا ً ، وهو في قبضة اكفهم الحديدية التي من المستحيل ان يلقى باب النجاة .
     آن للسقلي الظالم ان يدفع فاتورة حسابه ، واستهدافه للمسيحيين الامنين ، آن له ان يرد الاعتداءات على الامهات والاخوات ، وتعذيب وقتل الرجال في سجون الولاة والباشوات بالموصل ودهوك ، آن له ان يرد على قتله للشاب اسطيفو برنو( الملقب بالشيخ شابو) الذي كان يسلك طريق الجبل (گليه د قپله ) هربا من ظلمه ، وقد خلف اطفالا صغارا عاشوا في قرية كرمليس . هكذا اقتاد الابطال الثلاثة السقلي كالكلب المسعور ، الى حافة نهير صغير يجري بين قرية النصيرية والجراحية ، ذكروه بجرائمه وفضائحه ، ثم اعطوه الجزاء العادل وبالطريقة التي يستحقها ..... اطلق اهالي المنطقة فيما بعد اسمه السيء على ذلك الوادي واصبح يسمى وحتى يومنا هذا بإسم ( وادي السقلي ) ليكون عبرة لكل مستكلب حاقد ، وناقوسا ً ينبه كل حاكم فاسد ، وعاد الظافرون ليبشروا البلدة القوش والقرى المحيطة ، بنهاية الطاغية المتجبر، على اكُفـِّهم الخضراء .





يتمترس عيسى قلو احد ابطال القوش خلف صخور الجبل في موضع كهف المياه ( كبد مايه ) عام 1931

* فصل من كتاب" حكايات من بلدتي العريقة" نشر عام 2008
nabeeldamman@hotmail.com
10- 22- 2010

230
جذور الطرب والغناء في القوش


نبيل يونس دمان
     الطرب والغناء من مفاخر الشعوب والأقوام ، وهما نتاج طبيعي للكلمات التي  ينظمها الشاعر ، في الوصف ، المدح ، الحب ، او التغني بالمآثر الخالدة ، لذلك رأيت لزاماً علي وأنا البسيط المقتفي آثار السلف ، في بلدتي العريقة التي يمتد تاريخها الى آلاف السنين ، شبعتها مباهج الحياة وهمومها في آن ، ان أسبر هذا الغار مجازفا ً ثم متنحيا ً جانبا ، لأفسح المجال الى أُناس ذوي الاختصاص ، يجدّون في أبحاثهم ، فيأتي نتاجهم بالثمار الطيبة ، التي ستجنيها الأجيال . كل ذلك يكتسب اهمية في حياة اولادها ، وثباتهم فوق ترابها ، في زمانهم الصعب.
     الغناء والطرب قديمان قدم الديار، فعندما عبر كلكامش في الاسطورة السومرية- البابلية ، عن خشيته من الموت أجابته الآلهة ( والحال هذه يا كلكامش ، بالطعام والشراب إملأ معدتك ، ابتهج ليلك ونهارك ، اجعل كل يوم من ايامك عيدا ً سعيدا ً، بالناي والقيثارة اطرب نفسك ، وبالرقص انعش فؤادك ليل نهار ، ارتدِ من الثياب انظفها ، اغسل رأسك وضمخ شعرك ، وحمم بدنك بأعذب المياه ، انظر بفرح الى الصغار الممسكين بيدك ، وتمتع بين احضان المرأة ). ونقلت الاساطير عن دموزي عشيق إنانا أنه ( كان يلبس عباءته الحمراء ويعزف على نايه اللازوردي ) ، وتستمر الصور الموسيقية في أدب بلاد النهرين ( على وقع الطبل الذي يفوق الرعد في هديره ، والقيثارة ذات الموسيقى العذبة ، التي تسمر القمر ، وعلى النغم الرباب المهدئ لقلب البشر ، ايها المنشدون ، اسمعونا انغام البهجة ) . ومن العهد القديم يرد ذكر الآلات الموسيقية ، بأنواعها التي تدهش الانسان المعاصر، في المزمور التالي : هللويا ، سبحوا الله في قدسه ، سبحوه في جَلـَد عزته ، سبحوه لاجل جبروته ، سبحوه بحسب كثرة عظمته ، سبحوه بصوت البوق ، سبحوه بالعود والكنارة ، سبحوه بالدف والرقص ، سبحوه بالاوتار والمزمار ، سبحوه بصنوج السماع ِ ، سبحوه بصنوج الهتاف ِ ، كل نسمة فلتسبح الرب َّ ، هللويا ( سفر المزامير 150 ـ الكتاب المقدس ). وفي عصر الاسلام ، خصوصا في فترة الدولة العباسية ، ازدهرت الفنون وتقدمت كثيرا ً ، لتشجيع الخلفاء لها ، فلنسمع ما يقوله شاعرٌ إسمه الحطئة :
 سقياً ورعياً لديرالزندورد وما          يحوي ويجمع من راح وريحان
والعودُ يتبعه ناي ٌ يوافقـــــــــه         والشدو يحكمه غصن من البــان   
     الغناء والطرب هما انعكاس للمشاعر والاحاسيس في الأزمنة المختلفة ، كيف يعبر الناس عن افراحهم واحزانهم ، كيف يسرحوا بخيالهم في وصف الحياة الزراعية البسيطة ، وكذلك الحرف البيتية ، وحركة السوق الذي يعج بالناس والبضائع المختلفة ، كل ذلك وغيره برز في أغانيهم وأشعارهم . الفتيات والفتية كانوا على الدوام محط انظارهم ومرمى آمالهم ، وهدف كلماتهم ، ورقة الحانهم ، المتناغمة مع همس النسيم بين اغصان الشجر وشدو البلابل وزقزقة العصافير وهديل الحمام . ففي ذروة افراحهم نظموا المؤثر من الكلام ، وما يهز المشاعر، وأوجدوا وطوروا الأنغام الموسيقية ، فكانت تنساب كالشهد من شفاههم ، والذي له ملكة الصوت وقليل من الجرأة الفنية ، يقود حلقات الغناء والرقص . اليكم بعض النماذج وبلغة (السورث ) :
 -  كيله دلاله ..... ووله دلاله .... لبِّح مريره دلاله ..... وقط لكمسالي .
 دالال خزيالي ..... قمتا رش ﮔشرا ..... لث بيذه دالل ..... خا ﭙرد نشرا ..... زلي نشقنه دالالي ..... كل موصل ششله .
- لي صليَن لميّه لي صلين لميه ، شقلن برزوني بصلين لگليه ، ووله بسباري مر قومه خليه ، وولي بسباري ججو برد سيّه.
 - ماني أي ماني اي ماني ، بليلي كيتوا كسبرالي ، ﮔبخيا وكبا ﮔردانه ، مزبنن باتي وعقاري .
 - بسّا صيرا ﮔني ﮔنايه، ديسقه دادي لگبد مايه .
 -  سفـّورتا چلبي دباريا ..... دي قو فور وهيّو من سوريّا * .
- بكنوني ﮔني وماني گانيله ..... وخاضر بكنوني و (يوسب) هاويبه .
-  تيوه بديون دبي خلتح ، أيذح مخياله لخنجرتح ، أيْميل ِ دْيله يَرتِح
  تيوه بديون دبي خالح ، أيذح مخياله لخنجارح ، أيميل ِ تويه طالِح
     لم يصلنا جميع ما كُتِب في كل الأزمنة والأمكنة ، ولكن ما بقي صار يتحدى الزمن ، في الماضي لم تكن هناك الوسائل الخاصة بحفظ ما يشعر ويغنى ، وقد طالت او أزالت الغزوات والحملات الظالمة وكذلك الطبيعة وتقادم الزمن كثيراً مما كتب ، اما ما تناقلته حناجرهم والسنتهم ، فانتقل من جيل الى آخر كنصوص محدودة سريعة الحفظ ، ذهب بعضها كأمثال في الحياة ، واليكم بعض من تلك المقتبسات بلغة السورث الدارجة :
-  شاتيلا كأورة وكشورة ..... وخاثة تخزية أخونة
 - خيبوثه طورا يمَّه كْشأرا تنورا ..... وخيبوثه دشتا حزوق أيذخ لكبشتا
     كانت الأصوات المتميزة منذ الصغر تشخص من قبل الكنيسة ، التي هي مهيبة على الدوام ، وملاذ المؤمنين عند الشدائد . كانت تلك المؤسسة العتيدة تجذب هؤلاء كشمامسة ومرتلين للميامر وعلى قرع الاجراس وضرب الصنوج ، والتي وصلتنا عبر القرون ، مثل تلك التي وضعها الخالدون ، مار افرام السرياني ، مار يعقوب النصيبيني ، والملفان نرساي في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن السادس ، وهناك المدارس الموسيقية التي انشأها بابي الجبلتي في منطقة المرج شمالي العراق. تقدر الالحان الكنسية باكثر من الف لحن ، ولأجدادنا الفضل في وضع السلم الموسيقي السباعي والخماسي . في السابق كان رجل الدين يشار إليه بالبنان ، عندما يقف امامهم في القداس بصوته الجميل ، أما اليوم ومع تطور اللآلات الموسيقية ومكبرات الصوت لم يعد هذا الشأن في مركز الاهتمام ، بقدر ما تشد الحاجة اكثر ، وجاهة رجل الدين وعلومه الدينية والدنيوية ، وحنكته في إدارة الصراع المحتدم بين متعصبي الاديان في عصرنا الحالي . من رجال كنيسة البلدة المتميزين في عذوبة صوتهم ، كل من المطران مار ايليا ابونا ، المطران افرام بدي ، القس اسخريا كوكي ، القس يوحنان جولاغ ، الشماس متيكا حجي ، ما تبقي من الاصوات الجميلة لا ترى مجالا لتطوير تلك الموهبة وصقلها ، فلا منافسة تذكر مع القرى والبلدات الاخرى ، فكل قرية تقريبا ً مكتفية في تسيير امورها ، اذ نادرا ما يحدث التنقل بين بعضها إلا لأغراض تجارية ، كما لم تكن هناك الامكانات لأيجاد المنافسة او لإجراء مطاردات في الشعر او الأغنية ، فيما كان المغنون باللغات الشقيقة يجوبون تلك الاصقاع ، وعنما يحل احدهم في القرية ، يكون موضع ترحيب وضيافة الجميع ، وكذلك كان يقطع صمتهم وتأملهم بين فترة واخرى ، وصول السينما المتنقلة التي تمتعهم بأمسيات طافحة بالمشاهد والموسيقى .
     معروف تأثير الموسيقى والأغنية والشعر الرقيق على المزاج العام ، فكم من أغنية اعتقت أسيراً ، وكم من أغنية ألهبت حماس الناس . للموسيقى تاثير سحري كبير في بعث البهجة وبسط الأسارير، والنغمات التي تشق الفضاء تعبقه كشذى الليمون والريحان ، سواء الكلاسيكية منها او الحديثة الصاخبة ، انها تحلق بالانسان في عوالم اخرى ، فينسى همومه ومشاكله اليومية . يقال في الموسيقى انها ترقص الدببة على الحبال ، وكم أرقص رعاة الجبال التيوس ، وفي الهند يستطيع فقراء الهند بموسيقاهم جعل حية الكوبرا ترقص طربة ، وفي بلدتي الحبيبة اقام بيننا في بداية الستينات أيزيديا ً فقيرا ً ( في الحال ، والمرتبة الدينية ) ، في بناية جنوب البلدة كانت الثمرة الوحيدة لثورة 14 تموز واسمها ( المسلخ ) ، في ذلك المبنى المهمل عاش مدة الفقير الأيزيدي مع عائلته وآلته الموسيقية  البزق ( الطنبور ) ، التي كادت لا تفارقه ، كم استوقفتني تلك الانغام الشجية ، وانا اجتاز المبنى في طريقي الى الطاحونة التي شيدها الياس ميخائيل الصفار . في احد الايام دعى والدي الحبيب يونس ، ذلك المغني البسيط في هندامه الى بيتنا ، فشرع يعزف بآلته التي كانت اكثر من طيعة في يديه الماهرتين ، وقد ابتكر طريقة فريدة من نوعها ، في ربط خيوط متينة ورفيعة تمتد من تحت منصة خشبية صغيرة ، تقف فوقها دمية رشيقة لغزال صغير. كان الفقير يضرب على الاوتار فتمتد الحركة عبر الخيوط الى الغزال الذي يشرع بالرقص على ارجله الرفيعة ، ويأتي صوته المبحوح من كثر الطلب على اغانيه ، ليطرب الجميع ، وعندما ينتشي الحضور ، يبدأ الضرب على الاوتار يتباطئ بالتدريج ، وبمهارة كتلك التي بدء بها العزف ، ثم يجلس الغزال على قوائمه رافضا النهوض ، وسط ذهول المتجمهرين ، هنا يقول الفقير بخجل وابتسامة تكشف عن صفين من الاسنان الصفراء ، بان غزالوكي ( يسميها هكذا تحببا ً ) تطلب الشاباش ( قطع نقدية تنثر على الرؤوس في الاعراس بخاصة ) ، فينهال المجلس بالقطع النقدية فوق الغزالوكي ، التي يلتقطها ( الفقير) لإطعام اطفاله الصغار .
      لم تكن في القوش آلات موسيقية بسبب صعوبة شرائها او صنعها ، كاد المزمار يكون الوحيد الذي يطرب البلدة في اوقات فرحها ، تلازما ً بالطبل الذي تسمع طرقاته من اماكن بعيدة مما يبعث السرور في النفوس ، تلك الموسيقى الراقصة ظلت عقودا ً من السنين تشنف الاذان ، كان عازف الزورنة يتميز بقابليته السريعة على حفظ الألحان التي يسمعها لاول مرة ، وباستمرار كان (عليكو ) الإيزيدي وهو أشهرهم على الاطلاق ، يغير قصبة بيضاء في مقدمة المزمار لتتغير معها النغمات ، ليس قبل ان يشبع بوق مزماره بالعَرَق المحلي الذي يزيد صاحبه مزاجا ً وعطاء ً ، ليستمر الى ما بعد انتصاف الليل ، وقد مارست تلك المهنة احدى العوائل الأقوشية ( بيت جيجو بوداغ ) لكنها تركتها قبل اكثر من ستين سنة ، فالناس آنذاك تنآى عن تلك المهنة باعتبارها مخجلة ووسيلة رخيصة للعيش ، تشبه الاستجداء ، ولكن مع الزمن ثبت ان العزف والغناء والطرب والرقص كلها خلقت لادخال المسرّة الى النفوس ، ولا يمكن الاستغناء عنها . تذكر والدتي بان شاب اسمه جرجيس بتي حنونا ( يعيش حاليا في ولاية ايرزونا ) حل في مدينة الموصل  في الاربعينات من القرن الماضي ، وهناك تعلم فن الغناء ، واقتنى ( الناي ) وجاء به الى البلدة ، فكنت ترى تجمع الشباب عنده الى ساعة متاخرة من اللليل وهم يؤدون الدبكانت الشعبية ، ويقال ايضا ان مهاجر من قرية الداؤودية واسمه ( مروكي ) كان يمتلك مطبج (مزلج ذو قصبتين ملتحمتين بمادة التار او القير ) فيعزف ما طاب له العزف في الازقة وفوق السطوح ، وحتى الترتيلة الكنسية المعروفة ( شمِّد بابه وبرونه ) كان يعزفها من على سطح داره ، فتشد السامعين الى موسيقاها الايمانية . ويذكر ايضا بان القس فرنسيس حداد ( 1888- 1942 ) هو أول من جلب وعزف على آلة الارغن في الثلاثينات من القرن الماضي ، يقال انه اقتناه بواسطة الاباء الدومنيكان في كنيسة سيدة الساعة بالموصل ، وبذلك اسهم في اضفاء جو حضاري وموسيقي للترتيلات الكنسية . في الستينات حاول بعض الشباب صنع آلات موسيقية مثل البزق ( الطنبور)  فوفق بعضهم ومنهم صديقي باسم كوريال يوحانا ، اما الدنابك والدفوف فكانت سهلة الصنع ومتوفرة باثمان مناسبة في المدن . في عام 1973 اقام نادي القوش الرياضي حفلة متواضعة لكنها جميلة جدا ، وربما دشنت اول حفلة من نوعها خارج حفلات الزواج المألوفة ، فدعا الاساتذة المشرفين عليها ، عازف على آلة العود من اهالي بلدة بعشيقة ، وهو المعلم ( أديب ) فأطربنا تلك الليلة كثيراً ، واسهم ايضا في إلتئام الدبكات والاغاني ، التي اداها الشباب بمساعدة الكورس الموسيقي ، وعلى رأسهم الشاب هاني موسى كتو، الذي عزف على آلة موسيقية هوائية ربما كانت ( الفلوت ) ، جلبها له والده الذي كان يعمل آنذاك في دولة الكويت .
     رغم كل الصعوبات والمخاض العسير ولدت اصوات جميلة ، بقيت محلية ولم يذع صيتها ، منهم كوما مزكا ، كوما جولاغ ، كورو ميخو ، حنا تيكا ، حنا شوشاني ، ميخا شوشاني ،  اوراها اسوفي تومكا ، موسى نوح سورو ، بطري رئيس ، حنا صادق بوداغ ، سعيد وكيلا ، عيسى ميخا حداد، كولا سليمان كولا، حنا بيبي ، عابد بيبي ، نوري ﮔردي ، ادور توما بولاذ ، صباح تومي ، اسماعيل رشو ، اسحق حميكا ، صباح يلدكو ، سعيد سلـّو ، فاضل بولا ، لطيف بولا ، فرج يونس حلبي ، باسل شامايا ، وفي مجال الموسيقى نذكر ، الموسيقار المعروف جميل جرجيس بهاري ، جوزيف جيقا ، عزيز يوسف اسمرو ، وديع كجو ، فائزوديع كجو، نشوان فاضل بولا ، اما على النطاق النسوي فبرزت نضال حنا لكنها تخلت عن الغناء قبل سنوات ، وكذلك لينا جميل صارو ، امل بطرس نونا . في الذاكرة طفلة إسمها ( يازي يونس قيا ) وعمرها آنذاك قرابة عشر سنوات ، هي الاولى التي اطربت الحضور ، في حفل بمناسبة ثورة تموز عام 1959 ، في ساحة مدرسة العزة الابتدائية ، حيث تقدمت الى المايكروفون بجرأة لتقلد اغنية هندية اشتهرت آنذاك بمطلع ( هامايا هاجان ) . إن أنسى فلن أنسى عازف الأكورديون في تلك الفترة ايضا ً، ذلك هو المعلم الفنان (حكمت الزيباري ) الذي على أنغام موسيقاه أدى الطلبة النشيد المعروف " موطني " فردد الجبل الأشم صداها.
     يحفظ الاخ حنا عيسى حميكا على ظهر قلبه أبيات من قصيدة ، يقول انها من تأليف الخوري هرمز من الدير العلوي ، وقد الفها في الثلاثينات من القرن الماضي ، ويضيف  بان الاستاذ يوسف باخوخا كانت له نسخة واحدة ، حصل عليها بطريقته من الدير، وفي يوم ما اعارها الى والده عيسى لقراءتها واعادتها بالسرعة ، لكنه استطاع استنساخها ، وللاسف ضاعت في الخمسينات ، بسبب انتقال الأسرة الى بغداد :
مْخشْكه كبلطي لِشتايه ..... كدأري يومي بگنايه
بّيثه ليثن عَشايـَــــــــه ..... ولسَلَف كليه طيرايه
كمري قط ليله خطيثه ..... عَراق تگيانه هديثـه
بشاتخ مسّينه مليثــَــه ..... بَس دْله نبلِخ بشقيثـه
آني خَمشه خُرانـــــه ..... شَتايه وعِصيه لكهنـه
بليله بگـُپ طرانـــــه ..... وبگدوبه ﮔو شـُقانــِه
لكليقه لبيقبنايـــــــــــه ..... ديلي جعيله غبدوايـه
بكوتك كْشَبِ لسورايه ..... وبعراق ليلي روايـه
لـْيل ِ سوجِه دعلمايـِـه ..... دني خريوه لقرايـــــِه
دريلي تدبير ورايـــه ..... كشاتيله خويخا مايـــه
عوافي تلكبنايــــــــه .....  شاتي وهاوي روايـــه
مرحمانيلي لنخرايـه ..... وعْوَذ َي دِمشيحايـــِــه
بَغدد عمرته منـّيــــِه ..... وأمريكه من جَنقــــيـِه
بألپايه حـَوالـَيــــــــِه ..... ومَأمران دْيتـَثـَيــــــــِه
  لعل اغنية الأم هي الاساس في أعراف الشعوب ، عندما تسهر مع رضيعها فتمنحه حليبها ، ودفء صوتها ، وحلاوة ألحانها ، فتنطلق بل تتحلق في الفضاء الواسع ، لتشدو من كل قلبها ، الى صغيرها توجه كلماتها التي تتمنى ان يتربى عزيزا ً، شجاعا ، كريما ، محبا للخير، وذا شأن ، اضافة الى ذلك ، تبث الأم أشجانها ، همومها ، والمتاعب التي تجنيها في حياتها . لم تتخلف الام الالقوشية عن ذلك النموذج ،  فجلست تهز مهد طفلها منشدة بصوتها العذب ، الذي يجعله يخلد الى الهدوء والنوم ، بعد بكاء متواصل ، فتقول :
دشاي لاي لاي دركشتخ عزيزي مليا خاي
 منخ رحقي كل بلاي  وقيحوا بدجمناي وامي كل قرجاي
 دركشتخ دقيسا نسيرا  مد كشاشيلا وكهيزيلا  كمبسمالي لبا تويرا
دركشتخ د قيسا د خلابا  كيزا وكثيا بطيابا  مد كشاشيلا وكهيزيلا  كمبسمالي لب د بابا
دركشتخ دكرم د فيلا  مد كشاشيلا وكهيزيلا  كمبسمالي لبا تويرا
 ناطيرخ مر دنيِّ   ديلي كوخح بكليِّ
 مخزيلي حيلي ديح   كو شفانا د بريي
 ناطيرخ مار كبولا    ديلي كوخح برؤولا   لخوذح ايلي دلا خورا 
 ناطيرخ مار قوتايا    سيبا بيذح شلخايا    مها لصلخ من نورا ومايا   
ناطيرخ اودك ناطر     باشوا بثخاثا كناطر   
ناطيرخ او مار متي   ديرا بطورا علايا    كطلبن دراوت وزالخ زيرتي ونذرا بايذخ تدياوتي
 دشاي لايي ، درﮔشتخ تقرﭽايي .
او تخاطب القمر قائلة :
يا صيرا خاثه ، لخزيلخ بروني بدراثه ، إلـِّح خا قباية خاثه ، بطأوله تبلـِّه وتبلياثه .
 يا صيرا أتيقه ، لخزيلخ براتي مر سديقه ، إلـَّح خقباية جيقه  .
او تقول له :
- خاييله جنقا لاوي وبشمد اقلح سماوي
- خاييله ﮔورد ﮔوره ودماخه رش تنوره
عندما تتهلل فرحة مع صغيرها وهي تبتسم ملء فمها منشدة : شبب ربب طوطيثا  كيج وميج د مرقوزي دايا سيا رم راميا  جي جمستا ديلا مبلابستا بلستا ديمي ديلا داييلا
شبّه بربه بطوطيثة ، كيج وميج ومرقوزي ، داية سيـّا رَم رامِيــّا جي جمستا......
ثم تهز طفلها الى الامام والخلف ، ماسكة به من يديه ، مرددة :
هجاني هماني ، خه خمارة قطي بقاني ، براتي  دمخته بدركشتا ، وبروني خوخه وخبشتا .
عندما يكبر الاطفال يبدأ طورٌ آخرٌ من الغناء على افواههم الصغيرة :
-  زمزمومه طراشة خورانخ سقلي لرومه قلوب قلوب قلوب
-  قلـّه قَلـّه قَلـُّنتي ، هلـّي خولي وصابونتي ، دلا مخيالي ستَتُّنتي ، قلوب قلوب
-  حابا قلقل أور مبوق مبقله رمشخ
-  شورخ شورخ زيره ، آلها يا ولوخو ، خا برونه عزيزه .
ربما افضل اغنية وضع كلماتها يوسف حنا سيبي في الاربعينات مطلعها :
 غزيلي غذا يونا بفياره          معيطلي وقريلي خا قاله
بس ميذيلي بس دموره          ليما أثريوَت بيزالَـــــــه
وترادفها في تلك الفترة ايضا اغنية اخرى تبتدأ :
مشـّينه جوجله ، مشريله بخايه ، باي باي موخبي قاله بدرايه .
 توالت اغاني الشباب المتكررة في كل مناسبة مثل :
 هوي ميروي ميروي ميرو ، عبدالو شمالوي ميرو .
او اغنية :
كندالو كندل ﭙيدا ، حيرانو نجمَه لپيدا .
     وتلاحظ وجود كلمات كردية كثيرة فيها . وهي الصبغة التي صبغت اغانينا لعشرات السنين خصوصا ما قبل ثورة 14 تموز 1958 وبعدها بقليل ، كان اهالي القوش مغرمين بالاغنية الكردية ، فترى عندما دخل الراديو حياتهم بعد الحرب العالمية الثانية ، كانت اذاعة ( رادي كوماري بشي كردي لبغا ) تصدح من سطوح منازلهم ، او اذاعة يريفان من جمهورية ارمينيا السوفيتية ، او الحاكي ( كرامفون او فونوغراف ) الذي ادار الاسطوانات لمطربين دخلوا قلوب الناس مثل محمد عارف جزراوي ، عيسى برواري ، كويس اغا ، مريم خان ، نسرين شروان ، عائشة خان . كانت دادا ( حنـّي ) زوجة ( سليمان ساكا جونا ) تردد في باحة بيتنا ، مقطع من اغنية ، غنوها الاكراد بداية القرن الماضي مترنمين :
مالا أيسفي ﮔوزل نحوينا          ومالا ميخا دمن          قهوة وجاي بگرينا
     هكذا كان طابع اغانينا هو التأثر وتقليد الأغنية الكردية ، لكن هذا الجانب ضعف مع ظروف محاربة الحكومات المركزية للحركة التحررية الكردية ونزوح كثير من الألقوشيين الى بغداد بخاصة والمدن الاخرى ، فاصبح للاغنية العربية جمهورها ومحبيها خصوصا شباب السبعبنات ، لكن ذلك لم يمنع من بروز اغنية ثورية بالسورت على نمط الاغنية الشهيرة ( عاش انصار السلام ) فقدحت قريحة الثوري الالقوشي باغنية مطلعها :
خاهي ﮔوره دشلاما ، رخشو جنقي تقاما . بخدمخ بيريه سمقته ، ومگله بدارخ محنقته ، شتويه أرخن حزكته .
واغنية اخرى يقال انها نقلت على لسان احد الشباب الملتحقين بالانصار عام 1963:
 يا يمّي ان كِبَتـّي ، بَرنو كريثه بزونتـّي ، لريشه دطورة مّسقتي ، وليذه دتوما ** بياوتّي .
وفي بغداد انتعشت الاغنية السريانية فترة السبعينات ، خصوصا بعد عام 1972 فاشتهرت اغنية غناها فرج حلبي تقول :
اور لبّي يا يمي مني جُرحح ، مخ اتونه بكودوله من خمتح ، ناشه ليبه دكالزلي من حبّح ، ولا تدماشيلا صورتي من لبّح .
 او اغنية يقال ان مؤلفها هو بولص شموئيل مراد :
خاليلي خشكا قاله بيثايا ، ﮔو القش جغشيا ، وهاور بدرايه . بشقياثة دمه دجونقخ بجرايه ، هل طفلي زوري ، سْميلي مپخاية .
      ولا ننسى اغاني المسرح التي لحنها المرحوم الاستاذ وديع كجو ، واعمال اخرى موسيقية اداها بصبر طويل ومواصلة لا فكاك منها ، الأخوين لطيف بولا وفاضل بولا ( اجمل اغانيه في نظري التالية : ﮔرسته ، القش ماثد بابي ، آلها عاين أسّومة ) وكذلك الاستاذ سعيد شامايا ، موفق ساوا ، جلال جلو ، جلال شامايا ، جلال يلدكو وغيرهم ، التي لازالت تحتفظ بقوتها حتى اليوم .
     ونحن في خضم هذا الاستعراض ، يجب ان لا نغفل الاغنية الآثورية ، التي كانت تنتشر وتتطور في تحدٍ للمناوئين لها بأصالة وقوة ، من الاغاني التراثية الاثورية ( الراوي ، الليليانا ، الديواني ) ، كان اول تعرفي على تلك الاغنية في المسجلات التي ظهرت على شكل بكرات ومن الاغاني الجميلة التي اطربتنا : اتيوت غزالتي دطورا وبريا ، دم خيموله كسي وايالي دي ملبولا ، بلكد ليله بكو كرمانه ، بيث نهرين اثريوا لي منشنخ ، خا كرما مليه موردي ، ووله مبلدا بكو خياله ، تميلي جنقي ، اخا كخوا جريلي او خبخ ، روش يا جنقه ، نشره دتخوما . في ندوة الايمان بجامعة الموصل مطلع السبعينات من القرن الماضي ، كان (بيمانوس يلدا ) يعزف على الاكورديون و(كوركيس هاويل ) على العود ، و(نوئيل زيا ) في الغناء .
     في الربع الأخير من القرن الماضي برز من بلدتنا عديد من الفنانين في مجال العزف والغناء ، ابتداءً من بغداد ثم المهجر الامريكي واخيرا داخل البلدة الحبيبة ، ويعود السبب في تاخر وصول هذا النمط المتقدم من الفن ، هو تقلب الاوضاع السياسية في البلد والضغوط التي كانت تمارسها السلطات الحاكمة على مدى العقود الاربعة الماضية . هكذا سجل بعض المحدثين اسمهم في سجل الغناء منهم : ماجد ككا ، عميد اسمرو ، مناضل تومكا ، خيري بوداغ ، طلال كريش ، يوسف عزيز اسمرو، هيثم يوسف ، سلام ككا ، وضاح صبيح هرمز بهاري ، نسيم صحب ، فريد هومي ، عصام عربو ، عماد ربان وغيرهم ، لهؤلاء اقدم احترامي ، وبوسعي ترديد ما قاله بتهوفن يوماً " الموسيقى بحر ٌ من العلم والفن َّ لا حدود لشواطئه او لأعماقه ، وكلما ازداد الموسيقي ُّ فهما ً لها كلما ادرك ان امامه الكثير مما لا يعرفه ُ "  ، الغناء الحقيقي ليس فقط ذلك النمط الذي يطرب الناس في المناسبات الاجتماعية كالزواج مثلا ً ، بل هو ذلك النبع الصافي ، هوذلك الطريق الجديد ، وتلك الموسيقى الأخاذة ، وما يلهب المشاعر، وبلا شك مرتبط بسيرة الفنان الذاتية ، ودراساته العلمية ، والمدرسة الفكرية اوالفلسفية التي ينتمي او يؤمن بها ، ولنقل هي الرسالة التي كرس لها حياته ، فيوجهها طوال سنوات وسنوات الى ناسِه ، جمهوره ، وابناء شعبه . ذلك هو الفنان الجاد الذي لا يميز فقط من بين اقرانه او سابقيه بل يتميز بخصوصيته ، وامتلاك الفضاء الخاص به ، لينتشر فيعبر الحدود ، دون جواز من احد ، يتخطى الواقع الضيق ، ليسبح في أجواء اكثر رقيا وتطورا . على الفنان الحقيقي ان يغوص في الاعماق فيخرج اللآلئ ، عليه ان يمضي بعيدا ً ، ويوغل في غابة الابداع ، ليجلب ما يثير الاعجاب ، مبتعدا عن التقليد او لملمة وتجميع الكلمات والألحان ، عندها فقط يخلده الزمان .
 الهوامش :
 * سفورتا ، نوع من الطيور تعيش في ثقوب الوديان عندنا ، وهو طائر يشبّه حبيبته به لجماله .
** توما : وهو البطل الخالد توما صادق توماس ( 1925- 1996 ) .
  المصادر :
 1- كنوز الاعماق ، قراءة في ملحمة جلجامش- فراس السواح- نيقوسيا 1987 .
 2- الديارات النصرانية في الاسلام – حبيب زيات- دار المشرق 1999 .
3- متون سومر- خزعل الماجدي – الاهلية 1998 .
4- سفر القوش الثقافي – بنيامين حداد – بغداد 2001 .
5-  مقالة للاب د. يوسف حبي عام 1996 بعنوان ( مدرستنا القديمة )
6- مجلات متنوعة مثل : الفكر المسيحي ، صدى بابل ، وغيرهما ، كاسيت اغاني تراثية متميزة ، للمغني التلكيفي المعروف عزو كاتي.
7- مجلة التراث الشعبي .
8- مجموعة من الاصدقاء والاحبة منهم : الشماس حنا شيشا كولا ، الشماس صادق برنو ، يوسف ميا ساكو ، والدتي كرجية ، عمتي ودي ، جورج شوشاني ، نجيب الحنو ، سعيد سيبو وغيرهم .
9- اضافات وتصويبات وردت من الصديق الغالي كامل اسحق شكوانا في استراليا.
nabeeldamman@hotmail.com
 

231
سلوى هادي حيدو تغادرنا الى الابد
نبيل يونس دمان
     وقع خبر وفاة سلوى حزينا على مسامعي، لقد تابعت في الاشهر الماضية مسيرة المرض اللعين الذي داهمها دون إنذار في وطننا الحبيب، ثم وصولها الى اميركا قبل مدة، حيث تولى أمر علاجها مشكوراً، الصديق الهمام د. نشات يوسف توسا، اخيراً شاء القدر ان يخطفها من عائلتها، ومن اهلها في العراق والمهجر.
     عرفت سلوى جيدا في سبعينيات القرن الماضي زميلة في جامعة الموصل، كانت مثال الخلق والادب، كم تخطينا شوارع الجامعة مجاميعاً، كأخوة وأحبة وسلوى بيننا بأحاديثها الشيقة والابتسامة لا تفارق شفتيها، وكم حضر جمعنا المصغر مناسبات واحتفالات ومهرجانات، ونحن مفعمون املاً بان نخدم الوطن، نعيش على تربته، نربي اجيالاً تتبعها اجيال، لكن الاهوال تكالبت علينا، مع اشتداد تمركز السلطة بأيدي طاغية بعيد كل البعد عن الانسانية والحضارة. مع اشتداد الحرب العراقية- الايرانية التي اشعلها صدام في سنيها الاولى، وقع حادث أسر زوجها المرحوم جورج بولا، في احدى جبهات الحرب وليمكث سنيناً طويلة في ايران، اتذكر عندما التقيتها في باص المصلحة على طريق الموصل، قالت هل سمعت بمصابنا، قلت أجل، لكن لا عليك انها فترة قصيرة ويسقط الطاغية فيعود كل شيء الى طبيعته، من ربيع ذلك العام 1982 لم التق سلوى حتى اعترف امامها بسوء تقديري للوضع، ان الوطن لم يتعافى ولم يستقر حتى يومنا هذا، رغم مرور اكثر من ربع قرن على تلك الذكريات المُرّة.
     لم اسمع في غربتي الطويلة سوى اخبار المآسي المتلاحقة التي ألـَمّت بسلوى وختمتها برحيلها، فألف رحمة على روحها، ستبقى ذكراها حية في وجداننا، نحن زملائها ورفقتها، في جامعة الموصل، والبلدة القوش الباقية ما بقيت اشعة الشمس تغمرها كل صباح.
nabeeldamman@hotmail.com
December 26, 2009

232
سلوى هادي حيدو تغادرنا الى الابد

نبيل يونس دمان


     وقع خبر وفاة سلوى حزينا على مسامعي، لقد تابعت في الاشهر الماضية مسيرة المرض اللعين الذي داهمها دون إنذار في وطننا الحبيب، ثم وصولها الى اميركا قبل مدة، حيث تولى أمر علاجها مشكوراً، الصديق الهمام د. نشات يوسف توسا، اخيراً شاء القدر ان يخطفها من عائلتها، ومن اهلها في العراق والمهجر.
     عرفت سلوى جيدا في سبعينيات القرن الماضي زميلة في جامعة الموصل، كانت مثال الخلق والادب، كم تخطينا شوارع الجامعة مجاميعاً، كأخوة وأحبة وسلوى بيننا بأحاديثها الشيقة والابتسامة لا تفارق شفتيها، وكم حضر جمعنا المصغر مناسبات واحتفالات ومهرجانات، ونحن مفعمون املاً بان نخدم الوطن، نعيش على تربته، نربي اجيالاً تتبعها اجيال، لكن الاهوال تكالبت علينا، مع اشتداد تمركز السلطة بأيدي طاغية بعيد كل البعد عن الانسانية والحضارة. مع اشتداد الحرب العراقية- الايرانية التي اشعلها صدام في سنيها الاولى، وقع حادث أسر زوجها المرحوم جورج بولا، في احدى جبهات الحرب وليمكث سنيناً طويلة في ايران، اتذكر عندما التقيتها في باص المصلحة على طريق الموصل، قالت هل سمعت بمصابنا، قلت أجل، لكن لا عليك انها فترة قصيرة ويسقط الطاغية فيعود كل شيء الى طبيعته، من ربيع ذلك العام 1982 لم التق سلوى حتى اعترف امامها بسوء تقديري للوضع، ان الوطن لم يتعافى ولم يستقر حتى يومنا هذا، رغم مرور اكثر من ربع قرن على تلك الذكريات المُرّة.
     لم اسمع في غربتي الطويلة سوى اخبار المآسي المتلاحقة التي ألـَمّت بسلوى وختمتها برحيلها، فألف رحمة على روحها، ستبقى ذكراها حية في وجداننا، نحن زملائها ورفقتها، في جامعة الموصل، والبلدة القوش الباقية ما بقيت اشعة الشمس تغمرها كل صباح.
nabeeldamman@hotmail.com
December 26, 2009
 

233
محنة المسيحيين في نينوى
نبيل يونس دمان
     ها ان ثعبان التعصب الاعمى يطل مرة اخرى بانيابه المسمومة، للاعتداء على مسيحيي الموصل وضواحيها، في قتل ابنائهم، تفجير دورعبادتهم، نسف بيوتهم، واماكن اعمالهم، موجة جديدة تاتي وقد سبقتها امواج اخرى ظالمة، لا نعرف بالضبط مصدرها ولا غايتها، فان كانت تبغي انهاء الوجود المسيحي في العراق، فان من المحال القضاء على المسيحية في العالم، لا بل ان استمرار هذه الاعمال ستجلب الويلات لمقترفيها طال الزمن ام قصر، لن يكن بإمكان الظلام ان يحل محل نور الشمس الساطع ابداً.
     لقد تناولت هذا الموضوع مراراً، سأظل اكتب حتى تشل يدي، عندها اصرخ ملأ فمي، وحتى ينجلي الليل الطويل، عن صبح جميل، يبهر قاطني وادي الرافدين، من مختلف المُلل والنـُحل. ايضا أثـَرْتُ غيرة َ ونخوة مُسلمي الموصل وعشائرها وأعيد تكرار هذا النداء الانساني، للوقوف الى جانب هؤلاء المساكين المستهدفين دون ذنب ارتكبوه، أهيب المرة تلو المرة بشرفاء الموصل، بمَسؤوليها، برؤساء عشائرها، بمن يمتلكون المقدرة وقوة التاثير على منفذي تلك الاعمال، بان يلعبوا دورهم في ايقافها.
      في كل زمان والمتعصبون يستهدفون المسيحيين، وقد سقط الكثيرون منهم عبر التاريخ صرعى امام اولئك الغلاة، ولولا وجود وجهود الخيرين والشرفاء من اصحاب الضمائر الحية، لانتهى الوجود المسيحي منذ زمن طويل، لم يكن بامكان المسيحيين في ضعفهم وسماحهم الوقوف بوجه القتلة، ولم يكن بامكان الدول الاخرى الحيلولة دون ذلك، ان لم تكن غير راغبة اصلا في الدفاع عن القلة المضطـَهِدة امام الاكثرية المضطهـِدة ، بل كان الاعتماد بعد الله، على اصحاب الضمائر الحية من المسلمين، وما استمرار الوجود المسيحي عبر مئات القرون الا بفضل هؤلاء الأخيار داعمي تلاوين شعبنا، باعتبارها عوامل قوة وازدهار للبلد.
     بالنسبة للحكومة المركزية وكل المؤسسات المحيطة بها من تشريعية وقضائية، فانها شبه مشلولة وواضح ضعفها للملأ، ويصح فيهم قول الرصافي:
عـَلمٌ ودستورٌ ومجلسُ أمةٍ     كُلٌ عن المعنى الصحيحِ مُحَرّفُ
     وانتم يا اعضاء البرلمان العراقي المنتخب، لقد انشغلتم عن معاناة الناس في مناقشات طويلة لقانون الانتخابات، وانتم تنظرون في منظار فئوي وحزبي وطائفي ضيق، دون ان تكون نظرتكم شاملة ونحو الافق الأبعد، لو كانت في قلوبكم محبة الوطن وخشية الله لسامحتم بعضكم بعضا، ولتنازلتم عن مقاعكم وكراسيكم ونسب كتلكم المئوية، لاقرانكم ومواطنيكم، الأكفا منكم والأجرأ منكم والأثبت منكم.
     ان سبب ضعف الاجهزة المذكورة هو اساسها الهش المرتكز على المنافع الشخصية، المحاصصة، والشقاق الطائفي. الفضائح الاخيرة آلمتنا واخجلتنا ونحن نسمعها، والتي فجرها الاستجواب في مبنى البرلمان التي تقترب دورته من الانتهاء، وبانتظار برلمان اكثر هيبة ورصانة وحكمة، يحضرني بيت الشعر القائل:
متى يَبلغُ البنيانُ يوماً تمامَهُ     اذا كنتَ تبنيهِ وآخَرُ يَهدِمُ
     ارى من الضروري لكل من يقلقه وضع المسيحيين، من الأباة والمخلصين، ان يسهموا بقسطهم في فضح الحملة الحالية، وبضرورة اشعار الرأي العام العالمي وهزه من اساسه، لما يحدث في المدينة العظيمة( قم اذهب الى نينوى المدينة العظيمة، وناد لها المناداة التي انا مكلمك بها.. سفر يونان 2:3) ولإستثارَت الحكومات التي تملك القرار، بان تتحرك وتبحث عن حلول سريعة لمسيحيي العراق، من اجل بقائهم في اوطانهم، والحيلولة دون هجرتهم بالكامل، وانقراضهم لا سامح الله.
     تعتبر الموصل مركز الاشعاع المسيحي في العراق منذ امد بعيد، والقرى والقصبات الدائرة في فلكها اشبهها بالكواكب، لذلك بات إلحاق الحيف والأذى بها من صميم اهداف الحاقدين. باستمرار أجادل بان محنة المسيحيين وهجرتهم وضيمهم ناتج ايضا من عدم الاستقرار وافتقاد الامن فيها، انظروا كيف هدأت الامور في منطقة الدليم وديالى وجنوب بغداد( مثلث الموت) والبصرة، اما الموصل فقد مرت بفترة هدوء نسبي بعد سقوط النظام الشمولي في نيسان 2003، ثم سرعان ما خرج شيطان الارهاب من قمقمه، وهو يعيد ماضيه الدموي في نفس الولاية عبر شواهد لا تحصى من التاريخ، منها حملة اغتيالات طالت المئات في اعقاب فشل حركة الشواف عام 1959، لا زال هذا المتجبر القاسي يمارس افعاله القبيحة بتلذذ وانعدام في الشعور، الذي يفترض ان يمتلكه في حدوده الدنيا كل انسان سوي على وجه المعمورة.
     في جلسة جمعتني مع اصدقاء، دفعني حبي للموصل بطرح سؤال عن اسباب تميز اهلها بعلمهم وذكائهم وحتى جمالهم، فمنهم القائل مناخ ام الربيعين ومنهم القائل موقعها الاستراتيجي على طريق القوافل، ومنهم القائل آثار الحملات عليها واشدها حملة نادر شاه( طهماسب) سنة 1743، ومنهم القائل تنوع الاديان والقوميات والطوائف واللغات فيها. ارجو ان تبقى الموصل كما عهدناها في الجمع بين كل تلك العوامل التي هي مصدر قوتها وشموخها، بان تنهي على الفور استهداف المسيحيين وكل الطوائف الصغيرة من شبك وايزيدية وتركمان وغيرهم، ان ذلك التنوع في نينوى لهو لسان التاريخ وعلامته المميزة، فهل سيسمع عقلاء الموصل مناشدتي في اعادة الوضع الى طبيعته؟ انا في الانتظار.
nabeeldamman@hotmail.com
Dec 15, 2009
 

234
محنة المسيحيين في نينوى
نبيل يونس دمان
     ها ان ثعبان التعصب الاعمى يطل مرة اخرى بانيابه المسمومة، للاعتداء على مسيحيي الموصل وضواحيها، في قتل ابنائهم، تفجير دورعبادتهم، نسف بيوتهم، واماكن اعمالهم، موجة جديدة تاتي وقد سبقتها امواج اخرى ظالمة، لا نعرف بالضبط مصدرها ولا غايتها، فان كانت تبغي انهاء الوجود المسيحي في العراق، فان من المحال القضاء على المسيحية في العالم، لا بل ان استمرار هذه الاعمال ستجلب الويلات لمقترفيها طال الزمن ام قصر، لن يكن بإمكان الظلام ان يحل محل نور الشمس الساطع ابداً.
     لقد تناولت هذا الموضوع مراراً، سأظل اكتب حتى تشل يدي، عندها اصرخ ملأ فمي، وحتى ينجلي الليل الطويل، عن صبح جميل، يبهر قاطني وادي الرافدين، من مختلف المُلل والنـُحل. ايضا أثـَرْتُ غيرة َ ونخوة مُسلمي الموصل وعشائرها وأعيد تكرار هذا النداء الانساني، للوقوف الى جانب هؤلاء المساكين المستهدفين دون ذنب ارتكبوه، أهيب المرة تلو المرة بشرفاء الموصل، بمَسؤوليها، برؤساء عشائرها، بمن يمتلكون المقدرة وقوة التاثير على منفذي تلك الاعمال، بان يلعبوا دورهم في ايقافها.
      في كل زمان والمتعصبون يستهدفون المسيحيين، وقد سقط الكثيرون منهم عبر التاريخ صرعى امام اولئك الغلاة، ولولا وجود وجهود الخيرين والشرفاء من اصحاب الضمائر الحية، لانتهى الوجود المسيحي منذ زمن طويل، لم يكن بامكان المسيحيين في ضعفهم وسماحهم الوقوف بوجه القتلة، ولم يكن بامكان الدول الاخرى الحيلولة دون ذلك، ان لم تكن غير راغبة اصلا في الدفاع عن القلة المضطـَهِدة امام الاكثرية المضطهـِدة ، بل كان الاعتماد بعد الله، على اصحاب الضمائر الحية من المسلمين، وما استمرار الوجود المسيحي عبر مئات القرون الا بفضل هؤلاء الأخيار داعمي تلاوين شعبنا، باعتبارها عوامل قوة وازدهار للبلد.
     بالنسبة للحكومة المركزية وكل المؤسسات المحيطة بها من تشريعية وقضائية، فانها شبه مشلولة وواضح ضعفها للملأ، ويصح فيهم قول الرصافي:
عـَلمٌ ودستورٌ ومجلسُ أمةٍ     كُلٌ عن المعنى الصحيحِ مُحَرّفُ
     وانتم يا اعضاء البرلمان العراقي المنتخب، لقد انشغلتم عن معاناة الناس في مناقشات طويلة لقانون الانتخابات، وانتم تنظرون في منظار فئوي وحزبي وطائفي ضيق، دون ان تكون نظرتكم شاملة ونحو الافق الأبعد، لو كانت في قلوبكم محبة الوطن وخشية الله لسامحتم بعضكم بعضا، ولتنازلتم عن مقاعكم وكراسيكم ونسب كتلكم المئوية، لاقرانكم ومواطنيكم، الأكفا منكم والأجرأ منكم والأثبت منكم.
     ان سبب ضعف الاجهزة المذكورة هو اساسها الهش المرتكز على المنافع الشخصية، المحاصصة، والشقاق الطائفي. الفضائح الاخيرة آلمتنا واخجلتنا ونحن نسمعها، والتي فجرها الاستجواب في مبنى البرلمان التي تقترب دورته من الانتهاء، وبانتظار برلمان اكثر هيبة ورصانة وحكمة، يحضرني بيت الشعر القائل:
متى يَبلغُ البنيانُ يوماً تمامَهُ     اذا كنتَ تبنيهِ وآخَرُ يَهدِمُ
     ارى من الضروري لكل من يقلقه وضع المسيحيين، من الأباة والمخلصين، ان يسهموا بقسطهم في فضح الحملة الحالية، وبضرورة اشعار الرأي العام العالمي وهزه من اساسه، لما يحدث في المدينة العظيمة( قم اذهب الى نينوى المدينة العظيمة، وناد لها المناداة التي انا مكلمك بها.. سفر يونان 2:3) ولإستثارَت الحكومات التي تملك القرار، بان تتحرك وتبحث عن حلول سريعة لمسيحيي العراق، من اجل بقائهم في اوطانهم، والحيلولة دون هجرتهم بالكامل، وانقراضهم لا سامح الله.
     تعتبر الموصل مركز الاشعاع المسيحي في العراق منذ امد بعيد، والقرى والقصبات الدائرة في فلكها اشبهها بالكواكب، لذلك بات إلحاق الحيف والأذى بها من صميم اهداف الحاقدين. باستمرار أجادل بان محنة المسيحيين وهجرتهم وضيمهم ناتج ايضا من عدم الاستقرار وافتقاد الامن فيها، انظروا كيف هدأت الامور في منطقة الدليم وديالى وجنوب بغداد( مثلث الموت) والبصرة، اما الموصل فقد مرت بفترة هدوء نسبي بعد سقوط النظام الشمولي في نيسان 2003، ثم سرعان ما خرج شيطان الارهاب من قمقمه، وهو يعيد ماضيه الدموي في نفس الولاية عبر شواهد لا تحصى من التاريخ، منها حملة اغتيالات طالت المئات في اعقاب فشل حركة الشواف عام 1959، لا زال هذا المتجبر القاسي يمارس افعاله القبيحة بتلذذ وانعدام في الشعور، الذي يفترض ان يمتلكه في حدوده الدنيا كل انسان سوي على وجه المعمورة.
     في جلسة جمعتني مع اصدقاء، دفعني حبي للموصل بطرح سؤال عن اسباب تميز اهلها بعلمهم وذكائهم وحتى جمالهم، فمنهم القائل مناخ ام الربيعين ومنهم القائل موقعها الاستراتيجي على طريق القوافل، ومنهم القائل آثار الحملات عليها واشدها حملة نادر شاه( طهماسب) سنة 1743، ومنهم القائل تنوع الاديان والقوميات والطوائف واللغات فيها. ارجو ان تبقى الموصل كما عهدناها في الجمع بين كل تلك العوامل التي هي مصدر قوتها وشموخها، بان تنهي على الفور استهداف المسيحيين وكل الطوائف الصغيرة من شبك وايزيدية وتركمان وغيرهم، ان ذلك التنوع في نينوى لهو لسان التاريخ وعلامته المميزة، فهل سيسمع عقلاء الموصل مناشدتي في اعادة الوضع الى طبيعته؟ انا في الانتظار.
nabeeldamman@hotmail.com
Dec 15, 2009
 

235
هرمز شيشا ﮔولا في ذمة الخلود
بقلم نبيل يونس دمان

     يقول الشاعر:
يا وَيحَ هَذِى الارض ما تـَصنـَعُ      أكُلَّ حَيٍّ فوقـَها تـَصْـــــــرَعُ
تـَزرَعَهُمْ حتى إذا ما أتــــــــــوا     عادَت لهمْ تـَحصَدُ ما تـَزرَعُ

     يوم الخميس المصادف  10 كانون اول 2009، توقف قلب المربي والشماس المعروف هرمز شيشا صادق ميخائيل متي عوديشو ﭽونا صليو ﮔولا، المهاجر الى القوش من قرية ﭙيوس قرب بلدة باعذرا في عام 1738. لقد عانى الفقيد في السنين الاخيرة من مشاكل في القلب، مما ادت تدريجيا الى ضعف في ادائه، ربما تحت ثقل السنين الطويلة التي عاشها، فقد تجاوز عمره 93 سنة، وهو سليل عائلة معمرة، ومن قلائل رجال القوش الذين يبلغون، هذا السقف الزمني العالي.
     عندما كانت المرحومة راحي رئيس حامل به في سني السفر برلك الاليمة، هرب والده المرحوم شيشا الى الجبل ليلتحق بمجموعة الهاربين من السلطات، بسبب سوق الشباب الى العسكرة الاجبارية، مما حدى بالسيء الصيت العريف احمد السقلي الى اعتقال الوالدة الحامل بابنها البكر، فتناهى الخبر الى سمع الشاب شيشا، فنزل حالا وسلم نفسه من اجل اطلاق سراح زوجته، بعدها ذهب والده صادق( مختار محلة التحتاني) الى الموصل واتصل بالشخصية المتنفذة انذاك( قاسم الصابونجي)  واشتكى اليه افعال السقلي وممارساته القذرة، فكان ذلك عاملاً قوياً في نقل الطاغية الصغير الى بلدة بغديدا، في تلك الاجواء من عام 1916 ولد هرمز شيشا.
     لقد اعتمر في قلبه الايمان العميق، وحب التراث، وعشق اللغة، والاخلاص اللامتناهي لبلدته، وقد دخل عدة سنوات في مدرسة مار يوحنان الحبيب ليصبح قسيساً، ولكن ظروفه الصحية لم تسمح له بذلك، ولكن في المقابل تعلم لغة ابائه العريقة، ودشن اساس المعرفة والعلم، ليغدو شخصية معروفة في العقود التالية. عندما استثمر امواله في بناء ثانوية القوش، ومتوسطة البنات في الخمسينات كانت الغاية خدمة البلدة، وفي الحيلولة دون تسرب تلامذتها الى المدن الكبيرة. لقد عمل في البصرة وفي بغداد مخلصا في عمله، وكان دائم القدوم الى بيته العامر في مركز البلدة، وفي عام 1972 عندما منحت الحكومة حقوق ثقافية محدودة للناطقين باللغة السريانية، اصبح رئيساً لجمعية الناطقين باللغة السريانية، وكذلك ترأس تحرير مجلة قالا سريايا في نهاية السبعينات.
     من اهم مآثره في الثمانينات كتابته موضوعاً في الصحافة، ينتقد خطوة بناء بيوت حول مرقد مار قرداغ، باعتبارها اراضي زراعية منذ الاف السنين، واقترح ان تبنى البيوت بمحاذات الجبل، لان اراضي تلك المنطقة صخرية ولا تصلح للزراعة، فكانت كتابته تلك جريئة في وقتها، علما بان السلطات تعمدت تحويل تلك الاراضي الزراعية الى بيوت، لتخريب القطاع الزراعي، ولابعاد السكان عن الجبل، وازدادت تماديا في اطلاق اسم الدكتاتور المكروه على ذلك الحي.
     نختتم موضوعنا بالقول: ان المرحوم شخص سامي الاخلاق، هادئ الطبع، لا تفارق الابتسامة شفتيه، مواظب على اداء واجباته الكنسية، محب للغة السريانية وحريص على اعلاء شأنها. ما الحيلة فالحياة قصيرة وكما يقول المزمور 103: 15( الانسانُ أيامُه كالعُشبِ، وانما يُزهِرُ كَزَهرِ الحَقلِ) لكن في رحيله جسداً، تبقى صفاته واعماله جديرة بالاقتداء، من بيته الى بلدته، فوطنه الدامي بيث نهرين.
nabeeldamman@hotmail.com
Dec 11, 2009

236
المرتجى من مؤتمر عنكاوا
بقلم نبيل يونس دمان
     أكتب اليوم عن موضوع ساخن وشائك ، كثر الجدل حوله ، واشتد خصوصاً بعد سقوط نظام الطاغية ، ذلك الجدل بأبعاده التاريخية والسياسية وحتى الدينية . تكاثرت الاقلام التي تناولته بمديات واسعة ، شجعها تطور وسائل الاتصال من الإنترنيت والفضائيات والموبايل ، فكانت النتائج سلبية على العموم ، وعمقت الخلافات في وجهات النظر ، مما جعلتنا نعيش كل ٌ في وادٍ عميق ، لا يريد سماع الآخر ، او الجلوس معه ، بل ادى مهمة اخرى أشبهها بمن يحمل الحجارة الى الخط الفاصل ، ليلقيها على رؤوس قاطني الوادي المجاور . كان يفترض ان نستفيد من الامكانات التقنية وتواجدنا في بلدان ذات مناخات ثقافية واجتماعية متنوعة ، فتنعكس إيجابا ، لتزيد من لحمتنا وتجعلنا مجموعة متجانسة يربطها إرث حضاري ولغة عريقة . ولكن بدل كل ذلك شرع البعض الذي يعاني من نقص فكري ، وقلة ذوق واضح الى ان يرتقي منابرا ً ويمنح لنفسه مناصبا ، فاخذ يصرخ ويولول ، يزايد ويقلل ، يبرر ويعلل ، يتهم ويبرئ ، وبوتيرة ازدادت وتعمقت مع الزمن ، فبدلاً من ان ينصت لصوت العقل وينظر بمنظار مصلحة قومه التي في وحدتها وفي تكاتفها يكون بقائها ، هؤلاء المفتشون عن الأمجاد الزائفة عن طريق الاعلانات السريعة ، أضروا بقضيتنا كثيراً ، وحمدٌ لله انهم تعبوا ولم يتحملوا نتائج افعالهم ، فتوارى العديد منهم عن الانظار، فيما بقيت اقلية تمارس هوايتها في التصيد بذلك الماء الآسن الذي لا تخضر فيه حياة ! .
     من هذا الخضم يأتي مؤتمر عنكاوا كخطوة ايجابية على طريق الوصول الى اهداف قومنا ، في احقاق مطاليبه القومية إسوة بباقي مكونات الشعب العراقي . كانت التسمية باستمرار هي تلك القنبلة الموقوته في طريقنا ، وها ان المؤتمر قد استنتج كلمة وان كانت بديلة ،  لكنها ضرورية في هذا الوقت والتي هي ( سورايا – سوراي- سورث ) ، هذه الكلمات وان بدت غريبة وثقيلة على الاقوام والشعوب المجاورة ، لكن بمرور الزمن اعتقد انهم سيتآلفوا معها ،  فتصبح قوة مادية تفرض هيبتها واحترامها على الجميع . لأسوق مثالا ً : ( الأيزيدي ) تلك الكلمة التي سادت مؤخرا لإبعاد كلمة اليزيدي من التداول والتي يفسرها الكثيرون خطأ بانهم اتباع يزيد بن معاوية الاموي . فيما تفسر أيزيد بمعنى كلمة الله جل جلاله ، والبعض ينسبها الى مدينة  يزدان الايرانية التي نشأت فيها الديانة الزرادشتية قبل حوالي 2500 عام .
     كانت كلمة ( سوراي ) ذات مدلول قومي ، ولكن بفعل الاضطهاد المزمن وانعكاف ذلك القوم العريق حول كنائسه بعد ميلاد المسيحية اتخذت مدلول ديني ، ايضا بعد ازدهار منطقتنا واستقرارها الفكري والثقافي سترجع كلمة سوراي الى تاثيرها القومي ، ربما يتطلب ذلك مديد من الزمن ومزيد من الصبر .
     في حقب التاريخ المختلفة سُمينا بأسماء لها وقع طيب في نفوسنا فنجلها على الدوام ، منها الاكدي والسومري والاشوري والكلداني والسرياني ..الخ بمدلولها الإثني والمعتقدي ، تبقى هذه الاسماء مرتبطة بنا في اماكن تواجدنا وفي محيط اسرنا وفي اروقة كنائسنا ، لكننا نشرع بتعويد انفسنا على كلمة ( سوراي ) الجامعة والوطن القديم ( بيث نهرين ) والتسمية الوطنية الحديثة ب ( العراق ) والمنطقة الشمالية ب ( كردستان ) كواقع الحال يفرض نفسه اليوم بقوة ، على الجميع الاعتراف به واحترامه ، مع الاعتقاد السائد بان الظروف تشير الى نشوء كردستان الكبرى الممتدة في تركيا وايران وسوريا ، وغالبية قومنا وقرانا ومصالحنا المادية والقومية والدينية ضمنها ، فلنكن ضمن هذا الواقع الموضوعي ولنبني خططنا المقبلة على هذا الاساس لا ان تراودنا الاحلام غير القابلة للتحقيق والمربكة والمعيقة للتطور الطبيعي لأجيالنا . اذا احسنا قراءة الواقع سيكون لنا مناطقنا واماكن ازدهارنا التي سيفرضها الواقع الجديد ، دون اضاعة الوقت في طلبها في الظروف المعقدة السائدة اليوم ، فلننتظر وننظم انفسنا ونوحد موقفنا ونرتب بيتنا القومي ، فكل القرائن تشير الى قرب تحقيق آمالنا ، علينا التفاؤل والنظر بثقة وثبات الى المستقبل الواعد ، ان الصورة اليوم قاتمة لكنها ستتغير مع الزمن ومع الصبر وقليل من التضحية ، فالى ذلك اليوم نغذي السير .
     ان مؤتمر عنكاوا الشعبي لن يكون الخاتمة بل ستعقبه مؤتمرات اخرى جديدة ، تضاف الى المؤتمرات السابقة ، كلها لم ولن تمتلك العصا السحرية التي تتوصل الى كل شيء وترضي الجميع في كل شيء ، كما انها لا تحسم الجدل الحالي ولكنها تحصيل حاصل ونيجة للمرحلة الصعبة التي يمر بها الوطن ، فبعد اختراق سفينته عباب البحر المتلاطم ستجنح في الاخير الى شاطئ الامان ، فتنهض الدولة العراقية ، ويترسخ الدستور العلماني ، وستتطور مفاهيمنا القومية اكثر ليصبح واقعنا المقبل باذن الله هو الاستقرار الفكري والرخاء المادي .
     ما الذي يمنع تقرب التجمعات والاحزاب وممثلي الكنائس المختلفة من خيمة المؤتمر وافكاره وتصوراته التي خرج منها بهدف تصويب ما وقع في من قصور او نسيان او حتى الأخطاء ، اتمنى من هؤلاء بل اترجاهم ان لا يحملوا المعاول في توجههم صوبه بل ان يحملوا في ايديهم باقات الزهور ، ولترتسم على شفاههم ابتسامات الحياة والحرية.
    اخاطب ابناء قومي من منفاي وعيوني ترنوا الى الوطن الذي آمل ان يضمني يوماً الى احضانه في حياتي او مماتي ، اخاطب اهلي المشتتين في الاقاصي بان يضعوا حدا لخلافاتهم . تناولوا تجربة اكراد العراق كيف اصطدمت فصائلهم السياسة وكيف نبذت الخلافات ، فازدهرت مناطقهم واصبحوا تجربة ديمقراطية تشع في المنطقة وتفرض احترامها المبني على رفاهها الاقتصادي وتطورها الاجتماعي . انصتوا الى نداء القلب ورجاحة الفكر، وضعوا امالكم في وحدتكم وتكاتفكم في تجاوز الامور الثانوية ، والمصالح الضيقة ، التي لم تنفعنا طوال سنوات الجدل العقيم . امالنا المقبلات تتوقف على جانب له اهمية قصوى ، الا وهو وضع العراق العام ، فالمعادلة الرئيسية وميزان الاحداث ، سيعتمد على نتائج الصراع بين قوى الخير والحرية ، وبين قوى الظلام والعبودية ، لنكن وضمن امكاناتنا وقابلياتنا قريبين من تلك المعادلة ، واضعف الايمان بقلوبنا وتضامننا ، علينا بتحليل وفك رموز تلك المعادلة لاستقراء الاحداث ومعرفة اتجاه الرياح ، لا ان تاخذنا على حين غرة وتفاجئنا ، وبالتالي نجلس على الاطلال نبكي ونندب حظنا ، علينا ان نرتقي وفي الاساس ان نسموا فوق خلافاتنا ، ثم نشد اواصر اللحمة مع مكونات الشعب العراقي ، الذي يرى فينا ، اناسا مخلصين لوطنهم اينما حلوا ، ولنا في نظرهم مكاننا في التاريخ ، الا سألنا انفسنا يوما ، لماذا لا يعير الاعلام العالمي لنا انتباه ، بتقديري ناتج عن خلافاتكم وحملات التشهير اذا لم نقل السباب التي ينتهجها البعض ، اضافة الى الذاتية ومرض حب الظهور التي يقتنصها البعض فرصة ليغطي نواقصه ، صدقوني لو توحدتم ، ولو عزلتم تلك الاقلام المفرقة ، التي تابي الكتابة الا في الاحادية والطائفية ، سيكون العالم معكم ، والاعلام منصف لكم ، ومراكز القرار الوطني والاقليمي والعالمي في نيل مطالبكم ، وتثبيت حقوقكم ، والدفاع عنكم عندما تتعرضون للمحن .
      يكتسب مؤتمر عنكاوا اهميته من التحضير الذي سبقه ، والتغطية الاعلامية التي واكبت جلساته ، والنتائج التي تمخض عنها ، والاهم من كل ذلك اللجان التي تشكلت والتي اذا اكتمل نصابها ، وسادت روح الجدية والعمل المخلص ، ستكون في المستقبل القريب نواة مجلس نواب الظل لقومنا ، مجلس ( دوما ) صغير يتناسب مع عددنا ، وسيكون لذلك المجلس مكانة مناسبة ، ترفع ارادة وتوصيات قومنا الى الجهات المختلفة ، من الحكومة المركزية ، الى حكومة اقليم كردستان ، الى الاحزاب الوطنية ، الى الحكومات الاجنبية وقنوات الاعلام .       
     ليكن طريقنا الجديد الذي ارساه مؤتمر عنكاوا يستوعب خطواتنا الواثقة الى المستقبل ، ولنبارك كل جهد يصب في الهدف ، ولنستوعب القيادات الفتية التي يفرزها الطريق بالحفاوة والاحترام ، ولتقترب تنوعاتنا السياسية والكنسية من ثوابتنا القومية ، ليكن تنافسنا بهدف الارتقاء فلا تطور الا بالتنافس الحر والتنوع الثقافي والاجتماعي والسياسي ، لتكن منافستنا الكبرى في ما نقدمه لقومنا في مدن الصراع الدموي في بغداد وكركوك والبصرة والموصل وغيرهما ، في اوضاع اللاجئين والمعذبين في الداخل والخارج ، لتكن منافساتنا في تطوير لغتنا واحياء طقوسنا ، وتطوير عاداتنا وتقاليدنا بما يتلائم مع القرن الحادي والعشرين ، ذلك هو طريقنا واليه نرفع رؤوسنا ونمد أيدينا لنحيي كل من يوسع خطاه في السير عليه ، حتى بلوغ اهدافنا في الحرية والازدهار .

nabeeldamman@hotmail.com
April 10, 2007


ما كتبته في المؤتمر الاول، امام اختبار الزمن.

237
أوباما جدير بجائزة نوبل
 نبيل يونس دمان
     في الوقت الذي فاجأنا خبر، نيل الرئيس الاميركي باراك اوباما، لجائزة عالمية رفيعة، فقد افرحنا اكثر، كون الرئيس الحالي، يشار له بالبنان، وهو موضع اختبار التاريخ، فقد قبل التحديات الكبيرة، التي تواجه كوكبنا، منها ترسانة السلاح النووي، وظاهرة الاحتباس المناخي، التي تبدو اخطارها جدية، على مدى العقود القادمة، اضافة الى الزلزال الاقتصادي الشديد، وازمته التي تفاقمت منذ عام او اكثر، ولا زالت تضرب اطنابها، في نواح شتى من المعمورة.
     اذن يمكن الاستنتاج السريع، بان لجنة جائزة نوبل الذكية، قد حمّلت الرئيس اوباما أعباء اضافية، عليه النهوض بها. لا اعتقد ان الرجل تنقصه، الفلسفة الضرورية، والنظرة البعيدة، بقدر ما هو بحاجة الى الاسناد من الرأي العام الاميركي ومجلس النواب( الكونغرس) قد لا يكفي تشخيص الرئيس الصائب لمتطلبات العصر، بل يحتاج الى قوة اقناع متزايدة لاعضاء المجلس الآنف الذكر، وقبل ذلك عليه ان يختار من سلسلة المهام، حلقاتها الاضعف، ليتسنى له سحبها بالكامل، كما يبدوا لي على مدى الثمان سنوات، التي اتوقع ان يمضيها رئيساً متميزا للولايات المتحدة. ان اوباما ظاهرة جديدة في الحياة الاميركية ومن كل النواحي: المنشأ، سرعة الصعود، الى جرأته في تحمل مسؤولية الاوضاع الاستثنائية، التي تمر بها اميركا منذ قرابة العقد من الزمان، وتحديدا منذ احداث ايلول 2001.
     يتزايد اعجابنا باوباما ويشتد تأييدنا له بمرور الوقت، فهو يسعى الى اعادة ثقة العالم وشعوبه بالدور الذي تمثله اميركا في موقعها الصناعي والعسكري، الشعوب تحتاج الى من يتعاون معها، لا من يترفع عليها، فمن يشأ تعليم الشعوب، عليه دراسة تجربة الاخ الاكبر، وطموحه الوصول الى المياه الدافئة، وفي اول اختبار له في افغانستان، كان الفشل في انتظاره، وليكن احد الاسباب الرئيسية، في اختفاء امبراطوريته، التي تجاوزت السبعين عاماً. ان نهج التعالي والاستاذية، قد اثبت الزمن خطأه مراراً، فكم من امبراطور لعبت بمخيلته، اهواء التفوق والغطرسة والشغف بالقوة، واراد ان يسود، لكنه اصطدم بواقع ارادة الشعوب، فتكسرت هيبته وتلاشت احلامه، كم هو سهل بلوغ الدكتاتورية، ولكن ليس ثمة طريق للنزول منها.
        اذن لا يمكن ان يقود العالم ربان واحد، او نمط حكم واحد، او دولة مهما بلغت من الجبروت والقوة وحتى الافكار، على اية دولة تتفوق في التقنية والبناء والادارة والقانون ان تتواضع وتشارك الاخرين امكاناتهم الخاصة، على هذا الاساس تصبح الدبلوماسية فاعلة ونشطة بين الدول، وبالتالي تنعكس فائدتها لتكريس الديمقراطية في الكثير من البلدان المتعطشة لها، وفي المقدمة الشرق الاوسط، الذي سيتحول الى منطقة سلام واستقرار، بعد حل معضلة الصراع العربي الاسرائيلي.
     اننا بوضعنا البسيط، نلوح للرئيس اوباما، وهو يتوجه الى عاصمة النرويج في ديسمبر القادم، لاستلام جائزته التي تبرع بأموالها الى المنظمات الخيرية.
حيّا الله الرئيس باراك حسين اوباما.

nabeeldamman@hotmail.com
15- 10- 2009



238
حكم القدر يغيب الأب د. يوسف حبّي
نبيل يونس دمان 
 
       أسماء عديدة ووجوه مختلفة تدور مع عجلة الحياة على هذه البسيطة ، دون ان تترك اثرا ً ، حيث تأتي بهدوء وتمضي بهدوء ، فتلك سمة غالبية الخلق .... ولكن هناك اقلية منهم لها مسارها الخاص في نفس عجلة الحياة ، تاركة بصماتها على واجهة الزمن وأسفار التأريخ ، بارزة مضيئة من نواحٍ عدة ، وقد كلـّفها ذلك جهودا ً مضنية ، وطاقات كبيرة ، للوصول الى ذلك الموقع ، التي ستظل أجيال واجيال من بني البشر ، تذكر ذلك الاسم المتميز ، وتتخذه نبراسا ً لها ، ومرجعا ً في حياتها ، وقوة دفع متجددة لعملية التطور الفكري- الاجتماعي .
      هذه مقدمة للتعريف بكائن من ذلك النمط الخاص ، فذ في تفكيره ، قويم في سلوكه ، ماض ٍ في إقدامه ، ذلك هو الفقيد الاب يوسف حبي . للاسف الشديد لم يساعده الحظ في مواصلة عطائه الزاخر ، إذ توقفت تلك الحياة النابضة بالابداع ، في لحظة خاطفة من الزمن وهو في قمة الابداع ، حيث مداده الفكري لم يجف ، والقلم يرعف ويهتز في يده الخضراء .
      لعل ما تناوله الفقيد في آخر ندوة له في مهرجان نوهدرا الثقافي السادس بدهوك آب 2000 بعنوان " اهمية التعددية ، العرقية ، والاثنية ، والعقائدية ، واهمية الالوان لتكتمل لوحة الانسان ، وهو قبول الآخر كما هو لا كما نريد " من ابلغ الدلائل على عمق تفكيره ، وهو بحق ناقوس العصر، بل اكسير الحياة في زمننا الحاضر.
     عرفت الاب الدكتور لعدة سنوات من بداية السبعينات في ندوة الايمان بالموصل التي كان يشرف عليها الاب بطرس متي ، والاب يوسف حبي ، والاب ( المطران حاليا ) جاك اسحق ، الى جانب نخبة ممتازة من الطلبة ذوي القابليات والمواهب المتعددة ، حيث كانوا يبذلون الجهود في جمعنا نحن مسيحيي جامعة الموصل ، من مختلف الطوائف : آثوريين ، كلدان ، سريان ، ومن مختلف مدن العراق وضواحيها : نينوى ، بغداد ، كركوك ، دهوك ، اربيل ، البصرة ، والرمادي .

      كانت ندوة الايمان لكنيسة المشرق ، نقلة نوعية وحضارية في حياتنا نحن القادمين الجدد الى الجامعة ومحيطها الغريب ، خصوصا ً من القرى والارياف التي لم تكن تتوفر فيها مستلزمات الحياة الحديثة ، كنا نلتقي تحت سقف واحد في قاعة كنيسة ام المعونة بالدواسة مع اللجنة المشرفة وبحضور الآباء الكهنة ، في حفلة تعارف رائعة شعارها " إبتعدتم عن اهلكم ، واقتربتم من اصدقائكم " كم كانت تلك الكلمات البسيطة تشد ازرنا ونحن نترك لاول مرة بيئتنا الأسرية المتماسكة ، الى البيئة الاكبر والارقى وهي الجامعة ، التي في نهاية دورتها ، ركبنا موجة الحياة المتلاطمة ، وخضنا غمارها حتى اليوم ، بقوة المثل ونضوج الحكمة التي ألهمنا بها فقيد المعرفة الأب يوسف وزملاؤه .
      رحمك الله ايها الكاهن الانسان ، ستمجد ذكراك في الارض على الدوام ، وسوف يزين صفحات التاريخ الحديث اسمك المطرز بالوان الحياة وأنجم سماء الرافدين ، وا .... أسفاه لفراقك وفقدانك فامثالك قليلون وتعويضك شبه مستحيل .nabeeldamman@hotmail.com

239
خالتي وكارثة بحر أيجة

نبيل يونس دمان

     مصاب جلل اصابني، جاء خبره دون انذار، داهمني دون ميعاد، لقد اشرق نهار الاحد المصادف 16- آب- 2009 بشكل عادي على قاطني كوكبنا، ولم يدر بخلد احد انه يحمل شراً لعائلة اسحق دانيال، لقد تعرض افراد تلك العائلة الى حادث طريق مأساوي بين سميل- وزاخو راحت ضحيته خالتي ودي كوريال اودو. ان رافد اهلي في الوطن راح ينضب مع مرور السنوات العجاف، حتى اصبحوا على عدد اصابع اليد، آه كم كان العيش رغدا حين اهلي اجمعين، لم تفرقهم الاهوال، الى مجاهل الدنيا التي سوف تصهرهم، في محيطها القوي الجارف.
    في ذلك النهار المشؤوم تخلصت خالتي ودي من عذابات لازمتها طويلا ً، فنزعت صَدَفة حزنها الارضي لتلبس الضياء الى حيث الذي- ليس لملكه انقضاء- . في شباط 1963 اعتقل اخواها جمال وجلال فاخذت على عاتقها مسؤولية الاسرة، وراحت تزورهم في معتقلهم( خلف السدة) السيء الصيت، متحملة اهانات الحرس، ولتخفف عنهم وطأة السجن.
    في عام 1967 تزوجت اسحق دانيال الذي لا استطيع ايفاء حقه من الخلق الحسن والطيبة والكرم، ففي اوائل حياتهم الزوجية عاشوا في فقر مادي ولكن في غِنى روحي، لم يتذمروا ولم يشتكوا في مسكنهم الطيني وفي افقر احياء بغداد( الحبيبية) بجوار الاطياف المختلفة من شرائح الشعب العراقي وفي مقدمتهم الارمن الطيبين الذين ارتبطت عائلة خالتي باشد اواصر الصداقة معهم ولم تنقطع حتى مع حلول عصر الارهاب والمفخخات الطائشة، ومن ثم مغادرتهم بغداد الى اقليم كردستان ومع الارمن ثانية في قريتهم هوريسك قرب سميل.
     خالتي الراحلة كانت لها موقف انسانية مشرفة مع الجميع ولا اذهب بعيدا ً، ولانطلق من نفسي فما اكثر المواقف الصعبة في حياتي وقفت فيها معي، فعند اعتلال صحتي عام 1972- 1973 كانت خير سند لي، وبذلك اسهمت في اعادة الثقة الى نفسي لاكمل مشوار حياتي. وحين سقتُ الى العسكرة الاجبارية عام 1976 بعد انهائي الدراسة الجامعية، ساعدتني ايضا في توفير غرفة سكنية في حي الاورفلية، وفي تشجيعي في مواجهة استدعاءات دائرة التوجيه السياسي في معسكر تاجي. لما زارني الوالدين عام 1990 في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مجازفين بحياتهم، وبعد حوالي اسبوعين، ودعتهم في مطار عدن، ثم داهمني القلق من جانب النظام الدكتاتوري الذي كان قاسيا وشديدا في مثل تلك الحالات، فكان اتصالي الاول مع الوطن من خلال خالتي لأسال عنهم، فكان جوابها اللطيف المطمأن قد اعاد السرور النسبي الى نفسي. آخر لقاء لي مع خالتي كان عام 2002 في دهوك، عندما وفر لي الزمن فرصة زيارة اقليم كردستان، المتمتع آنذاك بالحماية الدولية.
     هكذا رحلت الطيبة ودي، تاركة ما تبقى من عائلتها في حيرة ودهشة، فابنتها لينا اصاباتها خطيرة جراء الحادث، واولادها ميلاد وسلام تعلق مشروع زواجهما.....
     ان موت خالتي مرتبط بشكل لا انفصام له مع حادث فقدان ولديها الشابين ليث وهيثم، فقد غرق الزورق الذي كان يقلـّهم من تركيا الى اليونان يوم 13- 14 ايلول من عام 1992، حدثني الناجي الوحيد( بشار هومو) بالقول: ان الاخوين كانا يصليان عندما شرع الزورق بالابحار وعند اشتداد الخطر رأيتهما حاضنين احدهما الاخر.... .  خفق قلبي يومها عند سماعي غرق زورق المهاجرين من اذاعة لندن، بعد ايام قليلة اتضحت تفاصيل الكارثة، فهرع المطران الجليل ابراهيم ابراهيم مسرعا الى تركيا للمساعدة.
ضوت أجسادهم بحر أيجة *

قناديلٌ باحجام ٍ مُتباينة
 أنارَتْ اعماقِك المُظلمة
فبعضها حَط َّ على الشُطآن ِ
 والاخر في جوفِك الجوعان ِ
 والاخير في طـَيِّ الكـُتمان ِ
××××××××
يا بَحرَ أغسِلْ اجسادَهم
 طهِّرْ ذنوبَهم
ايها الجبّار، المُهيب، المُرعِب، القـَهّار
عِبركَ السلام الى ارواحِهم
 وصبراً للسُقـْم ِ والجـِياع ِ مِن اهلِهم
××××××××
عِبرَ موجـِك َ الصاخِبُ
وماءُك الرَقراقُ
اقول يا بحرَ
ان تحتـَكَ الزورقُ
 فوقـَكَ الخالقُ
 ودونكَ العِراقُ !
قائمة بأسماء ضحايا بحر أيجة **
1- ليث اسحق دانيال .
2- هيثم اسحق دانيال.
3- صليو حنا بتو سامانو.
4- فريدة ايشو شمعون.
5- منال صليو سامانو.
6- منار صليو سامانو.
7- ماهر صليو سامانو.
8- وردة حنا ككي.
9- سميرة توما.
10- الينا وردة ككي.
11- مريم وردة ككي.
12- امير توما.
13- اميرة فرجو.
14- ايفل امير.
15- بطرس توما منصور.
16- دريد بطرس توما.
17- بطرس زيا يوسف.
18- يونية كوريال سيفو.
19- لندا بطرس زيا.
20- سلام بطرس زيا.
21- وسام بطرس زيا.
22- بسام بطرس زيا.
23- ولسن عوديشو هاويل.
24- جونسون عوديشو هاويل.
25- رائد عابد يونس ختي.
26- لبيب كريم قس يونان.
27- نادر رحيم كردي ديشا.
 28- نشوان سعيد هومو.
29- ماهر حميد حناني غزالة.
30- باسم .......
31- اياد كمال عبد الاحد.
      في مراسم وداع أليمة، ووريت الثرى في مقبرة ابائها واجدادها في القوش، وفي الاحد الاول لرحيلها وقفت في وجه حزين، استقبل جموع المعزين. ستبقى في ذاكرتي، وذاكرة أمي العزيزة گرجية، وكل اهلها ومن عرفها. لتخلد الى نومها الابدي براحة وسلام.
الهوامش
 * ديترويت في 28/ 9/ 1992. 
** نـَشَرت القائمة، جريدة صوت الاتحاد الديمقراطي العراقيـة، في عددها المرقم 99 - تشرين الاول 1992 - الصادر في ديترويت.
nabeeldamman@hotmail.com
September 17, 2009

240
بعض المهارات الفردية في القوش

نبيل يونس دمان
     لا يستطيع احد تحديد زمن سكن عوائل من البلدة في الموصل، اذ ربما العملية متواصلة في التاريخ، فتارة منها وتارة اليها، حسب الظروف الاقتصادية والامنية السائدة، على اية حال نتحدث قليلاً عن الفترة التي سبقت احداث الشواف في الموصل سنة 1959 وما اعقبها من موجة اغتيالات عنيفة، ادت بالكثير من الاهالي للرجوع الى القوش او الهجرة الى بغداد خصوصا بعد استشهاد الشاب جميل الياس خوشو. قبل ذلك كان عدد من اولاد تلك الاسر، يتحدون الاخرين في الصعود الى اعلى نقطة في جسر نينوى الحديدي الذي يربط محلة الفيصلية بالبلدية، فوق تلك الاعمدة يؤدون بعض التمارين البهلوانية حتى يختل توازنهم، فيقذفون باجسادهم كالأسهم في خضم نهر دجلة، وبعد قليل تلمع اجسادهم فوق مياهه الصاخبة، يؤكد شهود عيان بانه نادراً ما غلبهم احد في تلك التمارين الخطرة، ومن الثابت في تلك الفترة غرق عدد من الصبية كل صيف، بسبب خطورة السباحة في بعض الاماكن التي يدور الماء فيها دائريا وبقوة فمن قاده حظه العاثر اليها اصبح في عداد الغرقى.
     من الاسماء التي تحضرني في المهارة والجرأة:
اسطيفان( تيفو) متي ككا:
     في عام 1967 كان مهندس باكستاني الجنسية ومعه مقاول من بلدة عقرة مكلفين بنصب اعمدة الكهرباء في ازقة القوش ولاول مرة في تأريخها، عمل معهم عدد من عمال البلدة، في تلك المهمة يتم انجاز حفرة بعمق محدد، ثم يأتى بعمود فولاذي طويل، ذو قاعدة كونكريتية ثقيلة، وباستخدام حبال متينة وطويلة وفي ثلاثة اتجاهات او اكثر، يسحبون العمود الى الحفرة المهيئة ثم يردم بشكل جيد ومحكم، عندها تبدأ مهمة العامل( تيفو) حيث يتسلق العمود بمهارة فائقة لتمرير عدد من الاسلاك( في حدود ثلاثة او اربعة) حول بكرات مثبتة مسبقاً، وهكذا في ظرف عدة اشهر انجز تيفو كامل المهمة.
ادور حنا شهارا( تيكا):
     في بداية الستينات كان يجيد بعض الاعمال السريعة والخفيفة التي تجلب انتباهنا، منها لعبة( حجي بريق) التي كانت عبارة عن قلة ماء فارغة( شربة) لها غطاء اسطواني. يضع عملة نقدية فوق الغطاء وبضربة سريعة وفنية، يبتعد الغطاء، فيما تسقط العملة في داخل القلة، فاذا اخطأ( نادرا ما كان يخطأ) يدفع لك بقدر العملة خمس مرات مثلاً. في بعض الاحيان كان يوهم بعضنا بإدخال ابرة خياطة في جبهته، ليخرجها من الجهة الخلفية لرأسه، كان يعمل ذلك بخفة متناهية، شادا عصابة حول رأسه وكأنه من السحرة( خرشدار). في الفترة الاولى لثورة تموز كان يقف على علبتين معدنيتين( زبيدة او الراعي مثلا) مربوطتين باسفل حذائه ويمشي في الشوارع المبلطة حديثا، بعد ان يرتدي كيس من اكياس السمنت، تتبعه مجموعة من الصبية يرتدون الزي نفسه ولهم قبعات ورقية موحدة وكانهم فصيل عسكري، كانوا يجمعون اكياس السمنت الفارغة من بيدر بيت عربو( الكراج الحالي) الواقع تحت قصر بيت الياس بولا التي كانت فيها مواد تبليط الشوارع العائدة الى مقاول موصلي اسمه مصباح من بيت الاغا، كان ادور في تلك الهيئة يبدو فارعا في الطول يتعجب المارة من فكرته تلك، بعد عشرات السنين وفي احد السيركات شاهدت فتية من بلجيكا وهم قد اطالوا ارجلهم بافكار مماثلة ليزداد طولهم نحو ثلاثة امتار.
جميل بطرس قيا:
     في فترة الستينات ايضاً كان جميل يسبق جميع الصبية في القفز فوق نار عيد الصليب( شيرا دصليوا) عند خزان الماء لسنوات متتالية، غير مكترث بوقوع فردة حذائه في النار، او تحمله لسعات لهيبها المنبعث، بعد ان يطلق قسيس البلدة الشرارة الاولى فيها، كان ذلك منظرا خلاباً يجذب المئات من اهالي البلدة ومن كلا الجنسين، في الاسبوع الثاني من ايلول كل عام.
صباح هرمز شميكا:
     كان يقف عند مسطح( خبرا) ماء محلة اودو، او في مرتفع( شويثد كناوه) فيقذف غطاء علبة الدهن المستدير بقوة عضلية وبفن متقن ليقطع مسافات، متمايلاً ومتماوجاً مع تيارات الهواء ليصل مسافات نحسده عليها فلا احد يسبقه فيها، احيانا كانت تسقط في وسط( قصيله) بيت دمان او تتجاوزه! ومعلوم ان شقيقه الاكبر حميد( حمو) كان رامي رمح متفوق في الرياضة المدرسية.
امجد جرجيس خندي:
     وعلى نفس طريقة صباح شميكا، ولكن باستخدام احجار مسطحة ينتقيها بعناية وربما يحتفظ بالعديد منها في جيوبه، وفي الوقت المناسب يرميها لتصل مسافات طويلة وسط اعجابنا. اذا لم تخني ذاكرتي رأيته بعيني وانا واقف على سطح بيت عبدالاحد عوديش، رمى حجرا من ارض( بيدر) بيت صادق بلو الذي بني فوقها ظلما مقر حزب البعث البائد، اطلق امجد صخرته المختارة بعناية، وكادت تصيب ميخا ابن البيت لولا تنحيه جانباً.
سعيد بيبو كولا:
     كان يمتطي حمارا او حصانا او بغلا، دون واقي ظهر( بردع) ويقوده ليجري بسرعة ويقوم باجراء تمارين فوقه، احيانا يدور دورة كاملة حول بطن المطي، في بعص الاحيان يسقطه ارضا فينهض ويركض خلفه ليعاود الصعود على متنه، وهكذا. يروى والعهدة للرواة بان حنا بيبي كوزا كان يمتلك ذات اللياقة في الفروسية ان لم يكن اكثر، فلكل جيل هناك افراد يبرزون في مجال من المجالات او اكثر.
حبيب كجوجا: 
     في نهاية الاربعينات من القرن الماضي كان مسجونا في احد سجون الموصل، بعد مدة من مكوثه ولتكرار سجنه، فقد خطرت على باله فكرة فتح نفق تحت السجن. في غفلة من السجانين انكب يعمل بسرعة يعاونه بعض اقرب السجناء اليه واكثرهم حزماً، لاشهر تكللت عمليته بالنجاح فهرب الى خارج المعتقل ومعه مجموعة من السجناء، علما بان تلك العملية المجهدة والخطرة، نادرة النجاح في سجون العراق.
سليمان( سلو) يونس ختي:
     حصل بينه وبين احد الفرسان( جتا) خلاف في سوق البلدة، فرفع ذلك الشخص سلاح كلاشنكوف الى الاعلى، وضرب به سليمان الذي تقبل الضربة في كفه، مما ادى الى انكسار اخمص البندقية الآلية، وسط ذهول شهود عيان على الحادث، كان ذلك في حدود سنة 1969.
شمعون ميخا الصفار:
     كان بارعا منذ صغره في خفة جسمه وحركته اضافة الى تفوقه على غيره في اصطياد عدد اكبر من الطيور باستخدام المصيادة اليدوية( جطل). اما انواع الصيد الاخرى فعرف الكثيرين بقدرتم وفنهم في الصيد خصوصا خالد متي جما الذي كان احيانا يكمن في وادي( نيرد ايوي) العميق ليصطاد الوعول الجبلية، اضافة الى المعلم صادق جهوري وميخا يوسف كرستو( كزيرايا).
سعيد( يعّا) اوراها دمان:
     كان في نهاية الاربعينات يضع عدد من اثمار الباقلاء الجافة بين اسنانه ويكسرها جميعها، اما ابن عمه الاخر سليمان اسحق( جد جميل رئيس) فكانت اسنانه قوية ايضاً، تروي حبي يوسف مدالو( تولد 1922) كيف تجمع الناس شرق البلدة ليشاهوا سليمان ينزل الى احدى الابار ومعه زير( تلما) وبعد فترة صعد من اسفل البئر الى اعلاها وهو ممسك بقوة اسنانه زير الماء، فصفق الحاضرون له.
ياقو ميخا برنو( 1885- 1956) :
     كان في كل عيد الدنح( بي دنخِه) الذي يصادف اواسط الشتاء في البلدة( شهر كانون الثاني) ينزل ويسبح في عين ماء محلة قاشا، ثم يخرج وجسمه يرتجف من البرد ليقول لمن يشاهده بانه فعل ذلك تيمناً بذكرى عماد المسيح له المجد.
بكو ابونا:
     عمل في بريد تلكيف لاكثر من عشرين عاما كان يشتهر بل ويتفوق في قوة بديهته وروح الفكاهة التي تلازمه. يروى ان امراة من بلدة تلكيف اوعدته بهدية محترمة حال ابلاغها بوصول برقية تبشر ببكر لولدها في اميركا، وهكذا في يوم ممطر قطع المسافة الى بيتها في الطرف الاخر بسرعة وعلى امل الحصول على الهدية الموعودة. طرق الباب بشدة ولم يرد احد عليه وصاح باعلى صوته " يا امراة البرقية وصلت وفيها البشرى" عندها اخرجت المراة رأسها من كوة في الطابق الاعلى وصاحت وهي تضرب راسها نادبة قائلة" يا حظّي ان ولادته غير كاملة" فاجابها" ماذا تريدين، هل اذهب  واكمله!! " مدركاً انها تتهرب من نقده، وابتعد عن البيت نحو دائرة البريد خائباً، متعباً، وغاضبا.
بهجت عيسى ملو:
     كان يعمل سائقا في مشروع عمادية- بالندة- قادرية صيف عام 1978. في باب كلي بالندة يجري احد روافد الزاب المسمى محليا( ريشين) بسرعة كبيرة وتبلغ درجة حرارته في اوج الصيف قرابة الصفر المئوي، لذلك ليس من السهل السباحة فيه، وفي بعض الاماكن لا تقوى قدما الانسان على حمله من شدة التيار. هناك في ذلك المجرى القريب من قرية سوري( سيريا) والعريض نسبيا كان احد معاوني سواق ماكنة التحميل( الشوفل) نوع كوماتسو S- 65 زنجيل يتدرب على تلك الماكنة واسمه سيف الملوك من عشيرة الريكاني ويسكن على مقربة من المشروع.
     في غياب مؤقت لسائق الماكنة صعد سيف الملوك فوقها، واقترب من حافة ريشين بغية دفع بعض المواد الغرينية النظيفة وتجميعها لغرض نقلها في قلابات حمل نوع اسكانيا 111 ومارسيدس( نوع اقجم او إلبي) وفيما هو على تلك الضفة وبعض زنجيل الشوفل يمس الماء حرك عتلة التروسات( الكير) باتجاه خاطئ وضغط بقوة على دعاسة الوقود مما ادى الى انحدار الشوفل بسرعة الى عرض المجرى، ولم ير سيف الملوك نفسه الا مغمورا في الماء المثلج فترك الماكنة حالا ونجا بنفسه فيما توارى الشفل عن الانظار. جاء يبلغ ادارة المشروع بفقدان الشفل حقق معه المهندس عمر بادي وانا اسمع ما يدور من حديث وكنت متمكن قليلا من اللغة الكردية فرايت استاذ عمر يضحك بشدة فقلت ما الامر اجاب بان سيف الملوك يقول ليس فقط الشفل الذي اختفى بل حذائي( سيدا بيلافيمن جي...) اختفى مع الشفل ايضا. بقينا اياما نحاول العثور عليه لكن دون نتيجة، في تلك المنطقة الذي كما قلنا يعرض النهر، جئنا بعوامات من اطارات المكائن الكبيرة وربطنا فوقها شبكة من الالواح الخشبية التي صنعها نجاروا المشروع وتعاون الجميع من ضلاعين وسباحين ، وقد لعب اللحام الموصلي( محمد) دورا متميزا والرجل بطبيعته مبتكر ومحبوب من هيئة المشروع، فكانت الشواخص التي يلحمها ببعضها ويغير نهاياتها التي تمس اعماق الماء، كان السباحون المعروفين في المنطقة والذين قضوا حياتهم بجانب ذلك النهر المتمرد يعتلون ذلك المركب الخشبي المصنوع وايديهم تمسك بالشواخص ويمضوا ساعات دون العثور على الشفل وكأن قوة انتشلته واخفته الى الابد. في الايام التالية اقبل مدير طرق دهوك الاستاذ عادل صديق( تركماني من كركوك) ومعه معاونه الشيخ مأمون نور محمد البرفكاني، ولكن كل الجهود باءت بالفشل، وصار للمنشاة العامة للطرق والجسور التي مقرها في كركوك علم بالموضوع حيث ظل مديرها الاستاذ عبد المجيد خضر( من اهالي الموصل، خطفته الطائرات السمتية الايرانية لاحقا من مشاريع شرق البصرة) يتابع الموضوع عن طريق البرقيات والتلفونات مع بدالة طرق دهوك. واخيراً عثر عليه في منتصف ذلك النهر، تسمر الباحثون في اماكنهم ومدد محمد اللحام شاخصا طويلا ظل في تماس دائم مع الشفل وربطت اطراف الكلك باحبال على الشاطئ. واجهت ادارة المشروع مهمة اخيرة وشاقة، وهي كيف يتم ربط نهاية زنجيل( Hook) باي جزء متين من الشفل لتحريكه، هنا تطوع العامل الشجاع بهجت عيسى ملو وظهر انه سباحا يفوق سباحي المنطقة بدليل تردد الجميع من تنفيذ المهمة. وخاصة في النزول الى اعماق ذلك الماء الرهيب ببرودته وسرعته،  وبعد عدة محاولات كان يتخللها صعوده للتنفس وهو يرتعش وجسمه قد تغير لونه الى لون ازرق، كنت واقفا وشعرت بمسؤوليه نحوه، فتقربت منه لاقول، لا تخاطر بنفسك يا عزيزي، لكنه ابتسم لي قائلا: لا تهتم يا استاذ ساحاول مرة اخرى وهكذا نجحت احدى محاولاته في ربط راس( Hook) بجزء متين من الماكنة، وجلب بلدوزر ثقيل وجديد وفوقه سائق متمرس، واخيرا ربطت السلسلة الممتدة من الشفل الغارق الى روتر البلدوزر على ضفة النهر وتحرك البلدوزر بتأني ولكن السائق لاحظ خفة الجسم المسحوب فاندفع بسهولة الى الامام وبعد قطعه عدة امتار ظهر الشفل الغارق لايام والجاثم في عمق نهر ريشين وسط فرح وتهلل العمال. سحبناه الى ورشة التصليح غيرنا الزيوت والمصافي( الفلترات) فقط ثم شغله طاقم المشروع الميكانيكي ، وكان اكثر المحيطين فرحا هو سيف الملوك! هكذا بهمة عمال مشروع بالندة نجحت مهمة صعبة، وكوفئ العمال الذين بذلوا الجهود المتميزة، وعلى رأسهم بهجت عيسى ملو.
nabeeldamman@hotmail.com
July 14, 2009

241
يبدو ان لا نهاية لاحزاني

     آخر مصيبة ألمت بي هو استشهاد العزيز والغالي والجميل سيل صباح خوبير الذي تناثر جسده وجسد صديقه مروان كما تتناثر اوراق الورود المتفتحة في الربيع بفعل تفجيرات الجبناء الذين لا يمتلكون ذرة شجاعة او ايمان. ان سيل قريب جدا الي، لم تسنح الظروف برؤيته او التعرف اليه، فمنذ ولادته وانا مرغم على العيش خارج الوطن الذي تابعته من منافي مختلفة: متغيرا، منحدرا، من سيء الى اسوء، مكتوب علي الترحال وسيلازمني القهر والحزن، فارضنا التي وطأتها اقدامنا ارض المصائب وحتى افراحها قصيرة وتزول بسرعة لتحل محلها احزان جديدة، بعضها تنخر في الناس مدى العمر، وما حدث للحبيب سيل هو المثال الصارخ والحدث الكبير، فكيف سأنسى شبابه وكيف انسى مصيبة والدته ابنة عمي خالدة حبيب دمان التي حمّلها الزمان قهرا لا بعده قهر، وحسرة وألماً قلما يتحمله بشر، كيف حال عمي حبيب الان الذي لم اره منذ اكثر من ربع قرن، وهو في عمر افناه في العمل المضني المتواصل، وما تبقى له من العمر كان يفترض ان يعيشه مرتاحا محاطا بعائلته، باولاده، واحفاده، لكن قسوة الظروف فرضت عليه ان يعيش في القوش وحيداً، وتاتي هذه المصيبة الكبيرة لتحمله الى بغداد وليشارك ابنته مصابها الجلل! فمن يواسيه يا سامعي؟ انا اكتب والدمع ينهمر، وكلما قرات كلمات بنات عمي في رواية ما حدث، كلما اشتد بكائي..... وكلما فكرت في الاخ العزيز صباح والد الشهيد، تضنيني هذه الصور والتخيلات، وفي الوقت نفسه يلازمني حقد وغضب على مقترفي هذه الجرائم الكبرى التي تدل على خسة ودناءة هذا الصنف من البشر الذين سيلاحقهم غضب الشعب العراقي وسيقتص منهم في مستقبل آت لاريب. كنت اتمنى ان اكون في بغداد لاواسي صباح وحبيب وخالدة والبنات واهل مروان واصدقاء سيل، كنت اتمنى ان التقي بأسر وعوائل شارع فلسطين من كل الاديان لاسألهم عن الكنيسة المقدسة في ذلك الشارع بمنظرها المهيب والصلوات الربانية التي تنطلق منها، والبخور التي تعبق جوها، وبدورهم يسألوا الرأي العام العراقي ماذا فعلت الكنائس ومؤمنيها ليتعرضوا للتفجيرات الرهيبة، كنت اتمنى ان يشق صوتي سماء بغداد منددا بما حدث ورافعا صوتي اكثر الى الاعلى لتوقف هذا الظلم والاعتداء والقتل المتكرر لسنوات عديدة، ارفع صوتي للسلام والامان والاستقرار لكل طوائف وشرائح المجتمع العراقي .
خلوداً لك سيل.. يا سليل الورد والمجد 
صبرا لوالده ووالدته واخواته وجده واقربائه
مجدا لكل من سقط شهيدا في تفجيرات الكنائس الاخير
احيي واشد على يد كل من تالم وكتب وشارك في ماساتنا وفقداننا للملاك والعريس والشاب غض العود: سيل صباح خمو خوبير.

 
نبيل يونس دمان
 16 تموز 2009

242
مرور( 15)عام على استشهادهم

نبيل يونس دمان
مقدمة:
     في 8- تموز- 1994 استشهد ثلاثة من شبان بلدتي وهم: حبيب ﭘتي دگالي، انور ﭘتي دگالي، اسطيفان جرجيس القس دنو( قسطو) في وادٍ جبلي بين بهندوايا- القوش. في يوم 2- 8- 1994 اقيم حفل تابيني لهم في نادي الاسرة الكلداني- ديترويت، فكانت لي الكلمة التالية:
 الحاضرون جميعاً
     تجيش في صدري مشاعِرُ الاسى، وانا اقف بينكم مؤبناً رحيلَ ثلاثة من رجالنا، الذين سقطوا بطلقات الغدرِ، لقد روت دماءهم الزكية مراتعنا الطيبة، كأنها ينابيع عشق الارض تدفقت من عروقهم النابضة بالحياة. نخر الرصاص اجسادهم المعروقة بالكدح، هذا الهمج الذي يعج به عراق اليوم، وكان في الامس ذخر الفكر والعلم والادب.
     ان الارض التي اقام فوقها اجدادنا قرونا طويلة، قد اصطبغت بدماء اخواننا: فاحدهم يسقط في الطريق، وآخريقضي في المعتقل، وثالث فوق الرمال، وذلك بين الصخور، والبعض يبتلعه الماء، وآخرون يمزقهم الحديد، وقسم يشتت في اصقاع الدنيا، وفي الاقامات الموقتة، وعلى مشارف الحدود، والباقي يعيش في الوطن جائعا، سقيما، محروما، ومستقبلاً مجهولاً. ماذا اقترفنا حتى نجني كل ذلك؟ ألمْ نكن عشاق الحرية، وقلوبنا عامرة بالانسانية، ها نحن ندفع ثمن حبنا وعشقنا، وآمالنا تتكسر امام جشع ومصالح العالم الضيقة، فهم لا يابهوا بدمائنا، بعذاباتنا، وبصراخ امهاتنا، انهم آذان صماء يستحقوا منّا اللعنة، الحقد، والكراهية.
     ان الصراع الذي يخوضه اهلنا في الوطن، هو من اجل العيش ومقاومة الظروف الصعبة ولكي يكونوا على استعداد لاعادة الميزان الى عدالته، علينا التضامن والتعاطف معهم، لنُعلم الجميع بان لهم ظهير خلفهم، يسندهم ويخفف معاناتهم على طريق انهائها، هذا الهاجس يراودني ليل نهار.
     علينا ايها الاخوة ايجاد اكثر من مخرج لمأساتهم، ليس اقلها توفير صندوق دائم للمال يمدهم بالعون، وايجاد قناة امينة وآلية نستطيع بواسطتها ايصال ما تجود به نفوسنا وامكاناتنا، لتمكنهم من الثبات والمقاومة، وهي مأساة كبيرة يحملنا التاريخ جزء من وطأتها امام الاجيال، فلنكن اهلاً لهذه المهمة التي وُضعت امامنا ويقيناً سيبارك الله والمخلصين عملكم.
     نهيب بكم ايها الاخوة ان تمارسوا وسائل الضغط التي بحوزتكم، لوقف هذه الجرائم التي تُقترف ضد اخواننا ومنها التنديد في وسائل الاعلام وارسال المذكرات والزيارات واللقاءات مع المسؤولين، فاذا تمكنا من رص صفوفنا وتنظيم هذه الامور بشكل دوري ومنظم في وسائل الاعلام المتوفرة هنا، فانها تنعكس بشكل او باخر وتصل الى اسماع المسؤولين، واصحاب العلاقة، إذ ربما تكسر اصواتنا جدار الصمت! .
     اخاطبكم ومن خلالكم اهلنا في الوطن بضرورة الحذر واليقظة في الحيلولة دون وقوع هذه المصادفات المروعة، والاهتداء الى الحكمة والشجاعة في آن واحد، فنحن نفاخر بالبطولة والتعقل معا، فالموضوعتان صنوان لا تنفصلان، وانا لست بموقف الواعظ او المتفرج، بل موقف انسان متالم من فقدان الثلاثة، احدهم صديق الطفولة الحميم المرحوم حبيب. في بداية هذه السنة ايضا قتل والد صديقي منصور خزمي، ذلك الانسان الكادح الحكيم في عقر داره بذات الرصاص، ولا زالت قضيته غامضة تنتظر الانجلاء.
     هناك مسالة اخرى يجب ابعادها عن البال عندما يقع لنا حادث في تلك المنطقة التي على شفة الخطر، بان نتهم جهة او مجموعة عرقية او دينية، فالحوادث التي تقع فردية في اساسها وناتجة من الظروف القاهرة والاوضاع الشاذة التي تستمر للان في الوطن، وهي زائلة في نهاية المطاف، فالوحش المثخن بالجراح آيل للسقوط لا محالة، وصدق القائل ( لرب ضائقة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله المخرج، ضاقت فلما اكتملت حلقاتها فرجت، وكنت اظنها لا تفرج) .
     لتكن ذكرى احبتنا حبيب، انور، اسطيفان حية في قلوبنا، ولنشعل الشموع في دياجير ظلام عصرنا، وآت لا ريب الزمن الذي يعود فيه شهدائنا وكل من افتقدناهم محملين بالهدايا والورود لترجع البسمة الى اطفالهم، وستينع الشجرة التي روت بدمائهم فتعطي الجميع ازهارا واثمارا وخضرة دائمة.
     لنرفع صوتنا موحدين أن :
كفى قتلاً للانسان
كفى تنكيلا بالناس
كفى عويلاً للاطفال
ولنردد جميعاً:
نريد خبزاً، حرية، وسلاماً.
 
 
 
دْمـِّهْ هْديْـرَهْ
ألقـُشْ بْگو حِشّه وحُمثه وخه كِمَّه
دْرو قالَه ناشِه كلّوخُ بعَمّه
شِمْؤولِ قالي آنيوَن يـِمَّه
لـَن أيْالي مْپيلي ومُصُخيـِه بْدِمَّه
شميلوخُ بهاوَر بـِدرايَه ماثـَه
دَنْ مشلخانِ كِليـِه بأُرْخاثـَه
بْعِدّانـَح پْلِطلي گبّاره طلاثه
 دِمَّي مُشْپـِخْلي خْمايـِد شَقياثه
حبيب وأنور تـْري أخنواثه
دِتويري كيفـَن وشويقِخ بحَسراثه
وتيفو أو زيرك د طورَه وبـِرياثه
ته كولـّي قيمِخ وكتأپـِخْ قـُمياثه
أث گِچَّه گرشلي تْري ليلـَواثه
َبث زونـَه قِشْيَه وكومِد يُماثه
ولـّيبي گوره دْماثه دمثواثـَه                         
دقـَطلي قطوله ودأرِ لبدراثه
مْشدرو منداخَه يا أخنواثه                         
ديخ كُلـّن أخني بْگو لبّواثه
حوياذه وحُبه تـَكل گيَناثه                           
ديلي بگو أثرَه مْقيدِ بشِشْلاثه
يا ناشِه دطوته مَعلو أيداثه                         
ته دكالِ سْيپَه مْسلطه لپَقراثه
هَر باثِه زونه بَريَه حَقـّوثه                       
ومْبَشرَه يْونَه شلامَه وپصْخوثه 

nabeeldamman@hotmail.com
July 6, 2009


243
عمــو بابــا
نبيل يونس دمان

مْانيلي مْشَمْهَ وأصلايَه
مانـُوِّل بـِرْدْ داو ِثْ شينايَه
نورَه بْلِبِّحْ كلاهْيوَه لـْهايَه
ﮔبّارا وأريَه مَد ِنْخايَه
*******
كُدْ ناخِثوَه لْميدَن قـَمايَه
أرَه كْشأشا وخورحْ بِنْذايَه
علمايـِه مْشَبْحو تا بَرايَه
ﮔويَه كْماخيوه خْصَيدنايَه
*******
لْيلْ عَمّو أو زال ِ خـَرايَه
سْو بُرخِحْ ﭙْخِمْتوثـَه دْلـَكلايَه
بيث نَهرين لْحيروثـَه بِقرايَه
سْمَقتيلـَه بْگو دِمَّنْ زَكّايَه
nabeeldamman@hotmail.com
JUNE 23, 2009

244
المحامي عبد الرحيم اسحق يبلغ التسعين

                                                                                        نبيل يونس دمان
     ايها الحفل الكريم:
     ينتابُني شعورٌ بالتقصير نحو هذا الانسانُ الرائِع بكل مَعني الكلمة، لتقاعُسِ حتى الآن، في كتابةِ ما يُمليه ضميري لرجلٍ انجَبته بلدتي المُتجذِرة في اعماقِ الماضي السحيق، والتي تحتضِنُ كل قادمٍ اليها في مَربَضِها امامَ الجبل، بل قـُل هو مِرآتها العاكِسة لكلِ فضاءٍ صافٍ ينعمُ بهِ وطنُ النهرين. امام اعلان جمعية مار ميخا في ديترويت عن نيتـّها تكريمُ الاستاذ عبد الرحيم، وَجدتُ ضالـّتي، لأزيحُ ثقلاً عن كاهِلي، ودَيناً في رَقبتي.
     هذا الانسان المولود عام 1919 في القوش، من بيت قلو المعروف، والمنحدِرُ من منطقة سليفاني التي تمتد من سمّيل وحتى فيشخابور. لقد وُهب المحامي عبد الرحيم خِصالٌ وصِفات يتمناها كلُ فردٍ لنفسِه او لاولاده، أعْطي قِوامٌُ رشيق وطولٌ فارع ووجهٌ جميل، وَرَثَ ذكاءً إستثمَره في إتجاهين: الاول كمعلمٍ ومحامي، والثاني كمناضل من خلال دوره السياسي والنقابي، منذ الاربعينات من القرن الماضي، معروف جزاء هذا الطريق في التعرض للاعتقال والتعذيب والملاحقة والفصل الوظيفي... الخ. واصل كفاحَه وفق مُقتضيات الظروف، حتى صفى الدهر به في كندا قبل قرابة الثمان سنوات. هناك جانب اخر في شخصية هذا الرجل هو جوهرُه النقي، وانسانيتُه التي تنساب كالشُهدِ من خليةِ النحل، وينطلقُ في تعامله مع الناس من حُبها وخِدمتها، ولم يَحِد عن ذلك الطريق طيلة حياتِه، لا اعتقد ان هناك انسانٌ واحدٌ يستطيع القول بان عبد الرحيم لم يُرحّب به او يُقدم الخدمة المطلوبة له. الطين الذي جُبِلَ منه هذا الرجل نادرٌ في وطننا وفي بلدةِ آبائِنا وأجدادِنا، هناك فقط القلة التي يمكن ان تقترب من المنزِلة التي يَحظى بها، او الارض الصلبة التي يقِف فوقـَها ابو سعد.
     عانى وتحمّلَ الكثير، وفي ذات الوقت إبتَسمَت له الحياة، فاقترنَ بزوجةٍ اصيلة هي سميرة الياس مدالو، رزقوا بأولادٍ طيّبين، وكافـَأتهُ الطبيعة في طول العُمر، فهو مُخضرمٌ عاصرَ كل العُهود ليس كأي مُعاصرٍ يأتي ويمضي، بل مُتفاعل ومُؤثر في الاحداث، كقائدٍ ومربٍ ومحامي وكاتبٍ، وُهبَ ايضا ذاكرة ٌ مستعدة على الدوام لتعطنا الموعظة، انه قادر ان يشحذها الى يومنا هذا، وقادرٌ ان يغور في الاعماق، ليعطنا رفيعَ القِيمِ وجَمالَ المنطِق، ويَشدّنا على الدوام للتعلُقِ بارضِنا والاخلاص لوطنِنا، كم أعجبتني قِصة راعي البقر صليوو جلو( بَقارا) في الثلاثينات من القرن الماضي والتي اتمنى ان تـُنشر مرات ومرات في وسائل النشر المنتشرة، ليَطلِع عليها وعلى غيرها من نتاجاتِ هذا العَلَمُ الفـَذ ُّ، اقولها دون تردُدٍ، وبمِلئ الفم.
     يقول البَطل الخالد توما توماس في الحلقة الاولى من اوراقه" بدأ استلامي للنشرات الحزبية ينتظم وكذلك دفع تبرعاتي، حيث اصبحت شهرية ومنتظمة من خلال العلاقة المباشرة مع الاخ( عبد الرحيم اسحق) " . ويقول صديقه المرحوم جورج جبوري الذي عاصرتـُه في أواخِر عُمره، بان أعز ثلاثة اصدقاء في حياته هم: رائد المسرح العراقي حقي الشبلي، موسى نوح سورو، وعبد الرحيم اسحق، ويمضي في القول انه في نهاية الاربعينات اقتحمت الشرطة السعيدية مدرسة القديس يوسف الاهلية والتي كان يديرها، لتعتقل الاستاذ عبد الرحيم، ويضيف انه لم يكن يعلم شيئاً عن نشاطه السياسي. في عام 2001 نـُشر في مجلة صدى بابل موضوع للكاتب الراحل يعقوب زرا بعنوان( مُعلمون في ذاكرتي) وَرَدَ في احدى فقراته ما يلي: اذكر معلمنا الاستاذ رحيم اسحق امد الله في عمره ..... كان الاستاذ رحيم شابّاً انيق المظهر ذا شكل جذاب يتمتع بوجه صبوح، الابتسامة لا تفارقه. ولا زال عالقا في مُخيَّلتي ذلك اليوم الربيعي المُمطر الذي زلـّت قدمي فانبطحت على الارض فما كان منه الا ان ساعدني على النهوض مشجعا اياي بكلمات رقيقة وقدم لي زهرة من نوع( القرنفل) بيضاء اللون كانت تداعب اصابعه، لم التق بالاستاذ رحيم منذ ان ترك العمل في مدرستنا الا في الشهر الاول من العام 2000 اي بعد ما يربو على اربعة عقود ونصف عندما كنت مشاركا في الحفل التابيني الذي اقامه نادي بابل الكلداني بمناسبة انتقال سيادة المطران يوسف توماس الى الرفيق الاعلى وكان هو من الحاضرين تقدم نحوي مهنئاً ومعانقا وذكرته بوردة القرنفل فسألني من غير تردد اما زلت تتذكر لونها؟ فقلت نعم فقد كانت بيضاء.
     بمناسبة بلوغ عبد الرحيم اسحق قلو التسعين من عُمره، اطلبُ منكم وانا اقلـُّكم شأناً، ان تقدموا له الشكر الجزيل، لمثابرتِه وتواصُلِه دون انقطاع، في تقديم النُصح والرُشد والحِكمة، لاجيال مختلفة الطباع والافكار، والتي تنظر اليه باعجاب واعتزاز.
ارجوكم قفوا اجلالاً
حَيّوا للجبل ِالشاهِقْ
صَفِقوا للنخل ِالباسقْ
وَغنوا للرجُلِ ِالحاذِقْ
 
 
تاريخ الصورة ومكانها- بغداد 1948
الصف الامامي من اليمين:
حبيب الياس بولا، عبد الرحيم اسحق قلو، يونس ابشارة، الياس ميخائيل صفار، جورج جبوري خوشو.
الصف الخلفي من اليمين:
يلدا عوصجي، موسى نوح سورو، حنا جولاغ، حبيب جمعة، فرنسيس القس كوركيس

nabeeldamman@hotmail.com
USA
June 27, 2009

245
المنبر الحر / رحيل النميري
« في: 20:09 04/06/2009  »
رحيل النميري
نبيل يونس دمان
     غادر جعفر محمد النميري هذه الدنيا مؤخرا ليواجه حكم ربه، جراء ما ارتكبه من جرائم بحق شعب السودان، وما الحالة التي يمر بها، الا مخلفات ذلك العسكري الأرعن الذي ماثله في القسوة والشدة: بينوشيت في شيلي، سوهارتو في اندونيسيا، موبوتو في الكونغو، فرانكو في اسبانيا وغيرهم ممن عجت بهم ارض الله الواسعة في العقود الماضية. بعضهم بدأ حياته وطنياً مخلصا وديمقراطيا متدربا، ثم انحرف بعد انفراده بالسلطة من امثال عبد الكريم قاسم في العراق، ومحمد سياد بري في الصومال، وهذا المقبور ايضا بدأ هكذا، ووصل الى السلطة في ايار عام 1969 بدعم من اليسار السوداني، الذي اعتز به واعتبره رديفا لليسار العراقي، ذلك ما دعاني لكتابة هذه الاسطر التي هي مراجعة، وقد تنفع الذكرى.
     النميري انحرف وتحول الى جلاد، أججّ مشاكل السودان الاقتصادية والسياسية والعرقية، مما حدا برتب عسكرية متواضعة، من بينهم الرائد هاشم العطا الذي هو اشبه بالبطل حسن سريع في العراق، ان تطيح به يوم 19- تموز 1971، ولكن بعد ايام قليلة عاد النميري محمولا الى السلطة في قطار الرجعية العربية، منهم حكام السعودية الذين اسقطوا طائرة كانت تقل معارضين سودانيين من العراق، وليبيا التي اجبرت طائرة اخرى عائدة من اوربا للنزول في مطارها ومن ثم تسليم الشخصيتين البارزتين: با بكر النور و فاروق حمد الله الى الجزار ليعدمهما، اما مصر السادات فقد جندت كل امكاناتها لمعونة النميري، لعل اهمها ارسال الضباط السودانيين الدارسين في كلياتها العسكرية الى السودان ليسهموا في اعادته الى سدة السلطة، وقد روى النميري بعد استتباب الامور لصالحه، قصة مشكوك فيها، بانه قفز من جدار عال في سجنه، ليجد نفسه خارجه.
     مارس كأي متعطش للدماء هوايته في  ازهاق ارواح خيرة ابناء الشعب السوداني وفي مقدمتهم هاشم العطا، عبد الخالق محجوب، شفيع الشيخ احمد، بابكر النور، فاروق حمد الله، وجوزيف قرنق وغيرهم.
    واصل النميري قمعه واضطهاده لشعب السودان وطلائعه المخلصة لسنوات مديدة لاحقة حتى عام 1985، وعندما كان خارج البلاد، اجتاحت الجموع شوارع العاصمة وهي تهتف" صائع، صائع، وشعبه جائع! " ثم سقط نظامه على يد عسكري شريف اسمه سوار الذهب الذي سلم السلطة بعد فترة قصيرة للمدنيين. آثر النميري البقاء في مصر حتى عام 2000 ليعود الى السودان في ظل حكم البشير، حاكم السودان اليوم، وهو اصولي، قبلي، معتد بنفسه، والمسبب لمعاناة الملايين سواء في غرب البلاد( دارفور) او جنوبها او برمتها التي تشمل النوبة وبحر الغزال وكردفان وام درمان، والذي اصبح رئيسا في غفلة من الزمن، وكأي قمعي اخر ليس باستطاعته ترك كرسيه بالطريق السلمي الديمقراطي، حتى مشارف القبر!.
     عندما كنت اعيش على ارض جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الثمانينات من القرن الماضي، استنسخت بخط اليد قصيدة جميلة لشاعر سوداني كتبها عام 1972، يسعدني ان انقلها للقراء الاعزاء:
طبلان
واحدى وعشرون طلقة ل 19 يوليو
الشاعر كمال الجزولي

الطبل الاول:
الشعرُ الليلةََ مطرُ الدم، رعّافٌ يهدرُ في الفم، صخّاب ظهرُ أبن، وخصيبٌ رحمُ الأم. فلنشعل نارَ الدوبيت إذن، ونوقِّد جمرَ النمْ ولنفرد اجنحةََ التم تم. ولنعرض ببنادقنا وسط الاخوات.
الطبل الثاني:
اجيدُ القولَ الليلةَ في المسحوقين. في الناس الغبشِ على طولِ السودان، وكل بيوتِ الطين في المارد في وثبتهِ. القابضِ جمرِ الحقِّ، الشامخِ في وقفتهِ، ينداحُ زمانُ الزهوِ، القولَ الليلةَ في قوتهِ، وبطولتهِ، وافاخرُ بالتاريخِ، والصولاتْ.
الطلقة رقم (1)
امتطت الريحُ الصهوات
ترجَّل قرصُ الشمسِِ
وأحنى النخل الهاماتْ
سقط العقربُ فوق العقربِ...
كان اليوم التاسع عشر
دقّاتُ الساعةِ رنّت اربع مرات
الزمن الاول.
الزمن الثاني.
الزمن الثالثُ... والزمنُ الرابع
الزمن الوهجُ، الزمن المازوتُ،
الزمن الغائر بعد الظهر
الزمن النسرْ...
اندفع الى الاضلاعِ، الى الاعراقِ، الى الحدقات.
لما جلجلَ ساحُ القصرْ،
واندفع الصحوُ يرشُّ
الفرحَ المجهدَ في الطرقاتْ
الطلقة رقم (2)
هذا فجرُ العيدِ تدلى في الافاقِ مشانق.
الباشق حلّقَ في اثرِ الباسق
وتهاوى النجم رواشِق.
الطلقة رقم (3)
آتون الساعةَ في" الهبباي"
في الوهج الغاضبِ
في حقد" خماسين"
في طمى النيل الخالق
في نارِ التكوين
في قمةِ" كررى"
من" حيدوب" من" التاكا"
من" مرة" آتون
آتون من العلوِ السامِق
آتون كما الومضِ البارِقْ
.........
مرحبْ... مرحب
الف حبابك... عبد الخالقْ
الليلةََ اطفالُ السودانِ على طولِ الطرقات،
ينتظرون قدومكَ.
بالحلوى...
بالرايات الحُمرِ...
وبالباقاتْ...
اطفال السودان المجروحوا الحدقاتْ،
يا عبد الخالق،
من ولدوا ليلَ الثامنِ والعشرينْ،
من يوليو عام الغضبِ الحارقِ،
ينتظرون على طول الطرقات...
بالحلوى،
بالرايات الحمر، بالباقات.ِ
الطلقة رقم (4)
" قلب الشاعر شاهد"
قالوا في الحكمةِ.. في امثالِ الناس
وانا ينهالُ القلقُ عليّ، الواحد بعدَ الواحد...
اعرفُ هذا الإحساسْ، داهمني في القرن الماضي
عند سقوط الخرطوم
داهمني في كل زمانٍ يصدحُ في اعصابي كالاجراسْ
اعرف هذا الاحساس
..........
موسكو تتلفح كانت. تلك الساعةََ. بالمغربْ
والشفقُ الاحمرُ ليس دماً،
الشفق الاحمر بحر نبيذْ،
وانا.. والراديو لا نتعب،
لا يغشانا النومْ،
اعرف هذا الاحساس
........
يا ريح البشرِ القادمِ يهزجُ بالاعراسْ
حدثني، كيف اجتزتَ الىَّ الارصفةَ...
... المكتظة برجالِ الدركِ...
... واسلحةِ الحراسْ
وكيف ركضتَ على الطرقات...
وفضت على الساحاتِ...
وطرقَ خفيفاً، حين اردتَ، خفيفاً
عبر عيون الناس
.........
اعرف هذا الاحساس،
داهمني في القرن الماضي عند سقوط الخرطوم
داهمني ... داهمني ... داهمني ... و ...
بركانُ القلقِ تفجرْ،
هطلَ الشدو من الرئتين، ...
تحدّرْ، فوقفتُ اغني.. عاري الصدرِ..
وحافي القدمينِ، وبهورَ الانفاسْ!
الطلقة رقم (5)
من هذا القادم؟
من هذا الفارعُ كالنخلةْ... الاسمرُ... حقل الكاكاو القاتمْ
السيف المصقولُ الصارِمْ
والدرعُ الفاحمْ؟
ذلك هاشم، ذلك هاشم!
الطلقة رقم (6)
وتحدّرَ صوتُك عبرَ المدنِ المسروقة.
أش ، شطّث النيلِ،
ودوّى في الحاراتِ المسحوقة:
العزهْ... للعمالْ
لعبيدِ الارضِ، لكل جريحٍٍ
وشَّحَ دمُهُ " بيتَ المالْ"
لكلِّ عريسٍ اوقدَ ناراً ثم مضى
في اكتوبرْ
وكل شريف في كوبرْ،
ولتذهب لجهنم حنجرةُ الزيف المخنوقةْ!
الطلقة رقم (7)
زغرودة امي اعرفها من بينِ ملايين الاصواتْ
أُميّزها...
بالشرخِ الراعفِ فيها،
بالآهاتْ
.......
زغرودة امي لكَ وحدكَ
هذه الليلةْ
وابي حمحمَ مثل الفرسِ الاصهبِ،
صال وجالْ،
هزَّ السيفَ وانشدَ شعراً كالشلالْ
لشفيعِ الناس المقهورين
لشفيعِ الموجِ الاولِ،
في بحر العمال،
من هدروا خلفك ظهر الثاني والعشرين،
جاءوك الليلة من جودة
من ورش الصهر، التريم، الوابوراتْ
جاءوك على مرِّ الاجيالْ،
فتعال، تعالَ، تعالْ
اهلاً بك،
اهلاً الفينْ...
ان لم يحملك الراس،
اشيلك فوق الكتفينْ...
إحضر الساعة،
هبّت ريحُ المدْ
واجتمع العقد
سدّاً يعلو
فوق السدْ!
ها نحن الساعةَ ننسجُ في عينيكَ
وشاحاً.. وجديلةْ،
وهلالاً يسطعُ فوقَ جبين الغدْ!
الطلقة رقم (8)
زحفتُ على اسلاكِ التلفون،
وطرتُ مع الريحِ،
مع الرعدِ،
مع الحقد الملعون
وسبحتُ
سبحتُ
سبحت انا، حتى انقطعت انفاسي
بين الاسودِ والمتوسط
وركضت... ركضتُ
... ركضت كما الفرس المطعون
يا امي، وعبرت النيلَ اليكِ،
وعند الشاطئِ كنت ارى.
.. ما ابشعَ ما كنتُ اراه..
كتشز يعود بخوذته الحجرية.
وجنوداً بصديدٍ في الصدرِ
وقحلٍ في الافواه،
وانا اركض يا امي فيكِ
ألملم تاريخي،
اخترتُ المدفع كي احميك
اركضُ اركضُ
مثل الفرس المطعون،
لكنيَّ الطاعون،
اجتاح عروقي تلك الليلة يا امي
اوغلَ في عينيكِ،
كتشزُ، الطاعونُ ما الغدرْ،
الخوذات الحجريةْ،
جاءوا يا امي
من كل حقول النفط، الذهب،
ومن شطِّ الابيض، والاحمرِ
من عمق الصحراء الليبية،
مكبوتْ،
نهضتُ
وحين رفعت الراس اليكِ
وجدتكِ يا فرحي،
شامخةً انتِ، كما انتِ،
كما النارِ الخالدةِ الاسطورية!
الطلقة رقم (9)
الكوكب مختلُ العقلِ
الكوكب مهرٌ جمحَ فدارَ،
ودار. وسقط على الوجهِ
فما انهكه الاعياء
وانا ارجو يا كوكبنا
لو اوهب مقدرةً
لأعيد على وجهك ترتيب الاشياءَ،
لكن...
ولاني لست بساحرْ،
ولاني لا املك غير المزمار الثائر،
سابقى.. معذرةً..انفخُ في رئتيك اناشيدي
حتى تنهضَ من هذا الإغماءْ!
الطلقة رقم (10)
تحترقُ لهاتي حين اغنيكَ،
تلتهبُ العينانْ،
يركضُ صوتي، يعلو،
يهطل فوق شوارع ام درمان
اقسم اني ما غنيت لسلطانْ
ما شلتُ الغيبَ،
ولا مارستُ العُهر على رئة الطمبور
لكني الساعة يا بابكر النور
اطلق شدوى.
اعزف فوق الجرحِ الغائرِ في صدري
اجعل من اضلاعي ربابة
يا روحي، وأحلّقُ في انفاسكَ عبرَ عذابات السودن!
الطلقة رقم (11)  
امددْ كفكَ يا فاروق
ابشر بالخير
ازهر جرحك...
بنت القمحُ الاسمرُ فوق جبينكَ..
وفاحَ نزيفُ دمائك في الصحراء
وعاشَ خريف،
امدد كفكَ،
سطح التاريخ على فوهاتِ بنادقنا
يا قلبي الراعفَ
شبَّ على حدِّ السيفْ!
الطلقة رقم ( 12)
باعوا الغابة يا جوزيف!
باعوا المانجو الناضح والنئَ..
باعوا البقرةَ والباباي
والرمحَ وبوق العيدْ..
باعوا كلَّ طبولِ الصيد
يا جوزيف.. وسحر بقائلنا،
وثنَ الابنوسِ، وسنَّ الفيل،
والكوخَ الناتئَ، والامطار،
وكل تماسيحِ النيلَ
باعوا الفيضان،
واثداء الفتيات الابكار،
والماعزَ، والابقارْ،
يا جوزيف، باعوها لإله السوق القادم،
من كل فنادق اوربا
من كل عصورِ الزيفْ،
بالوسكي، بالموهير اللامعِ،
بالدولار،
برباط العنقِ،
بالدبوسِ الذهبيِّ، وبطاقات ال( س. آي. أي) وختم الماس
 .......
 لكنّّ الناسْ! لكنَّ الناسْ!
الطلقة رقم ( 13)
اجمل اطفالِ السودان لم يولد بعد،
احلى زهراتِ الغدْ
ما نبتت حتى الان
لكنّا نقسم بالايمان
ان الاشجارَ ستطرحُ اطفالاً
لم تشهد اجملَ منهم عينانْ،
فالسلطان...
عقولٌ من قشْ
والعرشْ...
قنبلةٌ تحت السلطانْ!
الطلقة رقم (14)
ابق مكانك يا عثمان
يقترن الابيضُ بالازرقِ في جرحكَ
فافتح جرحكَ للآخرْ،
يتلاقى حرس القصرِ بغضب الشارعِ في جرحكَ
فافتح جرحك للآخرْ
يا سيفَ الصاعقة الباترْ
لا وقت الليل للاحزانْ
لا وقت الليل للاحزانْ!
الطلقة رقم (15)
عيناك الجمرْ، يا ود الريَّحْ...
كتفاك قلاعُ النخوةِ، والفخرْ،
انشدُ- هَّنذا. في مدحكَ
انشد للماضي والحاضر حين اعتنقا
لمّا وثبَ" الماظ" بمدفعهِ،
فتهدمَ فوقك مستشفى النهرْ!
الطلقة رقم ( 16)
زينَ الفرسان... سلاماً
ود الزين زين الشرفاء المأزومين،
اشعل قنديلك يا شبلَ الاهوالْ
مهيرة امي تنظم فيك عقود المدحِ الليلة اختي
صاحت وسط الساحة بالشبالْ
فالبرق القبلى شالْ،
يا ود الزين، وعِرق العزةِ وهّوه عبر الاجيال!
الطلقة رقم ( 17)
ما كنت جميلاً يا وطني .. كجمالك ذاك العصر
لما فجّرك القهر في بدنى
مثل الديناميتِ... وفجّرني!
الطلقة الثامنة عشر
لا يخشى الموتَ سوى الموتى
فارفع قلبكَ للريح، يا عبد الحي..
كقرنفلة حمراء، للريح...
لا يخشى الموت سوى الموتى
وادلق دمكَ المسفوح
ليعطر حارات بلادي ويفوح،
يا عبد الحيِّ على المدنِ الميتة
فيوقظها.. بيتاً... بيتاً!
الطلقة رقم ( 19)
حارٌ دلوكَ يا" حاردلو"
حارٌ دلوكَ يا ولدي،
صنى لهب الرفضِ.
ونيرانِ التجديدْ.
ولهذا انت ستعلو، دوماً كالبيرق تعلو
وستضفر من شريانك قوس النصر
صباح العيد!
الطلقة رقم ( 20)
عبد المنعمِ طبلُ العزِّ نحاس الغبرة
عبد المنعمِ جيل الفورة،
قل للباشا كنت غشيماً إذ صدّقتَ سراب النصرِ
فنحنُ رضعنا قبل اللبنِ
دماءَ الثورة!
الطلقة رقم (21)
فقأوا عينيَّ
وكسروا يا وطني مزماري،
منعوا عني ضوء الشمس،
لكن... لا بأس،
فانا اعصابي.. اوتاري،
وساحفر كلماتي- ان كسروا قلمي- فوق
جدارِ السجنِ باظفاري!
 
nabeeldamman@hotmail.com
USA
June 03, 2009

246
في رحيل رمز الكرة العراقية
     الكابتن عمو بابا: الوديع، الجميل، الشجاع، المحب لوطنه والمخلص له حتى النهاية، لم يفارقه، لم يلتحق بعائلته، لم يلح في امر ارساله للعلاج، بل كانت كل الجهات تتهافت لخدمته وارضائه على مدى السنين الاخيرة التي تدهورت فيها صحته، ودليلنا في ذلك المقابلات الاخيرة التي اجريت له، حيث كان فيها هادئا، مغالبا آلامه، معبرا بصدق قل مثيله عن محبته للعراق.
     في رحيل هذا العملاق ادعوا العراقيين الى تجاوز خلافاتهم، والاندفاع كأخوة واحبة في السير الى الامام، لترسيخ قيم الحضارة والسلام .
     على المدى المنظور، لا يبدو ان شيخ المدربين سيتعوض، بل سيترك فراغا في رحيله، قد يستمر عقودا طويلة اذا لم اقل قرونا.
     اقترح على الجهات المعنية ان تغير اسم ملعب الشعب الدولي، الى ملعب الفقيد عمو بابا.
    طاب ثرى العراق الحبيب، بجثمان الكابتن عمو بابا، الخالد مدى الدهور، وتوالي العهود والعصور.
نبيل يونس دمان
28- 5- 2009

247
رسائل هرمز ابونا الى نبيل دمان
(8)

الرسالة الثانية
الاخ نبيل دمان
 شلاما وايقار
صديق عزيز ارسل لي رابط حول وفاة احد رجال القوش الامرالذي جعلني اقلب صفحات الموقع حيث وقع نظري على مقالكم حول القوش واهلها. هنا لا يسعني الا ان اشد على يدك واقول بان البحث يمثل خطوة الى الامام في مسيرتك المعطاء
اهنئكم وبارك الله بك
د. هرمز ابونا 28- 7- 2007
××××××××××××××××
الرسالة الثالثة
الاستاذ العزيز نبيل دمان المحترم
     سررت كثيراً باستلام رسالتكم الرقيقة المعبرة عن إصالتكم ونقاوة منبعكم فتمنيت من الرب أن يمن عليكم بالصحة والسعادة لكي تديموا عطائكم الثر في هذا الوقت الذي فيه امتنا بحاجة إلى كل من يستطيع أن يشعل لها شمعة تنير دربها. كيف لا وأنتم، وبمساهماتكم الثقافية والفكرية ستتركون للاجيال القادمة حصاداً مثمراً يكون زوادة طريق لكل المعنيين والتواقين لخدمة أمتهم وشعبهم.  أقول هذا وكلي أمل بأن بروزكم في هذا المجال وبهذه السن المبكرة ما هو إلا هدية من السماء فأنا واثق بأن عطائكم سيزداد كماً نوعاً مع الأيام.
     ما أرصده بكتابتكم بشكل مستمر هو ذلك النهج العلمي المبني على كشف الحقيقة والدفاع عنها لأنها غاية يسعى لها صاحب كل قلم حر ونظيف وأنا واثق بأنكم تقفون على أرض صلبة لا يقوى أحد على التقرب منها ومنافستكم.  ولابد لي من القول بأن أقوى تعبير يعبر فيه لمن تصدر مهمة الكتابة هو التسلح بأقوى سلاح في المعركة الحاسمة ضد الظلام وهي قول الكلمة التي تخرج من رحم المعاناة الإنسانية، وإن التاريخ سيخصص صفحات اعتزاز لكل من غلبت عنده الشجاعة في قول الحقيقة على كل ما عداها.
     أعلم بأن كتابي الجديد قد تم طبعه في كاليفورنيا ـ سان خوزية وستصلكم نسختكم إنشاء الله وهذا الكتاب اكبر حجما من الكتب التي سبقته.
     وحتى نلتقي طابت أوقاتكم أيها الاخ والابن العزيز.
المخلص لكم
د. هرمز أبونا
انتهت الرسائل
الخاتمة:
     هذا هو هرمز ابونا يخوض في التاريخ ويلخص مجراه ، انه ذلك الانسان الذي عاش بيننا، قلم سيال، ذكاء بالفطرة، ولاجازف القول: بالوراثة، فالسلالة الاصيلة يستمر انتاجها الجيد عبر الازمان.
      في عام 1977 نسبت مهندسا الى مديرية الطرق والجسور/ نينوى، كنت كلما اسأل عن مسقط رأسي، يبادرني السائل ان كنت اعرف هرمز ابونا؟ المساح رقم واحد في الطرق الشمالية. وبالمناسبة ايضا كان يعمل في الطرق ايضا شخص اخر من القوش اسمه" منصور وزي" خبير رقم واحد في نصب الجسور، كنت ازدد فخرا بهؤلاء الرجال.
      لقد توطدت الصداقة بيننا في السنين الماضية، سادها احترام متبادل، وايضا تباين في بعض وجهات النظر، خصوصا حول مؤلفه( صفحات مطوية من تاريخ الكنيسة الكلدانية) فكتبت نقدا من 9 صفحات نشرتها في حزيران 2005، الرجل لم يعلق بشيء ولم يتاثر من نقدي، على عكس البعض ممن تنتقدهم بما تعتقد انه الصائب وبمنتهى الادب، فانهم سرعان ما يتطيروا وينفعلوا، وبانهم حاصلون على كذا، تغطي صدورهم النياشين، وتشهد لهم الساحات والمنابر والسجون...الخ، كل ذلك من اجل تبرير غلوّهم وارتفاع ضغط دمهم، للاسف معظم حججهم لا تصمد امام الزمن والطبيعة. هرمز ابونا لم يكن كذلك بل كان عميق الفهم، واسع الصدر في تقبل الآراء المختلفة.
     لقد قال في ختام رسائله: وحتى نلتقي... والحال افترقنا الى الابد. لكني سأسهم بما تبقى لي من عمر، في خدمة وطني الحبيب بيث نهرين، الذي كرس هرمز ابونا والكثيرون من امثاله حياتهم له، والخالد من تبقى الاجيال تتذكره.
nabeeldamman@hotmail.com
USA
May 21, 2009


248
رسائل هرمز ابونا الى نبيل دمان
(7)

ماذا حل بابناء بلاد ما بين النهرين بعد سقوط بابل سنة 539 ق .م :
     الاثار التي تركها لنا ملوك السلالة الاخمينية والفرثية والساسانية وكذلك الفترة الهيلينية والتي هي كما يلي:
539- 331 ق. م الفترة الاخمينية
331- 126 ق. م الفترة الهيلينية- الاغريقية
126 ق.م – 226 م الفترة الفرثية
226- 637 م الفترة الساسانية
     تقول المخلفات التي تركتها السلالات المشار اليها والتواريخ..... والاثار الكتابية
المنقوشة على الاحجار تظهر بقاء الشعب الاشوري في ارضه التاريخية مشكلاً واحدة من الدول التي تتكون منها الامبراطوريات لا بل جعلت جميع المنطقة الواقعة غرب فارس سنة 116 اقليماً ادارياً واحدا في العهد الروماني باسم اقليم" اشور".
     الى جانب دولة اشور فان التواريخ تذكر تنظيمات سياسية على شكل دول وممالك مثل مملكة حدياب[ بين الزابين] ومملكة اورهاي في شمال ما بين النهرين ومملكة حطارا[ الحضر] وشنكار وميشان وغيرهم.
     اما بابل ذاتها فكانت نقطة جذب الطامعين وامنية من امنياتهم لجعلها عاصمة لامبراطورياتهم وخدمت كعاصمة للامبراطوريات المتعاقبة خلال الفترة الخاصة بالسيطرة الاخمينية 539- 312 ق. م اذ عزف عنها سلوقس فبنى عاصمته على الضفة اليمنى لدجلة – مقابل سلمان باك وسماها سلوقية.
     وحين ظهرت المسيحية وبشر تلاميذ السيد المسيح بها فان اول الاقوام التي امنت بالمسيحية على نطاق واسع كان الشعب الاشوري وتعتبر اورهاي[ اورفا] المملكة الاشورية مهد المسيحية في الشرق حيث منها قام ابناء الشعب الاشوري بالتبشير في بلاد ما بين النهرين وقام مار ماري بتاسيس كرسيه في العاصمة الفرثية قطيسفون- مقابل سلوقية حيث انظم الى الجهد التبشيري ابناء اقليم بابل ذلك الخليط التاريخي من بقايا الشعب الاكدي/ الاموري/ الارامي ولقد تركزت المسيحية في بلادنا في القرن الثاني للميلاد وقام الاشوريون والبابليون بحملة تبشيرية لا يمكن تصورها اذ نشروا المسيحية في جميع اسيا الى درجة ان بحاثة غربي يقول: من الصعب ان نجد في اسيا كلها منطقة لم يصلها مبشروا الكنيسة الشرقية. لقد ادام ابناء اشور وبابل الزخم البشري لمدة تقارب 13 قرناً كان القوم فيها يبشرون بالرسالة المسيحية وينشرون المعرفة والقراءة والكتابة وسط الاقوام الهمجية حتى نجحوا في انشاء كنيسة ضمت ثلث البشرية وكانت في تعدادها تزيد على جميع اتباع الكنيسة الرومانية والاغريقية.
     لقد كان هذا الجهد البشري المتسم بالتضحية والفداء اللامجدود حيث فقدت بلاد ما بين النهرين عبر هذه القرون مئات الملايين من ابنائها فقبلوا الموت في ارض غريبة لقناعتهم بسمو الرسالة التي نذروا انفسهم لها.
     عن تقييم هذا الجهد فانني اميل دائماً الى القول باعطاء نسبة للانجاز الذي قام به الشعب الاشوري فاطلق عليها اسم" الامبراطورية الثانية" او امبراطورية العصر المسيحي ولنا ان نتامل ولو لوهلة اية عظمة كانت عليه شخصية اولئك المؤمنين العزل من اي شيء وليس هناك دولة ما تسندهم او تؤيد جهودهم بل كانوا معرضين للاضطهاد في وطنهم الام الذي شهد قيام مذابح جماعية ضدهم احداها استمرت اربعين عاماً( 339- 379) وهي المعروفة بمذابح شابور ذو الاكتاف. اليس الانجاز العظيم المتمثل بنشر المسيحية والحرف السرياني في عموم اسيا عملاً خارقا؟ .
الانقسام الكنسي:
     لا اريد ان اطيل وساحاول الاختصار قدر الامكان واقول:
     ان اول انقسام في صفوف الشعب الشوري حصل سنة 431 م اثر المجمع الكنسي الذي عقد في افسس[ تركيا] وضم الكنائس الرئيسية الاربع : انطاكيا، الاسكندرية، القسطنطينية، وروما والذي انعقد لمعالجة الجدالات اللاهوتية المثيرة حول طبيعة السيد المسيح والعذراء والتي كان ابناء بلاد ما بين النهرين بحكم تجذر المسيحية بينهم بقرون عديدة قبل اوربا قد انضجوا اراء متطورة فزادت اللغة السريانية الغنية بمفرداتها في التعبير عن فحواها اللاهوتي، وهكذا كان طرح الراي الخاص بطبيعة السيد المسيح والذي من بين الذين ايدوه شخص غريب عنا عِرقاً ولغة وهو نسطوريوس بطريرك القسطنطينية.
      لم تكن نتائج مجمع افسس انقسام الكنيسة الجامعة ذاتها وبروز ابناء الكنيسة الشرقية كنيسة بلاد ما بين النهرين كاعظم مؤسسة دينية للتبشير برسالة السيد المسيح وانما وبسبب الاحتلال الاجنبي فان الشعب الاشوري انقسم بسبب وقوعه تحت احتلال قوتين متعاديتين. ورغم كون الاغلبية تعيش تحت الاحتلال الفارسي الا ان القسم الاخر كان تحت الاحتلال الروماني الذي شهد تدخل الدولة في امور الكنيسة وفرض معتقد الامبراطور على الرعية. من خالف عقيدة الرومان تعرض للاضطهاد وهاجر الى القسم المحتل من قبل الفرس اما من تبقى وبعد سنة 451 ( مجمع خلقدونية) فعرف بالسريان الارثوذوكس.
     ومنذ ذلك الحين والشعب الاشوري منقسم الى كنيستين الى سنة 1551 حيث ان روما لم تهدأ يوماً واحداً على خروج الكنائس الشرقية من قبضتها ولقد بذلت المستحيل خلال الحملات الصليبية العديدة في تحقيق اطماعها باحكام سيطرتها على تلك الكنائس الا انها فشلت بسبب قيامها باضطهاد المسيحيين تماماً كما فعلت مع الاسلام واليهود ولم تنجح مساعيها بفرض الكثلكة الا على المارونيين فقط.
ماذا ساعد روما على احداث شقاق 1551؟
     ان الوضع السياسي القائم في الشرق الاوسط مطلع القرن السادس عشر كان متمثلاً في الصراع بين الدولة العثمانية والصفوية( ايران) وفي اوربا كان الصراع مشتداً بين شبه جزيرة ايبويا( اسبانيا والبرتغال) وفرنسا. الاولى كانت تؤيد ايران مما مهد السبيل لقيام علاقات طيبة بين العثمانيين والفرنسيين الذين استغلوا تلك العلاقة فحصلوا سنة 1535 على امتيازات عديدة منها الامتيازات التبشيرية التي سرعان ما استغلتها روما بارسال مبشريها في تلك السنة الى اورشليم ونجحوا في اغراء مار يوحنان سولاقا ونصبوه سنة 1553 بطريركاً على" مسيحيي اشور" كما جاء في الوثائق الرسمية.
     لم تنجح محاولة روما في خلق خط انشقاقي لاسباب عديدة منها ان الحكام الاتراك انذاك كانوا حريصين على معاملة رعاياهم النصارى بشكل مميز ولم يمارسوا ضدهم اي اضطهاد ديني لا بل ان السلطان محمد الفاتح على سبيل المثال كان يتقن 8 لغات واحدة منها سريانية كدلالة لاهتمامه بشؤون الرعية. هذا من ناحية اما من الناحية الاخرى فان الشواهد التاريخية لاختيار مدى ايمان ابناء شعبنا بمعتقدهم تظهر تفضيلهم الموت على تركه وهكذا سجل التاريخ تفضيل الملايين من اتباع الكنيسة الشرقية الموت على جحد دينهم. وبغياب الدعم الرسمي العثماني للخطة الكاثوليكية للهيمنة على الكنيسة الشرقية والولاء الذي اظهره اتباع الكنيسة هذه لمعتقدها فان حادثة يوحنان سولاقا باءت الى الفشل لاسيما وانه شخصيا لم يدم في مركزه اكثر من 11 شهراً.
     الا اننا يجب ان نعترف ان هذه الحادثة شجعت شريحة معينة في العائلة البطريركية على التخاصم والانشقاق متمثلة بمار شمعون دنحا الثاني عشر الذي انظم الى الكنيسة الكاثوليكية سنة 1595 الا ان خلفائه عادوا الى معتقد الكنيسة القديمة غير انهم شكلوا خطاً منفصلاً منذ ذلك التاريخ عرف بالبطاركة الشمعونيين.
     بداية القرن السابع عشر كانت قد تغيرت كثير من المعادلات السياسية فالدولة العثمانية كانت قد قطعت شوطاً بعيدا في مجال الانحطاط والضعف وكانت الهزائم العسكرية المتتالية في اوربا قد انهكتها اضافة الى تفشي الضعف في مؤسساتها العامة فاضحت فريسة الدول الاوربية التي كانت تتناوب محاربتها او حمايتها. فبدأت باعطاء الامتيازات المذلة لهذه الدولة العظمى او تلك ولقد نالت فرنسا حصة الاسد وسرعان ما استغلت روما تلك الامتيازات فغطت منطقة بلاد ما بين النهرين بالبعثات التبشيرية من البصرة الى ديار بكر ومن اورمية الى حلب حيث ساندتها السلطات المحلية وكان امامها هدف واحد هو تحطيم الكنائس الوطنية واخضاعها لروما.
     لقد مثلت ديار بكر اضعف الحلقات ونجحت البعثة التبشيرية الكاثوليكية هناك سنة 1681 في كسب مطرانها يوسف الى جانبهم الا انه لم يتوسع وينتشر، وظلت روما تتربص بمقر البطريرك مار ايليا 12 المدعو يوحنان هرمز واعدا اياه بالمنصب البطريركي[ وهذا موضوع مطول لا مجال للاستطراد فيه هنا ] .
     ما نريد ان نقول ان كلا البطريركين مار يوحنان سولاقا ومار يوسف[ ديار بكر] اعطيا لقب بطريرك الكلدان، ترى ما هي اسباب هذه التسمية:
     يذهب الكثير من الباحثين الى القول بان روما التي كانت تلقب اتباع الكنيسة الشرقية بالنساطرة لم يكن من المناسب لها اطلاق اسم" النساطرة الكاثوليك" على من كسبتهم لانها كانت تعتبر النساطرة هراطقة وعليه لا يمكن الصاق هذا الاسم باسم الكلدان الكاثوليك.
     الا انه يجب ان لا يغيب عن البال حقيقة كون اسم الكلدان لم يكن معترفاً به ولم يستخدم في اي فترة تاريخية لغاية 1844 حين نجحت فرنسا في استحصال فرمان لاول بطريرك نجحت الجهود الفرنسية- التبشيرية في تثبيته للمسيحيين من اتباع الكنيسة الشرقية في سهول نينوى التي نجحت- باساليب لا مجال لذكرها هنا- في تحقيق هدفها.
الاسلام وتغير الخارطة العرقية والدينية:  
     لئن كان تاريخنا الطويل مبعث فخر واعتزاز الا انه بذات الوقت يشكل حملا على من يحاول الولوج فيه وكشف كوامنه واي اهمال في سرد التسلسل التاريخي يمثل انقطاع الحلقات الهامة التي تقود بالنتيجة الى ضياع الهدف المنشود.
     اقول هذا وانا بصدد التطرق الى التاثير الذي احدثه الفتح الاسلامي على الخارطة القومية والدينية واللغوية في بلاد ما بين النهرين وبهذا الخصوص هناك الكثير ليقال الا انني ساختصر مركزا على الامور الجوهرية:
1) سنة 637 دخل خالد بن الوليد الحيرة فخير المسيحيين فيها بين ثلاث الاسلام او الجزية او الحرب فاختاروا الجزية.
2) عوملت اغلبية مدن ما بين النهرين معاملة الحيرة وفي الجزيرة اهتبر صلح الرها قاعدة ونموذجاً لصلح بقية المدن" صلح قرى" .
3) ضوعفت الجزية الاصلية اكثر من مرة خلال سنة واحدة.
4) المحاربون المسلمون طلبوا من عمر بن خطاب ان يقسم السواد بينهم. فتردد حيث نظر نظرة بعيدة اذ قال:
     ستتخاصمون فيما بينكم على الماء والحدود، وماذا عن المسلمون من بعدكم لماذا تحرمهم من الجزية والخراج الذي يدر على بيت مال المسلمين فامر بترك الارض والجمال بيد اصحابها ووضع الجزية والخراج على رؤوس اصحابها وطلب اجراء احصاء في سواد الكوفة لمعرفة عدد الذميين الذين يدفعون" الجزية" وهي ضريبة العنق التي يدفعها الذمي" اهل الكتاب" فظهر بعد الاحصاء ان( 550) الف شخص بالغ يدفعون الجزية التي طلب عمر اخذها ممن تمر على وجهه موس الحلاقة وتعفى النساء والشيوخ والاطفال، اي من كل عائلة شخص واحد وبهذا يكون عدد نفوس النصارى في سواد الكوفة وحده 3.300 ملايين نسمة. حصل هذا بحدود 640 في عام 717 قام رجال الكنيسة بتقديم التماس الى الخليفة عمر بن عبد العزيز الاموي يطلبون منه حمايتهم من الظلم المسلط عليها حيث الضرائب الباهضة ونهب القبائل العربية لارزاقهم معلنين لانهم سيفنون ان لم يتدخل فامر باجراء احصاء في نفس منطقة سلطة عمر بن الخطاب فوجد ان العدد المتبقى من الذمة من دافعي الجزية هو عشر العدد الذي احصاه عمر بن الخطاب. وفي سنة 750 كان مجموع الذميين الذين يدفعون الجزية في جنوب العراق ( 40) الف فقط.
     ترى اين ذهبت تلك الملايين؟ الجواب انها اسلمت اذ ان العرب المسلمين لم يستخدموا السيف في فرض الاسلام على النصارى الا ان الظلم الاقتصادي كان اقسى من السيف.
     شيء اخر جدير بالاشارة اليه ويوضح الحدود الجغرافية لانتشار واستقرار الفاتحين العرب فعندما اراد قائد من قواده في منطقة الكوفة بناء مدينة هناك كتب لعمر يقول انها جيدة من جميع النواحي الا في ناحية واحدة: فيها الكثير من البعوض!. فاجاب عمر بن الخطاب: ما لا يصلح للجـِمال لا يصلح للعرب ولا تدع بيني وبينك ماء.
     ماذا نستنتج مما تقدم:
اولاً: ان الاعداد الهائلة من المسيحيين في الاقسام الوسطى والجنوبية لبلاد ما بين النهرين تحولت نحو الاسلام خلال القرن الاول الهجري اي بين 637- 750 من كان هؤلاء؟ انهم بقايا الشعب الاكدي/ الاموري/ الارامي او كما يحلو للبعض بتسميتهم" كلدان" هؤلاء اختفوا من الخارطة الدينية حيث كانوا وثنيين قبل المسيحية فاعتنقوها وعند مجيء الاسلام اعتنقوه غير انه اثر في هويتهم اللغوية حيث القرآن باللغة العربية فنسبوا بالاداب والعادات العربية الاسلامية هم ابناء الحلة والديوانية والكوفة... الخ.
ثانياً: لم يكن قادة العرب المسلمين راغبين في استقرارهم في اعماق البلاد" لا تدع بيني وبينك ماء" وسلمت بذلك المناطق المتموجة والجبلية وطن الاشوريين لانها لا تصلح للجمال.
( انتهت الرسالة الاولى)     
الى اللقاء في الحلقة الاخيرة رقم (8)   
nabeeldamman@hotmail.com
USA
May 20, 2009

nabeeldamman@hotmail.com
USA
May 20, 2009

249
رسائل هرمز ابونا الى نبيل دمان
(6)
القبائل الارامية في منطقة ارض البحر- الاهوار
1) بيث قبيلة اموقاني Bit Amikkani   
2) بيث قبيلة شيلاني Bit Shilani 
3) بيث قبيلة سئالي  Bit Saalli 
     هذه القبائل التي انظمت الى تحالف Ukin Zer تعرضت مناطق سكناها الى التدمير على يد الجيش الاشوري بعد ان نجح في اقصاء هذا الزعيم الارامي- الكلداني من عرش بابل ومطاردته الى معاقله ومعاقل حلفائه. لقد نجا من العقاب مردوخ بلادان وكذلك اتباعه بسبب اتخاذه موقفاً غير معادي لاشور(1) .
4) بيث ياقين Bit Yakin
     قام شيخها في عهد سرجون الثاني( 705- 721) المدعو مردوخ بلادان بتمرد على السلطة الاشورية بعد ان ضمن تاييد القبائل الارامية له.
     لقد كان من نتيجة الاضطرابات السياسية التي كانت تثيرها القبائل الارامية- الكلدانية ان ارتبكت التجارة الاشورية عبر المناطق الجنوبية مع الاقطار البعيدة على الخليج وما ورائها واثرت على الحالة الاقتصادية في بابل ذاتها، مما كان يدفع البابليين للاستعانة والاستنجاد بالاشوريين لوضع حد للاذى الناتج من تمردات واطماع هذه القبائل(2) .
5) بيث دقورى Bit Dakkuri
     امير هذه القبائل الكلدانية- الارامية الذي كان يحتل المناطق الواقعة على الفرات الى يورسيبا تم اخضاعه هو الاخر(3) .
نلخص ما تقدم بما يلي:
1) الاكديون:
     هم سكان بلاد ما بين النهرين الاصليون عاشوا في هذه البلاد منذ بداية الزمن ونعني بهذا ان الانسان الاكدي عاش في هذه الارض قاطعاً المراحل البدائية للانسان وكان هذا الشعب اول من انشأ مستعمرات سكنية واشتغل في الزراعة وتربية المواشي على وجه الارض. وتعتبر منطقة القوش ذاتها واحدة من تلك المناطق التي شهدت هذه التجربة الانسانية حيث يوجد بينها وبين جبل مقلوب منطقة اثرية لمجتمع سكني يعود تاريخه الى عشرة الاف سنة قبل الميلاد.
     شواهد وجود وانتشار الشعب الاكدي منذ تلك الحقبات التاريخية قد اكتشفت عبر المناطق المختلفة لبلاده من اعالي النهرين الى الاقسام الجنوبية للبلاد. ويعتبر هذا الشعب بلا منازع اول من ارسى قواعد الحضارة الانسانية في جميع المجالات.
     ولقد اثر التزايد السكاني للشعب الاكدي وازدياد مدنه الكبيرة الى حصول استقطاب سكاني بين ابنائه فانقسم الى مجموعتين:
   1) اكدية جنوبية وهي التي تسمى بالبابلية ولغة هذه المجموعة اكدية بلهجة بابلية.
   2) اكدية شمالية وهي المعروفة بالاشورية لغتها اكدية بلهجة اشورية.
     لقد اشترك القسمان قبل وبعد انقسامهم وحتى العصر المسيحي بخواص مشتركة واحدة حيث جمعتهم ارض واحدة وتاريخ وعبادة ولغة وتراث ومشاعر ونحوها...
2) الاموريون
     لا ناتي بجديد اذا قلنا بان اغنى شعب في العالم يوثق تاريخه هو شعب بلاد ما بين النهرين فهي من الكثرة والتفصيل والنوعية الى درجة لا تصدق. وحين يحاول احفاد اولئك العظام الحديث عن تاريخ اجدادهم فان معينهم وسندهم هو الوثائق التاريخية ولا يمكن الركون الى النظريات والكتابات مهما كانت اذا لا تؤيدها وتثبتها وثائق تاريخية اذ" لا تاريخ بدون وثائق" .
ومن الامور الموثوقة والتي لا تدع مجالاً للاجتهاد ورود الموجة الامورية واستقرارها في بلاد ما بين النهرين وبروز سلالتها التي دامت من 2000 الى 1600 ق .م واعطت لبلاد ما بين النهرين واحد من الاسماء التي تفتخر بها على الدوام وهو الملك" حمورابي" لا اريد ان اطيل في الحديث عن الاموريين ولست هنا بحاجة الى اثبات صلة القربى والدم التي بينهم وبين اخوانهم الاكديين وانما اكتفي بالاشارة الى ما يلي:
     اثناء فترة حكم الملك حمورابي كملك على بابل كان شمشي ادد الاول ملكاً على اشور وهو ايضاً من اصل" اموري" ويعتبر من اوائل ملوك اشور المعنيين بتوثيق التاريخ وحفظ السجلات. شمشي ادد هذا كما نوهنا في مكان أخر ترك لنا قائمة باسماء ملوك اشور الذين سبقوه والشيء ذاته فعله حمورابي، الا ان المثير للاعجاب ما نجده في قائمتي حمورابي وشمشي ادد اذ ذكر حمورابي اسماء 12 ملكاً سبقوه في الحكم هذه الاسماء هي نفسها التي ذكرها في تسلسله الذي شمل 38 ملكاً سبقوا شمشي ادد على حكم اشور. اذن كلا الملكين يعتبرون ان بلادهم وملوكها وحدة واحدة وما الفرق بينهما الا ناتج من المدة الزمنية البالغة اقل من اربعة قرون على التواجد الاموري في بلاد ما بين النهرين. وشمشي ادد الاموري لا يقطع سلسلة ابائه" ملوك اشور" وانما يعتبر اسلافه امتداداً لقدماء ملوك اشور.
3) الاراميون:
     ان ما نعانيه اليوم من حالة تمزق وتشتت وتعدد في الاسماء ناتج في جانب منه من مخلفات الموجة الارامية، وكأن القدر اراد السخرية بشعب بلاد ما بين النهرين فلم يكتفي بالدور المدمر الذي لعبته القبائل الارامية المستقرة في الاهوار الجنوبية" بيث ارامايي" وذلك من خلال التحالفات المستمرة والدائمة مع الاقوام الطامعة والمعادية لبلاد ما بين النهرين هذا التحالف الذي خلق اولاً حالة اضطراب دائم في الاقسام الوسطى والجنوبية لهذه البلاد خلال فترة تواجدهم- قبل استلام الحكم في بابل- لمدة اربعة قرون تقريباً والذي كان محصلته الفعلية( التحالف مع عيلام والميديين) القضاء التام على السلطة السياسية لابناء البلاد التي دامت الاف السنين ونجح ابن هذه البلاد في خلق جنة على الارض.
    اقول كأن القدر لم يكتفي بما فعلته القبائل الارامية في التسبب في اسقاط السلطة السياسية للشعب الاكدي- الاموري واحفادهم في اشور وبابل وانما اورثنا مخلفات مرضية من ذلك العهد تلك المخلفات المتمثلة بالاسم الذي اخذته هذه القبائل اواسط القرن التاسع قبل الميلاد واطلقتها على نفسها وهي اسم" كشدو ثم كلدو" اي كلدان العهد القديم. والذين نجحوا في ابرازه كواجهة حين استلموا السلطة السياسية لبلاد ما بين النهرين خلال الفترة المحصورة بين[ 626- 612] و [ 612- 539 ق. م] .
     قبل ظهور القبائل الارامية على مسرح الاحداث في بلاد ما بين النهرين بالاف السنين كان الشعب الاكدي يعرف كلمة الكلدان وكان هذا الاسم جزءاً من افرازاته ويتمثل في طبقة الكهنة والعرافين والمنجمين تلك الطبقة المميزة المتنفذة في المجتمع. ان اسم الكلدان لم يكن جديداً او جلبه الاراميون معهم حين احتلوا بابل سنة 626 بقيادة نبوبلاصر والد نبوخذنصر وانما كان شيئاً مالوفاً يرمز الى طبقة معينة لها وظائف اجتماعية معينة تلك الوظائف بنظر المؤرخين الاغريق وفي مقدمتهم هيرودوتس كانت تتمثل بالكهانة والتنجيم.
     لقد نجح الجهد المثابر للقبائل الارامية المستقرة في الاهوار في سنة 626 في تحقيق اطماعها في احتلال بابل حيث نصب نبوبلاصر نفسه ملكاً عليها محققاً بذلك حلماً دام مئات السنين. الا ان تحقيق هذا الحلم لم يقتصر على اخذ السلطة السياسية وانما اطلقت هذه السلطة على نفسها اسم السلطة الكلدانية تماماً كما فعل الشاه اسماعيل سنة 1508م حين احتل بغداد فاعلن المذهب الشيعي مذهباً للعراق كله.
     ان الاحداث التي حصلت في عهد خليفة نبوبلاصر ابنه نبوخذنصر تركت بصماتها هي الاخرى على هويتنا القومية المعاصرة مما تراكم اثناء فترة حكمه من احداث مؤثرة كان احد اطرافها سبباً في نقل اسم الكلدان عبر التاريخ والحفاظ عليه ومواجهتنا به سواء حين اراد البابا اوجين الرابع سنة 1445م احيائه حين اطلق اسم الكلدان على ابناء اشور الملتحقين بكنيسته او قيام اتباعه من ابناء الكنيسة الكلدانية بحراسة هذا الاسم رغم معرفتهم بعدم صحته وصواب اطلاقه على الطائفة المسماة باسمه اليوم وهي بهذا- اي طبقة رجال الدين- مدفوعة بدوافع كثيرة تاتي المصالح الشخصية في مقدمتها في حين جهل فئة قليلة منهم هي وراء اصرارهم على التمسك به.
نعود الى موضوعنا لنتحدث عن احداث عهد نبوخذنصر وما سببه من اثار لا زلنا نعاني منها الى اليوم. فقد قام سنة 597 ق. م بسبي اليهود الى بابل حيث عاشوا هناك جيلاً بعد جيل ويبدو ان حالتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كانت ممتازة الى درجة عدم امتثالهم لامر قورش الاخميني حين احتل بابل سنة 539 ق. م واصداره العفو عنهم والسماح بالعودة الى اورشليم ففضلوا البقاء.
     هؤلاء اليهود المسبيين قدموا الى ارض سباهم اليها حكام يطلقون على انفسهم اسم" الكلدان" وهؤلاء اليهود هم الذين نقلوا بالتواتر الى ابنائهم ليس الاساطير والملاحم التي كانت سائدة في بلاد ما بين النهرين وحسب وانما نقلوا بشكل درامي مؤثر كيف سباهم ملوك الكلدان و.. و... الخ.
     وحين كتبوا العهد القديم سنة 300 ق. م فانهم لم يكتفوا بسرد قصص الملاحم والاساطير[ كما كشفتها التحريات الاثارية] وانما ايضا تضمنوها قصة سبيهم على يد الكلدان! .
     ولما كتبوا العهد القديم اقدم كتاب تداوله البشر فان القصص الواردة فيه تقبلها الناس باعتبارها اشياء مقدسة. ومن الغريب جائتنا الاشارة كما جائتنا التسمية" الكلدانية" . ولولا ورود قصة السبي وما الحقه نبوخذنصر باورشليم ومعبدها لما كان التاريخ قد عرف شيئاً اسمه الكلدان سوى ما اشار اليه المؤرخين الاغريق على اعتبارهم منجمين وكهنة المعبد.
     وما يستوجب اضافته هو الاشارة التي لابد منها وهي موقف العهد القديم من بلاد ما بين النهرين وحكامها المملوء بالحقد الدفين سواء ضد الاشوريين او البابليين حيث تعرض اليهود على عهدهما للسبي الا ان سبي نبوخذنصر كان كان مؤثراً بشكل خاص وذلك لحجم الدمار المادي والروحي الذي الحقه باليهود. ويقف المرء احياناً حائراً حين يقوم بقراءة هادئة للعهد القديم فيجد فيه فصولاً تذم اليهود على قلة ايمانهم وانحرافهم وتشير الى امر الرب الى ملوك اشور وبابل لمعاقبتهم على فعلتهم. في حين نجد في مواضع اخرى من العهد القديم حيث يذكر انبيائه عن قسوة هؤلاء الملوك ليقوموا والخطيئة الكبرى التي كانت عليها عواصمهم نينوى وبابل ناسين ان الرب هو الذي سير هؤلاء الملوك ليقوموا بما قاموا به وكما اخبرونا هم كذلك انفسهم.
     ان ارتباط اسم الكلدان بعائلة نبوخذنصر الارامية الاصل وقت السبي وما جلبه هذا الملك العظيم والمشاريع الاخرى اذ عرف عنه بانه الملك الباني حيث كان يهدم المدن القديمة ليبني على انقاضها مدناً جديدة مستخدماً ختمه على كل طابوقة ومستخدماً بذات الوقت يهود السبي الى جانب غيرهم في اتمام تلك المشاريع البنائية العملاقة التي خلدته للابد( معبد ايساكيلا، برج بابل، الجنائن المعلقة، عشرات المدن... الخ) .
    وبعد هذا هل نجد غرابة اذا ما ارخ اليهود وعبر الكتاب المقدس محنتهم في السبي في الاشارة الى صفة واسم وتسمية الملك الذي هدم المعبد وسباهم؟ .
الهوامش :
(1) Saggs: The Greatness that was Babylonia p. 110.
(2) Saggs: The Greatness that was Babylonia p. 111.
(3) Saggs: The Greatness that was Babylonia p. 124.
الى اللقاء في الحلقة رقم (7)   
nabeeldamman@hotmail.com
USA
May 15, 2009
 
 
 
 

250
رسائل هرمز ابونا الى نبيل دمان
(5)

التسميات الاكدية- الارامية لمناطق شرق دجلة 1165- 1151 ق. م :
     لقد اسعفنا الملك العيلام Shilhak Inshushinak بنصب ذات قيمة استثنائية حيث ارخ فيه اتساع امبراطوريته التي تضمنها اسماء المدن التي احتلها في بلاد ما بين النهرين مفصلاً اياها على شكل مجاميع اشبه ما تكون باقاليم من بدرة الى ألتون كوبري.     
     لقد شملت قائمته على ما يزيد على 250 منطقة او اقليم، وللاسف فان الزمن محِى اعداداً كبيرة من الاسماء التي اكد في نصبه على كتابتها وتدوينها ولم يبق ما هو صالح للقراءة الا ما يقل عن 100 اسم تقرأ بوضوح. هذه الاسماء لا تحتاج الى جهد او مشقة للتعرف على اصلها او هوية ابنائها اذ انها اسماء سامية لغة ابناء بلاد ما بين النهرين سواءً كانت اكدية او آرامية حيث غالبيتها المطلقة تبدأ باسم" بيت" او" شا" اي ما يعني بيت ايضا او" أل" .   
     هذا الكنز الاثري قسمه الملك العيلامي اثناء تدوينه الى مجاميع جغرافية كما يلي:
 1) المجموعة الاولى:
     تحوي اسماء( 42) منطقة، للاسف اندثرت معالمها ولا يمكن قراءة إلا الاسماء التالية:
1)   Sha Imire  بناة الزقورات
2) Bit Nakiru
3) Bit Pilantu
4) Bit nappahe بيت الحدادين
5) Sha Shilitu
6) Sha belita
 7) Bit Buli
8) Shenkura
9) Bit Pilantu
2) المجموعة الثانية:
لم يبق منها الا:
1) Sha Barbari بيت الذئاب
2) Sha Nankan بيت النحاريين
3) ………
3) المجموعة الثالثة:
     وتحوي على اسماء 31 مدينة وتقع معظمها في منطقة جبال الحمرين.
4) المجموعة الرابعة:
     وتقع هذه المجموعة في اقليم ... تللا وتشمل 11 مدينة بضمنها 1) ارابخا( كركوك) 2) نوزى( جنوب كركوك) 3) تيتوررو( وهي الجسر) 4) حانبيت 5) شانيشي( النساس) . وتشمل هذه المجموعة على تفاصيل 41 موقعاً القريبة من نهر تورثات( ديالى) و Ebih ( حمرين) ومنطقة حلوان.
5) المجموعة الخامسة:
     وتشمل على الكثير من الاسماء التي يمكن قرائتها( راجع الجدول المرفق).
 6) المنطقة السادسة:
      وذكر عن هذه المجموعة احتوائها على 49 موقعاً في اقليم Balahuta و Lalman و Zahaya ( اقليم حلوان) ونورد اسماء المناطق التي يمكن قرائتها( راجع الجدول).
 7) المنطقة السابعة:
     لقد مسح اسم الاقليم الذي تقع فيه اسماء المناطق والمدن المذكورة الا ان عدد من الاسماء ظلت سالمة( راجع الجدول).
 8) المجموعة الثامنة:
     وكان يحوي على 26 اسماً لمواقع جغرافية مسحت بعضها وظل البعض الاخر.
[ بعض التسميات الاكدية الارامية للمناطق الجغرافية- شرق دجلة بين منطقة بدرة Kazzalu والتون كوبري Zaban ]
1) Bit Abdadani
2) Bit A karnakkai
3) Bit Arrabi
4) Bit Bagaia
5) Bit Bahe
6) Bit Bit Barbari also sha[ Bit] Barbari
7) Bit Bazi
8) Bit Buli
9) Bit Bunakki
10) Bit Daiaukki
11) Bit Etelle
12) Bit Hamban منطقة بدرة- جصان- الدير
13) Bit Hanipi
14) Bit Hubbani قارورات، شربة، الخ ( مشتقة من صناعة صهاريج الماء)
15) Bit Hulmi
16) Bit Istar
17) Bit Ittatu( house of Idaddu)
18) Bit Kapsi         Battanu ملكها
19) Bit Kari
20) Bit Karziabku
21) Bit Killala
22) Bit Kimil Adad
23) Bit Laqipu
24) Bit Matimu
25) Bit Milshipak( house of melishipak)
26) Bit Mugia( Bit Ulgia)
27) Bit Nagia
28) Bit Nakiru … Naki( Nakri)
29) Bit Nakari ( hose of Carpenters)
30) Bit Napahe ( house of blacksmith)
31) Bit Nap Shumalia ( house of the God shumalia)
32) Bit Pilantu
33) Bit Rapiqu
34) Bit Rie Rappi  بيت رئيس الرعاة ( house of the cheef shepherd)
35) Bit Rikim Abad ( House of the thunder of adad)
36) Bit Rituti
37) Bit Sha Ilti ( Dur Illtai)
38) Bit Silia
39) Bit Sin- asharidu
40) Bit Sin- iriba
41) Bit Sin Irabi
42) Bit Sin- Ishmanni
43) Bit Sin Shemi
44) Bit Tamtea
45) Bit Tarish Sharru ( Bit Tasak Sunkik)
46) Bit Ulgia
47) Bit Uzali هل هي بيت غزالى- من الغزل؟
48) Bit Zahmi
49) Bit Zatti         Kaki  ملكها اسمه
50) Bit Bittati ( houses)
51) Bit Bitum Rabium
المناطق الجغرافية التي تبدأ ب"Sha  " تعني ال"Bit "
52) Sha Anpima
53) Sha Atta Mitik
54) Sha Attata
55) Sha Balihu
56) Sha Barbari ( House of Wolves) برباري= ذئب وهو بيت برباري
57) Sha Beltia
58) Sha Burra hutte
59) Sha Hanta
60) Sha Hilik
61) Sha Ikali
62) Sha Imire ( of asses- بيت فخمي الضرا..- اميرى )
63) Sha Kattarzah
64) Sha Kilka
65) Sha Kupia
66) Sha Kutu
67) Sha Marazza
68) Sha … Nankari ( House of Carpenters)
69) Sha Nishe ( of people بيت الناس- ناشي )
70) Sha Purna Mashhum ( of protection of the God)
71) Sha Shangibari
72) Sha Shilitu
73) Sha Warad Egalli ( of the place of servent)
74) Sha Bit Imbi [شرق بدرة ]

G. Cameron History of early Iran p. 216- 217.
الى اللقاء في الحلقة رقم (6)   
nabeeldamman@hotmail.com
USA
May 07, 2009




251
ماذا لو سأل توني ادور شاؤول؟
نبيل يونس دمان
     عفواً ماذا لو سال الملاك توني قاتليه، باي ذنب قتلتموني؟ لقد وضعت ارجلي الناعمة للتو على سلّم الحياة الذي كنت ارغب في ارتقائه، لابلغ اعلى مراتب العلم والمعرفة، وانا اشرب من مياه النهرين واقتات خبزي من ارض بلادي، التي حرثها اجدادي بعرق جبينهم لتغدو حديقة غناء، اينما وجهت ناظريك ترى جبالاً شماء وسهولا خضراء. لكن الزمان غدر بهم، فاذا ورثتهم الجدد ناكري الجميل، يغرزون اظافرهم في جسدي الطري، انا حفيد الملوك حمورابي، سنحاريب، ونبوخذنصر، وقد كان العالم القديم رهن عقولهم النيرة وقبضاتهم القوية.
     يا قاتلي، اني لم ارتكب جناية، ولم ازعج احدا، اسالني عن امنياتي لاقول لك: كنت انوي استعادت وجه بلادي المشرق، فاجعلها قبلة الزوار والسياح من ارجاء العالم، كنت اجعل ارضها تدر اشهى الاثمار، وتكون مأوى لكل الحيوانات، وتسبح في فضائها اجمل الطيور والبلابل، ولاجعل السماء تضاعف مطرها! والقمر يسبح في مياهها، مغتسلا في ليال هادئة، امنة، تلهم المحبين، وتطلق قريحة الشعراء، لا حدود لامنياتي، لكنكم قضيتم عليها في ربيعها الخامس.
     يا قاتلي مهلا! فجذوري لن تنتهي ولن ينقطع نسلي، سيواصل تراب الرافدين عجن امثالي، بجمالي، بعقلي، بتطلعي، اما انتم، يا آفة الارض المخيفة، يا رجسها وادرارها، ستفقدون الى الابد طعم الحياة، سيظل شبحي يطاردكم، وستظلم الدنيا في وجوهكم.
     اني ذاهب لامثل امام ربي، هناك وانا ارتدي ذات الملابس التي صبغتموها بدمائي، لن اطلب منه ان يغفر لكم، لانكم ببساطة وبرودة دم سترتكبون جرائما جديدة بحق الابرياء من امثالي، لكنني ساطلب منه ان يمطركم بغضبه، فدمي عليكم وعلى اولادكم. ساطلب منه ان يعزز ويقوي جبهة الناس الطيبين، المتضرعين الى الاعالي، وحاملي اغصان الزيتون، على ايديهم تنظف ارض بلادي منكم، ويعود اليها سحرها وجمالها المعهودين، فتشع عيون الاطفال بالابتسامة وبريق الامل.
     وانتم يا اهلي، والدي الحنونين، ابناء شعبي، انا اغادركم رغما عني، لم ارغب ان تكون في تلك العجالة، وفي تلك الطريقة البشعة، والأمَر ان اترك في نفوسكم الالم والحسرة، ان ربي سينظر بعين العطف عليكم، ويعطيكم الصبر الجميل، ولي وصية اخيرة :
     لا تحزنوا كثيرا فانا لست الضحية الاولى بل انا رقم اخر في سلسلة الضحايا الذين سقطوا في الماضي القريب. عندما ارجع! وانا ارتدي ابهى الملابس والحلل، افتحو اذرعتكم لي، احضنوني فانا بحاجة الى محبتكم وحرارة قلوبكم، افرحوا وغنوا كلما آتيكم في احلامكم، انا واثق بان وطني سيرتقي في نهاية المطاف ليصبح اجمل واعدل الاوطان، عندها فقط تستريح عظامي الصغيرة في قبرها الاصغر.
nabeeldamman@hotmail,com
May 13, 2009

 

252
رسائل هرمز ابونا الى نبيل دمان
(4)

التاثير السياسي للقبائل الرامية:    
     اذا ما اردنا الحديث عن التاريخ السياسي والديموغرافي لبلاد مابين النهرين ومنذ بداية الالف الاولى لما قبل الميلاد فاننا لا نستطيع ان نتحدث عن هذا بمعزل عن دور هذه القبائل وتاثيرها على الخارطة السياسية والديموغرافية لهذه البلاد. الوثائق الرسمية الاشورية تظهر بشكل واضح وصريح مدى الخطر الذي مثلته هذه القبائل على الوجود السياسي للدولة الاشورية ومدى التغيير المؤثر في الخارطة السكانية الذي احدثته هجرات واستقرار هذه القبائل التي امتدت في انتشارها وزحفها حتى وصلت الى مشارف المدن الاشورية الرئيسية. من هنا لا نستغرب قوة ردّ الفعل الاشوري ليس في وضع حد لهذا الزحف وانما من خلال التعامل الحاسم مع وجودهم السياسي المتمثل في القضاء وبشكل نهائي على ما يزيد على خمسة عشر مملكة ارامية.  لقد كانت الاهوار الجنوبية الملاذ والملجأ الآمن لعشرات من القبائل الارامية التي وجدت في تلك المناطق العاصية ملاذاً لها ومستقراً آمناً وفرته الطبيعة الجغرافية الوعرة والتي عجز الحاكمون المتعاقبون على حكم هذه البلاد من اخضاعها اخضاعاً تاماً لمدة تزيد على الخمسة الاف سنة. من هنا يظهر الدور المزدوج لمنطقة الاهوار والقبائل الارامية المستقرة فيه والدور المؤثر والفعال في حصول التغييرات السياسية المتلاحقة في بلاد ما بين النهرين والتي ابتدأـ بسقوط بابل بيدهم سنة 626 ق.م وسقوط اشور بتحالف مع العناصر الاخرى المعادية خلال فترة 615- 606 وما ادى ذلك الى فراغ عسكري استغله الفرس في الانقضاض على اخر معقل سياسي لاحفاد الشعب الاكدي- الارامي وذلك باحتلال قورش الاخميني لبابل سنة 539 ق.م .  القبائل الارامية 
1) بيث آموقاني Bith Ammukkani:

     هذه القبيلة كانت احدى القبائل الارامية- الكلدانية التي استقرت الى جانب القبائل الاخرى في مناطق الاهوار بدءً من الالف الاولى قبل الميلاد. [ القبائل الارامية في منطقة الاهوار اتخذت لنفسها اسم كشّدو ثم كلدو ومن بعدها اورد يهود السبي في عهدهم القديم اسمهم تحت لفظ الكلدان] سنة 734 زعيم هذه القبيلة الكلدانية المدعو يوكين- زير احتل بابل بعد ان اشتد الزحف الارامي شمالاً بمحاذاة الفرات عبر القرون الماضية. ولقد اخذ العرش لنفسه.   
     واستجابة لاستغاثة البابليين قام تغلث بلصر بارسال حملة عسكرية، رحب البابليون وجميع الاهالي من غير الكلدان بالحملة.
2) بيث ياقين Bit Yakin:   
     ونجم التاييد الشعبي لحملة تغلت بلصر لتحرير بابل من احتلال الكلدان فان هؤلاء كانوا متحصنين بقوة مما تطلب من الملك الاشوري جهد ثلاثة سنوات لتحقيق هدفه. ولقد استعان بالعمل الدبلوماسي ايضاً فكثف اتصالاته مع العديد من زعماء القبائل الكلدانية ومنهم مردوخ- ابيل اودينا زعيم عشيرة بيث ياقين. واخيراً نجح الجيش الاشوري في اقتحام بابل فهرب يوكين زير الى الجنوب ملتجئاً الى عاصمة قبيلته في الاهوار[ الاراميون" الكلدان" انظارهم دائماً كانت على بابل وحتى سنحت الفرصة لاحتلالها فعلوا ذلك] الا ان الجيش الاشوري لاحقه الى منطقته محطماً اياها وكذلك مناطق القبائل التي تحالفت معه. في حين سلمت مناطق الزعيم الكلداني مردوخ بلادان وذلك لعلاقته الطيبة مع اشور( 1) .
التحالف الارامي مع عيلام:    
    منذ ان ركز الاراميون وجودهم في ارض البحر اي في الاهوار الجنوبية فان هدفهم النهائي كان السيطرة على تلك المدينة العظيمة التي عجزوا عن تحقيق ذلك بقوتهم الذاتية وذلك بسبب مقاومة اهالي بابل لهم من ناحية ولنجدة الجيش الاشوري لسكان بابل كلما تعرضوا الى غزو القبائل الارامية- الكلدانية.   
    امام هذا الوضع السياسي فان الزعماء الاراميين- الكلدان شخصوا صوب العدو التاريخي لبابل وهم العيلاميون فعقدوا التحالفات المستمرة معهم لهدف تحقيق غايتهم.     
     الحملة المشتركة بين الجانبين كانت قد حصلت ضد بابل اواخر القرن التاسع قبل الميلاد بعد ان اصطدموا بالجيش الاشوري.
     ان تجاور الكلدان والعيلاميين جغرافياً خلق ظروف المصلحة المشتركة بين الطرفين. وكان من ثمار هذا التحالف السيطرة على بابل سنة 721 ق.م ولكن التحالف مع عيلام هذه المرة كان الصديق القديم لاشور مردوخ بلادان وذلك في عهد الملك سرجون الثاني (2) .
     الا ان سرجون الثاني بعد انتهاء من حملات عديدة على جبهات مختلفة قام سنة 710 ق. م بحملة لتحرير بابل ونجح في ذلك سنة 707( 3) .
الاضطرابات الكلدانية:
    لقد واصلت القبائل الارامية- الكلدانية خلق الاضطرابات لملوك اشور المعاقبين فكما حصل لتغلث بلصر وسرجون الثاني الذين قمعا تمرد هذه القبائل وقضيا على احتلالهما لبابل فان الشيء ذاته واجهه سنحاريب... ففي سنة 703 قام مردوخ بلادان بتنظيم القبائل الارامية- الكلدانية بعد ان ضمن تاييد عيلام اثار التمرد في بابل وعمت الفوضى واحتل بابل فجهز سنحاريب حملة ضده فهرب باتجاه الجنوب فتعقبه الجيش الاشوري ملحقاً الدمار بمعاقل المتمردين في منطقة الاهوار( 4) .
موطن القبائل الارامية في بلاد ما بين النهرين:
     اعداداً كبيرة من القبائل الارامية كانت تعيش في خارج منطقة النفوذ الاشوري شرق نهر دجلة في المناطق المجاورة للخليج.
القبائل المجاورة لعيلام:    
     اهمها كانت تلك التي في راس اليابسة (Land Rashi )  وهي:
همانو Hamanue
بيث امبيل Bit Imbil
بوب Bube
بيث بوناكي Bit Bunakki
بيث عرابي Bit Arrabi اررابي ( 5)
     اما التهديد الذي مثلته هذه القبائل لاشور فممكن ملاحظته من حالة الصراع الدائم والمستمر بين الطرفين حيث قاد الجيش الاشوري حملات عديدة ضد حوادث التمرد والاضطراب التي كان يثيرها زعماء هذه القبائل والتي اشتدت في عهد اشور بانيبال حيث كان يتزعم تمرد القبائل الارامية Bel Ibni ومن ثم خلفه في هذا الدور Naboopolassar الذي بدا حياته العملية كحاكم اشوري لارض البحر حيث من موقفه هذا سعى بتجميع الجهود والطاقات لنيل الاستقلال من اشور ... بحلول سنة 626 جميع منطقة بابل كانت قد خضعت له. ... تحالف مع الميديين لاسقاط اشور. الا ان نبوخذنصر لم يكن راغباً بوقوع ممتلكات الامرباطورية الاشورية بيد الميديين( المنافسين الايرانيين) ... بعد حصار قاس وثلاثة معارك طاحنة وقعت بين حزيران واب نجحت الهجمة الاخيرة في اب بالقضاء على نينوى( 6) .
الهوامش :
(1) Saggs: The might that was Assyria p. 90- 91.
(2) Saggs: The might that was Assyria p. 72.
(3) Saggs: The might that was Assyria p. 96- 97.
(4) Saggs: The might that was Assyria p. 100.
(5) G. Cameron History of early Iran p. 200.
(6) G. Cameron History of early Iran p. 216- 217.
الى اللقاء في الحلقة رقم (5)   
nabeeldamman@hotmail.com
USA
May 07, 2009

 
 


253
رسائل هرمز ابونا الى نبيل دمان
(3)

من نحن ؟ كلدان ؟ سريان؟ اشوريون؟
     هذه الاسماء التاريخية التي ملأت صفحات تاريخ بلاد ما بين النهرين لالاف السنين لها مغزى وواقع مغاير لما كانت عليه في السابق. ففي الوقت الذي ملأ انسان بلاد ما بين النهرين الموحد سياسيا وفكريا ودينيا واقع تاريخ هذه البلاد باعتباره شعب واحد منذ فجر التاريخ وحتى ظهور المسيح والقرون الاولى منها فان الاسماء التاريخية هذه تمثل في عصرنا الحاضر حالة التمزق والتشتت والضياع التي عليها ابناء ذلك الشعب الذي ارسى اسس الحضارة وخلق جنة في ارضه دامت آلاف السنين.
     شيء واحد لم يتغير، وهو طمع الطامعين قديماً وحديثاً في ارض بلاد ما بين النهرين. ففي فترة ما قبل الميلاد ونتيجة لوحدة شعب هذه البلاد فقد تمكن من بناء حضارته وسجل اعلى مستوى في حياته من جميع الجوانب ونجح بسبب وحدة ابنائه ليس في التغلب على الصعوبات التي واجهته في بناء حضارته وانما في ردع الطامعين بارضه وابعاد خطرهم عنها. لا غرابة اذن ان نجد الشعب الاكدي واحفاده البابليين والاشوريين يبلغون القمم في كل مجال رغم احاطتهم وتطويقهم بالاقوام البربرية وشبه البربرية والبدوية الطامعة بارضهم التي حولوها الى جنة غناء لالاف السنين.
     ولئن كانت حلقات الطامعين في بلاد ما بين النهرين في العهد الاكدي وخلفائه البابلي- الاشوري مقتصرة على الاقوام المحيطة بهذه البلاد فان حلقات الطامعين اخذت بالتوسع والازدياد بعد سقوط السلطة السياسية لاحفاد الشعب الاكدي بسقوط نينوى 612 ق.م وبابل 539 ق. م. فشملت في القرون التالية الفرس، والاغريق وبعدهم الرومان والعرب والمغول والاتراك واوربا وحاليا العالم اجمع[ النفط] .
     منذ بداية الزمن عاش الشعب الاكدي في بلاد ما بين النهرين من منابع نهريها الخالدين دجلة والفرات الى سواحل الخليج. في هذه الارض بنى الشعب الاكدي المدن العظيمة واستنبط الضوابط الكفيلة بخدمة الانسان وتقدمه فبنى حضارته العريقة التي كانت غايتها وهدفها سعادة الانسان وليس الطبقة الحاكمة.
     بسبب ازدياد عدد ابناء الشعب الاكدي فقد حصل استقطاب بين اقوى مراكزه وتجمعاته، وبحدود الالف الثانية قبل الميلاد برز ابناء هذا الشعب على شكل مجموعتين قويتين الاولى عرفت:
 1- البابليين: في جنوب البلاد.
 2- الاشوريين: في شمال البلاد.
     مع الانقسام الديموغرافي حصل التنافس الحضاري بين المراكز البارزة للقسمين الذين يشتركا بلغة واحدة وديانة واحدة وكتابة واحدة وتاريخ واحد وارض واحدة. ان الفرق الوحيد القائم كان متمثلاً بوجود لغة اكدية واحدة ولكن بلهجتين بابلية واشورية هذا الاختلاف في الوقت الحاضر بين لهجة البصرة ولهجة بغداد او الموصل. ما عدا هذا فان جميع القضايا والامور المتعلقة بانسان هذه البلاد كانت مشتركة وواحدة لكلا القسمين:
     الاموريون:
     هؤلاء لم يكونوا غرباء من الاكديين، بل يشتركون واياهم بجذور لغوية وعرقية واحدة، وكانوا يمثلون امتداداً ديموغرافياً للعرق ذاته حيث كانوا ينتشرون في صحراء سوريا ومناطقها الاخرى اسوة بالموجة التي اعقبتهم بعد قرون والمتمثلة في الموجة الارامية.
     لقد بدا التغلغل الاموري في بلاد ما بين النهرين لا سيما اقسامه الوسطى والسفلى منذ عام 2200 وبلغ الذروة عام 2000 ق. م حيث ساهموا الى جانب اخوانهم الاكديين في القضاء على المحتلين الكوتيين القادمين من جبال زاغروس والذين نجحوا في غزو مناطق محددة من جنوب بلاد بابل. اجل ساهم الاموريون في القضاء على الوجود الاجنبي الغريب وارسوا مع اخوتهم الاكديين اسس السلالة المعروفة بالسلالة الامورية التي كان سادس ملوكها الملك العظيم حمورابي.
     وفي الوقت الذي كان حمورابي ملكاً لبابل كانت اشور تحت حكم الملك اشمى ادد الاول الذي اتحفنا بوثيقة اكتشفت في العاصمة الاشورية خورسباد وفيها يذكر وجود 38 ملكاً من اجداده الاشوريين[ كما يسميهم] والذين من بينهم 17 ملكاً سماهم من ملوك الخيام حيث كانوا ملوك مملكة سيمورم المعروفة اليوم بكردستان ويرجع تاريخ هذه المملكة الى 2750 ق. م .
     انها حقيقة ثابته ان التاريخ قد انصف بابل، الا ان الجغرافيا قد ظلمتها. ففي الوقت الذي تمثل التضاريس الارضية لبلاد اشور التلول والجبال الشاهقة، فان بلاد بابل هي ارض سهلية لا يحميها حاجز طبيعي سواء كان بحراً ام جبالاً ونتيجة لهذه الحالة فان ارض بابل الغنية التي كان يطمع للاستقرار بها كل فرد كانت سهلة الاختراق وبشكل خاص من جهة الاهوار الممر التاريخي لمعظم الطامعين في بلاد ما بين النهرين سواء المستقرين او الغزاة.
     نتيجة ضعف خلفاء حمورابي فان موجة طامعة من القبائل البربرية كانت تتحين الفرص للانقضاض على بابل وما ان حانت تلك الفرصة حتى قامت هذه الموجة من القبائل المعروفة بالكيشيين باحتلالها، وبالنظر للخلفية البدوية لهؤلاء فان تكيفهم مع واقع الحياة في بابل كان ضرورة لادامة احتلالها فتقبل المحتلون الثقافة البابلية [ الاكدية] فاستخدموا اللغة الاكدية في ادارتهم وحياتهم واتخذوا إله البلاد اله لهم ولم يحيدوا عن الخط الحضاري الذي كانت عليه بابل لدرجة انهم لم يتركوا لنا ما يستحق الذكر والاشارة اليه باي لغة سوى اللغة الاكدية.
     موجة اخرى بدات تحوم في بلاد سوريا او آرام متمثلة بالقبائل الارامية التي انطلقت من مواطنها في صحراء جنوب سوريا منذ عام 1600 وبلغت القمة في استقرارها في بلاد ارام في عام 1200 حيث شكلت العديد من الممالك السياسية التي منها مملكة دمشق.
     لقد كان المد الارامي مؤثراً على الخارطة السياسية والديموغرافية في عموم المنطقة ووصلت مساحات انتشاره – ولو بشكل اقل مما في بلاد ارام- بلاد بابل حيث تفاعلوا مع ابناء البلاد الاصليين من الخليط الاكدي- الاموري ونجحوا جميعاً في سنة 1200 ق.م في القضاء على الوجود الكيشي حيث عادت بابل الى اهلها يحكمها حكام اما من البلاد ذاتها او نواب عن ملك اشور.
     لم يتوقف زحف وانتشار القبائل الارامية على بلاد ارام " سوريا" وانما زحفت مجاميع هائلة منهم عبر القرون باتجاه المناطق الوسطى والشمالية من بلاد ما بين النهرين مشكلين تهديداً جدياً لوجود اشور. هذا الموقف اجبر الملوك الاشوريين على اتخاذ موقف حاسم من خطر الاستقرار الارامي في الاراضي الاشورية. ونتيجة للحملات القوية تم ازاحة المجموعات التي كانت قد استقرت في العديد من المناطق في حين تعرض الكيان السياسي الارامي في بلاد ارام الى ضربة قوية حيث قضى الجيش الاشوري على العديد من الممالك الارامية المنتشرة هناك في القرت التاسع. آخر معقل ارامي كان حماه قضى عليه الملك سرجون الثاني.
     لقد كان للقضاء الاشوري على الوجود السياسي الارامي آثاره البعيدة المدى اذ اشتدت هجرة اعداد كبيرة من الاراميين الى الاقسام الجنوبية لبلاد ما بين النهرين وخصوصاً الى منطقة ارض البحر( بيث اراماى- منطقة الاهوار الحالية) .
     عاملان جوهريان ساعدا القبائل الارامية على التغلغل ونشر نفوذها هي طبيعتهم التجارية المرنة وسلاسة لغتهم وحرفها المتطور المتكون من اثنان وعشرون حرفاً.      لقد عبر ابناء بلاد ما بين النهرين عن تقييمهم العالي لدور الحرف الارامي وسلاسة لغته والتي وان كانت تشترك بجذورها مع الاكدية الا ان الاكدية وبحروفها التي تزيد على ال( 600) حرفاً لم تكن قادرة على الصمود امام حقيقة كون الارامية اداة متطورة تصلح لمجتمع متطور. وهكذا حلت الارامية تدريجياً محل الاكدية في الاقسام الجنوبية لبلاد ما بين النهرين. بحلول القرن الثامن قبل الميلاد كانت هذه اللغة قد مدت جذورها في منطقة بابل باكملها وفي القرن السابع كانت قد تغلغلت في بلاد اشور حيث استخدمت اول الامر جنباً الى جنب اللغة الاكدية( اللهجة الاشورية) ، وفي الفترة الاخيرة من عمر الامبراطورية الاشورية اضحت اللغة الوحيدة المستعملة في الوثائق الرسمية للدولة كما اصبحت في ذات الوقت لغة التخاطب للشعب ساعد قربها من الاكدية على تعلمها واستخدامها ولقد تركت بصماتها على الخارطة اللغوية والناطقين بها والتي الى يومنا هذا نقف احياناً حائرين امام بعض المفردات مثل اشور واثور واشوري واثوري هذا الاختلاف المتاتي من غياب حرف ال" ث" في اللغة الاشورية( الاكدية القديمة) الذي استبدل حرف ال" ش" جرياً على النطق الارامي فاصبحت " اشور" كما قلنا " اثور" [ لا تزال الى يومنا هذا بعض القبائل الاشورية او الاثورية تستخدم اللفظ الاشوري القديم ولا تستخدم في التخاطب الحرف البديل حرف" الثاء" فاهالي مركه وتياري وبعض مناطق صبنه يقولون بيسا( بيت) ماسا( مدينة) خمسا( شابّة) بدلاً من بيثا وماثا وخمثا]. باختصار شديد نقول انه اثناء سقوط الامبراطورية الاشورية 612- 606 ق.م فان اللغة الارامية كانت اللغة المهيمنة على عموم منطقة الشرق الادنى القديمة وكانت الاكدية التي سادت قرابة الفي عام قد تراجعت امام الارامية معترفة بتفوقها وفاعليتها.
     في الصفحات الماضية يمكن تلخيص ما اشرنا اليه بما يلي:
1- ان الشعب الاكدي هو الشعب الاصيل المقيم في بلاد ما بين النهرين منذ بداية الزمن وترك شواهداً لا تحصى ليس خلال فترة التدوين( العصر الاكدي) وانما قبل التدوين من الشواهد التي لا عدّ لها ولا حصر من اثار مناطق سكن التجمعات التي تعكسها الاثار المنتشرة في سهول نينوى، والخابور واعالي ما بين النهرين وفي الاقسام الوسطى والجنوبية للبلاد تلك الشواهد الاثارية التي ترجع بقدمها الى عشرة الاف سنة قبل الميلاد او ما يزيد عليها.
 2- ان اكبر هجرة موثوقة ومؤكدة الى بلاد ما بين النهرين كانت هجرة القبائل الامورية التي تشكل امتداداً لغوياً وعرقياً للشعب الاكدي.
 3- الاراميون كما نوهنا فان هجرة القبائل الارامية بلغت القمة في القرن التاسع قبل الميلاد ولقد كانت محصلة تفاعلهم مع بابل واشور ان تركز وجودهم نتيجة الموقف منهم في ارض البحر اي منطقة الاهوار والتي اتخذت منذ ذلك الوقت اسمهم حتى في السجلات الكنسية المتاخرة واصبحت معروفة ب" بيث اراماى" كما نوهنا.         
الى اللقاء في الحلقة رقم (4)   

nabeeldamman@hotmail.com
USA
May 6, 2009


254
رسائل هرمز ابونا الى نبيل دمان
(1)

الرسالة الاولى
ولدنا العزيز الغالي نبيل دمان المحترم
تحية تقدير واحترام
     كنت قد عزمت على الكتابة لك مقتصراً على الناحية الفكرية، الا انني لم استطع مقاومة الرغبة في كتابة بضعة كلمات شخصية لك، اطلب منك المعذرة ان كنت قد اوردتها في غير مكانها. وانا في هذا كمن هو في موضع الشخص الذي لا يتمكن من الالتفاف على واقع مشاعره تجنباً للتصادم المحتمل بين الموضعية في التعبير عن الرأي وبين الشعور الشخصي.
     بعد هذا اسمح لي ايها الابن العزيز ان اقول: انني فرحت فرحاً لا يوصف حين تسنى لي التحدث لفترة قصيرة معك انعكس لي خلالها العمق الذي اتمناه للناس الذين لهم منزلة خاصة ومميزة عندي. قبل كل شيء وجدت فيك ذلك الامتداد النقي الطيب الطاهر العطر الذي في عائلتك الكريمة، وتمثل في ذات الوقت امتداداً للنموذج الانساني الذي عليه والدك الكريم وبهذا فانت قد ارسيت القاعدة الصلدة لكل الاشياء العظيمة التي يتمناها الانسان.
     رسالتكم الرقيقة والمقالات التي كتبتموها- والتي تيسر لي الاطلاع عليها- عكست هي الاخرى اشياء كثيرة زادت في قناعاتي السابقة ورسخت ما تصورته عن الجانب المضيء فيكم.
     ان التقائي الخاطف معكم قد ولـّد عندي الرغبة الجامحة على اعتباره بداية طيبة للقاءات مستمرة وفاتحة عمل مشترك في مختلف المجالات والتي اتطلع فيها شخصياً الى التعلم منكم في كثير من المجالات حيث ان المعدن الثمين يحتفظ دائما بقيمته العالية والغالية.
     بعد هذه المقدمة ارجو ان تسمحوا لي بان ابين راي الشخصي في بعض الملاحظات والافكار والملامح التي- حسب راي- توصلت اليها من خلال قراءة هادئة لما كتبتموه محاولاً ان ابين لشخصكم الكريم ما اعتقده صواباً مستعيناً بذلك بنهج علمي وتاريخي مثبت لا يقبل الشك وفي ذات الوقت متجرداً من العاطفة التي هي غشاوة الحقيقة.
     دمتم ذخراً للدور الرائد الذي انتم مؤهلون للقيام به لخدمة امتكم وشعبكم.
صديقك / وعمك/ هرمز ابونا
3- 8- 1994
كلدان ام اشوريون:
     كنت في البداية راغباً في الكتابة عن " عندما يغدو الصغار كباراً" # 1. لما تركته في نفسي من تاثير من حيث خاصيتها في التعبير عن اصالة انتماء الانسان الى التراب الذي ولد عليه ونقاوة المشاعر والحب والاخلاص لتلك الارض التي شهدت طفولة الانسان. مقالتك هذه احتوت النبل والاخلاص في المشاعر، وهل هناك موقف افضل من ان يكون الانسان مخلصاً؟ لاسيما وان اخلاصه هي للارض التي انجبته.
    بعد قراءتي لمقالك" كلدان ام اشوريون" # 2 فضلت ان اكتب باسهاب عنها لانها ليست فقط موضوع الساعة وانما عليها يتوقف مصير امتنا وشعبنا وفي مقدمة هذه الاشياء العبرة والعواطف المخلصة التي تضمنتها خواطرك عن القوش اثناء فترة الصبا. اجل ان موضوع الهوية يطرح نفسه بشدة علينا جميعاً، وبقدر استجابتنا له يتحدد بشكل او آخر مستقبلنا وبقائنا وكياننا. اذ ان الاستجابة الايجابية لمسألة " وحدة الهوية القومية" فيها بقاء وادامة التراث العطر والحب الخالص ليس للارض الطاهرة التي ولدنا فيها وانما لكل الاشياء الطيبة الاخرى التي ورثناها من آبائنا واجدادنا من عادات وتقاليد ومثل حيث ستبقى حية مع اولادنا وجميع الاجيال المقبلة لا سيما في ارض المخاطر" الهجرة" .
     اجل ان الاتفاق على وحدة الهوية القومية وفي هذه الظروف الحرجة الدقيقة حيث تواجه طوائفنا المختلفة تحديات قوية جداً في بلاد المهجر تهدد بمسح كامل هويتها ومسخ شخصيتنا ووضع نهاية ماساوية لتاريخنا العريق الذي دام آلاف السنين.
     ان علامات الخطر تدق بعنف في ضمائر وافكار المخلصين والواعين من ابناء امتنا لوقف حالة التداعي السريع الذي نمر به حيث تمتصنا المجتمعات الغريبة عنا عرقياً ولغويا وثقافياً وتراثياً وتحول انساننا الذي طالما وضع اسس الحضارة الانسانية ووضع قواعدها لخدمة الانسان، الى رقم في المجتمعات المادية التي تبرز فيها السادية على جميع القيم الانسانية التي طالما نقشها اجدادنا على الالواح الطينية. نعم هناك كثير من الامور المهمة والملحة تواجه ابناء امتنا ولكن قوانين الطبيعة تؤكد ان الاشياء تحكمها ظاهرة الاوليات. واذا ما اخذت هذه الاوليات بتسلسلها المنطقي فان النتائج تكون مثمرة. وعلى العكس، فان تقديم القضايا التي هي من حيث الاهمية تاتي بالدرجة الثانية على تلك التي لها الاولوية فان النتيجة تكون خسران الاولويتين. ولكي اوضح ما اعنيه اقول: تواجه شعبنا الكثير من المسائل الملحة لا سيما في المهجر وهي اولويات ملحة مثل العمل على تحصيل القوت اليومي والمحافظة على الهوية والعمل في حقول اخرى، اين يجب ان تكون نقطة التوازن؟ هل يكون للعمل من اجل الاثراء الاولوية على العمل على المحافظة على الهوية ( مثل الحفاظ على اللغة والعادات والتقاليد ) ؟ ام ان جالياتنا المتوزعة بين ثقافات مختلفة مليئة بالاغراءات القوية والامراض الاجتماعية القاتلة يجب تركها لكي تحدد الضوابط والمؤثرات الخارجية مسارات الافراد في المجتمع حيث يترك الفرد وحيداً للتعامل مع المجتمع الذي يعيش فيه وعليه ان يقدر مدى اهمية تسلحه بمقومات الهوية؟ تلك المقومات التي تخلق له استقراراً اجتماعياً قبل الاستقرار الاقتصادي[ ظاهرة تفكك العائلة في المهجر] .
     هل من الصواب ان نترك الاب يحرم ابنه من تعلم لغة الام؟ وتربيته على القيم والعادات النبيلة التي ورثناها عبر الاف السنين ليجد هذا الاب ابنه يعامله كما يعامل الابن او البنت الغربية آبائهم وامهاتهم اللذان غالباً ما يموتون في دار العجزة بعد حرمان عاطفي قاسي لاولادهم الذين تطبعوا بالعادات الغربية التي ترى في ترك العائلة وقطع الروابط العائلية مسالة طبيعية؟ .
    اننا امام خطر حقيقي يواجهنا اليوم ويطوقنا من كل الجهات. اجل ان الخطر برز بشكل عنيف بعد اشتداد حملة الهجرة من ارض الوطن الام حيث هناك عِظام الاجداد يحتضنها التراب الطاهر لآلاف السنين. ان مصدر الخطر كامن في طبيعة الهجرة الفجائية التي لم يكن الرعيل الاول المستقر في البلدان المختلفة والمتمثل في غياب هياكل الجاليات comunity structure قادرة على استيعاب الاعداد الهائلة من القادمين الجدد لقولبتهم في قالب متميز بالمحافظة على الهوية الذاتية. ان موجة الهجرة في السنوات الاخيرة كانت بمثابة فيضان جامح ترك آثاره السلبية على ابناء شعبنا ولم يمض على تواجدهم في بلاد المهجر سوى سنوات قليلة. كما قلنا بسبب غياب التنظيمات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية لجالياتنا القديمة في المهجر فان هذا الغياب عبر عن عجزه البالغ في استيعاب عشرات الالوف من المهاجرين الجدد خلال فترة قصيرة ووضع نموذج نقتدي به ... !
     حينما كنا في الوطن الام، فان مدننا العزيزة كانت خير حام ٍ لهويتنا، ولدنا فيها وترعرعنا وتجذرت فينا عادات وتقاليد الاباء والاجداد. وفي ذات الوقت، فان الاسلام بحد ذاته شكل طوقاً عازلاً ساهم في المحافظة على هويتنا من خلال تمييزنا الذاتي بين ابنائنا كاقلية مسيحية وبين الاكثرية المسلمة.
     على العكس مما كانت عليه الاحوال في الوطن الام، فان المهجر الذي وصله المهاجر من قرانا ومدننا المثقل بالكثير من الهموم والذكريات يجد امامه في المجتمعات الجديدة في الغرب كل المقومات التي تقوده الى فقدان هويته ومسخ شخصيته التاريخية واذابته في المجتمع الجديد ومن ثم طوي آخر صفحة في تاريخنا الطويل والعريق.
     نعم، على عكس ما كانت الحالة عليه في الوطن الام من وجود مناعة ذاتية تعتبر جزءاً مكملاً لشخصية انساننا وهي المحافظة- ولو بتحمل المرارة- على هويته القومية والدينية، نجد المجتمعات هي مجتمعات " مسيحية" وبهذا فانها فتحت ثغرة قوية في سور دفاعها التقليدي المستمر في الوطن الام. هذا المجتمع الجديد وبمغرياته التي لا حد لها ولا حصر لها، تدع القادم الجديد الذي عانى في اكثر من ناحية تجعله متلهفاً الى تعويض ما فاته ولا سيما الشباب منهم، فنجد الاندفاع الشديد للتعامل والتفاعل معه وللاسف ان هذا لا يتم مع الجانب الايجابي في المجتمع والمتمثل في التقدم العلمي والتقني والمجالات الواسعة للتأهيل المهني والعلمي وانما يتم التفاعل مع الجانب السلبي منه والمتمثل في ما افرزته المجمعات الصناعية من امراض اجتماعية. شواهد هذا التفاعل السلبي تُلمس اثارها الماساوية يومياً وسط التجمعات التي قدمت حديثاً والتي تبدأ بتفكك تلك الروابط المقدسة التي ارساها آبائنا والتي اثبت آلاف السنين صواب القاعدة الخلقية التي كانت تستقر عليها. الجنوح الى الممارسات اللامشروعة والقيام باعمال تعتبر بمختلف المقاييس الشرعية والخلقية مخالفة اضحت هي الاخرى ممارساة عادية ويدفع الثمن الباهض لها.
     وفي الوقت الذي كانت كنائسنا في الوطن الام- وحتى سنين قريبة- تمثل هي الاخرى حارساً لهويتنا وعاداتنا وتقاليدنا. تلك المهمة التي قامت بها عبر مئات السنين، نجد هذه المؤسسة قد تخلفت في بلاد المهجر عن المهاجر حيث لم تواكب حركة الهجرة. وعندما اسست لها بعض المراكز هنا وهناك لم تكن في مستوى استيعاب الزخم والكثافة التي مثلتها الهجرة الاخيرة فظهر عجزها في التاثير في مسيرة الجالية في بلاد الهجرة اضف الى هذا فانها هي الاخرى- لم تنجوا من التاثـُر في النواحي البارزة في المجتمع الجديد، فنجد اعداداً كبيره من رجال الدين تغلب العامل السلبي في المجتمع على رسالتهم المقدسة فاصبحت نزعتهم مادية بحته يسعى فيها الفرد للحصول على المال على حساب المهمة الروحية ولا غرابة ان نجد بين هؤلاء طبقة من اصحاب الملايين ويمتلكون العقارات الفخمة والمصالح التي تدر الارباح الكثيرة.
الهوامش :
      # 1 موضوع في حلقتين، نشر في مجلة القيثارة الصادرة في ديترويت، عدد 4- تاريخ 1993، والعدد 1- تاريخ 1994.
      # 2 موضوع نشر في مجلة القيثارة الصادرة في ديترويت، عدد 5- تاريخ 1994.
الى اللقاء في الحلقة رقم (2)   

nabeeldamman@hotmail.com

USA
April 30, 2009




رسائل هرمز ابونا الى نبيل دمان
(2)

المؤسسة السياسية:
     شرائح واسعة من الموجات المهاجرة كانت لها جذور وخلفيات سياسية وجدت نفسها في موضع شاذ في المهجر حيث ان طروحاتها السياسية وافكارها الايدلوجية هما على النقيض مع الواقع الجديد في المهجر. ورغم المقدرة الكامنة في هذه الشرائح على تنظيم نفسها سياسياً الا ان مردود عملها في هذا المجال كان كمن يطرق على الماء. فهي لم تكن في موقع التاثير الحاسم على مجريات الامور في الوطن الام لبعدها الجغرافي اولاً وفقدانها لمبررات طروحاتها الفكرية لانطلاقها من ارض غريبة ثانياً. وكانت محصلة جهدها عجزها عن القيام بقراءة سليمة وصحيحة للحالة الجديدة اذ ترك المهاجر يعوم في المجتمع الذي يسعى لصهره في الوقت الذي مثلت مساهماتها تجاه الوطن الام الحد الادنى في مجال التاثير. اما من الناحية الاخرى، فان هذه الشريحة الواعية- وبعد ان قيدت نفسها بانماط النشاط والتفكير التي كانت سائدة في الوطن الام- لم تولي مصلحة ومستقبل ومصير الجالية والامة الاهتمام اللازم في الوقت الذي كانت فيه قادرة- وبحكم ثقلها النوعي- على التاثير في كثير من الامور المصيرية. ولقد كانت محصلة وانتشار الامراض الاجتماعية واتهام ثقافة وعادات المجتمع الجديد لزهراتنا المترعرعة في هذا المجتمع فاضحت تعيش غربة قاتلة عن هويتها واصلها وجذورها، اذ فقدت احدى الجسور المهمة في المحافظة على الهوية والتراث وهي " اللغة" . هذا ما حصل للجيل الثاني انا الجيل الثالث فانه يقدم لنا صورة ماساوية ودرساً لنعتبر منه ونحدد موقفنا ونضع الحلول لماساتنا المقبلة لا محالة اذ ان هذا الجيل [ الثالث] لا يعرف اصله وفصله... من المسؤول عن هذا... وهل بذلنا الجهد اللازم لكي نعذر انفسنا عن هذا السقوط .
ماذا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي؟ 
     ان الخارطة السياسية في العالم تغيرت بعد نجاح قوات الردة في اسقاط الدولة الاشتراكية ومعسكرها. ولئن كانت الخارطة السياسية للعالم كان يجري اعادة رسمها بعد كل حرب عالمية فان الخارطة السياسية للعالم في الوقت الحاضر يجري تحديدها ورسمها دون ان تقع حرب عالمية ثالثة. اذ مثل سقوط الاتحاد السوفيتي بحد ذاته النتائج التي تمكن من اعادة رسم خارطة العالم من جديد.
     ماذا يمكن ان تقرا في هذا التغيير الهائل على المستوى العالمي؟. ان اول ظاهرة يمكن ان تقراها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي هو اعادة الاصطفاف من قبل المخلصين من قادة الدول التي كان يتشكل منها الاتحاد السوفيتي وبقية الدول الاشتراكية هذا الاصطفاف الجديد يمكن تشبيهه بالتراجع من خط الدفاع الاول الى الخط الخط الثاني اي من الموقع الاممي  الى الموقع القومي حيث ان الترابط بين الموقفين هو ترابط عضوي فان الهدف المنشود لتحقيق المصالح القومية هو الذي ولد رابطة العمل الاممي. بمعنى آخر ان محصلة النضال الاممي كان مردودها المتوخى هو الحصول على ازدهار النسان وتقدمه بمختلف قومياته التي منها يتشكل التجمع الاممي. لقد كان موقفاً صائباً، ذلك الموقف الذي وقفه قادة الاحزاب الشيوعية حين اصطفوا في الخط الامامي للدفاع عن مصالح امتهم القومية وبهذا فهم يحافظون عليها ويقومون بحمايتها في ظل ظروف غاب غاب فيها الكيان الاممي. لقد فعل عين الصواب الشيوعيون الروس والاوكرانيون والكازخيون والهنكاريون والاكراد وغيرهم.
ماذا عن امتنا:
     قياساً على عدد نفوسنا وبطوائفنا الثلاث( الاشوريون، الكلدان، السريان) فاننا نتمتع باعلى درجة من المساهمة العددية في الحركة السياسية بالنسبة للعالم كله. اذ لا يوجد له هذا العدد الهائل من ابنائه( على قلة عدده) قد انخرط بالعمل السياسي كما هو الحال بالنسبة الينا ولعل مرد ذلك هو الشعور الواعي بالاضطهاد المسلط علينا عبر القرون هو الذي ولّد الاصطفاف والتوجه السياسي. ان الالاف من ابنائنا قتلوا او سجنوا او شردوا وطردوا من اعمالهم بسبب نشاطهم السياسي المتميز بالفكر اليساري. اجل، في الوقت الذي قدم شعبنا ومن طوائفه الثلاث خيرة ابنائه شهداءً للحركة الاممية، فان غالبية ابناء شعبنا كانت معرضة الى عوامل السحق والذوبان والاضطهاد والتهجير واحتلال الارض. وتسجل في ذات الوقت حالة التداعي الثقافي والقصور في المحافظة على ادنى المقومات الكفيلة بضمان الهوية القومية. فقد حرمت غالبية ابناء شعبنا من تعلم لغتهم القومية وافتقروا الى مقومات التعبير عن العاطفة من خلال وسائل الاعلام كالراديو والتلفزيون في حين لم نذق طعم صحافة خاصة بنا وصادرة بلغتنا.
     كيف يمكن ان نرسم ملامح واضحة لحالة امتنا في الاونة الاخيرة؟. لا نجد صعوبة في ذلك فان جميع المعطيات اللازمة لذلك طافية على السطح:
 1) امة فقيرة في مجال النشاط القومي للمحافظة على هويتها ووجودها الانساني.
 2) امة غنية بكوادرها السياسية حيث تجود بعشرات الالوف من الكوادر السياسية المتمرسة في العمل السياسي ظلت تعمل بكل اخلاص وامانة في المجال الاممي وليس القومي.
 3) التطورات الساسية في منطقة الشرق الاوسط خلال العقدين الاخيرين ولدت حركة هجرة هائلة بين ابناء شعبنا هذه الهجرة [ السائبة] تحمل معها عوامل الفناء والقضاء على الوجود القومي بفعل اجتثاث ابنائنا من الوطن الام من جذورهم وكون بلاد المهجر مراكز ذزبان محقق ما لم يتم تدارك الحالة وبسرعة!
 4) الحركات السياسية والفكرية والتراثية القومية القائمة وسط ابناء طوائفنا ليست قادرة على وقف حالة التداعي والانهيار الذي يمر به شعبنا وذلك بسبب ضعفها النوعي اولاً وبسبب حالة التشتت والتمزق والانقسام المستمر في صفوف شعبها مما يضيع فرصة امكانية قيام فعل مؤثر لغياب عامل توحيد جهد جميع الطوائف.
ما العمل ؟
     في الوقت الحاضر، امتنا مقسمة بين طوائف عدة وحسب الانتماءات الكنسية:
 1) الاشوريون: اتباع الكنيسة الشرقية.
2) الكلدان: الكاثوليك من اتباع الكنيسة الكلدانية.
3) السريان: بشقيهم الارثوذوكس والكاثوليك.
     قياساً على عدد النفوس لجميع الطوائف المشار اليها فان الطائفة الكلدانية تمثل اكثر من نصف عدد السكان. وتعتبر اغنى الطوائف في المجال الاقتصادي والسياسي والفكري.
    اما الطائفة الاشورية ، فرغم قلة عددها فانها افرزت شرائح سياسية متعددة تعمل في المجال القومي غالبيتها غير مؤثرة لغياب الرؤية السياسية في برامجها وقلة خبرة قادتها وفقرها الى الكوادر السياسية المدربة.
     اما طائفة السريان فان القسم الارثوذوكسي الذي يمثل الاكثرية يتمتع بخاصية النضوج في الوعي السياسي. اذ رغم ان كنيسته حاولت ولعقود طويلة قوقعته ضمن حلقة ادعاء" الهوية السريانية" الا انه برزت بين صفوفه حركات مؤثرة ادت الى تقسيم الطائفة الى حدّ كبير. هذه الحركات نادت بصوت عالي ب" الانتماء الاشوري" للسريان واعلنت ان قوميتهم هي اشورية وان كنيستهم هي سريانية. فلعل ابرز تنظيماتهم السياسية المتطورة هي مطكستا" المنظمة الديمقراطية الاشورية".
     ان واقع الطائفة السريانية وما افرزته من تنظيم سياسي يمثل خطوة نوعية جبارة على الطريق الصائب لتحقيق الوحدة القومية بين ابناء الطائفة على درجة عالية من النشاط في سوريا واوربا( خصوصا السويد) واميركا وكندا.
ماذا عن الكلدان؟
     في الوقت الذي تنطلق صرخات العمل لتوحيد ابناء الطوائف المختلفة من هذه الطائفة او تلك وفي الوقت الذي يتشبث فيه البعض بطروحات ومواقف للمحافظة على الهوية القومية لا سيما تلك الصادرة من الطائفة الاشورية من اتباع الكنيسة الشرقية فان القطب المؤثر في كامل مشكلة شعبنا لا تزال كامنة في الطائفة الكلدانية ذات الثقل المميز. اذ ان هذه الطائفة وحدها هي القادرة على حسم حالة التمزق والتشتت والضياع التي عليها شعبنا في الوقت الحاضر.
     ان قيام حركة تنادي بوحدة الامة بين ابناء الطائفة ليست قادرة على تحقيق هدفها من خلال كثرتها العددية وحسب وانما بما تملكه من طاقات سياسية غنية لا زالت في مواقعها السياسية السابقة ولم تصل الى حد التفاعل مع الواقع المعاصر ومستجدات الظروف لما بعد الاتحاد السوفيتي. ان العمل القومي لتوحيد الطوائف الثلاث ولكي يكتب له النجاح فانه مرتبط باعادة تقييم عشرات الالوف من الكوادر العاملة ضمن المجال الاممي من ابناء الطائفة الكلدانية لمواقفهم وبشكل خاص موقفهم من قوميتهم وتلمس المخاطر المحدقة بهذا المصير فان هؤلاء وبما يمثلونه من عمق سياسي ونضج فكري قادرون وبدون شك ليس على وقف حالة التداعي والانهيار الذي تمر به امتنا وانما رفعها الى المستوى الكفيل بتحقيق الكثير من مطاليبها المشروعة وحقوقها الثابتة التي هي الان مجرد امنيات.
     ورغم ان بوادر التقييم المشار اليه يمكن ملاحظتها بين العديد من الكوادر السياسية التي اعلنت ادراكها وشعورها بمدى حاجة امتها لها فاصطفت بشكل واعي في خندق العمل لخلق الوحدة القومية وتعمل بنشاط في هذا المضمار إلا ان الغالبية لا تزال في موقع المتردد الخجول. وبكل تاكيد يمكن المراهنة على عمق ونضج وعي هؤلاء الذين بكل تاكيد ايضاً سيتلمسون بانفسهم دعوة التاريخ لهم لاخذ دورهم لانقاذ امتهم من الخطر المحدق بها. ً
الى اللقاء في الحلقة رقم (3)   

nabeeldamman@hotmail.com
USA
May 3, 2009



255
رابي ورمز ابونــــــــــا
رابي وَرْمِز أبونـــــــــــــا       مِليا مْحَخّمثـَه وْهونــــــا
كْمَه دْگارشْ وْفايتْ زونا        شمُّخْ پايش تِخرونــــــــا
كم أيذِنُّخْ مشَريثـَــــــــــه        گورَه پشيلَه وپْتـَنيثـَــــــه
شِمْشُخْ گنيلَه پْخَريثـَــــه        وبگاوُخ بْهيرَه تشعيثـَـــه
گو ألقـُش ماثه بريلـُــــخ       نِنْوه قـَم نيتُخ دريلـُــــــــخ
مدوكه لدوكه مْشنيلـُـــخ        ومِن دوراشِه لـَكليلـُــــــخ
أيقـــــــــارُخ بلبَّن بْراوه        وبأُرخُخ برخشي كل طاوه
مّوثـُخ بكثوي كـَثـــــاوه        ودْمّيثـَه بأينِه دســــــــاوه
ريشُخ أيريمَه شوُقلـُــخ        وپّوخَه وهَرّه لكِبْلـــُـــــــخ
قـَنْيَه بِّديْوثـَه طمِشْلـُــخ        ودِمّه دجونقِه مُرثِخلـُــــخ
بـِطلاثه قنومِه دْمَريَـــه        كْيَصريلِه كِمَّه دْأرْيَـــــــــه
كـُل گيانَه موثـَه پْخزيَه        وگو پْرشتخ أُمثـَه گبَخيَــه
لـَويوا مِطيـــــــــا دورَه         دْرَحقِتوا مِنَّنْ گــــــــــورَه
بَث زونَه قِشيَه وبــورَه        وپوشْ بـِشلامَه يا خــورَه
نبيل يونس دمان                                                                     

256
نساء متميزات في القوش
نبيل يونس دمان
     تناول تاريخ بلدتنا الحبيبة القوش، كتبة ومؤرخون من كل عصر، واضعين الرجل في الصدارة من النواحي الدينية، الوجاهة، الشجاعة، والثقافة، فيما اغفلوا المرأة التي تكاد تكون ظل الرجل، والتي لا يستطيع التحرك بدونها، فهي رفيقته التي تشد ازره في الصعاب، وبحسن تصرفها تجعله يقتحم محيطه، فيبرز ويتفوق ويدخل اسمه في عالم الشهرة. لقد قالوا ان المراة هي المدرسة الاولى للطفل يتعلم منها الابجدية الاولى ويرضع من صدرها نعم الحياة، فحتى لا يجنى على المراة علينا بين ردح وآخر ان نتذكرها انصافا لها وتشجيعا للمرأة العصرية التي تدخل اليوم بنجاح منقطع النظير، في ميادين العمل الجسدي والفكري، والنشاط الثقافي والاجتماعي.
     لقد ظلم الزمان المرأة منذ العصور الوثنية، فرفع دور الرجل الى القِمة، اذ نادراً ما يذكر التاريخ إمراة بارزة من بلادنا، باستثناء عشتار التي قصتها اقرب الى الاسطورة منها الى الواقع. تأملوا في الانبياء والاولياء ورؤساء الاديان ترى امامك اسماء الرجال، تاملوا الملوك والقادة والعظماء والفلاسفة فجلهم من الرجال، وفي الوقت الحاضر بدات تلك المعادلة بالتغير وان ببطأ ولكنها في نهاية المطاف ستتسارع وتستعيد المراة دورها كاملا ومساويا للرجل، ذلك من صميم متطلبات العصر، ومنطق العلم والحياة.
     آن الاوان ان ننهض بمهمة متواضعة في نفض غبار الزمن عن تلك الكتب التي تناست دور المراة ولو بشيء من الوفاء لتلك الاوجه النسوية في حياة بلدتنا الصامدة في ظروف قاهرة على تراب بيث نهرين، اقتبس منه العالم نفح الحضارة، التي احوج ما يكون عالم اليوم الى تذكرها والوقوف الى جانب المضطهدين من سليلي ذلك القوم، وما تبقى منهم في نينوى وحدياب ونوهدرا وكرخسلوخ وبغداد والبصرة.
      لنبدأ بامرأة اسمها( داي ميا)* من بيت شكوانا، فعندما داهم رجال نادر شاه الفارسي( طهماسب) بلدتها عام 1743، خطفوا وحيدها كوركيس، فبقيت كسيرة القلب، حزينة، وباكية، ثم نهضت ذات صباح، واخذت على عاتقها مهمة البحث عنه. تركت القوش باتجاه بلاد فارس، لاقت صعوبات لا يسع المجال لذكرها، حتى بلغت احدى قرى في اطراف( تبريز) هناك التقت وكيل القرية، طلبت منه اسعافها بالماء والطعام، نظر اليها جيدا، سمع صوتها، علم انها والدته، فاخفى ذلك عنها، وسألها عن قصتها بعد تناول العشاء، فحدثته عن كل شيء، ثم استفسر منها عن علامات ابنها الفارقة حتى تتمكن من التعرف عليه، فقالت : له جرح في اسفل رقبته من الخلف، فقال لها كوني هادئة ورابطة الجأش، فانا اعرف مكان ولدك وساوصلك اليه متى ما تصرفت بهدوء، وجعلها تعيش معه لفترة حتى انتهى موسم جمع غلة اميره، وفي ليلة فاصلة من حياتهما احنى راسه امام المرأة ليريها الجرح القديم في رقبته. ارادت ان ترتمي عليه لتقبله، لكنه اوقفها وذكرها بالاتفاق وبان حياتهما في خطر ان فعلت ذلك، ثم شرح لها خطته في الهروب. في اليوم الثاني اخذ والدته وعبر طرق وعرة ومنهكة في اورميا وراوندوز، وصلا الى بلدتهما التي استقبلتهما بالدموع والقبل.
     الامراة الاخرى هي كوزي اسحق، اخت البطريرك مار يوسف اودو، المتزوجة من حنا كورو رئيس، عندما توفي زوجها في الربع الاول من القرن التاسع عشر، كان ابنها يوسف( ويلقب ايسف) طفلاً، فخلف والده في رئاسة البلدة التي كانت ترزح تحت الديون ويستغل ذلك اغوات المنطقة لابتزازها، انبرت تلك المراة بارشاده، بعقلها وحسن اطلاعها لاوضاع المنطقة، فسار على هدى تلك النصائح، التي اثمرت بعد مدة في تحسن ظروف البلدة، وزيادة الاحترام لها من قبل اغوات المنطقة، واكثر من ذلك حظي ايسفي كوزل( نسبة الى امه كوزي) بمكانة مرموقة عند والي الموصل الذي كان الحاكم المطلق، وصار رئيس القوش الشاب مقربا اليه، وبعد مدة قصيرة اوكل اليه مهمة اختيار وعزل اغوات المنطقة من كل الطوائف والاديان، حتى وصل نفوذه الى مشارف العمادية.
      في الشجاعة يتصدر اسم الماص حسقيال زلفا التي كانت زوجة المناضل المعروف توما توماس، والكل يتذكر وقفتها في عام 1969 عندما دخلت مركز شرطة القوش وطلبت من المعتدين على البلدة مغادرتها، رافقتها امراة اكبر منها سنا وهي نَعمِه زوجة بيبي تولا، اهتز مركز الشرطة من كلماتها وغادرتهم مهددة، لم يطل الوقت كثيرا حتى وصل زوجها ومعه العشرات من المسلحين الذين اجبروا بالقوة، كل المعتدين على القوش ان يغادروها مخذولين. غداة وفاتها في دمشق اواخر عام 1991 كتبت رثاء لها بعنوان ( مهلاً ايها الموت.... ) اقتبس منه الاسطر التالية:
جسد ام جوزيف الطاهر
 وقلبها الجسور، يعود للركون
 ويخيم الصمت والسكون
 مهلاً ايها الموت!
انت كالح ممقوت!
كوجه الطاغوت!
فطريقها زهور وورود
ومحطتها مجد وخلود

     هناك اسماء كثيرة اخرى وقفت الى جانب الرجل في التصدي للصوص الذين كانوا يداهمون البلدة. بعد انقلاب 8 شباط عام 1963 التحقت بالحركة المسلحة، في جبل القوش كل من: سعيدة اسرائيل تومكا و سارا لازو( زوجة يوسف ككا). وفي الثمانينات من القرن الماضي وصلت مواقع الانصار( البيشمركة) المناضلتان: منى توما توماس( ام اذار) واختها ماريا، والتحقت من اوربا المناضلة كاترين الياس الصفار الى ذرى جبال كردستان، عند هذه الانسانة اتوقف قليلا في التفصيل لاعطي حقها ومكانتها التي تركته للتاريخ. زميلتي كاترين في ثانوية القوش وجامعة الموصل عُرفت بنضوجها السياسي مذ شبت على الحياة، فواصلت طريقها الشاق في الثمانينات، كنصيرة مسلحة حتى عام 1988، عند انتهاء الحرب العراقية- الايرانية، وبدء حملة الانفال سيئة الصيت. لا زالت كاترين في ذلك الحماس، تندفع في النضال لنصرة المراة العراقية، وفي الاسهام في تقريب يوم استقرار العراق ورسوخ الديمقراطية فيه. دفعت كاترين ثمنا باهضا في نضالها المتواصل، فقد تركت مدرستها في عام 1963 لصدور امر القاء القبض عليها، وعاشت فترة في القرى المحيطة مع باقي اخوتها وامها، وفي كهوف بيرموس ولد شقيقها سردار، لن اطيل الحديث كثيراً، فهي للان تنشط في الساحة بجرأة واندفاع، لا يعرف الخوف طريقا الى قلبها، ولا الوهن سبيلا الى جسدها.



 

KOMATA VALLEY 1983
FRONT LEFT: FARIED DAMMAN, MARIA TOMAS, LENA DAMMAN
REAR LEFT: REILA, KEFAH, DR. KATRIN SAFFAR, OM JOSEPH


      وفي البطولة ايضا لا يمكننا المرور دون ذكر الشهيدة البطلة تماضر يوسف ديشا التي قضت في سجون الفاشست في الثمانينات من القرن الماضي ولم يعثر لحد الان على رفاتها، وكذلك الشهيدة ثائرة فخري بطرس التي قتلت في بيروت عام 1982.
     في الايمان بشكل عام ترى المرأة الالقوشية ملتزمة في الدين، تخشى الخالق وتتذرع اليه لمساعدتها على الدوام من الظلم الذي تشعر به من الاعراف البالية ومن تسلط الرجل، ولحسن حظها فقد اندثرت معظمها في السنين الاخيرة، واصبح للمراة مساحة اكبر للحرية، خصوصا في الدراسة واداء الوظيفة، والمشاركة في الفعاليات الاجتماعية.
     من هنا نشير الى بعض النسوة اللواتي برزن في حقل الدين، ففي النصف الاول من  القرن السابق، نطالع عن الامراة التقية مكو كريش، المتزوجة من كوريال شبو، فقد شاهدت في حلم لها القديس قرداغ، وهو يطالب باقامة مزار له او سيفني الحي السكني الحديث انذاك( خيبرتا) تكرر طلبه في الايام التالية، انتشر مرض اطفال في تلك المحلة، مما حدا بالاهالي النزول عند رغبته، وبناء مزار له، الذي اصبح اليوم صرحا دينيا هاما في البلدة، وتسمى مجموعة البيوت المحيطة به( حي مار قرداغ).
     امراة اخرى هي أنّو چونا التي كانت ملتزمة بواجباتها الكنسية وتساعد الفقراء، في ايام ( السفر برلك) لجأت امراة اسمها( مرّي) الى القوش فآوتها، وعاشتا بقية عمرهما معا كشقيقتين، كنت في صغري( حوالي 6 سنوات) اراهما تجتازان بيتنا في محلة اودو الى كنيسة مار كوركيس. الامراة الاخيرة التي اود تسليط الضوء عليها هي وارينة شاتو( الشيخ اصفر) التي سلخت سنوات من عمرها في كرم الرب، كنت اراها في الستينات متأبطة كتبها الدينية، من والى الكنيسة، عرفت بقوة شخصيتها، الى درجة كان الاطفال في الازقة يهابونها، مثلا عند تلفظهم كلمات نابية، تقف امامهم بقامتها ونظرتها الصارمة، فلا ترى اثر لطفل مخطئ الا واختفى من امامها. لم ترزق وارينة شاتو باولاد، لذلك تبنت ولدا من اسرة فقيرة الحال آنذاك، فتربى ونشأ نشاة حسنة في بيتها، انه الصديق اندراوس هرمز زلفا.
     في باب الشعر والغناء، عرفت الام كجكي التي كانت متزوجة من هرمز حميكا، في مقتبل حياتها نحو الربع الاول من القرن الماضي، قتل اخوها الشاب هرمز اورو حفتو( شبلا) في الموصل، فبكته بشدة وتفجر في داخلها بركان الحزن، فانطلقت تؤدي الغناء الحزين في المآتم، فتبكي من حولها ويقال مجازا انها كانت تبكي حتى احجار الحيطان، كانت كلماتها بالسورث وبالكردية تفعل فعل النار في الهشيم، فتنشد الصبر والنسيان لمن اثقلهم مصاب جلل.
     في مجال اغاني الطرب فقد مارست تلك الهواية نسوة في حفلات زفاف اقربائهن واصدقائهن، فكانت تبعث النشوى، وتطرب المستمعين، فيزداد الحماس في اداء الرقصات الفردية والجماعية، وفي السنين الاخيرة تميزت بعض بنات القوش بالغناء من وراء المايكروفون مثل: لينا صارو، نضال تومكا، وغيرهن.
     في الشعر عرفت كتي كچو( شقيقة المطران اسطيفان والساعور بتي) والدة حنا شبلا باشعار نظمتها بالفطرة منها قولها:
كم قطيلي هيلاني
بزالي لاثري وموطاني
انا وكلي منكياني
كو اره بالي بقومي
بداث موثه مخبلانه
لآزه وملكه وشلطانه

     اضافة الى النظم ، يروى عنها في ايام الجاويش احمد الصقلي( 1914- 1919) انه سجن اثنين من الشباب العرب في سرداب بيتها، فقامت في الليل وفتحت الباب لهم لتطلق سراحهم، وطلبت منهم فقط ان يرفعوا الباب من ركائزه ويطرحوه ارضا، فشكروا لها صنيعها وفي اليوم الثاني اقبل الصقلي وهو عازم على ارسال الشابين للموت، فراى الباب مخلوعا والشباب لا اثر لهم، فعربد وصاح على الامراة، فقالت" لا علم لي بما جرى، نهضت في الصباح فرايت المنظر الذي تراه"  فمضى في سبيله، عابسا، متجهما، ولافظا كلمات بذيئة.
     اما الشعر الحديث فابرزهن الشاعرة الراحلة بسمة كوريال جما( 1964- 199) وسهام يونس قيا التي سمعتها عام 1963 وكنت حينها في السادس الابتدائي تنشد للشهيد بطرس هرمز جركو:
دم الشهيد ينادي      الثأر يا ابناء بلادي
      واليوم ترد اسماعنا اشعار للاخوات: جنينة جميل حيدو، ثورة ابراهيم حيدو، منال ايليا ابونا، واديبة جلو( التي تكتب مواضيع ادبية مختلفة ايضا) وغيرهن.
     وفي الفنون برزت الامراة الالقوشية في مجال الفنون منها النقوش والتطريز وصنع الطباق والسلال واغطية الراس من سيقان الحنطة، وصبغتها بمختلف الالوان. هناك امراة تخصصت بالدمي التي تتزين بالالبسة الشعبية المختلفة، وانواع الحلي وغيرها، تلك هي الفنانة الموهوبة استر حنا زرا. بجانبها امراة اخرى هي سمرية بحو شهارا التي كانت تصنع التحفيات المختلفة من البلاستيك وكذلك في التطريز وفي صنع وترتيب غطار الراس( البوشية) الجميل والشهير والذي يعود الى ازمنة غابرة في عمق التاريخ. هناك فنانة اخرى في عالم المعجنات، وفي الرسم والديكور انها لبيبة سليمان جهورو صاحبة الذوق الرفيع. فنانة اخرى هي جميلة موسى ساكو التي ادت ادوارا بارزة في الاعمال المسرحية، مثل تمثيلية بصخوثا( الفرحة).
     جمال المراة هبة من هبات الطبيعة مظاهره، الطول، لون البشرة، العيون، الى خفة الروح، طيب المعشر، والسمعة الطيبة، هكذا كانت في زمانها سرّي رئيس الملقبة( تُرّا) ووارينة نجار( قچمي) المتزوجة من اسطيفو اودو. اما گوزي يلدكو فكانت جميلة الى درجة تغزل بها حتى الرهبان،عندما ترتقي طريق دير الربان هرمزد الملتوي مع قريناتها، كان يقف الراهب الشاعر برعيتا منشداً:
گوزي:
 دَمرَتّخ شتله دمرقوزِه
كُدْ گدَه أليلخ ربّانِه
كم گرمزي گرموزِه

( اشبهك يا گوزي بشتلة النرجس، عندما يلمحك الرهبان، ينكمشوا على بعضهم)
وفي صديقتها ناني يترنم برعيتا:
ناني:
 دَمرَتّخ شتله دريحانه
كُدْ گدَه أليلخ ربانه
طالخ كْپيشي حيرانِه

( ناني اشبهك بشتلة الريحان، عندما يلمحك الرهبان، تنتابهم الحيرة).
     كانت يد الامراة الحنون في العلاجات الشعبية تبعث الراحة في المريض، ابرز امراة في هذا المجال كانت صارا يقوندا التي كانت تجبر الكسور في النصف الاول من القرن العابر، كثير من الحالات عالجتها بنجاح فيما عجز اطباء الموصل عن ذلك، هناك مجبرة اخرى اسمها حبوبة( زوجة يوسف جولاغ) وكذلك كانت مريم واصلها من سعرت( والدة رزوقي) تداوي العيون، وحاليا تقوم جميلة برنو( زوجة يوسف قس يونان) ببعض العلاجات الشعبية المختلفة.
     كثير من بنات القوش اشتهرن وابدعن، نلن الشهادات العالية منهن حملة الدكتوراه، والماستر، والبكالوريوس، ومنهن الطبيبات والمهندسات والمدرسات وغير ذلك، وممن يحظرني اسمها الاخت جانيت حبيب شهارا التي برز اسمها على نطاق العراق في التمريض، كذلك تبوأت مؤخرا السيدة سلمى داود حيدو( ام رنا) بمنصب سكرتير رئيس الجمهورية لشؤون المراة، ومعروف انها فصلت من جامعة بغداد في الستينات لاسباب سياسية، فاكملت دراستها في اوربا الشرقية، هناك اقترنت بالشخصية العراقية المعروفة د. لبيد عباوي( ابو رنا) وكيل وزير الخارجية الحالي.       الى هذا الحد نتوقف، ونحن على اعتقاد جازم باننا اغفلنا اسماء عديدة، بسبب محدودية مجال استقصائنا، والنسيان وليس الاغفال، لكننا نتذكرهم متى ما ارشدنا القارئ العزيز اليهن، عن طريق مراسلتنا او الاتصال بنا، ليكتمل الموضوع، ونقدر بان قلم كتابنا في قابل الايام سيتناولهن بجلال ومهابة.
* داي ميا( داي من الكردية بمعنى الام) اصبحت في مغامرتها السالفة مشهورة، خصوصا بعد ان استقر احد احفادها في تلكيف فنشأت عشيرة( دايميا) في تلك البلدة العريقة في التاريخ، كحاضرة من حواضر نينوى العظمى.
nabeeldamman@hotmail,com
MARCH. 8, 2009

257
اليهود ومرقد النبي ناحوم

بقلم نبيل يونس دمان

    في كل عام ، كان النشيد يتصاعد هاتفاً في سماء القوش ( بالتوراة وبالنبي ، نبي ناحوم القوشي ) و نستهل موضوعنا من صداه في نفوسنا ، عن شخصية تاريخية ودينية ، تعود اصولها الى بلدتنا والى الطائفة اليهودية ، التي عمرت في العراق منذ العصور الوثنية ، اي ما قبل مولد المسيح ملك المجد . معنى كلمة ناحوم هي المعزي ، والاسم يرد في الإنجيل المقدس ضمن الأنبياء الصغار ( وِقـْرُ نينوى . سفر رؤيا نحوم الالقوشي . نحوم 1 : 1 ) ، هناك تفسيرات متباينة عن أصل النبي ، إن كان من القوش آشور، او من الجليل الأعلى بفلسطين ، عِلما بأن القوش الثانية اندرست من الوجود . لكن المؤرخين وعلماء الاستشراق ومنقبي الآثار يرجحون كفة القوش آشور كون نبؤته تنطبق على إنسان عاش بالقرب من نينوى وعرف كل معالمها وحتى الطبيعة المحيطة بها ، حين كتب يقول ( ونينوى كبركة مياه منذ كانت . نحوم 2 : 8 ) . المؤرخ القديس هيرونيموس من القرن الرابع الميلادي ، نسب ناحوم الى القوش في الجليل قرب عماؤس بفلسطين . وهناك اعتقاد اخر بان مولده في ( كفرناحوم ) وبالعبرية بمعنى بلدة ناحوم ، وقد كان اسمها في السابق القوش ، وتيمنا به غدا اسمها كفرناحوم . كل ما ذكر من آراء واختلافات نتجت من عدم وجود تفصيلات بهذا الخصوص في الكتاب المقدس الذي هو المصدر الرئيسي ، لكنها دون استثناء تضع الأولوية في القوش ببلاد آشور.
     نرتكز في موضوعنا على واقع وجود قبر النبي في أرض القوش منذ عشرات القرون ، حيث يزور اليهود ذلك الصرح من مختلف أنحاء العراق والعالم ، فزيارته من الواجبات الدينية الهامة ، ويقدس المكان المسيحيون والاسلام ايضا ً ، منذ العصور السحيقة ، وعلى الدوام كانوا يقدمون له النذور ، ويشعلون الشموع التي كانت تضيء هيكله ومقامه المهيب ، ويأتون بمرضاهم طالبين عونه في الشفاء . ويعتقد على النطاق المحلي بان ناحوم هو سليل عائلة مسبية من أيام ملوك نينوى الاشداء الذين اخضعوا العالم القديم لسيطرتهم العسكرية والسياسية ، ان تسلسل الملوك الذين أخضعوا شعب اسرائيل واحتلوا مدنه وخربوا دياره وسبوا الجزء الأعظم من سكانه الى نينوى ، هم على التوالي : تغلات بلاصر( 744 – 727 ق. م . ) ، شلمناصر ، سرجون ، سنحاريب ، أسرحدون ، آشور بانيبال .
     وأكبر سبي حدث في التاريخ بقيادة الملك البابلي نبوخذنصر( 605 – 562 ق. م . ) حيث خرب هيكل سليمان ، وأسِّر ملك اليهود ( صدقيا ) . لذلك تجمع معظم المسبيين في بابل والمدن التاريخية في جنوب بلاد النهرين ، فعملوا في الزراعة ، وزرعوا الاشجار ، وعمّروا المدن ، وأشتغلوا أكثر في التجارة وإنتهى الامر بتجارتهم التي كانت تستند الى الجرأة والمغامرة ، ليصلوا الى شواطئ الهند وأعماق الصين ، حيث كلما إزداد إضطهادهم ، كلما تغلغلوا في اراض ٍ وبلدات اخرى مثل : عيلام ، ضفاف الخابور، أقاصي الموصل ، الرقة ، حران ، الرها ، أمد ، سنجار ، وأربل . وفي عهد الملك الفارسي كورش ( 539 ق.م ) سمح للآلاف منهم بالعودة الى ارض اجدادهم ، فبنوا هيكل سليمان الحكيم الذي استغرق بناءه 47 عاما ً.
     لم تزدهر أفكار الشريعة عند الكهنة واللاويين ( نسبة الى لاوي ابن يعقوب ) ، إلا في بابل ( ان بابل كأس ذهب بيد الرب تسكر كل الارض . من خمرها شربت الامم . أيرميا 51 : 7 ) ، ويعتبر التلمود البابلي بقسميه : غمارا ومِشنا ، أعظم شأنا ً من التلمود المقدسي . ولا ينسى وجود رابط زمني بين المشرع البيث نهريني الملك حمورابي وموسى الكليم ، الذي أمضى مع شعبه أربعين عاما ً في صحراء سيناء ، قبل ان يشق طريقه الى الارض التي تدر عسلا ً ولبنا ًفي فلسطين ، بعد معاناة طويلة في ظل الاضطهاد الفرعوني . لو تتبع أحفاد مؤسسي الأديان الثلاثة التوحيدية تعاليم الاديان وجذورها لاكتشفوا قوة العلاقة بينها ، لم تكدر صفوها الا المصالح الضيقة ونزعات السيطرة ، كم تتقارب اللغة العبرية مع العربية والآرامية التي جميعها من عائلة لغوية واحدة هي السامية ، وعشيرة ابراهيم الخليل ( أنت الرب الإله الذي اصطفيت أبرامَ وأخرجته من أور الكلدانيين وجعلت اسمه إبراهيم . نحميا 9 : 7 ) دعيت في التوراة بالعبريين ، نسبة الى جدهم الأول الذي عبر نهر الفرات .
     تدفقت الموجات الاولى للبشرية من جنوب العراق والجزيرة ، لتصل الى منطقة الهلال الخصيب ، فأمتزجت فيها أجناس متعددة ، لذلك تراودني الشكوك ، الادعاء ان  التجمعات البشرية هناك صافية ، من أصل واحد ، وتعود الى عنصر مختار دون غيره . ان مغادرة عشيرة أببنا ابراهيم ، أرض شنعار الى أرض الكنعانيين كانت بأمر الرب ، وكان أولاده واحفاده من بعده ، يعودون ليتزوجوا من بنات بلاد النهرين ، وأهمهم في هذا الامر يعقوب ( اسرائيل ) ابن اسحق وزوجاته الآراميات ( ليـّه وراحيل ) فتشكل ذرية كل هؤلاء ، وعلى توال ِ العصور من جذر أرض السومريين والأكديين والبابليين والآشوريين ، أما الكلدان (كسديم ) فقد نشأوا في جنوب بابل وكانت حاضرتهم ( بيت ياكين ) ، ولم تعم تسميتهم بالكلدان الا في عهد نبوبلاصر ونبوخذنصر حيث بلغت حضارتهم في تلك الفترة أوجها ، لكنها سرعان ما خبت مع وفاة الملك ، ومجيء اولاده واحفاده الضعفاء فضاعت معها الممالك القديمة وحتى اليوم ، ليحل محلهم الغرباء من الفرس واليونان والرومان والأيلخان والترك .
      وصلت مجاميع كبيرة من اليهود الى بلادنا في سني السبي الآشوري والبابلي ، واستخدمها الأحرار في الزراعة وبناء القلاع والأسوار في المدن القديمة ، كانت القوش واحدة منها ، حيث يشكل موقعها الحصين أمام سلاسل الجبال ، قلعة  متقدمة لحماية نينوى عاصمة الدنيا القديمة ، وكان ظهور ناحوم الذي ولد لأب إسمه ألقـْون ، علامة بارزة في تخليد البلدة وربط حاضرها بذلك الماضي الموغل في القدم ، فتربى في كنف عائلة السبي ، مع اخته سارة التي مثواها اليوم في كوخ بجوار المزار في القوش ، ودرس في بيوتات اليهود الدينية الموجودة آنذاك ، وطرح نتيجة دراسته وتعمقه في واقع شعبه ، أمنيات على الورق ، أصبحت فيما بعد نبوات تحققت ، في سقوط نينوى العظمى عام 612 ق.م  ومدينة نوأمون ( الطيبة ) المصرية  663 ق. م. ( فكل من يراك يعرض عنك ويقول قد دمرت نينوى فمن يرثى لها ومن اين اطلب لك معزين ، هل انت خير من نوأمون الساكنة بين الانهار ... نحوم 3: 7 : 8 ) . كم تؤشر هذه الصورة ، الى عمق دراسة ناحوم عن نينوى ، والأنهر التي تصب فيها مثل الخوصر، وكم كانت تلك الأنهر خطرة على نينوى في موسم الفيضانات ، رغم الاستحكامات والنواظم التي عززت على مدى القرون  * .
     كانت تشغل ناحوم مسألة  انعتاق شعبه ، وفكهم من قيود الأسر والعبودية ، ليعودوا الى أرض أجدادهم  في يهودا واسرائيل وجبل صهيون ، كانت رؤياه عن زوال مجد نينوى في بعض نصوصها تقول ( ويل لمدينة الدماء الممتلئة بأسرها كذبا ً وخطفا ً التي لا تفارقها الفرائس ، هوذا صوت السياط وصوت زلزال الدواليب والخيل الجاثلة والعجلات الطافرة . نحوم 3 : 1 : 2 ) . اليهود في كل أرض بلاد ما بين النهرين ، لم يركن لهم قرار في البقاء ، سوى لاستغلال الفرص ، استثمارالأموال ، رسم الخطط ، وارتياد كل السبل ، للوصول الى أهدافهم في العودة الى أرض أجدادهم ، لذلك لم  يتآلفوا مع بلادهم الجديدة ( يا ابنة بابل الصايرةَ الى الدمار ِ طوبى لمن يجزيك ما كافأتنا به ، طوبى لمن يمسك أطفالك ِ ويضرب بهم الصخرة َ . المزمور 136 : 8 : 9 ) .
      حدثت هجرات معاكسة من بابل الى اسرائيل ، أهمها كانت بقيادة زربابل ، وخير من نظمها وكتب أسفارها الكاهن نحميا والكاتب عزرا ، اللذان دونا القوانين الدقيقة في الشريعة الموحى بها فيما مضى لنبي الله موسى ، كل القرائن تشير الى ان المسبيين ، كانوا من خيرة طبقات الشعب اليهودي من كتبة وكهنة وشيوخ ولاويين ، اما العائدون أيام ملوك الفرس ( كورش ، داريوس ، ارخشاد ) ، فكانوا من الناس العاديين الذين لا يزاولون الاعمال المجدية ولا يمتلكون الاموال لاستثمارها ، لذلك فان كتبة التلمود البابلي والادب العبراني يعد افضلهم في بابل . يقول الكاتب العراقي المعروف يوسف رزق الله غنيمة  " ان الآداب التي انتجها العبريون في عهد ساداتهم في سهول الفرات ودجلة ، كانت في بعض الاعتبارات من أبدع ما كتبه الشعب الصغير " . ومن الآيات التي تخلد المسبيين ، التي فيها من البلاغة وفيض المشاعر ( على أنهار بابل جلسنا فبكينا عندما تذكرنا صهيون ، على الصفصاف في وسطها علقنا كنانيرنا . مزمور 136: 1 : 2 )  وكم كانوا شديدي التمسك بأرضهم ومعتقدهم ، عندما طلب أهل بابل منهم ان ينشدوا ويغنوا ، فكان جوابهم  ( كيف نرنم ترنيم الرب في ارض غريبة . المزمور 136 : 4 ) .
     مرت على الطائفة اليهودية في العراق ظروف انتابتها ايام مضيئة وأخرى مظلمة ، شأنهم شأن اقوام العراق الأخرى التي شهدت الحالات نفسها عبر الحقب الزمنية ، وحتى نصل الى القرون الحديثة فقد استمر اليهود في وجودهم كباقي سكان العراق .غداة دخول الانكليز بلادنا جرى إحصاء للسكان فكان عدد اليهود ( 87487  ) . في عام 1941 شنت وزارة رشيد عالي الكيلاني المتعاطفة مع النازية ضغوطات شتى ضد اليهود تتوجت بحملة ( الفرهود ) المعروفة وأدت نتائجها من قتلى وفقدان الممتلكات ، الى تخلخل وضعهم وبالتالي أصبحو أكثر تقبلاً لفكرة المنظمات الصهيونية العالمية ،  وفي عام 1947 كان عددهم في حدود 137 الف ، وعند انشاء دولة اسرائيل عام 1948 ازداد الاضطهاد ضدهم ، كما ونشطت وضغطت المنظمات اليهودية العالمية ، باتجاه اجلائهم ليس من العراق فحسب بل من دول الشرق الاوسط وافريقيا ، هكذا غادر غالبيتهم العراق ( اكثر من مئة الف ) ليبقى فقط المئات وفي بعض المدن ، وعند مجيء البعث الفاشي الى الحكم عام 1968 كان أول عرض دموي له تعليق جثث بعض اليهود الى جانب عراقيين من مختلف الملل في ساحة التحرير مدعيا ً تجسسهم لاسرائيل ، وقد حاكمتهم محكمة عسكرية برئاسة المقبور طه الجزراوي ، كان ذلك بتاريخ 27- 1- 1969 . آخر مصيبة عصفت بهم كانت في أواخر التسعينات من القرن الماضي ، عندما تعرض كنيسهم في البتاوين ( قرب حديقة العلمين ) الى هجوم رجل فلسطيني مسلح ، فقتل اثنين من المسنين اليهود وحارسا ً مسلما ً . اما اليوم فباق منهم فقط 28 شخصا ً ، يتركزون في بغداد ، ان أعمار نصفهم تجاوزت السبعين ، وكان آخر زواج تشهده الطائفة عام 1978 . إذن تقترب شمس اليهود للمغيب كليا ً عن العراق حيث مثوى أجدادهم ومهد لغتهم وأرض سبيهم .
      دعنا نعود الى الكلام عن رفات النبي ناحوم التي كانت مدفونة في مرقده ، فكما هو معلوم قدسية المكان من قبل أهل القوش المسيحيين، ويعتبرون أنفسهم حماة المكان وورثته ، كون الراقد هو ابن بلدتهم ، لكن اليهود في العصور المتاخرة وأثناء حكم الدولة العثمانية لبلادنا الذي استمر أكثر من خمسمائة عام ، رفعوا دعوة في اسطنبول عن أحقيتهم في المكان وفي النهاية اي بعد ثلاث سنوات من المرافعات خسر أهالي القوش الدعوة ، كان ذلك في حدود عام 1650، وعندما تناهى الخبر الى أسماعهم ، تسلق عدد من الشباب جدار المعبد ونبشوا قبر النبي فأخرجوا عظامه ووضعوها في إناء خزفي وحفروا لها مكانا ً في الجهة الجنوبية من هيكل مار ميخا النوهدري ، ودفنوها هناك ، وكان مبررهم الخوف من ان ياخذ اليهود الرفات الى جهة اخرى ، وظلت هناك الى اليوم ، والدليل في عام 1987 اتخذ ت الكنيسة خطوة لفتح المكمون في المكان المذكور، وكان المبادرون كل من المطران عبدالأحد صنا والقس هرمز صنا والقس يوحنان جولاغ ، وفتحت أدراج الجهة العليا لتظهر عظام المعلم الشفيع مار ميخا ، وفي الجهة المقابلة عظام النبي ناحوم ، وبقيت معروضة للاهالي لمدة اسبوع ، ثم اعيدت الى مكانها بمراسيم دينية وبجموع حاشدة من المؤمنين وهي تتضرع الى الرب وبشفاعة القديسين ان يوقف النزيف على الجبهة العراقية – الايرانية .
      مر كثير من السياح على ضريح النبي ناحوم وكتبوا عنه مثل بنيامين القطيلي عام 1173 الذي ذكر في البداية بان الكنيس من أعمال الموصل ، ثم كتب انه جنوب بابل ، وبنيامين الثاني ( يوسف اسرائيل 1818- 1846 ) حيث بحث عن الاسباط العشرة المفقودة ، ثم كتب عن النبي ناحوم الذي ضريحه في القوش ، وبالمناسبة قال ان سكانها من الأرمن ، ربما حدث خطأ مطبعي لتقارب الكلمتين الأرمنية والآرامية وكان يقصد الثانية ، وهنري لايارد المستشرق والدبلوماسي والمنقب البريطاني المعروف ، الذي زار القوش عام 1846 ، كتب ما يلي ( القوش هي قرية آشورية ذات أهمية - في الماضي نسطورية والآن رومانية - كاثوليكية . التقاليد القديمة السائدة هنا تقول بوجود ضريح النبي ناحوم القوشي فيها ، كما جاءت تسميته في مقدمة نبوءاته . ينظر المسيحيون والمسلمون الى هذا المزار على حد سواء بعين من الاجلال ، وهيبته كبيرة خاصة عند اليهود الذين يعتنون به وفي فترات معينة من السنة يحجّون اليه أسرابا . اما الضريح فهو عبارة عن صندوق متواضع من الجبس ، مغطى بقماش أخضر اللون تبدو علية آيات توراتية مختلفة مع تواريخ وملاحظات عن زيارة الضريح من قبل العائلات اليهودية ، مكتوبة بأبجدية عبرية غير واضحة ، بينما المبنى الذي يضم الرفات فله طراز عصري بحت ويخلو من أية كتابات ، ولا يحوي أي عبارة لها علاقة بالعصور القديمة ، لا اعرف شخصيا مصدر هذا التقليد وليست عندي فكرة ، منذ متى له علاقة بقرية القوش) . كتب القس ويكرام عن المرقد في كتابه - مهد البشرية – عندما زارالمنطقة في حدود عام 1911 ما يلي ( القوش مكمن صغير بائس لكن – كنيسها - يفخر بمزار شهير هو قبر النبي – ناحوم - الذي يتمتع هو ايضا بمنزلة من القداسة لا تقل عن مزار – يونان : يونس – بوصفه ولياً من اولياء المسلمين . على ان مفسري التوراة عموما يؤكدون بان – القوش النبي ناحوم كانت في فلسطين -  لكن الرواية المحلية تصر بانها القوش الآشورية . ويحج اليهود سنويا ً ويزورون القبر . على كل حال فان المسألة تحتمل الأخذ والرد . فناحوم هو من ابناء السبي وهو لاشك يعرف نينواه خيرا ً مما يعرفها اي ساكن من سكان فلسطين ) .
من أهم مزارات اليهود في العراق :
1- مرقد النبي ناحوم في القوش- شمال نينوى بمسافة 30 ميلاً .
2- قبر عزرا او العزير ، بين القرنة والعمارة .
3- مدفن النبي حزقيال او ذي الكفل ، قرب الحلة . الذي شيده ملك اليهود يهوياكيم .
4- مرقد يوشع كوهين بجانب الكرخ - بغداد .
5- مرقد الشيخ اسحق الغاووني ، بجانب الرصافة - بغداد .
اشتهر من اليهود :
      في العصر الجاهلي الشاعر( السموءل بن عاديا ) وهو القائل عن ابراهيم الخليل ما يلي :
فهذا خليل ٌ صيَّر الناس حولـــــــــه            رياحين جنـّات الغصون الذوابل ِ
وهذا ذبيح ٌ قد فداه بكبشـِـــــــــــــه            براهُ بديهاً لا نِتاجَ الثياتـــــــِــــل

 وقال الأعشى يمدح السموءل :
 كن كالسموءل اذا طاف الهمام به            في جحفل كسواد الليل جـــــرار
     وبرز ايضا في زمن الأيلخانيين - التتار يهودي اسمه ( امين الدولة ) حيث اصبح حاكما ً على الموصل . وفي القرن العشرين ساسون حسقيل ، الذي اختير نائبا عن بغداد عام 1908، وبين ( 1920- 1923 ) اختير وزيرا للمالية وكان أكفـأ وزراء العراق آنذاك . كما انخرط في الحركة الوطنية العراقية أعداد من اليهود ايام الحكم الملكي ، وكان اول وطني يسقط في المظاهرات شاؤول طويق (1926- 1946) ، كما استشهد ساسون شلومو دلال عام 1949 بتنفيذ حكم الاعدام فيه . ومن الوجوه الوطنية ، الكاتبة سعاد خيري ( سعيدة ساسون ) ، والمؤرخ المعروف مير بصري الذي توفي مؤخرا في العاصمة البريطانية لندن ، والأديب الاسرائيلي سمير النقاش المولود في بغداد عام 1929 ، ففي حوار أجري معه عام 2000 ، في مجلة الثقافة الجديدة قال ما يلي ( في صيف 1948 سافرنا الى الموصل لنصيف شهرا ً ، كان الحر شديدا ً .... مكثنا شهرا زرنا خلاله حمام العليل و مرقد النبي يونس ، وزرنا مرقد النبي ناحوم في القوش حيث يتكلمون الارامية الجبلية) . في اكتوبر عام 2003 زار القوش الميجر جابلين ونشر مقالة في وكالة - جورَسليم بوست ، فالى مقتطفات منها ( اسمع الارامية في شوارع البلدة ، سألنا عن قبرالنبي ناحوم ...  انهمرت الدموع من عيوني عندما اقتربت من الضريح ... اخبرني الاهالي بان تحت حكم صدام الكثير من الكتابات العبرية المحفورة قد طليت. وقالوا حاولنا تصليح وتنظيف ما استطعنا . بعدها أروني قطعة حجرية عليها كتابة بالعبرية كانت قد سقطت من الجدران ، واعادوها الى مكانها . لم يكن لي مزاج ،لاخبرهم بانهم وضعوها بالمقلوب ) .
      في كل عام ، كان يحل موسم زيارة الضريح ، الذي يستمر اسبوعاً ، حيث يتوافد الى البلدة مئات من اليهود من مختلف مناطق العراق  والدول المجاورة ، في قديم الزمان كانوا يأتون قوافلا ً ، اما في النصف الاول من القرن العشرين فباستخدام السيارات والباصات الخشبية ، التي كانت تحمل شعاراتهم واسم المكان الموفد منه مثل ، يهود الموصل ، بغداد ، البصرة ، زاخو ، دهوك ، عقرة ، السليمانية ، راوندوز وكثير غيرهما . علما بانهم كانوا لوحدهم يمتلكون قريتين في شمال نينوى ، تقع إحداهما شمال سد دهوك إسمها ( سندوري) ، والثانية واسمها ( بي تنوري )  التي يترادف اسمها مع قرية دوري المسيحية المجاورة وتتبعان حاليا ناحية كاني ماسي ( ايند نوني ) .
     كانت تتم الاحتفالات الدينية داخل المجمع المحيط بالهيكل ، فيقرأ الكهنة اليهود التوراة ثم يدورون حول قبره منشدين ، ويخرجوا الى الفناء قاصدين قبر أخته البتول ساره ، وعند انتهاء المراسيم الدينية ، يبرح موكب حاشد من الجنسين  باتجاه سفح الجبل ، وهم في أجمل أزيائهم وأفضل حليهم ( كل منطقة لها ازياؤها الخاصة وكذلك اللغة التي تتكلم بها ، فيهود سندور وبي تنوري وزاخو واتروش ودهوك ، يتكلمون السورث ( السريانية الشرقية ) اضافة الى اللغة الكردية ، اما يهود الموصل وبغداد فيتكلمون العربية ، والذي يأتي من تركيا بالتركية ومن بلاد العجم بالفارسية . بهذه المناسبة أود الاشارة الى ان اليهود العراقيين كانوا يتكلمون الآرامية حتى زمان حكم الدولة العباسية حين تحولوا الى الللغة العربية .
     كان أطولهم قامة يحمل الراية ( آخر من حملها كان اسمه شلومو ) ويتقدم الموكب شمالا ليمر امام مركز شرطة البلدة ( قشلة ) ويسير باتجاه وادي كهف المياه ( كپد مايه ) ثم يرجع وهم ينشدون أناشيدهم الدينية ، على أنغام المعازف والدفوف ، وأبرزه حفظ لحنه ومقاطع منه اهالي القوش هو ( بالطوراة وبالنبي ) وبالمناسبة لقد وضع الشماس يلدا أبونا ، مقتبسا بعض كلماتها ومعانيها من نشيدهم ، قصيدة على نفس اللحن مطلعها :
هاليلو موشِه وناحوم      وساره وأيليــــــا  **
ساره خاثد ناحــــــوم      ألقشنايا نويـّــــــا
مريم خاثد هـــــارون      كمنجه بمخايـــــا
كمخالصلا مريـــــــــا      من أيذا دمصرايا

     تقطع المسيرة الحاشدة ، مسافة قصيرة بعد خروجها من الوادي ، لتستقر في ساحة بين مستجمعي مياه الامطار ( خـَبرا ) العليا والسفلى ، هناك ينتظم رقص جميل وعلى أنغام المزمار والطبل ، يشترك فيه اليهود بشكل اساسي ، اضافة الى شباب وشابات القوش في ألفة ومحبة ، لم تتخللها المشاكل الا نادرا ً . يستمر الاحتفال والرقص والشرب والدبكات على مدى اسبوع ( من السبت الى السبت ) .وعلى ذكر السبت كان آخر ما قاله اليهود في زيارتهم الاخيرة التي سبقت هجرتهم الى فلسطين ، الآن دورنا وغدا دوركم ألا يأتي الأحد بعد السبت ؟ أي ان المسيحيين سيهجرون أرضهم ايضا ، فهل يمتحن الزمن تلك النبوءة ؟ . عندما جابههم بعض الناس بانهم سيتركون النبي خلفهم ، فهتف بعضهم قائلا ً ( النبي قدامنا ) اي ان النبي ناحوم سيصل قبلهم الى الديار. إستأثرت احدى الاغاني التي كان يرددها اليهود في القوش باهتمام شباب البلدة فحفظوا كلماتها حتى اليوم ، مطلعها باللغة الكردية :
 يك بلـّه ، دو بلـّه ، سي بلـّه لاوه . ***
 سه رْ سَري باوكي ورا مالامـــــــــه .
چما چيخانه بَفره وبارانـــــــــــــه .
عَسكريَّه خوشه وتعلومة گرانــــه .

حاليا يغني تلك الاغنية باللغة السريانية المطرب اليهودي المعروف اسحق كالو ( أصله من زاخو ) الى جانب أغان ٍ أخرى ومنها اغنية ( خجي - سيامند ) الذائعة الصيت ، والتي تدور احداثها في جبل ( سيپان ) - تركيا ****. ومن المغنين اليهود الذين اشتهروا في الغناء باللغة العربية يوسف جوريش . ثم اشتهرت اغنية في الموصل انذاك التي صاحبها جوق ( الدقاقات ) من حاملي الدنبك والدف والنقارة ومطلعها :
عفاكي عفاكي على فند العملتينو انا تعبتو انا اشقيتو على الحاضر أخذتينــــــــــــو
نزلتينو عالسرداب طعمتينو كفته وكباب سقيتينو عرق واشرب سكرتينو وأخذتينو
شفتينو ولد عالكيف توسلتي بأبو أوسو نيمتينو جوة اللحيف بفنودك قنعتينـــــــــو
شفتينو عالمودة جوزتينو جوة الأودة نيمتينو على القريولة بفنودك قنعتينـــــــــــو 

    اما سدنة الهيكل والقائمون عليه ، فقد عرف منهم ( شبّو) وبعده ( موشي ) المولود في السليمانية ، وعائلته المتكونة من الزوجة سعيدة والابناء : أكبرهم عزرا ( 1917 - ؟ ) ثم  ناجي والبنات ملكية ( 1926- ؟ ) وزكية وسارة ، بقوا في القوش كجزء من اهلها حتى رحيلهم حوالي 1950 الى اسرائيل ، كانوا يتكلمون السريانية كباقي عوائل القوش ، ويسكنون في المنزل المقابل للهيكل ، وقد كان بيتا ً واسعا ً ، يمتلئ بالزوار كل عام ، اضافة لسلسلة الغرف المبنية في الطرف الاخر من الهيكل . كان موشي يمتلك دكانا في سوق البلدة ، اضافة الى واجبه في اشعال الشموع حول مرقد النبي المغطى بالناؤس الأخضر ، والمحاط بسياج معدني جميل ، ومعلقة فوقه بعض الكتابات باللغة العبرية ، اضافة لتسجيل الزوار ذكريات زياراتهم على الحيطان الأخرى التي تتخللها النوافذ المزخرفة الواسعة والجميلة في الجهة الشرقية من الهيكل . وبعد مغادرة العائلة الى اسرائيل ، شغل مكانهم في خدمة المكان المقدس بيوتات كادو المحيطة بالمرقد ، منهم الياس ، موسى ، وآخرهم كان الشماس هرمز وعائلته . بعد ذلك تدهور حال الهيكل من سيء الى اسوأ ، حتى اصبح اليوم اشبه بالأطلال ، حيث تساقط جزء من سقفه ، وانهارت بعض حيطانه ، وبانتظار ايدي البناء التي تمتد اليه حتى يرجع الى سابق عهده ، كمكان مقدس ، وهدفا ً للزائرين من مختلف الأديان ومن مختلف البلدان ، ومعني أكثر بأيلاء الإهتمام اليه ، مراجع الطائفة الموسوية في العراق او الشرق الاوسط .
     تمازجت الكثير من العادات والتقاليد بين اهالي القوش واليهود ، لا زالت حتى اليوم تعتقد ان العديد من الأسر تعود الى اصول يهودية ، فأهالي القوش قبل تنصرهم في القرون الاولى للميلاد كانوا اما وثنيين او يهود ، وتيمنا ً بتلك الأواصر ومحبة الأيمان المتأصلة كانوا حتى قبل قرن فقط يسمون العديد من اولادهم باسم موشي او ناحوم او سارة ، ومن عشيرتي كان لنا ناحوم واخوه موشي أولاد پولا ككميخا دمان ، وفي بداية القرن العشرين اقترن اسماعيلو قودا أحد ابناء القوش ، بفتاة يهودية اسمها ( سپّورة ) أنجبت العديد من الابناء وسمت أحدهم موسى ، وحتى قبل مجيء البعث الى السلطة عام 1968 ، كان العديد من أسماء الألقوشيين : اسرائيل او حسقيال ، وقد أجبرتهم سياسات السلطة التعسفية والعنصرية على تغييرتلك الاسماء من اسرائيل الى اسماعيل ومن حزقيال الى حازم ، فتأمل عزيزي القارئ ما تحملناه في زماننا والأكثر ما تحمله آباؤنا وأجدادنا عبر التاريخ من ظلم وإستبداد .
     توالف وتطبع أهالي القوش مع اليهود فحفظوا أغانيهم وعرفوا تقاليدهم وعاداتهم ، ومن طقوسهم الدينية اجلالهم يوم السبت ، فكانوا لا يعملون فيه الى درجة يمتنعون عن اشعال ولو عود ثقاب واحد . مثل باقي الأقوام يتبادلون السجع من الكلام وأحيانا يستفز قليلا ً ، كقول أهالي القوش وباللهجة الموصلية ( يهودي باق العودي ) بمعنى يهودي سرق العصا ، فيجاوبه الفريق الآخر بالقول ( نصراني باق حصاني ) فيغمر الضحك الجميع .  كما هو معلوم من تاريخنا الديني عن صلب المسيح من قبل اليهود التي كانت بارادة الرب ، فعند اقتراب المناسبة السنوية لتلك الحادثة التي تخترق بعمق مشاعر المسيحيين ، كان بعض الصبية يتصرفون بشكل خاطيء لا ينسجم ابدا ً مع توجهات أهاليهم ،  في رمي بعض الأحجار على بيت سادن المرقد الطيب اللطيف موشي ، فيخرج أحيانا من طوعه ويشتط غضبا ً فيصرخ قائلا " نحن صلبنا المسيح مرة واحدة ، وانتم تصلبوننا كل يوم " عند ذلك وحال سماع الكبار لصراخ موشي ، ينهرون الأولاد ويلومونهم على تلك الأفعال غير اللائقة.
     كم ذرف أهالي القوش الدموع ، فامتزجت مع دموع تلك العائلة التي أرغمت على ترك وطنها ، وهم يودعونها الى اسرائيل ، أتذكر عندما عادت جدتي ( شمّي ) من زيارة القدس عام 1966 ، أخبرتنا بأنها من وراء الجدار الفاصل شاهدت العوائل اليهودية ، فأخذت تنادي باسماء من فارقتهم لمدة طويلة ، موشي ، مجودّة ، سعيدة ، إلياهو، مُلكية وغيرهم ، ولكن لم يسمعها أحَدٌ .
مصادر الموضوع
1- الكتاب المقدس
2-  نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق . يوسف غنيمة ، بغداد 1924 .
3- البحث عن نينوى ، تاليف هنري لايارد ( 1817- 1894 ).
4- النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية . الاب لويس شيخو اليسوعي - 1924 .
5- بغداد القديمة . تاليف عبدالكريم العلاف ( 1869- 1917 ) .
6- مهد البشرية ، الحياة في شرق كردستان . تاليف دبلبو . اي . ويكرام ، ادكار . تي واي ويكرام – ترجمة جرجيس فتح الله – بغداد 1971 .
7- القوش عبر التاريخ- تاليف المطران مار يوسف بابانا – بغداد 1979.
8- الثقافة الجديدة عدد/ 294 .
9- افواه المسنين .
10- تقارير صحفية ومواضيع من الانترنيت .
الهوامش :
*  تشاء المصادفات ان أكون في الجانب الأيسر من دجلة عندما فاض الخوصر ، في أواسط اذار عام 1974 ليغمر بيوتنا بالماء ، فأمضينا ليلة ليلاء على سطح المنزل .
 **  معنى الانشاد بالعربية كما يلي :
 اهتفوا لموسى وناحوم وسارة وايليا - سارة أخت ناحوم  النبي الالقوشي - مريم أخت هارون بيدها الكمان - خلصها الرب من أيادي المصريين.       
***  محاولة في ترجمة الاغنية :
اول بلـّة ، ثاني بلة ، ثالث بلة فاخر- على رأسي ابويه تفضلوا الى بيتي - ذهب الى المقهى ومن السماء ينهمر المطر والثلج  - العسكرية ضرورية ، لكن تدريبها شاق .
**** قصة ( خجي – سيامند ) من التراث الكردي ، جميلة ومؤثرة ، من الممكن اختصارها وكما يلي :  سيامند شاب وسيم ، اختطف حبيبته خجي من القرية ، وهي في عمرالزهور ، وصعد بها الى جبل سيپان ، هناك طارد وعلا ً ( نيري ) وعندما طال رجوعه ، شرعت خجي تبحث عنه ، لتراه معلقا على غصن شجرة ( السپندار ) كان النيري قد دفعه اليها . وفشلت جميع محاولاتها في إنقاذه ، غـَنـّيا لبعضهما ما يعجز اللسان عن وصفه ، حتى تفجرت عواطفها ، فرمت نفسها باتجاه حبيبها ، وعندما اصبحت معه فوق السبندار ، ومن جراء الثقل الاضافي ، انكسر الغصن وسقط كلاهما في النهر بأسفل الجبل .
 
 


 

مرقد النبي ناحوم من الداخل- 2006





مرقد النبي ناحوم من الداخل – 2006












احد ابواب الهيكل وتعلوه قطعة مرمر مكتوبة بالعبرية- 2006







غرف الزوار في باحة الهيكل- 2006



 

شاب يهودي من قرية سندور
1933

nabeeldamman@hotmail,com

ملاحظة : الموضوع هو احد فصول كتابي الموسموم( حكايات من بلدتي العريقة) المطبوع عام 2008.

258
مرحباً، سفيرة الحكمة والجمال

                                                                          بقلم نبيل يونس دمان

 
    واخيرا تبوأت السناتور هيلاري كلنتون منصب وزيرة الخارجية البالغ الاهمية في الادارة الامريكية الجديدة، وهي مهمة دبلوماسية حساسة في وضع عالمي معقد، دخل في ظلاله قاطنوا كوكبنا الفيَّتهم الثالثة بعد الميلاد، وقد اشتدت وتيرة الارهاب، وتزايدت مخاطر السلفية والرجعية، في مناطق عدة من نجمنا الزاخر بالحياة، من بين ملايين النجوم التي لا نعرف عنها شيئاً! .
     على عاتق تلك المرأة مسؤولية تاريخية، وهي التي شقت طريقها بنجاح منقطع النظير، فمن محامية ناجحة، الى سيدة البلاد الاولى، الى عضوة في مجلس الشيوخ، وحتى كادت ان تكون الرئيس رقم 44 للولايات المتحدة الامريكية، لولا منافسها الاكثر حيوية وشعبية، الذي خطف منها ذلك المنصب، ليكون اول رئيس اسود يدخل البيت الابيض، وهو السناتور باراك اوباما، والذي احببت ان اطلق عليه اسماً في ذروة حملته الانتخابية، مترجما من لغتي السريانية العريقة لاقول لزملائي" انظروا ما يفعله برقا اوكاما" فكلمة( برقا) تعني البرق في العربية و( باراك) في العبرية، اما اوباما فلا اعرف معناها، ولكني وضعت رديفاً لها كلمة( اوكاما اي الاسود) التي استعرتها من لقب ملك الرها( اوديسا) الآشوري أبجر الخامس ( أبجر اوكاما) الذي قرن اسمه باسم يسوع المسيح.
     راهنتُ على فوز كلنتون بالرئاسة الامريكية منطلقا من قوة شخصيتها وجاذبيتها، وباستمرار اتابع نشاطاتها من عهد رئاسة بيل كلنتون، وجولاتها في انحاء العالم مصطحبة في بعضها ابنتها الوحيدة شيلسي( ت 1980) وشد اعجابي اليها تسامحها مع مداعبات زوجها العاطفية خارج عشهم الزوجي، في تلك الفترة العصيبة كتمَت غضبها وواصلت حياتها، والعالم يحبس انفاسه في حينها ليرى كيف ستتصرف.
     ان سمعة الولايات المتحدة الامريكية تضررت كثيرا بعد احداث سبتمبر 2001 وقيادة جورج بوش الابن للبلاد، فعلى مدى الثمان سنوات الماضية، واجه فيها اخطبوط الارهاب الذي لن يكون بامكان دورة انتخابية واحدة ان تقصم ظهره، بل دورات متتالية حتى يتم استئصال ما شذ عن المألوف، وما بات يثقل كاهل زماننا، ولنكن صريحين فهذا العالم الماثل امامنا لا تنتهي مشاكله ولا تناقضاته، فما ان تنتهي مشاكل او عقبات حتى تليها اخرى مختلفة، كما يقال لكل عصر راياته ورجاله، انا اقول لكل عصر امراضه ومشاكله.
     ستركب هيلاري كلنتون متن طائرتها، لتحط في مطارات عدة كل يوم او كل اسبوع او شهر، فمن الشرق الى الغرب ومن الشمال الى الجنوب، بتقديري ستكون بؤرة تجمع تلك الرحلات في منطقة الشرق الاوسط، التي تنتظر اعجوبة تحولها الى بحيرة السلام، محج المؤمنين، قبلة السياح، ومركز اشعاع ثقافي وفكري نحو الجهات الاربع، انطلاقاً من ذلك يجب ان ترتكز جولات السفيرة الجديدة لبلوغ تلك الاهداف. من كل قلبي اتمنى ان ترافقها في تنقلاتها ملائكة السلام وبشائر الخير، يقيناً يرافق جولاتها خلاصة خبرتها ودراساتها الى انحاء العالم بما فيها القارة الاوربية والقارة السمراء ذات الثروات والمفاجآت( افريقيا) بل سترافقها حصيلة خبرات زوجها بيل كلنتون، الذي اكتسب دراية وتجربة لا يستهان بها على مدى رئاسته الولايات المتحدة( 1993- 2001). ففي عهده كان راعيا لاتفاقية السلام بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل وذلك في عام 1993، حين وقف بين المتصافحين ياسر عرفات واسحق رابين. وللمفارقة نذكر انه عام 1996 وابان ادارته في تلك الفترة، عرض عليه السودان تسليم اسامة بن لادن، يقال انه غض الطرف، وبذلك يكون قد فوت فرصة لا تعوض، كانت ستوفر الاضرار الكبيرة والتضحيات الجسام التي سببها بن لادن بعد مغادرته السودان الى جحور فئران طالبان، لم يطل الزمن كثيراً حتى ارعد وارهب اسمه العالم بأسره.
     ستضفي ابتسامة هيلاري وعذوبة صوتها، دفئاً على الكثير من العلاقات التي يسودها البرود والقطيعة، وستذيب بحرارة قلبها الدافق بالنشاط، بعض الجليد المتراكم في طرق الدبلوماسية المنتشرة على سطح كوكبنا، نحن نضع امامنا باستمرار مقولة: ان السياسة الخارجية امتداد للسياسة الداخية، ففي الداخل مشاكل اقتصادية من نمط جديد، فان حدثت معجزة تحسن الاقتصاد وسلامته من الرياح العاتية التي تعصف به، حينذاك تصبح مهمة السيدة كلنتون سهلة، في انحسار الغيوم الملبدة التي تغطي سماء العلاقات الدولية وخصوصا مع اميركا، سيؤدي كل ذلك اذا سارت الامور كما تخيلها الناخب الامريكي، الى صحوة الاجواء وظهور علاقات افضل بين دول العالم. الشعوب تواقة الى التعاون والمساعدة، وتبادل الخبرة والمنفعة، لحل مشاكلها من امراض خطيرة، الى كوارث الطبيعة التي لن تنقطع، الى مشكلة الاحتباس الحراري، الى عالم الفقر والمجاعة، الشعوب في نهاية المطاف بحاجة الى الغنى الروحي والثقافي، وبالتالي يحل الرفاه وتحل البركة فتسعد الاجيال القادمة.
     سفيرة الجمال هيلاري كلنتون البالغة من العمر( 61) سنة، لكنها في اناقتها وحركاتها، كأنها بنت في الثلاثينات، سترفع شأن بلادها اذا جرت الرياح بما تشتهيه السفن، وتضيف رصيدا آخراً الى ما انجزته كونداليزا رايس ابنة جنسها. السيدة كلنتون لم يحالفها الحظ في الفوز بالرئاسة لكنها، اضافة ومعها سارة بالين انجازا نسوياً في هذا البلد، ولاول مرة تجري محاولات جادة للظفر بذلك المنصب، الذي لم تشغله امرأة طوال تاريخ اميركا، فيما احتلت النساء مراكز قيادية معروفة في العالم منذ وقت طويل مثل: انديرا غاندي، ماركريت تاتشر، كولدا مايير، سيريماتو باندرانايكة، الملكة جوليانا،انجيلا ميركل مستشارة المانيا، وغيرهما. هناك شيء هام بنظري، وهو ان تنسق عملها مع طاقم الادارة الجديد وخصوصا الرئيس الشعبي اوباما، وان يكون مرجعها في الاخفاق والنجاح في آن واحد، وإلا من الآن نقرأ على تفاؤلنا السلام. امامنا فترة الاربع سنوات القادمة، ومن منظارنا المتواضع، يحدونا الامل ان تتحسن صورة اميركا، وان تتقلص بؤر الحروب والنزاعات، وان يضيق شبح الارهاب، ويعود الاستقرار الى الاسواق العالمية، والغد لناظره قريب.

nabeeldamman@hotmail.com
December 01, 2008

259
الأرمن ضحايا تقلبات الزمن
نبيل يونس دمان


    يحكى من ايام الدولة الاشورية المترامية الاطراف ان ملكتها( شميرام) وقعت في عشق امير الارمن الجميل( آرا كيفتسيك) قبل ان تراه، حاولت كسب محبته، لكنه لم يأبه بها، فكررت المحاولة بالتلويح بالحرب او اداء الجزية، ولكنه لاعتداده بنفسه لم يذعن لها بل رفض دعواتها وتحدى جيوشها، فما كان منها الا ان قادت حملة ضخمة على بلاده، ولعدة ايام خاض الطرفان قتالا شديدا سقط في معمعانه الشجعان واشتعلت النار بالعربات العسكرية، وفتى الارمن ينزل كل يوم بخفة ورشاقة، وقلب لا يعرف الخوف لخوض القتال فيجندل الابطال، عندها امتشقت شميرام حسامها المرصع من يد خازن السلاح، دخلت الحوم، وعندما شاهدت فتى الارمن اضطرم في قلبها النار، وكم تاقت الى لقائه في مواضع الغرام وليس في ميدان القتال. في تلك الاثناء صاحت شميرام " دونكم واميرهم ،اقتلعوه حياً ايها الابطال". لكنها لم تصل الى مرادها، فقد وهب آرا نفسه للموت غير هياب، واضطر الفرسان الى طعنه طعنة الموت، امرت شميرام بحمله الى خيمتها، فنظرت الى الجمال الآفل، ورثت ذلك الشباب الفاني، وعندما تأملته جيداً، ترقرق الدمع في عينيها فسقطت دموعها كأنها اللآلي على صدره، ثم سلمت جثته لقومه ليدفن وامرت ببناء مدينة صغيرة باسمها، تخليدا لزحفها العظيم على بلاد( فاسفوراكان) الواقعة بين الجبال العالية والاودية الخضراء، فسميت المدينة الجديدة شميرامه كيرت( مدينة شميرام– بالارمنية).
 الارمن شعب آري له مكانة في عمق التاريخ، بلاده ارمينيا التي عرفت باسماء عديدة مثل : ارماني، خلدي، اراراطو، وغيرها، مرت بازمان قاسية ودارت على ارضها الجبلية الوعرة حروب على مدار القرون، وكان نصيب شعبها المحن والكوارث، ووسط اتون الصراعات بين امم عظيمة في التاريخ كالاشوريين، البابليين، الميديين، الرومان، الفرس، والاغريق، وبعدئذ اجتاحت بلادهم موجات طورانية من قلب آسيا عرفت باسماء مختلفة مثل السلاجقة، والتركمان، والمغول، ثم دخلت امم اخرى لتلعب ادواراً مهمة في الوصول الى ما هي عليه ارمينيا اليوم مثل : العرب، الروس، الاكراد، الجورجيين، الشركس.
  من رجال ارمينيا العظام: هاييك، آرم، ومن الآلهة خالديس، فاهاكن الذي هو اله الحرب في اعتقادهم، وعن ولادته تقول اسطورة:
السماء والارض كانتا في مخاض
وفي المخاض كان البحر القرمزي
ومن النار كانت شفتاه
وعيناه كانتا الشموس
وعن الادب الارمني القديم، ندرج مقطع من قصيدة شعر انشدها الشعب الارمني، عند زواج ملكه من ابنة ملك اللالان( الشركس):
نحن شهدنا خيوط المطر الذهبي، عندما اصبح ارداشيس ملكاً...
ونحن رأينا حبات اللآلئ، عندما اضحت ساتينيك عروساً...
  في تلك الازمان السحيقة، كان الارمن يعتقدون بإلهة الخصب والارض سموها( اناهيد) توازي افروديت عند الاغريق، وفينوس عند الرومان، وعشتار عند البابليين، عبدها الارمن على انها ام الحكمة وحاميتهم. ولكن كل ذلك تغير بعد ولادة المسيح عليه السلام، ففي حدود عام 314 م استطاع كريكور المنور ان يحول الملك الارمني درطاد وبالتالي الشعب الى المسيحية. تعتبر مدينة ايتشمايازين منذ القدم وحتى اليوم، المركز الرئيسي لكنيسة الارمن، فيها دير بُني عام 303، وهو تحفة فنية في معماره، وغني بلوحاته الفنية، ومخطوطاته القيمة. وفي هذا المجال نقتبس من كتاب رحلة ريج في العراق ما يلي : وعلى مرحلة واحدة من سيللوك، مزار مسيحي كبير اسمه( جهن كه دى) او( جه ن كه للى) وهنا ايضا دير( سوورب قارابت) وهو دير القديس مار يوحنان المعمدان، وهو يبعد عن( موش) ست ساعات بالقرب من( ميغاكيات) وهو رافد يصب في الفرات. وهذا الدير مزار له شهرته العضمى بين الارمن بعد( جه مبازين) فهم يذهبون اولا الى( قيصري) وفيها دير شهير، اعتقادا منهم ان رأس القديس يوحنان مدفون فيه، ثم ياتون الى( جه ن كه دى ) ومن بعدها يتجهون الى( جه مبازين ) ويروون عن الدير الرئيسي الكثير من القصص الخرافية، فالقديس هناك مشهور بتعليم الناس الفنون والتجارة – الا الموسيقى- ولا يسمح بدنو النسوة منه اكراماً ل( هرودياس) ( انتهى الاقتباس).
     في عام 406 وضع مسروب وساهاك الابجدية الارمنية، ومع الزمن اضحى ذلك الحدث، نقطة تحول مهمة، لتدوين التاريخ والمعتقدات والاعراف وترجمة الكتب الدينية، الادبية، والعلمية الى لغتهم التي يتفاهمون بها.
    اهم مدن ارمينيا: وان، ارضروم، سيواس، قيصرية، آني كاماخ، قارص، دوفين، بايزيد، اورفه، ارداشاد، قره باغ، اضنه، ملاطية، زيتون، مرعش، وغيرهما، اهم انهارها: آراكس، كورا، دجلة، والفرات، اهم جبالها: آرارات البالغ ارتفاعه( 5205 م ) سوفان داغ وآراغاتس، واهم بحيراتها: فان، وسيفان.
     اشتهر من ملوكها ديكران ( 95- 55 ق.م ) الذي سمي عن جدارة ملك الملوك، ويعتبر عهده من احسن العهود، حيث ارسى امبراطورية واسعة، امتدت من بحيرة قزوين شرقاً، الى البحر الابيض المتوسط غرباً، ومن جبال القفقاس شمالاً، وحتى شمال بلاد ما بين النهرين ولبنان وسوريا.
  تعتبر معركة( ملاذ كيرت) سنة 1071 فاصلة، حيث انتصرت القبائل الطورانية الزاحفة المدمرة كالعاصفة بقيادة (طغرل بك) على الروم البيزنطيين، فابتلت ارمينيا من ذلك التاريخ بتلك القبائل الشديدة والقاسية. وتدور الدوائر على الارض فتهب موجات بربرية متخلفة من اعالي الاناضول ومنغوليا وتزحف على بلادهم لتسحق ليس فقط الارمن بل الشعوب المحيطة ايضا من الاشوريين والسريان، المغول اولئك المتجمدي العواطف،الزاحفين جنوبا كالجراد الحقوا اشد الاذى في زحفهم، بالشعوب والعمران، والضرع والزرع، حتى وصل اوج اذاهم الى دار السلام( بغداد).
 اصبحت ارض ارمينا كما اسلفنا ساحة بين المتصارعين على الهيمنة والخيرات، فمرة كان يسود الفرس واخرى الاتراك، وفي القرون الاخيرة اصبح للقياصرة الروس طموح الوصول الى المياه الدافئة، فاصبح الجزء الشرقي من ارمينيا تابعا لروسيا منذ عام 1829 ثم جمهورية مستقلة عن الاتحاد السوفيتي عام 1991،عاصمتها اليوم يريفان، وعدد سكانها اكثر من ثلاثة ملايين نسمة. اما باقي البلاد المتمثل بارمينا الكبرى او الغربية فقد دارت عليها الدوائر واشتدت عليها النوائب خصوصا في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني اعوام 1895، 1909، وحتى مجيء جمعية الاتحاد والترقي، فشنت حملة ابادة شاملة على الارمن المسالمين. تتوجت ابان السفر برلك( النفير العام) بصدور الفرمان العثماني في  24 نيسان 1915 بإبادتهم، فازيلت قراهم وحواضرهم وخلت ضفاف البحيرات والانهر منهم، هدمت كنائسهم، طمست معالمهم، وقبور اجدادهم الممتدة لآلاف السنين، كانت تلك همجية لا مثيل لها في العصر الحديث وتزعم تلك الحملة: أنور باشا وزير الحربية، طلعت باشا وزير الداخلية، جمال باشا وزير البحرية، وغيرهم من مقترفي جرائم الابادة الجماعية وتصفية الجنس بعينه، لقد بلغ عدد القتلى اكثر من مليون ونصف قتيل جلهم من الاطفال والنساء والشيوخ، ان اهوال تلك الفترة السوداء لم تزل في ذاكرة احفادهم حتى اليوم، تتناقل الاجيال مآثمها، ولن يعدل ذلك الميزان الا باعتراف الاتراك بجريمتهم تلك وتسوية وتعويض ما لحق بالارمن واعادة الحق الى نصابه، يكاد يستحيل ان تستقر دولة الاتراك، دون معالجة تلك المشكلة وارضاء الارمن الذين انتشروا في جهات الدنيا الاربع. بل يعتورني اليقين عاجلا ام آجلاً بان الاتراك سيذهبون يوما زرافات ووحدانا من برلمانيين وحكوميين وعلية القوم، متشابكي الايدي الى حيث موطن الارمن، هناك يقدمون الاعتذار تلو الاعتذار، يحنون رؤوسهم اجلالا امام تلك الانفس البريئة الطاهرة التي ازهقت ارواحها على ضفاف الانهر والبحيرات، في سفوح الجبال ومجاهل الغابات، لعل الرب يغفر بعض خطايا ابائهم واجدادهم. للمقارنة نذكر، عندما تفجرت الثورة الصناعية في اوربا قبل قرنين كان هَم الرأسمالي الاكبر ارباحه، لذلك ألحَق اشد الاذى في الطبيعة فألقى نفايات المصانع في الانهر والبحيرات، اتذكر في الثمانينات عندما نمت وتطورت بسرعة منظمات الخضر والطبيعة، ذهب الابناء الى ضفاف البحيرات والانهر معتذرين للطبيعة ما لحق بها على ايدي بني البشر.
  ساسلط الضوء على عينات من هذا الشعب تعرفت عليهم في العراق وارتبطت معهم باواصر الصداقة والمحبة. لابدأ من بلدتي القوش ففي نهاية الحرب العالمية الاولى هاجرت بعض العوائل الارمنية الى القوش وعددها 72 عائلة، حسب ما جاء في مذكرات الخوري يوسف منصور كادو. قسم منهم من اتباع ليون باشا، والقسم الاخر من اتباع انترانيك، وقد قبلتهم القوش كعادتها، رحبت بهم، تقاسمت معهم الخبز، ولكن للاسف حصلت مشاحنة وبين الفريقين مما حدى ببعض اتباع ليون باشا ، الذهاب الى مركز ولاية الموصل، فاخبروا الوالي بان قسم من الارمن الموجودين في القوش ضد الدولة العثمانية، وينقلون الاخبار الى القيادة الانكليزية. على اثر ذلك ارسل الوالي اربعين خيالاً باسلحتهم للقضاء على جميع العوائل الارمنية في القوش، وصل الخيالة بعد الظهر الى البلدة وعسكروا في خان سعيد بك، فلما وصل الخبر الى القس يوسف كادو، ذهب حالا الى وكيل الخان واسمه( عبد)من اهالي الموصل وطلب منه ان يمهل جميع العوائل الارمنية الى صباح الغد، لحل موضوع هؤلاء المساكين سلمياً، ثم طلب منه ان يقدم لهم الاكل والشرب على حساب الكنيسة، وهكذا قام الوكيل الامين بالواجب باخلاص وحسب الاتفاق مع القس. بعد ذلك مباشرة ارسل القس شخصا اسمه( ججو سرّا) الى مثلث الرحمات البطريرك عمانوئيل تومكا، ليسلمه رسالة، وفور استلام البطريرك لها ومعرفته فحواها، ذهب ومعه الباتري يعقوب الى المسؤول الالماني، واخبروه بالتعدي الذي يحصل لمسيحيي القوش. وبامره وامر والي الموصل ارسلوا قوة مسلحة اخرى الى القوش لارجاع قوة الخيالة الآنفة الذكر، وصلوا في الوقت المناسبة ومعهم اوامر الوالي الجديدة بانسحاب الجميع من البلدة، وهكذا انتهت الفتنة. بقيت تلك العوائل مدة سنة ونصف السنة، ثم نزحوا الى بغداد والبصرة وغيرها من المدن العراقية. احدى تلك العائلات تركت ابنتها وعمرها 10 سنوات في القوش فاخذتها امراة اسمها( ببي خوشكه) من بيت كجوجا، وكانت مهنتها قابلة توليد النساء. فلما كبرت البنت الارمنية واسمها مريم( باجي) زوجتها الى ابنها صادق سلومي، وامتهنت باجي فيما بعد نفس مهنة حماتها، واصبح لها عدد من الاولاد، نذكر منهم المرحوم سليمان، يلدا( حاليا في اميركا) ومنصور( ايضا في اميركا). في اواسط التسعينات من القرن التاسع عشر وصل احد الشباب الارمن هربا من اضطهاد الكتائب الحميدية، وبعد فترة تزوج من الفتاة الالقوشية( ببي زرته) وولد لها ابن سمي يلدا في حدود عام 1909( الذي يظهر في الصورة ادناه) تزوج يلدا ارمنايا بدوره واصبح له من الاولاد: الــّو، بحـّو، والشهيد كريم.
 

العم يلدا الارمني ( أرمنايا ) يتوسط مجموعة من اهالي القوش بتاريخ 19/ 2/ 1971
  اذكر ايضا صادق الضرير، الذي كان يذكر دائماً ذبح اعمامه السبعة امام عينيه وكيف سجن وسملت عيناه، عاش بقية حياته في بيت سليمان ياقونا، في الستينات كنت كلما اسأله عن اصله يقول " انا من بَشقلة ". هناك ايضاً سليمان ذو اللحية الشقراء والقامة الطويلة والشعر الاصفر، تكفلته اسرة اعرابي اسمه عوّاد كان يسكن آنذاك في قرية " ماكنان"  ونظرا لقيامه برعي الاغنام في سهل القوش وبهندوايا، كان يلتقي الرعاة وقد حاول بعضهم ضمه اليهم، ومنهم المرحوم ايشوع رحيما في قرية بهندوايا، ايضا عاش مدة في دير ماركوركيس في( بعويزة) قرب الموصل، وعمل مدة اخرى راعيا لاغنام دير السيدة قرب القوش، وفي النهاية وبتأثير مباشر من عواد تزوج سليمان من فتاة اعرابية واصبح له اولاد، عرفتُ منهم محمد، حميّد، ويقال ان له بنت اسمها حمدية، يسكنون حاليا قرية( بدرية ) التي اخليت من سكانها الاثوريين واسكن فيها العرب في زمان البعث البائد، عمل حميِّد سائقا للترنبول( سكريبر) في مشروع السد الذي كنت مهندساً ميكانيكيا فيه، كان يتكلم معي السريانية ( السورث ) بطلاقة، وكذلك التقيت باخيه محمد الذي هو الاخر كان يتفن لغة ابائي واجدادي، وقد عمل فترة راعياً لأغنام بيت ياقونده الالقوشي.
    عندما كنت اعمل في سنجار للفترة 1977- 1978 التقيت بعدة عوائل ارمنية، وقد تأكد لي بان فقير الايزيدية المعروف (حمو شرو) قد وفر الحماية لمئات العوائل الارمنية والسريانية الهاربة من السيف العثماني، وقسم كبير منها انتهى في سوريا ولبنان، وللمفارقة اذكر ايضا حارسا من اهالي تلعفر لمخيمنا في سهل سنجار كان يخاطبني بخال الاولاد( لم يدر بخلده كم ازعجني كلامه الذي يشير الى اجبار العشرات من صبايا الارمن للزواج من رجال تلك البلدة).
    وفي فترة الكفاح المسلح توطدت علاقتي ب( احمد) اداري احد الاحزاب الكردية المعارضة( كوك ) في وادي كوماته المحاذي لتركيا، جلب انتباهي بيض بشرته وزرقة عيونه، فقال " يا ابا لينا، لا تستغرب، انا من اصل ارمني". وفي نفس المنطقة ايضا وصلت في ربيع عام 1983 وجبة ملتحقين بالانصار من الخارج ، كان من بينهم على ما اظن( ابو يعقوب) ابن اخت النقابي الارمني المعروف آرا خاجادور، وقد استشهد لاحقا ليضاف اسمه الى قائمة الخالدين. 
    يشدني الحنين والعطف على الارمن الطيبين، وقد اشرفوا بدورهم على الانقراض من بلاد ما بين النهرين( كان ظهورهم فيها قبل الميلاد عندما كان التجار الارمن ينحدرون من اعالي الجبال الى بابل بواسطة اكلاك على نهر الفرات) نظرا للمصائب التي المّت بالبلاد على مدى نصف قرن، تحملوا الضيم والقهر والحروب والجوع اسوة بباقي مكونات الشعب العراقي. اتحدث عن بصمات الارمن في وطننا من خلال كنيسة الارمن الارثوذكس( انشأت عام 1954 وافتتحت في 1957) قرب ساحة الطيران، ذلك الصرح المعماري والهندسي الرائع، فقد كان يجلب تصميمها وطرازها السواح الاجانب، وقبلهم يخطف ابصار العراقيين. وكذلك المدارس الارمنية ومحلات سكناهم في كمب الارمن وكمب سارة خاتون( سارة تاتيوسيان)، ولا يفوتني ذكر ناديهم الرياضي( الهومنتمن - تأسس عام 1949) قرب القصر الابيض، مستشفى اراتون للعيون في بارك السعدون، ستوديو آرشاك، ستوديو اصلان، حلاقة كيغام في شارع الرشيد، محل هاريتون لتصليح التلفزيونات.
    من الشخصيات الارمنية الشهيرة في العراق : كولبنكيان الذي بنى ملعب الشعب الدولي في بغداد( انشأ عام 1962- وافتتح عام 1966) وكانت له حصة 5% من نفط العراق حتى عام 1972 حيث اممها نظام البعث، علما بانه كان يصرف جل امواله في المشاريع الخيرية وبناء المستشفيات.
    جلب انتباهي جورج آرتين تاجريان ذلك الرياضي الذي رفع اسم العراق عالياً، عندما مثل العراق في اولمبياد مكسيكو عام 1968 في سباق الدراجات للمسافات الطويلة، لا علم لي باخباره من ذلك الحين، فمثله عملة نادرة ترعاها غالبية حكومات المعمورة .
    اسماء اخرى مثل المغنية سيتا هاكوبيان المعروفة برقتها وعذوبة صوتها، اتذكر كيف اجبرها نظام صدام عام 1980 للظهور في التلفاز لتغني قادسيته المجنونة، وهي حامل في شهرها الاخير. عندما بث تلفزيون نينوى لاول مرة برامجه في نهاية الستينات وبداية السبعينات، كانت فتيات الموصل اسيرات التقاليد البالية، يخجلن من الظهور على الشاشة، الا الفتاة الارمنية( ريتا سورين) لقد قطع صوتها الجميل صمت الفتيات الموصليات، وكان ظهورها كل يوم في بدلة وشعر وماكياج مختلف، يضيف جمالاً الى جمالها الطبيعي، لا اعتقد من هو من جيلي قد نسي ذلك الوجه المدور المشرق، الذي أطل كل مساء من تلفزيون الموصل، الله يكون في عونها أينما تكون اليوم. لن انسى ابدا المصور الارمني المعروف آكوب كريكور في الموصل- مدخل الدواسة، كم كانت تجذبنا نحن طلبة الجامعة آنذاك الصور التي التقطها بعدسته والتي تضاهي ببهائها وافكارها اشهر الصور في العالم، وقد عرفت ابنه الوسيم مهران في قسم الهندسة الكهربائية، للاسف ورد خبر وفاته مؤخرا وهو طريح الفراش في الموصل، وعلى افقر حال، دون زواج، ومتقاعد من عمله في دائرة صحة نينوى، للحقيقة اقول ان موته حفزني لكتابة ما انا بصدده. وتستمر قائمة الاسماء الارمنية التي طبقت شهرتها آفاق العراق منهم: الباحث ومؤلف كتاب( مباحث عراقية) الاستاذ يعقوب سركيس، الدكتور استارجيان مؤلف كتاب تاريخ الارمن عام 1950 في الموصل، والكاتب يوسف عبدالمسيح ثروت، عازفة البيانو بياتريس اوهانيسيان، الممثلة آزادوهي صموئيل، مصور الاثار كوفاديس ماركاريان، المصور الصحفي امري سليم لوسينيان ، المصور السينمائي خاجيك ميساك كيفوركيان، اغا ميناس مدير ادارة الرحالة الشهير ريج.
    الارمن اصحاب صنائع وحرف في بغداد والبصرة والموصل وكركوك، توارثوها عن ابائهم واجدادهم منذ ايام وطنهم في تركيا، عندما غزاهم الشاه عباس محمد خُدابنده( 1603- 1617) ألحق بهم اشد الاذى، ولكن امام خسارته مع العثمانيين وانسحابه الى ايران، جلب معه الصنائعيين الأرمن وانشأ لهم مدينة في شمال ايران ازدهرت فيما بعد بحرفها وصناعاتها، وبعد مدة من الزمن هاجرت مجموعة منهم الى بغداد. اتذكر عندما عملت مهندسا في الطرق والجسور كان يحصل خلل فني في مضخات الوقود او الهواء وفي تقاسيمها ومنظماتها ومصفياتها، فكان لا يتم اصلاحها بالوجه المطلوب الا على ايدي الارمن المتخصصين، ليس في المدارس او الجامعات بل بالخبرة العملية، وهذا ما شهدته بنفسي في محلاتهم في طريق معسكر الرشيد او في كركوك، او في معامل الطرق الشمالية في نينوى على يد الفني طوروس( سلسلة جبال معروفة في الاناضول). وكذلك اشتهر الارمن في لف الماطورات، وتصليح الاعطال في المكائن والسيارات، والاجهزة الدقيقة، والتلفزيونات وغيرها. اما المتداول بين الشعب العراقي بان الارمن من اهم الطوائف المنظمة والمهتمة بمطبخها وترتيب بيوتاتها، كم كانت الست( ديكرانو) انيقة، مهندمة، ومتميزة بين المدرسات في متوسطة القوش، لن انس يوما ربيعيا في حدود عام 1966- 1967 عندما مررنا انا وزملائي امام المدرسة، فقطع طريقنا فراشها المرحوم(عيسى ملو) وبيده ورقة وقلم ليطلب من احدنا كتابة الاسم الذي لم يستطع حفظه للست الارمنية المعينة حديثاً ديكرانو( نسبة الى الملك الشهير- ديكران) كانت الطالبات ينادينها( الست ديكو) تحبباً. وكذلك زميلتي في كلية الهندسة في السبعينات آراكس( نسبة الى نهر شهير يمر في اراضي ارمينيا) آكوب ذات العيون الزرقاء الواسعة ومن صفوة جميلات جامعة الموصل، كنت اهرع منذ الصباح لاحجز مقعدا لها وآخر لصديقتها( سناء غريب) حتى احظى بابتسامة منها او بكلمة ثناء تكشف عن اسنانها البيضاء، اخيرا تزوجت آراكس من المعيد في قسم الهنسة المدنية رمزي عبد الاحد، وتوجهوا من يومها الى اميركا لاكمال الدراسة. في اواخر السبعينات جلب انتباهي والدها آكوب صاحب محل في الموصل- الدواسة لبيع انواع البولبرينات حيث كانت له طريقة فريدة وناجحة في تصنيفها وترتيبها. اتذكر ايضا مجموعة من فاتنات الارمن في الاول عام في كلية العلوم سنة 1971، وقد قصدن الموصل من محافظات مختلفة، جمعتهن اللغة والقومية المشتركة، وقد حدث لتلك المجموعة ان تعرض لهن استاذ علم الحيوان الدكتور عبدالجبار السماك، وحين افتضح سلوكه فصل من الجامعة في عهد رئيسها محمد المشاط، واشيع في وقتها انه باع اسئلة الامتحان الى الطالبات الارمنيات.
    عرفت من الارمن ايضا المهندس( غريب عرب) الذي كنت اعرفه من ايام الجامعة وكان قبلي بعدة دورات، عند تنسيبي الى مديرية طرق نينوى عام 1977، كان المهندس غريب امام ناظري، انساناً محبوباً من العمال والادارة معا، لا يحب المظاهر، بسيط الهندام اغلب الوقت يأتي الى الدائرة الكائنة في الجانب الايسر من دجلة، ووجهه لازال معفراً بتراب الطرق التي يشرف عليها في منطقة زاخو، ان الطرق التي حلم بها المنهدس غريب وغيره من الغيارى ان تكون شرياناً للحياة، تحولت في زمن الدكتاتورية الى طرق عسكرية، لسحق اي نهوض قومي وديمقراطي للمنطقة الشمالية.
    اضيف اسم اخر وهو مهران( من اهالي زاخو) الذي كان ملاحظا فنيا في معمل سكرين- قرب سرسنك، جمعتني معه والصديق الكردي حسن نعمت سفرة الى بلغاريا في نهاية عام 1979، في مقهى يالطه بصوفيا جلب انتباهي مهران وهو يتكلم بطلاقة مع احدى النادلات، فقلت يا مهران كيف تجيد التكلم باللغة البلغارية، فاجاب بان الفتاة من اصل ارمني، عندها ايقنت ان سيل المهاجرين الارمن وصل الى تلك الارض ايضا، ابان سنوات الابادة الجماعية.
    تناهى الى سمعي وانا اقضي اجازة في استنبول عام 1978 بان اشهر اطباء المدينة من الارمن. وفي عام 1985 شهدت عرضا ارمنيا في احد مسارح موسكو، اثار اعجابي فيه اولئك الفتية الجبليين بملابسهم الداكنة الملتصقة على اجسادهم، ومعهم فتيات موردات الخدود ومطرزات بالزهور، اهتزت ارضية المسرح تحت وقع اقدامهم وهم يؤدون الرقصات على ايقاع الموسيقى المناسبة، وفجأة تقدم احدهم وبيده مجموعة من السكاكين الحادة واخذ يلعب بها في الهواء، واخيرا مسكها كلها باسنانه، وواصل اللعب حتى اطلقها مرة واحدة، لتنغرز كلها في الارض منتصبة.
      وقبل ان انهي الموضوع لابد ان اتطرق بالتفصيل الى عائلة ارمنية في الحبيبية ببغداد، وهي اسرة آزاد س. كاتنجيان وزوجته الطيبة التي نسيت اسمها لكني لازلت اتذكر طيبتها وجهلها المطلق التكلم باللغة العربية! اما اولادهما فاكبرهم بابكين ثم اوهان الذي طالما درسته مادة الرياضيات اعوام 73- 74، كارو( من كارابيت)، ابنتهم الشابة آليس( على اسم نهر في ارمينيا) العاملة في محل التجميل في الكرادة. احتفظت بعلاقة سنوات مع تلك العائلة، ومنهم تعلمت بعض الجمل باللغة الارمنية منها : پاري لويس( صباح الخير) إگور هوسي( تعال هنا) كنا تور كزي( اذهب اقفل الباب) گيرا گور گير( تفضل للاكل ) انت جميل( تون اغفوريكس) ومناف پاروك( مع السلامة). وردني في عام الفين واثنين، انهم رحلوا او بعضهم الى جمهورية ارمينيا، اجدها الان مناسبة، ان اهدي جزيل تحياتي الى تلك العائلة، والى الارمن قاطبة فائق تقديري واحترامي.
المصادر :
الارمن عبر التاريخ- مروان المدور- بيروت 1982.
شميرام – ميخائيل اورو- بيروت 1958، ص 199-217.
رحلة ريج في العراق عام 1820- بغداد 1951،ص 4، 309.
فيشخابور- الأب ألبير ابونا- بغداد 2004، ص 113- 115.
لقاء مع الشماس حنا شيشا كولا.

nabeeldamman@hotmail.com
U.S.A. October 27, 2008



260
أم الربيعين سلاماً !
نبيل يونس دمان

     الاخطار تداهم المسيحيين في الموصل، والموجة الهمجية التي تطالهم في عقر دارهم لا مثيل لها في التاريخ، ففي كل الازمنة كانت الموصل هي الام الرؤوم التي تستقبل الفقراء والمضطهدين وضحايا الحروب، فماذا جرى، وكيف انقلبت الصورة، ومن يستطيع اعادتها الى موضعها الطبيعي؟
     قبل كل شيء يجب ان تسود روح التسامح والمحبة بين المجاميع المتنافسة والمختلفة فبدون هذا الشرط لا تستطيع القوة ولا العامل الدولي من تحقيق اللازم، مطلوب اليوم ايقاظ الضمائر، رفع الوعي، والنظر الى المستقبل بعيون الاطفال، ذلك ما ينقذ الاقلية المسيحية المتبقية في الموصل من صراع الكبار، الذين ينتابهم داء الاستحواذ على الثروات والمناصب، معالجة المشكلة تبدأ من هنا، فالعلة في الداخل وليست في الخارج. ولأعطي مثالا بسيطا: عندما شرع الآباء الدومنيكان ببناء برج كنيسة الساعة في وسط الموصل، فما ان يرتفع البناء قليلا في النهار، يأت الاشقياء لهدمه في الليل، مما حدا بالآباء دعوة أغوات باب البيض، في ذلك اللقاء الذي املته الحكمة وحسن التصرف، ليس فقط تفهم هؤلاء الموضوع، بل تعهدوا باناطة مسؤولية حماية البناء اليهم، وهكذا اندحر المخربون وبرز البناء الذي لا زال شامخا الى اليوم برونقه ومعلمه الذي لا مثيل له. من الجانب الاخر مطلوب من الحكومة الحالية اعادة تركيبتها وكل مؤسساتها على اساس الاخلاص والكفاءة وابعاد كل وتر طائفي يبعث نغمات نشاز، ولنقل صراحة اشراك اهالي الموصل الاكفاء بعلومهم وخبراتهم في صنع القرار وتحمل المسؤولية، نحن نقول ان المسيحيين مهمشون، ولكن هناك الكثير من الكفاءات على نطاق العراق مهمشة بسبب نظام المحاصصة المقيت و الذي  ادخل الى العراق عنوة غداة سقوط الدكتاتورية، آن الاوان لانهاء المسلسل البغيض الذي نحن فيه، والشروع بمسلسل جديد ننفتح فيه على الدنيا، ونشرع بالبناء، واضعين الرجل المناسب في المكان المناسب، بغض النظر عن دينه، عرقه، طائفته، وحتى بماضيه السياسي.
     اسألكم ايتها العشائر الموصلية الأبية: جبور، ألبو حمد، الموالي، الحديديين، الشرابيين، الجحيش، طي، وشمر، اين نخوتكم؟ وهل تنامون على الضيم، وتتركون المسيحيين في الموصل يدفعون ثمن الوضع العام، دون ان يكونوا طرفاً، دون ان يرتكبوا جرماً، ودون ان تكون لهم ميليشيا مسلحة، المسيحيون في الموصل تاجها ورمزها الابقى، وهم ورثة امجاد تلك المدينة منذ اشرق فجر نينوى العضمى على العالم، وهي ام الحضارات، فخر الامم، وزهوة التاريخ.
     في العصر الحديث تعرضت الموصل الى حصار شديد من قبل الجيوش الفارسية بقيادة نادر شاه( طهماسب) عام 1743 فوقفت الموصل بكل اديانها ومكوناتها لتصد الغزاة وتمنع دخولهم المدينة، نجحت في ذلك تحت قيادة الاسرة الجليلية، التي تعود اصولها الى المسيحية، وكما تتناقل قصتها الاجيال:
في حدود عام 1600 هجر عبد الجليل منطقة ديار بكر في تركيا مع اخيه الى الموصل، يقال ان عبد الجليل رام حلاقة لحيته، فدخل دكانا لهذا الغرض، وشرع الحلاق في اداء عمله، حتى وصل الى حلاقة نصف اللحية، عند ذلك دخل احد الاخوة المسلمين، استقبله الحلاق بالحفاوة، ثم التفت الى عبدالجليل آمراً " اترك كرسيك للقادم ايها الذمي( من اهل الذمة اي: مسيحي)" أبى عبد الجليل ان ينهض من مكانه قائلاً" اكمل حلاقة لحيتي، وانا من اللحظة داخل في دين الاسلام" وهكذا كان وان لم يكن تصرفاً حكيما، ولكنه اصبح واقع الحال، وبعد مدة من الزمن صار له سبع أبناء اسمائهم ذاعت في ارجاء المنطقة وهم : ابراهيم اغا، عبد الرحمن اغا، صالح اغا، اسماعيل باشا، يونس اغا، زبير أغا، خليل أغا.
      عوائل مسيحية عريقة برزت في الموصل منها: بيت يوسفاني، بيت سرسم، بيت رسام، دقاق، المعمار باشي، غنيمة وغيرهم، ظلو متفوقين في آدابهم، علومهم، وذكائهم طوال سنين الدولة العثماني وعند دخول الانكليز وايام الملكية، فبرز منهم خيرة الاطباء والمحامين والفنانين والكتاب، طبقت شهرة بعضهم الافاق امثال، الاثاري المعروف: هرمز رسام، المعلم نعوم فتح الله السحار، الوزير يوسف رزق الله غنيمة، الكاتب روفائيل بطي، المطران سليمان الصائغ مؤلف كتاب ( تاريخ الموصل)، المؤرخ كوركيس عواد، الفنان منير بشير، وغيرهم.
     المسيحيون في الموصل هم اول من جلبو المطابع ابتداء من عام 1856، فطبعت هناك الكتب الدينية والادبية واللغوية لاول مرة في تاريخ العراق. عام 1925 وقف البطريرك عمانوئيل تومكا موقفا جريئا ومشرفاً الى جانب الحاق الموصل بالعراق، ونال جزاء ذلك حقد الانكليز فنفوه الى  اسوء مستعمراتهم، وعند عودته من المنفى خرجت الموصل عن بكرة ابيها بالسيوف والبنادق والخيول والهوسات وفي مقدمتهم، اشراف الموصل لتحيته، والقى السيد خير الدين العمري خطابا بالمناسبة، ثم توجه ليصلي في كنيسة مسكنتا. وقد حظي باحترام الحكومة فعينته في مجلس الاعيان من عام 1925 وحتى وفاته عام 1947.
     الكنائس التي هجرها اهلها مؤقتا في الموصل، لم تهجرها الحمائم، والطيور المهاجرة لم تزل تحط فوق قبابها، والدمع في مآقيها، والغصة في صدورها، الصلبان حين تشتد الرياح الغريبة يزداد ثباتها، ومع الرعود والبروق تتلألأ وتومض، انها ارادة الله ان يتعذب محبّيه الحقيقيون، محبّي الجمال، وعشاق الحرية، ومواكبي العصر بل سباقي عصرهم، كل ذلك في تواضع وكتمان، توارثوه من ابائهم واجدادهم المضطهدين على مدار القرون، هؤلاء شاء الزمن ام ابى هم مجد الامم وفخر بني البشر.
     هل نسي الموصليون الايام الخوالي، عندما كان يحل مهرجان( شيرا) دير مار ميخائيل، فيغلقون دكاكينهم ويخرجون على اختلاف نحلهم وطوائفهم، للتبرك والتنزه في ذلك الموقع التاريخي اللطيف، مستنشقين الهواء العليل بين الخضرة السندسية والحقول الزاهرة.
     هل نسيت الموصل ما انشده شاعرها حامد الصراف قبل قرابة القرن:
وعشنا وعاشت في الدهور بلادنــا         جوامعنا في جنبهن الكنائس
وسوف يعيش الشعب في وحدة له         عمائمنا في جنبهن القلانـس
واخيرا وبها نختتم، هل نسي الموصليون شاعرهم المعروف عبد الباقي العمري عندما انشد ابيات تقرن اللغتين الشقيقتين، العربية والسريانية :
شبح لالاها وخلاپــــــــــو         شبحا شمت حيزو لاپــــو
كوذنتا وخمارت شاپــــــو         وقس مسكنتا بشاشه ليل
دنحا والو برطت قاشـــــا         شموقا لوطو وبراشـــــــا
ومارت كركيزا ابن شاشا         يوحنا واسحاقت شموئيل
فرجو قس عمسو قمبازو         بادو واستخلو بى ســازو
ملكت حيزو خازو بــــازو        طينلكا برطت طنبيــــــــل
شعيا سمكا ماتيكـــــــــــــا        وشمونى قاشا طمسيكـــا
بيعة مار جرجس تحرسكا         خوفا موفا بالزنبيـــــــل
چارن خيزو برطت طنـــي          بر بوطت شعيا قبصنى
لخمة غبشه ياقو غبنــــى          ومشيحا بصحفت لنجيل
طنجى ميخا واشبانيثــــــه          دوخو قاطوثا ثرطيثـــا
قرية برطلى وبشبيثــــــــا          قفط عين كاوة ارويـــل   
nabeeldamman@hotmail,com
October 17, 2008

261
اجلب انتباه الجميع الى الموصل
نبيل يونس دمان


     على خلفية قرار مجلس النواب بالغاء بضعة مقاعد في مجالس المحافظات، تتصاعد وتيرة القتل والتهجير بحق المسيحيين في مدينة الموصل، وكأنها رسالة جوابية لبعض التعاطف الذي ناله شعبنا المضطهد، يجري ذلك وفق خطة مدروسة لاستئصالنا، هنا وقبل فوات الاوان اناشد ابناء شعبي الذين يتظاهرون في كل مكان، ان يركزوا على الوضع في مدينة الموصل، ان يطالبوا السلطات بالتدخل، ان يوفروا الملاذ الامن والرعاية للفارين من الموجة الهستيرية، التي تطالهم هذه الايام واكثر من اي وقت مضى، وفي ظل تبجح وسائل الاعلام بالامان والاستقرار. اخاطبكم ابناء شعبي واتسائل: من سنمثل في مجلس محافظة نينوى اذا قضي على المسيحيين فيها، او عاش من تبقى منهم في رعب وقلق وخوف؟.
     اناشد وجهاء الموصل، رؤساء العشائر، ورجال الدين ان يتعاطفوا مع المسيحيين ويدافعوا عنهم، ضد فئة تريد القضاء عليهم وهي باذن الله صغيرة، وقفتكم هذا اليوم معهم سلبا او ايجابا سيسطرها التاريخ، حافظوا على جيرانكم حفاظكم على حدقات عيونكم.
      اناشد السلطات الحاكمة في بغداد واقول ان خطة انقاذ الموصل لا زالت في طور الفشل، مما يتطلب منكم التحرك السريع، ولا يخفى عليكم اهمية الموصل في العراق والمنطقة، واعلموا ان استقرارها هو مفتاح الاستقرار في العراق، ان الموصل عظيمة منذ القدم بتاريخها، بموقعها الجغرافي، وبتنوعها الديني والقومي.
      اناشد حكومات الجوار والعالم والراي العام فيهما، ان يضغطوا بامكانياتهم على الاطراف المسؤولة عن محنة المسيحيين في العراق وبخاصة الموصل، باتجاه وقف تلك الحملات: من تصفية، تهجير، تهميش، واقصاء.
     ليعلم الجميع بان رب السماء لن يبارك قوماً هذا نهجه، فان لم يصححه في الوقت المناسب، فالله قادر ان يصب غضبه عليهم وعلى اولادهم، بعد ذلك لا ينفع الندم، ولا تنفع المسوح، وقصة سقوط نينوى في التاريخ معروفة.



nabeeldamman@hotmail,com
October 06, 2008


262
لماذا يا مجلس النواب العراقي؟
نبيل يونس دمان

     لقد استكثرت علينا بضعة مقاعد في مجالس بضعة محافظات من وطننا نحن سكانه الاصليين من بقايا سومر، اكد، اشور، وبابل والمحافظين على سماتنا الحضارية، وتقاليدنا العريقة، واصالتنا المشهود لها من الشعوب المجاورة والعالم اجمع.
     واكبنا في العصر الحديث ثلاثة مجالس للنواب: الاول في الفترة الملكية وكان لنا فيها مقاعد ثابتة، ومجلس صنعه صدام سماه الشعب بحق الاسطبل الوطني، ثم عولنا على المجلس الاخير الذي تشكل في الانتخابات الماضية، وان كانت لنا مخاوف من تكتلاته الكبيرة التي قسمته الى طوائف واكثريات واقليات، اشبه مجلسكم بحوض للاسماك، فيه اسماك كبيرة واخرى ملونة صغيرة كانت بجمالها وبحركتها تضفي جمالا اكثر للحوض من الخارج، اننا لم نتوقع ان تلعب في مخيلة الاسماك الكبيرة تلك ان تلتهم الاسماك الصغيرة واحدة تلو الاخرى، رغم حصة الاسماك الكبيرة من الغذاء المقدم لها من خيرات بلادنا الوافرة.
     الكتل البرلمانية المنضوية تحت اسماء شيعية او سنية او كردية، لم تجلب بهذه الطريقة الا استمرار معاناة شعبنا وتسلل مجاميع الارهاب الدولية الاكثر خطورة على الجميع، اين اقوالكم في الامس بان شعبنا مزهرية وان التعدد القومي والديني عوامل قوة ومنعة للوطن الذي ارتقبناه حرا وديمقراطياً، اين مزايداتكم في تعاطفكم مع مسيحيي العراق، اني ساستخدم هذا المصطلح بهدف اشراك كل ابناء شعبنا في تحمل مسؤولياتهم امام الوضع المستجد.
     لماذا اصبح المسيحيون اقل من نصف مليون حسب ادعاء مجلسكم، كم كان عددهم قبل مجيئكم، لقد انحدر العدد بسرعة الى مستويات خطيرة بفعل الارهاب والتطاحن الطائفي والركض وراء الامتيازات، وتفشي السرقات والفساد الاداري، انتم لم تكونوا ابدا بعيدين عن الدرك الذي بلغه وطننا بانفرادكم الطائفي وانشداد اغلبكم الى التقوقع الديني او القومي او الطائفي، والاكثر من ذلك ايمان بعضكم بالفلسفة العدمية والافكار السلفية التي لا تلائم العصر في كل الاحوال.
     راجعوا انفسكم قليلا، فلوا فرغ العراق من مسيحييه وانتشر تجمعهم في دول اخرى في اوربا او اميركا، كونوا على ثقة انهم سيبنون تلك الاوطان وجيل بعد جيل سيبرز اولادهم على المستوى العالمي، وربما بفضلهم سيعود وطنهم المغتصب بين النهرين دجلة والفرات، وستندمون بل اقول سترجم قبوركم من قبل احفادكم، لسوء تصرفكم هذا اليوم مع مسيحيي العراق .
     المسيحيون العراقيون هم بناة للوطن، فان شغلوا مقاعدا في مجالس المحافظات فيكونوا بينكم مثال الاخلاص والنزاهة، ورسل سلام بين مجاميعكم التي تميل الى الاقتتال والثار وتصفية الحسابات الشخصية، نحن معروفين على نطاق العالم والوطن بالاساس بتحررنا من الضغائن والاحقاد، وبروحنا المتسامية المتسامحة، وقابلياتنا في الخلق والابداع، وتحمل الصعاب، وافتداء الوطن بارواحنا عند الضرورة.
     لقد خبرتم المسيحيين في الوظائف والاعمال والجامعات وميادين القتال والسجون وذرى جبال كردستان، كل ذلك لم تفكروا به وهلة، ماذا جرى لعقولكم، ولماذا زاغت بصيرتكم، انتم على مدى التاريخ تفكرون وتتصرفون كصقور، فيما المسيحيون وعلى طول الخط حمائم سلام ورسل محبة.
     نحن لا نستجديكم لكننا نطالب بحقنا ومهما طال الزمن او قصر فنحن له. لم يكن بامكانكم التمادي والتلاعب بحقوقنا ومقدراتنا لولا الانقسامات الخطيرة في صفوفنا، هنا اتوجه الى اصحابنا الراقصين كل يوم على حبال الفرقة والتقسيم، المتمترسين في خنادق افتراضية، وابطال في المقاهي الالكترونية، الا تكفوا عن لعبتكم التي اوصلتنا الى هذا الحال من فقدان احترامنا وانحدارنا الى اسفل الدرك، ماذا بامكان ممثلينا في مجلس النواب عمله، وظهيرهم انتم المتقاتلون مرة على التسميات واخرى على المشاريع الوهمية. اناشدكم في هذا الظرف العصيب واقول: هبوا للدفاع المستميت عن بعضكم اذا بقيت فيكم بقية كرامة او نخوة، هبو للتوحد والتآلف وشدوا ازر بعضكم، في مواجهة ما انتم تتعرضون له كل يوم من اعتداءات في الشوارع، وانتهاك لحرمات بيوتكم وحاراتكم، واستهداف مقدساتكم. حتى وصل الامر الى البرلمان الذي يشكل اعلى سلطة تشريعية في البلاد، وهو يسعى حثيثاً لتهميشكم وتقزيمكم، على طريق انهاء وجودكم التاريخي من ارض الاباء والاجداد .

nabeeldamman@hotmail.com
September 27, 2008

263
سبل خروج اميركا من ازمتها الاقتصادية
نبيل يونس دمان

  لا يختلف اثنان بان الولايات المتحدة الامريكية دخلت في ازمة اقتصادية حادة، والتي اعتادت ان تمر بها وان بدرجات اقل في تاريخها. ولكونها الدولة الاعظم في المنظومة الراسمالية، فان تاثير ذلك بالغ على الساحة الدولية. سوف لن ادخل في موضوع الاسباب لانها اصبحت طي الماضي، بل يهمني اليوم ان اجمع افكاري في حزمة نقاط، اذ ربما تسهم في النهاية بزوال الازمة الحالية، ووقف الاضطراب المتصاعد في اسواق المال العالمية :
1- ان تقر وتعترف بصعود نجم دول، لم تكن على البال قبل بضعة عقود من الناحية الاقتصادية، وفي المقدمة : الصين والهند.
2- ان تجهد في تحسين صورتها امام الشعوب والبلدان، بوسائل اكثر ديمقراطية، والتخلي نهائياً عن سياسة ازدواجية المعايير، مما يزيد الطلب على المنتوجات الاميركية، وبالتالي يساعد على انعاش الاقتصاد.
3- تغيير اسلوب تمدين العالم بالقوة، او حمل الشعوب على تغيير معتقداتها الدينية، بل يجب الايمان بان الوصول الى تلك الغايات، يمر عبر تطورات ذاتية واجتماعية طويلة الامد.
4- الاقرار بوجود علاقة وثيقة بين الوضع الداخلي والخارجي، فعندما ينعم المواطن الامريكي بفرص العمل والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، عندها يكون لها القدرة على المطالبة بمصالحها الحيوية في البقاع التي تتطلب ذلك، دون الحاجة لاستخدام القوة العسكرية.
5- الارتقاء بالصناعة الاميركية الى مستويات اعلى تناسب العصر، وتضاهي ما تحققه بلدان اخرى في اوربا واسيا، واعتماد اسلوب المنافسة الحرة في دخول الاسواق العالمية، وعلى اساس الجودة.
6- ان تعزز الدولة نهج تأميم الشركات الكبرى، والتي اضطرت الى ولوج هذا الطريق بعد تردد طويل، امام افلاس كبرى شركات البنوك والعقار والتأمين.

7- ارساء وتطوير تجارب ايجاد بديل عن الطاقة المتمثل بالنفط لاسباب عدة منها : أ- جعل البيئة اكثر نقاءاً وسلامة، جراء تلوثها المتزايد بمشتقاته.
ب- عجزه عن تلبية الطلب المتزايد عليه، او نضوبه في نهاية المطاف.
ج- واخيراً وليس اخرا تسرب مليارات الدولارات من عائداته، لتمويل عمليات الارهاب في اصقاع شتى من المعمورة.
     انا واثق بان الحياة ستفرض النقاط الاكثر اهمية في الاستنتاجات السالفة، اما تجاوزها من منطلق التعالي، فانه يؤدي الى اوخم العواقب بما فيها اعادة النظر في الانظمة الاتحادية المعمول بها منذ قرون.

nabeeldamman@hotmail.com
September 25, 2008


264
العريف الشهيد توما ياقو ابونا
 إعداد/ نبيل يونس دمان


     استهل الموضوع بالقول " ان ضحايا ارهاب اليوم امتداد لشهداء شباط الاسود عام 1963 " ، قبل مدة قصيرة غادر مازن جرجيس ابونا الارض ، مفارقا حياة لم يتمتع بها ، دارت عليه خمسة وثلاثين ربيعاً ، وهو محروم من السعادة ومحاط بالخوف ومتردد في التقدم ، ولد وترعرع في الموصل التي قصدها والده طلبا للعيش عام 1969، ربّى العم جرجيس ( ججو ) اولاده على العمل والكدح المتواصل والتنقل بين القرى والقصبات المحيطة بالموصل للبيع والشراء ، كانوا نزلاء في بيت واسع قرب كنيسة مار توما في محلة الساعة ، صمدوا وقاوموا الظروف الصعبة في تلك المدينة دون ان تغريهم اية وضعية جديدة للظهور ، او حتى رفع رؤوسهم ، من إقبالهم على كسب قوتهم اليومي ، وكان يوم التاسع من تموز 2008 حاسما بل كارثيا ، فقد سقط منهل مضرجا بدمه ، وفيما والدته نني حنا ابونا تهرع اليه لتحتضنه وتقبله قبلة الوداع ، يخذلها قلبها ، فتمتنع عن ذرف ما بقي لها من دموع ، ولترتمي بجانبه جثة هامدة . قبلت الام ولدها قبلة الموت في مشهد أليم لا يرى حتى في الافلام ، ولتتحقق نبوءة ناحوم الالقوشي عن نينوى ( ويل لمدينة الدماء الممتلئة باسرها كذباً وخطفاً التي لا تفارقها الفرائس ، هوذا سوط السياط وصوت الزلازل الدواليب والخيل الجاثلة والعجلات الطافرة . ووثوب الفارس ولهيب السيف وبريق الرمح وكثرة القتلى وتراكم الجثث ولا نهاية للجيف وهم يعثرون بجيفهم ... نبوءة ناحوم 3/1 ، 3/2 ، 3/3 الكتاب المقدس ) . ذهبت نني وولدها مازن الى خالقهما مكللين بالشهادة ، وبذات الاكليل الذي تكلل به عمهما العريف الشهيد توما ياقو توما رحيثا من بيت ابونا العريق .
      لم ار العريف توما في حياتي ، لكني تاثرت باستشهاده منذ طفولتي . كم من المرات حاولت الكتابة عنه لكني لم اوفق ، وكل ما عرفته وهو جاري في محلة التحتاني ، ان والدته المرحومة حبوبة كانت تذهب مع جدتي الى السجن كل يوم لتقصي اخبار ابنائهم المعتقلين ، وفي احد الايام بدل ان تكتحل عيون الخالة حبوبة برؤية ابنها ، فان السجانين سلموها ملابسه الملطخة بالدماء ، جثمت على ركبتيها ورفعت ايديها الى السماء طالبة من الرب ان ينتقم من القتلة ، ثم صعدت الى القوش بواسطة باص النقل ( النيرن ) ، لن انسى ذلك الصباح عندما تخطت بيتنا وهي تملأ الدنيا صراخاً وتذرف الدموع السخية وبيديها ملابسه العسكرية . لقد قتل الجناة ابنها الذي لم ينعم بالحياة والزواج وهو في ريعان الشباب .
      التقيت مؤخراً بالأخ نوئيل وحال معرفته اني من ابناء القوش ، بادرني على الفور ، ان كنت سمعت بالعريف توما ياقو ، فاردفت وبنفس الحمية : بل العريف الشهيد توما ياقو ابونا ، فسلمني الموضوع الذي نشره عام 2006 في مجلة فينوس التي تصدر في كالفورنيا. اعيد نشره لتثبيت اسم الشهيد البطل توما في سجلات المجد والفخَار ، ولتوثيق الجرائم التي ارتكبها البعثيون الحاقدون على كل زاهي وجميل خلال حكمهم الذي امتد عقودا ، وما الحالة التي نعيشها اليوم الا استمراراً وايغالاً في ارتكاب المزيد والمزيد من الجرائم ، لقد جبلوا عليها مذ خرجوا من بيضتهم الفاسدة عام 1947 ، ولانحدارهم من كل ما هو سلفي ، عفن ، وآسن في الحياة ، يقيناً لن يغفر لهم التاريخ ما اقترفته ايديهم البشعة ، بل سيضعهم على الدوام في درجاته الدنيا.
الى الموضوع الذي كتبه الصديق نوئيل بطرس عوديش بعنوان:
الضحايـــا
    العريف الآلي توما ياقو من مواليد القوش المدينة الكلدانية العريقة وعروسة الجبل الخالدة : تلك المدينة التي انجبت ابطال فغادرها الى بغداد وهو في عنفوان الشباب. ثم تطوع في صفوف الجيش العراقي الباسل . تعرفت عليه عندما انتقل الى وحدتنا ( كتيبة هندسة الفرقة الخامسة ) في معسكر الرشيد سنة 1962 وكان برتبة عريف آلي وبعد فترة قصيرة اصبح من أعز اصدقائي فلقد حاول اقناعي للانضمام الى الحزب الشيوعي بحكم العلاقة التي كانت تربطني به فلم يفلح حيث كان مشبعا بالافكار التقدمية وفي يوم من الايام حصل بيننا نقاش حاد حول السياسة حيث قال لي : لابد وان انظمك يوما فقلت له : يا توما اترك السياسة خير لك لانها لا توكل خبز فكان يضحك ويستهزئ من كلامي ثم عاد وحاول عدة مرات ولكن بدون جدوى الى ان يئس ولم يعد يحدثني عن السياسة بشيء الا اننا بقينا على صداقتنا واحترامنا لبعضنا في كل الظروف . وفي احدى الامسيات حدثت مشادة كلامية بينه وبين النائب العريف الآلي عبد الحسين الذي كان سائقا لآمر السرية النقيب عبد الرزاق النائف , ولقد ساءت العلاقة بينهما حتى وصلت حد التهديد والوعيد فلقد استطاع ن.ع عبد الحسين بحكم مركزه كسائق لآمر السرية من خدع احد الجنود البسطاء من السواق الآليين واتفق معه على تلفيق احدى التهم الباطلة والدنيئة ضد العريف توما ياقو حيث حيكت خيوط المؤامرة بدقة متناهية حتى اعتقل العريف توما ومن ثم زج به في سجل الهندسة كما احيلت اوراقه الى التحقيق وبقي في السجن لعدة ايام دون ان اعلم بذلك الى ان كلفت بواجب آمر حرس السجن والمشاجب . وكالعادة كان كل آمر حرس جديد يحسب عدد المساجين للتاكد من سلامة عددهم ولما دخلت الى السجن وجدت توما منزويا في احدى الزوايا فلما رآني نهض بسرعة وتقدم مرحبا ثم قال الحمد لله الذي بعثك الى هنا ، فقلت له ماذا حل بك ، ولما انت معتقل ؟ قال بحسرة والم : لقد فعلها عديم الضمير ( ن.ع عبد الحسين ) والله العظيم انا بريء فقلت له : قل لي الحقيقة ، وساحاول مساعدتك قدر الامكان . فلما روي لي القصة بما انزلت ادركت بانه حقا بريء ، لانني اعلم مسبقا تصرفات ن.ع عبد الحسين ونواياه الخبيثة من خلال الفترة التي قضيناها معا ً في نفس السرية ( السرية العاشرة ) . على كل حال طمأنته وقلت له : انا ذاهب الى آمر السرية لاخبره بالحقيقة وكل ما جرى فهو رجل عادل وطيب القلب ، آنذاك تنفس توما الصعداء وقال : لن انسى جميلك ابدا . ثم ذهبت الى السيد آمر السرية وطلبت من المراسل ان يبلغه بانني اروم مقابلته لأمر هام ، ولما سمع صوتي ناداني من الداخل : ادخل يا نوئيل . ولما دخلت الى الآمر حييته ورحب بي وقال خيرا ً؟ فاخبرته بالموضوع وعرضت عليه وجهة نظري كما ترجيته ان يفعل المستحيل لمساعدة العريف توما ياقو . فابتسم وقال : ابشر يا نوئيل ، انشاء الله يحصل خير . فشكرته واديت التحية العسكرية ، ثم رجعت الى السجن لاداء واجبي ، ثم اخبرت العريف توما بذلك وطمأنته على ان السيد الآمر سيتكفل بالموضوع ، وان ذلك هو لصالحه . ارتاح لكلامي وشكرني ، وبعد كم يوم تم اطلاق سراحه لعدم ثبوت الادلة ضده ورجع الى السرية كما كان معززا مكرما . الا ان الحاقد ن.ع عبد الحسين لم يرق له ذلك . اخذ ينتظر ويترصد الفرصة المؤاتية له لكي ينتقم من توما . الى ان حدث انقلاب 14 رمضان ( 8 شباط 1963 ) ضد الزعيم عبد الكريم قاسم وجماعته . ولما كان ن.ع عبد الحسين رجلا ضخما وقويا فقد تم استخدامه في غرفة التعذيب لتعذيب المتهمين من الشيوعيين وانصار عبد الكريم قاسم وغيرهم . واول ما قام به عبد الحسين هو الابلاغ عن العريف توما . فبذلك استطاع وجماعته من اعتقال العريف توما واقتياده الى جهة مجهولة . التي علمنا فيما بعد بانها غرفة التعذيب ، والتي كان ن.ع عبدالحسين احد المشرفين على التعذيب فيها . ثم اخذت الاعتقالات تتزايد داخل وحدة الهندسة . وفي صباح يوم الثلاثاء ( 13 شباط 1963 ) بينما كنت راجعا من واجبي ( آمر للدورية ) تم اعتقالي من قبل ن. ع عبدالحسين مصلح الانابيب والعريف صادق فكانا مسلحين برشاشتي كلاشنكوف فتم اقتيادي الى غرفة المعتقل حيث التقينا بالجندي الاول عبد هرمز الذي كان هو الآخر مقيدا من قبل جماعة ثانية . ولما وصلنا الى المعتقل كان بانتظارنا السيد مساعد آمر الكتيبة والسيد وكيل آمر السرية العاشرة وقد صاح احدهم : جاء عبد الوهاب وفريد الاطرش اي مستهزئين بنا ، فقلت ردا على ذلك : اهذا جزائي وانا ثلاثة ايام متتالية بواجب آمر الدورية ؟ فقال المساعد : لا تخافا انها دقائق وسيطلق سراحكما . على كل حال ادخلنا الى غرفة المعتقل ، والتي كانت عبارة عن مخزن صغير لا تتعدى مساحته 5 × 3 م مربع ، وبشباك صغير واحد طوله 30 × 20 سم مربع وباب من الحديد . وقد وضعت صفيحة معدنية في داخله لقضاء الحاجة ليلاً ، اما عدد الموقوفين فيه وصل الى اكثر من 35 عسكريا . هذا وقد سبقنا الى المعتقل النائب العريف متي من اهالي قره قوش ( باخديدا ) وبذلك اصبح عدد المسيحيين المعتقلين في الكتيبة 3 + العريف توما ياقو . فبقينا ذلك اليوم بدون طعام وبلا شراب وحتى مساء اليوم الثاني ، ولما سألت الحرس عن السبب قال : غدا ستنزل اسماءكم في قائمة التعيين . وفي تلك الاثناء بلغ جميع المعتقلين التهيء امام الباب للذهاب الى المرافق الصحية ( دورة المياه ) وبينما نحن خارجون من المعتقل جاءني الجندي المكلف البطل الشجاع اسطيفان القس شمعون وكانت معرفتي به قليلة وسطحية آنذاك ، الا انني كنت صديقا حميما لشقيقه حبيب وبعلاقة كبيرة مع شقيقه الكبير لويس صاحب استوديو في شارع المشجر في بغداد . قال اسطيفان بتعجب : لماذا انت معهم يا نوئيل ؟ فقلت له ارجوك ابتعد من هنا كي لا يتهمونك بالتعاطف معنا ولربما يشككون في امرك ، وقد تعتقل انت ايضا . قال لا تهتم قل لي ماذا تحتاج كي اجلبه لك فورا . قلت له اننا بدون طعام وشراب منذ يوم امس . ثم غادر على الفور. ولدى رجوعنا من المرافق الصحية وجدته بانتظارنا ومعه الرز والمرق والصمون العسكري والشاي . فشكرته على جميله وشجاعته المتناهية حيث غامر بحياته من اجلنا ، علما بان كافة الاصدقاء تبرأوا منا وكانوا يمتنعون عن الكلام او حتى النظر الينا خوفا من العاقبة . على كل حال استلمنا المواد الغذائية ، وامر الحارس بادخالها الى غرفة المعتقل ، ثم تناولنا طعامنا وشربنا الشاي بفضل ذلك الجندي الشجاع والذي لم يذهب من مخيلتي حتى هذه اللحظة ، ولا زلت اشكره كلما التقيت به واذكره عن جميله الذي لن ينسى ابدا . هذا وبعد دقائق ضرب الحرس السلسلة الحديدية على الباب بقوة ولدت صوتا مخيفا هزنا جميعا ثم نادى على احد المعتقلين فلان الفلاني : تفضل للنزهة السياحية ، يقصد بها غرفة التعذيب ، وهكذا اخذ التحقيق مجراه ولعدة ايام الى ان وصل الدور الى النائب العريف متي : اخذ متي الى غرفة التعذيب ، وكلما كانوا يضربونه يبكي ويصيح ( وو آوي ، وو آوي ، هالوخ قشي أبرخ ما كيلي كحاصلي ) ومعناها " ابتاه ، ابتاه ، تعال انظر ما يحصل لابنك " ، ومن شدة الضرب اخذ يفقد اللفظ الصحيح، فعوضا من ان يقول ( آوي ) اخذ يصرخ ويقول ( واوي ويوي ) ، ولما سمعه احد المسؤولين قال نزلوه ووقفوا الضرب ، ثم قال بتعجب : اول مرة اشوف واحد من ينضرب يصيح ( واوي ويوي ) ، وهكذا اكتفوا بضرب وتعذيب ن.ع متي ثم ارجع الى غرفة المعتقل ، وهكذا تم التحقيق مع المعتقلين واحدا بعد الاخر الى ان جاء دور زميلي عبد هرمز الذي كان متهما بسبب قراءته جريدة " اتحاد الشعب " في الكراج اثناء الواجب . اقتيد عبد هرمز الى غرفة التعذيب بصورة غير طبيعية وظالمة وكانه مجرم خطير او قطب شيوعي كبير . وبعد ما يقارب الاربع ساعات من الضرب والتعذيب ارجع الينا وهو متكأ على جنديين من الحرس لعدم تمكنه من الوقوف من شدة التعذيب ، ولما نظرت اليه فلم اعرفه في بادئ الامر ، نظرا لكثرة الخدوش والجروح والدم الموجود على وجهه ، الى ان قال تكيني على الحائط رجاءً ، فعلمت انذاك انه عبد هرمز . ثم قال بحزن شديد : هل تعلم ان العريف توما قد قتل ؟ فقلت يا للاسف ألهذه الدرجة هم قساة ؟ قال : شيء لا يصدق ، فانا خوفي عليك يا نوئيل لانهم ذكروا اسمك فلربما الآن دورك . فتالمت كثيرا للعريف توما ، وبينما انا غارق في التفكير ، ضربت سلسلة الحديد ( الزنجيل ) على باب المعتقل بقوة ، ثم نادى الحرس : نوئيل عوديش بطرس ، قلت : نعم ، فقال مستهزئا : تعال لنذهب الى اهلك ! ولما خرجت كانت الساعة تشير الى اكثر من الثانية ليلا ، كما كان الظلام دامسا بحيث لم استطع معرفة الشخص الذي اقتادني الى غرفة التعذيب ، ثم وضع وصلة قماش على عينيّ ومن ثم سلمني الى مجهولين لا اعلم من هما ، الا انني سمعت احدهما يقول للآخر : كيف يهون عليك وانت تسلم نوئيل اخينا وصديقنا الى مسؤول التعذيب ، فمن الصوت علمت بانهما من اعز اصدقائي وكانا غانم حمد من الموصل ، قحطان حسين ( ابو يعرب ) من الفلوجة ، ثم همس بأذني قحطان وقال : لا تخف يا نوئيل سوف نحاول انقاذك من التعذيب قدر الامكان. بالفعل وصلت الى غرفة التعذيب ،حيث تم تسليمي الى احد المسؤولين ، ثم غادر غانم وقحطان المكان الى جهة مجهولة ، ثم جاء المسؤول ورفع قطعة القماش من عيني ثم قال انظر الى هناك : من ترى ؟ فلما نظرت الى الكرسي كتمت انفاسي وحاولت الضغط على نفسي من البكاء فلم استطع ، فلقد رأيت بعيني العريف توما ياقو مقتولا وقد القيت جثته على الكرسي . قال المسؤول : لازم صديقك حيل ؟ فقلت له : الكل اصدقائي في الكتيبة من جندي الى ضابط ، لانني احب واحترم الجميع ، والكل يحبني ويحترمني . قال هل تعرفه ؟ قلت : نعم انه العريف الالي توما ياقو ، في هذه الاثناء دخل كل من غانم حمد وقحطان حسين وطلبا من المحقق الذهاب الى خارج الغرفة ، لا اعلم لماذا ، ثم تقدم الي قحطان وقبلني وكذلك غانم وقالا : كيف يهون علينا وانت في غرفة التعذيب ، لقد دبرنا كل شيء من اجل انقاذك لاننا نعلم جيدا انك بريء ، والان لنرجع الى غرفة المعتقل ، وعليك ان تأن وتون وتصيح آه رأسي ، آي كتفي ، آه رجلي ، وكأننا عذبناك ، وذلك لتغطية عملنا كي لا ننكشف ، فشكرتهما جزيل الشكر لوفائهما واخلاصهما لي ، وبينما نحن راجعون الى المعتقل سالت قحطان : لماذا قتلتم العريف توما ؟ قال : والله العظيم ما كنا نريد ذلك ، الا ان عدوه اللدود ن. ع. عبد الحسين هو الذي فعل ذلك . فقلت في نفسي : ألهذه الدرجة يصل الحقد والكراهية بالانسان ان يعذب صاحبه ويضربه حتى الموت ؟ ولما وصلت غرفة المعتقل ، وجدت زميلي عبد هرمز منتكيا على الحائط وعيناه مغمضتان فساورني الشك واخذت انادي عليه بدون شعور : يا عبد يا عبد يا عبد ، ولما فتح عينيه قلت : الحمد لله انه سلامات . ثم سالني : هل ضربوك ؟ قلت : لا ، قال الحمد لله ، طبعا لم نذق طعم النوم اطلاقا . وذلك بسبب الخوف والتفكير والقلق بالاضافة الى ضيق الغرفة . هذا وبقينا ننتظر مصيرنا . فالبعض يقول : سيطلق سراحكم ، والبعض الآخر يقول سوف تطردون من الجيش ، والقسم الاخر يقول : طالما انتم ابرياء ما عليكم شيء وهكذا . المهم ولّى ذلك النهار ، وفي المساء كالعادة خرجنا للذهاب الى المرافق الصحية ، وبينما نحن سائرون في الطريق ، لفتت نظري امراة تصرخ وتقول للحرس : يقولون بان ولدي عندكم لماذا تقولون لا ؟ ويصرخ الحارس بوجهها ويقول : اذهبي فتشي عنه في وحدة اخرى. بينما نحن راجعون : سالت الحارس الذي معنا عمن كانت تسأل تلك المرأة ؟ قال : كل يوم تأتي تبكي وتصرخ تطالب بولدها ، قلت له هل تعرف من هو ولدها ؟ قالها بكل وقاحة : العريف توما ، فصرخت في وجهه وقلت يا ظالم العريف توما مقتول وملقى على الكرسي في غرفة التعذيب ، لماذا لا تسلمونه الى امه ؟ وفي تلك الاثناء جاء قحطان حسين وقال ماذا جرى لك يا نوئيل ؟ صوتك يصل غرفة الآمر ، فاخبرته بالموضوع ولما ذهب وجد الامرأة قد غادرت بعد ان يئست من وجود ولدها في الكتيبة لتبحث عنه في سجون اخرى ، وما اكثرها تلك الايام . ثم رجع الي قحطان وقال يا اخي .. العريف توما قطب شيوعي كبير ، وهو في التنظيم العسكري ، لا تسال عنه ولا تدافع عنه . فقلت له يا اخي هذا ظلم ، قتلتم الرجل سلموا الجثه لاهلها ، ثم قال : جئت لابلغك بانك وبعض الموقوفين معك ستنقلون الى مكان آخر ، اتمنى ان يطلق صراحكم . فشكرته على موقفه معي وطلبت منه ابلاغ سلامي الى غانم حمد ، ثم ابلغنا ليلا بالتهيؤ والوقوف امام الباب الى ان جاءت سيارة عسكرية ، فاقلتنا الى سجن رقم 1 ومنه الى معتقل رقم 2 في الكلية العسكرية . وهكذا استشهد العريف توما بسبب انتمائه السياسي واخلاصه للمبدا الذي آمن به من ناحية ومن ناحية اخرى ذهب ضحية الحقد والكراهية التي كان يكنها النائب العريف عبد الحسين . علما بانه كانت هناك اعداد من السياسيين ولم يلحق بهم الضرر كالذي حدث للمرحوم العريف توما ياقو . رحمة الله عليك يا توما ولاهلك وذويك وزملائك الصبر والسلوان . آمين .           
 
nabeeldamman@hotmail.com
September 08, 2008

265
لقاء تراثي شيِّق مع العم عوديشو زورا بدي
أجراه : نبيل يونس دمان

     يأسرني الرجل بكياسته وبساطته وأدبه الجم، لذلك تاقت نفسي ان اجلس معه واسمع احاديثه التي تمتد الى النصف الاول من القرن الماضي وهي مشبعة بالمحبة والصدق، وروح الانتماء الحقيقي الى البلدة التي انجبته، وانجبت العشرات ممن لن يغفلهم التاريخ يوماً .
 

   العم عوديشو حريص على الاتصال بي كلما وجد فرصة مناسبة، آخذاً بعين الاعتبار وقتي الذي امضيه مضطرا للعمل، هذا البلد رغم خيراته الكثيرة وحرياته الواسعة، يضيق على الكثيرين فرص التمتع بالحياة المتنوعة بحكم طبيعة الاعمال. لاعود الى محدثي، هذا الانسان المتواضع الرزن وهو يروي بعض مما انطبع في مخيلته وقاوم الزوال لسنين طوال. اخبرني ان ولادته كانت في عام 1926 في القوش، ومنذ ان شب على الحياة مارس العمل بأناة وتواصل، تارة مع والده زورا واخيه الاكبر عيسى وتارة اجيراً عند الاخرين في اعمال الزراعة، في معصارة الراشي ( الطحينية ) التي كانت تعود لهم في وقت من الاوقات ثم عند معاصر البلدة. في عام 1940 فتح دكانا في السوق، وبعد مدة كنت ترى العشرات من الايزيدية بخاصة امام دكانه، حيث وهب قابلية لكسب ودهم وثقتهم، وكنت تراه دائما بين القرى الايزيدية بائعاً وشارياً والجميع يستحسن التعامل معه لنزاهته، واكتسب ليس فقط وسيلة المعيشة بل تعداها الى ان يتكلم بطلاقة اللغة الكردية، ويتذوق اغانيها الجميلة التي لا زال الى اليوم يحفظ العديد منها ، وقد استمعت اليها في الاشرطة المسجلة، وكررت سماعها لما فيها من ذوق رفيع في انتقاء الكلمات، وفي افكارها الملهمة المنعشة في تلك الازمان من حياة قرانا وريفنا المحيط بعاصمة العالم القديم نينوى العضمى. تحدث عن بداية شبابه وهو يعمل في سني الحرب العالمية الثانية في مشاريع عسكرية في غرب القوش مرورا بالقرية بهندوايا التي اقيم فوق نهيرها جسرا كونكريتيا يكاد يكون اول دخول لمادة البناء ( السمنت ) الى محيط البلدة، ولكن ضعف الجسر وربما الاستعجال في اتمامه دون مراعاة المواصفات الفنية ادى الى زواله لكن اثاره لا زالت باقية، عمل عوديشو في تلك المشاريع تحت امرة المقاول الثانوي حنا عوديش ولا زال يتذكر ايامها. وتحدث ايضا عن خدمته العسكرية ودفعه البدل النقدي البالغ 50 دينارا آنذاك ، وكذلك زواجه عام 1945، وتركه البلدة عام 1962 بسبب احداث الشمال واستقراره في بغداد لعدة عقود ، قبل ان يحط عصا الترحال في اميركا. تحدث ايضا عن فترة الرابع عشر من تموز حيث كما اسلفنا كان صاحب بقالة في السوق يروي بعض الطرائف عن تلك الفترة منها : حدث امامه ان كان يجري تبليط السوق بالاسفلت وكان العمال طوال النهار ينقلون من الزنابيل لفرشها في الماكن التي لا تصلها الفارشة، عند العصر شوهد احدهم يقلب زنبيله في قارعة الطريق وكان يفترض ان يوصله الى امام بيت شمّو تاتا ( مقدسي ) وعندما اعترض البعض على فعلته تلك قال : انظروا الى الوقت انها الرابعة وحسب قانون العمل اتممت ثمان ساعات عمل وحان وقت انصرافي ( لعشرات السنين اللاحقة وربما الى اليوم لا زال ذلك الكوم من الاسفلت في مكانه ) . عندما كان احد المواطنين  قد وصل في بناء بيته الى مرحلة التسقيف اي ختم قبة الغرفة النصف كروية ، لم يأت العمال في اليوم التالي لانه صادف الاول من ايار عيد العمال العالمي الذي استحدث لاول مرة عطلة رسمية، مما اغضب صاحب البيت فشتم ذلك اليوم بطريقة ساخرة امام مسؤول نقابة العمال آنذاك بتي دكالي .
      والان ندع العم عوديشو يروي حكاياته التي حفظها كشاهد عيان او ما تناقلته ألسُن الكبار في مواظبته حضور جلساتهم الشعبية في السوق بخاصة، ذلك المكان الذي يتجمع الناس فيه كل يوم من مختلف الاعمار والافكار والمشارب تتناقل حكايات السلف التي تتصف بالاقدام والإباء، من اجل الحفاظ على تربة بلدتهم من التدنيس ، ومن اجل مواصلة سيرة ابائهم الذين يرقدون على ذلك الثرى فوق التل وسطها، اجيال واجيال ستمضي بثبات على ذات الطريق دون انحراف، وحتى بلوغ الاماني في نيل الحقوق وانتزاع اعتراف الاخرين :

(1) حادث بتي كجو :
     كان السقلي جاويشاً ( عريف عثماني ) تركيا متشددا ومعروفا بقسوته، يتمشى في احد ازقة البلدة، أحس من خلال جريان ماء صابوني حار، خارج احد البيوت الفقيرة، بأن ربة البيت تستحم في الحمام ( حميمية ) فاندفع يريد التحرش بها ، فما كان من المرأة الا رفع صوتها عاليا، رافضة طلبه مشاركتها الحمام، فتجمع الناس في الزقاق لا يجرأوا على عمل شيء ، في تلك الاثناء مر من هناك العم بتي كجو ( ساعور الكنيسة فيما بعد ) فاستفسر عن تجمعهم فاجابوه بالحقيقة، هنا اندفع الى داخل البيت وضرب عدة لكمات قوية الى السقلي وانسل خارجا ثم توارى عن الانظار ، وظل السقلي يسأل عنه ويقول " لن افعل به شيئا ، فقط اريد ان اعرف اي نمط من الرجال ، هذا الذي تجرأ ومسّني ، حتماً ان له قلبان ".
(2) الفرمان بحق الاثوريين :
    الفرمان بدأ في مطاردة الاثوريين من قبل الجيش العراقي، وفي سميل تم تجميع مئات الرجال بعد نزع اسلحتهم غدراً، ثم اعدموهم كل سبعة رجال بطلقة واحدة، الاثوريون المحيطون بالقوش لجأوا اليها فاخذ الاهالي الحذر والحيطة، استقرت بعض العوائل الاثورية عند اصدقائها والبعض في القناطر والظلال حيث الوقت شهر تموز القائض ، ذهب ( يوسف بولا اسمرو) الى ( بهجت قليان ) مدير الناحية ، واستفسر منه عن ما تنوي الحكومة فعله فقال اذهبوا وعالجوا الموضوع في الموصل ، فارسل الاهالي السائق ( يوسف متيكا صارو) الى البطريرك مار يوسف عمانوئيل لايجاد مخرج للازمة. في البلدة دار الدلال في البلدة مناديا الناس باخراج ( المجرمين ) من بيوتهم والا يعتبرو مساندين لهم، طالب الالقوشيون بتمديد مهلة تسليم الاثوريين فكان الجواب ان لا تأخير في ذلك، العم ( بتي كجو ) قال في تجمع يبحث مصير البلدة بانه يتكفل بالهجوم على مربض مدفع نصب شمال البلدة في موقع كهف المياه ( كبد مايه )، اما أيسف بولا فخاطب الشباب قائلا ً:
خذو الحيطة وتهيأوا للقتال فانا ذاهب الى مركز الشرطة فاذا تأخرت لاكثر من ساعة من الوقت، اهجموا ، اطلقوا الرصاص علي والمركز معاً ، وليحدث ما يحدث فالدم الزكي لن نسلمه ( في اشارة الى اللاجئين ).
      عندما اخبر يوسف صارو غبطة البطريرك بالحال اجابه بان يتوكلوا على مريم العذراء ، فصرخ يوسف " سيدي انا رأيت بعيني مريم العذراء هاربة من البلدة " هنا ادرك البطريرك الهمام ذو الكلمة المسموعة خطورة الوضع، فاجرى اتصالات سريعة اثمرت في بطلان الفرمان ونجاة البلدة وما تبقى من الاثوريين المساكين .
(3) قضية اخي عيسى :
     كان والدي زورا بدي قد كفل احد الاخوة الايزديين عند ( يلدا صحب ) في كمية من الحبوب، في ظل الاوضاع القائمة ايام الفرمان لم يرجع الأيزيدي دَينه، طالب يلدا صحب بها، فارسل الوالد ابنه عيسى الى قرية ( باقاقا ). عند وصول عيسى اليها لم يكن الشخص حاضرا فجلس ينتظره حتى العصرحيث كان في حقله ، قال له عمي و بالكردية ( مامو ) اعطني الدين الذي بذمتك فالدنيا ليست بخير والطرق خالية من المارة ، فقام الرجل بكيل الحبوب وساعد عيسى في تحميلها، ودّع عيسى الرجل وسار في الطريق حتى منتصفه، وعند تل اسمه ( كري بلالوك ) لاح امامه سبعة فرسان مسلحين وهم يقطعون عليه الطريق، اربكته المفاجاة وفيما المطايا يجدّون في سيرهم الى الامام ، تركها تمضي، وتسلل بخفة الى ساقية لمحصول الرز، ووجه بندقيته اليهم وكان معه 24 مشطاً في صفين ( تري رَختِه )، وضعها في حضنه مخاطباً نفسه " يا إلهي لما البندقية والذخيرة معي، أليس لهذا اليوم "، سمع احدهم الممتطي حصانا ابيضا يقول " انا الذي اتكفل بقتله واخذ حميره "، حقدت عليه اكثر وقلت ساقتل على الاقل ثلاثة منهم قبل ان أۥقتل . استمر حميري بالسير فيما سمعهم يحدثون بعضهم ان يدرأوا شره ، فلو لم يكن شجاعا لما خرج في يوم مضطرب كهذا، فتركوه ليلحق بحميره ويواصل طريقه. الفرسان السبعة توجهوا الى مطحنة حبوب ( رحى ) في قرية ( قصرونا ) كانوا غالبا ما يطحنون حبوبهم دون ان يدفعوا ثمن ذلك من باب القوة، هناك قابلوا رجلاً من القوش اسمه (ججو حيدو) فقالو له " قبل قليل صادفنا في الطريق القوشياً، فاردنا ان نمزح معه فذعر مما حدى بنا ان نتركه "، في اليوم الثاني سأل ججو اخي عيسى " هل خرجت من البيت امس ؟ " فقال " نعم " ولماذا تسألني ذلك، فاخبره بما سمعه من الاغراب، فاجاب أخي " انهم شوهوا الصورة وكانت نيتهم سلبي وربما قتلي، فلما رأوا استعدادي للتصدي لهم ، انتابهم الخوف فتركوني وشأني " وبالسريانية ( خزيلي دوئه، خموصيلي ).
(4) سادونة بولا والغريب :
     في ايام الفرمان ايضاً ، تواجد في سوق البلدة احد القرويين فتقدم الى صاحب الدكان سادونة بطلب مكيالين من السكر ( كلا) فسأله عن ثمنها فقال سادونة روبيتين ( ما يعادل 150 فلسا ) فقال اعطيك روبية واحدة فقط فاجابه صاحب الدكان بان سعره روبيتين فاجابه القروي " افضل لك ان تبيعه اليوم بروبية واحدة من ان تضطر غدا ببيعه مجانا ( ضمنا يلمح بالاحداث المقبلة ) " . غضب سادونه ولم يعجبه ذلك الكلام فصفعه على خده ، في تلك الاثناء وصل سنحاريب بولا يستفسر عما يحدث فاجابه سادونة بالقصة ، مما حدا بسنحاريب ان يسأل بصوت عالي " اين جوكا غزالة الشجاع " فتجمع الناس حول جوكا الذي امر كل القرويين من القرى المحيطة ان تترك السوق حالا والا ستتعرض الى عواقب وخيمة ، وهكذا لم يمر وقت طويل حتى اصبح السوق خاليا من كل الغرباء .
(5) حكاية ججو تمو :
     العم ججو كان جالسا يوما في دكانه بالقيسرية جاء اليه شيخ اسمه حسن، جلس عنده في القيسيرية، اما رجال الشيخ فقد انتشروا في السوق ياخذون ما يريدون من الدكاكين دون دفع الثمن ( شبه فرهود ) عندما يقول صاحب الدكان اصبح حسابك كذا ، يتنكر ويقول نحن لا ندفع شيئا ، عندما سمع الناس في السوق ذلك انسحب غالبيتهم الى بيوتهم ، هنا خاطب ججو تمو الشيخ قائلا " الوضع اصبح منذرا ، خذ رجالك واترك السوق انهم ياخذون الحاجيات مجانا ذلك لم يحدث عندنا، لسنا مستعدين لدفع الخاوة ( نوع من الجزية ) " . اذعن الشيخ للامر وفي الطريق لمح احد رجاله القوشيا يحمل في جنبه كيس للتبغ فيه نقوش وزخارف جميلة ، فتقدم منه احدهم لاخذ كيسه عنوة فرفض صاحب الكيس المدعو حنا ( مشمشّا ) كتو، فطرحه ارضا يريد ذبحه ، تجمع الناس في الموقف وصادف مرور منصور تغو الملقب ( بجي بلو ) فقال ما هذه اللمة فقالو يريدون ذبح حنا لانه رفض اعطائهم كيس تبغه ، قال اطلبوا اولادي حالا ، وجاء اولاده في الحال، هنا صاح بجي على الشيخ حسن بالقول ( حسنكو ، حسنكو ) علامة التصغير نحن لم نعط الخاوة لاحد في تاريخنا اذهب واسال ابائك واجدادك هل دفع اهل القوش الجزية يوما ، وحدثت حمية بين الشباب لا سابق لها واشبعوا رجال الشيخ ضربا وصادروا كل ما يملكون فغادروا البلدة منكسرين فيما سيقت حُصنهم الى سرداب رئيس القوش انذاك زورا بوداغ ، بعد ايام توسط عند القوش احد الاغوات فاعادوا لهم البغال عارية اي من دون سروجها واغطيتها ( جاجـِمِّه ).
(6) حادث مقتل العم تومي :
     ذهب العم تومي صباح احد ايام صيف 1924 الى بيدره، القريب من تل المقبرات ( مقابل بيت يوسف باخوخة )على اطراف القرية للتزود بقليل من المونة ،في ذلك الوقت كان  بيت توحلة الموصلي ضامنا امور الاستهلاك، جاء اليه مسلحان وارادوا منعه من اخذ الحنطة، فقال انها كمية قليلة للبيت فمنعوه، حدثت مشادة كلامية انتهت باطلاق احدهم رصاصة اصابت العم تومي في رجله ، حدثت ضجة في البلدة ووصل الخبر بان العم تومي قتل، القتلة هربوا باتجاه الموصل عن طريق ( كرا - ماكنان) في ذلك الزمان كانت الخيول كثيرة في البلدة فهبوا الفرسان في اثرهم وقطعوا طريقهم، دارت معركة بين الفريقين انتهت بأسر الرجلين، فسيقوا باتجاه دير الربان هرمزد، احدهم كان يسوقه حبيب حموشّه فسأل بجزع " يمّا ! لماذا تاخذوننا باتجاه الجبل، هل تنوون قتلنا " واصبح على حافة البكاء ، فلم يكترث حبيب ، بل انتهوا الى مصيرهم المحتوم جراء ما ارتكبوه من جرم بحق طبيب القوش الشعبي يوسف اسطيفو اودو ( العم تومي ) .
(7) محاولة سرقة بيتي :
مقدمة :
    ( قبل ان يبدأ العم عوديشو بسرد الحكاية التالية، بادرت بتذكيره بها، حيث وانا طفل لي من العمر ثمان سنوات حدث اطلاق نارمن جهة محلة خيبرتا، في الصباح سمعنا ان عوديشو بدي خاض معركة ضد اللصوص).
      الان ابدا بقضية صغيرة تخصني انا عوديشو، في احد ايام عام 1959،ايقظتني زوجة اخي الكبير من نومي قائلة " قم يا عوديشو انهم يطرقون على الباب الشمالي ( يعود لمعصرة قديمة ) " ، قلت لها " اذهبي، لقد جلست من نومي ". شرعت بارتداء ملابسي ، في ذلك الزمان كان لي بندقية دارجوي ( مجازة رسمياً ) وفي نفس اليوم كنت قد اشتريت بندقية انكيزية ، فحشوت البندقيتين بالرصاص ووضعت المسدس في جيب معطفي ( كان الوقت شتاء ) وخرجت لا اعرف ماذا في الخارج سوى قول المرأة انها سمعت اصوات، لمحت احد اللصوص امام المعصارة القديمة ( كانت مؤجرة لبيت الياس كولا حيث يقتنون فيها 130 رأس غنم ). كان يقلع الباب لاجل سرقة الاغنام ، وجهت البندقية واطلقت باتجاهه، فانقلب ثم نهض وغير موقعه تاركا ادوات معه من قبيل مفاتيح وفأس ومطرقة، كان هناك اثنين لم استطع تمييزهم فوق سطح المعصرة فاطلقوا رصاصتين باتجاهي
 

، رديت اطلقت فاطلقوا ايضا ، كانت احدى البندقيتين عادية والثانية خاصة بالصيد ( كسرية ) احتطت من اطلاقة الكسرية لان رصاصها على شكل كرات صغيرة الحجم وتعد بالعشرات فقلت ربما تصيب احداها عشوائيا عيني ، غيرت موقعي الى الداخل واشرفت من شباك المنزل كما وتركت جانبا بندقية دارجوي وتناولت الانكليزية وفي مخزنها عشرة طلقات، فاطلقت اربع رصاصات باللصوص ، تسلل اللصان من السطح الى الخارج وتبعهم الذي كان في الفناء ( الحوش ) وانسحبوا باتجاه الغدير ( شرق البلدة ) قمت صعدت على سطح المنزل ورميت اربعة طلقات اخيرة خلفهم فيما تواروا عن انظاري.
     كما اسلفت كانت اغنام بيت بتوزا في حوش بيتنا ودفعهم قلقهم على املاكهم للخروج ، فصاح العم موسى " ماذا يحدث يا عوديشو " فقلت " لاشئ " ، انزعج من جوابي المقتضب قائلاً " لماذا إذن هذا التصرف الأرعن باطلاق الرصاص " ، لم اجبه لكونه صديق اخي واكبر مني سناً ، بعدها خرج شقيقه رحيم فدار من خلف المنزل وعندما همّ بتفقد اغنامهم، شاهد حائط سقيفة جارنا ( بنـّو حيدو ) متهدما، كان في ظن اللصوص ان في ( البنكلة ) الثانية اغنام فعندما تسللوا، لم يعثروا الا على بقرة فقطعوا وثاقها وسحبوها الى الخارج لسوقها معهم ، وكان في المكان ايضا كيسا كبيرا من التبن ( خراره) ، عندما شاهد رحيم بام عينه ذلك الثقب الكبير في جدار البنكلة احتاط ان يكون لا يزال احدهم مختفيا في الداخل فرجع الى منزله ليخبر اخيه موسى بان ضرب الرصاص لم يكن طيشاً بل معركة حقيقية مع اللصوص.
(8) كليانا الصغير ( زورا ) :
في احد الايام كان اخي عيسى يجهز الجص الى بيت ( اسرائيل سيبانا ) في موقع تحت خزان الماء الحالي وقرب بيت هرمز كزينا ( الصفار ) ، في تلك الاثناء واخي منهمك في عمله مر به رجل اثوري مهاجر الى القوش اسمه كليانا زورا ( اي الصغير ) فسال :
- مامي ( عمي ) اين ذهب المسلحين ؟
فقلت :
 - امامك في منتصف الطريق الى قمة الجبل، ولماذا السؤال ؟
فقال :
- اريد مصادرة اسلحتهم .
فقت :
- كيف ، وانت بدون سلاح ؟
فاجاب كليانا زورا بثقة عالية :
- في جيبي مسدس ( دبنجه) وبه ساقطع طريقهم .
 تسلق كليانا الجبل بخفة وقطع طريقم عن طريق فرعي كانت تستخدمه النساء لنقل الحطب ويسمى محليا ( ارخد كراثه ) هناك برز لهم بمسدسه صارخا بتسليم بنادقم فلم يكن لهم بد سوى الاستسلام ، فحمل البنادق وعددها ثلاث على كتفه حتى بيته مقابل بيت رئيس القوش انذاك يوسف بولا اسمرو اي في بيت منصور تومي . بعد مدة سمع الناس صوت مرور الخيل وبساطيل الشرطة ، فنبهوا كليانا الى ذلك وقالوا استعجل بالمغادرة قبل وصول الشرطة. حمل كليانا البنادق الثلاث وصعد الى التل المقابل وجلس فوق  قبر الياس بولا المقبّب ، لاحقوا الشرطة كليانا حتى بيت شابا كتو المشرف على الوادي توقفوا هناك ، ظلوا ينظرون اليه وهو ينظر اليهم، كان الوقت عصرا فانزل كليانا غطاء راسه ( كسيثه ) قرب عينيه وهو ينظر اليه وهم ينظرون اليه . غابت الشمس واقبل الليل فرجعت الشرطة الى مركزها اما كليانا فحمل البنادق مرة اخرى عائدا الى مسكنه .
(9) نهاية السقلي :
 السقلي كان تركيا انتهت مهمته بعد  انتهاء العثمانية فبقي في الموصل يعمل مامور استهلاك ( شحنة ) عند بيت حمدون ، كانت قرية طفطيان عائدة الى شاكر افندي وعند قدوم موسم الحصاد كان السقلي ياتي الى بيادر تلك القرية ليراقب المحصول من ان ينقلها اصحابها دون دفع الضريبة . كانت السيارات تصل حتى الجراحية من هناك مان السقلي يمشي حتى طفطيان ، في منتصف الطريق هناك واد عميق كثيف باعشابه وادغاله . الجماعة سمعوا بقدومه ، كان هناك شخصين اشوريين احدهما كليانا الكبير والثاني الصغير تحركا ومعهم ثالث من بيت قلو الالقوشي واسمه عيسى الملقب ( زقانه ) . ذهب الثلاثة وقطعوا طريقه عند ذلك الوادي واسروه ، قالو تعال الينا لناخذ حسابنا منك فقال على بخت الله ، فقالوا ما هو الشيء الجيد الذي ارتكبته في حياتك ، حتى نعطف عليك ، سوى السيئات وخصوصا في القوش. فسحبوه الى عمق الوادي ليلقى بئس المصير الذي استحقه ، جراء جرائمه في البلدة .
( 10 ) قضية حنا اسطيفانا :
     في ذلك الوقت كانت الحكومة ضعيفة والوضع تائه ( فلتان ) ، القتلة يسرحون ويمرحون بحريتهم . حنا اسطيفانا كان يحرس اغنامه في قرية بهندوايا ، عندما داهمه قطاع الطرق لسرقة اغنامه . رفض طلبهم بتسليم القطيع ، اخذوا يطلقون النار عليه وهو يرد بالمثل ، جرح في رجله ورغم ذلك لم يسلم الاغنام ، جاءت نجدة من القرية ومن بينهم العم رزقو واسحق بوتاني ( بوتنايا ) وغيره. كان سلاحم انكيزيات فاطلقوا حتر سخن معدن سبطانة البندقية فلم تعد تصل الطلقات الى المهاجمين . تذكر احدهم بان اوسطه الرحى المدعو صليوو دهنايا ( اصله من دهي ، متزوج ويسكن القوش وهو والد القس الراحل هرمز ) ان بحوزته بندقية لا يسخن معدنها نوع دارجوي . طلبوه في الحال وصار الاطلاق مركزا وفاعلا باستخدام الدارجوي فهرب اللصوص حاملين قتلاهم وجرحاهم وعاد اهالي بهندواية غانمين الى بيوتهم .
( 11) گليث ابن شماشا كنو :
      في فترة قريبة من الفرمان المعروف كان گليث ياتي الى القوش ويقول قوموا يا اهل القوش بمساعداتنا في الانتفاض والمطالبة بالحقوق ، فقالو له نحن لا نساعد في قضية خاسرة، انتم كلما تجمع منكم عشرة مسلحين تقولون سنستلم الحكم، حتى لو جرت انتخابات حرة فنحن نسبتنا الى سكان البلاد 6% ففي كل الاحوال سنخسر وتكون الحكومة لهم .
نظم احد الايزيدية اغنية بالكردية في كليث تقول :
أسي كتيمى ، دشته القوشي
دشتك بانه، آخكا صورا
هاوار بكم هاوار ، نه أي
لاود القوشي هاواراما ، نه أي
 ( تواجدت في سهل القوش ، سهل واسع ، ترابه احمر ، هناك استنجدت ولكن لم يصغ الي احد ، الالقوشيين الأباة لم يأتوا لنجدتي ) .
     لما رجع الى البيت واخبر اهله بالامر ، قال والده تعالوا نخوض المعركة لوحدنا ، ندافع عن انفسنا وحلالنا . ثلاثة ايام وغنمهم ودوابهم لم تغادر مأواها وظلت تلك الحيوانات تطلق اصوات اصوات العطش والجوع ( بعايه ) والناس المخربين يحيطون بالقرية ، لاجل سلبها ( فرهود ) ، اطلق الشماشا نداء الى الاهالي بفتح ابواب مآوي الحيوانات ، فخرجت بقوة وتزاحم الى الفضاء الخارجي كانها تغادر سجن طويل ، هنا تصرف رئيس القرية بحكمة ودراية ، يقول مطلع اخر لاغنية نظمها الايزيدية بالقول: 
شماشا كنو بابي داؤودي.
كاكي گليثي دستيخو بهليني.
دستيخو لداري انگليزي بشدني.
پاكيتي سر پاكيتي بحشني .
افرو تخمي دّجمني.
شعردي خدي بقليني.
 ( نادى الشماس كنو ، والد داود شقيق گليث المعروف : ارفعوا ايديكم ، اضربوا بقوة على اخمس البندقية ( نوع انكليزي ) ، عبأوها مشطا بعد مشط ، في هذا اليوم سنفني الاغراب ، من وجه الارض )

   تزاحم اللصوص على القطعان الشاردة من القرية ، فاغتنمها الرماة المهرة وعلى رأسهم الشاب كليث فرصة لقنص الاعداء واحداً تلو واحدٍ ، فسقط منهم العشرات فيما ظفر اهل القرية المحاصرة ( ماكنن ) بحريتهم .

266
أبا عامل طـَريقـُكَ مُكلـَّلٌ بالأورادِ
نبيل يونس دمان
     يا لهُ من طريقٍ مجيدْ سَلكهُ، ويا لهُ من فِكرٍ رشيدْ اعتنقهُ، رفيقـُنا الذي رَحلَ في غفلةٍ من الزمنِ، غادرنا بطلٌ من ابطال ِالشعبِ، وأحدُ اصلبُ المناضلين في بلادنا، واعزُ وانبلُ من انجبتهُم بلدَتِنا القوش، فيها ابصرَ النورَ، وشقَّ طريقهُ في الحياة، وفيها تشرَّبَ من قيمِ الإباءِ والرجولةْ، واليها عادَ لتحتضِنُه تُربتها الغالية.  لو كان للزمانِ لساناً لنطقَ، ولو كان للمكان فماً لتحدّثَ، عن الانسانِ الوديعْ، الهادئُ، البسيطْ، الذي تُحلـِّقُ روحُه الآنَ في سماءِ الرافِدين، عن ذلك الثوريّ المُكافِحُ، لعشراتٍ من السنين، بلْ قـُلِ الحالِمُ بوطنِ الاجدادِ يَبنيه الاحفادُ، ليسابق الاممَ، مُجدِّدا صَرحَ حضارتِه قبل آلاف السنين. عندما يُحلق نِسرٌ في الاعالي، أوقِنُ انَّ فيه قلبَ سليمان بوكا، وعندما يزأرُ أسدٌ في البراري، أخالُ ان فيه قلبَه، وعندما تتحرك كائناتُ البحر برشاقةٍ وجمال ِ، يُخيـّلُ إليَّ انَّ فيها قلبَه ايضاً.
     ماذا أتحدثُ عن أبي عامل ومن أين ابدأ، هل ابدأ ُ من فترةِ تعيينِهِ مُعلماً في مدرسةِ القوش الاولى ( 1946- 1952) حيث تخَرجَّ على يديهِ اجيالٌ ، ومنهم على سبيل المثال لا الحَصْر : سعيد يوسف اسطيفانا، عمانوئيل موسى شكوانا، وغيرهما، وهل انقلُ ما يَرويه معاصروا تلك الفترة، ما لأبي عامل من شخصية مؤثرة ومُحترمة، من قبل التلاميذِ والاهالي معاً، في ذلك الزمن البعيد نسبياً، كان اغلبُ المعلمين يَستخدمون ايديَهم وعُصيّهم لمعاقبةِ الطلبة، إلا ابا عامل، فكان بهيبتِه واسلوبـِه وطريقتِه الهادِئة، يَفرضُ جَوَّ التدريس المناسب، ويَجعلُ التلاميذ يَنصتون اليه. لم يَكتفِ بتعبِ النهار، فبادرَ مع أقرانهِ في فتح دورةِ محوِ أمية الكبارْ في الأماسي، وقد وَفرّوا فرصَة للكثيرين بان يتعلموا الابجدية َ فتنفعُهم في حياتِهم المقبلة، وبالمناسبة كان والدي وعمي  تلامِذتُه في تلك الدورة، وهُما مَدينان بالعرفان له ولزملائه، تلك الجهود المُضنية التي بذلوها. لم يَمنحُ الاهالي لقبَ الأفندي، الا لِمن يُعدّوا على اصابع اليدِ، ومنهم الراحِل الخالد ( سليمان افندي ).
     في شباط عام 1980 غادرتُ العراقَ في اجازةٍ الى براغ، وفي مقهى ( سلافيا ) الذي يرتادُه العراقيون، ناولني احدُهم جريدة َ " طريق الشعب " السرية ، وفي إحدى صَفحاتِها موضوعٌ ان لم تـَخذلـَني ذاكرتي بعنوان ( بَطلٌ من هذا الحزبِ )، يتحدث عن صمود سليمان يوسف في سجون الفاشِست الذي دخلهُ عام 1978، هناك في زنزانتِه المُظلمة إرتفعتْ بيدِه راية ُ النضال ِِ عاليةٌ. قبلها وفي عام 1963 كان أحدْ نـُزلاءْ قطارَ الموتِ، ومِنهُ سيق الى سجن ( نقرة السلمان ) الرهيب، والذي حولـَّهُ السجناءُ الى مدرسةٍ، تخرجَّ منها مُناضلي شعبنا، من كل قومياته وفئاته السياسية.
     لم يَنلْ من ابي عامل الحيفُ الذي انزلهُ النظامُ به، في استشهادِ زوجتِه يازي يونس تعينو، في حادِثٍ مُدَبرٍ كان يستهدفُه في اواسطِ السبعينات، بين كركوك وبغداد. لم يَنلْ منه استشهاد اخيه الصغير هرمز ( ابو ايفان ) في عام 1981 في جبال كردستان، ملجأۥ الاحرارِ، وقلعةۥ الثوارِ، من اجلِِ الغدِ الأسعدِ لعراقنا. ولم ينل منه فقدانه كل ما يملك، وتشرُّد اولاده في جهات الدنيا الأربع، بل واصل طريقـَه الشاق مقدِماً المثالَ الذي، ستبقى أجيالٌ تِلو اجيالٍ تتخذۥه دليلاً في حياتِها.
       تعلقَ ببلدتِه وأحبّها كثيراً، يَزورها باستمرارٍ كلما سَنحتْ له الفرصة َ، وفي الثمانينات عندما كان قائداً للانصار ومقرُّه في جبهةِ سوران، حيث البُعد الجغرافي يحول دون وصولِ اخبارِها اليه، كان دائمَ السؤالِ عنها، من مُراسلاته اللاسلكية، مع قائدِ انصارِ بهدينان البطل توما توماس.
               
ابطال الكفاح المسلح من على قمم الجبال : توما توماس و سليمان بوكا عام 1987
   في ايلول عام 1995 كتبت قصيدة شعرية بلغتي العريقة اقتطع منها الابيات التالية مع ترجمتها الى العربية :
سليمـَن بْوكـَه مْماثـِد أريـِه أثْ أصلايـَــــــه
كـْمَه گـَهاثـَه مْخيلْ گـَمـِيـَّة ولا بـِترايَـــــــه
حـِبْس ِ خزيلِه دَنْ عاصوتي بـَر ِبْرايـِــــــه
كِمدايـِشلِه أث گبارَّه وْپلِطـْلِه پْخايـِـــــــــــه
يومَه كفايـِتْ وشاتـَه كْأورَه وآوُ رْحْيقـَــــه
خـْواثِد رَبَّنْ أيحيذايَه عَلـْمَه شْويقـَـــــــــــه
بآثِه زونـَه بْباهِر أثـْرَه بْيومَه زْريقـَـــــــــه
ودِجمِنْ دِيـِّحْ پّايـِشْ مْپيلـَه وبْعاقـَه خْنيقـَه
      في اكتوبر عام 1996 أعطاني الزمن فرصة َ الجلوسِ معه، في بيت المربي الراحل جورج جبوري خوشو، هناك تبادلَ الإثنان الذكريات القديمة، التي تعود الى اوائل الاربعينات، وتحديدا عام 1943 عندما عرضت مسرحية في القوش بعنوان " يوسف الصديق " لمؤلفها المطران سليمان الصائغ، ومخرجها الاستاذ جورج جبوري، ومثـّل فيها ابو عامل احدَ الادوار، تحدثوا كل ذلك وامورٍ اخرى، جَعلت الفقيد الكبير يلتفِت اليّ قائلاً " منهم تعلمنا وعلى ايديهم تتلمَذنا ".
     كنت كلما ألتقي ابا عامل او نتكلم في الهاتف، اسألُ عن صحتِه، فكان جوابه المعتاد بانه في صحة جيدة، متجاوزاً آلامهِ ومعاناتِه الطويلة، في صِراعه مع الواقعِ البائسِ، لأجلِ هدفٍ من أربعِ كلِماتْ " وطنٌ حرٌّ وشعبٌ سعيدْ ". وباستمراراطلبُ منه ان يدوِّن مذكراتِه، والآن أجدُها فرصة ً ان اُناشِدَ اولادَه ورفاقـَه لنشرِ ما انجَزهُ في كتابٍ يروي للايامْ سيرة َ هذا الرجل. ولا يفوتني ايضا، ان اُخاطبَ الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان، بان تتذكـَّر ابطالَ المقاومة ضِدَّ الدكتاتورية المقبورة، فـَتخلدُ اسمائَهم، وتهتم باولادِهم واحفادِهم، كجزءٍ قليلْ من الوفاء، لما قدّموه في حياتِهم، وما اجترحوهُ من مآثرٍ، وفي مُقدمَتِهم الشيوعيُّ المِقدامْ، الضابطُ الباسلْ، المحامِيُّ البارعْ، والمعلِم الفذْ سليمان يوسف بوكا.


من اليسار اكرم جيوري، جورج جبوري، ابو عامل ، وكاتب السطور عام 1996

nabeeldamman@hotmail.com

267
مار يوسف اودو والفرمان العثماني


نبيل يونس دمان



    على بعد امتار من بيت البطريرك يوسف اودو ( 1793- 1878 ) وُلدت قبل اكثر من خمسة عقود ، ومنذ طفولتي وفي كل مناسبة دينية ، كانت والدتي تطوف بي حول قبره داخل كنيسة دير السيدة حافظة الزروع ، حيث تزين مرمره الفاخر، صورته التي ابدع الفنان في رسمها ، وهو بعمامة الجاثليق التي سادت في القرون الماضية .
     هكذا كبرت مع الايام وازدادت رغبتي في المطالعة ، عن تلك الحقب من تاريخ المنطقة ، وفي الصدارة بلدتي الشامخة منذ الازمنة السحيقة ، ولازالت تقاوم صروف الدهر، الذي ما برح يؤلم قلوب النهرينيين ، في طول البلاد وعرضها .
     مار يوسف اودو ، سليل مهاجر من تخوما في اقليم حكاري (تركيا اليوم ) حيث الاستقلال وروح المقاومة والبسالة ، استقبل ذلك المهاجر في القوش بالإحترام والارتياح ، لضلوعه في علوم الطب الشعبي ، وهكذا تسلسل من تلك العائلة ، اناس طبقت شهرتهم المنطقة ، واصبح لقب عشيرتهم ملازما لتلك المهنة .
     في صغره صعد مع والده اسحق الى دير الربان هرمزد ، ليبتدأ حياة الزهد والعبادة ، ملبيا ً نداء ربه في الانخراط بالرهبنة عام 1812، فاعتكف في احدى صوامع الجبل المهيب ، زاهداً ، متأملا، وهو يتلقى دروسه الاولى في حياته الجديدة ، على يد الأنبا المارديني جبرائيل دنبو الذي افتتح الدير عام 1808 بعد انقطاع طويل ، بسبب حملة نادر شاه ( طهماسب ) الشديدة الوقع ، والخلافات المذهبية التي اججتها تدخلات المبشرين . في تلك الاجواء نشأ متاثراً بالتجديد الذي ادخله الأنبا جبرائيل دنبو ، ثم تدرج في الرتب الكنسية كاهنا عام 1822، ومطرانا عام 1825.
     وفي نيله لرتبته الاخيرة ، تشاء المصادفات التاريخية ان يكون امامه منافسا ً، واقفا كالطود في طريق رغباته ، ذلك هو المطران ( البطريرك فيما بعد ) يوحنان هرمزد ( 1760- 1838 ) من نفس البلدة ومن بيت ابونا العريق ، اصبحت تلك المواهب التي امتلكها الطرفان وقوداً لصراع مذهبي استمر سنيناً طويلة ، فقسّم البلدة الى قسمين مختلفين ، وتوسع الجدل والخلاف ليصل الى القرى والبلدات الاخرى ، لتكون عاصمة الولاية الموصل ساحته الكبرى والحاسمة ، والكثير سمع بحزبي الطائفة : يوحناني واليوسفي نسبة الى اسميهما ، ولسنا بصدد الكلام عن نشأت مار يوحنان هرمزد ، والظروف التي ادت الى تحوله الى المذهب الكاثوليكي ، الوافد عن طريق الدعاة الغربيين ، وبمساعدة دول قوية ، برزت في العالم اثر الثورة الصناعية في اوربا ، وفي المقدمة ايطاليا وفرنسا .
      صار الصراع بينهم شديدا، وكان القس كوركيس يوحانا والقس الراهب دميانوس كونديرا ، عاملان مؤثران في سير كنيستنا ، والتي اصبحت على ابواب الافتراق التاريخي عن كنيسة الأم المشرقية . عندما نسب المطران اودو الى ابرشية العمادية التي كانت تشمل دهوك ، عقرة ، وزاخو ، ودير الران هرمزد ، كان البطريرك المثير للجدل مار يوحنان هرمزد يعرقل ذلك ، واستطاع ان ينسب اليها قريبه مار ايليا سفرو المرسوم مطرانا في قوجانس ، وحدثت تدخلات من باشا العمادية لصالح هذا الطرف او ذلك ، وسجن على أثرها المطران اودوا مراراً في سجن القلعة ، وفي الموصل ايضا ً ، يطول الكلام كثيرا في هذا الموضوع والذي لا يتسع المجال للخوض في تفاصيله .
     نظرا لعلو مقام مار يوسف اودو، ونشاطه الدؤوب ، ومواهبه ، استطاع ان ينال البراءة السلطانية اي الوثيقة او العهد ، يعرف كتاب بابو اسحق امثال تلك الوثيقة ، بالشكل التالي ( السجل او كتاب العهد او المنشور العالي او البراءة الامامية فكان يشتمل على الحقوق والامتيازات التي تمنحها السلطة المدنية الجاثليق وتخوله الحق في مراجعة السلطات في الشؤون المتمثلة بالطائفة النصرانية ) *  . لقد دأب الباب العالي على منح تلك الفرمانات الى النحل والملل في ارجاء امبراطوريته والتي كان بعضها يخضع لاهواء السلاطين ، ومن ثم يسهل نقضها بين مدة واخرى بحسب الأمزجة ، والنفوذ ، ووضع الدولة . من الجهة الاخرى كانت كل الشعوب المنضوية قسرا الى تلك الدولة ، تسعى في الخفاء والعلن للتخلص من تلك الهيمنة ، وهكذا وقعت انتفاضات وتمردات ، قمعت معظمها بشدة ، والغاية منها ابقاء سيطرة الدولة المستعمرة ، لجني الاموال والضرائب ، ولسوق المجندين من الشباب الى جبهات حربها ، التي لم تتوقف على مدار القرون من حكمها.
      في اوائل القرن التاسع عشر، بزغ نجم قبائل راوندوز ، عرف منهم الأمير مصطفى الذي ادار الدويلة بحكمة وقوة ، فانكسر الجيش الايراني امام صموده في قلعة راوندوز فوق جبال زاغروس الشاهقة ، كما وعجز البابانيون عن قهره ، فعقدوا معه صلح مصاهرة ، وعند وفاة مصطفى بك عام 1926 ، انطلق ابنه محمد الاعور ( ميري كور ) وفي نيته التوسع ، فقتل عمّيه في الحال ، واخضع قبائل البرادوست والشيروان وطرد الحاكم الباباني من حرير ، واخذ  رانية وكوي وألتون كوبري، واربيل ، حتى اضطر والي بغداد علي رضا امام تلك التوسعات ، ان يعترف به ويمنحه الباشوية ** ، وظل يرقب عن كثب فرصة الزحف باتجاه بهدينان ، وفيها الامارة الكردية التي مركزها قلعة العمادية ، وتضم دهوك ، عقرة ، زاخو ، والدير .
     في بداية الثلاثينات من القرن التاسع عشر قامت عداوة بين أغا المزورية وامير الأيزيدية ، فتوسط للصلح بينهم اسماعيل بك حاكم عقرة ، فاقنع الامير الأيزيدي علي بك بزيارة الأغا المزوري الذي مقره في قرية بالطة ( بالاتن ) ، ثم امر الأغا برد الزيارة ، وفي تلك الفترة الفاصلة اتفق سعيد محمد طيار ، باشا العمادية سراً مع الامير الايزيدي بقتل الاغا ، وهكذا في الليلة التي كان الاغا ضيفا في باعذرى مقر الامارة ، اغتيل علي أغا وابنه سنجان اغا . هنا طار رشد مُلا بهدينان المعروف يحيى المزوري ( 1772- 1838 ) ، لكون المقتول عمه ، فغلا الدم في عروقه للانتقام من امير الايزيدية ، وكل محاولاته اقناع حاكمي العمادية وعقرة باءت بالفشل ، وادرك بدهائه ضلوع الأخيرين في المؤامرة ، واعقب كل ذلك مقتل ابن المُلا يحيى الملقب ملا عبد الرحمن على يد احد خدام سعيد باشا ، مما حدى بالملا الاستجارة بباشا راوندوز الطموح محمد الأعور، اصطحب معه لتلك الغاية موسى بك المنافس لشيقه باشا العمادية . كانت تلك فرصة الباشا الراوندوزي الذهبية ، حيث افتى الملا يحيى بمحاربة الايزيدية ، وكانت كلمته مسموعة في بهدينا وغيرها ، وترقبوا عن كثب اندفاع باشا العمادية لمناصرة الايزيدية ، لتكون الحجة قوية وفي مكانها لمحاربته ، بدعوى وقوفه مع الكفار .
     تحرك الجيش السوراني الجرار ، وهو معد جيدا وبحوزته مدافع صنع قسم منها محليا ً ، فقسم الى نصفين قاد الباشا نصفه والنصف الاخر قاده شقيقه رسول بك ، طاردوا الايزيدية في كل مكان ، من جبل مقلوب والشيخان ، وزاخو وطور عابدين والجزيرة ، فمحقوا قراهم عن بكرة ابيها ، وسبوا نسائهم ، هنا تحركت جيوش البهدينان لمناصرة الايزيدية ، وعند مجابهتهم  السورانيين لم يصمدوا طويلا ، فصارت الذريعة بيد باشا راوندوز ، فاحتل عقرة واخضع الزيبار وحاصر العمادية . وفي ذروة القتال ضد الايزيدية ، إلتجأ اميرهم الى القوش ، عندها ملأ الملا يحيى الدنيا صراخا ً ، محرضا الباشا لضرب القوش ، كسر شوكتها ، سلب ذهبها ، وسبي نسائها ، كل ذلك حلله الملا يحيى المزوري ، مما أغرى واطرب الباشا الأعور المتعطش للدماء .
  معذرة للقراء في إقحامهم بسرد تاريخي قد يمل منه البعض ، لكنه السبيل للاقتراب من الحقيقة ما امكن ، اما إدراكها فضرب من الخيال . المطران اودو نتيجة تواجده في العمادية ، فقد كان قريبا من الدوائر الحاكمة ، ودائم الاتصال بها ، كما وكان يتابع بحكم موقعه وضع الدولة العثمانية ، فكان وفقا لذلك يعرف قوة الفرمان الذي معه ومدى تأثيره . بالنظر لبعد مركز الدولة عن مناطق الاحداث الساخنة ، وصعوبة وصول جيوشها ونجداتها في الوقت المناسب ، فقد كان الولاة والبكوات والباشوات في تغير دائم ، ليس وفقاً لفرمانات الدولة ، بل على العموم وفق منطق القوة ، فكم من طاغية صعد الى الحاكمية بالشدة التي اتبعها ، وبدرجة اضطهاده لعموم الناس ، وغالبية الحكام لقوا حتفهم بالدسائس والمؤامرات ، وقسم منهم اختلفوا وتقاتلوا حتى وهم من اسرة واحدة ، فكيف ترى في تلك الظروف والاحوال ، لزاماً على المطران اودو ان يتصرف ؟
     عندما عجز والي الموصل مصطفى باشا عام 1757 ( عن سلب المسلمين دراهمهم ، عمد الى النصارى واليهود المسيحيين واليهود مطالبا اياهم بمبالغ كثيرة بحجة انهم عمروا كنائسهم بعد حصار الموصل من قبل الايرانيين بدون استحصال الاجازات اللازمة ، ولم يفدهم للتخلص من هذه النقطة إبراز الفرامين المستحصلة من الباب العالي والمعطاة لهم لهذه الغاية ) ***. كان المطران اودو يدرك بأن فرمانه لا يجدي نفعاً ، امام مايحدث امامه ، وخصوصا المجازر الوحشية ، ضد جيرانه الايزيدية ، فلا فرق ان ابرزه او اخفاه لان الدولة نفسها تفتقد الى الاحترام والهيبة ، من قبل الباشا محمد مصطفى الراوندوزي . ومع ذلك عندما اطمأن المطران الى الجاويش عبدالله ، أبرز الفرمان ، وكان بمعيته أخيه اسحق ، وابن اخته الكهية يوسف رئيس على مياه ( كرّو )  خلف جبل القوش ، فاخذه الجاويش الى الباشا المخيم فوق تل المقابر ( رومه ) شرق البلدة . كان الباشا للتو قد قتل المئات من الابرياء ، والعديد من رجال الدين وفي المقدمة الأنبا جبرائيل دنبو ، وتخريب البيوت ، وتدنيس المقدسات . في تلك الاجواء الممطرة دماً ، وقف المطران اودو ، مرتجفاً امام خيمة الطاغية ، الذي باستطاعته قطع المطران بالسيف كما تقطع قطعة الجبن ، لكنه تمهل قليلا ً، واستمع الى كلماته المؤثرة ، التي اثارت الشفقة ، فاصدر اوامره بوقف القتل ، وارجاع المنهوبات ، والصبايا والاطفال ، والدعوة لرجوع المشردين الى بيوتهم ، اذن ! هل كان المطران سبباً في ماحدث ؟ ام انقذ ما تبقى ؟ اترك الاجابة للقراء .
     لمن اراد مواصلة قراءة الاحداث ، عن تلك الايام الصعبة ، فالنظر الى السنوات التي اعقبتها ، هي الجواب لكل طاغية أرعن ، في كل زمان ومكان ، تسوله نفسه قتل الناس دون رحمة او شفقة على المرضى والمسنين والاطفال ورجال الدين :
القوش :
     فقد نهضت من تحت الانقاض التي خلفها السورانيون ، وقام منها رؤساء بلدة طارت شهرتهم في الافاق ، منهم ( أيسفي كوزل ) الذي كان يعين ويعزل الاغوات في المنطقة .
البطريرك مار يوسف اودو:
     نال الاوسمة العالية ارتباطا ، بسيرته المستقيمة ، وتاريخه المشرف ، والتفاف الناس حوله ، منها وسام عالي شان من السلطان العثماني عبد العزيز ، وحظي باستقبال ملك النمسا ، وخديوي مصر .
علي بك امير الايزيدية :
     ذهب ضحية المؤامرات واحلام السطوة والسيطرة لحكام ذلك الزمان ، طورد في القوش ثم في الموصل التي حوصر مع خيرة رجاله في تل قوينجق بالجانب الايسر من دجلة ، وعند محاولته عبور النهر والوقت شتاء ، رفع الموصليون الجسور ، فاصبح تحت رحمة السورانيين الذين فتكوا برجاله واوقعوه اسيرا ً، وبعد مدة ارسل ميري كور اخيه رسول الى راوندوز للدفاع عنها ، وقبل الوصول الى قلعتها قتل اسيره ورماه في مضيق زلزالي من جبال زاغروس ، ومنذ ذلك اليوم خلد التاريخ العراقي إسمه ، الذي اصبح معلماً سياحيا ًمعروفا ً ( ﮔلي علي بك )  . 
محمد باشا الراوندوزي:
     انهزم امام زحف قوات الصدر الأعظم للدولة رشيد باشا مع قوات محمد اينجة بيرقدار باشا الموصل ، وقوات علي رضا باشا بغداد ، وتحصن في قلعة راوندوز ، ثم استدرج بمكيدة ليرسل بعدها الى استانبول ، واثناء عودته الى امارته قتل قتلة شنيعة في ولاية سيواس .
الملا يحيى مزوري:
     عند انحسار قوات السورانيين وعودة باشا العمادية سعيد محمد طيار، هرب باتجاه ( حصن كيفا )  ولكن قبض عليه  في سنديا ، كما والقي القبض على تلميذه ملا قاسم المايي وسملت عيناه ، كانت حياته في خطر ، عندما مثل امام باشا العمادية ، لولا تدخل الشيخ محمد العقراوي ، الذي كان الباشا يحترمه كثيرا ً، لذلك أبقاه ، ولكنه لم يستسغ البقاء في بهدينا ، فقصد بغداد وتوفي فيها غريباً عام 1838 .
  الهوامش
* صفحة 51 -  أحوال نصارى بغداد - رفائيل بابو اسحق – مطبعة شفيق – بغداد 1960 .
** صفحة 271 - اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث –لونكريك - ترجمة جعفر الخياط – دار الكشاف بيروت 1949 .
*** صفحة 47 من كتاب " الموصل في القرن الثامن عشر ـ تعريب القس روفائيل بيداويد – المطبعة الشرقية الحديثة في الموصل 1953 .
المصادر :
القوش عبر التاريخ - المطران يوسف بابانا -  بغداد 1979.
سفر القوش الثقافي –  بنيامين حداد -  بغداد 2001 .
الرئاسة في بلدة القوش – نبيل يونس دمان – اميركا 2001 .
العراق عام 1820 - جيمس ريج – ترجمة بهاء الدين نوري - مطبعة السكك الحديدية – بغداد 1951 .
الاكراد في بهدينان – انور المايي - الطبعة الثانية دهوك 1999 .
الاشوريون بعد سقوط نينوى – هرمز ابونا - شيكاغو 1999.
nabeeldamman@hotmail,com
USA 2008


268
الحرية للمطران بولس فرج رحّو
     بقلم نبيل يونس دمان
     صعقني خبر اختطاف المطران الجليل بولس ومقتل مرافقيه المساكين ، ليس لانني غير متوقع لما حدث ، فالقتلة يكتسحون ما يقع امامهم دون رحمة او شفقة ، وهم يلعبون لعبتهم الاخيرة في العراق ، وملاذهم الاخير هو الموصل ، حيث معقل غلاة القومية والدين ، منذ العهد العثماني وربما قبله .
     تزداد الحاجة كل يوم لقراءة الواقع المرير الذي بات يعيشه مسيحيو العراق ، لدى اختيارهم دينهم وثباتهم عليه قرابة ألفي عام ، اي منذ ولادة المخلص يسوع الناصري ، تعرضوا بسببه الى الويلات والكوارث تحملوها بأناة وصبر ، تضرب بهم الأمثال ، وسيواصلون ذلك الصمود وتلك الأناة ، ما بقي الماء الحي جاريا ً في دجلة والفرات .
     ان استهداف المسيحيين في العراق هو لأمرين لا ثالث لهما ، اما توجيه رسالة الى الغرب المسيحي ، وتلك مرفوضة لان للغرب مصالحه الاقتصادية المعروفة منذ قرون ، واما لإبادتهم حتى يخلو الجو لهم كما أبيدو في أزمان سابقة في اليمن والسعودية وليبيا وغيرهما .
     في هذه الاجواء المشبعة بالاحقاد والضغائن يعيش اخوتنا في العراق ، ولم تفد كل دعواتهم السلمية وروح المسامحة التي تـُستغل بإعتبارها ضعفا ً ، فيتمادى السلفيون والعدميون في جرائمهم العفوية والمبرمجة ، لذلك ادعوا المسيحيين للدفاع عن انفسهم ما امكنهم ذلك ، ولدينا تجربة الحرب العالمية الاولى عندما انهزمت تركيا امام الحلفاء ، رجعت لتنتقم من المسيحيين فقتلت منهم مئات الآلاف ، مما حدى بالبعض منهم ان ينظموا أنفسهم في مجاميع صغيرة مسلحة ألحقت افدح الأضرار بأعدائهم ، وقللت من غطرستهم ومن تماديهم .
     ليعلم الذين يقتلون المسيحيين ويهجرونهم من ديارهم ومن أرضهم التاريخية بانهم يرتكبون إثما ً ، سيعضون أصابعم ندما ً، وأمنيتي ان ارى ذلك اليوم حيث يعود المهجرون الى وطنهم ، فيستقبلون بالورود والرياحين .
      قبل سنوات شخص العالم الحر محور الشر ، وانا اشبهه بتلك الحية الرقطاء التي تنفث سمومها في كل إتجاه ، رأسها في افغانستان وذيلها على الحدود الإسرائيلية ، تحرك العالم بعد احداث ايلول 2001 واختار مربعين من جسد تلك الحية ، ولا زالت مقاومة رأس الحية ومربع أساسي من جسمها ضاريتان، ولكن ستنتهي يوما تلك المعركة الاستراتيجية ، في دفن ذلك الثعبان المرعب ، لتصبح شطآن الشرق الاوسط ضفاف سلام وطيد ، وليصبح العالم اقرب الى بعضه وأكثر أمانا ً وإسقرارا ً ، في ظل التطورات العلمية المتسارعة ، التي توعد بمسقبل أرفع وأفضل للبشرية .
     لو قامت حرب عالمية جديدة بسبب صراع الثقافات الواضح وضوح الشمس ، ستكون وسائلها مجهولة ، ولكن الحرب التي ستليها ستكون بالعصي والأحجار، كما قالها يوما ً العالم الشهير " ألبرت آينشتاين " . إن إطالة أمد ( الحرب ضد الإرهاب ) هو بسبب الثروات الطائلة التي تحت السيطرة الغير مباشرة لاحد طرفيه ، فمن يمتلك النفط الذي هو عماد البشرية وهو الذي يمدّد من مقاومة " جند الله "  وأصحاب " الجنات " الوهمية ، اذا تحرر العالم يوما ً من تأثير النفط الكبير، وأوجد بديلا للطاقة أفضل وأنسب وأقل ضررا ً للبيئة ، سيجعل مصادر الارهاب معدومة ، وبالتالي سيشفى العالم من داء القرن الحادي والعشرين.
     في الختام أشد على يدي الكردينال عمانوئيل دلـّي في هذه المصيبة الجديدة ، أعزي من سقط من الشهداء دون إثم أو سبب ، وأقول لسيادة المطران الشجاع مار بولس رحّو بان دربك هو درب الصليب وطريق الجلجلة ، فانت الراعي الذي يقود خرافه في مسالك مخيفة ودروب مظلمة . انت القائل يوما ً بانك ستثبت في ارض مولدك وتصلب عودك في حاضرة نينوى ، تلك المدينة العظيمة التي ينحني التاريخ في ذكرها ، واقول أيضا ً: اننا ننتظر عودتك سالما ً، لتواصل رسالة المحبة والسلام .

269
سيحيو ألعراق ....نخلة شماء وعطاء بصمت


 

كتابات - حمزه الجناحي

 

ألتركيبة العراقية المكونة للصورة ألبهية لخارطة ألعراق ألسكانية ألوانها زاهية  وتماسكها يبعضها ألبعض تعطي رونق متميزا قلما نجده في بلد من بلدان ألعالم

طوائف وأقوام ذائبة في بوتقة ألعراق مكونة بناء وأساس قوي للبيت ألعراقي .

الأيزيديين,ألمسيحيين,الصابئة ألمندائيين,ألعرب ,الكرد,الأشوريين,ألتر كمان

أقوام وجدوا مع وجود ألعراق واختلطت وذابت بأرض هذا ألوطن ألعملاق .ففي ألملمات وفي ألأفراح وفي الخير والشر لا تسمى هذه الطوائف باسمها ألمجرد بل تسمى  باسمها الكبير العراقيين أو أنه ألعراقي.

كل طائفة أو مكون من هذه ألمكونات وجدت على ارض العراق قبل الأخرى وأنها شاركت بكتابة التاريخ ألقومي للعراق بدماء وشقاء أبناءها وخطت على جدران البيت ألعراقي أجمل ألصور.

السنين تمر والتاريخ يكتب سفره بأكف الأجداد والأبناء ولا توجد تسميات من كتب ألتاريخ..ولا أحد ادعى انه كتب التاريخ بل ألجميع خط وشارك بكتابته.

وقفت هذه الأقوام على مر هذه ألسنين ألموغلة في ألقدم وقفة رجل واحد عندما تعرض ألعراق لغزوات ألأجنبي , مات من مات منه شهيد من أجل هذه ألأمة وجاع الجميع يوم ألجوع والقحط وتعرض من تعرض للفيضانات عندما غضب دجلة وفاضت مياهه وبكى ألجميع دون استثناء عندما جرح ألعراق في الصميم  بكى العراقيون جميعا وطببوا جراحه واستشهد الكثير من أبناء هذه ألطوائف عندما تعرض ألعراق للقصف الأجنبي ؟ لم تفرق الأرض العراقية بمن يدفن فيها فلا تلفظ ألمسيحي وتقبل ألكردي ولا تستقبل أليزيدي وترفض الأشوري إنها ارض واحدة معطاء وهؤلاء أبنائها .

الجنسية عراقية والجواز عراقي والاسم عراقي ,الأرض عراقية .أليست هذه ألصفات تجعل ألجميع شركاء على هذه ألأرض ؟

أليست هذا ألتصميم الألاهي ألمتراص هو أساس لبقاء ألوطن ؟

هل بخل نهر دجلة على طائفة دون أخرى؟

الم يمر ألفرات على جميع هذه المدن هل منع ماءه عن تلك ألقومية وأعطى ماءه لقومية أخرى ؟ففي الحلة كنيسة مسيحية وفي ميسان مقبرة للصابئة ألمندائيين وفي بغداد أكراد وفي ألبصرة سنة وشيعة ..انه ألعراق ودون أبناء طائفة لا يسمى العراق .لكن في ألآونة ألأخيرة دخلت علينا لغة جديدة همجية طارئة لم يكن لها وجود بيننا لغة ألقتل والتهجير والخطف فتنة غذيت نارها بحقد ألجار وارتفعت مأساتها ضد ألأخ والصديق .

أنت شيعي يجب أن ترحل وأنت مسيحي لا مكان لك بيننا وأنت تركماني ليست عراقي أنت, وأنت يزيدي منبوذ وأنت كردي لك وطن أخر .

من أين جاءت هذه أللغة ألدخيلة؟ ولماذا ألان ؟ولماذا لم نسمع بها قبل هذه ألفترة ؟ الم تكن ألجامعات ألعراقية زاخرة بأبناء ألعراق جميعا بكل طوائفهم ؟الم يكن شارع ألسعد ون في وقت العصر زاخرا بمحلاته ومشاربه وناسه ومرتعا لكل أبناء هذه القوميات؟ الم تكن مصايف العراق مضيف للجميع؟ هل شاهدنا أو سمعنا يوما احد ينادي أنا ليس عراقي بل أنا مسيحي لماذا أذن ؟ وكيف نقبل أن نفتت هذا ألوطن ؟

صورة جميلة هذه التي تجمعنا وبأزياء مختلفة ولغات مختلفة وطقوس مختلفة كنائس جوامع حسينيات دور عبادة إنها صور جميلة مكونة لصورة واحدة صورة ألعراق الواحد  ..سماء واحدة ونهرين يتعانقان في ألجنوب بعد أن ارتوى من ماءهما كل تلك ألقوميات .

بالأمس سمعنا إن اثنان من أبناء ألطائفة المسيحية اختطفا الأب عفاص والاب يشوع

تبت يد من مدت عليهما إنهما رمز للتسامح والسلام ورمز للمحبة والوحدة إن الأيدي ألتي خطفتهما أيدي وقحة قذرة لم تشرب من منهل دجلة والفرات .

ماذا قال ألا رهابيون لهؤلاء السادة؟

 إنهما حمامتا سلام وإنهما غصن زيتون إنهما ألمسيح على الأرض يمشي .

قطع الله أليد ألتي مدت عليهما .لعمري والله كأني أرى الأب عفاص والأب يشوع قد غفرا لهؤلاء ألقتلة وأعطوهما درسا في ألتسامح وغيروا مفاهيم عقولهم ألعفنة .

لعمري والله كأني أرى هؤلاء الأبوان وقد ضربا للقتلة أروع معاني ألمواطنة ألعراقية ودلوهم على طريق ألخير .

لعمري والله كأني أرى ألقتلة لم يناموا تلك الليالي بعد أن أقحمهم أرباب ألكنيسة ألمسيحية وعرفوهم بمعنى الدين  والحب والسلام وألا من والوطن والسماء والماء والطفولة الأمومة والأخوة والله... وألا لماذا أطلق صراحهما ؟

 الم يكن ألدرس بليغا لكل أبناء ألعراق ؟

انتبهوا أيها السادة للمسيحيين إنهم أصل ألعطاء ألصامت أنهم أعطوا كل ما لديهم .

وهل ألعراق من غير ألمسيحيين تكتمل صورته؟ وهل ألعراق يستطيع أن ينام يوما واحدا دون أبناء المسيح  ؟ وهل ماء ألعراق يكون زلالا في أفواه أبناءه دون أن يرتوي منه أبناء ألمسيح ؟

إنهم ألأصل والله وإنهم نخلة العراق الشامخة التي تعطي ثمرها دون أن  تمن على أحد ولا تريد من أحد إن يخدمها ترمى بحجر وهي فرحة لتعطي ثمرها لأبنائها.

 

العراق- بابل

 

KATHOM_1962@YAHOO.COM

 

270
حكم القدر يغيب الأب د. يوسف حبّي


نبيل يونس دمان   


       أسماء عديدة ووجوه مختلفة تدور مع عجلة الحياة على هذه البسيطة ، دون ان تترك اثرا ً ، حيث تأتي بهدوء وتمضي بهدوء ، فتلك سمة غالبية الخلق .... ولكن هناك اقلية منهم لها مسارها الخاص في نفس عجلة الحياة ، تاركة بصماتها على واجهة الزمن وأسفار التأريخ ، بارزة مضيئة من نواحٍ عدة ، وقد كلـّفها ذلك جهودا ً مضنية ، وطاقات كبيرة ، للوصول الى ذلك الموقع ، التي ستظل أجيال واجيال من بني البشر ، تذكر ذلك الاسم المتميز ، وتتخذه نبراسا ً لها ، ومرجعا ً في حياتها ، وقوة دفع متجددة لعملية التطور الفكري- الاجتماعي .
      هذه مقدمة للتعريف بكائن من ذلك النمط الخاص ، فذ في تفكيره ، قويم في سلوكه ، ماض ٍ في إقدامه ، ذلك هو الفقيد الاب يوسف حبي . للاسف الشديد لم يساعده الحظ في مواصلة عطائه الزاخر ، إذ توقفت تلك الحياة النابضة بالابداع ، في لحظة خاطفة من الزمن وهو في قمة الابداع ، حيث مداده الفكري لم يجف ، والقلم يرعف ويهتز في يده الخضراء .
      لعل ما تناوله الفقيد في آخر ندوة له في مهرجان نوهدرا الثقافي السادس بدهوك آب 2000 بعنوان " اهمية التعددية ، العرقية ، والاثنية ، والعقائدية ، واهمية الالوان لتكتمل لوحة الانسان ، وهو قبول الآخر كما هو لا كما نريد " من ابلغ الدلائل على عمق تفكيره ، وهو بحق ناقوس العصر، بل اكسير الحياة في زمننا الحاضر.
     عرفت الاب الدكتور لعدة سنوات من بداية السبعينات في ندوة الايمان بالموصل التي كان يشرف عليها الاب بطرس متي ، والاب يوسف حبي ، والاب ( المطران حاليا ) جاك اسحق ، الى جانب نخبة ممتازة من الطلبة ذوي القابليات والمواهب المتعددة ، حيث كانوا يبذلون الجهود في جمعنا نحن مسيحيي جامعة الموصل ، من مختلف الطوائف : آثوريين ، كلدان ، سريان ، ومن مختلف مدن العراق وضواحيها : نينوى ، بغداد ، كركوك ، دهوك ، اربيل ، البصرة ، والرمادي .
 
      كانت ندوة الايمان لكنيسة المشرق ، نقلة نوعية وحضارية في حياتنا نحن القادمين الجدد الى الجامعة ومحيطها الغريب ، خصوصا ً من القرى والارياف التي لم تكن تتوفر فيها مستلزمات الحياة الحديثة ، كنا نلتقي تحت سقف واحد في قاعة كنيسة ام المعونة بالدواسة مع اللجنة المشرفة وبحضور الآباء الكهنة ، في حفلة تعارف رائعة شعارها " إبتعدتم عن اهلكم ، واقتربتم من اصدقائكم " كم كانت تلك الكلمات البسيطة تشد ازرنا ونحن نترك لاول مرة بيئتنا الأسرية المتماسكة ، الى البيئة الاكبر والارقى وهي الجامعة ، التي في نهاية دورتها ، ركبنا موجة الحياة المتلاطمة ، وخضنا غمارها حتى اليوم ، بقوة المثل ونضوج الحكمة التي ألهمنا بها فقيد المعرفة الأب يوسف وزملاؤه .
      رحمك الله ايها الكاهن الانسان ، ستمجد ذكراك في الارض على الدوام ، وسوف يزين صفحات التاريخ الحديث اسمك المطرز بالوان الحياة وأنجم سماء الرافدين ، وا .... أسفاه لفراقك وفقدانك فامثالك قليلون وتعويضك شبه مستحيل .nabeeldamman@hotmail.com

271
الفصل الثالث عشر*
البلدة في ظل الحرب العراقية - الايرانية


بداية الحرب وتبعاتها الكارثية  

     تفاجأ العراقيون قبل غيرهم يوم 22- 9- 1980 بهجوم صدام حسين المباغت على الجارة ايران ، متذرعا ً بحجج واهية لم تصمد طويلا ً امام الزمن ، منها ادعائه بحقوق العراق في اجزاء من الارض وجزء من شط العرب ، والذي تنازل عنها في عام 1975 لحكومة الشاه بغية الالتفاف على الحركة الكردية .

عانى الشعب من آثار تلك الحرب الطاحنة ، والتي لم تحقق اهدافها في خطف نصر سريع كالذي كانت تحصده في ايام ، دولة اسرائيل في حروبها ضد جيرانها العرب اعوام 1948 ، 1967 ، 1973. لقد تورط صدام في الحرب وغطست ارجله في مستنقعها الذي اودى بحياة مئات الآلاف من القتلى والجرحى والأسرى والمشردين، ومنها بدأت امواج الهجرة ... هجرة مجاميع واسعة من الشعب العراقي الى دول الجوار واللجوء السياسي والانساني في شتى بقاع العالم .
كانت تلك الحرب فاتحة انفراد صدام في الحكم بعد ان اقصى رئيسه البكر ، الذي تجذر وتصلب في عهده ، وصفى بالحيل والكذب والارهاب الكثير من القيادات التي ظهرت في طريقه ، وبذا شق طريقه الشاذ وغيرالمشرف ، فوق جماجم واشلاء ابناء الشعب العراقي ، سليل الحضارات والامجاد .
 
     لقد ازعجه النموذج الايراني في اسلوب انقلابه على الشاه وازعجه نزول الملايين من الايرانيين عامي 1978 – 1979 الى الشوارع لتغيير النظام ، ولا يخفى على احد كيف لعبت تلك الحرب الاجرامية بحق الشعبين دورا ً في تحريف نهج الثورة الايرانية واستقطاب بل انفراد حكم اليمين الديني ، وابعاد كل من له صلة باليسار وبامجاد التاريخ الايراني المعاصر .
      قبل ان يتبوأ صدام المركز الاول في حكم بلادنا ، كان نظامه قد استغل مليارات الدولارات التي درت على العراق ابان تأميم النفط وارتفاع اسعاره في اواسط واواخر السبعينات ، تلك الاموال صرفت لتقوية الماكنة العسكرية والاجهزة القمعية ولشراء الذمم ومحاربة ابناء الشعب ، فجرت في تلك الفترة بل اشتدت محاربة كل القوى الوطنية ذات التاريخ المشرق في سبيل عزة العراق وتقدمه ونهضته .
 
    عندما اجتاح مئات الآلاف من المسلحين ، الحدود العراقية – الايرانية ، دارت رحى الحرب الضروس ولمدة ثمان سنوات ، بدأت المعركة الحقيقية في داخل العراق نفسه ، ضد الشعب العراقي الأبي ، فجرى التنكيل به ومحاربته ومصادرة ابسط حقوقه ، تحت ذريعة البلد في حرب و " حراس البوابة الشرقية " .
     دارت السنين العجاف بفصولها واشهرها ، بايامها ولياليها ليعاني كل من في الوطن من وطأتها ، ولم يستطع النظام حسمها ، وقد سماها الغرب بحق " الحرب المنسية " ، وبين فترة واخرى كانت تصحو الناس على امتداد لهيبها واضطرامها ، واخذت كل عمليات وتجارب تطوير الاسلحة الفتاكة فعلها وبمساعدة دول الغرب والشرق على السواء . انهمك النظام ايضا ً في حربه المجرمة ضد الشعب في كردستان العراق ، الثائر من اجل الديمقراطية والحقوق القومية المشروعة للكرد وباقي القوميات ، واستخدم اخس الاسلحة بما فيها الاسلحة الكيمياوية المحرمة دوليا ً ضده ، وتلك مدينة حلبجة تشهد للتاريخ ما ارتكب فيها من حماقة وبشاعة لا مثيل لها في العالم بعد هيروشيما وناكَازاكي .
      يتذكر الجميع تهافت الكثير من الحكام العرب الى بغداد ومصافحتهم للدكتاتور صدام اثناء الحرب وبعدها ، ولا استثني حكام الخليج ايضا ً ، الى ان فاجأ صدام العالم مرة اخرى والشعب العراقي في المقدمة بأجتياح قطعانه دولة الكويت . فمن الحرب الاولى ولدت الحرب الثانية 1990 – 1991 ، كما يقول احد سدنة النظام السابق سعد البزاز في عنوان كتابه " حرب تلد اخرى " .
     نتيجة مغامرات طاغية بغداد وقادسياته وامهات معاركه الخاسرة جميعها ما عدا كرسيه ، وصلت الاوضاع في العراق الى ما شهدناه من دمار البنية التحتية وحلول عصر العقوبات الدولية شديدتي الوطاة على ابناء شعبنا الذي لا نبكي قتلاه وضحاياه ، بل نتخذ منهم العزم وقوة المواصلة لتصفية آثار الدكتاتورية الفاشية والى الابد ، ولتفعيل دور العراق وجعله مركز الاهتمام ومركز الاستقرار والتقدم والسلام في المنطقة والعالم .

انعكاسات الحرب على البلدة : 

     القوش كباقي البلدات والمدن والقرى العراقية ، عانت الويلات في سني الحرب الظالمة ، وقد سيق ابناءها الى جبهات الحرب على طول الحدود العراقية - الايرانية اضافة لاجبار الموظفين والطلبة وغيرهم الانخراط في صفوف الجيش الشعبي ، وقسم آخر وجد نفسه ضمن الافواج الخفيفة لتجنب جبهات الحرب التي كانت تحرق الاخضر واليابس . هناك احصائية عملها الاستاذ يوسف ياقو شامايا عن خسائر البلدة في تلك الحرب الضروس ادرجها كما يلي : 120 قتيل ، 50 أسير ، 28 مفقود. واضيف عليها عشرات من المصابين في جبهاتها ومن تشوهوا واصيبوا بعاهات ، اضافة للعوامل النفسية والمشاكل الاجتماعية التي اضافتها واججتها ، هناك عدد لا يحصى من قصصها وويلاتها قد لا تكفيها مجلدات وستظل اجيال واجيال تتناقلها .

قائمة باسماء بعض مفقودي الحرب استقيت معظم معلوماتها من الاستاذ سفر الياس الصفار:
الأسم                          تاريخ الفقدان                 المكان                                             
الخفاجية   1981   1- خالد كريم سليمان

عبادان   1981   2- طلعت متي ججو
عبادان   1981   3- عابد حنا توم   
الخفاجية   1981   4- جنان إلياس أسطيفو
الطاهري   1982   5- جوزيف إلياس اسطيفو

الأهواز   1982   6- كامل كوركيس سكماني
الأهواز   1982   7- يوسف جرجيس دانيال
عبادان   1980   8- قيس هرمز ممو         
الخفاجية   1981   9- نوئيل بحو كوريال شبو
الخفاجية   1981   10- أديب عبو قوجا       
الخفاجية   1981   11- سمير منصور كجوجا
حاج عمران   1983   12- بولص حسقيال حنا 
الشهابي   1984   13- ذاكرشابا شهارا   
الفاو   1985   14- سمير جميل عزيز
   شرق البصرة   1987   15- باسم هرمز الصفار

حاج عمران   1988   16- سهيل داود أسمرو
حاج عمران   1988   17- صادق روئيل تومي
      18- سمير وديع خوشو
      19- مخلص منصور فعونا
   1991   20- ناظم أسطيفو جولاغ
      21- حلمي توما ككميخا
   

ومن تداعيات تلك الحرب ايضا ً هروب العشرات من شباب البلدة من تلك النيران للاختباء في البيوت او في الارياف وقسم آخر سجل في الافواج الخفيفة للسلطة وكانت النتيجة في عام 1987 فقدان اربعة من شباب البلدة الذين كانوا ضمن فوج المدعو ( ملكو ) وذلك في معركة على جبل ( متين ) ، اغلب الظن انهم ماتوا بنيران السلطة المجرمة نفسها وهم كل من : كمال حسقيال شدا ، سلام حسقيال بابانا ، سالم يوسف ساكو ( مزكا ) ، ساهر حسقيال حنطية ، ورعد جميل نجار ، علما ان بعضهم لم يعثر على جثثهم  حتى اليوم .
 اما الغيارى من شباب البلدة الذين تتاجج نار المقاومة تحت اضلعهم والذين بلغ الوعي عندهم الادراك بان النظام هو مشعل الحروب ورئيسه الدكتاتوري ينساق لاهوائه وملذاته ، فيجب والحالة هذه الالتحاق بفصائل المعارضة الوطنية المسلحة المتخذة من جبال كردستان مواقع لها والمتواجدة قبل الحرب بسنوات . فخاض هؤلاء نضالا سياسيا وعسكريا يسجله لهم التاريخ في اروع صفحاته بجانب مناضلين آخرين من فصائل الحركة الوطنية العراقية ومن مختلف قوميات الشعب العراقي ، وفي سوح تلك المعارك والمهمات الصعبة استشهد العديد من ابناء البلدة نحاول تسجيل اسماءهم واماكن وتواريخ استشهادهم كلما امكاننا ذلك ، وسلفا اقول لن تكون المعلومات دقيقة جدا وذلك لصعوبة معرفتها ولكنها محاولة لذكرهم وليتذكرهم ابناء البلدة وكل العراق بالتقدير والتحية وخفض الرؤوس إجلالا ً :

مكان الاستشهاد   تاريخ الاستشهاد   الاسماء
كلي افوكا   1980   1- هرمز يوسف بوكا
في الاراضي التركية   1982   2- د. سلمان داود حيدو
كريبان- فائدة   1986   3- خيري ياقو توماس
خلف جبل القوش   1985   4- طلال ياقو توماس
خلف جبل القوش   1985   5- رعد بولص ميخو
خلف جبل القوش   1985   6- باسم حنا كعا     
في الاراضي التركية   1982   7- جبرائيل بولص رمو
وادي الكنود ( لندي )   1984   8- فاضل اسطيفو قودا
منطقة زاخو   1988   9- فؤاد يلدا يوحانا   
منطقة زاخو   1984   10- نجيب هرمز يوحانا
قلعة كانيكا- اتروش   1987   11- فارس جرجيس قسطو
الفاكهاني- بيروت   1980   12- ثائرة فخري بطرس
في حملة الانفال   1988   13- رائد صبري مقدسي
منطقة اتروش*   1987   14-  ريجو ياقو قس يونان
خلف جبل القوش   1981   15- اكرم متي مقدسي
سينا وشيخ خدرا   1981   16- رافد اسحق حنونا

في حملة الانفال   1988   17- زهير يوسف ككا
      
      
 
    القوش شانها شان باقي البلدات والمدن والارياف العراقية ، تعرض احرارها للاعتقال ، فاختطفوا من اماكن عملهم وسكناهم وغيرها ، وقد مرت سنوات مديدة دون ان يعرف مصيرهم احد حتى سقوط النظام المذل في 9 نيسان 2003 ، فظهرت اسماء بعضهم في قوائم اعدامات النظام فيما بقي خبر بعضهم وطريقة قتلهم واماكن دفنهم مجهولة حتى اليوم . اليكم قائمة باسماء المعتقلين وطبيعة اعمالهم وتاريخ اعتقالهم :
سنة الاعتقال   العمل   الاسماء
1981   معاون طبي   1) منير توما توماس
1980   كاسب   2) سالم ايوب رمو
1980   موظف   3) عبد السلام يوسف قلو
1980   طالب   4) خالد يوسف ديشا
1980   طالبة   5) تماضر يوسف ديشا
1980   عامل   6) منصور حسقيال دكالي

1980   عامل   7) عابد سليمان بطة
1980   موظف صحي   8) منصور صادق تومكا
1980   موظف   9) يوسب جرجيس كريش
1980   موظف   10) سعيد عيسى شاجا
1980   طالب   11) جمال صادق يلدكو
1980   مدرس   12) حكمت كيكا تومي
1985   طالب   13) حسيب بدري القس يونان
1987   عامل   14) أونير بطرس اسطيفانا
1980   عامل   15) زهير جرجيس مقدسي
1980   مهندس   16) جبرائيل عبدالاحد ابونا
1987   طالب   17) جلال عيسى تلو

* فصل من كتاب مخطوط بعنوان ( القوش حصن نينوى المنيع ) ، الرجاء من ذوي الشهداء والمفقودين تزويدي بمعلومات افضل وأدق ، وكذلك من لم تسعفني ذاكرتي في تذكرهم ، وعلى عنواني الالكتروني التالي :
nabeeldamman@hotmail.com
** ريجو ياقو قس يونان  هي زوجة اورها تيكا ، وام النصير مخلص ، ومعها خمسة نساء من عوائل الانصار البواسل ، اخرجتهم اجهزة السلطة الحاكمة في عام 1987 من بيوتهم وتوجهت بهم الى موقع شمال ناحية اتروش وتركتهم في العراء ليلقوا مصيرهم او يعودوا باولادهم الى احضان نظام القمع . والام ريجو كانت لها معاناتها وامراضها خصوصا في المفاصل ، فلم تستطع مواصلة السير فتخلفت عن اصحابها ومعها كمية قليلة من الغذاء . وبعد انقطاع اخبارها توجه بعض اقاربها من بغداد والقوش للبحث عنها ، فعثر عليها ميتة تحت شجرة بعد اكثر من شهر من فقدانها ، وجلبت الى القوش في ظروف قاهرة حيث ووريت الثرى ، وبعد مدة توفي زوجها ايضا بطريقة أليمة تضاف الى كل المآسي التي جلبها للشعب نظام صدام حسين .
نبيل يونس دمان
كالفورنيا




272
المنبر الحر / اخي حسين سنجاري
« في: 03:03 02/09/2007  »
اخي حسين سنجاري


تحية

ما كتبته بعنوان ( الحكمة الكوردية : هل تفيد كدروس للرئيس بوش ؟ ) جلب انتباهي كثيرا ً ، فهو حلم وردي ، لو تحقق يكون عظيما لشعبنا وللمنطقة ، ولكن هل تتصور ان دهاقنة السياسة الامريكية لا يدركون ذلك ؟ انهم ببساطة ينظرون الى مصالحهم من منظار كبير يتجاوز حتى الشرق الاوسط بعينه ، في حين ان منظارك الصغير والجذاب ينظر بحنو نحو اقليم كردستان ، الذي انا على الاقل منه ، انظر باعتزاز وافخر بتمدنه وتشربه بقيم الحرية والديمقراطية ، التي ولدت من خضم الآلام التي يصعب تصورها ، على مدى العقود ، بل القرون ، وعلى ايدي المتعصبين ، فاقدي الحكمة ، الذين توارثوا ونحروا ، بلاد النهرين الخالدين ، منذ سقوط امبراطورياته العضمى في التاريخ : سومر - أكد - آشور - وبابل

تحياتي لك ، انظر بتفاؤل لحلمك الجميل ، واسعد وكل العراقيين الاحرار ، ان يروه على ارض الواقع ، بعيدا عن تدخلات خارجية سواء من دول الجوار او ما وراء البحار

نبيل يونس دمان

كالفورنيا

في 1- ايلول- 07


273
زلزال في سنجار ، من صنع الأشرار


بقلم نبيل يونس دمان
     يكاد قلبي يتفجر حزنا ً على فقراء بلدي في قضاء سنجار، منذ ايام والقلم بجانبي يرجف ويرعف لأستله ، غاضبا ً ومعبراً عن ألمي ، لما وقع لأحبتي الأيزيدية في مجمعات بعيدة عن الحضارة ، تشرف على الصحراء الغربية لبلاد ما بين النهرين ، كأنها عيون ترقب ما تقذفه تلك الطبيعة القاسية ، من حمم الحقد والغضب على بني البشر. الأيزيديون قوم مسالمون ، ليتهم في لحاهم وشعورهم خارجون للتو من أعماق التأريخ ، ومن حواضر أوروك ، بابل ، آشور ، يُستهدفون في حمّام دم قلّ نظيره في البشاعة ، وكأنها رسالة الى علم التاريخ بان يطوي صفحاته الى الابد ، امام هذا السيل المرعب للتيار الديني المتزمت ، يضاهيه في الشدة ، التيار القومي الذي ابتلينا به طوال العقود الماضية ، فهل البشرية وقوى الحضارة والتقدم عاجزة أمامه ؟ ذلك سؤال يؤرقني فأطرحه بإلحاح ، وأقرنه بآخر : هل اصبحت كل الابواب مشرعة امام جبروت الارهاب ، يختار منها ما يشاء ليدخل ويقتل ويغتصب ؟.
     لكي اختصر الاسترسال على هذا المنوال ، بما قد يسهم في إخراج ما تبقى من هؤلاء المساكين من النفق المظلم ، والمعرضون في المستقبل المجهول ، لغزوات البدو القاطن في اليباب ، وهو يحمل الألوية السوداء ، وكل ما هو منحط ومخجل في التاريخ ، اضع النقاط التالية :-
1- لا يكفي التنديد بالحدث والتضامن مع الضحايا ، بل يتطلب من العرب المحيطين بالمجمعات الأيزيدية من قرى وبلدات ، البعاج ، تويمين ، ام جريص ، ام الذيبان ، ربيعة ، وحتى ما وراء الحدود ، ان يثبتوا بالفعل عن تضامنهم القلبي ، وذلك بالتصدي وضرب الأوباش الذين يعيشون بينهم ، او يصلون من اماكن وبلدان اخرى ، يجب ان يلاحقوهم ويطردوهم ، ان لم يثبتوا ذلك بالملموس ، فالمعنى واضح بأنهم متواطئون ويؤوون الإرهابيين ، الذين في خططهم ابادة الجنس والدين الآخر عن بكرة أبيهم .
2- لا تعولوا على الحكومة المركزية ولا على دول الاحتلال كثيرا ً ، فجميعهم عاجزون في الوقت الحاضر، عن إلحاق الهزيمة بالإرهابيين في ساحات المواجهة الرئيسية ، في بغداد والموصل وكركوك وديالى والانبار.
3- اربطوا مصيركم  بمصير اقليم كردستان ما امكنكم ، فهو أرحم وأنصف وأعدل في معاملتكم تحت ظروف وطننا الراهنة ، وبالمقابل على سلطة الاقليم وضع ثقل وامكانيات اكبر في تلك المناطق .
4- اعتمدوا بالدرجة الاولى على انفسكم وعلى مساعدة اصدقائكم في الداخل والخارج ، وذلك في تنظيم دفاعات عن مناطقكم ، اسمحوا لي احبتي ان ادعوكم الى اليقظة الدائمة ، ووضع حراسات مشددة ومستمرة في مداخل قراكم ومجمعاتكم التي اجبرتم على سكنها ، بعد ان احرق النظام البائد قراكم الجميلة في جبل سنجارالأشم ، أوائل السبعينات من القرن المنصرم .
 5- تعاونوا بينكم وساعدوا بعضكم في مواجهة قلة الخدمات ، ضعف الطاقة بما فيها الكهرباء والمحروقات ، قلة المواد الغذائية ، والمراكز الصحية ، واللوازم المنزلية ، أقدر صبركم وصمودكم الطويل ، ولابد ان تفرج يوماً ، فتخرجون بألوانكم وأزيائكم الى الحياة والحرية .
6- اطرقوا ابواب الامم المتحدة والدول التي تمتلك المقدرة والجبروت العالمي في عصرنا الحاضر، لتتبنى مظلوميتكم وللحفاظ عليكم ، باعتباره حفاظا ً على سكان البلاد الأصليين ، ومعكم الصابئة المندائيين ، الشبك والكاكائيين ، والمسيحيين المستهدفين ، بالامس القريب أطفات شمعات متوقدة  في عقر نينوى العضمى ( القس رغيد ورفاقه الشمامسة ).
     يا اولاد واحفاد علي بك ، داؤود الداؤود ، الفقير حمو شيرو ، والبطل محمود الأيزيدي وغيرهم ، انهضوا للدفاع عن أُسركم وأرضكم وحقوقكم ، ضعوا مشاكلكم الداخلية إن وجدت جانبا ً ، والتي ولدت من الظروف الصعبة التي تعيشونها ، اوجدوا افضل السبل والتنسيق مع قيادتكم الروحية المتمثلة بالأمير الوقور تحسين سعيد بك ، الذي جُبل على الحكمة وبعد النظر، او من ينوب عنه بين ظهرانيكم.
nabeeldamman@hotmail.com
CALIFORNIA- USA


ملحـــــــــــــق

     عزيزي القارئ في عام 1996 كتبت موضوعا مطولا عن الأيزيدية ، أعيد نشره مع بعض التعديلات الطفيفة ، بهذه الكارثة او الزلزال الذي وقع في مجمع تل عزير( القحطانية ) جنوب البلدة العريقة سنجار ، يوم 14 أب الدامي 2007 : 
الأيزيديـــــــة
   يزهو المجتمع العراقي باقوامه وطوائفه المختلفة ن والتي تعايشت جنبا الى جنب آلاف من السنين انتابتها فترات مضيئة مزدهرة واخرى مظلمة . وفي موضوعنا التالي نتناول الايزدية ، وهم طائفة دينية من الاكراد على الارجح ، يرجع تاريخها الى ما قبل ميلاد المسيح ، ويقطن غالبيتهم في العراق وما تبقى في سوريا ، تركيا ، وبعض جمهوريات آسيا الصغرى مثل ارمينيا ، يربو عددهم النصف مليون نسمة تقريباً .
ديانتـهم :
     هناك وجهتي نظر مختلفتين عن اصل ديانتهم ، الاولى مستقات من المؤرخين المسلمين الذين ينسبونهم الى يزيد بن معاوية الاموي وبالتالي بالاسلام وابرزهم احمد تيمور باشا ، عبدالرزاق الحسني ، المحامي عباس العزاوي . اما الوجهة الثانية التي تنبثق بالاساس من صفوفهم ، فتنسبهم الى يزدان الذي يعني الله في الديانة الزرادشتية ، وتعتبر مدينة يزد الواقعة جنوب شرق اصفهان عاصمة الزرادشتية والتي ولدت فيها تلك الديانة قبل 2500 سنة .
     ترتكز ديانتهم على المانوية المرتكزة على قوى الخير وقوى الشر ، وانهم بقدر حبهم للخير يخافون الشر خوفا شديدا ، ويعتبرون الفعل السيء والشر منبثق من نفس الانسان . يؤمنون بتناسخ الارواح ، فالروح الطيبة بعد الوفاة تدخل في الملوك او ترفرف في الهواء ، اما الروح السيئة فتدخل في الكلاب او الخنازير ، وبالتالي ترى ديانتهم بان استمرار الحياة بعد الموت مسألة اكيدة .
     عند دخول الاسلام مناطقهم ، تحولت من ديانة علنية ومشهورة الى صوفية وزاهدة بسبب حملات التنكيل والاضطهاد التي تعرضت لها ، فحصنت نفسها وادخلت العديد من التغييرات عليها لتواجه الواقع الجديد واصبح سهلاً عليها تقبل تعاليم الشيخ عدي الصوفية بعد انهيار الخلافة الاموية ولجوء الشيخ المذكور الى جبال كردستان .
من هو الشيخ عدي :
     ويسميه الايزديون ب " الشيخادي " ، وهو بن مسافر ولد في بعلبك وتوفي سنة 558 هجرية ، مؤمن بالاموية وبيزيد بل ومتعصب له ، لجأ الى جبال حكاري بعد ضياع حكم الامويين ، فتولّى رئاسة بعض القبائل الكردية على طريقته الصوفية وزهده ومجمل سلوكه ن قال عنه الشيخ عبدالقادر الجيلي ( لو كانت النبوة تنال بالمجاهدة لنالها عدي بن مسافر ) .
     كانت طريقته في الصوفية ، مقاطعة اللعن او انه حذر من اللعن ، حتى لعن الشيطان خوفا من الاتصال بشائبة السب . ولكن بعد وفاته اصابهم غلو في امر اللعن ، ولشدة تمسكهم باللفظ حرموا :
#  اللعن وما اشتق منه .
#  نعل وهو مقلوب لعن .
#  نيل وهذا تحتوي الفاظه على اكثر حروف اللعن ، ومن ذلك حرم النيلي واللون الازرق .
#  خسا الذي هو بمعنى لعن ، وبالتالي حرم التلفظ بالخس واكله .
#  البصاق لانه يستعمل للاهانة والسب .
#  الشيطان وأبليس ، والتلفظ باكثر حروف الشيطان مثل شط ، شخاط ، طشت ، مشط .
     كان الشيخ عدي وتلامذته يلبسون الخرقة السوداء ويلجأون الى حياة الزهد في كل شيء وكانوا يرفضون اكلة لا معرفة لهم بها ويستحرمونها ، وهناك من يرى ان تحريم الخس واللهانة جاءت من هذا المنطلق .
للشيخ عدي كتابان هما الجلوة ومصحف رش ( الكتاب الاسود ) ، وان اختلف المؤرخون حول نسبة الكتاب الثاني اليه ، يقول الوالي العثماني نوري مصطفى في رسالته " عبدة ابليس " ان واضع الجلوة راهب نسطوري كان قد فر من دير القوش ، ولحق بالايزدية وصار مقدما بين رجالهم .
     ترتكز فلسفة الشيخ عدي على قوله " لو كان الشر بغير ارادة الله لكان عاجزاً " وراى الشيخ في روحه نفس روح طاووس ملك حين قال :
#  انا الذي جعل آدم يسكن الفردوس ، ونمرود يسكن نارا مشتعلة .
#  وانا الذي قال لي رب السماء ، انت الحاكم العادل وحاكم الارض .
#  وانا عدي الشامي ابن مسافر، أعطاني الرحمن الرحيم الاسماء والعرش السماوي والكرسي         والسبعة والارض . 
#  في سر معرفتي لا يوجد اله غير هذه الاشياء خادمة لقوتي .
#  واذا شئت ارسلته مرة اخرى ثانية وثالثة الى هذا العالم او الى غيره بتناسخ الارواح . اه .
     يقع مقام الشيخ عادي في جبل لالش شمال بلدة عين سفني ، ويذكر ان صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ قام بنبش ضريح الشيخ وحرق عضامه في سنة 652 الهجرية . ويذكر ايضا بان مقام الشيخ كان ديرا للنصارى بأسم مار يوحنان ومار يشوعسبران ، وقد استولى عليه عام 619 هجرية او نحوها ، ابو المفاخر شرف الدين بن ابي البركات ن ولعل استيلاء آخر سبق هذا الاستيلاء في زمن عدي بن مسافر .
     يعتقد البعض بان الشيخ عدي مدفون هناك فيما يعتقد الايزدية انفسهم بانه عرج الى السماء ، واعتقاد آخر انه قتل في مراغة على يد المغول عام 619 هجرية بسبب اغتصابه الدير .
     ان بناء المعبد وتصميمه على نسق كنائس النصارى كما يقول القس سليمان الصائغ ( مؤلف كتاب تاريخ الموصل ) ويضيف ، بان وجود خطوط آرامية في جدرانه الداخلية ن وقد طليت عمداً ثم انقشع عنها الطلاء ، وبرزت من تحتها  الحروف . ومما يجعلنا نصدق ما كتب ، هو وجود نساء في خدمة المرقد يأبون الزواج على طريقة الرهبنة المسيحية ، وهناك رجل بأسم بابا جاويش ( يقابل القسيس  ) لا يتزوج ابداً .
المراتب والطبقات :
     قسم الشيخ عدي الايزدية الى المراتب التالية :
#  الشيوخ ( آداني – قاتاني – شمساني ) .
#  البيـــــــــــــر .
#  المريد ( اي العامة ) .
     وتوجد بينهم مراتب دينية مثل أ -  القوّالون  ب-  الفقراء ( يلبسون خرقة داخلية سوداء ، ويطلقون لحاهم ) .
     اما اميرهم أورئيسهم الديني والدنيوي فيسمى مير شيخان ، وكانت له سلطات مطلقة في العهد العثماني ، وحاليا يشغل هذا المنصب تحسين الذي ورثه من ابيه سعيد بك ( توفي عام 1944 ) وهكذا ، وهناك منصب ديني هام يطلق عليه بابا الشيخ يرتقي نسبه الى الشيخ فخر الدين من السلالة الشمسانية . وهذا الشيخ لا يذكر اسم الطاؤوس ملك بالحرف .
    يعبد الايزدية هذا الطائر الذي له تمثال من معدن ويسموه بالسنجاق او السنجق ( الذي يعني العلم او اللواء ) وقد جاء وصفه في كتاب قصص الانبياء للكسائي كما يلي " الطاؤوس له جناحات وذنب من الزمرد الاخضر وعلى كل ريشة منه جوهرة بيضاء وعيناه من ياقوتة وهو اطيب طيور الجنة صوتا وتغريدا واحسنها الحانا بالتسبيح ويتبختر في مشيته " .
تقاليدهم وعاداتهم :
 
يقطن ايزديو العراق بمحافظة نينوى في قضائي الشيخان وسنجار ويتكلمون الكردية بشقها الكرمانجي .
     زْي رجالهم شبيه بالزي الكردي التقليدي عدا غلبة اللون الابيض عليه ، وفوق الرأس يضعون الكشايد الحمراء ، اما رجال ساجار فيعتمرون القلبق المخروطي المصنوع من الوبر ، او يلفون اليشماغ الاحمر والكوفية السوداء ، ويطيلون شعورهم بل يضفرونها في جدائل مرسلة . اما النساء فزيهم الابيض يمميزهم عن غيرهم ، وغطاء الرأس يتفننون في صنعه حيث تتخلله الخرز او قطع الذهب او اللآلي وحسب منزلة المرأة الاجتماعية ، واذا اضفنا الى زي نسائهم المئزر الشايع في مناطق تلكيف والشيخان ، فان الصورة تقربنا من ازيائ آشوريات نينوى في العصور الغابرة .
     يعتمد غالبية الايزدية على الزراعة والرعي ، وبعد ثورة 14 تموز 1958 ، دخلوا المدارس على نطاق اوسع من السابق ، وبذلك تخرج جيل من هم شغل الوظائف والاعمال ، كالتعليم والهندسة ومجالات الطب وغيرها . اما تعليم النساء فكان محرما عندهم ، الى ان بدأ اختراقه مع تنامي الوعي الحضاري وخصوصا بين نخبة معلمي فترة الستينات والسبعينات ، وهم بالطبع رواد نهضتهم ، وكانت اول فتاتين حسب علمي وصلتا الدراسة الجامعية هما : رايات ( كلية العلوم 1974 ) وكروان خلات ( كلية الهندسة 1974 ) ، وكلتاهما من ناحية بعشيقة الاكثر تطورا من باقي القرى والبلدات الايزدية .
     وفيما يخص الزواج فعندهم نظام تعدد الزوجات كما عند المسلمين ، وهناك ظاهرة الخطف التي يتباهون بها ، بل هي كثيرة الحدوث بينهم . فعند خطف الفتاة ، ياخذها الخاطف الى قرية اخرى بعيدة ويعودان بعد فترة ليتم التفاهم على الموضوع وبحضور الشيخ والاهل معا . عندما يقول الزوج انت شيخي او بيري فتعتبر في تلك الحالة طالقا .
حينما يحل موعد الزفاف يحضر اقارب الخطيب مقادير كبيرة من العرق والنبيذ ، ثم يدعى شباب وشابات القرية الى حفلة العرس ، حيث يبدأ قرع الطبول والعزف بالزورناي ، وتشرع الشابات بالرقص على شكل حلقات وتستمر الحال هكذا لعدة ايام . وفي الليلة الاخيرة تزف الخطيبة الى دار خطيبها راجلة او راطبة خيل مزين بابهى الحلل ، وتكون مغطاة بالبرقع الاحمر وهي في وسط المعارف في طرب الاغاني والزغاريد ، اما الطبل والزورناي فيشنفان الاسماع .
 
     ختان الاطفال عندهم ، فيتخذون منها وسيلة لمصاهرة المسلمين من العرب او الاكراد في تلك المنطقة . وعند اجراء عملية الختان المتبادلة بينهم ، يدخل ون في صداقة متينة بل قرابة ، وفي هذه الحالة يطلقون على المقابل جملة ( كريف الدم ) ، كثيرا ما يتوجه العربي او الكردي الى احدى القرى الايزدية في ضيافة كريفه ، وبالعكس يحلو للايزدي ان يمكث اياما عند العربي او الكردي .
بيوتهم، قراهم ، ومناطق سكناهم :
يبني الايزديون بيوتهم على شاكلة بيوت المناطق الشمالية اي من الطين والآجر او بالحجارة ، وبجوارها اسطبلات او قاعات لايواء ماشيتهم . اما بيوت الموسورين فتشيد بالجص ( البورك ) والحجارة ، ثم ابتداءً من السبعينات من هذا القرن كثرت القصور المبنية من الاسمنت المسلح بعد ان تحسن وضع الكثيرين منهم جراء عمهم في نوادي وبارات وسط وجنوب العراق .
     اذا جمعت عشرات او بضعة مئات من البيوت السابق وصفها تتكون القرية الايزدية ، ومجموع القرى متناثر هنا وهناك في سهل نينوى وعلى طرفي جبل سنجار ، ويمكن القول ان بعض تلك القرى توسعت وكبرت بمرور الزمن مثل بعشيقة ، خانسور ، حتارة ، باعذرة . وفي وسط تلك القرى او اطرافها شيدت اماكن عبادتهم ومزاراتهم مثل :
مزار شيخسن في قرية ( ايسيان ) ، مزار الشيخ فخرالدين في قرية ( مام شفان ) ، مزار بيرفات ( كيس قلعة ) ، مزار حاجي فيرس ( حتارة ) ، مزار شيخمند ( عين سفني ) ، مزار شيخ سوار ( بيبان ) ، مزار ناسر دين ( بعشيقة ) ، عبد رش ( كندالة ) ، بير خوشابا ( كلي شيخادي ) ، جلميران ( كولكان ) ، مزار شيه آمدين ( سنجار ) ، وغيرها كثير .
     ندرج هنا اسماء بعض القرى في سهل نينوى : ـــ
دوغات ، سرجكه ، حتارة كبير ، داكان ، سينان وشيخ خدر ، بعشيقة وبحزاني ، مجمع مهاتي ، بوزان ، بيبان ، خورزان ، جراحية ، طفطيان ، يسيان ، كرسافة ، كَابارة ، باعذرة ، كندالة ، مام شفان ، ملّي جبرا ، بيرستك ، شكفتيان .
     وندرج ايضاً بعض قرى غرب نينوى ، اي في منطقة سنجار :
مهركان ، وردية ، جدّالة ، كرسي ، سنوني ، بــارة ، خانسور ، ممسكي ، المجنونية ، تبــة ، آديكة ، جفرية ، نخسي ، عوج ، سكينية ، حيالي ، ملك قرسي .
اعيادهم :
     للاخوة الايزديين اعياد دينية وعلى مدار السنة واهمها جميعاً :
#   عيد رأس السنة ( سري سال ) :
     يصادف في الاول من نيسان ، وهو ايضاً تاريخ راس السنة الآشورية ، ويبدو هنا وجود ترابط تاريخي في المسألة . يعتقد الايزديون بان الطاؤوس ملك ينزل في هذا اليوم على الارض كوكيل الله عليها . فتقدم القرابين له وتذنحر الذبائح ، وتزين البيوت بورود الطبيعة الزاهية ، ويخرج الناس والاطفال بابهى حللهم واجمل ملابسهم للاحتفال بذلك اليوم ، ويصبغون البيض بالوان مختلفة ويقامرون به في لعبة تكسير البيض الشيقة والسائدة ايضاً بين نصارى المنطقة في عيد قيامة المسيح الذي يصادف في نفس الشهر من كل عام . وعند المزارات القديمة يدور الناس حولها للطواف ، ثم يعقدون الدبكات الشعبية على شكل حلقات منتظمة ومتناسقة حيث يشترك فيها الرجال والنساء وعلى صوت الزرناي والطبل .
عين ماء في كَلي لالش
     ان ايام سري سال فرصة نادرة للتعارف بين الجنسين وللمغازلات واختيار شريك الحياة ، كما ويسري مفعول المشروبات الروحية في الاوصال فيزيد حرارة الجسد ، وتدب فيه طاقة اضافية للاندفاع للمسرة واللهو والمرح . كما ويولمون الولائم ويهبون الهبات ، والى مقابر موتاهم تتوجه الناس ايضاً ، حيث يدور القوّالون ( جماعة من قرية بحزاني ) بدفوفهه وشباباتهم وهم يجيدون الضرب على هذه الآلات بامتياز والتي توارثوها عن آبائهم ، فيشاركون العامة في البكاء على الموتى ، وينشدون الاناشيد الدينية على الالحان الحزينة ، فيرفعون من وتيرة الضرب على الصدور ونتف الشعور وذرف الدموع واطلاق الآهات .
 
#  العيد الكبير ( جمّـــــا ) :
     وهذا العيد يبدا في 23 ايلول من كل عام ويستمر لاسبوع ، وهو موسم الحج الى جبل لالش حيث مرقد ولي الايزدية الاعظم ( الشيخ عادي ) . في ذلك المضيق الجبلي الغني بعيونه ومياهه الصافية الرقراقة ، والكثيف باشجاره وانواع طيوره وحيواناته البية . هناك تتجمع الآلاف المؤلفة من الايزدية وهم قادمون من مناطق سكناهم وفي المقدمة ميـر الشيخان واخوانه واسرهم ، الشيوخ ، القوالون ، والمريت ( العامة ) .
     تجري مراسيم متعددة وفق التقاليد والسنن الدينية المتوارثة ، وتبلغ اوجها في ذبح الثور الذي يعد تقليدا تاريخيا منذ الازمان الوثنية . حيث اعتبر موت الثور ضروريا لتسقى من دمه الكائنات الحية من نباتات وحيوانات ، وهنا تقرع الدفوف وتنطلق الاغاني الشجية مع اضرام النار لطبخ الثور ، ليتحول الى كتلة لحم مقدسة تسمى ( بالسماط ) وتتزاحم الناس للحصول على قطعة من ذلك اللحم القربان .
     لا تنتهي تلك الايام الا بمزيد من الافراح والرقصات والاغاني ويرتقي احدهم برتبته الدينية ( جاويش ) الى قمة الجبل وعلى رأسه طبق من الخبز اليابس ، ومن هناك يلقي به في الفضاء فيتناثر فتاته ، مما يدفع الشبان للتسابق والحصول على كسرة من ذلك الخيز المقدس ، حيث يغمس في مياه عين زمزم الباردة ليتم تناوله .  كذلك يطلق الرصاص بكثافة في ذلك الوادي احتفاءاً بالعيد الكبير ، وقد كان الحج في السابق يتم بالسير ساعات بل وايام لبلوغ ذلك الوادي ، والآن اصبح السبيل ميسورا بواسطات النقل الحديثة .
المآسي التي تعرض لها الايزدية :
     قبل الخوض في تفاصيل المآسي التي تعرضوا لها في تاريخهم ، نشير الى مأثرة ايزيدي سنجار في ايام مجازر الارمن في تركيا سنة 1915 ، حيث نزح الآلاف من العوائل الارمنية جنوباً ، وقد حصل لهم في بعض الاماكن اعتداءات اخرى في سبي المئات من نسائهم ومثال ذلك في بلدة تلعفر التركمانية . اما من لجأ منهم الى جبل سنجار فقد اصبح في امان تام وفي ضيافة الزعيم المعروف حمــو شيرو ، وفي نهاية تلك الفترة العصيبة توجه غالبية العوائل الارمنية الى سوريا ولبنان ، واستمرت المراسلات الودية بينهم وبين " الفقير " حمــو شيرو . كما وان بريطانيا قد منحت ( حمو شيرو) السلطات الواسعة بعد ان احرق السجلات العثمانية عام 1919 .
     الآن نلخص المآسي والويلات التي تعرض لها الايزدية ، وفق التسلسل التاريخي : ـــ
#  في سنة 1639 جمع والي ديار بكر في عهد السلطان ابراهيم جيشا مؤلفا من ثمانين الفا ، فحارب به الايزدية في جبل سنجار وقتل منهم في حدود ثلاثة عشر الفا واسر مثلهم .
#  في سنة 1647 شنّ والي ( وان ) شمسي باشا ، هجوما على جمع من الايزدية فامضى فيهم تقتيلا واقتيد صاحبهم ميرزا بك ( من قرى الموصل ) الى السلطان محمد اباهيم فامر بقتله .
#  في سنة 1715 نكل باهل سنجار والي بغداد ( حسن باشا ) فقتل منهم خلقا كبيرا ودمر قراهم ونهب اموالهم .
#  في سنة 1752 شن سليمان ابو ليله من المماليك حملة على سنجار .
#  في سنة 1807 شنّ والي بغداد ( سليمان باشا ) حملة اخرى عليهم في جبل سنجار .
#  في سنة 1831 شنّ امير راوندوز( ميري كور ) حملة على الايزدية في سهل نينوى ، فولّوا الادبار زحوصرت اعداد كبيرة منهم في منطقة النبي يونس في مركز نينوى ، ولم ينجوا منهم الا من قطع دجلة سباحة ومن ضمن القتلى اميرهم ( علي بك ) . ومن المعروف ان ميري كور قد ستباح بلدة القوش المسيحية وقتل منهم المئات في حملة شرسة وبنفس تلك الفترة ، واغتصب اديرتهم وكنائسهم وقتل رهبانهم وفي مقدمتهم رئيس دير الربان هرمزد الاب جبرائيل دنبو .
#  في سنة 1891 جهز الفريق عمر وهبي باشا حملة شديدة على الايزدية في مناطق الشيخان بحجة اخضاعهم للعسكرة وادخالهم الدين الاسلامي عنوة ، وقد اراقت الحملة دمائهم ونهبت قصورهم ، وصودرت السناجق . ثم امر بفتح مدرسة دينية اسلامية في مقام الشيخ عادي بجبل لالش ، وعهدت ادارتها الى الشيخ امين القرة طاغي .
     ورغم قساوة ما احدثته تلك الحملة ، لكنها لم تثنيهم عن ديانتهم ، وفشلت كذلك المدرسة الدينية تلك ، وعزل الفريقعمر وهبي . وقد اعاد والي الموصل ايام الحرب العالمية الاولى ، الكاتب سليمان نظيف شارات الايزدية الدينية ومنها الطاؤوس ملك .
#  حركة داود الداوود عام 1935 :ــ  هناك ترابط وثيق بينها وبين الحركة الآشورية عام 1933 ، وكلتاهما كانتا ضحية وعود كاذبة من بريطانيا وفرنسا ، في اعقاب اقتسام تركة الرجل المريض ( الدولة العثمانية ) ، وهي المطالبة بحقوقهم وتطلعاتهم القومية . عند اصرارهم المطالبة بها جوبهتا بالحديد والنار ن كما حدث في مجازر سميل 7 آب 1933 ، اما في منطقة سنجارالتي ثارت بقيادة داود الداوود ، فان الحملة العسكرية الحكومية بقيادة امير اللواء حسين فوزي ، كانت متفوقة عددا وعدة ، فدحر الثوار وسقط المئات من القتلى ، واضطر قائد الثوار مع بعض اعوانه الى دخول منطقة النفوذ الفرنسي في سوريا . 
     فرضت الحكومة العراقية الاحكام العرفية ، وسيق الى منصة الاعدامجوراً المحامي الموصلي عبدالله فائق بولص ، وعبدالكريم قرة كلة ، وسبعة من مختاري قرى جبل سنجار .
#  محنة الايزدية في ظل السلطةالحالية :ـــ  من ابشع الاضطهادات على الايزدية في العصر الحديث ، هي تلك التي مارستها وتمارسها السلطة الحالية منذ مجيئها الى الحكم في انقلاب عام 1968 ولحد هذا اليوم . فقد هدمت العديد من قراهم المتاخمة لجبل باعذرا وهجر اهلها او ادخلوا معسكرات او مجمعات قسرية ، وفي سنجار انشات المجمعات اثر هدم قرى جبل سنجار الغنية بمواردها الاقتصادية ، وسميت باسماء عربية مثل ، مجمع القحطانية ، العدنانية ، الجزيرة ، تل قصب ، وتل البنات .
     (بــارة ) قرية جميلة خلف جبل سنجار ، ينبع فيها الماء من كل مكان تقريبا ، تزرع فيها اجود انواع التبوغ ، واروع انواع التين الذي كان الجبليون يكبسونه بطرقهم الخاصة ويسطحوه اقراص او يعلقونه بخيوط على شكل خرز من الفاكهة المجففة اللذيذة ايام الشتاء . فهل تعلم عزيزي القارئ ماذا حل بتلك القرية ؟ ، لقد مسحت بالارض وهجر سكانها الى سوريا في اوائل السبعينات .
     شنت السلطة كذلك حملة تعريب منظمة وواسعة النطاق في مناطقهم ، ففي التعداد العام لسكان العراق في 17- 10 – 1977 ، اجبروا على التسجيل عرباً ، وقد تمرد الكثير منهم على تلك العملية الشائنة ن كما حدث في قرية دوغات ، حيث مزق الكثير منهم دفاتر تعدادهم ، مما حدا بموظفي السلطة الانسحاب بخفي حنين ، فزعين من غضب الاهالي ودون ان تكتمل عملية تعدادهم السيئة الصيت ، وفي مقدمة من تصدى لاجراء السلطة آنذاك ( علي خليل و جوقي سعدون ) والاخير استشهد بالاسلحة الكيمياوية عام 1987 اثناء هجوم السلطة على مواقع الانصار .
     لقد برز من الايزدية في العصر الحديث ( محمود الايزيدي ) ، الذي خاض حرب عصابات ضد السلطة الحالية وهي في اوج قوتها بين سنة 1975- 1979 ، متخذا من جبال كردستان حصنا له ، وقد ادار عملياته تلك ببسالة نادرة . وقد بذلت السلطة الجائرة جهوداً مضنية للقضاء عليه ، حتى تمكنت منه ، فقتل غدرا على يد مأجور منسلخ من قوميته في خريف 1979 في وادي ( شيرانة ) شرق قضاء العمادية .
الخاتمـــــــة :
     للأيزدية طموح مشروع اسوة بباقي قوميات وطوائف الشعب العراقي ، في الانعتاق من الظلم والاضطهاد والعيش بسلام والتمتع بحقوقهم كاملة ، واحياء تقاليدهم وشعائرهم الدينية بحرية وفي اجواء الهدوء والطمأنينة ، وذلك بارساء دعائم مجتمع القانون والدستور الدائم ، ومن خلال ذلك المجتمع المنشود تتطور احوال الايزدية الفكرية والاجتماعية ، وتدخل اشعة النور لتخترق اركان الظلام في زواياهم المظلمة . والى دولة الديمقراطية في عراق الغد تتجه انظار ابناء الشعب العراقي بما فيهم الايزدية .
مصادر الموضوع :
+ اليزيديون في حاضرهم ومستقبلهم –  عبدالرزاق الحسني ,
+ ضوء على الديانة اليزيدية –  مقالة د. حمو فرحان .
+ جوانب من حياة اليزيديين في سنجار -  مقالة ميرزا حسن الدنادي .
+ اليزيدية –  مجموعة مقالات -  يعقوب نعوم سركيس .
+ اصل اليزيدية وتاريخهم -  مجموعة مقالات المحامي عباس العزاوي .






274
المنبر الحر / مرحلة الطفولة
« في: 13:57 07/08/2007  »
مرحلة الطفولة
نبيل يونس دمان


  ما ان يرى طفل البلدة النور على يد قابلات ظلت امكانياتهن وطرقهن تتحسن مع مرور الزمن ، فكانت القابلة ( الجدّة ) تلف الطفل الوليد جيدا برباطات من القماش ، ولنذكر اسماء بعض الجدّات : مْنّــا شاجا ، باجي مريم ، خالة بدور ، خاتون ابونا . بعد فترة يوضع الطفل في مهده ( دركَشته ) الذي تتميز به مناطق الموصل ، وهو مصنوع من الخشب ويفرش ويهيأ بعناية ليناسب الصغير ويبعث فيه الراحة . امام ذلك المهد غنت الامهات اغانٍ شجية وفي مقدمتها مطلع يقول " دشّاي لايِه ، دركّشتِد قَرَجايِه " ثم تعقبها ابيات على نفس الايقاع ، تتسارع او تتباطأ نبرتها مع شدة او ضعف بكاء الطفل ، وتظل تهز بالمهد واحيانا ساعات طويلة ، الى ان يغلب النوم الصغير . كم انحنت صدور الامهات امام تلك المهود لترضع اجيال المستقبل وتبعث فيهم نسغ الحياة .
     في بداية حياة الطفل قد يكون ضغط الدم فيه غير طبيعي  فتلجأ القابلة الى امرار شفرة حادة على اماكن مختارة من جسمه وغالبا ما يكون الظهر ، فيسيل بعض الدم ولتظهر خدوش على شكل خطوط  ، وبعدها يتوقف بكاء الطفل وعذابه وتسمى هذه العملية محليا ( شْراطه ) . يداعب الاطفال الاكبر سنّاً وقد شهدوا تلك العمليات تطبق على اخوانهم الحديثي الولادة ، بالقول : ان لم تفعل كذا او تتوقف عن عمل كذا ، فالشفرة موجودة ( ملوّحين بها ) فيتوقف فوراً ويتراجع .
يخرج الاطفال الى الازقة والساحات وفي اطراف بلدتهم لممارسة انواع الالعاب واشكال اللهو ، حيث لكل لعبة موسمها وبعضها تتكرر في السنة ، وبمرور الزمن تركن بعض الالعاب في عالم النسيان ، وتحل محلها اخرى ، نتيجة ابتكار احدهم او نقلاً من اماكن بعيدة .
     يحدثنا الآباء عن لعبة شيقة كانوا يمارسونها اسمها ( كَلِي ) ، ولكن جيلي للاسف لم يمارسها ، فقد انقرضت اواسط القرن الماضي . لا اعلم طريقتها بالضبط ولكن يستدل من اسمها ، بان يمسك كل لاعب عصا طويلة نسبياً ، معقوفة في نهايتها ليتسنى له ضرب كرة صغيرة معدنيغ على الاغلب ، لابعادها عن الهدف الذي يحميه احدهم ، وقد تحدث اصابات من جراء تصادم الكرة المعدنية او العصا بسيقان اللاعبين . لقد سمعت مراراً بان اولاد محلة ( اودو ) كانوا يلعبون تلك اللعبة حتى فوق سطح مستنقع ( خَبرا ) الماء المتجمد في الشتاء ، وقد يبلغ سُمك الجليد درجةً تجعل الابقار بثقلها المعروف تعبر فوقه .
     والان ندرج بعض تلك الالعاب التي تركت فينا اعمق الاثر رغم مرور عقود من السنين على تلك المرحلة من الطفولة البريئة المتلاصقة بالطبيعة الريفية :
لعبة البلبل  :
     قطعة من الخشب مخروطية الشكل في نهايتها مسمار ( نبلَه ) يطلق عليها محلياً ( مصراع ) ، يلف عليها خيط قطني معقود في نهايته على عود خشبي صغير لمسك المجموعة كلها بين اصابع اليد زيسمى ( زيكَه ) يرمى الصراع من فوق الراس على الارض فينسحب الخيط تاركا الجسم المخروطي يدور حول رأسه المدبب برشاقة يسعد بها الاطفال .عند اصطدام المصراع بارض صخرية مثلا ، يتطاير المسمار ويتعطل اللاعب عن مواصلة اللعب ، او يصادفها الياف او شعر او ارض رخوة فتتوقف عن الدوران حالاً . هذه اللعبة يلعبها فريق من الاطفال ، وبعد اجراء القرعة ( كيكاندوس ) يلقي احدهم مصراعه ويسميها متباهياً ( شمّه دّيره ) فيما يتناوب الآخرون اصابتها بمسمار مصاريعهم ، واذا لم يصبها احدهم ، يلزم سحب مصراعه الدائر الى راحة كفه ليجعلها تمس تلك الملقية على الارض ، واذا تعذر عليه ذلك يعاد اللعب على مصراعه وهكذا . هناك بعض الضربات المركزة تؤدي الى تصدع المصراع الجاثم ، هنا يصاب الاطفال بنشوة فرح تجعلهم يهزجوا . هناك طريقة ثانية في اللعب ، بان يلقي الجميع مصاريعهم في آن واحد والتي تصمد اكثر في الدوران تكون الفائزة وهلم جرّا ، وقد يحسبون الوقت فيتباهى احدهم بالقول مثلاً ان مصراعه قد دار دقيقة كاملة ؛ . غالباً ما كان موسم هذه اللعبة في العطلة الربيعية ، وكانت الدكاكين المختصة ببيع المصاريع هي : دكان اسحق ربان ( سنكَوله ) ، ياقو رحيما ( زرته ) ، رحيم كَردي .
 لعبة الكعاب :
      الكعب هو عظم صغير يستخرج من عظام الاغنام ، فينظف جيدا ويصقل او يضاف اليه طلاء كالاحمر او الاخضر او الازرق ( حبر الاقلام ) .... الخ . يتم اللعب برمي الكعب الاول مسافة محددة ويلحقه الثاني والثالث والرايع او اكثر ، والذي يصيب احدها يربحها جميعاً . بعض انواع اللعب تأخذ في الاعتبار وضع استقرار الكعب ، هنا تطلق تسميات محلية لتوضح طبيعة ذلك الاستقرار مثل تَفّه، جكّه ، خِرّه ، وبكّه . هناك لعبة اخرى وهذه المرة بالنقود " قمار "  تتم باستعمال كعبين تسمى " زوت " ، احدهم مأخوذ من قدم الخروف اليسرى والثاني من اليمنى ، يمسك اللاعب بالكعبين معاً بين اصابعه فيرميهم مسافة قصيرة ، وكرد فعل يضرب راحة يده بقوة على صدره ، فاذا رماهم مسافة اقصر من المطلوب " ملطوخه " فان محاولته ترفض ، ويربح الرامي اذا استقر الكعبان كما يلي : تَفّه وبكّه ، جكّه وخِرّه ، وتكون الخسارة او الربح ضعفين عندما يقف الكعبان معاً فالربح مع تفِّه او جكِّه ، والخسارة جكِّه و تَفِّه " مخالف " ، اما اذا لم يقف الكعبان واصبحا على اوضاع خِرّه و خِرّه او بكّه و بكّه او خِرّه و بكّه فان الكرة تعاد او يتناوب الدور الى اللاعب الذي يليه وهكذا ، ولا تخلو تلك اللعبة من خلافات وشجارات وبالتالي ينفرط عقد اللاعبين .
في المدارس كان المعلمون يقومون بين فترة واخرى بحملات التفتيش على الكعاب باعتبارها تلهيهم عن دروسهم ، وكانت الحملة تشمل ايضا مصائد الطيور " جطالِه " والدعابل " تبَلياثَه " ، اوراق اللعب " دستَه " ، كرات صغيرة من المطاط او " الجوخ " ، التبوغ واوراق لفّها " مثل الشام ، بافرة " ، السكائر خصوصاً المسماة " مزبّن ، ايوبي او سبعاوي " .  وحين العثور على المبتغى ، كان يُصادر فوراً مع فرض عقوبة على الطالب كالضرب بالعصا او الطرد من المدرسة لبضعة ايام .
 لعبة " كيَلّاثَه :
 تقسّم المجموعة الى فريقين ، كل فريق ينصب ثلاثة احجار مستوية ، رقيقة ، وباحجام مختلفة ، فالاصغر اولاً ويليه اكبر فالاكبر ، تترك مسافة بين كل حجر وآخر حوالي النصف متر ، والمسافة الفاصلة بين الفريقين تكون ما بين 15 متراً الى 20 متراً .
تجري المجموعتان قرعة ( بابَه يان كثوثَه ) لمعرفة من يكون البادئُ ، وهكذا يرمي كل لاعب ضربة ، فاذا اصاب فانه يعقبها باخرى ، ويتناوب الجميع على نفس المنوال ، حتى تسقط جميع احجار احد الفريقين فيعد خاسراً ، عنها يتبادل الفريقان مواقعهما وهكذا يستمر اللعب اشواطا اخرى ممتعة ومسلية اضافة الى تقوية عضلات الجسم ، نادرا ما تحدث مشاكل في هذه اللعبة ، ما عدا الاصابات الطارىة التي لا تخلو منها معظم العاب اطفال البلدة .
 رفع الاحجار ورميها ( صلاوة و برصنكَه ) :
      ان رفع الاحجار ورميها تعتبران العاب القوة ، فالاطفال يحاولون وحسب اعمارهم ، رفع احجار مختلفة الحجم والوزن الى فوق الراس بيد واحدة او كلتاهما وبطريقة الخطف او النتر ، وعند محاولة احدهم رفع حجر اكبر من قابليته فان اقرانه يحذرونه قائلين : سيتوقف جسمك عن الاستطالة ؛؛ " مدَقسِت " فيكف عن المحاولة . اما رمي الاحجار وهي لعبة مشوقة حتى للكبار ، فيكون باختيار حجر مناسب ، وتحديد خط " كَيش " ومن ذلك الحد يبدأ التسابق . يقف اللاعب عدة امتار خلف الخط ، ثم يتقدم بسرعة فيضع قدمه اليسرى فاليمنى وبالتوافق مع خفض الجسم ورفعه اعلى ما يكون ، وفي النهاية يندفع الحجر من فوق الكتف الى ابعد ما يستطيع اللاعب .
يكون لكل لاعب عدة محاولات متفق عليها ، والذي يقذف الحجر الى ابعد نقطة يكون الفائز ويليه لبثاني والثالث وهكذا .
الطائرة الورقية :
     وهي لعبة فردية يصنعها الصبية ، وذلك بقطع ورقة بحجم مناسب وعلى شكل ترس من طبقات كيس السمنت مثلاً ، ثم تحضر عيدان القنب او القصب لتثبت بالشريط اللاصق او الصمغ فوق الترس الورقي طولياً ، عرضياً ، وحول النصف الاعلى الذي يكون حاداً في نهايته ، يقوس احد العيدان على شكل نصف دائرة تقريباً .
 تنشر قصاصات ورق ملونة على جانبي الترس في نصفه الاسفل ، وفي نهاية الترس يربط ذيل للطائرة من شريطين ورقيين بطول 2-3 متر ، او على شكل حلقات ورقية متصلة كالسلسلة بطول 1-2 متر ، وهناك علاقة بين حجم الترس وثقله مع طول الذنب المصمم .
يتكامل صنع الطائرة الورقية ويعوزها فقط الميزانية ، وهي شغلة تتطلب بعض الدقة . تتكون الميزانية من عدة خيوط متينة في وسط الطائرة ، ومن منتصفها تربط بخيط الطيران ( 200- 300 متر ) ويدور ذلك الخيط حول قطعة خشب او علبة المنيوم فارغة .
عندما تهب الرياح . يسرع الصبية لتحليق طائراتهم بعد مسك العلبة الملفوف عليها الخيط جيداً ، وكلما ارتفعت الطائرة وابتعدت يمولوها بمزيد من الخيوط ، ويتباهى الاطفال فيما بينهم  قائلين ، لقد ارسلنا ثلاثة او اربعة من بكرات الخيوط .
ثم يرسلون الرسائل ، وذلك بتعليق ورقة صغيرة حول الخيط فتدفعها الريح الى ترس الطائرة . احيانا يحدث تشابك بين الطائرات وهو ما يتحاشاه الصبية ، واذا حدث فالطائرة التي خيطها اقوى تسحب الاخرى . ويحصل ان ينقطع الخيط فتصبح الطائرة حرة في طيرانها ، وتسقط على الارض بعيداً نسبة الى قوة هبوب الرياح . واسوأ شيء تشابك خيوط الطائرة مع اسلاك الاعمدة الكهربائية او التلفون او الاشجار الكبيرة فالنتيجة على الاغلب تكون خسارة الطائرة .
عادّلا :
      في هذه اللعبة يوضع حجر كروي صغير فوق صخرة ناتئة على الارض ، وكل لاعب في الفريق يحمل حجراً مستوياً وبحجم اكبر قليلا من كف اليد ويسمى محلياً ( توزَه ) ، ثم يحدد خط ، ومن خلفه ترمى الاحجار على الكرة .
قبل كل شيء ، تجرى قرعة بين اللاعبين  ( كيكاندوس ) لمعرفة من يرمي اولاًً والاخير يكون حامياً للهدف ( الكرة الحجرية ) ، وطريقة القرعة تكون كالتالي :
يشبك اللعبون ايديهم ويحركوها معا الى الامام والخلف مرددين كلمة كيكاندوس ، ثم تحل الايدي وتطبق الاكف ، وبذلك يتحدد اللعب الذي وضع وضع كفيه فوق بعضها بشكل مختلف .
يحاول حامي الهدف الجري خلف اصحابه ليمسك باحدهم حال عبوره الخط المحدد ( كَيج ) ، لاسترجاع احجارهم التي رموها نحو الكرة . اما اذا اصيبت الكرة وتدحرجت بعيداً عن قاعدتها فعليه اعادتها اولاً قبل ان يتسنى له مسك احدهم ، واذا مسك احداً قبل الخط المحدد والكرة منصوبة في محلها فانه يتحرر ويحل محله ذلك اللعب الذي مسكه ليدور اللعب عليه وهكذا تتواصل تلك اللعبة المشوقة والخطيرة احياناً لساعات طوال .
لعبة برّي ( قتّه وبيت ) :
     تبدأ اللعبة بوضع عصا صغيرة ( بيت ) على ركيزتين ( حفرة صغيرة ) ، وينحني  اللاعب الاول واضعاً عصا اطول ( قتّه ) تحت الاولى ، ويبدي الاستعداد فيما يقف بقية اللعبين مستعدين ايضاً .يرفع اللاعب بعصاه العصا الصغيرة ويحاول معالجتها بضربة اخرى ليقذفها بعيداً ، فان استطاع اللاعب الاخرون امساكها خسر دوره ويلعب مكانه لاعب آخر ، وان نجح في ضربته تقاس المسافة التي قطعتها العصا المضروبة وله في هذه الحالة ضربتين اخريين ، ثم يتناوب اصحابه في الفريق ضرب العصا الصغيرة ولكل منهم ثلاثة ضربات ، وعند الحد النهائي يبدأ الفريق برحلة العودة الى نقطة الانطلاق وذلك بحمل العصا القصيرة مع اطلاق صوت مسموع ومتواصل ( ممممممممممم) وسليم العصا من يد الى اخرى حال شعور اللاعب بان مقاومته ستنتهي . فاذا حملت العصا الصغيرة الى خط البداية ، دون ان يلتقط انفاسه اي منهم ، فان الغلبة تكون لهم .
شورخ شورخ زيزا :
     وهي فعالية جماعية تمارس ايام الاعياد ، عندما يتوجهعدد من الصبية الى بيت ما ويشرعون بالانشاد ( شورخ شورخ زيزا ، آلَهَا يا ولّوخو خبرونَه عزيزَه ) . وهي على غرار ( ما جينا يا ما جينا ، حل الجيس وانطينا ...... يا اهل السطوح تنطونا لو نروح .. ) وباصرار الصبية على مواصلة الغناء والرقص امام البيت يضطر اصحابه لاعطائهم بعض الحلويات ( شيكارِه ) ويمضون الى بيت ثان وهكذا ، واذا امتنع اهل ذلك البيت عن اعطائهم شيئاً فانهم يهزجون ( شورخ شورخ قوبي ، بيئِد دفلان صروبي ) وعندها ينزعج اهل البيت ويطاردونهم ؛
القفز من فوق الصخور :
    تفصل بيادر البلدة عن بعضها البعض صخور كبيرة نسبياً ، جلبها الآباء في الماضي  لتحديد عائدية تلك الاراضي ، وان الاطفال يشعرون بلذة خاصة عند نجاحهم في قفز احدى تلك الصخور من جوانبها المختلفة ، وتكون الطريقة كما يلي :يجري اللاعب سريعاً لمسافة معينة ، ثم يضع يديه مع انحناءة حادة لجسده إن كانت الصخرة منبطحة ، اما اذا كانت منتصبة ، فانه يضغط رجليه بقوة في الارض ويرفع جسمه الى الاعلى واضعاً كلتا يديه في اعلى الصخرة ، وفي النهاية يجد نفسه واقفا في الجهة الثانية .تلك العملية صعبة وخصوصاً لقصار القامة ، واكثر صعوبة اذا كانت الصخرة كبيرة . ويحدث ان تتعثر الارجل بنهاية الصخرة او لنتوء فيها ، ليسقط اللاعب ارضا وقد يصاب بكسر في اجزاء من جسمه .هناك من يتردد في الاقدام على القفز ، بينما يتجرأ البعض للمجازفة خصوصا عند ترديدهم موّالا مشجعاً يقول ( صْفّرتَه أشقل لبّي وهلّي لبّخ ) اي ايتها العصفورة : خذي قلبي واعطني قلبك ؛ ، فيتم له ما يريد وسط اعجاب اصدقائه .
دحرجة الصخور من الجبل ( كَندورِه ) :
     وهي هواية شيقة ، حيث يرتقي الصبية اعالي الجبل ، ويختارون مكان ميله حاد . تبدأ الهواية بدفع صخرة لتنحدر وتتفتت في طريقها الى نهاية الوادي ، فكلما كان حجمها اكبر كلما احدثت اصواتاً أشد يردد صداها الوادي ، وتنفلق الى صخور اصغر فاصغر جراء الارتطام والتطاير والتصادم باخرى ساكنة فتحركها ايضاً . هنا يتصاعد مسحوقها الناصع البياض وهي تتسارع نحو قاع الوادي ، عاكسة منظرا اخّاذا ً فيما يقف الصبية مسامتعين بالمنظر والنشوة عندهم يبلغ اوجها .
يعيدون الكرّة ثانية باختيار صخرة كبيرة على حافة الهاوية ومهزوزة بعض الشيء ، فيشرعون بالحفر حولها باستخدام احجار صلبة وحادة او يستخدمون آلات معدنية تعمل كعتلات ، فيحركوا الصخرة وبقوة عضلاتهم وبالدفع بالارجل حتى تحل اللحظة الحاسمة ، فيرجعوا الى الخلف حالاً ويرتفع صياحهم ، فيما تنزلق الصخرة وتنحدر بقوة لتعيد نغماتها الشجية ؛
يبلغ الطيش بالصبية حد اصابة اغنام الرعاة في الوادي ، بواسطة الاحجار المتطايرة ، فيكمن الرعاة لهم ويمسكوا ببعضهم ، لياخذوهم الى اهاليهم طالبين التعويض مما اصابهم ، فينقلب فرحهم الى قلق وحرج وحتى تنتهي المشكلة .
صيد الطيور :
     أروع ما عند الصبي هو ما نحن بصدده الان ، فقد تشده حركة الطير وخفته ورشاقته ويتمنى ان تنبت له اجنحة فيحلق مثلها عاليا ً . يمارس الاطفال هواية صيد الطيور بواسطة الفخاخ او المصائد او بالبحث عن اعشاشها في اعالي البيوت والوديان والبساتين والجبال ، ويكشف عن الاعشاش في الموضع والطريقة التي يبني الطير بيته ، فمثلاً في الاشجار ، في الصخر ( قنّد بركُتّه ) ، سقف الايوان ( قند صلوني ) ، شق الصخرة حيث ينثر الطير الاعشاب اليابسة او اقراص احجار ملساء كأنها العقد على جيد الحسناء ؛ ( قند ماسير ) وغيرهما كثير .
عند التفتيش في اعشاش الطيور ، يتم العثور على افرراخها او على بيوها الملونة والمرقطة . تربى قسم من الطيور كالبلابل مثلاً في اقفاص خشبية او حديدية في داخل البيوت ، والقسم الآخر تكون وجبات طعام شهية او تزين مائدة الخمر .
يقضي الصياد الصغير ساعات في البيدر او الطين ( ارض محروثة) او سفح الجبل منتظرا ان يقبل الطيور الى  مصائده التي اخفاها هنا وهناك ، وكم يغتبط بعد فترة من الزمن ، عندما ياتيه الصيد الوفير . هناك صيادون اكثر مهارة في صيد الدراج او القبج او الحمام ، وذلك بتعويدها الى اماكن قريبة من مواضع المياه ، وذلك بنثر الحبوب ( الغلة ) فيها ، ثم بعد مدة ينصب الشَبك ( شَبّاكه) في طريقها او يجلس منتظرا داخل كوخ صغير مبني من الاحجار ويسمى ( نوجَه ) ، هناك يتحين فرصة سحب شباكه او اطلاق بندقيته ، قيقبض على الطيور الجميلة او يرديها ؛ .
في قرية بندواية المجاورة تتجمع اسراب الطيور في مواسم هجرتها ، على الاشجار وقسم كبير منها يقضي ليلته فوقها ، لتواصل رحلتها الطويلة في اليوم التالي ، تأسر الناظر الى الطيور حركتها في الجو ونظام سيرها الدقيق ، على شكل خطوط او اسهم او اقواس ، وبينها مسافات ثابتة ، مطلقة اصواتها الصدوحة ، فيتحين الصيادون تلك الفرصة ويصيدوا اعدادا كبيرة منها .
عندما يغدو الصغار كبارا ً
     للصغير عالمه الذي يسرّه وينطلق منه ، فيمارس الالعاب المختلفة التي لها اوقاتها ومواسمها على مدار السنة ، وتكثر في ايام العطل المدرسية  ، ومن تلك الالعاب الشعبية ( جهايِِه ، سقاطَه لكيبَه ، كيلاثَه ، تبلياثَه ، سبع حجار ، امسكوا وخلّصوا ، حبلك طويل ، جوزه وقهوة وبنركَه .....الخ ) . يذهب الصغير مع اترابه لاكتشاف المجهول في ضواحي بلدته ، باراضيها المنبسطة ، وديانها ، تلالها ، وجبلها المتوسط الارتفاع ، ليجمع نباتات برية ، ويكون لبعضها مذاق طيب ومنها ( أقَلته ، أرينِه ، قِوارِه ، صَدرِد يونَه ، مْخَطاثِد لكَلَكَ ، شاقِه ، بَلّ َزيزِه ، حَلحَلِيّه ، مستوكِه ، جَنجَريق ، بَنيوكِه ، كَصوصِه شِكَابِه ، شكرَكتَه ، أقلِه دْيكَه )  وغيرهما .
     هناك نوع آخر ينبت في تلك الارض اسمه ( طَق و طَقّيق ) يلهي الصغار وذلك بتفجير كراته الهوائية الصغيرة بالأرجل ، بالايدي ، او على الجبين ، ونوع آخر اسمه ( قاوِر صينَه ) يؤذي الجلد عند التماس به ، ويحدث للصبية ان يخدشوا بعضهم البعض به من اجل التسلية ، وعند اصابة احدهم كثيراً ونشوء حبيبات حمراء في الجلد يأخذ باطلاق التعويذة التالية ( قاوِر صينَه مقارصلي ومَرعوديشو مخالِصلي ) .
     في الربيع يخرج الاصدقاء الصغار خارج البلدة لجمع الازهار الجميلة ، منها : ورود آذار المتعددة الالوان ، وورود نيسان الحمراء اللون ، وقد تسهم الامهات او الشقيقات في حياكة أكليل من الورود يضعه الصغار من الجنسين على رؤوسهم فتزداد جمالاً. ومن الانواع الاخرى للزهور : ورد جمبَد ، مرقوزا ، بيبونِد رزّا بلونيه الابيض والاصفر ويستعمل كدواء شعبي ، واحياناً ينتف صغيرٌ اوراق تلك الزهرة الجميلة ورقة ورقة مردداً ( مَلكوثَه ، كِهانَه ، مَطهَر ) والنتيجة تظهر في آخر ورقة قد يكون نصيبه احدى محطات الآخرة الثلاث !! .
     هناك نوع آخر من الزهور يسمى ( كَلاثَ زَنكَه ) ذو الاوراق الحمراء الكبيرة التي تُأكَل او تفجر بين الاصابع ، ونوع آخر اسمه ( شَشْتِد قاشِه ) ذو زهيرات ناعمة صفراء زكية الرائحة ! .
      يخرج الصغار ايضا ً لصيد الطيور في ضواحي البلدة بطرق متعددة منها المصايد ( جطالِه ) ، والفخاخ ( أقلياثَه ) ، و ( طابكّه ) وهو حجر عريض يرفع مائلاً  ليرتكز على قطعة خشب ترتبط بخيط الى مخبأ ، ويسحب الخيط عند دخول الطير لاكل الحبوب . ومن الطيور التي تجوب المنطقة : ( بيديكد باتِه ، تيتي ، كرّايِه ، صلوني ، قوشينا ، دنبوسِد مَقلِه ، نَقَر نقر دباشِه ، زَرخا ، قَلقَلَجكي ، طيرَه صليموني ، ماسير ، زَنزيرَه ، قَشقَش ، كَمتِيّه ، كاكو ، شبشبينِه ، ياتَه ، بومَه ، قَلّه ، سيخُر ، دادَه جوغِه ، نِشرَه ، كثيثِد مايَه ، قرابُس ، قَقوانَه ، شاخورَه ، باشوكَه ، بُرّه ، ياتَه. عند ظهور الغراب ( قلّه ) في الجو يهزج الصبية  وهم يتمايلون مصفقين ( قلّه قلّه قالّنتي ، هلّي خولي وصابُنتي ، دلَه مخيالي ستَتُّنتي ) ومعناها ايها الغراب ، يا صغيري ، ارجع لي المنشفة والصابون ، كي لا تعاقبني سيدتي ! .
      الصغير يتجول احيانا في السوق الذي هو بمثابة مدرسته الثانية ، فيقف ويراقب بانتباه المسائل الجدية التي تدور فيه وكذلك المقالب والفكاهات الشعبية . السوق ملتقى الناس من مختلف الاجناس والاعمار والأمزجة ، فيه المقاهي بالعابها وجلساتها الطيبة .، ان تلك الاماكن تعطي الكثير من الامور المفيدة ، كحب الناس ، الاستقامة , قول الحق وغيرهما . عندما يجلس الصغير قرب والدته التي تشمله بالحنان والعطف  والرعاية، يسمع ايضا ً الى صوتها الشجي وهي تغني له :
  مَحِكيَنُّخْ خْذَه حُكّيثَه
 كُلّح شِنّه وبِنّيثَه
 نانِيّه قطِلّه كثيثَه
 مْحُلقالَه بصدرِد بيثَه
 رَبّن دِقلي شَبوقي
 رابي أويرْ بسَندوقي
 ﭙشلي طيرِ يَروقي
      عندما يكبر الصغير قليلا ً فانه يتلمس خطاه نحو روضة الصغار المسماة ( مدرسّد زورِه ) ، تلك المدرسة الكائنة بين كنيستي مار كوركيس و مار ميخا ، وتتكون من غرفة واحدة فقط ، ويكون الجلوس فيها على الارض ، مفروشة بحصران البردي التي كانت تصنع في قرية باطنايا ، وكل صغير يجلب قُلّة ماء فخارية ( شَربَنتَه ) ، وقدح معدني ذو مقبض ، يعلقهما في حزامه المشدود فوق ثوبه الطويل .
     يدير المدرسة الشماس هرمز كادو وقبله ادارها يوسف شامايا ، وقبلهما ادارها الشماس متيكا حجي والخطاط بولس قاشا . الشماس هرمز  ذلك الرجل الهمام ، يرحب بالضيوف الصغار في اول يوم تطأ اقدامهم ارض المدرسة ، ويسأل عن اسمائهم ليدونها في دفتره بلغة آرامية سليمة فيما تعلو هامة الصغار مسحة خجل حمراء .  كان المعلم فارعا ً في الطول، قويا ، وصارما لا يرحم المخالفين من الاولاد ، فيناولهم بين الحين والآخر صفعات خاطفة ، لا زال الكثيرون يتذكرونها ! .
     يلحق الصغير والدته الذاهبة الى التنور ، ذلك المكان الذي تتجمع فيه النسوة لعمل الخبز ومشتقاته ، ولتبادل الاخبار ايضاً ، حيث يكاد التنور ان يكون وكالة انباء مصغرة لما يدور في المحلة او البلدة وحتى البلد . بعد قليل يخرج الخبز الحار ذو النككهة الطيبة ، ويصرالصغير لن يتناول حصته من الخبز على شكل قرصة صغيرة ( حنّونِه ) . في احدى المرات جلبت انتباهه إمرأة حامل ، فقال بسذاجة " ماذا تحمل هذه المرأة ؟ " فقيل انها تخفي منزق الخبز ( والبعض يلفظه ملزق ، الذي يتكون من شبكة من العيدان الرفيعة من طبقتين ، مغلفة بقماش متين ، تدخل اصابع اليد بينهما لتستقر على راحة اليد ، ثم يثبت فوقها الخبز الرقيق الشهير ، ليلصق داخل التنور المتوهج ) ، ربما انطلت تلك الكذبة البيضاء على صغيرنا ولسنين ! . في كانون اول 1958 ، رسم المطران بولص شيخو بطريركا ً في الموصل ، وقد حضر جمع غفير من الناس وبعضهم من القرى والبلدات المحيطة لتلك المراسم الرائعة ، ففي القوش لم تبق واسطة نقل فارغة وحتى الساحبات الزراعية استخدمت وقد تحملت اكثر من طاقتها ، ووجهة الجميع كنيسة مسكينتا في قلب ام الربيعين . حشر صغيرنا نفسه في احدى سيارات الحمل  وبجانبه وقف العشرات من الرجال والنساء والاطفال  ، فيما كانت دقات ناقوس الكنيسة المهيب تهلل بيد الساعور موسى قوجا ، حيث وقف في صحن الكنيسة وبيده الحبل المتين الممتد حتى الجرس في برج كنيسة مار كوركيس ، كان العم موسى منتشيا ً يرتفع جسمه الخفيف مسافة ويهبط في حركة توافقية متناغمة مع شدة او خفة طرقات الناقوس . في البلدة جبل متوسط الارتفاع ، وهو ملاذها في الشدائد ، ويقيها شدة البرد شتاءً ولسعة الحر صيفا ً . ذلك الجبل الاجرد ذو الخفايا والاسرار وما تحدثنا به الكتب والاسفار ، كان يبهر الصغار ويفزعهم في آن واحد عندما يهمّوا بارتقائه ، وفي كل جولة يكتشفون فيه اشياء جديدة من صخور كبيرة ماساء او ناتئة ، الى مراتع خضراء ، الى كهوف ومنابع المياه ، الى الاعشاب والاعشاش ، وغيرها .
       أحيانا ً يقف الصغار يتابعون الطريق الجبلي المتعرج الذي تسلكه القوافل ( كروانت ) ، وبرفقتها قرويون غالبيتهم مسلحين ، ويحملون فوق دوابهم وبغالهم سلال الفاكهة وتسمى الواحدة ( قرطالة ) وذلك لمقايضتها بحبوب تشتهر بها المنطقة وانواعها التالية : ( سمّاقي ، قَندَهاري ، روتو ، صامربِك ، حكومي ، مكسيباك ، وغيرها ) . تصل القافلة الى ضواحي البلدة ويحاول كل صبي جلب احدهم الى بيته ، ولكن رجال القافلة يعرفون وجهتهم ، الى بيوت اصدقاء معروفين لديهم جيداً ويسمى الواحد وبالكردية ( دوست ) ، وبعد سلام قصير مع صاحب البيت يحل القروي سلاله ، وتكون البضاعة عنبا ً او رمّانا ً او تينا ً او تفاحا ً وغيرها من الفواكه ، ولا ينسى الفلاح تسليم سلة صغيرة فيها اجود ما لديه من الفاكهة الى صديقه وتسمى ( نابركِه ) .
      يشرع الفلاح برفع غطاء السلة المتكون من اغصان النعناع او اوراق الاشجار الخضراء ، فيعبق الجو بشذاها ، ويظهر ما لذ وطاب من تلك الفاكهة الباردة والناضجة في صياحات البلدة البهية ، وهنا يتطوع ابن صاحب الدار او احد الاطفال فيصعد الى سطح عال مناديا ً :
وول وول أنوي .... وول أنوي         الترجمة :  هلمو هلمو الى العنب 
وول وول أنوي داثيلي                               هلمو للعنب الذي وصل للتو
خا بتري بخطّي                                       وزن واحد عنب مقابل وزن مضاعف حنطة
ريشِد قرطالَه                                          رأس السلة 
قَمايَه لك طاﭙه خَرايَه !                             
      يوجّه صوته الجهوري في كل الاتجاهات ليتجمع الناس وتبدأ عملية التبادل ، او يقبض القروي بعض النقود ليشتري بها ما يحتاجه من سكر وشاي وصابون وملابس لعائلته واطفاله من سوق البلدة المكتظ كل صباح بالقرويين من مختلف الازياء والاقوام والألسن ! رجال ونساء واطفال يعج بهم في حركة متواصلة ، تتباطأ بعد انتصاف النهار لتتلاشى عصرا ً ، وبانتظار يوم جديد ورحلة القرويين الجديدة .
     على السطوح العالية ، في ليالي الصيف الجميلة ، تهب نسائم هواء باردة ، صافية صفاء عيون الماء المنتشرة في الغدير ، يستلقي صغيرنا على فراشه الوثير ، متأملا ً السماء الزرقاء المرصعة بالنجوم التي تسبح في الفضاء الواسع ، منها القريبة المضيئة ومنها البعيدة الخافتة . يتأمل نظامها وتأسره حركتها ، ويبدو امام ناظره دربا ً متربا ً في السماء يشق طريقه من الشرق الى الغرب ، ويقول الكبار لن ملوك العجم ساروا على هدى النجم الذي اختط هذا الطريق الى اورشليم لتهنئة الوليد المخلص يسوع المسيح قبل الفي عام .
     غالبا ما تبدو سبعة نجوم متراصة  ، اربعة منها مربعة والثلاثة الباقية على شكل خط مائل ، وعندما تظهر تلك الراية جلية  ، يشرع بعض الصبية بترديد الاغنية التالية  :
 آس النوح .... دربِ النوح     الترجمة :       تابوت النوح.... طريق النوح   
 نوح الفشته .... ﭼوباحشته                     نوح على القوس ..... يذهب الى الجنة ( بالكردية )       
ايم دآمر .... أشوا كَهاثَه                         كل من يقول  ....... سبع مرات
  بزالِه......... لمَلكوثَه                          يذهب الى الجنـــــــــــــــــة
      على طول الوقت يتذكر صغيرنا كنيسته عصرا ً، ويعز عليه مفارقة أترابه في اللعب ، عندما تصل اسماعه طرقات الناقوس معلنة بدء الصلاة ( رَمشَه ) . اذاحصل ان نسي او تناسى حضورها فان عقابه يكون شديدا ً من جدته ثم والدته والكاهن وحتى ادارة المدرسة ، واشد ما يعجبه فيها الاصوات المنبعثه من الصنوج والاجراس ، يؤديها شمامسة اكفاء ، ويعجبه ايضا ًالمنجرة ( ﭘيرما ) وحركتها البندولية بيد الشماس ( داود صنا ) الذي يستهلك عددا ً من السراويل ( ﭘَشمي ) جراء تماسها مع حاوية الفحم الساخنة .
      قبل ان تدخل الكهرباء البلدة ، كانت البيوت تضاء بمصابيح النفط ، وعلى ضوئها تخرج المئات من الطلبة بتفوق ، اما الشوارع فكانت البلدية قد علقت عدد من المصابيح في السوق والساحات والمنعطفات والقناطر . هذه المصابيح على شكل مكعب ثلاثة اوجهه الجانبية من الزجاج والجهة الملاصقة على الحائط معدنية، كم كانت تلك المصابيح عرضة للانكسار على ايدي الصغار فيدور عامل البلدية ( سلو لاسو ) في الازقة ليمسك بالجناة ، وقد قام بتلك المهمة قبله ( اسحق بدي ) ، والكثير يتذكرهم وهم يجوبون الشوارع وبيدهم خزان نفط لتعبئتها  وعصا قصيرة مع قطعة قماش لتنظيف الزجاجات لتعطها البريق اثناء الليالي الحالكة .  اما الكنيسة فكانت تضاء بالشموع على الاغلب ، وأسرجة تغذى بالزيت ، ويراقب صغيرنا باعجاب استاذه هرمز كادو وهو يمسك عصا طويلة مثبت في نهايتها شمعة صغيرة مضطرمة ، ويمدها ليبعث النور في شموع المذبح المتوزعة بانتظام على مدرجاتها المائلة ، وعند انتهاء مراسم الصلاة ، يمسك عصا اخرى مثبت في نهايتها مخروط معدني مقلوب ليهبط به على الشموع فتنطفأ الواحدة بعد الاخرى حتى يظلم المكان المقدس تدريجيا ً ويخيم السكون .
      في الصيف تعشب الارض بالسنابل الممتلئة حبوبا ً ، ويبدأ الحصاد بالمناجل ، ثم بعد سلسلة عمليات تظهر الغلّة . اما سيقان السنابل ( شفلِه ) فتصنع منها اطباق الخبز ، السلال ، اغطية الرأس ، زخارف ومناظر فنية ذات نقوش واصباغ مختلفة .  والباقي منها تسحق جيداً لتتحول الى علف للحيوانات تبن ( تونَه ) وتحفظ في غرف قليلة الشبابيك ، لها باب وفتحة في السقف للتعبئة تسمى ( شيبوختا ) ، وتسمى مفردة هذه الغرف ( ميلا ) . والحبوب تنقل الى البيوت وتحفظ في احواض صخرية او تلك المبنية من الطين او الجص وتسمى الواحدة ( أصرا ) .
      وفي البيوت تجفف بعض الفواكه مثل العنب ( الزبيب ) او التمر او التين او البطيخ ( بلّوجكّه ) وتحفظ في وعاء اسطواني من الطين يسمى ( كوارَه ) له غطاء ( كسايَه ) وفتحة في الاسفل لها غطاء ايضا ً يسمى ( بُكرا ) . يحصل ان يكون المحصول الزراعي في البيدر او لا يزال في الحقل ، ويلقي متسكع او مهمل بسيكارة فوقه ليشتعل النار بعد قليل ، هنا يتعالى صياح الناس ( هاوَر! ) التي تعني النجدة ، ويندفعون بقوة وحمية وبايديهم اوعية الماء او اغصان الاشجار او المعاول والعصي لتطويق تلك النار والحيلولة دون انتشارها الى الاماكن المجاورة ، وفي فترات متأخرة استخدم التراكتور لحفر خندق حولها لتتوقف .
       في بعض السنين يهجم الجراد ولكثرة اعداده يحجب ضياء الشمس ، وبعد اجتيازه للاراضي الزراعية ، يترك منظرا ً مؤلما ً في سيقان الحنطة بدون تيجانها ( شفلِه ) . او تظهر في اخرى حشرة السونة ( سنّك ) فتفتك بالحنطة وتترك الكثير من الناس في فاقة وفقر مدقع .
      في بلدتنا الجميلة وفي مناسباتها المفرحة يفضل حضور عازف الموسيقى ( زورنَه وطبل ) علي حسن رشمالو احد الاخوة الايزيدية من قرية ( سري جكه ) ، ويتذكر صغيرنا عندما تزوج خاله ، لم يكن علي ( ويصغر عليكو) متواجدا ً في المنطقة ، فاضطروا لاستدعاء العازف الاخر ( انويّا ) القادم حديثا من نوهدرا ، وقد جرى الحديث التالي بين والد الصغير وانويّا : -
 الوالد : هل تجيد العزف على المزمار بالشكل المعتاد والمطلوب هنا في هذه البلدة ؟
انويّــا : نعم ، اعرف كل شيء وافضل من الآخرين !! والتجربة برهاني .
 الوالد : ماهي اللغات ( لِشانِه ) التي تجيد العزف بها ؟
انويّــا : العربية ، الكردية ، الآثورية ، الانكليزية ، الفرنسية ، واية لغة اخرى !!! .
 المجموعة بصوت واحد ! وما هي اشهر معزوفاتك يا أخ ؟
انويّــا : ( يتحمس ويشرق وجهه ألَقا ً ) ترنيني ، تبزارَه ، تبراقِذ َه ، هَكَديشامو ، ودَلو ويلو .
      ( تغرق المجموعة بالضحك ) وقد قبلوه باضطرار وارتياب ، وابدا ً لم يستطع الاقتراب من عزف عليكو   المتميز ، والذي اذا انتشى يلحّ اكثر في طلب الباقشيش ، ويصعد صراخ الشباب " شاباش علو" وحينذاك يصب قدح العرق المقدم له ليس في حلقه بل في بوق مزماره ! .
      كم كان يلذّ لصغيرنا ان ينظر الى الدنيا وهو يتحسس ارض بلدته تحت اقدامه ، لقد اجتاز طفولته في  تلك البيوت القديمة والازقة الضيقة المنحدرة والتي يغسلها المطر جيدا ً عندما يهطل في فصل الشتاء ، وعندما يترطب الجبل بالندى وتكلل هامته الغيوم ( أيوِه )  والضباب ( خيبوثا ) . منذ القدم سئل الجبليون عن سبب عمل قراهم بعيدة ومنيعة فيجيبوا " ان الاصدقاء الجيدون يصلون الينا رغم الصعاب اما الاصدقاء السيئون فلا حاجة لنا بهم " . البلدة اعلى مستوى من الحقول التي تحتها وهي خصبة على مر العصور ، وقد امضى صغيرنا طفولته وكل طفل نشأ وترعرع في تلك الاجواء الصحية جسديا ً ونفسيا ً لسان حالها القول المأثور :
 الدنيا كلها في انتظار مجيئي
 العالم يحبس انفاسه ليرى من سأكون
 مصير الحضارة على كف ميزان
 فعالم الغد رهن بغد ِ أنـــا ( الصغير )


Nabeeldamman@hotmail.com

275
14 تموز 1958 في الذاكرة

 بقلم نبيل يونس دمان
     كنت طفلاً اتهيأ لدخول المدرسة ، عندما عاد عمّي كامل مسرعاً الى البيت والدهشة تعقد لسانه ، والفرحة ترتسم على محياه ، ليقول " لقد انقلبت الدنيا ! " . في حينها سرى خوف في اوصالي وانا احلل كلامه في مخيلتي الصغيرة التي صورت المسألة كأنها انقلاب في كل شيء ، ولكن سرعان ما هدأ روعي ، عندما شاهدت عمي يحتضن والدي ويتعانقان ، ثم يحثان جدّتي لتحرير بعض الفليسات المخبأة لايام الشدة ، اخذ عمي مبلغاً قدره 600 فلساً ليعود بعد قليل وبيده بطارية جافة كبيرة نسبياً . كان المذياع ( الراديو ) قد صمت في بيتنا اشهراً بسبب الافتفار الى المال اللازم لشراء بطارية جديدة ، والذي يمدّنا بالاخبار والاغاني ووقتذاك لم يكن الكهرباء قد دخل البلدة بعد . عبر ذلك الجهاز العجيب ، اخترق موجات الاثير صوت ليس كباقي الاصوات ، مجلجل ، مهيب ، مبشرٌ بثورة 14 تموز المجيدة .
     افاق العراقيون على نبا الثورة ، فأشاع البهجة في  مدنهم ، قراهم ، شوارعهم ، وبيوتهم ........  في تلك السنة المباركة دخلت مدرسة العزة الابتدائية في القوش ، ولم تمض فترة حتى شرعت ادارة المدرسة بتطبيق نظام التغذية لجميع الطلاب وتوزيع اللوازم المدرسية بالمجان وكذلك بدلات خاصة موحدة . علمني استاذي الاول رحيم عيسى كتو الابجدية الاولى وكتب على السبورة ووجهه يشع نوراً " 14 تموز " ، ونحن الصبية لا نعرف كنه ما كتب ، ولكنها انسابت حروفاً جميلة خطها بعناية المدرس ، ليقول ونحن نردد معه " عاشت ثورة 14 تموز " .  ارتفع العلم العراقي ليرفرف فوق مدرستنا ، وغطت صور الزعيم عبد الكريم صور الملك في كل صف من صفوف المدرسة .


 
مدرسة العزة الابتدائية في القوش
     لقد شهدت فرح الثورة ، ومع الايام اغتبط الناس بها وبمسيرتها التي تبشر خيراً ، فأقيمت الاحتفالات وازدانت الشوارع الرئيسية والسوق والدوائر الرسمية كالمدارس والمستوصف الجمهوري ومحكمة بداءة القوش ومركز الناحية ( قشلــة) . على طول الشارع الممتد حتى الموصل عبر القرى : شرفية ، تلسقف ، باقوفا ، باطنايا  والبلدة تلكيف ، اقامت جميعها الاعراس خصوصاً على جانبي الطريق الرئيسي .
     في القوش ، نصبت هياكل حديدية على شكل اقواس على جانبي الطريق ، وزينت باغصان الاشجار التي غطت الهيكل واعطته شكل بوابة خضراء يتوسطها شعار الجمهورية وصورة الزعيم . اقيمت اول بوابة في مدخل البلدة ثم توالت البوابات الاخرى على مسافة حوالي 200 متراً ، وكانت الاخيرة امام مركز الناحية . ارتفعت الشعارات واللافتات الملونة على جانبي الشارع ، ثم بدأت المسيرة الجماهيرية والتي سبقها رتل من سيارات الاجرة بالوانها المختلفة وهي تطلق العنان لمنبهاتها ، ويباشر ساعور الكنيسة موسى قوجا بسحب حبال ناقوس الكنيسة ، وظل مدة يهتز بتلك الضربات الرنانة المتتالية ، وتصل اسماعها الى كافة اطراف البلدة والى اعلى جبلها الوديع الذي يشرف على سهل خصيب كالسندس الخلاب.
     انضمت الى الاحتفال وفود الفلاحين من القرى المجاورة والكل يزهو بملابسه ورقصاته الخاصة ، فتقاطرالآشوريين اولاً بازيائهم الشعبية وصدورهم المطرزة بالاوراد شبانا وشابات في اعمار الازهار وعلى رؤوسهم تعتمر القبعة المخروطية المائلة منتصبا على جانبها الريش الزاهي بألوانه ، ووصل بعده الوفد الايزيدي بملابسه الناصعة البياض ويشاميغهم الحمراء ، واخيرا وصل وفد الاكراد المعتني جيدا بهندامه ، وليعقدوا جميعا حلقات رقص رائعة على انغام الزورنة والطبل ، ويطلقوا ايضا اغانيهم واناشيدهم في الهواء الطلق .

 
     كان على راس المسيرة التموزية الرائعة شباب الثانوية المتقد حماسا ، والمعلمون رواد العلم والثقافة ، وكان معلمي جرجيس اسحق زرا في مقدمة المسيرة ، ومعلمي الاخر سعيد ياقو شامايا قد رسم صورة كبيرة لزعيم الثورة ، وفي احدى مراحل المسيرة عزمت على الهتاف وجدتي  تقاوم رغبتي ، وانا بذلك الالحاح الطفولي سَمِعَنا استاذي الجليل جرجيس زرا فقال " ليس فيها شيء يا اُمي " ، وناولني يده ليسحبني الى صخرة عالية نسبيا فتصمت المسيرة واطلق هتافي بحياة الثورة ويحدث تصفيق ، فيما يحمر وجهي لما اقدمت عليه ويغمرني فرح طفولي لن انساه ابداً .

 
     انجزت الثورة العديد من المشاريع في بلدتي منها تبليط ازقة البلدة ، واعادة تبليط الشارع الرئيسي المؤدس الى الموصل والذي بلط لاول مرة عام 1950 في عهد مدير الناحية عبدالله صديق الملاح ، مد شبكة المياه الى كل بيت مع نصب خزان في اعلى البلدة لتوزيع المياه . وانشأت بعض المشاريع الخاصة مثل معمل الدواجن لصاحبه منصور كجوجا ، معمل طحن الحبوب لصاحبه الياس الصفار ، ورشة تصليح السيارات لصاحبها صبري نكَارا ، معمل الثلج لصاحبه توما توماس ، كما وبنت الحكومة بناية المسلخ ولكنها اهملت وكانت في حينها اجمل بناية والان باق ٍ منها اطلالها فقط .  تشكيل نقابة السواق وفتح مقر لها وانتخاب أول رئيس وهو يوسف عربو الملقب كُتي ، تشكيل رابطة المرأة وانتخاب أول رئيسة وهي صلحة قيّا ، وتشكيل منظمة الشبيبة الديمقراطية وأتحاد الطلبة العام .
      لقد خضنا نحن الطلبة اول ممارسة ديمقراطية وكان الاضراب عن الدوام احتجاجا على اعتبار يوم الاحد دوام رسمي في القرى والبلدات المسيحية ، ففي ذلك الجو السلمي الذي اوجدته الثورة ، وقف الطالب حافظ نعيم كَولا ليهتف في ساحة المدرسة ( لا دوام يوم الاحد من الآن الى الابد ) ، فردد الطلبة هتافه وخرجوا باتجاه مدرسة مار ميخا ، وسار الجميع في شوارع البلدة مرددين الاناشيد الوطنية ، وبعد ساعات جاء الجواب من بغداد ، يعتبر يوم الاحد عطلة في المناطق التي فيها الاكثرية مسيحية  .
     في آذار 1959 قامت مؤامرة الشواف في الموصل ، فوجهت حكومة الثورة نداءا ً عبر المذياع الى كل الغيارى والشرفاء للاسهام في اعادة اوضاع الموصل الى طبيعتها ، فهب رجال القوش الشجعان حاملين اسلحتهم الى الموصل وادوا واجبهم في قمع تلك الحركة التي اريد منها غرق العراق بالدماء ، ويقال ان بسلاء القوش اندفعوا لعبور الجسر القديم ليصلوا الى البلدية قبل غيرهم وليربطوا الجانب الايسر بالصوب الابعد ويسهم ذلك في سرعة انتهاء التمرد . وفي صيف ذلك العام عرضت مسرحية فشل مؤامرة الشواف في ساحة مدرسة العزة وبمناسبة الذكرى الثانية للثورة ، فيما غنت فتاة جميلة اغنية هندية ( هامايا هاجان ) نالت الاعجاب .
     في اجواء الثورة تلك ونظرا للمكانة التي تحتلها القوش في المنطقة ، فقد تشكل وفد شعبي ليتوجه على الفور الى عشيرتي الشيخ نوري والحاج ملو المتنازعتين لقرابة العقدين من السنين من اجل المصالحة بينهم . ولكن للاسف لم تكتمل تلك المهمة الشريفة ، فقد سقط بين ايديهم الشاب هرمز اسرائيل بجوري متوفيا بالسكتة القلبية وهم في طريقهم الى قرية ( بيدا ) لمقابلة عبد العزيز الحاج ملو ، فتحملوا صعاب حمله في المسالك الجبلية الوعرة حتى مكان توقف السيارات . شارك لاحقا بمراسيم دفنه في القوش عبدالعزيز الحاج ملو ( وقد قتل في نفس العام على يد سعيد ربتكي ) ومعه مجموعة من المسلحين ، واسلتحهم منكسة وهم يشاركون في مراسم التشييع للراحل هرمز بجوري .
     آخر احتفال بعيد الثورة كان في صيف 1962 ، حيث تواصلت الاغاني والاناشيد والدبكات امام المركز ( قشلة ) ، وكان ابرز متظمي الاحتفال طلبة ثانوية القوش ، وفي المقدمة سعيد يوسف اسطيفانا . بعد غياب الشمس انتشرت اشاعة مفادها ، ان مسلحين اكراد يتقدمون من الجبل لاحتلال البلدة ، فحدثت بلبلة بين الناس وانسب الحشد الكبير بشكل مضطرب الى بيوتهم ، وكذلك ارتفعت بعض الاصوات تدعوا الرجال الى حمل اسلحتهم . اتذكر جيدا كيف اسرع والدي الى البيت ونحن لازلنا في ساحة الاحتفال ليجد ابواب بيتنا موصدة ولم يصبر حتى رجوعنا مع المفاتيح ، فكسر باب الغرفة وانتشل بندقيته الانكَليزية ليصعد الجبل مع باقي المسلحين ، ويتم احتلال الجبل دون العثور على شيء . يبدوا ان ظلال الشجيرات في القمة اوحت للناس وكأنها مجاميع متجهة صوب البلدة ، وسبب ذلك الارباك ، ولكن قادة الاحتفال صمدوا في مكتنهم وواصلو الحفل حتى وقت متأخر من الليل .
    بقيت ايام  تموز محفورة في الذاكرة رغم مرور عشرات السنين ، وقد ارتسمت معالم الفرح الحقيقي على وجوه العراقيين الطيبة ، ومنذ ان غيّب تموز( دمّوزي ) ، لم يشهد العراق نعيما ولا استقرارا بل عاش ليلا طويلا من الاحزان والمآسي والكوارث ، ولكن الامل لم ينته ، ولازال يحدو الجميع بان ينهض وطننا ويقلب الدنيـــا  رأساً على عقب !  ليطلق العنان لحصان ثورة 14 تموز الجامح نحو الافق البعيد .

276
أدب / حلبجــــــــــة
« في: 05:36 06/07/2007  »
بمناسبة حكم العدالة الصادر ، بحق مجرم العصر علي حسن المجيد ، اعيد نشر محاولتي الشعرية :


حلبجــــــــــة

نبيل يونس دمان


 
صباح الخير حلبجة
صباح النور والنار
صباح النصر والثأرِ
لا تنامِ وارفضي
ابنة الكرد إنهضي
بين البنادق والامل
أسمع سمفونية الجبل
 
×××××

اطفالك يا حلبجة
في بساتين العنب واللوز
في جنائن ظلالها الجوز
يلعبون في مروجك الخضراء
والجبال تتلأل ضياء
الثلوج تعانق السماء
منها ترتوي عيون الماء

×××××

  النداء : اسمعوا نداء الموت
الارض ارتجت والسماء ارتعدت
قد اقبلت وحوش جوية
 تقذف سموما ً كيمياوية
ماركة واحدة مسجلة
من هيروشيما الى حلبجة
ومن كردستان الى لبنان
الدم واحد
والقاتل واحد

×××××

انهمرت العطايا
حسبهم هدايا
صدام يوزع المنايا
جنرال بالصدفة
يسير على مارش الدم
 وعلى انغام الخردل والثاليوم
يا لخسة اسلحته
" هل العين بالعين والسن بالسن ؟ "

×××××

انتم يا غربان الجو
يا من تمطروا كيمياواً
يتطاير الشرر من عيونكم
ويسري الرعب في عروقكم
اتسائل من اي طين جبلتم ؟
هل عراقيون انتم ؟  
والله خالق الارض والسماء
حتى هولاكو منكم براء

×××××

 مهما تعاقبت الاجيال
وتزاحمت دروب المحال
فأسمكِ يا حلبجة
عالٍ علو الجبالِ
وانتم ايها الناجون
غداً في محكمة التاريخ تشهدون
وعلى السفوح والمتون
ل ( نوروز ) النار تضرمون

×××××

غداً تنهض حلبجة من الركام
 وتسير الحشود للامام
مرددين اناشيد السلام
وعلى الشفاه يتفجر النداء
 لمدينة الكرد ام الفداء
 
×××××
 
حلبجة في الاحضان
يا زهرة هورمان
قبّلي تراب كردستان
فأنتِ شهيدة على مرّ الزمان
انتِ نجمة الفجر
سارية في سماء العصر
مطَرّزة احرف اسمك
وعالٍ واعلى نجمك
هل تظنِّ الناس تنساك ؟
الشعبُ لم يمت
وفي القلب ذكراك


×××××
×××
×


 جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 16 / 3 / 1990


    

277
المرتجى من مؤتمر عنكاوا
بقلم نبيل يونس دمان
أكتب اليوم عن موضوع ساخن وشائك ، كثر الجدل حوله ، واشتد خصوصاً بعد سقوط نظام الطاغية ، ذلك الجدل بأبعاده التاريخية والسياسية وحتى الدينية . تكاثرت الاقلام التي تناولته بمديات واسعة ، شجعها تطور وسائل الاتصال من الإنترنيت والفضائيات والموبايل ، فكانت النتائج سلبية على العموم ، عمقت الخلافات في وجهات النظر ، مما جعلتنا نعيش كل ٌ في وادٍ عميق ، لا يريد سماع الآخر ، او الجلوس معه ، بل ادى مهمة اخرى أشبهها بمن يحمل الحجارة الى الخط الفاصل ، ليلقيها على رؤوس قاطني الوادي المجاور . كان يفترض ان نستفيد من الامكانات التقنية وتواجدنا في بلدان ذات مناخات ثقافية واجتماعية متنوعة ، فتنعكس إيجابا ، لتزيد من لحمتنا وتجعلنا مجموعة متجانسة يربطها إرث حضاري ولغة عريقة . ولكن بدل كل ذلك شرع البعض الذي يعاني من نقص فكري ، وقلة ذوق واضح الى ان يرتقي منابرا ً ويمنح لنفسه مناصبا ، فاخذ يصرخ ويولول ، يزايد ويقلل ، يبرر ويعلل ، يتهم ويبرئ ، وبوتيرة ازدادت وتعمقت مع الزمن ، فبدلاً من ان ينصت لصوت العقل وينظر بمنظار مصلحة قومه التي في وحدتها وفي تكاتفها يكون بقائها ، هؤلاء المفتشون عن الأمجاد الزائفة عن طريق الاعلانات السريعة ، أضروا بقضيتنا كثيراً ، وحمدٌ لله انهم تعبوا ولم يتحملوا نتائج افعالهم ، فتوارى العديد منهم عن الانظار، فيما بقيت اقلية تمارس هوايتها في التصيد بذلك الماء اللآسن الذي لا تخضر فيه حياة ! .
     من هذا الخضم يأتي مؤتمر عنكاوا كخطوة ايجابية على طريق الوصول الى اهداف قومنا ، في احقاق مطاليبه القومية إسوة بباقي مكونات الشعب العراقي . كانت التسمية باستمرار هي تلك القنبلة الموقوته في طريقنا ، وها ان المؤتمر قد استنتج كلمة وان كانت بديلة ،  لكنها ضرورية في هذا الوقت والتي هي ( سورايا – سوراي- سورث ) ، هذه الكلمات وان بدت غريبة وثقيلة على الاقوام والشعوب المجاورة ، لكن بمرور الزمن اعتقد انهم سيتآلفوا معها ،  فتصبح قوة مادية تفرض هيبتها واحترامها على الجميع . لأسوق مثالا ً : ( الأيزيدي ) تلك الكلمة التي سادت مؤخرا لإبعاد كلمة اليزيدي من التداول والتي يفسرها الكثيرون خطأ بانهم اتباع يزيد بن معاوية الاموي . فيما تفسر أيزيد بمعنى كلمة الله جل جلاله ، والبعض ينسبها الى مدينة  يزدان الايرانية التي نشأت فيها الديانة الزرادشتية قبل حوالي 2500 عام .
     كانت كلمة ( سوراي ) ذات مدلول قومي ، ولكن بفعل الاضطهاد المزمن وانعكاف ذلك القوم العريق حول كنائسه بعد ميلاد المسيحية اتخذت مدلول ديني ، ايضا بعد ازدهار منطقتنا واستقرارها الفكري والثقافي سترجع كلمة سوراي الى تاثيرها القومي ، ربما يتطلب ذلك مديد من الزمن ومزيد من الصبر .
     في حقب التاريخ المختلفة سُمينا بأسماء لها وقع طيب في نفوسنا فنجلها على الدوام ، منها الاكدي والسومري والاشوري الكلداني والسرياني ..الخ بمدلولها الإثني والمعتقدي ، تبقى هذه الاسماء مرتبطة بنا في اماكن تواجدنا وفي محيط اسرنا وفي اروقة كنائسنا ، لكننا نشرع بتعويد انفسنا على كلمة ( سوراي ) الجامعة والوطن القديم ( بيث نهرين ) والتسمية الوطنية الحديثة ب ( العراق ) والمنطقة الشمالية ب ( كردستان ) كواقع الحال يفرض نفسه اليوم بقوة ، على الجميع الاعتراف به واحترامه ، مع الاعتقاد السائد بان الظروف تشير الى نشوء كردستان الكبرى الممتدة في تركيا وايران وسوريا ، وغالبية قومنا وقرانا ومصالحنا المادية والقومية والدينية ضمنها ، فلنكن ضمن هذا الواقع الموضوعي ولنبني خططنا المقبلة على هذا الاساس لا ان تراودنا الاحلام غير القابلة للتحقيق والمربكة والمعيقة للتطور الطبيعي لأجيالنا . اذا احسنا قراءة الواقع سيكون لنا مناطقنا واماكن ازدهارنا التي سيفرضها الواقع الجديد ، دون اضاعة الوقت في طلبها في الظروف المعقدة السائدة اليوم ، فلننتظر وننظم انفسنا ونوحد موقفنا ونرتب بيتنا القومي ، فكل القرائن تشير الى قرب تحقيق آمالنا ، علينا التفاؤل والنظر بثقة وثبات الى المستقبل الواعد ، ان الصورة اليوم قاتمة لكنها ستتغير مع الزمن ومع الصبر وقليل من التضحية ، فالى ذلك اليوم نغذي السير .
     ان مؤتمر عنكاوا الشعبي لن يكون الخاتمة بل ستعقبه مؤتمرات اخرى جديدة ، تضاف الى المؤتمرات السابقة ، كلها لم ولن تمتلك العصا السحرية التي تتوصل الى كل شيء وترضي الجميع في كل شيء ، كما انها لا تحسم الجدل الحالي ولكنها تحصيل حاصل ونيجة للمرحلة الصعبة التي يمر بها الوطن ، فبعد اختراق سفينته عباب البحر المتلاطم ستجنح في الاخير الى شاطئ الامان ، فتنهض الدولة العراقية ، ويترسخ الدستور العلماني ، وستتطور مفاهيمنا القومية اكثر ليصبح واقعنا المقبل باذن الله هو الاستقرار الفكري والرخاء المادي .
     ما الذي يمنع تقرب التجمعات والاحزاب وممثلي الكنائس المختلفة من خيمة المؤتمر وافكاره وتصوراته التي خرج منها بهدف تصويب ما وقع في من قصور او نسيان او حتى الأخطاء ، اتمنى من هؤلاء بل اترجاهم ان لا يحملوا المعاول في توجههم صوبه بل ان يحملوا في ايديهم باقات الزهور ، ولترتسم على شفاههم ابتسامات الحياة والحرية.
    اخاطب ابناء قومي من منفاي وعيوني ترنوا الى الوطن الذي آمل ان يضمني يوماً الى احضانه في حياتي او مماتي ، اخاطب اهلي المشتتين في الاقاصي بان يضعوا حدا لخلافاتهم . تناولوا تجربة اكراد العراق كيف اصطدمت فصائلهم السياسة وكيف نبذت الخلافات ، فازدهرت مناطقهم واصبحوا تجربة ديمقراطية تشع في المنطقة وتفرض احترامها المبني على رفاهها الاقتصادي وتطورها الاجتماعي . انصتوا الى نداء القلب ورجاحة الفكر، وضعوا امالكم في وحدتكم وتكاتفكم في تجاوز الامور الثانوية ، والمصالح الضيقة ، التي لم تنفعنا طوال سنوات الجدل العقيم . امالنا المقبلات تتوقف على جانب له اهمية قصوى ، الا وهو وضع العراق العام ، فالمعادلة الرئيسية وميزان الاحداث ، سيعتمد على نتائج الصراع بين قوى الخير والحرية ، وبين قوى الظلام والعبودية ، لنكن وضمن امكاناتنا وقابلياتنا قريبين من تلك المعادلة ، واضعف الايمان بقلوبنا وتضامننا ، علينا بتحليل وفك رموز تلك المعادلة لاستقراء الاحداث ومعرفة اتجاه الرياح ، لا ان تاخذنا على حين غرة وتفاجئنا ، وبالتالي نجلس على الاطلال نبكي ونندب حظنا ، علينا ان نرتقي وفي الاساس ان نسموا فوق خلافاتنا ، ثم نشد اواصر اللحمة مع مكونات الشعب العراقي ، الذي يرى فينا ، اناسا مخلصين لوطنهم اينما حلوا ، ولنا في نظرهم مكاننا في التاريخ ، الا سألنا انفسنا يوما ، لماذا لا يعير الاعلام العالمي لنا انتباه ، بتقديري ناتج عن خلافاتكم وحملات التشهير اذا لم نقل السباب التي ينتهجها البعض ، اضافة الى الذاتية ومرض حب الظهور التي يقتنصها البعض فرصة ليغطي نواقصه ، صدقوني لو توحدتم ، ولو عزلتم تلك الاقلام المفرقة ، التي تأبى الكتابة إلا في الطائفية ، سيكون العالم معكم ، والاعلام منصف لكم ، ومراكز القرار الوطني والاقليمي والعالمي في نيل مطالبكم ، وتثبيت حقوقكم ، والدفاع عنكم عندما تتعرضون للمحن .
      يكتسب مؤتمر عنكاوا اهميته من التحضير الذي سبقه ، والتغطية الاعلامية التي واكبت جلساته ، والنتائج التي تمخض عنها ، والاهم من كل ذلك اللجان التي تشكلت والتي اذا اكتمل نصابها ، وسادت روح الجدية والعمل المخلص ، ستكون في المستقبل القريب نواة مجلس نواب الظل لقومنا ، مجلس ( دوما ) صغير يتناسب مع عددنا ، وسيكون لذلك المجلس مكانة مناسبة ، ترفع ارادة وتوصيات قومنا الى الجهات المختلفة ، من الحكومة المركزية ، الى حكومة اقليم كردستان ، الى الاحزاب الوطنية ، الى الحكومات الاجنبية وقنوات الاعلام .       
     ليكن طريقنا الجديد الذي ارساه مؤتمر عنكاوا يستوعب خطواتنا الواثقة الى المستقبل ، ولنبارك كل جهد يصب في الهدف ، ولنستوعب القيادات الفتية التي يفرزها الطريق بالحفاوة والاحترام ، ولتقترب تنوعاتنا السياسية والكنسية من ثوابتنا القومية ، ليكن تنافسنا بهدف الارتقاء فلا تطور الا بالتنافس الحر والتنوع الثقافي والاجتماعي والسياسي ، لتكن منافستنا الكبرى في ما نقدمه لقومنا في مدن الصراع الدموي في بغداد وكركوك والبصرة والموصل وغيرهما ، في اوضاع اللاجئين والمعذبين في الداخل والخارج ، لتكن منافساتنا في تطوير لغتنا واحياء طقوسنا ، وتطوير عاداتنا وتقاليدنا بما يتلائم مع القرن الحادي والعشرين ، ذلك هو طريقنا واليه نرفع رؤوسنا ونمد أيدينا لنحيي كل من يوسع خطاه في السير عليه ، حتى بلوغ اهدافنا في الحرية والازدهار .

nabeeldamman@hotmail.com
April 10, 2007

278
ذكرى رحيل :انستاس الكرملي
[/color]
بقلم نبيل يونس دمان
مقدمة : ان الذي دفعني لكتابة هذا الموضوع ، هو العلاقة الابوية الصادقة التي ربطتني بالأستاذ جورج جبـّوري في السنوات الاخيرة ، من خلال احاديثه الدائمة عن الراحل ، حيث عاشا معا ً لسنوات عديدة في دير الآباء الكرمليين ببغداد ، وفي أروقة ذلك الدير عاش أديبنا انستاس متعبدا ، زاهدا ، باحثا ، وعاشقا للغة العربية ، وبجواره في مدرسة اللاتين عمل أستاذنا جورج جبوري معلما ثم مديرا للفترة من 1939 وحتى عام 1952 .
     نبذة عن حياته : ولد الأب انستاس ماري الكرملي في 5/ آب/ 1866 ببغداد ، لأب لبناني وهو ميخائيل عواد وأم بغدادية وهي مريم أوغسطين وسمي ( بطرس ) . دخل مدرسة الآباء الكرمليين ثم مدرسة الاتفاق الكاثوليكي ، وعندما لمس أساتذته شغفه باللغة العربية ونبوغه فيها ، عين مدرسا لها وهو في السادسة عشرة من العمر فقط .
     في عام 1886 أرسل الى المدرسة اليسوعية في بيروت لدراسة اللغتين اليونانية واللاتينية ، ومواصلا في ذات الوقت تدريس اللغة العربية ، وفي نفس العام سافر الى بلجيكا حيث إرتدى أسكيم الرهبان في دير شفرمون ، واصبح اسمه منذ ذلك الحين انستاس ماري الكرملي .
     في عام 1888 إنتقل الى دير مونبيليه ( فرنسا ) ليقضي فيه ست سنوات في دراسة اللاهوت والفلسفة واللغات . وفي عام 1893 رسم كاهنا ً ليعود بعد عام الى وطنه العراق ، مرورا ً ببلاد الأندلس ليطلع على بقايا الحضارة العربية المندرسة .
     فور عودته الى بغداد ، تولى ادارة مدرسة الآباء الكرمليين لعدة سنوات ، ثم ترك الإدارة ليتفرغ تماما ً للبحث والدراسة والتأليف ، بهمة عالية ونشاط قل مثيله .
     عند اندلاع الحرب العالمية الاولى عام 1914 تعرض للمضايقة والاضطهاد من قبل الاتراك ، نظرا لمواقفه الوطنية . وبالنتيجة سرقت واحرقت الكثير من كتبه وسيق جورا ً الى المعتقل في قيصرية عبر مدينة حلب السورية ، وهناك تعرض لألوان التعذيب ، ولولا تدخل مطران الأرمن ، لمات شنقا حتى الموت . وحال إطلاق سراحه ، عاد الى مدينته بغداد ، ليواصل جهوده الكبيرة في خدمة اللغة العربية والتاريخ ، حتى وافاه الأجل في 7- كانون الثاني - 1947 تحت وطأة الشيخوخة والمرض .
     مجلسه الاسبوعي : ذاع صيت مجلسه الاسبوعي ( مجلس الجمعة ) في أنحاء المعمورة واصبح قبلة اصحاب المكانة المتميزة في الأدب ، واللغة ، والفلسفة ، وكم قصده زائرون للعراق من العلماء المستشرقين والباحثين ذوي الباع الطويل في علم اللغات والتاريخ .
     كان هناك شرطان وضعهما العلامة أمام رواد مجلسه ، وهما تحريم النقاشات السياسية والدينية ، وقد كانت فكرته تلك ذكية جدا ً ، لتجنب الاحتكاكات والإشكالات التي تحصل من الخوض في الموضوعين اعلاه . اما الانصراف الى الأدب وأبحاث اللغة فهي بحد ذاتها مكملة وموحدة ، ومن النادر حدوث انقسامات وانشقاقات فيها .
     من جملة حضور مجلسه الاسبوعي ، أسماء أدبية لامعة ، امثال : يوسف غنيمة ، حامد الصراف ، رزوق عيسى ، كاظم الدجيلي ، عبد الرزاق الحسني ، هاشم الوتري ، مصطفى جواد ، مهدي مقلد ، محمد رضا الشبيبي ، روفائيل بابو إسحق ، روفائيل بطـّي ، الملا عبود الكرخي ، عباس العزاوي ...وغيرهم كثير .
     كان مجلس الجمعة يبدأ في الثامنة صباحا ً ، وينتهي في الثانية عشرة ، عندما تشق أركان الدير، دقات ناقوس الكنيسة ، مؤذنة حلول فترة الظهيرة . عندما ينفرط عقد الزائرين ليلتحم مرة اخرى في الجمعة التي تليها ، ولعشرات السنين .
     كان الجو الهادئ والمنظم الذي يوفره الأب العلامة بمثابة حافز ودافع ، للمزيد من النقاش الهادف ، والبحث المتواصل ، في شتى المواضيع المطروحة . وغالبا ً ما كان انستاس يستعين بمصادره من الكتب ، التي تعد بالآلاف في خزانته والتي عني بجمعها وترتيبها ووضع الهوامش والخطوط والملاحظات عليها ، في إقناع الحاضرين برأي معين . كما كان يوفر طاولة وعليها الكتب والمجلات والجرائد المحلية والعربية والأجنبية الصادرة حديثا ً في مختلف اللغات ، ليطلع عليها مجلسه الموقر الذي كان بمثابة مجمع علمي عراقي مصغر .
     منجزاته : منذ نعومة أظفاره ولج طريق الكتابة ، فكتب مقالات كثيرة وبحوثا ً قيمة جدا ً زادت عن الالف ، في مختلف الصحف والمجلات العلمية والادبية التي لها مكانتها في العراق او في خارجه ، فنشر مثلا ً : في المشرق ، المقتطف ، المسرة ، زهور ، الصفاء ، البشير ، الهلال ، الأهرام ، وغيرها .
     وكانت له قدرة في تعلم اللغات فأجاد الفرنسية ، اللاتينية ، اليونانية ، السريانية ، العبرية ، الحبشية ، التركية ، الفارسية ، الانكليزية ، الاسبانية ، والايطالية ، إضافة لنبوغه في اللغة العربية التي أحبها وعشقها وإعتبرها أغنى اللغات وأجملها .
     وشملت مقالاته مناحي عديدة منها اللغة والتاريخ والبلدان واصل الكلمات والملل والنحل ، فكتب عن الصابئة واليزيدية . وألف نحو أربعين مؤلفا ً في الدين والآداب والتاريخ منها : الفوز بالمراد في تاريخ بغداد ، أغلاط النحويين الأقدمين ، بلوغ المرام في شرح مسك الختام ، مختصر تاريخ العراق ، الغرائب ، الرغائب ، أمثال العوام وغيرها ، كثير منها مطبوعة وغيرها غير مطبوعة . ويخرج معجما ً رائعا ً سماه ( المساعد ) والذي عكف على العمل فيه قرابة نصف قرن ولم يكمله ، وحين وافته المنية ، اغرورقت عيناه بالدموع قائلا ً " لا أريد ان افارق الحياة قبل إنجاز كتابي ( المساعد ) " .
     أصبح عضوا ً في مجمع الإستشراق الألماني ، والمجمع العربي في دمشق ، والمجمع العلمي في جنيف ، ومجمع اللغة العربية المصري ، ونال اوسمة وميداليات عالية في دول عديدة  منها انكلترا وفرنسا .
     طبائعه : نشأ هذا الانسان نشأة ناسك متعبد ، زاهد ، لا يملك من متاع الدنيا شيئا ً ، لا أسرة له ولا اولاد بل اولاده في الروح كتبه وغزارة إنتاجه .
     كان ضخم الجثة ، قوي البنية ، جبلي القوام ، أطلق للحيته العنان فجاءت كثة ، طويلة ، ومهيبة ، له صوت كأنه الزئير ، وضحكاته كانت تشق انحاء الدير، وغضبه في ذات الوقت وانفعاله في ما يراه انحرافا ً ، يصل حد استعماله عصاه ! .
     عندما يرى فاحشة ترتكب بحق اللغة فإنه يكرر القول " إذا لم يتم تصحيحها فاني سأقاطع صاحبها ، بل سأبصق عليه !! " ، وطالما إستعرت الحملات الكتابية بينه وبين فطاحل عصره ، وادت بعضها الى المقاطعة التامة ، وامثال تلك المساجلات : مع عبد الله البستاني ، لويس شيخو اليسوعي ، جبر ضومط ، أمين معلوف ، أسعد داغر ، ابراهيم اليازجي وغيرهم .
     اما من ناحية التدبير والمال فقد كان مقتصدا ً ، يحسب لكل شيء حسابه ، وربما لهذا السبب نعته البعض بالبخل ، لكنه بتلك العقلية الحسابية ، استطاع ان يشتري آلاف الكتب ويقوم بعدة رحلات الى سوريا ، مصر ، لبنان ، فلسطين ، وأوربــا ، من اجل أبحاثه ، وكم كان يرنوا لإستقباله علماء وفلاسفة عصره من المصريين والسوريين واللبنانيين والفلسطينيين أمثال : أحمد باشا تيمور ، يوسف أفندي سركيس ، قدري طوقان وغيرهم .
      تكريمه : بتاريخ 7 / تشرين أول / 1928 ، اقيمت في دار رئيس الوزراء محسن السعدون حفلة يوبيلية كبرى للعلامة انستاس الكرملي ، وتوالى الخطباء والشعراء من على منصة الاحتفال ، يشيدون بالمحتفى به ، حيث يكرم العلم والإبداع .
وقد ورد في كلمة أحد تلامذته وهو أحمد حامد الصراف البيتين التاليين : 
وعشنا وعاشت في الدهور بلادنا
                         جوامعنا في جنبهن الكنائس
وسوف يعيش الشعب في وحدة له
                         عمائمنا في جنبهن القلانس
ومما قاله فيه صاحب مجلة القربان الحلبية ما يلي :
     (( ان المحتفى به هو الكاتب المبدع الذي لم تخل مجلة من مقالاته الرنانة وهو اللغوي المدقق الذي أماط اللثام عما جاء في معاجم اللغة مثل لسان العرب وتاج العروس ومحيط المحيط وأقرب الموارد من أغلاط ومفاسد )) .
     وبعث أبرز شعراء ايران قصائدهم باللغة الفارسية ومنها قصيدة خسرو ميرزا الميمية تحت عنوان ( در تهنيت دشن أدبا وبراي حضرة أب أنستاس كرملي ) .
     وقد جاءت أصوات التكريم من كل مكان في الشرق والغرب ومن انحاء العراق ، الكويت ، ايران ، مارسيليا ، المانيا ، مصر، لبنان ، فلسطين ، فرنسا . وبلغ الزهد والتواضع مبلغه في كلمة المحتفى به المؤثرة ، والتي جاء فيها : -
     (( اني لا أرى هذا الاطراء جديرا بي ، بل خليقا بكم ، إذ اراكم تجلون العلم والفضل حتى في من ينتسب اليه انتسابا ، وإن لم يكن من أهله ، فالمجد والشرف لكم يا سادتي لا لي . إذ اراني بعيدا عن كل ما عددتموه ونسبتموه لي ، في حين لا اجده إلا فيكم يا سادتي الصيد الاشاوس )) .
     في عام 1946 أقيمت لراهبنا المتبتل انستاس تكريمية اخرى في نادي الكرمل بحيفا – فلسطين . وكان في حينها يصارع امراضه وينيخ تحت ثقل شيخوخته البالغة ثمانين عاما . وقد وصفته الآنسة قدسية خورشيد بالقول (( دخلت دير الآباء الكرمليين – وكنت اول سيدة تخطوا حدود الكنيسة الى الدير– ودخلت غرفة عارية إلا من منضدة وبضعة كراسي وواجهة كتب والشيخ يجثم كالنسر العاجز ونهض الشيخ يستقبل زائريه ، وأحسست بهيبة عظيمة تغمرني لمرأى الرجل العظيم وكأنه الطود المتهدم يتقدم بخطوات مضطربة ... )) .
     لغة العرب : لعل اهم معلم تاريخي ومرجع هام في التقصي والبحث عن احوال العراق والبلدان ، هو مجلة " لغة العرب " الشهرية التي اصدرها الأب انستاس في تموز 1911 ، واستمرت حتى القبض عليه من قبل الجندرمة في ايلول 1914 ، ومما جاء في الأسطر الاولى لإفتتاحية عددها الأول ما يلي :
     (( بسم الله الفتاح المعني ... بعد حمده تعالى ، والشكر على آلائه والإتكال على مدده ، قد عقدنا النية على اصدار هذه المجلة الشهرية خدمة للوطن والعلم والادب )) .
     عادت الى الصدور مرة اخرى في تموز 1926 واستمرت حتى كانون أول 1931 وقد جاء في إغلاق المجلة ما يلي :
     (( وقد عزمنا عزما أكيدا لا يحتمل الرد ولا الاستئناف على إغلاق المجلة من الآن ، لأننا مع مقاساتنا اتعابا جمة ومشاق هائلة ناهكة كنا نكابد خسائر باهضة طول سني صدور المجلة ... )) .
     إذن كان العامل المادي سببا في انطواء الصفحة الاخيرة لتلك المجلة البارزة ، وقد حفلت في اعدادها بل في مجلداتها التسعة الضخمة ، بمواضيع عديدة نقتبس بعضا من عناوينها ونترك للقارئ العزيز تقدير أهميتها :
     الكلدانيون ، الصابئة ، اليزيدية ، مخطوطة في تراجم علماء الموصل ، الحفر والتنقيب في أطلال بابل ، نظرة عامة في لغة بغداد العامية ، مشاهير كتاب العراق ، السائح الغربي في العراق العربي ، منارة سوق الغزل ، الخرز ومعتقداته ، اللغة الكردية ، طوب أبو خزامة ، في كنوز العرب ، اسماء محلات بغداد ، تاريخ المطابع في العراق ، أسرة ترزي باشا ، وغيرها كثير جدا .
     تأبينه : إهتز العراق لنبأ وفاة عالمه الفذ انستاس الكرملي في 7 / كانون ثان / 1947 ، فحمل جثمانه في المستشفى التعليمي إلى باحة مدرسة اللاتين ، وتوالت الكلمات والأشعار والرسائل في ذلك المصاب الجلل ، وكتبت عنه الصحف العراقية جميعها وصحف مصر وفلسطين وسوريا ولبنان .
     وقد ألقى الشاعر ( مهدي مقلد ) قصيدة  في تأبينه نقتبس منها هذين البيتين :
فالقلب من دين ابن مريم وحيه
                         والفكر من لغة النبي محمد
إن ابن مريم والنبي محمدا
                         نوران نور هدى ونور توحد
     ومما جاء في خطاب المؤرخ العراقي يعقوب سركيس : (( عرفت الراحل رحمه الله لأول مرة عام 1899 وكان تعارفنا في شطرة المنتفق ، وقد قصد تلك الديار لملاقاة الصابئة حيث يسكنون ، فذهب الى الناصرية لاختبار أحوالهم الدينية وحضور طقوسهم والاطلاع على كتبهم ... )) .
     ومما قاله مير بصري ما يلي :
     (( ... وكم طار لبه سرورا بلفظة عثر عليها بعد لأي فصاح كما صاح أرخميدس حين اكتشف مبدأ موازنة الأجسام الغائصة في السوائل : وجدتها ، وجدتها .. ! )) .
ومما قاله كوركيس عواد ما يلي :
     (( حدثني ذات يوم ان ملك بلجيكا السابق ألبرت الأول حين زار بغداد سنة 1930 ... طلب جلالته أن يرى الأب انستاس ... )) .
ومما قاله د. مصطفى جواد ما يلي :
     (( أرسل الي ّ مرة وأنا بباريس سنة 1936 رسالة يقول فيها " إني ترجمت من الفرنسية كتابين صغيرين دينيين تم طبعهما ولم أبعث اليك بنسختين إشفاقا ً من أن تظن أني أدعوك الى النصرانية " )) .
     ومما قاله جورج جبّوري مدير مدرسة اللاتين في ختام كلمته هذا البيت :
أبتي أعِنـّي من عقال لساني
                         قد هدني شجني فعاق بياني
     ولعل ما جاء في كلمة الأستاذ محمد فاتح توفيق من عظيم الدلالة بالقول :
     (( لقد بلغ من شغفه بالفصحى أنه يحسن الإصغاء إلى القرآن الكريم وهو ذلك الراهب الناسك ، وما مرة زاره فيها مقرئ العراق الشهير ( الحافظ مهدي ) إلا وألح ّ عليه بأن يتلو على مسامعه آيات من الذكر الحكيم ، فيشق سكون الدير ذلك الصوت الرخيم وهو يصغي عليه بكل جوارحه )) .
     ملاحظة : كتب الموضوع عام 1997 ونشر بمناسبة مرور 50 سنة على وفاته ، في كل من الثقافة الجديدة ، القيثارة ، وحويودو. اليوم أعيد نشره بمناسبة مرور 60 سنة على رحيله تعميما ً للفائدة ، ودعوة لوقف العنف والإنقسام الطائفي في بلد يغرق في أزماته ، ومن اجل السلام والتآخي بين مواطنيه .
nabeeldamman@hotmail.com
February 1st.  2007[/b][/font][/size]

279
الأستاذ نبيل يونس دمان المحترم
[/color]
تحية وتقدير..
     أود في البداية التعريف عن نفسي , إنا جار المهندس رومان نوئيل ميخا في البصرة- منطقة دور النفط  و تجمعني بالأخ رومان سنون عدها عقدان من الزمن و نحن أصدقاء وجيران منذ طفولتنا وجمعتنا ظروف متشابهة إذ تصادف أن يكون والدي رحمة الله من سكنه بغداد وانتقل إلى البصرة لظروف العمل كما هو حال المرحوم نوئـيل ميخا والد رومان ولا يفصل داري عن دارة وحديقتها التي شاءت الأقدار أن تكون مكان استشهاد زوجته الفقيدة سالي متي  رحمها الله , سوى جدار بسيط .. وكنت شاهدا وحاضرا فصول تلك الأيام السوداء الصعبة التي واجهت هذه العائلة الكريمة, منذ عصر ذلك اليوم المشئوم 4/1 ولغاية صبيحة يوم 7/1 الحزين يوم انتقلت الفقيدة إلى جوار الشهداء والمظلومين من أبناء هذا البلد.
    وإذا كنت بدءا أود أن أتقدم لكم  ولأقرباء الفقيدة و عائلة  السيد متي سكماني ولأهالي ألقــوش الكرام بخالص العزاء  والمواساة , فأنني  كذلك  أريد أن أوضح  مسـالة وردت في رثائكم المنشور على موقع بلدتكم  الاليكتروني , جاء ضمنه إيحاءات بان  استشهاد سـالي رحمها الله جاء نتيجة فعل متعمد أو حادثة استهداف مباشر.
     وإنني إذ  افهم وجود هذا التصور  لما يمر بة البلد من ظروف معروفة إلا إنني أريد أن أؤكد لكم " واقسم بشرفي على ذلك و بروح والدي" بان ما حدث  داخل حديقة دار جاري رومان كان  حادثة رصاص طائش يصيب بيوتنا باستمرار  لقربها من شوارع رئيسية  يكثر فيها إطلاق الرصاص بمناسبة وبدون مناسبة و الذي يودي بحياة الأبرياء في البصرة بشكل يكاد يكون يوميا ,ويمكنك التأكد من ذلك من السيد متي سكماني الذي حضر مع زوجته  إلى البصرة  أو الأخ رومان شخصيا , وأنني إذ اعرف أن هذه التوضيحات لن تفيد شيئا ولن تعيد عزيزا فقد, إلا إنني أجد نفسي  ملزما بالتوضيح  لما لمسته من عتب مـر يعز علينا أن نقرأة ضمن سطورك ويفاقم  إحساسنا بالأسى والحزن لما وقع  لزوجة صديق و أخ  وزميلة لي في جامعة البصرة التي تخرجت منها السنة الماضية  والتي عمها الحزن والأسف  لفقدان فتـاة كانت مثالا للخلق الرفيع والتفوق العلمي بشهادة الكل.
    نعم لقد كانت سـالي رحمها الله شـهيدة, كانت شهيدة ضعف القانون والدولة و انتشار الممارسات السيئة المؤذية للمجتمع مثل إطلاق النار في الهواء لأسخف الأسباب و أتفهها.
     واعلم حضرتك والجميع إننا لن نسمح بأي فعل مسيء يمس إخوتنا من أبناء الطائفة المسيحية بشكل مباشر رغم إنني لا أنكر حصول تعديات  من قبل بعض الجهلة والطفيليين  على العديد من المواطنين المسيحيين وغير المسيحيين وأصبحت للاسف من  علامات المرحلة..
     إلا أنني  أؤكد مرة أخرى بأنه لا علاقة لذلك بالحادث المؤلم الذي وقع للمرحومة سـالي , وأن ما وقع كان قضاء وقـدرا.
 هذا وتقبلوا فائق التقدير و الاحترام
أحمد رسول سلمان
 البصرة / 19- 1- 2007[/b][/font][/size]

280
كفى ايها الموت ، إنكفـــأ !
[/color]
في استشهاد الشابة ، سالي سكماني :
بقلم نبيل يونس دمان
     ما بَرحَ شلالُ الدم ِ، يسيلُ من جسدِ وطني ، يعتصُرني الألمُ ، في نهايةِ النهار، أخلدُ الى الراحة ، ينتابُني القلقُ والترقب ، أستسلمُ للقدر ، أنامُ وملئ جفوني الأرق ، تغزوني الكوابيسُ تارة ً ، وأخرى الأحلامُ الجميلة ، أفيقُ مع تباشير الصباح ، فتغمُرني شَمسُه الدافئة ، التي ترسل أشعتها الى كُل الاوطان ، فيسري في الأجساد دبيبُ الحياة والأمل ِ، إلا وطني المعذب ، وطن النهرين والنخيل ِ، وطن الحضارة الأصيل ِ ، أنتظرُ في كل غدٍ ، لعلها البشائرُ تأتي عِبر الأثير، لتـُخبرني بإشراقةٍ جديدة ، ترفعُ الغبنَ عن بلادي ، تسبق الريح ، وتمضي نحو المستقبل السعيد . فتظهرُ أقواسُ قزح ٍ، من كل الألوان ِ ، تتلألأ ُ على ريش الأطيار ِ ، تسكُبها السماءُ على الارض ، فيسرحُ الاطفال ويمرحُ الناس ، على السهول ِ ، فوق الجبال ِ، وفي الصحارى ، خالية من الانفجارات ِ، والموت بالصدفة ، أو مع سبق الإصرار . يا أحلامي الوردية ، لا تـُفارقيني ، حتى بلوغ الحال الذي فيه الإستقرار، فتجنحُ سفينة ُ العراق عبرَ بحرٍ متلاطم الامواج ، الى شاطئ الأمان ِ.
      لماذا تموتُ الناس هكذا في كل حين ، ما هي المعصية ، وبأية جـِناية ، وما الذي إرتكبوه ، حتى يحزنُ الرجال ، تترملُ النساء ، ويتيتمُ الاطفال ، لماذا يغادرُ أحِبـّتنا هذه الارض في غير ِ أوانهم ، دون ان يكملوا الرسالة التي حَملوها في ولادتهم ، لتضيف شيئا جديدا ومتميزاً ، الى الصَرح الحضاري الشامِخ على مرّ العصور ، الى متى وأهلنا طعم للبارود والحديد ، لماذا تتناثر اجسادهم كل يوم ، هل ضاقت سُبل العيش ِ بهم فيَهلكون بعضَهم بعضا ً ؟ هل مواردُ الارض لا تكفي لإسعادِهم ؟ ام هو البكاء على الماضي ، ومحاولة ارجاع دولاب الزمن ، مهما بلغ الثمن .
      الماضي لن يعود ، وضربات ( ابو تحسين ) بالنعال ، ستبقى ماثِلة امامَ أعين ِ ، مُروجّي بـِضاعة الموت والدمار، لقد مضى صاحبُ الصنم الى نهايته الطبيعية ، وجسدُه العفن الذي ينخرُ فيه الدودَ الآن ، لن يمد في عُمر دكتاتورٍ جديد ، لن تعود الأيام الخوالي ، الى عصر المظالم والاستغلال ِ ، المجازر الجماعية ، الحروب العبثية ، كظمُ الانفاس ، حَصر الهواء ، ومنعُ استنشاقه على الناس . لقد استباحَ البعث فاشي وطننا في غفلة من الزمن ، وانتشرَ كما ينتشرُ الطاعونَ ، واليوم يحاول أيتامُ صدام المقبور في كل أعمالهم الشرّيرة ، إرجاع الماضي وزرع الفِتن ِ ، بالتأكيد لن يحصِدوا شيئاً ، سِوى تدمير أنفـُسِهم وعوائِلهم ، والأكثرُ من ذلك ، الخيبة والخذلان في خاتمة المطافِ . أولئك المتباكونَ على الدكتاتور في موتِه الذي إستحَقه ، سيأتِ الوقت الذي فيه ، يدسّون رؤوسَهم في التـُراب ، خجلاً من شعوبـِهم ، تمعّنوا بما تعنيه صورة الملك الراحل حسين بن طلال ، وهو يطلق الرصاص بإتجاه ايران ، في الثمانينات من القرن الماضي ، ألا يحرجُ  ذلك الموقف عائِلته المالكة ، ماذا لو كان حيا ً، ليرى وينظرَ بمِنظار اليوم .
      الى أيتام النظام السابق ، من العصابات المجرمة ، الى مُرتكبي الجرائم بالقـُطعة ، الى عابري الحدود من المرتزقة ، المحشوة أدمِغتهم أوهاما ً، الى جيش المهدي ( الأولياءُ الصالحون ، الأنبياء ، ورُسل السماء ، ليسوا بحاجة الى جيوش او قوات ) لهؤلاء جميعا ً أثبت قولي ، بأن طريقَ العراق الجديد ، لن يُفضي إلا الى الحرية والسلام ، الى الأمان والديمقراطية ، ذلك الطريق لا محيد عنه ، فعندما تقطع المسافة الدموية التي تـُفصلنا ، هناك سيُشيّد وطناً قوياً معافيا ، تستخلصُ الأجيالُ مما مضى العبرَ والدروس ، ليمضوا الى الأمام ، والى أزمنة قادمة ، تفيضُ عُصارة فِكرهم ، وجمال ذوقِهم ، في هندسة وبناء ، ما تـُعجب به أمَمُ الارض .
     سِقتُ تلك المقدمة ، لأعود الى بلدتي الصغيرة ( القوش ) في شمال العراق ، والتي تضربُ جذورها عميقاً في تربةِ النهرين الخالدين . لم تعتدي على أحد في تأريخها ، بل وبإستمرار تتلقى الضربات ، فقسماً منها تبقى تحزّ في النفوس ، وقسماً تـُرد وحسب الإمكانية والظروف ، بلدتي في عَصرها الحديث ، لم تـُؤسس ميليشيات مسلحة ، ولا عصابات قتل أو سرقة ، انما كانت تـُنظم الدفاعات عن نفسها ، وبشكل فردي وطوعي ، كان البعض يتركُ حياتـَه الناعِمة ، ليتحملُ مشاقَ الجبال في التصدّي للظالمين ، مثال ذلك الفقيد البطل توما توماس . في هذه الايام الفاصلة لا يمرُّ اسبوعٌ ، إلا ونكبة جديدة تقع لأهلنا في القوش ، تلحق بالبلدة ضرباتٍ مُتعددة ، في قتل العشرات من ابنائها وبناتها في مُدن الموتِ : بغدادَ ، البصرة ، الموصل ، وكركوك ، لا لذنبٍ اقترفوه ، بل وقود لصراع طائفي ، يجتاحُ البلادَ ويشتد يوماً بعد يوم . عندما أشعل الدكتاتور المقبور حربه المجنونة ضد ايران ، صارت تصل الى القوش وغيرها ، مواكبُ القتلى والجرحى ، وآخرون وقعوا أسرى ومفقودين الى الأبد ، والهاربون الى الجبال ، نال العديد منهم شرف الإستشهاد ِ . يُؤسفني جدا ً القول " ما أشبه اليوم بالبارحة " . أولادنا في المدن العراقية ، هم مثال الاخلاق والخلق ِ، إنهم بُناة ٌ رغم الصِعاب ، ورسلُ المحبة والسلام ، فأبعِدوا سِهامكم عنهم ، وتوقفوا عن أيذائهم ، أستصرخ ضمائركم ، وأثير نخوتكم ، ان تساعدوهم ، وتبعدوهم عن بـُؤر القتل ِ والخطف والاعتداء .
      ماذا اقترفـَت إبنة ُ صديقي الشابة اليانِعة ، سالي متي سكماني ( 21 سنة ) ، حتى تلقى حتفها امامَ عشـّها الزوجي في البصرة ، فيفتقدها زوجها المسكين رومان نوئيل ، في غمضة عين ٍ ، وتنوحُ إبنتها الصغيرة ، بَحثا عن أمّها ، ولكن هيهات ان تجـِدها . أيا جامعة البصرة الأبية : إرفعي صوتك عالياً ، إسألي عن سالي ، تلك الوردة الجامعية التي قتلت ، فتركت مقعدها في السنة الأخيرة فارغا ً ! وهي ضيفة ُ البلدة القوش ، في ثغرِ العراق ، الذي كان يوما ً باسما ً !! . تخيلوا يا أهلَ البصرة الطيبين ، لو كانت بضعة عوائل منكم بين ظهرانينا ، هل كُنا نـَسمح بوقوع ِ اعتداءٍ او ضيم ٍ عليهم ؟ أبقى مُردداً هذا السؤال ؟ .
     العزيمة والصبر لصديقي متي ميخا ، للاستاذ بنيامين ميخا ، لزوج الفقيدة الغالية ، ، لأهلها وأصدقائها ، لهم جميعا ً ، القوة والسلوان ، في تحمل المصاب الجلل.
سَلاما ً ووداعا يا سالــــي
يا ربيعَ العُمر الفانــــــــي
بالله كوني خاتمة الأحزان ِ
nabeeldamman@hotmail.com
January 12, 2007[/b][/font][/size]

281
المنبر الحر / الموت للطغاة
« في: 01:10 29/12/2006  »
الموت للطغاة
[/color]
نبيل يونس دمان
   في اللحظة التي يشتد فيها حبل العدالة على رقبة دكتاتور العصر صدام حسين ، يأت مسلسله المرعب والدامي ، والذي قضينا عشرات السنين في متابعته ، الى نهايتة .. اخيرا سيفارق الحياة بطريقة مهينة ، ستظل مدى الدهر عار على مريديه من اصحاب المصالح والامتيازات والعقول المريضة . في القريب العاجل سيغادر مسرح الاحداث ، رمز الامجاد الزائفة ، مهندس المقابر الجماعية ، مبذر الثروات الوطنية ، مستخدم الاسلحة الكيمياوية ، سارق ابتسامات الاطفال لعقود من الزمن ، يغادر الى غير رجعة ( بطل ) المسلسل و( العقل ) المدبر لكل الشرور التي ألمّت بشعبنا وشعوب المنطقة .
     بمرور الزمن سينسى العراقيون ذلك الكابوس الرهيب ، فيتوجهون لبناء غدهم الزاهر الذي يلوح في الافق ، ذلك المثقل بالآمال ، فيشيدوا وطنا ً جديدا ً، يغير تصور العالم عنهم ، وهم ورثة الحضارات القديمة ، التي ارست اللبنات الاولى في الصرح الحضاري الشامخ ، ينتظار العراقيين مستقبل مشرق بعد ازالة رمز التسلط والعنجهية الفارغة ، وكل ما هو في مسفلة التاريخ .
     بهذه المناسبة اهنئ الشعب وأسر الضحايا ، تلك الآلاف المؤلفة ، التي ادعوها اليوم لتطوي صفحة الماضي ، وتنظر للآت من الايام في عيون الاطفال ، رجال مستقبلنا وبُناته ، احيي كل من غذى طريق النضال بشبابه وحياته ، من اجل اقصاء  لوحة سادت رغم ارادة العراقيين ، فطغت على كل الالوان والاطياف الجميلة ، لتعطي صورة وهمية عن العراق كما تفعل العدسة الخيالية .
     عراقنا لولا هذا السائر رغم عنه للمشنقة ، لكان في مصاف أرقى الامم كما هو عهد البشرية به ، وباستطاعته ان يقلب الصورة والمعادلة معا ً، ليظهر للعالم كم يختزن من طاقات وامكانيات مادية وبشرية تبهر الامم . قادم بلا شك ذلك اليوم ، ورهان اتباع صدام وأيتامه خاسر لا محالة ، فالماضي لن يعود ، وسجله سيحفظ في صفحات التاريخ الأكثر سواداً ، الى جانب جبابرة الطغاة في العالم .[/size]
 [/b] [/font]

282
نداء عاجل الى خاطفي المعلم نوئيل صادق عوديش
[/color]
     طالعت بحسرة وأسف نبأ خطف المعلم نوئيل عوديش على الطريق بين الموصل و بغداد ، مع اثنين من اقاربائه لاسباب غير معروفة ، لذلك أطرح بعض الملاحظات على الخاطفين :
* ان كان سبب الخطف لإستحصال فدية مالية ، فلا اعتقد ان بامكانه ذلك .
* وان كان السبب لانه مسيحي ، فالمسيحية التي يتبعها ثلث البشرية تقريبا ، يكون من العجز التام القضاء عليها بهذه الطريقة البسيطة ، خصوصا ً عندما يكون الضحية من الشعب المسيحي في العراق ، البعيد كل البعد عن الصراعات الحالية ، والتواق لنشر المحبة والسلام في ربوع الوطن .
* وان كان السبب سياسيا ً، فالرجل في كل حياته كان يوفق بين التيارات السياسية المختلفة ، ولم ينحاز لجهة على حساب الاخرى ، بل سخر امكاناته لخدمة ورفعة شان الوطن ، ستكتشفون ذلك من خلال التحقيق معه .
* ان كان السبب عشائريا ً فبلدة القوش معروفة في كل انحاء العراق بمواقفها الجريئة وشهامتها ، لارجع الى عام 1959 وفي اشد ايام الموصل غليانا ً، تواجد مفتش التربية المرحوم الاستاذ محسن توحلة في القوش ، فلم يمسه احد بسوء ، بل احتفظ به معززاً مكرما ، حتى انتهاء الاحداث ، حيث عاد الى الموصل برفقة عدد من اهالي البلدة ، وحسب ما نقلوه بأمانة للاجيال ، بان عائلة المفتش واهله ، قد فوجئوا بعودته سالماً معافيا ، وكان ظنهم بانه في عداد الاموات ، فزادت مكانة البلدة عندهم كثيرا ً.
     ختاما اقول بأن الرجال تكشف ايام الشدة ، والمواقف الصائبة تنقش في الحجر ، وتبقى مدى الدهر . هنا اناشد الخاطفين إطلاق سراحه وسراح صحبه ، بمناسبة اعياد الميلاد ورأس السنة ، ليحتفلوا مع أسرهم فتغمر الفرحة بيوتهم ، ويرتاح ضميركم ويسعد اطفالكم ، والسلام .
من اصدقاء المختطف
نبيل يونس دمان
21- 12- 2006[/b][/font][/size]

283
وداعا ً أستاذي منصور سورو
[/color]
بقلم نبيل يونس دمان
     أبى إبنُ القوشَ المعروف منصور أودا سورو ، ان يغادر هذه الدنيا ، إلا من على تلك الارض الطيبة التي ولد فيها قبل اكثر من ثمانين عاما ً، ومنها انطلق الى رحاب الحياة ، بكنز من الطاقة والحيوية ، ليكسب العلم والأدب ، وليعود الى بلدته مديراً لثانويتها الحديثة التأسيس . لن ابالغ القول بانه افضل مدير أدار تلك المدرسة ( للفترة من 1957- 1966 ) ، أشبهه بالربان الماهر الذي قاد السفينة في ظل العواصف والرياح العاتية . ذلك ما حدث عام 1963 ، الذي شهدت فيه البلاد ، المد الشوفيني الرجعي ، والذي اعقب سنوات الأفراح والمباهج ، غداة ثورة الشعب الخالدة 14 تموز . لا يمكن تخيل رجلا غيره ، يستطيع ان يسيطر على الأمور، ويدع المدرسة تستمر في ظل عبث كاتب المدرسة المندس عدنان ، وحقد الدوائر الأعلى في الموصل ، لقد أودع أكثر مدرسي الثانوية في السجون ، وتخلى الكثير من الطلبة عن المواصلة ، واختفوا عن الانظار ، والباقون منهم  ظلـّوا فزعين ، تنتابهم الهواجس ، بإنتظار مرور الإعصار . كان الراحل يوازن الأمور بعقل راجح وضمير حي ، محاولا ً إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، وتخفيف الحيف الملحق بالطلبة ، ظل الدوام مستمرا ً في ظل تناقص كبير للمدرسين  ، وتنسيب عدد غير قليل من معلمي الابتدائية ، كملحقين في التدريس .
     كان يعامل الطلبة كأبنائه فيغمرهم بالحب ما أمكن ، ويعاقبهم اذا اساؤوا التصرف بعقوبات سريعة ، منها اللجوء الى الضرب الذي ساد آنذاك . كان موجها ً فريدا ، ومربيا ً فذا ، طرائقه في حل مشاكل الطلبة هي نادرة التكرار، تتخللها في اكثر الأحيان النكتة البارعة ، والشدة المناسبة ، واحيانا السخرية اللاذعة بالمقصرين في واجباتهم ، او المخلين باللوائح المدرسية ، كان لا يفرق بين قريب له او صديق او من ملة اخرى ، الذين تحتضنهم الثانوية ، بل جميعهم عنده سواسية ، وحتى المدرسين الذين غالبيتهم من خارج البلدة ، فكان يعاملهم بالاحترام وفي الحزم عند الضرورة .
     كان الاستاذ منصور مديري لسنتين فقط ( 1964- 1966 ) وفيها ايضا اتخذ مسكنه قريبا من بيتنا في محلة التحتاني (منزل اسحق جولاغ ) لهذا كان دائما ً امام أنظاري في المدرسة ، وبعد الدوام يشق طريقه عاقدا ً يديه خلف ظهره الى السوق او الى نادي الموظفين ، بوجهه الصارم وجسمه الممتلئ وسيكارته التي لا تفارق شفتيه ، في بعض الأعْصُر يتخذ مجلسه ، في بيدَر قريب ، بين رجال محلتنا الذين غالبيتهم رحلوا الى رحمة الله ( منهم : نونو ايسف جولاغ ، أيسف جبرائيل توسا ، كريم يونس تيزي ، غريبو جبو لاوو ، ياقو اسرايي تومكا ، شابا توما كولا ، الياس جيقا ، اسو اورها حنونا ، ميخا زراكه ، سليمن جاورو ) فكان خير متحدث في امور الحياة والدنيا ، كما كان ينقل لنا والدي العزيز يونس ياقو دمان ، بإعتباره أحد الجُلاس . ورغم حياته المنظمة والجدّية ، فقد كان يرفه عن نفسه ، في تبادل الزيارات العائلية ، اوالقيام بالسفرات الى المناطق السياحية ، فكان مثال الانشراح والانطلاق ، وراوي الطرائف المتقنة ، والتي تثير طويلا المستمع اليها ، وقد كان من أوائل من امتلكوا السيارة ( في البلدة آنذاك اربع سيارات خصوصية فقط تعود الى المدير الراحل جرجيس حميكا ، والمضمد الراحل شابا مرّوشا ، والمضمد الراحل اسطيفان ابونا ) . اضافة الى مسؤوليته الادارية ، كان يدرس مادة الرياضيات للصفوف المتوسطة ، وكانت له طريقة فريدة في اللجوء الى الامثلة من البيئة المحيطة ، ومن موجودات السوق ، من المكاييل والأوزان وغيرها ، فيقرب الموضوع الرياضي الى أذهاننا ، ويجعله يترسخ الى الأبد .
     يا لقساوة الايام ويا لصروف الدهر، فالرجل الذي اثار جيلنا ، لم ألتق به إلا في سني  ادارته ، وقد حالت هيبته وقوة شخصيتة ، دون ان امعن النظر في تلك الملامح الصارمة ، او اتمكن التكلم معه في أي موضوع ، بحكم العلاقة التي كانت تربط الطالب مع الاستاذ ، والمبنية على الاحترام الفائق ، بل وعدم التواجد مطلقا في اماكن إلتقاء المدرسين ، كم كنت في شوق ان أجلس معه وأسمعه ولو لمرة واحدة ، ولكن تلك الفرصة تبخرت في رحيله يوم 4 - 11- 2006 .
     الذي لا يعرف اصل الاستاذ ربما يراوده ذلك السؤال ، فاقول انه قد سُمّي على إسم جدّه القس منصور سورو ( المتوفي سنة 1907 ) ، الذي كان رئيس كهنة البلدة ، عرف بسداد رأيه ، وحبه للفكاهة والحكايات الشعبية ، وبشجاعته ، فالحملات التي تطال البلدة بين زمن وآخر كانت توقظ في الكاهن المذكور الغيرة ، فيحمل السلاح ويكون في مقدمة من يهب للدفاع عن الأعراض والممتلكات والمقدسات . ومعروف بيت سورو العريق ومن سكان البلدة الاصليين ، عرف منهم ايضا ً الشخصية التقدمية ، والمعلم المحبوب ، المرحوم موسى نوح القس منصور، الذي لا يكاد حديث مثقفي البلدة يتوقف عن الاشادة به وابراز خِصاله الحميدة ، وقد كان الاول على دورته في العام الدراسي الابتدائي ( 1935- 1936 ) . وتبقى شجرة بيت سورو ترفد البلدة بالمتميزين في الحاضر والمستقبل ، لعل الدكتور منهل ابن الفقيد أحد هؤلاء ، وبهذه المناسبة الأليمة أنشد له ولإخوانه ووالدته وأعمامه وكل فرد في اسرته ، الصبر والسلوان ، كما وأمد يدي اليه أينما يتواجد الآن مواسياً ، ومقدراً فداحة خسارته ، أخاله سيواصل طريق والده في حياته الزاخرة .
      قبل فترة قصيرة سمعت بتواجد الاستاذ منصور في القوش ، وانه قد ترك جبهة الخطر في بغداد ، ففرحت ومنيت نفسي بالقول :-  لقد اقترب اللقاء ، حالما تنفرج ظروفي الخاصة بالعمل ، فتطأ أقدامي أرض بلدتي التي فارقتها قرابة ربع قرن . القدر لم يـَلِن لرغبتي ، والحياة لم تمهله ، ففارقها مع بالغ الأسف ، وراح يودعه عوضا ً عني زملائي وأصدقائي في موطن الآباء والأجداد ، وربما سار نعشه محمولا على اكتافهم .
 لتكن كلماتي القصيرة هذه ، خير وفاء لذكراه المتجددة .
 ورودٌ نضرة ، وأغصانٌ طرية ، أنثرها فوق قبره .



المرحوم في أواخر عمره محاطا ً بأفراد أسرته ، بغداد في  26- 1- 2005

nabeeldamman@hotmail.com

November 15, 2006[/b]

284
الذكرى العاشرة لرحيل المناضل توما توماس (10)
نبيل يونس دمان

المرحوم توما توماس مع كاتب السطور عام 1994. بعدسة المصور الفنان أديب زرا

         في السنوات الماضية ومنذُ أن أعددتُ قلمي ، للتعبير ِ عن ما يدور في ذهني ، فإنّ أبا جوزيف يرافِقـُني ، وظلـّت أفكاره تـُهديني الى الطريق ِ القويمْ ، كلما ساقتني العواطفُ جانبا ً. لقد كتبتُ عن مآثره في ساحات النضال ِ المختلفة ، وكتبتُ عن حياتِه ، ورثيتـُه مِرارا ً، ولذلك سأكتبُ اليومَ عن الجانب الإنساني في الراحل ِ الخالد ، من خلال ِ مُعايشتي له ، لفتراتٍ قصيرة ومتباعِدة ، بسبب الظروف الشائِكة والقاسية ، التي كان يمرُّ بها الوطنُ ، حيث التكلـّمُ مَعه مَحذورا ً، وإلتقاط ُ الصور ِ له ، او كتابة ُ الشِعر والخواطِر عنه صَعبا ً ، فعيونُ السلطة وآذانـُها لم تتوقف من التجسُس ِ ، الى حدِّ كان بيتـُه مراقبا ً، والمرورُ من أمامِه يُحسَبُ له ألفُ حِسابٍ ، فكيف بالكتابة او التوثيق ِ ، رُبما كتب الكثيرون عنه في فتراتٍ مختلفة ، ولكن لم يكن بإستطاعتِهم الإحتفاظ َ بها خوفا ً من السلطة ، فكانوا يتلفونـَها عند اشتدادِ الظروف ، هكذا حَطـّمت الفاشية موروثاتَ ثوارَ العراق ، لكنها لم تستطعْ ان تـُمح ِ ذِكرياتهم من وُجدان الناس ِ ، فتناقلوا بالسِرِّ والهَمْسِ ِ الأحاديثَ عَنهم . في كثير ٍ من الاحيان تكون الذاكرة هي المعين ِ المتوفر ، لتعريفِ العالم بمناضلي العملِ السرّي والمقاومة ، في كل بُقعةٍ من بـِقاع العراق ، إن استرجاعَها لعشرات السنين مُهمَّة ليست باليسيرة ، إضافة الى ضياع بعض ِ الأطـُرِ والكثير من ملامِح الصورة ، الانسان يميلُ الى تجميل تلك الصورة ، وينساقُ ربما دونَ إرادته ، لتثبيتِ الجوانب المُضيئة فيها ، حاجـِبا ً الجوانبَ الداكنة ، لذلك لن تـَخلوا كتاباتنا من بعض النواقِص ، ولكنها في آخر ِ المَطافْ شذراتٍ ضرورية ، لإستخلاصِها ونـَقلها ، ليطـَّلـِع الخلـَف على ما حَفل به السَلـَف الصالح ِ.
      في ليلةٍ من ليالي الجبال ِ الباردة من عام 1983 ، وعلى أضواءٍ خافـِتة جلس توما توماس في الوسط ، فتحلـّق حولـَه الرفاقُ والرفيقاتُ ، في مكان ٍ مُقفَر ٍ بعيد ٍعن الحضارة والناس ، إلا من أنفاس ِ الثوارِ وبنادِقهم ، وشرَع يُقارن بين حركة الانصار الاولى في الستينات والثانية في الثمانينات ، أخذني في حينِها الخيالُ بعيدا ً الى فترة الصِبا ، عندما كان جَبلُ بلدتي يَعُجُّ بحركة الانصار ِ البواسلْ ، فكُنـّا نَستر ِقُ السمعَ لنقتفي اخبارَ بطولاتِهم وحياتهم ، وكـَم دَفـَعنا الفضولُ لتعقبهم أوقاتَ زياراتهم للبلدة ، في فتراتِ الهُدنة أو التحدّي ، كانوا مُشرقين بقاماتهم ، تحت الزي الكُردي ، وغطاءُ الرأس ِ الأحمرْ ( اليشماغ  ) الجديد عليهم ، وقد تركوا للتـَو مدارسهم او وظائفهم او أعمالـهم ، لمقاومةِ انقلابيي شباطَ الاسود ، كانوا فـِتية ضمَّهم الجبلُ من مختلف فِئات الشعب ، ومن مُختلف الأديان والقوميات والمناطق ، والى حد ما بمشاركةِ المرأة أيضا ، كانوا نَسيجا ً إجتماعيا ً رائعا ً، يَشد ُ الأنظارَ إليه ، ويتطلعُ الشعبُ الى خلاصِه من نير ِ الدكتاتوريات المتعاقبة ، على أيدي هؤلاء الشباب ، المتـّقِدي الحماس . عندما كان يتواجد العشرات من الانصار البواسل في مُحيط البلدة القوش أو في ( دير الربان هرمزد ) او ( بـِسْقين ) او كُهوف (ﭘْيرمْوس ) ، كنا دائمي المُتابعة لهم ، بما في ذلك المجازفة في الصعود الى مقراتهم ، لنراهم ونـَرى اسلحتـَهم المُختلفة .
      كان أهلـُنا يُكِنـّون الحُبَّ العميق لتوما توماس ، وبـِحكم موقع بيتي مُقابل موقف السيارات ( الكراج ) ، كنت أرى معظمَ سواق البلدة ، يُقدمون على المخاطرة ، بالذهاب الى الجهة التي يُريدُ أبو جوزيف التوجُّهَ اليها ، حالـَما تـَصِلُ ورقة ً او خبرا ً منه . اتذكر عندما طالَ غيابُه خارجَ الوطن ، كان كبارُ السِنّ يسألوننا نحن الشباب عنه ، وكنا نقولُ ودون التأكُد ، بل من تِلقاء أنفـُسِنا ،  بأنـّه سَيعودُ قريبا ً ، عندما كان يسمع المرحوم (جبـّو تِنا ) الجملة التالية ( ﭘْشِطلِه لأرْخا ـ أي في الطريق ) يتهلــّلُ وجهُه فرحا ً، ويَمِدُّ يديهِ نحو السماء ، طالبا ً من الرَب أن يحفِظَـَهُ .
     هناك من أضمرَ السوءَ والعداء لأبي جوزيف ، إما لفائدةٍ يَجنيها ، او لدناءةِ نفسِه ، او لِشعور ِه بالنقص ِ ، وعندما وقعَ بعضُهم أسرى بأيدي الرَجل ، وأصبحت حياتـُهم مرهونة ً بـِشَرفِه وضَميره ، عـَفا عنهم وأطلقَ سراحهم ، ليعودوا الى بيوتِهم ، ويعيشوا ما تبقى لهم من العمر مُنزوينَ ، خـَجـِلين مما هم فيهِ ، وربما أصبحَ بعضهم من مُحبيه طاويا ً صفحته السابقة ، كم كان نـَظرُه بعيدا ً وكم كان أسمى مِنهم جميعا ً، فلو لـَوّثَ يديه بدمائِهم لأصبحوا يوما ً يُذكرون في التاريخ ، ولكنهم إنتهوا ونـَسيهم حتى أهلِهم ، فيما إرتفع في الأعالي إسمُ توما توماس .
     كم كانت أسرَتـُه رائعة ً ووفية ً ، تعرّضَت للكثير من المُضايقات ، المُطاردة ، الإعتقال ، ولكنهم كانوا جميعا ً أقوى من كل تلك الأساليب ، فخرجوا منها مُخلصين لحِزبه ومبادِئه ، خـُطفَ ابنـَه الشابْ مُنير عام 1981 وغـُيِّبَ حتى اليوم ، وغاية ُ الدكتاتورية قـَهرُ إرادَتِه ، لكنه لم يَنحَنِ ِ لِكُل النوائب التي ألَمَّت به  ، ومنها رحيلُ رفيقة عُمره الخالدة ( ألماس ز ِلـْفا ) عام 1991 في الشام . سَيظلُّ توما توماس أمثولة النضال ِ ، واستمرارٌ لِصلابةِ وخـِصالِ القائد الفـَذ يوسف سلمان ( فهد ) .  
     آه لو كان أبو جوزيف بيننا اليومَ ، ليَشهد سقوط البعث المُقيت في العراق ، ولجوء بقاياه التي كانت تتشدق بالمبادئ والعقيدة كذبا ً، الى حرق كل شيء يقع أمامها ، لا لتسجيلِ موقفٍ نبيل او بطولي لخـَلفهم ، بل ليواصلوا رسالـَتِهم ( الخالدة ) المُدمرة حتى النهاية ، بـِئسَ ما يفعلـُه ( جُند القائد ) ، ألا تـَمعـَّنوا قليلا ً بوضع ِ القابع ِ خانِعا ً في قـَفـَصهِ ،  يبيعُ عنتريات عفا عليها الزمن ، وقد تربّى عليها في الأز ِقة صَبيّا ، وكيف أضحكَ الملايين في المعمورة يومَ القبض ِ عليه ، وهو يفتـَحُ فمِه ليعاينه جنديُّ الإحتلال . جيلٌ بعد جيلٍ ستلعِن الناسُ صدامَ واتباعه ، ومكانـُهم جميعا ً في مَزبلة التاريخ ، أما ابو جوزيف ور ِفاقه الميامين ، وفي المقدمة الشهداءُ منهم ، سيكونوا على الدوام يُشغلون مساحاتِ القلوب . أبو جوزيف لم يَمُت بل تحيا  ذ ِكراه أبدا ً، كانت حَياتـُه أشبهَ بالأسطورة ، كم كان صَبرُه عظيما ً، كم كان تـَحَمـله كبيرا ً، وكم كان قلبُه عامرا ً بالإنسانية .
      كانت كلِمَتـُه مَسموعة ً عِند المُلا مصطفى البارزاني ، أتذكرُ كلمة َ الترحيب به ، من قِبل مُمثل الحزب الديمقراطي الكردستاني في كالفورنيا ، عندما رَبط إسْمَه وصداقتـَه بالبارزاني الخالد ، وقف الجميعُ مُصفِقـّين بـِحرارة ، أجدها الآن مُناسبة ً لكي أطرُق الأبوابَ وارفعُ صوتي عاليا ً، ليـَسمعني رفاق أبي جوزيف في الثورة التحرُرية التي إندلعت في كردستان قبل عـِدة عقود ، بان لا ينسوا هذا البطل ، فمن أُقيمت الأنصابَ لهم في ساحاتِ كردستان اليوم ، لم يكن أبو جوزيف أقلـَّهم عَطاءا ً وشجاعة ً وإخلاصا ، لذلك ولكي لا يَختلُّ ميزانَ العدل ِ ، أقترحُ إقامة َ نـَصبٍ تِذكاري له في أحد الميادين ، فيَمرُّ الاطفالُ في كُلِّ صباح ٍ ، ليلقوا النـَظرَ عليه ، وهم في طريقِهم الى مدارسِهم ، لا يُراودني شـَكٌّ بأنّ ذلك سَيحدَثُ يوما ً، لكنني ألفِتُ الأنظار للإسراع في دراسة المُقترح . وكذلك اطلبُ مساعدة الجميعْ ، في تسهيل نقل رُفاته ورُفاتِ زوجته الى تربة القوش عندما تسنحُ الظروف ، وفي إخراج مُذكراته الى النور.
     الصيرورة ُ ليس لها إلا شكلان هُما قيامُ الأشياء وانقِضاؤُها ، بـِدايتها ونهايتها ، إنبعاثها وإنحلالها ، لكني أرى في حالةِ ابو جوزيف إستثناء ، فأرض بلادنا ستجودُ بمِثلهِ ، في إمتلاك ناصيةِ الحِكمة ، والإقدام ِ والجُرأة . ختاما ً أقول ، بان أبا جوزيف لم يأتِ من فراغ ولم يولـَدَ من لا شيءٍ ، بل لـَه آباءٌ واجدادُ ، بلدة ٌ وتاريخ ، فلا تنسوا بلدتـَهُ في حاضِرها ، كما لا تنسوا أولادَه وأحفادَه في دول العالمِ المختلفة .
nabeldamman@hotmail.com
☼☼☼☼☼☼☼
☼☼☼☼☼
☼☼☼
[/b][/size][/font]

285
نحو الذكرى العاشرة لرحيل المناضل توما توماس
(9)
نبيل يونس دمان

مقدمة : لدي الكثير من الذكريات والصور والاوراق للراحل الخالد ، كلما سنحت الظروف انشر بعضها ، يراودني امل جمعها وتوثيقها يوما ما ، وبالتنسيق مع اولاده الطيبين. اود الان نشر ما كتبته له في رثائه ، ملحقا بقصيدة شعرية قرأتها في حفل تأبينه المقام عصر الاحد 10- تشرن الثاني 1996 في قاعة نادي أرادن في مدينة وورن .

وداعــأ نـَسْر الجبال توما توماس
     شق السكون رزء أليم ، وأمر جلل ، ففي لحظة من اللحظات ، غاب عنا الانسان الكبير ، وتوقف القلب الجسور ، وفاضت الروح النبيلة ، وفي غفلة منه انطوت الصفحة الاخيرة ، في حياة زاخرة بجلائل الاعمال .
في لحظة كهذه اقف حائراً ، متردداً ، باكيا ، وعاجزاً عن فعل شيء . لقد مات القائد ، الصديق ، والمثل الأعلى في الحياة توما توماس :
مات بطل الشعب العراقي
مات نصير الشعب الكردي
مات أخُ القوميات المضطهدة
مات الضابط المقاتل
مات الشيوعي الباسل
     ان الموت فاجعة أليمة ، ولا مناص منه ، فان لم يكن ابو جوزيف قد مات اليوم ، فقد كان يموت في الغد ، وغداة الغد ستنتصر قضيته ، التي عاش لها حياته المليئة بالمآثر الخالدة . كتب لي بتاريخ  24- 12- 1994 يقول ( قدمنا ما كان المفروض علينا ، وخسرنا كل شيء في سبيل الشعب ، ولم يبق من الحياة الا القليل ، ولسنا بحاجة الى أي شيء ، سوى الحفاظ على الاسم ، وتبقى اعمالنا إن كنا قمنا بها للتاريخ ) . تأملوا بكلماته تلك ، في تواضعها وصراحتها ، وحدسه في قرب نهايته .
     خسارتنا به فادحة ، والتعويض عنها مستحيل ، وستمضي حقبة طويلة ، لكي نحظى بمثل توما توماس بديلا عنه ، كفؤا له ، ولكن بالامكان التخفيف من تلك الخسارة ، وذلك بإحترام المبادئ التي اعتنقها ، والإقتداء بسيرته الشخصية ، ونقل جثمانه الطاهر الى مسقط رأسه في القوش ، وبالتعاون للإسراع في طبع مذكراته ، ورعاية اولاده واحفاده ، ووضعهم على الدوام في حدقات العيون وشغاف القلوب .
     في خريف 1991 وإثر فشل انتفاضة الشعب ضد الدكتاتورية ، غادرت زوجته ( ألماص ) هذه الدنيا ، تاركة حبيب عمرها وحيداً يصارع الحياة بأناة وصبر ، واليوم بعد مرور خمسة اعوام ، اي في خريف 1996 وإثر تعقد التجربة الديمقراطية في كردستان ، والاحتراب الطاحن بين الحزبين الكرديين ، يرحل هو والاوضاع في بلاده على أسوء ما تكون ، الحالة مؤلمة والآمال مؤجلة .
     اكثر من ثلاثة عقود من الزمن وهو يرفع السلاح بوجه الحكومات المتعاقبة ، وكم من جهد ومال ودناءة بذلته تلك الدكتاتوريات للامساك به ، وغرز اظافرها المتوحشة في جسده ، وانهاء قضيته ، التي على كل لسان ، من اقصى شمال العراق ، وحتى جنوبه ، لكنه كان اقوى منها جميعا ً ، ويكفيه فخرا ً ، انها لم تشفِ غليلها منه ، ولم تفل عزيمته الخسائر ، والتضحيات الجسام ، التي تحملها . ورغم انه لم يحقق اهدافه النهائية ، فانها بقيت امانة ، في عنق كل من أحبه ، وتبعه ، واعتبر سجله النضالي ، وحياته الزاهدة ، منارا له .
     ارجو ان يسمح لي المقام ان أناجي روحه التي ترف فوق رؤوسنا ، لقد توارى الجسد عن انظارنا ، ولكنها باقية معنا الى الابد :
صبرا ً وسلوانا لحزبه ، لرفاقه ، وأنصـاره
صبرا ً وسلوانا لأهله ، لأصدقائه ، ومحبيه
صبرا ً وسلوانا لوطنه ، لشعبه ، ولبلدتــــه
وداعا ً تومــــــا تومــــاس
يا صاحب البأس والمراس
وداعا ً يا أصلب الرجــــال
وداعا ً يا نـَسْر الجبـــــــال
لم نر مثلك بين الرجــــال        يشهد الدهر والايام سجــــــال
صعب المنال ثابت الجنان        حكيم القرار قاهر الاهـــــــوال
قد عرفناك مذ كنا صغــار        أبيّ ، صلب ، من معدن العمال

نِشرَه دطـُرانـــِه
يا ناشِه إدْيو يْوميلِه دْبـِخْيـــــَــه          تـَساذن رابَه بْأيقارَه وبْأيـــَـــــــــه
توما توماس د ِﭘشلِه مْسُپْيـــــَــه          لأيداثَِه دْموثه مَريرَه وقِشْيـــــَــــه
☼☼☼☼☼☼☼
نِشْرَه دْطـُرانِه مْعليوثه نْخِثلــِـــه         توما أو جَنقـَه ﮔبّارَه مِثـْلــــــِـــــــه   
ﮔو موثِح بْيرَه دْرشْ مْاثِحْ دِخْلـِه         وشْريلِه خَحِشَّه بْگو يْومَه وْليلِــــه 
☼☼☼☼☼☼☼
ماثـَه دْنو ِيّه أرَحْ مّيروقـــــِـــــه          يـِمّيلـَه سّاذي خْبيبونِه سْموقــِــــه
إشْقـَلـّه مْداره وْزونِه رَحوقــــِـه          لـَكْبَطـْلـَه مْگوري طاو ِ مَپوقــــِــه
☼☼☼☼☼☼☼
زَمار ِه دْنِنو ِه وكـُلْ زَمَرْياثـــَـــه         ز ِمْرولِه توما ﮔو ز ِمّـَرْياثـــــَـــــه
وْمَسقو قـَلوخو دْشَمي شْمَيّاثـَــه         ودِمجوبي طيري د طورَه ودَشْتاثه
☼☼☼☼☼☼☼
يـِمّدْ يَلـّوذ َه أشْقـُلْ أثْ رايـــــــِـه         بـَثِرْ مَه دْأمْرَتْ دِشّاي ِ لايـــــــِـــه
مَحْكي حُكّيثـَه دتوما ﮔو خايــِـــه         وبـِِطـّاوي بْرونـَخْ خِشْتايـِه دْمايـِه
☼☼☼☼☼☼☼
زَلامِه دتوما بْگونِه د ِپْخايــــَـــه         تَفِنگـَي رّوشَيْ رْيشَي ِ خْتايـــــَــه
وْأيمَن تـَدْ ماطي لْبَغدَدْ بـِدْرايــَـه         صُرْتِحْ بـِتـْهويَه أمِّه دْقـَمْايــــــــَـه
☼☼☼☼☼☼☼
وَعْدوثـَه هويَه قور ِحْ مَّرْمِخْلــَه         من أرَه دْأ ُتـُّكْ لألْقـُش مّـْيثِخـْلــــَه
خْذ َدْوكه عْليثه وطوتَه ﭘْخازخله         وْكُلْ خـَوضْرانَحْ وَردِه بْزَر ِخْلــَـه
☼☼☼☼☼☼☼
يا نوهَدْرايَه رْخوش لْبَفـْقـــورَه          بـِدْخازتْ كْليلـَه دِرْيَه رشْ قــْورَه
تاميلِه دْميخَه أو توما ﮔــــــورَه           دِنْشَقلِه أُﭘْرَحْ بْدوكي يا خـْــــــورَه
 
 nabeldamman@hotmail.com
☼☼☼☼☼☼☼
☼☼☼☼☼
☼☼☼
☼[/b][/size][/font]

286
نحو الذكرى العاشرة لرحيل المناضل توما توماس
(8)
نبيل يونس دمان

مقدمة : لدي الكثير من الذكريات والصور والاوراق للراحل الخالد ، كلما سنحت الظروف انشر بعضها ، يراودني امل جمعها وتوثيقها يوما ما ، وبالتنسيق مع اولاده الطيبين  . اود الان نشر صفحات من كتابي الموسوم ( الجبال ملاذ الاحرار ) الذي ينتظر الطبع .
     تواردت الينا اخبار الليلة الماضية المؤسفة ، حيث كانت مجموعة من الانصار ترافق القائد توما توماس ومعه عائلته واولاده ، حيث التحقوا في الجبال ايضا في الفترة الاخيرة ، وعند محاولتهم العبورالى منطقة وادي ( كوماته ) حيث مقر القيادة ، والعبور لا يعني عبور بحر المانش او جبال الهملايا ، بل الشارع المبلط الذي يربط قضاء زاخو بناحية ( كاني ماسي ) .
كل المفارز التي تغادر برواري الى كوماته وبالعكس يجب ان تعبر ذلك الشارع الذي تحرسه الربايا والسرايا والافواج العسكرية التابعة للنظام ، ويكون العبور ليلا وبحذر شديد خوف الوقوع في الكمائن . وقبل ليلة وقعت تلك المجموعة في كمين ، مما ادى الى استشهاد النصير ( شفان ) من قرية ( كامكا ) القريبة من دهوك ، وجرح آخر اسمه ( خه بات ) من منطقة ( شيلادزي ) من عشائر الريكاني ، وقد زرته في اليوم التالي في احد البيوت ، وكان يعاني من آلام مبرحة في ساعده .
في اليوم التالي جلست مع توما توماس ليسمع قصتي كاملة ، ها انا التقي مع ابن بلدتي ثانية ، بعد فراق دام اكثر من اربعة سنوات ، فعندما كان ابو جوزيف يتواجد في القوش اوالموصل ، كنت دائم اللقاء به ، فقد اعتدنا على لعب الشطرنج معا ، سواء في مقهى ( بتي دكالي ) امام الجمهور الذي كان يراقب باهتمام تلك اللعبة الجديدة عليه ، او في بيته الكائن في الطرف الغربي للبلدة ، ها انا التقي بالمناضل الكبير وقصته تظل ترويها الناس في كل مكان ، جيلا ً بعد جيل :
     كانت ولادته عام 1925 في بلدة صغيرة  يحتضنها جبل أشم ، تلك هي القوش التي يرجع تاريخها الى فترة الدولة الاشورية وهي في أوج عظمتها . دخل الابتدائية في مدرسة مار ميخا ببلدته عام 1930- 1931 ، وكان عدد صفوفها آنذاك اربعة فقط ومديرها سعيد ججاوي الياموري ( 1899- 1982 ) من مدينة الموصل . كانت عائلته ميسورة الحال نسبيا ً، حيث والده صادق يملك دكانا ً للاقمشة في السوق ، وكان ايضا ً مختارا ً لمحلة ( سينا ) عدة سنوات لرجاحة عقله وشجاعته ، ففي المنطقة وادي خاض فيه معركة ضد اللصوص وهزمهم ، فليس غريبا ً ان يطلق على ذلك الوادي ( وادي صادق توماس ) .
لكل تلك الاسباب كان التلميذ توما يرتدي احسن الملابس ، ووُهب عددا ً من الصفات المميزة ، لذلك كان نموذجا ً لمديره الذي يتحدث عنه في العرض الصباحي ليقول للتلاميذ : انه قدوة امامكم في ذكائه وهدوئه وحسن هندامه ، ويختتم حديثه بالقول ان مستقبلا ً رائعا ً بانتظاره .
     وكشفت الايام أي مستقبل صعب خبأته الاقدار لذلك الفتى ، وهو يطاوعه بإرادته الصلبة وذهنه الوقّاد . كانت امواج الحياة تتقاذفه وتحاول تحطيمه ، لكنه قاومها بشكل قل ّ مثيله . أكمل دراسته المتوسطة في مدينة الموصل عام 1941 .
وفي تلك الفترة كان الكثير من اقرانه يتلمسون طريقهم الى الجيش الذي اسسه الانكليز والمسمى ب ( الليفي ) ، وهكذا تقدم للانتساب اليه في عام 1942. بعد عدة اشهر من دخوله الجيش اصبح ضابطا ً ( رب أمّة ) وعلى مقربة من النقيب ( رَب تري أمّة ) ياقو أبونا ، والعقيد ( رب خيلَه ) زيـّا . لم ترق له الاوضاع في ذلك الجيش لتسلط الانكليز عليه فغادره عام 1949 بعد ان قضى سنواته في الحبانية وعبادان وطهران ، وقد سبق خروجه بسنتين ، اقدامه على الزواج من الفتاة الاصيلة ( ألماس  حسقيال زلفا ) .

الضابط في جيش الليفي توما توماس ، الحبانية عام 1947
   في نفس العام اي 1949 تقدم الى شركة نفط العراق ( آي . بي . سي ) في كركوك فعين محاسبا ً، وهي وظيفة محترمة في ذلك الزمان ، وهناك في مطلع الخمسينات تأثر بالفكر اليساري ، وساهم في النضالات العمالية داخل شركة النفط . بذات الوقت اقدم على امتحان خارجي لنيل شهادة الثانوية في كركوك ، فنالها بنجاح وتفوق .
     في اعقاب احداث كركوك الدامية عام 1959 ، تزايدت المضايقات عليه ، مما اضطر الى ترك وظيفته عام 1961 والرجوع الى بلدته ، ليسكن منزله الجميل في قلب محلة ( سينا ) . تردد بعض الاشهرعلى كركوك لاستلام رواتبه ، ثم انقطع نهائيا ً ، وشرع عام 1962 في انشاء معمل للثلج في قرية ( الشرفية ) التي تبعد عن القوش مسافة ( 5 ) كم جنويا ً .
     تعقدت الاوضاع وظهرت الاخطار في الافق ، واصبح في بعض الايام يترك معمله وبلدته الى الجبل ، مراقبا ً الامور عن كثب ، وخصوصا ً بعد اشتداد القتال بين حكومة عبد الكريم قاسم والحركة الكردية بقيادة الملا مصطفى البارزاني . غداة وقوع الانقلاب في 8- شباط- 1963 ، رفع السلاح ضده ، فالتف حوله المناضلون ، وخاض اولى صداماته مع سلطة الانقلابيين ببطولة نادرة ، وبمؤهلات عالية في تنظيم العمل العسكري ، وقد إتخذ من دير( الربان هرمزد ) الاستراتيجي مقرا ً له .
 
مجموعة من رجال توما توماس الشجعان خلف دير السيدة قرب القوش عام 1963
     ختمت الحكومة معمله بالشمع الاحمر ، واحرقت سيارته امام معمله في الشرفية وسحبتها الى مركز شرطة البلدة ( قشلة ) ليبقى هيكلها هناك فترة طويلة ، كذلك هجرت عائلته واطفاله مرارا ً الى القرى الايزيدية المجاورة ، فكانت موضع الرعاية والاهتمام الكبيرين ، وفي تلك الظروف الصعبة ولد ابنه الصغير ( سردار) وقبله ولد له الاولاد ( جوزيف ، سمير ، صلاح ، منى ، منير ، وماريا ) . احرق منزله مرارا ً ، وفي كل مرة كانت نساء بلدته يهرعن لاخفاء الاشياء المهمة ، كما وكن يعوضن ما يمكن تعويضه من بيوتهن الخاصة .
     عُرض البيت للبيع في المزاد عدة مرات ، بأيعاز من السلطة ، وكان الدلال يقطع سوق البلدة ذهابا ً وأياباً عارضا ً سعره باقل ما يكون ، دون ان يلق النداء آذانا ً صاغية ، فبقي البيت في مكانه رمزا ً على مر السنين . وفي كل الفترات كان مراقبا ً من ازلام السلطة . حين ورود خبر وفاته ، فتح على مصراعيه ليستقبل المئات من المعزين ، قبل ان توصده السلطة ، وتوقف مراسيم التعازي تلك .
     بين فترة واخرى كان يتم التوصل الى وقف لاطلاق النار بين السلطة والحركة الكردية  ، فيظهر ابو جوزيف في بلدته علنا ً ، وهو في ملابس الثوار مع رجاله الشجعان ، وهم موضع الحفاوة والاستقبال من قبل الاهالي .
في مجرى الصراع الدائر والصدامات العسكرية ، نال شرف الشهادة العديد من رفاقه ، فدفنوا في المتون والوديان وسفوح الجبال ، وقسم منهم لا زال مثواهم شاخصا ً في أجمل مكان من دير الربان هرمزد وهم : بطرس جركو ، كوريال هرمز ، حنا عقراوي ، وشقيقان من قرية ارادن . كانت بلدته بخاصة تمده بدماء شابة جديدة بين فترة واخرى .
     تعرض لمحاولات اغتيال عدة ، وارسلت السلطة الكثير من المرتزقة والمأجورين لذلك الغرض ، وفي كل مرة كان ينجوا بحكمته وشجاعته . في عام 1968 ، جاء سعدي أغا الزاويتي مع قرابة المئة من افراده للقبض عليه في سوق البلدة ، وبدل ذلك وقع الأغا في أسره . وايضا ً في عام 1969 ، كيف قـُبض على المندس حسن جندي ، في المقر الكائن آنذاك في قرية ( بيرموس ) خلف جبل القوش ، وهو يشهر مسدسه لاغتياله .
 
البيت الاول من اليمين ، دار توما توماس في القوش
     خصصت السلطة مبالغ ضخمة لمن يأت به حيا ً او ميتا ً ، وفي معركة 27- 7- 1969 ، والبلدة محاصرة من كل جهاتها ، استطاع ان ينجو من الحصار وهو يخوض معركة جريئة ، مكبدا ً المهاجمين خسائر فادحة ، والعملية تلك ذاع صيتها في كل مكان فيما حصد العدو مرارة الفشل والخيبة.
ومن جانبه خسر احد رجاله الشجعان وهو الشهيد صبري الياس دكالي . ظنت السلطة بانه لقي مصرعه ، فجرى اتصال سريع بقائد الفرقة عبد الجبار الاسدي والذي توجه فورا ً بطائرة مروحية الى سهل القوش ، وابتدأ يقارن بين صورة توما توماس في يده وبين الشهيد ، وهو يميل الى الشك في المسألة ، مما حدا به لاستدعاء القس المرحوم عبد الاحد عوديش ، والاستفسار منه ان كان القتيل توما توماس ، فضحك القس قائلا ً بان القتيل شاب اصغر عمرا ًبكثير من توما توماس ، فامتعض الضابط ، وصرف القسيس بكلام لا يليق برتبته وشرفه العسكري ، لكن ذلك التصرف طبيعي جدا ً في عرف واخلاق السلطة الحاكمة .
     غادر العراق في نفس العام اي 1969 الى الاتحاد السوفيتي ، لكنه عاد في نهاية عام 1970 ، وفي ذكرى بيان 11- آذار 1971 ، ظهر لاول مرة في بيادر محلة ( قاشا ) ، فألقى كلمة بين حشد من الحاضرين اللذين صفقوا له ورحبوا به اجمل ترحيب ، بعد فترة غياب خارج الوطن .
     بعد تموز 1973 ، انتقل عمله الى داخل مدينة الموصل بمقر حزبه ، سواء في شارع النبي جرجيس او في الدواسة ، هناك عرفه أهلها عن قرب محبا ً للكادحين ، ذو قلب كبير يحمل همومها . في احيان كثيرة كان  يقطع الطريق من المقر الى بيوت اقربائه في منطقة ( الساعة ) مشيا ً على الاقدام ، بالرغم من تخصيص سيارة فولكا له من الحزب ، ليطلع على اوضاع الناس ويتحسس نبض الشارع الجماهيري .
     لم يدم الحال طويلا ً ، بل كانت سنوات عانى فيها المناضل وعاش متحملاً ضغوطات الحزب ( الحليف ) وخروقاته وعنجهيته . في نهاية عام 1978 اشتدت مطاردته من قبل السلطة الجائرة شأنه شأن عشرات الآلاف في طول البلاد وعرضها ، لكنه استطاع ان يتخلص من الاعتقال ويمضي بصحبة مجموعة من اشد رفاقه جرأة واندفاعا ً الى معاقل الجبال الحصينة عند الحدود الايرانية . هناك اصبحوا في ضيافة الفصائل الكردية التي سبقتهم في خوض حرب العصابات ضد الدكتاتورية .
     رفع السلاح مجددا ً ، وبعد فترة نقل مقره الى منطقة بهدينان التي يعرفها جيدا ً ، وقاد عمليات الانصار مرة اخرى بدرجات اعلى من التطور والاستفادة من التجارب السابقة ، فالتحق به عشرات المناضلين من خارج الوطن وداخله . انتقمت السلطة منه عام 1981 عندما اعتقلت  ولده منير ( مواليد 1955 ) ، وهو يقوم بعمله كموظف صحي في منطقة ( الحضر) ، وضيعته الى يومنا هذا. وكذلك تعرضت اسرته للمضايقات المستمرة من دوائر الامن في القوش والموصل ، حتى اضطرت في اواسط 1982 الى الالتحاق بالجبال وتحمل مشاقها وصعوباتها .[/b][/size][/font]

287
نحو الذكرى العاشرة لرحيل المناضل توما توماس
(7)
نبيل يونس دمان

مقدمة : لدي الكثير من الذكريات والصور والاوراق للراحل الخالد ، كلما سنحت الظروف انشر بعضها ، يراودني امل جمعها وتوثيقها يوما ما ، وبالتنسيق مع اولاده الطيبين  . اود الان نشر صفحات مختارة من كتابي الموسوم ( القوش حصن نينوى المنيع ) الذي ينتظر الطبع .
مضايقات عــام 1971
     منذ بدء الخليقة والظلم والاستغلال قائمان ، وإن تفاوتت شدتهما من مكان أو زمان وآخر، والصراع متواصل بين قوى الخير وقوى الشر ، فرجل مثل توما توماس أمضى سنينا ً طويلة مقارعا ً الظلم في سبيل الحرية ، وكذلك من وقف الى جانبه ، في طاقاته وامكاناته ، هؤلاء جميعا ً يشملهم الناس بأحاديثهم ، ويخصهم الشعراء بقصائدهم ، وتظل اجيال تروي بطولاتهم ، ويفتح التاريخ صفحاته لهم .
     في ربيع عام  1971 انتقل حديثا ً معاون شرطة إسمه محمد ، ويبدو ان نجماته الذهبية أغرته كثيرا ً ، فتحلق حوله أذناب السلطة وبسّطوا امامه مهمة القبض على توما توماس ، لكونه قاطع طريق !! يقلق أمن المواطنين !!! .
عقد الضابط العزم على تنفيذ المهمة ، وتحيّن فرصة وجود غريمه في البلدة ، ولذلك حين ورود انباء من المخبرين بان المطلوب للحكومة يجلس في احدى مقاهيها ، لم يتوان الضابط في تجميع شرطة المركز والنزول الى وسط البلدة .
     وصلت القوة المسلحة الى السوق ، ثم ارتقت مقهى 14 تموز الذي كان بادارة بتي دكالي ، لم يكن المعاون يعرف توما توماس ولم يراه قط ، فاشار احدهم الى توما توماس الذي كان في حينها يلعب النرد ( الطاولي ) مع العم عيسى حميكا .
كانت المقهى مكتظة بالناس التي ستشهد ما سيحدث . تردد الضابط في التقدم نحو الشخص الذي يراه امامه وهو يشرق بهيبته وحسن قيافته ، فلم يجرأ من التقرب اليه ، فشاغل نفسه بالتفتيش عن هويات رواد المقهى ، ثم أمر الشرطة بالقبض عليه ، فلم يتقدم منهم احدا ً لان الشرطة لها فترة قياسية في القوش ، وتعرف جيدا ً من يكون المطلوب القبض عليه . نفذ صبر الضابط فتقدم نحو احدى الطاولات وقال :
     ▬ هل تسمح لي ببطاقتك الشخصية .
 ( توقف توما عن اللعب ) ووجه سؤالا ً:
▬  هل تعرفني ، حتى تسالني عن بطاقتي الشخصية ؟
 فاجاب الضابط :
 - نعم اعرفك ، انت توما توماس  .
      ( هنا انتفض توما ويده على مسدسه ) فما كان من الضابط الا ان يدير ظهره بسرعة ليولي الأدبار ، تنقذه ارجله ، وليجد سلالم المقهى مفتوحة امامه فقد سبقه في اجتيازها افراد شرطته ، هاربين جميعا ً لا يلوون على شيء ، ويصل المعاون الى مركزه مكسورا ً ومهانا ً . عصر اليوم نفسه امسك توما باحد مرتزقة السلطة فاخذ يرتعش بين ايديه كالفأر ، وبعد اهانة مناسبة أمره ان يترك البلدة فورا ً ، فتركها ولم يتوقف إلا في الكويت !! .
وفي اليوم التالي جاء محافظ نينوى وعضو الفرع جبرائيل إسحق ، وطلبوا اللقاء مع توما توماس ، فاجاب الى طلبهم شرط ان يكون اللقاء في مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني ، حدث اللقاء وعبروا عن اسفهم لما حدث ، وحضر المعاون ايضا ليعتذر لتوما توماس، فيما كان الانصار يحيطون المكان تحسبا ً لاسوأ الاحتمالات .
     في صيف ذلك العام نقل الى القوش مفوض في الأمن من بغداد ، واسمه سعد منصور ( أصل عائلته من تلكيف ) ، فمارس ذلك الوغد ضغوطا ً شديدة على ابناء البلدة وخصوصا ً الشباب ، بالاستعانة برجاله المدربين على استفزاز الناس . هكذا لاحق الطلبة والشباب ومنع تجوال اكثر من اثنين معا ً، واعتبروا ذلك بمثابة اجتماع !! ، فضاقت الناس ذرعا ً بهم في الليل و النهار وفي طريق الدير والمقاهي والسوق ، فآثر الكثيرون الانزواء او ترك البلدة الى بغداد لتفويت الفرصة .
     قبل فترة عاد الى ارض الوطن المناضل توما توماس وكان له نشاط ملحوظ في الذكرى الاولى لبيان 11 آذار فحضر احتفال اقيم في بيادر محلة قاشا ، حيث ألقى كلمة مناسبة ، وظل يتردد على البلدة ويتحسس معاناة الناس من ممارسات اجهزة السلطة حتى انفجر الموقف في شهر آب ، عندما كان توما توماس يتحدث في السوق الى صاحب محل الخياطة ياقو تومكا .
     في نهار من نهارات شهر آب اللهاب تعرض النصير سالم اسطيفانا الى استفزاز إثنين من رجال الامن احدهم من بخديدا ( قرقوش ) واسمه (حبيب ) والثاني من حمام العليل واسمه ( عامر ) فخاطبهم سالم بإسلوب طيب  للتوقف عن مضايقة الناس ، وبأن واجب الشرطي هو المحافظة على أمن الناس وغير ذلك ، هنا استغل الرجلان تلك المناشدة المتحضرة واعتبراها نقطة ضعف ، فتمادا في الاستفزاز واطلاق الكلمات النابية . لم يرق ذلك الموقف لفلاح القوش الشهم بدري القس يونان ، فتقدم وهو يردد كلاما مسموعا ً : لقد تحملنا كثيراً ، كفى كفى ذلك .... وضرب ضربته الصاعقة على احدهم فكانت الشرارة التي اضرمت الموقف والذي كان مهيأ أصلا ً، فنزل الشباب المتقد حماسا ً الى ساحة السوق ، واشبعوا رجلي الامن ضربا ً وركلا ً بالاحذية ، صودرت اسلحتهم ، مرغوا في ساقية مياه المجاري ، وهم تحت الاقدام . طلبوا الرحمة من ابي جوزيف ، لم يعرهم الاهتمام ، حتى تأكد بانهم نالوا جزائهم العادل من الجماهير الساخطة ، فاصدر امره بالتوقف ، ثم قفل راجعا الى داره القريبة من السوق .
     بعد عدة ساعات وعلى اثر برقيات عاجلة الى قيادة نينوى ، تم ارسال قوة من الشرطة السيارة ، فطـُوق غرب البلدة . عند ذلك غادرت مجموعة من افراد الأمن مركز القوش بقيادة سعد منصور ، وتوجهت نحو بيت توما توماس فأحاطوا به من كل جانب ، وشرع بعضهم يفتش البيت ، عندها سألتهم ام جوزيف عن مراميهم ، فاجابوا بانهم يبحثون عن رجلها ، فقالت بصراحة وجرأة ، انه امامكم ( وتشير الى الاتجاه الذي سلكه ) ، إلحقوا به ان انتم رجال وكفاكم العبث بمحتويات الدار وتخويف الاولاد .
     ترك ابو جوزيف البيت حالـَما وردته أخبار تقدم الشرطة ، ومعه مجموعة من الانصار والطلبة والعديد ممن اشتركوا في عملية السوق ، وقطعوا بيادر محلة سينا وارتقوا الجبل . في تلك الاثناء لحق به الامن من داخل البلدة ، وقوة الشرطه تحركت لتحتل مرتفع مار يوسف المطل على محلة سينا .
بدأت المعركة برمي كثيف من مسلحات الشرطة التي تحمل رشاشات برن ، اصبح توما توماس ورجاله تحت الرمي من عدة جهات وهو يسعون حثيثاً للوصول الى الجبل ، فكانت إلتفاتة سريعة من أحد رجاله الى الخلف ليرى منير توما توماس وصديق له اسمه جاسم حنا القس يونان مطاردين بشدة وتحت مرمى النيران ، صرخ الرجل بما يراه امامه ، فاستدار الوالد ليرد بكثافة على نيران العدو ، وكذا فعل الرفاق ، فانقذوا حياة منير وصديقه من خطر داهم ، وقد كان اشد عناصر الامن شراسة في ملاحقتهم وهو العريف سراج الذي تقهقر منسحبا ومخذولا الى احد ازقة البلدة . 
انتهت المعركة بالصمود الرائع لتلك المجموعة الصغيرة بوجة القوة الحكومية الكبيرة ، لقد استطاع توما توماس ان يخترق الحصار المفروض من وسطه ، ويخوض معركة متنقلة ، يخرج منها سالما مع كامل مجموعته التي كانت غالبيتها بدون سلاح ، بعد ان كبد العدو خسائر ملحوظة ، ظل النصير الشجاع حبيب يوسف ( چيچو ) فترة يرويها .
اثناء تلك المعركة الباسلة ارتقى بعض الناس اسطح منازلهم في البلدة ، حابسين انفاسهم ومتابعين بقلق خط انسحاب توما ورجاله ، وكيف كان الرصاص ينهال عليهم في البداية ، حتى هلت البشائر بخلاصه ووصوله الى الجبل حيث عرينه الدائم .[/b][/size][/font]

288
نحو الذكرى العاشرة لرحيل المناضل توما توماس
(9)
نبيل يونس دمان

مقدمة : لدي الكثير من الذكريات والصور والاوراق للراحل الخالد ، كلما سنحت الظروف انشر بعضها ، يراودني امل جمعها وتوثيقها يوما ما ، وبالتنسيق مع اولاده الطيبين  . اود الان نشر صفحات مختارة من كتابي الموسوم ( القوش حصن نينوى المنيع ) الذي ينتظر الطبع .
صدام مسلح في " خووشا " *
      بتاريخ 28- 7- 1969 وردت اخبارية للسلطة بان توما توماس متواجد في البلدة ، وهي تسعى على الدوام للقبض عليه لدوره المعروف في التصدي لظلمها وقمعها . ولهذا جهزت حملة عسكرية كبيرة تحركت ليلا ً ، حتى بلغت وادي الكنود ( لَندِه) الذي يبعد حوالي 12 كم جنوب القوش . ترك العسكر عرباتهم وتقدموا مشيا ً على الاقدام بحيطة وسرية نحو البلدة ، ومن طرف الجبل تقدم عدد كبير من المرتزقة ( الجحوش ) من ناحية مدينة دهوك ، وبذلك طوقت البلدة من كل جهاتها في خطة محكمة لاعتقال او قتل الثائر توما توماس .
      يعرف العديد من اهالي القوش قصة الاتصال التلفوني المشبوه من بريد البلدة ، والذي كان العامل الرئيسي في تجهيز تلك الحملة ، ادرك عمال البريد فحوى الاتصال ، فلم يقفوا متفرجين للكارثة المحدقة بإبن بلدتهم ، فدفعهم ضميرهم الحي الى ارسال خبر له ينبهه بالخطر. كان الوقت يشير الى انتصاف الليل ، عندما عاد ابنه جوزيف من حفلة زواج كوريال بلو التي اختتمت بدون اية مشاكل .
    فكر ابو جوزيف بالمسألة من كل جوانبها ، ربما تباطأ بعض الشيء في التهيؤ والاستعداد ، كما ارسل في طلب رجاله المعتمدين في المواقف الصعبة ، وحضر منهم حبيب يوسف (چيچو) فيما تاخر الباقون عن الوصول ، اوشك الفجر ان يرسل خيوطه الاولى عندما همّ بمغادرة المنزل برفقة حبيب. عزّ على زوجته ( ألماص ) ذلك الفراق الاضطراري ، واكتشف ابو جوزيف القلق الذي يساورها فقال لها " اذا تجاوزنا الخطر ، فالاشارة تأتي من مسدسي ! " ، ولم يمض وقت طويل حتى سمعت زوجته اطلاقات مسدسه ، فاطمئن قلبها وطمأنت اولادها ، فأزداد حبها له واعجابها به وهو ينجوا من طوق حصار محكم .
      لقد خاض توما ورجله الشجاع حبيب معركة لفك الحصار ضد مئات الرماة مكبديهم خسائر فادحة ، فعندما يتخذ احدهم وضعا قتاليا ، يغطي على انتقال رفيقه مسافة الى الامام ، وهكذا يفعل الثاني حتى وصلا الوادي الاول عند اطراف محلة سينا ، ثم واصلا طريقهما على امتداد الوادي شمالا ً حتى الجبل ، وقبل بلوغ قمته اكتشفوا وجود اعداد من المرتزقة ( الجحوش ) في طريقهما الى المقر في قرية ( پيرموس ) ، وهكذا عادوا بسرعة وساروا في عرض الجبل حتى بلغوا كهفا ً فاستقروا فيه متخذين قرار القتال من هناك حتى النهاية ، ولكن لم يلحق بهم احدا .
     صبري الياس دكالي ، مقاتل شجاع وشاب وسيم في التاسعة عشر من عمره ، ترك وحدته العسكرية حديثا ليلتحق بقوات الانصار ، في تلك الليلة ايضا خرج بسلاحه النصف آلي ( سيمنوف ) ، ولكنه تأخر في اللحاق بأبي جوزيف ورفيقه . فتقدم نحو الوادي الذي وصله قبله رفيقيه ، ولكونه وحيداً ، تزاحم عليه الاعداء ، واتخذ من صخرة صغيرة متراسا ً له وقاتل قتالا اذهل العدو بخفة حركته ودقة اصاباته على الرغم من الاصابات في جسده ، حتى استشهد.
      اخذت جثته الى مفرق القوش وابلغ قائد الفرقة في الموصل بان القتيل هو توما توماس ، فقدم على الفور بطائرة مروحية ، وشاهد القتيل امامه ، فقارن شكله مع صورة لتوما توماس كان يحملها معه ، ونظرا للشكوك التي ساورته ، بعث في طلب احد كهنة القوش ، وعند وصول الاخير طرح عليه استفسار" ان كان هذا هو توما توماس" ، فنظر القس الى القتيل ثم الى القائد وهو يبتسم ويقول " هذا ليس توما توماس ، بل شاب صغير في العمر "  فاغاظ ذلك القائد العسكري وتفوه بكلام غير لائق ، ثم غادر بعد ان امر بربط الجثة خلف سيارة عسكرية لتسحل في شوارع البلدة الصابرة ، وعندما انتهوا من ذلك العمل المتوحش ، رموا بالجثة في الساحة المقابلة لمار قرداغ ، وبجانبها رميت جثة اخرى لعاثر حظ من الطائفة الايزيدية قتل في نفس اليوم في اطراف البلدة .
     عصر ذلك اليوم وبعد انسحاب العسكر من البلدة ، اندفعت مجموعة من الشباب لنقل الشهيد الى منزله ، وسيارات الجيش لازالت على طريق الموصل ، في تلك الاثناء عادت احدى السيارات بسرعة فتخلى الشباب عن الجثة وانسحبوا الى مكان ابعد ، ولكن السيارة اتجهت نحو مبنى البريد واعتقلت كل العاملين فيه ، ورجعت الى الرتل المنسحب . تقدم الشباب مرة اخرى واذا بخبر يصل من مركز القوش بترك الجثة في محلها لتتولى البلدية امر دفنها ، هنا ثار الفلاح كيكا شهارا ( آغاته ) وهو يستعير غضبا ً ويصب لعناته على الحكومة وعلى مطاياها ، فيؤجج ذلك حماس الشباب ، ويامرهم فورا بحمل الجثة ، ويتم له ما اراد ، و يسير الموكب الجنائزي الى بيت الشهيد ، وفي الطريق انظم العشرات اليه ، حتى بلغ داره التي خرجت والدته لتستقبله بالهلاهل وتقول " اليوم زفافك يا ولدي " ! فترد النسوة بالبكاء والنحيب .
بعد ذلك وصل توما توماس الى البيت ليستطلع الوضع ، ويسمع باستشهاد رجله الشجاع ، فيذهب الى بيت الشهيد ليلقي عليه نظرة الوداع ، ثم يتجه برفقة رجاله الى سوق القوش وهو في بالغ التأثر . يقال عندما ظهر في سوق البلدة ، ابرقت السلطة المحلية بذلك ، فيأت الجواب من القوة المنسحبة في الطرف الجنوبي ، بانها لا تنوي الرجوع اليه وانها عاجزة عن قهره .
     ظهر لاحقا ً بان المرتزقة الجبناء ، اقتحموا في ذلك اليوم مبنى دير السيدة المقدس ، فدنسوا حرمته كعادتهم ، واطلقوا رصاصة على طباخ الدير فأردوه قتيلا ً ، رحم الله المسكين الأعزل ( دنو تسقپنايا) الذي قتل لا لذنب ارتكبه ، بل لحقد وجبن ازلام السلطة ، ولاخفاء اخفاقهم في النيل من ابن البلدة توما توماس .
* خووشا : وادي واسع في صدر جبل القوش ، مقابل محلة سينا .[/b][/size][/font]

289
القس سعد سيروب امانة في اعناق خاطفيه
نبيل يونس دمان

     انا لا افهم لماذا يُختطف رجل الدين المسيحي الشاب سعد سيروب ، وما هو الذنب الذي اقترفه ، وتحت اية سلطة او قانون او ذريعة يحدث ذلك . في رسالتي هذه اخاطب الجهة المختطفة ، ان تحافظ على حياته قبل كل شيء ، وتحسن معاملته ، وان تسمع منه صلوات السلام والمغفرة والرحمة . دعوه يعيش بينكم ضيفاً ، اذ ربما في الموضوع إلتباس او سوء فهم ، وإلا اعلنوا للملأ ، ما الذي اقترفه ، ليستحق هذا المصير المجهول .
     عندما لا تنطقون طوال هذه المدة ، منذ اواسط آب الماضي ، رغم النداءات والإلتماسات العديدة ، فإنكم ترتكبون خطيئة ، امام الله وامام البشر، بحق انسان حُجبت حريته ، لا تدعوا اطفالكم في المستقبل يوارون وجوههم خجلاً ، إذا ألحقتم الأذى به ، انا لا اظنكم تفعلون ذلك ، والذي اتوقعه انكم تحلقون حوله ، تسمعون منه وجهات نظره في الحياة ، وتأملاته في الغيب ، بإعتقادي ايضا ستتطابق رؤياكم في الإله الواحد الذي لا شريك له ، والذي بأيحاء منه هبطت الرسالات الثلاث ، التي اصطفاها لشرقنا الاوسط ، وهو احوج ما يكون الى الاستقرار والحياة الكريمة ، لملايينه من اتباع تلك الديانات .
     يا من بيدهم مصير القس المختطف ، أرجوكم سهـّلوا عودته الى اهله وشعبه المؤمن ، الذي يخدمه من اجل المحبة ، من اجل الخير، ومن اجل الاخوة ، التي لن تنفرط اواصرها ابدا ً، رغم سوء الاحوال ، والاقتتال الغير المبرر ، لأبناء الوطن الواحد . انا واثق من مجيء الوقت الذي تنتهي فيه عذابات العراقيين ، فيضعون ايديهم ببعضها البعض ، ويبنون وطنا سيكون فخر الأوطان ، كما كان في غابر الازمان ، حضارة مشرقة تبهر الأمم .
     ان القس سعد من سكان العراق الاصليين ، الذين بات انقراضهم وشيكاً، تحت الظروف القسرية الراهنة ، والهجرة الواسعة ، دون رغبتهم ، دون ارادتهم ، ودون ان يكون لهم اليد في كل ذلك ، لقد كان شعبه يوماً سائدا والآن مسودا ، اصبح غريباً ومطارداً في ارضه ، التي رفع اجداده قيمها في الاعالي ، ولا زالت ارجاء المعمورة تردد مآثرها ، استحلفكم لا تعجلوا في دفع شعبنا الرافديني العريق الى الزوال ، دعوه يزول طبيعياً كما تشير المؤشرات . لا تستعملوا العُصي في طردنا من ارضنا ، فنحن مغادرون عطشى وجوعى ، هائمون على وجوهنا ، دعونا وشأننا نكفكف الأدمع وكفى أيلامنا ، يا لقساوة العالم الذي يقف متفرجا ً، ويا لضعف الحكومات التي بيدها القرار ، وهي تشهد أفول نجمنا . عند زوالنا لا سمح الله سيشهد قاطنوا الارض ، بان انتهاء ذلك الشعب المسالم ، قد اثار غضب الرب ، فيلقى الآثمون جزاء ما اقترفوه ، ويكون المصير كما سادوم وعامور . رغم جراحاتي لا انشد ذلك ابداً ، بل اطلب منه المغفرة والنعمة والبركة ، لمن يرث العراق .
      انصتوا لنداء عائلة سيروب ، انصتوا لرسالة البطريرك الجليل مار عمانوئيل دلي ، الذي يعيش الحزن والقلق ، طوال فترة غياب كاهنه ، اناشدكم حاملاً الانجيل المقدس في يميني ، والمصحف الكريم في يساري ، فدونهما تهتز العروش ، وتطيح الرؤوس ، وامام قدسية وقوة الكلمة التي فيهما ، ترتج الارض وتهتز السماء ، اتضرع للرب ، وتحت سلطانه أقبـِّل تربة العراق ، مذرفاً الدمع ، طالباً بخشوع ، ان يحرك انفسكم ، ويلين قلوبكم ، فتؤمنون عودة المختفي ، ليظهر طليقاً على ارض اجداده وبين شعبه ، الذي نذر نفسه لخدمته ، ولإعلاء كلمة الرب ، حتى تكون مشيئته ، في استرداد الوديعة ، في أجلها الموعود .
     رغم كل شيء ، يراودني أمل قوي ، بان هذا النداء سيلقى الاستجابة من لدن خاطفيه ، باسم الجيرة والمحبة والانسانية ، فيعود القس سعد سيروب ، والابتسامة تعلو شفتيه ، والفرح يعم ناسه ومحبيه .  وختاماً أقول ، باننا ابناء الرافدين دجلة والفرات ، أحفاد سومر وأكد وبابل وآشور ، شعبٌ لبسنا الحضارة وحملنا مشعلها منذ آلاف السنين ، فلا تطفئوا الشعلة في يدنا المعروقة ، بل دعوها تخفت بالتدريج ، وحتى  تنطفئ ... تنطفئ .
    اقتطع بعض ابيات الشعر من قصيدة مطلعها :
 أيا منزلا ً اصبح خاويـــــــــــــــــا ً       تلاعب فيه شمأل ودبـــــــــــورُ
   كتبت يوماً على حيطان دير الرصافة ، قرأها الخليفة المتوكل فبكى :
بلى فسُقيت الغيث صوب سحائـــب       عليك بها بعد الرواح بكــــــــور
تذكرت قومي بينهم فبكيتهـــــــــــم        بشجو واني بالبكاء لجديــــــــر
وعزيت نفسي وهي نفس اذا جرى       لها ذكر قومي أنـّة وزفيــــــــــر
رويدك ان اليوم يعقبه غــــــــــــــد        وان صروف الدائرات تــــــدور
لعل زمانا ً جار يوما ً عليهــــــــــم        لهم بالذي ضوى النفوس يحور
فيفرح مرتاب ويأمن خائــــــــــــف        ويطلق من حبل الوثاق أسيـــــر [/b] [/size] [/font]
 

290
نحو الذكرى العاشرة لرحيل المناضل توما توماس
(5)
نبيل يونس دمان

مقدمة : لدي الكثير من الذكريات والصور والاوراق للراحل الخالد ، كلما سنحت الظروف انشر بعضها ، يراودني امل جمعها وتوثيقها يوما ما ، وبالتنسيق مع اولاده الطيبين . اود الان نشر صفحات مختارة من كتابي الموسوم ( القوش حصن نينوى المنيع ) الذي بنتظر الطبع .
3- مهمة سعدي الزاويتي
     سعدي هو احد رؤساء العشائر في منطقة زاويته – دهوك ، في فترة اواسط الستينات تعاون مع الحكومة ، وقد كلف آنذاك بالتوجه الى القوش لاعتقال او قتل توما توماس لقاء حفنة من المال او مركز أغري به .
     جهز سعدي حملة جيدة التسليح والاعداد وبمعيته العشرات من رجاله واقاموا في بناية المار قرداغ . شرع سعدي بالتجول في سوق البلدة وميادينها المتواضعة  وازقتها ، مزهوا ً بسلاحه ورجاله وهو يحيط بالسرية مهمته التي قدم من اجلها. ارتكب بعض الحماقات ضد ابناء البلدة شأنه شأن من سبقه من مطايا السلطة ، وبعد فترة من الزمن شاءت الصدف ان يتواجد ابن القوش البار توما توماس في سوق البلدة غير هيّاب ومستعد لأية مفاجأة . بلغت اسماع السلطة وجوده في السوق من وكلائها ، ضعاف النفوس الذين لا يخلو منهم مكان او زمان ، فأيقظت الأغا ليجهز رجاله بسرعة وينفذ مهمته .
     لم تمض دقائق حتى كان سعدي وازلامه على كامل الاستعداد ، واتجهوا حثيثا ً من مركز الشرطة الى سوق البلدة ، بعد قليل أوصَل خبر ذلك التحرك المشبوه وعلى جناح السرعة بعض شباب البلدة الغيارى الى ابي جوزيف . وعند انتشار الخبر بين الناس سرى نوع من الحذر والترقب ، فيما القائد وكعادته دائما ً ، لم يعر اهمية كبيرة لما سمعه ، بل واصل حديثه مع الناس بالهدوء الذي عرف به.
     حدثت بلبلة في السوق عند قرب وصول الجحوش ( بحق سماهم البارزاني الخالد : جاش بوليس ) الى السوق ، ولخشية الناس من وقوع مواجهة مسلحة ، شرع اصحاب الدكاكين باقفال دكاكينها ،  وخرج من كان جليسا ً في المقاهي الشعبية ، والبعض اسرع الى بيته ابتعادا ً من الموقف الصعب ، ولكن مع ذلك ظل قسم في السوق يراقب ما سيحدث ولاتخاذ الخطوات الضرورية للدفاع عن ابن بلدتهم المحبوب ، وهم مسلحون بالمسدسات المخفية جيدا ً.
     كان سلاح توما توماس مسدسا ً ايضا ً ، لكن من نوع فاخر ومن عيار 14 ( چارداخوي ) ، فسحب اقسامه واستعد للمواجهة ، وفي تلك الاثناء وصل عدد من رجاله المدججين بالسلاح الى السوق ، واتخذوا مواقعهم فوق مقهى 14 تموز، موجهين اسلحتهم باتجاه الشارع المتجه نحو المركز . في تلك الساعة الحرجة ، توجه بعض المواطنين الى ابي جوزيف بالنصح ‘ في تجنب الصدام والانسحاب الى داره في محلة سينا ، فاجابهم بانه لا ينوي مغادرة مكانه وانه سيتصرف بما يراه مناسبا ً.
     في اللحظات الحاسمة ، اتخذ توما توماس من احد منعطفات السوق كمينا ً له ، وفيما سعدي يتباطأ ويتردد في خطواته الاخيرة قبل ان تطأ اقدامه السوق ، في تلك الاثناء خرج توما توماس وبيده مسدسه ليقف امام مجموعة الجحوش ، فيما سحب الرجال فوق المقهى ( وعددهم اثنين فقط ، اذكر منهم عبد الرحمن المزوري من قرية پيرموس خلف جبل القوش ) اقسام بنادقهم ومطلقين صوتهم الهادر الى المتقدمين بالتوقف ، والقائد يأمرهم بالاستسلام . اصاب الموقف سعدي أغا بالهلع وهزته المفاجأة ، فقال : " أسْ بَني ..... اي يا صاحب المقام نحن اخوة واصدقاء ، وليس بيننا عداء ، انا ورجالي لا نضمر لك السوء ، بقدر ما نحن في الطريق الى مقرنا في بناية المار قرداغ " . فأجابه توما توماس بشهامته المعهودة : " ان كان ذلك هدفكم ، تستطيعون المواصلة دون توقف او التفات الى الوراء ".
     هكذا أنزل سعدي سلاحه من كتفه ونكسه ، وفعل ذلك رجاله ، ومروا جميعا ً امام القائد بذل وانكسار في عرف العشائر . بعد ايام لم يطق البقاء في القوش خجلا ً ، فانسحب منها الى منطقته منكفئا ً ، ولم يسمع به احد منذ ذلك اليوم .[/b][/size][/font]

291
نحو الذكرى العاشرة لرحيل المناضل توما توماس
(4)
نبيل يونس دمان

مقدمة : لدي الكثير من الذكريات والصور والاوراق للراحل الخالد ، كلما سنحت الظروف انشر بعضها ، يراودني امل جمعها وتوثيقها يوما ما ، وبالتنسيق مع اولاده الطيبين  . اود الان نشر نص الترحيب الذي نشرته على صفحات جريدة صوت الاتحاد الديمقراطي العراقي ، في عددها المرقم 120 - شهر آب - 1994.

اهلا بالضيف الكبير توما توماس

     في الخامس من تموز، وصل الى اميركا المناضل توما توماس في زيارة لاصدقائه ومحبيه ، وقد اكتظ مطار ديترويت مساء ذلك اليوم بحشود المستقبلين رجالا ً ونساء ً . مرت بضعة عشر من الدقائق قبل ان تحط طائرته ارض المطار فيما غمرت الجموع موجة فرح صادق ومشرف لاطلالة هذا الانسان والقلعة الصامدة في ارض الوطن، والذي تحدى الانظمة المتعاقبة بصبر قل مثيله ، حاملا ً سلاحه بيد قوية وذهم متوقد لاكثر من ثلاثين عاما ً .
     هؤلاء الناس متعددي المشارب الذين خرجوا لاستقباله وضعوا نصب اعينهم هذا التاريخ الطويل الذي يمثله الرجل ، وتعتبر ما تقدم عليه جزء ً من حق التكريم والوفاء له .
     وحلت اللحظة الحاسمة حين ظهر كهل منتصب القامة يسير بخطوات سريعة ، مختصرا ً المسافة القصيرة ليظهر امام البوابة التي تربط قاعة الاستقبال بالطائرة ، وبشكل عفوي حدث تصفيق حاد استمر طويلا ً فيما زغردت النساء زغاريد الفرح ، واقبل الجميع باندفاع لتحيته وتهنئته على سلامة الوصول بين اهله واصدقائه ضيفا ً عزيزا ً .


The late hero Tom Thomas at Detroit Metro Airport July 5th, 1994

      توافدت الناس على مكان اقامته للتحية والاطمئنان على صحته ، واتفق على إجراء استقبال له في نادي الاسرة الكلداني يوم السبت 9 – تموز ، وقد اجهد الاخوة هناك انفسهم وبذلوا جهودا مشكورة لانجاح تلك الفعالية التي كانت بحق رائعة ودافئة ، دفئ قلب الرجل المحتفى به ، والذي ينبض بحبهم ويستقي طاقته من طاقاتهم .
    مئات الناس من اوساط الجالية المختلفة وضيوف آخرين قادمين من كندا وولايات اخرى مثل اوهايو ، واشنطن ، فرجينيا ، كالفورنيا وغيرها غص بهم النادي الذي لم تسعهم طاولاته فشغلوا الممرات الداخلية . إزدانت جدران النادي بلافتات تحيي قدوم هذا المناضل ، وعند دخوله قاعة النادي وقف الجميع تحية له ، فيما واصلت الناس السلام عليه ، وبعد قليل ابتدأ الحفل بكلمة رئيس النادي ، ثم تليت كلمات الشعر ونثرها لعدد من الاخوة ، عبروا عن مشاعرهم الجياشة تجاه ابو جوزيف ، بلدته ، ووطنه ، وكانت بمجملها بمغزاها ، وابعادها ، مؤثرة ونابعة من القلب ، استطاب لها الجمهور وسطعت الوجوه ببريق الفرح والامل ، وقد ادار الامسية الاخ يوسف شكوانا الذي برع في هندستها وادارتها .
     وتخلل الاحتفال كلمة ابو جوزيف الارتجالية القيمة التي اثنى فيها على الاستقبال الحار له . وارجع الى الاذهان صورة الوطن ومتطلبات النضال من اجل اسقاط النظام الدكتاتوري ، واشار الى وجوب وحدة الجهود والطاقات واعتبر وجود جالية بهذه الكثافة ظاهرة دقيقة ، واختتم الاحتفال بعد ان تجاوز منتصف الليل .
     وفي مساء 15 تموز اقيم احتفال كبير بمناسبة ثورة 14 تموز المجيدة ، حضره الاخ توما توماس والاخ فخري بطرس الذي حضر ديترويت لزيارة اقاربه . وقد القى الاخ توما توماس كلمة بهذه المناسبة ، فيما احتفى الاتحاد الديمقراطي العراقي بهم ، ومنحهم شرف العضوية في صفوفه ، وسهر الجميع على انغام فرقة الشمس الموسيقية ومطربها عميد اسمرو ، وبمشاركة الفنان الاشوري سركون القادم من شيكاغو .
 
Detroit Metro Airport July 5th, 1994[/b][/size][/font]

292
نحو الذكرى العاشرة لرحيل المناضل توما توماس
(3)
نبيل يونس دمان

مقدمة : لدي الكثير من الذكريات والصور والاوراق للراحل الخالد ، كلما سنحت الظروف انشر بعضها ، يراودني امل جمعها وتوثيقها يوما ما ، وبالتنسيق مع اولاده الطيبين  . اود الان نشر نص الكلمة التي القيتها في ختام زيارته الى اميركا وكندا ، ايلول - 1994.

ايها الحفل الكريم
     يختتم الضيف العزيز ابا جوزيف رحلته الهامة الى ارض اميركا وكندا ، كانت رحلة شيقة ومفيدة غمرتنا بالسرور ونحن نقاسي آلام غربتنا المفروضة ، ونعتقد ان هذه السفرة قد خففت عنه بعض الجهد الذي يحمله طوال سنوات مديدة في سبيل قضية الشعب والوطن ، فهنيئا ً له الزيارة الناجحة ، كانت الاولى ولن تكون الاخيرة بل سنلتقي مرات اخرى في المستقبل ، ولقاءنا الاسعد في ارض الرافدين بعد تحريرها من رجس المستبدين والطغاة .
     عندما حضر ابو جوزيف تحركت الاجسام والنفوس ودب النشاط في بعض المجالات التي خدرها الزمن وطبيعة الحياة هنا ، وتتوجت بإثارة الحماس والإقبال على تجميع الطاقات واعادة الاصطفاف ، كلها ثمار ستجنيها الناس هنا وخصوصا ذلك الوسط الواسع الذي لا يريد ان يقطع صلته بالوطن ، ويظل يحلم به ويعيش على امل عودة السلام والاستقرار واجواء الديمقراطية الى ربوعه .
     هل كان حلما ً وانقضى ان نلتقي بك ونسمع صوتك ونطمئن على صحتك ؟ .. نعم كان حلم وتحقق ، ونحن ممتنون للزمن الذي وهبنا هذا الحظ ، ثم نعود بالسؤال : لماذا انقضى هذا الحلم الحقيقة بهذه العجالة ؟ .. هل هي تراجيديا الحياة ان يفرقنا القدر ويبعدنا عمّن نحب وصدق القائل :
حبذا العيش حين قومي جميعا ً          لم تفرق أمورها الأهوال
     قالت الناس بسجيتها وطيبتها المألوفة : ان ابقى هنا ولنتقاسم الخبز معا ً ، فقلت لهم : لم يحن الوقت بعد لاودع سلاحي . وكدت تقول ان حرارة اللقاء معكم لم تزدني الا تعلقا ً بشعبي ، ومهما حاولت سفني الابحار في شتى الاتجاهات ترى الرياح العاتية تحركها وتدفع شراعها صوب ارض وطني .
     وانت تتوجه صوب الوطن نوصيك ان تقبل لنا ترابه ، صخوره ، اشجاره ، اطفاله ، وتشم عطر ازهاره .
     وانت تتوجه صوب الوطن نوصيك ان تبلغ المناضلين بضرورة وحدة الصف والوطن .
     عبرك ابو جوزيف انقل لجبالنا ، لقرانا ، لمدننا ، لمعالم تاريخنا ، لشعبنا التحايــــا .
     عبرك السلام الى دجلة والفرات ، واذكرنا عندما تنهل من تلك المياه العذبة .
     يقينا ً سيأتي عملكم الجبار نتاجه .
    يقينا ً سيسقط الدكتاتور تحت اقدام الجياع .
    يقينا ً ستشاد دولة القانون والعدالة الاجتماعية .
    شكرا ً لك تحملك عناء الطريق وانت في شوق للقاء بنا .
    شكرا لك ، لذاكرتك الجيدة وتذكرك الناس والاحاديث الجميلة التي تبادلتها معهم .
    شكرا لذلك الجمهور الذي التف حولك وكان دائم التساؤل عنك ، عن صحتك ، حركتك ، واخبارك .
    شكرا لتلك الطاقات العراقية الكامنة التي انطلقت ، انها ذخر للمستقبل المنشود .
    شكرا لكل من احاط أبا جوزيف بالرعاية والحب ، انه تكريم لمناضلي الوطن ولكل من عبّد طريق الشعب بجسده ودمه الطاهر .
والسلام عليكم .
في الصورة أدناه - من اليمين المرحوم جورج كيكا توماس ، كفاح سلمان اودو ، المرحوم توما صادق توماس ، فضيلة صادق توماس ، في احدى حفلات ديترويت المقامة على شرف زيارة المناضل الراحل الى اميركا وكندا ، للفترة من تموز الى ايلول عام 1994 .[/b][/size][/font]

293
نحو الذكرى العاشرة لرحيل المناضل توما توماس
(2)
نبيل يونس دمان

مقدمة : لدي الكثير من الذكريات والصور والاوراق للراحل الخالد ، كلما سنحت الظروف انشر بعضها ، يراودني امل جمعها وتوثيقها يوما ما ، وبالتنسيق مع اولاده الطيبين  . اود الان نشر نص الكلمة التي القيتها في استقباله في ديترويت يوم 9 – تموز- 1994 .

ضيفنا العزيز ابو جوزيف 
ايها الحفل الكريم 
الحاضرون جميعاً :
بماذا ابدأ كلامي ، وملئ قلبي فرح عارم بلقاءِ انسان عزيز ورجل شهم ، مثل ابا جوزيف . لقد فارقتنا الاقدار اكثر من عقد من السنين وها نحن نلتقي ويا له من لقاء سعيد . 
ايها الاخوة : انا لا احب المديح ، ويصعب علي قوله ، وكلما تجنبته تراني اعود اليه في حضرة رجل ألهم جيلنا ، ومؤكد ان ذلك لا يعجبه ولا يستسيغ مثل هذاالمنحى ، لكن دافعاً قوياً يدفعني اليه كي لا يُجنى على الحقيقة ، ولكي ينصف التاريخ . 
ان التاريخ يهبنا رجال مشاهير في مختلف التخصصات بين زمن وآخر ، ولن يكون باستطاعته ان يعطينا مثل هؤلاء كل يوم او كل سنة ، او حتى في القرن الواحد ، والآن يجلس بيننا هذا الرجل الهمام الذي رفع رأسنا عالياً ، وان ارفع درجات القيم والكرامة والإباء تفتخر بمن وهب كل ما يملك لرفعة تلك القيم ، وان كان لنا ان نتباهى ، وان كان لرجالنا ان تزهو ، ولشبابنا ان يسموا ، ولبناتنا ان يكابرن ، فأرتباطاً بأسمك ابي جوزيف .

فلنغتنم هذه الفرصة التي لا تعوض لنحييه ونحيي فيه تلك القيم ولنكرمه بما يليق به ، وبمكانته التي احتلها بجدارة في تلك الايام على نطاق العراق ومنطقة كردستان ، والبلدة القوش ، واهبة الابطال ، والتي احبَها واحَبته ، ودافع عنها بضراوة ونكران ذات على مدى العقود الثلاث الماضية .

ضيفنا الكبير ابا جوزيف : لقد بدأت نضالك العنيد المتواصل من عقد لعقد ، ومن مدينة لاخرى ، ومن جبل لجبل ، ومن وادٍ لوادٍ في رحاب كردستان ومراتعها الخضراء ، وعلى ترابها قاتلت قتال الابطال ، والسلاح بيديك يناغي ، دفاعاً عن الفقراء والمحرومين ودفعت ثمناً لذلك استرخصته لعيون هؤلاء . وان قناعتك بما اقدمت عليه ، واصرارك المضي دون توقف ، قد صنع لنفسك ولشعبك ولألقوش مجداً لا يضاهيه مجد ، وعلى قدر عزيمتك وارادتك الصلبة سيحتذي الناس الطيبين في كل مكان.
      لم تَنَل ما كنت تصبوا اليه ، ليس فقط لنفسك بل للناس ايضاً الى يومنا هذا ، لكن ثق ايها العزيز الشامخ بيننا ان ما زرعته وما رسخته لن يذهب ادراج الرياح ، وسيكون له مردوده الوافر في المستقبل وسيمضي الناس حاملين قيمك ومبادئك ، عدالتك ، سماحك نحو ذرى المجد الآت والزمن السعيد الذي ينتظر العراقيين .
في فترات متباينة وفي اماكن مختلفة قُدّر لي اعيش وانتقل واسمك امامي وقيمك تتعاظم في نفسي وفي نفوس الناس ، كنتَ بعيداً عنّا لكننا كنّا نسمع باسمك على مر فصول السنة .   
كنّا نسمع بك من حفيف اوراق الخريف المتناثرة . 
كنا نسمع بك من تفتح الازهار في الربيع . 
كنا نسمع بك عندما تضطرم النار في الخشب ايام الشتاء .
وكنا نسمع بك عندما يهبنا الصيف فاكهته الشهية . 
هيّا استرح قليلاً ايها المقاتل ، فقصتك ترويها الجبال ، ولطالما حدثتنا عنها الوديان ، وكم غنت بك سواقي الماء الرقراق في عيون الجبال. 
هيّا استرح قليلاً يا عاشق الطبيعة ، ان الارض بالابطال تتغنى .
فبالله هل وصلت اسماعك اغاني رعاة الاغنام وصوت الناي ومناجاة الحمام ؟
هل وصلت اسماعك صفقات الريح في مداخل الجبال ؟
هل وصلت اسماعك اغاني القبج والدرّاج ووقع قوائم الغزال ؟
انها اغاني واناشيد تجسد ما سطّرته وامثالك من صفحات العز ، فبِكُم وبأسمكم يبتهج مزارعو الكروم ، وألَذ فواكه كردستان ، وتحت تلك الاشجار الخضراء الباسقة تفيأتم بضلالها الوارفة . 
لم يقدّر لبلدتك القوش للآن ان تستقبلك منتصراً ، كما لم يقدّر للوطن بأسره ان يفك قيوده ويتحرر مما هو فيه ، لكننا هنا في اميركا ونظراً للحرية التي نتمتع بها والامكانات الافضل نسبياً ، فقد منحنا الزمن هذه الفرصة بل هذا الشرف ان نلتقي بك ، ويا لعظمة الناس هنا ، ويا لكثرة محبيك ، ويا لسعة الاعداد لمجيئك بل كانت الاحاديث تدور طوال عام او اكثر " متى يأت ابو جوزيف ؟ ".
أبشر ايها الغالي فنحن اولادك واخوانك معك وبجانبك ، نضعك في شغاف قلوبنا، نربي الاجيال باسمك ، ونهدهد الاطفال الرضع موالاً يحكي قصتك ، نحيي فيك قيم البسالة والشرف والمآثر الخالدة ، ونرحب بك ضيفاً عزيزاً ، لتستمتع بالحياة هنا ، وتريح عن نفسك عناء المشاق ، ابتهجت ايامك بيننا ، وعهداً ان تكون مَثلنا الاعلى ، دامت صحتك وصحة اولادك واحفادك، وطابت اقامتك هنا مُعززاً ، مُكرّماً، والسلام . 

ملاحظة : قبل الشروع بالقاءالكلمة، انشدت مقطع شعر بلغتي الام ، ادناه المقطع بالكرشوني :
پشينَه ثيلُخ يا جَنقـــه           برناشِد أُرخَه عسقـَــــــه
من تامَه ثيلُخ مْرحقَه           مأثرَه بدمَّه مُسمقَــَــــــــه
قالِد تَفِكْتُخ مطيلَـَــــــه           رِِش طورَه قريلَه ودريلَه
دجِمْن بأزدوثَه مليلَـه           وشِمّد ألقُشْ مُعليلَـَــــــــه

في الصورة أدناه، الجالسون من اليمين : المرحوم جورج توماس ، نوئيل ساكو ، المرحوم توما توماس ، المرحوم رحيم القس يونان ، المرحوم جورج كتو ، خلفهم كاتب السطور وزوجته ، في نادي الاسرة الكلداني يوم 9- تموز- 1994 ...[/b][/size][/font]

294
نحو الذكرى العاشرة لرحيل المناضل توما توماس
(1)
نبيل يونس دمان

لدي الكثير من الذكريات والصور والاوراق للراحل الخالد ، كلما سنحت الظروف انشر بعضها ، يراودني امل جمعها وتوثيقها يوما ما ، وبالتنسيق مع اولاده الطيبين . اود الان نشر احدى رسائله ، والتي لها علاقة بوضعنا الحالي ، لا زالت تحتفظ بحيويتها ، فالى الرسالة التالية :
  العزيز نبيل المحترم
تحية حارة
     املي ان تكون بصحة جيدة مع كفاح والاولاد ، شيء مفرح حصولكم على الاقامة وسيحل هذا الكثير من اموركم ليس فقط السفر وانما امور اكثر اهمية اخرى ، بالحقيقة لم اجرِ اية عملية ولكن دخلت المستشفى لمدة يومين للفحوصات هذا في القامشلي والان صحتي جيدة . جواب رسالتك ما قبل الاخيرة ارسلته منذ عشرة ايام املي ان ان يكون قد وصلك. استلمت رسالة من الاخ ابرم شبيرا بعد ذهابه الى لندن وقد ارسلت له جوابها ، ان الدانماركيين يبدون متشددين تجاه الزيارات لبلدهم لحد الان وقد مضت اكثر من ستة اشهر على الطلب ولم يجاوبوا على الطلب سلبا او ايجابا .
     اطلعت على مقالك حول محاضرة ..... والتي اثار انتباهي هو ما ذكرته عن تركيز الجدال حول " التسمية " وهي اساس الخلافات وحلقة صعبة تحتاج الى دراسات ووقت طويل لحلها ، لماذا لا ننطلق من اسهل نقطة في عملنا القومي ونترك موضوع " التسمية " حتى يتفق فيه " الفهماء " من ابناء شعبنا على تسمية له ، نحن شعب مهدد بالنقراض ولسنا كالشعوب الاخرى ولا نستطيع ان نسمح لانفسنا بالانقسام والتشرذم والتعددية والا فلا مستقبل لنا ، ان اشكالية التسمية تدخل في المجال الذي يدرسه علم التاريخ وليس غيره ، وربما التاريخ تطول دراسته لهذا الموضوع ، فهل نحن ملزمون بايقاف كل شيء حتى يحسم امر " التسمية " ام نتفرق الى فرق جديدة ، هوية الشعب تتضح من سياق عملنا القومي . من الخطا ان يكون الاتفاق على الهوية او اقناع الناس بتسمية معينة هو شرط ضروري لنهوض العمل القومي ، الواقع ان العمل القومي هو الذي يؤدي الى تحديد الهوية والتسمية عندما يؤدي الى نهوض الشعب وبلوغ غاياته القومية . يجب ان لا نتمسك بالماضي دائما في في خلق اسس جديدة لولادة شعب جديد ، يجب ان لا نتشبث بالماضي التليد علينا ان ننطلق من واقعنا الحالي وامكانياتنا ووضع شعبنا المشتت في العالم . ان من يتمسك بالتسمية فقط ولا غيرها حتما سوف لا يستطيع تقديم شيء لهذا الشعب عدا ما يعمل من اجل سمعته الشخصية .
     ان موضوع الكلدان وأمَلُك ان ترى هذا الوسط " الذي يحلو له ان يسمي نفسه بالكلداني " هذا اعتبره تمني لك وليس الدعوة الى العمل ، ان من هم كلدان لا يمكن تبديلهم بجرة قلم الى اشوريين كما يحلو للاخوة الاشوريين ذلك ، انها تعقيد للعمل القومي والوحدة وانها امال البعض باحداث انقلاب في التاريخ ، ان اصرار الاخوة الاشوريين على هذه التسمية كما قلنا هي استحالة العمل ووحدة الشعب ، الا يمكن ان يعمل الاشوريين في اتحاد اختياري لفترة حتى نضوج موضوع التسمية من اجل التوحيد الجذري ، لماذا لا ندعوا الكلدان بتشكيل مثلا " الاتحاد الديمقراطي الكلداني " وتضعوا برنامج التعاون مع المنظمات القومية الديمقراطية وغيرها من الاتحادات العراقية الديمقراطية لانشاء محور ديمقراطي يضم الجميع ويوضع له برنامج التوحيد ( الاندماج ) .
      ان شبابنا يدور في حلقة فارغة وهو اكثر رغبة في العمل السياسي القومي ولكنه ليس له قيادة من اجل توحيد جهوده ، لماذا نستحي من اسم الكلدان في الوقت الذي هو واقع حاليا ، دعونا نعمل حاليا تحت اي تسمية يؤيدها كل جزء وفي نفس الوقت نعمل من اجل الوحدة والاندماج هل معاركنا حول التسمية نفعت عملنا ام اخرته وخلقت الجفاء ان لم نقل التفرقة بيننا ، لنكن واقعيين .
     في هكذا وضع ومن اجل ايجاد مفتاح حل تلك المشاكل المستعصية بطريقة النقاش الحضاري ، نقاش واسع النطاق توضع له آلية للنقاش وتنظيمه كي يكون نافعا ومثمرا وان لا يؤدي الى عداوات ولي الثقة بان كلما تتوسع هذه النقاشات تظهر مواضيع واسئلة جديدة في سبيل عملنا القومي وسيجعل بعض المخالفين يتفقون مع اراء الاخرين وتختلط الطاقات في البحث عن التفاهم والثقة المتبادلة التي نفتقدها .
     كنت قد التقيت مع الاخ ..... في كندا وعقدنا جلسة مشتركة مع الاخوة مسؤولي المنظمات الاشورية ودامت عدة ساعات وكنا قريبين الى بعضنا البعض ، لاحظت ان الاخ .....  يركز على " اشورية " كل الشعب والاصرار على عدم وجود الكلدان والسريان خلاف ما هو معمول به الان وبهذه الطريقة من الصعب له كسب الاخرين الى ما يصبوا هو اليه ان لم يبعدهم عن العمل المثمر .
     ان ما اؤكد عليه ان نعمل على حل اشكاليات التسمية ومن اجل توحيد الشعب ان نبتدئ من الحلقة الضعيفة والسهلة دون ان نبتدئ بالحلقة الصعبة وحتى المستحيلة الحل كما نقول وبذلك نقضي على كل تفاهم بيننا وقد تؤدي الى القطيعة وهذا ما يعمل بعض الاخوة الاشوريين وانك تلاحظ ذلك بين اوساط الكلدان وحتى بعض شبابنا ان لم نقل اكثريتهم لهم مواقف متشنجة تجاه الاخوة الاشوريين .
     اننا بحاجة الى وحدة شاملة وقيادة موحدة للجميع ( الطوائف ) كما يسمون انفسهم الى هيئة على شكل صيغة " المجلس الوطني الفلسطيني " او البرلمان الكردي الذي تشكل حديثا، يمثل الشعب في المهجر والوطن يمكن انتخابه مرة كل سنتين او اكثر من قبل الشعب وقد يؤدي تكرار الانتخاب الى ظهور ممثلين حقيقيين عن الشعب .
     ارجو لك كل الخير والعمل المثمر واتمنى لك وللعائلة مزيدا من الصحة والعمل المثمر، ارسلت رسائل التعزية لكل من عوائل المرحومين عبد الوسي ورحيم القس يونان وكانت الزيارة فرصة للقاء بهم وما كنت اعتقد ان تكون الزيارة الاخيرة لهم .
    سيصل اليوم فائق بطي وحتما سيكون الكاسيت معه ، شكرا على جهودكم .
    تحياتي الى الاخوة جورج جبوري واشكره على مكالمته ولو لم اكن موجودا ، انني اتمنى له حياة سعيدة وعمر مديد مشتاق لرؤيته . تحياتي للاخوة ، نبيل جولاغ ، نجيب جلو ، وجرجيس كتو ، وقيس يونان ، وابو موفق وباقي الاخوة عندكم ، تحيات الاولاد لكم جميعا ً .
    ارجو ان تكونوا قد قضيتم اوقاتكم الجيدة في عيد القيامة مع الاهل والاصدقاء .
دمتم سالمين
ابو جوزيف
22 - 4 - 1995 [/b] [/size] [/font]

295
دعوة لاحياء الذكرى العاشرة لرحيل توما توماس

     في 15- 10- 2006 ، تمر عشرة سنوات على توقف قلب المناضل الكبير ، والرجل الشجاع توما توماس ، اجدها مناسبة جديرة في تسليط الاضواء عليها لإبرازها ، وفاء لجزء من الدَين الذي في أعناقنا ، لذلك الانسان الذي عاش بيننا في مطاوي القرن المنصرم ، والذي ستظل أجيال وأجيال على مدار العصور تضرب به المثل ، في الشجاعة والبسالة والتضحية ، وفي محاربة الظلم والظالمين ، لعقود من السنين ، بإرادة لا تلين ، وعزم لا يفل ، وإصرار عل المضي الى الامام وحتى النهاية ، مدافعا ثابتا ً وعنيدا ً عن الفقراء والمضطهدين.
     ادعوكم ايها الاصدقاء من : الادباء ، الشعراء ، الفنانين ، مقاتلي الانصار البواسل ، والبيشمركة الابطال ، من كل الاتجاهات السياسية والدينية والعرقية ، للكتابة عن الرجل بما تجود به اقلامكم ، وتتفتق به اذهانكم ، وتنطق به قرائحكم ، وتشعر به  قلوبكم ، وليوثق نتاجكم المستند الى الحقيقة وحدها ، للمستقبل والتاريخ . لو اتاح الزمن وتوفرت الفرص لوضعت له كتب عديدة ، ايضا لو استقرت الظروف وتعافى الوطن ، ستحل مناسبة نقل رفاته من محافظة دهوك الى مسقط رأسه القوش ، حيث مثوى آبائه واجداده .
     تاتي هذه الدعوة في ظروف تعتورها المآسي والكوارث الجديدة ، وفي اجواء يخيم عليها الحزن والقلق على طول البلاد وعرضها ، ولكن روح توما توماس ، تلك القامة الممشوقة التي عاشت بيننا ، تنادينا لنواصل النضال من اجل نصرة تلك الاهداف ونقتدي بذلك المثل الانساني ، والخلق السامي الذي تحلـّى به ، في تعامله مع الاعداء قبل الاصدقاء ، وليظل الشعار الذي سار خلفه مرتفعا ً فوق هامات كل من يغذي المسيرة ، التي كان ابو جوزيف في طليعتها ، لتستمر وتضم الحشود المتزايدة ابدا ً ، هاتفة ملئ حناجرها ذلك الشعار العتيد ( وطن حر وشعب سعيد ! ) .
     لتكن المبادرات على صفحات المواقع التالية ( الطريق ، عنكاوا ، القوش نت ، والقوش دي ) ، وليسمح العاملون فيها ، بفتح ملف خاص لذلك الغرض ، طوال المدة التي تفصلنا عن المناسبة . ولا يفوتني ايضا ً ان اهيب بأهالي البلدة الحبيبة القوش ان تتهيأ وتحضر للمناسبة بإقامة اسبوع ثقافي ، يكون الاساس لوحدة ورص صفوف ابناء البلدة ، بالتآلف  والتآزر والنخوة التي كان ينادي بها توما توماس في حياته . اتوجه الى الاشكال النضالية فيها ، وفي القرى المحيطة ، لبلورة جهد نوعي ورصد عمل متناسق بناء ، يقرب الناس الى بعضها في هذا الزمان العصيب ، والمخاض الاليم الذي يسبق انطلاقة وطننا ، في رحاب الديمقراطية الآتية دون ريب .
دمتم اعزاء وبررة ، لإحياء سيرة ابن العراق المعروف توما توماس .

نبيل يونس دمان
من اصدقاء الفقيد
4 - 8 - 2006[/b][/size][/font]

296
القس يوحنان جولاغ ، تاج الحكمة ورمز الابداع
[/size]

بقلم : نبيل يونس دمان
     ▼ يا له من بون يفصل الموت عن الحياة ، والماضي عن الحاضر ، ففي الامس كان الفقيد يترنم بأشجى الاصوات ، واعذب الالحان ، وامضى الكلمات ، التي يبحث عنها ، فيجدها تتراقص امامه ، ليقتنصها ويرصّها في بنيان القصيدة ، او الفكرة ، او الموضوعة ، خزين من الكلمات ينتقي بليغها ومن لغة عريقة عراقة الارض ، واليوم يرقد على رجاء القيامة ، يلفـّه الصمت ، تحيط بوجهه الوضاء هالة المجد ، ينتظر في رقدته الابدية من الاجيال التي عرفته ان تطرب بذكراه ، كلما دار الحديث عنه ، فقد وُهِب قلبا ً عامرا ً بالمحبة والفرح . كان اهالي القوش يصغون اليه جيداً في الستينات من القرن الماضي ، فتقع مواعظه وقعا ً عميقا ً في نفوسهم ، وفي الغالب كانوا ينظرون لبعضهم متعجبين من قدراته ومعرفته الدقيقة عن  حياتهم الاجتماعية ، كأنه يعيش في كل بيت . رغم كل الآلام النفسية والجسدية التي عاشها ، في ظروف متقلبة شديدة الوطأة ، فإنه ظل متمسكا ً بأيمانِه ، أمينا ً لتـُراثِه ، هكذا مات الذي كان الدهر بأناشيده ينشد ، مات الذي كان يسقي شجرة الحياة بخميرة فِكره ، أيها الناس إبكوا الذي لم يصل الى مبتغاه ، في لم ّ شملكم ، واشاعة الفرح في حياتكم ، انه ليس كمن يأت ويذهب ، او ما يتناثر من الشهب والكواكب ، فيخفت بريقه بسرعة ، بل جاء وفي يده شيء غـَرسِه في الارض ، لينمو ويزدهر ويكون له الثمر الوفير، كان منارة لمن اراد ان يتبع خطاه ، تغنـّى بمآثر وطنه وبأمجاد شعبه ، بأرق مشاعر الحب والوفاء ، فلا تخلو من كل ذلك الأشرطة الصوتية التي سجلها ، بعرقه وتعبه ، وسهره الطويل ، وبحثه المتواصل ، في أمهات الكتب والميامر والأشعار، التي امدت قصائده بذلك البنيان المتناسق ، وذلك الصوت الأخاذ ، والأداء الجميل .
     ▼ ذهب الكاهن الورع الى حيث الراحة الابدية ، هناك تستقبله ملائكة الرب بالمصابيح والشموع ، راقصة بالطبول والدفوف ، فالدُنى ما كانت يوما ً دارَ قرار ٍ ، وعلى الدوام ستنظر الاجيال الى ذلك المعلم بإحترام ، ولن أبالغ القول بان القس يوحنان جولاغ هو واحد ممن ترك لنا إرثا ً وأثرا . عرف عنه دفاعه عن بلدته ايام المحن ليس أدلـّها ، دعوة الناس للتجمع امام مركز شرطة القوش في ربيع 1969 ، لافشال مخطط السلطة في ايذاء البلدة وابنائها الأباة . وفي صيف نفس العام كان القس يوحنان على رأس وفد للمصالحة مع الجيران ، وقد عكّر الزمن مؤقتا صفو العلاقة التاريخية بينهم .
     ▼ كلما ودعنا رجلا ً عظيما ً أشرنا الى معاناته ، وخبايا آلامه ، ومكنونات حزنه ، لارتباطها الوثيق بملكة الابداع الذي اعتلى هامته بجدارة القسيس الراحل ، لم يسكن قصرا ً ولم يعشق منصبا ً، وكل القرائن كانت تشير الى امكانه ذلك ، لما جبل عليه من الذكاء وسرعة البديهة والكياسة ، وكما قال شقيقه صباح في رثائه ، بانه كيـّف نفسه ، مع الكبار كبيراً ومع الصغار صغيراً ، حتى يرضي الجميع . مبكرا ارتبط ابداعه بتلك العوارض التي نوهنا عنها ، وفي  جسده السر في مقاومة ضروب الدهر ، فقد العديد من افراد اسرته ، وابتعد عن مسقط رأسه دون رغبته ، ووقع في اشكال بسبب حرصه على آثار نينوى العظمى . كان اسم بلدته لا يفارق محياه ، وظل قلبه يخفق بحب ابنائها المنتشرين في بقاع الارض ، لقد ترك لنا في رحيله وجهة الى الاحياء ، بان يتذكروا مصير الانسان ، فينصتوا لعين العقل ، وصواب الحكمة ، في نشر المحبة ، وروح التعاون في الملمّات ، وان يتركوا الاحزان خلفهم ، ويغنـّوا لغدهم ، لأعقابهم ، فالحياة قصيرة ، والموت غادر ، يداهم البشر في أية لحظة .
     ▼ جاء الى اميركا في العام الماضي ، لم يبق فيها كثيرا ً ، وكأنه جاء يودع أحبته وأصحابه ، غادرها خوف ان تداهمه المنيـّة فيرقد تحت تربةٍ غريبة ، وهو القائل " انها الجنة ولكن معجونة بماء الجهنم " ،  فاسرع الخطى ليحتضن ارض العراق ، وتحتضنه تربتها التي منها انطلق واليها عاد ، ليلتحق بجنات الخلد حاملا ً رسالة ، ولايقاظ المهللين بمجد الرب ، ان يستمطروا رحمته على أرض الحضارات ، فتنتهي دورة العنف لصالح السلم ، والصراع لصالح البناء ، هل كانت تلك الجنات تنتظر عودة الاب يوحنان اليها ، ليشق بصوته فضاء السكون ، فيحرك المسبحين بإسمه ، لينصتوا الى عذابات الانسان ، بالتأكيد سيجلب الانتباه ، ذلك الخطاب الذي حمله معه ، في رحلته الابدية ، فيعود السلام والازدهار، الى بلاده بين النهرين الخالدين.
     ▼ عاد الطير المحلق عاليا الى وَكره الارض ، ومن جسده الممتزج مع ترابها ، سيُجبل مبدعون آخرون ، يرشفون مياهها ويتنسمّون هواءها ، لينطلقوا من جديد ، مادة وروحا ً ، عطاء وارتقاء ً ، فعمر الخليقة سلسلة من حلقات الابداع ، تكبر وتعظم باستمرار، وحتى يرث خالقها ما عليها .
     ▼ قد نكون قصرنا مع الراحل ، ليسامحنا فالظرف قاهر، والاحداث خطيرة ، فـَلم تدعنا نلتفت اليه ، ولكننا سمعنا صرخاته ، وما خالج قلبه ، كنا نامل ان نشيع في قلبه المتعب بالشيخوخة اذا صح تسميتها ، بالغبطة التي كان مسكونا ً بها في صباه وشبابه ، ليعذرنا الاب يوحنان وعزائنا انه باق ٍ خالد ، وتراثه حي يبعث من جديد ، في كل دورة من دورات الفلك ، وعلى ايدي النجباء من تلامذته .
    ▼ يألمني انني لم التق ِ به منذ مغادرتي الوطن قبل ربع قرن ، لكنني بعد سماعي شريطه الصوتي بعنوان ( الغربة ) والذي اعتبره قمة عطائه ، ارسلت له الرسالة التالية :
خيپوثيله مبرپشاله شمشه قويثـــــــــــــــــه
خايد ناشه گدامي لمايه ديلي بنهــــــــــــــرا
كد كمهرشي كصابي وكصاخه بگاوي صيرا
زونه جغيشا علمه تعيشه بلبح بيشــــــــــا
..........................
باثي زونه بنايخ علما بكيوه قريشــــــــــــــا
وناشه طاوه بعالي ريشح وبناپل بيشـــــــــا
 الى ابونا الموقر يوحنان جولاغ المحترم
تحية صادقة
     ان قلمي ليعجز عن التعبير عن نبضات الحب والاعجاب بذلك الذهن المتنور المتفتق الذي أجهر بالأبيات أعلاه ، وبذلك الصوت الدافئ القوي النبرات ، والمشحون بالعواطف ، والمنساب من فم كأنه الشهد ، اي زهو يمتلكني وانا اصيخ السمع الى كلماتك ايها الاب العزيز بعد ان فارقتنا قسوة الاقدار لعقود من السنين ، لكن صوتك عبر الشريط المسجل اعاد تواصلنا وارجعني سنين الى باحة الكنيسة وانا اسمع صوتك ، او في لقاءاتي معك طالبا في الندوات الدينية في اواسط الستينات ، او في لقاء طويل معك واذا تذكر لساعات في بيتكم صيف عام 1972.
     ان صوتك الذي وصل عبر البحار والمحيطات اسكرني بحب الوطن والتربة الغالية والقوش الحبيبة ، وجعلني اعيد سماعه مرات ومرات دون تعب او ارتواء . في شريط الفيديو الذي صوره نجيب عيسى كولا ، سمعتك ، ورايتك بوسامتك ، ولحيتك البيضاء المهيبة . شكرا من الاعماق ، لن انسى كلماتك تلك ، وكأنها موجهة لي ولكل فرد مغترب وساحتفظ بالشريط كأغلى هدية ، وسيرافقني اينما حللت ، وحتى التقي بك واجلس معك واتطلع لسماع ومعرفة المزيد عنك ، وبتقديري تمتلك الكثير ، يقينا ان ثروة الادب التي ليس في الفانية أثرى منها ، تخلد الانسان وتجعل مكانته متميزة في عجلة الزمن .
 تحية لك ولوالدتك ، وإخوتك .
ودمتم لنا ولمدينتكم الأبية القوش .... والسلام .
 تلميذك نبيل دمان
 2- 11- 1994.
 وارسل الجواب التالي :
     عزيزي نبيل
     ببالغ السرور والاعجاب قرات رسالتك الاخوية المشحونة بمشاعر النبل والتعلق الصميم بالوطن والاصدقاء والمعارف الذي حالت ظروف الزمان بينكم وبينهم ، عسى ان يجتمع الشمل يوما ما بعناية الرب القدير ، لان الشجرة ما دامت خضراء فجذورها عميقة في التربة الاصلية مهما قطعت منها اقلام وشتلت في تربة اخرى :
أرا كلـّه خا بيثيلا دبرناشوثـــــا
بسيمتيلا إن لا ثوابا نوخرايوثا
      هذا هو واقع الحياة للكثير من ابناء آدم في هذا الزمان ، واينما يحل البشر فهم في ارضهم ، في بيتهم ، مع فارق الغربة الثقيلة والمؤلمة ، ثم يدور الزمان ويدور كما تدور الارض حول الشمس ، وقد يلتئم الشمل بعد الفراق والبعاد ، او يكفي ان تكون القلوب والافكار ملتحمة متحدة ، فهي تقرّب الابعاد وتقلـّص المسافات والله كريم .
      اشكرك قلبيا على مشاعرك الصادقة وتعابيرك الاخوية مع ما فيها من مديح لست اهلا له ، لانني حين اتكلم او اكتب شيئا ما ، فانما اعبر عما يجيش في قلبي من حب وتعلق بحياة الناس جميعا ً ، وخاصة بحياة معارفي واهلي واصدقائي ، لكن امنيات الانسان لا تتحقق جميعها ، لاننا بشر لنا حدود في الزمان والمكان ، لكن القيم التي يحملها الانسان لا حدود لها ، فهو يتالم حين لا تتحقق امنياته الانسانية بالعيش الكريم والكرامة لجميع الناس بدون فرق بين هذا او ذاك ، حياتنا في الارض طريق الجلجثة على خطى السيد المسيح المنتصر على كل ما في حياة الانسان من سلبيات وشرور. حفظكم الرب بعنايته القديرة ودمتم سالمين .
 اخوكم القس يوحنان
 الموصل - كنيسة مار اشعيا - 21/ 11/ 1994
     ▼ انجز العديد من الاعمال الكتابية ، الترجمة ، والاشرطة الصوتية ( الكاسيت ) التي يمكن ذكر بعضها مثل : قصة يوسف الصديق ، وجنفياف ، يزداندوخت ، وقافلة الموت ( كروان دموثا ) ، والاخير كان شبه فلسفي ، يدور حول تبادل الاتهامات بين الافراد والموت بشكل جدلي متقن ، في ذلك الاسهاب ألهب يوحنان جولاغ مشاعر المستمعين، وهو يتحدث عن قصة كارثية ، في غرق خمسة من شباب وشابات البلدة ، في بحيرة الثرثار عام 1980.
     ▼ صبرا وسلوانا ً لأهل بيته ، لكل من عرفه ، او سمع به ، وهو المكلل بهامة الرفعة والمتجذر بقوة الايمان ، دعوه ينظر من عليائه اليكم ، في حركتكم المستمرة الى الامام ، مضيفين للأدب والثقافة والفنون ، مفاخر الدنيا ومباهج الحياة .
      ▼ يا نينوى ويا كنيسة مار اشعيا ، يا القوش ويا كنيسة مارﮔورﮔيس ، أبْكوا جميعا ً الأب الشاعر ، وأذرفوا له الدموع .
قرْي يا ماثي پقـْيناثه          وْطلوبْ تـَه رابي رَحْماثـَه
تـَدْ شـَمي كُل نـَثياثـَه          مَحرا وزومارَه خاثــــــَــه
شِتقـَه مْخيلِه لْبرياثه          وصْميري وَردي وْحيواثه
وْكُل طـْير ِه دِشْمَيّاثه          پْخيلي مِخْ ناشِد ما ثــــــَه
مْسُكيرْ رابي مْأيناثـَه          ولـَخـّـازيلي نـَشْواثــــــــَـه
طاواثِح ْ گو مَسّاثـَــه          وشِمِّحْ كْمَبهـِر كْثوياثـــــَه
شِشْو زاگِه بأيداثــــَه          ومْخو صَنـّوجِه بأيتاثــــَه
ياعْلمايِـِه وبْـني ماثه          مْپـَشْطول ِ بـِصـْلاواثــــَــه
گو بيبونِه د حقلاثــَه          گو قالِه د كـَلـْكـَلياثــــــــَـه
علوييله بكُل يوماثــَه         مْدار ِ لـْدار ِ وگهاثــــــــَــه
يا بـَئايِـِدْ حَقــّوثَــــــَه         كـْليل ِ دَرقــُل أودوثــــــَـــه
لَـَياذيوَه ﭽـْو زْدوثــَه         طالِحْ كْشَكلـَه مَلكْوثـــــَـــه
 
▼ ملاحظة : آخر البيتين في القصيدة من نظم الشاعر الصديق سعيد يوسف سيبو .

 :
nabeeldamman@hotmail.com
USA
July 14, 2006[/b]

297
القس يوحنان جولاغ ، تاج الحكمة ورمز الابداع

بقلم : نبيل يونس دمان

     ▼ يا له من بون يفصل الموت عن الحياة ، والماضي عن الحاضر ، ففي الامس كان الفقيد يترنم بأشجى الاصوات ، واعذب الالحان ، وامضى الكلمات ، التي يبحث عنها ، فيجدها تتراقص امامه ، ليقتنصها ويرصّها في بنيان القصيدة ، او الفكرة ، او الموضوعة ، خزين من الكلمات ينتقي بليغها ومن لغة عريقة عراقة الارض ، واليوم يرقد على رجاء القيامة ، يلفـّه الصمت ، تحيط بوجهه الوضاء هالة المجد ، ينتظر في رقدته الابدية من الاجيال التي عرفته ان تطرب بذكراه ، كلما دار الحديث عنه ، فقد وُهِب قلبا ً عامرا ً بالمحبة والفرح .
كان اهالي القوش يصغون اليه جيداً في الستينات من القرن الماضي ، فتقع مواعظه وقعا ً عميقا ً في نفوسهم ، وفي الغالب كانوا ينظرون لبعضهم متعجبين من قدراته ومعرفته الدقيقة عن  حياتهم الاجتماعية ، كأنه يعيش في كل بيت .
رغم كل الآلام النفسية والجسدية التي عاشها ، في ظروف متقلبة شديدة الوطأة ، فإنه ظل متمسكا ً بأيمانِه ، أمينا ً لتـُراثِه ، هكذا مات الذي كان الدهر بأناشيده ينشد ، مات الذي كان يسقي شجرة الحياة بخميرة فِكره ، أيها الناس إبكوا الذي لم يصل الى مبتغاه ، في لم ّ شملكم ، واشاعة الفرح في حياتكم ، انه ليس كمن يأت ويذهب ، او ما يتناثر من الشهب والكواكب ، فيخفت بريقه بسرعة ، بل جاء وفي يده شيء غـَرسِه في الارض ، لينمو ويزدهر ويكون له الثمر الوفير، كان منارة لمن اراد ان يتبع خطاه ، تغنـّى بمآثر وطنه وبأمجاد شعبه ، بأرق مشاعر الحب والوفاء ، فلا تخلو من كل ذلك الأشرطة الصوتية التي سجلها ، بعرقه وتعبه ، وسهره الطويل ، وبحثه المتواصل ، في أمهات الكتب والميامر والأشعار، التي امدت قصائده بذلك البنيان المتناسق ، وذلك الصوت الأخاذ ، والأداء الجميل .
     ▼ ذهب الكاهن الورع الى حيث الراحة الابدية ، هناك تستقبله ملائكة الرب بالمصابيح والشموع ، راقصة بالطبول والدفوف ، فالدُنى ما كانت يوما ً دارَ قرار ٍ ، وعلى الدوام ستنظر الاجيال الى ذلك المعلم بإحترام ، ولن أبالغ القول بان القس يوحنان جولاغ هو واحد ممن ترك لنا إرثا ً وأثرا .
عرف عنه دفاعه عن بلدته ايام المحن ليس أدلـّها ، دعوة الناس للتجمع امام مركز شرطة القوش في ربيع 1969 ، لافشال مخطط السلطة في ايذاء البلدة وابنائها الأباة . وفي صيف نفس العام كان القس يوحنان على رأس وفد للمصالحة مع الجيران ، وقد عكّر الزمن مؤقتا صفو العلاقة التاريخية بينهم .
     ▼ كلما ودعنا رجلا ً عظيما ً أشرنا الى معاناته ، وخبايا آلامه ، ومكنونات حزنه ، لارتباطها الوثيق بملكة الابداع الذي اعتلى هامته بجدارة القسيس الراحل ، لم يسكن قصرا ً ولم يعشق منصبا ً، وكل القرائن كانت تشير الى امكانه ذلك ، لما جبل عليه من الذكاء وسرعة البديهة والكياسة ، وكما قال شقيقه صباح في رثائه ، بانه كيـّف نفسه ، مع الكبار كبيراً ومع الصغار صغيراً ، حتى يرضي الجميع .
مبكرا ارتبط ابداعه بتلك العوارض التي نوهنا عنها ، وفي  جسده السر في مقاومة ضروب الدهر ، فقد العديد من افراد اسرته ، وابتعد عن مسقط رأسه دون رغبته ، ووقع في اشكال بسبب حرصه على آثار نينوى العظمى .
كان اسم بلدته لا يفارق محياه ، وظل قلبه يخفق بحب ابنائها المنتشرين في بقاع الارض ، لقد ترك لنا في رحيله وجهة الى الاحياء ، بان يتذكروا مصير الانسان ، فينصتوا لعين العقل ، وصواب الحكمة ، في نشر المحبة ، وروح التعاون في الملمّات ، وان يتركوا الاحزان خلفهم ، ويغنـّوا لغدهم ، لأعقابهم ، فالحياة قصيرة ، والموت غادر ، يداهم البشر في أية لحظة .
     ▼ جاء الى اميركا في العام الماضي ، لم يبق فيها كثيرا ً ، وكأنه جاء يودع أحبته وأصحابه ، غادرها خوف ان تداهمه المنيـّة فيرقد تحت تربةٍ غريبة ، وهو القائل " انها الجنة ولكن معجونة بماء الجهنم " ،  فاسرع الخطى ليحتضن ارض العراق ، وتحتضنه تربتها التي منها انطلق واليها عاد ، ليلتحق بجنات الخلد حاملا ً رسالة ، ولايقاظ المهللين بمجد الرب ، ان يستمطروا رحمته على أرض الحضارات ، فتنتهي دورة العنف لصالح السلم ، والصراع لصالح البناء ، هل كانت تلك الجنات تنتظر عودة الاب يوحنان اليها ، ليشق بصوته فضاء السكون ، فيحرك المسبحين بإسمه ، لينصتوا الى عذابات الانسان ، بالتأكيد سيجلب الانتباه ، ذلك الخطاب الذي حمله معه ، في رحلته الابدية ، فيعود السلام والازدهار، الى بلاده بين النهرين الخالدين.
     ▼ عاد الطير المحلق عاليا الى وَكره الارض ، ومن جسده الممتزج مع ترابها ، سيُجبل مبدعون آخرون ، يرشفون مياهها ويتنسمّون هواءها ، لينطلقوا من جديد ، مادة وروحا ً ، عطاء وارتقاء ً ، فعمر الخليقة سلسلة من حلقات الابداع ، تكبر وتعظم باستمرار، وحتى يرث خالقها ما عليها .
     ▼ قد نكون قصرنا مع الراحل ، ليسامحنا فالظرف قاهر، والاحداث خطيرة ، فـَلم تدعنا نلتفت اليه ، ولكننا سمعنا صرخاته ، وما خالج قلبه ، كنا نامل ان نشيع في قلبه المتعب بالشيخوخة اذا صح تسميتها ، بالغبطة التي كان مسكونا ً بها في صباه وشبابه ، ليعذرنا الاب يوحنان وعزائنا انه باق ٍ خالد ، وتراثه حي يبعث من جديد ، في كل دورة من دورات الفلك ، وعلى ايدي النجباء من تلامذته .
    ▼ يألمني انني لم التق ِ به منذ مغادرتي الوطن قبل ربع قرن ، لكنني بعد سماعي شريطه الصوتي بعنوان ( الغربة ) والذي اعتبره قمة عطائه ، ارسلت له الرسالة التالية :
خيپوثيله مبرپشاله شمشه قويثـــــــــــــــــه
خايد ناشه گدامي لمايه ديلي بنهــــــــــــــرا
كد كمهرشي كصابي وكصاخه بگاوي صيرا
زونه جغيشا علمه تعيشه بلبح بيشــــــــــا
..........................
باثي زونه بنايخ علما بكيوه قريشــــــــــــــا
وناشه طاوه بعالي ريشح وبناپل بيشـــــــــا

 الى ابونا الموقر يوحنان جولاغ المحترم
تحية صادقة

     ان قلمي ليعجز عن التعبير عن نبضات الحب والاعجاب بذلك الذهن المتنور المتفتق الذي أجهر بالأبيات أعلاه ، وبذلك الصوت الدافئ القوي النبرات ، والمشحون بالعواطف ، والمنساب من فم كأنه الشهد ، اي زهو يمتلكني وانا اصيخ السمع الى كلماتك ايها الاب العزيز بعد ان فارقتنا قسوة الاقدار لعقود من السنين ، لكن صوتك عبر الشريط المسجل اعاد تواصلنا وارجعني سنين الى باحة الكنيسة وانا اسمع صوتك ، او في لقاءاتي معك طالبا في الندوات الدينية في اواسط الستينات ، او في لقاء طويل معك واذا تذكر لساعات في بيتكم صيف عام 1972.
     ان صوتك الذي وصل عبر البحار والمحيطات اسكرني بحب الوطن والتربة الغالية والقوش الحبيبة ، وجعلني اعيد سماعه مرات ومرات دون تعب او ارتواء . في شريط الفيديو الذي صوره نجيب عيسى كولا ، سمعتك ، ورايتك بوسامتك ، ولحيتك البيضاء المهيبة . شكرا من الاعماق ، لن انسى كلماتك تلك ، وكأنها موجهة لي ولكل فرد مغترب وساحتفظ بالشريط كأغلى هدية ، وسيرافقني اينما حللت ، وحتى التقي بك واجلس معك واتطلع لسماع ومعرفة المزيد عنك ، وبتقديري تمتلك الكثير ، يقينا ان ثروة الادب التي ليس في الفانية أثرى منها ، تخلد الانسان وتجعل مكانته متميزة في عجلة الزمن .
 تحية لك ولوالدتك ، وإخوتك .
ودمتم لنا ولمدينتكم الأبية القوش .... والسلام .
 تلميذك نبيل دمان
 2- 11- 1994.

 وارسل الجواب التالي :
     عزيزي نبيل

     ببالغ السرور والاعجاب قرات رسالتك الاخوية المشحونة بمشاعر النبل والتعلق الصميم بالوطن والاصدقاء والمعارف الذي حالت ظروف الزمان بينكم وبينهم ، عسى ان يجتمع الشمل يوما ما بعناية الرب القدير ، لان الشجرة ما دامت خضراء فجذورها عميقة في التربة الاصلية مهما قطعت منها اقلام وشتلت في تربة اخرى :
أرا كلـّه خا بيثيلا دبرناشوثـــــا
بسيمتيلا إن لا ثوابا نوخرايوثا

      هذا هو واقع الحياة للكثير من ابناء آدم في هذا الزمان ، واينما يحل البشر فهم في ارضهم ، في بيتهم ، مع فارق الغربة الثقيلة والمؤلمة ، ثم يدور الزمان ويدور كما تدور الارض حول الشمس ، وقد يلتئم الشمل بعد الفراق والبعاد ، او يكفي ان تكون القلوب والافكار ملتحمة متحدة ، فهي تقرّب الابعاد وتقلـّص المسافات والله كريم .
      اشكرك قلبيا على مشاعرك الصادقة وتعابيرك الاخوية مع ما فيها من مديح لست اهلا له ، لانني حين اتكلم او اكتب شيئا ما ، فانما اعبر عما يجيش في قلبي من حب وتعلق بحياة الناس جميعا ً ، وخاصة بحياة معارفي واهلي واصدقائي ، لكن امنيات الانسان لا تتحقق جميعها ، لاننا بشر لنا حدود في الزمان والمكان ، لكن القيم التي يحملها الانسان لا حدود لها ، فهو يتالم حين لا تتحقق امنياته الانسانية بالعيش الكريم والكرامة لجميع الناس بدون فرق بين هذا او ذاك ، حياتنا في الارض طريق الجلجثة على خطى السيد المسيح المنتصر على كل ما في حياة الانسان من سلبيات وشرور. حفظكم الرب بعنايته القديرة ودمتم سالمين .
 اخوكم القس يوحنان
 الموصل - كنيسة مار اشعيا - 21/ 11/ 1994
     ▼ انجز العديد من الاعمال الكتابية ، الترجمة ، والاشرطة الصوتية ( الكاسيت ) التي يمكن ذكر بعضها مثل : قصة يوسف الصديق ، وجنفياف ، يزداندوخت ، وقافلة الموت ( كروان دموثا ) ، والاخير كان شبه فلسفي ، يدور حول تبادل الاتهامات بين الافراد والموت بشكل جدلي متقن ، في ذلك الاسهاب ألهب يوحنان جولاغ مشاعر المستمعين، وهو يتحدث عن قصة كارثية ، في غرق خمسة من شباب وشابات البلدة ، في بحيرة الثرثار عام 1980.
     ▼ صبرا وسلوانا ً لأهل بيته ، لكل من عرفه ، او سمع به ، وهو المكلل بهامة الرفعة والمتجذر بقوة الايمان ، دعوه ينظر من عليائه اليكم ، في حركتكم المستمرة الى الامام ، مضيفين للأدب والثقافة والفنون ، مفاخر الدنيا ومباهج الحياة .
      ▼ يا نينوى ويا كنيسة مار اشعيا ، يا القوش ويا كنيسة مارﮔورﮔيس ، أبْكوا جميعا ً الأب الشاعر ، وأذرفوا له الدموع .
قرْي يا ماثي پقـْيناثه          وْطلوبْ تـَه رابي رَحْماثـَه
تـَدْ شـَمي كُل نـَثياثـَه          مَحرا وزومارَه خاثــــــَــه
شِتقـَه مْخيلِه لْبرياثه          وصْميري وَردي وْحيواثه
وْكُل طـْير ِه دِشْمَيّاثه          پْخيلي مِخْ ناشِد ما ثــــــَه
مْسُكيرْ رابي مْأيناثـَه          ولـَخـّـازيلي نـَشْواثــــــــَـه
طاواثِح ْ گو مَسّاثـَــه          وشِمِّحْ كْمَبهـِر كْثوياثـــــَه
شِشْو زاگِه بأيداثــــَه          ومْخو صَنـّوجِه بأيتاثــــَه
ياعْلمايِـِه وبْـني ماثه          مْپـَشْطول ِ بـِصـْلاواثــــَــه
گو بيبونِه د حقلاثــَه          گو قالِه د كـَلـْكـَلياثــــــــَـه
علوييله بكُل يوماثــَه         مْدار ِ لـْدار ِ وگهاثــــــــَــه
يا بـَئايِـِدْ حَقــّوثَــــــَه         كـْليل ِ دَرقــُل أودوثــــــَـــه
لَـَياذيوَه ﭽـْو زْدوثــَه         طالِحْ كْشَكلـَه مَلكْوثـــــَـــه

▼ ملاحظة : آخر البيتين في القصيدة من نظم الشاعر الصديق سعيد يوسف سيبو .

nabeeldamman@hotmail.com
USA
July 14, 2006[/b][/size][/font]

298
كلمة وفاء الى مجلة القيثارة في ديترويت
[/size]


نبيل يونس دمان

       هلـّت علينا السنة السادسة من القرن الجديد المفعم بالآمال ، وفيها تكمل مجلة ( القيثارة ) العقدين من عمرها في خدمة الكلمة الصادقة ، وقرائها في ولاية مشيكان بشكل اساسي ، وهي تتوهج بقوة في كل عدد جديد ، بمواضيعها الغنية ، وبالبصمات التي ما برحت ترعاها ، انها انامل مؤسسها التي يمررها بغنج على اوتارها ، فتشدو مترنمة ، لتعيد بعضا ً من مجدها الآفل في ( سومر ) من بيث نهرين .
    في هذه المناسبة اشد على يد مؤسسها مهنئا ، وعلى كل يد تساهم في اغناء موادها ، واود ايضا ان اتوجه الى قرائها الأحبة ، حيث نادرا ما خلت الاعداد من مواضيعي على مدى 15 عاما ً ، ومنذ وطأت اقدامي ارض العم ( سام ) ، وكان الهدف مخاطبة الجمهور ، التواصل مع الوطن ، وخدمة التراث .
    معذرة لاسرة تحريرها وللقراء ، عن انقطاعي دون سابق انذار ، لكني لم اصفق الباب ورائي ، وعز علي الوداع ففيه اللوعة ، وفقدان الشيء الثمين ..... تطول الكلمات لو اعطيت لها العنان ، لكل ما هو طيب وجميل وممتع في المجلة العزيزة .
    تقبلوا تحياتي وامنياتي ، وانتم تتمتعون بأسعد الاوقات ، ولاذاعة القيثارة التي يعبق الاثير بموسيقاها التي تنساب عذبة في كل اسبوع ، ولحفلاتها التي تطرب جاليتنا بين الحين والحين.
   استاذنا سلام رومايا ، كل عام وانتم بخير ، لمجلتكم الاستمرار ، وبالعطاء الوافر .[/b]

299


دَشتـَه دْ نِنـْو ِه


دَشْتـَه دنِنوه بُرْكاثــــــــَــه                             مِن زونـَه دْ بَبواثـــــَـه
گزاري وْغـّاز ِدْ حَراثـــَـــه                             دَبرَه دْ شاتـَه ويُماثــَـه
××××××××××
بگو يَرخِه دْ قـَريروثــــــَـه                             مْكـُلْكـَلتيلـَه پْخيپوثـــَـه
كْسَپْرَه ليَرخِه دْ شِخنوثــَـه                             دْلوشَه لْوِشْتَه دْخَموثه
××××××××××
مْنـُقـَشْتيلـَه خْداماثــــــــَــه                             دِخَّضريلـَه أ ُرْخاثـــــَـه
مِلْلالِه وْطـَپَياثـــــــــــــَــــه                             وْرؤولِه وْرَؤُلياثــــــــَه
××××××××××
كـُد كْيثِه بي نيسانــــــِـــــه                             كْشَكْنـَه أرَه مْقـَرْمانــِـه
مِن بْيبونـِه وپَجّانـــِـــــــــه                             بْگـَوَي طِمي ورْيخانـِه
××××××××××
وپَلگح لـَندِه دْخـِلانـــــــِــه                             مْليثه مْطيري وحيوانِه
پْثلياثـَح ما مَزدانـــــــــِـــه                             وْلَكْسَپقي مَّشِلـْخانـــِــه
××××××××××
مَرگِدْ نِنوه تلكيپــــــــــــِــه                             أيالـَحْ قِرْيـِه وإليپــــــِـه
وپحَخِّمْثـَه ما خَريپِــــــِـــه                             ومِنـَّي ناشِه نـْخيپـــــِـه
××××××××××
كـَر ِمْلـَش خاصِد نِنـــــــوه                             بْعـَقارَحْ كْرائــي أرْو ِه
كـَرمانـَح مِليـِه مْأ ِنـْـــــوِه                             بَشْيلِه وخْيار ِه خْبـِرْوِه
××××××××××
بْدَشْتـَه دنِنوه تِسقوپـــَــــه                           بَهُرْتـَه وإتـَّه شوپــــــَـه
ونوهار ِد كُلْ يَلوپــــــــَــه                             ماثِد أوگِن بـِقوپـــــــــَـه
××××××××××
بَّغـْديدِه كيَرمي پْوخـِـــــــه                             خِطـّي كوذيلي قوخــِـــه
كْنـَچلِِ خُرْطمانِه وطلوخـِه                             وپسِتوَه كّالي مَنوخــِــه   
××××××××××
وبَطنايـِه بْأي حِليوثـَـــــــه                             لـَكْمَطْيالـَه سْيبوثــَــــــه 
پْچـِرَّح كْصَخْيه شِپروثــَــه                            پترزِه تْخِگي وپصخوثه
××××××××××
وألقـُشْ رِشْ دَشتحْ طورَه                             لِبّحْ خـَميمَه خنـــــــورَه 
لِخْمَحْ يْپيَه پتـَنـــــــــــورَه                             وْمايَحْ صِپيـِه خْنِقــّـورَه
××××××××××
خَمثيلَه كأورَه وكْشــــورَه                             وخاثيلـَه دْرابـَه وزْورَه
تـَخورَه كْسَمْقـَه وخـّــورَه                             وتـَدِجْمِنْ كّيمَه خْقــْورَه
××××××××××
دَشْتـَه دنِنوه پْتشعيثـــَـــــه                             مْقـُدشتيلَه أثْ بْريثـَـــه
ناشَحْ وِلـّي تـْياووثـــَــــــه                             وصِملي صومَه دْبَئوثه
××××××××××
دَشْتـَه بحالِه دِمْياثــــــــَــه                             بـِسْپارَه ليومَه خاثـَـــه
تـَتـْقـَطي كُلْ شِشْلاثــــــَــه                             ديلـْي خْذيئِه لأقلاثــَــه
××××××××××
دَشْتـَه دنِنوه بـِنثـــــــــارَه                             ديلـَه شْوقتـَه دْلـَمـْـارَه
كْليثـَه لـْزونـَه دأمْـــــــارَه                             پخيلِدْ أثرَه گبـّــــــــارَه
××××××××××
دَشْتـَه دنِنوه بـِدْ پَصخــــَه                             أيمَنْ كْومَه بـِدْ شـَلـْخَه
دَشْتـَه دنِنوه بـِدْ پَصخــــَه                             أيمَنْ مْوَردِه بـِدْ پَقـْخـَه
××××××××××
دَشْتـَه دنِنوه بـِدْ پَصخــــَه                             أيمَنْ أ ُرخَح بـِدْ پَثخـَه
دَشْتـَه دنِنوه بـِدْ پَصخــــَه                             أيمَنْ زّرْقـَه مَدِنـْخـَـــه
[/b][/size][/font]




××××××××××
نبيل يونس دمان
7- 31- 1996
nabeeldamman@hotmail.com

ملاحظة: ألقيت القصيدة بمناسبة يوم الشهيد الآشوري بتاريخ 7- آب – 1996 ، وعلى قاعة نادي قصر الشرق في ولاية مشيگان الأميركية .

300
خـُلمَـــه بْگوَرْتـَـه
نبيل يونس دمان

خَليلِه خُلمَه خْزيلـــــــي                               رِشْ مَرْ سادونَه كْليلـــــي
وﮔوماثِه خَمثه خيــــري                               تدَشته وطورَه زْميـــــري
××××××××××
مشويثِد ﮔناوه نخِثلــــي                               أرخي تـَشوقـَه ﭙرشلــــــي
بخورَه دتفقلي نـْشِقلـــي                              من دمِه دأيني خنِقلــــــــي
××××××××××
بْألولِ دماثي خـْضيـــري                              ﮔو بيثِد بابي أويــــــــــري
مْبُشيري ناشي وخوري                              وول ديري دغِدْ ميـــــــري
××××××××××
كـَبوثِه دلِخمَه خذيلـــــي                              ومن مايـِد أنتـَه شتيلــــــي
تـَخراثِد يمّي طـْميلـــــي                              ومْبشيله دوَرزَه سْويلـــــي
××××××××××
لگارد مْيلاثه نذيلــــــي                              خشيوه ودله خشاوه قريلي
عليكو بأيني خزيلــــــي                              وتفنگد دأوَه شميلــــــــــي
××××××××××
من خُلمِه آنه رشلــــــي                               ولث دأوه رَپثـَه رخشلي
من كيف رْويزَه پشلــي                               وگو خِگه گياني شِشلــــي
××××××××××
يا خِثنه بريخه ومبرخَه                               وقامُخ بصخوثه پثخــَـــــه
مزروته دخايُخ پقخـــَـه                               ومْكلِكلَه وَردِه وسَرخـَــــه   
××××××××××
يا كالو يا جنديثـــــــَــه                               وچلبي وما حليثــَــــــــــــه
مدَبَرته وهونَه مليثــَــه                               وليذح بدبانِه بيثــَـــــــــــه
××××××××××
أيذه بْگو أيذه طرپــَــــه                              وخنجرتِه دْأوَه خَرپـَــــــــه
خطـّيثه قـَطرَه وشلپــَــه                              ومنوخُ بارْي ألپـــــَـــــــــه
××××××××××
نبيل يونس دمان
2- 4- 1994
nabeeldamman@hotmail.com

301
السُـبحـــة الحمراء
نبيل يونس دمان

   في صيف عام 1969 ،عثرت على سبحة جميلة في دُرج والدي ببيتنا في القوش ، فاخذتها في يدي لأتباهى بها امام الاصدقاء ، وفيما انا أمرر خرزها بين أصابعي بنشوة في وسط السوق ، لمحني عامل المقهى من على شرفتها ، دلف بسرعة الى الداخل ، وبعد لحظات خرج أحد افراد الإنضباط العسكري ، وصرخ بي ان لا أبرح مكاني ، وغاب عن ناظري ليهبط  سلالم المقهى الى السوق .
   لأول وهلة قررت الإختفاء ، فدخلت مقهى كان يملكه في السابق متيكا عوصجي  راكضا بإتجاه الباب الاخر ، هنا خطرت ببالي فكرة مفادها :  لماذا الهرب ؟ وانا لم أرتكب جرما ً ، كانت الاوضاع في البلدة متوترة والإنضباط يسرح كل يوم في الأزقة ليضطهد الناس ويلاحقها لأتفه الأسباب .
اذن قررت الرجوع لأستقر في مكاني الأول ، وبيدي تلك السبحة التي ستجلب لي المشاكل . وصل العسكري أمامي وخلفه مجموعة أخرى يقودها رئيس العرفاء ، وجميعهم  يعتمرون القبعات الحمراء المخيفة ، وبأيديهم العصي الخيزرانية .
فقال أحدهم ( أرجع سبحتي ) فقلت له ( لن اعط سبحتي ) فأصر قائلا ً (انها لي ويجب تسليمها في الحال ) . قدرت ان العملية فيها إجحاف ، وأخذ شيء بالقوة ، فتصاعدت في داخلي جرأة ، منعنتني من تنفيذ الامر ، فقلت لهم ( لا يحق لكم اخذ شيء أملكه ) هنا بلغ التوتر أوجه ، وهجم يريد إنتزاعها ، فأوقفه رئيسه قائلا ً ( دعنا نأخذه الى مركز الشرطة ، وهناك نلقنه درسا ً لن ينساه ابداً ) ودفعني بقوة وتوالت الدفعات في عرض السوق وامام قومي واصدقائي ، وانا متمسك بالسبحة لا أود إعطائها لأولئك الأوباش الذين يذيقون الناس المـُر كل يوم - في تلك الايام تحرشوا بإحدى النساء ، مما حدا بتلك الأسرة ان تهجر الوطن بعد مدة الى أميركا .
     إقتادوني بإتجاه مركز الشرطة وقبل نهاية السوق ، وامام دكان الخياط  ابو سلام ، حيث شاهد المنظر وانا أساق أمام مجموعة من الإنضباط العسكري ، خرج من دكانه ووقف حائلا ً بيني وبينهم ، وأخذ يكلمهم بإسلوبه الهادئ والمتزن ، ويظهر انه على علاقة بهم من خلال الدكان ، قائلا ً لهم ( ان كنت أحظى  بإحترامكم ، أطلقوا سراحه ، انه جاري وبمثابة إبن أخي ) فأجاب مسؤولهم ( إن أحد أفرادي ، فقد سِبحته قبل أيام ، وها نحن نراها في يد هذا العنيد ، الذي لا يريد إعادتها كما ترى ) .
أثناء حديثهما بدأت أفكر وأحلل الموضوع وطرحت على نفسي الإستفسار التالي : لقد عثرت على السبحة في البيت وهي تعود لوالدي ... هنا يكمن السر . كيف أسلم حاجة تعود له ، وخاصة امام جمع من الناس تجمهر حولنا .
قال الخياط لهم ( أعطوني الفرصة لأكلمه ) وأقبل نحوي قائلا ( ماذا تفعل يا فلان ، وما هذه الرعونة ، أنا اعطيك سبحة اخرى افضل منها ) ثم امرني مثل والدي ان اسلمها له ، فقلت امام الجميع انني لا أود تسليمها الى هؤلاء ، بل الى جاري الخياط ، وناولتها ، وبدوره سلمها الى العسكري وهو فرح غير مصدق انها في يده ثانية ، وتفرق الجميع ، وانا سحبت نفسي الى البيت مكسور الكبرياء .
     وصلت البيت والوالد مشغول ببعض الترميمات على سطح الدار ، فبادرته بالسؤال ( ابي ! من اين تلك السبحة الحمراء ؟ ) فاجاب متهكـّما وكأنه تنبأ لما حدث ( هل وجدت صاحبها ؟ ) فقلت ( اذن ليست لك يا والدي ) فقال ( على اية حال اتصور انك فقدتها ) فقلت ( نعم اخذها مني العسكر في السوق ) ، بعد ان نظر بإتجاهي شزرا ً، قال انه عثر عليها مصادفة في السوق قبل عدة ايام .
عندها فقط ادركت لماذا أصر العسكري المطالبة بها ، فقد كانت تعود له بالحق والحقيقة .[/b][/size][/font]

302
نموذجان لبطاقتي دعوة الزواج بينهما قرن من الزمان
 اعداد وتعليق : نبيل يونس دمان

البطاقة الاولى - 1906

حضرة بهي المزايا الماجد المحترم
دام بقــاه
     بعد تمني لكم مزيد من البهجة والسرور الملتمس ان تشرفوا حفلة اكليل كريمتنا " فريدة " الساعة الثانية من مساء الاحد الآتي الواقع في 22 نيسان سنة 1906 على الخواجة  " داود يوسف حكيم " ولا تحرمونا لذة اغتنام فرصة موانستكم
ادامكم الله
بغداد في 16 نيسان سنة 1906
محبكم الشماس يوسف شعيا

*****
البطاقة الثانية - 2006

"ما جمعه الله لا يفرقه انسان"
يتشرف كل من السيد داؤد اسحاق بانو وعقيلته الماس والسيد كامل متي وزي وعقيلته شكرية بدعوتكم لحضور حفلة زواج
ابنهم          و        ابنتهم
  عامر          و         دينا   
وذلك في الساعة السدسة والنصف من مساء يوم السبت 25 / 3 / 2006 في كاتدرائية مار بطرس الكلدانية الكاثوليكية في الكهون ومنها الى حفل الاستقبال الذي يقام في الساعة الثامنة في قاعة مار بطرس وبحضوركم يتم الفرح والسرور

*****
ملاحظة 1 ) : الشماس يوسف شعيا هو والد العروس فريدة والتي هي ام السيدة ماري داود يوسف حكيم ( 1916- ) زوجة الاديب الراحل جورج جبوري خوشو ( 1920- 2002 ) .

ملاحظة 2 ) : نقلت البطاقة من  نموذج جميل ، مطبوع ، ومزخرف ، كان معلقا ً في صالة استقبال الاستاذ جورج عام 1996 في مدينة بيركلي بولاية مشيكان ، بعد اخذ موافقته .

ملاحظة 3 ) : النموذج الثاني لأولاد الصديقين العزيزين داؤد الصفار وكامل وزي، وقد وصلتني دعوتهم مؤخرا، فأخترتهم  لأحدث عروسين بفارق 100 عام عن الزواج الاول في بغداد  1906، والزواج الثاني في كالفورنيا  2006. بهذه المناسبة اهنأ العروسين الوسيمين عامر- دينا، وليكتمل فرحهما ويتكلل بفيض الحب والوان السعادة، وهم يرفلون بحياتهم الجديدة، ويلجون القرن الحادي والعشرين، بعزيمة قوية وآمال جسام. 

nabeeldamman@hotmail.com
March 17, 2006
USA[/b][/size][/font][/color]

303
قلبي على وطني ، واسفي على تفجير المرقدين
نبيل يونس دمان

     هزني من الاعماق ، لا بل صعقني نبأ تفجير مرقدي الامامين علي الهادي والحسن العسكري ( ع ) في سامراء ، والذي كان لي الشرف في زيارتهما ربيع عام 1975 ، انا القادم انذاك من سهل نينوى ، اتاسف وانا الان اتذكر ذلك الصرح الديني ، الذي اعتبره ملكا للشعب العراقي بكل اديانه ، وزاد اعجابي ابهة المكان وذلك الوقار، والسكون الذي ساد باحته ، الا من هديل الحمام ، وعلى قبته كانت الشمس تنشر اشعتها ، فيزداد البريق ويتناثر كانه التبر، تعكسه الثنايا وكأنها المرايا ، والداخل يتوهج بالالوان والاضواء ولمعان العملات النقدية المختلفة ، فقد كان قبلة للزوار من انحاء المعمورة .
      ان حزني وغضبي شديدين ، لما حصل يوم الاربعاء الاسود ، ولما وصل اليه الوضع في العراق ، بالامس كان تفجير الكنائس في الموصل وكركوك وبغداد ، وايضا تفجيرات لبيوت الله من مساجد وحسينيات في اماكن متفرقة من البلاد ، تلك الاعمال هزت مشاعر الملايين ، وبالامس ايضا جرحت مشاعري تلك الرسوم الكاريكاتيرية ، المسيئة لنبي الاسلام والتي ظهرت في دول عدة ، وكانت الغاية منها بتقديري الاستفزاز ، وجر العالم الى فتن تندلع هنا وهناك ، حيث تكبر مع الزمن الى حروب دامية ، البشرية في غنى عنها ، وماثلة امام الجميع اهوال الحرب العالمية الثانية .
     بعض الاعمال تاتي مخططا لها وتهدف خلق فوضى عارمة من اجل ان يصل مدبريها الى اهدافهم ، لكن هيهات ان يصلوا الى شيء فوق ارض الخراب التي تخلفها ، حيث يبقى فقط البوم لينعق فوق اطلالها . في التاريخ اشعل نيرون روما ، وفي المانيا أحرق الرايخستاج ، وفي افغانستان وجهت الحركة المقبورة طالبان فوهات مدافعها الى تماثيل بوذا في باميان ، ونستطيع ايراد امثلة اخرى ، وجميعها تستهدف ما هو اكبر من جرح مشاعرالناس ، الى ايجاد ارضية للحروب ، التي ما برحت البشرية تعاني منها .
ان الحرب الجديدة التي تلوح في الافق لو اندلعت على ارضية تصادم الحضارات ، لن تبقي ولن تذر ، اخذين بالحسبان الترسانات النووية الموجودة على سطح كوكبنا الارضي والقادرة عاى تهديمه كقطعة واحدة ، كما شاهدنا في الصور والتلفاز ، تهدم اضرحة الائمة في مدينة سامراء التاريخية ، او المركز التجاري العالمي في نيويورك .
      اكرر ما قلته قبل ايام بان يزرع الجميع محبة الله في نفوسهم ، ويدفعني الوضع لاقول ، ان هناك فئات تضررت مصالحها حتى النخاع في اعقاب التغيير في نيسان 2003 ، ولذلك لا تتورع عن القيام بأخس الافعال ، التي تتقاطع مع الضمير البشري والفعل السوي ، بقلب جلمود ودم بارد .
والغاية واضحة في جعل الانفلات الامني مستمرا ، حتى يمحق العراق من الخارطة ، ويخرب ما بناه بعرقهم ودمهم الاباء والاجداد ، وتتخيل او هكذا يصور لها عقلها المريض ، بانها ستعود للحكم ، هراء واباطيل تلك الاماني السقيمة ، الناس لا تريدهم ان يعودوا ، وان دكتاتور العصر القابع في زنزانته سيخيب ظنه هذه المرة ايضا حكمة العراقيين وسداد فكرهم ، وقوتهم في السمو على جراحاتهم ، وتفويت الفرصة في تجنب الاحتراب ولا سامح الله الانزلاق الى الحرب الاهلية.
اقول ايضا بان تلك الزنزانة لا تلائم دكتاتورنا ، بل كما اجمع العراقيون ، بان مكانه الانسب ، في قفص زجاجي لا يخترقه الرصاص ، حيث يمر امامه كل صباح تشرق فيه الشمس ، براعم العراق الجديد بالوانهم وازيائهم ، ليلقوا عليه النظرة الاخيرة بكركراتهم المتواصلة .
      من اجل تجميع شتات افكاري في نقاط ، اجدها كالاتي :
1- بضبط النفس وحقن الدماء سيهزم الارهابيون .
2- الاسراع بتشكيل الحكومة الوطنية التي تضم كل فئات الشعب التي حاربت النظام السابق ، آخذين بنظر الاعتبار الاستحقاق االانتخابي .
3- محاربة الطائفية في الدوائر والمؤسسات والمحافل ، وفي تبوأ المناصب ، ووضع نصوص واضحة وثابتة في الدستور ، والتوقف نهائيا عن طرح الطائفية كلغة للتخاطب السياسي والاعلامي .
4- اجتثاث الفكر الشمولي بشقيه : القومي المتعصب والديني المتطرف ، وبخاصة فكر البعث الانقلابي الذي لا يحيد عن شعار ( الغاية تبرر الوسيلة ) .
5- الكف عن استخدام مفردتي الشيعة والسنة ، بل العودة الى كلمة الاسلام الجامعة ، كما عرفناه في السابق ، ان تكريس الطائفية ، يقودنا لا محالة الى معسكرين متقابلين ، وباستمرار ينتظران الذريعة او الشرارة ، ليندلع الصراع  بينهما وعلى مدى الاجيال .
6- صحيح ان الطائفة الشيعية اضطهدت في السابق على يد الانظمة المتعاقبة ، وكان هناك تمييز ضدها ، لكن يجب الايمان بان كل الطوائف الاخرى تضررت بشكل او باخر ، فلنطوي تلك الصفحة ، وكفى الحديث المنفرد لهذه الطائفة او تلك ، بل التحدث بضحايا الانظمة من كل العراقيين .
7- حث الدول العربية والعالم اجمع ، على التضامن مع الشعب العراقي في محنته ، ومساعدته الخروج منها ، الى بر الامان والسلام ، وسينعكس ذلك على استتباب السلم العالمي ، وتظافر الجهود في القضاء على الارهاب مهما كان مصدره .
     اود الاستشهاد بما قاله بطريركنا الجليل مار عمانوئيل الثالث دلـّي في استنكار الاعتداء المشين  " علينا أن نحافظ أيضاً على بيوت الله المقدسة من حسينيات وجوامع وكنائس ومعابد ، وأن نزرع المحبة والأخوة بين أبناء العراق جميعاً حسبما تطلبه المراجع الدينية  " .
     ختاما اناشد ضحايا الدكتاتورية السابقة ، باسم الانسانية المنتهكة ، وباسم الطفولة المعذبة بالقول : تكاتفوا وتوحدوا ، اتركوا المغريات المادية والقفز على المناصب ، اعلموا ان الارهابيين لا يرحمون احدا ً البتة ، وانهم يتلذذون بمنظر الدم المراق ، وبلحم الاشلاء الممزق ، ارجوكم امنعوهم من ارتكاب المزيد .

nabeeldamman@hotmail.com
February 24 /  2006
USA[/b][/size][/font]

304
تأملات على ابواب القرن الحادي والعشرين
بقلم نبيل يونس دمان

     ان العد التنازلي للايام بدأ يتسارع، وان الفترة التي باتت تفصلنا بين قرنين ، اصبحت قاب قوسين او ادنى ، حيث ستدشن البشرية ألفيتها الثالثة ، انها بحق مناسبة ، بل الحدث الابرز والاعظم منذ شروع الانسان ، ذلك الكائن الاكثر رقيا من كل المخلوقات قاطبة بتدوين تاريخه وبرمجة حياته على كل الاصعدة .
     ان ما جناه الانسان في ختام القرن العشرين ، ذلك القرن العاصف بالتطورات والاحداث الجسام ، كان حصيلة جهد وتفكير امتد آلاف السنين ، الى ما قبل الميلاد ، وصولا ً الى الحضارات الانسانية العظمى ، فما نشهده اليوم هو نتاج كدح وتضحيات جسام لآبائنا واجدادنا في ارجاء العالم اجمع ، وصراعهم الطويل العنيد ، والمفعم حبا للحياة ، وذلك لتطويع الطبيعة وتليين سننها ، من اجل سعادتهم ، وسعادة الاجيال التي تخلفهم .
     رغم كل ما حدث من تطور مصحوب بالرفاه ، وقدر من الحرية والعدالة الاجتماعية ، فقد انتاب ذلك التاريخ المديد ، عراقيل وصعاب ومآسي كالحروب مثلا ً ، فليس أمـَر من الحروب التي تتعطل فيها عملية التطور ويصحبها الجوع والمعاناة والتغيير الديموغرافي والهجرات ، وإلحاق الاذى حتى بالطبيعة تلك الأم الرؤوم واهبة الحياة .
     كل منا ينظر الى القرن القادم بطريقته الخاصة ومن الارضية التي يقف فوقها ، وكذلك المرحلة التي قطعها من عمره ، فالشاب اليافع ينظر بتطلع الى المستقبل الذي يوغل فيه عميقا ً في القرن الحادي والعشرين ، والذي سيسهم فيه لعقود عديدة اخرى يشهد من خلالها تطورات وربما مفاجآت مذهلة لا تكون في الحسبان . ومن هو في منتصف عمره ، فانه يطل مشدودا الى القرن الآيل للانتهاء . اما الذي وصل الى خريف عمره ، فليس له ذلك الامل والتطلع العميقين في سبر اغوار القادم الجديد ، وفي كل الاحوال اعمار البشر محدودة ونهايتها حتمية ، والمتفائل منهم يعلن ساعة احتضاره ، انه غير آسف لما مضى منه بسلبه وايجابه ، مرورا بما قاله احد الادباء : ان اجمل الاطفال لم يولدوا بعد ، واجمل القصائد لم تكتب بعد ، واحلى الزهور لم تنبت بعد .
     لنطرح بعض التساؤلات لما خبأه السياسيون ، صناع القرار في دول العالم ، والعلماء والادباء والفنانون للقرن القادم ، ومن الجهة الاخرى اصحاب الضمائر الميتة ، صناع الالام والشقاء ، وتجار الحروب . كل ذلك يدخل في معادلة الصراع التاريخي القائم بين قوى الخير والشر ، والتي نرى بان القرن القادم سيكون ساحتها ايضا ً ، وفي النهاية يكون البقاء لقوى الخير والجمال والصلاح .
     كان الفرق كبيرا بين القرن العشرين والقرن السابق له ، وسيكون الفرق كبيرا ايضا بينه وبين القرن القادم ، تتبدى لنا المقارنات وفق منظارنا المرتبط باعمارنا القصيرة ، انها مفارقات نسبية والحقيقة ان القرون القريبة من بعضها تتشابه لكنها تتباين مع القرون البعيدة زمنيا ً ، وقد سرت وتسري فيها جميعا ً عمليات التطور بانتظام وتدريج وربما بايقاع ، ومن الممكن تشبيهها بارتقاء سلم حلزوني . فالدوران بطيء ولكنه متصاعد .
     عندما يعيش الانسان عصرين او مرحلتين او قرنين يسمى مخضرما ً ، ترى ماذا يطلق على انسان يعاصر ألفين ؟ . علينا ايجاد تسمية مناسبة له ، مع ايماننا بان الذي سيشهدها لهو ذو حظوة ، وسياخذ مكانه البارز في التاريخ ، من يتميز منهم في ايجاد افضل السبل لخدمة البشرية . ويجب ان لا ننسى دور الفرد الهام في التاريخ، سواء كان سياسيا او مخترعا او فيلسوفا ً ، فكم افاد البشرية في القرن العشرين ، مخترعوا اجهزة الانارة ، والاتصال والانتقال والحاسب ، وكم سيكون له مكانا ً في مطاوي قرننا القادم ، عندما ينجح احدهم في ايجاد علاج لمرضى السرطان مثلا ً ، او يساهم في التقليل من الفروق بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة ، او يساهم في تطوير النظريات الاجتماعية ، او يلعب دورا ً في استتباب السلام والامن الدوليين .
     امام انظارنا مشكلة الانفجار السكاني التي ستتفاقم في القرن القادم وكذلك التمركزات في المدن الصناعية الكبرى ، والتي يصل بعضها الى اكثر من عشرين مليون نسمة ، تلك المسائل تشغل بالنا ، ويندر ان يحصل هذا الكم الهائل من البشر على الماء والهواء النقيين ، وعلى الغذاء اللازم ، او المدرسة المناسبة ، او العناية الصحية اللازمة ، على البشرية ان تفكر في اعادة الاستيطان والتوغل في المساحات الخالية واستثمارها ، ويتوجب ايضا تحديد النسل وتحسينه ، والاخير له اهمية قصوى لمستقبل الانسان ورقيه وانتظام حياته . ان عملية تحسين النسل متشابكة معقدة يصحبها بل ويلزمها وعي عال ، وكل ذلك لن يتم الا اذا انصرفت او تركزت جهود قادة البشر نحو تلك الامور ، بدل خوض الصراعات والحروب واشكال العنف والارهاب .
     املنا ان يكون قرننا القادم خال من تلوث البيئة ومن اسلحة الدمار الشامل والنزاعات باشكالها الداخلية والخارجية ، وان يتوقف إلحاق الاضرار بالبيئة ، ارضا ، هواءا ، ومياها ً .
     املنا ان تعود الموجات البشرية المهجرة والمهاجرة الى اماكنها الاصلية ، قبل ذوبانها في بيئتها الجديدة .
     املنا ان يسقط نظام العقوبات الاقتصادي ، الذي هو شكل بشع من اشكال الحروب ، تمخض عنه بخاصة العقد الاخير من القرن المنصرف .
     املنا ان تستثمر موارد الارض من مخزون وانتاج وعطاء وحتى الافكار للبناء السلمي ، والتقليل من الجهد المبذول جسديا ً، ولزيادة الوفرة المادية والروحية ، والتقليل من معاناة وآلام الامراض ، او ما يسمى بالحوادث المؤسفة ، ولتضييق الهوة بين عالمي الفقر والغنى ، ولايجاد شكل من اشكال الطاقة ، يقلل من تلوث الهواء ، ويوقف الاضرار بطبقات الجو المحيطة بالارض .
     حينما تحين ساعة التحول الكبير ، والبشرية تقف على تلك القمة البالغة العلو ، لتنتقل الى قمةاخرى اعلى منها ، علينا التمعن في تلك الازمنة الفاصلة :
     لينهض الجميع في انحاء العالم ، بألسنتهم وثقافاتهم وازيائهم المتباينة ، من قاطني الجبال والسهول والصحارى ، ومن المدن الكبرى والقرى النائية ، وجوابوا البحار ، والمعلقون في الاعالي ، في مركباتهم ، وطائراتهم ، ومناطيدهم ، ويقفوا تحية للقرن القادم ، ولتدق اجراس كنائسهم ومعابدهم ، ولتكبر مساجدهم ، وليعلو الصفير والطرقات والرنين من كل مكان ، ولتتزين السماء باروع الالعاب النارية وآخر المبتكرات العلمية .
     استقبلوا ألفكم الجديد يا بني البشر ، بالمزامير والتهاليل والفرح الكبير ، واعقدوا آمالكم عليه ، وربـّوا اطفالكم على قيم الحضارة والتمدن والتقدم والسلام ، وعلموهم ان يجلـّوه ، فكل شيء رهن بهم ، وكل عمليات التطور في مختلف مناحي الحياة ستكون على ايديهم .
     بلا شك سيكون عالمهم اجمل من عالمنا !
     بلا شك ستكون حياتهم ابهج من حياتنا !
     بلا شك سيحفظون ذكريات السلف ، ويواصلون كتابة التاريخ بأمانة وشرف !
الى القفزة الكبرى والى الزمن الفاصل ، نسير حثيثا ً ، بلهفة وترقب .
ايضاح : كتب هذا الموضوع في نهاية عام 1999 .

nabeeldamman@hotmail.com[/b][/size][/font]

صفحات: [1]