المحرر موضوع: صناعة تايوان _ منشور في الزمان الدولية  (زيارة 738 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل قرياقوس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 261
  • الجنس: ذكر
    • ياهو مسنجر - you_nabil90@yahoo.com
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مذكرات عراقي


                                 صناعة تايوان

انتقدني اليوم ولداي الشابان الذكيان يوسف ووائل لكتابة مذكرات رحلتي الوحيدة خارج العراق مازحين معي ( تؤيدهما امهما ) بالقول : ( الذي يراك تكتب هذه المذكرات يتصور انك عشت سنين في اليابان ، بينما انت لم تقم فيها سوى ايام لا يتجاوز عددها ايام شهر شباط في سنة كبيسة ! ) ، يأتي انتقادهما لي لاني ازاحمها على طاولات الكتابة في بيتنا الصغير الذي هو أكبر بكثير عن اغلب البيوت اليابانية التي رأيتها ، ازاحمهما في استخدام  مسودات الورق الابيض بينما هما منشغلان في التحضير لامتحانات مدرستيهما الثانويتين ، هما يعلمان ان اباهما يحتاج لكتابة موضوع قصير كهذا لاوراق نظيفة عديدة ولساعات عديدة ينقطع فيها ارساله وتجاوبه مع كل المحيطين به في البيت ، يعيد كتابة الموضوع وتحريره ما ملكت ايمانه حتى لحظات التنضيد على الحاسوب ، وبعد استنساخ المادة على القرص الليزي يتنفس الصعداء ويبتسم معيدا اتصاله بهما منتصرا وكأنه صنع جهازا ياباني الملامح !.
ربما سيزيد انتقاد ولداي مزحا بعد ان يقرءا سطوري هذه ويعلما ان اباهما وقبل عشرين عاما لم يغادر بغداد الا وكتب رسالة توديع رقيقة لكل مدراء اقسام الدائرة التي كان يعمل فيها ، ورسالة توديع خاصة لموظفي القسم الذي كان يديره ، ربما سيستغرب ولداي حينما سيعلمان ولاول مرة باني جلبت هدايا لجميع موظفي قسمي عند عودتي الى بغداد ، هدايا كانت كبيرة بمعناها رغم ان كلفتها المادية كانت باعلى قيمة يتحملها جيبي الذي لم يدخل به يوما اي فلس غير الراتب المتواضع ، قيمة كل هدية لم يتجاوز خمسة دولارات وعدد الموظفين كان ( 24 ) موظفا وموظفة ، بخلت على معدتي اياما عدة كي استطيع توفير ثمن هذه الهدايا ، فرح الجميع بهداياي المتواضعة ( نظارة شمسية ، قداحة ، عطر ، حلي ) ، كان اهم اسباب فرحهم ، علم جميعهم ( دون استثناء ) انهم في حال مادي افضل من مديرهم الذي يغتبطوه لثراء امانته وصدقه وقناعته واخلاصه وشجاعته في عمله ، ومودته معهم ابا واخا ، ذلك الثراء الصعب المنال ، الثراء الذي قد يفتقده اغنى اغنياء البشر ، الثراء الوحيد الذي يتمناه كل بشر قبل لحظة لقاء خالقه ، او هكذا اظن .
لم يبق لي ما يساعدني في شراء هدية لوالدي حينها ، اشتريت لهم ساعتين من اسواق بغداد بعد عودتي مدعيا للمسكينين ان هديتهما من اليابان ، بينما لم اهد اخوتي سوى احلى التحايا .
كتابتي القادمة ستكون الاخيرة عن رحلتي وسأكشف فيها عن مضامين رسالة عراقية وجهتها الى اليابانيين قبل رحيلي عنهم ، كما سأروي قصة متاعب الممنوعات التي ضبطت في حقيبة سفري في مطار اوساكا  .                     
قبل ان انهي كلماتي ، سادتي ، اقر وأعترف باني اكتشفت في بغداد ان كل الهدايا التي جلبتها لزملائي من اليابان كان قد كتب عليها ( صنع في تايوان ) !!


                                                                             نبيل قرياقوس