المحرر موضوع: شخبطة على الحائط 125 عاماً على رحيل بطرس البستاني  (زيارة 3636 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل TOMA SHAMANI

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 200
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
شخبطة على الحائط
125 عاماً على رحيل بطرس البستاني                                                                        رائد موسوعي في عصر النهضة الذي ينكره العرب
يوم كانت الاقطار العربية الاسلامية تعيش عصور السبات العثماني لاربعة قرون الني خيمت عليها، ابتداء من العراق وسوريا ومصر والشمال الافريقي حيث لا مدرسة ولا مستشفى، ولا تقل عن السعودية التي كانت تعيش حياة البعران ويشربون ابوال النوق والابل غذاء ودواء. وعندما كانت سوريا تنام في تعليمها على تكايا الجوامع في  (مدارس الملالي) كانت تقوم في لبنان اكبر حركة (يقظة ثقافية) للعرب النيام بالعثمنة. ومن ابرز اللبنانيين يوم كانت جزء من سوريا التي كانت مصابة بالتخلف العثماني، يوم كان الشاعر يقول (تيقظوا واستفيقوا ايها العرب) كان لينان الجزء السوري يشع نورا وبهاء. ومن ابرز الذين ايقظوا العرب الطليعي الموسوعي (بطرس البستاني)، ولعل احسن من كتبوا عن (بطرس البستاني)،  المؤرخ (حنا الفاخوري) في كتابه (تاريخ الأدب العربي)، حيث اسموه آنذاك (المعلم) للدلالة على سعة ثقافته في عصر معثمن مظلم تسود فيه (ثقافة العمائم واللحى المطلية بالحناء). ولد (بطرس البستاني) في قرية الدُبِية من إقليم الخرّوب بجبل لبنان عام 1819، ثم درس القراءة العربية والسريانية على الخوري ميخائيل البستاني، وأُرسلَ بعد ذلك إلى (مدرسة عين ورقة) حيث درس اللغة العربية بكل مجالاتها والسريانية واللاتينية والإيطالية والإنكليزية والفلسفة واللاهوت الكنسي, في عام 1840 نزل (بطرس البستاني) الى  بيروت، ووافق ذلك قدوم البواخر الحربية للدول الأوروبية المتحالفة مع تركيا، وانتشارها على سواحل لبنان في محاولة لدحرَ جيوش المتمرد إبراهيم باشا وإخراجها من البلاد. فاستخدم الإنكليز المعلم بطرس مترجما. وخلال الفترة اتصل ببعض مرسلي الأمريكيين واتفق وإياهم على أن يعلمهم العربية ويترجم لهم المراسلات. وفي عام 1846 ساعد (بطرس البستاني)، (الدكتـور كرنيليوس فانديك) في إنشاء مدرسة في (عبيه)، وتولّى فيها التعليم عامين ألَّـف خلالهما كتاباً في الحساب أسماه (كشف الحجاب في علم الحساب). ثم كتاب (بلوغ الأرب في نحو العرب) في النحو والبلاغة، حيث كان سليل ثقافة اصدار الكتب بعناوين مسجوعة كـ (الاغاني لابي فرج الاصفهاني) وغيرها والتي زالت في العصور المتأخرة،  وفي عام 1848 تولى وظيفة الترجمة في قنصلية أميركا. وخلال ذلك اتقن اليونانية والعبرية، وقام بأعمال شتى في الجمعيات المختلفة، وساعد (الدكتور عالي سمث) في ترجمة التوراة (العهد القديم) ثم تأليف معجميه المشهورين (محيط المحيط)  ثم (قطر المحيط). وفي عام 1860 اسس صحيفة (نفير سورية) سعى فيها إلى تقريب القلوب بعد المجازر التي جرت في ذلك العام والتي كانت تجري في امصار الدولة العثمانية المريضة وفي تاريخها نرى الكثير من الولاة والباشوات من قواد الجيش يتمردون ينجحون فيها مرة او يخسرون بعد مجازر وتشريد.
في عام 1863 أنشأ (المدرسة الوطنية) على اسس الحريات الدينية ومبدأ الجامعة الوطنية، يريد بها تأليف القلوب ونشر المبادئ الوطنية عن صدق في جانب الدولة وإخلاص في جانب الوطن فقصدها الطلاب من جميع البلدان الشرقية، وكان لها أثر واسع. وفي عام 1870 أنشأ صحيفة (الجنان) ثم جريدة (الجنة). ولعل اهم الاعمال التي قام هي في عام 1875 البداية في وضع (دائرة المعارف) وقد ساعده فيها ابنه سليم. أبدى همة عالية لمعرفته بالجهل الذي كان يطغي على الامة العربية من محيطها الى خليجها فالف موسوعة لم تكن متُوقَّعة ذاك الزمان من فرد لان الموسوعات لا يستطيع القيام بها فرد واحد، فالموسوعة البريطانية كان يدبجها عدد هائل من الاختصاصيين. ترك (بطرس البستاني) آثارا تفوق مستويات زمانه ولعل ابقاها لحد الآن مساهمته في ترجمة التوراة، وربما هي الترجمة التي نقرأها الآن في المحافل الدينية خاصة الكنائس في الشرق الاوسط اما مؤلفات زمانه العارمة فقد كانت في النحو واللغة والأدب والرياضيات والاجتماع. في النحو واللغة والأدب. ترك لعصره (مصباح الطالب في بحث المطالب) وهو شروح علقها على كتاب (بحث المطالب) للمطران جرمانوس فرحات، و دبج (بطرس البستاني) كتاب  (مفتاح المصباح)، و (بلوغ الأرب في نحو العرب) وهو لا يزال مخطوطاً و (محيط المحيط) وهو معجم في مجلدين؛ و (قطر المحيط) وهو مختصر للكتاب السابق و (آداب العرب) وهو خطاب ألقاه في  عام 1859 في الأدب العربي وأسباب انحطاطه ومستقبله؛ و (شرح ديوان المتنبي)  و (دائرة المعارف) وهي (قاموس عام لكل فن ومطلب) كان الأول نوعا في اللغة العربية وكان عملاً جباراً يقوم به فرد من الأفراد. (دائرة المعارف) هذه، أصدر منها (المعلم البستاني) ستة أجزاء وفاجأته المنية وهو يعدّ السابع منها، فأتم ابنه (سليم) عمله من بعده، فأصدر الجزأين السابع والثامن، ثم توفي، فتابع العمل أبناؤه الباقون يساعدهم نسيبهم (سليمان البستاني) وأصدروا الأجزاء التاسع والعاشر والحادي عشر، ثم توقف العمل قبل نهايته. في الرياضيات كتب (بطرس البستاني)، كتابين هما (كشف الحجاب في علم الحساب) و (مسك الدفاتر) وربما كان تعبير (مسك) قد جائنا منه. في الاجتماع خطب (بطرس البستاني)، خطبا كثيرة في الاجتماع من أشهرها (تعليم النساء) و (الهيئة الاجتماعية) و (المقابلة بين العوائد العربية والإفرنجية) غيرها من المواضيع التي لم تكن متداولة في عصر العثمنة المظلم لكنها تشكل  حداثة ذاك الزمان. المعلم  (بطرس البستاني)، كان طليعي زمانه في حقول لم تكن متواجدة منها تأليف المعاجم لإنهاض الجمود في وقت كانت فيه اوربا تمر مراحل طفرات لم تؤمن بها الامبراطورية العثمانية المريضة. وفي سعيه حاول انقاذ المرأة من حلتها المزرية كـ (جارية) في سرايات العثمانيين.
 
المرأة في ذاك الزمان حيث كانت القابعه في الحريم في سوريا الكبرى قال (جرجي نقولا باز) عن المعلم (بطرس البستاني) كان (أول من ناصر المرأة في سورية على منبرٍ، بل أول رسول نسائي سوري دعا إلى تعليمها وتهذيبها.. وكان بودّه إنشاء مدرسة نسائية كالمدرسة الوطنية ما ساعدته عليها الأيام). وقد جمع المعلم (بطرس البستاني) آراءه في شأن المرأة فدعى إلى وجوب تعليم المرأة. فهو يرى أنه من الضروري أن تنال من التثقيف والتهذيب قسطاً وافراً فهي كائن حي ناطق جميلة وذكية) الحقيقة تحجيمها قتلاً لعملها فيما أن العلم (ترياق في فم عليل مدنف أو صَبَ زيت وخمر على جرح بليغ). وكان (بطرس البستاني) يرى أن العلم في المرأة (انه لا يمكن وجود العلم في عامة الرجال دون وجوده في عامة النساء، كما أنه لا يوجد نساء عالمات في عالم من الرجال جاهل).
 
احد الكتاب اللبنايين في (جريدة الحياة) يقول (يجدر التأمل مليّاً في الذكرى الخامسة والعشرين بعد المئة لوفاة رائد نهضوي طرح تصورات حضارية متقدمة في مرحلة مبكرة من تاريخ نهضتنا العربية. ففي عشية الأول من أيار (مايو) 1883 توقف قلب بطرس البستاني عن الخفقان فاستحق أن يرثيه أديب اسحق بقوله: (ان المصيبة فيك مصيبة الوطن يا من أنفقت العمر في خدمته، فأي أثر أدبي لم تكن أنت البادئ به أو الداعي اليه وأي مشروع مفيد لم تكن أنت الشارع فيه أو المعين عليه)، وأن يصفه مارون عبود بـ (الفرد الذي قام بأعمال تعجز عنها الجماعات)، وأن تقول فيه (مجلة المقتطف) العلمية التي اصدرها (يعقوب صروف) في مصر في العصر الظلامي فقالت (إذا أعملنا النظر في الأعمال التي اصطنعها هذا الرجل، لفاقت أعماله أعمال ثلاثة رجال من فضلاء الناس بعيديّ الهمة، ماضيّ العزيمة، غزيري العلم والمعارف). قال عنه المستشرق الروسي"ذ. ل. ليفين" (اعتبره بحق وحقيق "أبا التنوير العربي". فهو الذي أنشأ أول جريدة عربية غير رسمية بين قراء العربية) وهذا ينطبق على العالم العربي شأنه شأن (سليم تقلا) 1849 - 1892 اللبناني مؤسس جريدة (الاهرام المصرية) كما جاء في تراجم مشاهير الشرق لـ (جرجي زيدان). ويعتبر ناصيف نصار هذه الجريدة التي صدرت عام 1860 بعنوان (نفير سورية) أول وثيقة مهمة للفكر القومي في تاريخ الشرق الأدنى الحديث. والبستاني (أول كاتب تكلم باعتزاز عن دمه العربي) كما يقول (ألبرت حوراني) في كتابه  (الفكر العربي في عصر النهضة)، وهو أول من ألف قاموساً عربياً مرتباً وفق الأحرف الأبجدية، وأول من أسس مدرسة وطنية، وأول من أصدر مجلة أدبية علمية عام 1870 هي مجلة (الجنان)، وأول من أصدر دائرة معارف عربية، وأول من نادى بتعليم المرأة العربية.أعطى البستاني للغة العربية دوراً أساسياً في النهضة والتمدّن، إذ لا تمدن في رأيه من دون لغة تسايره وتواكبه، واللغة العربية كما يقول (شامة في وجه اللغات) وإذا ما قيست بغيرها (كانت هي كالبحر وهو كالجدول) لكن أهلها الذين (رضعوها مع اللبن) يصرفون في تعلم أصولها أكثر مما يصرفون في اكتساب اللغات الغربية. ما حدا بالبستاني الى تأليف قاموسه (محيط المحيط) الذي ذكر في مقدمته أن جلّ اهتمامه (أن يرى أبناء وطنه يتقدمون في المعارف والآداب والتمدن تحت لغتهم الشريفة، وأن تكون وسائط ذلك متيسرة لخاصتهم وعامتهم على أتمّ ما يرام). ثم أتبع هذا القاموس بآخر (قطر المحيط) السهل الولوج (ليكون للطلبة مصباحاً، يكشف لهم عما أشكل من مفردات اللغة التي معرفتها نصف العلم).
 
(بطرس البستاني) كنيته (البستاني) وهو لقب اسرة مارونية مشهورة أنجبت رجالاً عديدين خدموا اللغة العربية والأدب خدمات جليلة في عصر انحسرت فيه الثقافة الى التقوقع في عصر عثماني داكن، ولد بطرس البستاني في قرية (الدِّبِّيَّة) في لبنان (1819)، وتلقى علومه في مدرسة (عين ورقة) كبرى مدارس ذاك العهد، الغريب في الامر انه تعلم فيها العربية والسريانية تحت اشراف (الخوري ميخائيل البستاني) واللاتينية والايطالية في وقت كانت فيه الاقطار العربية متشرنقة بعربيتها. كما درس الفلسفة واللاهوت والشرع الكنسي ودّرس الانكليزية بنفسه. في عام (1840) رحل إلى بيروت مدينة الاشعاع في وقت كانت فيها سوريا وغيرها تعيش القوقعة، واتصل ببعض المبعوثين الأمريكيين يعلمهم العربية ويعرب لهم الكتب واستعانوا به على إدارة الأعمال في المطبعة التي جاؤا بها وربما تكون المطبعة الاولى التي دخلت العالم العربي النائم تحت العثمنة.‏ ثم جائت الجامعة الامريكية في زمنه يوم لم يكن العالم العربي لا يعرف معنى كلمة (الجامعة) وكانت قائمة معها ايضا (جامعة اليسوعيين). ثم عين أستاذا في مدرسة (عبية) عام (1860) فمكث فيها سنتين ثم عين بعدها مترجماً في القنصلية الأمريكية في بيروت.‏ رحل (بطرس البستاني) الى الآخرة عام 1883 بعد حياة مليئة بالأنجازات الطليعية خاصة في اللغة العرية التي عانت الجمود فاحياها في فترة كانت اوربا تقفز قفزات في الثقافة والعلوم الى الامام وكانت في عهد توشك ان تنفض احمالها من مخلفات الماضي الاستاتيكي الى عصر ديمناميكي. الآن وحتى في كندا يتمشدقون بدور (محمد عبدة) و (جمال الدين الافغاني) في احياء النهضة العربية خلال الشرنق العثماني، متعمدين نسيان الدور الذي لعبه ابناء جبل لبنان البستانيون وغيرهم ومنهم سليم تقلا الذي اسس (جريدة الاهرام) في مصر يوم لم تكن هناك جريدة قائمة في البلاد العربية من محيطها الى خليجها و (جرجي زيدان) الذي اسس (دار الهلال) وكان صرحا هائلا في احلال الثقافة الحديثة و (آل صروف) الذين اسسوا (مجلة المقتطف) المجلة العلمية الوحيدة في دنيا العرب التي عرفت المثقفين العرب بنظرية (داروين) في الارث والتطور الحياتي. كانت هذه الصحف التي اسسها اللبنانيون المصادر الوحيدة للمثقفين العرب واحياء الثقافة العربية من قوقعتها الصحراوية المعثمنة. من هؤلاء الناكرين هنا في تورونتو استاذ جامعي سوري يثرثر في الاسبوعيات يكتب في المعرفة دون ان يذكر يوما دور الطليعيين اللبنانيين في احياء ثقافتة العربية التي كانت ميتة يوم ذاك في عصر العثمنة. ومن هؤلاء الناكرون مثقف (مدكتر) لبناني لم يكاب يوما عن هؤلاء الطليعييين بل يكتب دون ملل او كلل منذ سنوات طوال بان اميركا اكتشفها مسلم قبل (كريستوفر كولومبس) وان اسم امريكا  جاء من اسم (امير البحر كو) وهل في الامر ما يعدو الى القلق ان كان المكتشف (مسلما) او (مسيحيا) او (يهوديا) او (بوذيا) او (لاديني) والامريكيين لا يفخرون بان (كريستوفر كولومبس) كان مسيحيا بل كان(كريستوفر كولومبس) فقط.                                                                                                                                               توما شماني – تورونتو                                                                                                                           عضو اتحاد المؤرخين العرب