المحرر موضوع: من هموم الجواهري وشجونه في الثمانينات  (زيارة 789 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل رواء الجصاني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 269
    • مشاهدة الملف الشخصي
من هموم الجواهري وشجونه في الثمانينات
  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo .com
تحل ثمانينات القرن الماضي، سوداء في العراق، حيث الجهلة ورجال العصابات يهيمنون على السلطة، ويشيعون ثقافة الحروب والطائفية والقتل... وانسجاماً مطلقاً مع تلك الحال ومتطلباتها بحسب فلسفتهم العمياء، يمنعون نشر او تداول  شعر الجواهري، وأخباره، بل ويصعدون من ذلك فيدفعون ببعض الاتباع والحاسدين والشامتين، من الطائفيين والظلاميين للنيل من رموزية الشاعر الكبير، الوطنية والابداعية، عبر مقالات هنا، أو كتيبات هناك، لم يَطلْ أصحابها، ولم يقصرْ ابن الفراتين...
كم هزّ دوحك من قزم يطاوله ، فلم ينلهُ ، ولم تقصر ، ولم يطل ِ
وكم سعت "امعات" ان يكون لها ، ما ثار حولك من لغو ٍ ومن جدل ِ

وإذ تتوارد بعض أخبار تلك الحملة "الثقافية" و"السياسية" إلى الجواهري، وهو في منفاه بين براغ ودمشق، تصله أيضاً بعض دفوعات أو مواقف نيرة نادرة في مثل تلك الأوضاع، من أصدقاء وأنصار ومحبين، مثقفين وغيرهم، ومن بينهم د. صلاح خالص "أبو سعد"، فيردّ الشاعر الكبير مثمناً ومتذكراً وموثقاً، بقصيدة جديدة عام 1984، تحكي بنفسها عن نفسها، وتبث هموماً لا تجارى، ومن أول أبياتها:
أأخي "أبا سعد" ومن قُبَلٍ   أُهدى ستقبس جمرتي قبسا
يا صفوَ إخوان ِ الصفاء   إذا ما جفَّ نبعُ مروءةٍ وجسا
شوقاً إليكَ يشدُّ نابضهُ    حبٌ ترعرع بيننا ورسا
والذكراتُ ترفُّ ناعمةً   رفَّ النسيمِ بحسرة همسا
...
أصلاحُ لم تبرحْ صفيَّ هوى   صدقا  ، إذا ما الكاذب انتكسا
ما انفك يومك مثل أمسك، عن غدٍ   كلفاً بحب الخير منغمسا
تشتفّ ضوء الفجر ترقبه   وتميز خيطيه إذا ألتبسا

وكما هي التقاليد الجواهرية في الانتقالات المتشابكة، الخاصة والعامة، في قصائده، جاء العديد من أبيات هذه السينية الغاضبة، الناقدة بهدف التنوير، والفاضحة ادعياءَ، فرادى ومجتمعين، كاشفا بعض عورات مجتمعات، وأفكار تخلف وظلام ،  وبنظرة فلسفية، ولكن بوقائع محددة:
عوت "الذئابُ" عليَّ ناهزة   فرصاً تثير الذئب مفترسا
ينهشن من لحمي وكل دم   فيه لخير الناس قد حُبسا
من كل داجٍ لا يحب سنى   للصبح يطمس ليله التعسا
ودفعت جمع يد ، وملء فم ، ومداهن أصغى فما نبسا
"أصلاحُ" إنّا رهنُ مجتمع   يخشى اللصوص فيذبح العسسا
يُزهى بفارسه إذا افتُرسا   وبضوء نجم ساطع طُمسا
ونتاج زرع لا يُداس به   إلا على الزهر الذي غرسا
...
"اصلاحُ" لا جزعاً كمن يئسا   لكن تفكُّر ملهم حدسا
فالموت يدرك كل ذي رمق   كالنوم يدرك كل من نعسا

ثم تستمر القصيدة، وبلغة مباشرة دون تكلف ، لتدوي بمزيد من اللواعج التي اضطرمت عند الجواهري، ففجرها شعراً، مرات ومرات عبر فرائده، بصور متعددة، مختلفة الأشكال، ولكن خلاصاتها تتوحد في تبيان معاناته من الجحود، والنكران والتجاوز برغم انه شاعر الأمة والعراق، كما يجمع المنصفون على الأقل...
"أصلاح" ما جدوى مُنَىً أُنُفٍ   عدُّ السنين يردها يبسا
درجت "ثمانون وأربعةٌ"   وتحجَّر النبع الذي انبجسا
ورميت بالقرطاس يثقلني   وكفرت بالقلم الذي انغمسا
وصحوت عن نفس مضت عبثاً   تُغري بـ "ليت" و"ربما" و"عسى"
وصحت فلا بالطهر يبطرها   عجباً، ولا هي تجحد الدَّنسا
"أصلاح" ظلَّ كأنت ذا ثقة   بالنفس يقظاناً ومحترسا
وسلمت عبرة خائف كنسا ،    وشجىً بحلق مُفَوَّهِ خرسا

   
                 مع تحيات مركز الجواهري في براغ
   www.jawahiri.com