المحرر موضوع: فما هو السر بالضبط ؟  (زيارة 1556 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جنان بولص كوركيس

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 38
    • مشاهدة الملف الشخصي
فما هو السر بالضبط ؟
« في: 15:39 19/05/2006 »
فما هو السر بالضبط ؟

جنان بولص كوركيس
يلاحظ كل مهتم بمصير بلدنا، ان العراق ابتلي منذ سنوات طويلة، بانظمة دكتاتورية وطغاة ادخلونا في حروب لاهوادة فيها أتت على الاخضر واليابس في البلاد، عبثت بآمالنا و بددت احلامنا وجعلتنا نقف وجهاً لوجه امام الحقيقة المرة التي لا يضاهيها مرارة الا ما يجري اليوم في عراقنا الذبيح من ارهاب واقتتال وصراع حتى بين ابناء الطائفة الواحدة. امام كل هذه الظروف وامام تفاقم الوضع الحالي، يحاول بعض المثقفين والمفكرين ايجاد مخرج وفتح ثغرة في الطريق الذي يبدو مسدوداً فيشكلون احزاباً قومية او وطنية او دينية بالاضافة الى الاحزاب العريقة التي كانت موجودة  في الساحة العراقية  منذ امد بعيد .
كثرة الاحزاب اصبحت ظاهرة واضحة للعيان في بلدنا هذه الايام . والغريب في الامر هو،ان من ينتمي الى هذه الاحزاب بملء ارادته عندما يُسال: هل انت منتمٍ الى الحزب الفلاني ام لا؟  ينتفض كمن لدغته حية رقطاء او عقرب سامة صفراء ويبدي امتعاضه من هذا السؤال ويسارع الى الانكار و يسهب وبتشنج واضح، بالشرح والاستدلال، لاثبات برائته من هذا الحزب او ذاك، وكأنه يتبرأ من عار الحقناه به او تهمة مخلة بالشرف .. ردُ فعلٍ يثير الكثير من الاستغراب والاستفهام، فما السر في هذا بالضبط؟ هل تغيرت المبادىء والحسابات والولاءات، والتكتيك والاستراتيجية للاحزاب، اليوم؟ ان المراقب لايمكن ان يفسر كل ذلك الاّ بان مانقوله هذه الايام غير مانضمره، ومانريده علناً غير مانسعى اليه سرّاً، وما نرفضه امام الناس غير مانفعله في الكواليس. اذا كان ذلك صحيحاً، فان الخلل في الحياة السياسية قد وصل الى درجة التعامل مع القضايا المصيرية بطريقة ملتوية. لان المزايدات والمشاحنات والخلافات لم تعد تسمح لنا بان نكون صادقين مع انفسنا ومع اصدقائنا ومع خصومنا.
والسؤال الان ، هل الانتماء الى حزب ما، اصبح عاراً او جريمة.. ولماذا؟ ضمن دائرة عملي لمست هذا وبشكل يدعو الى العجب، فمن النادر ان ارى منتمياً الى حزب في السلطة او ذي نفوذ، يعترف بانتمائه هذا ويفتخر بحزبه،بل للأسف الشديد غالبا ما ينكر انتمائه ويدعي انه مستقل، والاغرب من هذا حينما نراه يتباهى بانتمائه السابق الى حزب اخر (كلما دعت الضرورة) ويسرد نضالاته ضمن ذلك الحزب لاعتقاده بأن هذا سيكسبه قاعدة جماهيرية واسعة ويحسن من صورته وسمعته بين الناس، وهو في حقيقة الامر يعادي حزبه السابق ويحاربه ارضاءً للحزب الجديد الذي تزوجه عرفياً وبوثيقة زواج مزورة. فهو مستعد لخلعِهِ متى ما انتفت حاجته منه وتحققت كل مآربه ومكاسبه، وغير مستعد للتضحية في سبيل مبادىء حزبه الجديد ولو قيد شعرة وان اعلان البراءة منه اسهل من شرب الماء لديه.
  اما الفئة الاخرى من المنتميين الى احزاب السلطة والتي تجاهر وتفتخر بانتمائها هذا فهي في معظم الاحيان تكون قد اتخذته كمصدرٍ لقوةٍ تُخرس بها كل من يتفوه بسوء ( حسب اعتقادها)، او يتذمر من تصرف مسؤول في السلطة او مما يعانيه من قلة الخدمات او الفساد الاداري او يمارس  ولو جزءاً يسيراً من حقه في حرية الرأي والتعبير .
لماذا كل  هذا الاصرار على ان يكونوا امتداداً للماضي المظلم الذي نريد ان نمسحه من ذاكرتنا؟ لماذا يجعلوننا نردد ودون وعي منا ( ما اشبه اليوم بالبارحة)، لماذا هذه الاساءة الى مبادىء احزابهم السامية!؟ لماذا يجعلون الناس تنفر منهم ومن اعمالهم، فانا ارى ان اساءتهم الى احزابهم تفوق كل اساءة تصدر من هذا المواطن او ذلك ..
ترى كيف ستكون المقارنة بين من كانوا ينتمون الى احزاب في فترة نضالها السري واضعين نصب اعينهم  اعواد المشانق التي ارتقوها فعلاً وهم ينشدون لاحزابهم و لشعوبهم ولاوطانهم؟ كيف ستكون المقارنة بين هؤلاء وبين حزبيي اليوم، الذين يتبرؤون من احزابهم دون ان يفقدوا ارواحهم او تقطع السنتهم او تسلخ جلودهم بل لمجرد انتفاء حاجتهم اليها وملء جيوبهم بالمال الذي لا احد يسألهم من اين اتى وكيف! او حصولهم على مركز وجاه، انها فوضى عارمة شملت كل الميادين، انها ازمة صدق بالنسبة للاحزاب الحالية،وتشويه صورة الحزبيين، صورة يفترض بها ان لا تتغير وان تغيرت فنحو الأحسن .