المحرر موضوع: المفطوم على ( التشريب ) لايتلذذ بالهامبركر  (زيارة 1286 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Wadii Batti Hanna

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 243
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المفطوم على ( التشريب ) لايتلذذ بالهامبركر


الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كلما قرر اطفالي تناول وجبتهم في مطعم الماكدونالد, أجد في ذلك فرصة ذهبية لتحضير قدر من ( التشريب ) العراقي حيث اهيأ كل الامور اللازمة لذلك واترك القدر على نار هادئة واذهب مع احبابي فيأكلون ويلعبون حد الملل ثم نعود الى البيت فأُتِوج نفسي ملكا على المطبخ واستمتع بوجبتي المفضلة وأشفق على كل اؤلئك الذين يفضلون الهامبركر على التشريب. خمس سنوات في السويد وقبلها ست سنوات في بلاروسيا ولم اتمكن - وهنالك كثيرون مثلي - من التعود كليا حيث لاارى في الدعوات والمناسبات التي احضرها بين الحين والاخر إلا تنفيذا لواجب وفرصة ينبغي استثمارها, بالرغم من متاعبها المعوية , في تعميق اواصر الاتصال والاندماج في المجتمع الجديد الذي اصبحت جزءا منه. كان احد الاخوة والاصدقاء الاعزاء من الذين درسوا معي في بلاروسيا حريصا على تجميع كسر الخبز وتجفيفها ليأخذها معه كل عام اثناء عودته الى مدينة الدراسة بعد قضاء العطلة الصيفية واذكر جيدا ان ذلك قد سبب له ازعاجا في احدى السنوات في مطار موسكو فما ان دخل كيس الخبز ( الكونية ) الى الفحص حتى سبب ذلك ارتيابا وشكاَ لدى الشرطة من محتوياتها وعندما فتحوا الكيس بانت عليهم علامات التعجب من محتوياته حيث لايمكنهم ادراك اي مغزى لقدوم مسافر بكيس كبير من الخبز اليابس الى بلدهم وهم يعتقدون ان بلدهم لايشكو من ازمة في الخبز. كان زميلي حريصا على التقصد في استعمال تلك الكسرات اطول مدة ممكنة ولايهدي حفنة منها إلا لعزيز ولايجوز لهذا العزيز ان يكرر كثيرا في طلبها, كان المحظوظ الذي يحصل على بعض من تلك الكسرات يرش عليها قليلا من الماء ويضعها في الفرن لدقائق معدودة فتكون قاعدة ( الدليمية ) المشتهاة.

ربما يستغرب البعض في اسباب ودوافع حديثي عن المطاعم والوجبات في الوقت الذي اعتاد ان يقرأ لي سطورا في السياسة او البيئة وبرامج الاسلحة النووية, ذلك انني اؤمن ان هنالك علاقة وثيقة بين الوجبات الشعبية في بلد ما والنظام السياسي لذلك البلد وبناء على مفهوم الغاية في الرياضيات فان النظام السياسي ينبغي ان يجهد نفسه في تحقيق قبول اجتماعي فيضع لنفسه غاية تتمثل في شعبية الوجبات الوطنية اي ان يكون تلك المائدة الصحية التي تزينها تلك الوجبات الوطنية وهنا يبرز للعيان قصر النظرة المنطلقة من وضع الوجبات المستوردة كاساس لتلك الغاية. ان الغالبية العظمى من ابناء الشعب ليست راغبة في ممارسة اللعبة السياسية ناهيكم عن ان طائفة كبيرة لاتستهويها هذه اللعبة قط , ولذلك فهي لايمكن ان تساوي بين مشاهدة مباراة رياضية  او فلم ممتع وبين مشاهدة خطبة سياسية او برنامج سياسي, يحدث هذا ويتضاعف عدد النافرين من السياسة عندما ينجح النظام السياسي في تقديم نموذج حقيقي تتجسد من خلاله كل الخدمات والتسهيلات والقوانين التي تتيح لاي من الرعية الشعور كونه مواطن يفتخر بحقوقه وواجباته تجاه الوطن والنظام الذي يمثله وهذا يساهم بالتأكيد في تقليل عدد المنافسين في العملية السياسية كما يحصل في الغرب حيث ينظر المواطن العادي بعين الشفقة للسياسي في بلده كونه اقل حظا منه بسبب مشاغل المنصب من التمتع بالامتيازات التي يوفرها النظام للجميع.

لقد كانت حادثة اختطاف الدبلوماسي الاماراتي مناسبة للتفكير مليا في الذي يريده المواطن البسيط من نظامه السياسي ايا كان شكله وطبيعة هرمه. لم تدع الامارات ربما شيئا لم تستورده لكنها لم تستورد نظاما سياسيا او( ديموقراطية معلبة ) ولم يلجأ رجال حكمها الى نزع ( دشاديشهم ) الوطنية ليقول العالم عنهم انهم متحضرون وديموقراطيون على الطريقة الغربية, لكنهم يعرفون ان العالم يسجل عنهم أن لا احد من رعيتهم قد طلب اللجوء في دول اخرى, ألا يعني هذا ان النظام السياسي قد وضع لنفسه غاية في ان يكون تلك المائدة المرجوة لوجبات الامارات المشهورة؟ لقد تابعت الامارات حكومة وشعبا واعلام محنة الدبلوماسي المختطف في مشهد رائع يختصر قلق وطن بكامله على حياة فرد فيه , في الوقت الذي تُرمى الجثث في العراق في العربات الخشبية الصغيرة في مشهد رهيب لايبدو انه يثير حفيظة وانتباه السياسيين فيه اكثر مما يثيرهم تقاسم المناصب والغنائم وكأن لسان حالهم يقول" دعْ الشعب يدفن موتاه " جريا على الاية الكريمة " دعْ الموتى يدفنون موتاهم ". ان المشكل العراقي يتلخص في محاولة كل طرف ان يستأثر في ان يفرض وجبته المحلية ويضعها في منتصف المائدة, فالقيادات الكردية تسعى وبافراط الى تقديم (كباب ولبن اربيل) ليكون بمناسبة اوبدونها وجبة الواجهة تعويضا عن الحيف والغبن الذي تعتقد انه لحق بهذه الوجبة لسنوات طويلة, بينما تحاول الاطراف الشيعية ان تطرح السمك كوجبة رئيسية باعتبارها وجبة الغالبية التي ينبغي على الجميع التعود عليها دون الانتباه الى غلائها على قدرة وامكانية قسم ساحق من تلك الغالبية قبل اية طائفة اخرى , بينما يحز في نفس بعض الاطراف السنية ان يرى زملائه وهم يصرون على وضع ( الدليمية ) في زاوية باهتة يصعب رؤيتها كرد فعل لمرحلة سابقة, بل تسعى بعض الاطراف التي اعتادت الاصطياد في المياة العكرة من عرابي الاحتلال الى تحريض البعض على المطالبة بوضع ( الهامبركر والكنتاكي ) في قلب المائدة تكريما للاحتلال ونكاية باهل (الدليمية ). وسط هذا الضجيج من الوجبات يحاول اهل الموصل والكلدواشوريون السريان التنبيه الى ( الكُبَة ) وسمعتها الطيبة.

لم يحمل العراقيون في يوم من الايام  اية عقدة تجاه ( كباب ولبن اربيل ) بل ربما يزيَن هذا الاسم شوارع المدن العراقية قاطبة و في المقدمة منها بغداد والرمادي وتكريت والبصرة , اما السمك المسكوف فهو علم العراق الثاني ولكن العراقيون لايقبلون به إلا سمكا عراقيا خالصا لايجدون اية حاجة في ان يسبقه او يليه اويقدَم معه, عدا الطرشي العراقي, اي شئ اخر بمافيه الفستق الايراني, اما ( الدليمية ) فهم يذكرون معها تقاليد واخلاق العشائر العربية الاصيلة المبنية على النخوة والشهامة والمترفعة عن كل فعل صغير قبيح , بينما تشير ( الكُبَة ) الى هدوء ومهارة صانعها ورغبته في العمل التعاوني. وكل عراقي عربيا كان ام كرديا ام تركمانيا ام كلدواشوريا, شيعيا ام سنيا,مسلما ام مسيحيا تجده يسيل لعابه عندما تُذكر امامه اي من تلك الوجبات ويرى نفسه صاحب حظ كبير لو صادف وحضر مائدة تحتويها جميعا, اما اهل الهمبركر والكنتاكي , ابطال الشوكة والسكين, فينبغي ان يعرفوا جيدا ان العراقيين قادرون على الانفتاح على الاخرين ويحترمون خياراتهم ويتقنون الاتيكيت عند الحاجة لكنهم لايتلذذون إلا بخبزهم ومياههم.
ترى ألم يحن الوقت بعد كل هذه المعاناة الطويلة لينجب العراق نظاما يكون بصدق وعدالة مائدة للمحبة تتربع عليها كل وجباتنا الوطنية ويلتف حولها الجميع.
موطني موطني هل اراك
سالما مُنعَما وغانما مُكرَما
هل اراك في علاك!