المحرر موضوع: تجمع التنظيمات السياسية ومستقبل شعبنا  (زيارة 1244 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سامي المالح

  • ادارة الموقع
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 164
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تجمع التنظيمات السياسية ومستقبل شعبنا

سامي المالح
يشكل تلاقي وتعاون وتشكيل تجمع التنظيمات السياسية لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري في هذه المرحلة العصيبة من حياة شعبنا، انعطافا ايجابيا، وارتقاءا سياسيا لمستوى التحديات التي تواجه وجود شعبنا ومستقبله، ويهيْ، الاطار وأحدى الأدوات الهامة لتجميع وتفعيل وتوجيه اغلب طاقات وامكانات شعبنا.
كان توحيد الخطاب القومي لشعبنا احد الاهداف الاساسية لانعقاد مؤتمر عنكاوا الاول في اذار 2007. الهدف الذي جرى تحديده بوعي لمواجهة الواقع المرير الذي ساد العلاقات والخلافات والصراعات بين قوى شعبنا السياسية ومؤسساته الاخرى لفترة طويلة، حيث ان التشتت والانشغال بالصراعات الجانبية، والركض وراء المصالح الحزبية والشخصية الضيقة، وسوء ادارة الاختلافات ومعالجة اشكالية التسمية والتعامل النفعي مع المشاريع والشعارات السياسية المختلفة، انهكت شعبنا واهدرت طاقاته، واثرت سلبا، على مكانته في المجتمع العراقي ومكانة قواه السياسية في العملية السياسية، وادت الى زعزعة الثقة بالحاضر وبالمستقبل، واضعفت ارادة شعبنا في مواجهة المحن والجرائم البشعة التي لا تزال ترتكب بحقه يوميا.
قد اتفق مع رأي البعض الذي يقول ان هذا التجمع والتعاون جاء متأخرا جدا وبعدما وصلت الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا الى مستوى القتل الجماعي وما ترتب عليها من الهروب من الموت والهجرة الجماعية. ولكنني لا اتفق ابدا مع من يذهب الى وصف هذا التجمع بالعملية الغير مجدية والشكلية والتي لن تقدم او تأخر ولن تساهم في معالجة وضع شعبنا ودفع قضيته الى امام.
من المؤكد، ان شعبنا يعيش مرحلة عصيبة جدا، فأنه يكاد يفقد الامل، كليا، بمستقبله في وطنه، وتكاد قضيته تتحول الى قضية اقلية دينية، يستنجد العالم والسلطات في العراق، ويتوسل المجرمين المجهولين، محصورا بين الموت والتهجير، مضطرا الى التفكير بالبقاء على قيد الحياة والبحث عن الامان اينما كان. انها محنة تاريخية لامثيل لها، فشعبنا الذي تضرب جذوره عميقا في ارض بين النهرين، يكاد يتحول الى شعب مهاجر، شعب مشتت بلا وطن. صحيح ان كل ذلك هو بالاساس نتيجة للظروف والسياسات والحروب والتخلف التي مزقت وطننا وانهكته وأدمته وحولته الى بلد لاحياة فيه للضعفاء والمخلصين. غير ان جزء من المسؤولية تقع على عاتق شعبنا نفسه، وبشكل اساسي على قواه واحزابه السياسية ومؤسساته الدينية والاجتماعية والثقافية والكنسية. فشعبنا وللاسف لم يفلح  في جمع قواه، وبناء جبهته المتماسكة، للدفاع عن وجوده وحقوقه، والوقوف بثبات لمواجهة التحديات، والعمل كرجل واحد من اجل المستقبل.
الا انه ثمة جانب اخر في لوحة هذا الواقع المريرلابد من ابرازه، فرغم المحن والالام والموت والتهجير والهجرة والصراعات الغبية على التسمية وعلى الحصول على مقاعد وكراسي ووظائف ومصالح خاصة، استطاع شعبنا ان يعبر بشكل افضل عن وطنيته الحقة وعن اصالته وتشبثه بالارض. ونجح ايضا، وان بشكل نسبي، في ان يعبر عن ذاته وان يبرز قضيته القومية، ونجح في الاستفادة من الظروف المتاحة للاهتمام باللغة والتراث وتطوير الدراسة بلغة الام وتنشيط دور العديد من المؤسسات الثقافية والاعلامية، والاهم من كل ذلك، هو تطور الوعي لدى الاغلبية الساحقة، بأننا على اختلاف التسميات ووجود العديد من الاشكالات التاريخية وواقع التقسيم الكنسي، شعب واحد يواجه ذات المصير وله قضية واحدة. ويقينا، فأن تقارب قوى شعبنا وتشكيل تجمعها، جاء في هذا السياق، وهو استجابة لوعي وارادة الجماهير وللحاجة الملحة التي فرضتها الظروف القاهرة.
ان المهمات التاريخية الملقاة على عاتق تجمع التنظيمات السياسية لشعبنا في هذه المرحلة كبيرة وشاقة. وان مسؤولية هذه التنظيمات في استنهاض كل قوى شعبنا وجمع كل طاقاته، في الوطن والخارج، هي مسؤولية تاريخية تتصدر الاولويات. ان التصدي للمهمات الكبيرة وتحمل المسؤولية، يتطلب العمل الشاق والواعي، ويتطلب التضحية ونكران الذات، والمرونة والحوار المستمر والتفاعل اليومي مع جماهير شعبنا، لمعايشة الامها ومعاناتها وامالها وتطلعاتها عن قرب وبصدق، ويتطلب ايضا الاستقلالية السياسية ووضع مصلحة شعبنا فوق كل المصالح والاعتبارات الاخرى. فان مهمات تنظيمات شعبنا، وهي تجتمع وتعلن عن برنامجها السياسي، لم تعد تنحصر في الزيارات وتبادل التهاني والاستعراضات الاعلامية والاجتماعات واصدار البلاغات واطلاق التصريحات هنا وهناك. فأنها، اي كل قوى شعبنا، تقف امام تحدي كبير، يتطلب منها العمل اليومي الجاد والملموس، لاستعادة ثقة شعبنا بها اولا، و بقضيته وبمستقبله ثانيا.
ومن منطلق الشعور بالمسؤولية، والحرص على ادامة واستمرار وانجاح تجمع تنظيمات شعبنا، وللمساهمة في تطوير التجمع وترسيخ روح التعاون والتحالف والعمل الجماعي المشترك، اضع امام التجمع الامور الهامة التالية:
اولا- ضرورة تعميق الحوار والنقاشات السياسية والفكرية للوصول الى صياغة واضحة ومتماسكة لطبيعة قضية شعبنا. فقضية شعبنا هي الجامع والموحد، وينبغي ان تكون هي الهدف الاسمى للجميع. وبالطبع ثمة تشوش وبلبلة في تعريف وتفسير وتحديد ملامح قضية شعبنا. فقضية شعبنا ليست قضية طرح مشروع سياسي لمرحلة تاريخية معينة كما يفهمها البعض، الحكم الذاتي او محافظة في سهل نينوى مثلا، وهي ليست اختلاف او اتفاق على تفسير مادة دستورية معينة. وقضية شعبنا ليست قضية مواجهة الارهاب والتهجير فحسب. كلا، فان قضية شعبنا هي قضية شعب يريد الحرية والحياة، شعب يرفض ان يكون دخيلا او طارءا في وطنه، شعب يريد ان يعيش بتكافؤ ومساواة تامة مع اشقائه في الوطن، يريد الحفاظ على تراثه وحضارته وتطويرها، شعب يرفض ان يعامل معاملة اقلية هامشية ويرفض التمييز والظلم والاضطهاد بكل اشكالها، و كما الشعب العربي والكوردي والتركماني يريد ان يكون حاضرا وشريكا وفاعلا في بناء الوطن وتطويره، يرفض ان تقلع جذوره وان يجري الاستحواذ على تاريخه، شعب صمد لقرون طويلة مقاوما تحطيم مقومات وجوده، ويتطلع اليوم ان يكون شعبا حيا يعيش بامان وكرامة ومستقبل مضمون دستوريا. وعليه فمن الهام جدا ان توحد كل قوى وجماهير شعبا فهمها لطبيعة قضية شعبنا وان تقف متماسكة موحدة لطرحا بذات النفس والملامح في كل مكان وزمان، بغض النظر عن المصالح والعلاقات والاجندات السياسية.
ثانيا-  من الواضح ان الدكتاتوريات والحروب والفوضى والعنف والارهاب و التخلف والتعصب والفساد بكل اشكاله، هي التي دمرت وأدمت وارهقت وطننا، وادت الى نتائج كارثية يعيشها كل العراقيين. الا ان المأساة والكارثة التي حلت بشعبنا كانت الاكبر، وذلك لاننا شعب مسالم اعزل من دون سند، ولاننا بقيمنا واخلاقنا ونزعاتنا السلمية لانتحمل هذه البيئة الخانقة. وعليه فمن المهم لشعبنا ان يسود السلم وان تتغلب لغة الحوار، وان يكون جزءا من القوى التي تنبذ التعصب وتقف ضد الفساد والطائفية، وان يساهم جديا في تطوير العملية السياسية والقيم الحضارية والديمقراطية في الوطن. من الهام ان نعي بأن المستقبل هو للديمقراطية مهما كانت العوائق والصعوبات، وعلينا ان لاندخر جهدا، كقوى سياسية، ومؤسسات ومنظمات واعلام وشخصيات، وكشعب، في نشر قيم التسامح والحوار والمحبة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والنزاهة والعمل المبدع. فهذه هي اسلحة المستقبل، وهي بالتأكيد اقوى واكثر فعالية من كل اسلحة العنف والتعصب وجمع المال الحرام والكذب والنفاق. من الهام جدا، ان لا يساوم قادة وكوادر احزابنا، مهما كانت مصالحهم المرحلية، قوى التعصب والتخلف والمعادية للديمقراطية والغارقة في الفساد، لانها بذلك انما تعمق مأساة شعبنا وتساهم في تغذية بيئة الموت والدمار.
ثالثا- ان ارتقاء تجمع تنظيمات شعبنا السياسية الى مستوى صياغة موحدة ومتماسكة وواضخة لقضية شعبنا، والى مستوى الوقوف في خندق تطوير القيم والديمقراطية ومحاربة الفساد والتعصب، يوفر لها ارضية صلبة لتطوير العمل المشترك ورسم السياسات الحكيمة ومعالجة الكثير من الاشكالات والعقد في حياة وواقع شعبنا. الا ان استمرار التجمع وتماسكه وتطوره ليكون تحالفا استراتيجيا لايخضع للمصالح الآنية ولايتأثر بضغوطات وأارادات خارجية، يتطلب من جميع قادة وكوادر تنظيماتنا السياسية ان تعتمد الشفافية، وان تتعامل بوضوح وصدق وأمانة مع بعضها، وان تبدي المرونة وتلتزم الحوار والتفاعل مع الرأي الاخر، وان تتخلى عن أنانيتها، التي ادت في الكثير من المنعطفات الى التشتت والاحباط والخسارة. ومع كل احترامي وتقديري للجميع، علي ان اؤكد بان العديد من ساسة شعبنا، يحتاجون الى تعلم فن السياسة، والتمييز بين الجلوس في المكاتب والمقرات والانتظار لانتهاز الفرص لتحقيق مصالح ضيقة وبين التصدي لمهمات نضالية شاقة والتضحية من اجل قضية الشعب وقيادة كفاحه من اجل الحرية والكرامة. ان وضع شعبنا لايتحمل المزيد من المساومات والركض وراء المنافع الحزبية والشخصية ونسخ اخلاقية ومواقف وسلوك ساسة أبتلى بهم العراق، وهو بامس الحاجة الى قيادة شجاعة ومضحية وحكيمة.
رابعا- من المعلوم ان الثقة بالسياسة والسياسيين والعمل الحزبي، في العراق عموما، قد تزعزعت ووصلت الى الحضيض. ان شعبنا ليس خارج هذه المعادلة، ان لم يكن الاكثر احباطا وتشائما. ان كل ذلك أدى ويؤدي الى انحسار دور الاحزاب الايجابي وتقلص قواعدها الجماهيرية. وفي حالة شعبنا ثمة عمل كبير وواسع تمارسه المنظمات والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والاعلامية والشخصيات المستقلة لايقل اهمية عن نشاط احزابنا السياسية، ولا سيما في التعريف بقضية شعبنا وكسب الرأي العام والتضامن الدولي وتطوير الوعي القومي الوحدوي. ان هذا الواقع يضع على عاتق تجمع تنظيماتنا السياسية مهمة التفاعل الايجابي مع المؤسسات المختلفة ومع المستقلين والناشطين من ابناء شعبنا. عليها استشارتها، ومشاركتها في الحوارات ورسم السياسات واتخاذ القرارات الهامة. ومن الهام والمصيري ان تعمل كل قوى شعبنا لانجاح الجهود المبذولة في توحيد اتحادات ومنظمات ومؤسساتنا الثقافية والادبية والمهتمة باللغة والتراث والشباب والتربية والتعليم.
الخلاصة: ان شعبنا يعيش ظروف عصيبة ومصيرية، ولكنه رغم كل المحن والمآسي يمتلك الكثير من الامكانات والطاقات، وهو رغم التشاؤم السائد، يتطلع الى النهوض وتحقيق اماله وطموحاته في وطن الاباء والاجداد. ان مصير شعبنا وانتصاره في مواجهة التحديات مرهون الى حد كبير بترتيب وتنظيم بيته وجمع و تفعيل كل طاقاته وتوجيهها الوجهة الصحيحة. ان تجمع التنظيمات السياسية لشعبنا لتطوير تعاونها وبناء الجبهة القومية المتماسكة يشكل خطوة هامة واساسية. املين ان يتماسك ويترسخ هذا التجمع وان يؤدي مهماته بنجاح خدمة لمصالح وحقوق شعبنا.