قانون انتخابات قديم بثوب جديد
المحامي ميشال شماس : كلنا شركاء
صدر يوم أمس الخميس 4/8/2011 المرسوم التشريعي رقم 101 المتضمن قانون الانتخابات الجديد الذي احتوى على أحدى وسبعين مادة، إلا أنه لم يأت بجديد من حيث المبدأ، بل كرس ما كان موجوداً في قانون الانتخابات القديم وسار على نهجه، وباستثناء بعض الرتوش والتعديلات الجديدة التي لم تغير في جوهر القانون القديم شيئاً. لقلنا أنه نسخة مكررة عن قانون الانتخابات القديم.
ومن استعراض مواد القانون الجديد يتضح أن المستفيد الوحيد من هذا القانون الجديد – القديم هم ممثلي أجهزة الدولة وأصحاب النفوذ من الملاكين والتجار وأصحاب رؤوس الأموال، أما الخاسر الأكبر من هذا القانون هم الفقراء وذوي الدخل المحدود والأقليات اللذين يمثلون الشريحة الكبرى من الشعب السوري. فعلى سبيل المثال في مدية دمشق هل سيتطبع مرشح من ذوي الدخل المحدود تغطية كامل أحياء دمشق بالدعاية؟ أو هل يستطيع الناخب في حي الميدان معرفة مرشح من حي القابون أو القصاع ؟ وكيف سيستطيع المرشح في ريف دمشق من تغطية كامل مناطق ريف دمشق أن لم يكن يملك المال؟ وما هو الرابط بين الناخب في بلدة قارة التي تقع على حدود مدينة حمص وبين مرشح مدينة قطنا التي تبعد عن قارة أكثر من مائة وثلاثين كيلو متراً جنوباً باتجاه مدينة القنيطرة..؟
فرغم الملاحظات الجدّية التي أُبديت على مشروع القانون قبل أن يصبح قانوناً ساري المفعول، إلا أن التصديق النهائي على مشروع القانون لم يعكس ولو بنسبة قليلة جزءاً من تلك الملاحظات التي طرحتها شخصيات وقوى سياسية. فالقانون بصيغته النهائية كما أقر واعتمد من قبل رئاسة الجمهورية كرس من جديد جوهر القانون القديم ولاسيما لجهة اعتماد المحافظة دائرة انتخابية واحدة، والأخذ بمبدأ النجاح على أساس الأكثرية، وأما الجديد في القانون هو تحديده المدة التي يجب أن تستغرقها عملية الانتخاب بيومين، بينما كان القانون القديم يسمح بتمديد فترة الانتخاب إذا لم تتجاوز نسبة المقترعين 50% من عدد الناخبين في اليوم الأول، وعملياً كان يتم تمديد فترة الانتخابات ليوم ثانِ. والجديد أيضاً هو تشكيل لجنة قضائية صرفة بالأشراف على عملية الانتخابات وهو أمر مهم لو كانت السلطة القضائية مستقلة فعلاً، فغالبية القضاة مازالوا ينتمون إلى حزب البعث العربي الاشتراكي ويخضعون للسلطة التنفيذية ممثلة بوزير العدل الذي يرأس مجلس القضاء الأعلى نيابة عن رئيس الجمهورية..!
ومما يؤخذ أيضاً على قانون الانتخاب اقتصاره فقط على تنظيم عملية الانتخابات لمجلس الشعب والمجالس المحلية دون الانتخابات الرئاسية ( يهدف هذا القانون إلى أ- تنظيم انتخاب أعضاء مجلس الشعب وأعضاء المجالس المحلية) المادة 2. كما خلا القانون من أية إشارة إلى ضرورة إجراء الانتخابات في يوم عطلة، وجاءت المادة 49 منه متوافقة مع صلاحيات المحكمة الدستورية العليا ( تحقق المحكمة الدستورية العليا في الطعون الخاصة بصحة انتخاب أعضاء مجلس الشعب وتحيل إليه تقريرا بنتيجة تحقيقها) أي أنها لا تملك البت بصحة الانتخابات من عدمها) ورأيها غير ملزم لأعضاء مجلس الشعب.. وهذا مؤشر على أن التعديلات المرتقبة على الدستور السوري لن تشمل اختصاصات المحكمة الدستورية العليا.
باختصار يمكن القول: إن قانون الانتخابات الجديد جاء مخيباً لآمال السوريات والسوريين الطامحين نحو التغيير والإصلاح، ويرى كثير من السوريات والسوريين أن هذا القانون سوف يجهض الجهود الخيرة والساعية نحو تحقيق إصلاح وتغيير جذري وشامل يساهم في إخراج البلاد من أزمتها الراهنة بأقل الخسائر.
وإن هذا القانون بصيغته الحالية سيمنع كما منع القانون القديم من وصول ممثلي المجتمع السوري الحقيقيين إلى مجلس الشعب، وسيجهض قيام حياة سياسية، وسيفرغ قانون الأحزاب السياسية من معناه.. بسبب اعتماده على المحافظة كدائرة انتخابية واحدة وعدم أخذه بالنسبية، وهو نفس النهج الذي سارت عليه البلاد منذ خمسين عاماً وثبت فشله..
ونخشى أن تستمر في ظل القانون الجديد حالة الاغتراب والطلاق بين الناخب ومملثه التي نشأت مع القانون القديم الذي كان ينتج في كل عملية انتخابية هيئة تشريعية لا حول لها ولا قوة تخضع لوصاية السلطة التنفيذية مما أفقدها دورها الرقابي والتمثيل الشعبي المنشود..
إن السوريات والسوريين يطمحون إلى قانون انتخاب يضمن وصول جميع ممثلي الشعب السوري الحقيقيين إلى مجلس الشعب، يطمحون إلى قانون ينشط الحياة السياسية والحزبية ويعطى لقانون الأحزاب السياسية معنى رغم ملاحظاتنا عليه.. ويساعد على خروج البلاد من هذه المحنة بأقل الخسائر ويحصن موقفها في مواجهة التهديدات الخارجية.
--