المحرر موضوع: فلسفة القمع وهذيان أقطاب النظام السوري  (زيارة 872 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سامان سوراني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 294
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
فلسفة القمع وهذيان أقطاب النظام السوري

الذي نعرفه هو أن الثقافة بمعناها الإثنوغرافي الواسع، کما يعرفها الأنتربولوجي الإنجليزي، إدوارد بِرنت تايلور (1832-1917)، هي فضاء کلي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف، وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع. فهي عملية اكتساب عبر وسائط التربية والتعليم والتنشئة، وعبر جميع طرائق التفاعل الاجتماعي، وليست عملية انتقال فطري أو غريزي تكتسب عبر طرائق المورثات (الجينات) البيولوجية. أما الثقافة السياسية فهي جزء من الثقافة بمفهومها العام، وهي تختلف من بلد لأخر ومن مجتمع لأخر، وهي ثقافة فرعية تتأثر بالثقافة الأشمل، وتؤثر بشكل كبير على ثقافة المجتمع السياسية. ويقصد بها مجموعة المعارف والآراء والمشاعر والمعتقدات والاتجاهات السائدة نحو شؤون السياسة والحكم، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة، إنها طريقة التفكير والشعور والسلوك السياسي الخاص بجماعة ما.
ففي سوريا شاهدنا کيف أن الثقافة السياسية التي کانت موجهة من قبل النظام التسلطي، عملت لعقود من الزمن علی إقصاء الفكر المعارض وتمحورت حول الخوف من السلطة والإذعان لها، لكنها تغيرت بعد أن بدأ الشعب بالنهوض والانتفاضة علی هذا النظام البعثي الشوفيني.
أقطاب النظام السوري کانوا بعيدين کلّ البعد في تحويل القوة إلى حق والطاعة إلى واجب. فإنهم کما کانوا في السابق متعصبون لکل ما نشأوا عليه مهما کان سيئاً، نراهم يعلنون سخطهم علی کل من لا يؤيدهم في تعصبهم، إنهم أصحاب الأفكار الشوفينية النازية، شهروا سلاحهم في وجه کل من يخالفهم في الآراء والمفاهيم التي أنشأوا عليها أو إعتادوا عليها، فهم حصيلة المناخ العروبي القوموي الذي کان سائدا في النصف الثاني من القرن الماضي.
وما استمرار القوات الموالية للنظام ولرئيسه "بشار الأسد" في قتل وترويع المتظاهرين المدنيين العزل بالدبابات والقناصة إلّا شهادة لوفاة وسقوط هذا النظام قبل الأوان، بعد أن ازدادت العزلة الدولية له وأصبحت نقطة اللاعودة من البديهيات.
كما ذکرنا سالفاً، هذا النظام لم ولا يعترف في يوم من الأيام بسيادة ثقافة سياسية تؤمن بحق الاختلاف والتناوب على السلطة والاعتقاد بحرية وحقوق الإنسان ووجود الأحزاب السياسية تتعايش فيما بينها وتخضع لقواعد عقلانية عن طريق انتخابات نزيهة، قائمة على مفهوم المشاركة، حيث يؤمن المواطنين بأنهم قادرون على المساهمة في النظام والتأثير فيه. هذا النظام لديه غريزة الذئب في الافتراس، الذئب يقتل دون حاجة، لا يقتل ليأكل فقط، بل يقتل ليقتل، وسلطات الأمن والعسكر في سوريا تقمع لا لتوقف متظاهرا أو ثائراً، بل تقمع فقط لأنها أصبحت مدمنة على القمع. هكذا هي غريزة القمع للأسف، تُخضع كل شيء لغريزتها البدائية.
لقد عمل النظام السياسي في سوريا جاهداً علی خلق وإيجاد نوع من المشروعية المبنية علی القسر والاستبداد لشرعنة حکمه وقام بخلق عمق تاريخي مزوّر له‌ يرمز لعراقته وتأصله، لکن دون جدوی، لأن المجتمع السوري كان أدری بنوایا نظامه المسلط علیه.
ومن الواضح بأنه‌ لا يمکن تفسير تشکيل و عمل المؤسسات السياسية من دون معرفة المركب العقلي والقيمي للسلطة السياسية. أما المشروعية التي نتحدث عنها فإن ماهيتها تثبت بحسب درجة سريان العقلانية في ضبط العلاقات بين الأفراد والجماعات والسلطة السياسية. النظام السوري قام خلال العقود الماضية من حکمه بتسييد ثقافة البعث وإيديولوجية الزعيم الأوحد في المجتمع وساهمت هذه الثقافة الی حد کبير في تحديد شکل نظام الحکم في هذا البلد، بل ساهمت أيضا في تحديد عناصر القيادة السياسية بعد أن قامت أجهزة السلطة بقلع جذور الفكر الحر والعقل المعارض.
في الديمقراطية الغربية المعاصرة تهدف الثقافة السياسية الی تحفيز الفرد على المشاركة في العملية السياسية داخل النظام السياسي، لتعزيز وتقوية فكرة الإحساس بالمسؤولية، ومطالبة المساهمة في العملية السياسية على اعتبار أن الظاهرة السياسية تخضع للمساومة والتأثير على صانعي القرار، وتتبع مجريات الحياة السياسية. فالثقافة السياسية في الغرب تساهم في استقرار وفعالية الديمقراطية وتدعم التعلم للعيش المشترك وقبول الإختلاف وجعل العالم مكاناً آمناً له. لأنه عندما تكون العلاقات بين أفراد المجتمع الإنساني إيجابية وعلى قدم المساواة، فإن ذلك سوف يعزز الكرامة والحرية والاستقلال، وعندما تكون العلاقات سلبية ومدمرة فإن ذلك سيقوّض الكرامة الإنسانية وقيمتنا الذاتية. إذن العيش المشترك هو أحد أهم التحديات الكبرى للقرن الواحد والعشرين.
ويری الفيلسوف الفلورنتيني، أستاذ العلوم السياسية، جيوفاني سارتوري، بأنه لا يمكن أن يحدث الإنتقال من حكم الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية من دون قطيعة (ثورة شعبية)، من دون انفجار، ما يضع حداً للسياق الأحادي ويفتتح الطريق نحو السياق التعددي، لأن النظام الشمولي، حسب رأي سارتوري، يستند إلى إطار أيديولوجي، صاغه مثقفون أو أشباه مثقفين، ويتسم بتماسك فرضياته ووضوح غاياته التي يستهدفها، لذا يتصور النظام الشمولي بأنه يستوعب الکل الاجتماعي فيريد إعادة صياغته من جديد. 
فبعد سقوط هذا النظام الشمولي سوف يحتاج المجتمع السوري الی بناء نظام ديمقراطي يدعم التنمية الثقافية ويخلق ثقافة سياسية جديدة لتعزيز المواطنة الحقة وترسيخ مؤسسات الدولة الديمقراطية ومعالجة أزمة البنيوية و الموروث الشمولي للسلطة ورفع العقبات أمام التنوير، کي لا تعتبر الحديث عن أمور السياسة من قبل القوميات تهديدا للأمن والنظام. إن من أهم الرهانات في الوقت الحاضر هو العمل علی نشر ثقافة سياسية جديدة و بناء وعي مجتمعي جديد مبني علی مفاهيم وقيم المواطنة الحقة وأسس الديمقراطية والمساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص واحترام الرأي الأخر والمشاركة السياسية، فالتنمية الثقافية مدخل ضروري للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية ليست شيئا يقلد بل واقع معاش، ولا يمكن نقله وغير قابل للتوريد والتقليد، بناؤها يجب أن ينطلق من الواقع وخصوصياته.
علی التيارات المعارضة للنظام الأسدي العمل علی تسطير دستور جديد لدولة ديمقراطية فدرالية إتحادية يصون حقوق کافة القوميات والأديان والطوائف في سوريا والمجاهدة في سبيل تثبيت ثقافة واعية لممارسة الديمقراطية وترسيخ القيم المبنية على الحوار والتسامح والعدالة واحترام قواعد اللعبة السياسية. لتكن ثقافة تؤمن بحق الاختلاف والتناوب على السلطة وقبول الرأي المضاد وتكرس الثقة في المؤسسات والشعور بالقدرة والكفاءة السياسية، وإقرار قيم المحاسبة وترسيخ ثقافة المشاركة الديمقراطية لما يتوافق مع قيم وتحديات العولمة الثقافية. بدلا من الثقافة الرعوية، الذاتية، وثقافة الرداءة والانهزامية والإقصاء، والتراتبية السلطوية القهرية والموروث السلطوي القائم التي ظلت العمود الفقري لشل كل محاولة للتحديث في هذا الزمن التسارعي الرقمي.
وختاماً لكم قطعة من قصيدة "الديك" للشاعر الخالد نزار قباني في وصف "القائد أو الزعيم المستبد":
"في حارتنا
ثمة ديك عدواني، فاشستي،
نازي الأفكار
سرق السلطة بالدبابة
ألقى القبض على الحرية والأحرار
ألغى وطناً
ألغى شعباً
ألغى لغةً
ألغى أحداث التاريخ
وألغى ميلاد الأطفال
و ألغى أسماء الأزهاء"
د. سامان سوراني