المحرر موضوع: النساطرة الكلدان  (زيارة 3329 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل 1iraqi

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 111
    • مشاهدة الملف الشخصي
النساطرة الكلدان
« في: 16:05 25/10/2011 »
النساطرة الكلدان
أن هذه التسمية تبدو غريبة بعض الشيئ لأول وهلة ، إذ أن المفهوم المتعارف عليه والسائد بين أبناء شعبنا من الناحية المذهبية والعقائدية ، أن تسمية ( النساطرة ) تطلق على الذين بقوا على المذهب التقليدي لكنيسة المشرق ، أما تسمية ( الكلدان ) فهم أولئك المتكثلكون الذين تبعوا يوحنان سولاقا (1551) وخلفائه المتحدين مع روما على العقيدة الكاثوليكية . وهذا ما هو متعارف عليه لحد الآن . فإذن أن هذه التسمية من الناحية المذهبية غير جائزة وهي متناقضة ، فالتفسير المنطقي لها هو المفهوم المذهبي والقومي معا ، أي بتعبير أدق ، أن (النساطرة الكلدان) هي تلك الشريحة من أبناء شعبنا ذات الأثنية والقومية الكلدانية والتي بقيت متمسكة بعقيدتها التقليدية النسطورية لكنيسة المشرق ، وما يطلق عليهم مذهبيا بالنساطرة ومتمسكون بإنتمائهم القومي ( الكلداني ) مما يدل على أن رغم مرور أربعة وعشرين قرنا على سقوط الدولة الكلدانية (539 ق م ) فإن جذوة الشعور القومي الكلداني لم تمت وكانت لازالت حية بين أبناء شعبنا وهذا ما أثبته شاهد العيان ( أوستن هنري لايارد ) في كتابه ( نينوى وبقاياها ) التي دون فيه مذكراته عن جولاته في شمال العراق وإقليم هكاري (جنوب شرق تركيا ) خلال الأعوام (1845 – 1847) ، تم نشر الكتاب عام 1847 في لندن . وفيما يلي بعض من المقتطفات – وهي عديدة - مما كتب لايارد والتي يشير فيها إزدواجية التسمية ( النساطرة الكلدان ) .
يقول لايارد في كتابه نينوى وبقاياها : " في اليوم السابع عشر من كانون الثاني ( 1845 ) وفي طريقي الى مدينة نمرود ، دعوت لأول مرة عددا من النساطرة الكلدان لمرافقتي ... " (ص 36) ... " في طريقنا الى العمادية توقفنا عند قرية بيبادي الكلدانية للأستراحة ، هي إحدى القرى القليلة التي بقيت على المذهب النسطوري ... السكان يعيشون في حالة مزرية ... " (ص 119 ) . وكان لايارد قد قام بزيارة الكنيسة وإلتقى مع كاهنها قاشا مندي و قضى بضعة ايام في ضيافة باشا العمادية غادرها متجها الى منطقة البروار ، ويستطرد لايارد في مكان آخر فيقول " غادرنا مدينة العمادية وسرنا بإتجاه الوادي الغني ببساتين الفاكهة والمياه الوفيرة مجتازين عشرات القنوات والجداول . ... وادي البروار وادي كثيف وغني باشجار البلوط والجوز والفواكه الاخرى ... زعيم المنطقة هو عبدالسلام بك القاسي والشديد المراس الذي عامل المسيحيين بكل قسوة وشتت شملهم ... القرى مسكونة من قبل الأكراد والكلدان النساطرة ، وليس هناك بينهم كاثوليك .. " (ص 124 – 125 ) . وبعد أن أنهى لايارد تجواله في منطقة العمادية و(البرواري بالا) أتجه ومرافقوه نحو قلعة كمري مقر عبد السلام بك ، يقول لايارد : " في طريقنا الى مقر زعيم المنطقة مررنا بالعديد من القرى المنتشرة في المنطقة التي تكثر فيها البساتين والينابيع والجداول وبعد ان انهينا زيارتنا غادرنا كمري وبعد مسيرة صغيرة ادركنا الليل عند قرية ( ميا ) ، هناك قريتان بهذا الأسم ، العليا يقطنها المسلمون ، والسفلى يقطنها النساطرة الكلدان ... " (ص 126 ) . وقد قضى لايارد ليلته في قرية ميا المسيحية ضيفا مكرما عند احد اعيانها . ومن ثم غادرها متجها نحو منطقة ( تياري ) برفقة مجموعة من الأكراد الذين أوصلوه الى حدود تياري فقط – لم يتجرأ الأكراد المرافقون أن يدخلوها - عند الطريق المؤدي الى أشيثا . يتحدث لايارد في هذا الفصل بشيئ من التفصيل نقلا عن سكانها ، عن المذابح التي إقترفها بدرخان في منطقة أشيتا ومينيانيش وليزان التي راح ضحيتها أكثر من عشرة الاف من الكلدوأشوريين السريان عام 1843 م .
في أشيتا إستضافه الريس يعقوب زعيم أشيتا ، وهناك إلتقى بوجهاء البلدة والكهنة الذين أتوا للترحيب به ، وبعد أن إستراح قليلا أعطى للريس يعقوب رسالة البطريرك مار شمعون (ص 130) التي قبلها ووضعها فوق رأسه إحتراما وتبجيلا ، ومن ثم سلمها للقسس والوجهاء الموجودين والذين عملوا نفس الشيئ بتقبيل رسالة مار شمعون ، ومن ثم قام القس كيوركيس بقراءتها بصوت عالي .
بعد أن قضى بضعة أيام في أشيتا غادرها راجعا الى الموصل عن طريق زاويثا التي إستقبل فيها بحفاوة بالغة من قبل سكانها وكهنة المنطقة ( قاشا كنا من ليزان ، قاشا يوسب من سياثا ) الذي يقول عن الأخير بأنه من أكثر المتعلمين بين النساطرة الكلدان ( ص 136 ) ، لقد تمت قراءة رسالة مار شمعون بإهتمام بالغ وتقدير كبير . ويتحدث لايارد عن الدمار الكبيرالذي حل في المنطقة ، فقد دمرت مئات البيوت ، وقتل العديد من أبنائها وكهنتها ، سويت بالأرض العديد من الكنائس ما عدا قرية زاويتا التي سلمت من المذابح . بعد أن قضى بضعة أيام في زاويتا غادرها متجها نحو نهر الزاب حيث قرية ( مركه) وقرية (مينيانيش) ذات البساتين المثمرة التي يصفهما وكأنهما فردوس أرضي وسط غابة كثيفة ، فيها من وفرة المياه والخيرات والمناظرالطبيعية الخلابة ، ومن هناك ذهبوا الى منطقة ( ليزان ) عبر جسر خشبي أنشأ على نهر الزاب ووصلوا الى قرية كلدانية تدعى (شورده) (ص 144) التي دمرت من قبل نورالله بك ، ومنها عبروا الى منطقة ( راؤولا ) المؤدية الى منطقة( تخوما و تياري ) حيث استقبلهم مالك خوشابا زعيم القبائل هناك الذي استضافهم ، وبعد ذلك قاموا بزيارة قرية (كيزا) وقرية (بيريجاي) التي يصف سكانها بأنهم أكثر الناس أناقة بين النساطرة الكلدان ( ص 147 ) وهناك حضر مراسيم القداس باللغة الكلدانية (ص 148) ويتحدث لايارد بإسهاب عن التعاليم التي نادى بها نسطوريوس وأوجه الخلاف مع العقيدة الكاثوليكية ، ثم يتحدث عن عادات وتقاليد السكان وعن لهجاتهم التي تختلف بعض الشيء عن لهجة سكان سهل نينوى . ويقول ان سكان هاتين القريتين هم من أثرياء المنطقة لما يملكوه من مزارع وقطعان من الأغنام والأبقار . وقد اخبره أحد ملوك (تخوما السفلى) بأن الكلدان لا يسافرون يوم الأحد مطلقا ( ص 151 ) . ومن هناك اتجهوا نحو منطقة ( الباز) بعد ان توقفوا في قرية ( كندكثا ) اخر قرى منطقة تخوما حيث التقوا مع قاشا بوداقا الذي كان يتمتع بإحترام كبير لدى القبائل الكلدانية ( ص 153 ) .
تعقيبا على ما أورده لايارد ، نقول :
أن هذه التسمية على ما يبدوا كانت شائعة بين أبناء شعبنا في مناطق شمال العراق وجنوب شرقي تركيا ، وهذا ما كانوا يؤمنون به ، متمسكين بعقيدتهم النسطورية التقليدية وبهويتهم القومية الكلدانية ، ولم يكن ذلك الأيمان مقتصرا على الرعية وحسب ، بل هذا ما كان يؤمن به رعاة كنيسة المشرق من المطارنة والأساقفة والبطريرك نفسه ، وقد أكدته العديد من الوثائق التاريخية والمراسلات التي قام بها مطارنة وبطريرك كنيسة المشرق ، وقد أورد المطران سرهد جمو في بحث نشره في كلدايا نت بعضا من هذه الوثائق ، منها خمسة رسائل محفوظة في مكتبة قصر لامبث في لندن مقر رئيس أساقفة كنتربري ، وهي :
• رسالة أرسلها المطران مار يوسب الى سيدة إنكليزية تدعى وورن بتاريخ 13 آذار 1879 م ، معرفا نفسه " ميطروبوليط الكلدان النساطرة المشرقيين " ومذيلا رسالته بختم الذي يقرأ " محيلا ميطرابوليطا د كلدايي " .
• رسالة البطريرك روويل شمعون الى أدور رئيس أساقفة كنتربري بتاريخ تشرين الأول 1884 م ، معرفا نفسه " من روويل شمعون بنعمة الله بطريرك جاثاليق المشرق، مدبر كنيسة الكلدان العريقة " ، طالبا دعما منه بقوله " فيكون عونكم سببا لأتحاد أجزاء الكنيسة الكلدانية الأربعة ... " وقد ذيل رسالته بختمه الذي يقرأ : " محيلا شمعون باطريركا د كلدايي " .
• ورد في رسالة الربان يونان التي بعثها الى رئيس أساقفة كنتربري بتاريخ 8 تشرين الأول 1884 كلداني – السطر 21 و 22 ما يلي : " إننا نمنح هذا السلام – سلام المسيح – لكل من يقبل سلامنا ، نحن النساطرة الكلدان المشرقيين ... " .
• رسالة الميطروبوليط خنانيشوع المؤرخة سنة 1895 الى ابناء كنيسة المشرق في ابرشية اورمية وربوع كردستان ووثّقها بختمه المألوف الذي يُقرأ: "محيلا خنانيشوع ميطراﭙوليطا دكلدايي". ورسالته الثانية الى رعيته في 13 أيلول سنة 1906، وصادق عليها بالختم ذاته قرب عنوان الرسالة: "محيلا خنا نيشوع ميطراﭙوليطا دكلدايي".
• وفي رسالة أرسلها البطريرك مار إيشاي شمعون من مدينة نيقوسيا في قبرص في العشرين من أيلول 1933 ، مذيلا رسالته بلقبه الرسمي " محيلا شمعون باطريركا د كلدايي " وبختمه الأرامي الذي بقرأ : " محيلا شمعون باطريركا د كلدايي " ....

يستدل مما تقدم أن التسمية الكلدانية كتسمية إثنية وقومية كانت متداولة لدى أبناء كنيسة المشرق ذات العقيدة المشرقية التقليدية والتي تسمى مجازا (بالنسطورية ) أواسط القرن التاسع عشر ، وما أوستن هنري لايارد إلا أحد شهود العيان وموثقيها . ورب سائل يسأل ما الذي أتى بالكلدان الى المناطق الأشورية التاريخية .للإجابة على هذا السؤال ، أقول : أنها نتاج الصراعات السياسية في بلاد ما بين النهرين وتحديدا ما بين الكلدان والأشوريين وما نتج عنها من قهر وتدمير وتهجير خلال القرن الأخير من عمر الدولة الأشورية وبالأخص خلال حكم السلالة السرجونية ( 721 – 609 ق م ) التي كانت الممالك الكلدانية في جنوب البلاد مطمحا وهدفا أعلى للملوك الأشوريين لألحاقها بالدولة الأشورية ، فقد جاء في حوليات الملوك الأشوريين إنهم رحلوا من الكلدان ما يقارب من نصف مليون كلداني من الممالك الكلدانية وأسكنوهم في مناطق متفرقة من البلاد الأشورية . ( للوقوف على تفاصيل الحملات الأشورية على الممالك الكلدانية مراجعة مقالاتي المنشورة بهذا الخصوص من كتابي " الكلدان والمسألة الكلدانية " ، وكتاب ديفيد لوكنبيل " المدونات القديمة للملوك الأشوريين " طبعة شيكاغو ، وكتاب أودد " الترحيل والمرحلون في عهد الدولة الأشورية " . ) ناهيك عن الأحداث الجسام التي طالت بلاد ما بين النهرين بعد سقوط الدولة الأشورية عام (612-609 ق م ) وسقوط الدولة الكلدانية عام (539 ق م ) وما تمخض عنها من قهر وإضطهاد وترحيل وتهجير على يد شابور (القرن الرابع الميلادي ) وبعض الخلفاء (القرن الثامن والتاسع ) والمغول (القرن الثالث عشر والرابع عشر ) وغيرهم عبر مسيرة عشرات القرون ، بحيث أصبحت مناطق شمال العراق وجنوب شرق تركيا لما تتميز به عن حصانة طبيعية عاصية الحاضنة الرئيسية لمحصلة الشعب الكلدوأشوري ، فإختلط الشعبان وتجانسا على كل الصعد ثقافيا لغويا تاريخيا وإجتماعيا . آصرهم المصير المشترك والسيف الذي طالهم بدون تمييز بسبب عقيدتهم المسيحية. أليس من المؤسف أن توحدهم المسيحية وتفرقهم مذاهبها . إن في عروق كل أشوري دم كلداني ، وفي عروق كل كلداني دم أشوري ، ولا تستطيع أن تميز بينهم لولا إنتمائه لهذه الكنيسة أو تلك أو لهجته الجبلية أو السهلية التي حتمتها الظروف البيئية والأجتماعية المحيطة بهم . وبسبب هذا الأختلاط الأجتماعي المشترك والتصاهر والتناسب فيما بينهم عبر هذه القرون العديدة تستحيل معه النقاوة الأثنية والعرقية ، فليست هناك قومية كلدانية خالصة ولا قومية أشورية بحته ، ولكن تأكيدا فأن جميعهم ( كلدوأشوريون) . وهذا شأنهم شأن الشعوب الأخرى التي مرت بتغييرات إثنوغرافية عبر الزمن .
أما الذين يدعون أن الأشوريين قد إنمحوا من وجه الأرض بعد أن سقطت دولتهم (612 ق م ) وأن الكلدان إندثروا وإنصهروا مع الموجات العربية في القرن السابع الميلادي ، فذلك محظ هراء وإدعاء باطل ، فالشعوب لا تموت مهما كان قهرها كبيرا ، فلا الفرس ولا المغول ولا الأتراك إستطاعوا قلع الأمة من جذورها قديما ولن يستطيع غيرهم لا الآن ولا في قادم الأزمان ، فالكلدوأشوريين شعب حي ، محب للحياة ، محب للخير والسلام للجميع ، مؤمن بعقيدته الدينية والقومية والوطنية ، وستبقى شعلته القومية واقدة وحية الى ما شاء الله .

حبيب حنونا
[منقول]
«يمكن ان تكون الكذبة قد جابت نصف العالم فيما الحقيقة لا تزال تتأهب للانطلاق».‏ مارك توين