المحرر موضوع: الشَّاعر المبدع د. يوسف سعيد إلى مثواه الأخير  (زيارة 952 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صبري يوسـف

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 96
    • مشاهدة الملف الشخصي
الشَّاعر المبدع د. يوسف سعيد إلى مثواه الأخير




تمَّ تشييع جنازة الأب الشاعر د. يوسف سعيد في سودرتالية، إحدى ضواحي ستوكهولم، اليوم 27. 2. 2012، ضمن مراسيم دفن مهيبة، حضر مراسيم الدفن الكثير الكثير من الأهل والأصدقاء والمحبين والمهتمِّين بالأب يوسف سعيد كاهناً بديعاً وبالشاعر يوسف سعيد مبدعاً خلاقاً، ليلقوا عليه النظرة الوداعية الأخيرة ويشّيعونه إلى مثواه الأخير.
إن أروع ما كان يمتاز به الأب الرَّاحل هذا الهارموني البديع بين النزوع الرُّوحي والإبداعي، حيث كانت القصيدة عنده جزءاً لا تتجزَّأ من عوالمه الرُّوحية الشَّفيفة، وهو برأيي أحد أهم الشعراء في خلق هذا التوازن الخلاق، ومَن يقرأ نص الشَّاعر الراحل، يشعر أنه أمام كائن شفيف مثل زرقة السماء، نجمة متلألئة بالفرح، أو كأنه نسمة غافية فوق أزاهير نيسان، ينتظر عودة السنونو إلى أحضان الربيع، لديه لغة شعريّة مبهرة، عميقة، مليئة بالصور الجديدة، فضاءاته لا تخطر على بال، ينسج في سياق نصّه أحياناً مفردات شعبية، أو عامّية بانسيابية راقية وكأنّها مفردة قاموسية فصحى من حيث مدلولها وإيقاعها الهادئ فوق خيوط القصيدة، يبدو لي وأنا أقرأ نصوصه كأنّي في حضرة ناسك متنسّك لبهجة الشِّعر، ناسك من طراز القدِّيسين والرُّهبان الحقيقيين، ولكن برهبانيّة حداثوية خلاقة، من حيث تبتُّله ليراعِ الشّعر والروح والحياة، لم ألتقِ به يوماً إلا والبسمة كانت مرتمسة على وجهه كأنه مبلَّل بماء الطفولة الأزلي. وكم توقّفت عند قصيدة الطفولة التي كانت مناسبة لأن تكون مدخلاً لملحمة شعرية مفتوحة على شهقة الشفق، وسألته في أكثر من حوار تلفزيوني عن هذا النص البديع على أنه غير منتهي، لأنه مفتوح على عوالم ثرية باذخة في حبق الإبداع من حيث تجلِّيات الحالات والصور واللغة وكيفية اسقاط عوالمه في رحاب الطفولة، فكان يؤكِّد لي أن النص فعلاً لم يكتمل وممكن أن يستكمله، ولكن الأب يوسف سعيد رحل ولم يتمم نصّ الطفولة ولا نصوص: الأرض، التراب، السماء، الماء ..
 أسفار الأب يوسف سعيد كانت كما جاء في عنوان أحد دواوينه: السفر داخل المنافي البعيدة، أسفار عميقة الأغوار، لأنها تنبع من تدفقات شاعر معرّش في دماء القصيدة، حيث كان الأب الشاعر يسوح في فضاء القصيدة بحرية مطلقة، لا يحدّ من كتابة نصه أي رقيب أو حسيب، يصغي إلى مشاعره وخياله وتدفُّقات روحه التي كانت متهاطلة مثل زخَّات المطر وكأنَّها بسمات الأطفال وهم يرتمون بين أحضان أمهاتهم. 
 سيتم إقامة صلاة القدَّاس والجناز على روحه يوم السبت القادم 3. 3. 2012 في نفس كنيسة مار أفرام في سودرتالية، كما سيتم إقامة حفل تأبين أدبي للأب الشاعر الراحل بتاريخ 11. 3. 2012، الساعة الرابعة في صالة مار أفرام، حيث سيشارك بكلمات تأبينية أدبية ونصوص شعرية مجموعة من أصدقاء الشاعر الراحل الأحياء من جماعة شعراء كركوك، إضافة إلى مجموعة من الشعراء والأدباء والفنانين وأصدقاء الأب يوسف سعيد من داخل وخارج السويد، كالشاعر فاضل العزاوي والشاعر صلاح فائق والشاعر عدنان الصائغ والشاعر إسحق قومي والشاعر هشام القيسي والشاعر هاتف الجنابي والشاعر وليد هرمز والشاعر شربل بعيني وآخرين .. وفي هذه المناسبة أرى من الضروري بل من الضروري جدّاً أن يقيم إتّحاد الكتاب والأدباء العراقيين حفل تأبين أدبي للأب الشاعر يوسف سعيد في بغداد وفي كركوك لأنه أحد كبار شعراء الحداثة الشعرية في العراق والعالم العربي وهو من جماعة شعراء كركوك البارزين الذين تركوا أثراً كبيراً في الشعر العراقي والعربي، وهكذا رحل الأب الشاعر يوسف سعيد وترك لنا القصيدة ترفرف عالياً. ستبقى أيّها الشاعر المبدع خالداً فوق جبهة الحياة، ستزورُنا عبر قصيدتك في الصَّباحات الباكرة، وفي رابعة النّهار وفي اللَّيل الحنون ونحن في أعماقِ الحلم! 
ألستَ القائل يا صديقي المعرّش في مآقي الرُّوح؟!
"وحدُها الفراشات تستريحُ فوقَ أجنحةِ البرق"


صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com