المحرر موضوع: حال المرأة بعد الثورات العربية !  (زيارة 639 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سهر العامري

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 122
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حال المرأة بعد الثورات العربية  !  
                   
سهر العامري
ليس المرأة هي وحدها التي ستصاب بخيبة أمل كبيرة ، وإنما الكثير من القوى الديمقراطية والتقدمية التي ساهمت مساهمة مباشرة في الثورات الشعبية التي نزلت في بعض من البلدان العربية ، والسبب في ذلك هو أن نتائج تلك الثورات خضعت لإرادات سياسية خارج إرادة الناس ، نساء ورجالا ، أولئك الذين هبوا الى الشوارع من أجل تغيير ما استطاعوا تغييره من واقع سئموا العيش فيه ، ولكن هذا التغيير كان محسوب النتائج إن لم أقل كان مضبوطا حسب تفاهمات داخلية وخارجية لعبت دورا مهما ومؤثرا في سير أحداث تلك الثورات وبشكل مباشر ( الحالة الليبية مثلا ) ، حتى يخيل للمرء أن ضبط نتائج تلك الثورات يضارع الى حد بعيد ضبط نتائج الانقلابات العسكرية التي جرت في البلدان العربية بعيد الحرب العالمية الثانية ، والتي سارت باتجاه القومية العربية كشعار وحسب ، بينما نرى أن ثورات اليوم تضبط بذات الشاكلة ، ولكن باتجاه ما يسمى الإسلام المعتدل !
وإذا كانت المرأة قد تمتعت ببعض المكانة الاجتماعية من حيث المظهر في الأكثر وببعض من المكانة الاقتصادية في الأقل على مدى حقبة نتائج الانقلابات العسكرية المذكورة نجدها اليوم في توجهات أسلمة المجتمع الغارقة في ردة رجعية تحارب لا لشيء إلا بسبب مظهرها الخارجي ، وهذه المرة وفق تشريعات رسمية مثلما يظهر ذلك جليا في تعليمات وزارة المرأة العراقية الخاصة بملبس النساء اللائي يزاولن العمل في دوائر الدولة.
والشيء بالشيء يذكر هنا فقد كنت واقفا بعيد الثورة في إيران في تقاطع شارع طالقاني مع شارع آخر من العاصمة الإيرانية ، طهران ، وفي مواجهة بناية حكومية ، وإذا بفتاة إيرانية يانعة تطلب مني أن أمسك كيسا كانت تحمله بيدها ، لبيت رغبتها أنا لكن سرعان ما تبين لي أنها استبدلت الحذاء الذي كانت تلبسه بالحذاء الموجود في الكيس ، وحين سألتها عن السبب وعن حالة الرعب التي تعيشها قالت : ( إنني اعمل في دائرة حكومية من هذه البناية ، وهي دائرة  تحرم  على النساء لبس الأحذية النسائية العالية ، وتريدنا أن نلبس أحذية رياضية مسطحة بدلا عن ذلك!)
لقد صارت المرأة بعيد تلك الثورات العربية المضبوطة تعامل وفقا للمظهر ، حتى أن ذلك صار شرطا مفروضا عليها إن هي أرادت الحصول على عمل ، أو وظيفة حكومية ، أو مراجعة دائرة ما من دوائر الدولة ، وربما مضى الحال بها بعيدا عن ذلك حتى وصل الى النواحي الاجتماعية كالزواج مثلا ، فوفقا لتلك النتائج المضبوط  صار من الافضل لها أن تبدل مظهرها الحديث بالمظهر القديم ( الحجاب ) إذا ما أرادت أن تحصل على زوج ، وهذا ما حدا بالكثيرات أن يرضخن لهذا الواقع بل صار البعض منهن يدافع عنه رهبة في غالب الأحيان ، ورغبة في أقلها.
إن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة العربية يشهد نكوصا بينا ، وتراجعا واضحا بعد النتائج التي أفضت إليها تلك الثورات ، وقد استسلم الكثير من النساء ، إن لم أقل الأغلبية المطلقة لهذا النكوص ، وذاك التراجع ، وصرن في أفضل الحالات صورا تغاير صور الرجال في ديكور بعض البرلمانات العربية ، أو قل إن الحصة ( الكوتا ) هي وحدها التي صعدت بهن لتزين الديكور المذكور من أجل إخفاء الواقع المر الذي تعيشه ملايين النساء في البلدان العربية ، ولهذا السبب لم نسمع لامرأة ما في البرلمانات العربية صوتا عاليا يدافع عن المعاناة الاجتماعية التي تعيشها الناس أو لم نسمع لها صوتا ، في الأقل ، يدافع عن بنات جنسها ، فهي في أفضل الحالات تردد ما يريده الحزب منها ، فهو الذي وفر لها تلك  الحصة كي تجلس على مقعد برلماني ، وعلى العكس من ذلك فقد سمعنا أصواتا لنساء قليلات العدد يدافعن بجدارة عن الناس الفقراء المحرومين وعن النساء المعذبات بالفاقة والظلم ومن مواقع اجتماعية لا تمت لـ ( لكوتا ) بصلة .
إن أقسى مظاهر الردة الرجعية التي تتعرض لها المرأة من قبل الكثير من الحركات المتأسلمة تتمثل في حرمان المرأة من مزاولة العمل والدراسة ، وقد وصل الحال ببعض تلك الحركات الإسلامية ! الى تحريم تعليم النساء ومنع الفتيات من الذهاب الى المدرسة ، بينما راحت حركات أخرى تحث الناس على تزويج بناتهم في سن مبكرة ، وعدم السماح لهن بمواصلة دراستهن ، وذلك صونا لأعراضهن مثلما يعتقد منظرو تلك الحركات ، ولهذا تشاهد في بلدان الثورات العربية أو تلك البلدان العربية السائر على ذات النهج فيضا كبيرا من النساء خارج النشاط الاجتماعي - الاقتصادي في مجتمعاتهن ، حتى صارت الأغلبية منهن تعيش على التسول من هذه الجهة أو تلك ، حكومية كانت تلك الجهة أم اجتماعية ، والذنب ليس ذنبهن إنما ذنب السياسة المنتهجة في هذا البلد أو ذاك ، والتي لا تخلو من التبريرات المملة حين يتعلق الأمر بحالة النساء أو بغيرها ، وسيكون المسؤول عن ذلك في غالب الأحوال هو صدام حسين أو حسني مبارك !
يظل التحرر الاقتصادي هو العامل الرئيس في تحرر المرأة اجتماعيا ، وهو ضمان تخلصها من تبعيتها المادية للرجل ، وعلى ذلك يتوجب على الحركات النسوية والقوى التقدمية المناصرة لتحرير المرأة أن تحث النساء على التعلم ومواصلته وتبيان فوائده بالنسبة لها وللمجتمع الذي تعيش فيه ، وأن تحث النساء كذلك على العمل الذي يشكل خلاصها الوحيد من النظرة الاجتماعية التي تراها على أنها مخلوق ضعيف خلق من ضلع زائد في الرجل .
يظهر من كل ما تقدم أن هناك مهمة غاية في الصعوبة أمام كل المناضلين والمدافعين عن حقوق النساء في المجتمعات العربية التي طرأت عليها تغييرات سياسية في الحكم تتمثل تلك المهمة في التصدي لكل الأساليب والأفكار التي تريد أن تعود بالمرأة الى أيام ما قبل العصر الحديث ، وعلى المرأة وأولئك العودة والتعلم من التراث العالمي والتراث العربي المناصر لحقوق النساء العربيات خاصة تلك الأفكار التقدمية التي حملتها ظهور الصحف والمجلات العربية في أواخر القرن التاسع عشر أو مطلع القرن العشرين وما أعقبه من سنوات . عليهم وعليهن مراجعة أفكار قاسم أمين ، في كتابه تحرير المرأة الذي نشر سنة 1899 وبدعم من الشيخ محمد عبده وسعد زغلول لطفي السيد والذي رأى فيه أن حجاب المرأة ليس من الإسلام وإن الدعوة الى السفور ليست خروجا عن الدين . علينا قراءة قصائد الشعراء من أمثال جميل صديقي الزهاوي :
اسفري فالحجاب يا ابنة فهر .... هو داء في الاجتماع وخيمُ
كل شيء الى التجدد ماض ٍ.....فلماذا يُقــر هـــذا القديــــــمُ
علينا أن نقتنع تماما أن الصراع بين القديم والجديد صراع أزلي ، ولكن يجب علينا كذلك أن نثق بحتمية انتصار الجديد أبدا ، فالإمام علي عليه السلام يقول :
لا تعلموا أبناءكم على أخلاقكم ، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم .