المحرر موضوع: يوميات ايرانية ( 22 ) بوادر تململ في المجتمع الايراني  (زيارة 1490 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Adel Habba

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 30
    • مشاهدة الملف الشخصي
يوميات ايرانية  ( 22 )

عادل حبه
بوادر تململ في المجتمع الايراني
إن "الثورة البيضاء" التي رفع رايتها الشاه في بداية العقد السادس من القرن الماضي، والتي أسماها الشاه لاحقاً بـ "ثورة الشاه والشعب"، كانت قد أعلنت في الاساس نتيجة لضغوط الولايات المتحدة الامريكية التي كانت تخشى، كما اشرت سالفاً، من ان استمرار ازمة النظام وعزلته قد يؤدي الى احداث يصعب السيطرة عليها والتنبؤ بها، مما يهدد مصالح الولايات المتحدة والغرب في المنطقة بعد ان تلقت هذه المصالح ضربة جدية إثر اندلاع ثورة 14 تموز عام 1958 في العراق وانهيار الحكم الملكي وحلف بغداد. كانت الاجراءات التي اتخذت في ايران ضمن إطار ما سمي بـ "ثورة الشاه والشعب" سطحية وغير جذرية ولاتستجيب حتى لمتطلبات التطور والتنمية الرأسمالية، وهو الهدف من كل هذه الاصلاحات. ان السبب في ذلك يعود الى ان النظام السياسي بقي في غاية الاستبداد والفساد، وهو ما يعرقل اية خطوة للتحديث بما فيها الاصلاحات الرأسمالية. فالرأسمالية تنتعش في ظل من الليبرالية الاقتصادية والسياسية، وهي كانت شبه معدومة في ظل النظام الشاهنشاهي. فقد إحتكرت العائلة الشاهنشاهية وتابعيها من الايرانيين المتنفذين ملكية المشاريع الصناعية والزراعية الحديثة. فلا يحق اقامة المشاريع الصناعية والحصول على التسهيلات التجارية والمالية والبنكية الا لمن ينتمي الى العائلة الشاهنشاهية والمحيطين بها وكبار ضباط الجيش والمخابرات. وهذا يعني تحديد مبدأ المنافسة المطلوبة في اي تطور ناجح في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الرأسمالية. فهذا النهج ينطوي على كل عناصر الفشل في عملية يراد منها تحديث المجتمع، ولا يؤسس الاّ لاقتصاد مشوه وهش. لقد استعار الحكام العرب هذه "التقليعة"، ووزع هؤلاء الحكام اموال الدولة على العائلات الحاكمة ومريديها، واحتكروا شهادات الاستيراد والتصدير وملكيات المشاريع الصناعية والزراعية والمشاركة في المؤسسات الاجنبية العاملة في البلاد للعائلة الحاكمة والمحيطين فقط. وكانت النتيجة تنمية فاشلة وفساد وهوة خطيرة في توزيع الثروة الوطنية ومأزق يلي المأزق في كل جوانب النشاط الاقتصادي والاجتماعي. ولعل ابرز مثال هو ما حصل في العراق على يد "الثورة البيضاء" لحزب البعث عام 1968، والذي يستحق ان يكون شاهداً حياً على هذا الخيار العقيم. ولهذا لم تؤدي تلك التدابير "الاصلاحية" في ايران الى تحقيق اهم شئ كان يحتاجه الحكم وهو توسيع قاعدته الاجتماعية. فقد حدث العكس في النظام السياسي، حيث تعمقت الاجراءات البوليسية وسياسة القمع للحريات العامة، وتم تجاهل الدستور والقوانين وسحق اية مطالبة بإجراء اصلاحات سياسية ديمقراطية في نظام الحكم. وبالرغم من اعلان الشاه في "ثورته المزعومة" عن اصلاحه الزراعي، ولكن هذه الاصلاح دمر الزراعة التقليدية في البلاد دون ان تحل محلها منظومة متطورة للزراعة الرأسمالية بسبب ضعف الامكانيات المالية للغالبية الساحقة من الفلاحين الفقراء والمتوسطين. فالملاكون الكبار والرأسماليون الجدد العاملون في القطاع الزراعي، اضافة الى كبار العسكر ورموز اجهزة القمع، كانت لديهم الامكانية لمنافسة غالبية الفلاحين الساحقة في مجال الحصول على المياه، هذه المادة الثمينة والهامة في ظروف ايران.ان الامكانية المادية لهؤلاء تبيح لهم حفر الآبار العميقة، على سبيل المثال، وشفط كل مخزون المياه من منظومة " الكهاريز" * التقليدية والابار غير العميقة في البلاد لصالحهم وعلى حساب غالبية الفلاحين الذي ضاق عليهم الامر في الحصول على المياه الازمة للزراعة ولسد حاجاتهم اليومية. وكانت النتيجة تعثر وتائر زيادة الانتاج الزراعي وهجرة واسعة للفلاحين الى المدن الكبيرة. كما لم يتقدم النظام في اطار اصلاحاته وضجيجها بأية خطوة نحو الاستجابة للمطاليب القومية للاقوام غير الفارسية القاطنة في ايران كالآذربايجانيين والكورد والعرب والتركمان والبلوش واللر والسويحليين، والتي تشكل نصف السكان، او الطوائف الدينية والمذاهب المتعددة في البلاد. ومن المنطقي ان تؤدي هذه السياسة الفاشلة من جديد الى خلق ارضية خصبة لتنامي نشاط المعارضة بكل اطيافها ومن منطلقات متباينة في المجتمع والاقاليم. وتعرض النظام الى هزات وأزمات سياسية الى جانب استمرار الاضطرابات المتنوعة في البلاد.
لقد حاول النظام اللجوء الى استخدام رموز ليبرالية في ادارة الدولة، على شاكلة إستخدام الحكم في العهد الملكي في العراق الشخصية الليبرالية الدكتور فاضل الجمالي لترأس الوزارة وإقامة قدر من الاصلاحات والتخفيف من كابوس النظام البوليسي، ثم أعقبه أرشد العمري الذي أجرى انتخابات " مزورة"، ولكن تسنى للمعارضة الفوز بـ 11 مقعد من أصل 131. الا ان نوري السعيد لم يتحمل الجمالي ولا ارشد العمري وسياستهما " الاصلاحية" المدعومة من الولايات المتحدة ولا نتائج الانتخابات. فقام نوري السعيد بـ"إنقلابه" و "أطاح" بأرشد العمري وليعود نوري السعيد بكامل "قبضته الحديدية" وثقله القمعي على العراق. ففي ايران، جرى ما يشبه ذلك، حيث تم اختيار علي اميني لهذا الغرض أيضاً لتحسين صورة النظام في الداخل والخارج. ولكن هذه الشخصية لم تستطع الاستمرار وسرعان ما تم استبدالها بحسن علي منصور، لان أميني كان يصطدم في كل خطوة يريد القيام بها مهما صغرت بموقف المستبد الاكبر وهو الشاه، وهو ما يتناقض مع السعي الليبرالي المحدود لعلي أميني، الذي ما لبث أن أزيح من كرسي الوزارة.
وهكذا بدأت مرحلة جديدة من نشاط المعارضة رغم الضغوط القاسية. ولم تقتصر المعارضة على التيار الديني المتشدد الذي كان يقوده السيد روح الله الموسوي الخميني، بل تعداه الى مساعي لاحياء الجبهة الوطنية التي تزعمها المرحوم الدكتور محمد مصدق. وهكذا تم الاعلان عن تشكيل "الجبهة الوطنية الثالثة" في بداية العقد السادس، وكان احد اركانها حزب "نهضت آزادي" أو "نهضة الحرية" التي تزعمها المرحوم السيد محمود الطالقاني والمرحوم المهندس مهدي بازرﮔان والمرحوم الدكتور يد الله سحابي. إن حزب نهضة الحرية يجمع بين المضامين الوطنية والدينية والديمقراطية في العمل السياسي، ويعتبر إمتداداً لثورة المشروطة في بداية القرن العشرين. ويسعى هذا الحزب الى احياء المضامين الديمقراطية لثورة المشروطة والمتمثلة في تقليص صلاحيات الشاه وتكريس صلاحيات المجلس والمؤسسات المنتخبة. إن هذا الجمع بين مضامين دينية وديمقراطية في العمل السياسي هي ظاهرة جديدة تقريباً في الحياة السياسية الايرانية. فالحركات الدينية السياسية ورجال الدين قبل ذاك لا يعترفون بالديمقراطية ويعدونها بدعة غربية، وبعضهم يعدها والى الآن ضرباً من الكفر والألحاد والدعارة والتفسخ. لقد تم إعتقال قادة هذا الحزب وبعض كوادره وجرى الحكم على الشخصيات البارزة المشار اليها أعلاه بالحبس لمدة عشر سنوات من قبل المحكمة العسكرية بتهمة التحريض ضد النظـــــام وضد الشاه ، كما حكم على كوادر أخرى من الحزب بإحكام أخرى أخف.
           
      المرحوم آيـــة الله السيد                     المرحوم مهدي بازرﮔان                    المرحوم الدكتور يد الله
         محمود الطالقاني                                                                                    سحابي
وتم إعتقال اطراف أخرى في الجبهة الوطنية الثالثة ومنهم قادة "جامعه سوسياليستها" او "المجمع الاشتراكي"، الذي يتزعمه خليل ملكي، والذي كان شخصية قيادية انشقت عن حزب توده ايران مبكراً لاسباب تتعلق بالمنهج وبالموقف من الاتحاد السوفييتي. ان الحكم الايراني لم يتحمل حتى هذا التنظيم الاخير رغم انه قد قدم خدمة غير مباشرة في مواجهة الخطر الذي شكله حزب توده ايران ضد الشاه ونظامه.
وإتسع هجوم النظام أكثر، وشن حملته من جديد ضد حزب توده ايران ايضاً، وهو الذي قيل انه قد تم تصفيته والاجهاز عليه من قبل الحكم ولم يعد له أي أثر. لقد اقدمت قيادة الحزب في الفترة المشار اليها، بسبب من ادراكها بتأزم السلطة الحاكمة، الى ارسال كوادر متقدمة في الحزب الى ايران شعوراً منها بتدهور الوضع السياسي والحاجة الى تحرك من قبل الحزب. وكان من بين من توجه الى الداخل عبر العراق هو الشهيد پرويز حكمت جو، عضو اللجنة المركزية والضابط الطيار السابق في القوة الجوية الشاهنشاهية، والذي هرب الى الخارج بعد ان فلت من الاعتقال بعد الانقلاب ضد الدكتور محمد مصدق. كما صاحبه الرفيق علي خاوري عضو اللجنة المركزية ايضاً، والسكرتير العام اللاحق للحزب في النصف الثاني من العقد الثامن في القرن الماضي، بعد تصفية قادة الحزب على يد حكم التطرف الديني الحالي في ايران في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي. ولكن وبسبب من تسرب الاستفزازي عباس شهرياري الى تنظيمات الحزب والذي كان عميلاً للساواك، فقد تم القبض عليهما وآخرين في خريف عام 1964 عندما حاولا عبور الحدود الى الاتحاد السوفييتي لحضور إجتماع اللجنة المركزية للحزب بعد ان اقيم لهما كمين من قبل الساواك.

                     
                          علي خاوري                                                 الشهيد پرويز حكمت جو
                    نوروز- ربيع عام 1967                                     نوروز – ربيع عام 1967
              سجن قصر - القسم الرابع - طهران                            سجن قصر – القسم الرابع - طهران
               صورة مهداة الى كاتب السطور                                  صورة مهداة الى كاتب السطور
كما شملت الاعتقالات منظمات سياسية في الاقاليم القومية وخاصة في كوردستان ايران وفي خوزستان (عربستان) وغيرها. لقد تصاعدت المعارضة بسرعة منذ منتصف عام 1964، لتتحول الى الاسلوب العنفي بكل أشكاله، وذلك لسببين، الاول هو داخلي نتيجة لسلوك النظام القمعي والذي سد الابواب أمام أمام اي بصيص من الامل وأي مسعى للخروج من الأزمة سلمياً. أما العامل الثاني فهو عامل خارجي حيث بدأت حركة واسعة على النطاق العالمي تنشر وتدعو للأسلوب العنفي في حل الصراعات السياسية، ومتأثرة بتيارات متنوعة كالماوية في جنوب شرقي آسيا، التي أعتبرت ان فوهة البندقية هي الحاسمة، وحركات المقاومة الفلسطينية في الشرق الاوسط التي اعتبرت الكفاح المسلح هو الاطار الوحيد لحل مأساة الفلسطينيين، والحركات الشيغيفارية أو تلك المتأثرة بالثورة الكوبية في أمريكا اللاتينية التي اعتبرت الكفاح المسلح الكوبي ونجاحه هو المطلق، علاوة على بدايات حركات التطرف الديني في بعض البلدان، ومنها على وجه الخصوص، في إيران ومصر. ولم يسلم من تأثير هذه التيارات التي تتبنى الاسلوب العنفي حتى الحركات او الاحزاب المتطرفة في البلدان الاوربية كالالوية الحمراء وغيرها.
في تلك الفترة جرى جدل حاد وواسع في ايران حول جدوى او عدم جدوى الاساليب العنفية، ومدى إمكانية هذا الاسلوب في إحداث تغيير في النظام السياسي الشاهنشاهي آنذاك. كان هناك من يرفض العنف، سواء الكفاح المسلح او النشاط الارهابي، لقصوره وسلبياته في عملية التغيير، ناهيك عن آثاره السياسية والاجتماعية اللاحقة، علاوة على تأثيره السلبي على أرساء مقومات الديمقراطية ودولة القانون في بلد المشروطة. فالجبهة الوطنية وحزب توده إيران وآية الله السيد روح الله الموسوي الخميني وحركات سياسية أخرى لم تحبذ أو لم تؤيد هذا الاسلوب. الا أن هناك حركات حديثة في الساحة الايرانية شرعت بتبني هذا الاسلوب وتدعو صراحة الى هذا النمط من العمل السياسي العنفي وتعبئ قواها لتنفيذه.
في يوم 21 شباط عام 1964، وبينما كان السجناء في سجن قصر مشغولين كل في أداء عمله، توقف الارسال من مكبرة الصوت المنصوبة في أعلى جدار السجن ليعلن الخبر الخطير التالي: لقد تعرض رئيس الوزراء حسن علي منصور الى محاولة اغتيال وهو في طريقه الى مجلس الشورى الوطني. وبعد أيام وفي 27 من شباط أعلن عن وفاته على أثر إصابته بخمس عيارات نارية. لقد تولى حسن علي منصور المسؤولية بعد أحداث صيف عام 1963 الدامية. وقد حاول في بداية توليه المسؤولية التخفيف من غلواء التيار الديني المتشدد الذي يتزعمه آية الله الخميني، ولذلك ارسل وزيره السيد جواد الصدر لمقابلة الخميني في مكان حجزه في "القيطرية"، وابلاغه بإطلاق سراحه على ان يغادر البلاد الى تركية. في يوم الاغتيال، كان من المؤمل ان يقدم رئيس الوزراء الى المجلس لائحتين أثارت الجدل والمعارضة في الشارع الايراني، وهي لائحة ما يسمى بـ"الكابيتالاتسيون"، وهي لائحة تعفي المستشارين الامريكان وعائلاتهم من ملاحقة القضاء الايراني، اضافة الى لائحة أخرى تتضمن إتفاقيات جديدة بين شركة النفط الايرانية وبين الشركات النفطية الامريكية والبريطانية. وأتضح لاحقاً أن من تولى مسؤولية عملية الاغتيال هي "جمعية المؤتلفة"، التي تعد إمتداداً لمنظمة سابقة هي "فدائيان إسلام". وتتمتع هذه المنظمة الآن بالنفوذ الاقوى في الحكم الديني المطلق القائم في ايران. ومما يثير التساؤل ان هذه المنظمة تعتبر الامام الخميني مرجعها الديني والسياسي، في الوقت الذي حرم فيه الخميني اللجوء الى العنف. وهذا التناقض ما يزال لغزاً ولحد الآن؟ فهل أن الخميني اعطى توجيهاته بالاغتيال أم لا؟ لقد تم القاء القبض على غالبية المشاركين في العملية وزعمائها ومنهم المنفذين المباشرين للعملية، وهم كل من صادق أماني ورضا صفار هرندي ومرتضى نيك نژاد ومحمد بخارائي. وهرب أحد المنفذين وهو اندرزﮔو والذي قتل في اثناء مواجهات مع الامن الايراني بعد 13 سنة، كما أعتقل بعض زعماء المنظمة، ومنهم كما يبدو الشخصية الاولى للمنظمة ومخططها الحاج مهدي عراقي. لقد كان عراقي قبلئذ عضو الشورى المركزية لمنظمة فدائيان اسلام التي جرى الاشارة اليها سالفاً، وأحد عناصرها النشطة والقريبة من نواب صفوي مؤسس هذه المنظمة في الاربعينيات. وقد اغتيل الحاج عراقي بعد الثورة على يد عناصر من منظمة مجاهدي خلق. وإعتقل ايضاً عسكر أولادي الذي يعد الشخصية الرئيسية للمنظمة في الوقت الحاضر كما يبدو، كما تم إعتقال أسد الله لاجوردي الذي احتل منصب مدير أخطر سجن في ايران بعد الثورة وهو سجن إيفين الرهيب، وكان لاجوردي أحد أبرز من ساهم في اعدام الالاف من السجناء السياسيين بما سمي بـحملة "تنظيف السجون" في عهد المتشددين الدينيين عام 1988، وإثر اعلان الخميني قبوله بقرار مجلس الامن الدولي بوقف الحرب العراقية الايرانية. وقد أغتيل لاجوردي هو الآخر في عام 1998 في طهران من قبل احد أطراف المعارضة الايرانية المسلحة.
وفي تطور لاحق لمسلسل الاحداث العاصفة في منتصف الستينيات، تعرض الشاه نفسه الى محاولة إغتيال داخل قصره " كاخ مرمر" على يد أحد جنود الحرس الشاهنشاهي المدعو رضا شمس آبادي في 10 آذار 1965. وقد قتل هذا الجندي بعد مواجهة داخل أروقة القصر مع الحرس الشاهنشاهي. وبعد التحقيقات، تبين أن هذا الجندي كان على صلة غير مباشرة، عبر شاب يمتهن تصليح المعدات الكهربائية من مدينة كاشان اسمه احمد كامراني، مع تنظيم جديد هو "المنظمة الثورية لحزب توده ايران"، هذه المنظمة التي إنشق بعض قادتها من حزب توده بتأثير من القيادة الصينية إثر الخلافات التي أندلعت بين الحزب الشيوعي السوفييتي والصيني في نهاية العقد الخامس وبداية العقد السادس من القرن الماضي. وقد بادرت كوادر من هذه المنظمة الى تشكيل خلايا داخل أيران منذ عام 1964 بعد عودة مجموعة من الطلبة من بريطانيا وفي مقدمتهم المهندس پرويز نيكخواه. كان نيكخواه الرأس المدبر ومخطط هذه المنظمة، والتي تضم بغالبيتها مهندسين خرجيين جدد من مختلف المعاهد البريطانية. وكانت المنظمة تخطط لتشكيل خلايا بين الفلاحين للقيام بحرب عصابات فلاحية بهدف احاطة المدن لاحقاً واسقاط السلطة فيها تماماً على غرار ما قام به الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماوتسي تونغ وأنصاره في الصين في الاربعينيات، وإطاحتهم بسلطة الكومنتانغ وتشيان كاي شيك، ولكن شتان في الفارق ما بين ظروف البلدين. إن هذه النزعة العنفية في العمل السياسي قد انتشرت في الحقيقة بين وسط غير قليل من الشباب المتحمس في البلدان النامية من الذين ضاقوا ذرعاً بحال بلدانهم وتجبر حكامهم، وإستهوتهم التجربة الصينية ورومانسيتها. وأمتلأت النشرات التي تورزعها هذه المنظمات بشعارات "الحرب الثورية الشعبية" وكراريس ماوتسي تونغ حول هذه الحرب، وأضحت هذه الكراريس انجيلاً مقدساً لوسط واسع من الشبيبة المتحمسين، على غرار ما يحدث الآن من شيوع التطرف والعنف بين وسط من الشبيبة ولكن بفتاوى دينية. الا أن مصير هذه المنظمة وخاصة نيكخواه كان درامياً بكل معنى الكلمة، وإنتهت نهاية مذلة، وسنأتي الى الحديث عن ذلك لاحقاً.
هذه النماذج المتباينة من التيارات السياسية، والتي تنطلق من منطلقات هي الاخرى متباينة وحتى متناقضة في معارضتها للحكم الشاه، والتي لا يجمعها ايضاً اي قدر من التنسيق او التوافق او الرؤية المتقاربة حول مستقبل ايران، فتحت عهداً جديداً من العمل المعارض الذي تصاعد واستمر وأتخذ ابعاداً دموية وعنفية لحين اندلاع الثورة الشعبية الايرانية في عام 1978 واطاحتها بحكم الشاه في عام 1979.
________________________________________
* الكهاريز هي منظومة قديمة لشبكات الري انتشرت في ربوع جبال وهضاب ايران وافغانستان وشرقي وشمال العراق. وهي منظومة متطورة رغم قدمها. وتعتمد على حفر آبار تتفاوت في العمق على سفوح الجبال والهضاب والمنحدرات، وتتصل ببعضها عبر انفاق تنتهي بآخر الآبار، الذي يحفر بعمق أكثر كي يتحول الى خزان للمياه المترشحة من الآبار التي سبقتها. وتستعمل المياه المتجمعة في البئر الاخير اما للزراعة او للحاجات المنزلية. وتعد الكهاريز المصدر الرئيسي لسد حاجة السكان من المياه النظيفة في المناطق التي تنعدم فيها الانهر والمياه السطحية. وما زالت هذه المنظومات موجودة في بعض مناطق شرق العراق وفي السليمانية أو آثار واشهرها كهاريز جبل سنجار، رغم اقدام الحكومات المتلاحقة على اهمالها او اقدام الحكم الصدامي على دفن وتخريب الكثير من هذه المنظومات القديمة.[/b][/size][/font]