المحرر موضوع: من موروثنا الشعبي قَرا صَومي ( صَومكي )  (زيارة 995 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بدران امـرايا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1003
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
من موروثنا الشعبي
قَرا صَومي ( صَومكي )
                         
       
بدران امرايا



 للأعيادنا القومية والدينية مكانة واعتبار كبيرين عند شعبنا الكلدو آشوري السرياني منذ القديم وحتى الآن, فكانت لهم مراسيم وطقوس وفعاليات متنوعة جملية وممتعة ومسلية يمارسونها على شاكلة مجموعات وأفراد , وهنا سأتطرق إلى إحدى تلك الفعاليات.

وهي  قرا صومي اسم سرياني مركب معناه قا  ارايا  صومي  أي بمعنى  نحو مَسك الصيام  او  صومكي , صامانا أي المهرج المخيف والمضحك .وهو اسم لطقس كوميدي جماعي, كان أبناء شعبنا يحيون ممارساته الشيقة لحبهم وإيمانهم الكبيرين بالديانة المسيحية وارتباطهم العتيد والأزلي  بطقوسها واستقبالها بتلهف وغبطة غامرة ، فالصوم الكبير الخمسيني صوما رَبا  كان يسبق احد القيامة المجيد وكانت الناس فيه تصوم لخمسين يوما دون أن يذوقوا أية مادة تمت بصلة للمنتوج الحيواني زوهمانا ، بل يقتاتون خلالها على الإنتاج النباتي يَعياثا ، وفي مساء السبت والتي كانت تسمى  شَبتا دشَوعا داني  أي السبت ذات السبع مرات .والتي تسبق احد بداية الصوم .

 فكانت مجموعة من الشباب القرية يهيئون شخصين رجل وامرأة وإلباسهما الملابس التنكرية العجيبة والغريبة المصنوعة محليا ,ووفق منظر يثير الضحك قَرقوزي  المهرجين بحيث يرسمان البسمة على شفائف الناس وخاصة الأطفال منهم  بحركاتهما الراقصة المضحكة .وكان لهم مرافقين يحملون معهم كواني وعلب  جوالي  وحقائب جَناثا لاستلام عطايا الناس من الأشياء المختلفة ويجوبون بيوت القرية كلها وجوقات الأطفال تلاحقهم بضحك وفرح غامرين, ولدى دخول البيوت كانا يرقصان معا لبرهة ويثيران مواقف مضحكة, يقول رب الدار ماذا يريدان ؟  فيجيب احد المرافقين إنهما يريدان فلان شيء أي من المواد التي كانت موجودة أو متوفرة لدى ذلك البيت, ففي الحال كان صاحب الدار يلبي الطلب برحابة وسعة الصدر, وبكميات مختلفة حبا وسعادة غامرة بقدوم الصوم الكبير الذي يسبق القيامة المجيدة , وهكذا كانوا يجوبون البيوت كلها ليلا وجموع الأطفال تلاحقهم ضاحكين مليء أشداقهم ،بين أزقة القرى الضيقة والمعتمة حاملين فوانيس لإضاءة طرقهم  .

وبعد انتهاء بيوت القرية كان الحمل يتثاقل  شيئا فشيئا فيضعونه جانبا مَتوتا دطينا, ثم يحملون كواني وعلب أخرى ثم يشقون طرقهم إلى القرى المجاورة العائدة لشعبنا  دون كلل أو ملل فيجوبونها  ثم يعودون أدراجهم إلى مكان حملهم الأول فيجمعون كمية كبيرة من المواد المختلفة,ثم  يتقاسمونها على حد سوى من الرز,الجريش , البرغل, الجوز , الزبيب, الرمان , الدهن الحر .التفاح, السفرجل , النقود وغيرها من المواد, وعلى الاغلب كانوا  يقومون بتقسيم تلك المواد على فقراء القرية  ومحتاجيها, ثم ينصرفون إلى بيتهم  بعد أن تعبوا ورسموا البسمة على وجوه الأطفال بليلة سعيدة . وما احلى وانبل هذا الموقف الانساني باسعاد الفقراء.

   ومما يؤسف له حقا إن هذه الممارسة الكوميدية لم تعد قائمة حاليا ,بل أهملت لتركن إلى زاوية النسيان في الذاكرة الشعبية لامتنا ,ولتحل محلها صولات وجولات  الشيخ الملتحي باللحية البيضاء والبزة الحمراء القديس الخيالي للأطفال (بابا نوئيل ) والذي يطل على البيوت ويدخل البهجة في قلوب الأطفال بهداياه خلال الليلة الثلجية لراس السنة الميلادية  ...

فتحية لتلك الأيام  الخوالي ,والرحمة لمن عاصر أحداثها وانقضى, والصحة والعمر المديد  لمن لا يزال حيا وأسعفنا بتفاصيل تلك الأحداث .

شلامي وايقاري .
Badran_omraia@yahoo.com