المحرر موضوع: هل الكرد بحاجة لتحويل حلبجة الى كربلاء ثانية ؟  (زيارة 597 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يوسف أبو الفوز

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 680
    • مشاهدة الملف الشخصي
هل الكرد بحاجة لتحويل حلبجة الى كربلاء ثانية ؟
يوسف أبو الفوز
التساؤل بهذا الشكل الصارخ ، ليس اعتباطا يأتي من بعد متابعة للاحتفالات بمرور ربع قرن على جريمة حلبجة ، التي لم تكن الا نتيجة للسياسة الديكتاتورية ، لفكر شوفيني اعتقد ان بامكانه بأعتماد سياسة الابادة الجماعية ايقاف شعب واسكاته عن المطالبة بحقوقه المشروعة . حضرت مؤخرا في فنلندا حفلا نوعيا تميز بالحضور الكثيف ، ساهم في تنظيمه والدعوة اليه اثنان وعشرون من منظمات المجتمع المدني والاحزاب السياسية العراقية والكردستانية وبالتنسيق مع ثلاث منظمات فنلندية ، وعلى حد تعبير احد الاخوة المنظمين ان عظمة المناسبة اجبرت الجميع على توحيد جهودهم لاستذكار الماسأة ، يأتي هذا التعليق من واقع ان السنوات التي مرت كانت تشهد تشتتا مثيرا للحزن للجهود ، حيث يعقد عادة  اكثر من حفل لذات المناسبة ، الامر الذي حدا بأحد الاصدقاء التوقف عن المساهمة في اي من هذه الاحتفالات ، لأنه يتلقى الدعوات من كل الجهات وحين يتوجه لحفل ما فأن الجهة الثانية تقاطعه بمختلف السبل. في الحفل النوعي الاخير اثار ارتياحي ، وهذا ما اشرت اليه في كلمتي المرتجلة حين دعوني للمسرح والمساهمة ككاتب عراقي ، هو ان الكثير من الكلمات تميزت بالوضوح في تحميل نظام صدام حسين الديكتاتوري المسؤولية عن الاحداث، وباتت تخبو بعض الاصوات التي كانت سابقا تحاول تحميل كل العراقيين مسؤولية الحدث والجريمة .  في كلمتي اشرت ايضا بوضوح الى أمنية ان لا نحول حلبجة الى كربلاء ثانية ! فخلال الحفل توقف احد الاخوة المتحدثين عن الكلام وهو يغص بالبكاء ، وناوله البعض مناديل لتكفيف دموعه ، وبعد لحظات صعدت احد شهود الجريمة وكانت طفلة يوم الحدث لتتحدث عن فقدانها ثمانية من افراد عائلتها ولتتوقف عن الكلام وهي تغص في البكاء فتترك المسرح دون اكمال شهادتها وشاركها بعض من في القاعة البكاء ، وكانت شاشة سينمائية تعرض على مدار ساعات الحفل الاربع  صور كل الشهداء الضحايا وهي منثورة في  شوارع المدينة القتيلة . كان الجو في القاعة مأساويا ومسح الكثيرين دون ارادتهم دموعهم ، وغادر البعض القاعة لانه لم يحتمل . وفي احاديث عبر الهاتف مع اصدقاء في اماكن مختلفة وانا انقل لهم ما جرى ، قيل لي ان المشهد تكرر عندهم وان بتفاصيل مختلفة ولكنه بذات المعنى في احتفالات مشابهة . لا احد يختلف هنا حول حجم ماساة مدينة حلبجة وحجم الخسارة البشرية ، وقد قدر لي كمقاتل في صفوف الانصار الشيوعيين ان اسجل شهادتي يومها في كتاب "اطفال الانفال" صدر عام 2004 في السليمانية عن وزارة الثقافة في اقليم كردستان ، لاعرض دموية وبشاعة النظام الديكتاتوري ، وسجلت الاحداث المأساوية مثلما شهدتها من من زاوية ما تعرض له الاطفال الاكراد ، وفي حلبجة الشهيدة فأن خمسة الاف شهيد وسبعة الاف جريح خلال ساعات ليس امرا هينا ، لكن الاسئلة والافكار المثارة هنا تستحق التوقف عندها .
ثمة من يقول ان القيادات الكردية ، في ظل الازمة المتوترة ما بين مركز الدولة الاتحادية واقليم كردستان بحاجة لتجميع الصفوف ولمها تحت راية القومية الكردية ، وليس افضل من راية حلبجة الشهيدة مثلما يرفع الشيعة سياسيا راية الحسين الشهيد ! وثمة من يقول ان تصاعد نشاط الحركات الاسلامية الكردية والتوقعات بتحقيقها فوز انتخابي قادم في المستقبل القريب سيقرر تغيير في موازين السلطة في كردستان ، يجعل القيادات القومية الكردية بحاجة لرمز قومي يحرك المشاعر القومية لتجميع اهالي كردستان أمام صناديق الاقتراع . بغض النظر عن هذا اجدني اتفاعل مع الرأي الذي  يقول ان جريمة مدينة حلبجة ونتائجها المأسوية المستمرة تدعوا الحكومة العراقية وجميع الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات حكومة الاقليم والمنظمات الدولية في ضرورة النظر الى المستقبل أولا ، حتى لا نحول مأساة حلبجة الى مناسبة للبكاء واللطم وشتم الطاغية المجرم فقط ، فأن لمدينة حلبجة واهلها مستقبل افضل يستحقونه ويجب العمل لاجل ذلك بتفان وتوحيد كل الجهود لاجل تحقيقه .  ويمكن هنا الحديث عن الواقع الصحي الحالي للمدينة واكتشاف تلوث التربة فيها ومسؤولية الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان والاحزاب في معالجة الاوضاع في المدينة . ان الاحاديث عن الفساد في الدولة العراقية ، التي سمعتها من اهالي مدينة حلبجة ، التي ازورها بأستمرار والتقي ناسها واهلها وبعض مثقفيها ،  تشمل فيما تشمل، المساعدات التي استلمتها جهات حكومية ومنظمات مجتمع مدني واحزاب بأسم مدينة حلبجة ، والسؤال هو : اين ذهبت كل هذه المساعدات ؟ اهالي مدينة حلبجة يتحدثون أن الكثير من عوائل المدينة استلمت اراضي واستلموا رواتب تقاعدية، لكن المدينة ستورث للاجيال القادمة اشياء خطيرة لا تنفع معها الرواتب والاراضي، ففي الفترة الاخيرة اعلن عن زيارة وفد بريطاني متخصص بالاسلحة الكيمياوية لمدينة حلبجة وقام بإجراء فحوصات لتربة المدينة التي تعرضت للقصف بخليط من الغازات السامة، كغاز الخردل وغاز الأعصاب (سارين) وغاز التابون وغاز (في أكس) تبين لهم بالفحص وجود لحد الان بقايا من غاز الخردل القاتل في عدد من الملاجئ وأقبية المنازل وطالبوا اصحاب تلك الملاجيء بعدم لمس التربة . ولقد كشف مؤخرا مدير بلدية حلبجة ، عن تسجيل نسب عالية من الاصابة بالامراض السرطانية نتيجة الاصابة بالاسلحة الكيمياوية ، وان اهل حلبجة لا يزالون يعانون من تبعات القصف الكيماوي رغم مرور السنوات ، ولايزال الكثير من أهالي المدينة والقرى القريبة يشعرون بأمراض في الاجهزة التفسية وامراض جلدية ومشاكل العقم وانواع من امراض الشلل ومشاكل في البصر وامراض اخرى مزمنة . ان تأمين مستقبل مدينة حلبجة ونظافة بيئتها والسلامة الصحية للاجيال القادمة هو المهمة الآنية التي يتطلب العمل لاجلها بتفان بدون هدر الوقت باللطم والبكاء ، وهو في حد ذاته رد على الديكتاتورية المجرمة عدوة الحياة .
هلسنكي 17 اذار 2013