جميعنا نعرف ان الانخراط في السلك الكهنوتي يعني حرمان الفرد نفسه من التمتع بملذات الحياة الدنيوية، حيث يكرس الكاهن نفسه لخدمة الرب وتطبيق تعاليمه ونشرها والعمل وفق ما جاء فيها ليكون مثالا حسنا في المحبة والخدمة والتواضع ونكران الذات للمسيحيين انفسهم وغيرهم من معتنقي الديانات الاخرى دون تفرقة، لكننا نعرف جميعنا ايضا ان الانسان بطبعه اناني ومن المحتمل ان يضعف امام مغريات الحياة وملذاتها فينحرف عن مبادئه واعتقاداته وافكاره ويتخذ منها في الكثير من الاحيان سبيلا ووسيلة لتكديس المال الحرام وتسلم المناصب وتحقيق مآرب ومصالح شخصية لا تمت بصلة لما يعلنه او يؤمن به او يدعيه او يردده من شعارات رنانة، ورجال الدين شأنهم شأن بقية الناس ليسوا معصومين من الخطأ ويمكن ان يحيدوا عن المبادىء والقيم التي نذروا انفسهم، فيتخذون من منصبهم الديني وسيلة للارتقاء بالذات وتحقيق مصالح ذاتية بعيدة كل البعد عن تعاليم دينهم التي نذروا انفسهم لخدمتها شأنهم في ذلك شأن سياسي الصدفة وضربات الحظ الذين ابتلى بهم شعبنا وتحكموا بمصيرنا دون رغبتنا وارادتنا.
يقول مار لويس روفائيل الاول ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية في العالم والعراق في رسالة وجهها الى الاكليروس الكلداني ونشرت في بعض المواقع الالكترونية ومنا موقع " عنكاوا كوم "، ( كم يصعب اليوم ان يكون الكاهن على مثال معلمه يسوع قدوة حسنة في المحبة والخدمة دون تفريق، والتضحية بالذات الى النهاية )، نعم يا سيدنا البطريرك لم تقل غير الحقيقة التي يجب على رجال الدين الكرام معرفتها قبل غيرهم من المؤمنين، فاذا كان هؤلاء ( الكهنة الافاضل ) غير قادرين على تأدية واجبهم كما هو مطلوب منهم حسب تعاليم سيدنا المسيح فعليهم ( حسب رأيي الشخصي ) عدم خداع الكنيسة والمؤمنين من حولها وتشويه صورة ديننا وتعاليم سيدنا المسيح بصليب ذهبي ولباس الكاهن الموقرة، بل عليهم ترك هذا الدرب في مرحلة الدراسة والتأهيل قبل الوصول الى رتبة الكاهن ما داموا لا يستطعون تحمل هذا العبء.
لا استطيع ان اناقش كل ما جاء في رسالة سيدنا البطريرك لان كل كلمة وكل عبارة بحاجة الى عشرات المقالات والدراسات والبحوث، فما جاء في الرسالة هو بحق واقع حياتنا المعاش خلال عشرات السنين لكن التطرق اليه يحتاج الى جرأة وشجاعة التي يفتقر اليها الكثيرين، وهذه الشجاعة والجرأة التمسناهما اخيرا في شخص بطريركنا الموقر، فالامبراطوريات التي شكلها بعض رجال الدين والسفرات السياحية التي يقومون بها بين فينة واخرى وطلبات اللجوء التي قدموها وطلبات الاستجداء والتسول التي تتميز بها وعظاتهم والغطرسة الممارسة بحق المؤمنين وغيرها من الاعمال المشينة التي يخجل المؤمنين من مناقشتها او حتى ذكرها لا تليق برجال الدين، ولم نعهدها في رجال ديننا السابقين الذين كانوا مثالا يحتذى بهم في الصدق والامانة والمحبة والخدمة والتضحية.
بعض الكهنة اصبح يمارس مهامه الكهنوتية على هواه ويتصرف بالكنيسة واموالها كملك خاص وكأن الكنيسة واموالها حق موروث من ابائه واجداده ( بعض الكهنة الافاضل يرفضون دفن الميت واقامة الصلاة على روحه اذا كان وقت الوفاة عصرا او متأخرا قليلا!!! )، ان هذه الظواهر وغيرها التي لا نرغب بذكرها يجب ان لا تستمر كما قال سيدنا البطريرك، وهذا لا يحدث الا بالتكاتف والتضحية المرجوة من كهنتنا الافاضل ورجال ديننا المحترمين، لكن السؤال الذي يبرز هو هل يستطيع بطريركنا المبجل القيام بهذه المهمة حتى يمنع استمرار هذه الظواهر في كنيسته الكلدانية ويعيد لها الهيبة والوقار كما كانت ايام زمان ام ان الفساد اكبر من دعواته ومحاولاته وجهوده المخلصة؟
ان ما ذكره سيدنا البطريرك في رسالته من الظواهر والثغرات الموجودة في الكنيسة لا يقتصر امرها على الكنيسة الكلدانية فقط بل اصبح امرا شائعا في الكنائس الاخرى وينطبق عليها ايضا، لذلك فان الخطوة الجريئة والعظيمة التي قام بها البطريرك يجب ان تكون الاساس لاعادة الكنيسة لمسارها الصحيح كما رسم لها من قبل الرب، حيث نتمنى ان يقوم رؤساء بقية الكنائس الحذو حذوه لاعادة الوقار والاحترام للكنيسة ورجالها.
كوهر يوحنان عوديش
gawher75@yahoo.com