نظام التوريث للكرسي البطريركي في كنيسة المشرق
المهندس : خوشابا سولاقا من خلال هذا المقال أحاول أن أنقل الى القراء الكرام جوانب كانت غامضة ومشوشة نوعاً ما للكثيرين منهم بغرض التوضيح وخدمة الحقيقة بتقريبها أكثر الى الأذهان . حيث مر الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق الرسولية المقدسة بسلسلة من التنقلات عبر تاريخها الطويل منذ تأسيسه في سلوقيا – قطيسفون في قلب بلاد ما بين النهرين عام (410 م ) الى قوجانس في جبال هيكاري الحصينة عام ( 1662 م ) الى يوم العودة الى الموصل في ثلاثينيات القرن العشرين الماضي ، ثم انتقاله الى كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية لغاية استشهاد آخر بطريرك من العائلة المارشمعونية الكريمة مار إيشاي شمعون في 6 / تشرين الثاني / 1975 م .
لغرض تعريف أجيالنا الحالية بتاريخ هذه الكنيسة العظيمة وتضحياتها الجسيمة والمؤامرات الكثيرة التي دبرت لأحتوائها والقضاء عليها وعلى تراثها التاريخي الكبير عبر قرون طويلة من تاريخها لا بد لنا من إلقاء الضوء على مراحل نشأتها وتطورها وما آلة إليه اليوم لعلا ذلك يساعد الكثير من أبناء أمتنا في التخفيف مما ورثوه من المغالطات والتشويهات والتلفيقات بخصوص تاريخها وسيرتها والتي ادت الى توسيع هوة الفرقة والخلافات وتراكم الأحقاد والكراهية بينها وبين الكنائس الشقيقة لأبناء أمتنا والأهتداء بالتالي الى الطريق القويم والسليم في التعامل مع أحداث التاريخ لمراحل تطور كنيسة المشرق الأم ونشوء كنائسنا الحالية وكونها جميعاً أبناء شرعيين لكنيسة الأم الواحدة وهي كنيسة المشرق الرسولية القاثوليقية التي حملت على أجنحة اللغة السريانية العريقة ( سورث ) رسالة السيد المسيح له المجد الى عالم الشرق الى أن وصلت الى تخوم الهند والصين وأندنوسيا . إنه تاريخ ثر بالمأثر والتضحيات لا بد للآجيال القادمة لأمتنا من قرائته قراءة صحيحة ومتأنية وأن يستوعبوه كما كان وكما هو الآن لتستطيع من الرسو على المسار الصحيح لخارطة طريق للعبور الى المستقبل المشرق بأمان وسلام وليس إلا . هذا هو هدفي المرسوم من نشر واستعراض هذا الموضوع المهم والحساس وربما المجهول للكثير . أملي ان احقق على الأقل جزء من الغاية المرجوة إن لم تكن كلها .
منذ أن استقر المسيحيين الآشوريين من أتباع كنيسة المشرق في جبال هيكاري العاصية في القرن السابع عشر كان البطريرك هو الرئيس الأعلى الديني والدنيوي ( المدني ) للآشوريين المسيحيين وكان يقيم مع أفراد عائلته في قرية صغيرة تسمى "
قوجانس " المطلة على نهر الزاب الكبير الأعلى وكان في حينها لا يتجاوز عدد نفوسها عن (800 ) نسمة كما تذكر بعض المصادر التاريخية .
كان البطريرك هو الرئيس الأعلى لكنيسة المشرق الرسولية الجاثاليقية وتتمتع هذه الكنيسة باستقلالية تامة عن كنيسة روما الكاثوليكية المقدسة ، ويمثل البطريرك القائم الحلقة الأخيرة في سلسلة البطاركة الطويلة والتي بدايتها كانت بمار توما الرسول ، وتتمتع هذه الكنيسة بتاريخ حافل يمتد عبر عشرين قرناً ويحتوي على صفحات مشرقة وأخرى مظلمة ولفترات متباينة لا بد لنا من معرفته كما كان دون إخفاء أي جانب من جوانبه لأية إعتبارات كانت إن كانت غايتنا معرفة حقيقة التاريخ ودراسته بحيادية لغرض الأستفادة منه للعبور الى المستقبل المشرق .
في البداية جاء مار توما الرسول برفقة بعض التلاميذ من الأثنين والسبعين تلميذاً للسيد المسيح له المجد وهم ( أدي ، آجاي ، وماري ) حاملين البشارة الى بلاد مابين النهرين وبلاد فارس فوضعوا الأسس الرصينة لبناء جماعة مسيحية منذ القرون الأولى لظهور المسيحية . حسب التقليد الكنسي المتبع آنذاك بقى مار توما الرسول يكرز بالبشارة في ربوع بلاد مابين النهرين ( بيث نهرين ) لحوالي الستة سنوات ثم غادرها الى بلاد الهند عبر بلاد فارس . من بعده حمل راية التبشير بالأنجيل مار أدي الذي أسس له كرسياً ثابتاً جعل مقره في سلوقيا – قطيسفون التي تقع جنوب شرقي بغداد الحالية والتي تسمى حالياً سلمان باك . ومقر هذا الكرسي الذي يعتبر أول مركز رئاسي لكنيسة المشرق في بلاد مابين النهرين " بيث نهرين " والذي أصبح فيما بعد المقر الرئيسي والرسمي لأقامة البطاركة الذين جلسوا على هذا الكرسي . في هذا المقر كانت توجد أيضاً الكنيسة الكبرى والأولى في تاريخ المسيحية في الشرق المعروفة بكنيسة "
كوخي " التي شيدها مار ماري في أواسط القرن الاول للميلاد وتهدمت إبان الأضطهاد الأربعيني الذي شنه سابور الثاني (339 – 379 ) م على المسيحيين ، ومن ثم تم تجديدها قبل رسامة الجاثاليق "
تومرصا " سنة ( 363 ) م ثم خربت مرة اخرى بسبب الأضطهاد ثم جددها الجاثاليق "
مار يهبالاها " الأول ( 415 – 520 ) م . وقد عقد في كنيسة كوخي عدة مجامع كنسية ودفن فيها ما لا يقل عن (24 ) جاثاليق أو بطريركاً من مسؤولي كنيسة المشرق حتى بعد إنتقال سكناهم الى بغداد ، وكما في حال الجثاليق "
حنا إيشوع " الثاني ( 773 – 781 ) م والجاثاليق "
طيماثاوس الكبير " ( 780 / 789 – 823 ) م .
البطاركة الذين توالوا في الأقامة في هذا المقر كانوا يكنون البطريرك بـ "
البطريرك الملك سعيداً " الجالس على كرسي مار أدي الرسول . خليفة مار أدي الرسول كان مار آجاي الذي قام برسم مطارنة لبلاد آشور . رفيق مار آجاي المعروف بمار ماري تجول في ربوع بلاد ما بين النهرين وهو يكرز ببشارة الأنجيل . وعليه يعتبر مار ماري المؤسس الحقيقي والفعلي لكنيسة المشرق العظيمة . ومنذ ذلك التاريخ بدأت الجماعات المسيحية الأولى بتنظيم شؤونها بالتدريج فكان هناك مجامع عامة لكنيسة المشرق تعقد اجتماعاتها في "
سلوقيا – قطيسفون " الواقعة في قلب بلاد ما بين النهرين التي كانت ترزح تحت الحكم الفارسي .
وتحديداً في عام ( 410 م ) بالذات دعى المطران اسحق مطران سلوقيا – قطيسفون لأجتماع كنسي عام كان هدفه تشكيل مقاطعة كنسية ، وفي عام ( 424 م ) تم رفع هذه المقاطعة الكنسية الى صف رئاسة أسقفية وأعطى للجالس على كرسيها لقب " القاثوليقا "
أو " الكاثوليكس "
أو " الجاثاليق "
. حامل هذا اللقب كان غير قابل للعزل . هكذا أصبح لكنيسة المشرق كياناً قائماً بذاته منقصلاً عن كرسي إنطاكية الواقعة تحت النفوذ البيزنطي وروما
والذي كان في البداية مرتبطاً به . في عام ( 431 م ) رفضت كنيسة المشرق قرارات مجمع أفسس
، وبذلك أصبحت كنيسة المشرق أول كنيسة شرقية تنفصل عن كنيسة بيزنطة وتستقل استقلالاً تاماً عن كنيسة روما الكاثوليكية برآسة البابا . وعلى أثر هذا الأستقلال والأنفصال أطلق تهكماً وتشهيراً واستهزاءً على كنيسة المشرق "
بالكنيسة النسطورية " لكونها قد ناصرت لاهوت مار نسطوريوس أحد كرادلة كنيسة روما وبطريرك كنيسة القسطنطينية البيزنطية ذلك اللاهوت الذي يدعو الى ت
سمية البتول مريم بأم المسيح وليس بأم الله كما هو معتمد في كنيسة روما ، والذي على أثره تم تحريم مار نسطوريوس ولاهوته وطرده من كنيسة روما وإعتباره هرطيقياً والى أن مات في صحراء ليبيا غريباً مجهولاً . إبان العهد الفارسي الساساني ( 224 – 651 ) م ورغم الأضطهادات الوحشية ضد أبناء كنيسة المشرق إلا أن الكنيسة استطاعت من تطوير إدارتها فوسعت إنتشارها بإتجاه الشرق . خلال الفترة المحصورة بين العامين ( 410 –823 ) م عقدت كنيسة المشرق كما قلنا (24) مجمعاً كنسياً عاماً خاص بها أي ما يسمى بـ "
سنهودس " . بين القرنين السابع والثالث عشر توسعت كنيسة المشرق وانتشرت شرقاً فتخطت حدود بلاد ما بين النهرين وبلاد فارس فوصلت أواسط أسيا وبلاد الهند وأخيراً وصلت الصين وأندنوسيا ، وكانت خلال هذه الفترات يتم إنتخاب البطريرك الجاثاليق بطريقة ديمقراطية وفق معايير الكفاءة والاخلاص والإيمان في المجامع كلما تطلب الأمر ذلك ، وكان من تقاليد الرسامات أن يحج البطريرك أي الجاثاليق المنتخب الى كنيسة "
كوخي " لزيارة قبر "
مار ماري " بصحبة كبار حاشيته وبعض عظماء الدولة ووجهاء الشعب ثم يقصدون دير مار جبرائيل المعروف بدير الكرسي وبعدها يعودون الى بغداد كما جرى في عهد الجاثاليق مار إيليا الثاني من الموصل إذ تممت رسامته في سلوقيا – قطيسفون يم الأحد الثالث بعد القيامة في 16 / نيسان / 1111 م في زمن ا
لخليفة العباسي المستهظر وكان الراسم المطران "
سبريشوع " مطران نصيبين . وعندما احتل المغول بلاد مابين النهرين بقيادة تيمورلنك خان في عام ( 1388 م ) ، عندئذ أخذ نجم كنيسة المشرق بالأفول ، فذهبت أيام العز والأزدهار وعصرها الذهبي الى غير رجعة وحل محلها زمان القحط والتراجع والتأخر والتخلف بسبب الأعتداءات الغاشمة وحملات الأبادة التي شنت على المسيحيين . حينذاك وبسب هذه الظروف الصعبة تغير نظام إعتلاء الكرسي البطريركي في كنيسة المشرق فأصبح وراثياً بعدما كان نظاماً يعتمد الأنتخاب المباشر أسلوباً وعلى أن يتم بمشاركة أبناء الكنيسة قاطبة في المجامع التي كانت تعقد لهذا الغرض كما ذكنا ، وذلك لأن إنعقاد مثل تلك المجامع أصبح في ذلك الوقت العصيب مستحيلاً في ظل حكم المغول القاسي الذي أطلق العنان للسيف لقطع رقاب المسيحيين . هكذا اصبح هذا التقليد تقليد إعتلاء الكرسي البطريركي في كنيسة المشرق بسبب تلك الظروف القاسية وراثياً ينحصر في عائلة معينة وهي عائلة البطريرك القائم حيث يورث كرسييه من بعده لمن يشاء من أبناء العائلة . وكقرار رسمي بموجب قانون تبناه البطريرك "
شمعون الرابع " المعروف بـ ( باصيدا ) ( 1437 – 1477 ) م . بعد ذلك أصبح تطبيق هذا القانون قانون التوريث للكرسي البطريركي تقليداً كنسياً يجب العمل به ، وعل أثر هذا التقليد دخلت إدارة كنيسة المشرق في متاهات وغدت مهددة بأخطار قاتلة كلما شغر الكرسي البطريركي
. ونحن هنا لا نستطيع أن نجزم بشرعية وقانونية وصواب هذا القرار وليس بالأمان أن نجزم العكس من ذلك أيضاً ، لأن الظروف القائمة آنذاك كانت قد أملت على إدارة الكنيسة هذا الخيار الذي جعلها أمام الأختيار المصيري الصعب بين إختيار إنهيار نظام الكنيسة وربما زوالها بسبب الظروف المحيطة والاخطار المحدقة بها وبين اختيار نظام التوريث لأنقاذ ما يمكن إنقاذه والمحافظة على كيان ونظام الكنيسة فكان لهم الخيار الثاني .
وهنا ليس الخطأ في اختيار نظام التوريث لأعتلاء الكرسي البطريركي لأسباب موضوعية قاهرة أملت على إدارة الكنيسة هذا الأختيار كما بيناها ، ولكن الخطأ القاتل كان لماذا الأستمرار بنظام التوريث لمدة أكثر من ستة قرون ؟؟ . هنا هو السؤال هل أيضاً كان هناك ما يبرر من الأسباب للآستمرار بنظام التوريث لغاية قيام الشهيد مار إيشاي شمعون بتقديم استقالته والتخلي عن نظام التوريث في سبعينيات القرن الماضي ُثم تم إغتياله على يد المجرم اللعين داوود إبن ملك ياقو يوم 6 / تشرين الثاني / 1975 في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميريكية . وحسب إعتقادي تم إغتياله بسبب ثورته الأصلاحية في نظام كنيسة المشرق التي أطلقها في عام 1962 للتحول من اعتماد التقويم اليولياني الى اعتماد التقويم الغريغوري في كنيسة المشرق كأغلب كنائس أمتنا والعالم ، وكذلك شملت تغيير بعض طقوس وتقاليد الكنيسة البالية والتي لا تمت الى عقيدتها وإيمانها بصلة ، وكذلك دعوته الى إسقاط كل ما من شأنه يسيء على كنائس الآخرين من طقوس وممارسات ، كما دعى إلى زواج رجال الأكليروس بكل درجاتهم الدينية لردع ممارسة الخطيئة في السر والأساءة على سمعة الكنيسة كما حصل ويحصل اليوم !! . وكان ذلك مبادرة إيجابية تستحق الثناء والتقدير من أجل التقارب مع الكنائس الشقيقة وتخفيف من حدة التوتر والضغينة المذهبية بينها ، إلا أن البعض من أولاد واحفاد خصومه ومعارضيه في عام 1933 وما قبلها رفضوا هذه التغيرات ووقفوا بالضد منها وأسفر ذلك الى انشقاق كنيسة المشرق من جديد عام 1964 . كان في السابق بعض أبناء كنيسة المشرق قد رفضوا نظام التوريث في تسمية البطريرك القادم وقاوموه لأنهم اعتبروه نقطة ضعف في أختيار بطاركة أقوياء مقتدرين لقيادة مسيرة الكنيسة ، وكان من بين هؤلاء راهب يدعى "
يوحنا سولاقا " من دير ربان هرمزد الواقعة قرب قرية القوش . عندئذ أصبح الموضوع مبعث لنزاع بين الطرفين وغدت كنيسة المشرق هدفاً لأهتمامات كنيسة روما التي دخلت ميدان الصراع بقوة ، الأساقفة المنشقون ( الرافضون لنظام التوريث للجلوس على الكرسي البطريركي الخاص بكنيسة المشرق ) انتخبوا الراهب "
يوحنا سولاقا " بطريركاً لهم وقرروا إرساله الى روما ليقوم بما يلزم للأتحاد مع الكنيسة الكاثوليكية .
كنتيجة لهذا الأجراء حصل إنشقاق في كنيسة المشرق . في عام ( 1553 م ) أعلن البابا جوليانوس الثالث " يوحنا سولاقا
" بطريركاً للكلدان ، وبذلك أصبحت وحدة كنيسة المشرق مبتورة بولادة كنيسة جديدة عاشت بموازاتها وهي الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية . واتخذ بطريرك الكنيسة الجديدة لقب " بطريرك بابل على الكلدان
" وقد أطلق البابا جوليانوس الثالث هذه التسميات على أتباع كنيسة المشرق الذين تحولوا من عقيدة كنيسة المشرق الى الكثلكة لغرض تمييزهم عن من بقى على إيمانه بطقوس وتقاليد كنيسة المشرق الأصلية . عندما إعتلى
مار شمعون الثالث عشر دنخا 0( 1662 – 1700 ) الكرسي البطريركي الخاص بكنيسة المشرق الأم والذي كان من سلسلة البطاركة الوراثية قرر الأستقرار بالكرسي البطريركي في ربوع جبال هيكاري العاصية في قرية
قوجانس متوقعاً التخلص من المرسلين الكاثوليك الذين كانوا السبب في نشر الخلافات والأنشقاقات في صفوف كنيسة المشرق ليتمكن من المحافظة على التقاليد والثقافة التي كان يتوارثها أبناء شعبه . خلال هذه الفترة بقيت أطماع روما تجاه كنيسة المشرق التي اصرت بعناد ثابت على رفض الأتحاد مع الكنيسة الكاثوليكية في تنام مستمر . لذا وفد الى المنطقة العديد من الرهبان المبشرين المنتمين الى الرهبنة الكرملية أو الكبوشيين أو الدومنيكان . الكثيرين من هؤلاء الرهبان المرسلين كتبوا في مذكراتهم عن إصرار كنيسة المشرق على البقاء خارج نطاق الأتحاد مع الكنيسة الكاثوليكية والمحافظة على معتقدها الذي سارت عليه قرون عديدة . كان هدف المرسلين جميعاً هو تعليم الأيمان الوحيد والحقيقي وهو الأيمان الكاثوليكي وإعادة
الخراف الضالة -المقصود هنا أتباع كنيسة المشرق غير الكاثوليك – الى حضيرة القطيع عبر الطريق السوي بعد التخلي عن التقاليد الخاطئة الموروثة والعودة الى التعاليم الصحيحة التي مصدرها مباشرة الكرازة التي نادى بها مار توما الرسول وحسب إدعائهم .
بهذه العقلية الأستعلائية الساذجة الحمقاء وهذه العنجحية الخرقاء كانوا هؤلاء المرسلين يتعاملون ويتعاطون مع المؤمنين بالمسيحية في كنيسة المشرق ، يصيفونهم بالخراف والقطعان الضالة .... الخ من هذه الأوصاف المهينة وتسميات الأحتقار التي تحط من قدر وقيم الأنسان .
عاشت كنيسة المشرق منعزلة في جبال هيكاري العاصية هرباً من المرسلين القادمين من وراء البحار والمحيطات هدفهم الوحيد إحتواء كنيسة المشرق والقضاء عليها هذا من جهة ، ومن جهة أخرى كون أتباع كنيسة المشرق في جبال هيكاري تحت رعاية سلطة العثمانيين الغاشمة والحاقدة على الآخر قومياً ودينياً ، بحكم هذا الوضع كانت كنيسة المشرق مضطرة على تطبيق نظام توريث السدة البطريركية من الأخ الى الأخ أومن العم الى إبن أخيه . دام هذا النظام نافذ المفعول وفقاً للتقاليد حوالي الستة قرون . في بداية القرن العشرين كانت قوجانس آخر مقر للكرسي البطريركي الخاص بكنيسة المشرق . قبل قوجانس كانت هناك مراكز عديدة إتخذها البطاركة مقرات لكرسيهم مدى العشرين قرناً التي عاشتها هذه الكنيسة إبتداءً من توما الرسول وإنتهاءً بمارشمعون بنيامين . تبدلت مقرات الكرسي البطريركي بسبب الظروف القاهرة والأحداث التاريخية الرهيبة والدامية التي مرت على المنطقة وكنيسة المشرق وخاصة في القرون الآخيرة والتي كانت قاسية وثقيلة بنتائجها ومعطياتها على أتباع كنيسة المشرق ، وكان هدف الآشوريين وهاجسهم دوماً المحافظة على كيان هذه الكنيسة ولو كان المقابل تضحيات كبيرة وغالية ، لأن الغاية عندهم كانت تبرر الوسيلة ، وطالما كانت التضحيات بالنفس هي الوسيلة الأخلاقية الناجعة لتحقيق غاية شريفة ألا وهي المحافظة على كيان كنيسة المشرق في ميادين التصدي والأستشهاد ضد الأعداء بكل تنوعاتهم فليكن ذلك ، فكان الآشورين من أبناء كنيسة المشرق بكل تسمياتها جاهزين ومستعدين لها كما فعل مار شمعون برصباعي ومار شمعون بنيامين وغيرهم الكثيرين الذين رووا أرض بيث نهرين بدمائهم الزكية لأبقاء راية كنيسة المشرق بكل فروعها وتسمياتها عالية خفاقة وشامخة شموخ جبال آشور وهيكاري . رغم كل خيبات الأمال التي لحقت بكنيسة المشرق إلا أنها استطاعت الثبات ومقاومة كل الظروف والأحداث الصعبة وتجاوزتها الى بر الأمان اليوم برفعة الرأس وبفخر وإعتزاز وستبقى شعلتها متقدة وهاجة لا تنطفئ في أرض بيث نهرين مدى الدهر .
خوشابا سولاقا
19/ 7 / 2013