المحرر موضوع: بغداد مساء السبت  (زيارة 638 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبدالمنعم الاعسم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 788
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بغداد مساء السبت
« في: 23:54 12/08/2013 »

بغداد مساء السبت

 اينما تكون في بغداد هذا المساء، السبت العاشر من آب 2013 الرابع (الثاني. الثالث) من عيد رمضان ستكون على بعد ياردات من احد التفجيرات الثلاثة عشر التي ضربت المدينة، هذا إذا ما كتبت لك الحياة ان تكون سالما(بالصدفة طبعا) حيث وزعتها غرف عمليات "العدو" على ثلاثة عشرة ساحة ومزدحم وتقاطع طرق  وارصفة اوقعت مئات القتلى والجرحى.
 دعونا نبتعد عن اسئلة السياسة حول العدو الذي يعربد في الشوارع بلحى ودشاديش قصيرة ويقود سيارات انتحارية فتاكة، وحول سلطات سقطت في وحل العجز والتبريرات المكررة والاجراءات الوقائية المضحكة، وحول خطط امنية اختزلت الى عمليات اجلاء القتلى والجرحى وتنظيم وادارة الفوضى والهلع، وحول معارضي الصالات والكواليس النيابية الذين عكفوا على تسجيل النقاط على مخاصميهم وحساب مدخولهم السياسي مما حدث ويحدث، وحول ازمة سياسية صمم اصحابها (جميعا) على الحيلولة دون انهائها وعذرهم انها مفيدة لهم لجني الارباح حتى وإن كانت تلك الارباح مغمسة بالدم، وملوثة بالحرام والعلقم.
 ففي لحظات من هذا المساء، وبعيدا عن السياسة أعلاه، انتسبت بغداد الى مسرح الحرب، وسجلت نفسها في قائمة الدول المسبية على مر التاريخ. الممثلون والجمهور والقتلة والحراس يؤدون ادوارا خارج النص. حتى في المشهد الجنوني الغريب الذي تشكل من مواكب سيارات "اعراس" تصعد الى جسر الجادرية، وتنزل منه، وعلى سطوحها، ومن فتحات ابوابها، يمد صبيان اجسادهم وهم يرقصون بانفعال على صوت طبول مبحوحة، تختلط باصوات الانفجارات التي لاتبعد اعمدة دخانها سوى عشرات او مئات الامتار عنهم. حتى العرسان بدوا كممثلين في مشهد ميلودرامي. اما شرطي المرور في تقاجع جامعة بغداد فكأنه لم يسمع اصوات الانفجارات المروعة، فانصرف الى تسهيل مرور سيارات الاسعاف و ناقلات القتلى والجرحى بوجه خال من التعبيرات.
 بغداد لم تحارب، لكنها انهزمت هذا المساء في معركة غير متكافئة، مع قراصنة  متعطشين للدماء ومحترفي جرائم أغاروا عليها من سطور قرآنية فهموا انها تكفر امم، وتبيح القتل والتمثيل بالجثث، وقد رفعوا اشارة النصر فوق بركة دم وكومة اجساد محترقة.
 لقد القت المدينة المسبية بثوبها الذي فقدَ الوانه ولبست رداء يرتديه المهزومون من ساحة الحرب. هالت التراب على رأسها وناحت على موتاها الذين تساقطوا بلا معنى. وفي منتصف الليل، كان موعدها مع ساعات الصمت المخيف، حيث كفت المدينة عن التجوال، ونام ساسة المرحلة وسط حمايات يقظة.. لا يرمش لها جفن.
  بغداد، هذا المساء، ادارت عيونها في فضاء ملبد بالكوابيس.. وكأنها تشد الرحال للنزول من مجدها التليد الى الأسر.
*********
"تأبَى صروفُ الليالي أن تُديمَ لنا ...
                            حالا فصبرا إِذا جاءتْك بالعَجَبِ"

مؤيد الدين الطغرائي