المحرر موضوع: مقهى عبد ننه ... إرث نجفي عراقي حضاري ... القسم 12  (زيارة 833 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ذياب مهدي آل غلآم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 337
    • مشاهدة الملف الشخصي
مقهى عبد ننه ... إرث نجفي عراقي حضاري ... القسم 12
بين مقهى عبد ننه ومقهى ابو البسامير حبل سري للنضال
 أستهلال :-
 هناك صور واحداث تنطبع في ذاكرة الأنسان ، منذ طفولته حتى الكبر ، منها ما لهُ علاقة بجمالية المكان ومنها ما له علاقة بجمالية الحدث المرتبط بالزمان وجمالية ( الصورة ) التي هي جزء من المكان ، بحيث تبقى هذه الأحداث مطبوعة في الذاكرة ، مما يدفع الأنسان الى أستذكارها مرغما – الجميل منها على الأغلب – في أوقاته العصيبة التي يمر بها ، فتجده أي الأنسان يقلب ذاكرته ذات اليمين وذات الشمال ، بحثاً عن ما هو جميل في طياتها لكي يستذكره ، دفعاً لهمه وغمه ... وفي هذا الصدد كانت ذاكرة المربي محمد علي العطار ( أبو نزار ) ذاكرته الحية ونفحة من ذكرى تأسيس وفتح مقر لاتحاد الطلبة العام في مقهى أبو البسامير . وهو يتذكر تلك الأيام بزهو وفخر عجيب ، كأنه يعيشها الآن . والمناضل صالح العميدي ( أبو حيدر ) حين يتذكر ايام تلك ، ارى البهجة والسرور والزهو بطريق النضال الذي لايزال يسلكه رغم مرور هذه العقود من السنين . انها الذاكرة الخصبة المعطاء في ذكرى تأسيس أتحاد الطلبة العام في العراق – فرع النجف – بعد ثورة 14 تموز 1958 لذلك اكتب الآن عن هذا الحدث ....
لم يختلف الطلبة النجفيون عن سائر ابناء شعبنا في المعارك الوطنية ، من أجل الاستقلال والحرية والديمقراطية . خاصة في مواقفهم المشهودة أبان وثبة كانون الخالدة 1948 وانتفاضة تشرين 1956 وغيرها . وبعد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة ، وفي الأيام الأولى منها بادر عدد من الطلاب النشطاء إلى تشكيل لجنة تحضيرية من أجل فتح فرع لأتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية " فرع في النجف " وللتحضير لأنتخابات طلابية في قضاء النجف . تم تأسيس وفتح فرع لأتحاد الطلبة العام في النجف ، وأتخذوا في البدء من مقهى ابو السامير الواقعة في تقاطع شارع الخورنق مع شارع الرابطة في الركن الايسر من التقاطع " مقر "  فتحولت المقهى الى خلية نحل طلابية وبحماس جميل وأمالهم تسبق أمانيهم ، مما جعلوا للمقهى نكهة خاصة تزدان بروادها النجفيين الذين هم جلسائها الدائميين . ومن بعد فتح مقر المقر لأتحادهم الطلابي ، شكلوا لجنة تحضيرية للأنتخابات الطلابية في قضاء النجف . ضمت هذه اللجنة ( معين المختار ، فراس الحمداني ، غني مبارك ، زهير شكر ، حسن رجيب ، جعفر عجينة وصاحب الحكيم ) . دعت هذه اللجنة الى اجتماع طلابي عام في حديقة غازي الواقعة في منطقة الجديدة . القى ( أديب عجينة ) كلمة في هذا التجمع ، ولقد صادق المجتمعون على اللجنة المشكلة ، وتقرر إجراء الأنتخابات في المدارس الثانوية والمتوسطة ، وفق الموعد الذي تحدده وزارة المعارف أنذاك " التربية حالياً " وبالاتفاق مع سكرتارية اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية . وبعد انهاء الخلاف الذي حصل مع بعض الطلبة حول موعد الانتخابات تم الاتفاق على إجرائها في موعد لاحق ، داخل الصفوف الدراسية وبإشراف المدرسين ، فكان لطلبة القوميين العرب قائمة ، ولأتحاد الطلبة العام قائمة . وقد حققت قائمة اتحاد الطلبة العام فوزاً كبيراً في هذه الانتخابات . ففي ثانوية النجف فاز ( مجيد عبيد و غني مبارك ) وفي متوسطة الخورنق فاز ( معين المختار و حسن رجيب ) وفي متوسطة السدير كان الفوز ( لزهير شكر و جعفر عجينة ) وأما في ثانوية البنات فلقد فازت ( سعاد ملا سلمان و نبيهه القزويني ) وعن الثانوية المسائية كان الفوز حليف ( صاحب الحكيم ) الذي انتخب سكرتيراً لاتحاد الطلبة في قضاء النجف . ونشط اتحاد الطلبة في تلك الأيام ، ومن مقرهم الجميل " مقهى ابو البسامير " الذي تحول الى منطلق لشرارة الوعي الثقافي الطلابي ، وجذوة للنضال وتاريخه حيث امتد الحبل السري بنجيع العطاء القرمزي الثقافي والمهني من مقهى " عبد ننه " الى مقهى " ابو البسامير " لتوثيق تاريخ ( سسيواجتماعي ) من خلال مقاهينا العاشقة والمعشوقة في صحائف المجتمع النجفي الناصعة بالعطاء . فيما نمت كوكبة جديدة وأنضمت للاتحاد نخبة من الطلاب النشطاء مثلا ( فائق عبدالله زوين ، طارق شكر ، جعفر الشرقي ، محمد علي العطار ، صالح العميدي ، عبد علي الشرقي ، فالح شكر ، عبد الواحد بشيبش ، فاضل محمود الحداد ، فطرس يوسف شكر ، حمدي الساعدي ، شمسي الكرباسي ، عبد الزهرة الحلو ، صاحب طوير ، صاحب جريو ، خضير المعمار ، رزاق سبتي ، عادل بقر الشام ... وغيرهم كثيرين ) .
ولآن النجف كان قضاء تابع للواء كربلاء أدارياً ، شكل أتحاد الطلبة فرع النجف مع أتحاد الطلبة في كربلاء وفداً مشتركاً لحضور مؤتمر اتحاد الطلبة العام الذي إنعقد في بغداد ، على قاعة الشعب في باب المعظم . وبحضور وفود من اتحادات الألوية العراقية وحضور وفد اتحاد الطلاب العالمي برئاسة رئيس الأتحاد " بليكان " هذا وضم وفد فرع النجف كل من ( مهدي الاعسم ، صاحب الحكيم ، مرزة الرفيعي ، سهيلة الرفيعي وحسن رجيب ) وبعد انتهاء أعمال المؤتمر العام ، قام وفد اتحاد الطلاب العالمي بزيارة الى مدينة النجف ، جرى له فيها استقبلاً وحفلاً كبيراً في نادي الموظفين ، حضره جمع غفير من شخصيات النجف ، السياسية والثقافية والاجتماعية . كما نظم للوفد لقاء مع حشد من طلاب مدارس النجف على قاعة ثانوية النجف للبنين ، القى فيه " بليكان " كلمة قيمة عبر فيها عن تضامن اتحاد الطلاب العالمي مع طلبة العراق وتأييده لثورة تموز المجيدة .
ملاحظة :- " بعدما إتخذ اتحاد الطلبة من مقهى ابو البسامير مقراً له ، انتقل الى مقره الجديد في بناية القسم الداخلي المقابلة لمستشفى النجف القديم ، ومن بعدها استأجر دار أحمد الشمرتي وإتخذها مقراً له " .                             



مع المربي الاستاذ محمد علي العطار ( ابو نزار ) في محله " سوق الحويش" النجف
 
بين مقهى عبد ننه وموقف شرطة النجف نزيل دائم الاخضرار !؟
أبو جبار ضيفٌ دائم في موقف شرطة النجف
الدكتور حكمت شبر يتذكر ....
أبو جبار هو رضا العلي المعروف بلقب مقهى والده رضا عبد نَنَة ذلك الأنسان الطيب والخلوق الذي يحترمه كل من يعرفه من أهالي النجف عدا عن كونه واحدٌ من أصلب المناضلين الشيوعيين الذين عرفتهم سوح النضال في المدينة المقدسة ولعل عنوان الموضوع له دلالات عميقة حول نضال رضا في صفوف الحركة الوطنية . إذ يعرف النجفيون مدى تعرض ذلك الرجل الصلب العود والمبدأي في عقيدته إلى صنوف الأضطهاد . وفي المناسبات الوطنية أو الرسمية التي يخشى فيها رجال الحكومة من التظاهرات الوطنية ، كما في الزيارات الرسمية للمسؤولين الكبار في حكومة العراق يلقي رجال الأمن القبض على أبي جبار ويضعونه في موقف السراي مع باقي المناضلين ،  لكن تميز أبا جبار في هذا المجال كثرة توقيفه من قبل رجال الأمن نظراً لخطورته كما يدعون وحفظاً للأمن العام  .
   بدأت معرفتي بذلك الرجل المربوع القامة والباسم الوجه دائماً عام 1948 أثناء مظاهرات الوثبة الوطنية في مدينة النجف ، وكنت في سن صغيرة (12) سنة حين كنا مع بقية أصدقائي وفي مقدمتهم حمودي شلال نشارك في تلك المظاهرات بالرغم من صغر سننا . وكانت المظاهرات صاخبة وعنيفة يقودها بعض الرجال المعروفين في مدينتنا وأكثر الناشطين خلال مراقبتي ، كان أبا جبار ومحمود أبو شوارب ذلك الحداد العملاق الذي لم يتخل عن حمل شعار المظاهرة . وسمي (أبو شوارب) لكبر شاربه وتدليه على أطراف وجهه .
     ولعل من المناسب والمهم ذكر بعض الشخوص ، الذي أهملها تأريخ النجف وأهمل نضالها في سبيل قضية الشعب ، ومن هؤلاء أتذكر ويجب أن تحفر أسماءهم بمداد من ذهب في تأريخ مدينتنا وتسمى الشوارع والمنتديات بأسمائهم أولئك الأبطال الصناديد الذين قادوا المظاهرات عام 1948 وسجنوا بعد أنتكاسة الحركة الوطنية لأسباب تأريخية وكان منهم أبناء كبار البرجوازيين في مدينة النجف ، عبد الأمير الرفيعي ، أنيس حسن عجينة ، مجتبى هرندي وجلوب والشهيد الذي أستمر في الكفاح العنيد عواد رضا الصفار وقد تم الحكم على أولئك الفتية سنوات في سجن الكوت ونسي تأريخ هؤلاء ولم يذكر في مذكرات السياسيين أو في تأريخ الحركة الوطنية لأنهم من المنتمين للحزب الشيوعي الذي تعاديه الحركة الأسلامية في مدينتنا تحت شعار ( الشيوعية كفر وألحاد ) مظللين على تلك الأسماء النيرة التي قادت المظاهرات مع الرفاق الأخرين .
     كما يتوجب على من يستطيع أن يبرز وبخط واضح وتميز بعض الأبطال الشيوعيين الآخرين ، الذين سجلوا صفحات خالدة من النضال لتلك المدينة المعروفة بثوراتها ضد العثمانيين والأنكليز والحكام الخونة .
     أنهم وبفخر أذكرهم حسن عوينة ذلك الفتى النحيل الأسمر أبن محلة ( البراق ) الذي نذر نفسه لقضية الشعب العراقي . وكان حاضراً بل قائداً في جميع المناسبات والتظاهرات الوطنية . وكان من أصلب الشيوعيين الذين صمدوا في زنزانات الحكام الفاشيين حتى أستشهاده عام 1963 في قصر النهاية . وشاهدت بعض مواقفه المشرفة والتي تدل على وعي ونضوج عميقين وهو يدافع عمن يسمى (آموري مسودنه) وقد لقب هذا الرجل بهذ اللقب نظرا لتصرفاته الغير سوية ولامسؤولة ينتمي للتيار القومي . وفي أحد أيام المد أوشكت أحدى المظاهرات أن تجهز عليه حين تصدى لها لكن من وقف ودافع عنه كان حسن عوينة مخاطباً الجماهير ، ليس هذا خصمكم لتجهزوا عليه وأنما خصومكم تتمثل في الأقطاع والرجعية والأستعمار . فأنفض الجمع عن ذلك الشقاوة الأرعن ، الذي نذر نفسه ومحله وسط ميدان النجف لمحاربة رفاق حسن عوينة من الشيوعيين أبان حكم عبد السلام وعبد الرحمن .
  ومن مواقفه البطولية كما حدثني أحد الرفاق خلال وجودي في روسيا ، أنه كان معلقاً وسط الزنزانة في قصر النهاية ومر بعض المسؤولين البعثيين يتفرجون على تعذيب الشيوعيين فتساءل من منكن علي صالح السعدي الذي كان من أهم قادة الأنقلاب ووزيراً للداخلية . تقدم أليه الشخص المذكور وقال هاآنذا علي صالح السعدي . فبصق الشهيد في وجهه شاتماً الأستعمار وعملاء الأستعمار الذين قاموا بأنقلاب 8 شباط الفاشي . فما كان من الشخص المذكور إلا ويردد هذا هو مثال البطل الصلب .
       ومن الشهداء والقادة الميامين محمد موسى الذي قاد مظاهرات النجف بعد نجاح ثورة تموز وهو يردد الأهازيج الثورية والوطنية ، وقاد الحركة الطلابية والعمالية في المدينة حتى ألقاء القبض عليه بعد أنقلاب 8 شباط وأستشهاده تحت التعذيب .
     ومن المناضلين الكبار سليم مرزة الذي تميز بصلابته وبدخوله السجون منذ عام 1948 حتى وفاته بعد أنقلاب 1968 وحسين السلطان القائد الكبير الذي عمل بتفان في قيادة الحزب خصوصاً في منطقة الفرات الأوسط . كل هؤلاء وغيرهم من الأبطال يُنسى ذكرهم وهم من شرّف مدينتنا بنضاله . وتبرّز أسماء من حاربهم من الذين عملوا مع البعث آنذاك لمحاربة الشيوعية تحت فتوى ( الشيوعية كفر وألحاد ) أن ذلك من أبشع ما عرفه تأريخ مدينتنا الذي نسي أبطال آخرون في معارك ثورة 1918 و 1920 ولم يشر لهم أو يضع تماثيلهم وأسماءهم على شوارع النجف متناسين ذلك التأريخ الثوري المشرّف  .
     وأعود إلى سيرة صديقي المرحوم أبا جبار ، الذي أستمر في النضال سنوات طويلة منذ نعومة أظافره حتى وفاته بعد ما لاقاه من تعذيب في قصر النهاية في سنوات البعث بعد أنقلاب 1968 ، حين كان الحزب الشيوعي يفاوض البعث لتكوين الجبهة التي أودت بسمعة الحزب الشيوعي وفي النهاية دمرت كيانه القوي .
    كان أبا جبار الأبن الأكبر للشخصية النجفية المحبوبة (عبد نََنَة ) صاحب المقهى المشهور بأسمه والواقع في ميدان النجف والمقهى من أكبر وأشهر المقاهي النجفية ، التي أمّها وجهاء المدينة وتعللوا فيها مع صاحبها ( أبا رضا ) ذلك الرجل الملتحي المعروف بطرافته ونكاته .
   روى لي والدي عن ظرافته ( أبا رضا ) حين عاد من الحج وهو يحدّث شيوخ النجف من جاء يهنئه بسلامة العودة قائلاّ إذا أكملتم موسم الحج عودوا عن طريق بيروت لتعمدوا حجتكم بالأنس والطرب في تلك المدينة الأسطورية . فضحك الجميع من تلك النكتة ذات الدلالات على مرح شخصية راويها .
    كنا  ونحن أطفال صغار نمر يومياً صباحاً ومساءاً بجوار تلك المقهى والمقهى الثانية الذي يسمى ( مقهى الأنكراني ) العلامتين البارزتين في مدينتنا الصغيرة ذات المحلات الأربعة ، وكان منظر المقهى صيفاً وشتاءاً يجلب نظرنا لما يتمتع به من كثافة مريديه ونظافة قنفاته وكراسيه . وكان الملتقى لكبار وجهاء النجف ، الذين لا مجال لمسراتهم ورأنسهم سوى ذلك المقهى . فقد حرمنا جميعا من وسائل التسلية ، من راديو وسينما ونوادي ومنتزهات في مدينة لا نعرف فيها سوى البكاء على الحسين وضرب القامة واللطم على الصدور . فأي حزن مأساوي لفّ مدينتنا وسكانها . ذلك الحزن أجج في صدر أبا جبار الحقد على الرجعية والأقطاع والأستعمار من سعى وعمل لأبقاء التخلف على تلك المدينة العريقة وأهلها البؤساء . عرف الطرق الصحيح لتحرير المدينة بل العراق ممن هيمن على الحكم وأبقى البلد في حالة تخلف دائم ، وكان المرحوم أبا جبار من أوائل  المناضلين الشيوعيين الذي تبنى العمل في صفوف الحزب بقناعة وصلابة لم تستطع الوسائل الدنيئة التي عرف بها رجال الأمن في كسر أرادته وتخليه عن طريق النضال .
   كنت ومازلت أدعو الرجال المخلصين في مدينتي إلى تخليد أبا جبار ورفاقه بالنصب وبتسمية شوارع المدينة بالأبطال الذين أستشهدوا في سبيل قضية شعبهم
مسك الختام
لقد عاشت الانتلجينسيا العراقية منذ أن خطت سنوات فتوتها ، في صراع مستديم مع واقعها ومحيطها الاجتماعي من جهة ، ومع ذاتها الطامحة إلى تغير ذلك الواقع من جهة ثانية . مما ترتب على هذا الصراع عواقب جمة صاغت من الكثير منهم ما يمكن أن نطلق عليهم (مثقفيين عضويين) ربطوا بين مهماتهم الحياتية وغائية التغيير التي نظروا إليها كصيرورة اجتماعية سياسية ، وبالتالي وسموا الثقافة العامة بطابعها الاجتماعي ذو المنحى اليساري العام وبنزعته التقدمية ، تبلورت بكل ابعادها في تجليات الوعي الاجتماعي : الجمالية والحقوقية والفلسفية والسياسية بل وحتى الدينية .
هذا النزوع يمكن رصده في مختلف مراحل التطور التاريخي لسيرورة الظاهرة العراقية المعاصرة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ولحد الآن .
كما يمكننا رصد قرينة أخرى ارتبطت بهذه الصيرورة ، مفادها أن كل عقد زمني سبق وأن أفرز مجموعة من هؤلاء المثقفين العضويين ، انجزت بعض من مهامها ، وربما الكثير منها ما أمكن وبما أتيح لها ، وبعضها الآخر كان ذو منزع استعجالي يحاول مصارعة الواقع بأدوات تغييرية غير متلائمة مع ذات المهام ، كما لو أنهم يصارعون السماء بأيديهم العارية . يدفعهم ويحفزهم إلى ذلك ايمانهم بعدالة غائية ... التغيير وضروراته ، لواقع دينامكية التطور المرغوب وأهميته .   
وثالثة الظواهر التي يمكن رصدها هنا .. أن الكثير من هؤلاء دعاة التغيير الاجتماعي قد نذروا أنفسهم لهذه الغائية التي هي بمعايير الاخلاق فكرة سامية ، وبالجمال ايثار سمفوني متواصل ، وبالسياسة غائية اجتصادية مستهدفة ، وبالتطور ضرورة موضوعية ملحة ... وقد تحملت هذه الانتلجنسيا شتى صنوف العذاب والحرمان بل حتى أن الكثير منهم كانوا قرباناٌ لهذه الضرورات ولذات الغائية بقدر ما كانوا من ماهيات معالم الذات الانسانية في تجلياتها الجمالية .
الأمعان في هذه العوالم ستشخص الابصار وترنو نحو اولئك الرواد الأوائل ، منذ عشرينيات القرن المنصرم حيث رواد الفكر المساواتي الاجتماعي ، وثلاثينيات الفكر التقدمي والديمقراطي واربعينيات التبلور النقابي والحزبي وخمسينيات المثقفين والطبقة الوسطى وتأثيراتهم المتصاعدة ... 
أما عن مستوى الافراد فيصعب عدهم وتكاد الارقام لا تستوعبهم ... لكننا نتلمس وجودهم المعنوي ونسترشد بهم وبتأثيرهم المادي على مجمل الحياة بابعادها الاجتصادية والسياسية الثقافية ، حيث ربطوا مهامة الثقافية في سيسيولوحية صيرورة التغيير الغائي المرغوب والمعبر عنه جمعياً واجتماعيا ً... حيث ساهموا بقوة روحية وزخم فيزيائي ليس في تهيئة تربة التغيير فحسب ، بل كانوا مساهمين مدركين ، حسب الممكن والمتاح ، في فعل البناء ... وبهذا كانوا مساهمين واعين في استحداث تاريخ جديد لذاتهم ولحراكيتهم السياسية وانتماءهم ، بالمفهوم الواسع ، الطبقي والوطني ... هذا ما دونته في هذا البحث عن التاريخ النضالي للنجف ولعلي استطعت ان انجح هنا ، وربما اخفقت هناك ... لكن ما اعتقده ، انني توفقت  في مدونتي البحثية المعنونة ( مقهى عبد ننه ... أرث نجفي عراقي حضاري ) وهي اضافة لصفحات تاريخ النجف الوطني المشرف .
ذياب مهدي آل غلآم
بيرث / أستراليا
ملاحظة : هذا القسم الآخير والآن باتجاه طبع بحثنا بالتوفيق .