نريد أعتذار مُرسل من السماء
زيد غازي ميشو
zaidmisho@gmail.comغريب هذا الإنسان .... عندما يكون ميسور الأحوال، يحبُّ أنواع الأكل ويختار منهُ ما يريد، ويبحث عن عمل مناسب، ويُطالب أو يتمنى أن يُطالب بحقوقهِ في دولتهِ، يختار لأبنائهِ الأسم الذي يحبهُ، ويرغب في أقتناء أنواع السيارات، يحب التنقل بالوسائل الأكثر رفاهية، ويتمنى أن يكون حراً في كل أختياراته، ويتفاخر بهذه الحرية أو ينزعج في حالة عدم أمتلاكه لها، ومع ذلك، فما أن يأتي وقت الكلام عن عقيدتهِ، نراهُ يدوس على الحرية بحذائهِ ويختار العبودية المطلقة!!
القضاء .. القدر ... عبيد الله ... القسمة والنصيب ... الإنسان يولد ومعه رزقتهُ .. وعشرات إن لم يكن مئات غيرها لو سطرت فسيكون لها مدلول واحد وهو: الإنسان دابة مربوط من إذنها معصوبة العين مُحددة الأتجاه لا طموح له ولا رأي، ولا أختيار!!
شخصيًاً، أكثر ما يزعجني في هذه الفكرة هو وجود أشخاص في حياتنا مقرفين وسيئين ومزعجين إلى أبعد الحدود، ولو أخذنا بتلك التعابير الأجحافية بحق الإنسان، فسيكونون هؤلاء النوعية من البشر موجودين خلال مسيرتنا الحياتية بإرادة ربانية وبمُخطط أزلي وعلينا أن نتقبل وجودهم في حياتنا!!
وعندما تسأل عن سبب هذه الإرادة السلبية يقولون بإيمان ظاهر يخفي غباءً مدقع بان الله لهُ حكمة!!
ولم أفهم حكمة الله تلك إلا أنها غير عادلة وغير منطقية أطلاقاً. والأغرب من ذلك قولهم لمن يقع في الخطيئة بأن الشيطان جربه!! وسأعطي مثالاً من وحيَّ الفساد:
شخص تقي صائم مصلي مكبوت جنسيًا يعمل في الصيانة، وهو يبحث عن رزقهِ والذي (قسمه له الله منذ ولادته!!) يذهب لتصحيح عطل في منزل إمراة مكبوتة جنسيًا هي الأخرى (ولا ننسى هنا المخطط الإلهي)، ولم يتمالكا أنفسهما ليصبح المنزل ميدان تحرير لهم (تحرير من الكبت) وهناك يأتي الجواب بأن نفذوا تعاليم الشيطان (شماعة المؤمنين واسطورة الكتب الدينية)!! والسؤال هنا، هل الشيطان أغواهم؟ ألم يكن لله علمًا بالموضوع؟ لو قاوم هذا المؤمن المكبوت إغوائها، فهل سيكون قد خالف أمر الله أو عمل به؟ وماذا لو فضح أمرهم وهم في دولة ترجم الزناة وتنحني أمام اللصوص والقتلة ورجما معاً، هل ستكون هذه النهاية الأليمة إرادة الله لهم؟
ويا ويل من يقول نعم لأني سأسأله، وهل الله أمر الشيطان بتهيئة الأمور وترتيب الأحداث كي يكون نهايتهم مأساوية بهذا الشكل؟ وماذا لو خافا من بطش القانون وأعلنا زواجهما، فهل سيكون ذلك بترتيب إلهي؟ ولو كان كذلك، وبزواجهما أنجبا طفلاً جميلاً، ومن ثم وبلحظة غضب ضرب الزوج زوجتهِ وطلقها، فهل ستكون إرادة الله لهما الطلاق؟ أوليس الطلاق منبوذ من الله؟ وماذا لو تزوج الزوج بأخرى وتزوجت هي بآخر، هل سيكون ذلك بأمر الله أيضًاً وتخطيطهِ؟ فهل من السهل على المكبوت جنسيًا أن يقاوم أغراء إمرأة جميلة في الوقت الذي نرى من يفجر نفسه ويقتل العشرات والمئات كي يحظى بالجنس الأبدي بحسب مفهومه المحدود؟
وبدل السؤال مليون وبدل الحدث مليار ومع ذلك يأتي من يجيب : الله أقسم لهم ذلك؟ الشيطان شاطر؟
مثال آخر من وحي الفساد أيضاً .... وهذه المرة فساد سياسي:
طاغية يحكم ويستبد وما أكثرهم، عانىّ شعبهُ الأمرين منه والعراق مثالاً، بشر تُداسُّ كرامتهِ وهامات تسحق وحروب وقتل ودمار....هل هي أرادة الله وتخطيطه المُسبق أيضاً؟
ومثال آخر من الفساد الديني:
رجل دين يبث روح التفرقة، وآخر يبحث عن مجده، ومن يبحث عن المال والجميع يشتركون بطغيانهم الذي مارساه باستغلالهم لعقلية المؤمنين وبلاهتهم في الأيمان الذي يجعلهم يعتقدون بأن رجل الدين هو صوت الله وحضوره في كل وقت ومكان، فهل مثل هذا الوضع هو بتخطيط إلهي فعلا؟
لو كان كذلك، فسأناشد الأحرار بإيمانهم وحياتهم ونعمل صيغة نطلب فيها تقديم أعتذار من السماء على مهزلة العبودية تلك التي جعلت الإنسان وسيلة ترفيه متطورة (4D) يتشبه إلى حد بعيد لعبة في (أكس باكس) ولن أكتفي بأعتذار السماء لخليقة الله بل بتصحيح هذا الخطأ البليغ.
مضحك ذلك الإنسان الذي يسقّط كل السلبيات على خالقه بحجة الأيمان وبأسوأ قناعة وهي العبودية.. في الوقت الذي نرى فيه من الغير مؤمنين من يحترمون الإنسان أكثر من جيوش السماء ويسعون من أجل أن يحصل على حريتهِ، وإلا لا قيمة لإنسان بدون الحرية، ولا أهمية لإيمان دون أن يكون إيمانًا بحرية..
والله الذي أعرفهُ جعل الإنسان مقدسًاً وهالتهِ حريتهِ، والله هو القدوس وهالتهِ الإنسان الحر، ولا إنسان حر بدون أن يكون الآخر معهُ حراً ومساويًا له، ولا قداسة لله دون الإنسان، لأن الإنسان هو من يعرف عظمة الله وليس الخلائق الأخرى، فإن كان الإنسان لا يعرف أهميته بالنسبة لله فحتمًاً لن يعرف عظمة الله أبداً إلا في الشعارات المزيفة.
من يمنحني الحرية....أكيد سأحبهُ واجلّه .... والحر .... حتماً تكفيه الإشارة.