المحرر موضوع: شهادات: الشاعر والكاتب كريم ناصر  (زيارة 667 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل محمد الكحـط

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 958
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
شهادات: الشاعر والكاتب كريم ناصر

انتشرت صحافة الحزب الشيوعي بشغف كبدائل للأشياء التي فقدت قيمتها الفكرية بسبب تسلّط الفكر الشوفيني إبّان الحقبة الديكتاتورية الفاشية


الشاعر والكاتب كريم ناصر

حاوره: محمد الكحط

كريم ناصر شاعر وكاتب متنوع المواهب، نشر العديد من الدواوين والدراسات النقدية تمتاز بالعمق ودقة التحليل الأدبي.
إلتقيناه في الذكرى الثمانين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي ووجهنا له بعض الأسئلة.

•   متى تعرفت إلى أنشطة الحزب الشيوعي العراقي وفي أيّة مرحلة من مراحل حياتك؟


** لكلّ مرحلة قيمةٌ مميّزة لها شروطها ومعطياتها وأسبابها الموضوعية، ولا شك في أنّ للحقبة السبعينية أثراً إستراتيجياً على منظومة الثقافة العراقية، وليس بالضرورة أن يكون المنتجُ سياسياً دائماً كما كنا نرى في الحالة التي فرضتها الظروف الاستثنائية العامة وما رافقتها من أنشطة ثقافية متتالية بفضل الانفتاح والتواصل وانتشار البدائل، ولكن يبدو أنَّ الثقافة تمثّل المفصل الأساسي في السوسيولوجيا كما تدلّ على ذلك..
انطلاقا مما سبق فقد انتشرت صحافة الحزب الشيوعي بشغف كبدائل للأشياء التي فقدت قيمتها الفكرية بسبب تسلّط الفكر الشوفيني إبّان الحقبة الديكتاتورية الفاشية، وعليه فإنَّ مبدأ التغيير في أيام الجبهة الوطنية تحديداً لم يكن مظهراً مثالياً خالصاً، ولكنه كان ملمحاً جوهرياً فرض خطاباً ثقافياً شاملاً ليصفو ظاهرة عامة، وهذا ما أدّى إلى انتشار سلسلة من المطبوعات الفكرية والفنية فضلاً عن مطبوعات ثقافية مهمّة، هذا الوضع الجديد المغري قد سهّل لنا تحقيق ما كنا نحلم به في السابق بعد أن كان التلقّي مستحيلاً، ولم يكن الأمر ميسوراً كما كنّا نظن، ولكن بنفس الوقت يمكن أن نقول إنَّ الصحافة قد يسّرت كثيراً بالتقائنا.. من منّا لم يحلم بالاستقلال الثقافي؟

•   كيف كان ذلك؟

** لا يمكن رسم الصورة هكذا، فمن الصحيح أنّنا كنّا نقتني الصحف من المكتبات الشعبية، ولتقريب الموضوع أكثر لفهم الصورة الحقيقية يجب أن نُسلّط الضوء على دور الحزب في نشر المطبوعات الراقية في السبعينيات، ومن بين الموسومة منها جريدة طريق الشعب، والفكر الجديد، ومجلة الثقافة الجديدة كنماذج موحية، وقد تجلّى هذا الدور الطليعي بقوّة في تجسيد ما هو حداثي لخرق السائد المبتذل لتحطيم الحاجز الرسمي بوصفه عائقاً..
فبرغم النجاح الذي لا جدال فيه، لكنما كانت الدولة تعرض رقابةً متتالية على مقتني الصحف اليسارية ومن ضمنها جريدة طريق الشعب على أن يقدّم المشتري اسمه الثلاثي للبائع كشرط ضروري لعملية الاقتناء.

•   هل تأثرت بأفكار الحزب، وبأي شكل؟

كلّ فكر أُممي لا بدّ من أن يحظى بمقبولية شعبية كبيرة، وهذه ليست مصادفة محضة، لأنَّ الصورة واضحة تماماً، وإضافة إلى ذلك أنّنا ننظر إلى الفكر الأممي لكونه ينسجم مع مبادئنا ولا يشذّ عنها، إذاً فلا يمكن الاعتقاد أنَّ مبادئ الحزب وحدةٌ منفصلة عن سياقاتها الأساسية.. إنّها تبقى في العمق جزءاً يتحقّق مضمونه كلّية في شموليته.. وعلى كلّ حال فإن التأثّر المقصود يمثّل الصيغة التي تجسّد الصورة الإنسانية انطلاقاً من خاصيتها الأُممية، وهذه ترجع أصلاً إلى النظرية الاشتراكية وبالموازنة مع النظرية الرأسمالية لا بدَّ من أن يكون الاختيار شيئاً معاكساً ليصبح نقيض معيار النظم السائدة، فلا شيء يمنعنا البتّة من الانزياح عن المنهج السائد إذا شئنا أن نقف مع اليسار التقدّمي ولما يشغل انتباهنا من مرجعيات معيارية وهذا ما يبطل المفهومات الخارجة عن السياق الإنساني.

•   ماهيّ الذكريات التي تحملها عن الحزب ومبادئه العامة؟

** هكذا يجوز لنا التعبير عن الحقائق التاريخية، لأنّنا نرى فيها الخطاب الجوهري ماثلاً في إطاره الثقافي بالقياس إلى قوانين الأيديولوجيا..
نستخلص بعد هذا أن ندرج الكثير من القضايا التي تربطنا بها ذكرى جميلة يمكن تمييزها عن غيرها- المهرجانات الشعرية كنماذج. - الحزب بوصفه مرجعاً يمثّل على العموم إتّجاه الشغيلة وتطلعات المثقفين، حيث يندر جدّاً أن يمتلك حزبٌ طليعي تاريخاً مشرقاً تجتمع كلّ معاييره في معطياته الفكرية أو الثقافية التي ينفرد بها الحزب الشيوعي العراقي الذي أعدّ الثقافة هدفاً من أهدافه السامية.

•   هل للحزب تأثير مشهود على الساحة الثقافية في تاريخ العراق الحديث، كيف تقوّم هذا الدور؟


** بلى، هذا المبدأ بالتحديد ما يعمل الحزب على تحقيقه، وقد تجلّى ذلك في العديد من المستويات، ولنتفق جميعاً على أنَّ الهدف الأسمى: المستوى الثقافي، والحزب يدأب في تنشيطه ليصفو معياراً منتظماً في إستراتيجيته المعاصرة والسمات التي يسعى لخلقها، وهذا ما أنشأ بالفعل جيلاً مميّزاً من المثقفين الكبار احتلّ أماكن حساسة في الثقافة العربية، من النادر أن يوفّر حزبٌ ما هذا الدعم لمثقفينا في تاريخ العراق الحديث..
يمكن أن نرى أنّه كيف ترك الحزب أثره الجمالي في وجدان النخبة من صنف الانتلجنسيا ونلاحظ ذلك خاصة في نطاق الأدب والفن كليهما.

•   ذكريات ومواقف تتعلق بمسيرة وتجربة العمل الثقافي..

** بدءاً أصبحت الثقافة صورةً حقيقية لميكانزم الواقع، وهذه الصورة تقتضي بالضرورة علاقة متبادلة، وبوجه عام فإنَّ الثقافة تمثّل الدعامة العميقة لأيّ مجتمع.. نحن رأينا أنفسنا في خضمّ هذه العلاقة التي تحمل لنا من أرث الشعوب الكثير، وقد صار لزاماً علينا الاغتراف من أعماق هذه الأشكال القادمة من الخارج وبما توفّرها من خصوصيات شعرية على شكل سلسلة معرفية ثمرتها تكفي لتحقيق مترادفات جديدة..
نلاحظ أنَّ الشعر يمثّل الاختيار العميق لهذه العلاقة الجوهرية، وتحت هذا الإسم المعبّر سعينا إلى تنشيط أدواتنا الشعرية ويكفينا فخراً أن أضفنا إلى الحقل المعرفي شيئاً مفيداً بهذا المعنى..
لو نعود إلى المواقف المعهودة فيمكن أن نستخلص منها نتائج مهمّة، النقطة الأساسية كما نرى جعلتنا أن نكتشف بعمق السمات الأدبية لمجمل البنى الثقافية.

•   كيف تجد علاقة صحافة الحزب الشيوعي بالثقافة والمثقفين؟

** كانت العلاقة دائماً حميمة ومتجانسة بالموازنة مع الصحافة الرسمية على مرّ السنين ولا سيما بين الصحافة اليسارية والثقافة من جهة، وبين صحافة الحزب ومثقفينا من جهة أخرى، حيث بدأت هذه الأخيرة تتماسك وشائجها بتناغم مطّرد وتنمو مع تطوّر البنى الثقافية بجميع مستوياتها..
وقد خلق الواقع المتميّز الجديد فضاءً واسعاً بنفس أهمية الخطاب الثقافي فضاء وجدنا فيه أنفسنا بملامح جديدة تكون كفيلة بإلحاقنا بباقي الشعوب المتطوّرة، فأصبحنا نمتلك تصوّراً عن ظواهر عديدة مشتركة، وقد تجلّى ذلك الخطاب في أدبياتنا كما هو واضح من سماته منذ سبعينيات القرن الماضي، هذا المظهر الثقافي المستجد ترك مجالاً فسيحاً للحركة، وكأنما زحزح عن كواهلنا ثقلاً ما كان جاثماً على صدورنا منذ الأزل..
وإذا سُمح لنا بإبداء الرأي من نفس التاريخ المذكور، لا ريب أنَّ مردّ ذلك مرجعيات الحزب التي إتخذت من التلاقح مصدراً لها لإسناد الموقف الأصيل في نطاق الأدب وآليات تطويره مع الإخلاص لمبدأ التناغم لقواعد الحرية..
نستطيع أن نجزم أنَّ صحافة الحزب احتلّت مكاناً مرموقاً في أذهاننا، ومما له دلالة نلاحظ مع ذلك كيف أنَّ الصحافة الشيوعية قد تمكّنت من صياغة مشروعها لمدّ جسور قوية ومشتركة، بل إنّها صارت لم تأل جهداً في دعم المنجز الثقافي على جميع مستوياته، لهذا نستطيع أن نلمس النشاط الفعلي في كلّ التجارب كيفما كانت درجة كثافتها، في حين لم نلمس ذلك في الصحافة الرسمية التي تقوم دائماً على خلاف ذلك حيث انعكست مظاهرها بداهة في كلّ الحقب، ولهذا بالطبع مردود سلبي لكنه أصبح نادراً.
 
•   كلمة في الذكرى الثمانين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي تعبّر فيها عن هذه المسيرة وآفاق المستقبل..

** هكذا ارتأينا أن نضمَّ صوتنا إلى صوت الشعب دعماً للثقافة والفن والحريّة الفردية لتغيير النمط السائد وإحداث البديل وإنشاء بنى قوية تسمح بالتعبير خلافاً للمقتضيات السائدة..
يبقى بعد هذا أن نثمّن غالياً دور الحزب ونقدّر تاريخه المجيد لما قدّمه في مسيرته النضالية من ملاحم بطولية نادرة وما حقّقه في ميدان المعرفة وفي مجال حقوق الإنسان ومساندته تطلعات الشعوب إلى الديمقراطية ونزوعها إلى السلام والحرية.
تحية إكبار واعتزاز إلى الحزب الشيوعي العراقي بذكراه الثمانين.