(( الجذور التأريخية لتحريم العمل في يوم السبت اليهودي )).
"في عالمٍ يؤمِنُ ثلاثة أرباع سُكانهِ بالخرافة، أصبحَ الوَعي سُبة لِمَن يَعي" !.
تقول القواميس: السَبْتْ: إسم مُذكر مؤنثه سَبتة، ويُجمع جمع تكسير على سُبُوتْ وأسْبُتْ، ومصدر سَبَتَ.
أسبَتَ: دخل في السَبتْ. قامَ بأمر السَبْتْ: إستراحَ: من معنى الراحة. ويُضيف المُنجد: السُبات هو النوم، أو أوله.
لليهود عشر وصايا في دينهم يقولون أن الرب (يهوة) أعطاها لنبيهم موسى لتكون شريعة لهم!، بينما بعض الباحثين في علوم التأريخ وكثير من الناس المتنورين الذين قرأوا التأريخ بدقة يقولون أن اليهود إقتبسوا تلك الوصايا من تشريعات الملك البابلي حمورابي، ويقول البعض الآخر إنها جزء صغير من تعاليم بوذا (558 ق.م) والتي من ضمنها: لا تقتل، لا تسرق، لا تزني، لا تكذب، لا تتعاطى ما يحجبُ عقلك. علماً بأن بوذا لم يَدَعي النبوة أبداً، بل كان حامل رسالة أخلاقية.
من ضمن الوصايا العشر لليهود (الوصية الرابعة) التي تقول بإختصار: “إذكر يوم السبت لتقدسه”.
وملخص حكاية يوم السبت كالتالي: يُقال ان الرب الذي صَنَعَ كل شيء في ستة أيام أخلَدَ للراحة في اليوم السابع! (سِفر التكوين-الإصحاح: 2 الفقرات 2+3). والمحير حقاً هو: كيف تَزعم الأديان التوحيدية أن الرب الخالق هو"على كل شيء قدير"! بينما نضبطه تعباناً ومتلبساً بمحاولة الراحة في اليوم السابع!؟. بمعنى آخر: هل يتعبُ الرب حقاً!؟.
ثم اليس هذا احد الأدلة المنطقية البديهية في زعم اللادينيين القائلين بأن الإنسان هو مَن خَلَقَ الرب وبالضبط على شاكلته بحيث أن الرب تَعبَ بعد اليوم السادس وإستراح في السابع كما يتعب الإنسان ويستريح!؟.
وهي فكرة يغص بها حلقومُ الإنسان العاقل!، فكرة أن يتعب الرب ويستريح!!،لأن الأديان قالت لنا بأن الرب ليس من معدن البشر!!.
لهذا سيبقى هذا السؤال إشكالاً في فهم خاصية وماهية هذا الرب الذي يتعب!!، ولا أعتقد بأن المُتضلعين والمُحترفين ووعاظُ السلاطين بإمكانهم رتق هذا الخرق أو الثغرة مهما قدموا لنا من فلسفات وتفسيرات أفتَرِضها -وعلى عادتهم- ستكون هُلامية وضبابية مُضلِلة، رُبما ستُقنِع متواضعي الفكر فقط والذين يُشكلون عادةً الغالبية العُظمى في أعداد المُنقادين لهذه الأديان الأرضية!.
في هذه الحالة وحالات غيرها بالآلاف، نجد أنه من الصعب بمكان التصديق بكل ما زعمته الأديان الأرضية والتي تزيد عن (1100) دين في العالم!، والتي عجزت جميعاً عن إثبات وجود "الرب" ولو لمرة واحدة، وكل منها يُقدِمُ قصصه الغيبية للمجتمعات البشرية المسكينة لدرجة أصبح العالَم ومن خلال كل تلك المفاهيم المتضاربة والمُتقاطعة والحروب الدينية الرهيبة القائمة بسبب تضارب القصص مُستنقعاً يُهدد بالإنقراض -ربما- في أية لحظة!. وهذا ما تحدث عنه العالِم الفيزيائي اللاديني (ستيفن هوكنك) في لِقاء تلفزيوني له مع (ليري كنك)!.
يوم السبت يعني عند اليهود: "الراحة"، ويَعتَبر اليهود عزوفهم عن العمل في يوم السبت من أكبر ثوابت دينهم!، كونه من ضمن الوصايا العشرة التي جاء بها موسى وقال أنه إستلمها مباشرةً من الرب التوراتي (يهوة)!. بينما هي في أصلها إقتباس آخر من بابل، وبالضبط من التشريعات القانونية للملك الشهير (حمورابي) والذي بدورهِ إدعى بأن الرب (شمش) هو الذي سلمها له في أعلى الجبل!.
وعلى نفس الشاكلة صَوَرَ موسى نفسه وهو يستلم الشرائع من الرب (يهوة) في أعلى الجبل كذلك!!. ولا أعرف لماذا تجشم موسى عناءَ الصعود لأعلى الجبل لإستلام تلك الشرائع، بينما كان بإمكان الرب "القادرعلى كل شيئ" أن يُسلمه إياها في أسفل الجبل!؟.
كذلك من حق عقولِنا التساؤل: لماذا ظهر الرب لموسى على شكل نار في العليقة أو العشب المُلتهب!؟. هل كان يخجل من موسى مثلاً!!، أو ربما أراد إلقاء الرعب في قلب موسى لزيادة تأثيره عليه!؟، أم ماذا؟. وأعتقد الجواب الصحيح هو أن القصة المشوشة هذه وبقضها وقضيضها هي مُجرد إقتباس أصبح معروفاً جداً ومُدوناً في المئات من البحوث والكتب التأريخية والعلمية المُختلفة التي تكشف حتى الممحي!.
ومن المُرَجَح أن المجتمع الزراعي والمديني الذي ظهر قبل حمورابي كان بحاجة ماسة لتلك التشريعات والتعاليم الأرضية التي جاء بها حمورابي ومن قبله عدة مُشرعين آخرين لم يكونوا بشهرتهِ. وكل ذلك من باب ( الحاجة أُم الإختراع )، لذلك أوجد البشر شرائع لضبط مجتمعاتهم الأرضية، ولم يكن لأي إله أي فضل عليهم كما تدعي التوراة في قضية الرب وموسى!. وهنا يتبين أن حمورابي وبوذا وعدة مُشَرعين قبلهم أو بعدهم كانوا أضبط وأسبق وأسرع وأشطر من الرب التوراتي (يهوة) !!.
ثم هل كان البشر حقاً بحاجة لرب يقول لهم مثلاً: (لا تقتل)!؟، أوَلَم تكن هذه الوصية من البديهيات الإنسانية التي عَرَفَها وحارَبَها أغلب البشر حتى قبل صُنعهم لفكرة الإله المزعوم بزمنٍ طويل!؟. وهل زادت أو نقصت حوادث القتل بعد أن خرج الرب التوراتي عن صمته الأزلي وترك كسله ونومه ليقول للبشر: لا تقتلوا؟. وما الجديد الذي جاء به الرب في تعاليمه مما لم يكن قد شرعه البشر!؟.
والمُضحِك جداً أن نفس الرب التوراتي هذا له آياتٌ مُخجلاتٌ مُرعبات حقاً يدعو فيها أتباعه حتى إلى قتل الأطفال الرُضع!!، وسندع ذلك لمقالاتٍ قادمة في كشف عورة الأديان الأرضية هذه!.
لا زال الكثير من بقايا الأمور الحياتية اليومية عالقاً في ذاكرتي منذ عمر السادسة، يوم كنتُ في بغداد، وأيضاً من خِلال ما كنتُ أسمعه من أمي وأبي عن جيرانهم وأصدقائهم الطيبين من يهود بغداد قبل رحيلهم النهائي من العراق، ومنها جملة معلومات عن السبت عند يهود العراق الذين لم يكونوا يوقدوا أو يُطفئوا ناراً إعتباراً من وقت غروب الشمس مساء الجمعة. وتعتبر ال (24) ساعة المقبلة يوماً مقدساً يُطلقون عليه تسمية (قِدَشْ هيوم) وتعني في العربية: (قدس اليوم أو اليوم المُقدس). لاحظوا تقارب الكلمات بين العبرية والعربية ولغة مسيحيي العراق الآرامية (السورث) التي تقول (يوما قديشا)!.
حسب إعتقاد اليهود فإن قدسية السبت آتية من تقديس الرب لهذا اليوم كما ذكرنا، وذلك من خلال الوصية الرابعة: (أحفظ يوم السبت)، حيث يدعو فيها الرب إلى التوقف عن كل عمل (سفر الخروج إصحاح:20 ) [ أذكر يوم السبت لتقدسهُ، ستة أيام تعمل وتقوم بجميع مشاغلك، أما اليوم السابع فتجعله سبتاً للرب إلهك، فلا تقم فيه بأي عمل أنت أو أبنك أو إبنتك أو عبدك أو آمتك أو بهيمتك أو النزيل المقيم داخل أبوابك، لأن الرب قد صنع السماء والأرض والبحر وكل ما فيها في ستة أيام، ثم إستراح في اليوم السابع، ولهذا بارك الرب يوم السبت وجعله مُقدساً ].
ملاحظة مهمة: دققوا هنا في قول الرب: (عَبدك أو آمتك) والسؤال: كيف كان يرضى الرب "الخالق" بوجود عبيد وإماء!؟، أوليسَ كل البشر من خلقه وأبنائه كما تزعم الديانات "التوحيدية"!؟، فكيف يرضى أن يَستَعبِدَ أحدهم الآخر!؟. أي رب هذا الذي يسكت ويُبارك ويتستر على جرائم وأغلاط بعض خلقهِ تجاه البعض الآخر!؟.وكيف لم يعترض أحد من "قطيع المؤمنين" لحد اليوم على هذه القضية (العبودية) التي تَمنَعها وتُشددُ على عدم ممارستها كل لوائح حقوق الإنسان المُعاصرة!؟.
من ناحية أخرى منطقية وعقلية بديهية جداً: لماذا يحتاج الرب لمن يعبده!؟. وكما قُلنا فالبشر صَوَروا أو تَصَوروا الرب الذي صنعوه بالضبط على شاكلتهم البشرية بحاجة -كملوكِهم وحكامهم وسادتهم الأرضيين- إلى عبيد وإماء وخدم وحشم وربما جواري وغلمان!!، ناسين أو متناسين أنه "الجبار الذي على كل شيء قدير" وقدرته اللا متناهية هذه تجعله لا يحتاج إلى إماء وعبيد كما الإنسان !!.
وبدل بعض الوصايا الهامشية جداً للرب (يهوة) .. أفلَم يكن الأجدر به أن يوصينا بعدم إستِعباد البشر مثلاً !؟. أم إننا نتدخل في قرارات (يهوة) المزعوم!؟.
كذلك ما المعنى من قول (يهوة) في وصيته الرابعة هذه: (أو بهيمتك)!، وكيف سنجعل البهيمة تتقيد بوصايا الرب، ومنها عدم مُمارسة النكاح على سبيل المثال!!!؟. وكما قلتُ مراراً في السابق: ( لو أردنا ان لا يضحك أحد على عقائدنا، فيجب أن لا تكون لنا عقائد مُضحكة )!.
كان يهود بغداد يوقدون النار قبل غروب شمس مساء الجمعة، ويضعون فوقها قِدراً فيه طعامهم ليوم السبت، وكانوا يُسمون ذلك الطعام (التبييت) أو (التبيت)، والكلمة هذه مُشتقة من (باتَ) كقولنا: طعامٌ بائت، أو بات نزار عندنا البارحة، أو في السؤال: أين سَتبات الليلة؟.
وكان التبيت -حسب معلومات والدي الراحل- يتكون في أغلب الأحيان من (الرز والدجاج والبيض)، وكانوا يتركونه على نار هادئة إلى ضحى السبت، وحين ينضج الطعام ويُريدون إطفاء النار يطلبون من أحد أفراد جيرانهم أو حتى من أحد المارة والمستطرقين من مسلمين او مسيحيين أن يقوموا بإطفاء النار بدلاً عنهم لأن ذلك محرم عليهم!!!.
أذكر أن جيراننا اليهود (بيت أم سمير) في منطقة البتاويين حيث كُنا نسكن يومذاك، كانوا يضعون مبلغ عشرة فلوس بجانب الموقد لي أو لأخي الأكبر مني، مكافأة على إطفائنا النيران تحت قدور موقدهم حين كانوا يطلبون مِنا القيام بذلك يوم السبت، وحين عَلِموا بأن هناك تنافس بيني وبين أخي للتسابق في الحصول على مبلغ العشرة فلوس قاموا بوضع قطعتين من فئة العشرة فلوس مكافأة مُرضِيَة لكلينا. أتمنى لهم ولنسل عائلتهم كل الخير اليوم أينما كانوا على هذه الأرض الواسعة، فقد كانوا أناساً مسالمين طيبين ودودين لا يتدخلون بشأن أحد، كذلك كان أغلب يهود العراق، والتأريخ وأغلب أبناء الشعب العراقي يشهدون بذلك.
كذلك أتذكر من خلال ما كان يقصه علينا والدي ووالدتي أن كل أفراد العائلة اليهودية كانوا يغتسلون ويتحممون قبل بداية مساء الجمعة، ويلبسون أجمل وأنظف ملابسهم وكأنهم في ليلة عرسهم، ويقومون بتحضير القناديل الزيتية مع عدد كبير من أنواع الشموع والبخور الخاصة لمناسبة يوم السبت فقط ولإستقبالهِ بأحسن وجه، وكل ذلك لإنارة المنزل وتبخيره حيث كان بعضهم يمتنع عن إستخدام المصابيح الكهربائية بينما لا يُمانع البعض الآخر من إستعمالها.
كذلك كانوا يُمارسون أنواع متعددة من الصلاة الخاصة تتخلل مساء وليلة الجمعة وخاصة قبل موعد العشاء الذي تجتمع حوله كل الآسرة. بينما أغلب الرجال كانوا يؤدون صلاة مساء الجمعة في الكنيست أو المعبد (التوراة) ومن ثم يعودون لبيوتهم لمشاركة العائلة في الصلاة التي تسبق العشاء والتي غالباً ما كانت تُؤدى من قبل ربة البيت.
كذلك يقول اليهود بأن قدسية السبت تعود للعهد الموثق بين الرب يهوة وشعب إسرائيل!!!، وكما جاء بالضبط عن "لسان الرب" (سِفر الخروج- إصحاح:31، فقرات 16+17):
[ ليحفظ بنوا إسرائيل السبت ويحتفلوا بهِ في كل أجيالهم عهداً أبدياً، هو بيني وبين بني إسرائيل علامة عهدٍ إلى الأبد، لأنه في ستة أيام صَنعَ الرب السماء والأرض، وفي اليوم السابع فرغ من العمل وإستراح وتنفس ].!
طبعاً مُلاحظاتي عن هذا "العهد الأبدي" بين (يهوة)التوراتي وبني إسرائيل قد يأخذ مني مساحة مقال طويل، لكنني سأكتفي هنا بالحكم على بشرية كَتَبة التوراة والوصايا العشر هذه، إذ ومن خِلال ما عرفناه عن الرب في المسيحية مثلاً والقائل "أنا جئتُ لكل العالم"، فمن المستحيل أن يكون رب العالم بكل هذه العنصرية المقيتة التي يُقرر من خِلالها بأن هناك شعب واحد من كل شعوب الأرض التي "خلقها"، يستحق أن يُعقد معه إتفاقاً أبدياً!!، ولهذا .. ولمئات الأمور اللا معقولة الأخرى في التوراة يقول كل من يحمل عقلاً متنوراً لا يخضع للخرافة، بأن التوراة كِتاب أرضي، وأن الرب (يهوة) إنما وهمٌ غيبي تم إختراعه وفرضه على متواضعي الفكر في هذا العالم الذي يعصف الجهل بأغلب سُكانهِ !!.
في إسرائيل كان قد صدر قانوناً حول العمل في يوم السبت عام 1956 يقضي بأن السبت هو العطلة الدينية لنهاية الأسبوع للشعب الإسرائيلي، وحتماً ليس كل الشعب الإسرائيلي متقيد أو ملتزم ببعض أو كل التعاليم الدينية اليهودية، بل ذلك تابع لعقلية ومفاهيم ونمطية الفرد الإسرائيلي ونوعية ثقافته وقناعاته وإلتزاماته الحياتية، ولكن الغالبية ملتزمة بناموس موسى ووصاياه العشر وخاصةً ما كان يتعلق منها بيوم السبت!، وللعلم فقط فإن حاخاماتهم يسمحون لهم بالحرب في يوم السبت وحتى القتل إذا إقتضت الضرورة!!!، وهذان بحد ذاتهما من أكبر الممنوعات والمُحرمات في الوصايا العشر!، ولكن .. وكما في بقية الأديان فالضُرورات تُلغي المحضورات!!!. والتاريخ والتجربة يقولان لنا دائماً بأن الأديان تُحلل متى تشاء وتُحرِم متى تشاء (نوع من المطاطية والتوفيقية)، وبحسب مصلحة من يُدير تلك الأديان!!.
كذلك نعلم أنه تم تحريم العمل في يوم السبت لأعمال وأمور تصل إلى (39) نوعاً أو مادة أو حالة عمل، وكلها تُنهي عن القيام بأعمال ونشاطات معينة منها: زراعية وصناعية ومنزلية، ومنها عدم التعامل بالنقود وعدم الكِتابة ومنع البكاء والنواح والصيام وحتى الإستماع للراديو أو مشاهدة برامج التلفزيون أو ممارسة الرياضة، كذلك تحريم المشي لمسافة تتجاوز الفي ذراع أو نصف ميل بعيداً عن محل إقامة اليهودي المُلتزم، لهذا نجد الكثير من اليهود الملتزمين دينياً يعيشون -قدر المستطاع- على مقربة من كنيسهم أو معابدهم الدينية ليكون بمستطاعهم المشي مِن وإلى تلك المعابد الدينية يوم السبت، ويُحرَم على اليهودي في يوم السبت أي شيء من شأنه أن يُلهيه أو يشغله عن ذِكر وعبادة الرب!. وبرأيي أن محمداً بن عبد الله إقتبس هذه الفكرة من اليهود من ضمن عشرات إقتباساته منهم، وحَرَمَ على المسلمين مئات الأمور (تزمت وتطرف كبيرين) التي لا تقتصر على يوم واحد من أيام الأسبوع كالسبت مثلاً، بل مدى الحياة!!!، وبحجة أنها كانت ستُلهي المسلم عن ذِكِر وعبادة الرب الخالق!!، ولا عجب!، لأن نبي الإسلام يقر ويعترف بأن الإنسان خُلِقَ ليعبد الرب!!، وجذراً هذه فكرة إقتبستها اليهودية (كاربونياً) من نفس فكرة بلاد الرافدين (سومر وبابل) التي تقول في أسطورة التكوين أن الآلهة خَلقَت البشرعلى صورتها لغاية واحدة هي لخدمة وعبادة مجمع الآلهة الكِبار(الأناناكي)!، وهذه واحدة من مئات الأدلة التي تقول لنا بأن أصل كل الديانات التوحيدية هو من جذر رافديني قديم، وخاصةً بعد الوجود اليهودي في بابل كنتيجة للسبي البابلي على يد الملك الكلداني نبوخذ نصر الثاني.
وحول قضية إقتباس الضعيف من القوي يقول إبن خلدون: (( الشعوب المغلوبة تتأثر دائماً بحضارة الشعوب الغالبة ))، وهذه حقيقة أثبتها التأريخ مئات المرات.
في السابق كانت عقوبة خرق تعاليم يوم السبت عند اليهود هي الإعدام (رجماً بالحجارة حتى الموت)!!، ولم تكن تُضاهي هذه الخطيئة المميتة أية خطيئة أخرى غير عِبادة الأوثان!.
لاحظوا هنا الإقتباس الإسلامي حول عملية الرجم بالحجارة من اليهودية، ولا ننسى أن اليهود كانوا يَرجمون الزانية أيضاً، ومنهم أيضاً إقتبس محمد بعض شريعته المتعلقة بالزنا، وكِلتا الشريعتين الموسوية والمحمدية حول "رجم الزانية" مقتبستان من شريعة حمورابي البابلية حول الزنا والإغتصاب ومن المواد # ( 129، 130، 132، 133) بينما نجدها في التوراة وبعد (500) سنة من شريعة حمورابي في الأسفار (الأحبار 18: 19، 22) + (الأحبار 20: 10- 14) + (خروج 22: 16).
يقول الكاتب والمُفكر الراحل هادي العلوي البغدادي في كِتابه (محطات من التأريخ والتراث): [ قام السيد المسيح بإلغاء شعائر السبت، وأجاز العمل فيه، على أنه لم يَضَع يوم عطلة بديل السبت اليهودي، إذ يظهر أنه إستمر على الإقرار بالسبت كيوم لنهاية الأسبوع، أما عطلة يوم الأحد فليست من تشريعاته، ولا شك أنها وُضعت لاحقاً من طرف الكنيسة الغربية، وقد سبب إلغاء شعائر السبت هزة كبرى في أوساط اليهود، وكانت من الأسباب التي زادت من نقمتهم على السيد المسيح كمُنشَق على الناموس الأعظم لموسى ]!. إنتهى
وقد إختلف السيد المسيح مع اليهود حول فهمهم ليوم السبت، وكان يقول لهم: "السبت جُعِلَ لأجلِ الإنسان، وليس الإنسان لأجل السبت". والكثير مِنا اليوم حين يرون ما يعمل اليهود من مبالغات لأجل السبت وتقديسه بهذه الطريقة المُضحكة يتبنون رأي السيد المسيح في الموضوع، فالأشياء من أجل الإنسان وليس العكس.
أما عطلة يوم الأحد فلم تكن من وضع الكنيسة الغربية كما إعتقد الكاتب (هادي العلوي)، بل كانت من تشريعات الملك قسطنطين الذي كان أول ملك روماني يعتنق المسيحية، لهذا شَرَعَ يوم الأحد (sun-day) كيوم عِبادة لإسترضاء ومجاملة ومماشاة الغالبية الوثنية في روما يومذاك، والتي إعتنقت المسيحية بعده من خِلال مبدأ (الناس على دين ملوكِها)، والدلالة على ذلك أن المسيحية لم تنتشر في روما إلا بعد مرور حوالي (320) سنة من تبشير السيد المسيح بها!.
وهكذا أصبح (يوم الشمس sun-day) يوم عطلة وراحة للمسيحيين على غِرار يوم الراحة اليهودي ومن قبلهم يوم الراحة البابلي. وكل الموضوع هو إقتباسات في إقتباسات في إقتباسات!!.
ملاحظة: الملك قسطنطين إعترف بالمسيحية في مَرسومَين صدرا عام (321 ميلادية).
وبما إننا نتكلم عن يوم العطلة الأسبوعية للأديان فيجدر بنا التطرق لأسباب إتخاذ المسلمين ليوم الجمعة بالذات لعطلتهم الأسبوعية، وحول هذا يقول الكاتب سيد القمني في كتابه (الأسطورة والتراث):
[سبق أن تحدثنا عن تسرب عبادات البابليين وعلومهم إلى العرب في الجاهلية من خِلال الصابئة، وتقديسهم للأجرام السماوية السبعة والرقم (7)، بما فيها الكواكب السيارة الخمس، حتى أنهم قدسوا يوم (الزهرة المقدس) وكان يوم الجمعة في التقويم البابلي مُكَرساً في بلاد الرافدين لعبادة كوكب الزهرة، وما زال لتسميتهم هذا اليوم بإسم الزهرة أثر في اللسان الأوربي، ف: (vendred) (الجمعة) هو في الأصل من (venus) فينوس الزهرة، و(Dies-vaneris) هو يوم الزهرة أو الجمعة. وغنيٌ عن البيان أن يوم الزهرة (الجمعة) الذي أسماهُ الجاهليون إعتزازاً (يوم العروبة) أصبح في المأثور الإسلامي يومهم الإسلامي المقدس، إضافة إلى أنه قد جاء في الآيات القرآنية تقديس واضح للكواكب الخمسة السيارة، في قول الآيات: "فلا أقسم بالخنس، الجوار الكنس"، القرآن: سورة التكوير، الآيات 15: 16]. إنتهى.
مِن خلال كل ما تقدم نجد أن أصول وجذور السبت والجمعة مقتبسة من تراث بلاد ما بين النهرين، وتحديداً من بابل.
هنا أود التطرق لقضية مُحيرة للفهم وتُجافي المنطق السليم، وتبدو من خِلال كل المُعطيات الدينية الثابتة كمُعادلة فكرية مُعقدة ليس لها حل أو تفسير غير كونها "تناقضات" دينية بحتة يفضح أحدها الآخر:
1 .. يقول الدين المسيحي بأن السيد المسيح هو الله، وبمعنى آخر هو إله العالم، من خلال الأقانيم الثلاثة.
2 .. تقول التوراة واليهودية بأن (يهوة) هو إله العالم!، ولن أتطرق هنا لِما يقوله الإسلام أو أية ديانة أخرى مُكتفياً باليهودية والمسيحية.
3 .. يهوة "الإله" أعطى موسى الوصايا العشرة والتي من ضِمنها تقديس يوم السبت.
4 .. السيد المسيح يقول: "أنا ما جئتُ لأنقض الناموس والأنبياء، بل جئتُ لأتمم الناموس". ثم يقول أيضاً: "السبتُ جُعل لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل السبت". وهنا نرى أنه -وبصورة من الصور- نقض الناموس!!، لأن (يهوة) يُقدس السبت، والمسيح لم يحفل بالسبت كثيراً!. والسؤال الذي يطرح نفسه تلقائياً: مَن هو الإله الحقيقي للعالم: يهوة أم المسيح!؟. لأن كل واحد منهما يُناقض الآخر!!. وهل نحنُ في حالة تعدد الآلهة أم ماذا!؟. وهل من مُفسر عاقل نزيه لا يلجأ -كالعادة- إلى التضليل والمُراوغة والدخول في المتاهات الدينية، يوضح لنا كل هذه الأحجيات والتضليلات والتشويشات التي وقع في فَخِها مُدَوِنو الكتب الدينية؟.
ماذا تقول بعض الكُتاب التنويرية عن يوم السبت:
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
يقول الكاتب علي الشوك في كتابه: (جولة في أقاليم اللغة والأسطورة) بتصرف: [ كان البابليون يُحَرِمونَ القيام ببعض الأعمال في اليوم السابع، وهذا هو جذر وأصل التحريم في يوم السبت (السابع) الإسرائيلي.
وحتى كلمة سبت تذكرنا بكلمة (sebet) البابلية التي تُقال للسبعة!، وهناك نص بابلي يقول: "في اليوم الأول والسابع والخامس عشر والحادي والعشرين والثامن والعشرين من الشهر، كذلك في اليوم التاسع والأربعين أي التاسع عشر من الشهر التالي، يمتنع راعي الشعب (الملك) عن تناول اللحم المشوي والخبز، ولن يَستبدِل ملابسه، ولن يرتدي ملابس نظيفة، ولن يُقدم أي تقدمة. لن يركب عربة، أو يصدر أوامر، ولا يجوز للرائي في هذه الأيام أن يُقدم للناس ما رأى، ولا يجوز للطبيب أن يضع يده على جسد إنسان، وعند المساء يأتي الملك بتقدماته لللآلهة"!!، فبماذا يختلف السبت اليهودي عن السبت البابلي"!
والسبات في العبرية يعني (راحة)، ومفهوم يوم الراحة متآتِ أما من يوم السوق حيث يتوقف الناس عن العمل وينصرفون فيه للشراء، أو من التحريم (التابو Taboo) الذي يرتبط بأيام لها موقع خاص في حياة البشر، كالولادة والوفاة والمناسبات الدينية وأيام أوجه القمر الأساسية ومنها: يوم ظهور الهلال، ويوم إكتمال البدر، وكذلك أيام الظلام عند إختفاء القمر.
ويُعتبر يوم السوق والإستراحة محرماً أيضاً عند معظم الشعوب البدائية، وقبل السبي البابلي كان (السبات) يُقصد بهِ أما آخر يوم من أيام الأسبوع أو يوم إكتمال البدر، ولكن كُتاب التوراة في أثناء السبي البابلي وبعده إعتبروا (السبات sabbath) يوماً سابعاً من أيام الأسبوع.
إن كلمة (شباتو Shabattu) البابلية كانت تُطلق على أحد أيام الشهر، وهو يوم إكتمال البدر. وفي ختم اسطواني للملك السومري (غوديا أو كوديا Gudea) يرد ذكر للإحتفال بمستهل الشهر في مدينة (لجش)، وكانت هناك إحتفالات بذكرى الإلاهتين (باو Bau ونينا Nina) تُقام في بيوت خاصة مُكرسة للهلال في كل الأوقات. وفيما بعد أيضاَ أُعتُبِرَ ظهور الهلال عيداً كبيراً. وفي عصر السلالات في أُور وفي ظل إمبراطورية حمورابي وبعدها كذلك كانت القرابين تُقدم في اليوم الخامس عشر، وهو يوم إكتمال البدر، وهذا كان يُدعى (شباتو Shabattu)، وهي كلمة كانت تعني أيضاً في أيام الملك آشور بانيبال يوم إكتمال البدر بلا مدلول ديني.
لقد كان اليوم السابع مُحرماً (taboo) عند البابليين، وحتى قاموس الكِتاب المُقدس يقر بذلك من خِلال قوله: "وكان البابليون يُحَرِمونَ بعض الأعمال في يوم السبت" .. الخ. ] إنتهى.
أما في كِتاب (أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية) فيقول الكاتب الأب سهيل قاشا:
[ أن مبدأ الأسبوع وتقسيم الشهر إلى أربعة أسابيع يرجع بالدرجة الأولى إلى التقويم البابلي، وقد كان العراقيون القدماء يعلقون أهمية خاصة على ملاحظة (اليوم السابع) من الشهر القمري، فيستخدمونه لأغراض التنبؤ وإستجلاء طوالع السعد والنحس، وهكذا قسموا الشهر القمري إلى أربعة أقسام متميزة، أي إلى أربعة أسابيع، ثم تطورت فكرة الأسبوع في القرون القليلة السابقة للتأريخ الميلادي، فصار الإسبوع وحدة متواصلة يجمع ما بين التقسيم البابلي ومبدأ السبت العبراني ].إنتهى.
يقول (ول ديورانت) صاحب كِتاب (قصة الحضارة): [ لربما جاءت هذه العادة (تحريم العمل في السبت) من البابليين الذين كانوا يُطلقون على أيام (الحرام) وأيام الصوم والدعاء إسم (شيبتو) ].
وللعلم فقط … فلا زال كلدان العراق يُسمون يوم السبت: ( شَبْثَة ) في لغتهم المحكية ( السورث).
في كِتاب (الأنتروبولوجيا) يقول جيلبير دوران:
[ كما أن (السبت البابلي) قد يكون له أيضاً أصل حيضي، فالسبت كان يُطبق في فترة حيض الآلِهة القمرية عشتار، والسبت لم يكن مفروضاً في البداية سوى مرة في الشهر ثم في كل طور من أطوار القمر].
لفهم موضوع المقال أكثر نسجل أدناه أسماء أيام الأسبوع البابلي، وقد إقتبستُها من الأنترنيت:
يتكون الأسبوع البابلي من سبعة أيام لكل منها إسم كوكب من الكواكب الخمسة التي عرفها البابليون، مُضافاً لها الشمس والقمر فتصبح سبعة.
يوم الأحد البابلي هو يوم (الشمس - شماس).
يوم الأثنين هو يوم القمر، الإله (سين-القمر) كذلك التسمية (Moon-Day) والتي أصبحت تكتب لاحقاً (Monday)!.
يوم الثلاثاء هو يوم الإله (نرجال أو نركال) والذي كان إلهاً للحرب في البداية، ثم أضحى إله الموت والعالَم السفلي (عالم الموت واللا عودة) بعد أن سيطر على الآلِهة الأنثى (أرشكيجال) وتزوجها وحَكَمَ وإياها عالم الأموات، ونرجال هو المقابل لكوكب المريخ.
الأربعاء هو يوم الإله (نابو أو نبو) إله الحكمة والذكاء وملهم الكتابة البابلي، وهو الوسيط بين البشر والآلهة الكبرى، كذلك هو إبن الإله البابلي مردوخ، ويقول بعض الكُتاب: من إسمه (نابو) جاءت كلمة نبي. وهو المقابل لكوكب عطارد.
الخميس هو يوم الإله ( مردوخ )، وهو المقابل لكوكب المشتري.
الجمعة هو يوم الإلاهة عشتار، وهي الزهرة، وآلهة الجمال والخصب والتكاثر والجنس والحرب أيضاً عند البابليين.
السبت هو يوم الإله (ننيب) ويُدعى أيضاً الإله (ننورتا) البابلي وأحياناً الآشوري، وهو إله الحرب، ويمثل برج الجوزاء، وكان (ننيب) إله الجنوب في بلاد الرافدين، وإله فترة الظهيرة، وكذلك إله منتصف الشتاء عندما تبلغ الشمس أقصى الجنوب، لذلك هو إله يوم (الراحة) الذي إقتبسه اليهود من بابل، لأن ساعات الظهر هي من أوقات الراحة في البلدان والمناطق الحارة ومنها بلاد وادي الرافدين.
هذا وقد إقتبس الرومان أيام الأسبوع البابلية بطريقة كاربونية لا إختلاف فيها عن الأصل، ثم قام الإنكليز بترجمتها من اللاتينية إلى ألإنكليزية القديمة.
تحياتي. وإلى مقالات كثيرة قادمة حول "الإقتباسات التوراتية من حضارات الشرق القديم". وما هذا المقال إلا غيضٌ من فيض.
أهدي هذا الفيديو أدناه إلى كل القراء، وهو مخاطبة لعقولِنا جميعاً:
http://www.youtube.com/watch?v=FGwTfgaAFdw&feature=youtu.be المجدُ للإنسان.
طلعت ميشو . كاتب وناقد عراقي. شباط - 2014
=================
مصادر المقال:
محطات من التأريخ والتراث ……………........... هادي العلوي.
مقتبسات شريعة موسى من شريعة حمورابي ……. الأب سهيل قاشا .
الأنثروبولوجيا ……………………………… جيلبير دوران .
جولة في أقاليم اللغة والأسطورة……………….. علي الشوك.
الأسطورة والتراث .……………………….… سيد القمني.
التوراة بين الأسطورة والحقيقة والخيال ….…..… ابراهيم ناصر شاهينيان.