السيف أمضى من القلم
دكتور علي الخالدي كثيرا ما يتردد هذا المثل على أفواه الكثير من المثقفين،الذين يتخذوا من المعارضة اﻷيجابية تجاه من يعتمدالسلاح والمال قوائم لتثبيت سطوته ، ولا حيلة لهم تجاه إرهابه أو إغرائاته ،أو لخشيتهم (ذوي الحكمة والثقافة ) بان يُمْعن في إتخاذ ما هو أعمق من الكوارث التي تُضَيع مستقبل شعوبهم ، فيلتزموا الصمت على مضض ولسان حالهم يقول السيف أمضى من القلم ، كان هذا في اﻷزمنة الغابرة. أما في عصرنا هذا ، فقد أصبح ناموس للتسلط لمصادرة حقوق اﻷنسان ، وبالتكنولوجيا الحديثة ، حيث إستُبدل السيف بكاتم الصوت ، ( ليشرف بتوقيعه على راس المثقف ) كما حصل لكامل شياع والصحفي هادي المهدي ، أو يستبعد من الترشيح لتمثيل الشعب , إذا لم يثنيه السيف أو يغريه المال، وهكذا يتخلص قليلو الدراية والخبرة بأساليب القيادة من معارضيهم ، بقرارات معادية للديمقراطية ، بغية تحقيق مرادهم
إن أكثر ما يثير حفيظة هؤلاء الساسة ، هو ما يفكر به الآخرون ، طالما لم يدركوا أهمية ما فكروا به ، لتفوق غطرستهم وكبرياءهم على إبداء التسامح والتواضع ، بإقامة العدل وتقبل النصيحة واﻷعتراف بالخطأ ، والتي هي اﻷساس في توطيد دعائم مواقعهم ، ذلك ﻷن جمال تلك المباديء وسمو معانيها لا تعني شيئا مع حساب القوة والتغطرس ، فكيف عليه التنازل للآخرين وهو أولي أمرهم يفوقهم حكمتاً ودراية ببواطن اﻷمور ، ومطاليبهم لا تتماشى وما يريد تحقيقه فهي غير مستصاغة ، فإذعانهم فرض مفروض منه ، حتى تستمر رايته مرفوعة ، بجانب لمعان سيوفه ، وصهيل حناجر حامليها ، الذين يساعدوا في إدخال فكرة التحول الى مثقف رومانسي الى دواخله ليصرخ بمحبة أهل بيته ، متحولا من لشخصية ثانية في اﻷقوال والتصرفات
في واقعنا العراقي لن يتوقف اﻷمر عند هذا الحد بل يتعداه الى بذل جهود جبارة , لخلق معطيات من شأنها تغييبب العقل اﻹجتماعي ومنع اﻹنسان من التفكير ، يساعده في هذا الشأن بقسط لا يستهان به ، ماكنة اﻷعلام الرسمي من فضائيات وصحف مُحتَكرة من أصحاب الشأن , الى جانب العديد من الخطب والفعاليات التي تُوََصل ﻷغلبية الناس و بتكرار ممجوج يصل لمستوى اﻹبتذال , مسببا تراجعا كبيرا في تقبل نشر الثقافة العامة واﻹبداع ، ومعرقلًا اﻹطلاع على مناهل اﻷدب والفنون الوطنية و العالمية , و بالتزامن مع تكثيف مساعي التصدي لفنون المعرفة والترفيه على مستوى الفعاليات والنشاطات , فيغيب الكتاب عن المشتري ، وعن غيرالقادرعلى إقتنائه , إلتزاما برأي غير الراغبين ، بتعدد المسارح ودور العرض و المكتبات كما شاهدناه عند التعرض على معلم الثقافية العراقية , شارع المتنبي , الذي ضيق مساحة تحرك العديد من الناس نحو القراءة , حتى بات البعض غير قادر أو غير راغب في التفكير , ورغم ذلك لم تستطع إجراءاته تلك إيقاف حملة أنا عراقي أنا أقراء
عشر سنوات مضت مشحونة بعوائق تُبَرمج ضد الوعي الثقافي المتكامل , والفكر المجتمعي , فخلالها شاعت قيم الخرافة واﻷسطورة في بنية المجتمع , وغاب بشكل واضح العقل في أخذ مجاله من التفكير , و وصلت الرشوة طريقها الى الفكر والى القلم ، ومال البعض الى اﻹستسلام لحد السيف بين اوساط خريجي مدارس غابت عنها الروح الوطنية ، ومزقها اﻷجتهاد في الركض وراء سراب الشبع ليصلوه , فتوقفت عجلة التنمية الثقافية بدءا من مراحلها اﻷولى وإنتهائأً بمراحلها النهائية
إن ما يؤرق شعبنا , هو اﻹبتعاد التدريجي عن التقاليد الثقافية التي أمتاز بها شعبنا في مجال اﻷداب والفنون , وتواصل خلال العشر سنوات الماضية إنعاش الجهل وتفشيه في المجتمع . وعليه فالمثقفون والمنتقدون اﻷيجابيون مدعوون ﻹعطاء مواقعهم حقها ، بما يوازي التقديس ، و خاصة من وصل منهم اليها بجهوده ، وكما يقال بعرق جبينه . عكس أولئك الذين حصلوا عليها بطرق غير شرعية أو بالمحسوبية ,( دون الكفاءة ), فهو يبقى مُتَطَيراً عند اﻹشارة الى هفواته وإلى خروجه عن قواعد العمل , وتأخذه العزة باﻹثم , والتعالى على الآخرين , مُتَعَندا في عدم تصحيح مواقفه ، ﻷنه لم يتعرف بعد على ثقافة التسامح واﻷعتذار ، كما يفعل المسؤولون في بلدان عديدة وﻷبسط اﻷمور , حيث يعتذروا لشعوبهم ولمثقفيها ، ويطلبوا السماح مع الرحيل بكرامة عن مواقعهم
إن إشهار السيوف قد بُغَيب وقتيا شجاعة من له أحقية المراقبة في المحاسبة وكشف المستتر من السلوك غير القويم للأفراد المتنفذين ، وهذا لن يدوم ما دام هناك فرصة تغيير ديمقراطية ، تضطلع بمهام إرجاع السيوف الى غمدها ، وتحريم إستعمال كاتم الصوت ، عند ذلك فقط يختفي إستعمال تعبير السيف أمضى من القلم الذي لا يليق لألسنة مثقفي وكتاب عراقنا الحبيب المتمسك بالديقراطية النطق به