ألأخ زيد ميشو... ليست نصيحة
د. صباح قيّا يغلب على بعض القراء ، وهم قلة ألقلائل ، أن لا ينقد النص ألمكتوب بل يتعرض للكاتب بكلمات ونعوت بعيدة كل ألبعد عن ألأسلوب ألعصري والحضاري في ألكتابة , و قد تصل أحيانا الى ألمساس بسيرته ألذاتية وحتى تفاصيل حياته ألعائلية وعلاقاته ألأجتماعية . من يتحمل هذا ألنوع من التعليقات ؟ ... بلا شك تختلف ردود ألفعل من شخص الى آخر ... فمنهم من يهجر ألموقع الى آخر لا يسمح بالمداخلات , وقسم آخر يرد بالمثل وربما أشد وأكثر متلذذا بما قيل " ألصاع صاعين " ، و " ألبادئ أظلم " . وطرف ثالث يتقبل الموضوع برحابة صدر ، وقد يناقشه بهدوء وعقلانية ، أو يفضل اهمال صاحبه تماما .. . ولم لا ؟ " فالباب اللي تجي منها الريح سدها واستريح " . وبالمقابل نرى كاتبا يسطر كل ما هو مشين ومعيب ويتمادى في تهجمه ألصبياني على كل من ينقد مقالته أو يبدي وجهة نظر مختلفة ، وحتما سيشعر بالزهو لأنه استطاع أن يمسح ألأرض بناقده . وقد يتفاخر بهذا ألأنتصار ألوهمي أمام مقربيه ومعارفه ، وربما يعيد قراءة ذلك عليهم مرات ومرات .... فمن يدري ؟ . ولم تجد نفعا أشارات عدد غير قليل من كتابنا ألنجباء لهذه الظاهرة ألمؤلمة , فبقيت مقترحاتهم وحلولها جملا جميلة في أرشيف ألموقع . ويذكرني ذلك بما قاله ألفيلسوف الهندي طاغور :
من هو ألمعتوه ألذي يقول أن ألعالم يسير بنظام ؟ , ومن هو ألمعتوه ألذي يقول أن كل شئ موجود حيث يجب أن يكون ؟ لا أجد أية غرابة في مثل هذه ألسلوكيات ألتي تلاحظ في " ألمنبر ألحر " للموقع .... أيّ موقع وبدون تحديد .. فهي انعكاس لما نصادفه بالفعل على أرض ألواقع . وعلى سبيل المثال ، لو طرح عنوان معين ساخن للمناقشة بين مجموعة متباينة او حتى متجانسة . ماذا سيحصل ؟ واحد يناقش بالحجة والمنطق ، وثان بانفعال وعصبية وقد يترك ألمكان غاضبا ، وثالث بتطرف وتزمت ، ورابع بكياسة يغلب عليها طابع ألمجاملة ، وخامس يفضل ألسكوت حيث " ألجلوس على ألتل أسلم " ، ولن تجد ردود الفعل ألمختلفة حدودا ... وليس بعيدا أن تنجم حينها أو بعدها مشادة كلامية قد تتطور الى مجابهة بالأيدي والأرجل وكل ما يمسك به بسهولة ، وربما ينقل احدهم الى ألمستشفى وآخر يقام له مجلس عزاء . هذا هو ديدن الأنسان منذ ألبدء .
وما ألموقع ألا مزيج هجين ... أهواء ومزايا متباعدة ومتقاربة .. تتقاطع وتتوازى ... فيه ألكبير والصغير ، ألذكر وألانثى ، ألمؤمن بالخالق وناكره ، ألمتطرف والملتزم ، ألمتمدن والقروي ، ألمتعافي والسقيم ...والقائمة تطول .. . وتبرز هنا وبوضوح ظاهرة " تباين ألثقافات " ، وليس ألمقصود بذلك اختلاف ألتحصيل ألدراسي ، وانما الترسبات ألناتجة عن ألتربية ألبيتية والظروف ألمحيطية ألتي تلعب دورا مهما في تشذيب الفرد وتهذيبه ومن ثم تتحكم الى حد ما في سلوكه وتواصله ألأنساني . من حسن ألحظ ان ما يحصل في الموقع مجرد سجالات كتابية ، وعسى أن لا ينقلب " غرماء ألقلم " الى أعداء عند التقائهم على أرض ألواقع .
لا أكون مخطئا في قولي أن ألشريحة العظمى من رواد ألموقع منتشرة في بلاد الشتات ، وهي ألتي جاوزت منتصف ألعمر ، وتملك الوقت ألكافي للجلوس أمام شاشة ألحاسب . ومن الحقائق ألمقبولة بأن ألأنسان كلما تقدم بالعمر يزداد حكمة ، فلذلك يحتكم في حل ألأزمات ويعول عليه في تقريب وجهات ألنظر . وأيضا يعاب عليه ان بدرت منه تصرفات غير مسؤولة يقال عنها صبيانية أو تفوه بكلمات نابية غير لائقة كالتي تصدر عن عقل طفولي غير ناضج لا يعي ما ينطق به . ومن هنا أنطلق الى ألمنطق العلمي ألذي يقر بمرور ألكائن ألبشري بمرحلتين طفوليتين : مرحلة بعد الولادة والتي هي ألطفولة ألطبيعية ، ومرحلة قبل الموت عند ألأفتراض بأن الحياة كتبت له لحين وصوله مرحلة ألكهولة . ويظهر بأن هنالك في ألموقع من وصلها وربما مبكرا بعض الوقت ، فأطلق لقلمه ألعنان مشبعا الآخرين تجريحا وتقريعا بلا هوادة غير مدرك لمشاعر ألمقابل ناسيا تعابير ألأسف وألأعتذار . وما ألغرابة في ذلك ؟ فلقد عاد الى فترة طفولته ألأولية ، ولكن لن يشار اليها بالبراءة والعفوية ولن يغفر له الا أذا أعلن هو نفسه صراحة عن ذلك ... وبالطبع ليس هنالك من هو على استعداد للقول " حليب أمي فاسد " . وبذلك لن يقطع مسلسل الشتائم والتجريح والشخصنة الا اذا تدخل المشرفون على الموقع ، حيث لم تستطع أن تغير الأقلام التي أبدعت في ألتنويه عنها ضمن " ثقافة ألشتيمة " و " ألشتائم حيلة ألمفلس " وأخرى مماثلة من واقع ألحال .
وحسب قناعتي فأن مهمة ألمشرفين على ألموقع في هذا ألصدد ليست يسيرة اطلاقا ، ولكنها ليست مستحيلة . وقد يكون حذف ألموضوع ألساخن ذي ألسجالات ألمقرفة والمقززة بالرغم من عقمها أسهل عليهم من مراقبة كافة ألمداخلات ومن ثم غربلتها . كما أني متيقن بأن ألعدد ألحقيقي لرواد أي عنوان مهما كانت شدة جذبه وتاثيره يتراوح بين 500 – 1000 زائر أو أكثر بقليل ، وما المواضيع ألتي جاوزت ذلك الا نتيجة تكرار دخولها لمرات عديدة من قبل نفس ألاشخاص . ومهما كان ، فان كافة ما ينشر ينقل بعد بضع أيام الى ألأرشيف وغالبا ما يطويه النسيان خلال شهر من الزمان . وبصراحة ، أن أكثر ما يؤلمني هي ألمقالات ألتي تفوح منها رائحة التطرف ، والتي تروج للفرقة ، وأيضا ألتي تحوي " كلمات حق يراد بها باطل " . والأشد من ذلك ألتي تتعرض للسيرة الذاتية وجل هدفها الشخصنة . وبالمقابل فاني لا اتردد من تصفح العناوين ألتي هي اساسا ليست من اهتماماتي ولكن لسبب بسيط كون كاتبها ، وما أكثرهم ، يتميز قلمه بألأعتدال والوضوح والرزانة ، حتى وان أختلف معي بالفكر والرأي ... فكأني بذلك ألقي عليه ألتحية تقديرا لأسلوبه ألخطابي المتحضر .
والآن معك .. أخي زيد .. كلي ثقة بأنك على دراية بما قصدت .. ليست نصيحة أبدا . فكلمة النصيحة حذفتها من مفرداتي من زمن بعيد .. استهجن من يقول لي " أنصحك " ، كما اني لا أوجه النصيحة لاي كان وحتى ألطفل . مجرد ابداء الرأي .. لأني اعرفك شخصيا وأعرف معدنك ألحقيقي وما تحمل من طيبة وميل لخدمة ألآخرين بدون مقابل ، وايضا روحية ألعمل ألجماعي ألهادف ، والكثير من ألخصال ألأنسانية ألاخرى ألتي أتوقف عن ذكرها . ألست أنت نفسك من ألح علي بمواصلة ألكتابة بعد نشر مقالتي ألأولى عن " انتخابات مجلس ألخورنة " ؟ . للأسف ألشديد ، أوجدت لك غرماء كثيرين بسبب مقالاتك النقدية ألتي تتجاوز أحيانا دائرة ألنقد ألمتعارف عليه ، وسبق أن ناقشتك وناقشك آخرون على ما اعلم حول هذه ألنقطة بالذات ، وأيضا بسسب صياغتك للجمل كي تصل بألفكرة الى الهدف ألمنشود ولكن بأسلوب لا يسر له البعض . وعلى العكس من ذلك ، تملك قاعدة واسعة من قرائك المعجبين والمتابعين بشغف لما تكتب ، وهم ، بلا شك بانتظار عودتك بشوق .
أهدي اليك هذه ألأبيات ألشعرية ألمتواضعة ألتي نظمتها خصيصا لك . وللعلم أن آخر ذكرياتي مع نظم ألشعر كانت قصيدة ألقيتها في " مهرجان ألمسابقة ألأدبية " ألذي نظمته ألأخوية ألتي كنت ، بفخر واعتزاز ، أحد أعضائها ألنشطين ، تلك هي " أخوية ألشباب ألجامعي ألمسيحي " . أي من زمان بعيد جدا جدا .... وكما تلاحظ أن قافيتها حرف " ألخاء " ، وهذه ألقافية مع حروف " ألظاء " ، " أالضاد " ، " ألذال " ، و" ألغين " من اصعب ألقوافي في ألشعر ألعربي ألعمودي .
أبسط يراعك وقرطاسك يا أخي وعد زيدا لنقدك أللاذع ألشمخ
بعض يجول برأيه متباهيا حتى ألشتائم لا تنجو من النفخ
لا فخر من جلّ همه جرح غيره كتقشيب نسوة في زوايا ألمطبخ
فامنح غريمك فرصة ألمتسامح والحب لا يقاس بمال او فرسخ
ليس ألتغاضي عن ألأساءة شحة بل هي ألدليل بأنك أنت ألسخيآمل أن أقرأ لك قريبا وبحلة جديدة وخاصة نحن على مقربة من عيد الفصح ألمجيد ... مبارك لك وللعائلة ألكريمة عيد ألقيامة ألعظيم ... حقا قام ألمسيح .. حقا قام ...