تشريب عصفور لنْ يُشبعَ وليمة ... ألكوتا نموذجاً
د. صباح قيّا لم يسبق لي المشاركة في أية انتخابات برلمانية منذ تشكيل ألدولة ألعراقية , ولم أشغل نفسي يوما ما في معرفة تفاصيل القوائم ألمتنافسة وماهية ألاشخاص المرشحين . ليس ذلك انتقاصا من أحد على ألاطلاق ، ولكن , بصراحة , لم أرغب بصداع مصدره ليس من صميم أهتماماتي , مع احترامي لكافة ألمتنافسين قوائما وأشخاصا ، وتمنياتي بالحظ السعيد لكل منهم .... ولكن ؟... ولا بد من وقفة وجيزة أمام هذه أل " لكن " .... قد يختلف ألموقف في انتخابات ألأسبوع ألقادم . ربما من يسأل : لم هذا ألتغيير بعد عمر طويل بعيدا عن هذا ألمرشح وذاك ، من يمثل ومن يدعمه ؟ كيف فاز وغيره خسر ؟ ، وحتما ستستمر ألتحليلات والتبريرات واستخلاص الدروس ألمستنبطة للأستفادة منها في ألمنازلات ألمستقبلية .... نعم .. تساؤلات منطقية ومشروعة ....
أعود الى أل " لكن " ألان لأقول : استوقفتني ، خلال قداس يوم ألأحد ، دعوة غبطة ألبطريرك ألكلداني مار روفائيل لويس ألأول ساكو رعيته للمشاركة في ألانتخابات ألبرلمانية وحسب ما جاء على لسان راعي الكنيسة ألجليل ... سألت نفسي : أليس ذلك يتناقض مع " أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ؟ ورغم كون ثقافتي ألدينية متواضعة ومعلوماتي أللاهوتية تقترب من ألصفر ، الا أني اقتنعت بأن دعوة غبطته لا تتعارض مع ما أمر به الرب من اطاعة قانون ألأنسان وبنوده من جهة ، واطاعة وصايا ألخالق وتعاليمه من جهة أخرى . ألم يكن مثلث ألرحمات ألبطريرك ألكلداني مار يوسف عمانؤيل ألثاني ( 1852-1947 ) عضوا دائما في مجلس ألأعيان منذ تشكيل ألدولة ألعراقية والى حين وفاته ؟ أليس ألتاريخ ألماضي والمعاصر زاخرا بعدد غير قليل من ألشخصيات ألدينية ألمسيحية ألتي دخلت معترك ألحياة ألسياسية وساهمت ببسالة في مقارعة ألظلم والطغيان والوقوف بحزم وصلابة بوجه قوى ألشر والأستبداد , ومنهم من تبوأ مناصب قيادية رفيعة وصلت أحيانا الى أعلى سلطة في ألدولة ؟ هل ننسى ألذي زعزع معسكرا كان الى وقت قريب احد اقوى قطبين في ألعالم فأضحى جزءا من الذاكرة ؟ أذن لماذا نتردد نحن من ولوج كنيستنا هذا ألشأن ألحياتي ألمهم ؟ كيف نرضى لانفسنا أن نتقبل تهميش دورها ؟ ألم يحن ألوقت لكي تكسر كنيستنا ألقيد ألذي يحاول أن يحدد من اداء مهامها ألوطنية بالتمام والكمال خدمة لرعيتها ألمشتتة والحائرة ؟ ’ ألى متى نرضخ لمن يهرع بتوجيه أصابع اللوم والتشكيك لكنيستنا متذرعا بقصد أم بدون قصد " بما لقيصر وبما لله " ؟ .
اعترف بعدم معرفتي ماذا تعني " ألكوتا " . تعلمت وأعلّم : ليس عيبا عدم ألمعرفة ، بل ألعيب كل ألعيب رفضها عند توفر فرصة اكتسابها . استفسرت من احد معارفي .. أخبرني تعني " ألمحاصصة " ، ولكنه يجهل أصلها أللغوي . شكرت ألشبكات ألعنكبوتية ألتي زودتني بتفاصيل وافية عنها : مصطلح انكليزي بمعنى نصيب أو حصة نسبية , أطلق لأول مرة في ألولايات ألمتحدة ألأمريكية على سياسة تعويض ألجماعات ألمحرومة اما من قبل ألسلطات ألحكومية أو من قبل أصحاب ألعمل في ألقطاع الخاص . عجيب أمور .. غريب قضية .. ايقنت ألان أنني أنتمي الى ألجماعات ألمحرومة ألتي تصدقت عليها ألحكومة ب " كوتا خماسية " . حمدا لك يا رب لجهلي بالقضايا ألسياسية ولم أكن طرفا في هذا ألتشكيل ألمعيني ، والا لازمتني ملامة نفسي الى لحدي .
بدات ألخطوة ألتالية : ألبحث عن ألقوائم ومرشحيها . يا للهول.. تسع كيانات ، وعشرة مرشحين لكل كيان .. يعني هنالك تسعون متنافسا لخمس مقاعد فقط ... والله صارت زحمة .. والطامة ألكبرى من مجموع 328 مقعدا برلمانيا ، أي أقل من 2% . علما بأن نسبة ألمسيحيين في ألبرلمان عند تشكيل ألدولة ألعراقية كانت 5% من مجموع 100 مقعدا . وقد منحت هذه ألنسبة آنذاك تقديرا لمواقفهم ألوطنية وخاصة عند ألتصويت لضم ولاية ألموصل الى ألعراق ، ولولا زخم الصوت ألمسيحي في حينه لكان حال الموصل أليوم كحال ألاسكندرونة ضمن ألحدود التركية ... ولو بقي ألوطن على عهده ألبائد ألعميل ألرجعي لأصبح لنا 15 ممثلا ، وهي ألنسبة ألفعلية ألتي نستحقها على أقل تقدير . لا أعتقد أن ذلك ألعدد ألضئيل سيكون له ثقلا ملموسا في صياغة ألقرارات ولن يجد له بسهولة آذانا صاغية عند طرحه ما يلزم من المقترحات ، هذا اذا افترضت أن ألكل سيتحد تحت خيمة " ألكوتا ألمسيحية " ، وحتى لو تمتع أي من أضلع ألمعين ألخماسي بحكمة حمورابي وصلابة عبد السطيح وبلاغة ميرابو وشجاعة جيفارا فلن يتمكن من تغيير مواقف ألبرلمانيين ألآخرين والمستمدة أصلا من ألخطوط العامة والخاصة لتنظيماتهم .
برأيي أن " ألكوتا " نتاج لعبة ألكبار . قد تلعب اصواتنا بعض الدور لدخول أي من ألمرشحين قبة ألبرلمان ، ولكن ألفضل ألرئيسي لذلك يعتمد على تحريك ألكبار لتلك أللعبة بالأتجاه ألذي يخدم مصالحها وينفذ أجندتها . ومما لا شك فيه أن أللعبة بدأت باتجاه محدد منذ أن اختار ألحاكم الأمريكي أعضاء مجلسه ألأنتقالي ، وأستمرت تسلك نفس ألطريق خلال الدورتين ألسابقتين ، الا أن قراءات ألمرحلة ألحالية تدل على تغيير جديد في ألمسار ، وأغلب ألظن سيكون جزئيا نتيجة ألثقل ألمتساوي تقريبا بين ألمركز والأقليم في تحديد هوية أفراد " ألكوتا " . وربما لم يبدي ألمركز سابقا اهتماما جديا بمن سيمثلنا ، ولكن داخله ألآن أكثر تأييدا و حماسا لبعض الكيانات نظرا للمستجدات ألبارزة على الساحة ألمحلية والدولية من ناحية ، و لتطور ألاحداث فيما يتعلق بالمسائل ألعالقة بينه وبين ألأقليم من ناحية ثانية . وحسب تقديري أن التغيير سيطال أثنين على ألأقل ، وبذلك سيودع ألبرلمان وجوها مألوفة ليستقبل بدلا عنها أخرى جديدة .
يقال بأن ألسياسة تعني فن ألمناورة . والسياسي ألمحنك هو الذي يجيد ذلك ألفن ويتقنه ويبدع فيه . من وجهة نظري أن رأس ألقائمة ألذي أبعد نفسه عن ألترشيح يفهم هذا الفن ويمارسه بجدارة . سوف لن يخسر كالذي يقف على رأس قائمته وأيضا ضمن مرشحيها ، فيما اذا لم يبتسم له ألحظ ولم يفز في ألأنتخابات . ماذا سيحل بمستقبله ألسياسي ؟ وكيف سيقنع مؤيديه ويواجه مناوئيه ؟ .. على كل حال سيكون لي في حينه لكل حادث حديث .
مهما حصل ستبقى " ألكوتا " بواقعها ألحالي مجرد عصفور لا يصلح تشريبه لأطعام شخص واحد ، فكيف بالمدعوين الى ألوليمة ...