الإشكالية الدينية والقومية لمنطقة آمنة في سهل نينوى
د. عوديشو ملكو آشيثا كَثُر الكلام هذه الايام بين الأوساط الدولية والأُممية وحتّى المحلية عن إقامة منطقة محمية دوليًا للمسيحيين تارة, وللآشوريين المسيحيين والإيزيدية تارة أُخرى. وللأقليات الدينية والعِرقية في شمال العراق وهكذا. كل ذلك من دون الإفصاح عن مضمون أو ما سَوف تنطوي عليه هذه المصطلحات على أرض الواقع مستقبلاً. كأَن تكون منطقة واحدة تجمع الشبكي والعربي والكردي المسلم مع المسيحي الآشوري وغير الآشوري بمذاهبه المتعددة مع الإيزيدي, أو ان تُقام لكل مجموعة منطقتهم الخاصة أو ان لا يكون اي شيء من هذا كلّه (وهو وارد). وإنه مجرّد كلام إستهلاكي لتسويق أُمور ومشاريع أكبر من هموم الأقليات ومعاناتها في السابق البعيد والقريب والآن وحتى في المستقبل. كما صار يتردد مصطلح سهل نينوى لدى الاوساط الدولية والجماعات المسيحية الآشورية المختلفة بقوّة, مُشخّصين إياه كأفضل مكان للمَحمية أو المنطقة الآمنة المُرتقبة!؟
يا ترى ماذا يستوجب على الآشوريين المسيحيين بكل مكوناتهم الكنسية والمناطقية فعله ازاء كل هذا اللغط والغموض؟ في محاولة منّا للإجابة على هكذا سؤال, لابُدَ من تسليط بعض الضوء على جوانب متعددة لهذه الخطة (الخلطة) غير المتجانسة والإشكاليات التي سوف تترتّب عنها:
1. بسبب كون المعنيين (الأقليات) يعيشون على مساحات من الأرض متداخلة بشِدّة, وَهُمْ شرقيون, وعلى اديان ومذاهب وطوائف عديدة كما مرّ أعلاه. وكما هو معلوم ان العواطف الدينية يمكن إثارتها وتأجَّيجها هنا بسُرعة فائقة منذ القِدم, كلّما تطلّبت الحاجة إليها. وعلى سبيل المثال نذكّركم بمؤتمر أصدقاء برطلي المنعقد في اواخر 2013 والذي كان صُلب موضوعه إنقاذ منطقة برطلي المسيحية في (سهل نينوى) من التجاوزات والزحف المُريب والسريع لمكوّن الشبك المسلم على تلك المنطقة. إذًا كيف يُراد اليوم ان يعيش المسيحي والشبكي والتركماني والعربي والكردي المسلم معًا في محمية مؤمّنة واحدة؟
2. يتوجّب على مَنْ يريد إقامة منطقة آمنة في سهل نينوى والمسيحيون جزءً منها, ومن كان يروّج قبل عهد داعش لإقامة محافظة بهذا الشكل هناك. بقصد حماية المسيحيين, عليه ان يتذكر ان نسبة الإيزيدية والعرب والشبك والكرد والتركمان في تلك المحافظة التي ذهبت مع الريح, وفي المنطقة الآمنة المنتظرة (القادمة) سوف تكون أكثر من ثمانين في المائة. فعَن أي منطقة آمنة للمسيحيين يتحدّث الساسة الداعين لها اليوم بقوّة.
3. ان المسيحيين الساكنين في هذا السهل لازالوا سائرين وبشكلٍ شُبه مطلق حسب توجّهات كنائسهم. بمعنى لا يُفضلون اي رأي او موقف سياسي, إجتماعي, حضاري, اذا كانت الكنيسة لا تقبل به وتباركه. في هذه الحالة ليس من السهل إدارة الشؤون السياسية لشعب عريق وحضاري ما لم يؤمن بالحياة المدنية خارج أسوار كنيسته المذهبية.
4. ان منطقة سهل نينوى هي منطقة تماس بين المكوّنين الكبيرين في العراق _ الكرد والعرب. بمعنى ان كل طرف منهما يتجاذب ضدَّ الآخر من اجل الإستحواذ عليها. ولا يتم ذلك طبعًا, إلا من خلال إستمالة سُكّانها. فتخيّل ايها الداعي إلى إقامة محافظة او محمية في سهل نينوى, كم من الذمم تُباع وتُشترى في أروقة الكنائس والمساجد ودور عبادة الإيزيدية في هذه البقعة من الأرض.
5. صعوبة إدارة هذه المنطقة مع وجود عدّة أديان وعدّة لُغات, فإن تقاطع اللغات والخصوصيات والعطل والمناسبات الدينية مع بعضها سيصيب المنطقة بالشلل الإداري والإقتصادي ويُشكّل ذلك حاضنة جيّدة لنمو بذور التفرقة والتمييز الديني والعِرقي مرّة اخرى.
6. ممّا لا شكَّ فيه ان الدول الغربية وصُنّاع القرار فيها لا يقفون عند معظم هذه الامور حتمًا, لأن خططهم وغاياتهم تتعلّق بأمور أكبر من مدى توفير الإنسجام والإستقرار للسكّان. وإيجاد سُبُل توحيد التوجّه بين أفراده نحو بناء وتطوير المنطقة. عليه فهم سيحققون ما في بالهم ويتركون الباقي لأهله, والتجارب لمثل هذا الحال كثيرة.
من هنا فإنَّ البديل الذي نراه مناسبًا والذي يتوجّب على كل سياسي آشوري العمل لتحقيقه من أجل الصالح العام هو:
1_ عدم القبول بجمع الإسلام مع المسيحية في منطقة واحدة قدر المستطاع.
2_ المطالبة بالمنطقة الآمنة المشتركة ومحمية دوليًا للآشوريين المسيحيين والإيزيدية فقط, كونهم مختلفون عن غيرهم دينيًا وقوميًا وحضاريًا. بالإضافة إلى كونهم جميعًا, قد عانوا ويعانون بسبب ذلك الكثير وكان آخرها ما يجرى لهما على يد التطرّف الداعشي الآن.
3_ عدم تقزيم وحصر المنطقة المؤمّنة بسهل نينوى (لكل الاسباب الواردة أعلاه), بل المطالبة ليس بكامل الأراضي الآشورية والإيزيدية في الشمال. بل المطالبة بتوفير الأمن والأمان والحماية لهم جميعًا, حيثما هم الآن من سنجار وما يحيطها من القرى المسيحية والإيزيدية مرورًا بشمال مدينة الموصل وصولاً إلى سهل نينوى وما يجاوره نحو الشمال إلى أقصى بلدة أو قرية آشورية _ إيزيدية في شمال العراق.
4_ ان المطالبة بإقامة هكذا منطقة لا يعني تحديدها جغرافيًا وترحيل غير المسيحي والإيزيدي منها أبدًا. بل يعني تحديدها إداريًا وأمنيًا مع توفير الفُرَص اللازمة للنهوض بها (بشعبها) حضاريًا وثقافيًا وإقتصاديًا. وان للأُمم المتحدة خِبرة واسعة في مجال حماية الأقليات والحفاظ على خصوصية الحضارات الآيلة الى الزوال.
5_ إذا كانت الغاية من إقامة محمية دولية للمسيحيين في سهل نينوى هي لحمايتهم من الإضطهاد الديني والإثني. فإن مثل هذا الإضطهاد قد تعرض له الآشوريون والإيزيدية جميعهم وحيثما وُجدوا. منذ تأسيس الدولة العراقية المعاصرة وبإستمرار ولنفس الأسباب. وليس هناك من دليل بإنهم سوف لا يتعرضون له مستقبلاً. إذًا فإن كل الآشوريين وكل الإيزيدية بحاجة إلى حماية وأمن ولا يقتصر الأمر على من هم في سهل نينوى فقط.
6_ ان السعي المحموم لقيادات الاحزاب الآشورية بأنواعها في الداخل لحصر مسألة المنطقة الآمنة في سهل نينوى وحتّى جزء منه, انّما ينمُّ عن نقطتين لا ثالثة لهما.
أ. إمّا ان الآشوريين خارج سهل نينوى وعلى مدى تاريخ العراق الحديث كانوا يعيشون في نعيمٍ الأُخوّة والمساواة والحرّية الكاملة, والحقيقة عكس ذلك تمامًا.
ب. أو ان القيادات الحزبية الآشورية جرّاء موقفها هذا, يريدون التنازل ضمنيًا عن اخوتهم وأراضيهم خارج سهل نينوى للغير. في الوقت الذي يعرف الجميع بأن سهل نينوى لا يشكّل من حيث النفوس والمساحة (بالنسبة للآشوريين والمسيحيين طبعًا) أكثر من ثلث عددهم وثُلث مساحة أراضيهم الموجودة خارج هذا السهل.