المحرر موضوع: مادلين.. فصل من الرواية الجديدة  (زيارة 2204 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل برهان الخطيب

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 40
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي

مادلين..
 فصل من الرواية الجديدة

برهان الخطيب

 جارتنا مادلين شابة متزوجة جميلة، قسماتها واضحة محفورة في رخام، عيناها واسعتان فيهما لهيب دائم، شفتان نافرتان مطلتان على البشرية تدعوان لثورة جنسية عارمة، نظرتها صريحة تخدر إذ ترسو على وجه مراهق غير حائر غير خائر، معذب بشهوة ويأس من حب عاثر، ابن الخامسة عشرة ماذا يمكنه أن يفعل وخيال زوج سمين طويل يحرسها في حضور وغياب، يصد عنها بصوت عارم وطيف صارم أشرس الذئاب، تغيم أفكار المراهق إذ يوشك بلوغ طيفها واجتياز الباب، على عتبتها تنظر إليه وهو إليها في عتاب، يلعب مع ابنها الكرات الزجاجية في عَذاب، من نظرتها بلمعان تلك الكرات والسماء في عينيها العِذاب، يذوبان بالآخر في صمت متبلين بالرضاب، ينتظر تدعوه لمساعدتها في البيت تنزله إلى السرداب، لا تنبس والفراغ بينهما يمتلئ يمتلئ بالرغاب، لا يجرؤ لو تفعل هي يفعل مثلها هو، ولو يعود زوجها من دكانه القريب يلقي عليه مطلبه الغريب، يحبها يريدها زوجة.. حين يبلغ قريبا.. طلّقها رجاءً.. واهتف معي لتسقط كل الحدود والقيود!
 تكلفه مادلين أخيرا شراء حاجة من السوق، بجلب بعض الأشياء من السرداب، في الليل يسمع من السطح زوجها يثرثر بالراء كالفرنسيين، يعب البيرة، ينزل الصبي يجلس على عتبتها يدخل بيتها يجلس معهم أمام التلفزيون المشوش، يلعب مع الابن والابنة في ساحة البيت،  يخرج أبوهما إلى المرافق أو المطبخ:
_   هاه ما تسأل أمك أبوك عنك.. شوقت تنام لعد.. بكغه ما عندك مدغسه!
 لا يرد المراهق. بعد أسبوع من التشورب ابنها يقترح: نغوح لبيتكم نلعب هناك أحسن.
يذهب الصبي إلى بيته مع ابن مادلين التي يحبها، يجلسان على العتبة، الحمار الواقف منذ الضحى في الشمس ينتظر راعيه، ابن الفحّام يرمي منتصبه بحجارة تداويه، يبتعدان عن ذلك السفيه، يفترقان، تسأله مادلين عند العتبة:
_  هذا اسمك هنا بمجلة الموعد بباب التعارف؟!
_  أسمي.
_  تستلم رسائل من بنات؟
_  واحدة اسمها كريمة انقطعت.
_  لازم غازلتها.
_  لا، المصرية أم حسنين زوجة المعلم بشندي بدرب الأكراد هناك قالت هي قريبتي، فضحتنا.
_  كم رسالة استلمتَ حتى الآن؟
_  رسالة رسالتين في اليوم هذا الشهر.. أحيانا بالأسبوع واحدة.
_  مَن يكتب إليك.. من أي مدينة.. كلهم بعمرك؟
_  كلهم أكبر مني.. من مصر.. من السعودية.. ولبنان.
_  ماذا يكتبون ماذا يريدون؟
_  كل شيء.. واحد أرسل صورة عبد الناصر والدي مزقها قبل مجيء الشرطة.
_  من وين درى يأتون للتفتيش؟!
_  تلميذه ابن السري مسلم خبره قبل ساعات.
_  هذا أنت صغير وخابط المجلات والدنيا إذا كبرت ش راح تسوي!
_  صغير؟.. أحبك يا مادلين أكثر من عشرين طرزان والله.
_  لك مسخّم ش قلت! لكم واحدة قلت هذا الكلام وكيف تحبني..
_  بس لواحدة أنت.. وأحب أشوفك كل يوم..
_  يعني مثل أغنية عبد الوهاب بس!
_  أي أغنية.. أي عبد الوهاب.. أنا والعذاب وهواك؟!
_  هاي ش بك انخبصت لك أخاف تحبني صدق.. الرسائل خليني أشوفهه.. أنشر اسمي هواة مراسلة على عنوانك.. ولا تقول لأحد.
 
بعد فترة زوجها يعود إلى بيته مبكرا من دكانه، يستدعيه، مادلين باكية، حاجبها يرتفع تنبهه، يخبصه حضور الطفلين، حرف الغين يرن كجرس البيت بدل الراء:
_  جاغنا... عزيزنا.. ماذا بينك وبين مادلين؟
_  لا شيء عمي.
_  عمت عينك! اليوم جاء شغطي إلى دكاني مع المجلة هذي.. ش أعطتك مادلين مقابل اللعبة؟
_  اسمها صدفة على عنواني.
_  مليون اسم وما اختغت غيغ اسمها صدفة.
_  فكرتُ تزيد الرسائل المرسلة إليَ.. مارلين بت مونرو ما عندنا استخدمت مادلين.
_  يعني مغتي بغيئة من هذي اللعبة؟
_  لا علاقة لها أبدا لعبتي وحدي هذي ما تصورت الشرطة تراقب الموعد.
_  أدغي أنت ولد طيب.. قلت نفس الكلام للشغطي وصغفته مع غبع عغق.
 
ذلك اليوم ينكسر الحب ويغغق المراهق في.. خزي. وجهها في البال. ملامحها محفورة في الذاكرة.
 
أتناسى أوراق نسرين، تطلع أمي إلى الحديقة، تسلم على خلدون جواري تخرق صمتها معي:
_  لا تتصور مَن خابرني!
_  مادلين.. أو خادمتنا قبل انتقالنا لبغداد.. نسيت اسمها..
_  غير معقول.. سمعت كلامي بالتلفون!
_  عشرون مترا بيننا وأنتِ داخل البيت.
_  كيف تذكرتَها.. مادلين فعلا.. دَرَت أنت في بغداد.. سألتْ ما زلتَ تتذكرها؟
 
غرور يدفعني لادعاء التقطتُ تفكيرها على شاشة ظنوني، بلورتي السحرية. لكن معرفتي تهمس: أمك تبعدك عن امرأة تقترب إليها، ليس هناك وسيلة أفضل لإبعاد امرأة غير امرأة أخرى، استذكرتَها بمحبة على ورقة أمس تتحرك من مكانها إليكَ اليوم، مَن يحرك الأشواق ولماذا، أو مَن يوحي إليها بمادلين، ماذا وراءه، لمتاهة ردهات.. يحرسها متتبع أخبار خفية.. باي باي للصدفة!
 
_  الأغرب أن أنساها. الزمن يتوقف أحيانا سنوات لا يدري. كيف حالها؟
_  أرملة تقول.. حلوة كما حين أحبني الصغير برهان.. يريد أزوره؟..
_  كنتِ دعوتِها.. طبعا أحب أشوفها.. وكل يوم.
_  غرامياتك لا تنتهي.. لو حويت ابنة عمك أو ابنة خالك عجت الحديقة بالأطفال اليوم.
_  زواج الأقارب يندثر والقوة الخفية تتدخل في كل شيء.. أو أنا غلطان؟
_  دعوتها.. دعوتها.. قل لها أنت ما تريد إذا أنتَ باق في منزلي.
 
أودعها مع خلدون بنظرة متفهمة عدم رضاها الأزلي.. ونعود لحديثنا المأساوي الهزلي..
 
_  الغرام يا خلدون لا ينتهي حين لا يبدأ..
_  أمك بعمر الملكة إليزابيث أدري لكنها أفصح وأكثر نشاطا وشعبية أرى!
_  ليت إليزابيث كانت أمي.. أقلل تحت تاجها من همّي.
_  مشاكلك مع النساء من كل الأنواع لا تنتهي.. لذلك سر.. استمر قد نقف عليه.
_ لا أحد يمكنه الوقوف عليه.