البابا فرانسيس يعتبر مجازر الأرمن بأنها أول إبادة جماعية في القرن العشرين
عنكاوا كوم – الفاتيكان – نيقولا وينفيلد – ترجمة رشوان عصام الدقاق
قام البابا فرانسيس اليوم الأحد بإحياء الذكرى 100 للمجازر الأرمنية، وقال إنها أول إبادة جماعية في القرن العشرين، وحث المجتمع الدولي الى الاعتراف بها على هذا الشكل. ويُعّد ذلك إعلاماً سياسياً ناسفاً سيُغضب تركيا بالتأكيد.
والبابا فرانسيس الذي له علاقات وثيقة مع المجتمع الأرمني منذ أن كان في الأرجنتين، دافع عن إعلانه هذا بالقول: إن من واجبنا تكريم ذكرى الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال والكهنة والأساقفة الذين قُتِلوا من دون أية مبالاة على يد الأتراك العثمانيين.
وأضاف، في بداية قداس يوم الأحد الذي أقيم وفقاً للطقس الأرمني الكاثوليكي في كاتدرائية القديس بطرس حيث تم إحياء الذكرى المئوية للمجازر، إن إنكار أو إخفاء الشر هو مثل السماح للجرح الاستمرار بالنزف من دون تضميد.
وفي رسالة لاحقة موجهة لجميع الأرمن، دعا البابا جميع رؤساء الدول والمؤسسات الدولية الى الأعتراف بالحقيقة وبما حدث والى الإعتراض عن مثل هذه الجرائم من دون التنازل أو الغموض أو التسوية.
ويُقدر المؤرخون أن حوالي 1.5 مليون أرمني قُتلوا على يد الأتراك العثمانيين في فترة الحرب العالمي الأولى، وهذ الحدث يُنظر اليه على نطاق واسع من قِبل المفكرين على أنه أول إبادة جماعية في القرن العشرين.
ومع ذلك ترفض تركيا تسميتها إبادة جماعية وتصر على أن عدد القتلى مبالغ فيه وتم تضخيمه بشكل كبير، وأن الذين قُتلوا كانوا ضحايا للحرب الأهلية والاضطرابات، وقد مارست الضغط بشدة لمنع البلدان، بما في ذلك الكرسي الرسولي، من الإعتراف رسمياً بأن مجازر الأرمن كانت إبادة جماعية.
وألغت السفارة التركية لدى الفاتيكان مؤتمر صحفي كان مُزمع عقده اليوم الأحد، إذ يُحتمل أن يكون سبب الإلغاء هو قول البابا أن مجازر الأرمن كانت إبادة جماعية بالرغم من إعتراض تركيا على هذه التسمية. ولم تُجيب السفارة على الطلبات المقدمة اليها للحصول على تعليق منها حول الموضوع، كما لم يصدر أية ردود فعل رسمية من الحكومة في أنقرة.
وكان لكلام البابا فرانسيس تأثير فوري في كاتدرائية القديس بطرس وعزز من موقف رئيس الكنيسة الأرمنية الرسولية البطريرك آرام الأول، إذ شكر البابا لإدانته الواضحة وقال إن الإبادة الجماعية هي جريمة ضد الإنسانية تتطلب التعويض.
وأضاف البطريرك آرام الأول، باللغة الانكليزية، إن القانون الدولي يُحدد بوضوح الترابط الوثيق بين الإدانة والإعتراف والتعويض عن الإبادة الجماعية. وانتهى القداس وسط الاستحسان وتصفيق الحاضرين.
تحدث البطريرك آرام الأول كما لو كان في اجتماع سياسي حاشد، وقال: إن قضية الأرمن هي قضية عدالة وأن العدالة هي هبة من ألله، ولهذا فإن انتهاك العدالة هو خطيئة ضد ألله.
أعترفت العديد من الدول الأوربية أن تلك المجازر هي إبادة جماعية، ولكن إيطاليا والولايات المتحدة ، على سبيل المثال، تجنبتا استخدام هذا المصطلح رسمياً وأعطت الأهمية الى كون تركيا بلداً حليفاً لهما.
كذلك حدد الكرسي الرسولي أيضاً أهمية كبيرة لعلاقته مع الأمة الإسلامية المعتدلة، وخاصة مطالبته من
القادة المسلمين إدانة عمليات ذبح المسيحيين على أيدي المتطرفين الإسلاميين في مناطق العراق وسوريا.
ولكن رغبة البابا فرانسيس في استفزاز أنقرة في كلماته أظهر مرة أخرى أن لديه بعض التردد بسبب المخاطر الدبلوماسية لقضايا قريبة من قلبه. وكان قد أقدم على مجازفة مشابهة وذلك بدعوته للرئيسين الفلسطيني والاسرائيلي للصلاة سوية في الفاتيكان من أجل السلام. وكانت تلكْ هي القِمة التي تبعها اندلاع القتال في قطاع غزة.
وفرانسيس ليس أول بابا يطلق على تلك المجازر بالإبادة الجماعية، ففي كلمته أشار الى إعلان عام 2001 الذي وقعه القديس يوحنا بولس الثاني ورئيس الكنيسة الأرمنية كارنكين الثاني، والذي نصّ على أن الموت الذي حدث للأرمن يُعتبر أول إبادة جماعية في القرن العشرين.
وتجنب البابا الفخري بيندكس السادس عشر، الذي توترت علاقته مع تركيا والعالم الإسلامي، تجنب استخدام كلمة إبادة جماعية خلال فترة توليه الباباوية.
كان لتعبير البابا فرانسيس أهمية كبيرة حيث نطق بهذه الكلمات خلال القداس الطقسي الأرمني في كاتدرائية القديس بطرس بمناسبة الذكرى المئوية للمجازر الأرمنية وبحضور بطريرك الكنيسة الأرمنية الرسولية والرئيس الأرمني سيرج ساركسيان، الذي جلس في المكان المخصص للشخصيات البارزة في الكاتدرائية.
وحين كان البابا فرانسيس، قبل توليه الباباوية، رئيساً لأساقفة بونس أيرس كان الكاردينال السابق خورخي ماريو بيركوليو وثيق الصلة بشكل خاص مع الطائفة الأرمنية، وأشار في عدة مناسبات الى الإبادة الجماعية الأرمنية.
بقيت قضية الإبادة الجماعية موضوع جدل لفترة طويلة. وعرّفت الأمم المتحدة في عام 1948 الإبادة الجماعية على أنها القتل والأعمال الأخرى التي تهدف الى تدمير جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية. وعليه يجب أن يُطلق على الكثير من النزاعات التي ينتج عنها قتل جماعي بالإبادة الجماعية.
وفي ملاحظاته في قداس يوم الأحد، قال البابا فرانسيس: كانت المجازر الأرمنية هي الأولى من بين ثلاث عمليات إبادة جماعية واسعة النطاق وغير مسبوقة في القرن الماضي ثم تبعتها المحرقة (الهولوكست) وثم الاستالينية ( فترة حكم استالين)، وتبع ذلك عمليات قتل جماعي في كمبوديا ورواندا وبورندي والبوسنة.
وأضاف البابا، يبدو أن الأسرة البشرية ترفض أن تتعلم من أخطائها الناجمة عن قانون الإرهاب. وهكذا، هناك اليوم أيضاً أولئك الذي يحاولون القضاء على الآخرين بمساعدة عدد قليل ومع الصمت المتواطيء للآخرين الذين يقفون ببساطة متفرجين.
وكثيراً ما ندد البابا فرانسيس بالصمت المتواطيء للمجتمع الدولي في مواجهة المجازر في العصر الحديث والتي يقوم بها المتشددين الإسلاميين ضد المسيحيين وأقليات دينية أخرى.
وفي بداية قداس يوم الأحد كرّم البابا فرانسيس المجتمع الأرمني بالإعلان عن منح القديس غريغوريوس ناريك، المتصوف الأرمني من القرن الميلادي العاشر، لقب "طبيب الكنيسة". تجدر الإشارة الى أن هناك 35 شخص فقط مُنحوا هذا اللقب الذي تحتفظ به الكنيسة لأولئك الذين خدمت كتاباتهم الكنيسة الجامعة.
وتخلل القداس الموسيقى الأرمنية التقليدية مع التراتيل الخاصة التي تُرتل في مراحل معيّنة من القداس. وقدم الأطفال الذين ارتدوا الأزياء الأرمنية التقليدية الهدايا على المذبح الذي امتلأ بسحابة من البخور.