المحرر موضوع: سياسيون من ورقّ  (زيارة 782 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
سياسيون من ورقّ
« في: 02:39 06/07/2015 »
سياسيون من ورقّ   
  - في الحرب الأهلية اللبنانية 1975- 1990، كانت موازين القوة أنذاك متوازية بين كل الأطراف المتصارعة ،  اليسار والجنرال ميشل عونَ مدعومين من قبل اجهزة البعث  والمخابرات  العراقيّة ، والشيوعيين  وحركة أمل والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ( القيادة العامة أحمد جبريل ) مدعومين من سوريا الأسد  ، والكتائب والقوات وجزء من الموارنة من قبل اسرائيل والموساد . وكل المليشيات لها سلاح تقاتل به ، المسيحين اللبنانيين لهم أجندة يعملون على ضوئها ويأتيهم السلاح والمال من اكثر من جهة ومدعومين من دول قوية في المنطقة ، والدرزي له اجندة والشيعي والسني ايضا  . وعلى هذا الأساس استمرت الحرب قرابة 15 سنة أكلت الأخضر واليابس ، وحين جلسَ الماروني والسني والشيعي والدرزي في مؤتمر الطائف كان الكل على الطاولة المستديرة  بمبادرة من المملكة العربية السعودية وكانت جميع الأطراف متساوية ، وعلى مسافة واحدة ، وكل الإخوة  ملطخة أيديهم  بدماء بعض دون استثناء ، وضمير واحدهم يقول للاخر  هذه هي الحرب ياصديقي .  وأصبحت لبنان وقتذاك  دولة محاصصة طائفية بامتياز  وتوزعت مراكز القوة بين الجميع ، رئاسة الجمهورية  ماروني ، رئاسة مجلس  الوزراء سني ، ورئاسة  مجلس النواب  شيعي ، وانتهت الحرب، ولكن ظَهَر جيل جديد لا يعرف غير لغة  الحديد  والدم ولا يؤمن بغير القوة ، ودخل البلد في أتون الاغتيالات والتصفيات الجسدية والأحداث الاخيرة اكبر دليل،  وأصبحت  دولة في بيروت ودولة أخرى في الجنوب (حزب الله).
   في شباط عام  1968، استلم البعثيين السلطة في العراق مرة ثانية بعد تجربة عام 1963 الفاشلة ،  على أثر انقلاب يدعون انه ابيض ، ولكن  لوائه ملطخ  بالدماء،  ومن تلك الفترة  أنفرد الحزب بالسلطة لا يقبل أي  شريك،  فقمع كل الأحزاب السياسية  الموجودة  في الساحة العراقية يسارية ويمنية وقومية  وأخوان وغيرهم ، واعتقل الكثير من الكوادر الحزبية الشيوعية ، واعدم منهم أيضاً الكثير ، وسافر وهرب الباقي . ومع نهاية  حقبة السبعينيات  وبالتحديد سنة ١٩٧٩ وفي مؤتمر قاعة الخُلد الذي أسس صدام  لدولته الدموية،  واصبح البعث وصدام حسين  المسيطرين الفعليين على كل مقدرات  ومؤسسات الدولة العراقية، ومع بداية الحرب العراقية الإيرانية كان العراق بين فكيّ كماشة صدام والبعث . 
اما ان تكون بعثي او لا تكون شيء مطلقا. 
هُنا وفي هذه الفترة تقريبا كانت نوة حزب مسيحي تتشكل ، يدعى الحركة الديمقراطية الآشورية ( زوعا)  تأسست الحركة في 12 أبريل 1979، بعد اجتماعات لطلاب آشوريين في بغداد وكركوك ودهوك. أهداف الحزب منذ بداياته كانت الأعتراف بالوجود القومي الآشوري والدفاع عن حقوقهم في العراق. قام نظام البعث كالعادة بملاحقة و إعدام عدد من قادته المؤسسين وهم يوسف توما ويوبرت بنيامن ويوخنا ججو واضُطهد ولُحق كادره حاله حال بقية الأحزاب والحركات ، ولم  يحقق شعبية تذُكر، فظل حركة سياسية مغمورة . وهذه كانت حجر العثرة بين الإخوة الاشوريين والحكومة المركزية  والاجهزة  الأمنية ، والتقارير التي كانت تصل رئيس الجمهورية .
من جهة ثانية انتبه الأخوة الأرمن العراقيين مبكرا لهذه الحقيقة الخطيرة  ، وهذا ذكاء حاد  منهم يحسدون عليه حقاً ، فقد عقدوا اتفاق عرفى غير مكتوب بينهم  وبين السلطة الحاكمة في بغداد ، مفادها أن  يسمح  للأرمن بمزاولة  كل نشاطاتهم الدينية والثقافية والرياضية  وفتح  مدارس خاصة وتدريس  لغتهم الأرمنية،  وفتح  نوادي  ترفيهية   حكرا خاص لهم ، دون تعرض او مساس او تدخل من قبل الدولة ، الا ضمن الإطار العام.  ولم يلعبوا في الملعب السياسي العراقي الخطير  ، اكتفوا فقد في أعمالهم  وشؤنهم الخاصة . ولم يشكلوا اي حزب او اي حركة سياسية تُذكر ، وهذا شكل رأس الزاوية في العلاقة  بينهم  وبين  السلطة المتُِمثلة  بشخص صدام حسين . وفي أرشيف مدرسة الأعداد الحزبي في القيادة القومية في بغداد يوجد  نسخة من قرار وقعْ من قبل صدام حسين ، مفاده ( يرُحل كل من يثبت تبعيته الإيرانية او من أصول إيرانية  الى ايران ماعدا الأرمن ) . وعاش الأرمن في سلام  يقع عليهم ما يقع على إي مواطن  عراقي أخر من واجبات وحقوق .
حذا حذوهم الكلدان، ولكن بصورة مختلفة ،  وهم اكبر طائفة مسيحية في العراق ، ورأوا  أن هذه لعبة سياسية كبيرة و محفوفة بالمخاطر ولا تجدي نفعاً مع هكذا نظام دكتاتوري ، فحافظوا على  حياتهم المدنية العامة ، واتجه نحوَ  الطب فنبغوا فيه والهندسة والتجارة  والمهن  الحرة .
وشاركوا في كل الحروب ، من العراقية الايرانية الى معركة الحواسم ، وذهب منهم الكثير من الشهداء وأُسر  الكثير .  وسارت الامور بين مدَّ وجزر ، وفي كل هذه الحقبة الزمنية كانت الهجرة مستمرة ماعدا  سنوات الحرب مع ايران ، وكانت العوائل المسيحية تبيع ما تملكه من ممتلكات أو عقار وتهاجر أما  الى الأردن أو تركيا على أمل الوصول الى أرض جديدة.
في ٢٠٠٣  احُتل العراق وتغيرت أحوال البشر ،  وبرزت مصطلاحات  جديدة على السطح ، نقول هذا لتعريف الأجيال الآتية بعض ما خفي عليها من سياسات وأخطاء.
مع قوات التحالف والأمريكان الغازيين،  جاء الكثير من المعارضيين الذين كانوا في الخارج ينفذون رغبات أسيادهم من الإنكليز والأمريكان وكان ضمن هؤلاء، بعض كوادر الحركة الديمقراطية زوعا، وفي مقدمتهم يونادم كنا الذي اصبح نائب في البرلمان العراقي من ٢٠٠٣ والى حد الان ،
ونزل بعض من شبان تلك الحركة من شمال العراق الى قرى سهل نينوى ، على أساس ضبط الأمن ورعاية المجتمع ، ولكن لم ينجحوا في هذا ، لعدم شعبيتهم في تلك الأوساط . فتقوقعوا على ذاتهم ،  والدم المسيحي يسّيل في الطرقات وذهبت كل القرى المسيحية لقمة سائغة في حلق داعش  ولا أحد يهمه الامر .
 هُنا وفي هذه المرحلة الحرجة من التاريخ الحديث   ، لم يكن  المسيحيين يمتلكون تجربة سياسية سابقة ، بسبب عزوفهم  عنها  في السابق ولا يملكون رجال لديهم  ناصية الحنكة والدهاء والمكر المطلوب في عالم السياسية .  في عالم تغير بين ليلى وضحاها  ، فبقوا هكذا تضربهم الأمواج بين لجة بحر مالح أمواجه عالية . كل هذه الأسباب ضيقت مدى الرؤية  لدى المسيحين ، لأن المشكلة أعمق وأشمل، إنها في «العقل» المهيمن على الأفعال .
مع الحاكم المدني بول بريمر  أعطى خمسة  مقاعد كوتا (أي حصة)  في البرلمان العراقي ( للمكون  ) المسيحي وهنُا تغير المصطلح وأصبحنا مكون لا شعب اصيل عاش قبلهم  مئات السنين . من أصل ٣٢٥ مقعد . وهؤلاء النواب الخمسة يمثلون هذا  المكُون ، وهو على المثل الدارج ( على عينك يا تاجر ) لا أكثر ولا اقل ، ووجودهم  وعدم وجودهم  لا يغير في  المعادلة  شيء ، بالعكس كانوا في بعض الحالات يحملون معاول هدم لا بناء . وهكذا مع مرور السنوات  فقد الشعب إيمانه بهم ، وأصبحوا مثل حجر عثرة  في الطريق لا هم لهم  سوى  أنفسهم   ورواتبهم الضخمة ، والدائرة  المحيطة حولهم.   
وأصبح المسيحيين مع الأيام  مكسر عصة ، في كل العراق من  زاخو الى البصرة لا قوة  لا مليشيات ، لا رجال حكماء  تقود المركب نحو شاطئ الأمان ، وفي نهاية الامر ارتطمت المركبة بصخرة  كبيرة ، وأحداث الموصل أكبر دليل.
 في بداية  المقال ذكرت الحرب الأهلية اللبنانية ، وكيف كان بيار الجميّل له قواته ( قوات الكتائب ) وقادة ميدانين يؤمنون بقضية الشعب الماروني مثل سمير جعجع و إيلي  حبيقة ، و الكثير من قادة المليشيات ، صحيح قتُل وعتُقل الكثير منهم  ولكن سجلوا  موقف سواء كان  سلبي أم إيجابي لهم في التاريخ الحديث . يحسب لهم في النهاية .
سياسيون  العراق مع الأسف من ورق ، لا يصلحون لشيء سوى السرقة  والنهب  والتزوير لهم أجندات خاصة بمصالحهم ، و عوائلهم  خارج العراق وهم في المنطقة الخضراء . يسرقون من قوت الشعب ويتحدثون بأسمه ،  ذئاب يرتدون جلود الحملان .
 الكل الأن داخل دائرة الاتهام والشك ، وكل نواب  البرلمان  ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي صاحب ( دولة القانون )   ومسؤولي الأحزاب الدينية والسياسية يجب محاكمتهم بتهمة خيانة الأمانة والتلاعب بمصالح الشعب ، الذين صرعوا الناس  قبل الانتخابات الأخيرة بشعارات فارغة جوفاء ، سوفة يرذلهم الناس والتاريخ ،  ويذكرونهم بهذه الأيام التي وقفوا بها  صامتين دون فعل ، أمام  شعب مُهجر مطرود من أرضه  .