لماذا العودة الى المربع الاول ؟
د.منى ياقو ربما أصبحنا بحاجة الى تفسير كل ما نقوله ، لكي لا يتم تأويله بشكل سلبي ، و خشية ان تشيع حالة من سوء الفهم و الشك حتى بالنيات الصادقة ، أردت توضيح الاسباب التي تجعلني أعود احيانا و استحدم مصطلح ( الاقلية ) ، بعد ان كانت أولى توصياتي في اطروحتي للدكتوراه عام 2004 ، والتي كانت بعنوان ( حقوق الاقليات القومية في القانون الدولي العام – دراسة سياسية قانونية ) ، هي " ان نقترح استبدال مصطلح الاقلية القومية بمصطلح القومية ................ لا سيما ان كان لا يراد بمصطلح الاقلية الاشارة الى العدد ، بقدر ما يشير الى التهميش او التصغير او التقليل من شأن جماعة ما " ، و أرى في سبيل ذلك ، ان من الضرورة بمكان ان اعرج على اهم ثلاث مصطلحات يمكن ان تستخدم في وضعنا الحالي :-
اولا - السكان الاصليون Indigenous Peoples
حيث يمكن تعريفهم ( وفقا للأتفاقية رقم 169 بشأن الشعوب الاصلية و القبلية في البلدان المستقلة لعام 1989 ) بأنهم ، مجموعة من سكان ارض ما بقوا في ارضهم رغم احتلالها من قبل قوة او شعب آخر ، و يكون هؤلاء السكان الاصليين قد اصبحوا اقلية ، بسبب ممارسات يقوم بها المحتل ، كأن يقوم بتهجير السكان الاصليين و جلب شعب جديد ليستوطن ارضهم .
و لا يشترط طرد هؤلاء خارج الوطن ، بل يكفي ان يكون عدد المستوطنين الجدد اكبر من عدد السكان الاصليين ، بحيث يدفع اغلبهم للعيش في مناطق نائية ، و ما يهم في النهاية ، ان السكان الاصليين يفقدون السيادة على وطنهم و لا يعودون يملكون السلطة ، و ان الامر الواقع يجعلهم يخضعون لسلطة المحتل و قوانينه ، و يفترض هنا ان تمارس ضدهم سياسات اقصاء و تهميش ، مما يجعل حقوقهم منقوصة قياسا بحقوق المحتل .
و تعد حقوق السكان الاصليين حقوقا جماعية ، بمعنى انهم يمارسونها كجماعات و شعوب ، و هي ايضا حقوق اصلية لانها تستند على الدعوى بانها حقوق تاريخية ، يلزم الاعتراف بها لضمان استمرارية وجود السكان الاصليين و بقائهم .
و غالبا ما تتركز مطالب السكان الاصليين فيما يلي :
1- الارض : حيث يطالبون بأستعادة السيطرة على اراضيهم التي كانوا يمتلكونها .
2- التنظيم الاجتماعي و السياسي : و يتمثل ذلك في المطالبة بحقهم باتخاذ القرارات الخاصة بشؤونهم و المشاركة الكاملة في جميع مستويات اتخاذ القرار ، اضاقة الى حقهم في خلق آلية تنظيمية تهدف الى تضامن السكان الاصليين من اجل الضغط لتحقيق مطالبهم ,
3- التنمية الاقتصادية : و من خلالها يطالبون بأشراكهم في خطط التنمية الاقتصادية للسيطرة على اقتصادياتهم .
4- التعبير عن واقعهم : لهم الحق في انشاء منابر يعبرون من خلالها عن مواقعهم و طموحاتهم التي تتراوح بين المطالبة بالارض و المشاركة السياسية .
5- احترام الهوية : و يتم ذلك من خلال الاعلان عن احترام التنوع العرقي و الديني و الثقافي .
أود الاشارة هنا ، الى ان مصطلح (السكان الاصليين ) طالبنا بأدراجه في مشروع دستور الاقليم ، لكن معظم الاطراف قد رفضت ادراجه ، بحجة ان كون احد الاطراف من السكان الاصلينن ، يجعل الاخرين ، بالمفهوم المخالف ، سكاناً غير اصليين ، وهذا أمر يرفضه المنطق القانوني السليم ، لا سيما و ان اطلاق المصطلح ليس امرا اعتباطياً او كيفياً ، بل ان هنالك معايير معينة يجب اثبات توافرها لكي تستحق أية مجموعة سكانية ان نطلق عليها هذا المصطلح ، الذي له ابعاد و تداعيات تترتب عليه مستقبلا .
ثانيا – مكونات Quantities
ان مصطلح ( مكونات ) استخدم في ديباجة دستور العراق النافذ ، حيث جاء فيها " ......... شهداء العراق شيعة و سنة ، عربا و كوردا و تركمانا ، و من مكونات الشعب جميعها ............" و ايضا " ...نحن شعب العراق الذي آلى على نفسه بكل مكوناته و اطيافه .........." ، و تم تكريسه في الاقليم ، من خلال صدور قانون حماية حقوق المكونات رقم 5 لسنة 2015 النافذ .
و رغم ان البعض يعد استخدام هذا المصطلح انجازا كبيرا ، الا اننا نعتقد انه مصطلح ليس له اساس قانوني صحيح ، لا سيما و ان "المكون" يشير لغويا الى العناصر التي يتكون منها الشيء ، و بما ان المجتمع يتكون من الاغلبيات و الاقليات ، فأن هذا المصطلح يتسبب في الخلط بين المجمتعات الصغيرة و الكبيرة العدد ، مما يضطرنا في النهاية ، عند الحديث عن الاقليات ، ان نقول " المكونات الصغيرة العدد " ، اذن فأننا هنا نرجع الى الحديث عن الاقلية ، لكن بصيغة جديدة .
ثالثا – الاقلية Minority
يمكن تعريف الاقلية عموما بأنها مجموعة من الافراد اقل عددا من اغلبية مواطني الدولة و هي في وضع غير مسيطر و تتوافر لها خصائص اثنية او دينية او لغوية تختلف عن خصائص بقية السكان ، و تظهر ولو بشكل مستتر احساسا بالتضامن بغية الحفاظ على طابعها الخاص او ذاتيتها الثقافية او خصائصها المميزة .
نفهم من ذلك ان الاقلية تشترك مع السكان الاصليين ، في عدد من السمات ، هي :
1- الفئتان تكونان في وضع غير مسيطر .
2- تختلف ثقافتهما و لغتهما و عقيدتهما عن الاغلبية .
3- لهما رغبة مشتركة في الاحتفاظ بالهوية و تعزيزها .
4- كلاهما غالبا ما يعاني من الاقصاء و التهميش ، و يعتبران من ضمن الفئات المهمشة او الجماعات المستضعفة .
لكن الاقلية تختلف عن السكان الاصليين في امور اخرى :
1- فبينما يكون للشعوب الاصلية ارتباط روحي قوي و عريق بالارض ، يمتد الى عصور طويلة ، فأن الامر يختلف بالنسبة للاقلية ، التي ليس من الضروري ان يكون لها نفس الارتباط بالارض .
2- الاصل ان تكون الاقلية اقل عددا دائما ، لكن البعض من السكان الاصليين قد لا يكونون اقلية ، ففي ( بوليفيا ) مثلا ، يشكل السكان الاصليين اكثر من نصف العدد الاجمالي للسكان .
يمكن القول اذن ، ان معظم السكان الاصليين قد يكونوا اقلية ، لكن ليست كل اقلية من السكان الاصليين ، وان الاشخاص المنتمين الى الشعوب الاصلية يتمتعون بالحقوق الواردة في الصكوك الخاصة بالاقليات ، تمتعا كاملا ، ان هم ارادوا ، بينما لا يمكن للاقلية ان تطالب بأية حماية كشعوب اصلية .
عموما ، نظرا لصعوبة اتفاق البعض على استخدام مصطلح السكان الاصليين ، و اطلاقه علينا ، حتى و ان اثبتنا توافر كل المعايير الدولية اللازمة للتأكيد على اننا سكان اصليين ، و نظرا لان مصطلح مكونات لا اساس قانوني له ، و انه مجرد مجاملة استخدمتها الاغلبية بعد السقوط ، فأننا نفضل استخدام مصطلح الاقلية ، للاسباب التالية :
1- اننا بالفعل اقل عددا و اقل هيمنة ، وان ذلك لا يعني بأية حال اننا اقل شأنا ، لا سيما وان لنا حضارة عريقة يشهد لها الجميع ، لكن الانتهاكات المستمرة التي تعرضنا لها و لا زلنا نتعرض لها ، هي التي جعلت منا اقل عددا .
2- ان هذا المصطلح يجعلنا نستفيد من جميع الوثائق الدولية التي تستخدم المصطلح دون ان تقصد الاساءة لأية مجموعة ، و لان استخدامنا لمصطلح (المكون) يجعلنا غير معروفين دوليا ، و في كل مرة نحتاج الى توضيح لهذا المصطلح لانه غريب و يخلق اللبس .
3- لأن التعامل معنا على اساس المواطنة ، هو الذي سيخلق لنا مجتمعا سويا ، و اما التسميات فلن تقلل او تزيد من شأننا ،و ما يثبت ذلك ، ان الدستور قد اطلق علينا (مكونات ) رسمبا منذ 2005 ، لكن اوضاعنا سارت من سيء الى اسوء منذ ذلك الوقت و حتى يومنا هذا ، و لم تستطع كلمة (مكونات) ان تمنع تهجيرنا و لا قتلنا و لا سلب اراضينا .
ختاماً ، أكرر التأكيد على اننا مطالبين كشعب أصيل ، بالعمل الجدي للأعتراف بنا ك ( سكان اصليين ) ، وفقاً للاصول الدولية ، التي تثبت اثباتا قطعيا ، أننا أحد الشعوب الاصلية التي عاشت في بلاد ما بين النهرين ، مع ما يتطلب ذلك من العمل المشترك لجميع المؤسسات و الأفراد ، وهنا تبرز نقطة في غاية الاهمية ، وهي ضرورة تجاوز التقاطعات السياسية و الكنسية ، و الاتفاق على تسمية موحدة تخدمنا كشعب ، و أقترح أن نبدأ التحشيد من المنابر الدولية الى الداخلية ، و ليس العكس .
أتمنى ان اكون قد وفقت في ايصال فكرتي ، و الا يُساء فهمي ...........