المحرر موضوع: الدراسة في الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية لقاء خاص مع الدكتور خليل عبد العزيز  (زيارة 900 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل فرات المحسن

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 336
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني



الدراسة في الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية

لقاء خاص مع الدكتور خليل عبد العزيز
أجرى الحوار فرات المحسن


   الدكتور خليل عبد العزيز والصحفي فرات المحسن

عُد قيام ثورة الرابع عشر من تموز، نقلة نوعية كبيرة في مختلف مجالات الحياة للشعب العراقي، وأيضا مرحلة جديدة في علاقة العراق بالعالم الخارجي. ففي الوقت الذي كان فيه العراق حليفا قويا للغرب أثناء حقبة الحرب الباردة،  وعضوا أصيلا في الحلف الإقليمي  الذي سمي وقتذاك بحلف بغداد  والذي شكل عام 1955 وشاركت فيه كل من  تركيا وإيران وباكستان والعراق إضافة للمملكة المتحدة (بريطانيا ). فثورة 14 تموز بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم غيرت قواعد اللعبة الإقليمية بشكل حاسم، وأنهت تلك العلاقات والروابط الإستراتيجية بقطيعة مع التحالف الغربي والخروج من حلف بغداد لتنهي بذلك العصر الذهبي من علاقة متينة كانت للحكومة العراقية الملكية مع حليفتها بريطانيا العظمى .
مثلما هو معروف في التاريخ القريب فإن مشروع تشكيل الدولة العراقية عام 1921 جاء على يد ووفق رغبة الساسة البريطانيون لذا أعطيت لمؤسسات الدولة العراقية طابع تشكيل أولي يتخذ من النموذج المؤسساتي البريطاني مثالا أعلى في بناءه وقواعد عمله. وكان أكثر تأثيرا وملموسية لهذا التوجه يظهر وسط المؤسستين العسكرية والتعليمية. فالمؤسسة العسكرية بنت مناهجها وقواعد السلوك والتدريب فيها وأيضا التسليح على وفق ما أسس له الساسة وجنرالات الجيش البريطاني الذين كان لهم التأثير الفعلي وتربطهم مصالح كثيرة بقادة الجيش الشريفي الذين أصبحوا لاحقا قاعدة الحكم وركيزته بعد تأسيس الحكومة الوطنية العراقية عام 1921  .وظهر التأثير البريطاني في سياسة المؤسسة التعليمية العراقية أيضا، حيث اعتمدت أصول التدريس والتقييم الانكليزية في اغلب مناهج التعليم. 
حول مشاكل التعليم في العراق وإرسال البعثات خارجه في العهد الملكي ، وما استجد من متغيرات بعد ثورة 14 تموز في طبيعة ونمط أداء المؤسسة التعليمية. ومن ثم الحديث عن النموذج السوفيتي في تدريس الأجانب ومنح الشهادات،وكذلك علاقة وأداء الحزب الشيوعي العراقي بتلك البعثات.حول كل هذا وغيره كان لنا لقاء بالدكتور خليل عبد العزيز الذي وصل الاتحاد السوفيتي عام 1962 بعد أن حكم عليه بالإعدام إثر اتهامه المشاركة بقمع مؤامرة الشواف بالموصل، لذا تم تهريبه من العراق ليعيش هناك ويتلقى علومه الدراسية ويحصل على شهادة الدكتوراه بالصحافة ويمارس مهنة باحث علمي ومستشار بالشؤون العربية في  معهد الاستشراق السوفيتي.

ــ كيف كانت في نظرك سياسة المؤسسة التعليمية في العراق الملكي، وبالذات في جانب إرسال الطلبة  للدراسة في الخارج، وهل أقتصر ذلك على دول بعينها دون أخرى ؟

كانت سياسة التعليم في الحكومة الملكية العراقية تعتمد وتطبق أصول التدريس كما في المدارس الانكليزية، رغم اختلاف بعض المناهج التعليمية والتربوية، ولكن طرق التدريس والتقييم ومنح الشهادات يشابه بشكل كبير أسس التقييم والتدريس الانكليزية الرصينة. وقد حرصت الحكومات الملكية العراقية على وضع قواعد متينة لإرسال بعثاتها وفق شروط وقواعد مهنية وتعليمية صارمة في الاختيار. فلا يرسل للدراسة ولن يحصل على الزمالة غير المتفوقين دراسيا من أصحاب الدرجات العالية. وكانت أكثر الزمالات العلمية تخصص للدراسة في الجامعات البريطانية والأمريكية. ويعد جميع الذين عادوا من الدراسة في بريطانيا والولايات المتحدة من المتفوقين والمتميزين في اختصاصاتهم إلا ما ندر.وكانت لوزارة التربية والتعليم في العهد الملكي، علاقة مع المؤسسات التعليمية في الجارة تركيا، ولذا كانت الوزارة  العراقية تحصل على بعض الزمالات من الجانب التركي فترسل بعض الطلاب للدراسة هناك، ولكن اغلب هؤلاء كانوا يعودون دون الحصول على تعليم جيد، وفي غير المستوى العلمي الرصين، ويعود السبب في ذلك لاختلاف وعدم موائمة المناهج التعليمية في تركيا مع مناهج التعليم البريطانية وشبيهتها في العراق. أيضا كانت هناك عوائل غنية ترغب في حصول أبنائها على شهادات دراسية من خارج العراق، بعد أن كانوا قد حصلوا على درجات غير مناسبة،فكانوا يرسلون أبنائهم للدراسة في الخارج، وبالذات في الجامعة الأمريكية في بيروت والجامعات في تركيا ومصر. ولكن وبشكل واضح فإن أغلب الزمالات العلمية كانت ترسل إلى الجامعات البريطانية  وبعدها الأمريكية وألمانيا الاتحادية عبر الترشيح من قبل وزارة التعليم.

ــ ألم يتم إرسال زمالات إلى الدول الاشتراكية في فترة العهد الملكي؟

قطعا لم تكن هناك علاقة للحكومة العراقية مع تلك البلدان وبالذات في مجال التعليم، فقد كانت جميع علاقات العراق في هذا المجال وغيره ترتبط بالعالم الغربي. ولكن المصادفة لعبت دورها وحصل بعض الطلبة العراقيين على مقاعد دراسية في الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية ومن دون علم أو رغبة الحكومة ووزارة التعليم العراقية.ففي عام 1957 شارك وفد عراقي كبير بمهرجان الشبيبة العالمي في موسكو، وبالرغم من جميع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية لمنع سفر مواطنيها إلى موسكو، إلا أن العشرات من الشبيبة والطلبة استطاعوا بمختلف الوسائل والطرق، الحصول على جوازات السفر وتحقيق آمالهم في مشاركة شباب وطلبة العالم في مهرجانهم. وبعد انتهاء فعاليات المهرجان استطاع البعض من الشباب العراقي الحصول على مقاعد دراسية في المعاهد السوفيتية. فقد استطاع محمد علي الماشطة ومصطفى الجواهري الحصول على زمالة دراسية في المعاهد السوفيتية وكان قد سبقهم الالتحاق بالدراسة في موسكو مواطنان عراقيان يهوديان استطاعا الهروب من العراق بعد إسقاط الحكومة العراقية الجنسية عن اليهود العراقيين عام 1949 ، وقد وصلا إلى موسكو عبر إيران، أحدهما وأسمه مسرور، أذكر أنه عمل كمذيع في إذاعة موسكو باللغة العربية، أما الثاني وأسمه الياس البدري فقد تم تعينه مدرسا لتدريس اللغة العربية في معهد اللغات الشرقية في موسكو بعد إنهائه الدراسة في كلية الحقوق. وكان هناك أيضا مواطن عراقي آخر اسمه صلاح الخزرجي استطاع الوصول إلى موسكو والدراسة هناك بعد هروبه من العراق.  وهناك حكاية تتعلق ببعض المحاربين الأكراد الذين غادروا العراق مع الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني بعد فشل الثورة الكردية و
جمهورية  كردستان وعاصمتها مهباد، وأقاموا في الاتحاد السوفيتي. فالكثير من هؤلاء حصلوا على زمالات دراسية ودرسوا في عدة مدن سوفيتية وفي اختصاصات متنوعة ونالوا شهادات جامعية، ولذا بقي قسم منهم في البلاد السوفيتية ورفضوا العودة إلى العراق مع الزعيم الكردي الملا مصطفى البرزاني  الذي عاد بعد قيام ثورة 14 تموز عام 1958 .

ــ وما الذي حدث للسياسة التعليمية بعد قيام العلاقة مع الدول الاشتراكية بعيد ثورة 14 تموز ؟
بعد ثورة 14 تموز فتح الباب على مصراعيه أمام العراقيات والعراقيين للاستفادة من الزمالات الدراسية التي تمنحها الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي إلى وزارة التعليم العراقية، خاصة بعد عام 1959 حيث وقعت وزارة التعليم العراقية مع الجانب السوفيتي وباقي الدول الاشتراكية اتفاقيات تمنح بموجبها تلك الدول الجمهورية العراقية مقاعد دراسية في معاهدها وجامعاتها، وبموجب هذه الاتفاقيات يحصل الطالب على منحة مالية وسكن من تلك الدولة إضافة للراتب الشهري الذي تخصصه له الحكومة العراقية يستلمه شهريا من سفارة العراق في ذلك البلد. وكان ذلك النموذج هو الشكل الوحيد المعتمد في إرسال الزمالات ويتحدد فيه العدد الذي توافق عليه وترسله الحكومة العراقية عن طريق وزارة التعليم بعد تقييم طبيعة وشهادات طالب الزمالة .
وكان الحصول على الزمالة الحكومية إن كانت إلى الاتحاد السوفيتي أو دول المنظومة الاشتراكية، تخضع لمعايير تربوية رصينة، أهمها التفوق الدراسي في الثانوية أو الإعدادية أو نوع الاختصاص في الجامعة. وهذه الضوابط وضعتها وزارة التعليم العراقية وفق برتوكولات وقعتها مع تلك الدول، وحددت وفقها النموذج الذي بموجبه ينال الطالب الزمالة. وكانت تلك المواصفات صارمة وعملية جدا، لذا فإن جميع الذين تمتعوا بتلك الزمالات ونالوا شهادات التخرج من تلك البلدان كانوا من المتفوقين في دراستهم .



مع مجموعة من الطلبة العراقيين في الجامعة


ــ وهل استمر الوضع على هذا المنوال؟
 
هذا الوضع لم يستمر ولم تعد الزمالات تمنح حصرا للحكومة العراقية . فقد خصصت الأحزاب الشيوعية والمنظمات الجماهيرية في البلدان الاشتراكية، من مثل اتحادات ونقابات الشبيبة والطلبة والعمال والفلاحين ورابطة المرأة وغيرها من التنظيمات وكذلك مجلس السلم العالمي  و منظمة التضامن الأفروأسيوي مقاعد دراسية وزمالات إلى الحزب الشيوعي العراقي وتنظيماته الجماهيرية. وبات الحزب الشيوعي العراقي وباقي التنظيمات المرتبطة به يحصلون على العديد من الزمالات الدراسية التي ساعدتهم على إرسال الكثير من كوادرهم وجماهيرهم للدراسة هناك، وكانت جميع هذه المقاعد الدراسية من خارج حصة الحكومة العراقية.ومن كان يحصل على هذه المقاعد، لا علاقة له بالحكومة العراقية من حيث الراتب الشهري أو غيرها من المنح المالية الحكومية. وبسبب ذلك قام الجانب السوفيتي بتخصيص مبلغ 90 روبلا شهريا لهؤلاء الطلبة في الوقت الذي كان الطالب السوفيتي وفي ذات القسم الدراسي يستلم راتبا شهريا قدره 30 روبلا. وقد بررت القيادة السوفيتية وقتذاك السبب في هذا التفاوت، كون الطالب السوفيتي لديه أهل يلجأ إليهم وقت الحاجة أما الطالب الأجنبي فلا يستطيع الحصول على إعانة من أحد، وكانت النتيجة لهذا القرار توفير حياة اجتماعية جيدة ليعيش الطلاب الأجانب برفاهية وبحبوحة مالية. وكانت السلطات السوفيتية تعامل جميع الطلاب العراقيين الدارسين لديها على قدم المساواة ودون تمييز بين المبتعث الحكومي أو المرسل من قبل الحزب الشيوعي و المنظمات الجماهيرية.

ــ وما الذي حدث بعد أن انهالت على الحزب الشيوعي العراقي والمنظمات الجماهيرية المرتبطة به كل تلك الأعداد من المقاعد الدراسية ؟
.
في بداية التخصيص ومنح المقاعد الدراسية الذي قامت به التنظيمات الحزبية والجماهيرية في الدول الاشتراكية، لم يتخذ الحزب الشيوعي نهجا مناسبا لاستيعاب هذه الحالة، وكان من المفترض بالحزب تشكيل لجنة تضع ضوابط لدراسة الطلبات على الزمالات الدراسية، وأن تلتزم تلك اللجنة بتدقيق المستوى العلمي لحصول الطالب على الزمالة، وأيضا التفكير الحكيم والعقلاني بحاجة البلد للاختصاصات العلمية والإنسانية وأخيرا الاستمرار بواسطة هذه اللجنة في مراقبة دراسة الطلبة ومتابعة مستواهم العلمي، على أن تقدم المنظمات الحزبية تقريرا بذلك ولكن لم يبادر الحزب بتشكيل مثل هذا اللجنة ولا العمل وفق السياقات المرجوة للضبط والسيطرة على ما يمنح له من زمالات. وفي بداية الآمر لم يكن يتم توزيع هذه المقاعد بطريقة التلاعب والوساطة، وكان الآمر يحصر بيد عدد قليل جدا من القيادة. ولكن مع مرور الوقت أضحت المقاعد الدراسية خاضعة للعلاقات والأمزجة الشخصية، وتم استغلال تلك الزمالات والمنح في غير مجالاتها ووجهتها الحقيقية، وشارك في ذلك ليس فقط الجانب العراقي وإنما شجعه وعمل عليه بعض الموظفين السوفيت.عندها شكلت تلك الزمالات معلما فارقا لسوء الاستخدام والتصرف غير العقلاني والمسيء. فقد باتت آليات توزيع بعض تلك المقاعد خاضعة لنفوذ وقرارات بعض الأشخاص دون غيرهم. وأغلب تلك الزمالات كانت تذهب إلى الأقارب أو المقربين ووفق العلاقات الشخصية والمحسوبية، و لم يراعى فيها المستوى والرصانة العلمية.
وكانت الجهات السوفيتية تمنح أحيانا مقاعد دراسية دون تحديد الاختصاص، لذا كان البعض يستغل ذلك ويحصر الزمالات الممنوحة، فقط في الاختصاصات العلمية دون غيرها.ونتج عن ذلك لاحقا أوضاع سلبية جدا، كون الكثير من هؤلاء الطلبة لم يستطيعوا أكمال شوط الدراسة أو أضاعوا الفرص العديدة التي منحت لهم للحصول على الدرجة العلمية، وكان العديد من هؤلاء غير مؤهل أصلا للدراسة العلمية، وكذلك لم يكونوا بالمستوى اللائق من النضوج الفكري.
 

في جامعة موسكو

ــ وهل عالج الجانب العراقي أو السوفييتي تلك المشكلة ؟


كلا . وإنما أستمر الحال وتطور إلى الأسوأ. فقد خلقت هذه الأوضاع تجارة رائجة للمقاعد الدراسية وظهرت شخصيات من العراقيين، استطاعت توظيف علاقتها مع الجانب السوفيتي وكذلك مع أوساط منظمة التضامن الأفرو أسيوي ومجلس السلم السوفيتي،للحصول على المقاعد الدراسية بصورة غير سليمة، من خلال الرُشى وشراء الذمم. فكانت تلك الشخصيات تقدم المغريات المالية للحصول على الزمالات الدراسية من الجانب السوفيتي، ومن ثم تقوم ببيعها لمن يدفع أكثر. وكانت بعض تلك الشخصيات تدير تلك الأعمال بشكل علني، ولكن تحت أنظار ومراقبة ورصد المخابرات السوفيتية وليس بعيدا عن دوائرها.وظهر بين أوساط العراقيين وخلال فترات طويلة شخصيات عديدة كانت تمارس مثل هذا العمل بشكل غير مخفي.
كان هناك شخص أشتهر بعلاقته الوطيدة بالأوساط السوفيتية أسمه جبار حاجم ، هذا الشخص بني له شبكة من العلاقات المشبوهة مع الكثير من المسؤولين السوفييت.ودائما ما كانت تثار حوله الشكوك ويتهم بالعلاقة بجهاز أمن الدولة السوفيتي ( كي جي بي ) ويعزو ذلك لقدراته الفذة على الوصول إلى ما يرغب فيه والحصول على مبتغاه عبر شراء الذمم.وكان أيضا يمتهن تصريف العملة بشكل غير مشروع.
ومن الحوادث الطريفة التي رواها السفير العراقي في موسكو وقتذاك السيد صالح مهدي عماش للدلالة على علاقة جبار حاجم بالمخابرات السوفيتية، هي حادثة وقعت للسفير ذاته. فمن عادة السفير عماش الركوب في مقدمة سيارة السفارة أي جوار مقعد السائق. وكان السفير عائدا من مطار العاصمة موسكو بعد توديع وفد رسمي عراقي، عندما وقع حادث للسيارة، جرح فيه عماش وأيضا سائقه، وقد اضطرت السلطات السوفيتية لنقله إلى المستشفى مع سائقه، وقد طلب السفير عماش من السلطات السوفيتية التكتم والتغطية على الحادث، لحراجة الموضوع بالنسبة لبلده العراق، ولكي لا يستغل للإثارة من قبل خصومه . وبعد أن رقد السفير في المستشفى، ولم تمض على الحادث غير نصف ساعة تقريبا، دخل عليه جبار حاجم في الغرفة حامل باقة ورد وقدم نفسه للسفير للتهنئة بالنجاة من الحادث. قال السفير عماش، بأنه لم يكن يعرف جبار حاجم ولم يشاهده سابقا، ولذا فهو يعتقد جازما بأن جبار حاجم على ارتباط أكيد بالمخابرات السوفيتية، وتساءل كيف تسنى له معرفة ما وقع لنا وبهذه السرعة إن لم يكن منهم.
والمدهش في حياة جبار حاجم، قدرته الغريبة للوصول إلى أي جهاز حكومي سوفيتي، فكانت أية قضية مستعصية للعراقيين عند الجانب السوفيتي، فإن تدخل جبار حاجم يضمن نجاح حلها.
وكمثال على طبيعة تلك السمسرة، أذكر حادثة لها دلالة كبيرة عما كان يحصل.فقد كلفني أحد شخصيات الحزب الشيوعي العراقي بالاتصال بجبار حاجم لمعرفة كيفية حصوله على الزمالات وبيعها، بعد أن انتشرت أخبار قيامه بهذا الأمر. وحين اتصلت به أخبرني مباشرة بأنه كان يشتري بعضها من بعض الحزبيين في موسكو وكذلك من بعض الموظفين المتنفذين في المؤسسات السوفيتية .وحدثني أحد الأصدقاء عن عملية شراء كان يقوم بها شخص عراقي آخر محسوب على التقدميين، هو شاكر القيسي . حيث استدان منه مسؤول منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الاتحاد السوفيتي وقتذاك خليل الجزائري مبلغا قدره 3000 روبل وكان هذا المبلغ بالنسبة للموظفين السوفيت ومثلهم الطلبة العراقيين، يعد ثروة كبيرة في ذلك الوقت.وحين استفسر الصديق من السيد شاكر القيسي عن كيفية استرداده للدين من خليل الجزائري، الذي لا يملك ما يوفي فيه هذا المبلغ الكبير، فأجاب القيسي ضاحكا بأنه لا يفكر إطلاقا باسترداد المبلغ وإن هذا الدين يعد من الديون الميتة، ولكنها وعلى المدى القريب سوف تحي أموات. ولتفسير ذلك يستعرض القيسي الحال بالقول، دائما ما تكون هناك زمالات فائضة ، وفي تلك الحالة يقوم بالطلب من خليل الجزائري الحصول على عدد من المقاعد الدراسية من خلال معرفته وعلاقة الحزب بالمؤسسات السوفيتية، وكان ذلك يتم  مقابل قسم من الدين، ويقوم الجزائري بإبلاغ الجهة المانحة موافقة الحزب على ذلك التخصيص، فيأخذ القيسي من خليل الجزائري المقاعد الممنوحة ومن ثم يبيعها.

ــ وهل كان لهذا الفساد تأثير على مجمل طلاب البعثات العراقيين .

مع كل هذا الفساد والإساءات لم يكن ذلك  ليمنع من بروز أعداد ليست بالقليلة من الطلبة العراقيين بشكل جيد، وكان هناك الكثير ممن استطاع بجهود جدية أن ينال درجات علمية رصينة، وأن ينجحوا نجاحا بينا وباهرا في دراستهم، وقد شغل الكثير من خريجي الجامعات السوفيتية ومثلها باقي الدول الاشتراكية العديد من المراكز العلمية المهنية والمهمة داخل العراق وخارجه وحازوا على التقدير والاحترام والتقييم العالي والرضا من المؤسسات العلمية والمهنية التي عملوا فيها. وكان الفضل في ذلك يعود إلى رغبتهم الحقيقية بالدراسة ومثابرتهم وجديتهم وهي الأبواب الأولى لتفوقهم ونجاحهم ولم يكن هناك أي فضل أو منة سياسية في تقدمهم ونجاحهم.



ــ كيف كان تأثير تلك السلبيات على الدراسة في الاتحاد السوفيتي ومثله على البلدان الصديقة؟

الرضا والقبول السوفيتي وعدم الاهتمام بالنتائج التي يحصل عليها الطلبة الأجانب، وأيضا عدم مراعاة الجوانب العلمية والمهنية، أطاح بالعملية التربوية ووسمها بسوء السمعة وانعدام المستوى العلمي لخريجي الاتحاد السوفيتي، وبسبب ذلك بدأت الكثير من الدول الآسيوية والأفريقية تشكك بالشهادة التي تمنحها المؤسسات التعليمية السوفيتية و ما عاد البعض منها يعترف بتلك الشهادة أصلا.
في أحدى المرات حضرت لقاءً يوضح ذلك الفشل وعدم الثقة بالشهادات التي تمنحها المعاهد والجامعات السوفيتية.فحين كنت أعمل في وكالة نوفوستي السوفيتية لتوثيق العلاقات الثقافية بين الاتحاد السوفيتي والدول العربية وأكتب عن ذلك في صحف المدار والأخبار وغيرها وباسم يوسف الياس يوسف . كلفت في ذلك الوقت من قبل الوكالة بالذهاب إلى وزارة التعليم العالي السوفيتي حيث يتم هناك استقبال أحد الوزراء الأفارقة. وصلت القاعة وقدمت نفسي كمندوب صحفي عن وكالة نوفوستي. جلست عند مقاعد الصحفيين داخل قاعة الاجتماع، ورحنا نستمع لحوار الوزيرين. الوزير الأفريقي كان وزير التعليم الغاني، وبعد كلمات الشكر والترحاب الحار بالضيوف من قبل الوزير السوفيتي، قام الوزير الغاني بتقديم الشكر والامتنان للدعوة الكريمة ولحسن الضيافة التي تلقاها الوفد، بعد ذلك بدأ الوزير السوفيتي بالقول وبنبرة عتاب، بأننا وجهنا لكم الدعوة هذه لسبب أولي ومهم، وهو موضوع معادلة الشهادات، فنحن نمنحكم الزمالات الدراسية لأجل رفع المستوى العلمي للدارسين القادمين من بلدكم ونعرف أن هذا ينعكس ايجابيا على التطور العلمي والاقتصادي لبلدكم غانا، ونحن في هذا نبذل أقصى الجهود التدريسية ونمنح الدارسين مبالغ نقدية ومن ثم نمنحهم شهادات دراسية عليا، ونظن إن ذلك يعد ثروة وطنية لبلدكم. وبعد كل هذا تصلنا معلومات بأنكم ترفضون الاعتراف بشهادات التخرج من كلياتنا ومعاهدنا، فأرجو أن أجد جوابا على هذا.
أجابه الوزير الغاني بأن جميع ما تحدثت عنه سعادة الوزير، لهو صحيح ، فنحن لا نعترف بالشهادة التي تمنحها مؤسساتكم التربوية لطلبتنا. عندها استغرب الوزير السوفيتي ذلك وقال معاتبا، هل إن هذا هو من باب رد الجميل لما نقدمه لكم من خدمات ؟.فأجابه الوزير الغاني مستعرضا السبب في حدوث مثل هذا الآمر،حيث قال بأننا نرسل إلى بريطانيا أو أمريكا مجموعة كبيرة من الطلبة، يمكن القول مثلا مائة طالب لكل بلد، وحسب حاجة بلدنا من اختصاصات، ولكن بعد عام أو عامين يعود ما يقارب 50 أو 70 منهم دون الحصول على مؤهل دراسي، لكون مستواهم العلمي لا يوازي مستوى طلبة الجامعات هناك، أو أنهم أصلا لم يكونوا مؤهلين للدراسة في المعاهد والكليات في بريطانيا أو أمريكا، فيعودون بسبب فشلهم. ولكن حين نرسل مائة طالب إلى الاتحاد السوفيتي، فأن جميع هؤلاء وبعد مضي خمس سنوات يعودون وقد منحوا شهادات عليا باختصاصاتهم، وهذا ما يجعلنا غير موقنين بصحة الموقف الدراسي لهؤلاء، وأيضا بصحة طرق التدريس عندكم، لذا نشكك في طبيعة منحهم الشهادة ومستواهم العلمي. عقب الوزير السوفيتي على ذلك بالقول، بأن السياسة التعليمية في الاتحاد السوفيتي تسعى لمساعدة هؤلاء الطلبة على التحصيل الدراسي ولا تضع العراقيل في طريقهم. فنحن نعتبر ما تعلمه هؤلاء عندنا تنعكس فائدته على شعب غانا، وأنتم تحتاجون لمثل هذا التسريع في إعداد الكوادر.فرد الوزير الغاني مؤكدا بأن هذا النوع من التدريس ومنح الشهادات خاطئ ويسيء لكم قبل الإساءة لنا، لذا أخبرك سعادة الوزير بأننا لن نسمح لأنفسنا الاعتراف بالشهادات التي تمنحها معاهدكم وجامعاتكم. فنحن لدينا قواعد ومعايير نقوم بموجبها اختبار حامل الشهادة فإن استطاع اجتياز الاختبار عند ذلك نوافق ونصادق على شهادته ولكن وللأسف فأن أغلب من يأتي من طرفكم يفشل في اجتياز الاختبار، لذا اتخذنا القرار بعدم الاعتراف بالشهادة الصادرة عنكم دون تمحيص.
 
ــ هل منح الاتحاد السوفيتي مقاعد دراسية لأحزاب عراقية غير الحزب الشيوعي؟

خلال فترة ثورة 14 تموز أقتصر منح الزملات فقط لوزارة التعليم ومن ثم الحزب الشيوعي العراقي ومنظماته الجماهيرية، وقد صادف أن عرفت بأن أحد أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني قد حصل على زمالة، ولكنها منحت له من قبل أحد الرفاق في الحزب الشيوعي العراقي .وبعد عام 1968 ووصول حزب البعث إلى السلطة في العراق وتطويرا للعلاقة، بدأ الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية بمنح حزب البعث وتنظيماته الجماهيرية مقاعد دراسية في الكثير من الاختصاصات العلمية والأدبية ومثلها في المدارس الحزبية حيث تدرس طرق  التنظيم الحزبي والعلاقات العامة أي الجهد المخابراتي. وكان أغلب هؤلاء من جهاز المخابرات العراقية. وكانت تقدم لهم الكثير من التسهيلات المالية والترفيهية، ويعزو السبب في ذلك لتطور العلاقات الدبلوماسية التي رافقتها المصالح الاقتصادية والمغريات المادية التي يقدمها العراق إلى الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي وألمانيا الديمقراطية والتي كانت على شكل استثمارات وأعمال بناء وشراء أسلحة.
 وعلى مدى فترات نشأت علاقات غير سليمة بين الكثير من الطلبة والأساتذة في الاتحاد السوفيتي ومثلها في باقي الدول الاشتراكية حيث بدأ الطالب يحوز على شهادته  سواء كان ذلك في مستوى البكالوريوس أو الماجستير وحتى الدكتوراه، من خلال الهدايا العينية والمادية السخية التي يقدمها إلى الأساتذة، والتي كانت الرشاوى فيها تفقأ العين   

 
 

مع البعض من زملاء الدراسة في كلية الصحافة