أبو غريب ـ الحلقة الرابعة ـ بيشمركة يقتحمون أبوغريب!!!
جلال جرمكا / سويسرا
من دفتر ذكرياتي في معتقل / أبوغريب ـ الحلقة الرابعة ـ عنوان الحلقة / بيشمركة يقتحمون أبو غريب!!.
عنوان الحلقة غريب وعجيب .. ولرب أحدكم يسأل : هل يجوز هذا ؟؟.
للرد أقول بقليل من الصبر.. يتضح كل شىء...إذن لنرى :
**********
في تلك الفترة كان مراقب قسمنا يدعى / عامر مدحت .. شاب مؤدب ومن عائلة محترمة.. كان محترم من قبل الجميع.. يساعد كل من يحتاج الى مساعدة.. كان قد نسق أموره مع ألأدارة.. كان يطعمهم ويهديهم الكثير.. لذلك كان بأمكانه أن يساعد الذي بحاجة الى مساعدة من النزلاء!!.
في أحد ألأيام ( قبل الظهر ) تم أستدعائه الى ألأدارة لأمر مستعجل !!.
أسرع.. وبعد دقائق عاد وبنفس السرعة.. صدفة كنت أتمشى في الساحة.. وجه كلامه لي وقال :
ــ كاك جلال.. لديكم ضيوف .. تهيئوا!!.
علمت فوراً أن وجبة من المحكومون الكورد قد وصلوا !!. .. لذلك أخبرت بقية ألأخوان ، حينها تهيئنا للأستقبال .
من العادة المتبعة ( أعتقد أنها طبيعية ) أهالي المحافظات القدامى.. كانوا يستقبلون أهالي محافظاتهم ( من الجدد ) ويقدمون لهم كل العون لحين مواجهتهم .. وهذه أصبحت عادة متبعة .
لذلك تهيئنا من كافة النواحي للأستقبال!!.
بعد نصف ساعة فتحوا البوابة .. فأذا بعشرات ومن مختلف ألأعمار دخلوا الى الساحة.. الجميع كانوا يرتدون ملابس كوردية.. كانوا مرهقين ، حيث :
وجوه صفراء.. أجسام هزيلة .. الضعف والتعب وألأرهاق كانت واضحة من بعيد.. هكذا حال كل الذين يحاكمون ويتحولون من ألأجهزة ألأمنية الى ابوغريب!!.
تحركنا نحوهم.. أستقبلناهم.. صافحناهم بحرارة وأسمعناهم كلام ليطمأنوا عالأخر:
ــ الحمد لله على السلامة .. نحن أخوانكم.. أطمأنوا..لقد وصلتم الى بر آلآمان.. هنا مقارنة بالأجهزة ألأمنية وألأستخباراتية.. جنة !!.. لذلك خذوا راحتكم.. ونحن في الخدمة.. كل الذي تحتاجوه موجود!!.
بعد كلمات الترحيب والمجاملات.. علمنا مايلي :
أنهم بيشمركة ( ألأتحاد الوطني الكوردستاني ) تم أسرهم من قبل / قوات الحرس الجمهوري في منطقة ( قوشتبة ) بالقرب من / أربيل ، أثنال القتال بين الحزبين الرئيسين ، والذي ( أنتهى الى ألأبد بفضل الله ) .. عرفنا المزيد حيث :
إن هذه المجموعة كانت قد أنيطت بهم التصدي للقوات التي ستدخل المنطقة المحررة عن طريق / كركوك..أي قطعات الفيلق ألأول.. لذلك كانوا في ألأمام.. لقد حفروا الخنادق وأقسموا لبعضهم أن لايتركوا الخنادق الا في حالتين :
آ / النصر النهائي ودحر العدو .
ب / الشهادة .. ينقلون جثث!!.
قالوا أن المعارك كانت في أشدها.. وقد منعنا تقدم القوات ، حيث تكبد المهاجمون العديد من ألأليات وألأشخاص.. ولكن الذي لم يكن في الحسبان ، هو مهاجمتنا من الخلف.. تبين أن قوات الفيلق الخامس قد دخلت أربيل من الموصل.. إذا لقد أصبحوا بين نارين وفي داخل كماشة!!... وتبين أن أربيل قد سقطت وهم لايعرفون بسبب أنقطاع ألأتصالات!!.
مع ذلك أستمروا وبقوا على العهد.. ولكن بعد ساعات تنفذ الذخيرة والعتاد.. لذلك يتم أسرهم وينقلون بواسطة ( ناقلات جنود ) الى مقر أستخبارات الفيلق ألأول في / كركوك للأستجواب والتحقيق!!.
هناك كانوا قد تعرضوا الى تعذيب من نوع غريب.. بشكل لايمكن لكل البشر أن يتحملها.. أنواع التعليق والكهرباء والضرب والتجويع وألأساليب النفسية القذرة ... الخ !!.
بعد أشهر يحالون الى أحدى المحاكم الخاصة .. والعقوبة كانت جاهزة.. وكالأتي :
ــ حكم على الجميع بأستثناء القصر بالأعدام.. والقصر 15 عاماً.. بعد فترة خفف الحكم الى مؤبد / عشرون عاماً.. وحينها تم نقلهم الى / أبوغريب!!.
قدمنا لهم كل شىء :
ملابس داخلية ، أدوات حلاقة ، بيجامات ، مناشف.. أدخلناهم الحمامات.. الطعام.. وغيرها من المتطلبات!!.
بالمناسبة كنا دوماً لدينا ملابس وأدوات أحتياط..للحالات الطارئة كهذه!!.
بعد تلك الوجبة ، قمنا بتوزيعهم على ( الكورد القدماء ) ولكن على الميسورين فقط.. لله الحمد كان معنا خمسة أشخاص ، نحن كنا ثلاثة ( أنا وريبوار وأسفنديار ) بعد مجىء الجماعة أصبحنا ثمانية أشخاص .
نعم ظلوا ضيوفاً علينا لأسابيع لحين زيارة أهاليهم.. حينها أمسوا يأكلون كل مجموعة سويا، كباقي الجماعات !!.
بعد ألأستراحة سمعنا الكثير من الطرائف، بالأخص أثناء التحقيق.. هؤلاء كانوا كوادر سياسية ..لهم أساليبهم لايمكن أن يعترفوا بسهولة !!.
أثناء التحيق أرادوا تظليل المحققون.. على سبيل المثال :
مسؤلهم ألأول كان يدعى ( جمال سور ) ..أثناء التحقيق أدعى بأنه مجرد طباخ.. ولايعرف أي شىء عن التنظيمات السياسية والعسكرية!!.
هنا سأله المحقق مايلي :
ــ طيب ..إذا كنت فعلاً طباخ .. كم كيس رز تطبخ في اليوم؟؟.
جمال..لكونه لايعرف أي شىء عن الطبخ.. أجابه فوراً :
ــ يومياً ، أطبخ عشرون كيساً!!!.
ضحك المحقق وقال :
ــ ولك.. على مين ..؟؟ يعني يومياً تطبخ طن من الرز؟؟؟ شنو عندك فيلق؟؟؟. .. والله أنت مسؤل كبير!!.
مع ذلك بالرغم من التعذيب الوحشي لكنه أصر على كلامه!!.
في كل مرة كان يرويها .. ونضحك !!.
من بين هؤلاء ألأبطال الذين لي مع عدد منهم أتصالات لحد آلآن ، وهم يحملون رتب عالية في الجيش العراقي من رتبة ( رائد الى عميد ) .. ولهم مواقع عسكرية متقدمة في قيادة الجيش ومنهم ألأخوة :
جمال سور ، حمه قلو ، رضا حاجي علي ، كامران ، خبات ، رحيم محمد ، عبدالرحمن ، عزيز ، محمد حمه صالح ... وأخرون .
هنا لا أريد أن أرد على أحدهم الذي أتهمني بكوني كنت حتى في أبوغريب في غرفة كغرف / فندق شيراتون!!.
سامحه الله.. ولكن ياترى ماذا يقول وكل هؤلاء ألأبطال كانوا معي نأكل ونشرب سوياً؟؟؟.
معضلة الضيوف أنهم لم يجدوا من العربية إلا القليل ، لذلك كان يجب أن نقوم بالترجمة..حتى النكات كنا نترجمها لأخواننا العرب..!!.
بعد فترة أندمجوا مع الواقع وأصبحت الحالة أكثر من طبيعية !!. ..حيث أعيدت عافيتهم بعد الطعام الجيد والعلاج والشمس والهواء الطلق!!.
لم يبقوا في أبو غريب كثيراً.. حيث تم أطلاق سراحهم..أعتقد بمرسوم جمهوري ، أو أعفاء خاص وبأسمائهم والسبب نتيجة تبادل أسرى بين الحكومة وقيادة ألأتحاد الوطني الكوردستاني !!.
بعدسنة من أطلاق سراحي ، زرت السليمانية ، والتقيت بألأخوة ـ البيشمركة ـ الذين كانوا معتقلون معنا ، فأذا هم جميعاً يتبوئون مناصب رفيعة في قوات البيشمركة ويحملون رتب عسكرية .. كم كانت الفرحة عظيمة .. جلسنا ونسرد الذكريات عن تلك ألأيام التي قضيناها سوية!!.
كانت أيام صعبة ..لاتنسى.. لاتزال تلازمني!!.
هنالك حلقات أخرى كثيرة بأذنه تعالى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة / من يلاحظ بأن مراقب القسم غيره.. نعم كان مدير القسم بين فترة وأخرى يقوم بتبديل مراقب القسم .. كان ممكن أن يبدل ثلاثة مراقبين خلال أسبوع!!.
