الضحك ومكانته عند العرب والمسلمين![والذي بلغَ السموّ مرحة تغدو روحهِ] هكذا تكلّمَ زرادشت / نيتشة!مقدمة :
المَرَح والضَحك والسُخريّة والتنكيت وحتى التهكّم , هي حالات إنسانيّة مُفيدة للتسليّة والصحة والنفس ,نافعة في حالتي الدفاعِ والهجوم!
نعم هي أسلحة بشريّة إنسانيّة شريفة مَشروعة للنقد والمعارضة إذا ما قورنت بالأسلحة المعروفة.
لذا قال مرّة الكاتب الأمريكي الساخر (مارك توين) :
[إنّ البشر يملكون سلاحاً فعّالاً وحيداً هو الضحك]!
بينما يعتقد السويديّون أنّ [الضحك هو أرخص عمليّة تجميل للوجه]!
ويقولون :[ضحكة حلوة تُطيل العُمر]!
بينما يقول فولتيـر :أضيعُ الأيـام تلكَ التي لا ضَحِكَ فيها!
***
صورة لإبتسامة بديعة !
***
الثقافة الإسلاميّة!في الثقافة الإسلاميّة عموماً نجدهم يكرهون الضَحك ويمقتونه!
تبعاً لحديث منسوب للنبيّ يقول [أنّ الضحكَ يُميت القلب]!
رغم وجود (بالنسبة لي على الأقل) ما يناقض هذا الكلام تقريباً كالحديث :
[تبسمكَ في وجه أخيكَ صدقة]!
لكن المشايخ الكرام يَفصلون بين الأمرين الى حدٍ بعيد عبر تلاعبهم المعروف ,فيقولون تلك إبتسامة بسيطة لاتخدش الحيـــاء .(يا لعقدتهم المريرة من الحياء)!
ويشترطون حالات معيّنة للضحك ,ودليلهم الآيات القرآنيّة التاليّة:
1 / [فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جَزاءً بما كانوا يكسبون] / التوبة 82
هذا النوع يُسمونه ضحك السُخريّة والإستهزاء والإستكبار ,كما كانوا يُطلقون على (برنامج البرنامج) للطبيب والإعلامي المصري باسم يوسف الذي كان سبباً في تقزيم الإخوان ورئيسهم البائس (مرسي العيّاط) في سنة حكمهم السودة في مصر عام 2012 !
2 / [فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون] / المُطففين 34
بالطبع هنا ستنقلب الآية فيصبح الضَحك مشروعاً يسمونه ضحك الفوز والنصر وفلاح المؤمنين ,وعاقبته ستكون حميدة بالتأكيد .رغم كون الأمر هو مجرّد النظر للفكرة من وضعين مختلفين ,المنتصر والمهزوم!
3 / [فتبسّمَ ضاحكاً من قولها] النمل 1
هنا المقصود سليمان (النبي) ,هذا يسمونه ضحك النعمة!
4 / [وإمرأتهُ قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق] هود 71
المقصود هنا سارة زوجة إبراهيم ,وهذا يسمونه ضحك التعجّب!
5 / [وجوهٌ يومئذٍ مُسفرة ضاحكةٌ مستبشرة] عبس 38
هذا يسمونه ضحك الإستبشار والتفاؤل والأمل!
من جهة أخرى كان الجاحظ (الأديب العربي الشهير) الذي عاصر وإرتزقَ على موائد 12 خليفة عباسي ,مَرِحاً مُنكتاً رغم وصفه بالدميم!
يروي لنا مرة حكاية يسخر فيها من نفسه ,فيقول:
(كنتُ أقف على باب داري فأقتربت منّي إمرأة وقالت أريد أن تمشي معي لقضاء حاجة ,فذهبتُ معها!
حتى وصلنا دكان صائغ ,فقالت له ,مثل هذا ..وأشارت إليّ!
ثم تركتني وإنصرفت!
فسألتُ الصائغ :ماذا تقصد هذه المرأة بقولها الغريب؟
فأجابني :لقد جائتني بفُصِ خاتَمٍ وطلبت منّي أن أنقش عليه صورة شيطان فقلت لها يا سيدتي ما رأيت شيطاناً قط ,فجائتني بك)!
***
فوائد الضحك للصحة والمظهر!
علميّاً فإنّ الضحك يفيد الجسم بما فيه الدماغ (والعقل والتفكير والوعي)!
الضحك يمنح السعادة والسلام والتجدّد النفسي المطلوب!
عندما يضحك الإنسان تتحرك 17 عضلة في الوجه , و80 عضلة في الجسم بأكملهِ ,وتزداد سرعة التنفس!
الضحك يقلل الضغوط النفسية ,يحّدُ من إرتفاع ضغط الدم وأمراض القلب
يزيد القدرة على التأمل والاسترخاء ,يقوّي جهاز المناعة في الجسم , يُخفف من حدّة الألم بأفراز بعض الانزيمات ,كهرمون الأندورفين الذي يوصف بأنّه أحد هرمونات السعادة المسؤولة عن تغيير المزاج وما شابه!
كذلك يفيد الضحك مرضى الربو لانه يزيد الاوكسجين الداخل الى الدم!
حتى الأطفال حدثي الولادة يحتاجون الضحك ويبدؤون به بعد إسبوعين من ولادتهم!
حتى الحيوانات (خصوصاً الثدييات) يضحكون ويصدرون أصواتاً للضحك في حالات المداعبة وما شابه!
أما على المستوى الشكلي فالضحك يزيد القدرة على التحدث بلباقة مع الاخرين .يطوّر الشخصيّة .يُنمّي روح المشاركة والعمل الجماعي .يؤثر بوضوح حتى على المظهر الخارجي فيجعلنا نبدو أجمل وأوسم وأكثر شباباً نتيجة تأثيره على مختلف العضلات!
كما أنّ للضحك فوائد أخرى كثيرة تصل الى رفع مستوى الأداء العقلي وتقوية الذاكرة وموازنة كيمياء التوتر وتقوية عضلات البطن!
وبعض الأمراض تعالج اليوم بواسطة الضحك وبأستخدام المُهرجين ويوغا الضحك وما شابه!
***
بعض آراء الفيلسوف فريدريك نيتشة في الضحك!
يقول :
(تاجُ الضاحكين ,هذا التاج المُكلّل بالورود إليكم أقذف بهذا التاج يا إخوتي
لقد أعلنتُ الضحكَ مُقدّساً ,أيّها الناس الراقون فلتتعلموا أنْ تضحكوا)!
يقول :
(إذا ما ضَحكتُ ضَحكةَ البرق المُبدِع يتبعها صوت الرعد مُزمجراً لكنّه مُنصاع ,ذلك أنّي أحبّكِ أيتها الأبديّة)!
ويشترط السموّ مع الضحك فيقول:
(مَنْ منكم بإستطاعتهِ أن يضحك ويكون في الوقتِ نفسهِ ساميّاً ؟
الذي يصعد الجبال الشواهق يضحك من كلّ مآسي المسرح والحياة)!
يقول :
(مَنْ يُريد أنْ يقتل قتلاً جذرياً لابُدّ أن يضحك
ليس بالغضب يُقتَل المَرء بل بالضحك)!
و يُفضل الضحك والتهريج على القداسة الوهميّة فيقول :
(لا أريد أنْ أكونَ قديساً ,بل أفضل أنْ أكونَ مُهرجاً ,ولعلّني بالفعل إضحوكة)!
***
الخلاصة:
كلّ إنسان عاقل مُحترم يمكنه تفهّم ومعرفة أنّ برنامج الكاميرة الخفيّة الكندي على سبيل المثال (للضحك فقط) Just for laugh ,هو في الواقع أنفع للبشرية من كلّ جامعات الأديان في جميع أرجاء العالَم بما فيها الأزهر الشريف والنجف الأشرف!
لسببٍ بسيط ,أنّ الضحك يجلب السعادة والمحبّة ويُطيل عمر الإنسان!
بينما الأديان تجلب التعاسة والكراهيّة والحروب والبؤس والشقاء والقلق الدائم حتى لحظة الموت!
لذا تجد الغرب مُهتمين كثيراً ببرامج الضحك والشو الساخرة النافعة حتى لو طالت رؤساء وزعماء تلك الدول .لا بل هناك أفلام تسخر من البابا والمسيح نفسه ,دون إعتراض مسموع من أحد!
بينما العرب والمسلمين عموماً ليسوا متصالحين مع أنفسهم حتى في مجال الضحك .تثيرهم رسوم ساخرة أو نكته أو تعليق نطق به أحدهم!
حتى دولة مثل مصر التي يُعتبر شعبها الأصيل رائد في خفّة الدم والضحك والكوميديا (قبل الهجمة الإسلاميّة بالطبع) نجدهم منعوا برنامج (باسم يوسف) بعد طرد الإخوان القذرين من الحُكم .علماً أنّه كان عاملاً مساعداً في هذا المجال!
فما تبرير ذلك سوى الخشية من تأثير الضحك والنقد والسخرية ,وتوّقع إستمالة الناس إليه؟
رعد الحافظ
23 يوليو 2017
