المحرر موضوع: نبذة سريعة من قصتي مع الراحل مخلص العطار  (زيارة 759 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يوسف أبو الفوز

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 676
    • مشاهدة الملف الشخصي
نبذة سريعة من قصتي مع الراحل مخلص العطار

يوسف أبو الفوز
رحل الصديق المخلص "مخلص هادي العطار"، وخلف في نفوسنا الحزن الشديد ، ولكن ذكراه عند اصدقائه ومحبيه، لن تزول. فهو الانسان الخلوق والجندي المجهول الذي ساعد العديد من المناضلين في ظروف حرجه وكان الصديق الوفي لهم. تعرفت شخصيا الى مخلص في احلك الظروف التي صادفتني في حياتي وكان احد الجنود المجهولين الذين وقفوا معي وشدوا من ازري وتعرضوا للمخاطر بسببي.
أرتبطت مع عائلة الشهيد هادي بحر العلوم بعلاقة طيبة منذ تعرفي على ابنهم جمال (ابو انجيلا)، في منتصف سبعينات القرن الماضي، حين درسنا معا في جامعة البصرة، ومن خلاله تعرفت الى بقية الاخوة (اموري ، جواد ، مخلص ، سلام وثم حسين ) الذين اصبحوا اكثر من اصدقاء مقربين.
كان مخلص عندي، في بداية معرفتي به، اكثر اخوانه غموضا، اذ كان غير ميالا للحديث ومشغولا دائما مع عمله في الخياطة، الذي علمه الدقة والتأني، وفيما بعد توفرت لي الفرصة لاتعرف الى مخلص جيدا وعن قرب، وفي ظروف غير عادية. حين اضطررت لترك دراستي الجامعية واللجوء الى بغداد للاختفاء بعد محاولة اعتقالي في البصرة في اذار 1978، اثر تصاعد "الحملة البعثية للقضاء على الشيوعية"، التي تزامنت مع الحملة الوطنية للقضاء على الامية فاختلطت الاسماء. كان مخلص واحدا من القلائل الذين وثقت بهم، خلال فترة اختفائي ، التي امتدت حتى تموز 1979 حيث اضطررت لمغادرة العراق سرا، ومشيا على الاقدام ، عبر الصحراء السعودية لاصل الكويت.
في بغداد ، في تلك الايام الصعبة ، التي بسببها سجن وعذب ناس لمجرد مساعدتهم سياسين مطلوبين ،  واذ ساد الرعب بين الناس بسبب شدة العسف البعثي العفلقي ، ساعدني مخلص بكل نكران ذات ، لاجد عملا عند احد معارفه من الخياطين في "منطقة المربعة"، واذ كنت بحاجة لمكان للمبيت، اذ كانت القضية الاصعب يومها ، وبمعرفة " ابو الخلص" ، كنت اتسلل ليلا لمحل الخياطة حيث اعمل، عبر باب جانبي، استنسخنا معا مفتاحه، لاقضي الليل هناك بدون علم صاحب المحل. وبعد عدة شهور، وحين راح يحوم حولي احد مخبري البعث من العاملين في مجال الخياطة ،وصار يسأل عني كثيرا ، ساعدني مخلص لانتقل لاعمل عند خياط اخر في شارع النهر، مخفيا اخباري عن اقرب الناس اليه ومحافظا على حياتي، وكنا نلتقي سرا في اماكن مختلفة حتى اضطررت لترك بغداد الى مدن اخرى .
خلال فترة اختفائي تلك، واذ كانت ضباع البعث تنبش شوارع بغداد عن مئات الشيوعيين واليساريين المختفين، تطوع مخلص لمساعدة العديدين مثلي ، لاجل الحفاظ على حياتهم، متحديا كل شيء .
وفي تلك الايام، واذ عشنا على مقربة، وكنا نلتقي كثيرا، وجدت فيه الدماثة والخلق النبيل، والتطلع للمعرفة، وحب النكتة والحياة، وكان عاملا مساعدا لاعيش حياتي بشكل طبيعي رغم المخاطر من حولنا، ودفعني سلوكه عموما لاثق به أكثر واكثر.
ومرت السنين، والتقينا خارج الوطن، واذ زارني عام 2000 الى محل اقامتي في فنلندا (الصورة المرفقة)، استذكرنا معا تلك الايام الصعبة، وبقينا على تواصل دائم محافظين على دفء العلاقة الصداقية رغم اختلافنا في الكثير من الموضوعات السياسية في السنوات الاخيرة .
رغم كل السنوات العجاف، ورغم رحيله، ستظل صورة مخلص،  من تلك الايام الصعبة ، وهو يسرع امامي بين درابين منطقة المربعة متوجهين لمكان ما ، متفحصا الدرب والوجوه ، حذرا اكثر مني،  مثل ملاك حارس ليحميني ، راسخة في بالي للابد.
نم صديقي قرير العين ، مثلك لا يرحلون !