المحرر موضوع: مصر بين خطابين.. بومبيو يتحدث من القاهرة بعد عشر سنوات من خطاب أوباما  (زيارة 1092 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31322
    • مشاهدة الملف الشخصي
مصر بين خطابين.. بومبيو يتحدث من القاهرة بعد عشر سنوات من خطاب أوباما
وزير الخارجية مايك بومبيو يختار منبر الجامعة الأميركية للتأكيد على خصوصية إدارة ترامب.
العرب / عنكاوا كوم

واشنطن تنظر إلى المستقبل المصري بالمزيد من الترقب والخوف
القاهرة - ينتظر قطاع كبير من المصريين أن يكون الخطاب الذي سيلقيه مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي في القاهرة الخميس، مختلفا تماما عن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما منذ حوالي عشر سنوات، لأن الأول جاء مبشرا العالم الإسلامي بالسلام والازدهار، ووجد في مصر “الدولة التي تمثل قلب العالم العربي من مختلف الجوانب”، بينما اشتعلت بعد ذلك حروب وصراعات ونزاعات لم تخطر على بال كثيرين.

وذكرت السفارة الأميركية أن بومبيو اختار أن يكون خطابه في مقر الجامعة الأميركية بالقاهرة، ليوجه من خلالها رسائله السياسية، ويؤكد على الخصوصية، وأن الإدارة الحالية تضع مصالحها فوق أي اعتبار، وكي لا يلاحقه العرب والمصريون بالسخرية، إذا ألقاه في مقر جامعة القاهرة، التي احتضنت خطاب أوباما في 4 يونيو 2009، وتحول إلى نذير شؤم بدلا من أن يكون بشارة سلام ومقدمة للتسامح.

ويريد وزير الخارجية الأميركي أن يكون متميزا في المكان، فاختار الجامعة الأميركية لتعزيز الروح الوطنية، وفي الزمان، حيث جاء في الشتاء، بينما خطب أوباما في طقس غاية في السخونة (شهر يونيو)، وكذلك المضامين والدلالات السياسية التي يريد بومبيو أن تكون محددة ومختلفة، وتتماشى مع الواقع، وتبتعد عن الأحلام، وتصب في خانة الأمن والاستقرار.

يأتي بومبيو إلى القاهرة وسبقته مجموعة من الأهداف السياسية لزيارته، والتي تشمل دول الأردن والعراق ومصر والبحرين والإمارات والكويت وعمان وقطر.

ويحاول أن تكون بداية لعلاقة جديدة مع قيادات هذه الدول، لمواجهة التحديات المشتركة الخاصة بالإرهاب وكسر شوكة إيران، والعمل على تسوية الأزمات بالطريقة التي تضمن مصالح الجميع.

بومبيو يريد الحد من التوجهات الشاردة لبعض الحلفاء، والتأكيد أن القاهرة محطة رئيسية بالنسبة للإدارة الأميركية

وأبدت بعض المصادر الدبلوماسية في القاهرة مخاوفها من أن تكون الزيارة تعبيرا ظاهرا عن طمأنة لحلفاء واشنطن في المنطقة وكفى، بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب عزمه سحب قوات بلاده من سوريا، ثم خفف الموقف بالحديث عن انسحاب تدريجي، ثم ألمح إلى احتمال عدم الخروج قريبا، وكلها علامات تعكس قدرا من الارتباك في إدارة بعض القضايا الحيوية، والتي تهم دولا عربية عديدة، ما يقلل من نسبة الثقة في إدارة ترامب.

ومرجح أن يكون خطاب بومبيو متضمنا لمجمل السياسات الأميركية في المنطقة العربية، لكنه لن يحوي تغييرا كبيرا، لأن ذلك يأتي دوما على مستوى بطيء، فالرؤى المطروحة ربما تحتاج إلى إدخال تعديلات عليها، نتيجة الخلاف في التوجهات بين ترامب والكونغرس.

وكشفت المصادر لـ”العرب” عن ارتياح نسبي في مصر يتعلق بالاختلاف الواضح بين إدارتي أوباما وترامب، فالأولى كانت تنتمي إلى الحزب الديمقراطي، الذي اعتبر التيار الإسلامي بأطيافه المتباينة جزءا حيويا في تحركاته بالمنطقة، حتى مني المخطط بمشكلات أعاقت الكثير من طموحات إدارة أوباما، وربما كانت سببا في سقوط المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وزيرة خارجية أوباما في ذلك الوقت.

وقالت نورهان الشيخ أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة،  لـ”العرب”، إن خطاب أوباما “رسخ بشكل أساسي تواجد جماعات الإسلام السياسي بشكل أكبر داخل منطقة الشرق الأوسط، من خلال الإصرار على تواجدهم ومخاطبتهم بلغتهم التي طغى عليها الجانب الديني“.

وأشارت إلى أن الولايات المتحدة في عهده رأت في العديد من الأنظمة الحاكمة في بعض الدول العربية أنها شاخت، ومن الضروري أن تترك مواقعها، ونظرت بإهتمام إلى أن يكون لها حلفاء جدد، بعكس الموقف الحالي الذي يعول على وجود أنظمة قوية يمكنها السيطرة على حالة الفوضى التي تعاني منها المنطقة وترتكن عليها في مواجهة الإرهاب.

جاء أوباما منذ حوالي عشر سنوات وبلغت العلاقة ذروتها في التدني بينه وبين الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وهو ما شجع الأول على الانحياز لصالح الثورة التي اندلعت في الشارع المصري في 25 يناير 2011، وكشفت تطوراتها اللاحقة عن رغبة عارمة في التخلص من نظام مبارك، وتهيئة المجال لصعود التيار الإسلامي.

وتنتمي الإدارة الحالية إلى الحزب الجمهوري الذي رفع شعار مكافحة الإرهاب ومحاربة المتطرفين بشتى أنواعهم، ما يمنح خطاب بومبيو جدية تثير هواجس سابقة، ارتبطت بالخطابات الأميركية الحافلة بالوعود والالتزامات من دون قدرة واضحة على التنفيذ، لأن دوائر عربية كثيرة أصبحت قلقة من إلقاء النصائح والتوجيه، ويتحسس غالبيتها عقولهم كلما زاد الاهتمام بالتحركات من الناحية الشكلية، أو جاءت على حساب الخطوات العملية.

خطاب تحول إلى نذير شؤم

وكانت مشكلة أوباما أنه ألقى خطابا وعظيا وصل إلى حد إيهام الناس باقتراب عصر السلام، به الكثير من الطموحات النظرية والقليل من الأفكار العملية، ولم يكن وقتها محل ترحيب من الرئيس المصري، للدرجة التي ألقى فيها أوباما خطابه دون حضور مبارك ضمن المدعوين، ما كشف عن عمق الهوة بين الإدارتين.

وتبدو المسافة بين القاهرة وواشنطن الآن أكثر قربا مما كانت عليه في عهد أوباما، من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية، وجرى تجاوز الكثير من العثرات التي عكرت صفو العلاقات في أوقات سابقة، لذلك تساند الأجواء الإيجابية بومبيو، وتمنحه ميزة مهمة، افتقدها أوباما، وهي الاستعداد للحوار والتوصل إلى أرضية مناسبة بشأن القضايا محل الاهتمام المشترك.

ويأتي بومبيو في وقت تشهد فيه العلاقات بين مصر والولايات المتحدة غزلا سياسيا لافتا بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي ودونالد ترامب، وهو ما تستقبله دوائر مختلفة في القاهرة وهي تدرك أن هناك استدارة إيجابية تقوم بها الإدارة الأميركية حاليا، من زاوية عدم التفريط في الحلفاء المهمين، وبينهم مصر، والحوار معهم لأجل التفاهم على السبل التي تضمن المزيد من التكاتف، ومواجهة الصعوبات التي تواجه المنطقة برؤية متقاربة.

لكن تنظر واشنطن إلى المستقبل المصري بالمزيد من الترقب والخوف، فعلى المستوى الخارجي لا تتخذ القاهرة موقفا عدائيا من إيران التي تسعى الإدارة الأميركية ودول في المنطقة إلى مواجهتها من خلال تحالف استراتيجي صاعد، يضم بين طياته تعاونا مع إسرائيل.

وتستبعد بعض المصادر السياسية في مصر أن تحقق الزيارة اختراقا كبيرا في العلاقات الثنائية يتجاوز حدود ما هو ظاهر من تفاهم، لأن واشنطن محكومة بتوازنات إقليمية ودولية تجعلها تتعامل بمرونة مع الدول الصديقة، حسب جدول المصالح الملحة، فقد تبدو القاهرة قريبة في وقت أو بعيدة في وقت آخر، لكن في المجمل العلاقات تظل في النطاق الدافئ حتى لو ظهرت خلافات.

وتحرص القاهرة على التمتع بهامش من حرية الحركة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتنفتح على دول كثيرة، ولا تريد أن تكون رهينة لرغبة إدارة أميركية مهزوزة، قد تتغير مع الانتخابات المقبلة، ومن الصعوبة أن تفرط القاهرة في ما وصلت إليه من أوراق تجنبها الرضوخ لواشنطن أو التعرض للابتزاز من قبل أي جهة.

لذلك، لم تعد تتعامل الولايات المتحدة بطريقة جدية في بعض التوجهات الإقليمية، بمعنى لم تعد تمانع من التعامل مع عاصمة لديها شبكة علاقات مع قوى مناهضة، فالتغيرات الحاصلة في بنية النظام الدولي أفقدت المعادلة الصفرية بريقها المعهود، بمعنى من الممكن أن تكون هناك جهات عدة رابحة وخاسرة في آن واحد.

يريد بومبيو الحد من التوجهات الشاردة لبعض الحلفاء، والتأكيد أن القاهرة محطة رئيسية بالنسبة للإدارة الأميركية، لكنها ليست الأهم، وتنطوي الواقعية الأميركية الجديدة على مزايا تضبط الخطابات الساعية إلى رسم صورة طوباوية لواشنطن.

ولن يكشف خطاب بومبيو عن الكثير من التفاصيل الدقيقة، وستبقى دلالاته الرمزية هي العميقة، لأنها تحمل رسائل مختلفة، قد يكون من الصعوبة الإفصاح عن جميع معالمها، لكن سيظل عالقا في الأذهان أن إدارة ترامب لم تفرط في المنطقة العربية، ولن تسمح لآخرين بالتسلل إليها، وأن فترة الارتباك التي طغت على تعاملها مع بعض الأزمات بدأت تتوقف، وسوف يتعزز التعاون مع الدول الحليفة.