المحرر موضوع: مواقع الكترونية وازدواجية العمل المهنيّ  (زيارة 561 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 425
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مواقع الكترونية وازدواجية العمل المهنيّ
لويس إقليمس
بغداد، في 4 شباط 2020
بعض المواقع الالكترونية ومثلُها بعض الصحف عندما لا تريد تبنّي مسؤولية ما يُكتب ويُنشر على صفحاتها تضع تحذيرًا من أن المقالات المنشورة في الموقع أو الصحيفة تعبر عن رأي أصحابها وأنها غير مسؤولة عن محتواها. وهذا أمرٌ مقبول وطبيعي ومنطقي إلى حدّ كبير حينما لا يرغب هذا الموقع أو تلك الصحيفة تحمّلَ وزر ما يُكتب ومَن يكتب. فالكاتب مسؤولٌ أولاً وأخيرًا، عمّا يكتب ويعرض من رأي وفكر وتحليل شريطة ألاّ يخرج عن أصول الآداب العامة في الكتابة والتعبير. بمعنى آخر، ألّا يتضمن ما يسطره ممّا في دواعي القذف والسب والشتم والتخوين والطرح العشوائي غير المسؤول الخالي من أدلة ثبوتية، إذ في هذه الحالة يعرّض نفسه للمساءلة القانونية. أمّا أن تتخذ بعض المواقع الالكترونية إجراءات بمقاطعة كتابات مهنية لا تخرج عن السياق العام للآداب بحجة نقدها فقط لأحداث سياسية أو دينية أو مجتمعية، أو تعرّضها لتبيان حالات خرق بحق الوطن والمجتمع، أو التحذير من عواقب مخالَفة لممارساتٍ غير مقبولة لجهات سواءً كانت في السلطة الحاكمة أو مَن هُم في قمة المسؤولية عن مجتمعات ومؤسسات مدنية كانت أم دينية أم نقابية أم تنتمي إلى جهة حزبية لها سطوة ونفوذ، فهذا أمرٌ غير مقبول لكونه يخرج عن المهنية التي تدّعي وسيلةُ النشر هذه ممارستَها. كما أن هذه الوسيلة وهذا الموقف غير السويّ يخرقان أحد أهمّ بنود حرية التعبير والفكر والرأي التي من أجلها وُجدت هذه الوسيلة أو هذا الموقع لأجل النشر والتعريف والتعبير.
من هنا، قد تفقد بعض وسائل النشر في حالات معينة مهنيَّتها ومصداقيتها بسبب التعامل المزدوج أو التقاطع في ما يُرسل أو يُنشر فيها في ضوء قناعات إدارة هذه المواقع المتقلبة المزاج وتعاملها غير المنصف مع الكتّاب بازدواجية، أيًا كانت اتجاهاتُهم ومشاربُهم وآراؤُهم.
لعلّ ما أدهشني مؤخرًا، قيام موقع عشتار الالكتروني بحذف بعضٍ من مقالات منشورة لي أساسًا في صفحة "المقالات"، ومن ثمّ مقاطعة نشر ما تمّ إرساله لاحقًا، بالرغم من عدم خروج تلك المقالات والطروحات عن سياق نبض الشارع العراقي الوطني المنتفض ضدّ الفساد في مؤسسات الدولة الهزيلة الأداء. وذات الشيء قد ينطبق أيضًا على كلّ ما من شأنه الإشارة إلى نقد أداء بعض سلوكيات مؤسساتنا الدينية أو الكنسية وشخوصها وإبداء الرأي في بعض شؤونها وشجونها. فالكاتب المثقف الواعي الموضوعيّ المجبول بحب الوطن والشعب والدين حينما يرصد مواقع خلل في الأداء من طرف اية جهة كانت، يحزّ في نفسه إلاّ أن يتعرّض لمثل تلك السلوكيات التي يرفضها العقل الظاهر والباطن معًا من دون محاباة لأحد أو مجاملة الجهة التي بدرَ منها الخطأ، بقصد أم بدونه، مهما علا منصبُها وسما قدرُها. بل إنّي أعتقد، أنّ قبول النقد البنّاء والتحذير من مغبة وقوعٍ في الخلل لأجل التصحيح والبناء والتنمية والإصلاح هو من شيم كبار القوم في الجرأة والكرم والشرف. ذلك أنّ الاعتراف بالخطأ فضيلة. وهذا ملخص الكلام.
ليس استجداءً
لستُ هنا بصدد الاستجداء من مواقع الكترونية أو فرض الرأي كي تنشر كلَّ ما أكتب أو أرسل لها من أمّهات أفكاري وبنات آرائي وتقديرات تحليلي وقراءتي للواقع العراقي، سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا. فهناك وسائل أخرى بالطبع للتعبير عن خلجات الأفكار وطرح الآراء طالما أن الكاتب الماهر والباحث عن الكلمة الصادقة الصريحة والعارف بالمعلومة يستطيع الوصول إلى ما يصبو إليه في نقل ما يعتمر في فكره وقلبه وعقله في الزمان والمكان الذي يريده.
لي شرف كبير أن أحتفظ بقرّاء أعزاء كثيرين يتابعون ما أنشر على موقع عنكاوا واسع الانتشار مثلاً، والذي يستحق وصفه بالجامع الشامل من حيث العمل المهنيّ والسلاسة في التعامل أكثر من غيره. وهذا بالطبع من دون الانتقاص من شأن باقي المواقع المحترمة الأخرى التي أكنّ لها كلّ التقدير والاحترام، ومنها بطبيعة الحال موقع عشتار الذي أخذ مساحة واسعة من الانتشار هو الآخر وله روّادُه ومحبّوه أيضًا. المهمّ في الكاتب الناجح أن يتسم بقدرٍ من الحنكة والواقعية والموضوعية في تشخيص الوقائع مع شيءٍ من الحكمة في معالجة المواضيع عبر رؤية واضحة المعالم في الطرح كي يكون مقبولاً للقارئ، سواءً كان الطرح سلبًا أم إيجابًا بحسب رؤية هذا الأخير الذي هو "صرماية" الكاتب وكنزُه في الاطّلاع على ما يكتب ويطرح، لاسيّما حينما لا يخرج الكاتب العاقل عن سياق السلوك الأدبي المقبول وعن احترامه لآراء غيره ومدى تفاعلهم مع ما يكتب. ومن الدليل على اهتمام القارئ النبيه في أي موقع الكتروني ما يحصيه الموقع والكاتب معًا من عدد القرّاء لمقالاته وتفاعلهم مع أفكاره وآرائه أو تقاطعهم معها. وفي الفكرتين شيء من الإيجاب قبولاً أو رفضًا.
في اعتقادي، إنّ لكلّ إنسان فكره وأسلوبه وآراءه ورؤيته في قراءة الواقع من وجهة نظره الثاقبة وخبرته في الحياة وتفاعله مع الواقع واختلاطه مع المجتمع وترافُقِ ذلك مع قراءة نبض الشارع. وهذا شيءٌ إيجابيّ من شأنه تنوير القارئ ووضعه في صورة أفضل تصبّ في صالح حاجات المجتمع والوطن. وذات الشيء قد ينطبق على واقع الشأن الديني في حالة صدور أفكار تحديثية وتنويرية يُراد بها رفع الوعي إلى أعلى درجاته عبر الحوار وطرح الآراء البنّاءة التي تبني، سواءً في نقد ما هو قائم معوجّ أو تأييد ما هو مطروح مقبول يتوافق مع الزمن والعصر وتطور المكان والمجتمع.
من هنا، فإنّي أرى أنّ ما أقدمَ عليه موقع عشتار مؤخرًا من سحب آخر مقالاتي من صفحة النشر الرئيسة والتوقف مذ ذاك عن نشر ما تمّ إرسالُه إليه لاحقًا، لم ولن يصبّ في دائرة قبول الرأي والرأي الآخر. فالاختلاف في الراي لا يفسد في الودّ قضية. بل لهو من السبل في تطوير الفكر وتقويم الذات ولمعرفة المزيد عن واقع حال المجتمع الذي لا يمكن أن يتطور ويتحدّث إلاّ بالتنوع الفكري والرأي التعدّدي الذي يُعدّ غنى وثروة. وبالرغم من أنّ هذه ليست المرة الأولى التي تقاطعني فيها إدارة موقع عشتار الالكتروني الموقر، إلاّ أنّ العتب قائم وصارخ، سيّما وأن منشورات ومقالات لأسماء معروفة وكتّاب ونقاد نافرين أكثر منّي بسبب الأوضاع السياسية الراهنة أو الدينية القائمة مازالوا يتصدرون صفحاتها، رغم كوننا "في الهوى سوا" وفي ذات المركب الناقد النافر الرافض. وفي رأيي هذا ظلمٌ أدبيٌّ وأخلاقيٌّ لا ينبغي أن تقبل به إدارة الموقع التي أكنّ لها كلّ الاحترام والتقدير، مؤكدّا لها ولغيرها أنّ أمثالي من أصحاب الأقلام الحرّة المستقلّة الجريئة لا تقبل بالظلم والخطأ أو التمادي بتجاهل الحقائق والحقوق مهما كانت الأسباب، لا سيّما إذا كانت تمسّ حالة الوطن الجريح والمجتمع الصاغر منذ سنوات عجاف ومن دون وجه حقّ. فقد رفضتُ وما أزالُ رافضًا أن أكون بوقًا أنفخ فيه لأيّ سيّد كان، سياسيًا كان أم دينيًّا. كما لا أقبل أن اكونَ صوتًا مغرّدًا لشخوصٍ من سرب ناشز غير جدير أو أهل للتقييم والاحترام. وأفضّل أن أغرّدَ خارج السرب تاركًا التاريخ والوقائع كي تقول كلمتها وحكمها على ما أكتب. ولي في هذا السبيل في زمن النظام السابق تجربة أثقلت كاهلي وجرحت كياني وكادت تفقدني مستقبلي ومصيري وأنا في أواخر أيام تخرّجي من جامعة الموصل. والمقرّبون العارفون بي ربما يتذكرون الواقعة!
على اية حال، بعد اتصالات عديدة ومضنية للسؤال عن السبب وراء السلوك المؤلم لموقع عشتار للوقوف على حقيقة الموقف، أتاني الردّ الذي بدا لي ساذجًا وأكثر من هزيل بحجة "عدم مطابقة ما كتبتُه مع سياسة الموقع"، بحسب ما نقله لي شخص محترم يعمل في أحد مكاتب الموقع في أربيل منقولاً عن لسان مسؤول إداريّ بالتأكيد. فهل السياسة الصائبة تكمن في رفض عرض الحقائق من دون رتوش ولا تجريح ولمجرّد الاختلاف في الرأي ليس إلاّ؟ أليس يتفق الكثير من أبناء الشعب العراقي المغلوب على أمره منذ الاحتلال الأمريكي الذي سلّم البلاد لقمة سائغة بأيدي إيران وذيولها الوطنية وأنتج منها حيتان الفساد والفاسدين من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، بالحقائق السلبية لما يجري مذ ذاك التاريخ؟ فالشعب كلُّه منذ انطلاقة الانتفاضة التشرينية الوطنية مُجمِعٌ على رفض الواقع المزري لساسة البلاد الذين فشلوا في إدارتها. وسيبقى الفسادُ وروّادُه على رأس الحربة وفي قمة الصراع والمحاربة من عموم الشعب المقهور وعلى أيدي أصحاب الأقلام الحرّة مستلهمين القوة والعزم والثبات والصبر من بطولات الشارع المنتفض الباحث عن وطن وعن لقمة عيش كريمة وعن أمن وخدمات آدمية. فهل في هذه الإيماءات والدعوة للتصدّي عبر الكلمة الصادقة لحقيقة ما يجري من مآسٍ، فيها مخالفة لسياسة موقع عشتار أو غيره، أو تجنّي على ساسة البلاد الفاشلين في إدارتها؟ إنّي تاركٌ الحكم والرأي لأصحاب القرار أنفسهم وللقرّاء بمراجعة ما هو منشور في ذات الموقع هذه الأيام وبهذا الخصوص بالذات.
الشيء بالشيء يُذكر
إنّ الشيء بالشيء يُذكر. فقد هالني وآلمني في وقت مضى أيضًا، ما جنيتُه من مواقفي ومن كتاباتي على أيدي مسؤولين في موقع "بخديدا" قبل سنوات عجاف سابقات حين مقاطعتي بتوصية من رجل دين اختلفتُ معه في إدارة ملف الشأن المسيحي في منطقة سهل نينوى بعد سنوات من السقوط في 2003. ومثلُه أصابني لاحقًا ذات الموقف من جانب موقع البطريركية الكلدانية سواءً بالسواء قبل سنوات قريبات، بالرغم من تدخل غبطة البطريرك لويس ساكو بمعالجة المقاطعة والاتفاق على نشر فقط ما ليس له صلة بشؤون السياسة. ولكن بقيت الحال كما هي عليه. وبذلك فقدتُ قرّائي الأعزّاء في هذه المواقع.
أملي ألاّ تلقى كتاباتي لاحقًا ذات المصير من وسائل نشر مقروءة ومواقع عزيزة أخرى، لا لشيء إلاّ بسبب التقاطع في الرأي والاختلاف في طريقة التطرّق إلى ملفات ووقائع وقضايا هامّة مستلهمة من واقع الحياة أعدُّها وطنية مصيرية، عراقيًا أولاً ومناطقيًا ثانيًا ومسيحيًا ثالثًا وشخصيًا رابعًا وليس آخرًا. مع محبتي ومودتي وتقديري لجميع مَن يفهم المبتغى ويعي حجم المعاناة في النشر وإبداء الرأي والمشورة.