الدكتور
خالد اندريا عيسى
ثلاثيات واساسيات في عالم رقي الذوق وجودة الانتاج هم:المعرفه والحرية والابداع، فلا إبداع دون حرية او معرفه، ولا حرية مكبلة تخلق ابداعاً، فالفنان في ظل الحرية يجعل من عمله ابداعاً لا لا ينسى ولا حدود له، لذا فإن كبار أهل الفن خلقوا الابداع في رسوماتهم ومجسماتهم حتى في الأدوات والألوان التي استخدموها، فكان ما رسموه وما جسدوه ابداعاً لا يضاهى.
الحرية في مجالها تتيح للفنان أن يسبر أغوار فكره، ويطلق سرحات خياله في تطويع فكرة شاردة، والخروج عن واقعية التصور إلى خيالات الابداع والابداع التخييلية ليجعل الصورة المجسدة تصل إلى عمق الاحساس الانساني، وهو الابداع الحقيقي الذي يميز عمله عن غيره.
إن التدرج اللوني والظاهر في لوحة ابداعية يجعلها تبدو حقيقية واقعه في مكانها الذي وضع لها، ومزج الألوان ينبئ عن حرفية الفنان وقدرته الفائقة لجعلها تقع في مكانها اللائق ولتصوير ما في وجدانه، لكن أحياناً استخدام الألوان المستحيلة يخلق ذائقة ابداعية مختلفة، ويلفت النظر المتأمل إلى أن ثمة شيئاً يجب الالتفات إليه والتركيز التخييلي عليه لتلمس غايته ومكنونه، فهو وإن حذف الفنان التدرج اللوني كان المقصود هو الالتفات إلى عمق الصورة.
وإن استخدام الظلال الذي فيه لتبدو الصورة حقيقية في العمل الفني يختلف مضامينه هو الآخر من عمل إلى آخر، فهو يجسد الحقيقة إن استخدمه الفنان ببراعة، وهو إن تعمد تغييبه واستبعاده كان الهدف المقصود هو الالتفات إلى عمق الصورة واضفاء الطابع التخييلي الابداعي إليها.
في كثير من الأحيان الحرية قد تكون ابداعاً بحد ذاتها، فالتجريد مثلاً في التصوير هدفه هذه الحرية التخييلية الحقيقيه، فَتُنثر الألوان دون ضابط، وتتجسد المكونات دون ترابط، والهدف في العملين هو لفت الانتباه إلى إحداث ابداع لا يضاهى يتأصل في العمق الحسي والتخييلي للصورة.
حتى الحكم على الأدبي المنثور أو المنظوم يخضع لهذه القاعدة، فلا عمل دون حرية ابداعية تسبغه بجمالها، وتصل إلى أعماق من يقرأه ويتذوقه، فالفارق يبدو واضحاً عند المتذوق النهم الذي يفرق مثلاً بين مقال اعتيادي يبدو كخبر أو نشرة اخبارية، وبين عمل أدبي ابداعي تعطى له الأولوية إن لامس عمق الشعور وخلق ابداعاً لا يماثل.
لا شك يا قارئي العزيز أني حاولت في هذا المقال القصير والمركز أن الفت نظرك إلى أن ما يميز كل عمل هو ذائقتك وقدرتك على مجاراة من يكتب ويبدع، فتكون أنت وهو في سباق هدفه الوصول إلى جمال الابداع وتذوقه