في خضم مرحلة تاريخية حافلة بالتحولات والصراعات، كان حزبنا الشيوعي العراقي سباقًا في تبني ودعم الحقوق المشروعة لجميع القوميات العراقية، بما في ذلك القوميات الأقل عددًا. لقد جسّد هذا الموقف التزامًا بمبادئ العدالة والمساواة، وسعيًا لتعزيز الوحدة الوطنية على أسس ديمقراطية. ففي أواخر عام 1982، وتأسيسًا على مواقف حزبنا في تبني المطامح العادلة للقوميات الأقل عددًا والدفاع عنها، قرر الرفاق في قاطع بهدنان وفي ظل قيادة الرفيق الراحل توما توماس (أبو جوزيف)، الذي كان رمزًا للنضال والتضحية، الالتزام بتعزيز التعاون مع الحركة الديمقراطية الآشورية في بداية تأسيسها. كانت هذه المهمة، التي حملت في طياتها معاني التعاون والتكافل بين القوى الوطنية، نقطة تحول مهمة في نضال الانصار.
يقول الرفيق النصير إبراهيم إسماعيل (أبو دجلة) حول ذلك بأن الرفيق أبو جوزيف قد استدعاه وطلب منه، باعتباره أحد أفراد طاقم الحزب الإعلامي، تقديم المساعدة اللازمة والمساهمة في دعم حركة سياسية وليدة في صفوف أبناء شعبنا من الكلدان السريان الآشوريين، عُرفت بالحركة الديمقراطية الآشورية. ويضيف:
– وفي اللقاءات التي عقدناها مع هؤلاء الأصدقاء طلبوا المساعدة في إصدار أول صحيفة ناطقة باسم الحركة وباللغة السريانية، تحت اسم “بهرا” (النور)، لتكون وسيلة للتواصل والتعبير عن رؤيتهم السياسية. ولكن التحدي الأكبر كان في عدم إلمامي باللغة السريانية، وعدم توفر طابعة بحروفها. ولأننا كشيوعيين، كنا وما زلنا نعمل انطلاقاً من الإيمان العميق بضرورة دعم كل صوت يسعى للحرية والعدالة، ذللنا الصعاب، فكتب الأصدقاء مواد الجريدة بخط أيديهم، بينما توليت كتابة النصوص على ورق الستينسل باستخدام قلم، مقلدًا ما خطّوه بعناية. كنت أحفر الحروف على الستينسل باستخدام رأس إبرة خياطة، وهي مهمة شاقة تتطلب دقة وصبرًا كبيرين. وبعد الانتهاء، استخدمت آلة السحب (الرونيو) لطباعة الجريدة، التي جمعتها في 8 صفحات (من القطع A4).
واجهتنا مشاكل تقنية أثناء تثقيب الستينسل، ففي إحدى المرات، تمزقت ورقة بسبب خطأ أثناء العمل، ما اضطرني إلى التوجه إلى حلفائنا في الحزب الديمقراطي الكردستاني لطلب ورقة بديلة. ورغم هذه العراقيل، تمّكنا من إصدار الجريدة وتوزيعها على أعضاء الحركة ومن يتقن اللغة السريانية من العراقيين.
ادناه الصفحة الرئيسية لجريدة “بهرا” التي صدر “العدد الأول” منها بتأريخ 26 يونيو 1982.

ويضيف الرفيق أبو دجلة:
– ما زلت أذكر هذه التجربة بكل تفاصيلها، وأستحضر شهود العيان الذين عاصروا هذه المرحلة ولا يزالون على قيد الحياة.
وهكذا تثبت هذه القضية كيف ضرب الشيوعيون دوماً امثلة في الوفاء لقيمهم ورفاقهم وشعبهم، مستلهمين الدروس من القائد المؤسس للحزب الشيوعي العراقي، فهد (يوسف سلمان)، الذي كان شعاره الدائم: “قووا تنظيم حزبكم… قووا تنظيم الحركة الوطنية”.
وردا البيلاتي
أخي الفاضل وردا البيلاتي
بالرغم من النضال الطويل للحزب الشيوعي العراقي الذي يعد أقدم الأحزاب الوطنية العراقية، إلا أنه لم يتمكن يوما من قيادة دفة الحكم في البلاد كي يخلص الشعب العراقي من الأحزاب القومية الشوفينية والأحزاب الإسلامية الراديكالية الذين مزقوا نسيج الشعب العراقي الجميل من خلال خلق ثقافة الطائفية المقيتة والمذهبية التي فرقت بين أبناء الشعب العراقي وخلقت الكراهية، هذا عدا قيام هذه الأحزاب والحكومات التي شكلتها بسرقة قوت الشعب ومعاقبة من يعترض على سياستهم الهوجاء عدا تبعية هذه الأحزاب إلى جهات أجنبية ( إيران وتركيا ) مثالا لتنفذ أجندات خارجية.
فلسفة الحزب الشيوعي العراقي تمثلت في السلم المجتمعي والحزب لم يعد يؤمن بالعنف والقوة كي يستولي على السلطة وهذه الفلسفة لا تتماشى مع سياسة الأحزاب التي حكمت العراق خلال العقود السبعة الأخيرة والتي اتخذت من العنف والقوة والحروب والثورات كأدوات تنفيذية لسياستهم الرعناء، وبمرور الزمن تطبع الشعب بثقافة هذه الأحزاب وساير معظمها ليعيش حياة التعاسة وعدم الاستقرار.
يبقى العراق كأحد بلدان الشرق الأوسط بلدا غير مستقر طالما هذه الأحزاب وسياسة الاستيلاء على السلطة بالقوة أو بالديمقراطية المزيفة ( تزوير الانتخابات ) مستمرة والمنتفعين منهم ساكتين على هذا الوضع المزري ومع الأسف فان الحزب الشيوعي يعتبر أحد الجهات المنتفعة والساكتة على هذا الوضع المأساوي وهم يتفرجون على الأحزاب الإسلامية والميليشيات الولائية وهي قد جردت الدولة من سيادتها والوطن من ثرواته والشعب من حقوقه وحرياته.
تقبل إحترامي