سكان الديوانية يلوحون بانتفاضة جديدة ضدّ فساد ميليشيا أنصارالله الأوفياء.
الأربعاء 2025/02/05-العرب-ankawa.com
إشراف مباشر ومعلن من قبل الأحزاب والميليشيات على المشاريع
هيمنة الميليشيات الشيعية على حركة التنمية والإعمار في محافظات وسط العراق وجنوبه تثير مجدّدا غضب الأهالي وتنذر بتفجير انتفاضة شعبية جديدة، على غرار تلك التي انطلقت قبل سنوات من المحافظات ذاتها ولأسباب مشابهة حاولت الحكومة العراقية الحالية إزالة بعضها لكنّها لا تزال حتى السنة الأخيرة من مدّتها القانونية تصطدم بنفوذ الميليشيات وهيمنتها على المشاريع ومخصصاتها المالية.
الديوانية (العراق)- تصطدم جهود حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني لإعادة إطلاق عملية الإعمار والتنمية في محافظات جنوب البلاد ووسطها والتي تعاني رغم ثراء أغلبها بالموارد الطبيعية والمقدرات الزراعية والسياحة تهالكا شديدا في بناها التحتية وضعفا في الخدمات وندرة في مواطن الشغل لسكانها، بتوسّع نفوذ الميليشيات فيها والذي يشمل سيطرتها على دورتها الاقتصادية ومشاريعها التنموية ونهب الأموال المخصصة لتلك المشاريع.
وأعادت حالة الاحتقان والتململ السائدين هذه الأيام في أوساط سكان محافظة الديوانية جنوبي العاصمة العراقية بغداد تسليط الأضواء على سيطرة الميليشيات على مشاريع البنية التحتية والإسكان، حيث انصبّت الاحتجاجات المتصاعدة على ميليشيا أنصارالله الأوفياء المتهمة من قبل السكان المحليين بنهب مبلغ 244 مليون دولار كانت مخصصة لتعبيد الطرقات وتهيئة عدد من الأحياء السكنية في المحافظة.
ويتضمن انطلاق مثل ذلك الحراك الاحتجاجي الشعبي من إحدى محافظات وسط وجنوب العراق إنذارا شديدا للسلطات يذكّرها بأنّ أعتى انتفاضة تفجّرت بوجه النظام القائم في البلد منذ سنة 2003 كان مركزها تلك المحافظات.

وتفجّرت قضية الميليشيا المذكورة في وقت تُسابق فيه حكومة السوداني الزمن لاستكمال بعض المشاريع التنموية في المدة المتبقية من فترتها القانونية وقبل حلول موعد الانتخابات المقررة لشهر أكتوبر القادم والتي يُتوقّع أن يشارك فيها رئيس الوزراء على أساس منجزه في مجال التنمية وتحسين الخدمات وتقليص نسب الفقر والبطالة.
وخرج سكان الديوانية في مظاهرات وقام عدد من الشباب بقطع الجسر المعلق المجاور لمبنى الحكومة المحلية بالإطارات المحترقة وذلك احتجاجا على تلكؤ مشاريع تعبيد وتجهيز الطرقات التي أسند إنجازها لـ”شركة إسبانية” يقول السكان إنّها مجرّد واجهة لميليشيا أنصارالله الأوفياء.
وتقود محافظات العراق حكومات محلية منتخبة. لكن قيادة تلك المحافظات وتوزيع مناصب حكوماتها ومجالسها يتمّ وفق مبدأ المحاصصة المعمول به في النظام العراقي ككل. وأجريت أحدث انتخابات محلية في البلد في شهر ديسمبر 2023 وتم في ضوء نتائجها توزيع مناصب المحافظين وباقي المناصب القيادية والإدارية بين الأحزاب التي شاركت في الاستحقاق المذكور وحققت فيه نتائج متفاوتة.
وبعد صراعات شديدة على تلك المناصب آلت قيادة محافظات وسط وجنوب العراق لأحزاب وفصائل شيعية تمكنت بذلك من تجديد هيمنتها على أموال التنمية التي تمثّل بالنسبة إليها مصدر تمويل رئيسي لأنشطتها المدنية والمسلّحة ومصدر إثراء لقادتها يتيح لهم الحفاظ على نفوذهم وسلطتهم التي تتجاوز في الكثير من الأحيان سلطة الدولة بحدّ ذاتها.
ووقعت قيادة الحكومة المحلية لمحافظة الديوانية ضمن حصّة ميليشيا بدر بقيادة الرجل المتنفذ والحليف الموثوق لإيران هادي العامري.
ومعروف عن محافظات وسط وجنوب العراق وخصوصا منها الواقعة على الحدود مع إيران أنّها مركز رئيسي للأنشطة الاقتصادية للميليشيات الشيعية نظرا لغناها بالموارد وباعتبارها أيضا ممرا كبيرا لتهريب مختلف أنواع السلع والمواد في الاتجاهين بما في ذلك تهريب الأسلحة والمواد المخدّرة.

ويتهم محتجو الديوانية ميليشيا أنصارالله الأوفياء بممارسة الفساد تحت ستار الشركة الإسبانية التي أوكل إليها مشروع إعمار اثنين وأربعين حيا في المحافظة لكنّها لم تحقق أي تقدم في إنجازها.
وهدد المشاركون في الاحتجاجات بإطلاق “تشرين جديد” في إشارة إلى انتفاضة أكتوبر سنة 2019 والتي أدت إلى سقوط حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبدالمهدي قبل استكمال فترتها القانونية.
واستشعرت حكومة بغداد الخطر وحاولت تهدئة غضب الشارع بتوجيه إنذار للشركة المذكورة ومنحها مهلة زمنية محدودة لإنجاز المشاريع المتعاقد عليها، وفق ما أظهرته وثيقة صادرة عن وزارة الإعمار، فيما أعلن محافظ الديوانية عباس الزاملي عن إلزام الشركة بإكمال أعمالها في الأحياء التي باشرت العمل فيها خلال فترة لا تتجاوز الستة أشهر وتوزيع الأعمال في الأحياء المتبقية على شركات متعددة.
وتقلّل أوساط محلية من محافظة الديوانية من أهمية مثل تلك القرارات وفاعليتها وتقارنها بقرارات كثيرة سابقة لم تنجح في الحدّ من نفوذ الميليشيات وسطوتها على الدورة الاقتصادية في المحافظة.
وترى أنّ انتزاع المشاريع من يد ميليشيا أنصارالله الأوفياء يستدعي أيضا انتزاع كل المشاريع وفي كل المحافظات من أيدي باقي الميليشيات وهو أمر غير ممكن نظرا لقوة تلك الفصائل واستنادها إلى دعم سياسي فضلا عن اعتمادها على قوة السلاح.
ويقود حيدر إبراهيم الغراوي الميليشيا المذكورة التي انخرطت رغم حداثة تكوينها الذي يعود فقط إلى اثنتي عشرة سنة في اللعبة السياسية من خلال تأسيس جناح حزبي لها تحت مسمى كيان الصدق والعطاء، ومشاركتها في الانتخابات بالشراكة مع سياسيين وقادة فصائل من بينهم العامري زعيم بدر.
ولم يمنع تصنيف الولايات المتحدة لميليشيا أنصارالله الأوفياء المرتبطة بشكل وثيق بالحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب من حصولها على تمثيل داخل الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل للحكومة العراقية الحالية.
وتفسّر المكانة السياسية لميليشيا الغراوي والدعم الإيراني لها تمكنّها من منافسة ميليشيات أكثر منها قوّة ونفوذا على اقتحام المجال الاقتصادي والمالي والتنموي والاستفادة منه.
ويقول الخبير الأمني والإستراتيجي علاء النشوع إن هذه الميليشيا وغيرها من الفصائل المسلحة تسعى إلى تعزيز سيطرتها على الموارد المالية وتفرض على العراق ممارسات تضر بمصالحه الاقتصادية.
قضية الميليشيا المذكورة تفجّرت في وقت تُسابق فيه حكومة السوداني الزمن لاستكمال بعض المشاريع التنموية في المدة المتبقية من فترتها القانونية
ويوضح في تصريحات أوردها موقع الحرّة الإخباري أن هذه الفصائل تفرض سيطرتها على المشاريع عبر مكاتب اقتصادية تتحكم في موارد المحافظات مستغلة نفوذها لتحصيل عمولات تتراوح بين عشرين وثلاثين في المئة إضافة إلى تهريب النفط والاستيلاء على عقارات الدولة وتحويل ملكيتها إلى قادتها.
ويشير إلى أنه على “الرغم من الدعوات المستمرة للحد من سلطة الميليشيات المسلحة فإن الحكومة العراقية تبدو عاجزة عن التصدي لهذه الفصائل التي تهيمن على مفاصل الدولة. فالسلطات في العراق تواجه تحديات صعبة في مكافحة الفساد، وهو ما يعزز قدرة هذه الميليشيات على الاستمرار في التغلغل داخل مؤسسات الدولة.”
ويحذّر الناشط المدني حسام العابدي من جهته من استمرار انهيار الخدمات في الديوانية مشيرا إلى غياب البنى التحتية الأساسية وتراجع مستوى التعليم والصحة، وسط انتشار الفساد في تنفيذ المشاريع، مشيرا إلى أنّ الميليشيات التي كانت قد تشكلت تحت عنوان الدفاع عن البلاد من إرهاب داعش “تحولت إلى كيانات اقتصادية تستحوذ على العقود الحكومية وتهدد كل من يعارضها، مستغلة قوتها العسكرية ونفوذها السياسي.”