2025.01.18
أربيل (كوردستان24)
عندما ننظر إلى تاريخ الطب القديم، نجد أن الحضارات القديمة كانت متقدمة في مجالات عدة بفضل براعة وابتكار أطبائها.
ومن بين هذه الحضارات، تبرز حضارة وادي الرافدين، بإنجازاتها العظيمة في الطب والعلاج. ومن أكثر الاكتشافات إثارة للإعجاب هي الرسائل الطبية الآشورية التي تكشف عن ممارسات طبية متقدمة تُستخدم لمعالجة التحديات الصحية المعقدة.
رسالة تشخيص قبل نحو 3000 عام
من بين هذه الرسائل المذهلة تأتي رسالة تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، أرسلها طبيب إلى الملك الآشوري نابو ناصر. تحتوي هذه الرسالة على تفاصيل مذهلة حول كيفية تعامل الأطباء مع مشكلات صحية تتعلق بالأسنان التي كانت تسبب آلاماً شديدة للملك، لا في السن فحسب، بل وفي باقي الجسم إذ كان يعاني من الصداع وآلام الأطراف.
وفي الرسالة، يشخّص الطبيب السبب وراء الأوجاع التي يعاني منها الملك على أنها نتيجة لمشكلة في الأسنان، ويوضح أن التسوس، الذي كان يُعتقد آنذاك أنه بسبب الديدان، هو السبب وراء هذه الأعراض.
علاج جذور الأسنان
قدم الطبيب توصيات للعلاج، مشيراً إلى خيارين رئيسيين: الأول هو علاج السن عبر «قنوات داخلية»، حيث يتم تنظيف التسوس، وهو أقرب ما يكون لما نعرفه اليوم بعلاج الجذور. أما الخيار الثاني فهو قلع السن المصابة بالكامل إذا كانت الحالة متقدمة.
تقدم الفكر الطبي في حضارة آشور
وتكشف الرسالة عن وعي الأطباء الآشوريين بأثر صحة الفم على باقي أعضاء الجسم، وهي فكرة لم تكتشفها الأبحاث الطبية الحديثة إلا في القرن التاسع عشر. وهذا الوعي يعكس تفوق الأطباء الآشوريين في فهم العلاقة المتبادلة بين صحة الفم والصحة العامة للجسم.
كما تُظهر النصوص المسمارية التي وثقت هذه الرسائل تنوع الممارسات الطبية في ذلك الوقت، حيث لم تقتصر على استخدام الأعشاب والزيوت، بل شملت أيضاً الطقوس الروحية والتقنيات الجراحية البسيطة.
تاريخية الوثيقة واكتشافها
هذه الوثيقة الثمينة، التي نشرها وترجمها العلامة البروفسور طه باقر في القرن العشرين (وتم نشرها حصرياً في المجلات العلمية لكنها لم تنشر في أي وسيلة إعلامية للعامة وهذه أول مرة يتم نشرها على أي صحيفة أو مجلة تستهدف العامة)، تؤكد مكانة الطب الآشوري بين حضارات العالم القديم. وعثر على هذه الرسالة في تل قوينجق شمال مدينة الموصل في العراق، وتعتبر من أهم الوثائق التي تبرز التقدم الطبي لدى الآشوريين.
إن هذا التراث الطبي الثري يُعد مصدر فخر للإنسانية، ويذكرنا بأهمية الاستمرار في البحث والتعلم من الحضارات السابقة لتطوير مستقبل أكثر صحة ورخاء.
الطب الكلداني، المعروف أيضًا بالطب البابلي، تعود جذوره إلى بلاد ما بين النهرين القديمة، التي كانت موطنًا للحضارة الكلدانية. وقد عرفت هذه الحضارة بتقدمها في الرياضيات وعلم الفلك والطب. طور الكلدان نظاماً طبياً متطوراً كان من بين الأكثر تقدماً في عصره، وقد عرفوا بإسهاماتهم في مجال الطب. وقد تم توثيق معرفتهم الطبية على ألواح طينية اكتشفها علماء الآثار. تضمنت بعض الجوانب الرئيسية للطب الكلداني استخدام العلاجات العشبية والعلاج الغذائي والتقنيات الجراحية. كما عُرف الكلدانيون باستخدامهم في تحديد أفضل الأوقات للعلاج الطبي. وبشكل عام، كان الطب الكلداني بمثابة تطور كبير ومهم في تاريخ الطب.الطب في القوانين البابلية
من المعروف أن قوانين حمورابي (الأرقام 218-220) توصي بفرض غرامات شديدة وتشويهات جسدية للأطباء الذين يقومون بعمليات جراحية فاشلة، وكانت مثل هذه المواقف العقابية من شأنها أن توقف المحاولات والابتكارات في الممارسة الجراحية.
شفاء الآلهة والمهن :
في أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد، جاءت الأسماء الإلهية جولا، ونينيسينا، ونينكاراك، وباو (أو بابا)، ونينتينوجا لتعيين إلهة الشفاء وراعية مدينة إيسين، التي كان حيوانها الرمزي هو الكلب. إن في المؤلفات السومرية تنظف الجروح وتضع الضمادات والضمادات، وتستخدم المشارط أو تلاوة التعويذات، وينضم إليها أحيانًا ابنها دامو في أنشطتها العلاجية. قدم المتوسلون التماسًا وقدموا الشكر للتعافي في معابد الإلهة في إيسين ونيبور، حيث يمكن الإشارة ضمنًا إلى أداء طقوس من خلال اكتشاف تماثيل صغيرة على شكل كلاب، بمفردها أو برفقة إنسان، وبشر بأيدي موضوعة على ما قد يفترض أنه الجزء المريض من الجسم. ربما كان معبد إيسن – وهو المعبد الذي تمت دراسته بشكل أفضل بفضل سلسلة من الحفريات – بمثابة مكتبة مرجعية للنصوص الطبية، ويسمح للراقد المريض بإقامة طويلة الأمد للعديد من المرضى.
.