نشوان عزيز عمانوئيل
ستوكهولم
في 29 يناير 2025، قُتل سلوان موميكا بالرصاص في السويد، وهو الذي اشتهر في عام 2023 بإحراقه نسخًا من القرآن الكريم، مما أثار موجة من الاحتجاجات والإدانات في الدول الإسلامية.
هذا الاغتيال يسلط الضوء على قضايا معقدة تتعلق بحرية التعبير، والتسامح الديني، وسيادة القانون. ففي حين أن تصرفات موميكا كانت مستفزة ومثيرة للجدل، إلا أن الرد عليها بالعنف يمثل تهديدًا خطيرًا لحرية التعبير.
حرية التعبير هي حجر الزاوية في المجتمعات الديمقراطية، وتكفل للأفراد حق التعبير عن آرائهم، حتى وإن كانت مثيرة للجدل أو مسيئة للبعض. ومع ذلك، فإن هذه الحرية ليست مطلقة، حيث توجد قوانين تجرّم خطاب الكراهية والتحريض على العنف. في حالة موميكا، كانت السلطات السويدية قد بدأت تحقيقات معه بتهمة التحريض على الكراهية ضد مجموعة عرقية، وكان من المقرر صدور حكم بحقه في اليوم التالي لاغتياله.
من جهة أخرى، يُظهر هذا الحادث التوتر القائم بين حرية التعبير واحترام المعتقدات الدينية. فبينما يحق للأفراد انتقاد الأديان والتعبير عن آرائهم بحرية، يجب أن يتم ذلك دون التحريض على الكراهية أو العنف. إحراق النصوص الدينية يعتبر فعلًا مسيئًا واستفزازيًا، وقد يؤدي إلى تأجيج التوترات الدينية والاجتماعية.
ولكن سيادة القانون تتطلب أن يتم التعامل مع الأفعال المثيرة للجدل من خلال النظام القضائي، وليس من خلال العنف أو الانتقام الشخصي. اغتيال موميكا يُعد انتهاكًا صارخًا لسيادة القانون، ويُظهر خطر السماح للأفراد أو الجماعات بأخذ القانون بأيديهم.
إن اغتيال سلوان موميكا يظهر التحديات المعقدة التي تواجهها المجتمعات في تحقيق التوازن بين حماية حرية التعبير، واحترام المعتقدات الدينية، وضمان سيادة القانون. يجب أن يتم التعامل مع هذه القضايا بحكمة وتعقل، لضمان مجتمع يسوده التسامح والعدالة.
رغم ذلك ان اغتيال سلوان موميكا هو جريمة بشعة ضد القانون وحرية التعبير وهي ليس مجرد حادثة عابرة، بل ضربة مروعة لحرية التعبير، وفضيحة كبرى لمفهوم سيادة القانون، ورسالة إرهابية لكل من يجرؤ على تحدي المقدسات.
سواء اتفق الناس مع أفعاله أم لا، فإن ما فعله موميكا كان تحت غطاء القانون السويدي الذي يسمح له بحرق المصحف وكل كُتب الديانات الأخرى أمام الجميع. ومع ذلك، لم تكن عقوبته سجناً، ولم تكن محاكمة قانونية عادلة، بل كانت اغتيالًا وحشيًا بأسلوب العصابات والمافيات. عندما يُقتل إنسان بسبب رأيه، فهذا يعني أن العنف انتصر على الفكر، وأن لغة الدم أصبحت أعلى من لغة القانون ولماذا يكون القتل هو الحل وليس الفكر!!
السويد، التي تدّعي أنها دولة قانون، كشفت عن ضعفها المخيف في هذه الجريمة. إن اغتيال موميكا هو اغتيال للفكر الحر والرسالة من هذا الاغتيال واضحة: أي شخص يجرؤ على قول ما لا يعجب المتطرفين سيكون مصيره الرصاص. اليوم، موميكا. غدًا، من؟ هل يجب على كل من يعبر عن رأي مخالف أن يخشى على حياته؟ هل دخلنا عصر التصفيات الجسدية بدلًا من الحوارات الفكرية؟ إذا كان الأمر كذلك، فلا داعي للحديث عن “حرية التعبير”، لأنها ببساطة أصبحت كذبة كبيرة.
لو أن كل شخص اختلف مع دينٍ أو فكرةٍ ما لجأ إلى القتل، لتحولت البشرية إلى ساحة حرب لا تنتهي. المجتمع المتحضر يرد على الكلمات بالكلمات، أما المتطرفون فيردون على الكلمات بالرصاص. عندما يُبرر العنف باسم “الدفاع عن المقدسات”، فهذا يعني أن البشرية تسير نحو الهمجية لا الحضارة.
ما حدث في السويد ليس مجرد جريمة قتل، بل هو فضيحة تكشف أن سلطة القانون تتهاوى أمام الإرهاب الفكري. وأؤكد هنا أنني لا أدافع بأي شكلٍ من الأشكال عن ما قام به سلوان موميكا، ولا أتفق معه جملةً وتفصيلًا. فأفعاله كانت مستفزة وغير مسؤولة، وأساءت إلى مشاعر الملايين. لكن الاختلاف مع أفعاله لا يعني القبول بتصفيته جسديًا بدمٍ بارد، وإلا أصبحنا في عالم تحكمه شريعة الغاب بدلًا من القانون.
لقد رحل موميكا، لكن السؤال الذي تركه وراءه لا يزال قائمًا: هل نعيش في عالمٍ تحكمه القوانين أم تحكمه رصاصات الغضب والتعصب؟
إن اغتيال سلوان موميكا لا يتعلق بشخصه بقدر ما يتعلق بالمبدأ الذي تم اغتياله معه. نحن لا نتحدث عن رجلٍ مثيرٍ للجدل فقط، بل عن اختبار حقيقي لقيم المجتمعات الديمقراطية. إذا أصبح القتل هو الرد على الكلمات، فماذا بقي من الحضارة؟ هل أصبحت حياة الإنسان رخيصة إلى درجة أن اختلافًا في الرأي قد يكلفه روحه؟!
المفارقة العجيبة أن الذين يبررون قتله بحجة “الدفاع عن المقدسات” ينسون أن القتل ذاته محرم في جميع الأديان. هل أصبح الدفاع عن القيم يتم بانتهاك أقدس القيم؟ أي عبثية هذه التي تجعل بعضهم يرون الجريمة عملًا مقدسًا؟!
لقد شهدنا في التاريخ أن العنف لم يكن يومًا حلاً، بل كان دائمًا بذرةً لمزيد من العنف. اغتيال موميكا لن يوقف إهانة المقدسات، ولن يمحو من الوجود ظاهرة حرق الكتب الدينية، لكنه سيزرع في عقول الناس فكرة أن التهديد بالقتل هو الطريقة الوحيدة للرد. وهذا هو الانتصار الحقيقي للإرهاب الفكري.
ثم ماذا بعد؟ هل كل شخص يختلف مع رأي أو معتقد ما، عليه أن يتوقع أن يكون اسمه التالي في قائمة الاغتيالات؟! اليوم هو موميكا، وغدًا قد يكون كاتبًا أو فنانًا أو مفكرًا أو حتى إنسانًا عاديًا عبّر عن رأي لم يُعجب الغوغاء. من يظن أن هذه الظاهرة ستقف عند هذا الحد فهو واهم.
أخطر ما في هذه الجريمة أنها تفتح الباب أمام منطق الغابة: “من لا يعجبك، اقتله!” وهذا ليس مجرد انهيار لمفهوم القانون، بل هو زحفٌ نحو الفوضى المطلقة. وإذا كان البعض يرى أن اغتيال موميكا حلٌّ عادل، فعليهم أن يدركوا أنهم بذلك يسهمون في بناء عالمٍ لا مكان فيه للأمان، عالمٍ يُحكم فيه على الناس بالرصاص بدلًا من المحاكم.
لا أحد يجبرك على احترام رأي شخصٍ ما، ولا أحد يفرض عليك تقبّل أفعاله. ولكن إذا كان ردّك الوحيد على رأيه هو قتله، فهذا يعني أنك فشلت في مواجهته بالفكر، وهذا هو الاعتراف الحقيقي بالهزيمة. الأفكار تُحارب بالأفكار، وليس بالدماء.
إن المجتمع الذي يترك العنف يحلّ محلّ الحوار، ويتسامح مع الاغتيالات بدلًا من المواجهات الفكرية، هو مجتمعٌ محكومٌ عليه بالانحدار إلى الهاوية. والمفارقة الكبرى أن أولئك الذين يبررون هذه الجرائم، هم أنفسهم من سيبكون على غياب العدالة عندما يصبحون الضحية التالية.
رحل موميكا، ولكن بقي السؤال الأكبر: هل يمكن أن يكون هناك مستقبلٌ للحرية في عالمٍ يفرض الصمت بالرصاص؟
الأخ نشوان عزيز عمانوئيل
تحليل دقيق للجريمة البشعة التي أرتكبت بحق إنسان يعيش في بلد القانون والديمقراطية وحرية التعبير.
إن حرق الكتب السماوية مهما كانت عناوينها لا يبرر فعل هذه الجريمة البشعة.
طالما حرية التعبير متاحة في مملكة السويد والقانون يطبق بحق من يخالف القيم والأعراف التي نص عليها الدستور وقوانين البلد، لذا فان فعل جرم القتل هو الذي يخالف كل القيم والأعراف وهو أيضا إرهاب يلحق الضرر أولا بسمعة من قام بفعل جرم القتل وبالأسلام كدين، لأن القاتل نفذ جريمته بإسم الإسلام بحجة الدفاع عن الإسلام.
وهنا وفي هذه الجريمة تحديدا إذا لم تقم السلطات السويدية الأمنية والقانونية بالقبض على الجناة وتقديم القضاء ومحاكمتهم على فعلهم الاجرامي الذي يثبت بان رد الفعل ( قتل إنسان ) هو الارهاب وليس الفعل ( حرق الكتاب ).
تقبل إحترامي
الحكومة السويدية المجرمة والجبانة هي المسؤول الأول والأخير عن جريمة إغتيال الشهيد البطل سلوان موميكا. وبالتالي ينبغي على أصدقاء الشهيد والمتعاطفين مع قضيته – من المقيمين في السويد – تنوير الرأي العام السويدي بمسؤولية الحكومة السويدية عن عدم توفير الحماية الكافية للفقيد البطل، وبالخطر الذي يمثله الإرهاب الإسلامي على الحريات الديمقراطية في السويد. وكذلك رفع دعوى قضائية ضد الحكومة السويدية إن أمكن ذلك.