كرامة الناس

الدكتور

خالد اندريا عيسى

مثلما شهد العراق القديم الاستبداد والحزن والجوع وحتى الظلم، والفيضانات وحرائق المدن، وانتشار الأوبئة والأمراض والفساد، لا يخلو عصر إلا وتكون حصة العراق هي الأكبر مساحة، والأشد حزناً في النفوس، والأقسى إيلاماً على الناس.

 كأنها متواليات رياضية في تكرارها عبر العصور، تتلاطم مع بعضها، لا تهدأ براكينها إلا بعد أن تنهار الأنفس، وينعدم أوكسجين الحياة.

والأكيد أنَّ رجال السياسة في العراق جمعوا كل انواع وتاريخ المصايب والكوارث الطبيعية والبشرية القديمة، وسنوات الجمر والقحط والجفاف والمرض التي تعاقبت عليها عصور العراق المختلفة، حيث جلبوها كلها بلا نقصان، بل زادوا عليها أطنان من الرذائل والجرائم والأحقاد.

هناك بيئة سياسية ملوثة بالفساد والطائفية والظلم. وخداع وتمويه باسم الطائفة، لتقرير حياة العراقي. فقد وجد أحزاباً تنهش في الإنسان كحيوان جائع مفترس، فاكتشف بأنه خُدع من هذه الأحزاب؛ أعطته حرية من الطقوس الكاذبة، وحرمته من الخبز والعمل والحرية والكرامة.

هناك حميّة السلطة والجاه تتغلب على مصالح الشعب.

 وجياع تنام على زبد الوعود، وعسل الكلام، وظلم الأقربون والأبعدون.

 فالحكومات العراقية الاستبدادية – على مرّ التاريخ  كانت تمارس العنفَ والخوفَ والإذلال ضد أبنائها؛ بحيث بات القهر كأنه حقٌّ للسلطة على الضعفاء، والخضوع كأنه واجبٌ على الرعايا الرعاع، وهذا هو مَنشأُ كراهية العراقيين لكل حكومة.

لقد أصبح العراق رمزًا للجفاف القاتل في كل المجالات وفي مجالات الزراعة والصناعة والتنمية، وموطن للفساد الذي صار ثقافة متجذِّرة في الحياة،

وقوانين طبيعية تُنظم آليات الحكم واستمراره، حيث توسَّعت شبكته بشكلٍ أفقي ورأسي، مما أثر على رموزه وثقافته وجامعاته ومدارسه.

وقد جلب رجال السياسة (فايروس الفساد) مع حقيبة (بريمير) الذي أنشأ وادار مدرسة كبيرة لتخريج سياسيين فاسدين في النهّب وغسيل الأموال والمخدرات والدعارة والرشى والمحسوبية؛ إنها خطة شيطانية لقتل العراق وجعله جثةً هامدةً لا تستطيع التنفس أو النهوض أو التغيير!

لا يسعك وصف ما يجري اليوم سوى بالكارثة؛

مرادفات سياسية بالكلمات المتقاطعة، بلا برامج ورؤى في هندسة الحياة السياسية، فلا سياسي او  حزب قدم لنا برنامجه السياسي لحل مشكلات الوطن والشعب وطبقه، وحافظ على كرامة المواطن، ولا أحد رسم لنا خريطة الحياة والمستقبل، وأنقذ البلد من براثن الفساد المزمن ومفسدة السياسي الذي يعود لنا كل مرة بقناع جديد.

إنه لغزٌ كبير، أن تتدرج في حل معادلات رياضية بمعطيات وبراهين ثابتة؛ لكنك تفشل في الوصول إلى النتيجة الصحيحة والمفيده في بلد صعب يطفو على بحرٍ من الغرائب والعجائب والنفط .

هو وطن التناقضات؛ صانع عبقرية المكان والفكر، ومنارة للمعرفة منذ عصورٍ خلت، وموطن الأنبياء وأولياء الله الصالحين، وفي الوقت ذاته ينتج سلبية البشر من السياسيين،

فتكون المعاناة أشد قسوة على مَن يعيشون في زخَمها؛

حيث ينقطع التنفس، وتزداد أوجاع الوطنية، وتدمر المشاعر والأخلاق والقوانين، وتنتحر القيم الإنسانية، ويَفقد الإنسان روحه، بينما يُولد جيل متوحش يسعى إلى القتل واليأس، وتنشط الروح التدميرية في الذات البشرية.

وعندما نتحدث عن الوطن، فأننا نتحدث عن الكرامة الإنسانية للعراقي، فلا كرامة للوطن بلا كرامة أفراده، ولا كرامة لوطن يهان فيه المواطن وباستمرار، حيث تبدأ الكرامة بالفرد لتنتهي بكرامة الوطن.

وكما يقول تولستوي. سألوني أين وطنك؟ فأجبتهم: المكان الذي أجد فيه كرامتي وسعادتي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *