ترجمة: الاستاذ يوآرش هيدو
في منتصف ليلة موحشة وفيما كنتُ اتأمل، وانا واهن ومرهق، في كتاب معتقد تقليدي غابر منسي،
وبينما كنتُ احني رأسي نعاساً، إذا بي اسمع طرقاً خفيفاً، كما لو ان احداً يطرق باب حجرتي .
“انه زائر”تمتمتُ ، “زائر يطرق باب حجرتي؛هذا فحسب، ولاشيء آخر”•
✖️✖️✖️✖️
آه، انني اتذكر بوضوح تام، كان ذلك في ديسمبر القارس الكئيب،
وكل جذوة مائتة كانت ترسم ظلها على ارضية الحجرة، تمنيت بلهفة ان يأتي الصباح، وعبثاً حاولت ان اقتبس من كتبي نهاية لحزني على الفقيدة ليونور،
حزني على الغادة الفريدة المتألقة التي يسميها الملائكة ليونور،
المنسية ها هنا إلى الابد•
✖️✖️✖️✖️
والحفيف الحزين الحائر لكل ستارة أرجوانية ، ارعدني وملأني
رعباً هائلاً لم اشعر بمثله من قبل ابداً، ولكيما اهدئ خفقات قلبي المتسارعة، قمت واقفاً اردد ، ” انه زائرٌ يلتمس الدخول عند باب حجرتي ،
زائرٌ جاء متاخراً يلتمس الدخول عند باب حجرتي
هذا فحسب، ولا شيء آخر.”
✖️✖️✖️✖️
في الحال ازدادت روحي قوة ، ودون تردد قلتُ، سيدي او سيدتي ، حقاً إنني أستميح منك عذراً ؛
لكن الحقيقة هي إنني كنت أغفو فجئت أنت تطرق طرقاً خفيفاً
جئت تطرق باب حجرتي ، طرقتَ طرقاً خفيفاً ،
حتى إنني بالكاد ايقنت بأنني سمعتك ، الآن فتحت الباب على مصراعيه؛___
ظلام—- ولا شيء آخر.
✖️✖️✖️✖️
حدقتُ في أعماق الظلام طويلاً، منشدهاً ، خائفاً،
مرتاباً، أحلم أحلاماً لم يجرؤ كائن بشري أن يحلم مثلها من قبل؛
لكن الصمت كان متواصلاً والسكون شاملاً ،
والكلمة الوحيدة المسموعة هناك، كانت الكلمة المهموسة” ليونور ” •
همستها أنا ، وردد الصدى ” ليونور• ” هذا فقط ولا شيء آخر•
✖️✖️✖️✖️
عدت إلى حجرتي وروحي تشتعل في داخلي ،
وسرعان ما سمعت من جديد طرقاً على الباب ،
طرقاً أعلى قليلاً من ذي قبل ،
“يقيناً ” ، قلت ، يقينا هناك شيئٌ ما عند نافذتي ،
دعني أرى ، اذن ، ما هنالك ، ولأكشف السر هذا ،
ليهدأ قلبي هنيهة ، ولأكشف السر هذا، ” إنها الريح – – – ، ولا شيء آخر•”
✖️✖️✖️✖️
فتحتُ الآن مصراع النافذة وإذا غراب جليل
يندفع إلى الداخل وهو يصفق بجناحيه ، غرابً من أيام الورع الغابرة،
دخل دون أن يبدي أدنى احترام ودون انتظار أو تردد ،
بل بسيماء سيد أو سيدة جثم فوق باب حجرتي ،
جثم على تمثال (پالاس ) تماماً فوق باب حجرتي ،
جثم ، واستقر ، ولا شيء آخر•
✖️✖️✖️✖️
إذ ذاك حاول هذا الطائر الأبنوسي أن يسلي خيالي الحزين
بمحياه الوقور الصارم الرزين ، يسلي خيالي الحزين ،
” رغم أن عرفك مجزوز ، قلت ، إلاأنك ، يقينا، لست بجبان • ”
أيها الغراب المتجهم ، الغابر ، الشبحي ، التائه من شاطئ الظلام ،
قل لي ما اسمك الجليل هناك على شاطئ الليل البلوتوني “•
قال الغراب ، ” بعد اليوم أبداً ” •
✖️✖️✖️✖️
تعجبت كثيراً من جواب هذا الطائر الأخرق القبيح ،
رغم أن جوابه يفتقد المعنى والعلاقة ، اذ لا يسعنا إلا ان نقر بأن لا أحد من بني البشر الأحياء
حتى اليوم ، تبارك برؤية طائر فوق باب حجرته ،
طائر أو وحش على تمثال منحوت فوق باب حجرته ويحمل اسم ” بعد اليوم أبداً•”
✖️✖️✖️✖️
لكن الغراب المتوحد ظل جالساً على ذلك التمثال الهادئ
لم يقل سوى تلك الكلمة الوحيدة ، كأنما قد سكب فيها روحه •لم ينبس بكلمة غيرها ولم يحرك ريشة ؛
تمتمتُ، ” أصدقاء اخرون قد طاروا من قبل ،
وغدا سيتركني هو ، كما طارت أحلامي كلها . من قبل •” قال الطائر ، “بعد اليوم أبداً•”
✖️✖️✖️✖️
روعني اذ ذاك جوابه المناسب الذي قطع الصمت ، ” يقينا ” قلت ، ما يتفوه به ( الطائر ) هو كل ما يملكه من مفردات ، تعلمه من سيد تعيس توالت عليه النكبات حتى غدت أغانيه لا تحمل سوى فكرة واحدة، ولحناً حزيناً واحداً ،
” أبداً ، بعد اليوم أبدا •”
✖️✖️✖️✖️
لكن الطائر ظل يسلي روحي الحزينة ، وللحال اتخذت مقعداً وثيراً إزاء الطائر والتمثال والباب ، وفيما أنا أغوص في المخمل رحتُ اربط فكرةً بأخرى
مفكرا ًفي ما يعنيه هذا الطائر المشؤوم الغابر ،
في ما يعنيه الطائر المتجهم ، القبيح، الشبحي ، الكالح ، المشؤوم، بنعيبه، ” بعد اليوم أبداً”•
✖️✖️✖️✖️
هكذا جلستُ مستغرقاً في التفكير لا انبس بكلمة
للطائر الذي راحت الان عيناه المتقدتان تحرقان صميم فؤادي،
جلستُ أفكر بهذا وبأشياء اخرى مسنداً راسي باسترخاء على
الوسادة المخملية التي ينسابُ عليها ضوءُ المصباح ؛
لكن الوسادة المخملية ذات البطانة البنفسجية التي يتدفق
عليها ضوء المصباح ، لن تعانقها، واحسرتاه، بعد اليوم ابداً.
✖️✖️✖️✖️
آنئذٍ خيل لي أن الهواء ازداد كثافة تعطره مجمرة غير منظورة ،
تؤرجحها جوقة من الملائكة يرن وقع خطواتهم على الارض .
” ايها الشقي ” صرختُ ، ” لقد منحك إلهك ، عن طريق هؤلاء الملائكة فترة راحة وشراب سلوان من ذكرى ليونور ! فاكرع شراب سلوانك وأنسَ الفقيدة ليونور.”
قال الغراب ” بعد اليوم ابداً”
✖️✖️✖️✖️
“يا ايها النبي “، قلت ، “اشريراً كنت _أم نبياً ، طائراً أم شيطاناً ، !
أشيطاناً ارسلك ، ام عاصفة القت بك هنا ، على هذا الشاطيء المهجور ، غير هيٌاب ، على هذه الارض المجدبة المسحورة _
في هذا المنزل المسكون بالرعب ، قل لي بصدق ، استحلفك ، إن تقول قولاً صادقاً ؛
هل من بلسم في جلعاد ؟”_
قال الغراب ، “بعد اليوم ابداً •”
✖️✖️✖️✖️
“ايها النبي”،قلت ،” اشريراً كنت _ام نبياً، طائرا أم شيطاناً !
احلٌفك بالسماء التي تنحني فوقنا_ وبالإله الذي يعبده كلانا،
قل لهذه الروح المثقلة بالأسى ، هل في عدن البعيدة ستعانق الغادة القديسة التي يسميها الملائكة ليونور __ تعانق الغادة النادرة المتألقة التي يسميها الملائكة ليونور ؟
قال الغراب ، ” بعد اليومي أبداً”•
✖️✖️✖️✖️
” لتكن تلك الكلمة علامة الفراق بيننا ،أيها الطائر أو ايها الشيطان ، صرخت ، وانا اثبُ فجأة _ عد الى العاصفة والى شاطئ الليل الپلوتوني ! لا تترك ريشة سوداءَ تذكاراً لتلك الأكذوبة التي نطقتَ بها ، اتركني في وحدتي _وغادر التمثال فوق باب حجرتي !
انزع منقارك من قلبي _وإبعد هيئتك عن باب حجرتي •”
قال الغراب ،”بعد اليوم ابداً”•
✖️✖️✖️✖️
لم يتحرك الغراب ، بل ظل جالساً، ظل جالساً ، على تمثال پالاس الهادئ تماما ً فوق باب حجرتي ؛ وعيناه تشبهان عيني شيطان يحلم ؛ وضوء الصباح المنساب فوقه يلقي ظلاً على الارض، وروحي لن ترفع عن ذلك الظل المرتسم على الارض ، بعد اليوم أبداً !
______________________________
*ادگارد الن پو Edgar Allan Poe
كاتب وشاعر وناقد أمريكي •له إسهامات مهمة في الأدب الأمريكي، إسهامات تشمل مختلف الأجناس الأدبية ، ويصنف عادة كشخصيّة رئيسية في الأدب الرومانسي الأمريكي• كما اشتهر كناقد وكاتب قصص تتسم بالرعب وتكتنف الغموض •
وكان شاعراً مُجيداً ومن اشهر قصائده “الغراب ” The Raven و “أنابل لي” Annabel Lee. {المترجم}