المحرر موضوع: الحلقة المّفَقودة فيَ الزيَارة البَابَوية  (زيارة 797 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الحلقةّ المفقودة في الزيارة البابوية.
بقلم/ سلوان ساكو
أخيرًا تحققَّ حلمْ العراقيين في زيارة الحبر الروماني الأعظم للبلد، جاءت الزيارة تتويجًا للجهود المبذولة منذ سنوات طويلة، حيث أرادَّ البابا الراحل يوحنا بولس الثاني زيارة بغداد، لكن لم تكن هنالك ثمة رغبة، أو بقول آخر حماسة من جانب الحكومة العراقية، وعلى ما يبدو أيضًا لم يرغب الأمريكان في هذه الزيارة للبابا القديس، والالتقاء بصدام حسين والتشكيل الحكومي وقتذاك، المعارضة العراقية والإعلام أيضًا كان لهم دور في إخفاق تلك المبادرة الرعوية، في النهاية أُجهضت العملية برمتها.
نعم يحتاج العراق لمثل هذه الزيارة التاريخية، لعدة أسباب أهمها، مجموعة الحروب الطائفية التي طحنته منذُ الغزو الأميركي من عام 2003 ولحد اليوم، لعلة الجراح تندمل في يوم ما، تناقص وهجرة المكون المسيحي الأصيل بشكلٍ خطير، تمزق الوحدة الوطنية بين الديانات والطوائف والمذاهب، والأهم من هذا وذاك هو انعدام الثقة بينهم، وفقدان السلم الأهلي الذي يضبط ايقاع المجتمعات ويعصمها من التناحر والاقتتال فيما بينها، وهذا الذي حدث ويحدث في العراق.
خارطة طريق زيارة قداسة البابا فرنسيس، بابا الفقراء، والتي تبدأ من العاصمة العراقية بغداد، ومقابلة ممثلين عن المرجعيات كافة سنةً وشيعة، ومقابلة كِبار المسؤولين في الدولة، مرورًا بزيارة المرجعية الشيعية في النجف علي السيستاني، ثم الذهاب إلى أور الكلدانية مهد النبي إبراهيم في محافظة الناصرية جنوب العراق، بعد ذلك الانطلاق نحو عاصمة الإقليم الكردي في أربيل، وإيقامة الذبيحة الإلهية هناك، بعد ذلك التوجه إلى محافظة نينوى، داخل الحي القديم في الجانب الأيمن من الموصل، يتخلل ذلك زيارة إلى قضاء الحمدانية ( قراقوش). كل هذا جيدّ وحسنّ، ولكن ثمة أسئلة تحتاج لإجابات، وتحتاج في نفس الوقت إلى تمعن وتفكير عميقين. مثل ماذا سوف تقدم هذه الزيارة لبلد جراحه مازالت تنزف بغزارة، هل هي مجرد لقاءات وديةّ مع المرجعيات الدينية والسياسية فقط؟. طيب ماذا تفعل زيارة مدتها 36 ساعة لبلد  اِسْتَنْزَفَ وإِسْتَهْلَكَ وتمزق وتهاوى نحو الدرك الأسفل بسبب حروب طاحنة لم تتوقف منذ ما يزيد عن 18 عامًا. نعم سوف يذهب قداسة البابا الى مدينة الموصل، ويقف على أطلالها المُتداعية في حوش البيعة، وماذا بعد ذلك؟. سؤال سوسيولوجي بسيط، كيف وصلت مدينة مثل الموصل كانت تحتضن أغلبية مسيحية متنوعة، من سريان وكلدان وأشور، حتى الإنجيليين والسبتيين (الأدفنتست) كانت كنيستهم تقع وسط منطقة الدواسة، لم يتبقى منهم أحد على الإطلاق، كيف حدث كل هذا، ومن كان ورائه ومن هي الجهة المستفيدة من كل ذلك، صحيح جاء تنظيم داعش الارهابي وكنس الجميع بغتة، ولكن التهجير والتصفيات الجسدية والمعاناة بدأت قبل ذلك بكثير.
نعم أنها زيارة رعوية أبوية ذات دلالات كبيرة ومعطيات تاريخية في هذا الوقت بالذات، ولكن ثمّة حاجة أكثر من أيّ وقت مضى في التفكير في كيفية أعمار العراق، وكسبّ ثقة الشركات العالمية، ومكافحة الفساد والتي باتت تُشكل جزءا من ثقافة هذا البلد المنكوب. والحرص على البقية الباقية من المسيحيين، هذا المكون الأساسي والحضاري ذو الجذور العميقة، وليس كما وصفهم رئيس الوزراء السابق جواد نوري المالكي بالجالية، هؤلاء هم السكان الأصليين لبلاد ما بين النهرين بتنوعاتهم وثقافاتهم الزاخرة، والتي هي جزء من هذا  الفسيفساء الكبير وقبس من نور أصلي، إذْ انطفأ عم الظلام وتفشى الجهل سائر المعمورة، وهو مع الأسف الشديد على وشك الانطفاء.