المقدمة : انتظرت طويلاً للاطلاع على ما كتبه المثقفون والسياسيون واللاهوتيون حول تحليلاتهم واستنتاجاتهم للزيارة ( المهمة جداً ) للعراق وبنظرتي البحثية البسيطة كوني أصنّف كـ ( باحث في الشأن السياسي والديني ومختص في المسيحية ) نقول ان الجميع لم يصلوا إلى حقيقة ابعاد تلك الزيارة ومستقبلية تأثيرها في المنطقة ( سياسياً وروحياً ) إلاّ النزر القليل ، ولا بد ان نشير بأيدينا جميعها وليس اصبعنا على ( المهندس الحقيقي ) لتلك الزيارة نكشف فيها عن دواخل ومنهج ونوايا واتجاه ( ذاك المهندس ) . من هنا كان لابد ان نضع عدّة تساؤلات وكما في كل مشروع بحثي لا بد من وضع تساؤلات للوصول إلى الحلول الحقيقية لخفايا أي معضلة .
من هو مهندس الزيارة وكيف اقنع الفاتكان بأهميتها ... ؟ : بالتأكيد كثيرون يعلمون ان المهندس وراء تلك الزيارة هو ( غبطة البطريرك لويس ساكو ) . بالتالي نحن على يقين ان غبطته لا يفكر او يعمل إلاّ وقد وضع تحت ناظريه مصالحه الشخصية حتى وان أدت تلك المصالح إلى سوء العواقب لرؤسائه ( الفاتيكان ) ولمرؤوسيه ( موظفو المؤسسة من الأكليروس الكلداني ) . وهنا تأتي مهمة الأقناع بأن الزيارة ستحقق ما كانت تحلم به دولة الفاتكان وخططها الجديدة وسنتكلّم عن ذلك في سياقات سرد الموضوع .
ملاحظة مهمة جداً : العقيدة الكاثوليكية هي العقيدة المسيحية الوحيدة التي تمثل ( الدين والدولة ) أي ان للعقيدة دولة تحكمها معترف فيها في منظمة الأمم المتّحدة ولها سياستها الخاصة التي تدير بها شؤونها السياسية المرتبطة بعقيدتها . وهذا يعني ان مفهوم ( دولة الفقيه ) ليس مفهوماً شيعياً بل اكتسبته العقيدة الشيعية من العقيدة الكاثوليكية لتجعل خصوصية دورها في المنطقة وبالتالي لشمول تأثيرها عالمياً .
الأبعاد السياسية للزيارة
اولاً : الهدف الحقيقي من الزيارة : وهنا لابد ان نتكلّم عن سياسة ومنهجية ( أيديولوجية ) الزائر وتطابقها مع اهداف الزيارة .
بالتأكيد البابا يمثل دولة مستقلّة منضوية تحت لواء الأمم المتّحدة وبذلك لها سياسة مستقلّة تبحث عن مصالحها لتعزيز وجودها على الساحة العالمية بغض النظر عن عقيدة تلك الدولة كون عقيدتها تسمح لها بالتفتيش عن مصالح رعاياها في دول العالم . من هنا نقول ان زيارة البابا يجب ان تبحث سياسياّ ( المصالح المشتركة بين دولتي " الفاتكان والعراق " ) مع الأخذ بنظر الاعتبار مصالح رعايا تلك الدولة " التبعية العقائدية " حيث يجب ان تدرج في جدول اعمال مباحثات الزيارة ويكون لها باب لمناقشته سياسياً ، هكذا تكون بروتوكولات العلاقات الدولية . وان خلت تلك الزيارة من عقد اتفاقات ( تجارية ، تعاون سياسي ، تعاون ثقافي ، اتفاقات عسكرية ... الخ ) هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى لخصوصية دولة الفاتيكان انها ( دين ودولة ) لذلك كان لها رعايا في دول العالم تتبعها عقائدياً ان كانت تلك الرعايا من أبناء البلد الأصلاء او من الجاليات التي تسكن البلد وشكّلت فيه تأريخاً مع أبناء البلد الأصلاء . وهنا لا بد ان نشير إلى خصوصية العراق كونه بلداً يحتوي على تاريخ قومي اصيل قبل ان يدخل المسيحيين إليه للبشارة فيتحوّل من خلال تلك البشارة إلى المسيحية وقبل ان يدخله الإسلام ويغيّر ايديولوجيته بأي شكل كان .. ! . من هنا كان لابد ان نشير إلى ان زيارة البابا يجب ان تشمل احد الجانبين ( السياسي او العقائدي ) او كلاهما وان خلت تلك الزيارة من هاتين المهمتين ستكون بمثابة ( زيارة سياحية ... !! ) . وهنا لا بد ان نشير إلى غبطة البطريرك ساكو في تصريحه الأخير الذي يكشف النوايا الشخصية من تلك الزيارة الذي نشره إعلام البطريركية ليوم 15 / 2 / 2021 بعنوان ( البطريركية تدعو المنتقدين لزيارة البابا ان يكونوا ايجابيين ) . نحيلكم للتمعّن به بهدوء . وهنا نقول ونظراً لذاك التصريح ستدرج زيارة البابا لهدفين أساسيين :
الأول سياحي ... !!
اما الهدف الثاني : وهو الأهم والذي هندس له غبطة البطريرك والذي اشرنا له في المقدمة واقنع الفاتيكان به هو توافق غاية البطريرك وطموحاته مع سياسة الفاتيكان في الآونة الأخيرة وتحركاتها الدولية وهي التمهيد لـ (( فتح باب العلاقات مع ( دولة الفقيه ) في ايران )) بواسطة تفعيل منظومة ( الحوار بين الأديان ) تبدأ من العراق . وهذه هي غاية ( مهندس الزيارة ) لكون هذا الدور سيكون مخصصاً له بالذات ولا ينافسه أحداً فيه ليتعزز شأنه السياسي في العراق ويمتد للدولة التي تسيّر امور العراق ( فلا نستغرب زيارة للبابا إلى إيران لاحقاً او لقاء مع قادتها الدينيين في أي مكان في العالم ) وتحت عنوان ( دوّل الفقيه تلتقي في حوار الأديان ) . وهنا لابد ايضاً ان نشير إلى انفتاح الفاتكان على المذهب السني وتوقيع المواثيق الحوارية بينهم وتعزز ذلك من خلال زيارته للمغرب وبعدها للإمارات ودعوة الشيخ زايد لمفتي الأزهر الدكتور الطيب للمشاركة في استقباله وبهذا كان لا بد للفاتيكان ان يفتح حواراً سياسياً مع المنظومة الشيعية في المنطقة " لاعتقاده " بأنه سيعمل على تكافئ كفات الحوار بين الفرقاء وسينعكس ذلك على وضع العراقيين المسيحيين إيجابياً وهنا تكمن مصلحة غبطته بتسليط الأضواء عليه مرّة ثانية بعد ان افسدها غبطته في فيديوهاته وكما اسميناها على التوالي ( الفيديو المصيبة ) التي فيه ( جدّف على سيده ومولاه وإلهه بأن اتهمه بأنه سباب وشتّام ) والثاني في ( الفيديو الورطة ) عندما تجاوز على عقيدة مسيحية اصيلة شرقية باتهامها على ان قداسها عبارة عن جولة سياحية في حديقة الحيوانات ، كذلك تجديفه على الكتاب المقدس بوصف السرافيم الملائكة انهم حيوانات " طيور " وعلى انبياء العهد القديم ( أشعيا ) هذه كلّها جعلت شعبيته تسقط في عيون الكثيرين فكان لا بد ان يتحرّك سياسياً ليكسب ود الأحزاب المسيحية والحزبيين والهواة من السياسيين وكذلك ( الخراف لتعود تمعمع له من جديد ) لتعويض تلك السقطات اللاهوتية بعد ان كشف الوجه الإيماني لغبطته .
رأينا السياسي : وكما قد بيّنا سابقاً موقفنا السياسي من ( الحوار بين الأديان ) وعدم جدوى ذاك الحوار لاختلاف الأيديولوجيات فالتقارب بين الأديان تحكمه ( ايديولوجياتها ) ومهما حاولت ( الانظمة الكهنوتيه ) عمل مثل تلك المقاربات سوف لن تفلح لكون الجميع سيحاول ان يسحب قناعاته الإيمانية على الحوار وبالتالي هي ( عملية اخضاع الآخر لمنهجه الأيديولوجي ) نعم ممكن ان يكون هناك توقيع على أوراق او التزام بروتوكولات سياسية لكن لا وجود لتطبيقها عملياً على ارض الواقع . والدليل على ذلك استمرار المنهج الإقصائي والعدائي ( قتل وتهجير وسلب وخطف وتدنيس دور العبادة ... الخ ) للمسيحيين في العالم وخاصة في الشرق منه " ونخص افريقيا ونيجيريا مثلاً بسيطاً " والدول الغير مستقرّة سياسياً في المنطقة او التي تخضع بشئ لمنظومة ( الدولة الإسلامية السياسية ) والتي تدين بالمذهب السني على الرغم من توقيع الوثائق بين ( دولة الفاتيكان والمذهب السني ) ماذا فعلت تلك الاتفاقيات معهم ... ؟ لا شيء على ارض الواقع وابسط عملية ان كل تلك المواثيق لم تستطيع ان توقف الخطاب الديني المتطرّف ضد المسيحيين " وهذا ابسط الإيمان " ... إذاً ما فائدة جميع تلك المواثيق والبروتوكولات ... ؟ فقط استغلّت تلك المواثيق لتحسين الوجه العنصري للإسلام السياسي .
نتائج الزيارة :
اولاً على صعيد مهندس الزيارة غبطة البطريرك :
1 ) تصعيد نجم مهندس الزيارة للتعويض عن فقدانه شرعية قيادته للكرسي الكلداني لقصر نظره سياسياً ولاهوتياً وتثبيت كرسيه بعد ان اهتز .
2 ) محاولة تثبيت منهجه السياسي على المؤسسة الكلدانية وبذلك لتمرير أي شأن لم يستطع تمريره سابقاً " الطقس اللغة ... الخ " .
3 ) سيكون له ( ظهر ) في الحكومة العراقية وهذا ما كان يسعى له باستماته لغرض فرض سيطرته اولاً على الأكليروس وتخويفهم لضمان بقاءه على سدّة المسؤولية ومحاربة أي تكتّل يقام ضدّه في داخل العراق كما فعل هو في ( تكتل مطارنة الشمال ) .. بالإضافة إلى تقوية حضوره في الدولة ونصره على السياسيين من المحسوبين على الشيعة وسنشهد تصاعد التوتر بينه وبين الكلداني وآخرين ممن لم يقيموا له اعتبار سياسي وهذا هو ( طبعه الانتقامي ) .
ثانياً على صعيد الدولة العراقية :
1 ) إعطاء شرعية لواحدة من افظع واشرس الأنظمة الدكتاتورية التي تحكم باسم الديمقراطية .
2 ) إعطاء الشرعية الدولية للفساد الإداري والمالي في نظام تم تصنيفه عالمياً على انه من ضمن افسد عشرة دول مالياً في العالم ... وبذلك ستغبن جميع حقوق الشعب المسكين وسيبقى الموت جوعاً للفقراء شعار دولة العراق .
3 ) إعطاء شرعية لأحزاب السلطة وميليشياتها المسلّحة .
وهكذا فبدل ان تبقى سمعة الفاتيكان كدولة عقائدية إنسانية ستتلطخ بأنها دولة ( راعية للإرهاب وداعمة له على حساب الإنسان العراقي البائس ) وهذا غير مهم للشخصية الميكافيلية التي يتمتع بها غبطته . لكون مسيحيي العراق المهاجرين لا ولن يعودوا إلى ارض الوطن بعد ان استقروا في بلدان الكرامة والحرية والأمان ولا مسيحيي الوطن ستعمّر بيوتهم وتعاد أموالهم المسلوبة واراضيهم المغتصبة ولا سيتمتعون بأي حماية حكومية كانت او غيرها واحتمال كبير بأنه سيتم الضغط على المسيحيين المنتظرين في دول الانتظار ولربما ستخرج عليهم قوانين جائرة تطالب عودتهم إلى العراق او ستسد العديد من الدول أبواب سفاراتها بأوجههم .
والذي يعتقد بأن هذه الزيارة ستأتي بأكلها من مستقبل مشرق للمسيحيين او أي مكوّن ديني قومي فهو يعيش أحلام اليقظة ويأكل من حشيش مراعي ( النظام الكهنوتي ) .
بعد الزيارة الميمونة للبابا فإن تحققت رؤيتنا السياسية للموقف او أجزاء منه نعدكم بنشر الموقف الذي يجب ان يكون كردّة فعل شرعية للنتائج التي توقعناها وسنصدم فيها كثيرين بمشيئة الرب .
مع الجزء الثاني قريباً جداً : الأبعاد اللاهوتية لزيارة البابا إلى العراق .
تحياتي الرب يبارك حياتكم واهل بيتكم .
اخوكم الخادم حسام سامي 17 / 2 / 2021