من هو الدفـــتردار السكّيـــر / عِبــْـرةٌ وعَبــْــرَه .
يُلام المرء أحيانا على التكرار,لكن ليس عندما يكون في الاعاده سبب و مدعاة .
يُحكى عن والي بغداد العوصمللي,أنه إحتاج الى مترجم يجيد التركيه والعربيه, فأصدرأمرا لإثنين من جندرمة القصر للبحث عن شخص يجيد تأدية المهمه ,قضى الإثنان النهار بطوله دون أن يعثرا على المُراد ,ولشدة خوفهما من عقوبة العودة للقصربخفي حنين, استمرا في التجوال الى ان عثرا في ساعة متاخره من الليل على سكران كان يغني بالتركيه منزوياً في احدى زوايا حانه ليليه ,توسّل صاحب الحانة وروادها من الجندرمه ان يتركا البغدادي المسكين وشأنه كونه مظلوم اجبرته مشاكل الدنيا على ادمان السكر والغناء الشجي ,لم يستجيبا فاصطحباه عنوة ً.
وفي الصباح الباكر,حلقوا شعرالسكير, ثم غسلوا جسمه و البسوه ملابس تليق بالمثول امام الوالي,سأله الوالي بالتركي عن إسمه. فأجابه افندم المنطقه تناديني بــ أبوكَنــّو.شكرالوالي جندرمته , وتقررتعيينه كمترجم في القصر,مرت الايام والوالي يزداد اعجابا بلغة المترجم ,بينما وجهاء الولاية لم يطمئنوا للحظةٍ من سلوك المترجم , وما زاد من استياءهم ,قرارالوالي بترفيع المترجم الى منصب دفتر دارالولايه بصلاحيات الآمر والناهي في شؤون الولايه الماليه والاداريه,وزادعليها السماح له باقامة سهرات شرب الخمر وجلب الغواني والغلمان داخل القصر يومي الخميس والجمعه لكسب التجاروالمستثمرين .
مرت الشهور واوضاع الولاية المتدهوره تسير من سيئ الى أسوء من دون ان ينتبه الوالي لشكاوى الناس , بالنتيجه قررالاهالي والتجار قطع زياراتهم للقصر ومقاطعة سوق الولايه والذهاب الى سوق آخرعلّهم يصونون فيه كرامتهم ويأتمنون على أموالهم, كان وقع هذه المقاطعه شديدا على الوالي مما اظطره الى عقد جلسه مع الدفتردار لإستقصاء مسببات ما يجري.
إجتمع الإثنان في إحدى شُرف القصر المطلّه على السوق الكبير في الولايه , ثم بدأ الوالي يوجه سؤالا تلو الآخر الى دفترداره الذي فاحت رائحة الخمر من فمه,استغرب الدفتردار من عصبية الوالي وكثرة اسئلته,فإختطفته صفنة ثمالته وعقدت لسانه,فجأة مرت جنازة ميت أمام القصر فطلب الدفتردارمن الوالي السماح له بدقيقتين للنزول الى موكب الجنازه لتوديع ابن ولايته المتوفى ,نزل الدفتردارمسرعا ثم عاد ليرى ازدياد غضب الوالي من تصرّفه.بكل برود قال الدفتردارمخاطبا الوالي : مولاي أرجو ان تهدأ كي تسمع الحقيقة من الثمل ثم افعل به ما تشاء, سأجيبك على اسئلتك بعين الكلام الذي همسته للتو في اذن الميت. استغرب الوالي من كلام الدفتردار,هل جننت يا ابو كنو؟ هل انت ساحر كي تكلّم الاموات؟ هات ما عندك بسرعه من دون لف ودوران ! .
نهض ابو كنو على رجليه ثم راح يعيد ما همسه في أذن الميت ولكن بصوت مرتفع:
(يا ايها المغادرالى دارالحق,بـلــّغ رب الكون وأسلافنا الراقدين,قل لهم بحق السماء,إني بريئ مما حلّ في الولاية براءة الذئب من دم يوسف,فالولايه التي يديرها حاكم يمنح سكيرامثلي كل هذه السلطة والامتيازات,فهو حاكم أرعن يستحق الرجـــم).
بعد هذه التجربه التي خاضها أبو كنوّ بين السكر والغناء وبين الترجمة والدفترداريه,رقد على رجاء يوم الدينونة, ومن رقدته ارشدته غيرته الى استرجاء الأخلاف بالانتباه والحذر من منح السكير الثرثار شهادة العمل كمترجم ثم دفتردارا في القصر.
من ارشيفي عام 2009 و 2010